الكتاب: شرح الأسماء الحسنى
المؤلف: الملا هادى السبزواري
الجزء: ٢
الوفاة: ١٣٠٠
المجموعة: مصادر التفسير عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي - قم - ايران
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية

شرح الأسماء الحسنى قسم الثاني
مخفى نماناد كه چون أين بنده مذنب جانى محمد حسين كاشاني هنگام كتب وطبع كتاب
مستطاب شرح چوشن كبير بمطالعه ء نسخه ء شريفه ء شرح دعاء صباح فيض اندوز أمده
مناسب ديدم
كه انرا نيز بزينت طبع
دراورده در يك
مجلد قرار
دهم
مانند
دو گوهر غلطان
كه در يك درج جاى گيرد يادو
يا دو اختر تابان كه از يك برج
طالع أيد الحمد لله ثم الحمد لله كه بانجام
أين مهم موفق گرديده شايسته تحفه ء وبايسته
هديه ء زي أرباب دانش وأصحاب بينش
اوردم وتصحيح ومقابله ء أين
دو نسخه ء شريفه را عاليجناب مستطاب
قدسي ألقاب
فضايل
وفواضل اكتساب
زبدة الأصحاب
وعمدة الأحباب
ملا أبو القاسم كاشاني مساعدتي تمام وجهدي ما لا كلام مبذول داشتند اميد كه جناب
ايشان وأين حقير بينام ونشانرا بدعاء خير خصوصا در مظان استجابت ياد اورده همت دريغ ندارند
والسلام على من اتبع الهدى
1

هذا شرح شريف للدعاء المشهور
بدعاء الصباح الموسوم بمفتاح الفلاح
ومصباح النجاح المنسوب إلى البارع الفايق
كلام الله الناطق أمير المؤمنين
صلوات الله وسلامه عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي مد سير نوره في المجالي والمواد من صباح الا زال إلى مساء الآباد كلمح بالبصر
أو هو أقرب عنده مع أنه وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى عدة ومدة وشدة تجلى ذاته بذاته لذاته
فتردى برداء كبرياء صفاته ثم تأزر بازار عظمة صور أسمائه وآياته فسبحانه من عظيم لا يمكن للبشر احصاء
ثنائه وان احصى واثنى فباحصائه واثنائه فهو كما اثنى على نفسه القديم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
ان تجلى بأسمائه التنزيهية على ملائكة السماوات فأنشأوا يصدحون يا سبوح يا قدوس يا من
لا شبيه له ولا نظير وتجلى بأسمائه التشبيهية على أنفس العجماوات فجعلت تتذكر يا شهيدا على كل شئ
يا سميع يا بصير فقد تجلى بجميع أسمائه الحسنى على هيكل التوحيد ومجمع التفريد المخلع بخلعة انا عرضنا
والمكرم بتشريف ولقد كرمنا فطفق يذكر بلسان وجوده الأتم الأكرم اسمه الأعظم الأفخم
خصوصا الانسان الكامل منبع الفضايل والفواضل ولا سيما المنتخب من المنتخب محمد سيد العجم
والعرب صلى الله عليه وآله شموس فلك الولاية ومشاعل اعلام الهداية ليوث الوغى
وغيوث الندى ووسايط فيض الله تبارك وتعالى في الآخرة والأولى سيما صاحب
الولاية الكبرى العلى العالي الا على وبعد يقول العبد المحتاج إلى رحمة الله الباري
الهادي بن المهدى السبزواري غفر الله تعالى لهما لما كان الدعاء المشهور الموسوم بمفتاح الفلاح
ومصباح النجاح المنسوب إلى البارع الفايق كلام الله الناطق الذي كلامه فوق كلام المخلوق
ودون كلام الخالق عالي الأساليب شامخ التراكيب منطويا في مضامينه مطالب عاليه أثمانها غاليه
وما ادراك ماهيه جنة عاليه ليس لها ثانيه فيها انهار جاريه وجوار ساقيه وازهار ذوات
روايح زكية ذاكية أطيب من المسك والعنبر والغالية فاشية على الحاضرة والبادية
2

لا يخفى شذاها الا على الخياشيم الجاسية والقلوب القاسية والصدور الغليلة القالية
أردت ان اشرحه شرحا يذلل صعابه ويكشف نقابه ويوضح اغلاق لفظه ومعناه ويبين أعماق
قشره ومغزاه وما تقاعدت في منازل تفسير ظاهره وتنزيله بل استشرفت إلى ذروة مقام
باطنه وتأويله إذ التفسير بلا تأويل كصباحة بلا ملاحة بل كشبح بلا روح وقد دعاه أشرف الخلق
لا كرم أحبائه بقوله اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل واستمد في ذلك باطنا
وظاهرا من جنابهم واقتبس معنى وصورة من مشكاة أنوار خطابهم إذ عطاياهم لا يحمل الا مطاياهم
وما ربهم لا توقر الا مراكبهم كل ذلك بعون الله وحسن توفيقه انه خير موفق ومعين قال (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه
في بعض النسخ اللهم يا من دلع اللهم أصله يا الله فالميم عوض عن يا ولذا لا يجتمعان وقيل أصله يا الله
أمنا بالخير أي أقصدنا به فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل والهمزة وعلى أي تقدير فهو
مجمل يفصله الأوصاف التي بعده فيكون فيه إشارة إلى مقامي التفصيل في الاجمال والاجمال في التفصيل
والكثرة في الوحدة والوحدة في الكثرة والله أصله.. لمناسبة ان الدايرة أفضل الاشكال واصلها
وانه لا نهاية لها لان تناهى الخط بالنقطة وان البدو والختم فيها واحد وقد تكتب بالدايرتين إشارة إلى
الجمال والجلال وقد تكتب بدايرة واحدة إشارة إلى اتحاد صفاته تعالى هذه هي المناسبة بحسب الرسم
واما بحسب اللفظ والنطق فلانها الجارية على أنفاس الحيوانات كلها سواء كانت أهل الذكر والعلم
بالعلم التركيبي أولا بل بالعلم البسيط ثم اعرب بالضمة إشارة إلى ترفع المسمى تعالى شانه ثم تارة
أشبع إشارة إلى أنه فوق التمام وانه فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى عدة ومدة وشدة فصار هو قل هو الله أحد
وتارة الحق لام الاختصاص والتمليك فصار له فله الخلق والامر ثم أشبع فتح اللام إشارة
إلى أن من عنده الفتوح التام فصار لاه ثم الحق لام التعريف إشارة إلى تشخصه الذاتي ومعروفيته
لما سواه كما قال تعالى أفي الله شك فاطر السماوات والأرض فصار الله وفى هذا الاسم
الأعظم اسرار لا تحصى وكلمة يا هي هو لان كل واحد منهما أحد عشر والعدد روح والحرف جسد فهو سار
في جميع الأسماء المفتتحة بها وهي التي في التركيب الابتثى خاتمة الحروف فجعلت فاتحة الأسماء
التي هي مفاتيح الغيب وفواتح الأشياء وأقدمها إشارة إلى أن الأول هو الأخر والاخر هو الأول
3

كما أشير إلى هذه الدقيقة في بينة الياء التي هي اخر الحروف الهجائية فجاء اخرها الألف كما أن أولها الألف
ثم إن زبرها العشرة التي هي المراتب الخمس في قوس النزول والمراتب الخمس في قوس الصعود ولذا تكتب
بصورة قوسين وجامع العشرة الكاملة هو الانسان فزبر الياء وظاهرها العشرة التي هي شرح الانسان
الكامل الذي هو شرح الاسم الأعظم بل هو عين الاسم الأعظم وفى الوحي الإلهي يس والسين
حرف الانسان لكونها ميزان الحروف لمعادلة زبرها وبينتها حيث إن كلا منهما ستون وهذا من
خاصية هذا الحرف العلى والانسان الكامل ميزان الله تعالى لمعادلة قويته العلامة والعمالة ولمعادلة مجمله
مع مفصله الذي هو العالم الكبير وقد ورد ان الميزان هو أمير المؤمنين علي (ع) ومن موصوفة أو موصولة
والثاني أليق ليكون تنبيها على أنه تعالى هو المعروف بتلك الصلات والصفات عند الفطرة الأولى التي
فطر الناس عليها فلا يذهب العقول إلى غيره تعالى حتى عقول الكفار كما قال تعالى ولئن سئلتهم من خلق السماوات
والأرض ليقولن الله وحين قال الخليل (ع) ان الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من
المغرب لم ينكره نمرود بل بهت لان فطرته حاكمة بان القادر على ذلك ليس الا هو ودلع لسانه
وادلعه أخرجه وتشبيه الصباح في النفس بالشخص المتكلم استعارة مكنية واثبات اللسان الذي
هو من ملايمات المشبه به استعارة تخييلية كما في قوله وإذ المنية انشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع والمراد بلسان الصباح إما الشمس عند طلوعها واما النور المرتفع
عن الأفق قبل طلوعها ويق له عمود الفجر والفجر المستطيل وبلج الصبح أضاء وأشرق كانبلج وتبلج وأبلج وكل
متضح أبلج ورجل بلج طلق الوجه ويق لنقاوة ما بين الحاجبين البلج ومنه قول الحريري والذي زين
الجباه بافطرر والعيون بالحور والحواجب بالبلج والمباسم بالفلج والباء في نطق للملابسة والجار
والمجرور حال من اللسان وإضافة النطق إلى التبلج بيانية أو لامية أو من قبيل لجين الماء في قوله
والريح تعبث بالغصون وقد جرى * ذهب الأصيل على لجين الماء والضمير للصباح ويمكن ان يكون
لمن دلع وكذا الضماير التي بعده بان يكون الإضافات من باب الإضافة لأدنى ملابسة وهو كون المضافات
معاليل الله تعالى والملك لله كقوله تعالى ولا اعلم ما في نفسك على أن يكون المراد هو النفس الكلية لا على أن
يطلق النفس على ذات الله تعالى من باب صنعة المشاكلة أو يكون الإضافة هنا من إضافة المصدر إلى المفعول
أي بناطقيته لأجل اشراقه الحسى باشراق الله المعنوي فان الله نور السماوات والأرض نورا عينيا قيوما
4

مقوما للأنوار المجردة القاهرة والأنوار الاسفهبدية الفلكية والأرضية والأنوار العرضية الشمسية والقمرية
والنجومية والسرجية كلها اظلال لنور الله الحقيقي العيني القيومي دالات عليه ناطقات بتمجيده تنوير فتاحي
لتأويل صباحي تأويل هذه الفقرة انه تعالى اخرج لسان صبح الأزل من مطلع مرتبة الظهور والاظهار
متنطقا بالنطق التكويني وكلمة كن الوجودية المنشعبة إلى كلمات غاليات ونازلات لا تنفد ولا تبيد ولو نفد
البحار المعربة عما في الضمير المكنون المخزون وتبلجه اشراقه المعنوي القيومي المذكور انفا الذي تلألأ به
مهيات الأرواح والأشباح واستصبحت بهذا الاصباح فيكون هذا الصباح موافقا لصبح الأزل
الذي أجاب به صاحب هذا الدعاء عليه آلاف التحية والثناء كميل بن زياد حين سئله عن الحقيقة بقوله (ع)
نور يشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد اثاره بعد أجوبة أخرى والحديث
مشروح بالتفصيل مشهور بين أهل الحقيقة بيان ذلك ان لله تعالى تجليات تجل ذاتي هو تجلى ذاته بذاته على
ذاته إذ لم يكن اسم ولا رسم وتجل صفاتي هو تجلى ذاته في أسمائه الحسنى وصفاته العليا على وجه يستتبع تجليه
في صور أسمائه وصفاته أعني الأعيان الثابتة اللازمة للأسماء والصفات لزوما غير متأخر في الوجود بل هي
هناك موجودة بوجود الأسماء الموجودة بوجود المسمى جل شانه وهذا التجلي يسمى بالمرتبة الواحدية كما أن الأول
يسمى بالمرتبة الأحدية وتجلى افعالي هو تجلى ذاته بفعله وهو الوجود الانبساطي على كل مهية مهية من الدراة البيضاء
إلى ذرة الهباء في كل من الجبروت والملكوت والناسوت بحسبه وهذا مسمى بالرحمة الفعلية كما أن الثاني مسمى
بالرحمة الصفتية وهذا بالفيض المقدس وذاك بالفيض الأقدس وصبح الأزل يمكن ان يراد به الثاني كما يمكن
ان يراد به الثالث وبيان النطق الحقيقي للصباح سواء كان صباح عالم الصورة أو صباح عالم المعنى ان
النطق الظاهري اللفظي انما يكون نطقا لكونه وجودا كاشفا عن وجود ذهني وهو عن وجود عيني لا لكون خصوصية
الصوت معتبرة فيه حتى لو لم يكن صوتا لم يكن نطقا وانما هذه بالمواضعة للتسهيل كما أن كاشفيته عن وجود
آخر ذهني بالمواضعة ودلالته بالوضع لا بالطبع ولو كان بالطبع لأكد نطقيته كما في الوجودات الذهنية
بالنسبة إلى الوجودات العينية ولذا يمسى العقول المدركة للكليات نواطق والنفس ناطقة وقيل شعرا
ان الكلام لفى الفؤاد وانما * جعل اللسان على الفؤاد دليلا والأشاعرة ذهبوا إلى الكلمات
النفسية ولكن لا وجه للتخصيص فاذن إن كان بدل الكيفيات المسموعة الموضوعة أشياء أخرى موضوعة
بحيث يكون حضور الأشياء الدالة منشأ لحضور الأشياء المدلولة في الذهن كان حالها ح حالها
5

إذا عرفت هذا فاعرف ان كل وجود له دلالة ذاتية بوضع إلهي على جهة نورانية هي وجه الله فيه كما
قال تعالى أينما تولوا فثم وجه الله وقال المتألهون كل موجود ذو وجهين وجه من ربه ووجه من نفسه
فالدال جهته النفسية وللدلول جهته الربانية وتلك الجهة النورانية الربانية في عين كونها واحدة
لها شؤون غير متناهية وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وما نفدت كلمات الله
والوجودات بما هي مضافات إلى المهيات كلماتها وتسبيحاتها وتمجيداتها وبما هي مضافات إلى الله تعالى
كلماته وخطاباته المتعلقات باسماعها الثابتة كأعيانها وسرح قطع الليل المظلم
بغياهب تلجلجه التسريح الارسال وتسريح الماشية أسامتها ومنه قوله
ولقد نهزت مع الغواة بدلوهم * واسمت سرح اللحظ حيث أساموا فتشبيه قطع الليل
في النفس بقطع المواشي استعارة بالكناية واثبات التسريح لها استعارة تخييلية وفيه ايماء إلى مسخريتها
لله تعالى وانها متحركة بتحريك الملائكة الموكلة بها التي هي أيدي عمالة لله تعالى كتسخر قطيع الغنم للراعي وأيضا
التسريح التطليق ومنه قوله تعالى أو تسريح باحسان وأيضا حل الشعر وارساله ومنه اطلاق المسرح
(كمنبهى)؟؟ على المشط وح كان فيه تشبيه الليل بالشعر والقطعة بالكسر الطايفة من الشئ والمراد بقطع الليل ساعاته
ودقايقه وثوانيه وهكذا لأنه الكم المتصل الغير القار القابل للقسمة إلى غير النهاية واما القطع كما في قوله تعالى
بقطع من الليل فهو مخصوص بظلمة اخر الليل أو بقطعة من أوله إلى ثلثه والظلم من أظلم بمعنى صار ذا ظلمة
كما في قولهم اغد البعير أي صار ذا غدة والغياهب جمع الغيهب أي الظلمة والشديد السواد من الخيل واظلام
الليل بمرور الشمس في قوس الليل ووقوع المخروط من ظل الأرض فوق الأرض والتلجلج التردد في الكلام
لثقل لسان أو دهشة وخشية ومنه قولهم الحق أبلج والباطل لجلج أي الحق ظاهر والباطل غير مستقيم
بل متردد ولجة البحر تردد أمواجه ولجة الليل تردد ظلامه وأضيف التلجلج إلى الليل لان (الأشباء فيه غير متخيرة)؟
مثل كلام المتلجلج فكأنه الحيوان الا بكم والنهار هو الحيوان الناطق والباء في قوله (ع) بغياهب إما للمصاحبة
متعلقة بسرح واما للسببية متعلقة يا لمظلم ويمكن على الأول جعل التلجلج من لجة البحر والغياهب الخيل
الشديدة السواد تشبيها فيكون أوفق بالتسريح بمعنى الاسامة لمعات واشراقات لتأويل الظلمات
التأويل ان يراد بقطع الليل المهيات المطلقة والمواد المختلفة بالنوع الفلكية والمادة العنصرية الأولي
والمادة المجسمة الثانية أنفسها وظلماتها امكاناتها الذاتية وامكاناتها الاستعدادية ففي الفقرة
6

الأولى تكلم في المنير والأنوار التي هي من صقع الفاعل وفى الثانية تكلم في المظلم والظلمات التي هي
من ناحية القابل حتى يظهر للناقد البصير والمتوقد الخبير ان الملك لله تعالى والأنوار من صقعه وانه نور كل نور وظهور
كل ظهور والفعليات والكمالات كلها طوارى وعواري للمواد وليس لها في ذواتها الا الفقر والامكان
فان نسبة الشئ إلى فاعله بالوجوب والوجدان والى قابله بالامكان والفقدان فإذا أخذت المهيات
والمواد بشرط لا ظهرت مقابحها ومساويها وان البقا والدوام لباريها وان الثبات والفعلية تعودان
إلى عالم الربوبية وان الدنيا ونشأة الطبيعة داثرة فانية كما انها متجددة حادثة وأتقن صنع
الفلك الدوار في مقادير تبرجه انما سمى الفلك فلكا تشبيها بفلكة المنعزل في
الدوران وفى ان يكون له المنطقة والمحور والقطبان والفرس أيضا سموه آسمان تشبيها له بالرحى لان
آس بلغتهم الرحى ومان كلمة التشبيه والله سبحانه اتقن صنع الفلك ذاتا وصفة إما الذات
فلان مادته أقوى من المادة العنصرية حيث إن مادة الفلك مخالفة بالنوع لمادة العناصر بل المواد
العشر للعوالم العشرة متخالفات بالنوع ونوع كل واحدة منها منحصر في شخص فالمادة العنصرية
لضعفها مشتركة بين العناصر والمواليد تخلع صورة منها وتلبس أخرى والمادة الفلكية لقوتها تتأبى
كل نوع منها عن قبول غير صورتها ولا تخلى سبيلها وصورته احكم الصور إذ لا تقبل الانقلاب والكون
من شئ والفساد إلى شئ وان قبل الوجود الاختراعي والفناء المحض والطمس الصرف كل شئ
هالك الا وجهه والسماوات مطويات بيمينه ولا تقبل القسر والتضاد لتفسد بحول الضد
وطروه في موقع الضد الأخر ولذا لا شر ولا ضر هناك ولا تركيب فيها حتى تدخل تحت قاعدة كل مركب
ينحل ونفوسه أشرف النفوس الأرضية من حيث هي أرضية لان نفوس الأفلاك ملائكة مشتاقون
لقاء ربهم الاعلى ومن زمرة المدبرات أمرا كما أن عقولها ملائكة مقربون عشاق إلهيون ومن زمرة الصافات
صفا فليس الباعث على تحريك تلك النفوس أمرا شهويا أو غضبيا كجلب ملايم بدني أو دفع منافر
بدني لبرائتها عنهما فوجود الشهوة والغضب فيها معطل عبث ولا نفع السوافل بالذات إذ لا التفات
للعالي إلى السافل بالذات فتحريكها لأجل أمر عقلي عظيم الخطر جليل الشأن وهو التخلق باخلاق الملائكة المقربين
من العقول التسعة كما أن غرض النفوس القدسية الناطقة المستكملة الأرضية في حركاتها العلمية والعملية
هو التخلق باخلاق روح القدس من العقل العاشر والعقول لما كانت من صقع الربوبية واحكام السوائية
7

من المادة ولواحقها ولو كانت المادة بمعنى المتعلق فيها مستهلكة لأنها قدرة الله ومشية الله وكالمعنى
الحرفي بالنسبة إليه كانت النفوس الفلكية في الحقيقة عشاقا لله راجين لقائه متواجدين في عشق جماله
وجلاله هذا بلسان ونساكا إلهيين وعبادا ربانيين حول كعبة وصاله هذا بلسان اخر قال المعلم الثاني
صلت السماء بدورانها والأرض برجحانها والماء بسيلانه والمطر بهطلانه وقد يصلى له ولا يشعر ولذكر
الله أكبر وفى كون الأفلاك ذوات نفوس قولان أحدهما ان لكل كرة في فلك نفسا وثانيهما ان
النفس للفلك الكلى والأفلاك الجزئية والكوكب فيه كالآلات وما يق انه يستفاد من بعض الأخبار
انه لا حياة للافلاك وانها كالجمادات فليس كذلك ولو دل بظاهره لكان فيه إشارة إلى انها بمقتضى
التوحيد حيوتها مستهلكة في حياة الله تعالى كما أن ارادتها مستهلكة في ارادته وفعلها في فعله واحكام الظاهر
غالبة على احكام المظهر بخلاف العنصريات فينعكس الحكم ههنا الا ان تشابه الفلك والملك فالحكم الحكم
وكفى في ذلك قول سيد الساجدين وزين الموحدين علي بن الحسين (ع) مخاطبا للهلال السلام عليك
أيها الخلق المطيع الدائب في فلك التقدير ونعم ما قيل از ملك نه فلك چو كردانست
ملك أندر تن فلك جانست * عرش وكرسي وجرمهاى كرات * كمترند از بهايم وحشرات
خنفسا ومكس حمار قبان * همه با جان ومهرومه بيجان واما الصفة فلان حركته أتم الحركات
وأقدمها وأدومها إما انها أتم فلان كل حركة هناك لا تقبل السرعة والبطوء والزيادة والنقصان
كالدائرة بخلاف الخط المستقيم مثلا واما انها أقدم فلانها راسمة للزمان الذي لا يتقدم عليه شئ
تقدما زمانيا والسابق عليه هو الباري وأسماؤه واما انها أدوم فلانها رابطة الحوادث إلى القديم فلا
تنقطع الا إذا انقطع الفيض وفيض الله لا ينقطع وسيبه لا ينبت ونوره لا يأفل وقدرته لا تمل ولا تكل
وان وضعه أجدى الأشياء نفعا وأكثرها اثرا فان الله سبحانه جعل الأمور الأرضية منوطة بالأوضاع
السماوية واوضاع ثوابته كل مع الأخر أدوم الأوضاع وأثبتها وان شكله أفضل الاشكال فان الشكل الكروي أفضل الاشكال حيث إنه
ببساطته ووحدته يحاكى عالم الوحدة والبساطة وبعدم انتهاء سطحه حيث إن نهاية السطح هي
الحظ ولاحظ بالفعل في الكرة يحاكى عدم نهاية علم الله وقدرته وكلماته وباستواء نسبة مركز الكرة
إلى جميع أقطارها وكون كل موضع من محيطها وسطا يحاكى استواء نسبة الرحمن إلى الكل وأيضا
الشكل الكروي أصون عن الفساد ولذا كان الفاعلون بالصناعة إذا قصدوا صيانة مصنوعاتهم
8

عن الضياع جعلوها كرات قال تعالى وجعلنا السماء سقفا محفوظا وقال وبنينا فوقكم سبعا
شدادا وان اينه أعلى الايون كيفه كميله وارادته وعلمه أجل الكيفيات وان كمه المتصل أصح الكميات
وأمثلها إذ لا يسوغ عليه النمو والذبول والتخلخل والتكاثف بل كل فلك وفلكي إذا جعلها الجاعل
الحق تعالى جعلها متقدرا بمقداره اللايق به وأيضا كمه أعظم الكميات وكيف لا وكثير من الكواكب
اضعاف اضعاف الأرض فضلا عن نفس الأفلاك وان كمه المنفصل أكمل الكميات المنفصلة فان
عدد الأفلاك تسعة والتسعة أصول العدد ولذا كان الأرقام تسعة لا غير والتسعة عدد أرقام ادم هكذا
441 وجمع العدد من واحد إلى تسعة خمسة وأربعون وهو عدد ادم وادم هو النوع الأخير الذي هو
كمال الأنواع فالكامل للكامل واما ان عدد الأفلاك تسعة لا أكثر ولا أقل فهو منهج التحقيق الحقيق بالتصديق
وان تفوه بعض العلماء بغير ذلك إما في جانب الكثرة فربما ينسب إلى الشيخ الرئيس أبى علي بن سينا
انه احتمل ان يكون الثوابت كل في فلك لكنه باطل لأنه إما ان يكون كل واحد منها متحركا بذاته فيكون انقضاء
حركة الكل في زمان واجد وهو خمسة وعشرون الف سنة ومائتان على سبيل الاتفاق مع أنه لا نظام في
الاتفاقات وكيف يتساوى الكل في الحركة وهي مختلفة عظما وصغر الإحاطة بعضها ببعض ومختلفة
نوعا إذ الأفلاك والفلكيات لا يوجد فيها نوع متفق الافراد بل كل نوع منحصر في شخص واما ان يكون الكل
متحركا بالتبع لفلك أعلى منها ولم يكن لذواتها حركة بالذات وكيف يكون هذا وما بالعرض لابد وان ينتهى
إلى ما بالذات كما في حركات الأفلاك الثمانية من المشرق إلى المغرب بتبعية الفلك الأطلس واما
في جانب القلة فقد احتمل المحقق الطوسي س ان يكون الأفلاك ثمانية ويكون الحركة السريعة بنفس تحركها
هذه الحركة وهذا أيضا باطل إذ ليس لمجموع الثمانية وجود اخر في الخارج وراء وجود كل واحد فلا نفس أخرى له
وراء نفس كل واحد التي تحركها الحركات الخاصة وهل يكون لمجموع رجل وفرس وثور مثلا نفس
أخرى وراء النفوس الثلث المتعلقة بها وأيضا كيف يحرك النفس الكلية المجردة الجسم والفاعل المباشر
للتحريك مطلقا هو الطبيعة والحركة الجزئية لا تستقيم بالتصور الكلى والإرادة الكلية من دون مخصص
جزئي كتصور جزئي خيالي وشوق مخصوص منبعث من نفس منطبعة جزئية والا لزم التخصيص بلا مخصص فلم
تتحقق الحركة الجزئية والطبيعة والنفس المنطبعة لابد لهما من جسم تسرى وتنطبع فيه وراء الأجسام الثمانية
لأنها محال لطبايعها ونفوسها المنطبعة فيها المخصصات لحركاتها الخاصة ولا يمكن في الجسم البسيط الابداعي
9

حلول مبدئي ميلين متضادين ونفسين منطبعتين فثبت جسم تاسع هو جسم الكل وفلك الكل وبأبطال
المبادى والقوى يؤل أمر تلك النفس الكلية التي احتملها إلى العقل هف هذا وقس اتقان صفات الفلك
التي لم نذكرها على التي ذكرناها والتبرج اظهار الزينة كما في قوله تعالى تبرجن تبرج الجاهلية وجميع
ما ذكرنا مع أنه بالنسبة إلى ما لم نذكر قليل من كثير وحقير من خطير مقادير تزيين الفلك بعناية الحكيم العزيز
القدير قال تعالى ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وقال أيضا ولقد زينا
السماء الدنيا بمصابيح وكم من آيات كثيرة فيها تفخيم أمر السماء وتبجيل شأنها نعم هو مظهر ديمومة
الله تعالى وفعاليته وتربيته وهو معدن ذكر الله والبيت المعمور بعبادة الله كما قال (ع) أطت السماء
وحق لها ان تأط ما فيها موضع قدم الا وفيها ملك راكع أو ساجد وفى ذكر التبرج
ايهام إذ له معنى قريب بمعونة ارداف الفلك وهو كونه ذا برج ومعنى بعيد وهو ما مر وأريد به البعيد
ولو قيل إن المعنيين متساويان في القرب والبعد كان من باب محتمل الوجهين المسمى عند البديعيين بالتوجيه
وبيان كون الفلك ذا بروج ان منطقة فلك الثوابت المسماة بمنطقة البروج لما كانت مقاطعة
لمنطقة الفلك الأعظم المسماة بمعدل النهار كانتا لامحة متحدتين في نقطتين مسماتين بنقطتي غاية
القرب وبنقطتي الاتحاد وبنقطتي الاعتدال إحديهما نقطة الاعتدال الربيعي والاخرى نقطة الاعتدال الخريفي
ومتباعدتين أيضا بنقطتين هما نقطتا غاية البعد ونقطتا الانقلاب تسمى إحديهما نقطة الانقلاب
الصيفي والاخرى نقطة الانقلاب الشتوي وبهذه النقاط الأربع انقسمت منطقة البروج أرباعا
ثم كل ربع انقسم بحسب القرب من غاية القرب والقرب من غاية البعد والتوسط بين الغايتين إلى
أقسام ثلثة والمجموع اثنا عشر قسما ثم اعتبروا ست دواير عظيمة مارة على النقاط الاثنتي عشر تمر
كل من الدواير على قطبي منطقة البروج فجاء جميع الأفلاك بالسطوح الوهمية النفس الامرية للدواير
الست اثنتي عشر حصة تسمى كل حصة برجا طوله ثلثون درجة وعرضه مئة وثمانون درجة من القطب
الجنوبي إلى القطب الشمالي والبروج التي إذا كان الشمس فيها بحركتها الخاصة كانت الشمس في شمال
المعدل سميت شمالية والتي إذا كانت فيها كانت في جنوبه سميت جنوبية اعلام ولوى
لتأويل سماوي اتقن صنع فلك الولاية فجعل لشمس الوصاية فيه اثنى عشر برجا هي الأئمة
الاثنا عشر الذين هم عدد حروف لا إله إلا الله وكذا عدد محمد رسول الله ووجود الامام الهمام الثاني عشر
10

عليه وعلى ابائه السلام بمنزلة برج الحوت الذي هو ثاني عشر بروج فلك عالم الظاهر ومن هنا ظهر
سر ما ورد في الاخبار ان الأرض تقوم على الحوت وهنا تأويل اخر مأخوذ من حديث شريف هو ان الله تعالى
خلق اسما بالحرف غير مصوت الحديث ذكرته في شرح الأسماء المعروفة بالجوشن الكبير عند
شرح الاسم الشريف أعني يا من جعل في السماء بروجا من أراد فليرجع إليه وشعشع ضياء
الشمس بنور تأججه الشعشع والشعشاع والشعشعان الطويل فمعنى شعشع هنا أطال ومد
الضياء وهو الخطوط الشعاعية والتأجج تلهب النار كالأجيج وفيه ايماء إلى تشبيه الشمس بسراج
لمحفل العالم على سبيل الاستعارة بالكناية والتخييلية قال تعالى وجعلنا الشمس سراجا وفى اصطلاح
مأخوذ من الآية الشريفة وهي قوله تعالى جعل الشمس ضياء والقمر نورا الضياء هو الضوء الذاتي
والنور هو العارضي فالمعنى شعشع الضياء الشمسي بنور مودع في باطن ذلك الضياء من الله نور الأنوار
فان النور الحسى رقيقة النور الحقيقي المعنوي وآيته أو شعشع من شعشعت الشراب أي مزجته كقوله
يا ساق لا تشعشع الراح بما * فهو يكف عاملا من عمل أي مزج ضياء الشمس القائم
بجرمها بنور يحصل من تلهب ذلك الضياء أو بنور الله الذي كروح لتأجج الشمس وضيائها
وهو نور كل نور ويمكن ان يرجع ضمير تأججه إلى من على سبيل الإضافة لأدنى ملابسة كما أشرنا
إليه ومزجه ح استهلاكه تحت نور الله الواحد القهار وقد يق الضوء فرع النور والنور يطلق على
ما للشئ في نفسه كالنور القائم بنفس الشمس ويؤيده اطلاق الاشراقيين النور على النور الغنى والعقول
والنفوس ثم إنه (ع) بعد ذكر الفلك أفرد ذكر الشمس لمزيد العناية به فإنه النير الأعظم وقلب العالم
سيد الكواكب أية نور الله القاهر لقهره أنوار الكواكب الموجودة عند طلوعه وهو فاعل النهار
وجاعل الصباح بإذن فالق الاصباح وقدرة جاعل الظلمات والنور الفتاح النفاح وميض قدسي
لتأويل شمسي التأويل ان يراد بالشمس عقل الكل الذي هو ضياء لعالم الجبروت
وسراج لقطان ذلك النادي وسكان ذلك المحفل بل هو مصباح أيضا لعالم الملكوت ونبراس
لنشأة الناسوت لان النفس الكلية التي هي سراج عالم الملكوت خليفة عقل الكل والخليفة بصفة
المستخلف بل هو هو بوجه وهو الشمس وهي القمر وهذا الشمس الذي في عالم الملك أيضا ظل لذلك
الشمس والظل لا يباين ذا الظل من جميع الوجوه فجميع العوالم والمجالي مستضيئة بضيائه من الصدر
11

إلى الساقة كما هو نور الله وعلم الله وقدرة الله وفى الجمع بين الصباح والليل والفلك والشمس
مراعاة النظير وبين التبلج والظلمة والغيهب طباق وكذا بين النطق والتلجلج طباق اخر ولما بدل (ع)
السياق وغير التوصيف من نوع إلى نوع اخر والتعبير عن سجع إلى سجع اخر أعاد (ع) ذكر الموصوف
جل شانه وابرز حرف النداء ثانيا فقال (ع) يا من دل على ذاته بذاته هذه كلمة علية صدرت
من معدن الولاية ومنبع الكاشفة نعم أمثال هذه الكلمات من مثل كلمة الله العليا والآية الكبرى
على العالي الاعلى ليست بعزيزة وبيانها مع ضيق المقام بوجوه أولها ان الطرق إلى الله تعالى
وإن كانت كثيرة بل بعدد أنفاس الخلايق لأنه تعالى ذو فضايل جمة وذو جهات نورانية لا تعد ولا تحصى
لكن أشرف الطرق واوثقها وأخصرها طريقة الحكماء الإلهيين بل المتألهين الذين يستشهدون به لا بغيره
عليه وهي طريقة الوجود والموجود من حيث هو موجود واما الطرق الأخرى التي يستشهد فيها بغيره فليست
كك فالطريقة الحقة الإلهية بل التألهية ان يق الموجود إن كان واجبا فهو المطلوب والا استلزمه
وتفصيله ان الموجود من حيث هو موجود هو الوجود لكن لا المفهوم العام البديهي بل الوجود الحقيقي الذي هو
حيثية طرد العدم والاباء عنه وجهة ترتب الأثر وهو معنون هذا المفهوم ومحكى عنه به وقد ثبت في الكتب
الحكمية والذوقية التألهية أصالته وانه حقيقة كل ذي حقيقة وكما أن لمفهومه عموما لا يكون شئ الا ويصدق
هو عليه كك لحقيقته سعة لا يشذ شئ عن حيطتها ولا ثاني لها ولذلك لا سبب لها مطلقا لا سبب منه ولا سبب عنه
ولا سبب فيه ولا سبب به ولا سبب له لاستلزام وجودها لها الخلف وكما أن لمفهومه بداهة كك
لحقيقته شدة نورية وقوة ظهور لا أظهر منها وهي الظاهرة بذاتها المظهرة لغيرها فنقول الوجود
الحقيقي إن كان واجبا فهو المطلوب والا استلزمه لا لأنه إذا لم يكن واجبا كان ممكنا فيلزم إما الدور
واما التس أو المطلوب بل لأنه يلزم من الرفع الذي في النظرة الأولى وهي حمقاء الوضع في النظرة
الثانية بلا مؤنة زائدة لان حقيقة الوجود لا يتطرق إليها الامكان بمعنى سلب الضرورتين ولا بمعنى
جواز الطرفين ولا بمعنى تساوى النسبتين بناء على بطلان الأولوية لان ثبوت الشئ لنفسه ضروري
وسلبه عن نفسه محال ونسبة الشئ إلى نفسه كيف تساوى نسبة نقيضه إليه ولا يتطرق إليه الافتقار
والتعلق بوجود لأن المفروض الحقيقة بقول مرسل وكل حقيقة جامعة لجميع ما هو من سنخها عرية بذاتها
عما هو من غرايبها وغرايب الوجود ما هو من سنخ العدم وبهذه الطريقة كما يثبت وجود واجب الوجود
12

بالذات يثبت توحيده فانظر انا لم نستدل في هذا المنهج القويم بغيره تعالى عليه فان الوجود الذي
نستدل به على الوجوب ليس غريبا عنه بل الوجود الحقيقي كاشف عن الوجوب الذاتي بل هو هو
لان الشيئية إما شيئية وجود واما شيئية مهية ولا ثالث وشيئية المهية حيثية ذاتها حيثية
عدم الاباء عن الوجود والعدم ولا تليق هذه بساحة عز من لا يحوم حوله شئ من انحاء العدم ولو كان
عدما عقليا تعمليا فبقى شيئية الوجود وانظر إلى شرافتها لان الوجود منبع كل شرافة ومعدن كل إنافة
وانظر إلى وثاقتها وأخصريتها حيث لم نتمسك فيها ببطلان التس ولا بأخذ حدوث العالم ولا بغير هما
مما يتطرق إليها المنوع ولو أثبتت المقدمات الممنوعة ولكن يطول المسافة جدا ولم ندع الوجود الذي
هو أبده وأظهر من كل شئ فان عنوانه أول الاوايل في الذهن يعرفه كل غبي وصبى ومعنونه أول الاوايل
في الخارج وهو الظاهر في شئ وفيئ ولم نؤثر عليه الأحفياء ولم نجعلها أوساطا في البرهان
من الحدوث والامكان والحركة ونحوها مما جعلت في الطرق الأخرى مفروغا عنها مع خفاء تحققها
وتعقلها الا بالاكتساب وبتوسط الوجود الخارجي والذهني في العاقل والمعقول في ابراز احكامها
ومن كلمات سيد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ألغيرك من الظهور ما
ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك
أو متى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك ولا تزال
عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا ثم من الطرق
الأخرى المشهورة التي نذكر بعضها اجمالا حذرا من الملال طريقة الحدوث للمتكلمين وهي ان العالم حادث
للدلايل الدالة عليه وكل حادث لابد له من محدث غير حادث دفعا للدور والتس وهو الواجب تعالى
فعند المتكلم العالم أي المهيات الامكانية كأنها أظهر (وكه)؟؟ التي هي الحدوث فرأى المهيات
التي شأنها الاختفاء وجعلها مفروغا عنها واخذها شيئا موضوعا مسلما واخذ الحدوث الذي
من صفات الخلق ولم يعرف الوجود الحقيقي الذي هو ظاهر بالذات ومظهر لتلك المهيات واحكامها
ولا نظر إلى مفهوم الوجود الذي ليس غريبا عن الحق تعالى بل يطلق عليه وهو مصداقه والموضوعية والمفروغية
والبينية مائية وهلية حق الوجود فلم يعدلوا ولم يضعوا الشئ موضعه ومنها طريقة الامكان والمهية
لبعض الحكماء وهي ان المهية الامكانية الموجودة الوجود والعدم بالنسبة إلى ذاتها على السواء
13

والمتساويان ما لم يترجح أحدهما بمرجح منفصل لم يقع وذلك المرجح إن كان ممكنا كان الكلام فيه
كالكلام في الأول حتى ينتهى إلى مرجح واجب بالذات دفعا للدور والتس ومنها طريقة الحركة
للحكماء الطبيعيين وهي ان المتحرك لابد له من محرك غيره إذ المتحرك لا يتحرك عن نفسه فذلك المحرك
إن كان متحركا فالكلام فيه كالكلام في الأول حتى ينتهى إلى محرك غير متحرك دفعا للدور والتس وهو الواجب
بالذات وقد يستدلون عن متحرك خاص كالفلك والنفس الناطقة والكلام في تفضيل الطريقة
الحقة على هاتين الطريقتين كالكلام في طريقة أهل الكلام نعم كما أشرنا أولا هذه أيضا طرق إلى الله تعالى
لكن أين ضياء الشمس من ضوء السراج وثانيها ان العقل بأي دليل يستدل عليه ما لم يستودع
من حول الله تعالى ولم يستعر من قوة الله ولم يكتحل بنور الله سبحانه لم يعرف شيئا ولله در من قال
إذا رام عاشقها نظرة * ولم يستطعها فمن لطفها * اعارته طرفا رآها * به
فكان البصير بها طرفها والى هذا ينظر قول من قال في الحمد لله يراد بالحمد القدر المشترك بين
المبنى للمفعول والمبنى للفاعل أي المحمودية والحامدية له ومعلوم انه لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وهذا أحد وجوه قوله (ع) رب لا احصى ثناء عليك أي من حيث انا انا وأنت أنت
وظاهر انه شرك خفى واثبات وجود مقابل له فكيف يكون التثنية ثناء أنت كما أثنيت على نفسك
أي نور وارد منك يثنى عليك بحيث لا أكون في البين وقيل بيني وبينك انى ينازعني
فارفع بلطفك انى من البين وقيل وجودك ذنب لا يقاس به ذنب وسئل عارف
بم عرفت ربك قالوا بواردات ترد على قلبي من عنده فبقوة العقل من حيث هو عقل لا يمكن ان
يتخطى إلى ما هو فوق عالم العقل والجسم بل بقدرة مستعارة من فنائه وبعين ناظرة مستدانة
من جنابه لان المدرك لابد ان يكون من سنخ المدرك وفى دعاء أبى حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (ع)
لولا أنت لم أدر ما أنت وعن العارف الكامل الشيخ عبد الله الأنصاري ما وحد الواحد من واحد
إذ كل من وحده جاحد * توحيد من ينطق عن نعته * عارية أبطلها الواحد
توحيده إياه توحيده * ونعت من ينعته لاحد وثالثها ان لله تعالى في نوع البشر
مظاهر ومرائي هم المثل الاعلى له تعالى وبقية الله وتذكرة الله كما قال صلى الله عليه وآله من رآني فقد رأى الحق
وما انسب بالمقام قول مهيار بن مزدويه الديلمي هبي لي عيني واحملي كلفة الأسى
14

على القلب ان القلب احمل للبلا * أراك بوجه الشمس والبعد بيننا * فاقنع تشبيها بها وتمثلا
فنصبهم منارا في بلاده واعلاما ما هداة لعباده وحججا على بريته وخلفاء على خليقته ليحق الحق
بكلماته ويريهم نفسه في أعاظم أسمائه وأكابر آياته وهم الأنبياء والأولياء سلام الله عليهم
أجمعين وبالحقيقة هم العقول الكلية في السلسلة الصعودية بإزاء العقول الكلية في السلسلة
النزولية وكما أن أولئك العقول لانتفاء الامكان الاستعدادي والحالة الانتظارية
وبالجملة المادة ولواحقها عنها واختفاء امكانها الذاتي تحت سطوع نور الأزل فلم يمكنه من البروز
كانت من صقع الربوبية باقية ببقاء الله موجودة بوجود الله كك هؤلاء العقول الصاعدون
لتخلقهم باخلاق الله ونضوهم جلابيب الأبدان وتمكنهم في مقام خلع النواسيت والى كون
هؤلاء العقول مكافئين لأولئك يشير كلام الشيخ الاشراقي في حكمة الاشراق والكامل
من المدبرات أي الأنوار الاسفهبدية الانسانية بعد المفارقة تلحق بالقواهر أي بالعقول فيزداد
عدد القديسين أي عدد العقول من الأنوار الكاملة المدبرة إلى غير النهاية وقال في موضع اخر في أن
الاتحاد الذي بين الأنوار المجردة انما هو الاتحاد العقلي لا الجرمي وكما أن النور الاسفهبد لما كان
له تعلق بالبرزخ وكانت الصيصية مظهره فتوهم انه فيها وان لم يكن فيها فالأنوار المدبرة إذا فارقت
من شدة قربها من الأنوار القاهرة العالية ونور الأنوار وكثرة علاقتها العشقية معها يتوهم انها
هي فيصير الأنوار القاهرة العالية مظاهر للمدبرات كما كانت الأبدان مظاهر لها قبل انتهى وهذا سر
بعض الشطحيات الصادرة من بعض العرفاء والحاصل انهم (ع) في العايدات كالعقول في الباديات
بل هم أعلى منها كما قال بعض أولاد ختمهم وسيدهم وروح القدس في جنان الصاغورة
ذاق من حدايقنا الباكورة وقال جبرئيل (ع) ليلة المعراج لو دنوت أنملة لاحترقت ونعم
ما قال المولوي احمد أر بكشايد آن پر جليل * تا أبد مدهوش ماند جبرئيل وقال الشيخ العطار
چون بخلوت جشن سازد با خليل * پر بسوزد در نكنجد جبرئيل * چون شود سيمرغ جانش اشكار
موسى از وحشت شود موسچه وار * فمن عرفهم فقد عرف الله ومن جهلهم فقد جهل الله ومن أحبهم
فقد أحب الله ومن أبغضهم فقد أبغض الله كما قال أي بسا كس را كه صورت رآه زد
قصد صورت كرد وبر الله زد ان قلت العقول مطلقا لم يكن ذات الله تعالى فكيف يكون فيما
15

ذكرتم دلالة الذات على الذات قلت إنها وان لم تكن ذات الله لكنها باقية ببقاء الله موجودة
بوجود الله لا بوجودات على حيال أنفسها ولا نفسية لها انما هي كالمعاني الحرفية غير مستقلة بالمفهومية
كما قيل كنا حروفا عاليات لم نقل * متعلقات في ذرى أعلى القلل فهى مقام ظهور الأسماء
الحسنى للكنز المخفي المسمى والاسم عين المسمى من وجه وغيره من وجه وأيضا دلالتها على ذات الله
باعتبار حملها أعباء صفات الله تعالى لا باعتبار نفس الحامل والمظهر المستهلك تحت أنوار
الصفات فبالحقيقة صفاته دلت على ذاته ولا حكم ولا دلالة لنفس الحامل لأنه لكمال رقته ولطافته
لالون له في نفسه فانصبغ بصبغة صفات الله كالمهية والهيولي المبهمتين الفاينتين في الوجود
والصورة وكالمراة في عالم الشهادة حيث كانت فانية في الصور المرئية فيها فلا يرى نفسها إذ لا
يمكن بروز الصور التي فيها من بروزها والصفات وإن كانت بحسب المفهوم غير الذات المتعالية لكنها بحسب
الوجود عين الذات فدل ذاته على ذاته ثم على صفاته ثم صفاته على أفعاله ورابعها ان الشئ له
وجود عيني ووجود ذهني ووجود لفظي ووجود كتبي والوجود الذهني حسى وخيالي ووهمي وعقلي
وجميع هذه الوجودات أطوار الشئ وظهوراته وذلك الشئ أصلها المحفوظ وسنخها الباقي والأداني
إذا جعلت آلات لحاظ الأعالي فهى هي بوجه وليست هي هي بوجه فالوجود الكتبي كصورة زيد
المكتوبة على لوح مثلا إذا جعل آلة لحاظ وجوده الذهني أو العيني لا يباينهما كيف ولو باينهما لم يسر
احكام نسبت إليه بالكتب من كونه حيا أو ميتا أو صحيحا أو مريضا أو غير ذلك إليه والتالي باطل
وإذا كان هذا هكذا والوجود الكتبي واللفظي ابعد من العيني لاختلاف مهياتها ولان دلالتهما عليه
بالوضع لا بالطبع فما ظنك بالوجود الذهني إذا جعل آلة لحاظ الوجود العيني ولا سيما في الصور
الذهنية المطابقة النفس الامرية بوجدان الحدود والرسوم والوجود والبراهين وبالجملة ما هو
وهل هو ولم هو كما هو شأن الحكيم فان دلالته بالطبع على الوجود العيني واشتراكهما في المهية إذ
الأشياء تحصل بمهياتها في الذهن والذاتي لا يختلف ولا يتخلف فالشمس الذهني إذا جعل
مراة لملاحظة الشمس العيني فهو هو بوجه ويسرى الاحكام منه إليه وإذا اخذ مستقلا فليس هو
هو ولكل حكمه وهذا أحد وجوه قولهم الاسم عين المسمى أي حتى اللفظي والكتبي والحق عندنا
انه هو هو بوجه أي مأخوذا لا بشرط وليس هو بوجه أي مأخوذا بشرط لا ومن هنا يظهر سر احترام
16

الأسماء المكتوبة لله وللنبي والأئمة (ع) إذا عرفت هذا فنقول الصور العقلية التي يجعلها العارف
والعالم به والذاكر له عنوانات ذاته وصفاته هي هي بوجه وليست هي هي بوجه فالمعرفة به بالعنوانات
المطابقة معرفته ومعرفة صفاته ولا يستحق ولا يصح فيها السلب وكذا تذكر الذاكر له بأسمائه
الحسنى اللفظية ومعانيها الشامخة التي يرفع درجة الذاكر بتدبرها تذكر بلا شايبة خلط وغلط وذلك
باعتبار الوجه الأول وبضميمة ان كل مفهوم يصدق على نفسه بالحمل الأولى الذاتي ولا يسلب عن
نفسه فمفهوم الوجوب وجوب ومفهوم الامكان امكان ومفهوم الامتناع امتناع وليس مفهوم
الوجوب بذاته امكانا أو ممكنا وقس عليه وما يق انه سبحانه لا يكتنه ولا يحاط بالأدلة العقلية
وكذا النقلية مثل قول مولانا باقر العلوم (ع) كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو
مخلوق مثلكم مردود إليكم فذلك باعتبار الوجه الثاني أي اخذ عنواناته الذهنية بشرط لا
وفقط ومعنونات فإنها ح كيفيات ذهنية مجعولات ذهنك ومخترعات خاطرك وممكنات
بالحمل الشايع بخلاف الوجه الأول فان الذهن مستغرق في المسرى إليه الحكم فالشمس مثلا الذي
في الذهن عنوان فان في المعنون الذي هو الشمس العيني ولا وجود للعنوان بما هو عنوان بنفسه فضلا
عن كونه كيفا أو غيره وهكذا في الشمس اللفظي والكتبي إذا جعلا عنوانين للشمس الذهني فالثلثة ظهورات
للشمس العيني وأطوار له والوجود منفى عنها فليست ح كيفيات مبصرة ومسموعة ونفسانية بل
جواهر بجوهريته وموجودات بوجوده ثم إن الفرق بين البيان الثالث والرابع مع اشتراكهما
في بعض المبادى وهو اتحاد الاسم والمسمى بوجه غير خفى لأنه أين الأسماء والأوصاف الذهنية
من الأسماء الوجودية التي ورد فيها عن الأئمة (ع) نحن الأسماء الحسنى الذين لا يقبل الله عملا
الا بمعرفتنا وأين الوجوه والعنوانات الذهنية وانى وجه الله الذي أينما تولوا فثم وجه الله
وتنزه عن مجانسة مخلوقاته لما اوهم الفقرة السابقة سيما على الوجه الرابع
التشبيه صار المقام مقام التنزيه والاجلال لأنه تعالى خارج عن الحدين حد التشبيه وحد التنزيه قال تعالى
ليس كمثله شئ وهو السميع البصير والمجانسة الاتحاد في الجنس ومن المعلومات تنزيهه تعالى عن
ذلك إذ لو كان له تعالى جنس شاركته فيه مخلوقاته ومن المتقررات في مقره ان الجنس مهية مبهمة والفصل
علة لتحصله وتعينه كان له فصل فيلزم ان يكون له تعالى مهية وقد برهن في مقامه ان لا مهية له سوى
17

الآنية وأيضا يلزم ان يكون مركبا فيلزم الحاجة في أصل قوام الذات وتقرره وهو أشد محذورا
من الحاجة في الوجود لان تجوهر ذاته ليس سوى ذينك الجوهرين والامكان إذ كما أن كل
ممكن زوج تركيبي كك كل مركب ممكن لا من باب انعكاس الموجبة الكلية كنفسها بل من باب
مبرهنية كل من القاعدتين هف ثم الأجزاء إما واجبات فيلزم تعدد الواجب وأيضا يلزم الخلف
إذ لا علاقة بين الواجبات بالذات فلا تركيب يؤدى إلى الوحدة فيكون كل واحد بسيطا
وقد فرض واجبا واحدا مركبا واما ممكنات فالمحتاج إلى الممكن أمكن وأيضا يلزم مساواة الواجب
والممكن في الوجود لان الجنس والفصل متحدان في الوجود بمقتضى الحمل فوجود فصله بعينه وجود جنسه
الذي هو جنس الممكنات تعالى عنه وأيضا لو كان له تعالى جنس فجنسه إما الوجود فيلزم قلب المقسم مقوما
لان حاجة الجنس إلى الفصل في الوجود والفرض ان الوجود قوام هذا الجنس بخلاف الأجناس في المواضع
الأخرى لان مهياتها غير آنياتها فمفيد وجودها غير مفيد قوامها واما غير الوجود وغير الوجود إما العدم
واما المهية وساحة عزه منزه عنهما جميعا ويمكن ان يراد بالمجانسة معناها اللغوي فيطلق على النوع
لغة ويق على ما يطلق على القليل والكثير كالماء يطلق على القطرة وعلى ماء البحر والأولى ان يراد بها ما يشمل
جميع أقسام الاتحاد التي كل منها يختص في الاصطلاح باسم وهو القدر المشترك بينها أعني الاتحاد
بين شيئين في جهة جامعة فيشمل المماثلة وهي اتحاد الشيئين في المهية ولازمها والمجانسة الخاصة
وقد مرت والمساواة وهي الاتحاد في الكم والمشابهة وهي الاتحاد في الكيف والمناسبة
وهي الاتحاد في الإضافة والموازاة وهي الاتحاد في الوضع والمحاذاة وهي الاتحاد في الأين وكذا
الهوهوية التي هي تعبير عن الحمل في الاصطلاح وهو الاتحاد في الوجود ونحو ذلك وافرد المشابهة كما
يأتي في قوله (ع) وجل عن ملائمة كيفياته لان الكيفية أصح الاعراض وجودا واشملها حتى أن بعض
علوم المجردات عند بعض الحكماء كيفيات والحاصل انه كما لا مثل وند لجنابه الأقدس فلا تجعلوا
لله أندادا وأنتم تعلمون كك لا مجانس ولا مشابه ولا مساوى ولا موازي ولا محاذى ولا مناسب
له تعالى لانتفاء المهية النوعية والجنسية والكيف والكم والوضع والأين والإضافة المقولية عنه بل لا شريك
له في الوجود لان له حقيقة الوجود وهو الموجود في نفسه بنفسه لنفسه ولغيره من حقيقة الوجود سرابها
وإذ علمت أن لا مناسب له تعالى فالمناسبات التي ذكرها الصوفية كالتمثيل بالبحر والموج والحباب
18

وبالشعلة الجوالة والدايرة وبالواحد والعدد وبالعاكس والعكس ونحو ذلك والحكماء كالتمثيل بالحركة
التوسطية والحركة القطعية وبالآن السيال والزمان وبالعقل البسيط الاجمالي والعقول التفصيلية
وأمثالها المقصود منها المثال المقرب من وجه الذي هو ظهور منه وفان فيه لا المناسب الذي
يكون شيئا على حياله فهو متعال عن المثل لا عن المثال بل له الأمثال العليا كما أثبت نفسه لنفسه
بقوله مثل نوره كمشكاة فيه مصباح المصباح في زجاجة الآية والمثل الاعلى له تعالى
هو الانسان الكامل والمجانسة بفتح النون وقد يشك في فتح العين وكسرها من المفاعلة التي
هي مصدر فاعل ويرشدك إلى فتحها بعلاوة ضبط الفتح في كلمات الفصحاء المعربة مثل المساواة
والمعاطاة والمهاباة والمباراة ونحوها فان الياء تقلب ألفا إذا كان ما قبلها مفتوحا وجل
عن ملائمة كيفياته الملائمة الموافقة والكيفية ما يق في جواب كيف هو كما أن الكمية
ما يق في جواب كم هو والمهية ما يق في جواب ما هو ورسم الحكماء الكيف بأنه هيئة قارة لا تقتضي
قسمة ولا نسبة وأقسامه كثيرة كما هو مقتضى الجمع المضاف وأقسامه الأولية أربعة الكيفيات
المحسوسة المنشعبة بحسب المشاعر الخمسة والنفسانية كالإرادة والقدرة والجبن والشجاعة والفرح
والغم ونحوها وبالجملة جميع حالات النفس وملكاتها والاستعدادية والمختصة بالكم وكلها مشروحة
في موضعه وضمير كيفياته يمكن ان يعود إلى المخلوق الذي هو مفرد مخلوقاته والأولى ان لا يفكك
الضمير ويرجع إلى كلمة من والإضافة لملابسة المعلولية والمملوكية لله تعالى وانما جل جناب قدسه
عن أن يجامعه الكيفيات لان العرض ليس في مقام وجود موضوعه وانما فيه قوته وحامل القوة
هو المادة والمادة لا وجود لها بدون الصورة والمركب منهما جسم تعالى عن الجسمية علوا كبيرا
وأيضا لو كان له كيفية فاما حادثة فيكون هو تعالى محل الحوادث واما قديمة فيلزم تعدد القدماء
وفى الحديث ان الله لا يوصف بالكيف وكيف أصفه بالكيف وهو الذي كيف الكيف
حتى صار كيفا ليس المراد من قوله (ع) كيف الكيف الجعل التركيبي لوضوح محاليته بل إنه أوجد الكيف
ولكن عبر به إذ بالوجود يصير كل شئ نفسه بالحمل الشايع وفى حديث اخر ما وحده من كيفه
أي من وصفه بكيفية فقد ثناه وفى اخر كيف أصف ربى بالكيف والكيف مخلوق والله
لا يوصف بخلقه ولكن سئل الصادق (ع) اله كيفية قال (ع) لا لان الكيفية جهة الضيق
19

والإحاطة ولكن لابد من الخروج عن جهة التعطيل والتشبيه لان من نفاه فقد أنكر
ربوبيته وأبطله ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين
لا يستحقون الربوبية ولكن لابد من اثبات ان له كيفية لا يستحقها غيره ولا يشاركه
فيها ولا يحاط بها ولا يعلمها غيره أقول هذا الحديث مثل فقرة الدعاء إشارة إلى أن له تعالى
صفات هي عين ذاته وليس له معاني وأحوال زايدة قديمة خلافا للأشاعرة ولا حادثة خلافا
للكرامية قال علي (ع) كمال الاخلاص نفى الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير
الموصوف ولشهادة كل موصوف انه غير الصفة فمن وصفه فقد قرنه ومن
قرنه فقد ثناه يا من قرب من خواطر الظنون عند أهل الطريقة وأرباب
السلوك الخاطر ما يرد على القلب من الخطاب أو الوارد الذي لا تعمل للعبد فيه وما كان خطابا فهو على
أربعة أقسام رباني وهو أول الخواطر ويسمى نقر الخاطر ولا يخطى ابدا وقد يعرف بالقوة والتسلط
وعدم الاندفاع وملكي وهو الباعث على مندوب أو مفروض وبالجملة كل ما فيه صلاح ويسمى الهاما
ونفساني وهو ما فيه حظ للنفس ويسمى هاجسا وشيطاني وهو ما يدعو إلى مخالفة الحق قال الله تعالى
الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وقال النبي صلى الله عليه وآله لمة الشيطان تكذيب بالحق
وايعاد بالشر ويسمى وسواسا ويعير بميزان الشرع فما فيه قربة فهو من الأولين وما فيه كراهته أو مخالفة
شرعا فهو من الآخرين ويشتبه في المباحات فما هو أقرب إلى مخالفة النفس فهو من الأولين وما هو
أقرب إلى الهوى وموافقة النفس فهو من الآخرين والصادق الصافي القلب الحاضر مع الحق سهل
عليه الفرق بينها بتيسير الله وتوفيقه كذا قيل والظن يراد به الاعتقاد الراجح وقد يراد به اليقين
كقوله تعالى يظنون أنهم ملاقوا ربهم وقوله تعالى فظن أن لن نقدر عليه كما ذكر المحقق
العلامة شيخنا البهائي رحمه الله في الحديث السابع عشر من كتابه الأربعين فقال المأمون لله درك
يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله تعالى وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه
فقال الرضا (ع) ذلك يونس بن متى (ع) ذهب مغاضبا لقومه فظن بمعنى استيقن ان لن نقدر
عليه ان لن نضيق عليه رزقه الحديث وقد يق انه من الأضداد فيطلق على الراجح
والمرجوح وعلى الثاني حمل قوله تعالى ان نظن الا ظنا وان الظن لا يغنى من الحق شيئا
20

وان بعض الظن اثم أقول المراد بالظن هنا العلم والإدراك المط من باب عموم المجاز أو عموم
الاشتراك أو تسمية العام باسم الخاص وانما عبر عنه بالظن لوجهين أحد هما التأسي بالحديث القدسي
قال تعالى انا عند ظن عبدي بي ولذا قيل فليحسن العبد ظنه بربه وثانيهما ان العلوم من حيث هي
مضافة إلينا ينبغي ان تسمى بالظنون لشباهتها بها سيما ما يتعلق منها بالمبدء فان العقل وان
امكنه اكتناه الأشياء الا انه لا يمكنه اكتناه واجب الوجود وانما هي ايقانات بل حق اليقين بما
هي مضافة إلى الله الملقى وفى التعبير بالظن عن الظان الذي هو العقل إشارة إلى اتحاد العاقل بالمعقول
على ما هو مذهب بعض المحققين وليست الإضافة من قبيل جرد قطيفة واخلاق ثياب سيما على نسخة
خطرات الظنون ولا بيانية بل لامية وفقا لقوله ملاحظة العيون واتحاد العاقل والمعقول معناه
الصحيح الحقيق بالتصديق امران أحد هما ان المعقول بالذات لا بالعرض ظهور واشراق من
العاقل بلا تجاف لذاته من مقامه وظهوره واشراقه المعنوي لا يباينه لقد خلقكم أطوارا
فكل معقول شأن من شؤون العاقل وللعاقل في كل شأن من شؤونه شأن ولذاته شأن ليس
للشئون فيه شأن فالمعقولات مفاهيمها مجالي اشراق النفس ووجودها فيض النفس المنبسط
على كل بحسبه كما أن وجود المفاهيم والمهيات الامكانية في الخارج اشراق الله وفيض الله المنبسط
على كل بحسبه الله نور السماوات والأرض وثانيهما ان العاقل في مقامه الشامخ جامع
لوجود كل معقول بالذات بنحو أعلى وابسط فهو مقام رتقها وهي مقام فتقه وهو مقام اجمالها وهي
مقام تفصيله فهو كالمحدود وهي كالحد وهو كالعقل البسيط وهي كالعقول التفصيلية ثم إن قرب
الحق تعالى من الخواطر الربانية واضح فإنها خطاباته وكلماته مع قلوب أرباب القلوب وكلام المتكلم
ولا سيما الكلمات التامات المجردات مأخوذة لا بشرط لا يباينه واما قربه من الخواطر الأخرى
سيما الملكية فلان وجود تلك الخواطر مضاف إلى الله تعالى بالوجوب فان نسبة الشئ إلى فاعله بالوجوب
والى قابله بالامكان وأيضا نسبة حقيقة الوجود إلى الوجود الصرف بالحقيقة والى المهية بالمجاز
وأيضا إليه أولا وبالذات واليها ثانيا وبالعرض ولذا قال أمير المؤمنين علي (ع) ما رأيت شيئا
الا ورأيت الله قبله وهذا القرب ليس قرب شئ من شئ وانما هو قرب شئ بحقيقة الشيئية
من فيئ من حيث هو فيئ ثم إن كون الوجود بشراشره حتى وجود الشيطان والشيطاني ووجود
21

النفس اللوامة والامارة والنفساني من الله إذ اله الكل واحد والقول بالثنوية والقول بالأقانيم
الثلاثة والقول بالتخميس من بعض الأقدمين كلها باطل أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد
القهار لا ينافى كون بعض الخواطر من الشيطان ومن النفس وتسميتها وساوس وهواجس لان
مهيتها وحدودها ونقايصها منهما إذ السنخية بين العلة والمع معتبرة فالوجود معلول الوجود والعدم
معلول العدم والمهية معلول كلازم المهية من حيث هي فالطيبات للطيبين
والخبيثات للخبيثين والحكم للعنصر الغالب فلإجتلاب العدم في النظام الكلى والنظام
الجزئي إلى هذه الآثار واستهلاك الوجود فيها بحيث انها تكاد ان تلتحق بالاعدام أو بالمهيات
المطلقة الغير المعتبر فيها الوجود لا يليق الا بالانتساب إلى المبادى المحدودة السرابية ولا
يستشعر ذلك الغافل المحجوب والمشرك بالجهة الوجودية النورانية التي من الله فيها حتى
لا يسمى وسواسا أو هاجسا والشرافة والخسة والتفاضل بسبب الاستشعار وعدمه فالخير
بيديه ولو كان وجودا مستهلكا في الناقصات والسيئات والشر ليس إليه ولو كان
الحدود والتعينات في الكاملات والحسنات فله الحمد ومن يجد خيرا في نفسه فليحمد الله
ومن يجد شرا فلا يلومن الا نفسه وفى الدعاء إليه يرجع عواقب الثناء وفى الكتاب
الإلهي ان تصبك حسنة فمن الله وان تصبك سيئة فمن نفسك وفى الحديث
القدسي يا بن ادم انا أولي بحسناتك منك وأنت أولي بسيئاتك منى وليعمم الخير
والحسنة حتى يشملا الجهة النورانية والوجه الوجودي في كل شئ فإنهما من الله كما قال تعالى قل كل من عند
الله وليعمم الشر والسيئة حتى يشملا الجهة الظلمانية والوجه العدمي وشيئية المهية فإنها من النفس
والشيطان وبعد عن ملاحظة العيون لما استفيد من قربه تعالى من خواطر
الظنون بالبيان المذكور مشهوديته لأهل الشهود والخواص الذين هم أهل الله المعبود ولعله
اوهم الرؤية البصرية اردفه بهذه الفقرة والمراد بالبعد البعد العقلي بمقتضى البرهان لا البعد الذي
قد يجامع الامكان ففيه رد على المشبهة الذين يقولون بصحة رؤيته في الجهة والمكان دنيا وعقبى
لكونه عندهم جسما تعالى عن ذلك علوا كبيرا وعلى الأشاعرة الذين قالوا بصحة رؤيته في الآخرة
منزها عن الجهة والمكان وقد طال التشاجر بين المعتزلة والأشاعرة في مسألة الرؤية فذهب
22

المعتزلة إلى الامتناع دنيا وآخرة والأشاعرة إلى الجواز آخرة فقالوا انه تعالى يرى وينكشف لعباده
المؤمنين في الآخرة انكشاف البدر المرئي وحرر بعض متأخريهم محل النزاع بأنه لا نزاع للنافين
في جواز الانكشاف التام العلمي ولا للمثبتين في امتناع ارتسام صورة من المرئي في العين أو اتصال
الشعاع الخارج من العين بالمرئي وانما محل النزاع انا إذا عرفنا الشمس مثلا بحد أو رسم كان
نوعا من المعرفة ثم إذا أبصرناها وغمضنا العين كان نوعا آخر من المعرفة فوق الأول ثم إذا فتحنا العين
حصل نوع آخر من الادراك فوق الأولين نسميه الرؤية ولا تتعلق في الدنيا الا بما هو جهة ومكان
فمثل هذه الحالة الادراكية بل تصح ان تقع بدون المقابلة والجهة وان تتعلق بالحق المتعال منزها
عن الجهة والمكان أم لا والكتب الكلامية مشحونة بذكر حجج الفريقين من أراد فليطالعها والحق ان
مراد محققي الأشاعرة من الرؤية هو شهود الحق بالحق بعين اليقين أو حق اليقين كما مر في بعض وجوه
قوله (ع) يا من دل على ذاته بذاته وهو مجمع عليه للعرفاء الشامخين والعقلاء والمتكلمين بل جميع
ارسال الرسل وانزال الكتب وارشاد الكاملين المكملين انما هو للايصال إلى هذه البغية العظمى
والغبطة الكبرى كما قال تعالى وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون وفى القدسي خلقت
الخلق لكي اعرف والفلاسفة قالوا الفلسفة هي التشبه بالإله أو التخلق باخلاق الله علما وعملا وجعلوا أخيرة مراتب
العمل أيضا الشهود والمعرفة فان العمل تهذيب الظاهر وتهذيب الباطن والتحلي بالفضايل والفناء ثم
فسروا الفنا بان يرى ويشاهد كل قدرة مستغرقة في قدرة الله تعالى وكل علم مستهلكا في علمه تعالى بل كل
وجود وكمال وجود مستهلكا في وجوده فانظر إلى جعلهم غاية العمل هي المعرفة والشهود ولذا فسر المفسرون
ليعبدون بقولهم ليعرفون وكما أن المعرفة الشهودية هي الغبطة العظمى فالحرمان عنها هو الغبن الأفحش
وسم باب الأرقش كما أخبر عن سوء عاقبة المحرومين كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وفى
دعاء كميل عن علي (ع) فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربى صبرت على عذابك فكيف اصبر
على فراقك وفى مناجاة الشيخ عبد الله الأنصاري قدس سره إلهي چون آتش فراق داشتى
با آتش دوزخ چكار داشتى وقولهم في تحرير محل النزاع فمثل تلك الحالة الادراكية اه ينادى بذلك
فإنه يكون من باب خذ الغايات ودع المبادى وبذلك فليتصالح الفئتان فان الانكشاف التام
العلمي المجوز عند المعتزلة يحمل على العلم الحضوري ولا يقتصر على الحصولي ان قلت إذا كان المراد بالرؤية
23

هي الشهود والعلم الاشراقي الحضوري فكيف طلب موسى (ع) الرؤية وهو طلب الحاصل له وكيف أجيب
بلن تراني قلت الرؤية والشهود على وجه حاصل لأكثر الأولياء ولاكثر الأنبياء عادته وديدنه وانما
طلب الرؤية على وجه اقتضاه مقام الخاتمية وبوجه اخر أقوال لطلاب الحق جل شانه مراتب فمنهم
من يراه بان يشاهد الكل مظاهر أسمائه ومجالى صفاته وهذا مقامه ولكن يطلب ان يراه بان يشاهد
أسمائه وصفاته ويستهلك في نظر شهوده المظاهر فيرى الحيوان مظهر المدرك السميع البصير والملك
مجلى السبوح القدوس والانسان مظهر اسم الجلالة وهكذا ولكن يطلب مقاما أشمخ وأعلى منه وهو ان يرى
المدرك السميع البصير السبوح القدوس من غير أن يرى الحيوان والملك أو يرى الله جل جلاله
من غير أن يرى الانسان وهكذا ومنهم من هو في المقام الثاني أعني يرى السميع البصير لا الحيوان
والسبوح القدوس لا الملك والله تعالى لا الانسان الكامل ولكن يطلب مقاما أشمخ منه وهو ان يرى
المسمى والموصوف لا الأسماء والصفات لان كمال الاخلاص نفى الصفات كما هو المأثور عن صاحب
هذا الدعاء فيقال له لن تراني إذ لا يرى ذاته كما هو هو الا هو ويتلاشى عند نار هذا التجلي كل ما هو سوى
ذاته فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا آلو العزم ولا آدم ولا خاتم ويقال ان في التورية انه لا يراني
ابن ادم وهو حي أي بحيوته الامكانية وبانيته المحدودة وقريب من هذا ما ورد انه لا يقوم القيمة وعلى
وجه الأرض من يقول الله الله وتخصيص الأشاعرة الرؤية بالآخرة باعتبار ان الكامل بما هو مشاهد
للأمور الباطنة أخروي وإن كان ببدنه بعد في الدنيا أو باعتبار ان أعذب انحاء الشهود وأحلاها
وأخلصها عن الشوايب واصفاها وأمثلها واسناها يتيسر في الآخرة كما قال تعالى فكشفنا عنك
غطائك فبصرك اليوم حديد وكما قال الناطق بكلمة لم أعبد ربا لم أره والمبدى بمخزونة
لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا عند الشهادة فزت برب الكعبة واما الرؤية البصرية
فلا ينبغي للعاقل ان يتوقف في محاليتها لأنها لا تعقل بلا مكان وجهة وبدون مقابلة ومواجهة
وتأثير القوى الجسمانية وتأثرها بمشاركة الوضع وكل ذلك من لوازم الجسمية والأشاعرة أيضا
متحاشون عنها ومن أصر منهم على الرؤية البصرية فنحن نتبرأ منهم وما حققنا انما هو تفسير وتأويل للروية
والنظر الواردين في كلام الله تعالى ورسوله وأوليائه وبذل جهدنا انما هو فيه ثم إن بين قرب
وبعد تضادا كما أن بين الظنون والعيون ايهام التضاد وعلم بما كان قبل ان يكون
24

ليس المقصود التخصيص بما كان في الماضي بل المعنى هو تعالى عالم بالكائن قبل كونه سواء كان ما كان
أو ما يكون في الحال أو في الاستقبال لان الافعال المنسوبة إليه جل شانه منسلخة من الزمان
بل المقصود بالكون ما يرادف الوجود ليشمل المبدعات والمخترعات والمكونات كما في الدعاء يا كائن
يا مكون يا كينون يا كينان لا الكون المقابل للابداع والاختراع في بعض الاصطلاحات
حيث يقال عالم الكون وعالم الكيان ويراد عالم الطبيعة فحسب أو الماضوية باعتبار الكينونة
في العلم قبل ان يكون وفى هذه الفقرة الشريفة دلالة على مطلبين أحد هما انه تعالى عالم بجميع
ما سواه لعموم الموصول وثانيهما ان علمه بها سابق على وجودها إما المطلب الأول فالبرهان
الدال عليه المعتبر عند المحققين من الحكماء والمتكلمين ان ذاته علة لجميع ما سواه وذاته عالم بذاته
والعلم بالعلة مستلزم للعلم بالمع (بالمعلول) إما ان ذاته علة لجميع ما سواه فلان العلة المؤثرة المستقلة
يجب ان يسد جميع انحاء عدم المع ولا يتأتى ذلك بالعلل الامكانية لان من جملة انحاء
عدم معلولها انعدامه بانعدامها ولا يمكنها سد انعدام نفسها فجميع الممكنات ولو كانت غير
متناهية في حكم ممكن واحد في جواز طريان العدم عليها فالسد المذكور لا يتمشى الا من العلة الوجوبية
فواجب الوجود بالذات مبدء سلسلة الممكنات وساد خلة المحتاجات واما ان ذاته عالم
بذاته فلانه مجرد وثبت في مقامه ان كل مجرد عالم بذاته كما أن كل عاقل مجرد وأيضا هو معطى وجود
العالمين بذواتهم كالنفوس والعقول ومعطى الكمال أحق به واما ان العلم بالعلة مستلزم بالمع
فلان المراد بالعلم بالعلة العلم بحيثية وجهة بها يكون العلة علة كالعلم بالصورة النوعية النارية فان
النار علة للسخونة بتلك القوة المسخنة لا بصورته الجسمية أو بمادته وتلك الحيثية قد تكون ضميمة زايدة
كما ذكر وقد تكون عين ذات العلة كما إذا فرضت تلك القوة قائمة بذاتها لا بمادة وفى واجب الوجود
عين ذاته بلا فرض إذ لا صفة فيه الا صريح ذاته فكما ان وجود حيثية العلية في الخارج لا يتخلف عنه وجود
المع كك وجدانها العلمي حضورا أو حصولا والا فلا علية ولا معلولية هف فثبت انه تعالى كما أنه عالم
بذاته عالم بما عدا ذاته كلياته وجزئياته مجرداته ومادياته لان الكل معلولاته ثم لما كان علوه تعالى ومجده
بذاته كان العلم الذي هو كمال ذاته علمه بذاته تفصيلا وهو بعينه علمه بما عدا ذاته اجمالا والى هنا اتفق المشاؤن
والاشراقيون وبعد ذلك اختلفوا فقال المشاؤن علمه التفصيلي بما سواه حصولي أي صور قائمة بذاته تعالى
25

وقال الاشراقيون حضوري أي وجودها علمه بها والحق هو الثاني واما المطلب الثاني فنقول علمه تعالى له مرتبتان
علم عنائي ذاتي في مقام الخفا والغيب المطلق وعلم فعلى في مقام الظهور والفعل فالأولى مقام التفصيل
في الاجمال وهو ما قال الحكماء الراسخون فيه ان بسيط الحقيقة كل الأشياء بنحو أعلى وليس
بشئ منها والثانية مقام الاجمال في التفصيل الله نور السماوات والأرض وفيه قال الحكماء
الإلهيون صفحة نفس الامر وصحيفة عالم الوجود في الأعيان بالنسبة إليه تعالى كصفحة الأذهان بالنسبة
إلينا ففي الأولى وجدان ذلك البسيط كل وجود بنحو أعلاه علم سابق على كل مرتبة فان العلم
بالشئ هو حضوره للمجرد وأي حضور أشد من حضور النحو الاعلى من الشئ للمجرد المنطوى في حضور ذاته لذاته فان علمه بذاته على وجه يستتبع علمه بما عدا ذاته
والاستتباع والاستلزام هنا على التحقيق من قبيل الملزوم واللازم الغير المتأخر في الوجود كما
في مفاهيم أسمائه وصفاته بالنسبة إلى وجود ذاته وصور أسمائه وصفاته من المهيات والأعيان الثابتات كذلك بالنسبة
إلى وجود ذاته فهو تعالى عن المثل والتشبيه كمرآة فيها صور جميع الأشياء إذا كانت عالمة بذاتها
حاضرة ذاتها لذاتها ثم في مقام العلم الفعلي الثانوي أيضا علم سابق لان وجود الأشياء بما هو مضاف
إليها معلوم الله وهو بما هو مضاف إلى الله علمه ومعلوم ان اضافته إلى الله سابقة سبقا ذاتيا
أزليا على اضافته إلى مهياتها الامكانية وهو بما هو معلوم ليس صفة لله تعالى وفيه التغير والتغاير وبما
هو علم صفة فعلية لله ليس فيها تكثر كما قال تعالى وما امرنا الا واحدة ولا فيها تغير كما قال الحكماء
الأزمنة والزمانيات بالنسبة إليه تعالى كالان والأمكنة والمكانيات بالنسبة إليه كالنقطة فلا دثور
ولا زوال ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولا مضى ولا حال ولا استقبال لديه ليس
عند ربى صباح ولا مسا بل هذا هكذا عند مقربي حضرته فضلا عن جنابه الأقدس بل عنوان
الوجود إذا تذكرت احكامه المذكورة في العلم الإلهي يرشدك إلى ما ذكرنا فضلا عن عنوان الوجوب
وفى العلم مباحث شريفة ولكن فيما ذكرنا غنية للمستبصر يا من أرقدني في مهاد امنه
وأمانه أرقدني أنامني والامن ضد الخوف وهو اطمينان القلب وسكون النفس والأمان الحراسة
والكلائة ولما مجده تعالى بذكر طايفة من الفضايل بعضها ثبوتية جمالية وبعضها سلبية جلالية كما قال تعالى
تبارك اسم ربك ذو الجلال والاكرام شرع في تعظيمه بذكر بعض أمهات الفواضل
بعضها من باب جلب المنفعة من باب دفع المضرة ومن أمهات جوالب المنفعة الامن
26

والأمان كما قدم على الايمان في دعاء اخر وهو اللهم إني أسئلك الامن والايمان بك وإضافة
المهاد وهو الفراش والمهد إليه من قبيل إضافة المشبه به إلى المشبه مثل لجين الماء وذهب الأصيل والفقرة من
باب التمثيل لرأفته وشفقته فإنه أشفق بك من الام الشفيقة فهو كالتمثل المركب في قولهم أراك
تقدم رجلا وتؤخر أخرى فقد مثل رأفته وعطوفته بعباده بحال أم شفيقة أو أب رحيم عطوف ينيم الولد
في المهد مراقبا محارسا له من غير أن يكون في المفردات مجاز وعليه حمل كثير من متشابهات القران
مثل قوله تعالى الرحمن على العرش استوى والسماء بنيناها بأيد وغير ذلك وقد قال الحكماء ان
الناس للتخييل والتمثيل أطوع منهم للتصديق بل رجح بعضهم كثيرا من القياسات الشعرية على كثير
من الخطابيات ومن أمهات الجوالب اليقظة كما قال (ع) تلقينا وأيقظني إلى ما منحنى به من
مننه واحسانه أي نبهني عن سنة الغفلة حتى صرت شديد التوجه إلى ما جاد على به منذ
أول عمري من عطاياه فحاسبت ووازنت بين طاعاتي القليلة ومننه الكثيرة وتفضلاته الجمة الغفيرة
وحسن ترتيبي بان عدلني وسواني بعد تخمير طينتي بيديه المباركتين الجمالية والجلالية ونفخ فيها من
روحه والهمنى مصالحي حين كنت في الظلمات الثلث وبعده وألقى في قلب الام من رحمته وعطوفته
ولولا أن الرحمة من عنده لما سلب منها الراحمة والدعة للاشتغال بحضانتي ولما آثرني على نفسها
وهكذا وكل على جما غفيرا وعددا من الأسباب خظيرا لحفظي وكلايتي حتى بلغت أشدي فوفقني
لمعرفته والايمان به علما وايقانا وشهودا وعيانا حتى نوه باسمي في الملا الاعلى كما في دعاء أبى حمزة إلهي ربيتني في نعمك واحسانك صغيرا ونوهت باسمي كبيرا
فيا من رباني في نعمه صغيرا ونوه باسمي كبيرا وبالجملة فوجدت طاعاتي في جنب نعمه
وآلائه كقطرة في بحر لجي بل لا شيئا في الحقيقة لان الطاعة أيضا بتوفيقه وبحوله وقوته كما قال
تبارك وتعالى قل لا تمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان
فالكل من مننه واحسانه والمنن جمع المنة بالكسر إلى النعمة والمن العطا وكثيرا ما يرد بمعنى الاحسان
ومنهما مأخوذ اسمه تعالى المنان واما المنان بمعنى الذي لا يعطى شيئا الا من به واعتده على من
أعطاه فلا يطلق عليه تعالى لأنه مذموم في الخلق فضلا عن الخالق جل شانه وفى الأدعية السجادية
يا من لا يكدر عطاياه بالامتنان واما قوله تعالى بل الله يمن عليكم فهو من باب صنعة
المشاكلة وانه لو جاز عليه الامتنان لكان له المنة علينا لا لنا عليه ثم في قوله ارقدني وأيقظني
27

طباق وكف اكف السوء عنى بيده وسلطانه أي بقدرته وسلطنته
قال الله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وفى كف اكف السوء استعارة
بالكناية واستعارة تخييلية وجناس شبه الاشتقاق وفى الجمع بين الأكف واليد ايهام التناسب
وربما يتوهم ان كف اكف السوء من الجناس المحرف أو الجناس الناقص وهو خطأ فان اللفظين ان
اتفقا في أنواع الحروف واعدادها وهيئاتها وترتيبها فالجناس فيهما تام وان اختلفا في الهيئة مع الاتفاق
في البواقي فالجناس محرف كالبرد والبرد في قولهم جبة البرد جنة البرد وان اختلفا في العدد بحيث
إذا حذف الزايد حصل الجناس التام فالجناس سمى ناقصا فلابد ان لا يبقى تفاوت بعد حذف
الزايد الا ما قد يتفق من التفاوت بالتشديد والتخفيف فلا عبرة به كما قالوا إن الحرف المشدد كالمخفف
في جميع أقسام الجناس مثل والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق ومعلوم
ان قوله (ع) ليس منهما نعم هو من جناس شبه الاشتقاق كما نعنا مثل قوله تعالى اثاقلتم إلى الأرض
أرضيتم بالحياة الدنيا كما أنه من الجناس المزدوج أيضا كالآية الشريفة وعلم أن أكثر فقرات
هذا الدعاء المبارك من باب التسجيع بثلاثة اسجاع الذي هو أكمل من التسجيع بسجعين وبعضها من
السجيع بأربعة اسجاع كالفقرات الأول ومثل قوله (ع) صل اللهم على الدليل إليك في
الليل الأليل تقديم الصلاة لمزيد الاهتمام بشأنها فان البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى
الحال ومقتضيات الأحوال مختلفة فلفظ الجلالة وإن كان في نفسه يقتضى التقديم بالذكر الا ان
المقام اقتضى زيادة الاهتمام بالصلاة على وسايط فيض الله دام فيضه فقدمت عليه وأوثر من
بين أوصافه صلى الله عليه وآله وصف الدلالة ليناسب مقام الاعتصام وليشعر مفهوم الوصف بالعلية وتوصيف
الليل بالأليل للمبالغة كقولهم ظل ظليل وعرب عرباء وداهية دهياء ونحوها واستعير الليل استعارة
تحقيقية لظلمة الكفر ورسوم الجاهلية فإنه صلى الله عليه وآله بعث على حين فترة من الرسل وانطواء بساط الاجتهاد
من العقل النظري والعقل العملي واندراس الحكمة وانطماس المعرفة والتعبير عنها بالليل الأليل كتعبير
صاحب الدعاء عليه آلاف التحية والثناء في بعض خطبه الشريفة بالظلمة وهو قوله (ع) بنا اهتديتم
في الظلماء وتسنمتم العلياء وبنا أفجرتم عن السرار وقوله (ع) تسنمتم العلياء ركبتم سنامها
(افجرتم)؟؟ صرتم ذوي فجر من باب اغد البعير أي صار ذا غدة والسرار الليلتان اللتان تستر فيهما القمر
28

في اخر الشهر وهما من ليالي المحاق ومنه قول الشاعر للبدر منه ائتلاق الوجه من لهب
وللسرار انمحاق الخصر من هيف وترك العطف في صل لكمال الانقطاع بين الجملتين المقتضى
للفصل ثم لما كانت الطريقة الأقوم والوتيرة الأجمل الأتم في عرض الحاجة لدى الغنى المغنى الأكرم
الأجود الأعظم ان يمجد أولا علو شأنه ويبجل سمو مكانه وبعد اجراء شطر من الفضايل عليه واهداء
شكر عضة من الفواضل لديه فليتوسل بذيل أكرم أحبائه ومقربيه وأفضل أودائه ومجاوريه ليقع
عرضه موقع القبول ويظفر بنيل المأمول اشتغل (ع) بعد ذكر طايفة من جمايله وفضايله بالصلاة على
أكرم وسايله وأشرف قواده ودلايله محمد وآله هذا على وفق السيرة الفاضلة والسنة العادلة والعادة
الجيدة الكاملة واما بحسب العقل فليعلم ان لا ربط للحادث بالقديم الا بواسطة وللممكن بالواجب الا
برابطة برزخية ذات حظ من الجانبين متمكنة في الحد المشترك الطرفين ومن ثم اشتهرت كيفية
ربط المعلول الحادث بالعلة القديمة بالداء العياء لأنها أعيت عقول العقلاء المتفكرين حيث إنه
لا يجوز تخلف المعلول عن العلة التامة خصوصا المبدء التام الغنى الذي لا يحتاج إلى معاون
أو آلة أو معد أو شرط حتى انتظار وقت أو نحو ذلك والاشكال في موضعين أحدهما ربط الحوادث
اليومية وهذا يتوجه على الحكيم والمتكلم كليهما وكيفية ربطها بالقديم تعالى شانه ان الحركة المستديرة
الفلكية أقدم وابقى وأدوم من الحركات المستقيمة والكاينات العنصرية وتلك الحركة الفلكية
كساير الحركات المستقيمة تنشعب إلى حركة بمعنى القطع والى حركة بمعنى التوسط وقد حقق في موضعه
ان القطع أمر ممتد منقسم راسم للزمان والتوسط أمر بسيط محفوظ دائم في جميع حدود الحركة
ثابت بذاته انما التغير في نسبه إلى حدود المسافة وهو بإزاء الآن السيال فعلة كل حادث في
عالم الكون مجموع أمرين أصل ثابت قديم وهو قدرة الله ونور الله وكلمة الله وامر الله
عباراتنا شتى وحسنك واحد وشئ حادث جديد شيئا فشيئا هو جزء من تلك الحركة
القطعية هو شرط تأثير ذلك الأصل القديم فبذلك الجزء يسند إليه الحادث الكوني واما اسناد
نفس الحركة إلى الله تعالى فباعتبار جنبته التوسط لان الثابت منسوب إلى الثابت كما أن الحادث
منسوب إلى الحادث هذا عند أكثر الحكماء وعند بعض محققيهم كيفية الربط بان الطبيعة الفلكية
متجددة ذاتا بنحو تجدد الأمثال ولها وجه عقلي بسيط دائم عند الله فهى باعتبار مراتبها المتجددة
29

مسند إليها للحوادث الكونية وباعتبار وجهها العقلي البسيط الدائم ومثالها النوري القائم
مستندة إلى الحق القديم وثاني الموضعين كيفية ربط كلية العالم الحادث إلى القديم تعالى شانه
وهذا هو الموصوف بالداء العياء وهو يتوجه ويرد على المتكلم القائل بانقطاع الفيض وبالزمان
الموهوم لا على الحكيم القائل بعدم انقطاع الفيض لكن المستفيض منقطع وان نور الله تعالى ليس بآفل
انما المستنير داثر زايل وان الجواد لا يمسك بل هو باسط اليدين بالعطية انما المستجاد نافد بأيد اعلم أن
القول بالحدوث قول فحل ورأي جزل هو قائد العقول ودليلهم على الله تعالى لا سيما القائل بان
مناط الحاجة إلى العلة هو الحدوث ولكن بشرط ان لا يصير القائل مستحقا لان يقال فيه حفظت شيئا
وغابت عنك أشياء وان لا يصل عثير الحدوث من مثيره إلى ذيل جلال منيره فيجمع كما أشرنا
إليه بين حدوث المستفيضات وعدم انقطاع فيض الله تعالى وبالجملة الحق عم نواله ودام أفضاله
وصفاته من جوده وتكلمه وجميع ما من صقعه قديم والخلق وما من ناحيته حادث داثر كل شئ هالك
الا وجهه ما عندكم ينفد وما عند الله باق وهذا التوفيق انما يوفق له من يقول بالحدوث
الدهري الذي هو مسبوقية وجود العالم بالعدم الواقعي الذي في السلسلة الطولية النزولية
التي أوعية وجودها الدهر لا العدم الذاتي فقط وهذا هو مذهب السيد المحقق الدماد بوأه الله تعالى
في أعلى عليين وقد شرحناه في شرح الأسماء وغيره عند شرح اسمه تعالى القديم فليرجع إليه من أراد أو يقول
بالحدوث الزماني والتجدد الذاتي بناء على سيلان الطبيعة في الكل ذاتا وصفة وان الحادث حوادث
والعالم عوالم كل منها محفوف بالعدمين السابق واللاحق وهو مذهب صدر المتألهين قدس الله تعالى نفسه
وروح رمسه إذا عرفت هذا فاعلم أنه هكذا جرت سنة الله تعالى ولن تجد لسنة الله تبديلا
فلابد للحادثين السايرين إلى الله تعالى الطالبين له من جالس بين الحدين ذي حظ من الجانبين ومسافر من
الخلق إلى الحق ثم في الحق إلى التخلق باخلاق الله خلقا بعد خلق ثم من الحق إلى الخلق ليقودهم إليه ويدلهم
عليه فليكن بباطنه عقل الكل ليتأزر بازار الجبروت ويتردى برداء اللاهوت ويستمد من القوة الزمانية
ويعطى الحوادث الكيانية وقد ذكرنا ان العقول في سلسلة العايدات بإزاء العقول في سلسلة الباديات
كما بدأكم تعودون نحن السابقون اللاحقون وبظاهره انسانا طبيعيا لحميا ان نحن الا بشر مثلكم
ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليه ما يلبسون در بشر روپوش آمد آفتاب
30

فباعتبار صورته يجانسك أيها الانسان البشرى وباعتبار معناه يوصلك إلى أصلك المنسى
المذهول عنه يا آدم الترابي ولولاه فكما قيل دوست كجا وتو كجا أي دغل * نور أزل را چه به بل هم أضل
دوست كجا وتو كجا أي عنود * مرده چه باشد بر حي ودود وقال لسان الغيب قطع اينمرحله بيهمرهى خضر مكن
ظلماتست بترس از خطر كمراهى وقال المولوي المعنوي كفت پيغمبر على را كاى على
شير حقي پهلوانى پر دلى * ليك بر شيرى مكن تو اعتميد * واندرا در سايه ء نخل اميد
فلذلك بعد التثنية لله عز وجل شرع في التصلية على محمد وآله احكم الروابط وأوثق العرى
وأطول الحبال لله المتعال تنوير وتشعيل لتأويل الدليل كما أن له صلى الله عليه وآله دلالة على الله تعالى
بكلماته العلية دلالة لفظية كك له صلى الله عليه وآله بوجوده السني ذاتا وصفة وفعلا دلالة عقلية على ذاته وصفته
وفعله تعالى كما قال صلى الله عليه وآله من رآني فقد رأى الحق وقال علي (ع) معرفتي بالنورانية معرفة الله
وهذه الدلالة في ليل تعينه البشرى وظلمة الكثرة وغسق الامكان استشهاد من خطب علوية
لإنارة ليل زمان الجاهلية قال (ع) في بعض خطب نهج البلاغة بعث الله سبحانه
محمدا صلى الله عليه وآله لانجاز عدته واتمام نبوته مأخوذا على النبيين ميثاقه مشهورة سماته
كريما ميلاده واهل الأرض يومئذ ملل متفرقة وأهواء منتشرة وطرايق متشتتة
بين مشبه لله بخلقه أو ملحد في اسمه أو مشير إلى غيره فهداهم به من الضلالة
وانقذهم بمكانه من الجهالة وقال في خطبة أخرى منه بعد الحمد والشهادة بالتوحيد وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله أرسله بالدين المشهور والعلم المأثور والكتاب المسطور
والنور الساطع والضياء اللامع والامر الصادع إزاحة للشبهات واحتجاجا بالبينات
وتحذيرا بالآيات وتخويفا للمثلات والناس في فتن انجذم فيها حبل الدين وتزعزعت
سواري اليقين واختلف النجر وتشتت الامر وضاق المخرج وعمى المصدر فالهدى
خامل والعمى شامل عصى الرحمن ونصر الشيطان وخذل الايمان فانهارت دعائمه
وتنكرت معالمه ودرست سبله وعفت شركه أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه
ووردوا مناهله بهم سارت اعلامه وقام لوائه في فتن داستهم بأخفافها وطئتهم
بأظلافها وقامت على سنابكها فهم فيها تايهون حايرون جاهلون مفتونون في خير دار
31

وشر جيران نومهم سهود وكحلهم دموع بأرض عالمها ملجم وجاهلها مكرم قوله (ع)
والعلم المأثور معجزات النبي صلى الله عليه وآله والمتكلمون يسمون المعجزات اعلاما والعلم ما يهتدى به والصادع الظاهر
الجلي قال تعالى فاصدع بما تؤمر والمثلات بفتحة فضمة العقوبات جمع مثلة قال تعالى وقد خلت
من قبلهم المثلات وانجذم انقطع والسواري جمع السارية أي الدعامة والنجر الأصل ومنه
النجار وانهارت تساقطت والشرك جمع الشراك الطرايق والاخفاف للإبل والأظلاف للبقر وللمعز
وخير دار مكة وشر جيران قريش وهذا كلام النبي صلى الله عليه وآله كنت في خير دار وشر جيران ونومهم سهود
مثل ان يق جودهم بخل وخيرهم شراي لو استماحهم محمد صلى الله عليه وآله النوم لجادوا عليه بالسهود عوضا له وقس
عليه الأخر فيجازون الاحسان بالإسائة وهذا نظير ما في علم البديع من الاستثناء عن المدح بما يشبه
الذم أو بالعكس أو من القول بالموجب كقوله واخوان حسبتهم دروعا * فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما صايبات * فكانوها ولكن في فؤادي وعالمها ملجم أي خوفا والماسك
من أسبابك بحبل الشرف الأطول السبب لغة الحبل وفيه إشارة إلى وقوع النفوس الناطقة
باعتبار نزولها إلى أسفل السافلين بعد كينونتها السابقة في النشأة العالية العلمية في غيابت جب
الطبيعة وجهنام المادة فلتتمسك بحبل الله المتين الذي أدلى به لعروج يوسف النفس من ذلك الجب
إلى سماء الحب وتمسكه سلام الله عليه بأطول حبال الشرف لاستخلاص أمته بالتمسك به وحقيقة ذلك
الحبل القران المجيد الذي هو حقيقة العروة الوثقى التي لا انفصام لها أو شريعته الغرا وطريقته المثلى
كما قال تعالى ان هذا القران يهدى للتي هي أقوم وقال إنك لعلى خلق عظيم وقال صلى الله عليه وآله الشريعة
أقوالي والطريقة افعالي وأطولية دينه صلى الله عليه وآله معلومة لبقائه إلى يوم الدين واما أطولية قرانه
فهى كناية عن سعة باعه وأجمعيته من ساير الكتب السماوية للعلوم والمعارف وكونه معجزة دونها ثم في الكلام
استعارة تحقيقية من حيث التشبيه بالحبل ووصفه بالطول ترشيح ويعجبني ان يكون المراد بحبل
الشرف وجوده المقدس الذي هو برزخ بين الوجوب والامكان وهو حبل الله المتين المتقن
غاية الاتقان من باب التجريد المصطلح لعلماء البلاغة نحو لي من فلان صديق حميم فيكون من
قبيل قول الشاعر يا خير من يركب المطي ولا * يشرب كأسا بكف من نجلا
أي يشرب بكف الحواد وهو نفسه بل لا ماسك أمسك من الشئ بنفسه لامتناع انفكاك الشئ عن
32

نفسه والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل الناصع الخالص
من كل شئ نصع كمنع نصاعة ونصوعا خلص والامر نصوعا وضح ولونه اشتد بياضه والحسب
ما يعده الانسان من مفاخر آبائه وهو مأخوذ من الحساب وقال في القاموس والحسب ما تعده من
مفاخر ابائك أو المال أو الدين أو الكرم أو الشرف في الفعل أو الفعال الصالح أو الشرف الثابت
في الاباء أو البال أو الحسب والكرم قد يكونان لمن لا آباء له شرفاء والشرف والمجد لا يكون الا بهم انتهى
ولا يخفى انه بجميع معانيه كالناصع يناسب المقام الا المال لكنه أيضا بحسب الظاهر واما بحسب الباطن
فالكل له صلى الله عليه وآله اذن لامته التصرف تفضلا منه ورحمة والفرق الذي أبداه أخيرا لم يكن على سبيل التباين
وبالجملة مفاخره لا توصف وماثره لا تكتنف سيما الدينية والبالية والفعالية منها تسبيح الحصا
وحنين الجذع وشق القمر وينبوع الماء من بين أصابعه وشكاية الناقة وشهادة الشاة المشوية
وتكلم الضب وشفاء رمد ابن عمه بريقه وظل الغمام ورؤيته صلى الله عليه وآله من خلفه وكونه لا ظل له وسماع
الصوت نائما والعلم بالسنة الحيوانات وانه لا وقع للدنيا في قلبه أصلا وكان مع أهلها في غاية
الترفع ومع أهل الفقر والمسكنة في غاية التواضع وكان في أعلى مراتب الفصاحة ولم يقدم
على قبيح قط ولم يفر من عدوه قط إلى غير ذلك من مفاخره التي لا تحصى وفى الجمع بين الحسب والشرف
المذكور في الفقرة السابقة مراعاة النظير كما في الكاهل والقدم في الفقرة اللاحقة وذروة الشئ
بالكسر أعلاه والكاهل مقدم أعلى الظهر مما يلى العنق وهو الثلث الاعلى وفيه ست فقر أو ما بين الكتفين
أو موصل العنق والصلب والأعبل الغليظ الأبيض وباعتبار البياض المعتبر فيه بنى على وزن افعل لان الصفة المشبهة من اللون على افعل
ولو لوحظ مجرد الغلظ والضخامة بنى على فعل كضخم وصعب كقول الشاعر به جؤجؤ عبل ومتن مخضر
قال في القاموس العبل الضخم من كل شئ وهي بهاء جمعه كجبال وعبل ككرم ونصر ضخم وكفرح فهو عبل
ككتف وأعبل غلظ وأبيض انتهى وكونه صلى الله عليه وآله أو كون حسبه في ذروة الكاهل الأعبل كناية عن مجده وشرفه
وكرم أصله مثل فلان كثير الرماد أي جواد وفى الخلوص والوضوح وشدة البياض المدلول عليها بالنصوع
وكون الحسب في كذا على أحد الوجهين وتشبيه المعقول بالمحسوس تأكيد ومبالغة في ظهور حسبه العالي
وانه كنار على علم وانه بمكان لا امكان لاحد في انكاره والقدح فيه اشراق نور ولوي
لتأويل حسب مصطفوي تأويله انه صلى الله عليه وآله يعد بوجوده الشريف مفاخر آبائه الروحانيين
33

من العقول المجردين والأنوار القواهر الأعلين القديسين ومقامه ذروة كاهل حقيقة الروح الأمين
كما مر فكما كان روحانية الأنبياء والأولياء العقل الفعال الواقع في المرتبة العاشرة من السلسلة
الطولية كك روحانية الخاتم صلى الله عليه وآله عقل الكل الذي هو الأصل المحفوظ في جميع العقول فاذن
جميع صفات عقل الكل واحكامه المقررة في فن الربوبيات من الحكمة مفاخر الحضرة الختمية نعم من
كان روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقهم الباكورة كما قال بعض أولاده الطاهرة
لا غرو في حسبه من أمثال هذه المفاخرة تأييد وتوفيق ومن هنا يوفق بين القولين
هل غاية الصلاة عليه تعود إليه أم إلى المصلى فإنك متى استشعرت ان روحانيته صلى الله عليه وآله عقل الكل
وعقل الكل لا حالة له منتظرة علمت أن الله تعالى قد أعطاه من علو الدرجة ورفع المنزلة ما لا يتصور
لممكن وانه ختم الكمال وبلغ قصيا مراتب الجمال والجلال نغباء الغنى المتعال ولما كانت أمته
كأوراق وأغصان من شجرة طوبى وجوده كان العود إلى المصلى عود إليه صلى الله عليه وآله إذ الأوراق من صقع
الشجرة فضلا عن الأغصان ولهذه الكلية والسعة حيث يستصرخ الأنبياء في القيمة بقولهم وأنفسي يقول
هو صلى الله عليه وآله وا أمتي وكيف لا يكون أمته عنده كنفسه القدسية وهو للأيتام أشفق من الأب الشفيق وللشيوخ
العجزة أرئف من الولد الرؤف ولا ولات المسكنة من الأرامل ارحم من الزوج الرحيم ويرضى لهم ما يرضى
لنفسه بل يؤثر كثيرا على نفسه كما هو مقتضى مقام الفتوة فهو كأنه الكل وقد ورد عن بعض أولاده الطاهرة
في حقهم (ع) في الزيارة المسماة بالجامعة الكبيرة ذكر كم في الذاكرين وأسماؤكم في الأسماء وأجسادكم
في الأجساد وارواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس وآثاركم في الآثار والثابت
القدم على زحاليفها في الزمن الأول الزحاليف جمع الزحلوفة وهي مكان منحدر مملس
وفى مجمع البحرين بعد ذكر معناها قال ومنه في وصف النبي صلى الله عليه وآله الثابت القدم على زحاليفها في الزمن
الأول أي قبل النبوة والضمير للدنيا وان لم يجر لها ذكر لمعلوميتها وفى الكلام استعارة انتهى أقول
الاظهر ان يرجع الضمير إلى القدم كما يق مزال الاقدام وقد قيل كلما كان من الأعضاء زوجين ففيه
تأنيث وليت شعري كيف لم يتفطن به مع ظهوره وكلمة في متعلقة بزحاليفها أي هو صلى الله عليه وآله ثابت
القدم في المزال التي كانت في أوايل الاسلام في اعلان كلمة الله واحياء دينه إذ لم ينضج بعد
والا فثبات قدمه في تحمل أعباء النبوة كما امره ربه بقوله فاستقم كما امرت ليس موقتا
34

قال تعالى ويثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة اللهم
يا مقلب القلوب والابصار صل على محمد واله الاطهار وثبت قلبي على دينك ودين نبيك ولا تزغ
قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك أنت الوهاب أو متعلقة بالثابت وذلك
بوجهين أحد هما ان يكون من باب القياس الأولى فإنه صلى الله عليه وآله إذا كان ثابت القدم في بدو الاسلام
كان كك بعده وحين نضجه بطريق أولي كدلالة قوله تعالى لا تقل لهما أف على مثل لا تضربهما وثانيهما
ان يكون المراد بالزمن الأول معهد الأزل يوم الست بربكم وهو أول من أقر فالمعنى ان ثبات قدمه صلى الله عليه وآله
على الزحاليف منذ عهد الأزل وقد طبق الأخر على الأول فظهر فيما لا يزال ما قضى في الأزل وبرز
في العين والكون ما كمن في العلم والثبوت تلويح لوحي وتعليم قلمي لتأويل ثبات قدم خاتمي
كما كان صلى الله عليه وآله ثابت القدم في الزحاليف العملية كان ثابت قدم الذهن في الزحاليف العلمية إذ قبلته
بين المشرق والمغرب وشجرة زيتونة وجوده المبارك لا شرقية ولا غربية فجمع بين الوحدة والكثرة
بحيث لا يصيبك حر نار الوحدة ولا برد زمهرير الكثرة ولا تشريك التركيب وجمع بين التنزيه والتشبيه
بحيث لا يقربك انوثة التشبيه ولا ذكورة التنزيه ولا خنوثة التركيب بل على وجه يعرفه الراسخون في
العلم وتأويل الزمن الأول ح إما النشأة العلمية السابقة سبقا سرمديا أو دهريا واما زمان قبل البعثة
بان يكون من باب مفهوم الموافقة وسيأتى ان المحققين من الامامية يقولون بعصمته صلى الله عليه وآله علما وعملا
قبل البعثة وبعدها ثم إن الثابت القدم والناصع الحسب من صنعة المماثلة كقوله تعالى واتينا هما
الكتاب المستبين وهدينا هما الصراط المستقيم وعلى اله الطاهرين الأخيار
المصطفين الأبرار آل الرجل أهله وأقاربه خص استعماله بذوي الاشراف وآل النبي
الختمي صلى الله عليه وآله عترته الطاهرة أهل بيت العصمة وفى القاموس آل الله ورسوله أولياؤه انتهى وكل
من صحت نسبته الباطنية إلى باطنه وهو عقل الكل فهو من اله باطنا ومن هنا ورد سلمان منا
أهل البيت والطاهرين اه إشارة إلى عصمتهم (ع) ولما اشتهر عند الإمامية ان مخالفيهم لا يقولون
بعصمة الأنبياء وغيرهم وربما يتوهم انهم يقولون بصدور الخطاء عنهم أي خطأ كان وعلى أية حالة
كانوا والحال انهم قالوا بوجوب العصمة فيما يتعلق بالاعتقاد والتبليغ والفتوى واما فيما يتعلق بأفعالهم
وأحوالهم ففيه اختلافهم وفيه أيضا تفصيل بحسب الصغيرة والكبيرة وبحسب قبلية البعثة وبعديتها
35

وبحسب السهو والعمد فلا بد من تفصيل بان العصمة ما هي وفيمن هي وفى كم هي ومتى هي وعم هي
ولم هي إما الأول فهى كيفية روحانية يمتنع بها صدور الخطا عن صاحبها لعلمه بمثالب المعاصي
ومناقب الطاعات فلا ينافى امكانه الذاتي واما الثاني فهى في الملائكة والأنبياء والأوصياء
الاثني عشر والمتكلمون الذين قالوا إن الملائكة أجسام لطيفة يقدرون على أفعال شاقه يتشكلون باشكال
مختلفة سوى الكلب والخنزير وفيهم دواعي الشهوة والغضب يجوزون عليهم الشهوة والغضب والمعصية
فقد اختلفوا في عصمتهم والآيات الكثيرة الواردة في مدحهم مثل قوله تعالى عباد مكرمون لا يسبقونه
بالقول وهم بأمره يعملون إلى قوله وهم من خشيته مشفقون وقوله تعالى يخافون
ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون وقوله تعالى لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون
يسبحون الليل والنهار لا يفترون وكذا السنة دالة على عصمتهم وعمدة شبه المخالفين
اثنتان أحدهما الاستثناء في قوله تعالى فسجدوا الا إبليس والجواب انه مبنى على التغليب
أو الاستثناء منقطع وثانيتهما قصة هاروت وماروت المذكورة في القران وهي مأولة وعند
الحكماء القائلين بتجردهم لا ريب في عصمتهم واما الأوصياء الاثني عشر فمن ضروريات مذهب الإمامية
الاثني عشرية وجوب عصمتهم على الوجه الذي سيأتي واما الثالث فجميع الأمة متفقون على وجوب
عصمة الأنبياء (ع) فيما يتعلق بالاعتقاد وانهم معصومون عن الكفر الا الخوارج خذلهم الله فان صدور الذنب
عندهم كفر ويجوزون صدور الذنب عن الأنبياء (ع) واما الكفر من حيث الاعتقاد الباطل فالظاهر أنهم أيضا
لم يقولوا به وأيضا لا خلاف بين الأمة في وجوب عصمتهم فيما يتعلق بالتبليغ وعدم جواز الخطاء فيه
لا عمدا ولا سهوا والا لم يبق الاعتماد على شئ من الشرايع ولا خلاف أيضا بينهم في وجوب عصمتهم عن الخطاء فيما
يتعلق بالفتوى عمدا وفى السهو خلاف ما نعم اختلاف الأمة كما أشرنا إليه في مقام رابع وهو ما يتعلق
بأفعالهم وأحوالهم فجوز الحشوية تعمد الصغيرة والكبيرة عليهم واكثر المعتزلة تعمد الصغيرة بشرط
ان لا تكون خسيسة كسرقة اللقمة وتطفيف الحبة والحنابلة صدور الذنب على سبيل الخطا في التأويل
وجماعة صدور الذنب مطلقا لكن سهوا لا عمدا وانهم يعاقبون عليه لان علومهم أكمل فكان
الواجب عليهم التحفظ والمراقبة وجمهور الأشاعرة صدور الصغيرة سهوا لا عمدا لا الكبيرة وامام الحرمين
من الأشاعرة وأبو هاشم من المعتزلة صدور الصغيرة ولو عمدا والحق غير ذلك كله وهو مذهب
36

الامامية كما يأتي واما الرابع فعند أكثر الأشاعرة وجم غفير من المعتزلة العصمة مخصوصة بزمان
البعثة ولا يجب قبلها واما الخامس أي العصمة عن الكبيرة عمد هما وسهو هما فقد سمعت
تفصيل أقوالهم والحق عندنا معاشر الامامية وجوب العصمة في الملائكة والأنبياء والأوصياء
سلام الله عليهم أجمعين في تمام العمر مطلقا سواء كان فيما يتعلق بالاعتقاد أو فيما يتعلق بالتبليغ
أو فيما يتعلق بالفتوى أو فيما يتعلق بالأحوال والافعال صغاير كانت أو كباير ولا يجوز السهو والنسيان
عليهم واما السادس أي الدليل عليه فهو انه قد تقرر عند المحققين من أهل الكلام صحة الوجوب
على الله كالوجوب من الله وان اللطف على الله واجب ومن هنا وجب على الله بعث النبي ونصب
الامام ولا شك ان العصمة على الوجه المذكور ادخل في اللطف وادعى واجلب في الاتباع وابعد
من تنفر الطباع ولهذا يجب تنزههم عن العيوب والنقايص الخلقية كالخلقية فإنه أيضا في اللطف
ادخل والطباع له اقبل فلا يجوز على الحكيم الاخلال به ثم إن العصمة على الوجه المقرر عند الإمامية من الممكنات
الوقوعية ولا سيما انه قد تقرر في المعقول ان أصول المعجزات والكرامات بكمال القوى الثلث النفسانية
وقوتها وشرفها القوة المدركة للكليات والقوة المدركة للجزئيات والقوة العمالة فيعلم جميع العلوم
أو أكثرها بتأييد الله تعالى لا بتعلم بشرى ويرى ملائكة الله ويسمع كلام الله ويطيعه مادة الكاينات
بإذن الله ولكمالها وقوتها وشرفها عرض عريض ومنها يتفاوت درجات الكمل تلك الرسل
فضلنا بعضهم على بعض فكمال المدركة للعقليات أن تكون شديدة الحدس كثرته فيكون
أغلب مدركاتها حد سيات لا فكريات لدنيات لا تعليميات يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه
نار وتكون شديدة الاتصال بالأرواح القدسية سيما الروح الأمين المكين عند ذي العرش كثيرة المراجعة
إلى حظيرة القدس مرة بعد أولي وكرة بعد أخرى وقوتها أن تكون وافية بالجانبين جالسة بين الحدين
المحسوس والمعقول لا يشغلها شأن عن شأن لا كالعقول الضعيفة إذا ركنت إلى جانب ذهلت
عن الأخر وشرفها حريتها عن علايق الأكوان وترفعها عن رق الحدثان وأسر القوى وكمال المدركة للجزئيات
أن تكون منقادة للعاقلة غير مزاحمة لها في ادراكها الحقايق العقلية غير منجذبة إلى الجزئيات الحسية
وقوتها أن تكون شديدة الاقتدار على التصوير والتمثيل سيما المتخيلة التي من طبعها المحاكاة فحين
يتصل الروح القدسي بعالم اللاهوت وعالم الجبروت ويتلقى الحقايق بالمكالمة الحقيقية من حقيقة
37

الملك التي هي الآية الكبرى كما قال تعالى ولقد رأى من آيات ربه الكبرى وقال صلى الله عليه وآله رأيت
جبرئيل وقد طبق الخافقين يتصل رقيقته برقيقة الملك ويتمثل له حقيقة ذلك الملك
المجرد وذاته بصورة مليحة تكون أصبح أهل زمانه وأملحهم وحقايق الوحي والمكالمات الحقيقية
والمعاني المجردة المتلقاة من عالم الجبروت واللاهوت بصور كلماته مسموعة فصيحة بليغة
هي قوالب تلك المعاني ورقايق تلك الحقايق أو بصور أرقام منقوشة في ألواح كك
فعند اتصال حقيقة الروح القدسي بحقيقة روح الأمين وتلقى الحقايق يتعدى التأثير من العقل
إلى القوى الباطنة ويتمثل في الخيال ومنها إلى الحواس الظاهرة سيما السمع والبصر وذلك لان
الحس المشترك كمرآة ذات وجهين له وجه إلى الظاهر وله وجه إلى الباطن فإذا انتهى المدرك
إليه فهو مشاهد محسوس سواء انتهى إليه من الظاهر أو من الباطن فسماع كلام المخلوق ورؤية
كتابه بان يحس المدرك ثم يتخيل ثم يعقل وسماع كلام الله ورؤية كتابه بان يدرك معقولهما ثم
يتخيل ثم يحس ومن هنا قيل آن خيالاتى كه دام اولياست * عكس مه رويان بستان خداست
والمدرك كمرآئي متحاذية متعاكسة وليس ذلك التمثل مجرد صورة خيالية كما زعمه بعض من
المتفلسفة المشائية من الذين لم يبلغوا إلى مقام الفوز بالحسنيين والجمع بين الغايتين الصورية
والمعنوية ولم يمكنهم تصحيح الانذارات مع أنهم سموا أنفسهم حكماء عالمين بالحقايق والعلم بالحقايق
لا يتم الا بمعرفة الحقايق والرقايق جمعا بل هذه الصور المرئية والمسموعة والنفحات المشمومة ونحوها
في الخارجية والقوام أتم بكثير من الصور الطبيعية الكائنة بل من الصور المنطبعة في النفس المنطبعة الفلكية
وشرفها حريتها عن رقية الألف بالمحسوسات الجزئية الداثرة التي لا بقاء لها لان بنائها على
شفا جرف هار وكمال العمالة أن تكون القدرة مستهلكة في قدرة الله النافذة كالميت بين يدي
الغسال والإرادة في ارادته الثاقبة وقوتها ان يكون الروح القدسي بحيث كل ما تعلق تصوره به وقع
بمجرد تصوره وتطيعه مادة الكاينات فتصرف فيها كتصرفه في بدنه وشرفها طهارتها فطرة وعملا
إذا عرفت هذا فنقول إذا كان الروح القدسي قوته العلامة كذا وكذا وقوته الدراكة الحساسة والخيالية
كيت وكيت وقوته العماله ذيت وذيت فلا غرو في عصمته عن الخطاء وان يسدده روح القدس
دائما إلى الصواب كيف وهو صاحب النفس اللاهوتية بل الخطاء والعصيان من الطوارى المعللة
38

لان الكل من معدن العصمة والطهارة الا ان الأكثر اخلدوا إلى الأرض واتبعوا أهوائهم عرضا وقسرا
وصاحب الخصايص الثلث المذكورة قلما يتفق والتخلق بالأخلاق السبحانية شذان يرتزق ولكنه
أمر مضبوط واجب الوقوع وافتح اللهم لنا مصاريع الصباح بمفاتيح الرحمة
والفلاح المصراعان في الأبواب بابان منصوبان ينضمان جميعا مدخلهما واحد فهما كمصراعين
في بيت والرحمة فيه تعالى ليست رقة القلب لأنها انفعال وهو تعالى فعال مطلق بل هي الوجود
المنبسط على كل مهية بحسبها وعلى كل مادة بقدرها فرحمته الواسعة في العقل عقل وفى النفس
نفس وفى الطبع طبع وبالجملة جرى حاضر الوقت على لسان القلم قد عم رحمته كلا بما لا قوا
في السم سم وفى الترياق ترياق والفلاح الفوز والنجاة أستعير الفتح للدخول في الصبح
استعارة تبعية وذكر المصاريع والمفاتيح ترشيحا ان قلت أحسن السجع على ما قال ابن الأثير ما تساوت
قراينه نحو إما اليتيم فلا تقهر واما السائل فلا تنهر ثم ما طالت قرينته الثانية نحو خذوه
فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه قلت هذه
تعد فقرة واحدة خاتمتها الفلاح وقد أؤثر المصراع من مطلق الباب لان باب الصباح هو الوضع
الفلكي الخاص وهو سيال وكل ممتد قارا كان أو غير قار متجز إلى غير النهاية فكل وضع مركب من متقض
ومتكون ومتصرم ومتجدد وأيضا مركب من الوجود والمهية وكذا مهيته من الجنس والفصل ووجوده
من وجه يلى المهية ووجه يلى الرب ولذا ذكر المصاريع بصيغة الجمع طوالع ولوايح لتأويل
مصارع ومفاتح وكما يسئل من عناية الفتاح الرحيم فتح مصاريع الصباح الظاهري لنا
بمفاتيح رحمته فليسئل فتح مصاريع الصباح الباطني بالفتوحات الربانية بناء على تأويل الفقرة
الشريفة وذلك أيضا قسمان صوري ومعنوي إما الصوري فظهور البوارق واللوايح واللوامع من
الأنوار التي تظهر للسلاك إلى جنابه الأقدس المسماة بهذه الأسامي في اصطلاح العرفاء وقد ذكر
الشيخ الاشراقي شهاب الدين السهروردي س في أواخر كتاب حكمة الاشراق عشرة أنواع من
النور يشرق على اخوان التجريد من أراد تفصيلها وتميزها فليطالع من هناك واما المعنوي فليعلم
ان قد استقر على ألسنتهم تسمية كل من أقسام الفتح باسم كالفتح القريب والفتح المبين والفتح المطلق
فالأول ما انفتح على العبد من مقام القلب وظهور صفاته وكمالاته عند قطع منازل النفس والترقي
39

إلى منازل القلب في حدود السير من الخلق إلى الحق وهذا هو المشار إليه بقوله تعالى نصر من الله و
فتح قريب والفتح المبين هو ما انفتح على العبد من مقام الولاية وتجليات أنوار الأسماء الإلهية
(المغنية)؟؟ لصفات القلب وكمالاته وهذا في مقام السير في الحق وهو المشار إليه بقوله تعالى انا فتحنا
لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر أي من الصفات النفسانية
والقلبية والفتح المطلق وهو أعلى الفتوحات وأكملها ما انفتح على العبد من تجلى الذات الأحدية
والاستغراق في عين الجمع بفناء الرسوم كلها وهو المشار إليه بقوله تعالى إذا جاء نصر الله
والفتح وقد يستتبع السير من الحق إلى الخلق وهو مقام البقاء في الفناء فكل طلوع بعد غروب
عن الأفق صباح ومن هنا سموا نهاية مقام القلب بالأفق المبين وسموا نهاية مقام الروح وهي
الحضرة الواحدية بالأفق الاعلى والمصراعان بحسب هذا التأويل العلم والعمل والجمعية بالاعتبار
المذكور أو باعتبار الموارد وألبسني اللهم من أفضل خلع الهداية والصلاح
البسني استعارة تبعية والخلع جمع الخلعة ترشيح والهداية قد يجيئ بمعنى الايصال إلى المطلوب
نحو قوله تعالى انك لا تهدى من أحببت وقد يجيئ بمعنى إرائة الطريق نحو قوله تعالى وهديناه
النجدين والظاهر أنها حقيقة في الإرائة مجاز في الايصال والاشتراك خلاف الأصل
واغرس اللهم لعظمتك في شرب جناني ينابيع الخشوع الغرس اثبات الشجر
في الأرض والشرب المورد ومجرى المياه ومنه ما يقال في الفقه شرط الشفعة الشركة في الشرب
والمجاز والجنان القلب والينابيع جمع الينبوع وهو العين والخشوع الخضوع وقد يفرق بينهما
بان الخضوع يستعمل في البدن والخشوع في الصوت والبصر نحو وخشعت الأصوات للرحمن
ولعلك تقول الغرس يناسب الشجر مثل ان يق شجرات الخشوع قلنا ليس كك إما أولا فلان
اغرس استعارة مطلقة لا ترشيحية ولا مجردة واما ثانيا فيمكن ان يكون اغرس مشتقا اشتقاقا جعليا
كاستحجر واستونق ونحوهما من الغرس بمعنى العين وفى القاموس وبئر غرس بالمدينة ومنه الحديث
غرس من عيون الجنة وغسل صلى الله عليه وآله منها وبعد ما كتبت ذلك رأيت نسخة صحيحة فيها بدل اغرس
اغرز وهي إن كانت بتقديم الراء المهملة على المعجمة كانت من غرزت الشئ بالإبرة ونحوها
وإن كانت بتقديم المعجمة على المهملة كانت من باب الافعال والغزارة الكثرة ومنه قوله الشئ
40

يعز حيث يندر والعلم يعز حيث يغزر وعظم الشئ أصله كبر عظمه ثم أستعير لكل كبير عينا كان
أو معنى مجردا كان أو ماديا فقوله لعظمتك متعلق بالخشوع تأويل جناني لخشوع سبحاني
أعلى مراتب خشوع الجنان الذي هو عرش الرحمان فناء العرش في ذي العرش فان من
العروش القلبية ما ينزل ويظهر فيه ذو العرش بحسبه انزل من السماء ماء فسالت أودية
بقدرها ومنها ما هو للطافته وهيولويته في جنب (جنبته)؟؟ صورة صفاته الجمالية والجلالية تصور
بصورة ذي العرش ولا حكم له في نفسه وليس لذي العرش صورة الا صفاته الجمالية والجلالية
وأرباب القلوب قد امروا بقوله صلى الله عليه وآله تخلقوا باخلاق الله واجر اللهم لهيبتك
من اماقي زفرات الدموع الهيبة الخشية والآماق جمع الموق وهو مؤخر العين
مما يلى الانف كما أن اللحاظ طرفها الذي يلى الاذن والزفرات جمع الزفرة أي النفس
الممدود حزنا وقد زفر يزفر زفرا وزفيرا اخرج نفسه بعد مده إياه واصل الزفرة بالكسر القربة
ومنه يقال للاماء اللواتي تحملن القرب زوافر وفى اصطلاح أهل السلوك الهيبة ومقابلها
الانس للمنتهين يعنى هيبة القهر عند مبادى تجلى الذات وطمس رسم العبد والانس هو الانس
بنور جمال الذات واضمحلال الرسوم بالكلية في عين الجمع الأحدية وهما فوق القبض والبسط
الذين هما في مقام القلب كما هما أيضا فوق الخوف والرجاء الذين هما في مقام النفس لكن
المراد بالهيبة ههنا الخوف كما هو الظاهر لكن في التعبير عنه بها دقيقة وهي انه هي بوجه فان العوالم
متطابقة مثلا الغضب في مقام الجسم غليان دم القلب وهو بعينه في مقام النفس كيفية نفسانية
وهي بعينها في مقام العقل القهر وفى مقام اشمخ منه هو صفة الله الواجب القهار فتكون نورا اقهر
ووجودا أبهر ينطمس عند كل الأنوار وينمحق لديه جميع الوجودات وأدب اللهم نزق
الخرق منى بازمة القنوع النزق الوثوب يق نزق الفرس كسمع ونصر وضرب
نزقا ونزوقا نزا أو تقدم خفة ووثب وناقة نزاق ككتاب سريعة والخرق ضد الرفق والجهل
والحمق وفى الحديث الرفق يمن والخرق شوم والأزمة جمع زمام وهو مقود الدابة وقد
شبه الجهل والطيش من الانسان في النفس بالدابة من باب الاستعارة بالكناية وأثبت
الوثوب ونحوه له من باب الاستعارة التخييلية ونعم الزمام القنوع ففي الحديث القناعة
41

كنز لا ينفد عز من قنع ذل من طمع إلهي ان لم تبتدأني الرحمة منك بحسن
التوفيق فمن السالك بي إليك في واضح الطريق التوفيق توجيه الأسباب
نحو المطلوب الخير لما صار المقام مقام الانس بعد ذكر الفقرات السابقة سيما ما دل على
الفواضل بالنسبة إلى الداعي كالارقاد والايقاظ والكف المذكورات أضاف الداعي إلهه
إلى نفسه وهذه الإضافة تشريفية وفيها من الابتهاج والالتذاذ ما لا يخفى على المحبين وبمثل هذه
الإضافة اسكر إبليس اللعين حيث قال تعالى وان عليك لعنتي إلى يوم الدين واسناد الابتداء
إلى الرحمة اسناد مجازى من باب الاسناد إلى المفعول له وهو حصولي وكلمة من استفهامية
مبتدأ خبره السالك والباء بعده للتعديه وواضح الطريق من إضافة الصفة إلى الموصوف
والمراد بالرحمة رحمته التي وسعت كل شئ ونور وجهه الذي أضاء به كل شئ وفيئ وقد مر بعض
نعوته والمقصود انه تعالى ولي التوفيق ومسبب الأسباب ولولا توفيقه وتسبيبه لم يمكننا معرفته
والسلوك نحوه فله الحمد على توفيق الحمد وهو المبتدء بالنعم قبل استحقاقها وفيه إشارة إلى أن
ما منه في هذا السلوك عين ما إليه وان فاتحة كتاب الكون عين الخاتمة أول الفكر اخر العمل وقد
ثبت في مباحث الغايات التي هي أشرف اجزاء الحكمة ان العلة الغائية في كل فعل تعود إلى
الفاعل بالآخرة إما في الفعل الكلى لفاعل الفواعل فلانه لا غرض اخر يعلل فعله سوى ذاته ولا يجوز
الاستكمال على ذاته واما في فعل غيره فلان ذاته ناقصة فاعل وذاته كاملة غاية والناقص
من شئ وكامله ليسا مباينين والا لم يكن الناقص ناقصا من ذلك الكامل ولا الكامل كاملا لذلك
الناقص وأيضا الغاية مؤخرة عينا مقدمة ذهنا وهي علة فاعلية الفاعل والأشياء تحصل بأنفسها
في الذهن فالريان يطلب الريان والشبعان ينبغي الشبعان وهكذا إذ ما لم يقم صورة الري
مثلا بنفس طالب الري ولم يحط به خبرا لم يمكنه الطلب وما لم يكن للماء نحو وجود ووجدان
ونشأة بروز في الأذهان لم يمكن طلب الماء قال ابن الفارض ولولا شذاها ما اهتديت لمالها؟؟
ولولا سناها ما تصورها الوهم وبالجملة من الأسباب الموجهة نحو المطلوب الذي
هو خير محض معروفيته ومعروفية الشئ هي هو وكيف لا يكون من الأسباب بل رأسها وسنامها
ومن (المملات)؟؟ ان طلب المجهول المطلق محال ومطلوبية الشئ على حسب معروفية ذاته وكمالات
42

ذاته وبقدر الالتذاذ به قال علي (ع) في بعض خطبه الشريفة أول الدين معرفة الله وكمال
المعرفة التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال التوحيد الاخلاص له
وكمال الاخلاص له نفى الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف
وشهادة كل موصوف انه غير الصفة فمن وصفه سبحانه فقد قرنه ومن
قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزاه ومن جزاه فقد جهله ومن أشار إليه فقد حده
ومن حده فقد عده ومن قال فيم فقد ضمنه ومن قال على م فقد أخلي منه صدق
ولى الله وان أسلمتني أناتك لقائد الأمل والمنى فمن المقيل عثراتي من
كبوات الهوى أسلمتني خذلتني الأناة الحلم والوقار كأنها قلب التأني والقائد من القود
نقيض السوق فإنه من امام وهذا من خلف وقاد الرجل البعير واقتاده جره من خلفه والأمل الرجا
كالمنية والأمنية ومن كسابقتها والإقالة الإزالة والفسخ ومنه إقالة البيع وفى الحديث
من أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيمة والعثرات الكبوات فكلمة من بيانية
يق عثر أي كبا والكبوة الانكباب على الوجه والهوى شهوة النفس الامارة أو اللوامة وهما
المراد بالقائد وباصطلاح الحكيم هو الوهم لان الرجا والأمل ونحو هما من مدركات الوهم
وفى الأناة اشعار باستغراب بناء على أن له تعالى الغناء عن الطاعة وعدم الاستضرار بالمعصية
كما في الدعاء اللهم ان الطاعة تسرك والمعصية لا تضرك فهب لي ما يسرك
واغفر لي ما لا يضرك يا ارحم الراحمين والاسناد إليها كسابقه أي لو خليتني يا إلهي
ونفسي الخائنة الجانية ووهمي المؤملة المرجية فمن يزيل اثار زلاتي الجمة الكثيرة كما على ما هو
مقتضى الجمع المضاف المفيد للعموم والمحكمة الراسخة كيفا لان امهال العظيم الصبور مديد
موفور (زائدا)؟؟ استحكمت الملكات الرذيلة وتجوهرت العادات السيئة صارت طبيعة ثانية
مخالفة للفطرة الأولى الاسلامية والذاتي لا يتبدل والنفس موضوع بسيط ولا ضد له
خلقتم للبقاء لا للفناء فاستحقاق خذلانه تعالى بئس القرين وتوفيقه نعم الرفيق
المعين وان خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان
فقد وكلني خذلانك إلى حيث النصب والحرمان الخذلان خلاف
43

التوفيق وإضافة المحاربة إلى النفس والشيطان من إضافة المصدر إلى المفعول أي
محاربتي أيا هما فقد وكلني اه أي فقد طرحني إلى مكان التعب والحرمان والنفس تطلق
على ذات الشئ وتطلق على كمال أول لجسم طبيعي آلى فتنقسم إلى نفس سماوية وأرضية
والأرضية إلى نفس نباتية وحيوانية وانسانية فتقابل الصورة النوعية المعدنية والطبيعية
ويطلق على جوهر مجرد في ذاته دون فعله عن المادة فتقابل العقل المفارق في ذاته وفعله
عن المادة وتطلق في اصطلاح العارفين على واحدة من اللطايف السبع من الانسان المتداولة
عندهم وهي الا بطن السبعة لهذه الآية الكبرى من الطبع والنفس والقلب والروح والسر والخفى
والأخفى وفسروها بالروح البخاري الحيواني المتداول في لسان الحكيم والسبب فيه ان رحى
الشهوة والغضب والفرح والغم والخوف والرجا ونحوها يدور على ذلك الروح البخاري وزيادته
ونقصانه وتكدره واشراقه فتقابل اللطايف الأخر وتقابل العقل العملي فيقال هذا مقتضى النفس
وذاك مقتضى العقل وهذا يسير في منازل النفس وذاك يسير في منازل القلب وقد مر في
الفتح ما يوافقه ويطلق عند هم تأسيا بكتاب الله وسنة نبيه على النفس الامارة واللوامة
فتقابل النفس الملهمة والمطمئنة والعقل بقسميه النظري والعملي والنفس الناطقة في اصطلاح
الحكيم تطلق على جميع اللطايف السبع المذكورة إذا عرفت هذا فالنفس في قول الداعي
عند محاربة النفس والشيطان يراد بها المعنى الأخير وفى حديث كميل عن علي (ع) أقسام النفس
ببعض المعاني المذكورة نذكره تيمنا قال سئلت مولانا أمير المؤمنين عليا (ع) فقلت أريد
ان تعرفني نفسي قال (ع) يا كميل وأي الأنفس تريد ان أعرفك قلت يا مولاي هل هي
الا نفس واحدة قال (ع) يا كميل انما هي أربعة النامية النباتية والحسية الحيوانية
والناطقة القدسية والكلية الإلهية ولكل من هذه خمس قوى وخاصيتان
فالنامية النباتية لها خمس قوي جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة ومربية
ولها خاصيتان الزيادة والنقصان وانبعاثها من الكبد والحسية الحيوانية لها
خمس قوى سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولها خاصيتان الشهوة والغضب
وانبعاثها من القلب والناطقة القدسية لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة
44

وليس لها انبعاث وهي أشبه الأشياء بالنفوس الملكية ولها خاصيتان النزاهة
والحكمة والكلية الإلهية لها خمس قوى بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعز في ذل
وغنى في فقر وصبر في بلاء ولها خاصيتان الرضا والتسليم وهذه التي مبدئها
من الله واليه تعود قال الله تعالى ونفخت فيه من روحي وقال تعالى يا أيتها النفس
المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية والعقل وسط الكل قوله (ع) مربية
هي القوة المنمية وقوله (ع) وانبعاثها من القلب أي أولا وبالذات وهذا لا يدفع قول
الحكيم وتسميته إياها قوى دماغية لان الروح البخاري ينبعث من التجويف الأيسر من القلب
أولا ثم يصعد في مسلك بعض الشرايين إلى الدماغ فيبرد بالتردد في تجاويفه فيعتدل
ويصير مطايا القوى الدماغية ولعل الفكر والذكر والعلم متعلقة بالعقل النظري المسمى
بالقوة العلامة للناطقة فتكون إشارة إلى العقل بالملكة والعقل بالفعل والعقل المستفاد
والحلم والنباهة متعلقان بالعقل العملي المسمى بالقوة العمالة للناطقة فتكون إحديهما الحال
والاخر الملكة في العمل الصالح ومناسبة الحلم انما هي مع الملكة باعتبار الثبات والاستقامة
والطاقة للعامل واما الحدس فيليق بالنفس الرابعة لان الاحكام تابعة للعنصر الغالب والحدس
فيها غالبة لا في الثالثة ويمكن ان يكون النباهة إشارة إلى الحدس المغلوب للفكر في الثالثة
والنزاهة هي الحرية التي يقال في النفس الشريفة هي التي فيها الحكمة والحرية وقوله (ع) في الكلية
الإلهية بقاء في فناء اه يمكن ان يكون في للتعليل ولا يخفى وجهه وأن يكون للظرفية من قبيل
كون الباطن في الظاهر والروح في الجسد ومن أمثال العرفاء إذا جاوز الشئ حده انعكس ضده
وقوله (ع) والعقل وسط الكل تمثيل لكون العقل مركزا وهي دواير لكن اعلم أن الامر في المركز والدايرة
المعنويين في الإحاطة على عكس حال المركز والدايرة الحسيتين فذلك العقل الكلى ان رزقك الله تعالى
هو الأصل المحفوظ لهذه وروى أيضا عن أمير المؤمنين (ع) انه سئله اعرابي عن النفس فقال (ع) اي الأنفس
تسئل فقال يا مولاي هل النفس أنفس عديدة فقال (ع) نفس نامية نباتية وحسية
حيوانية وناطقة قدسية والهية كلية ملكوتية قال يا مولاي ما النامية النباتية
قال (ع) قوة أصلها الطبايع الأربع بدو ايجادها عند لمسقط النطفة مقرها الكبد مادتها
45

من لطايف الأغذية فعلها النمو والزيادة سبب افتراقها اختلاف المتولدات
فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدت عود ممازجة لا عود مجاورة فقال يا مولاي
ما النفس الحيوانية قال (ع) قوة فلكية وحرارة غريزية أصلها الأفلاك بدو ايجادها
عند الولادة الجسمانية فعلها الحياة والحركة والظلم والغلبة واكتساب الشهوات
الدنيوية مقرها القلب سبب افتراقها اختلاف المتولدات فإذا فارقت عادت
إلى منه بدت عود ممازجة لا عود مجاورة فتنعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها
ويضمحل تركيبها فقال ما النفس الناطقة القدسية قال (ع) قوة لاهوتية بدو ايجادها
عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقية موادها التأييدات العقلية
فعلها المعارف الربانية سبب فراقها تحلل الآلات الجسمانية فإذا فارقت
عادت إلى منه بدت عود مجاورة لا عود ممازجة فقال ما النفس الإلهية الملكوتية
الكلية فقال (ع) قوة لاهوتية وجوهرة بسيطة حية بالذات أصلها العقل
منه بدت وعنه دعت واليه دلت وأشارت وعودها إليه إذا كملت
وشابهت ومنها بدت الموجودات واليها تعود بالكمال وهي ذات العليا وشجرة طوبي
وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى فقال
السائل ما العقل قال (ع) جوهر دراك محيط بالأشياء عن جميع جهاتها عارف بالشئ ء
قبل كونه فهو علة للموجودات ونهاية المطالب صدق ولي الله قوله (ع) مقرها العلوم
الحقيقية فيه اشكال على قواعد أرباب العلوم الحقيقية إذ قد قرر في مقره ان العلم كيفية نفسانية
فالنفس مقرها دون العكس فلكلامه (ع) بيانان أحدهما ان يكون إشارة إلى اتحاد العاقل
والمعقول على نحو أشرنا إليه سابقا وهو ان النفس في مقام ذاتها البسيطة جامعة لجميع ما هو
معقول بالذات لها بنحو أعلى كما انها جامعة لجميع قواها بنحو بسيط ومصداق واحد
ليس من الله بمستنكر ان يجمع العالم في واحد فكيف ما في عالم نفس النفس فالنفس
مقام اجمال تلك المعقولات المفصلة ونحو أعلاها وكل كلي عقلي اشراق منها وظهور لها بلا تجاف
عن مقامها الذاتي ومقام تفصيل وشرح للنفس كما أن كل كلي عقلي نور بسيط محيط بالافراد
46

الغير المتناهية الموضوعة للقضية الحقيقية متحد بها وهو هي بلا تجاف أيضا فالكلي العقلي
لعظمة وجوده البسيط يسع رداء شموله كل رقايقه ولذلك كلماتنا له بقواها من جزئيات
كلي بعد ذلك لم ينل ذات النفس أمرا جديدا الا ما هو من باب غرايب الطبيعة وأجانبها وكذا الكلام
في كليات تلك الغرايب حتى يؤل إلى الانضمامات الجزئية الاعتبارية واما الكلى الطبيعي
فهو أيضا نفس مفهوم وشيئية ماهية متحدة لا بهامها وعدم تحصلها مع الحقيقة والرقايق محمولة
مواطاة عليهما فالنفس تطهر بصورة كل معرف في الحدود ووسط في البراهين وينير المطالب
وثانيهما ان يكون شرحا لقوله تعالى قل الروح من أمر ربي أي من عالم الامر لا من عالم الخلق
كالبدن ومعلوم عند أولي الأمر واهل الذكر ان أمر الله علم الله ومشية الله بل النفس إن كانت
من الرابعة كانت كسابقتها الحسنى ولأحقتها المثلى نفس أمر الله ومشية الله تعالى وقوله (ع) موادها
التأييدات العقلية لفظ المادة أطلقت مشاكلة للسابقتين أو معرب مايه فان المجردات
الحقيقية ما هو فيها لم هو ومن قبيل الثاني ما اطلق صدر الدين القونوي س المادة على وجود
الممكن والصورة على مهيته وفى كلامه (ع) تصديق تلميحا لقول الحكماء الإلهيين حيث يقولون درك
الحقايق وحفظها بالاتصال بالعقل الفعال وانه خزانة النفس الناطقة قال تعالى علمه شديد
القوى وذلك لان العقل الفعال مع وحدته وبساطته اللايقتين به جامع لجميع صور الحقايق بنحو التجرد
أو واجد لوجودها بنحو أعلى وأشرف وهو أحق والناطقة يتوجه إليه ويفيض عليها صورا مثل
صوره أو يشاهد نفس الصور التي هناك بلا تعدد وتكرر في الصور أو يتحد به ويفنى فيه بلا تعدد
في الموضوع وللناس فيما يعشقون مذاهب والأخير أعذب واحلى فان له وجودا لنفسه ووجودا
لنا أي وجودا نفسيا ووجودا رابطيا ونحن نتحد بوجوده الرابطي فلا يلزم ما اورده الشيخ أبو علي
بن سينا على القائل بالاتحاد بأنه يلزم إما تجزى العقل الفعال واما العلم بكل ما يعلمه فيلزم ان يعلم
كل واحد ممن اتحد به كلما يعلمه الأخر ممن اتحد أيضا به وفى استعمال لفظ المادة اومى (ع) بان تعجين
هذا الترياق وتخمير هذا الطين أي طينة النفس الثالثة من عليين العلوم العقلية الغير المتعلقة
بالعمل كالحكمة النظرية أو المتعلقة به كالحكمة العملية جميعا بل القدرة أيضا المسببة عن العمل المتعلق
للثانية كما قال (ع) في أولي خاصيتي الثالثة النزاهة في حديث كميل وانما قال (ع) بعود ممازجة في
47

الأوليين وبعود مجاورة في الثالثة ولم يتعرض لكيفية العود في الرابعة لان الأوليين جسمانيتين
وجود هما عين الوجود للمحل فممازجة المحل ممازجتهما لان المحل ليس غريبا عنهما وما قال صدر المتألهين
صاحب الاسفار س من تجرد الخيال وإن كان حقا لا يدفعه كلامه (ع) لان تجرده تجرد صوري وتشجى
تقدري فعوده كتمازج الأجسام الطبيعية بوجه مع أن عوده وحشره في الحيوانات تبعي لا استقلالي
وفى الانسان الاستقلال باعتبار جنبته الناطقة واما الثالثة فهى مجردة ولا سيما إذا صارت
عقلا بالفعل فتعود إلى ما بدأت منه بطريق المجاورة لا الممازجة إذ الوضع والحيز والفصل والوصل
ذا مثال ذلك من توابع المادة والفرض انها مجردة عنها لكن المراد بالمجاورة القرب المعنوي المعنى؟؟
به التخلق باخلاق الروحانيين القديسين وغلبة احكام هؤلاء عليها واما الرابعة فهى كالعقول
الكلية من صقع الربوبية واحكام السوائية في نظر شهودها مستهلكة كما قال علي (ع) معرفتي بالنورانية
معرفة الله وهي كالمعنى الحرفي الغير المستقل بالمفهومية فلا موضوعية لها على حيالها فلا توصف
بالمجاورة بهذا الوجه انما التوصيف بها وأمثالها باعتبار اخذها بشرط لا واعتبار نفس المهية
العقلية والنفسية ونفس المادة المنضوة باطنا المكسوة ظاهرا قوله (ع) قوة لاهوتية اللاهوت
مقام الأسماء والصفات المعبر عنه عند العرفاء بمرتبة الواحدية وانتساب هذه القوة إليها
باعتبار التخلق باخلاق الله تعالى وجوهرة بسيطة إذ لا اجزاء خارجية ولا مقدارية لها ومهيتها
مندكة كالعقل الكلى الذي هو أصلها وليس لها المادة بمعنى المتعلق أيضا لان البدن كجلباب له
ولذا كانت حية بالذات والحي بالعرض انما هو الجسم الطبيعي وفى زيارة مأثورة في أئمتنا
ذكركم في الذاكرين وأسماؤكم في الأسماء وأجسادكم في الأجساد وارواحكم في
الأرواح وأنفسكم في النفوس وآثاركم في الآثار أصلها العقل أي العقل الكلى الذي هو
من صقع اللاهوت وهو المظهر الأعظم لصفات الله بمظهرية فانية فناء تاما في تجلى الظاهر منه
بدأت صيغة بدأت كلما وقعت في هذا الحديث الشريف مهموزة بقرينة المقابلة بالعود
وبعضها في بعض النسخ جاء منقوصا والأول أظهر وعنه دعت لأنها لسان العقل واليه دلت
فروعها وأشعتها وعودها إليه إذا كملت كما بدأكم تعودون وعوده إلى الله والعايد إلى
العايد إلى شئ عايد إلى ذلك الشئ بعين عوده ومنها بدأت الموجودات لان الغرض انها
48

صارت بالفعل واتصلت بأصلها الذي هو الصادر الأول المصدر للجميع وواسطة الجود
ورابطة للخلق بالمعبود وفى المأثورة المذكورة في الأئمة (ع) بكم فتح الله وبكم يختم وفى القدسي
يا بن ادم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي وفى خطبة رسالة للشيخ الرئيس
ابن سينا الحمد لله الذي خلق الانسان وخلق من فضالته ساير الأكوان وقال
الشيخ أبو طالب المكي قدس سره في كتاب قوت القلوب ان الأفلاك تدور بأنفاس بنى ادم
وقال الشيخ محيي الدين في افتتاح كتاب سبحة الحق الحمد لله الذي جعل الانسان الكامل
معلم الملك وأدار سبحانه وتعالى تشريفا وتنويها بأنفاسه الفلك ونعم ما قال
الشيخ فريد الدين العطار النيشابوري س روز وشب أين هفت پركار أي پسر * از براى تست بر كار أي پسر
طاعت روحانيان از بهر تست * خلد ودوزخ عكس لطف وقهر تست * قدسيان يكسر سجودت كرده اند
جزو وكل غرق وجودت كرده اند * جسم تو جزوات وجانت كل كل * خويش را قاصر مبين در عين ذل
إلى أن قال چون در أيد وقت رفعتهاى كل * از وجود تست خلعتهاى كل ولا ولى المرتبة الرابعة
درجات أقصاها الدرجة الختمية والحقيقة المحمدية فهو صلى الله عليه وآله كعاكس وسكان الجبروت عكوس
بعلومهم وعصمتهم وطهارتهم له بعلمه وعصمته وقطان الملكوت بقدرتهم عكوس له بقدرته فإنه
يد الله وحراس السماوات ونيراتها بديمومتهم ورفعتهم وتربيتهم عكوس له بديمومة نوره الذي هو
أول ما خلق ورفعة منزلته التي جاء فيها لولاك لما خلقت الأفلاك وتربيته التي كان بحسبها
نبيا والادم بين الماء والطين ومنها لقب برحمة للعالمين وجلاس محفل النبوة ونادى
الرسالة وصدر أولي العزمية في نشأة الناسوت عكوس له بنبوته ورسالته واولى عزميته
وحتميته فيها وهكذا حيوان عالم الكيان من الناسوت ومن في درجته ونباته ومعدنه إلى
بسايطه كلها عكوس مقامات بشريته صلوات الله وتسليماته وبركاته عليه واله قوله (ع)
وهي ذات العليا هكذا في نسخ رأينا وهو من باب حذف الموصوف أي صاحبة المنزلة
العليا أو صاحبة صفات الله العليا في مقام التخلق بها وشجرة طوبى هي باعتبار اتصالها
بالحقيقة العقلية التي هي كثيرة التجليات والعقول كلها كأغصانه والنفوس السعيدة كأوراقه
وأزهاره وسدرة المنتهى هي باعتبار اتصالها باللاهوت فان سدرة المنتهى في لسان
49

العرفاء الكاملين هي البرزخية الكبرى التي ينتهى إليها مسير الكمل واعمالهم وعلومهم وهي
نهاية المراتب الأسمائية التي لا يعلوها رتبة وجنة المأوى أي جنة الصفات التي هي
التجليات الأسمائية والتخلقات الصفاتية من عرفها لم يشق اه قد مر وجه ذلك في
بيان ربط الحادث بالقديم والصلاة على وجه النبي الكريم محيط بالأشياء قد يطلق العقل
الكلى وعقل الكل ويراد جملة العقول الطولية والعرضية بل أصلها العقلي المحفوظ فيها كأنها
فروعه وتجلياته وقد يطلق على العقل الأول الذي بإزاء النفس التي للفلك الأقصى الذي
قد يق له جسم الكل وقس عليه اطلاقي النفس الكلية ونفس الكل وعلى أي التقديرين فإحاطة
العقل الكلى بجميع العقول وجميع النفوس بل بجميع الأشياء مبرهنة لأنه جامع فعليات
الأشياء من حيث هي فعليات وموضع بسطه الكتب العقلية الحكمية هذا أنموذج من كتاب
النفس واما الشيطان فهو عند المتكلمين جسم لطيف شرير قادر على التشكل باشكال مختلفه كأصله
الذي هو الجن أو الملك على الاختلاف والثلاثة مع جسميتهم عند أكثرهم أنواع متخالفة وعند
المعتزلة على ما نقل المحقق الطوسي س عنهم في فقد المحصل كلهم نوع واحد وتخالفهم بالافعال
فالذين لا يفعلون الا الخير فهم الملائكة والذين لا يفعلون الا الشر فهم الشياطين والذين يفعلون
تارة هذا وتارة ذاك فهم الجن ولذلك عد إبليس تارة في الملائكة وتارة في الجن وقال العلامة
التفتازاني في شرح المقاصد والقائلون من الفلاسفة بالجن والشياطين زعموا ان الجن جواهر
مجردة لها تصرف وتأثير في عالم الأجسام العنصرية من غير تعلق بها تعلق النفوس البشرية
بأبدانها والشياطين هي القوى المتخيلة في افراد الانسان من حيث استيلائها على القوة
العاقلة وصرفها من جانب القدس واكتساب الكمالات العقلية إلى اتباع الشهوات
واللذات الحسية والوهمية ومنهم من زعم أن النفوس البشرية بعد مفارقتها عن الأبدان
وقطع العلاقة معها إن كانت خيرة مطيعة للدواعي العقلية فهم الجن وإن كانت شريرة
باعثة على الشرور والقبايح معينة على الضلالة والانهماك في الغواية فهم الشياطين وبالجملة
فالقول بوجود الملائكة والجن والشياطين مما انعقد عليه اجماع الآراء ونطق به كلام الله تعالى
وكلام الأنبياء وحكى مشاهدة الجن عن كثير من العقلاء وأرباب المكاشفات من الأولياء
50

فلا وجه لانكاره كما لا سبيل إلى اثباته بالأدلة العقلية انتهى وقال المحقق عبد الرزاق اللاهيجي
بعد نقل هذا الكلام في بعض كتبه الفارسية المغايرة بين قولي الحكماء في كلامه باعتبار
القول بالشياطين لا القول بالجن أقول ليس كك لان الجن على كلا القولين وإن كانت
جواهر مجردة لكنها في الأول مجردة من رأس وفى الثاني مجردة كالنفس متعلقة وإذا قطع تعلقها
فتجردها تجرد بعد التعلق وأيضا في الأول مخالفة بالنوع للنفس الانسانية بخلافها في الثاني
ثم إن الحق في الملك ما في القبسات للسيد المحقق الداماد قال الحق ما عليه الحكماء الإلهيون
من شركاء الصناعة والمهرة المحصلون من علماء الاسلام ان الملائكة شعوب وضروب
وقبايل وطبقات روحانية وهيولانية وقدسانية وجسمانية وعلوية وسفلية وسماوية
وأرضية فالأعلى طبقة الذين طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس الروحانيون الكروبيون من الجواهر
العقلية بطبقات أنواعها وأنوارها ومنهم روح القدس النازل بأنوار الوحي والنافث
في أرواع أولي القوة القدسية بإذن الله تعالى والنفوس الناطقة المفارقة السماوية ثم
النفوس المنطبعة السماوية والقوى الدراكة والفعالة والصور الطبيعية النوعية والطبايع
الجوهرية وأرباب الأنواع للمركبات العنصرية وان لكل جرم سماوي بل كل درجة فلكية
وكك طبيعة اسطقية ملكا روحانيا متوليا للتدبير وقائما بالامر ويقول القران الحكيم
وما يعلم جنود ربك الا هو وفى الحديث عنه صلى الله عليه وآله أطت السماء وحق لها ان تأط
ما فيها موضع قدم الا وفيه ملك ساجد أو راكع انتهى وعد القوم القوى؟؟
والمحركة والصور المنوعة والطبايع وبالجملة المبادى المقارنة كالمفارقة ملائكة وجهه انهم
إلهيون وهم كالمتألهين عباد الله المخلصون وخادم القضاء الإلهي كما يق ان الطبيب خادم
الطبيعة فامتلؤا من نور الله ولم ينظروا الا إلى وجه الله وهو قرة أعينهم ونصب نواظرهم
وللمبادئ بل لكل شئ جهة نورانية هي اقهر وأبهر وجهة ظلمانية هي مقهورة مبهورة في الواقع
وفى نظرهم وشهودهم فيرون كل شئ متعلقا بعرش علم الله والمبادئ مظاهر درجات
قدرة من هو رفيع الدرجات ذو العرش لا اله الا هو ولا حول ولا قوة الا به فيتبدل نظرهم
ويبدل فيرونها ملائكة بل هناك نظر اخر اشمخ وهو النظر الفنائي وهو ان سقوط الإضافة
51

عن المواد والمهيات الكثيرة والتعلق والإضافة إلى الواحد الاحد إضافة اشراقية بجعلها
واحدة كأيدي عمالة بل يدين بل يد واحدة له كلتا يدي ربي يمين ولا معنى فيه تعالى الا صريح
ذاته وكل كمالاته عين ذاته ومن هنا ورد في أسمائه الحسنى يا من لا شريك له ولا وزير
وفى القران المجيد هو الذي يصوركم في الأرحام الله يتوفى الأنفس حين موتها
اتقوا الله يعلمكم الله ويعلمهم الكتاب والحكمة ولهذا فيما نحن فيه طوى نصر ملائكته
عند محاربة النفس والشيطان في نصره تعالى وهذا مقام عدم رؤية الأسباب وقطعها
واليه أشير في دعاء كميل أسئلك بحقك وقدسك وأعظم صفاتك وأسمائك
ان تجعل أوقاتي في الليل والنهار بذكرك معمورة وبخدمتك موصولة واعمالي
عندك مقبولة حتى تكون أعمالي وأورادي كلها وردا واحدا وحالي في خدمتك
سرمدا ومن المقام الأول قوله تعالى وما يعلم جنود ربك الا هو قل يتوفاكم ملك
الموت الذي وكل بكم علمه شديد القوى وفى هذا النظر مباشر التصوير إسرافيل وجنوده
وهذا مقام أبى الله ان يجرى الأمور الا بأسبابها بيان تفصيلي التفصيل في بيان
وجود الملك والشيطان والالهام والوسواس وكيفية المحاربة والتطارد بين جنود هما في معركة
وجود الآدمي يستدعى تأسيس أصول وراء ما سمعت الأصل الأول ان عالم الصورة
غير منحصر في هذا العالم الطبيعي بل الصور قسمان صور قائمة بالمواد العنصرية الداثرة الزايلة وصور
غير قائمة بها وهذه أصول تلك وهذه دائمة موجودة قبل تلك وبعدها لا دثور ولا زوال فيها
إذ لا محل لها أو محلها بسيط غير داثر وهذه الصور الأصول مما اتفق عليه الاشراقيون والمشاؤن
الا انها قائمة بذواتها عند الاشراقيين وهي عالم المثال القائل به العرفاء أيضا وصدق به
الشرع الأنور وبه يتم عالم البرزخ وعالم الذر وقائمة بالنفس المنطبعة الفلكية عند المشائين
وصور الخيال وصور المرائي عند الشيخ الاشراقي شهاب الدين السهروردي عن عالم المثال
الأصل الثاني ان للنفس الانسانية في ذاتها مشاعر عشرة هي أصول هذه المشاعر الجسدية
لتطابق العوالم الثلاثة الطبع والخيال والعقل ولان كلما في العالم الأدنى فله مثال في العالم الاعلى
بل في عالم مثالها مأة مشاعر لان العشرة التي في عالم الطبع يضرب في العشرة التي في المثال
52

ففي كل واحد من العشرة المثالية تمام العشرة الطبيعية بمعنى ان البصر التي هناك بصر وسمع
وشم اه وكذا السمع التي هناك سمع وبصر وشم اه ثم في عالم عقلها الف مشعر لا وسعية ذلك
العالم منهما وذلك على سبيل ضرب المأة في العشرة العقلية بالمعنى المذكور الأصل الثالث
ان النفس الانسانية ذات وجهين وجه إلى الجنبة العالية والناحية المقدسة وهو بابه
الداخلي إلى عالم الملكوت ووجه إلى الجنبة السافلة وهو بابه الخارجي إلى عالم الملك وكل
من الملكوت والملك مما يؤثر في النفس اثاره المختصة والنفس تتأثر منها بنحو الخطرة والحال
والملكة حتى تبلغ إلى مقام الاستقامة والتمكن فتنخرط إما في سلك الملائكة بل تصير أعلى
منهم أو تلتحق بحزب الشياطين بل تصير أدنى منهم ولما كان الأصل والسلطان كك
وكان الفرع والرعايا بطوره وطرزه إذ الأثر يشابه صفة مؤثره كان الحس المشترك أيضا
ذا وجهين فهو كمرآة ذات وجهين وجه إلى الخارج ووجه إلى الداخل فكما ينطبع في وجهه
الخارجي كلما ينتقش في المشاعر الظاهرة كك ينطبع في وجهه الداخلي من الباطن رقايق
الحقايق وحكايات المعاني وكلما يركبه المتخيلة من الصور الخيالية يشاهده بوجهه الداخلي ثم يحفظ
ذلك المركب الخيال الذي هو خزانته كما كان حافظا للبسايط وإذا كان مدركات الحس المشترك
من الداخل قويا كان شهودا لأنه إذا وصل المدرك إليه كان مشاهدة ولا فرق في الوصول انه
صعد إليه أو نزل وانه تجرد الطبايع أو تمثل الحقايق الأصل الرابع الكشف بالقسمة
الأولية قسمان صوري ومعنوي والصوري ما يحصل بطريق الحواس الخمس وينقسم الصوري قسمة
ثانية بحسب المحسوسات الخمسة فما يكون بطريق الابصار كرؤية المكاشف صور الأرواح عند تمثلها
وما يكون بطريق السماع كسماع النبي صلى الله عليه وآله كلمات فصيحة بليغة ومنه ما يسمى نقرا في الاسماع الحاصل للمكاشفين
وما يكون بطريق الشم كالتنشق بالنفحات الإلهية كما قال النبي صلى الله عليه وآله ان لله في أيام دهركم نفحات
الا فتعرضوا لها وقال انى أجد نفس الرحمن من قبل اليمن وما يكون بطريق الذوق
كقوله صلى الله عليه وآله أبيت عند ربى يطعمني ويسقيني وما يكون بطريق اللمس كقوله صلى الله عليه وآله وضع الله تعالى
كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي وهذه المكاشفات قد تنفرد وقد تجتمع وكلها
تجليات أسمائية فإذا تجلى الله تعالى على السالك المرتاض باسمه البصير يرى ما لا يرى غيره
53

وإذا تجلى عليه باسمه السميع يسمع ما لا يسمعون وهذه المسموعات وهذه المبصرات كلها (هور قليلية)؟؟
حقة عيانية ويصير المشاعر الظاهرة تابعة منطوية تحت تلك المشاعر النورية المذكورة في الأصل
الثاني فإنها صارت بالفعل وبارزة بعد ما كانت بالقوة وكامنة وكذا الشهودات الثلاثة الباقية
عن تجليات اسمه تعالى المدرك إذ بمقتضى التوقيف الشرعي لم يطلق عليه تعالى الشام والذائق
واللامس لئلا يوهم التجسم وأنواع الكشف الصوري قد تتعلق بالأمور الدنيوية ولا مبالاة
لأهل السلوك بها وقد تتعلق بالأمور الأخروية وهي المعبرة عندهم وكما أن الرؤيا يحتاج إلى التعبير
كثيرا ما كك الصور المشهودة الكشفية في اليقظة يحتاج إلى التأويل فليعرض على الكامل المكمل
ان لم يفهم نفسه المراد سيما ما يتعلق بآفات النفس وعاهاتها وليكن السالك يقظانا عالي
الهمة لئلا يقف ولا يقع في شرك غنج الصور ودلالها فمن أولي الهمم العالية من لا يلتفت
إلى الكونين الصوريين ويخلع النعلين للوفود على فناء باب الله وقرة عينهم الفناء في جنابه
والمحو في مشاهدة جماله من كان يرجو لقاء الله فان أجل الله لات ونعم ما قيل
آنخيالاتى كه دام أوليا است * عكس مه رويان مستان خداست والمعنوي ظهور المعاني
الغيبية والحقايق العينية ومعرفة الكليات الوجودية المجردة علما حضوريا وهو من تجليات
اسم الله العليم الحكيم وهو أيضا ينقسم بحسب المراتب السنية للنفس الناطقة من القلب والروح
والسر والخفى والأخفى والمكاشف في أي مقام يكون من هذه المقامات يكون كشفه بحسبه
في النورية وشدة الظهور ويدعى كشفه بأسامي مختلفة ففي مقام بالحدس وفى مقام بالالهام
وفى مقام بالنور القدسي وفى مقام بالمشاهدة القلبية وفى مقام بالمشاهدة الروحية وقس
عليه الباقي الأصل الخامس الخواطر ما يخطر بالبال وقد مر عند قوله (ع) يا من قرب
من خواطر الظنون تقسيم الخواطر إلى أربعة والآن نقول الخواطر هي مبادى الاشراق
والرغبات وهي تصير بالتصديق بالفوايد والثمرات عزمات وقصود وإرادات وهي
تصير محركات ومبادي للحركات في العضلات وح يتحقق الافعال ثم هذه الخواطر
حادثات وكل حادث لابد له من سبب ومهما يختلف الحوادث دل على اختلاف الأسباب
لكن الاختلاف إن كان شخصيا كان باعتبار المادة ولواحقها وإن كان نوعيا كان باعتبار
54

اختلاف الفواعل ولما كان اختلاف الخواطر نوعيا بحسب أنواع الخيرات والشرور كان
اختلاف مباديها ذاتيا فمهما رأيت استنارة فضاء البيت وحيطانه بنور النار واسوداد
الحيطان والسقف بانظلام الدخان علمت أن سبب الاستنارة غير سبب الاسوداد فكك
لأنوار بيت القلب وظلماته سببان مختلفان فنفس الخاطر المحمود يسمى نقر الخاطر والهاما والخاطر
المذموم يسمى وسواسا وهاجسا وسبب الالهام يسمى ملكا وسبب الوسواس يسمى شيطانا
وسبب الهاجس يسمى نفسا واللطف الإلهي الذي به يتهيأ القلب لقبول الخاطر المحمود يسمى
توفيقا وما به يتهيأ لقبول الخاطر المذموم يسمى خذلانا فالوسوسة مثلا ضد الالهام والشيطان
مثلا مقابل الملك والخذلان مقابل التوفيق واليه الإشارة بقوله تعالى ومن كل شئ خلقنا زوجين
فان كل ضد ند وكل مقابل مماثل من وجه وهو الله الوتر الفرد الذي لا ضد ولا ند ولا مخالف
له بل هو خالق الأضداد والأنداد والمخالفات والمقابلات وهو المتجلى في كل المجالي والمهيات
إذا تمهد هذه الأصول فاعلم أن الملك منه مجرد روحاني ومنه صوري جسماني وكل منهما خارجي
وداخلي فالروحاني الخارجي كالعقول المجردة والنفوس الكلية والروحاني الداخلي كالعقل النظري
والعقل العملي سيما اللذان بالفعل والملكات النورية العلمية والعملية ويقربه ان الملك والملكة
مادتهما الحرفية واحدة بل كل اعتقاد حق كملك يدل النفس على الخير والجسماني الخارجي مثل
الملائكة الجسمانية الذين هم أولوا أجنحة وقد أثبته النقل ولا امتناع في العقل والجسماني الداخلي
مثل القوى الجسمانية ولكن باعتبار وجوهها النورانية إلى الله تعالى وبعبارة أخرى القوى والطبايع
الدهرية لا الزمانية وقد مر انها بنظر أدق وأنور أيدي عمالة لله تعالى ودرجات فاعليته واما
الصوري الغير المادي فهو مثل رقايق الحقايق وتمثلات عالم المعنى مما يظهر للمكاشفين من الصور
المثالية اللطيفة والصبيحة المليحة بمقتضى الأصول السالفة فيشاهدها الحس المشترك منهم أو
يخاطبونها ويخاطبهم بكلمات بليغة فصيحة والجمع من خصايص النبوة بان يتصل حقيقة النبي صلى الله عليه وآله
بحقيقة الملك وهي حقيقة روح القدس التي تطبق الخافقين بل تسع الإقليمين وتتلقى
بسمعه العقلي الكلى كلامه التام العقلي ويتصل قواه الصورية برقيقة الملك فيرى (بحسبه)؟؟ صورته
البهية التي هي أصبح أهل زمانه ويسمع كلماته الجزئية التي هي أبلغ الكلمات وأفصحها وهكذا
55

جميع مشاعره تنال المكشوفات الصورية الأخرى هذا مع أن شدة الانكشاف له فوق
الانكشافات التي للآخرين وان خارجيته على نحو أتم واكمل من هذه الخارجيات والشيطان أيضا
جسماني ومعنوي وصوري وخارجي وداخلي فالجسماني أثبته النقل ولا امتناع في العقل بناء
على أنه من الجن ففسق عن أمر ربه فيمكن ان يتحقق في الأجسام مركبات يغلب عليها الخفيفان
ذوات أمزجة قابلة للحيوة والشعور متشكلة بالاشكال المختلفة بسبب التخلخل والتكاثف وغير
ذلك من الاحكام والمعنوي الخارجي مثل الجهل الكلى المأثور في أحاديث العقل والجهل ومثل
كلية المهيات الامكانية وذلك لان المهيات مثار الكثرة وعليها يدور رحى السوائية قال
السيد المحقق الداماد في التقديسات تقديس فاذن قد عاد الامر كله إلى إقليم الله ورجع
الوجود كله إلى صقع الله فاشهد ان الموجود الحق هو الله الواحد الحق الشخصي القيوم الواجب بالذات
أليس لا يعنى بالوجود الا ما هو منشأ انتزاع الوجود ومصداقه ومطابقة بالذات وان انتزع مفهوم
الوجود عما سواه بالاستناد إليه على أن هي حين ما هي متقررة موجودة بالفعل من جهة ذلك الاستناد
باطلة المهيات هالكة الآنيات بالليس السازج والسلب البسيط في حد أنفسها بحسب لحاظ
ذواتها بما هي هي فاذن قد استبان ان القيوم الواجب بالذات هو الحقيقة والذات والهوية
على الحقيقة وما سواه مجازات في التقرر وذوات مجازية في الوجود بحسب لغة الحكمة الحقة الخالصة
التي واضعها الحدس والفحص والبرهان وان شاع اطلاق الحقيقة والموجودية عليها حقيقة بحسب
وضع اللغة اللسانية ولعل هذه المعرفة كنه الكفر بالطاغوت وحقيقة الايمان بالله في التنزيل الحكيم
الكريم إذ قال عز من قائل فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى
لا انفصام لها فلعل الطاغوت كل عالم الامكان بنظام الجملي الذي هو ضم الهلاك بطباع
الجواز الذي هو ضم البطلان والعروة الوثقى نور اليقين الحق الخالص الذي لا يعتريه قواصم
الشكوك في ظلمات الأوهام من حوله ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والله تعالى
اعلم برموز خطابه واسرار وحيه انتهى والمعنوي الداخلي مثل الوهم الغالط المغالط حتى أن بعض
الفلاسفة قصر الشيطان عليه وهو وهم والصوري مثل ما يظهر للمكاشف في رياضاته ومراقباته
من مظاهر الجهل ورقايق حقيقة الشيطان كمن يخالف النفس فيمثل له ويرى في المراقبة انه يرمى
56

الحجر على كلب جاثم رؤية حسية واقعية استنتاج من انهاج فالمحاربة والمطاردة في
معركة وجود الآدمي قائمة بين جندي الملك والشيطان إلى أن ينفتح لاحد هما فيتمكن ويستوطن
وذلك لان أشرف البقاع انما هو قلب المؤمن فلا تجد ديارا عامرة ولا رياضا ناضرة الأرض
وقلب المؤمن أشرف منها بل قلب المؤمن كالمرآت إذا صفى يترائى فيه كلما في الديار والرياض
ولعلك سمعت قصة بذل جهد أهل الصين في جودة التصويرات واستفراغ وسع أهل الروم
في تحسين التصقيلات وآرائة الصور بنحو أتم في القوابل المصقولة بعد رفع الحواجز المسدولة بل قلب
المؤمن فوق المرآت لأنها تحتجب بالحجب المعترضة في البين وهو لا يحتجب بالعناصر والأفلاك
والكرسي والعرش فمع سقوط الانسان في أسفل السافلين من العالم العنصري ينفذ نور
قلبه من أقطار الأجسام ومراتب العوالم المجردة إلى عالم الأسماء والصفات الإلهية ويشاهدها
بحسب جهده بل قلب المؤمن عرش الرحمن وبيت الله الملك المنان وإذا كان القلب أشرف
البقاع كان لايقا بالملوك وما من مملكة وسيعة معمورة الا وفيها تنازع وتخاصم وتشاجر
وتقاوم بين الملوك ويغبط كل منهم الآخرين في الظفر بها ولكن أحد الملكين هنا كماء الحياة والاخر
كالسراب أو أحد هما كالنور والاخر كالظلام ومعلوم انه للظلام بالنور قوام كما أن له فيه البوار
والانعدام وفى العقول المجردين والملائكة المقربين الظاهر أقوى وأشد فعلية من المظهر وفى الجهل
والا بالته؟؟ المظهر أقوى من الظاهر لتعجين ذواتهم الخبيثة من الظلام والاعدام والحدود ونقايص
الوجود ومع هذا الوهن في الوجود والوهى في القدرة قد فتحوا أكثر القلوب وملكوها واستعبدوها
واسترقوا قرائها (قواها) وأسروا أهلها ووقع ما وقع لان هؤلاء الأكثرين ديدنهم قضاء وطر النفس
وانجاح مطالبها ومآربها وتبعية حظوظها وهو أجسها وإذا اتبعوا الهواجس تطرق الوساوس
ونعم ما قيل كر شود دشمن درونى نيست * باكى از دشمن برونى نيست ضياء واحياء
قال صاحب احياء العلوم ان خاطر الهوى يبتدى أولا فيدعوه إلى الشر فيلحقه خاطر الايمان
فيدعوه إلى الخير فينبعث النفس بشهوتها إلى نصرة خاطر الشر فتقوى الشهوة وتحسن التمتع
فينبعث العقل إلى خاطر الخير ويدفع في وجه الشهوة ويقبح فعلها وينسبها إلى الجهل ويشبهها
بالبهيمة والسبع في تهجمها على الشر وقلة اكتراثها بالعواقب ويميل النفس إلى نصح العقل
57

فيحمل الشيطان حملة على العقل ويقوى داعى الهوى فيقول ما هذا الزهد البارد ولم تمتنع
عن هواك فتؤذى نفسك وهل ترى أحدا من أهل عصرك يخالف هواه أو ترك عزيمته
أفتترك ملاذ الدنيا لهم يستمتعون منها وتحجر على نفسك حتى (تبقى حجر)؟؟ وما مطعونا يضحك عليك
أهل الزمان تريد ان تزيد منصبك على فلان بن فلان وقد فعلوا مثل ما اشتهيت ولم يمنعوا
إما ترى العالم الفلاني ليس يحترز عن فعل ذلك ولولا كان شرا لامتنع عنه فيميل النفس
إلى الشيطان وينقلب إليه فيحمل الملك حملة على الشيطان ويقول هل لك الا من اتبع
لذة الحال ونسى العاقبة أفتقنع بلذة يسيرة وتترك الجنة ونعيمها أبد الآباد أو تتثقل
ألم الصبر عن شهوة ولا تتثقل ألم النار أتغتر بغفلة الناس عن أنفسهم واتباعهم الهوى
ومساعدتهم الشيطان مع أن عذاب النار لا يخفف بمعصية غيرك فعند ذلك يميل
النفس إلى قول الملك فلا يزال مرددا بين الجندين متجاذبا إلى الجانبين إلى أن يغلب على
القلب من هو أولي به فان غلب على القلب الصفات الشيطانية غلب الشيطان واجري
على جوارحه سوابق القدر ما هو سبب بعده عن الله تعالى وان غلب عليه الصفات الملكية لم يصغ
القلب إلى اغواء الشيطان وظهرت الطاعة على جوارحه بموجب ما سبق من القضا وقلب
المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن وفى الحديث في القلب لمتان لمة من الملك
ايعاد بالخير وتصديق بالحق ولمة من العدو ايعاد بالشر وتكذيب للحق الحديث
إلهي أتراني ما اتيتك الا من حيث الآمال الهمزة للتقرير طلبا للعطوفة
والرحمة لان حملها على معناها الحقيقي متعذر أو من باب تجاهل العارف الذي هو من المحسنات
البديعة لنكتة الوله والدهشة وانهما بلغا حدا لا يعرف الداعي المتحسر بهما شيئا والجملة المنفية
في موضع المفعول الثاني لتراني إن كان من رأى العلمية وفى موضع الحال إن كان من رأى
البصرية أم علقت بأطراف حبالك الا حين باعدتني ذنوبي من دار
الوصال علقت أي اعتصمت عطف على اتيتك فيدخل ما النافية عليه واوتى بصيغة
الجمع في الأطراف والحبال تنبيها على كثرة الوسايل والأسباب والمراقي إلى الله تعالى والاستثناء
في الموضعين مفرغ أي ما أتيت من مكان الا من مكان الآمال وما علقت بها حينا الا حين كذا
58

ففي الفقرتين مراعاة النظير من حيث تناسب المكان والزمان حتى يق انهما توأمان
والذنوب أعم من الصغيرة والكبيرة والتشريعية والتكوينية التي هي النقايص اللازمة من المهية
والمادة والتعلق بهما ومن أكبر الكباير ما هو المشار إليه في قوله وجودك ذنب لا يقاس به ذنب
فان الكل منشأ المباعدة عن دار الوصال ودار الوصال أعم من دار الوصال التي خلفك وكنت
أنت وأمثالك فيها منذ العهد القديم ولكونها خلفا عبر عنه بالظهر في قوله تعالى وإذ اخذ من
بنى ادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى ودار
الوصال التي قدامك ان وفقت للسير من الخلق إلى الحق شريعة وطريقة وللسير في الحق تخلقا وتحققا
من كان يرجوا لقاء الله فان أجل الله لات ان إلى ربك المنتهى ان إلى ربك الرجعي
ودار الوصال التي بين يديك ان كنت ذا حضور وشهود النور بنور النور الا انهم في مرية من
لقاء ربهم الا انه بكل شئ محيط وفى أنفسكم أفلا تبصرون تعرفت لكل شئ فما جهلك
شئ عميت عين لا تراك إلى غير ذلك من النقول المتكاثرة المتظافرة وهي والعقل والبرهان
والذوق والوجدان في هذا المعنى متعاضدة متظاهرة يعينك على فهم المطلب النظر البشرط لائي
وارجاع جنبة الامر والروح إلى أصلها وارجاع جنبة الخلق والجسم إلى أصلها في الانسان كما قال
سيدنا علي (ع) ما لابن ادم والفخر أوله نطفة قذرة واخره جيفة قذرة فإذا نظرت
إلى الانسان نظرك إلى الماء والتراب البسيطين مثلا لوجدت جميع ما فيه من حلل العلم
وحلى القدرة وغير هما كلا من الطوارى والعواري ثم تشفع هذا النظر بالنظر النوراني بان ترى
في كل شئ من الجهتين اللتين تركب منهما جهة النورانية والخيرية بان تنتبه بالمسألة البديهية
القائلة بان الوجود خير أينما تحقق وتستشعر بان الوجود الحقيقي في كل شئ بما هو وجود لا جزء له
أصلا حتى يكون جزء منه في شئ وجزء اخر منه في اخر بل هو بتمامه الذي لا بعض له في كل شئ
وليس بجسم حتى يكون له الأجزاء الخارجية ولا بكم حتى يكون له الأجزاء المقدارية ولا بمهية مطلقا
حتى يكون له جنس وفصل وان الوجود الحقيقي لا تغير له بما هو وجود فالوجود الذي في الماضيات
عين الوجود الذي في الغابرات انما التغير في الزمان والحركة والوجود ليس بهما فتفطن بان
حيثية الوجود الذي هو حقيقة بسيطة نورية عين حيثية الوجوب لا انها مساوقة لها أو
59

أو كاشفة عنها اللهم الا باعتبار المفهوم وقد سبق في بيان قوله (ع) يا من دل على ذاته بذاته
والذنب الذي منشأ المباعدة عن دار الوصال هذه انما عمدتا لجهل بعلوم أهل الله والاعراض
عن علم الطريقة والحقيقة ثم تشتت الخواطر وفتور العزيمة والتلوين وبالجملة كل ما هو منشأ الغفلة واما
الوصال الأول فهو الكينونة السابقة للأرواح لا بنحو الجزئية والتكثر على ما ينسب إلى اتباع أفلاطون
فإنه مستلزم للمحاذير المحررة في كتب أهل الحكمة بل على ما هو مغزى مرام أفلاطون القائل بتقدم النفس
وهو الكينونة العلمية والكينونة الكلية والكينونة النفسية الكلية لان الوجود أصيل وانه مقول
بالتشكيك وان الحقيقة هي الرقيقة بنحو أعلى والرقيقة هي الحقيقة بنحو أضعف والعلة حد تام وجودي للمعلول
والمعلول حد ناقص وجودي للعلة ومعطى الكمال أحق به بالضرورة وشيئية الشئ بتمامه حقيقة الشيئية
إلى غير ذلك من قواعد الحكمة المتعالية فاذن يمكن ان يكون افراد حقيقة واحدة متفاوتة في التعلق
والمفارقة والتجرد والمادية والمعنوية والصورية فكينونة العقل المفارق في المقام الشامخ الجبروتي
قبل ان يخلق عالم الخلق والشهادة كينونة ذات النفس وان لم يكن كينونة النفس من حيث هي نفس
كما أن كينونة النفس في عالم الكون وتمرغها في التراب وتعفير خدها كينونة العقل ههنا فان النفس
من حيث هي نفس اشراق العقل وتجل منه بحسب ظرفية القابل وهذا معنى الهبوط والنزول في
النفس والعقل كما قال تعالى اهبطوا بعضكم لبعض عدو ومن كلمات الشيخ الرئيس هبطت
إليك من المحل الا رفع ورقاء ذات تعزز وتمنع ومعلوم انه لا يجوز على المجرد الحركة الأينية
والتجافي عن المقام الذاتي ومثله معنى الصعود فهو الاتصال المعنوي بالحقيقة العقلية العالية
فطرة والذنب هناك المهية والامكان الذاتي إذ لولا ها لما أضيف الوجود إليها ولم يحصل المباعدة
لان مناط السوائية شيئية المهية ورحى الامتياز في العقول الكلية المفارقة التي هي أوايل
سلسلة المبادى تدور عليها وأيضا ذنب تعلق النفس بالبدن والتوجه إلى عالم الصورة بعد
ما كانت عقلا قائما بين يدي الله وهذه ذنوب تكوينية لا تشريعية إذ لم يكن تكليف تشريعي
بعد وهذا تأويل خطيئة ادم (ع) الموجبة لاخراجه عن الجنة وجه اخر للوصال الأول ان للمهيات
التي يق لها الأعيان الثالثات في عرف العرفاء أكوانا سابقات وبرزات في مراتب كامنات
فأول بروزها ظهورها في علم الله وثبوتها تابعة لأسمائه الحسنى وصفاته العليا الموجودة بوجود واحد
60

بسيط لم يكن فيه جهة وجهة وشيئ وشيئ وهو وجود ذات الله بهر نوره وثاني بروزها في قلمه
الاعلى بنحو واحد جمعي دون الوحدة الحقة الحقيقة التي لخالق اللوح والقلم كجمعية الحروف المتكثرة
المتخالفة في مداد رأس القلم الجسماني بين إصبعي الكاتب البشرى وهكذا لها ظهورات في اللوح المحفوظ إلى
لوح المحو والاثبات والنفس المنطبعة الفلكية بنحو التغاير التغير لتغير القابل صفة بل ذاتا بنحو تجدد الأمثال
ثم يظهر في عالم العين ولوح القدر العيني وهو نشأة الفراق وعالم الفرق بل فرق الفرق لان عالم
المئل المعلقة وصور النفس المنطبعة الفلكية التي للفلك بإزاء الخيال منها عالم التقدر والتشبح والنشأة
التي فوقهما دور الوصال لأنها ادلات وحدة جمعية ولا سيما الأقلام وقلم الأقلام فإنها من صقع
الربوبية باقية ببقاء الله موجودة بوجوده كما مر واما الوصال الذي قدامك امامك فهو الاتحاد بالعقل
الكلى الذي مر في كلام سيد الأولياء علي (ع) وقد مضى شطر من احكامه والتخلق باخلاق الله تعالى المعبر بجنة
الصفات والتحقق به وذنبه المبعد عن روح الوصال وريحان اللقاء الوقوع في حبايل جنة الأعمال
وشرك الشرك الخفى قال النبي صلى الله عليه وآله ان دبيب الشرك في أمتي اخفى من دبيب النملة السوداء على
الصخرة الصماء في الليلة الظلماء وفى بعض النسخ الملساء بدل الصماء فبئس المطية التي
امتطئت نفسي من هواها فواها لما سولت لها ظنونها ومناها المطية الدابة
يمطو في سيرها أي يجد في سيرها امتطئت أي اتخذت نفسي هواها مطية تذهب حيث ما شاء الهوى
وهو مركب جموع يهوى براكبه إلى الهاوية وان عبدته؟؟ كما في الآية أفرأيت من اتخذ إلهه هواه
وفى الحديث أبغض اله عبد في الأرض الهوى فلا وفاء لهذا الاله المتخذ والمعبود المجعول
فليعبد النفس ربه الذي هو ذو العهد والوفاء بلوازم الربوبية والمولوية وان نقضت ميثاقه الذي
واثقته في عالم الذر فكيف إذا لم تنكث العهد والميثاق وكلمة واها ويترك تنوينه تقال عند التعجب
من سن شئ وكلمة تلهف أيضا وقيل عند التوجع يقال اها ولو قصر القائل فهذه الفقرة الشريفة رد
عليه وفى هواها وواها جناس شبه الاشتقاق والمزدوج فإنه إذا ولى أحد المتجانسين الأخر سمى
الجناس مزدوجا ولا تتوهمن انه جناس مقلوب إذ في الجناس المقلوب لابد في المتجانسين من الاتحاد
في نوع الحروف وعددها وهيئاتها والتخالف في الترتيب فحسب كما في الدعاء اللهم استر عوراتنا
وامن روعاتنا وهوا وواها بساكك؟؟ ثم إن فيه صنعة المسلسل أيضا وهي ان يؤتى بلفظ في اخر
61

بيت أو فقرة ثم يعاد في أول اخرا واخرى يليانهما كقوله تعالى مثل نوره كمشكاة فيها مصباح
المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى وفيما نحن فيه والم ن يعد بمادته وصورته
بل بمادته فقط الا انه لا يضر عندي التغير القليل كما في رد العجز على الصدر حيث إن الرد إما بلفظه
واما بمجانسه ولو كان جناس شبه الاشتقاق وكلمة ما مصدرية سولت له نفسه كذا زينت
فالمفعول محذوف أي سولت ظنونها ومناها لها علومها واعمالها ويحتمل ان يكون ظنونها ومناها
كلاهما متعلقين بالعمل بان يراد بالظنون العلوم المتعلقة بكيفية الأعمال وكيفية تسويلهما ان يرياها
الجزئيات بصورة الكليات والداثرات بصورة الباقيات والافعال المغياة بالغايات الوهمية
التي هي كالسراب مغياة بالغايات العقلية المحكمة الباقيات والأمنية وطول الأمل يريها الأعداء
بصورة الأحباء فيأخذ عدوه الواقعي ويسميه أولادا وأقارب وزوجة وينسى قول الله تعالى يوم يفر
المرء من أخيه وامه وأبيه وصاحبته وبنيه وقول المعصوم انما يدخرون المال
لبعل زوجتهم ولزوجات أبنائهم ولأزواج بناتهم بعد موتهم فيطيل الأمل
ويسئل الله ان يعمره ليربيهم ويكملهم والظنون قد تزين وترى هو أجس النفس بصور الشرعيات
مثل انه ترتع في مراتب البهايم وتقضى وطر نفسه ويتثبث بقوله تعالى قل من حرم زينة الله التي
خرج لعباده والطيبات من الرزق ويحب الأولاد حبا حيوانيا ويتمسك بقوله تعالى انما أموالكم
وأولادكم فتنة وان الله عنده اجر عظيم والأولى ان يرجع تسويل الظنون إلى النظريات
من العلوم الغير المتعلقة بالعمل والمنى إلى العمليات إما الثاني فقد مر واما الأول فمثل تسويل
تنزيه المبدء لكثير من الحكماء وفيه وفى المعاد لقليل منهم وتسويل الصفات التشبيهية في المبدء للمشبهة
والاقتصار على المجازاة الصورية في المعاد لأكثر الميلين سيما المشبهة والحق انه تعالى خارج عن
الحدين حد التشبيه وحد التعليل كما عليه العرفاء الشامخون والحكماء المتألهون ونطق به القران
الحكيم بقوله تعالى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ومثل تسويل المعارف الجمة
بالمبدء والمعاد وإن كانت في أعلى المراتب وادق المعاني لأنه لا يعرف الله بقوة العقل
من حيث هو وانما يعرف بنور منه بما هو هو كما مر ويدخل في تسويل الظنون جميع أصناف
المغالطة المشروحة في كتب أهل العلم كايهام الانعكاس والمصادرة واشتراك اللفظ
62

واخذ ما بالعرض مكان ما بالذات وبالعكس وسوء التأليف وغيرها فان من الأمور
ما هو حق ومنه ما هو مشبه به وكما أن من المسمى بالانسان ما هو انسان حقيقي ومنه ما هو شبح
الانسان ومن الجماد ما هو فضة ومنه ما هو مفضض كك من المسمى بالحكيم أو العالم من هو مبرهن
بالحقيقة ومنه ما هو مموه مزور ومن القياس ما هو حق ومنه ما هو سفسطي أو مشاغبي وهو قياس
يرى أنه موافق للحق ونتيجته توافق الحق وليس كذلك أو موافق للمشهور ونتيجته توافق المشهور
وليس كك ولابد من مشابهة بالحق موجبة للترويج ولهذه المشابهة والترويج أسباب كثيرة
مشروحة في فن المغالطة ويسمى هذه موازين الشيطان كما أن ميزان التلازم وميزان التعاند
وميزان التعادل باقسامه الثلاثة الأكبر والأوسط والأصغر موازين الرحمن فمن موازين الشيطان
المسولة المشبهة بميزان التعادل الأكبر من موازين الحق قول نمرود على ما حكى الله عنه انا أحيي
وأميت وكل من يحيى ويميت فهو الرب أو من المشبه بميزان الأوسط ان قرر هكذا انا أحيي
وأميت والله يحيى ويميت ومثله هذا ربي هذا أكبر والاله هو الأكبر بناء على زعم قوم الخليل
وهكذا في كل موضع اشترك شيئان في وصف واحد والفساد في الجميع من باب سوء التأليف
وفساد الصورة دون المادة والجميع مشبهة بميزان الحق وهو ان كل شيئين وصف أحد هما بوصف
يسلب ذلك الوصف عن الأخر فهما متباينان مسلوب أحدهما عن الأخر كقول الخليل (ع) على ما حكى الله عنه
الكوكب افل وربي ليس بأفل وتبا لها لجرأتها على سيدها ومولاها تبا لها أي خسارا
لها وهلاكا وملعنة لها لان كل عبد يجسر على مولاه مستحق للملعنة لان العبد كل على مولاه الذي هو ولى
النعمة له ولا يملك شيئا فحقه عظيم لديه ومنه جسيم عليه ولا يملك المولى وجوده وتوابع وجوده ولا
يتصرف في باله انما له المالكية الإضافية التي من مقولة الإضافة الاعتبارية وله التصرف في أمور
غريبة عنه واما السيد الحقيقي والمولى التحقيقي جل سلطانه فهو مالك ملك الوجود وكمالاته واثاره
وفى قبضته ضماير عبيده واضافته إليهم إضافة اشراقية تقويمية وهم لا يملكون عنده وجودا ولا
صفة ولا فعلا ففي المقام الأول لا هو الا هو وفى الثاني لا إله إلا الله وفى الثالث لا حول ولا قوة
الا بالله العلي العظيم فتبا فظيعا لمجترئ على هذا السيد وتعسا شنيعا لجسور على هذا المولى لان
ذات هذا العبد وكماله الأول وكماله الثاني وغنيته وقنيته من هذا المولى الكبير نعم المولى ونعم
63

النصير وهذه العبودية هي التي كانت جوهرة كنها الربوبية وأقصى مراتبها التي لختم الأنبياء قدمت
في التشهد على الرسالة ومن كلمات مشايخ العرفاء إذا جاوز الشئ حده انعكس ضده إلهي
قرعت باب رحمتك بيد رجائي لما ذكر الداعي طايفة من فضايح أعماله
وعد عضة من فظايع أحواله وعظايم أهواله اضطرب اضطرابا شديدا ودهش وتجلبب لباس
الخوف من جساراته لدى السيد العظيم والسلطان الجليل الذي هو أشد بأسا وأعظم تنكيلا
فكاء ان يرجع كئيبا كليلا ويأخذه اليأس والقنوط اخذا وبيلا فاستشعر رحمته التي وسعت
كل شئ وان العبد ينبغي ان يكون في مقام الرجاء بحيث لو اتى بذنوب الثقلين لم يقنط
من رحمة الله وإن كان في مقام الخوف أيضا بحيث لو اتى بحسناتهم لم يا من من مكر الله
لكن قال تعالى ترجية وتبشيرا لعباده لا تقنطوا من رحمة الله انه لا ييأس من روح الله
الا القوم الكافرون وفى دعاء أبي حمزة الثمالي الواردة عن سيد العابدين علي بن الحسين (ع)
في اسحار رمضان إلهي لو قرنتني بالأصفاد ومنعتني سيبك من بين الاشهاد
ودللت على فضايحي عيون العباد وامرت بي إلى النار وخلت بيني وبين الأبرار
ما قطعت رجائي منك وما صرفت وجه تأميلي للعفو عنك ولأخرج حبك عن قلبي
انا لا انسى أياديك عندي وسترك علي في دار الدنيا ونقل الغزالي في الاحياء عن الامام
أبى جعفر محمد بن علي الباقر (ع) انه كان يقول لأصحابه أنتم أهل العراق تقولون أرجى أية في كتاب الله
عز وجل قوله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ونحن أهل البيت
نقول أرجى أية في كتاب الله قوله سبحانه ولسوف يعطيك ربك فترضى أراد ان النبي
لا يرضى وواحد من أمته في النار وفى الصافي للفيض رحمة الله عليه في الحديث أرجى أية في كتاب الله
قوله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وقال الشيخ
أبو علي الطبرسي في مجمع البيان في تفسير هذه الآية روى عن علي (ع) أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
خير أية في كتاب الله هذه الآية يا علي ما من خدش عود ولا نكبة قدم الا بذنب
وما غفى الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه وما عاقب عليه في الدنيا
فهو اعدل من أن يثنى على عبده وقال أهل التحقيق ان ذلك خاص وان خرج مخرج العموم لما
64

يلحق من مصايب الأطفال والمجانين ومن لا ذنب له من الأنبياء والمؤمنين والأئمة يمتحنون
بالمصايب وان كانوا معصومين من الذنوب لما يحصل لهم على الصبر عليها من الثواب انتهى
أقول التحقيق ان الآية من باب التخصص لا التخصيص بالنسبة إلى الأنبياء والأئمة (ع) إذ لا مصيبة من
حيث هي مصيبة بالنسبة إليهم والحكم في الآية معلق على هذا العنوان وهم سلام الله عليهم
يحمدون الله على بلاياه ومصايبه كما يشكرونه على نعمائه وبالجملة لما استشرف الداعي تلك الرحمة
الواسعة وممدوحية هذا الرجاء ومذمومية القنوط تبدل وحشته بالانس فقال قرعت باب رحمتك
بيد رجائي ثم تنبه بان المناص من هذه الأسود والخلاص من هذه الأخدود النار ذات
الوقود ليس الا الالتجاء بالملك الودود لأنه العزيز المقتدر الذي لا ملجأ ولا مهرب ولا
منجى منه الا إليه لان الكل ملكته ولا يرد حكومته ولا يدفع الا برحمته عقوبته كما في الدعاء أعوذ
بعفوك من عقابك وبرضاك من سخطك وأعوذ بك منك ونقل انه ذكر عند
أمير المؤمنين (ع) قول أفلاطون الإلهي الأفلاك قسى والحوادث سهام والانسان هدف
والله هو الرامي فأين المفر فقال (ع) ففروا إلى الله فقال الداعي وهربت إليك لاجيا
من فرط اهوائي ثم الهم الداعي بما هو الترياق الأعظم لجميع السموم وسفينة النجاة
للمنغمسين في بحار الغموم ونيران علم الهداية في أودية الهموم وهو التشبث بحبال الله
المتينة والاستظهار بجبال الله الشامخة المكينة وهي أحباء الله وأدلائه وأوليائه الله
وأودائه الذين حبهم مفترضة وطاعتهم واجبة يعصمون من اوى إليهم وينقذون من تعلق
بعرى موالاتهم فإنهم كما مر روابط الحوادث بالقديم وقواد البائس المعتر من المجتدين إلى حضرة
الجواد الكريم وهم شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء ولذا في دعاء التشهد تقول أولا
قرب وسيلته أي في الدنيا ثم تقول وارزقنا شفاعته أي في العقبى فالشفاعة هناك ظل
اعتصامك ههنا بموالاته وموالاة أوليائه وصورة تقريب وسيلته التي وفقت له ههنا
فقال وعلقت بأطراف حبالك أنامل ولائي الأنامل جمع الأنملة بتثليث
الميم والهمزة ففيها تسع لغات وهي التي فيها الظفر وفى الكلام مجاز مرسل من حيث اطلاق
الأنامل على الأيدي بعلاقة الجزئية والكلية بعلاوة الاستعارة بالكناية والاستعارة
65

التخييلية ولائي أي محبتي ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله في علي (ع) اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
فاصفح اللهم عما كان من زللي وخطائى الصفح إذا استعمل بكلمة عن كان معناه
العفو وكان تامة أي عما وقع وكلمة من بيانية وفى بعض النسخ عما كان أجرمته فكان ناقصة
واسمه ضمير الشأن منويا والزلل محركة مصدر زللت أي زلقت في طين ونحوه وأقلني
اللهم صرعة ردائي أقلني أي تجاوز عنى والصرعة الطرح على الأرض فسقوط الرداء
حيث إن الرداء مما به تجمل الرجل كناية عن نقص تجمل النفس الناطقة بالعفة والشجاعة والحكمة
ان قلت صرعة بالفتح للمرة ولا يناسب مقام الاستغاثة فالصرع انسب وبعده الصرعة بالكسر
لأنها للنوع كما في المثل سوء الاستمساك خير من حسن الصرعة قلت أولا لعله من بناء أصل
المصدر كالرحمة ولا ينافيه الصرع كالرحم وثانيا انه لم قلتم ان المرة لا تناسب المقام إذ يجوز ان
يعترف بكثرة المعاصي ويكون سقوط رداء التجمل الباطني للنفس الناطقة بعد الاصرار والتكرار
البليغين مرة واحدة لمكان حلمه تعالى وإناته وربما يصدر عن الانسان جم غفير من العصيان ولا
يخلوا قلبه بعد عن وميض يحيى به ولا سيما في الصغاير أو الكباير مع التوبات المنقوضة وفى بعض
النسخ زيادة كلمة من قبل الصرعة ودائي بدل ردائي وح فالصرعة هي العلة المعروفة والمعنى خلصني من
مرضى المعنوي الذي كالصرع فإنك سيدي ومولائي ومعتمدي ورجائي وأنت
مطلوبي وغاية مناى في منقلبي ومثواي منقلبي مرجعي ومالي كما قال تعالى وانا إلى ربنا
لمنقلبون مساوقا لقوله تعالى الا إلى الله تصير الأمور والمثوى للنزل من ثوى المكان وبه
يثوي ثواء وثويا بالضم وأثوى أطال الإقامة به أو نزل كما في القاموس وذلك للنزل هو مقعد
الصدق عند مليك مقتدر وطول الإقامة به معلوم عند أولي الألباب لأنكم خلقتم للبقاء لا للفناء
وذلك المثوى هو المنزل الأصلي وهذه المعابر والمقابر منازل الغربة والأمكنة العارضة والقيمة تسمى
قيامة لقيامكم عند الله على خلاف ما في الدنيا والبرزخ لقيامكم عند المادة والمهية وبالجملة عند عالم الصورة
الا ترون قيامكم عند أبدانكم وأخلادكم إليها بحيث تكاد انكم صرتم إياها بل صرتم عينها بلا شك بدون
تخلل يكاد ويوشك في نظر شهود جلكم ولا اجترئ ان أقول كلكم لمكان ضناين الله الذين قال تعالى في حقهم
أوليائي تحت قبابي فنسيتم أنفسكم المجردة التي هي من عالم أمر الله وروح الله بلا جهة ووضع وأين
66

وكم وزعمتم انكم سكان الجهة السفلية وقطان المكان ورهان الزمان وممسوحون بمساحة كذا كهذه الاحجام
التي هي كالأغلال والسلاسل وتكون كل هذه صفات هذه الهياكل وهذه كمدرات منبوذة في بيداء
شعاع بيضاء أرواحكم القدسية وساحة بلا مساحة فيفاء ضياء شموس نفوسكم النطقية كما قال
أرسطا طاليس البدن في النفس لا النفس في البدن فأنتم غرباء أو يتم كالبومات والغربان والحشرات
والديدان إلى هذه الكهوف والبيادر من التربان فتبا لعقولكم المنحطة وتعسا لهمتكم المنبثة اثاقلتم إلى
الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فانهضوا وانتهزوا ومن مجالسة هذه الديدان تأنفوا
واشمأزوا واشمروا أذيالكم وفتشوا في هذه التربان تفلحوا وتجدوا ملوكا متوجين من قدس الله تعالى بمكللة
التيجان تو بكو هر خديو دوراني * چكنم قدر خود نميدانى * وقال اخر چو آدم را فرستاديم بيرون
جمال خويش بر صحرا نهاديم وفى كونه تعالى مطلوب الانسان وغاية مناه إشارة إلى أن العاقل فضلا
عن المحب لا يؤثر غيره تعالى عليه ولو كان جنة فضلا عن الدنيا وفى القدسي قال تعالى يا بن ادم خلقت
الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي ولم يقل خلقتك لأجل الجنة مثلا ومن اسرار اخراج ادم من الجنة
انه غار تعالى ان يميل إلى الجنة وأيضا هو تعالى مطلوبه لأنه لا أكمل وأجمل من الانسان سوى الحق تعالى حتى يكون
مطلوبه دون الحق فان المط من حيث هو مطلوب ارفع من الطالب من حيث هو طالب إذ العالي
لا يلتفت بالذات إلى السافل وجه اخر ان يراد بالمنقلب والمثوى أعم مما في العقبى فيكون المنقلب
أيضا اسم المحل وقد تقرر ان اسم المحل من الثلاثي المزيد على وزن اسم المفعول منه أو كلاهما مصدر ميمي
أي أنت مطلوبي وغاية مناى في كل حركتي وسكوني أو محل حركتي وسكوني لم اجعلها الا وسيلة
وصالك ولم أتقرب بها الا لنيل شهود جمالك وبالجملة فأنت قصد ضميري وكل أسماؤك إذ المباحات
بالنية تبدل بالحسنات هذا بحسب التشريع واما بحسب التكوين فكل مطلوب انما هو بجنبته الخيرية
وجهته النورية يطلب وشيئية الشئ بفعليته لا بنقصه والخير والنور والفعلية تعود إلى صقع الله والحمد
والملك لله وقضى ربك الا تعبدوا الا إياه واليه يرجع عواقب الثناء؟؟ في الآخرة والأولى تجلى
لي المحبوب من كل وجهة فشاهدته في كل معنى وصورة إلهي كيف تطرد مسكينا التجاء
إليك من الذنوب هاربا لما قرع الداعي باب رحمته الواسعة راجيا منه هاربا لاجيا إليه
متوسلا بعراه الوثيقة طالبا منه العفو والتجاوز مستأنسا متوددا واحتمل الطرد والخيبة من سوء
67

قابلية طارية على نفسه وقصور باع عارض لشخصه استأنس ثانيا باستيناسه مضيفا إلهه إلى نفسه متعجبا
عن انه كيف يطرد المسكين المستجير من هو المجير القدير الذي بابه مفتوح للداخلين وسبيله واضح للمنيبين
وتعاهد انه من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن اتانى
مشيا أتيته هرولة والمسكين هو الفقير وان قلنا بالفرق فهنا هما واحد كما قيل الفقير والمسكين كالظرف
والجار والمجرور إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا وكما افتخر صلى الله عليه وآله بالفقر وقال الفقر فخري سئل في
المناجاة المسكنة وقال اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين
والفقير الحقيقي من لا يملك فعلا ولا صفة ولا وجودا ويشهد ان الملك لله الواحد القهار والفقر منه نوراني
محمود ومنه ظلماني مذموم الأول ما عرفته والثاني ضيق المعيشة مع عدم الصبر والرضا بل مع الكفر ان
كما قال (ع) كاد الفقر ان يكون كفرا وأيضا حاجة الممكن لامكانه اللازم لمهيته وقد ورد عنه (ع) الفقر سواد
الوجه في الدارين وفيه وجوه منها ان يكون المراد بالفقر الفقر المذموم وهو حاجة الممكن المذكورة
ومنها ان يراد بسواد الوجه محو وجه النفس الموهوم وصحو وجه الله المعلوم ومنها ان يراد بسواد الوجه
محو وجه الله إذ في الفناء المحض لا وجود للسالك حتى يق لوجوده وجه إلى مهيته ووجه إلى ربه فإنه إذا
بزغ نور شمس الحقيقة اضمحلت ظلمات المجازات كما إذا طلع شمس عالم الشهادة انطمست الظلام والظلال
ومن هنا ورد عن المشايخ نهاية الفقر بداية الغناء لأنه إذا جاوز الشئ حده انعكس ضده ويمكن ان
يحمل قوله (ع) كاد الفقر ان يكون كفرا عليه أي كاد ان يكون سترا محضا بان يصير وجود الفقير
عدما محضا في جنب وجود الحق الغنى شهودا أيضا أو كاد ان يتفوه الفقير بالشطحيات التي تترائى في
ظاهر الشريعة انها كفر لو لم يؤل ومنها ان يراد بسواد الوجه السواد الأعظم كما ورد عليكم بسواد
الأعظم وبالوجه الوجود المطلق المنبسط الذي هو فقر المهيات إليه تعالى وربطها به فالفقير لا بد وأن يكون
متمكنا في هذا السواد الأعظم ولكون الخاتم صلى الله عليه وآله متمكنا فيه اطلق عليه الحقيقة المحمدية فإضافة سواد الوجه
بيانية أي الفقر هو السواد الأعظم الذي هو وجه الله أينما تولوا فثم وجه الله ومنها ان يراد
بسواد الوجه تسويد الظاهر بتحمل أعباء الملامة على الكاهل في حب الله تعالى كما قال تعالى ولا يخافون لومة
لائم وقال الشاعر أجد الملامة في هواك لذيذة حبا لذكرك فليلمني اللوم ومنها
ان يراد بسواد الوجه نور الذات فان النور الأسود نور الذات كما قيل سياهى چون به بيني نور ذاتست
68

بتاريكى درون آب حياتست والسبب ان السالك إذا وصل إلى هذا النور خلص من التلوين
ورسخ في مقام التمكين كما أن السواد لا يقبل لونا اخر وعند بعضهم نور الذات نور أخضر إشارة إلى
الحياة الأبدية وفى السواد أيضا إشارة إلى هذه فان ماء الحياة في الظلمات وبالجملة تأويل هذه الكلمات
ان العوالم متطابقة وما يراه السالكون في مكاشفاتهم ومراقباتهم بمنزلة ما يراه النائمون في رؤياهم
وكما أنها تحتاج إلى التعبير كك ما يراه المكاشف يحتاج إلى التأويل من مكاشفاته الصورية وكما ينال
العاقلة العلم وحاكاه المتخيلة في الرؤيا بصورة شرب اللبن كك تحاكي الخلاص من التلوين والرسوخ
في مقام التمكين عند المكاشفة الصورية بصورة النور الأسود والأخضر فليظفر الانسان بالمآل والمأول
كالمعبر فلا يهمل الانسان شيئا من الطرفين لا الصورة ولا المعنى ولا يكون مفرطا ولا مفرطا وهذا باب؟؟
واسع نافع في النبوات والمعاد والله يهدى إلى سبيل الرشاد ومنها ان يراد بسواد الوجه
شأمة وجه القلب وبهاؤه كشأمة الوجه الظاهر فإنها بهاؤه وزينته ومنها ان يراد بسواد
الوجه سواد العين فان سواد العين في الوجه بالواسطة فالفقر نور العين وقرة العين للسالكين
فعلى هذين الوجهين كان الكلام من باب التشبيه المحذوف الأداة فالفقر على جميع هذه الوجوه غير الوجه
الأول محمول على الفقر المحمود النوري أم كيف تخيب مسترشدا قصد إلى جنابك
ساعيا أم منقطعه وكيف استفهامية والخيبة المحرومية والجناب بالفتح والكسر الفناء وفى
السعي ايماء إلى حذف مضاف أي إلى فناء بيتك الذي هو الكعبة المقصودة للكل والنسخ التي رأينا
ساعيا بالياء المثناة من تحت فيكون من الموازنة كقوله تعالى ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة
وقوله هو الشمس قدرا والملوك كواكب هو البحر جودا والكرام جداول وفى بعض النسخ
ضاقيا بالضاد المعجمة والقاف والياء المثناة من تحت من ضقيت داره أي قربت وظني ان ساغبا
بالغين المعجمة والباء الموحدة انسب لفظا والمعنى ليس بأدون من الأول ولنظام هذا الدعاء المبارك
أشد اطرادا من حيث التسجيع ثم من حيث التسجيع بثلاثة اسجاع أو أكثر الذي هو سياق أكثر فقراته
فيكون في القولين أعني قصد إلى جنابك ساغبا وورد إلى حياضك شاربا ترصيع ولعله كان في الأصل
هكذا ثم حرف ومعلوم ان السجع والترصيع أولي من الموازنة والمعنى أيضا غير مقدوحة وفى
القاموس سغب كفرح ونصر سغبا وسغابة وسغوبا ومسغبة جاع أو لا يكون الا مع تعب فهو ساغب
69

وسغبان وسغب وهي سغباء وجمعها سغاب وأيضا فيه مراعاة النظير لتناسب السغب والظمأ
أم كيف ترد ظمأنا ورد إلى حياضك شاربا الظمآن كالظمئ صفة مشبهة من ظمأ
كفرح أي عطش أو أشد العطش والحياض جمع الحوض شاربا أي مريدا للشرب لا يتوقع التصرف فيها
أزيد من ذلك تأوبا والا فأنت صاحب طمطام الجود وباذل قمقام الوجود وقد قيل في مخلوق منك
ولو لم يكن في كفه غير نفسه لجاد بها فليتق الله سائله وقد قلت في قتيل سيفك المبارك
انا ديته فلا تزيدك كثرة العطاء الا جودا وكرما فلو كان للوارد ظرفية ملكته حياضك بل اوصلته
رضوانك ولقائك فضلا عن رياضك والتعبير عن الإرادة بالفعل باب واسع كقوله تعالى وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم كلا وحياضك مترعة في ضنك المحول أي حاشاك عن ذلك وحياضك
ممتلية في وقت ضيق القحط والمحل الجدب وانقطاع المطر وزمان ومكان ماحل وارض محل محلة
ومحول ومحول أي ذوات جدب والتأويل ان المراد بحياضه ينابيع ماء حياة الوجود وسحب
أمطار النفوس من السماوية والأرضية وتلك الينابيع مراتب علمه ودرجات قدرته وأقلامه
والواحة العالية قال تعالى وان من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فعلمه
غير متناه حيطة وقدرته غير متناهية عموما وشدة وفيضه لا ينقطع وكلماته لا تنفد ولا تبيد كما قال تعالى
قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا
والكل مغترف من هذا البحر المحيط ولا ينقص منه شئ وح ضنك المحول خلو المهيات في ذواتها
وعرى المواد في جواهرها ولو في حال تلبسها بماء حياة الوجود واكتسائها حلل الصور والنفوس
فلم يكن لها الا التصحح والتهيؤ والقبول ولو لم يكن لها من الاعدام والفقد والبؤس الا هذا لكفى
في ضنك المحول كيف وبعد رد الأمانة إلى أهلها وعود العوايد والفوايد إلى مالكها كان أمر الجدب
والغلا أمر وأدهى وما الروح والجثمان الا وديعة ولابد يوما ان ترد الودايع وهو تعالى
في كل حال على حالة واحدة لا ينقص من خزاينه ذرة ولا ينفد من حياضه قطرة لان الإفاضة معناها
ان ينزل الفيض من الفياض بحيث لا ينقص عنه شئ وإذا رجع إليه لا يزيد عليه شئ لان المفيض
هو حقيقة الشئ والمستفيض هو الفيئ وفيئ الشئ من حيث هو فيئ ليس شيئا على حياله
فحوضه الكوثر ابدا مشحون وكل ظمآن منه ريان ومخزنه الأوفر سرمدا مكنون وكل غرثان
70

منه شبعان وبابك مفتوح للطلب والوغول وغل يغل وغولا دخل ومفتوحية
بابه في مقامين أحدهما مقام الاستنفاع بنعمه وآلائه ونواله ومعلوم ان الكل مستغرقة في بحر أفضاله
فالعالم كمحافل ومباني مشيدة والشمس والقمر والنجوم كمصابيح منضدة وأنواع النبات والفواكه
بأغذيتها وأشربتها والحيوانات ملجومها وألبانها وغيرها موائد وذوات لنفوس الادمية عليها
قواعد لاجتلاب الفوايد والعوايد ولو لم يكن الا الماء لتبريد الكبد والا الهواء لترويح القلب لكفى
كيف والأغذية الهنيئة والأشربة المرئية التي سلبت أفئدتكم أعذب لكم واحلى وثانيهما مقام
الاستشعار بالمعارف الربانية وظاهر ان نصب علايم صفاته ودلايل ذاته بمرتبة تمت الحجة وكملت
الكلمة كما قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أو لم يكف
بربك انه على كل شئ شهيد وفى كل شئ له أية تدل على أنه واحد ولا سيما الآيات
الكبريات والحجج البينات التي من عرفها فقد عرف الله وبمقتضى القاعدة العرفانية القائلة بأنه
إذا جاوز الشئ حده انعكس ضده قد تكاثرت الآيات وتوافرت الكرامات بحد يقول الغافل
أين أين وعند أرباب الشهود ليس مما سوى اثر في البين أو لم تر إلى النحل ومسدساته والى العنكبوت
ومثلثاته والى الطبع وتشكيلاته كل ذلك بايحاء الله والهاماته بل الكل من الدرة إلى الذرة مجالي
قدرته ومراتب علمه قال السيد المحقق الداماد في القبسات ما من معجزة فعلية مأتى بها الا وفى
أفاعيل الله تعالى قبلنا من جنسها أكبر وأبهر منها وآنق واعجب واحكم وأتقن فخلق النار مثلا أعظم
من جعلها بردا وسلاما على إبراهيم وخلق الشمس والقمر والجليدية والحس المشترك أعظم من شق القمر
في الحس المشترك ولو تدبر متدبر في خلق معدل النهار ومنطقة البروج متقاطعين على الحدة والانفراج
لا على زوايا قوايم وجعل مركز الشمس ملازما لسطح منطقة البروج في حركتها الخاصة وما في ذلك من
استلزام بدايع الصنع وغرايب التدبير واستتباع فيوض الخيرات ورواشح البركات في افاق
نظام العالم العنصري لدهشته الحيرة وطفق يخر مبهورا في عقله مغشيا عليه في حسه وذلك أن هو
الا فعل ما من أفاعيله سبحانه وصنع ما من صنايعه عز سلطانه انتهى وبالجملة عدم ادراك الناس
آيات الله تعالى وبيناته لانهم ينظرون إلى الأشياء نظر الحس ولا ينظرون نظر العقل ولا يتفكرون
في خلق السماوات والأرض ولا يرجعون المركبات إلى أصولهم البسيطة وموادهم العرية عن الحلى
71

والحلل بذواتها ولا يأخذون الأجناس والأنواع بشرط لا بالنسبة إلى الفصول والمصنفات والمشخصات
حتى يرووا الكل في القوابل طوارى ومن حضرة الفاعل عوارى وكما مر ينبغي ان ينظر الانسان
إلى صنايع الله نظر مستغرب نشأ ولم ينظر إليها حتى بلغ أشده وعند هذا رأى آيات ربه الصغرى
كبرى فكيف الكبرى ولا أية من آيات الله تعالى أكبر من الانسان ولا اسم له سبحانه أعظم منه سيما
الانسان الكامل وكل فعل منه غريب وكل صفة منه عجيبة وذاته أعجوبة أعجب العجايب ولا يدرك
غرابته وأعجوبيته لان المدركين والمدركين أمثال والشئ يعز حيث يندر فلو فرض ان نوعه منحصر في
فرد ولا سيما ان ذلك الفرد كان انسانا كاملا لقضى منه اخر العجب بالنسبة إلى الأنواع الأخر وكان
كل فعل منه غريبا غاية الغرابة حتى زراعته وحياكته وكم من أمر غيبي لا تعد يخبر به الدهقان الزارع
مثل ان بذر الزرع متى ينبت وما هذا الزرع وكيف هو وكم هو ومتى يبيض وإن كان في الشمس كيف
نشوه وفى جهة خلافه كيف يكون وهكذا فعلل وتفعلل هذا فيمن يعده الناس دانيا عاميا وفى الحاشية
الأخرى أعني من يعترف الكل بكماله كل اللسان عن نعوته لا يدرك الواصف المطري خصايصه
وان يكن بالغا في كل ما وصفا فهو كأنه رب النوع كما أن الانسان مع فرض الانحصار المذكور
كأنه رب الجنس وقال الشيخ رئيس الحكماء في اخر الهيات الشفا ورؤس هذه الفضايل عفة
وحكمة وشجاعة ومجموعها العدالة وهي خارجة عن الفضيلة النظرية ومن اجتمعت له معها الحكمة النظرية
فقد سعد ومن فاز مع ذلك بالخواص النبوية كاد ان يصير ربا انسانيا وكاد ان يحل عبادته
بعد الله تعالى وهو سلطان العالم الأرضي وخليفة الله فيها انتهى كلامه وكتابه ولكون الناس
أهل الحس صاروا يتعجبون كما قال الشيخ الرئيس عن جذب المقناطيس مثقالا من الحديد ولم يتعجبوا
من جذب النفس هذا الهيكل الثقيل وتحريكه ميمنة وميسرة وقداما وخلفا وتصعدا وتسفلا وعدوا
وهوينا وهو كالكرة تحت صولجان قدرتنا بحول الله تعالى وأنت غاية السئول
ونهاية المأمول السئول المسؤول قال تعالى لقد أوتيت سؤلك يا موسى قد خرج من
السابق انه تعالى مطلوب الانسان سيما الكامل منه وغاية مناه وقد خرج عن هذه الفقرة المباركة انه تعالى
مطلوب الكل وذلك لوجوه منها قوله تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ومنها انه تعالى مطلوب
الانسان الكامل ومعروفه والانسان الكامل مطلوب الكل فإنه مركز تدور الجميع عليه وكنز مخفى يطلبون معرفته
72

ومنها ان كل موجود يحب الوجود ولهذا مهما تغرز إبرة على نملة تنقبض وتهرب خوفا من العدم
ويحب الفردانية كما قال تعالى كل حزب بما لديهم فرحون ويطلب مظهرية من ليس كمثله شئ وكذا
يحب الحياة والعلم والقدرة والغناء وغيرها من توابع الوجود والوجود وتوابعه من الله وبه واليه
ولذا قال بعض الحكماء لابد ان يكون في الوجود وجود بالذات وفى العلم علم بالذات وفى الإرادة إرادة
بالذات حتى تكون هذه في شئ لا بالذات وكل طالب يطلب شيئا اخر فذلك الأخر من جهته النورانية
يطلب وهي وجه الله ونور الله ففي الحقيقة هو المطلوب ولكن أكثر هم لا يشعرون والمزية بالاستشعار
والفضل لاولى الأيدي والابصار ومنها ان الحركة في الأجسام والجسمانيات معلومة مشاهدة
جوهرية أو عرضية كيفية أو كمية أو ضعية أو أينية وفى النفوس أيضا مكشوفة تجوهرا أو تكيفا في الحالات
والملكات والحركة طلب طبيعي أو نفساني والطلب لابد له من مطلوب ومطلوب كل الأجسام الفلكية
هو العقول ومعشوق العقول هو الله ومطلوب جميع الأجسام العنصرية بسايطها ومركباتها معدنا
كانت أو نباتا أو حيوانا هو الانسان فيطوفون حول هذه الكعبة المقصودة ويفدون أنفسهم ويقربون
له قربانا كما مر ثم الاناس مطلوب كل دان منهم عاليهم ومطلوب كل عال أعلى منه وهكذا إلى ربهم الاعلى
فإنك ترى طالب العلم الرسمي يرجو ان ينال طرفا من علم الأدب فإذا نال يريد ان يبلغ كماله وإذا بلغ
يشتاق ان يصير فقيها عالما بالفروع وإذا صار يحب ان يكون متكلما عالما بالأصول وإذا كان يطلب
ان يعلم حكمة المشائية وإذا علم يتخطى في الاشراق والتأله وإذا تأله يقصد ان يتوغل في التأله وإذا توغل
يعشق التمكن في مقام حق اليقين فالكل متواجدون في عشق جماله ولولاه لجاز الوقوف على مرتبة من
المراتب واطمأنوا بمطلب من المطالب وليس كك الا بذكر الله تطمئن القلوب إلهي هذه
أزمة نفسي عقلتها بعقال مشيتك أزمة جمع زمام وهو مقود الدابة وعقل البعير
شد ذراعه بكتفه والعقال ما به يشد وهذه من باب الاستعارات والمقص الرضا والتسليم عند مشية
الله النافذة والتسخر بحول الله وقوته والمشية والإرادة والرضا والمحبة والعشق والميل والابتهاج
ونحوها واحدة وللناس فيما يعشقون مذاهب وبين المشية والإرادة فرق باعتبارين أحدهما
ان المشية بالنسبة إلى شيئية الشئ أي مهيته والإرادة بالنسبة إلى وجوده وثانيهما ان المشية
كلية بخلاف الإرادة فميلك الكلى إلى الحج مشيتك وميلك إلى منازله المخصوصة وخطواتك
73

المعينة المنطوى فيه ارادتك الجزئية إياها فردا فردا في أوقاتها المخصوصة والإرادة أعم من الميل
الكلى وهذه الميول الجزئية المرهونة بأوقاتها وبهذين الاعتبارين يذكر أحدهما في مقابل الأخر كما
ورد انه تعالى علم وشاء وأراد ثم إن المشية والإرادة عند بعض المتكلمين اعتقاد المنفعة وعند
بعض اخر ميل تبعه والحق ان المشية فينا أو الإرادة أو ما شئت فسمها من النظاير الشوق المتأكد الذي
هو عقيب داع هو العلم بملايم في الفعل وباصطلاح هو القصد المتعقب للعزم المتعقب للجزم المتعقب
للميل المتعقب للعلم التصوري بالفعل وللعلم التصديقي بالداعي وفيه تعالى هي عين الداعي وهو عين علمه
الفعلي بنظام الخير في الفعل وهو عين ذاته المتعالية بيان ذلك ان شاكلتنا فيما قصدنا فعله انا نتصوره
أولا ثم نصدق بفايدته تصديقا ظنيا أو تخيليا أو يقينيا ان فيه صلاحا ومنفعة أو محمدة ومنقبة
وبالجملة خيرا من الخيرات بالقياس إلى جوهر ذاتنا أو إلى قوة من قوانا فينبعث من ذلك
شوق إليه ونجزم ان نفعله ونخلص من التردد فإذا اهتزت القوة الشوقية وتأكد الشوق وصار
عزما واجماعا ثم إن لا يفسخ العزيمة وصار قصدا حركت القوة المنبثة في العضلات وهنا لك يتحرك
الأعصاب والأعضاء الأدوية فذلك الشوق المتأكد البالغ إلى العزم والقصد إرادة وما في القوة
المنبثة قدرة وذلك التصديق بالفايدة هو الداعي وذلك التصور والجزم بالفعل هو العلم
فهذه مبادى الفعل فينا أرباب الحاجات واما في الصمد الغنى الذي علمه فعلى وقدرته نافذة فكما
ذكرنا من أن الداعي والإرادة والقدرة عين علمه العنائي وهو عين ذاته الغنى وكما أنه يترتب فينا
شوق القوة الباعثة على نفس تصور الفعل واعتقاد انه نافع لنا من غير أن يتخلل بين علمنا
وشوقنا شوق اخر وإرادة أخرى بل العلم فعلى بالنسبة إلى الشوق كك يترتب الإفاضة على
نفس علمه بنظام الخير في العالم من دون تخلل شوق وهمة زايدين ثم إن إرادة الفعل منطوية
في ارادته ذاته وارادته ذاته عين ذاته كما ذكرنا فان الإرادة هي العشق والمحبة ومن المقررات
في محله ان لا التفات بالذات للعالي إلى السافل فارادته لاثاره لأجل انه تعالى مبتهج بذاته
لكونه أجمل من كل جميل وأبهى من كل بهيئ وعلمه بذلك الجمال والبهاء أتم العلوم لكونه حضوريا
بالغير فكيف بذاته لا حصوليا وفعليا لا انفعاليا وتفصيليا لا اجماليا والذات العالمة فوق
كل ذي علم لأنه قوة إلهية بسيطة جامعة لكل القوى والمدارك وفوق العقل الكلى فضلا
74

عن القوة العاقلة بالفعل فضلا عن المدارك الجزئية وامر أتمية الابتهاج والعشق يدور على
هذه الثلاثة وإذا ابتهج بذاته ابتهج باثاره لان من أحب شيئا أحب اثاره وإذ ليس موجود
ينافيه وينافره لان الكل معاليله وناشئة من قلمه الاعلى والمعلول يلايم علته فلا موجود الا وهو متعلق
مشيته وبعض الاخباريين من المعاصرين كأنهم لم يمكنهم فقه إرادة الذات للذات وحصروا تعلق
الإرادة بالفعل ولم يدبروا ان في كل موضع متعلق إرادة المريدين أولا وبالذات ذواتهم فالكاتب
يريد ويحب ويعشق نفس ذاته ويريد الكتابة بالعرض لإرادة ذاته وقس عليه قال صدر المتألهين س
الإرادة رفيق الوجود والوجود في كل شئ محبوب لذيذ والزيادة عليه أيضا لذيذة فالكامل من
جميع الوجوه محبوب لذاته ومريد لذاته بالذات ولما يتبع ذاته من الخيرات اللازمة بالعرض
واما الناقص بوجه فهو أيضا محبوب لذاته لاشتماله على ضرب من الوجود ومريد لما يكمل ذاته
بالذات ولما يتبع ذاته بالعرض فثبت بان هذا المسمى بالإرادة أو المحبة أو العشق أو الميل
أو غير ذلك سار كالوجود في جميع الأشياء لكن ربما لا يسمى في بعضها بهذا الاسم لجريان
العادة والاصطلاح على غيره أو لخفاء معناه عند الجمهور كما أن الصور الجرمية عندنا إحدى
مراتب العلم ولكن لا يسمى بالعلم الا صورة مجردة عن ممازجة الاعدام والظلمات هذا كلامه
بأدنى اختصار فظهر ان الإرادة تتعلق أولا بالذات وظهر أيضا ان الإرادة عين الذات
الواجبة بل عين كل وجود فكيف بالوجوب الذي هو بحت الوجود والمخالف في هذا رئيس المحدثين
أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني ره نظرا إلى ظاهر بعض الأخبار واحتج أيضا على أن الإرادة زايدة على
ذاته تعالى بان إرادة الله تعالى لا يصح ان يكون عين علمه سبحانه فإنه سبحانه يعلم كل شئ ولا يريد كل شئ
إذ لا يريد شرا ولا ظلما ولا كفرا ولا شيئا من القبايح أو الآثام فعلمه تعالى متعلق بكل شئ ولا كك
ارادته فارادته أمر اخر وراء علمه وعلمه عين ذاته فارادته أمر اخر وراء ذاته وهذه شبهة قد استوثقها
في الكافي وليست وثيقة وينحسم مادتها بتحقيق مسألة الخير والشر والفحص عما دخل فيهما بالذات
وعما نسب إليهما بالعرض وارجاعهما إلى الوجود والعدم وسنتكلم في هذا الشرح الوجيز ان ساعدنا
التوفيق وأيضا قد علمت أن الإرادة فيه تعالى عين العلم فكيف يتفاوت المتعلق وأيضا احتجاجه
منقوض بالعلم والقدرة إذ العلم يتعلق بكل شئ حتى الممتنعات والقدرة لا تتعلق بها كما
75

قال المتكلمون ان معلومات الله أكثر من مقدوراته وأيضا له تعالى إرادة اجمالية وإرادة تفصيلية
والأولى في الحقيقة اجمالية من وجه وتفصيلية من وجه وهي ارادته تعالى بالنسبة إلى الصادر الأول
والثانية بالنسبة إلى الكل فان كلا في مرتبته ووقته مراده سبحانه ولو بالوسايط فان ما عد الصادر
الأول من لوازمه المرتبة وإرادة الملزوم إرادة اللازم وحقيقة ذلك وسره كون الصادر الأول
لبساطته جامعا لحقايق ما دونه فإرادة الكل منطوية في ارادته والإرادة التفصيلية بالنسبة إلى
الأشياء تسمى أوامر الله التشريعية والتكوينية وكذا حكم الكراهة المنطوية في كراهة عدم الصادر
الأول فالمعصية والشر والضر انما هي في الإرادة التفصيلية وهي ليست عين ذاته تعالى لا في الإرادة
التفصيلية بالنسبة إلى الصادر الأول الاجمالية بالنسبة إلى ما عداه ثم إن تلك أيضا في الأوامر
التشريعية فقط إذ في الأوامر التكوينية التي بواسطة العقول والنفوس الفلكية والطبايع المسخرات
لا سبيل الا إلى الطاعة وقال السيد المحقق الداماد س في دفع الشبهة كون الإرادة الحقة الإلهية
غير متعلقة بالشر بالذات لا يصادم كون إرادة الخير عين العلم الذي هو بعينه مرتبة ذاته الحقة
الأحدية فإرادة الخير وزانها بالإضافة إلى صفة العلم وزان السمع والبصر من صفات الذات
وهما عين الذات الحقة الواجبة التي هي بعينها العلم التام المحيط بكل شئ ثم السمع سمع
لكل مسموع لا لكل شئ والبصر بصر بالقياس إلى كل مبصر لا بالنسبة إلى كل شئ فكك الإرادة
الحقة فذاته سبحانه علم بكل شئ ممكن وإرادة لكل خير ممكن وسمع بالنسبة إلى كل شئ مسموع
وبصر بالقياس إلى كل شئ مبصر وقدرة بالقياس إلى كل شئ مقدور عليه والشرور الواقعة
في نظام الوجود سواء عليها أكانت في هذه النشأة الأولى أم في تلك النشأة الآخرة ليست هي
مرادة بالذات بل ومقضية بالذات انما هي داخلة في القضا بالعرض من حيث إنها لوازم
الخيرات العظيمة الواجبة الصدور عن الحكيم الحق والخير المطلق انتهى ان قلت فما تصنع بالأحاديث
المروية عن الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين الدالة على أن المشية والإرادة من صفات الفعل
وانهما حادثتان بحدوث الفعل حسب ما نقله محمد بن يعقوب الكليني (رض) في الكافي والصدوق (رض)
ابن بابويه القمي في كتاب التوحيد وعيون اخبار الرضا قلت للحق سبحانه إرادة حقة حقيقة وإرادة
حقة ظلية وإرادة مصدرية عنوانية إما الأولى فهى ابتهاج ذاته بذاته سبحانه إذ لم يكن اسم
76

ولا رسم وهي عين ذاته وكذا في مقام ظهوره بأسمائه الحسنى المستتبعة للاعيان الثابتة المسمى
بالمرتبة الواحدية والأسماء الحسنى والصفات العليا لوازمها الغير المتأخرة في الوجود كلها
مفاهيم موجودة بوجود الذات بلا تعدد في الوجود أصلا وذلك الظهور على الأعيان الثابتة
بثبوت الملزوم يسمى باصطلاح بعض العرفاء بالفيض الأقدس وهذا أيضا مشية صفتيه عين
الذات والثانية أعني الإرادة الحقة الظلية هي في مقام فيضه المقدس والوجود الإضافي
الذي في كل بحسبه وهي إرادة فعلية لكل مهية مهية من العقول والنفوس والطبايع
والبسايط والمركبات وهي المشية الفعلية المشار إليها بقوله (ع) ان الله خلق الأشياء
بالمشية والمشية بنفسها وما حكم عليه انه من صفات الفعل وانه حادث بحدوث الفعل
انما هو هذه ولكن من حيث اضافتها إلى الممكنات لا من حيث هي وجه الله الباقي فإنها من هذه
الحيثية ليست شيئا على حيالها بل هي كالحال عند المعتزلي وكالمعنى الحرفي ليست موضوعا لحكم
من الحدوث أو القدم واما الثالثة فمعلوم انها مفهوم زايد عنواني وأيضا قد قرع سمعك
حديث الإرادة الاجمالية والتفصيلية فتذكر وأجاب السيد المحقق الداماد أعلى الله مقامه
بان الإرادة قد تطلق ويراد بها الامر المصدري أعني الاحداث والايجاد وقد يراد بها الحاصل
بالمصدر أعني الفعل الحادث المتجدد وكما أن لعلمه تعالى بالأشياء مراتب وأخيرة مراتبه وجود
الموجودات الخارجية وصدورها عنه منكشفة غير محتجبة فهى بذواتها وهوياتها المرتبطة إليه
علوم له بوجه ومعلومات له باعتبار ومعلوميتها له عين ذواتها لا عالميته تعالى إياها عين ذواتها وانما
هي عين ذاته المقدسة فالعلم بمعنى العالمية عين ذاته وهو قديم وبمعنى المعلومية عين هذه الممكنات
وهو حادث فكك لإرادته سبحانه مراتب وأخيرة المراتب هي بعينها ذوات الموجودات المتقررة
بالفعل وانما هي عين الإرادة بمعنى مراديتها له تعالى لا بمعنى مريديته إياها وما به فعلية الإرادة والرضا
ومبدء التخصيص هو عين ذاته الحقة وهذا أقوى في الاختيار مما ان يكون انبعاث الرضا بالفعل
عن ذات الفاعل انتهى حاصل ما افاده وصدر المتألهين س بعد ما نقل هذا الحاصل
قال ههنا سر عظيم نشير إليه إشارة ما وهي انه يمكن للعارف البصير ان يحكم بان وجود الأشياء
الخارجية من مراتب علمه تعالى وارادته بمعنى عالميته ومريديته لا بمعنى معلوميته ومراديته فقط
77

وهذا مما يمكن تحصيله للواقف على الأصول السالفة انتهى ثم من الأحاديث في هذا الباب كما
في الكافي صحيح صفوان بن يحيى قال قلت لأبي الحسن (ع) اخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق
قال فقال الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو بعد ذلك لهم من الفعل واما من الله تعالى
فارادته احداثه لا غير ذلك لأنه لا يروى ولا يهم ولا يتفكر وهذه الصفات منفية
عنه وهي صفات الخلق فإرادة الله تعالى الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ
ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف لذلك كما أنه لا كيف له قال السيد قدس سره العزيز
الضمير هو تصور الفعل وما يبدو بعد ذلك اعتقاد النفع فيه تخيليا أو ظنيا أو تعقليا ثم انبعاث
الشوق من القوة الشوقية ثم تأكد الشوق واشتداده إلى حيث يصير اجماعا فتلك مبادى
الأفعال الاختيارية فينا والله سبحانه متقدس عن ذلك فنفس علمه السابق اختيار ومشية
لأفعاله والإرادة ولا مشية هناك وراء؟؟ الذات ومنها ما روى في الكافي عن هشام بن
الحكم في حديث الزنديق الذي سئل أبا عبد الله وكان من سؤاله ان قال له فله رضا وسخط فقال
أبو عبد الله (ع) نعم لكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين وذلك أن الرضا حال يدخل
عليه فينقله من حال إلى حال لان المخلوق أجوف معتمل مركب للأشياء فيه مدخل
وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنه واحد واحدى الذات واحدى المعنى فرضاه ثوابه
وسخطه عقابه من غير شئ يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال لان ذلك من صفة
المخلوقين العاجزين المحتاجين والصدوق (رض) رواه بعينه في كتاب التوحيد وفيه ان الرضا
والغضب دخال يدخل عليه وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنه واحد واحدي
الذات واحدى المعنى أقول رضاه الذي هو ثوابه وارادته التي هي احداثه وفعله بما المشية
الفعلية التي قد مضى ذكرها لا الذاتية ولا الصفتية اللتان هما رضاء الذات بالذات في أحديته
وبالصفات في وأحديته وذلك بقرينة المقابلة فان الرضا الذي هو في المخلوق حال وضمير
مع توابعه تدخل عليه إرادة الفعل والرضاء به تطفلا لرضائه بذاته فان رضا المخلوق بذاته
لذاته ليس حالا يدخل عليه بل يصحبه منذ وجد كما في العقول المجردة فلا تزيد على ذاتها الوجود وان
زادت على ذاتها المهية وقوله (ع) لان المخلوق أجوف انما كان أجوف لان ما هو ذاته مهية
78

خالية في ذاتها عن الوجود فضلا عن توابعه وان جعلت ما هو ذاته نفس المادة التي حظها القوة الاستعدادية
فمعلوم خلوها عن الكمال الأول والثاني فالممكن من حيث ذاته أجوف وكذا ناقص ومعتل وما فيه كلها
أمانة وعارية من الصحيح والمضاعف أعني حقيقة الوجود ووصف المخلوق بالأجوف في مقابل
نعت الحق بالصمد لأنه بسيط الحقيقة كل الوجود وكله الوجود وتأويل الصمد ما لا جوف له لأنه من الصمت
ومعتمل من الاعتمال وهو شدة العمل كالتعمل في لسان الحكماء المستعمل في المهية الامكانية لان
زيادة المباني تدل على زيادة المعاني وفيه إشارة لطيفة إلى أن الممكن موجود بتعمل العقل كما أشار
علي (ع) إليه في حديث الحقيقة بقوله محو الموهوم وصحو المعلوم وقوله (ع) فرضاه ثوابه أعم
من الثواب الذي هو مثل المحبة كما قال تعالى يحبهم ويحبونه ورضاه أعم من الرضا الذاتي
أو الفعلي وليس كما زعم الزمخشري ان محبته تعالى لعباده كناية عن ايصال الثواب بل محمولة على حقيقة
المحبة ولولا المحبة ولا سيما المحبة الإلهية لانطمس العالم ولم يتكون ادم ولو تفطنت لرأيت
نظام العالم متسقا بالمحبة والشوق والعشق وفى النظرة الأولى وان ترائى مدخلية الخوف في
التنظيم لكن في النظرة الثانية ينكشف ان الأصل هو المحبة والخوف خادم لها وكانه ملك
له رؤوس بعدد الخلايق يخدم؟ المحبة والعشق وقد حكموا بسريان العشق وهو في عين سريانه واحد بسيط
باسقاط الإضافات فهو الساري العاري والمنجمد الجاري على الدراري والذراري وهذه أعباء
ذنوبي درأتها برأفتك ورحمتك وهذه اهوائي المضلة وكلتها إلى
جناب لطفك وعفوك أعباء جمع العب ء بالكسر بمعنى الحمل والثقل من أي شئ كان درأتها دفعتها
والرأفة ارق من الرحمة ولا يكاد تقطع في الكراهة والرحمة قد تقطع للمصلحة كذا قال بعض أهل اللغة
والاهواء بقرينة التوصيف بالمضلة وبقرينة المقابلة للنفس في قوله وهذه أزمة نفسي المراد بها
الوساوس الشيطانية الداعية إلى مخالفة الحق والانحراف عن الشرع وارتكاب المحظور لا
الهواجس النفسانية التي فيها حظوظ للنفس وان ناسبها لفظ الهوى الا ان المراد الهوى المشفوع
بالاغواء وقد مر في الخواطر ما يوضح المقام وكلتها بالتخفيف من وكل الامر إلى الله يكل استسلم إليه
والمقص كما أشرنا سابقا الاعتصام بحول الله تعالى وقوته وفى الأداء بصيغ التكلم في المقامات الثلاثة
إشارة إلى أن الروح الانساني من عالم أمر الرب ومن معدن السطوة والقدرة استدلته مجالسة
79

الديدان والتلويث بالتربان والا فان اجتمع في نفسه وتوحد في قواه وتفرد في عزايمه المتشتتة
بحيث كان همه واحدا واوراده وردا واحدا وكان في خدمة الله سرمدا نفذت همته كما قال (ع)
يد الله مع الجماعة وقدرته نافذة وقال علي (ع) دواؤك فيك وما تبصر
وداؤك منك وما تشعر وفى الحديث القدسي يا بن ادم خلقتك للبقاء وانا حي
لا أموت أطعني فيما امرتك وانته عما نهيتك أجعلك مثلي حيا لا تموت وورد
عن النبي الختمي صلى الله عليه وآله في صفة أهل الجنة انه يأتي إليهم الملك فإذا دخل عليهم ناو لهم كتابا من
عند الله بعد ان يسلم عليهم من الله فاذن في الكتاب من الحي القيوم الذي لا يموت
إلى الحي القيوم الذي لا يموت إما بعد فانى أقول للشئ كن فيكون وقد جعلتك اليوم
تقول للشئ كن فيكون والمراد من المثلية المثالية والتخلق باخلاق الله ليس كمثله شئ وله المثل
الاعلى وقوله (ع) من الحي القيوم هذا على دأب العرب في مكاتباتهم فيكتبون في أول المراسلة من
محمد بن علي إلى علي بن أحمد مثلا ثم المراد من الثاني الحي بحيوة الأول والقيوم بقيوميته لا الذي يكون
شيئا بحيال نفسه إذ لا تشريك في أمر الله الواحد القهار قوله تعالى تقول للشيئ كن فيكون بل قبل موتك
الطبيعي لو بدل وجودك الكوني إلى وجودك الامرى وخرجت من ذل كن بان تترقى من مقام يكون
إلى نفس كن لأعطيت التصرف ولحصل لك مقام كن فان العارف أصناف فمن عارف عالم
بالحقايق فحسب ومن عارف متصرف في المواد خاصة مظهر للقدرة وليس له العلم التفصيلي بالحقايق
ومن عارف ذي الرياستين عالم متصرف معاله السيدودة العظمى لكن الكل بإذن الله ليس
له من الامر شئ فاجعل اللهم صباحي هذا نازلا على بضياء الهدى والسلامة في
الدين والدنيا هذا بدل من صباحي والباء في ضياء للمصاحبة واصل الدين الجزاء كما يق كما تدين
تدان وقول الشاعر ولما أصبح الشر فامسى وهو عريان * ولم يبق سوى العدوان دناهم كما دانوا
ثم يعبر به عن الايمان والطاعة المستحق بهما الجزاء كما قال سبحانه في دين الملك أي في طاعته والدنيا
مؤنث أدنى من الدنو أو الدناءة أي الدار التي لها زيادة قرب إلينا بالنسبة إلى الآخرة من
حيث انا دنيويون وحسيون وطبيعيون ومن هنا فالعلم عبادي الوجود علم ما بعد الطبيعة أو لها
دناءة بالنسبة إلى الآخرة ثم قد يراد به الحياة الطبيعية وهو المراد ههنا وقد يراد به حدود الأشياء
80

وآنياتها وبهذا المعنى الدنيا ملعونة مطرودة وبهذا المعنى قال تعالى من يرد حرث الدنيا نؤته
منها والا فنجد كثيرا من طلاب الدنيا محرومين منها ان أريد بالدنيا المال والجاه وقريب
من هذا ان يراد منه الجزئيات الداثرة الزايلة التي لا بقاء ولا وفاء لها ثم إن أولنا الصباح إلى
صبح الأزل الذي أشرنا سابقا إليه فالمراد بالهذية كمال القرب يرونه بعيدا ونراه قريبا
وبالضياء نور الحضرة الواحدية وضياء الهوية الأحدية وبالهدى الايصال إلى المطلوب
لا الارائة وبالدين بجزئه الايماني الايمان العياني والشهود العرفاني كايمان الفراش بالسراج وايمان
الحديدة المحماة بالنار لا الايمان البرهاني فضلا عن التقليدي أو الاعتقادي الاجمالي وبجزئه
العملي العبودية التي هي جوهرة كنهها الربوبية وبالدنيا السفر من الحق إلى الخلق أو الأعيان
الثابتة اللازمة للأسماء من حيث هي صور علمية للمعلومات الناسوتية ومسائي جنة
من كيد العدى ووقاية من مرديات الهوى تعقيب مسائي لصباحي من صنعة مراعاة
النظير والجنة الترس والكيد المكر والعدي جمع العدو والوقاية الصيانة وقد يطلق على ما به
يصان وهو المراد ههنا والمردى المهلك وفيه إشارة إلى بعض حكم ظلم الليالي إذ باتيان الليل
يحصل كثيرا ما المناص والخلاص من الأعداء ويحصل الوقاية من الأهواء المهلكات لارتفاع معظم
الشواغل والموانع وتأتي الخلوة مع الحبيب والنجوى معه بقلب كئيب ومهلكات الهوى كثيرة مشروحة
في علم تهذيب الأخلاق وأمهاتها الأطراف الستة للرؤساء الثلاثة التي هي العفة والشجاعة والحكمة
ومجموعها العدالة وتلك الأطراف الشره والخمود والجبن والتهور والجربزة والبلاهة وفى الحديث
ثلث منجيات وثلث مهلكات فالمنجيات العدل في الرضاء والغضب والقصد في الغنى
والفقر وخشية الله في السر والعلانية والمهلكات شح مطاع وهوى متبع واعجاب
المرء بنفسه ومقابلة الشح والاعجاب للهوى لشدة الاعتناء بهما والا فهما من جنود الهوى والهوى
هو المسخر للنفوس وهو الاله المتخذ وابغض اله عبد في الأرض وإذا أولنا الصباح فلنؤل المساء بغروب
أنوار الوجود تحت سطوع نور الاحد اخر يوم الجمع حين ظهور جمع الجمع واجتنان الجنان تحت جنة
جنة الصفات وتحصينه بحصن قاهرية نور الذات عن كيد ظلمة الكثرات والاهواء المرديات
فإنه إذا ظهرت الحقيقة بطلت رسوم الخليقة ويناسب التأويلين لفظ الملك فيما بعد انك قادر
81

على ما تشاء ان في موضع التعليل لما قبل والقدرة عند المتكلمين صحة صدور الفعل والترك
وعند الحكماء هذا التعريف مخصوص بقدرة الحيوان لان الصحة امكان والامكان ذاتيا كان أو
وقوعيا لا يليق بجناب واجب الوجود بالذات الذي هو واجب الوجود من جميع الجهات فالتعريف
الشامل عندهم كون الفاعل بحيث ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل وصدق الشرطية لا ينافى وجوب
المقدم ولا امتناعه فإنها تتألف من صادقين ومن كاذبين ومن صادق وكاذب فالمعتبر في القدرة
مقارنة الفعل للعلم والمشية ولا يعتبر حدوث الفعل فيها ولا ينافى دوامه معها وقدم العالم باطل
وحدوثه واقع بدليل اخر لا ان القدرة استدعت ذلك فان الأنوار القاهرة صادرة عن نور
الأنوار بهر برهانه بالقدرة والاختيار مع ديمومتها بدوام الله تعالى وما يسنده بعض المجترئين ممن يقول
بالتخمين إلى الفلاسفة من القول بالايجاب ان هو الا فرية بلا مرية حاشاهم عن ذلك بل هو تعالى
قدرة كله اختيار كله لا كل له بعض بل بمعنى ان ذاته بذاته بلا حيثية تقييدية أو تعليلية مصداق لحمل
قادر ومختار كما في ساير الصفات الحقيقية المحضة والحقيقية ذوات الإضافة فله عندهم قدرة قديمة
بل واجبة الوجود بذاتها لأنها عين الذات المتعالية فالقدرة فينا كيفية نفسانية وفى العقول
جواهر مفارقة عن المادة رأسا لأنها وان لم تكن عين مهيتها لكنها عين وجودها تدوم بدوام وجودها
إذ لا حالة منتظرة ولا كمال مترقب لها فإنها إذا جعلها الجاعل قادرة لا انه جعل وجودها ثم
جعلها قادرة نعم كمالاتها كوجودها زايدة على مهيتها المختفية تحت سطوع نور المبدء الواجب الوجود
لم تتمكن من بروز ظلمة العدم وغسق تخلية الكمال واستواء الطرفين في وعاء من أوعية الواقع كما
في الأجسام والجسمانيات وفى الواجب بالذات واجبة بالذات وفوق الجوهرية فضلا عن العرضية
وعين ذاته بقول مطلق إذ لا مهية له وراء الآنية حتى يمكن ان يق قدرته عين شيئية وجوده لا عين
مهيته ولو تفوه بعض من الفلاسفة بالموجبية أراد انه تعالى موجب على صيغة الفاعل بمعنى انه يسد
جميع انحاء عدم المعلول ويوجبه فيوجده إذ الشئ ما لم يجب لم يوجد بل كل ممكن محفوف بالضرورتين
فحرف إلى الموجب على صيغة المفعول وكيف يكون الانسان حكيما ويتفوه بأمثال ذلك فتبا لحكمته
وتعسا لفلسفته اللهم الا ان يكون دهريا أو طباعيا خذله الله تعالى تؤتى الملك من تشاء
وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء الملك بضم الميم
82

السلطنة والتصرف بالامر والنهى في الجمهور وقد يقال يختص بسياسة الناطقين فيقال ملك
الآدميين ولا يق ملك الأشياء وهذه العمومات انما هي لأجل ان نسبة الرحمن إلى الكل على
السواء وان هذه الأفعال من حيث إنها أفعاله وصادرة من قلمه الاعلى ومكتوبة بيده المباركة
في ألواح المهيات والمواد والأعيان الثابتات التي هي صور أسمائه الحسنى كلها خيرات كما أشار
إليه باختتامها بقوله تعالى بيدك الخير ومن هنا قال أهل الكشف والعرفان ان القرب الذي حصل
ليونس على نبينا وعليه السلام في بطن الحوت لم يحصل له قبل ذلك ولا بعده مثله حتى جعلوا التقام
الحوت معراجا له (ع) ونقلوا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا تفضلوني على يونس بن متى فان معراجي
إلى السماء ومعراجه إلى الماء وقد قالوا الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلايق ويرشدك إلى
هذا ان كل صنعة وحرفة قد ورد من أئمة الدين فيها مدح فإيتاء الملك ونزعه مثلا بالإضافة إلينا بما
نحن بشر أحد هما مفضل والاخر مفضل عليه واما هما من الجهة المقدسة التي أشرنا إليها فلا ما ترى
في خلق الرحمن من تفاوت وفى الحديث القدسي وان من عبادي من لا يصلحه الا الغنى
لو صرفته إلى غير ذلك لهلك وان من عبادي من لا يصلحه الا الفقر لو صرفته إلى غير
ذلك لهلك وفى الآثار ان جابر بن عبد الله الأنصاري الذي من أكابر الصحابة عاده في مرضه
يوما محمد بن علي الباقر (ع) فسئله عن جاله فقال جابر أعيش والشيب أحب إلى من الشباب والمرض من
الصحة والموت من الحياة فقال الباقر (ع) إما انا فان شيبني الله تعالى فالشيب أحب إلى وان
شببني فالشباب أحب إلي وان أمرضني فالمرض أحب وان صححني فالصحة وان أماتني
فالموت وان احياني فالحياة فقبل الجابر وجهه (ع) وقال صدق رسول الله صلى الله عليه وآله حيث اخبرني
بأنك تلاقى من أولادي من يبقر العلم بقرا كما يبقر الثور الأرض ولهذا يسمى باقر علوم الأولين
والآخرين فجابر (رض) كان في مقام الصبر وهو (ع) اخبره عن مقام الرضا وجه اخر ان يراد تؤتى
الملك من تشاء على ما يشاء المؤتى له وهكذا وذلك بمقتضى عدله فإنه تعالى يعطى كلا ما يليق به وبحسب
قابليته فمن رجل أعطاه من المال سعة وإن كانت بالتشويق مشفعة ومن رجل أعطاه سعادة الفقر
والضعة ولكن مقرونة بالطمأنينة والدعة ومن رجل أعطاه الملك والسلطان ومن رجل خلعه
بتشريف العلم والعرفان وما يطلب من الحديد لا يتأتى من الذهب وما يتمشى من عود الطيب لا يستتم
83

من عود الخشب وبالعكس في المقامين والتقويم في الألف مطلوب والتعويج في الدال مرغوب
ابروى تو كر راست بدى كج بودى كل ذلك على طبق استدعاء لسان قابلية مهيته وسؤال
عينه الثابت الكائن في شيئيته وهو تعالى يوضع كل وجود موضعه ويعطى كل ذي حق حقه والحاصل
ان للمهيات أكوانا سابقة وبرزات في نشأت علمية كما مر وهي مواطن بروز ذاتياتها وقابلياتها
وبها تستقيم اسؤلة؟؟ السنة حالاتها وهي المسماة عند الحكماء بالأذهان العالية وذلك البروز
كظهور مصنوعات الصناع المبتكرين والمهندسين بمهياتها قبل وجوداتها في أذهانهم وأيضا كاسئولة
المواد باستعداداتها في هذا العالم مقبولاتها وتعيين كل منها صورتها إذ الصورة في تعينها وتشكلها
محتاجة إلى المادة لئلا يلزم التخصيص بلا مخصص على الفاعل الحكيم المتساوي النسبة إلى الكل
فمادة الحنظل يطلب نفسها المرارة ومادة قصب السكر يرغب ويحب ذاتها الحلاوة وقس
عليه فلا غرو ان يقرع سمعك ان مهية الشيطان في علم الأزل استدعت الشقاوة ومهية
الملك هناك استدعت السعادة وهكذا المهيات الأخر والمهيات غير مجعولة بالجعل
التركيبي بل ولا بالجعل البسيط الا بالعرض كما حقق في موضعه فالجاعل ما جعل الشيطان شيطانا
لاستلزامه سلب الشئ عن نفسه بل جعله موجودا ولهذا ورد في الآثار السعيد سعيد في الأزل والشقي
شقى لم يزل وأيضا السعيد سعيد في بطن امه والشقي شقى في بطن امه إذا جعل
بطن الام أم الكتاب وام الأقلام ونحو هما وإذا جعل البطن الكمون في استعداد المواد كان
كما في باب التنظير بالمواد الذي ذكرنا في تعيين الصورة وإذا جعل الحياة العنصرية الدنيوية
باعتبار تخمير الطينة أي الملكات العلمية والعملية لان طينتنا وان خمرت وفرغ عنه بالنسبة
إلى الله تعالى كما ورد جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيمة لكن بالنسبة إلينا ونحن زمانيون تخمر شيئا
فشيئا وآنا فآنا من عليين الذي هو الملكات الحميدة أو من سجين الذي هو الملكات الرذيلة كما سئل
عنه (ع) أنحن في أمر فرغ أم في أمر مستأنف فقال في أمر فرغ وفى أمر مستأنف فالموضوعان السعيد
والشقي الأخرويان كما قال تعالى يوم يأتي لا تكلم نفس الا باذنه فمنهم شقى وسعيد ان قلت
هذا فيما سوى هذا الوجه ينافى قوله (ع) كل مولود يولد على فطرة الاسلام الا ان أبواه يهودانه
وينصرانه ويمجسانه قلت كل مولود يولد على الفطرة روحا وصورة بالجهة النورانية والسعيد
84

سعيد في بطن امه وكذا الشقى جسدا ومادة وإذا جعلنا بطن الام النشأة العلمية فكل مولود يولد على
الفطرة وجودا والسعيد سعيد مهية ومفهوما وكذا الشقى شقى مهية ومفهوما كل منهما بالحمل الأولى ليس فاقدا
لنفسه وليس مفهوم أحدهما هو المفهوم من الأخر فان المفاهيم في أية نشأة كانت فطرتها وذاتيها الاختلاف
والوجود أية مرتبة منه ذاته وجبلته الوحدة والاتفاق ما به الامتياز فيه عين ما به الاشتراك به استمساك
المهيات التي هي مثار الكثرة والمخالفة فهو جهة ارتباطها ونظمها وبه لا انفصام لها وبالجملة قد ظهر لك
ان اختلاف الوجودات مرتبة في العين واختلاف قبول المهيات لمراتب الوجود المقول بالتشكيك
فيه على طبق اختلاف المهيات بحسب المفهوم في العلم وهذا معنى اختلاف الطينة في الأزل كما هو من الأئمة (ع)
مأثور وفي المثنوي المعنوي للمولوي مسطور وهو مقتضى العدل ويمكن التوفيق بين هذا القول التحقيقي البرهاني
والذوقي الوجداني وبين القول بالتسوية في الطينة باعتبار الوجود والمهية ولا سيما في مقام الجمع
ولصدر المتألهين محمد بن إبراهيم الشيرازي قدس الله روحه كلمات أنيقة وفقا لمذاق العرفاء الشامخين
في بيان العدل وبيان الأكوان السابقة للمهيات واختلافها في القابليات لا بأس بذكرها تبيينا للمرام
وإن كان دأبنا في هذا الشرح على الاختصار فقال (س) في مفاتيح الغيب ان الله عز وجل لا يولى أحدا
الا ما تولاه طبعا وإرادة وهذا عدل منه ورحمة وقد ورد ان الله تعالى خلق كلهم في ظلمة ثم قال ليختر كل منكم
لنفسه صورة اخلقه عليها وهو قوله خلقنا كم ثم صورناكم فمنهم من قال رب أخلقني خلقا قبيحا ابعد
ما يكون في التناسب واوغله في التنافر حتى لا يكون مثلي في القبح والبعد عن الاعتدال أحد ومنهم من
قال خلاف ذلك وكل منهما أحب لنفسه التفرد فان حب الفردانية فطرة الله السارية في كل
الأمم التي تقوم بها وجود كل شئ فخلق الله كلا على ما اختاره لنفسه فتحت كل منكر معروف وقبل كل
لعنة رحمة وهي الرحمة التي وسعت كل شئ فان الله يولى كلاما؟؟ تولى وهو قوله تعالى ومن يشاقق الرسول
من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت مصيرا فان شك
في ذلك شاك فليتل قوله تعالى انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين
ان يحملنها الآية ليعلم ان الله تعالى لا يحمل أحدا شيئا قهرا وقسرا بل يعرضه أولا فان تولاه ولاه
والا فلا وهذا من رحمة الله وعدله لا يق ليس تولى الشئ ما تولاه عدلا حيث لا يكون ذلك
التولي عن رشد وبصيرة فان السفيه قد يختار لنفسه ما هو شر بالنسبة إليه وضر لجهله وسفاهته
85

فالعدل والشفقة عليه منعه إياه لأنا نقول هذا التولي والتوجيه الذي كلامنا فيه أمر ذاتي لا يحكم عليه
بالخير والشر بل هو قبلهما لان ما يختاره السفيه انما يعد شرا بالقياس إليه لأنه مناف لذاته
بعد وجوده فلذاته اقتضاء أول متعلق بنقيض هذه السفاهة فذلك هو الذي أوجب ان
يسمى ذلك شرا بالقياس إليه واما الاقتضاء الأول الذي كلامنا فيه فلا يمكن وصفه بالشر لأنه
لم يكن قبله اقتضاء يكون هذا بخلافه فيوصف بأنه شر بل هو الاقتضاء الذي جعل الخير خيرا لان
الخير لشئ ليس الا ما يقتضيه ذاته والتولي الذي كلامنا فيه هو الاستدعاء الذاتي الأزلي والسؤال
الوجودي الفطري الذي يسئله الذات المطيعة السامعة لقول كن وقوله كن ليس أمر قسر وقهر
لان الله عز وجل غنى عن العالمين فكأنه قال لربه أئذن لي ان ادخل في عدلك وهو الوجود
فقال الله تعالى كن فان قيل أين للمعدوم لسان يسئل به فالجواب ان لكل موجود قبل وجوده
الظهوري أطوار من الكون وللأشياء مواطن ومكامن أشار صلى الله عليه وآله إلى بعضها بقوله ان الله
خلق الخلق في ظلمة ولعلها المشار إليها بالنون والنون الدواه والدواة مجمع سواد المداد
والله أعلم باسراره نعم ذلك الخلق وهو المعبر عنه بالشيئية دون الوجود ليس عن سؤال
منهم ولا بأمر يلقيه إليهم وهو بحسب صفاته وأسمائه مشئ الأشياء كما هو بحسب فعله ووجوده
موجد الموجودات ومظهر الهويات فشيئية الأشياء برحمة الصفة لا برحمة الفعل وصفات
الله لا يعلل هذا كلامه رفع مقامه بأدنى اختصار انك ان تحاشيت بعد عن قوله (س)
فمنهم من قال رب أخلقني خلقا قبيحا اه مع أنه سد ثغوره بال‍ سؤال والجواب يقوله لا يق
ليس تولى الشئ اه فتذكر التنضير السابق بالمواد المختلفة في هذا العالم فمادة الناس
تقول رب أخلقني خلقا حسنا على أحسن تقويم ومادة النسناس تقول رب أخلقني خلقا قبيحا ولو
طلب مادة الناس صورة النسناس أو بالانعكاس لانتفى أحد النوعين عن ملك الله ومن تمامية
العالم وجود الأنواع الناقصة أيضا فيه كمال قال العرفاء الشامخون ان قلت لا قبيح؟؟ ولا ناقص كما قلت إن التعويج
في الدال مرغوب قلت إن كنت في ذلك المقام حالا ومقاما فلا كلام ولا سؤال بلم فلا اعتراض
بأنه لم كان الورد ذا شوكة دون شوكة وإذا ترى وردا وشوكا وتلوك بين لحييك طلب اللم لوكا
فما ذكر هو جوابك فاقبل ولا تبد غباوة ونوكا مع أن كون كل مهية صادقة على نفسها حملا أوليا
86

لا يستلزم ان تحمل عليها حملا شايعا بيدك الخير الخير ما يتشوقه كل شئ ويتم به قسطه من
الكمال سواء كان كماله الأول أو كماله الثاني وبعبارة أخرى بحسب ضرورياته وفرايضه أو بحسب
متمماته ونوافله كما أن الشر فقد ذات الشئ أو فقد كماله فالخير هو الوجود والوجود هو الخير والشر هو
العدم والعدم هو الشر فلا تتوهمن ان مفهوم قوله بيدك الخير ان الشر بيد مبدء اخر شرير كما يقول الثنوى
ان خيرات العالم مبدئها يزدان ولا يليق بوجوده الخير الا الخير والشرور مبدئها أهر من الشرير وفى دعاء
الافتتاح الخير بيديك والشر ليس إليك وذلك لأنا نقول في دفع توهمك ان الشر لما كان
عدم ذات أو عدم كمال ذات لم يفتقر إلى مبدء موجود ولما تقرر عند محققي أرباب العلوم الحقيقية ان
المجعول والفايض بالذات عن الجاعل الحق تعالى هو الوجود ومطلق الوجود كان خيرا تحقق ان مطلق الخير
بيده الخيرة وان الوجود بقول مطلق فيضه وسيبه ولكون حقيقة الوجود نورا وفعلية وخيرا كان لها السخية
مع حقيقة الوجوب الخير السلام بل حيثية الوجود كاشفة عن حيثية الوجوب فصلحت للصدور عن المبدء
الواجب الوجود الواحد الاحد أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار والمهية حيث إنها
لا خير ولا شر ليست مجعولة الا بالعرض وبذاتها لا مجعولة ولا لا مجعولة هذا مع أنه اردف بقوله تعالى بلا فصل
انك على كل شئ قدير فلا مجال لذلك التوهم ثم الخير إما نفسي واما اضافي والإضافي إما طولى
واما عرضي والكل بيد الله المباركة إما النفسي فهو ان كل موجود بما هو موجود فهو في نفسه خير ووجود لمهيته
خير ملايم مع قطع النظر عن مقايسته إلى الأغيار حيث إن ذلك الوجود طرد العدم عن تلك المهية
وهو اللايق بها المترقب عنها لا غيره واما الإضافي الطولى فهو عند مقايسته إلى علته وان كل معلول ملايم
لعلته حتى ينتهى إلى القلم الاعلى لخالق اللوح والقلم المصور كل مهية ومادة بما يليق بهما ولا شك انه
بهذا النظر خير أي شئ كان وكيفما كان لا جور في مشيته ولا حيف في قلمه ن والقلم وما يسطرون
كتاب أحكمت آياته ثم فصلت بنزد انكه جانش در تجلى است * همه عالم كتاب حق تعالى است
والعوالم مظاهر أسمائه الحسنى ومجالى صفاته العليا واما الإضافي العرضي فهو عند مقايسته إلى ما في
عرضه من المعاليل الأخرى المكافئة له من الأمور المنتفعة به وهي أكثر بكثير من الأشياء المستنصرة به
وما في الدعاء ان الشر ليس إليك انما هو لكون الشر عدما فليؤخذ الفقرة سالبة بسيطة لا موجبة سالبة
المحمول وقولنا الخير هو الوجود والوجود هو الخير وكذا في جانب الشر ليس من باب انعكاس الموجبة الكلية
87

كنفسها بل كل منهما حق محقق على حدة لا بالبرهان بل بالبداهة فان الحق عند المحققين ان مسألة الوجود
خير بديهية وما ذكروا من الأمثلة منبه عليها وكذا عكسها ومسألة مقابله ومع ذلك قد برهن على أن
الشر لا ذات له بالحقيقة بل إما عدم ذات أو عدم كمال ذات وان الوجود خير والبرهان مذكور في شرح
حكمة الاشراق للعلامة الشيرازي وفى الاسفار الأربعة لصدر المتألهين س وهو انه لو كان وجوديا
لكان إما شرا لنفسه أو شرا لغيره لا جايز ان يكون شرا لنفسه والا لم يوجد لان وجود الشئ لا يقتضى عدم
نفسه أو كماله ولو اقتضى الشئ عدم بعض ما له من الكمالات لكان الشر هو ذلك العدم لا هو نفسه ثم
كيف يكون الشئ مقتضيا لعدم كمالاته مع كون جميع الموجودات طالبة لكمالاتها كما اقتضته العناية الإلهية
ولا جايز أيضا ان يكون شرا لغيره لان كونه شرا لغيره إما ان يكون لأنه يعدم ذلك الغير أو يعدم بعض
كمالاته أو لأنه لا يعدم شيئا فعلى الأولين الشر الا عدم ذلك الشئ أو عدم كماله لا نفس الامر الوجودي
المعدوم وعلى الأخير لم يكن شرا لما فرض انه شر له فان العلم الضروري حاصل بان كلما لا يوجب عدم شئ
أو عدم كمال له فإنه لا يكون شرا لذلك الشئ لعدم تضرره به وإذا لم يكن الشر الذي فرضناه أمرا وجوديا
شرا لنفسه ولا شرا لغيره لم يكن شرا وما يلزم من فرض وجوده رفعه فليس بموجود واما المنبه فمثل انا نرى
الناس يستعملون لفظ الشر في موضعين أحد هما مثل العمى والفقر والجهل البسيط والموت ونحوها
ومعلوم انها من الاعدام وثانيهما مثل البرد المفسد للثمار والقتل والسرقة والجهل المركب ونحوها وإذا
فحصنا وبحثنا عما دخل في مفهوم الشر هنا بالذات وعما نسب إليه بالعرض ظهر انه لم يبق للشر هنا
أيضا الا العدم فان البرد مثلا ليس من حيث إنه كيفية ملموسة وجوديه معطية للقوام والمتانة
ومحقنة للحرارة الغريزية وغير ذلك من الخيرات شرا انما الشر فقدان الثمار مثلا حالتها اللايقة
بها والفقد عدم وقس عليه نظايره وقد جرت عادة القوم بتخميس القسمة للخير والشر وبه دفع المعلم
الأول شبهة الثنوية وتفاخر به وهو ان الشئ بحسب احتمال العقل خير محض وشر محض وما خيره غالب
على شره وما شره غالب على خيره وما يتساوى طرفاه وظاهر ان الشر المحض ليس بموجود واما ما
يتساوى خيره وشره فلو كان موجودا عن الحكيم لزم الترجيح بلا مرجح وكذا ما شره غالب لو كان موجودا
عنه لزم ترجيح المرجوح فبقى ان ما وجد عنه إما الخير المحض واما الخير الغالب إما الأول فكالعقول
الكلية إذ لا حالة منتظرة لها ويتلوها النفوس السماوية لأنها وإن كانت أولات حالات منتظرة
88

الا انها مستكفية بذواتها ومقوم ذواتها غير ممنوعة عن كمالاتها ومثلها العقول بالفعل الحاصلة
في سلسلة الصعود كعقول الأنبياء والأولياء وبالجملة عقول الكمل من الانسان من حيث إنها عقول
كاملة من هذا القسم بل الأجسام السماوية من هذا القسم لعدم التضاد والتفاسد فيها وعدم جواز
القسر عليها فلا شرية فيها بمعنى فقد الذات أو فقد كمال الذات وان اطلق الشرية عليها أو على غيرها
فليس بالمعنى المتعارف وهو الذي ذكرنا بل بمعنى النقص والقصور الذاتيين لكل وجود معلول
بالنسبة إلى علته واما الثاني فكالموجودات الكائنة التي يعرض لها في عالم التضاد والتزاحم ودار القسر
فساد أو منع عن بلوغ الكمال فهذا أيضا ينبغي وجوده من ذلك المبدء الذي هو فاعل الخيرات لان
ترك ايجاده لأجل شره القليل ترك لخير كثير وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير فالنار مثلا كمالها
الاحراق وفيها منافع جمة فان الأنواع الكثيرة لا يمكن وجودها حدوثا وبقاء بدونها وكمالاتها الأولوية
والثانوية منوطة بها وقد يتفق انها تحرق ثوب سعيد فالعناية الإلهية لا يمكن ان يترك تلك
الخيرات الكثيرة لأجل ذلك الشر القليل مع أنه لو قيس مقدار استضرار ذلك السعيد بالنار
إلى مقدار انتفاعه طول عمره بها لم يكن بينهما نسبة يعتد بها فكيف إذا قيس إلى جميع المنتفعين
بها ثم إن هذا الشر القليل مجعول بالعرض ومعنى قولهم إن الشر مجعول أو مقضى ومقدر بالعرض شيئان
أحد هما ان الشر عدم فلا جعل يتعلق به بالذات كما أن اعدام الملكات مجعولة بالعرض لملكاتها والإنتزاعيات
جعلها بمعنى جعل منشأ انتزاعها إذ ليس لانفسها ما يحاذيها حتى يستدعى جعلا بالذات وثانيهما ان
النار التي هي موجود من الموجودات ويق انها شر فهى مجعولة بالعرض بما هي شر وشرير فان الجاعل
جعلها بما هي خير ولأجل الانتفاع بها لا لأجل ان يحرق ثوب السعيد مثلا لكن كونها بحيث إذا
ماست بدن حيوان تؤذيه لازم لوجودها ولكونها بحيث يترتب عليها كمالاتها وخيراتها اللايقة
بها واللازم مستند إلى نفس الملزوم بالذات والى جاعل الملزوم بالعرض وإرادة الجاعل تعلقت
بنفس الملزوم بالذات وهي بعينها تعلقت بشرورها اللازمة له بالعرض والمعنى الأول يناسب مذاق
أفلاطون في دفع الشبهة والثاني مذاق أرسطو ثم إن المذكور من التقسيم الغير المخصص بالخير والشر الإضافيين
هو المش في كتب القوم والسيد المحقق الداماد خصصه بالإضافيين فقال في القبسات فاذن قد استتب
ان الشر في مهية عدم وجود أو عدم كمال بالموجود من حيث إن ذلك العدم غير لايق به في نفس الامر
89

أو غير مؤثر عنده وان الموجودات ليست من حيث هي موجودات ولا من حيث هي اجزاء نظام
الوجود بشرور أصلا انما يصح ان يدخل في الشرية بالعرض إذا قيست إلى خصوصيات الأشياء
العادمة لكمالاتها من حيث هي مؤدية إلى تلك الاعدام فاذن انما شرور العالم أمور اضافية
مقيسة إلى آحاد اشخاص معينة بحسب لحاظ خصوصياتها مفصولة عن النظام الوحداني المتسق الملتئم من
الأشياء جميعها واما في حد أنفسها وبالقياس إلى الكل فلا شر أصلا فلو ان أحدا أحاط بجملة نظام
الوجود ولاحظ جميع الأسباب المتأدية إلى المسببات على الترتيب النازل من مبدء الكل طولا
وعرضا رأى كل شئ على الوجه الذي ينبغي للوجود والكمال الذي يبتغيه النظام فلم ير في الوجود شرا على
الحقيقة بوجه من الوجوه أصلا فليعلم وميض فإذا اعتبرت الشرية الإضافية بالعرض بحسب القياس
إلى شخصيات الآحاد بخصوصياتها فاعلمن ان الأشياء بحسب اعتبار وجود الشر بالعرض وعدمه ينقسم بالقسمة
العقلية إلى أمور تبرء وجودها من كل جهة عن استيجاب الشر والخلل والفساد مطلقا وأمور لا يتعرى
وجودها عن ذلك رأسا ولا يمكن ان توجد تامة الكمال المبتغى منها الا ويلزمها ان يكون في الوجود بحيث
يعرض منها شر ما بالقياس إلى بعض الأشياء عند ازدحامات الحركات ومصادمات المتحركات
ومصاكاتها وأمور شرية على الاطلاق يكون شريتها بالعرض في الوجود بالقياس إلى كل شئ يستضر
بوجودها أي شئ كان ولا ينتفع به شئ من الأشياء أصلا وانما خيريتها بحسب وجودها في أنفسها لا بالإضافة
إلى شئ مما في نظام الكل غيرها ثم بعد ما قسم القسم الثاني إلى ما يغلب فيه الشرية الإضافية وما يتساوى
وما يقل ويندر وفرع ان الأول موجود كالعقول حيث لا يزاحم موجودا ما من الموجودات ولا يستضر
بوجودها شئ من الأشياء أصلا وكذا ما يغلب خيريته على شريته كالنار وأمثالها واما الثلاثة الباقية
فهى جميعا من أقسام الشرور يمتنع صدورها عن الخير بالذات الفياض بالعناية الفعال بالحكمة التامة
قال فاذن قد تلخص ان الشر الحقيقي بالذات هو عدم الكمال المبتغى ولا يصح استناده الا إلى عدم
العلة لا غير وهذا أصل به أبطل أفلاطون الإلهي شبهة الثنوية وان الشر بالعرض مضافا إلى بعض ما في
نظام الوجود هو الوجود المستلزم لانسلاخ موجود ما عن كماله بالفعل شريته الطفيفة الاتفاقية بالإضافة
إلى اشخاص جزئية في أويقات يسيرة من لوازم خيريته العظيمة الثابتة المستمرة بالقياس إلى نظام
الكل وبالإضافة إلى أكثر ما في النظام على الاتصال والاطراد وهذا أصل عليه فرع أرسطا طاليس المعلم
90

دخول الشرور في القضاء الأول الإلهي بالعرض انتهى انك على كل شئ قدير كما دل قوله انك قادر
على ما تشاء على أصل القدرة دل هذا على عموم القدرة فان متعلق القدرة في الأول ما شاء الله وفى
الثاني كل شئ ما شاء الله وما شاء غيره والمخالف في عموم القدرة من ملل غير الاسلام الثنوية
القائلون بمبدأين للخير والشر هما يزدان واهر من والمانوية والديصانية القائلون بالنور والظلمة
الأول للخيرات والثاني للشرور في مرتبتهم ضمير أكلمن يقول من الاسلاميين بمبدأين مستقلين
وان لم يسمهما بهذه الأسماء ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله القدرية مجوس هذه الأمة والنصارى
القائلون بالتثليث والأقانيم الثلاثة والحرنانيون وهم طايفة من اقدمي المتفلسفة القائلون بالتخميس
والقدماء الخمسة اثنان حيان فاعلان هما الباري والنفس واثنان ليسا حيين فاعلين ولا منفعلين
هما الدهر والخلاء وواحد ليس حيا فاعلا ولكنه منفعل هو الهيولي ولعل مرادهم بالدهر الزمان وبالخلاء
المكان والتعبير عن المكان وهو البعد المفطور بالخلاء في ألسنتهم كثير والمخالف فيه من فرق المسلمين
المعتزلة القائلون بالتفويض فقالوا ان الله تعالى أوجد العباد وأقدرهم على أفعالهم وفوض إليهم الاختيار
فهم مستقلون بايجاد تلك الأفعال على وفق مشيتهم وطبق قدرتهم والنظام يقول إنه تعالى لا يقدر على
القبيح والبلخي يقول إنه تعالى لا يقدر على مثل فعل العبد لان مقدور العبد إما طاعة أو سفه أو عبث
وذلك على الله محال وأبو على الجبائي وأبو هاشم يقولان انه تعالى قادر على مثل مقدور العبد وليس بقادر
على نفس مقدور العبد وهؤلاء المسلمون ينادون من مكان بعيد فضلا عن أولئك المشركين والتحقيق
في المقام مذهب الراسخين في العلم والعرفان وهو الامر بين الامرين من الجبر والتفويض المأثور من أئمتنا
المعصومين سلام الله عليهم وهو ان يعلم توحيد الافعال من توحيد الذات لا كالأشعري الذي
لم يتخط إلى مقام توحيد الذات ويدعى التصلب في مقام توحيد الافعال ويثبت للعباد القدرة الكاسبة
ولله تعالى القدرة المؤثرة فليعرف انه كما لا وجود ولا حقيقة ولا هوية ولا ظهور الا وقيوم الوجودات
ومقومها وحقيقة كل حقيقة وهوية كل هو ونور كل نور الواسع كرسي اشراقه سماوات الأرواح
وأراضي الأشباح محيط بها وهي منه وبه واليه لا كإحاطة شئ بشئ بل كإحاطة شئ بفيئ
وهو الأصل المحفوظ لكل وجود حقيقي والسنخ الباقي لها كما أن النفس الانسانية هو الأصل المحفوظ
لجميع اللطايف السبع الانسانية لا انه مجموعها والا لزم التركيب ولا انه واحد منها وإن كان
91

عاليا والا لزم التحديد فالنفس في وحدته كل القوى وفعلها في فعله قد انطوى كك لا
شأن لشئ ولا فعل له الا ولله تعالى معه شأن وله في فعله فعل ونعم ما قيل الحمد لله الذي برهانه ان ليس
شأن ليس فيه شانه وكل المبادى حتى المقارنات كالطبايع والكيفيات الفعلية مجالي قدرته
ومنازل فاعليته ان الحكم الا لله الواحد القهار ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
جمالك في كل الحقايق ساير وليس له الا جلالك ساتر فكما ان وجود زيد مع كونه وجود
زيد نور الله باعتبار وجهه إلى الله وعلمه علم الله ومشيته مشية الله ولا يحيطون بشئ من
علمه الا بما شاء وما تشاؤن الا ان يشاء الله والتوحيد اسقاط الإضافات وإن كان له تعالى
علم ومشية وشأن ليس للشئون فيها شأن كك فعل زيد مع كونه فعله فعل الله وهذا أمر بين الامرين
بنحو البساطة بلا شايبة تركيب من الجبر والتفويض بل هو اختيار محض في عين كونه تسخيرا
صرفا فكأنه خمر ولا قدح وكأنها قدح ولا خمر وهذه المسألة شديدة الاحتياج إلى
المسألة الحقة البديهية التي مضت أعني الوجود خير بحيث يكون خيرية الوجود حالك ومقامك فيعينك
على معرفة مسئلتنا هذه ولشدة لصوقها بها اردف قوله بيدك الخير بقوله انك على كل شئ قدير
والبسط في المقام يستدعى مجالا أوسع ولعلنا بسطنا الكلام فيه في شرح الأسماء المعروفة بالجوشن
الكبير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل أي يدخل ما نقص من الليل
في النهار وما نقص من النهار في الليل حسب مصالح دبرها في ذلك وانما قدم ايلاج الليل
في النهار على عكسه لان النهار قاهر على الليل كالنور على الظلمة حيث إن النور وجود والظلمة عدم وأيضا
قد مر في أوايل الشرح ان البروج منها شمالية ومنها جنوبية ولما كان الشمس سيد الكواكب
والمعتبر من تأثيره بل تأثير الكواكب الأخرى ما في الشمال لان المعمورات فيه وكانت الحركة الخاصة
بالشمس من المغرب إلى المشرق وكذا حركة فلك الثوابت الذي يلازم الشمس في حركته منطقته
جعلوا ابتداء البروج من المغرب ومن البروج الشمالية وهو برج الحمل فعند سير الشمس من نقطة
الاعتدال الربيعي شروع في ايلاج الليل في النهار كما أنه من عند السير من نقطة الاعتدال
الخريفي شروع في العكس وانما أوتي بصيغة المضارع الدالة على الاستمرار التجددي لان
هذا أمر مستمر ثابت ابدا ولا سكون في الفلك والفلكي ومدارات حركة الشمس في الأيام
92

والليالي مختلفة ولن تجد لسنة الله تبديلا هذا هو ظاهر الكلام واما باطنه فيراد بالنهار
الوجود وبالليل المهية فيولج الليل في النهار أي يمحق ويفنى المهية في الوجود كما يفنى الظل والظلام
تحت سطوع الشمس غب الإدلهام ويولج النهار في الليل أي يتغطى بغطاء التعين ويراد أيضا
بالنهار الأنوار المدبرة المسماة عند الاشراقيين بالأنوار الاسفهبدية وبالليل المواد الظلمانية
والصياصي البدنية والايلاج نظير ما ذكر أو تنور الأجسام بالأنوار المدبرة بل صيرورتها إياها
وتعلق الأنوار المدبرة الاسفهبدية بالاجسام الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات
إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه يا أيتها
النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك وقس على إرادة الأنوار الذاتية إرادة الأنوار الصفاتية
كنور العلم والمعرفة ونور الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة ونور الولاية والنبوة والظلمات
المقابلة لها وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي هاتان الجملتان من صنعة
العكس والتبديل التي من المحسنات البديعية كسا بقيتهما واطلاقهما يشمل خروج المؤمن من
الكافر وبالعكس وخروج العالم من الجاهل وبالعكس بل خروج الحي بالذات الذي هو النفس من الحي
بالعرض الميت بالذات الذي هو البدن وبالعكس فان تنزل النفس إلى مقام البدن بوجه كتكاثف
الهواء الصافي بشدة البرد وصيرورته غيما رقيقا كالصور المثالية أو غليظا كالصور المادية وترفعه
إلى مقامها كخلافه ولكن في النفس بلا تجاف عن المقام وترزق من تشاء بغير حساب
كالملوك ولو جعلنا معنى قوله تعالى بغير حساب بغير نهاية والرزق أعم من الحسى والمعنوي
والمرتزق أعم من الملك الذي طعامه التهليل وشرابه التسبيح والانسان ثم الانسان أعم من
الطبيعي والنفساني الذي خلق للبقاء لا للفناء ومداركه المجردة تجردا عقليا أو مثاليا فمن تشاء هم
المجردون منهم سيما الملائكة المقربين والعقول القديسين سابقين أو لاحقين فان لهم شهودا بعد
شهود وعشقا غب عشق وسقيا اثر سقى كما قيل شربت الحب كأسا بعد كأس فما نفد
الشراب ولا رويت بل مواد الأفلاك المتوارد عليها وضع بعد وضع ومواد العناصر المتناوب
عليها صورة بعد صورة داخلة في المرتزقين بغير حساب بحسب التأويل لا إله إلا أنت
93

أي لا معبود الا أنت ويلزمه ان لا واجب بل لا موجود حقيقيا الا أنت بيان ذلك ان لكل موجود
حتى الأمور التي تستحفرها نصيبا من المعبودية لكونه محتاجا إليه في النظام الكلى فللمحتاج تذلل له ولذلك
كثير من الأشياء اتخذت أصناما كالشمس والقمر والنجوم والنار والماء وأمثالها حتى الكلب
والخنزير جسمانية كانت أو غيرها نحو كلب الغضب وخنزير الشهوة قال تعالى أفرأيت من اتخذ
إلهه هواه وقال ألم أعهد إليكم يا بنى ادم ان لا تعبدوا الشيطان بل بهذا الاعتبار
لا شئ الا وقد تذلل له وعبد فعند طلوع نور الحقيقة واكتحال بصيرة القلب بنور وارد منه ينكشف
ان لا معبود ولا متذلل إليه في الوجود الا هو وان جميع ما عداه من المجازات باطل مضمحل ما خلا وجهه
الكريم فان كل موجود له جهتان جهة نورانية وهي وجه الله الباقي فأينما تولوا فثم وجه
الله وجهة ظلمانية وهي حده وتعينه ومهيته وانها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء
حتى إذا جائه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفيه حسابه فالتذلل يقع له بجهته
النورانية مثلا الشمس مبدء للخيرات التي لا تعد ولا تحصى باعتبار وجوده ووجوبه ونوريته وفعاليته
ومرغوبيته لأجل هذه لا باعتبار مهيته وامكانه وظلمته الذاتية وانفعالاته المادية إذ ليس
لمهيته ومادته الا المظهرية والمجلوية وايثار كلمة أنت التي للحضور لان هنا مقامات ففي مقام
لا يرى الذاكر في نفسه ولا في غيره الا السرابية والفقر والفاقة والعبودية المحضة وان مهية العبد
وما في يدها من الوجود وكمال الوجود لمولاها وح يقول يا هو يا من هو يا من لا اله الا هو وفى مقام
يرى أن الحق حقيقة الوجود وهو الحاضر الشهيد على كل شئ وهو المحيط بكل الوجودات والمهيات
وبه خرجت المهيات عن استواء الوجود والعدم وصارت واجبة بالغير أحدية الوجه وانه
لم يكن المواد كالعناصر الا ظلمات وغواسقا وبالنور الحي العليم القدير المريد السميع البصير صارت
متنورة حية عالمة قادرة اه بحيث ان مظاهر المهيات ومجالى المواد فانية تحت قاهرية صفاته
وباهرية أسمائه بل أقهرية ذاته فناء المرأة تحت ظهور الصور المرئية فيها وح يقول لا إله إلا أنت
بل لا أنت الا أنت ومن المأثورات عن المعصوم (ع) لا ارى الا وجهك ولا اسمع
الا صوتك ومن هنا وقع الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في فاتحة الكتاب ايماء إلى أن
القارئ ينبغي ان يكون حاله هكذا ولذا كان من أسمائها سورة تعليم المسألة اعلم أنه ينبغي ان ينظر
94

الذاكر عند النفي في هذه الكلمة الطيبة أو في لا إله إلا الله إلى الأشياء أعني المهيات
بعنوان السرابية ويراها باطلة بذواتها الا كل شئ ما خلا الله باطل وفى الاثبات إلى الوجود
الحق بعنوان انه حق محيط محقق الحقايق مذوت الذوات ما خلقنا السماوات والأرض
الا بالحق وانه نور ظاهر بالذات انقهرت سطوة نوره الوجودات أشد من انقهار أنوار
الكواكب تحت سطوع نور الشمس في النهار بل لا نسبة بوجه بين القهرين ونعم ما قال صاحب سلسلة الذهب س
لا نهنكى است كاينات آشام * عرش تا فرش در كشيده بكام * هر كجا كرده آن نهنك اهنك
از من وما نه بوى مانده نه رنك * چه مركب درين فضا چه بسيط * هست حكم قنا بجمله محيط
هست پركار كاركاه قدم * كرد أعيان كشيده خط عدم * نقطه ء زين دواير پركار
نيست بيرون زدور أين پر كار * بلكه مقراض قهرمان حق است * قاطع وصل كل ما خلق است
هر كه سر ميزند زحبيب بقا * ميبرد بر قدش قباى فنا * هندوي نفس راست غل دو شاخ
تنك كرده بران جهان فراخ * كش كشانش دو شاخه در كردن * ميبرد تا بخدمت ذو المن
كرسي لا مثلثي است صغير * أندر ان مضمحل جهان كبير * عقل داند زتنكى هر كنج
كه در آن نيست ما ومن را كنج * دو نهال است رسته از يكپنج؟؟ * ميوه شأن نفس وطبع را تو بيخ؟؟
هست أين ميوه تلخ أول بار * آخر أرد حلاوت بسيار * سبحانك اللهم وبحمدك
سبحان مصدر غير متصرف لازم الإضافة أي أسبحك تسبيحا والحال ان ذلك التسبيح مقرون
بحمدك أو الحال انى مشغول بحمدك والأولى ان يكون الباء للسببية والحمد مصدرا مضافا إلى
الفاعل والمفعول محذوفا أو بالعكس أي الحال ان ذلك التسبيح بسبب حمدك نفسك أي
تسبيحي بحولك وقوتك ومقهور تحت تسبيحك لنفسك وحمدي مبهور تحت حمدك إياك أنت
كما أثنيت على نفسك ونحن لا نحصى ثناء عليك كيف وثنائنا عارية من جنابك ووديعة لدنيا
من حضرتك ولابد يوما ان يرد الودايع والتسبيح يؤل إلى الحمد والحمد يؤل إلى التسبيح
فكأنه قيل سبحانك وبتسبيحك وحمدا لك وبحمدك واليه يشير قوله تعالى وان من شئ الا يسبح بحمده
أي يسبح بتسبيحه تعالى لنفسه وهذا المعنى قصد من قال معنى قوله تعالى الحمد لله ان الحامدية والمحمودية له
بناء على استعمال المصدر في القدر المشترك بين المبنى للفاعل والمبنى للمفعول وما ذكرنا في هذا المقام
95

جار في ذكر الركوع سبحان ربى العظيم وبحمده وفى ذكر السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده
ففي الجمع بين التسبيح والتحميد بل بينه والتوحيد على ما ذكرنا في الفقرة السابقة إشارة إلى طريقة الخواص
من الموحدين من الجمع بين التنزيه والتشبيه كما في قوله تعالى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير
عرفت الله بجمعه بين الأضداد وكالجمع بين الظهور والخفاء يا من خفى من فرط ظهوره واستتر
بشعاع نوره وجمعه بين العلو والدنو يا من علاء في دنوه يا من دنى في علوه وجمعه بين البعد
والقرب يا من بعد فلا يرى وقرب فشهد النجوى وجمعه بين الدخول في الأشياء والخروج
عنها داخل في الأشياء لا بالممازجة وخارج عن الأشياء لا بالمزايلة داخل في الأشياء
لا كدخول شئ في شئ خارج عنها لا كخروج شئ عن شئ وقس عليه فإياك من برودة التشبيه
ومن حرارة التنزيه وعليك بالجمع ولكن لا بنحو التركيب والمزج ونعم ما قيل
فان قلت بالتنزيه كنت مقيدا * وان قلب بالتشبيه كنت محددا
وان قلت بالامرين كنت مسددا * وكنت إماما في المعارف سيدا
فإياك والتشبيه ان كنت ثابتا * وإياك والتنزيه ان كنت مفردا
من ذا يعرف قدرك فلا يخافك في بعض النسخ قدرتك ومن استفهامية وذا
موصولة ويحتمل ان يكون ملغاة بتقديرها مركبة مع من فيصيران اسما واحدا من أسماء الاستفهامية
نحو من ذا رأيت أو بتقديرها زايدة بين من ومدخولها ويظهر ثمرة الاحتمالين في البدل من اسم
الاستفهام فإنك إذا قلت من ذا رأيت أزيدا أم عمروا فعلى الالغاء ينصب البدل لان اسم الاستفهام
مفعول مقدم وعلى الموصولية يرفع لان من ذا مبتدأ وخبر واحتمل الوجهان في قوله تعالى يسئلونك
ماذا ينفقون قل العفو وقس عليه قوله (ع) ومن ذا يعلم ما أنت فلا يهابك ان قلت
ما سؤال عن الذات والذاتيات وذاته تعالى لا تكتنه فلا يليق بمن هو هو ما هو وما أنت ولذا
لما سئل فرعون عنه تعالى بقوله وما رب العالمين أجاب موسى (ع) بالعوارض تنبيها على أن ما هو
ليس موقعه هو وان غبي الذي كفر ولم يتفطن بما اومى واشعر فقال إن رسولكم الذي ارسل
إليكم لمجنون نظرا إلى أنه سئل عن الذاتي وأجاب موسى بالعرضي فلم يطابق الجواب السؤال
قلت إما أولا فكون ما هو غير لا يق بجنابه لكون ما هو سؤالا عن شيئية المهية من النوع والجنس
96

والحد وشئ منها لا يليق بجناب قدسه لكونه وجودا صرفا ونورا محضا لا مهية له واما ما هو الذي
هو مأخذ المهية بمعنى ما به الشئ هو هو فهو واجب له وهو عين وجوده وهويته لكن لا يعلم بالعلم الحصولي
إذ ليس لذاته المتعالية وجود ذهني لنا انما يعلم بالعلم الحضوري بفناء العالم به عن ذاته وعن علمه
واما ثانيا فنقول المراد انه لا يعلم غيره انه ما هو فان علم بنور وارد منه نوره فكان البصير به طرفه واما
ثالثا فلو تنزلنا عن ذلك المقام قلنا إن ما بمعنى أي شئ في عرضه وللتكلم في مفاهيم صفاته مجال
رحب واما رابعا فلو تنزلنا أيضا قلنا ما ههنا هي ما الشارحة لا ما الحقيقية من ذا يعلم شرح لفظ الجلالة
ولا يهاب وح فالتعبير بانت لان الاسم وإن كان غير المسمى بوجه لكن عينه بوجه كما مر بيانه واستعمال
لفظ الهيبة هنا والخوف في الفقرة الأولى يؤيد الجوابين الأولين قبل التنزل فمعنى فلا يهابك
فلا يفنى فيك لان الخوف والرجاء لأهل البدايا من السالكين إلى الله تعالى والقبض والبسط للمتوسطين
والهيبة والانس للمنتهين ففي عرفان قدره وصفته استعمل لفظ الخوف وفى عرفان ذاته وما به
هويته استعمل لفظ الهيبة وهي هيبة المحق في الحقيقة عند طمس رسوم الخليقة انما يخشى الله
من عباده العلماء بل قد قرء بعضهم برفع الله ونصب العلماء ولعله بناء على الخشية التقديرية
من تدقيقهم ونقدهم وتزييفهم لانهم أصحاب الكياسة والذهن المتصرف الوقاد ولا يعبأ بغيرهم
من الجهلة أو من تفوههم بالشطحيات التي يتفوه بها بعض العارفين الفت بقدرتك
الفرق التأليف جمع الأجزاء مع الترتيب أو جمع الأجزاء مع المناسبة لأنه من الألفة والفرقة
الطايفة من الناس وظاهر تأليفه الفرق واضح واما تأويله فهو انه تعالى الف فرق النفوس
الناطقة وهي الأناسي الملكوتيون مع الأبدان الطبيعية البشرية وهي الأناسي الناسوتيون
وأولئك من واد وهؤلاء من واد وأولئك أصلهم أمر الله وروح الله كما قال تعالى ونفخت فيه من روحي
وكانوا سكان الجبروت بل اللاهوت قبل نزولهم إلى عالم الأضداد حين لم يقرع سمعهم خطاب
اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولم يطرد هم عتاب ثم رددناه أسفل سافلين وهؤلاء أصلهم
عالم الخلق وعالم الغواسق وهم ديدان عالم العناصر كما قال الحكماء الإلهيون ومع ذلك أوقع قدرته
التامة بينهما تألف وتعاشق بحيث يحسب الروح نفسه هذه المدرة المنبوذة في هذه الهاوية
الطبيعية ويقول انا البدن الوضعي المكاني الزماني وغير ذلك من لوازم الطبيعة ويتأثر وينفعل
97

من سوء مزاج البدن وتفرق اتصاله كما يسرى أحوال الروح من حياته وشعوره وقدرته
ونحوها إليه بل ربما يشتد السراية بحيث يبصر البدن من خلفه ولا ظل له كما اثر في حق ختم
الرسل صلى الله عليه وآله ونعم ما قيل جزو كل شد چون فرو شد جان بجسم * كس نسازد زين عجايب تر طلسم
خاك و؟؟ پاك با هم يار شد * آدمي اعجوبه اسرار شد * ومن تأويل تأليف الفرق الايتلاف
الحاصل بقدرته وعنايته بين العناصر المتضادة المتداعية إلى الافتراق المتمايلة إلى احيازها
الطبيعية ليكسر سورة معاداة كيفياتها المتعاندة ثم ينجبر كسرها بايصالها إلى حضرة باب الأبواب
ليكتسى خلعة الخلافة ويتردى رداء التعلم بحقايق الأسماء والتخلق باخلاق الله جل جلاله كما قال تعالى
وإذ قلنا للسموات والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين والى هذا التأليف
والايتلاف يشير قول علي (ع) في خطبة نهج البلاغة انشاء الخلق انشاء وابتدأهم ابتداء بلا روية
اجالها ولا تجربة استفادها ولا همامة نفس اضطرب فيها أحال الأشياء لأوقاتها
ولائم بين مختلفاتها وغرز غرايزها والزمها أشباحها عالما بها قبل ابدائها
محيطا بحدودها وانتهائها عارفا بقراينها واحنائها الشرح أحالها من الجولان قوله (ع)
ولا همامة اه رد على المجوس والثنوية القائلين بالهمامة ونقل ابن أبى الحديد في شرحه عن الثنوية
ان النور الأعظم اضطربت عزايمه وأراد به في غزو الظلمة والإغارة عليها فخرجت من ذاته قطعة
وهي الهمامة المضطربة في نفسه فخالطت الظلمة غازية فاقتطعتها الظلمة عن النور الأعظم وحالت
بينها وبينه وخرجت همامة الظلمة غازية للنور الأعظم فاقتطعتها النور الأعظم عن الظلمة ومزجها
باجزائه وامتزجت همامة النور باجزاء الظلمة أيضا ثم ما زالت الهمامتان تتقاربان وتتداينان
وهما ممتزجان باجزاء هذا وهذا حتى ابتنى منهما هذا العالم المحسوس ولهم في الهمامة كلام مشهور
وهي لفظة اصطلحوا عليها انتهى وقوله (ع) أحال الأشياء روى بدله أجل الأشياء وأحالتها
وتأجيلها متقاربان معنى وقوله (ع) غرز غرايزها مثل قولهم (ع) كيف الكيف محمول على الجعل
البسيط أي أوجد الكيف لا الجعل المركب وقوله (ع) والزمها أشباحها قال ابن أبى الحديد
في شرحه الضمير المنصوب في ألزمها عايد إلى الغرايز أي الزم الغرايز أشباحها أي اشخاصها
جمع شبح وهذا حق لان كلا مطبوع على غريزة لازمة فالشجاع لا يكون جبانا والبخيل لا يكون
98

جوادا وكك كل الغرايز لازمة لا تنتقل انتهى أقول الأول يأن يكون اسناخها بالسين المهملة
والنون والخاء المعجمة جمع السنخ بمعنى الأصل والضمير راجعا إلى الأشياء مطلقا أي أبقى أصولها
لان الأنواع محفوظة بتعاقب اشخاصها أو ارجعها إلى أصولها وهي العقول التي في الطبقة المتكافئة
كما انها راجعة إلى أصل الأصول وهو الله سبحانه وقوله عارفا بقراينها واحنائها القراين
جمع قرونه وهي نفس الشئ والاحناء جمع حنو الجوانب أي انه سبحانه عارف بذوات الأشياء
وحقايقها وبجهاتها وعوارضها وفلقت برحمتك الفلق أي شققت برحمتك الواسعة
الظلمة وانبت الفجر والوصل في الجملة السابقة والفصل هنا تضاد هما تناسب جامع محسن للوصل
بينهما وفصل تلك عن سابقتها لكمال الانقطاع بينهما ووصل هذه بها للتوسط بين كمال الاتصال
والانقطاع نكتة تأويلية إذا الف مؤلف القلوب بين فرق الاسلام بالتودد والتصالح
كما قال تعالى انما المؤمنون اخوة بل بينهم وفرق الكفر بالبر والقسط كما قال تعالى لا ينهيكم الله
عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله
يحسب المقسطين انفلق صبح حسن النظام في المعاش والمعاد ونور التوحيد الذي هو قرة عين خلص
العباد وإذا الف فرق العناصر بجمع المزاج والامتزاج في مراتب الأربعين بان اخذ القبضات العشر
التي تسع منها من الفلكيات وواحدة من العناصر ودورها أربع تدويرات من الدورة الجمادية
والنباتية والحيوانية والانسانية انفلق فيها صبح وجود اللطيفة الروحانية التي هي أمر رباني
وسر سبحاني وإذا الف فرق الانسان الملكي والملكوتي بجمع التعلق والتعاشق بينهما انفلق صبح
وجود هيكل التوحيد وفجر مجمع التفريد المتخلع بخلعة الخلافة والمؤتمن على كنز الأمانة والجمع مهما اشتد
بازدياد العلوم الإلهية والأعمال الصالحة شريعة وطريقة صار الفلق أبين وأصرح وارتفاع شمس
الحقيقة في قسى الولاية والنبوة والرسالة واولى الغرمية والختمية أزيد وأوضح وإذا الف فرق
طرق الفرق بجمع العلم البسيط لهم بالمنزل الوسيط والقاف المحيط كما أن نهاية جميع أقطار القاف
وهي مركز القاف واحدة بل حقيقة أقطار القاف ليست الا مركزها لأنه بسيلانه راسمها انفلق
صبح الحقيقة وتنور به دياجي غواسق رسوم الخليقة أطف السراج فقد طلع الصبح ثم لما كان لكل
فلق دجى غسق انمحى وانمحق برب الفلق عقبه (ع) بقوله وأنرت بكرمك دياجي الغسق
99

أنرت أي نورت ودياجي الليل حنادسه والغسق ظلمة أول الليل اعلم أن النور هو الظاهر بالذات
المظهر للغير وهو حسى صوري وحقيقي معنوي والحسى الصوري من الكيفيات المبصرة أولا وبالذات لان
جميع المرئيات بالبصر تدرك بتوسطه والحقيقي المعنوي لسان الاشراقيين فيه مختلف فالنور في لسان
الاشراقيين الأقدمين يطلق على المجردات إلى الأنوار الحسية فيسمون الواجب الوجود بالذات
بنور الأنوار والنور الغنى والعقول الكلية الطولية بالأنوار القاهرة الأعلين والعقول الكلية
العرضية المدعوة بلسانهم بأرباب الأصنام وأرباب الطلسمات وغير ذلك بالأنوار القاهرة
الأدنين والنفوس الكلية الفلكية والنفوس الجزئية الانسانية بالأنوار الاسفهبدية والأنوار
المدبرة والأنوار الحسية بالأنوار العرضية والى هنا اختتم النور عند هم والجواهر الأخرى يسمونها
بالغواسق والظلمات والاعراض الأخرى غير الأنوار الحسية الشمسية والقمرية والسرجية ونحوها
بالهيئات الغاسقة واما في لسان اشراقية الاسلام ضاعف الله أنوارهم فالنور هو الوجود
على الاطلاق فان الوجود حقيقة متأصلة وهي نور بجميع مراتبها والرسم المذكور أعني الظاهر بالذات
المظهر للغير الذي هو المهيات حقه وان صدق على النور الحسى أيضا الا ان لنور الوجود امتيازات
تؤكد نوريتها وظهورها واظهارها منها ان النور الحسى قائم بغيره ونور الوجود قائم بذاته لأنه ارفع
من أن يكون له قيام وعروض للمهيات حتى لمراتبه النازلة كالوجودات المادية بل ولا انتساب
للغير إليه لان المهيات اعتبارية دون الانتساب كما أن الوجود فوق الانتساب خلافا لطايفة
يقولون إن الوجود الحقيقي حقيقة واحدة بسيطه قائمة بذاتها والمهيات موجودات بمعنى انها
منتسبات إلى الوجود لا انها قام بها الوجود فالوجود عندهم أيضا نور بذاته لذاته الا ان حيثية الظلمة
أيضا متأصلة وهذا غير سائغ في سنة أولئك الكبار أولي الأيد والابصار ومنها ان النور
الحسى يظهر به المبصرات فقط ونور الوجود يظهر به المبصرات والمسموعات والمذوقات والمشمومات
والملموسات والمتخيلات والموهومات والمعقولات وما وراء الحس والعقل ومنها ان النور الحسى انبسط
على الظواهر من السطوح والألوان والاشكال ونور الوجود نفذ في بواطن المستنيرات بحيث لم يبق
المستنيرات التي هي المهيات في العين بل جعلها بتمامها أعين الأنوار فان المهيات لسرابيتها تركيبها؟؟
مع الوجودات إتحادي كتركيب الجنس والفصل في البسايط الخارجية بوجه لا اقتراني ومنها ان
100

النور الحسى لا شعور له ونور الوجود كالأنوار القاهرة والمدبرة كلها عقلاء احياء ناطقون فضلا عن
نور الأنوار ومنها ان النور الحسى له أفول وله ثان في الوجود وله مقابل ونور الوجود ليس له أفول ولا ثان
ولا مقابل إذ ليس له الوحدة العددية وبالجملة النور في هذا المشرب الأعذب الأحلى يطلق على ما يطلق
عليه عند الأولين وعلى أشياء اخر كوجودات الاعراض غير النور الحسى وعلى وجودات الجواهر المركبة
والبسيطة الطبيعية حتى وجود الهيولي التي أثبتها المحققون والظلمة والغسق ليست الا المهيات السرابية
فالوجود نور والوجوب نور على نور وإذا علمت باللسانين والنورين والغسقين علمت قشر الفقرة
ولها وتنزيلها وتأويلها وعلمت معنى قوله تعالى الله نور السماوات والأرض وانه هو مرجع هذه
الفقرة وأشار (ع) بلفظ الكرم هنا وبلفظ اللطف في الفلق على ما في بعض النسخ وفلقت بلطفك
الفلق إلى أن فعله تعالى محض الجود والكرم واللطف والعناية بلا غرض في فعله سوى ذاته فان
الكرم وما يقوم مقامه إفادة ما ينبغي لا لعوض ولا لغرض إذ لو كان لعوض لكان مستعيضا معاملا
لا كريما ولو كان لغرض لكان مستكملا وليس العوض منحصرا في العين بل يشمل مثل الثناء والمدح والتخلص
من المذمة والتخلي من الرذيلة والتوصل إلى أن يكون على الأحسن وقال المعتزلة الغاية في الايجاد
والداعي لخالق العباد عليه ايصال النفع إلى الغير وهو باطل لأنه هل ذلك الايصال أولي للقادر
المختار من عدم أم لا بحيث انه لو لم يوصل كان كما أوصل بلا تفاوت وبلا نقص يلزم عليه
في الترك فإن كان الثاني فكيف يريد أحدهما ويترك الأخر مع تساويهما بالنسبة إليه إذ يستحيل الترجيح
من غير مرجح وإن كان الأول فالفاعل استفاد بفعله أولوية واستكمل تعالى عن ذلك وأيضا إذا كان
وصف النافعية له عرضيا كان معللا بخلاف ما إذا كان ذاتيا فان الذاتي لا يعلل وأيضا ذلك
الايصال إما معنى مصدري ومعنى نسبي فهو أمر اعتباري لا يكون غاية للايجاد واما ان يحاذيه
أمر في الخارج فهو إما واجب فيتعدد الواجب تعالى واما ممكن فننقل الكلام إلى غايته فيتس
واما عين ذات الواجب الواحد فهو الحق المط فيكون من قبيل قول القائل في ممدوحه
ولو لم يكن في كفه غير نفسه * لجاد بها فليتق الله سائله وأي نفع أغبط من
ذلك ولكن لم يخطر ذلك أيها المعتزلي ببالك وهذا مراد من قال عن الحق من نكردم
خلق تا سودى كنم * بلكه تا بر بندكان جودي كنم وكذا الكلام في المعرفة لو جعلتها غاية للايجاد
101

تأسيا بكلام الله في الكتاب المجيد وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون بناء على تفسيره
بالمعرفة وفى القدسي فخلقت الخلق لكي اعرف فان المعرفة المبنية للفاعل أي عارفية الغير إياه معللة
مغياة لا يقف الكلام عندها والمبنية للمفعول أي معروفيته للغير إن كانت معنى مصدريا نسبيا لا يكون
غاية للايجاد كما مر وإن كانت حقيقية وكانت غيره تعالى لم تكن معروفيته لان صفاته كلها عين ذاته وإن كانت
عينه فهو الحق المطلوب فظهر ان ثمرة انشاء شجرة الوجود ليست الا هو فان قلت غاية الفعل لا بد
أن تكون متأخرة عنه ولا تكون حاصلة والا يلزم تحصيل الحاصل قلت غاية الايجاد ليست وجوده النفسي
بذاته لذاته ليلزم تحصيل الحاصل بل وجوده الرابطي لنا وظهوره علينا ولكن بلا نحن كما قيل كنا بنا فغبنا
عنا وبقينا بلا نحن وهذا الوجود والظهور ليس غيره والتقدم والتأخر هنا ليسا زمانيين بل هذا
التأخر حيثية ذاته عين حيثية التقدم على الفعل الاطلاقي واعلم أن الأشاعرة أيضا يقولون أفعال الله
غير معللة بالاغراض ولكن أين الظلمة من النور والزنجي من الحور فان الحكماء الإلهيين يقولون لا غاية
في صنعه وفعله وراء ذاته لا ان فعله بلا غاية مطلقا كيف وكل فعل لا غاية له يكون ناقصا معطلا وعبثا
والله سبحانه أجل من أن يصدر عنه فعل بلا حكمة وهؤلاء يقولون لا غاية لفعله أصلا وينزلون قوله تعالى
لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون على هذا وهو تحريف الكلم عن مواضعها فان معناه لا يسئل
عما يفعل لأنه ذاتي لا يعلل أو لان غاية فعله الأخيرة لا تكتنه لأنها ذاته أولا يسئل عن لمية اختلافه
لأنه على طبق قابلية القوابل فلا يسئل لم جعل العقل عقلا والنفس نفسا والبياض بياضا والسواد
سواد فان اختلاف المهيات ذاتي غير مجعول جعلا تركيبيا كما أن المهية نفسها أيضا غير مجعولة
جعلا تركيبيا ولا جعلا بسيطا أو لا يسئل عما يفعل لاستواء نسبته إلى الكل الرحمن على العرش
استوى أعني لا بد ان لا يرى شرا فلا يسئل بم جعل الألف مستقيما والدال منحنيا معوجا لان الاستقامة
والانحناء كلاهما ملايم قلمه الاعلى كما مر ولنرجع إلى أصل المقصد وهو انه تعالى أنشأ الوجود بذاته لذاته
وانه مبتهج بذاته وان ابتهج بغيره فمن حيث إنه اثر ذاته فلا يرضى الا بذاته ولا يحب الا ذاته ولهذا
لما قرء عند بعض المشايخ قوله تعالى يحبهم ويحبونه قال في الحقيقة لا يحب الا نفسه وان الداعي
والغرض له على الفعل ليس الا ذاته وعلمه بذاته الذي هو عين ذاته فنقول الفاعل لغرض
زايد على ذاته فاقد بذاته ذلك الغرض ويجعل الفعل ذريعة لنيله والواجب الوجود الغنى
102

لو كان كك لزم فيه الفقد والفقر وأيضا الغرض هو الذي يدعو الفاعل على الفعل ويقهره ويسخره
ولولاه لم يفعل ولذا قال الحكماء العلة الغائية علة فاعلية الفاعل وما الذي يسخر المسخر للكل ويقهر القاهر
فوق عباده وأيضا الداعي الزايد والغرض اللاحق لابد ان يكون له جلوة في نظر الفاعل وله ابتهاج وما الذي
له جلوة وبهاء في نظر الفاعل الذي هو أجمل من كل جميل وأجل من كل جليل الذي كل جمال وجلال وكمال
عكس من بهاء جماله وظل من شمس جلاله ورشح من بحر كماله حتى يريد ان يحصله بذلك الفعل الكلى لإبتهاجه به
واجتذابه إليه والا لزم ان يتصور أفضل مما عليه الواجب فمنظوره ومعشوقه لا يكون الا ذاته تعالى
ولذا قال الحكماء العالي لا يلتفت إلى السافل بالذات الا بالعرض ونعم ما قال الشيخ الرئيس أبو علي
بن سينا لو أن انسانا عرف الكمال الذي هو واجب الوجود الذي هو فوق التمام ثم فرض انه منظم
العوالم على مثاله كان غرضه الواجب الوجود فإذا كان الواجب هو الفاعل فهو الغرض لذاته في
فعله ثم إن في القران المجيد تصريحات بهذا المعنى مثل قوله تعالى الا إلى الله تصير الأمور وانا
إليه راجعون وان إلى ربك المنتهى وهو الأول والاخر والظاهر والباطن وغير ذلك
ان قلت في الآيات تصريحات بخلاف ذلك أيضا مثل ان خلق الأرض لتكون فراشا لكم والشمس
لتكون سراجا لمحفلكم وغير ذلك لغير ذلك قلت هذه غايات وسطية لا أخيرة وبالعرض لا بالذات
واما الغاية بالذات لإيجاد جميع الممكنات فليست الا الذات وهو منتهى الرغبات وغاية الأشواق
والطلبات وأنهرت المياه من الصم الصياخيد عذبا وأجاجا أنهرت أي أسلت
والصم جمع أصم أي الصلب المصمت والصياخيد جمع صيخود أي الشديد والموصوف هنا محذوف
أي من الصخور الصم الصياخيد والمراد العيون والقنوات والعذب من الطعام والشراب كل مستساغ
ويق ماء أجاج أي ملح مر وأنزلت من المعصرات ماء ثجاجا أي من السحائب التي تعصر
بالمطر كان السحاب تحمل الماء ثم يعصره الرياح فتسيل الماء كما يسيل بعصر الثوب والثج السيلان
وثج أي سال كاثتج وتثجثج وثجه أسأله وفى الحديث أفضل الحج العج والثج فالعج رفع الصوت
بالتلبية والثج اسالة دم الهدى وماء ثجاجا أي صبابا دفاعا في انصبابه وهذه الفقرة من باب
الاقتباس ولا بأس في الاقتباس بتغيير يسير فان ما في الآية وأنزلنا ولذا عدوا من الاقتباس
مثل قول الشاعر قد كان ما خفت ان يكونا * انا إلى الله راجعونا وطريق الطبيعيين
103

في الماء النابع من الأرض ان الأبخرة الحاصلة من تسخين الشمس بجول الله تعالى وقوته في العالم
ما تكثرت منها واحتبست في جوف الأرض قد ينشق الأرض منها يجرى المياه أوصلت
إليها مدد الأبخرة المتكاثفة الصايرة ماء وفى الماء المنزل من السماء انه إذا اصعد الله تعالى الأبخرة
من البحار والأراضي الرطبة واوصلها إلى الطبقة الزمهريرية بعنايته فإن لم يقو التبريد تنعقد سحابا
ماطرا وان قوى انجمد البخار فإن كان الانجماد بعد اجتماع اجزاء البخار وتشكل القطرات منها
صار بردا وإن كان قبله كان ثلجا هذا مع وصول البخار إلى الزمهرير ومع عدم وصوله لقلة حرارته الموجبة
للصعود فإن كان كثيرا فقد يعقد وهو السحاب الماطر وقد لا يعقد وهو الضباب وإن كان يسيرا فمع الجمود
ببرد الليل صقيع ومع عدمه طل والنسبة بين الطل والصقيع كالنسبة بين المطر والثلج والتأمل في
أبخرة الحمامات وصعودها إلى سقوفها ونزولها قطرات بعد بردها نعم العون على ادراك بعض
كائنات الجو بل التدبر فيما يرتفع من ارض معدة الانسان من الأبخرة بتسخين الأبخرة الحرارة الغريزية
ونحوها إلى زمهرير دماغه ثم ينزل منه في ثقب وجهه يعين عليه كساير الآيات الأنفسية على الآيات
الآفاقية ذيل لعلك توفق للتوفيق بين هذه الطريقة وبين طريقة المتشرعة انها بفعل
الملائكة وبين طريقة المتألهين انها بفعل الله وقدرته كما أسند ههنا الافعال إلى الله تعالى
وذلك لأنك ان كنت في مقام رؤية صفاته تعالى في المظاهر وانه لا تكثر في مشيته وقدرته مثلا
الا بحسب الظهور فالثاني وان كنت في مقام رؤية أفعاله واثبات وسايط جوده وتبديل الجهات
الظلمانية للقوى والطبايع بالجهات النورانية فالأول وقد مر ما أوضح المقص فتذكر علم إلهي
لتأويل مياهى ماء السماء هو الجهات الفاعلية المفيضة للخيرات والكمالات وتلك
الجهات هي القوى الفعلية والاشراقات العقلية وماء الأرض هي الجهات القابلية من القوى
الانفعالية سواء كانت الجهات حسن التهيؤ وعذبه أو سوء الاستعداد وأجاجه فان القابليات
ذاتية فإذا نبع مياه الاستعدادات الغير المتناهية شيئا فشيئا من ارض القابل الغير المتناهى
في الانفعال وانضم إلى مياه تأثيرات غير متناهية تنزل من سماء قدرة فاعل غير متناه في الفعالية
عدة ومدة وشدة فيستمر نزول البركات وينفتح باب الخيرات إلى غير النهاية ويخرج حبوب
المولدات ولبوب المجردات بمحض اللطف والعناية قال تعالى ففتحنا أبواب السماء بماء
104

منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر أي التقى ماء الفواعل العلوية
وماء القوابل السفلية ان قلت لم لم يذكر (ع) الثمرات كما في الآية لنخرج به حبا ونباتا
وجنات الفافا قلت لوجوه أحدها انه من باب دلالة الملزوم على اللازم والسبب على المسبب
ففاعل الملزوم فاعل اللازم واتى السبب آت المسبب وثانيها انه إشارة إلى ضيق نطاق
البيان عن الإحاطة بها وثالثها انه ليذهب ذهن الفطن العارف إلى الغاية القصوى
والثمرة الأخيرة وهي شهود الذات ومعروفيته على النهج الذي قررنا قبيل ذلك
وجعلت الشمس والقمر للبرية سراجا وهاجا البرية الخلق من البرى بمعنى التراب
والوهج الاتقاد وهج النار تهج وهجا ووهجانا اتقدت والوهاج الوقاد المشتعل بالنور العظيم
خصصهما بالذكر في عداد النعم العظام لان الشمس سلطان الكواكب بل العالم الجسماني راسمة للنهار
بضوئها علة للأمزجة المتبعدة لإفاضة النفوس والصور والاعراض بتسخينها وما ازدادت
على الكواكب بمجرد المقدار بل بالشدة والكيفية فان ما يترائى من الثوابت وباقي السيارات
مقدار مجموعها أكبر من الشمس بما لا يتقايس ولا ترسم النهار والنير الأصغر أيضا خليفة والخليفة
بصفات المستخلف بقدر ظرفيته فسبحان من صانع قديم أنشأهما وأنارهما وفى عشق جماله
وهيمان جلاله اسكر هما وأدار هما وفى بعض النسخ لفظ الوهاج مفقود والأصح ثبوته لأنه وإن كان
كثير من أحوال الشمس من الخيرات والنعم العامة لجميع الكاينات كأوضاعه ونظراته وغيرها
الا ان حره أيضا من النعم العامة التي يتلو الضوء في الخيرية فلا بد ان يشعر به أيضا كما في الآية إذا لوهج
كما قال مقاتل يجمع النور والحر وانما قلنا يتلو إذ ليس في مرتبته لان الضوء مطلوب للكل في كل الأوقات
بخلاف الحر وانما أفرد السراج ولم يثن لان المراد كل واحد منهما نكتة لطيفة ليس الخليفة شيئا
على حياله فلا وجود له الا ظهور وجود المستخلف وكذا صفاته ظهور صفاته واثاره ظهور اثاره
فمن لا يطلع على الأوضاع السماوية والقواعد الإلهية يظن أن للقمر نورا وظهورا استقلاليا
واما العالم بالأوضاع والقواعد فلا يرى الا ظهور الشمس وضيائه في الليل والنهار لا في القمر خاصة
بل في كل ثابت وسيار فليس في هذا المحمل الا سراج واحد ولا أنوار الله الا نور فارد ولا يعلم هذا
الا البصير الناقد فكما يأبى النظام إلهين كك يأبى سراجين إكليل تاجي لتأويل سراجي
105

كما جعل الله تعالى الشمس والقمر الحسيين سراج عالم الحس كذلك جعل الشمس والقمر الحقيقيين سراج
كل العوالم وهما في تأويل العقل الكلى والنفس الكلية وهما واسطة ايصال نور الوجود وضوء الفعلية
إلى المهيات والمواد ولولا هما لبقيت الكل في ظلمة العدم وغسق البطلان بل هما لله تعالى اليدان
اللتان أزمة الأمور في قبضتهما فإنهما جامعان لها بنحو أعلى وأتم وبمصداق واحد بسيط وهي
واجدة لهما حاكية كمالاتهما بنحو الضعف والتشتت فهما لف الوجودات والفعليات التي هي فيما
دونهما وهذه نشر هما وهما رتقها وهي فتقهما وهما اجمالها وهي تفصيلهما وهما متنها وهي شرحهما
إلى غير ذلك من العبارات وفى تأويل النبي والولي وهما واسطة ايصال أنور الشريعة والطريقة
إلى أهل العالم ولولا هما لساخت الأرض بأهلها قال الله تعالى في موضع من كتابه المجيد قد جائكم من الله
نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات
إلى النور باذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم وفى موضع اخر يا أيها الناس قد جائكم
برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا وفى اخر فامنوا بالله ورسوله والنور
الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير وفى اخر يوم لا يخزى الله النبي والذين امنوا نورهم
يسعى بين أيديهم وبايمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شئ قدير
إلى غير ذلك من الآيات وان سئلت الحق فهما سلام الله عليهما كما نورا هذا العالم بتسنين السنن السنية
وتقنين القوانين المتينة العلية وتأسيس السير العادلة والعادات الجيدة الفاضلة كك نورا قلوب
أهل العالم بروحانيتهما اهداء وارشادا من طريق الباطن فان التعقل على التحقيق باتحاد العقل بالعقل
الفعال وقد مر ان العقل الفعال المسمى بروح القدس في جنان الصاغورة ذاق من حدائقهم
الباكورة والفرق بين الناويلين مع قربهما من وجوه وشدة تناسبهما من طرق ان المراد
بالعقل والنفس الكليين في الأول ما هما في السلسلة النزولية ومن سلسلة المبادى والعلل وتبايط
جود الأول على عالم الطبيعة وفى الثاني ما هما في السلسلة الصعودية ومن سلسلة الغايات وروابط
الكثرات بالواحد القهار ومخرجي الظلمات إلى النور بقوة العزيز الجبار وهي العقول والنفوس
التي تصير فعلية وفعالة بعد حركات جوهرية وكأنهم وهم في جلابيب أبدانهم قد نضوها بل عقول
أولياء خلع النواسيت حالا أو ملكة ونفوس كلية إلهية وجواهر لاهوتية كما مر في حديث علي (ع)
106

ولكون هؤلاء العقول والنفوس غير أولئك كان السير دوريا لا استقاميا ومراتب الصعود
كقوس بحذاء مراتب قوس النزول فكما كان هناك عقول ونفوس ومثال كك ههنا
مثلا المثال الذي في قوس النزول كان عالم الذر ومرور الأرواح عليه قبل ورودها
على عالم الطبيعة والمثال الذي في قوس الصعود يكون عالم البرزخ ومرور الأرواح عليه بعد
نزولها إلى عالم الطبيعة وكثير من صور البرزخ من باب تجسم الأعمال بخلاف صور الذرات ومن هنا
قال تعالى ويحمل عرش ربك يومئذ ثمانية ففي وجه عرش الله هو الوجود المنبسط وحاملوه
حقايق جبرئيل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل فكون الحاملين ثمانية باعتبار هؤلاء الأربعة الذين
هم في مبادى السلسلة النزولية وهؤلاء الأربعة الذين هم في خواتم السلسلة الصعودية وهذا مثل
ان يق باصطلاح الحكيم العقل الفعال له مرتبتان عقل فعال بدوي له وجود في نفسه مكمل النفوس
الناطقة وعقل فعال عودي هو غاية حركات النفس الناطقة في تجوهرها واتحادها به باعتبار وجوده
الرابطي لها فكان الجواهر المجردة ذاتا وفعلا التي قال الحكماء المشاؤن في تعيين عددها انها عشرة
عينها الشرع بالأربعة المذكورة من جهات كليات أمور عظيمة أعني إفاضة الحياة والعلم والرزق
وقبض الصور والأرواح ثم باعتبار البدو والختم عينها بالثمانية كما ذكرنا ان قلت يفهم من بعض الأخبار
ان حملة العرش غير هؤلاء المسمين المذكورين قلت المغايرة من باب مغايرة الحقيقة الرقيقة
فجبرئيل مثلا من هو الممثل بصورة دحية الكلبي وحامل العرش هو الحقيقة المجردة أو تلك الحقايق أركان
العرش والرقايق حاملوه أو العرش هناك غير الوجود المنبسط من غيران تمارس فيما
ابتدأت به لغوبا ولا علاجا الممارسة المزاولة وملغوب الاعياء والعلاج المزاولة
والمداراة وفيه تلميح إلى الآية الشريفة ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة
أيام وما مسنا من لغوب وكيف يمسه لغوب واعياء والإفاضة والإنارة والاجادة
ونظايرها ذاتية له تعالى وفى حصول الذاتي من ذي الذاتي لا يقع له اعياء ونصب وتعب لكونه ملايما له
وأيضا الاعياء من صفات الجسم ولا كل جسم كالفلك بل الجسم المركب ولا كل مركب بل ذو مزاج
ولا كل ذي مزاج بل ذي مبدء الحس والحركة والله تعالى أجل وارفع من التجسم ولوازم التجسم وعوارضه
وفى بعض النسخ فيما ابتدعت والابتداع اخراج الشئ من الليس إلى الأيس دفعة واحدة سرمدية
107

لا دهرية فضلا عن الزمانية والآنية انما امره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وليس
ذلك القول منه تعالى قولا تدريجيا زمانيا كما قال علي (ع) انما يقول لما أراد كونه كن فيكون لا بصوت
يقرع ولا بنداء يسمع انما كلامه سبحانه فعله فيا من توحد بالعز والبقاء
بقاء سرمديا لا دهريا ولا زمانيا فان وعاء الموجودات السيالة هو الزمان ووعاء الموجودات
المجردة كالعقول المفارقة هو الدهر والجاري مجرى الوعاء للوجود الواجب السرمدي هو السرمد
والبقاء الزماني ممتد سيال متجز والبقاء الدهري غير ممتد ولا سيال متجز الا ان الباقي به
مهية لا بقاء لها في ذاتها انما هو عارية وديعة فيها وانما هي باقية ببقاء معيرها ومودعها والبقاء
السرمدي بقاء بسيط غير سيال ولا متجز ولا عارض ولا عارية وليس الباقي به ذات له البقاء
بل هو نفس البقاء القائم بالذات ولا يتطرق إليه الزوال بوجه من الوجوه لا بنحو التجدد والتقضي
والتصرم الذي للزمان والزمانيات الممتدات والسيالات ولا الزوال من حيث تركيب مادة
ذلك الباقي من المتضادات الميالات إلى احيازها الطبيعية كما في المواليد ولا الزوال من حيث
قبول مادته الانقلاب كما في الأمهات ولا الزوال من حيث التبدل بتجدد الأمثال وتجدد
الأوضاع والأحوال كما في الأفلاك والفلكيات ولا الزوال من حيث حلول ضده في موضوعه كما
في الاعراض لبرائته عن الكم والتركيب والمادة والتجدد والمعاني والأحوال والأنداد والأضداد وإذ
لا مهية له فلا يتطرق إليه الزوال من حيث قبول المهية العدم في ذاتها كالمفارقات عن المواد
الباقيات في وعاء الدهر فإنها وإن كانت باقية ثابتة على حالة واحدة لا بنحو الممتدات السيالة
إذ لا حالة منتظرة لها بل في التمثيل قواعد مخروطات أنوارها التي في هذا العالم وهي اشراقاتها التي
في أصنامها الطبيعية وطلسماتها الناسوتية ثابتات من غير تبدل الا في القوابل المستشوقة فضلا
عن رؤوس تلك المخروطات من النور كسراج يمر بحذائه قوابل من مكمن غيبي فتستضئ بضيائه على
التناوب أو كسراج يتجدد على مسرجة الزيت والفتيلة بحيث لن ينطفى ابدا الا انها غير باقيات
بل زايلات في مرتبة مهياتها بل غير باقيات في السرمد وفى مرتبة الوجود السرمدي وزايلات
في الأبد وفى مرتبة الوجود الأبدي بالفناء الصرف والطمس المحض وإذا كان أصل الوجود حقيقة
بسيطة لا جزء لها مطلقا لا اجزاء تحليلية ولا اجزاء خارجية ولا مقدارية ولا حقايق ولا افراد
108

متباينة لها ولا ضد ولا ند ولا مقابل ولا مهية متقومة ذاتها بها ولا تقبل الزوال والعدم والا
انقلبت مهية هف كانت باقية غير زابلة بل العالم الداثر الزايل مهياته الطبيعية ومواده المصورة
بالصور النوعية السيالة ذاتا واعراضا في الدثور والزوال لا وجوده الحقيقي الذي هو بما هو هو
موضوع العلم الإلهي كيف وهو وجه الله الباقي بعد فناء كل شئ وهو الوجه الذي قال في الكتاب
الإلهي في حقه أينما تولوا فثم وجه الله وإذا كان الوجود حظه من البقاء هكذا فما حدسك في
الوجوب فإنه وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى في البقاء وأي كمال كان وقهر عباده بالموت
والفناء لم يذكر (ع) مطلق الخلق لأنه إذا كان العباد مقهورين لله تعالى بهما فباقي الخلق بطريق أولي
كما قال تعالى أفإن مت فهم الخالدون فالكل مطارح الأسباب التي ذكرناها للزوال من
حلول الضد في موضوع الضد الأخر وانحلال التركيب والانتقال الذاتي ونحوها والموت للانسان
والفناء للملائكة المقربين والعقول القديسين وكذا في الانسان الموت للأبدان والفناء لنفوسها
وعقولها فان للانسان نشأت ثلث الجسم والنفس والعقل وقيامات ثلث صغرى ووسطى وكبرى
فإنه إذا انتقلت النفس من هذه النشأة قبض منها الوجود الطبيعي لا الوجود البرزخي أو الأخروي
الصوري فلها هناك أيضا أنانية ومالكية وجود من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى
فمن لم يحصل ههنا له بذر البصيرة لم يحصل له هناك حصاده ولذا قالوا المعرفة بذر المشاهدة
وأسباب انتقالاتها في كل موضع مسماة باسم كالموت للانتقال من نشأة الجسم الطبيعي
إلى نشأة النفس ونفخة الفزع للانتقال من نشأة النفس إلى نشأة العقل اخذا من قوله تعالى
ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله وكل اتوه
داخرين والاستثناء بالنسبة إلى من تحقق بمضمون موتوا قبل ان تموتوا وسمع قوله تعالى
لمن الملك اليوم لله الواحد القهار قبل الآخرين ونفخة الصعق للانتقال من نشأة العقل
إلى مقام رجوع الامر كله إلى الله الواحد القهار اخذا من قوله تعالى ونفخ في الصور فصعق من
في السماوات ومن في الأرض الا ما شاء الله والمستثنى في الآية من مات قبل ان يموت
وسمع نداء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار قبل القيمة الكبرى وفى الأفلاك أيضا يستعمل
الفناء لا الموت فارتجاعها إلى الله الواحد القهار بأنه يتوارد عليها شيئا فشيئا وجود ثم
109

وجود على سبيل تجدد الأمثال على الاتصال فالوجود الأول والذات الأولى الذي كان مظهر
التجلي والتقويم يصير مورد القبض والتسليم ثم يصل النوبة إلى الثاني وهكذا في كل حين فذات
الفلك ذوات ولكل ذات بدو ورجوع من كان يرجوا لقاء الله فان أجل الله لات
إلى أن يقع التبدل الأتم والتغيير الأعظم في جميع العالم فينقضى مدة دورة من الأدوار والأكوار
وهي خمسون الف سنة كما قال تعالى تعرج إليه الملائكة والروح في يوم كان مقداره
خمسين الف سنة فيرجع في تلك المدة جميع النسب والأوضاع ولوازمها إلى ما كانت
أولا لقوله تعالى والسماء ذات الرجع وهكذا قياس خروج النفوس الفلكية من القوة إلى
الفعل وتبدلها الذاتي وابدائها وقبضها وتسليمها والتحاقها بالعقول وصعودها من عالم
الغرور إلى عالم النور لا كما قيل إن النفوس الفلكية بعد ما كملت التحقت بعالم العقل وتعلقت
بالافلاك بدلها من النفوس الأرضية ما ارتفعت من عالم الغرور وهكذا لأنه تناسخ محال وهذا القول
منقول في شرح حكمة الاشراق ثم إنه كما أن لكل موجود خلقا وبعثا كك للعالم الكبير ما خلقكم
ولا بعثكم الا كنفس واحدة وكما أن له قيامة وساعة من مات فقد قامت قيامته كك
للعالم الا ان نسبته إلى الساعات الصغريات نسبة اليوم إلى الساعات والسنة للأيام واهل
الحجاب يمارون في الساعة واهل التحقيق يعلمون انها الحق ويرونها قريبة لانهم يطلبونها من مستقبل
السلسلة العرضية وهي في السلسلة الطولية وباطن العالم فكما ان المبادى ليست في عرض العالم
كك الغايات بل هي هي فكما ان كل واحد يتوجه إلى غاية هي الفناء كك الكل إذ ليس له وجود
غير وجود كل فرد فرد قال بعض العرفاء كما أن الشخص الآدمي إذا عرض له الموت وخرجت روحه من البدن
قامت قيامته وعند ذلك انفطرت سماؤه التي هي أم دماغه وانتشرت كواكبه التي هي قواه
المدركة وانكدرت نجومه التي هي حواسه وكورت شمسه التي هي قلبه ومنبع أنوار قواه حرارته
الغريزية وتزلزلت ارضه التي هي بدنه ودكت جباله التي هي عظامه وحشرت وحوشه التي هي
قواه المحركة فهكذا قياس موت الانسان الكبير أعني جملة العالم الجسماني الذي هو حيوان مطيع
لله تعالى متحرك بالإرادة وله بدن واحد هو جرم الكل وطبع واحد سار في الجميع هو طبيعة الكل
ونفس واحدة كلية مشتملة على جميع النفوس وروح كلي مشتمل على جميع العقول وهو العرش
110

المعنوي يستوى عليه الرحمن انتهى وبالجملة الموت والفناء من لوازم الحركة الجبلية والتوجه
الغريزي للكل إلى الله فلكل وجهة هو موليها وما من دابة الا هو اخذ بناصيتها
وان للطبايع غايات ولغاياتها غايات إلى أن ينتهى إلى غاية الغايات ومقتضى الحكمة والعناية
ايصال كل ممكن لغاية وهذه الحركة وهذا التوجه وهذا الايصال في الانسان أظهر يا أيها
الانسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه سيما الكامل منه فإنه باب الأبواب
والكل قاصد عتبته يا بن ادم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لا جلى ومن هنا
ظهر حقيقة ما قال بعض أهل التحقيق ان الموت مطلوب بالاختيار والانسان متوجه إليه بالطوع
والرغبة أي الرغبة الفطرية والطوع الجبلي والاختيار العقلي لا الرغبة الخيالية والوهمية
ولكن أنت تعلم أنه ليس شراشر وجود الانسان هو الخيال والوهم ولا حذافير الرغبات والأشواق
هو الشوق الحيواني بل إذا شرحت وجود الانسان كانت هي بعض مراتبه الدانية وإن كانت
هي أيضا بصدد الاستكمال والبلوغ إلى غاية ما والتبدل من حال إلى حال ولكن كل ميسر لما
خلق له فهى أيضا طالبة للموت من حيث لا تشعر ومن هنا قال تعالى فتمنوا الموت وقال علي (ع)
والله لابن أبى طالب انس بالموت من الطفل ثدي امه وظهر أيضا وجه اطلاق قرة عين
العارفين على الفناء والفناء له مراتب ثلث المحو والطمس والمحق فالمحو ان يرى كل فعل مستهلكا
في فعله تعالى الواحد كما قال تعالى وما امرنا الا واحدة فيقول كما مر لا حول ولا قوة الا بالله
العلي العظيم والطمس ان يرى كل صفة كمالية مقهورة مبهورة في صفته والأسماء الحسنى كلها
لله والعظمة له والحمد له إذ الفضايل له أينما وقعت وفى الدعاء إليه يرجع عواقب
الثناء فيقول لا إله إلا الله والمحق ان يشاهد كل وجود منطويا في وجوده فإنه الوجود
الصرف والوجوب البحت والموجود في نفسه لنفسه بنفسه وكل ذات منمحقة عند ذاته
فإنه القائم بالذات والقيوم على الاطلاق وكل هوية متلاشية في هويته فإنه هو المطلق
وهوية كل هو فيقول يا هو يا من هو يا من لا هو الا هو وفى كل مقام من المقامات الثلاثة
والتوحيدات الثلاثة ينطق بكلمات التوحيد المذكورات لسانا وحالا ومقاما وبعبارة أخرى
تعلقا وتخلقا وتحققا وبعبارة أخرى فطرة وحالا واستقامة فاستقم كما امرت قال سلطان
111

المتكلمين والمحققين نصير الملة والدين العلامة الطوسي س في شرح الإشارات في ذيل شرح
قول الشيخ العرفان مبتدء من تفريق ونغض وترك ورفض ممعن في جمع هو جمع صفات
الحق للذات المريدة للصدق منته إلى الواحد ثم وقوف بهذه العبارة ان العارف
إذا انقطع عن نفسه واتصل بالحق رأى كل قدرة مستغرقة في قدرته المتعلقة بجميع المقدورات
وكل علم مستغرقا في علمه الذي لا يغرب عنه شئ من الموجودات وكل إرادة مستغرقة في
ارادته التي تمتنع ان يتأبى عليها شئ من الممكنات بل كل وجود وكل كمال وجود فهو صادر عنه
فايض من لدنه صار الحق ح بصره الذي به يبصر وسمعه الذي به يسمع وقدرته التي بها تفعل
وعلمه الذي به يعلم ووجوده الذي به يوجد فصار العارف ح متخلفا باخلاق الله بالحقيقة فهذا
معنى قوله العرفان ممعن في جميع صفات هي صفات الحق للذات المريدة بالصدق انتهى كلامه
رفع مقامه وفى كلام س اقتباس من الحديث القدسي المشهور بين العامة والخاصة ان العبد
ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته فإذا أحببته كنت وهذا الفناء هو الذي جعله الحكماء
والمتكلمون رابعة مراتب العقل العملي وهي تهذيب الظاهر وتهذيب الباطن والتحلي بالفضايل وبعبارة
أخرى التجلية بالجيم والتخلية بالخاء المعجمة والتحلية بالحاء المهملة صل على محمد واله الأتقياء
واستمع ندائي واستجب دعائي وحقق بفضلك املى ورجائي التقوى له مراتب
تقوى عام وتقوى خاص وتقوى أخص فالعام الحمية عن المحرمات والخاص عن المحللات الا عن قدر
الضرورة والأخص عن الكونين وبالجملة عما سوى الله تعالى ومحمد صلى الله عليه وآله واله هم المتقون بالتقوى الأخص
وفى التلفيق بين طلب الرحمة لمحمد صلى الله عليه وآله واله وبين المطالب الأخرى تعليم طريق المسألة فان الدعاء في حق
الغير يستجاب سيما في حق زبدة الكونين ونخبة العالمين وقد قرر في الفقه وهو شريعة الله الغراء في أن
تبعيض الصفقة لا يجوز فلا يرد بكرمه وجوده المسئلات المشفوعة بالصلاة على محمد واله صلوات
الله عليهم بل يقبل الجميع بفضله يا خير من دعى لكشف الضر والمأمول قدم كشف
الضر على المأمول لان دفع المضرة أهم من جلب المنفعة والاهم وصيغة التفضيل من باب تفضيل شئ
على فيئ لا من باب تفضيل شئ على شئ لان الأثر ليس شيئا على حياله ومبدء المبادى هو الشئ بحقيقة
الشيئية والفضايل والفواضل كلها منه وبه واليه ونسبتها إليه بالوجوب والوجدان ونسبتها إلى غيره
112

بالامكان والفقدان إذ قد تقرر في العلوم العقلية ان نسبة الشئ إلى فاعله بالوجوب والى قابله بالامكان
فإذا نظرت إلى الأشياء أنفسها فهى ليست الا المهيات العاريات والمواد العاطلات فالمهيات
ليس لها في ذواتها الا الامكان وإذا سئل بطرفي النقيض عنها فليس الجواب الا الخلو عنهما كليهما وعدم
اقتضاء ذواتها شيئا منهما جميعا واما المواد فليس لها في ذواتها الا القوة والاستعداد وقوة
الشئ من حيث هي قوة الشئ ليست بشئ فكل الحسن والاحسان وجميع الحلى والحلل والفعلية والنور
من الكمالات الأولى والثانية من العواري والطواري فيها وعليها من الله مالك الملك بل
نفس ذواتها كك فالفقر نفذ إلى تخوم ذواتها فضلا عن صفاتها وافعالها يا أيها الناس أنتم
الفقراء إلى الله والله هو الغنى فإذا أرجعت الانسان الطبيعي مثلا إلى أصله العنصري كما
سيرجع فلحظته فقط وبشرط لا رأيته مصداقا لقول علي (ع) ما لابن ادم والفخر أوله نطفة
فذرة واخره جيفة قذرة فانا وأنت وهو من الممكنات لسنا الا هذا واليه يرجع عواقب
الثناء والخير بيديه والشر ليس إليه فلو ادعينا انا دفعنا عن مستضر ضرا أو أنلنا آملا مأمولا من
حيث نحن نحن فقد استسمنا ذوي ورم ولسنا الا مجالي قدرته ومظاهر صفته له الملك وله
الحمد ولا حول ولا قوة الا به به هيهات من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا نشورا كيف يمكنه جلب
النفع لغيره أو دفع الضر عن غيره وما قال الحكماء ان كل كائن مركب من العناصر الأربعة وهي أصله
معين في علم التوحيد قال تعالى ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون
وهذه مسألة جزئية من الحكمة وهذا ثمرها فما قولك في المسائل المهمة الأخرى منها فاعرف قدرها
واغل مهرها واطلب العلم من المهد إلى اللحد وقال تعالى في الكتاب الحكيم ومن يؤت الحكمة فقد
أوتي خيرا كثيرا وبالجملة فليرجع السالك إلى الله كل شئ إلى أصله قابله إلى أصله الخسيس القابلي
ومقبوله إلى أصله الشريف الفاعلي وليعط كل ذي حق حقه وليضع كل شئ موضعه حتى يكون عدلا قويما وعلى
الصراط مستقيما فبالعدل قامت السماوات والأرض وما يحكى ان الغلام المسمى باياز مع كمال تقربه عند
مولاه المجازى وهو السلطان محمود الغزنوي كان حافظا في المدة الطويلة نعليه الباليين وجلبابه الرث
الخلق من أيام مسكنته في بيت مغلق وكان كل يوم يدخل فيه مرة وينظر فيه رمز إلى أن العبد الحقيقي وان
بلغ من عناية المولى الحقيقي ما بلغ ينبغي ان لا يدع شيمة العبودية ولا يتفوه بما يعده أهل الله من الشطحيات
113

ما بقيت من وجوده شمة ونعم ما قيل كسى مرد تمام است كز تمامي * كند در خواجكى كار غلامي
ومن بديع إشارات كلامه (ع) إلى هذا المقام أنه قال (ع) يا خير من دعى لكشف الضر أي وان لم نصدق بذلك
الدعاء فيما سواه ولم يقل يا خير من يكشف الضر فما أدق عباراته وما الطف إشاراته (ع) لكل عسر
ويسر بك أنزلت حاجتي قال عيسى بن عمرو كل اسم على ثلثة أحرف أوله مضموم وأوسطه ساكن
فمن العرب من يثقله ومنهم من يخففه مثل عسر وعسر ورحم ورحم وحلم وحلم بضمتين في ثاني كل منها بك
أنزلت أي بك وحدك لا بك وبغيرك فيكون قصر افراد أو بك لا بغيرك بذلك فيكون قصر قلب والكلام
إما من باب حذف المضاف أي دفع عسر وجلب يسر واما لا حذف والمراد بالعسر مطلب صعب المنال
وباليسر مطلب سهل المنال والغرض الأقصى والسر الأسنى من انزال الحاجات ببابه وإناخة رواحل المطالب
بفنائه كثرة تذكره تعالى كما قال تعالى واذكروا الله كثيرا فان القلب المعنوي كمادة للصور المجردة العقلية
كما أن المواد الجسمانية مادة للصور الوضعية الحسية والمادة أينما كانت لا قوام لها الا بالصورة وكما أن العلم
عين المعلوم بالذات كك الذكر عين المذكور بالذات فإذا كان الانسان متذكر الغير الله تعالى كان صور
الأغيار صورة لقلبه كما قيل لقد صار قلبي قابلا كل صورة * فمرعى لغزلان وديرا لرهبان بل بناء
على اتحاد العالم بالمعلوم كان عين الصور المعلومة بالذات وإذا كان متذكر الله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه
بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه كان أسماؤه الحسنى وصفاته العليا صور قلبه وشتان بين قلب صورته
نقوش الجماد والنبات والحيوان وغيرها من صور عالم الامكان وبين قلب صورته نقش الأسماء والصفات
للملك المنان أين التراب ورب الأرباب دل يكى منظريست سبحاني * خانه ء ديو را چه دل خوانى
آنكه دل نام كرده ء بمجاز * رو به پيش سكان كوى انداز ولهذا أمر موسى (ع) ان يطلب من جناب القدس كل
ما يحتاج إليه حتى ملح طعامه إذ كل ما يجلب إلى جنابه فهو مطلوب حسن وإن كان للحسن عرض عريض فالاذكار لها
المطلوبية المطلقة والمسئلات باعتبار انها وسايل الذكر مطلوبة والا فخلق الانسان للتخلق باخلاق الله
الغنى السبحان لا للحاجة والرقية للأكوان فالانسان في الدعاء والمسألة من الله تعالى ينبغي ان ينظر من طرف خفى إلى
صقع الربوبية وتذكره الحقيقي ويجعل الدعاء والمسألة ذريعة ومقدمة له لا ان يتذكره من باب المقدمة
والذريعة لقضاء الحاجة وأين هذا الغناء من ذلك الغناء ولهذا ورد من المعصوم (ع) فوت الحاجة أحب
إلي من طلب الحاجة والأدعية المأثورة لدرك المطالب ونيل المآرب انما الغرض الأهم؟؟ منها ما ذكر
وليدع الوطر حتى يقضى الوطر وهوام المطالب واصل المآرب وسني المواهب كما أشار إليه (ع) بقوله فلا تردني من سني
مواهبك خايبا يا كريم يا كريم يا كريم وهو التكريم بالخلافة عن الكريم وصلى الله على محمد واله
قد وقع الفراغ من تأليفه سابع عشر رمضان المبارك من شهور سنه سبعة وستين ومأتين بعد الألف سنه 1267
114