الكتاب: تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف
المؤلف: محب الدين الأفندي
الجزء:
الوفاة: ١٠١٦
المجموعة: مصادر التفسير عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده
ردمك:
ملاحظات:

تنزيل الآيات
على
الشواهد من الأبيات
شرح
شواهد الكشاف
تأليف
الأستاذ محب الدين أفندي
رحمه الله وأثابه رضاه آمين
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده
311

(يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا " ومبشرا " ونذيرا ") (قرآن كريم)
بسم الله الرحمن الرحيم
يا من قامت على وحدانيته الشواهد، وفى كل شئ له آية تدل على أنه واحد; تنزه في ذاته عن المثال،
وتقدس في صفاته أن يتصوره وهم أو خيال، صل على سيدنا محمد أفصح العرب، وعلى آله وأصحابه أهل
البلاغة والأدب، صلاة نبلغ بها أسنى المقاصد، وتكون لنا في اليوم المشهود أعظم شاهد.
وبعد: فغير مستور ولا خاف أن الشواهد الواقعة في الكشاف كثيرا ما يحفظ منها أبيات، لكن لا يعلم ما استشهد
بها عليه من الآيات; ويعزب عن البال استحضار تلك الموارد والآيات التي قامت منها عليها شواهد، وطالما
رأيت من يحفظ البيت بقلبه وهو يدور عليه; وربما يوجد في البيت ساكن بل يلتقى فيه ساكنان ولم يهتديا إليه;
وقد وقفت لبعضهم على شرح شواهد الكتاب إلا أنه لم يذكر فيه آية تدل على ذلك البيت ليعلم الدخول إليه من أي
باب، فيحتاج عند كل بيت إلى مراجعة محله من التفسير، ويصرف في استخراجه لتزيل الآية عليه زمن كثير،
فوجدت أن تسهيل الطريق إلى البيت أمر يتحم، وجردت الأبيات من محلها ورتبها على حروف المعجم، وكتبت
تلك الآية ليعرف منها الشاهد ويعلم، ويدرى ذلك البيت بأدنى تنبيه، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه. على
أنه لم يفت الشارح المذكور من الأبيات إلا الثمد والسبد واللمم، أو ما أغفل منها فلم يجر عليه القلم; ثم إني أبسط
العذر عند مطالع هذا الكتاب، عن شرح بعض الأبيات بطريق الإسهاب، وضم سابق الشاهد ولا حقه إليه،
والميل أحيانا إلى عطف ذلك عليه، فإنه ربما دعت له المناسبة، وكان بين البيت وما يليه من كل جهة أفعال المقاربة
وكدت لذكر البيت مع ما يناسبه; تكلمني أحجاره وملاعبه، وكأن لسان حاله ينشد في هذا المقام مخاطبا،
ويتمثل ببيت جرير معاتبا:
تمرون الديار ولم تعوجوا * كلامكم على إذا حرام
فلم أر بدا من أن أعطف البيت على سابقه لحق الجوار، وأبين معناه مجانب الإكثار، وقد يكتفى بشطر
البيت فأولى وجه النظر شطره، أو يقتصر على محل الشاهد من العجز فأشرح صدره، لكمال اتصاله به وائتلافه،
ومعلوم أن مقام البسط يباين مقام خلافه، وما تلك قضية منكورة، بل قصة معروفة مشهورة، فلعل الواقف عليه
يغضى عما يجده من الخلل، ولا يعد ذلك تطويلا يوجب الملل، والله المسؤول أن يوفقني لصالح القول والعمل
ثم من المقرر أن وجه التسمية لا يلزم اطراده، ولكني أردت أن أسمى هذا الكتاب باسم يحسن وقعه وإيراده، فسميته
[تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات].
313

ولنقدم قبل الشروع في المقصود مقدمة وهى أنا لمحنا في الديباجة ببعض ألفاظ تحتاج إلى إفصاح. ولوحنا
إلى مقاصد تفتقر إلى إيضاح، وهى قولنا على أنه لم يفت الشارح المذكور من الأبيات إلا الثمد والسبد واللمم،
أو ما أغفل منها فلم يجر عليه القلم; أما الثمد فهو تلميح إلى بيت أغفله في سورة
مريم عند قوله تعالى (وآتيناه الحكم صبيا) وهو بيت النابغة الذبياني:
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت * إلى حمام سراع وارد الثمد
وأما السبد فهو تلميح إلى بيت أغفله في سورة عند قوله تعالى (رب السماوات والأرض وما بينهما
إن كنتم موقنين) وهو قوله:
سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا * فكيف لو قد سعى عمرو عقالين
لأصبح الناس أوبادا ولم يجدوا * عند التفرق في الهيجا جمالين
وأما اللمم فهو تلميح إلى بيت أغفله في سورة النجم عند قوله تعالى (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) وهو قوله:
لقاء أخلاء الصفاء لمام * وحبل وصال الغانيات رمام
وأما قولنا أو ما أغفل منها فلم يجر عليه القلم، فهو إيماء إلى بيتين أوردهما المصنف من نظمه في سورة القلم
حيث قال يعنى نفسه. ولبعضهم في صفة القلم: ورواقم رقش إلى آخر البيتين; ثم لا يخفى على من ذاق هذا الكلام
وتأمله أن في هذه الألفاظ ما يلوح إلى قلة ما أغفله.
ونسأل الله تعالى أن يوسع علينا فضله، ويوقظنا من سنة الغفلة، ويعصمنا من الزلل والخطأ، وأن لا نكون
ممن اتبع هواه وكان أمره فرطا، والله تعالى ولى التوفيق، والهادي بالعناية إلى أقوم طريق، وهو حسبي ونعم
الوكيل:
سورة الفاتحة
(باسم الذي في كل سورة سمه * قد وردت على طريق تعلمه)
هذا البيت ثاني أبيات الكشاف، وإنما ابتدأنا به هنا تبركا باسمه سبحانه وتعالى، والبيت لرؤبة بن العجاج.
والشاهد فيه كون الاسم أحد الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السكون، فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة لئلا
يقع ابتداؤهم بالساكن، وإذا وقعت في الدرج لم تفتقر إلى زيادة شئ واستغنى عنها بتحريك الساكن، وبعد البيت:
أرسل فيها بازلا يقرمه * فهو بها ينحو طريقا يعلمه
أي أرسل بازلا في حال كون المرسل قرمه: أي تركه على المعل للفحلة فالبازل يقصد بتلك الإبل
طريقا يعلمه لأنه ألف ذلك العمل: أي الجماع، والبازل الذي انشق نابه، وذلك في السنة التاسعة وربما بزل
في الثامنة، وبعد الآن نشرع في شرح الأبيات على ترتيب الحروف.
314

حرف الألف
(ويصعد حتى يظن الجهول * بأن له حاجة في السماء
البيت لأبى تمام في سورة البقرة عند قوله تعالى (صم بكم عمى فهم لا يرجعون) فإن المنافقين لما وصفوا بأنهم
اشتروا الضلالة بالهدى وعقب ذلك بتمثيل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة حول المستوقد والضلالة التي اشتروها
بذهاب الله بنورهم وتركه إياهم في الظلمات، فكأنهم من حيث سدوا مسامعهم عن الإصاخة لما يتلى عليهم من
الآيات والذكر الحكيم وأبوا أن يتلقوها بالقبول وينطقوا بها وأصروا على ذلك صاروا كفاقدي تلك المشاعر
بالكلية كقوله:
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بشر عندهم أدنوا
أصم عن الشئ الذي لا يريده * وأسمع خلق الله حين يريد
وهذا عند مفلق سحرة البيان من باب التمثيل البليغ المؤسس على تناسى التشبيه كما في قول أبى تمام في مدح خالد
ابن يزيد الشيباني ويذكر أباه، وهذا البيت في مدح أبيه وذكر علوه فإنه استعمار الصعود لعلو القدر والارتقاء
في معارج الكمال، ثم بنى عليه ما يبنى على علو المكان من الارتقاء إلى السماء في مدارج الحاجة في السماء، وليس
ذلك من قبيل الاستعارة التي يطوى لها ذكر المستعار بالكلية، حتى لو لم يكن هناك يكن قرينة كدلالة الحال أو فحوى
الكلام يحمل على المعنى الحقيقي كقول زهير: لدى أسد شاكي السلاح مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم
(يوحون بالخطب الطوال وتارة * وحى اللواحظ خيفة الرقباء)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (فهم لا يرجعون أو كصيب) حيث ثنى الله تعالى في شأنهم بتمثيل آخر ليكون
كشفا لحالهم بعد كشف، وإيضاحا غب إيضاح، وكما يجب على البليغ في مظان الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز
فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع كما في الجاحظ يوحون الخ. قيل
لأبى عمرو بن العلاء: لما كانت العرب تطنب؟ فقال: ليسمع منها، فقيل: فلم توجز؟ قال: ليحفظ عنها;
ومن هذا القيل ما أورد من تجاهل العارف كالمبالغة في المدح في قول البحتري يمدح الفتح بن خاقان:
ألمع برق بدا أم ضوء مصباح * أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي
أو التدله في الحب كقول العرجي:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا * ليلاي منكن أم ليلى من البشر
وما أحسن القاضي الفاضل يمدح الملك العادل أبا بكر بن أيوب:
أهذه سير في الفضل أم سور * وهذه أنجم في السعد أم غرر
وأنمل أم بحار والسيوف بها * موج وافرندها في لجها درر
وأنت في الأرض أم فوق السماء وفى * يمينك البحر أم في وجهك القمر
إلى غير ذلك من مستظرفات الأمثال:
315

(فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها * ومن بعد أرض بيننا وسماء)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (أو كصيب من السماء) حيث جاء بالسماء معرفة; لينفى أن يتصوب من سماء
أي من أفق واحد من سائر الآفاق لأن كل أفق من آفاقها سماء، قال تعالى (وأوحى في كل سماء أمرها) ولو نكر
السماء لجاز أن يكون الصيب من بعض الآفاق بدليل قوله * فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها * الخ. الشاعر
يتوجع لذكر الحبيبة ومن بعد ما بينه وبينها من قطعة أرض وقطعة سماء تقابل تلك القطعة الأرض فنكرهما، إذ
لا يتصور بينهما بعد جميع الأرض والسماء; وأوه كلمة توجع تستعمل مع اللام، وقد اتفق للشاعر استعمالها معها في بيته
وربما قصد ذلك فلله دره، ومنه يقال أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال أوه، والاسم الآهة بالمد، قال المثقب
العبدي:
إذا ما قمت أرحلها بليل * تأوه آهة الرجل الحزين
يقال رحلت البعير أرحله إذا شددت عليه الرحل، وهذا البيت لم يذكر في شرح الشواهد:
لا تزدرين في من أن يكون له * أم من الروم أو سوداء عجماء
(فإنما أمهات الناس أوعية * مستودعات وللأبناء آباء)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (وعلى المولود له) أي على الذي يولد له وهو الوالد وله في محل الرفع على
الفاعلية نحو عليهم في (المغضوب عليهم) وإنما قال المولود ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهم، لأن الأولاد للآباء
ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات، فلا تزدرين بأحد أنه ولد من أمة رومية أو سوداء هندية. قيل عاب هشام
زيد بن علي فقال: بلغني أنك تريد الخلافة وكيف تصلح لها وأنت ابن أمة؟ فقال: كان إسماعيل ابن أمة وإسحق
ابن حرة، فأخرج الله من صلب إسماعيل خير ولد آدم. وأنشد المأمون ابن الرشيد البيت في مثل ذلك، وما أحسن
ما قيل في معنى ذلك:
وهل هند إلا مهرة عربية * سليلة أفراس تحللها بغل
فإن ولدت مهرا كريما فبالحري * وإن كان إقراف فما أنجب الفحل
ولذلك ترى المفتخرين بالأنساب فيما مضى وما هو آت، إنما يفتخرون بالآباء لا بالأمهات كما قال الفرزدق:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا جرير المجامع
ومنهم من لا يفتخر لا بالآباء ولا بالأمهات، وإنما يفتخرون بالفضائل والكمالات كما قال:
لعمرك ما الإنسان إلا ابن يومه * على ما تجلى يومه لا ابن أمسه
وما الفخر بالعظم الرميم وإنما * فخار الذي يبغي الفخار بنفسه
وما أحسن ما قيل
وإني وإن كنت ابن سيد عامر * وفارسها المشهود في كل موكب
فما سودتني عامر عن وراثة * أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
(ألم أك جاركم ويكون بيني * وبينكم المودة والإخاء)
316

في سورة النساء عند قوله تعالى (ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤنين) في قراءة من ينصب بإضمار أن.
والبيت للحطيئة يذكرهم حق المجاورة والمودة والإخاء، والواو جواب الاستفهام ويجاب بها كما يجاب بالفاء.
وفى سورة الأعراف عند قوله تعالى (وقال الملأ من فرعون أنذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك
وآلهتك) حيث كان، ويذرك عطفا على يفسدوا وجواب الاستفهام بالو أو كقول الحطيئة ألم أك جاركم، على
معنى أيكون منك ترك موسى ويكون تركه إياك وآلهتك.
(أدعى بأسماء نبزا في قبائلها * كأن أسماء أضحت بعض أسمائي)
في سورة الأنعام عند قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) قيل آزر اسم صنم، فيجوز أن ينبز به للزومه
عبادته كما ينبز ابن قيس بالرقيات اللاتي كان يشبب بهن فقيل ابن قيس الرقيات. يقول: أدعى في قبائل المحبوبة
بأسماء وليست أسماء اسمى وإنما ينبزوني بها. اللقب من باب ضرب.
(فمن يلق في بعض القريات رحله * فأم القرى ملقى رحالي ومنشئ (1))
في الأنعام عند قوله تعالى (ولتنذر أم القرى) والبيت للمنصف; قال ولبعض المجاورين: يعنى به نفسه:
أي فأم القرى ملقى رحالي ومنشئ ومرجعي ومعادى أدخل نوبة بعد نوبة، والمراد بأم القرى مكة شرفها الله
تعالى.
(كأن سلافة من بيت رأس * يكون مزاجها عسل وماء)
كأن الرحل منها فوق صعل * من الظلمان جؤجؤه هواء
في يونس عند قوله تعالى (أكان للناس عجبا أن أوحينا) على قراءة ابن مسعود عجب فجعله اسما وهو نكرة،
وأن أوحينا خبره وهو معرفة كقوله * يكون مزاجها عسل وماء * والأجود أن تكون كان تامة وأن أوحينا
بدلا من عجب، لأن القلب المقبول هو المشتمل على لطيفة فجعله منصوبا على تلك الطريقة، وما أحسن قول
القائل في هذا المعنى:
أفى الحق يعطى ثلاثون شاعرا * ويحرم ما دون الرضا شاعر مثلي
كما سامحوا عمرا بواو مزيدة * وضويق بسم الله في ألف الوصل
والبيت لحسان من قصيدته المشهورة التي أولها:
عفت ذات الأصابع فالجواء * إلى عذراء منزلها خلاء
ومنها يجيب أبا سفيان بن الحرث لما هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هجوت محمدا فأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء
ولما أنشد هذا البيت قال له النبي صلى الله عليه وسلم (جزاك الله الجنة) ومنها:
هجوت محمدا برا حنيفا * أمين الله شيمته الوفاء
أتهجوه ولست له بكفء * فشر كما لخير كما الفداء

(1) كذا بالأصل وهو تصحيف، والذي في صحيح النسخ ومنتابي من قولك انتابهم: إذا أناهم نوبة ثم نوبة، فالصواب ذكره مع
شرحه في باب الباء.
317

وقد ذكر هذا البيت تفسير سورة العنكبوت أيضا عند قوله تعالى (والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله
أولئك هم الخاسرون) فإن هذا الكلام ورد مورد الإنصاف كقوله تعالى (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)
قيل لما أنشد هذا البيت قال من حضر: هذا أنصف بيت قالته العرب: ومنها:
فإن أبى ووالده وعرضى * لعرض محمد منكم وقاء
ولما أنشد هذا البيت قال له النبي صلى الله عليه وسلم (وقاك الله حر النار يا حسان) روى عن عائشة رضي الله عنها
أنها وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان والله كما قال شاعره حسان بن ثابت:
متى يبد في الداجي إليهم جبينه * يلح مثل مصباح الدجى المتوقد
فمن كان أو من قد يكون كأحمد * نظام لحق أو نكال لملحد
والسلافة أول ما يسيل من ماء العنب وهو أرق ما فيه، وبيت رأس: قرية بالشام، وقيل أراد به الرئيس فإن
شراب الملوك أطيب من شراب غيرهم، وقوله * يكون مزاجها عسل وماء * في موضع الوصف لسلافة وخبر
كأن المشددة في البيت الثاني وهو قوله:
على أنيابها أو طعم غض * من التفاح هصره اجتناء
والهصر: عطفك الشئ الرطب، وهو أن تأخذ برأس غصن ثم تكسره إليك من غير بينونة لتجنى ثمره،
وطعم منصوب معطوف على اسم كأن المشددة; شبه طعم ريقها بطعم الخمر وقد مزجت بعسل وماء، أو بطعم
تفاح غض قد اجتنى.
(ردى ردى ورد قطاة صما * كدرية أعجبها برد ألما)
في مريم عند قوله تعالى (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) أي عطاشا،
فإن من يدر الماء لا يرده إلا لعطش، أو كالدواب التي ترد الماء، وحقيقة الورد السير إلى الماء كقوله: ردى الخ.
والشاعر يخاطب الناقة وإنما جعلها صماء لأنها لا تسمع صوت القانص حتى تنفر، والكدرية نوع فيها كدرة، وفى
لفظ الورد تهكم عظيم لا سيما وقد جعل المورد جهنم أعاذنا الله منها رحمة.
(فصرم حبلها إذ صرمته * وعادك أن تلاقيها عداء)
في (طه) عند قوله تعالى (سنعيدها سيرتها الأولى) على تقدير أن يكون أعاد منقولا من عاده بمعنى عاد إليه،
ومنه بيت زهير المذكور، قال أبو عمرو: بمعنى شغلك، وقال الأصمعي: صرفك. والعداء: البعد والشغل.
وقال الأصمعي الجور: أي وشغلك أو صرفك العداء عن ملاقاتها; ولكن المعنى الذي أراد المصنف في عاد هنا
غير المعنيين، وهو أن يكون عادك بمعنى عاد إليك، فقوله وعادك عطف على قوله صرمته: أي اقطع حبلها إن
قطعته هي، وعادك بمعنى عاد إليك جور أو شغل أو بعد، وإذا ثبت أن عاد يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه
فيتعدى بسبب زيادة الهمزة إلى المفعولين الأول الضمير المتصل والثاني سيرتها، وكأنه قيل سنعيد إليها سيرتها
الأولى، وأما قوله عداء في البيت فهو فاعل عادك.
(آذنتنا ببينها أسماء * رب ثاو يمل منه الثواء)
في الأنبياء البيت لابن حلزة عند قوله تعالى (فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء) والأذان الإعلام: أي أعلمتكم
318

مستويين: أي أنا وأنتم في علم ما أعلمتكم به، والبين: الفراق، وأسماء اسم المحبوبة من الوسامة وهى الحسن
والجمال، والهمزة بدل الواو كما في أحد، والثواء: الإقامة يقول: أعلمتنا أسماء بمفارقتها أبانا: أي بعزمها
على فراقنا، ثم قال رب مقيم تمل إقامته، والمراد غيرها: أي أن فراقها يؤذى ولا يمل ثواؤها وليست هي كغيرها
ممن يمل ثواؤه، وما أحسن قول الباخرزي في عكس هذا المعنى، وقيل إنه لأبى بكر الخوارزمي.
أراك إذا أيسرت خيمت عندنا * زمانا وإن أعسرت زرت لماما
فما أنت إلا البدر إن قل ضوءه * أغب وإن زاد الضياء أقاما
(أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء)
في سورة القصص عند قوله تعالى (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) أي صفرا من العقل. والمعنى: أنها لما
سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها لما دهمها من فرط
الجزع والدهش، وسيأتى شرحه في يونس. (كانت قناتي لا تلين لغامز * فألانها الإصباح والإمساء)
فدعوت ربى بالسلامة جاهدا * ليصحني فإذا السلامة داء
في والصافات عند قوله تعالى (فقال إني سقيم). إن قلت: كيف جاز له أن يكذب؟ قلت: قد جوزه بعض
الناس في المكيدة في الحرب والتقية، وفى إرضاء الزوج والصلح بين المتخاصمين والمتهاجرين; والصحيح أن
الكذب حرام إلا إذا عرض وورى، والذي قاله إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه معراض من الكلام، وقد نوى
به أن من في عنقه الموت سقيم، ومنه المثل: كفى بالسلامة داء، وقول لبيد: فدعوت ربى الخ. وقد مات رجل
فجأه الناس والتفوا عليه وقالوا: مات وهو صحيح، فقيل أصحيح من الموت في عنقه؟ والقناة: الرمح
والمراد هنا القامة، والغمز: العصر باليد، يصف قوته في الشباب وضعفه في الكبر ومرور الصباح والمساء عليه
كما قيل:
ست وستون لو مرت على حجر * لبان تأثيرها في منعة الحجر
وقيل لشيخ كيف أصبحت؟ قال: في داء يتمناه الناس، ومن المشهور:
أشاب الصغير وأفنى الكبير * كر الغداة ومر العشى
وقد تضمن البيتان الشكاية من الدهر والأيام وأنها تحول بين المرء وبين المرام، وأن ما مضى من حلاوة العيش
فيما مضى من الزمن لا تعادلها مرارة هذه الأيام الكثيرة المحن، ولله در القائل:
رب يوم بكيت منه فلما * صرت في غيره بكيت عليه
وما أحسن ما أنشد في معنى ذلك:
لقد كنت أشكوك الحوادث برهة * وأستمرض الأيام وهى صحائح
إلى أن تغشتني وقيت حوادث * تحقق أن السالفات منائح
ولما كانت عادة الأيام الإتيان بعكس المرام وخلاف الإسعاف والإسعاد كان يتمنى البعد من يريد الوصال
ويرجو الانقطاع باغى الاتصال كما قال:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا * وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
319

وما أحسن ما قبل في ذلك لأبى حسن الباخرزي:
ولكم تمنيت الفراق مغالطا * واحتلت في استمثار غرس ودادي
وطمعت منها بالوصال لأنها * تبنى الأمور على خلاف مرادي
ومن ألطف ما قيل في طريقة ذلك:
دعوت الله أن تسمو وتعلو * علو البدر في كبد السماء
فلما أن علوت علوت عنى * وكان إذ " ا على نفسي دعائي
وبالجملة فإلى الله المشتكى من دهر إذا أساء أصر على إساءته،، وإن أحسن ندم من ساعته.
واو أنى أعد ذنوب دهري * لضاع القطر فيه والرمال
(طلبوا صلحنا ولات أوان * فأجبنا أن لات حين بقاء)
هو لأبى زبيد الطائي من قصيدة طويلة أولها:
خبرتنا الركبان أن قد فجرتم * وفخرتم بضربة المكاء
ولعمري لعارها كان أدنى * لكمو من تقى وحسن وفاء
فاصدقوني وقد خبرتم وقد ثنا * بت إليكم جوائب الأنباء
هل سمعتم من معشر سافهونا * ثم عاشوا صفحا ذوي غلواء
كم أزالت رماحنا من قبيل * قاتلونا بنكبة وشقاء
بعثوا حربنا عليهم وكانوا * في مقام لو أبصروا ورخاء
ثم لما تشذرت وأنافت * وتصلوا منها كريه الصلاء
طلبوا صلحنا الخ. وبعده:
ولعمرى لقد لقوا أهل بأس * يصدقون الطعان عند اللقاء
ولقد قاتلوا فما جبن القوم * عن الأمهات والآباء
وحملناهم على صعبة زو * راء يعلونها بغير وطاء
أطمعتم بأن تريقوا دمانا * ثم أنتم بنجوة في السماء
فلحى الله طالب الصلح منا * ما أطاف الخميس بالدهناء
إننا معشر شمائلنا الصبر * ودفع الأسى بحسن العزاء
ولنا فوق كل مجد لواء * فاضل في التمام كال لواء
فإذا ما استطعتموا فاقتلونا * من يصب يرتهن بغير فداء
في سورة ص عند قوله تعالى (ولات حين مناص) حيث قرأوا (ولات حين مناص) بالكسر، ومنه البيت
ووجه الكسر في أوان أنه شبه بإذ في قوله:
نهيتك عن طلابك أم عمرو * بعافية وأنت إذا صحيح
320

في أنه زمان قطع منه المضا ف إليه، وعوض التنوين لأن الأصل ولات أوان صلح. فإن قلت: ما تقول
في حين مناص والمضاف إليه قائم. قلت: نزل قطع المضاف إليه من مناص لأن أصله حين مناصهم منزلة قطعه
من حين لاتحاد المضاف والمضاف إليه، وجعل تنوينه عوضا عن الضمير المحذوف ثم بنى الحين لكونه مضافا
إلى غير متمكن. إن قلت: كيف يوقف على لات؟ قلت: يوقف عليها بالتاء كما تقف على الفعل الذي تتصل به
تاء التأنيث، وأما الكسائي فيقف عليها بالهاء كما يقف على الأسماء المؤنثة. والمناص: المنجا والفوت، يقال ناصه
ينوصه إذا فاته، واستناص: طلب المناص، وأما قراءة العامة فهي بفتح التاء، وحين بالنصب، ومذهب
سيبويه أن لا نافية بمعنى ليس، والتاء مزيدة فيها كزيادتها في رب وثم، ولا يعمل إلا في الأزمان خاصة نحو لات
حين ولات أوان كما في البيت، وقوله:
ندم البغاة ولات ساعة مندم * والبغي مرتع مبتغيه وخيم
والأكثر حذف مرفوعها تقديره: ولات الحين حين مناص، وقد يحذف المنصوب ويبقى المرفوع كقوله:
من صد عن نيرانها * فأنا ابن قيس لا براح * أي لا براح لي
(وما أدرى وسوف إخال أدرى * أقوم آل حصن أم نساء)
لزهير بن أبي سلمى من قصيدته التي أولها:
عفا من آل فاطمة الجواء * فيمن فألقوا دم فالحساء
أرونا خطة لا ضيم فيها * يسوى بيننا فيها السواء
فإن الحق مقطعه ثلاث * يمين أو فناء أو جلاء
فذلكم مقاطع كل حق * ثلاث كلهن له شفاء
في سورة الحجرات عند قوله تعالى (لا يسحر قوم من قوم) القوم: الرجال خاصة لأنهم القوام بأمور النساء،
قال تعالى (الرجال قوامون على النساء) وقال صلى الله عليه وسلم (النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه) والذابون
هم الرجال وهو في الأصل جمع قائم كصوم وزور في جمع صائم وزائر أو تسمية بالمصدر، واختصاص القوم
بالرجال صريح في الآية، وفى قول زهير، وقد استشهد به أيضا على أن الهمزة فيه للتعيين ليست للتسوية كما ظن
ابن الشجري ذلك، وعلى الفصل بالفعل الملغى بين سوف ومدخولها على وقوع الجملة المعترضة بين حرف التنفيس
والفعل، واستشهد به أهل البديع على النوع المسمى بتجاهل العارف:
(إذا طلع النجم عشاء * ابتغى الراعي كساء)
في سورة (والنجم) والنجم: الثريا، وهو اسم غالب لها. قيل إن الثريا تخفى في السنة أربعين يوما لأنه تطلع
الشمس فلا يرى، عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا طلع النجم ارتفعت العاهات) والعرب تسمى الثريا النجم،
وهى سبعة ظاهرة وواحد خفى، قال الشاعر: خليلي إني للثريا لحاسد * وإني على ريب الزمان لواجد
أيجمع منها شملها وهى سبعة * ويؤخذ منى مؤنسي وهو واحد
321

(بادت وغير آيهن من البلى * إلا رواكد جمرهن هباء
ومشجج أما سواء قذاله * فبدا وغير ساره المعزاء)
هو من أبيات الكتاب في سورة الواقعة عند قوله تعالى (وحور عين) بالرفع على وفيها حور عين، أو للعطف
على ولدان، وبالجر عطفا على جنات النعيم، كأنه قال: هم في جنات وفاكهة ولحم وحور، أو على أكواب
على معنى: يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وحور، وبالنصب على ويؤتون حورا، باد: هلك، وغير
آيهن: أي علامتهن، والمراد بالرواكد أحجار الأثفية، وهبا الرماد يهبو إذا اختلط بالتراب. وقوله: ومشجج
المراد به وتد الخباء الذي شج رأسه من الدق، وغير ساره: أي بقيته. والأمعز: مكان يخالط ترابه حجارة وحصى
وإذا حمل على الأرض أو البقعة قيل المعزاء: أي لم يبق من آثار منازل الأحباب سوى أحجار الأثافي ورمادها
المختلط بالتراب ووتد الخباء المكسور الرأس المتغير بطول بقائه في الأرض، ورفع مشجج ولم يعطفه على رواكد: أي
وفيها مشجج، وحمل مشجج بعد بالرفع على المعنى لأن المعنى: بادت إلا رواكد بها رواكد، فحمل مشجج على
ذلك، ومثله: لم يدع....... * من المال إلا مسحتا أو مجلف *
لأن تقديره: لم يبق من المال إلا مسحت فحمل مجلف عليه، وسيجئ الكلام على إعرابه في محله مستوفى إن
شاءالله تعالى.
(كيف نومي على الفراش ولما * تشمل الشأم غارة شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدى * عن خدام العقيلة العذراء)
في القلم عند قوله تعالى (يوم يكشف عن ساق) والكشف عن الساق والإبداء عن الخدام مثل في شدة الأمر
وصعوبة الخطب، وأصله في الروع والهزيمة وتشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب وإبداء خدامهن عند
ذلك، قال حاتم:
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها * وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقال ابن الرقيات: تذهل الشيخ عن بينه الخ. فمعنى يوم يكشف عن ساق في معنى: يوم يشتد الأمر ويتفاقم
ولا كشف ثم ولا ساق، كما يقال للأقطع الشحيح يده مغلولة ولا يد له ولا غل وإنما هو مثل في البخل، يقال
غارة شعواء: أي فاشية متفرقة تذهل: أي تشغل تلك الغارة، وإنما خص الشيخ لوفور عقله وممارسته الشدائد:
وإما لفرط محبته للأولاد، والخدمة الخلخال، والعقيلة من النساء: التي عقلت في بيتها: أي خدرت وحبست،
وعقيلة كل شئ أكرمه، ورفع الشعواء وخفض العذراء إقواء يتساهل الشعراء فيه، وسمى إقواء لأنه نقص من
عروضه قوة، يقال أقوى الحبل إذا جعل بعضه أغلظ من بعض، والشعر خالف قوافيه برفع بيت وجر آخر
كما في بيت النابغة الذبياني:
زعم البوارح أن رحلتنا غدا * وبذاك خبرنا الغراب الأسود
لا مرحبا بغد ولا أهلا به * إن كان تفريق الأحبة في غد
والبارح ضد السانح، يقال من لي بالسانح بعد البارح: أي بالمبارك بعد المشئوم، يقال سنح الطائر: جرى من يمينك إلى
شمالك، والعرب تتيمن بذلك. قال ابن فارس: السانح ما أتاك عن يمينك من طائر وغيره.
322

حرف الباء
(خيال لأم السلسبيل ودونها * مسيرة شهر للبريد المذبذب
فقلت لها أهلا وسهلا ومرحبا * فردت بتأهيل وسهل ومرحب
معاذ الإ به أن تكون كظبية * ولا دمية ولا عقيلة ربرب)
هو من قصيدة من الحماسة للبعيث بن حريث وأولها * خيال لأم السلسبيل ودونها * الخ، وبعده:
ولكنها زادت على الحسن كله * كما لا ومن طيب على كل طيب
وإن مسيري في البلاد ومنزلي * لبالمنزل الأقصى إذا لم أقرب
ولست وإن قربت يوما ببائع * خلاقي ولا ديني ابتغاء التحبب
ويعتده قوم كثير تجارة * ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي
دعاني يزيد بعد ما ساء ظنه * وعبس وقد كانا على حد منكب
وقد علما أن العشيرة كلها * سوى محضري من خازلين وغيب
فكنت أنا الحامي حقيقة وائل * كما كان يحمى عن حقيقتها أبى
محل الشاهد أن الإله أصل الله، والبيت مبالغة في الاعتصام: أي أعوذ بالله عياذا وعياذة ومعاذا وعوذا
تجعله بدلا من اللفظ لأنه مصدر وإن كان غير مستعمل مثل سبحان. والدمية: الصنم والصورة المنقوشة.
والعقيلة: من كل شئ أكرمه. والربرب: القطيع من بقر الوحش. يصف محبوبة المسماة بهذه الأوصاف أنها بتلك
المحاسن، ثم بين أنها أحق مما وصفها به، واستغفر الله أن تكون في الحسن بحيث تشبه بذلك إذ كانت هذه الأشياء
عنده دونها وقاصرة عن رتبتها. وقد استعمل محرره الفقير هذا المعنى بعينه في قصيدة أرسلها للمرحوم العلامة
الشيخ شمس الدين بن المنقار عليه رحمة الغفار جوابا عن قصيدة كان أرسلها إلى تقريظا امتدح به رحلة الفقير التي
أنشأها لما توجه إلى مصر المحمية في خدمة المرحوم شيخ الإسلام مفتى الأنام حضرة جوى زاده رزقه الله الحسنى
وزياده، ولا بأس بإيراد بعض أبيات من القصيدتين لمناسبة المقام، ولا يخفى على ذوي الذوق السليم أن بين ما نظمته
وبين الشاهد الشبه التام، فمطلع قصيدة المرحوم المشار إليه:
أهذه الخود تجلى في مغانيها * أم السماء بدت فيها دراريها
أم بنت فكر غدت باللفظ تسحرنا * ونحن من حسنها الفتان نرقيها
جرت على أدباء العصر قاطبة * ذيل الترفع من إعجابها تيها
لن يستطيع بليغ أن يعارضها * ولا إمام المعاني أن يدانيها
دانت لها العرب العرباء قاطبة * أقر بالعجز قاصيها ودانيها
لله در محب الدين سيدنا * أحل أعلى المعاني في أغانيها
323

فلفظها الزهر مفتر مباسمه * والجوهر الفرد جزء من معانيها
بنى قصورا لأهل العلم عالية * من الثناء فحلوا في أعاليها
لا بدع إن أطنبت في وصفها مدح * وكيف لا والمحب المحض بانيها
سارت إليه المعالي وهى خاضعة * لما تفرد في أعلى مراقيها
لازال يرفل في أثواب سؤدده * مع الأحبة في مغنى تلاقيها
ما مال نحو محب حبه وبدت * تشدو الحمائم في أعلى أغانيها
فكتب الفقير إليه قصيدة مطلعها:
جاءت مخدرة تستصحب التيها * تميس عجبا وقد رقت حواشيها
عذراء مقصورة عزت فصاحتها * عن أن يكون لها كف ء يكافيها
أزرت بقس وسبحان فصاحتها * وكل كل لسان مادح فيها
ما راعني كأس معنى من قوادمها * إلا وأسكرني معنى خوافيها
وكلما مر في سمعي مكررها * يحلو لقلبي زلالا برد صافيها
وكنت أسمع بالسحر الحلال وما * أظنه غير ما ضمت قوافيها
ما هذه كلم في اللفظ بل درر * من قال تلك كلام ليس يدريها
وكيف لا وفصيح العصر سيدنا * فخر الأفاضل شمس الدين منشيها
أتت إليه القوافي وهى ملقية * زمامها وله قد طاع عاصيها
والنظم أضحى كأنفاس يرددها * بلا تكلف أفكار يعانيها
بالله قل لي وهذا أمر ملتمس * ماذى اللآلي التي في الطرس تبديها
أهذه درر أضحت مرصعة * في جبهة الطرس أم حور تناجيها
وأنجم أم بدور في مشارقها * أو هذه الشمس قد لاحت لرائيها
ومنها وهو محل المناسبة:
أستغفر الله ما إني مشبهها * بما ذكرت من الأشياء تشبيها
أنى يكون لسان لي فيمدحها * كلا ومن أين لي شكر يؤديها
يا فاضل العصر يامن من نوادره * ما زال يهدى لأسماعي أمانيها
لافض فوك وماتت حاسدوك ولا * زالت سجاياك مشكورا مساعيها
ولا برحت إماما راقيا أبدا * من السيادة في أعلى مراقيها
ما شببت نسمات الدوح في سحر * وما حدا العيس والأظعان حاديها
(أفادتكم النعماء منى ثلاثة * يدي ولساني والضمير المحجبا)
324

في سورة الفاتحة عند قوله (الحمد لله) ومعناه: أن النعم التي أنعمتم بها على أفادتكم منى ثلاثة: يدي
فأعاونكم بها، ولساني فأثنى عليكم به، وقلبي فهو محشو بمحبتكم مملوء منها، فأنا أشكر نعماءكم وأجازيها بالقلب
واللسان والجوارح. قال السيد الشريف: وهو استشهاد معنوي على أن الشكر يطلق على أفعال الوارد الثلاثة،
وبيانه أنه جعلها بإزاء النعمة جزاء لها متفرعا عليها، وكل ما هو جزاء للنعمة عرفا يطلق عليه الشكر لغة; ومن لم
يتنبه لذلك زعم أن المقصود مجرد التمثيل لجميع شعب الشكر لا الاستشهاد على أن لفظ الشكر يطلق عليها
فإنه غير مذكور هنا. وما يقال من أن الشاعر جعل مجموعها بإزاء النعمة فيستفاد منه أنه يطلق عليه لا أنه يطلق
على كل واحد منها. فجوابه لا شبهة في إطلاقه على فعل اللسان حتى توهم كثير من الناس اختصاص الشكر به
في اللغة وأن الاشتباه في إطلاقه على فعلى القلب والجوارح، فلما جمعا مع الأول وعدت ثلاثة علم أن كل واحد
شكر على حدة، فكأنه قيل: كثرت نعماؤكم عندي وعظمت فاقتضت استيفاء أنواع الشكر، وبولغ في ذلك
حتى جعل مواردها واقعة بإزاء النعماء ملكا لأصحابها مستفادا منها. وفى وصف الضمير بالمحجب إشارة إلى أنهم
ملكوا ظاهرة وباطنه.
(يا لهف زيابة للحارث الصا * بح فالغانم فالآيب)
والله لو لاقيته خاليا * لآب سيفانا مع الغالب
هو من أبيات الحماسة، والشعر لابن زيابة في جواب الحرث بن همام حين قال:
أيا يا ابن زيابة إن تلقني * لا تلقني في النعم العازب
في سورة البقرة عند قوله تعالى (والذين يؤمنون بما أنزل إليك) حيث وسط حرف العطف بين الصفات
كأنه قال: الذي صبح فغنم فآب: أي يا حسرة أبى من أجل الحرث، والحرث اسم من غزاهم وصبحهم وغنم
منهم وآب إلى قومه سالما: أي يا حسرة أبى من أجل الحرث فيما حصل من مراده واتصف به من الأوصاف المتعاقبة،
قيل تهكم به بمعنى أنه لم يحصل له تلك الأوصاف، فإن الحرث توعد أبا زيابة بالقتل ثم نكص عن جزائه. وقيل
هو على ظاهرة، ثم أقسم بالله تعالى فقال: والله لقيته منفردا عن أشياعه لحصل سيفانا مع الغالب منا، والمعنى:
(تلك الفتاة التي علقتها عرضا * إن الحليم وذا الإسلام يختلب)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (يخادعون الله والذين آمنوا) يعنى أن المؤمنين وإن جاز أن يخدعوا لم يجز
أن يخدعوا; ألا ترى إلى قول ذي الرمة: إن الحليم الخ. ويختلب: أي يخدع من خلب يخلب من باب قتل يقتل
والاسم الخلابة والفاعل خلوب مثل رسول، وقوله عرضا: أي من غير قصد بل شئ اعترضه هكذا لا يعلمه
كما قال عليه الصلاة والسلام (إن في المعاريض لمندحة عن الكذب) مثل أن يقول: ما رأيت فلانا ولا كلمته،
ومراده ما ضرب رئته ولا جرحه. والانخداع ضربان: أحدهما أن ينخدع ولا يعلم أنه مخدوع فذلك من البله.
والثاني أن ينخدع ويعلم فذلك من الكم. قيل كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كلما صلى عبد من عبيده
وأحسن قراءته أعتقه، فقيل له يخدعونك، فقال: من خادعنا بالله ننخدع له. والبيت لذي الرمة من قصيدته
البائية المشهورة الطويلة التي يذكر فيها صاحبته مية التي أولها:
325

ما بال عينك منها الماء ينسكب * كأنه من كلي مفرية سرب
ديار مية إذ مى تساعفنا * ولا يرى مثلها عجم ولا عرب
براقة الجيد واللبات واضحة * كأنها ظبية أفضى بها لبب
زين الثياب وإن أثوابها استلبت * على الحشية يوما زانها السلب
تزداد للعين إسفارا إذا سفرت * وتحرج العين منها حين تنقب
تلك الفتاة التي علقتها عرضا * أن الكريم وذا الإسلام يختلب
وقد وقع في شواهد الكشاف الذي وقفنا عليه ولم يذكرها رأسا مع غرر الأبيات وأحسن الشواهد منها قوله:
أذاك أم نمش بالوشى أكرعه * مسفع الخد عاد ناشط شبب
أذاك أم خاضب بالسى مرتعه * أبو ثلاثين أمسى وهو منقلب
هو لذي الرمة من الأبيات التي لم تذكر في شرح الشواهد في سورة البقرة عند قوله تعالى (أو كصيب من السماء)
مما ثنى من التمثيل، ومنه (وما يستوى الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوى
الأحياء ولا الأموات) والأوصاف المذكورة في البيتين لثور الوحش. ومسفع الخد أسوده من السفعة. والناشط:
الخارج من أرض إلى أرض وهو أسرع ما يكون. والشبب: المسن من بقر الوحش، والظليم إذا أكل الربيع
فاحمرت ساقاه أو اصفرتا يقال له خاضب ولا يقال ذلك إلا للظليم وهو ذكر النعام دون النعامة. والسى: الأرض
المستوية، وهنا علم أرض بعينها. منقلب: أي راجع إلى أفراخه الثلاثين. شبه ناقته بحمار الوحش ثم بالثور
الوحشي ثم بالظليم، فذاك الأول إشارة إلى الحمار في الأبيات السابقة، والثاني إلى الثور وهو مبتدأ محذوف
الخبر: أي أذاك الحمار يشبه ناقتي أم ذاك الثور النمش أم الظليم الخاضب. وشواهد هذا النوع كثيرة لا تحصى،
ومن ألطفها قول سيدي عمر بن الفارض رحمه الله تعالى:
أبرق بدا من جانب الغور لامع * أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقع
أم ابتسمت ليلى فضاء بوجهها * نهار به نور المحبة ساطع
(عفا آية نسج الجنوب مع الصبا * وأسحم دان صادق الوعد صيب)
هو للشماخ في البقرة عند قوله تعالى: (أو كصيب من السماء) يعنى أن
الصيب كما يطلق على المطر الذي يصوب: أي ينزل ويقع، يقال للسحاب صيب أيضا كما في بيت الشماخ.
يقول: إن اختلاف الرياح وتتابع الأمطار على ربع المحبوبة عفا آية وغير رسمه ومحا أثره، ونحوه قول زهير:
قف بالديار التي لم يعفها القدم * بلى وغيرها الأرواح والديم
(أحاولت إرشادي فعقلي مرشدي * أم اشتقت تأديبي فدهري مؤدبي
هما أظلما حالي ثمت أجليا * ظلاميها عن وجه أمراد أشنب)
شجى في حلوق الحادثات مشرق * به عزمه في الترهات مغرب
326

في البقرة عند قوله تعالى (وإذا أظلم عليهم قاموا) حيث استعمل لازما ومتعديا، والمتعدى لا يوجد في استعمال
من يستشهد بكلامه ولم يثبته الثقات من أئمة اللغة إلا القليل جدا. واعلم أن الشعراء طبقات: الجاهليون كامرئ
القيس وزهير، والمخضرمون: أي الذين أدركوا الجاهلية والإسلام كحسان ولبيد، والمتقدمون من أهل الإسلام
كالفرزدق وجرير ويستشهد بأشعارهم; ثم المحدثون كالبحتري وأبى تمام، ولا يستشهد بشعرهم وإنما أسند
الإظلام إلى العقل لأنه لا يطيب عيش العاقل، وإلى الدهر لإنه يعادى كل فاضل، والأولى أن يراد بالإظلام ما يشق
على النفس من تعنيف المؤدب والمرشد وبإجلاء الظلام ما ظهر لهما من ثمرتي الإرشاد والتأديب: أي كلفاني ما أظلم
به حالي وتنغص به عيشي ثم أجليا ظلاميهما لأني تهذبت وتأدبت:
(يمشون رسما فوق قنته * ينهون أكل وعن شرب)
في البقرة عند قوله تعالى (واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا) حيث اتسع فيه فأجرى مجرى المفعول به
فحذف الجار ثم حذف الضمير كما حذف من قوله: أو مال أصابوا: أي أراهم قد تغيروا عما كانوا عليه من
الوفاء فما الذي غيرهم البعد وطول العهد؟ كما قيل: طول العهد ينسى، أم المال والغنى، فإن المال يطغى (إن
الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) ولأجل ذلك قال أبو الهول في صديق له أيسر فلم يجده كما يحب:
لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة * فأصبحت فيها بعد عسر إلى يسر
فقد كشف الإثراء منك خلائقا * من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر
والبيت للحرث بن كلدة الثقفي من قصيدة تتضمن ألطف عتاب وأحسنه، قالها وقد خرج إلى الشأم فكتب
إلى بنى عمه يجيبوه، وهى قوله:
ألا أبلغ معاتبتي وقولي * بنى عمى فقد حسن العتاب
وسل هل كان لي ذنب إليهم * همو منه فأعتبهم غضاب
كتبت إليهم مرارا * فلم يرجع إلى لها جواب
فما أدرى أغيرهم تناء * وطول العهد أم مال أصابوا
فمن يك لا يدوم له وصال * وفيه حين يغرب انقلاب
فعهدي دائم لهموا وودى * على حال إذا شهدوا وغابوا
ولا يخفى على ذي الذوق السليم لطف هذا العتاب والخطاب المستطاب، ولعمرى إنه حرى بقول الآخر:
وأملى عتابا يستطاب فليتني * أطلت دنوبي كي يطول عتابه
327

(فقال لي قول ذي رأى ومقدرة * محرر نزه خال من الريب
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به * فقد تركتك ذا مال وذا نشب)
في البقرة اختلف في قائله; فقيل خفاف بن ندبة، وقيل عباس بن مرداس المحرر المعتق النزه بكسر الزاي
البعيد عن السوء. والنشب: المال الأصيل يجمع الصامت والناطق وقد جمع في البيت بين الحذف والإثبات; ألا
ترى أنه قال: أمرتك الخير ثم قال أمرت به ولم يقل أمرته عند قوله تعالى (فافعلوا ما تؤمرون) أي به، أو أمركم
بمعنى مأموركم تسمية للمفعول بالمصدر كضرب الأمير. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة يوسف عند
قوله تعالى (ولئن لم يفعل ما آمره) الضمير راجع إلى الموصول، والمعنى: ما آمره به فحذف الجار كما في أمرتك
الخير. ويجوز أن تجعل ما مصدرية فيرجع إلى يوسف، ولم يجوز الزمخشري عوده إلى يوسف إلا إذا جعلت
ما مصدرية، ومعناه على هذا: وإن لم يفعل أمرى الحجر (فاصدع بما تؤمر) أي بما تؤمر به من الشرائع فحذف الجار كما
في البيت، ويجوز أن تكون ما مصدرية: أي بأمرك مصدر من المبنى للمفعول. قال أبو حيان: والصحيح أن
ذلك لا يجوز، قال تلميذه السمين: الخلاف إنما هو في المصدر المصرح، وهل يجوز أن ينحل بحرف مصدري
وفعل بنى للمفعول أم لا يجوز؟ في ذلك خلاف مشهور، أما أن الحرف المصدري هل يجوز أن يوصل بفعل بنى
للمفعول نحو يعجبني أن ضرب عمرو أم يجوز؟ ذلك محل النزاع:
(تلك خيلي منه وتلك ركابي * هن صفر أولادها كالزبيب)
هو للأعشى من قصيدة يمدح بها أبا الأشعث بن قيس عند قوله تعالى (صفراء فاقع لونها تسر الناظرين) وعن علي
رضي الله عنه: من ليس نعلا صفراء قل همه. وعن الحسن البصري: صفراء فاقع لونها: سوداء شديدة
السواد، ولعله مستعار من صفة الإبل لأن سوادها يعلوه صفرة، وبه فسر قوله تعالى (جمالات صفر) وقوله
كالزبيب: أي سود: يعنى خيلي وإبلي السود وأولادها من الممدوح ونعمته، وقبل البيت:
كل عام يمدني بجموم * عند وضع للضأن أو بنجيب
من ديار لهضب القليب * فاض ماء الشؤون فيض الغروب
أخلفتني بها قتيلة ميعا * دى وكانت للوعد غير كذوب
إن من لام في بنى بنت حسا * ن ألمه أعصه في الخطوب
إن قيسا قيس الفعال أبا الأشعث * أمست أصداؤه لشعوب
كل عام يمدني البيتين، وبعدهما:
ذاكم الماجد الجواد أبو الأشعث * أهل الندى وأهل السيوب
فما قومي بثعلبة بن سعد * ولا بفزازة الشعر الرقابا)
عند قوله تعالى (فقد سفه نفسه) قيل انتصاب النفس على التمييز، ويجوز أن يكون من شذوذ تعريف المميز.
والمعنى: ليس قومي بثعلبة وهى اسم قبيلة، ولا بفزازة الكثيرة الشعر بالرقبة، وهذا من شذوذ تعريف المميز.
328

ولا يجوز ارتكابه في القرآن، والمراد منه رد ذلك القول. والبيت لحرث بن ظالم المري كان يدعى أنه من قريش وإن
أمه خرجت به إلى مرة وهو صغير فنسب إليهم، وبعده:
وقومي إن سألت بنى لؤي * بمكة علموا مضر الصوابا
يقال للشديد أشعر الرقبة تشبيها له بالأسد:
(عريض القفا ميزانه في شماله * قد انحص من حسب القراريط شاربه)
عند قوله تعالى (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) عند قصة عدى بن حاتم حين
عمد إلى عقالين أبيض وأسود فجعلهما تحت وسادته فقال له صلى الله عليه وسلم (إن كان وسادك لعريضا) وروى
(إنك لعريض القفا) وهو كناية عن الحمق، وكون ميزانه في شماله كناية عن البله لأن الميزان يرفع باليمين. وانحص
شعره وشاربه إذا تجرد وانحسر، وإن الحاسب إذا أمعن في الحساب وتفكر فيه عض على شفته وشاربه.
(قوم هم الأنف والأذناب غيرهم * ومن يسوى بأنف الناقة الذنبا)
هذا البيت ذكر استطرادا عند قوله:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك * ربيع الناس والبلد الحرام
(خذي العفو مني تستديمي مودتي * ولا تنطقي في سورتي حين أغضب)
فإني رأيت الحب في الصدر والأذى * إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
هو لأسماء بن خارجة الفزاري أحد حكماء العرب يخاطب زوجته حين بنى عليها، وبعده:
ولا تصرميني مرة بعد مرة * فإنك لا تدرين كيف المغيب
عند قوله تعالى (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) وهو أن ينفق مالا يبلغ إنفاقه منه
الجهد واستفراغه الوسع: أي خذي ما سهل ولم يشق على من الأموال لتستديمي محبتي ولا تنطقي في حال حدتي
وشدة غضبى، فإن الحب والأذى إذا دخلا في الصدر لا يلبث الحب معه فهما ضدان لا يجتمعان، وقد استشهد
بالبيت المذكور في سورة الأعراف عند قوله تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) أي خذ
ما عفا لك من أفعال الناس وتسهل ولا تكلفهم ما يشق عليهم من العفو الذي هو ضد الجهد، أو خذ العفو من
المذنبين أو الفضل من صدقاتهم وذلك قبل وجوب الزكاة:
(تود عدوى ثم تزعم أنني * صديقك ليس النوك عنك بعازب)
فليس أخي من ودنى رأى عينه * ولكن أخي من ودنى في المغايب
عند قوله تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان
وخلاصة المعنى أن الصديق الصدوق من يكون صديقا لصديق صديقه ومبغضا صديقه ويراعى الأخوة
بظهر الغيب لا برأي العين.
(مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة * ولا ناعب إلا ببين غرابها)
329

عند قوله تعالى (كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق) حيث عطف وشهدوا
على ما في إيمانهم من معنى الفعل لأن معناه بعد أن آمنوا، وقوله: ليسوا مصلحين عشيرة * ولا ناعب... بالجر
عطفا على محل مصلحين لأن تقديره ليسوا بمصلحين، لأنه توهم أن الباء في مصلحين موجودة ثم عطف عليه مجرورا
وإن كان منصوبا وهذا نادر لا يقاس عليه. وقد استشهد بالبيت المذكور أيضا في سورة هود عند قوله تعالى (ومن
وراء إسحق يعقوب) حيث قرئ بالنصب كأنه قيل (ووهبنا له إسحق ومن وراء إسحق يعقوب) على طريقة ليسوا
مصلحين عشيرة. وقد استشهد بالبيت المذكور أيضا في سورة المؤمن عند قوله تعالى (إذ الأغلال في أعناقهم
والسلاسل يسحبون) حيث قرئ بجر السلاسل، ووجهه أنه لو قيل إذ أعناقهم في الأغلال مكان قوله إذ الأغلال
في أعناقهم لكان صحيحا مستقيما، فلما كانتا عبارتين معتقبتين حمل قوله والسلاسل على العبارة الأخرى، ونظيره
* مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة * الخ.
(وداع دعا يامن يجيب إلى الندى * فلم يستجبه عند ذاك مجيب)
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة * لعل أبى المغوار منك قريب
في آل عمران عند قوله تعالى (فاستجاب لهم ربهم) يقال استجاب له ربه واستجابه.
* فلم يستجبه عند ذاك مجيب * أي لم يجبه، وقال تعالى (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) وقال (كلما أوقدوا
نارا للحرب) وقائله كعب بن سعد الغنوي يرثى أخاه شبيبا واسمه هرم وكنيته أبو المغوار من قصيدته المشهورة
التي منها:
تتابع أحداث تخرمن إخوتي * وشيبن رأسي والخطوب تشيب
لعمري لئن كانت أصابت مصيبة * أخي والمنايا للرجال شعوب
لقد كان أما علمه فمروح * علينا وأما جهله فغريب
فإن تكن الأيام أحسن مرة * إلى فقد عادت لهن ذنوب
ومنها البيتان، وبعدهما:
يجبك كما قد كان يفعل إنه * مجيب لأبواب العلاء طلوب
(فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا * فاذهب فما بك والأيام من عجب)
في النساء عند قوله تعالى (تساءلون به والأرحام) بالجر على وجهين على تقدير قراءة الجر والتمحل له بتقدير
تكرير الجار، لأن عطف الظاهر على المضمر ليس بسديد، وأما قراءة النصب فعلى وجهين: أما العطف على
لفظ الجلالة وأن يعطف على محل الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمرا، وأما الرفع فعلى أنه مبتدأ خبره محذوف
كأنه قيل والأرحام كذلك: أي مما يتقى. ومعنى البيت: أدنيت كلامك القبيح وأسرعت في الذم والإيذاء فاذهب
على طريقتك فإنها شيمة الأيام وأهلها، وهو أمر تهديد وتخلية ومتاركة من قبيل (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا
سلاما).
(ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب)
هو للنابغة الذبياني من قصيدته المشهورة التي أولها:
330

كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقض * وليس الذي يرعى النجوم بآيب
عند قوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) من تأكيد الشئ بما يشبه نقيضه كقولك
فلان لا عيب فيه إلا أنه سخى، وقوله تعالى (لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما) على بعض التوجيهات، يعنى إن
أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه فلا يحل لكم غيره وذلك غير ممكن، والغرض المبالغة في تحريمه وسد
الطريق إلى إباحته كما يعلق بالمحال في التأبيد في نحو قولهم: حتى يبيض القار، و (حتى يلج الجمل في سم الخياط)
كما استثنى غير أن سيوفهم من قوله: لاعيب فيهم، وفلول السيف كناية عن كمال الشجاعة، فكونه من العيب
محال. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الأعراف عند قوله تعالى (وما تنقم منا إلا أن آمنا) أي ما تنقم منا
إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر كلها وهو الإيمان. وقد استشهد به أيضا عند قوله تعالى في سورة مريم
(لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما) أي إن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة عليهم لغوا فلا يسمعون
لغوا إلا ذلك، فهو من وادى * ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * الخ. على أحد الوجوه الثلاثة المذكورة
في الكشاف، وقبل البيت:
على عارفات للطعان عوابس * بهن كلوم بين دام وجالب
إذا استنزلوا للطعن عنهن أرقلوا * إلى الموت إرقال الجمال المصاعب
قوله عارفات: أي صابرات، والعارف: الصابر، يقال أصابته مصيبة فوجد عروفا: أي صبورا.
عوابس: كوالح بهن: أي بهذه الخيل. كلوم بين دام: أي جرح طري فهو يدمى وآخر قد يبس فعليه جلبة
يابسة: أي قشرة تركب الجرح. قوله استنزلوا: أي يضيق المكان على الفارس فينزل فيقاتل راجلا. وأرقلوا:
أسرعوا. وواحد المصاعب مصعب وهو الفحل الذي لم يركب ولم يمسه حبل حتى صار صعبا.
(لا يجتوينا مجاور أبدا * ذو رحم أو مجاور جنب)
عند قوله تعالى (والجار ذي القربى والجار الجنب) أي الذي جاره بعيد، وقيل الجار القريب النسيب والجار
الجنب الأجنبي، وأنشد لبلعان بن قيس: أي لا يكرهنا من اجتويت البلاد إذا كرهتها أو لم يوافقك ماؤها ولا
هواؤها وذو رحم: أي ذو قرابة. أو مجاور جنب: أي أجنبي.
(أمنت على السر امرأ غير حازم * ولكنه في النصح غير مريب
أذاع به في الناس حتى كأنه * بعلياء نار أوقدت بثقوب)
هو لأبى الأسود الدؤلي في النساء عند قوله تعالى (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) يقال أذاع
السر وأذاع به: أي جاء متعديا بنفسه وبالباء، والمتعدى بها يحتمل أن يكون هو المتعدى بنفسه ينزل منزلة اللازم
ثم وصل بالباء كما وصل في يجرح في عراقيبها نصلى فيكون أبلغ من المتعدى بنفسه من جهة أن المعنى فعل به حقيقة
الإذاعة وجعله محلا لذلك. والثقوب: اسم لما يثقب به النار كالوقود اسم لما يوقد به، ومن أحسن ما قيل فيمن
لا يكتم السر قوله:
لي صديق غدا وإن كان لا * ينطق إلا بغيبة أو محال
331

أشبه الناس بالصدى إن تحدثه * حديثا أعاده في الحال
(فإن أهجه يضجر كما ضجر بازل * من الأدم دبرت صفحتاه وغاربه)
عند قوله تعالى (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) حيث قرئ لعلمه بإسكان اللام. البازل: الشاب من الإبل.
والأدم جمع آدم وأدماء وهو الشديد البياض، وصفحتاه لأنهما أرق جاودا. يقول: إن أهجه يضجر كما
يضجر الدبر من النوق حين يحمل عليه الحمل الثقيل. قال في الصحاح: وقد خفف ضجر ودبرت في الأفعال
كما يخفف فخذ في الأسماء.
(كطود يلاذ بأركانه * عزيز المراغم والمذاهب)
هو للنابغة الجعدي عند قوله تعالى (يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة) والرغم: الذل والهوان وأصله لصوق
الأنف بالرغام وهو التراب، يقال راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه في ذلك. والطود:
الجبل. يلاذ: أي يلجأ. عزيز المراغم: أي شديد المسالك، والمراغمة: المهاجرة.
(عجبت والدهر كثير عجبه * من عنزى سبني لم أضربه)
عند قوله تعالى (ثم يدركه الموت) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وقيل رفع الكاف منقول من الهاء
كأنه أراد أن يقف عليها ثم نقل حركة الهاء إلى الكاف كقوله من عنزى; وعنزة: أبو حي من ربيعة، أصله
لم أضربه بسكون الباء وضم الهاء.
(قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم * شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا)
عند قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) يقال وفى بالعهد وأوفى به (والموفون بعهدهم). والعقد:
الموثق شبه بعقد الحبل ونحوه كما قال الحطيئة. والعناج ككتاب: حبل يشد في أسفل الدلو العظيمة ثم يشد في
العراقي وهى جمع عرقوة بفتح العين، والعرقوتان: الخشبتان اللتان تعرضان على الدلو كالصليب وجمعها العراقي.
والكرب بالتحريك: الحبل يشد في الوسط العراقي ليلى الماء فلا يعفن الحبل الكبير. والمراد بالقوم بنو أنف الناقة،
وكان هذا لقبا في غاية الشناعة، فأبرزه الحطيئة في صورة المدح وكمال الرياسة حيث قال بعد هذا البيت:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم * ومن يسوى بأنف الناقة الذنبا
وفى البيت إشارة إلى كون العقد بمعنى العهد مستعارا من عقد الحبل حيث رشح ذلك بذكر الحبل والدلو وما
يتعلق بهما.
دعاك الهوى والشوق لما ترنحت * هتوف الضحى بين الغصون طروب
تجاوبها ورق أرعن لصوتها * فكل لكل مسعب ومجيب
(فمن يك أمسى بالمدينة رحله * فإني وقيار بها لغريب)
هو لضابئ بن الحارث البرجمي عند قوله تعالى (إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به)
حيث وحد الضمير في قوله ليفتدوا به وقد ذكر شيئان، ومثله قول حسان:
إن شرخ الشباب والشعر الأسود * ما لم يعارض كان جنونا
وإلا فاعلموا أنا وأنتم * بغاة ما بقينا في شقاق
332

ومثل ذلك قوله تعالى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) ولم يقل يرضوهما: أي الله أحق أن يرضوه ورسوله
كذلك، وقوله (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) وقد استشهد بالبيت في سورة التوبة عند قوله
تعالى (ولا ينفقونها في سبيل الله) ذهابا بالضمير إلى المعنى دون اللفظ لأن كل واحد منهما جملة وافية وعدة كثيرة
دنانير ودراهم فهو كقوله (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) وقيل ذهب إلى الكنوز، وقيل إلى الأموال، وقيل
ولا ينفقونها الذهب كما في البيت. وقد استشهد بالبيت المذكور عند قوله تعالى في سورة الإسراء (أو تأتى بالله
والملائكة قبيلا) أي مقابلا كالعشير والمعاشر وهو حال من الجلالة وحال الملائكة محذوفة لدلالتها عليها كما حذف
الخبر في قوله * فإني وقيار بها لغريب * ينشد برفع قيار ونصبه، لأنك إذا عطفت على اسم إن كان لك
في المعطوف الرفع والنصب على المحل واللفظ. وقد استشهد بالبيت المذكور في غير موضع من الآيات الكريمة.
(أمت سجاح ووافاها مسيلمة * كذابة من بنى الدنيا وكذاب)
عند قوله تعالى (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) قال في الكشاف: كان أهل الردة إحدى عشرة
فرقة: ثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. بنو مدلج ورئيسهم ذو الحمار كان له حمار يقول له قف
فيقف وسر فيسير، وكان يبنى بعض الأمور على الحمار وكانت النساء يتعطرن بروث حماره، وقيل يعقدن روثه
بخمرهن فسمى ذا الحمار، وهو الأسود العنسي، وكان كاهنا تنبأ باليمن، واستولى على بلاده وأخرج عمال رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل وإلى سادات اليمن، فأهلكه الله
تعالى على يد فيروز الديلمي تتبعه فقتله، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ليلة قتل، فسر المسلمون
وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد وأتى خبره آخر ربيع الأول. وبنو حنيفة ورئيسهم مسيلمة الكذاب،
تنبأ وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله; أما بعد: فإن الأرض
نصفها لي ونصفها لك. فأجابه: من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب; أما بعد: فإن الأرض لله يورثها من
يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، فحاربه أبو بكر رضي الله عنه بجنوده المسلمين وقتل على يدي وحشى قاتل
حمزة وكان يقول: قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام، أراد في جاهليتي وإسلامي. وبنو أسد:
قوم طليحة بن خويلد، تنبأ فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا فانهزم بعد القتال إلى الشأم ثم أسلم
وحسن إسلامه. وسبع في عهد أبى بكر رضي الله عنه: فزارة قوم عيينة بن حصن، وغطفان قوم قرة بن سلمة
العنزي. وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد يا ليل، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض تميم قوم سجاح بنت
المنذر المتنبئة التي زوجت نفسها مسيلمة الكذاب وفيها يقول أبو العلاء المعرى في كتاب [استغفر واستغفري]:
أمت سجاح ووافاها مسيلمة * كذابة من الدنيا وكذاب
وكندة قوم الأشعث بن قيس، وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد، وكفى الله أمرهم على يد أبى بكر
رضي الله عنه. وفرقة واحدة في عهد عمر رضي الله عنه: غسان قول جبلة بن الأيهم نصرته اللطمة وسيرته إلى بلاد
الروم بعد إسلامه. وقوله: أمت سجاح يروى آمت بالمد وتخفيف الميم من الأيمة: أي صارت أيما، وأمت
بالتشديد من الإمامة، والأيم: المرأة التي مات عنها زوجها، والرجل إذا لم يكن له امرأة أيم أيضا. وقيل في المثل
الحرب مأيمة; أي يقتل فيها الرجال فتبقى النساء أيامى. ووافاها مسيلمة: أي وافقها وتزوجها; وأراد بها سجاح
333

بنت المنذر امرأة مسيلمة الكذاب وكانت متنبئة قبل أن يتزوجها وكانت شريفه; فلما تزوجها سلمت له فأتبعه
قومها وهم بنو حنيفة، وقال الشاعر فيه:
مسيلمة اليمامة كان أدهى * وأكذب حين سار إلى سجاح
ليمدح قومه بأبي رباح * وفاز ورد مقصوص الجناح
وفيها يقول قيس بن عاصم:
أضحت نبيتنا أنثى نساء بها * وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
فلعنة الله والأقوام كلهم * على سجاح ومن بالإفك أغرانا
أعنى مسيلمة الكذاب لأسقيت * أصداؤه ماء مزن حيثما كانا
ثم لما قتل مسيلمة تابت سجاح وحسن إسلامها، وكذلك خويلد الأسدي مات في زمن عمر رضي الله عنه.
(هذى مخايل برق خلفه مطر * جود وورى زناد خلفه لهب
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه * وأول الغيث قطر ثم ينسكب)
عند قوله تعالى (فالق الإصباح) قالوا فيه وجهان: أحدهما فالق ظلمة الإصباح وهى الغبش في آخر الليل
ومنقضاه الذي يلي الصبح، والثاني يراد فالق الإصباح الذي هو عمود الفجر عن بياض النهار وإسفاره. وسموا
الفجر فلقا بمعنى مفلوق كما قال الطائي وهو أبو تمام أو البحتري: وأزرق الفجر فجران: الأول
رقيق يضرب إلى الزرقة، والثاني أبيض منتشر في الأفق، والأول يسمى الفجر الكاذب، والفجر الأزرق وهو
الذي كذنب السرحان فذلك الذي لا يبيح صلاة الفجر ولا يحرم الطعام على من أراد الصيام، والفجر الثاني هو
أول وقت الصبح يحلل الصلاة ويحرم الطعام على الصوام.
(لدن بهز الكف يعسل متنه * فيه كما عسل الطريق الثعلب)
عند قوله تعالى (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) انتصابه على الظرف وشبهه الزجاج بقوله: ضرب زيد الظهر
والبطن; يصف الشاعر رمحا باللين أي لين. يعسل: يعدو; والعسلان عدو الذئب: أي يعسل (1) في عدوه هذه،
فأضمر لتقدم ذكره. وكما عسل الطريق: يريد أنه لا لزازة فيه إذا هززته ولا جسوء، وذكر المتن والمراد
المجموع. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الجن عند قوله تعالى (كنا طرائق قددا) أي كنا ذوي مذاهب
متفرقة، أو كنا في اختلاف أحوالنا مثل الطرائق المختلفة، أو كنا في طرائق مختلفة كقوله:
* كما عسل الطريق الثعلب *
(وخبر تمانى أنما الموت بالقرى * فكيف وهاتا هضبة وقليب)
عند قوله تعالى (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) وهو لاستنكار أن يكون للمشركين
عهد حقيق بالمراعاة عند الله سبحانه وتعالى وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، وحذف الفعل المستنكر للإيذان بأن
النفس مستحضرة له مترقبة لورود ما يوجب استنكاره لا مجرد كونه معلوما كما في البيت فإنه علة مصححة: أي

(1) قوله (أي يعسل الخ) هكذا في الأصل. ومعنى البيت واضح والعبارة غير مستقيمة فحرر كتبه مصححه.
334

كيف يكون لهم عهد معتد به عند الله ورسوله وإن يظهروا عليكم الخ. الهضبة كل صخرة راسية ضخمة. والقليب:
البئر; وسمى القليب قليبا لأنه قد قلب ترابه، وقبل البيت:
لعمر أبى إن البعيد الذي مضى * وإن الذي يأتي غدا لقريب
وهو لكعب الغنوي في مرثية أخيه مع صاحبيه: أي خبر تمانى أنما الموت يكون بالقرى لأن من سكن الأمصار
والقرى مرض للوباء الذي يكون في الأمصار فكيف مات أخي في هذا الموضع وهو برية
(مسرة أحقاب تلقيت بعدها * مساءة يوم أريها شبه الصاب
فكيف بأن تلقى مسرة ساعة * وراء تقضيها مساءة أحقاب)
عند قوله تعالى (قل نار جهنم أشد حرا) استجهال لهم لأن من تصون من مشقة ساعة فوقع بسبب ذلك
التصون في مشقة الأبد كان أجهل من كل جاهل; والمعنى: يضحكون قليلا ويبكون كثيرا جزاء إلا أنه أخرج على لفظ
الأمر للدلالة على أنه حتم واجب لا يكون غيره. وقوله مسرة أحقاب مبتدأ خبره أريها شبه الصاب، والأحقاب:
الأزمان الكثيرة واحدها حقب. والأرى: العسل، والشبه: المثل، والصاب: نبت مر، وقيل الحنظل. يقول:
مسرة أزمان كثيرة ترى بعدها مساءة يوم هي في الحقيقة مثل الصاب مرارة، فكيف بأن تلقى مسرة ساعة وتقع
بسبب تلك المسرة في مشقة الأبد، وذلك مثل نعيم الدنيا ولذتها إذا وقع صاحبها بعدها في عذاب الآخرة نعوذ بالله
من ذلك، ومن هنا أخذ المرحوم أبو السعود قوله في قصيدته الميمية:
زمان تقضى بالمسرة ساعة * وآن تولى بالمساءة عام
وهو مأخوذ من قوله:
إن الليالي للأنام مناهل * تطوى وتنشر دونها الأعمار
فقصار هن مع الهموم طويلة * وطوالهن مع السرور قصار
وكلهم آخذون من قوله:
يا خاطب الدنيا الدنية إنها * شرك الردى وقرارة الأكدار
دار متى ما أضحكت في يومها * أبكت غدا بعدا لها من دار
(أحقا عباد الله أن لست جائيا * ولا ذاهبا إلا على رقيب)
في سورة يونس عند قوله تعالى (إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده) فإن قوله يبدأ الخلق
ثم يعيده إما استئناف معناه التعليل، وقرئ أنه أو هو منصوب بالفعل الذي نصب وعد الله: أي وعد
الله وعدا بدء الخلق ثم إعادته، والمعنى: إعادة الخلق بعد بدئه. وقرئ وعد الله على لفظ الفعل ويبدئ من أبدأ.
ويجوز أن يكون مرفوعا بما نصب حقا: أي حق حقا بدء الخلق كقوله: أحقا عباد الله، ويحتمل أن يريد الرقيب
الذي يمنعه من الحبيب ويحتمل أن يريد به ما قال تعالى (إن كل نفس لما عليها حافظ) كما قال الشاعر:
من عليه بكل لفظ رقيب * عجبا منه كيف يطلق لفظا
ومنه قول الحماسي:
أحقا عباد الله أن لست رائيا * رفاعة طول الدهر إلا توهما
335

قال المرزوقي: أحقا انتصب عند سيبويه على الظرف كأنه قال: أفى الحق ذلك؟ وإنما جعل ظرفا لأنه رآهم
يقولون: أفى حق كذا وفى الحق كذا، فجعله منصوبا على تلك الطريقة، وما أحسن قول القائل في هذا المعنى:
أفى الحق أن يعطى ثلاثون شاعرا * ويحرم ما دون الورى شاعر مثلي
كما سامحوا عمرا بواو مزيدة * وضويق بسم الله في ألف الوصل
(أبنى حنيفة أحكموا سفهاءكم * إني أخاف عليكم أن أغضبا)
في هود عند قوله تعالى (الر كتاب أحكمت آياته) على القول بأن معنى أحكمت منعت من الفساد من قولهم
أحكمت الدابة إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح كما في قول جرير. يقول: امتنعوا عن إيذائي والتعرض
إلى، فإني أخاف عليكم إذا غضبت فأصيبكم بسوء من هجو أو غيره; كقوله:
يا تيم تيم عدى لا أبا لكمو * لا يلفينكم في سوءة عمر
تعرضت تيم لي عمدا لأهجوها * كما تعرض لإست الخارئ الحجر
(بمنزلة أما اللئيم فسامن * بها وكرام الناس باد شحوبها)
عند قوله تعالى (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك) حيث عدل عن ضيق إلى ضائق ليدل
على أنه ضيق عارض غير ثابت، لأنه صلى الله عليه وسلم كان أفسح الناس صدرا، ومثله قولك زيد سيد وجواد
تريد السيادة والجود الثابتين المستقرين، فإذا أردت الحدوث قلت سائد وجائد، ونحوه (كانوا قوما عامين)
في بعض القراءات، وقول العكلي * بمنزلة أما اللئيم فسامن * أي سمين، المراد به حدوث السمن. والشحوب:
تغير لون الرجل من غم أو سفر، وعند بعض العرب هو انخذال وهو أولى: أي بمنزلة ضيق وجدب يكون
اللئيم بها سمينا إذ ليس له هم سوى هم بطنه، وأما الكرام فباد هزالهم لأنهم يطعمون الناس ولا يطعمون.
(ولقد طعنت أبا عيينة طعنة * جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا)
عند قوله تعالى (يا قوم لا يجرمنكم شقاقي) جرم مثل كسب في تعديه إلى مفعول واحد وإلى مفعولين، تقول:
جرم ذنبا وكسبه وجرمته ذنبا وكسبته إياه، كما قال: جرمت فزارة الخ. ومنه قوله تعالى (لا يجرمنكم شقاقي أن
يصيبكم) أي لا يكسبنكم شقاقي إصابة العذاب أو جرمت قطعت; والمعنى: طعنت هذا الرجل طعنة قتلته بها،
وقطعت قبيلة فزارة بعد هذه الطعنة أن يغضبوا لقطع دابرهم وضعفهم وخمود ريحهم.
(أمرتك الخير فافعل ما أمرت به * فقد تركتك ذا مال وذا نشب)
عند قوله تعالى (ولئن لم يفعل ما آمره) الضمير راجع إلى الموصول، والمعنى ما آمره به فحذف الجار كما
في أمرتك الخير، ويجوز أن تجعل مصدرية فيرجع إلى يوسف، ولم يجوز الزمخشري عوده على يوسف إلا إذا
جعلت ما مصدرية، ومعناه على هذا: وإن لم يفعل أمرى إياه: أي موجب أمرى ومقتضاه.
(عسى الكرب الذي أمسيت فيه * يكون وراءه فرج قريب)
من قصيدة لهدبة بن خشرم الغذري قالها وهو مسجون بسبب القتل، وأول القصيدة:
336

طربت وأنت أحيانا طروب * وكيف وقد تغشاك المشيب
يجد النأى ذكرك في فؤادي * إذا ذهلت على النأى القلوب
يؤرقني اكتئاب أبى نمير * فقلبي من كآبته كئيب
فقلت له هداك الله مهلا * وخير القول ذو اللب المصيب
عسى الكرب الخ.
فيأمن خائف ويفك عان * ويأتي أهله الرجل الغريب
ألا ليت الرياح مبشرات * بحاجتنا تباكر أو تئوب
فتخبرنا الشمال إذا أتتنا * وتخبر أهلنا عنا الجنوب
فإن يك صدر هذا اليوم ولى * فإن غدا لناظره قريب
وقد علمت سليمى أن عودي * على الحدثان ذو أيد صليب
وأن حليفتي كره وأنى * أذا أبدت نواجذها الحروب
أعين على مكارمها وأغشى * مكارهها إذا كع الهبوب
عريت من الشباب وكان غضا * كما يعرى من الورق القضيب
ونحت على الشباب بدمع عيني * فما أغنى البكاء ولا النحيب
فياليت الشباب يعود يوما * فأخبره بما فعل المشيب
وهى طويلة.
في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (من ورائه جهنم) من بين يديه كما في عسى الكرب الخ وكقوله:
أليس ورائي إن تراخت منيتي * لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
قال في الصحاح: ووراء بمعنى خلف، وقد يكون بمعنى قدام وهو من الأضداد. قال الأخفش: يقال
لقيته من وراء فترفعه على الغاية، وإذا كان غير مضاف تجعله اسما وهو غير متمكن كقوله - من قبل ومن بعد -
وأنشد:
إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن * لقاؤك إلا من وراء وراء
وحذف أن من الفعل بعد عسى وجعل الفعل هو الخبر وهو قليل، والكرب اسمها، والذي نعت الكرب
وفرج بالجيم وهو مبتدأ مخبر عنه بقوله وراءه، والجملة في محل نصب على أنها خبر يكون، واسمها ضمير يعود
إلى الكرب، ولا ينبغي أن يجعل فرج اسم يكون ووراءه خبرها لئلا يلزم كون الفعل من جملة الخبر رافعا لأجنبي
من الاسم وهو وهم.
[نكتة] قال الدماميني في حاشية المغنى: والمفهوم من كلام الجزولي وابن الحاجب أن معنى عسى رجاء
دنو الخبر، فإذا قلت عسى مريضي يشفى دل على أنك ترجو قرب شفائه، ونازع الرضى في ذلك قائلا:
ليس عسى متعينا بالوضع للطمع في دنو مضمون خبره، بل للطمع في حصول مضمونه مطلقا سواء ترجى عن
43 - كشاف - 4
337

قرب أو بعد مدة مديدة، تقول: عسى الله أن يدخلني الجنة، فإذا قلت عسى زيد أن يخرج فهو بمعنى لعل
أن يخرج.
أقول: فعلى قول الجزولي يمكن أن يكون في لفظ قريب في البيت نكتة التجريد، وقريب من هذا المعنى
قول القائل:
أقول إذا ما اشتد شوقي والتظى * بقلبي من هجران قاتلتي جمر
عسى فرج يأتي به الله إنه * له كل يوم في خليقته أمر
(أمهتي خندف وإلياس أبى)
في سورة نحل عند قوله تعالى (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلون شيئا)
الهاء مزيدة في أمات كما
زيدت في أراق فقيل أهراق وشذت زيادتها في الواحدة، قال * أمهتي خندف وإلياس أبى * وتصغر الأم
بأميم على اللفظ وأميهة على الأصل. وخندف بكسر الخاء المعجمة والدال المهملة: امرأة إلياس بن مصر، اسمها
ليلى، نسب إليها ولد إلياس وهى أمهم. والخندفة في اللغة: مشية كالهرولة، والبيت لقصي بن كلاب بن مرة
أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم، وقبله:
إني لدى الحرب رخى اللبب * معتزم الصولة عالي النسب
الاعتزام: مبالغة من قولهم عزم الأمر، وقيل لزوم القصد، ويقال فلان في لبب رخى: أي في حال
واسعة:
(يغشى الكناس بروقية ويهدمه * من هائل الرمل منقاص ومنكثب)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (يريد أن ينقض) حيث قرئ ينقاص بالصاد غير المعجمة، والبيت لذي
الرمة يصف ثور وحش تقدم ذكره في سوابق الأبيات: أي يغشى الكناس حاملا بروقية: أي قرنية يحفره ليتسع
مكانه ويتخلص من المطر ويهدم ما حفره، أو الكناس: منقاص من الرمل وهو التساقط طولا، والمنكثب:
المجتمع، وروى البيت بالمعجمة من قضته فانقاض إذا هدمته، والمعنى على المهملة.
(فمرت غير نافرة عليهم * تدوس بنا الجماجم والتريبا) أي الخيل
في مريم عند قوله تعالى (فانتبذت به) أي اعتزلت وهو في بطنها، ونحوه - تنبت بالدهن - أي تنبت ودهنها
فيها: أي تدوس الجماجم ونحن على ظهورها.
(فلست بإنسي ولكن ملأكا * تنزل من جو السماء يصوب)
في مريم عند قوله تعالى (وما نتنزل إلا بأمر ربك) والتنزل على معنيين: معنى النزول على مهل، ومعنى
النزول على الإطلاق، واللائق بهذا الموضع النزول على مهل. والصوب بمعنى الميل، وفى معناه قول صواحب
يوسف (ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم).
(شفع الأسامي مسبلي أزر * حمر تمس الأرض بالهدب)
في مريم عند قوله تعالى (هل تعلم له سميا) وهذا شاهد على أن الأسامي الشفع جديرة
بالإرادة وإياها كانت العرب تنتحى في التسمية لكونها أنبى وأنزه عن النبز.
338

(ليالي اللهو تطبيني فأتبعه * كأنني ضارب في غمرة لعب)
هو لذي الرمة في سورة المؤمنون عند قوله تعالى (فذرهم في غمرتهم حتى حين) أي في جهالتهم، شبهها بالماء
الذي يغمر القامة لأنهم مغمورون فيها أو لاعبون بها، وقرئ في غمراتهم، يقال طبي فلانا يطبيه عن رأيه وأمره:
أي يصرفه، وكل شئ صرف شيئا عن شئ فقد طباه يطبيه. والضارب: السابح. والغمرة: الماء الذي يغمر
القامة. يقول: تصرفني ليالي اللهو عن رأيي فأتبعه كأنني سابح في غمرة من الماء لعب فيه. وقد استشهد بالبيت
المذكور في سورة المعارج عند قوله تعالى (تدعو من أدبر وتولى) حيث كان تدعو مجازا عن إحضارهم كأنها
تدعوهم فتحضرهم، ونحوه قول ذي الرمة: تدعو أنفه الريب.
(ولست بمفراح إذا الدهر سرنى * ولا جازع من صرفه المتقلب)
في سورة القصص عند قوله تعالى (إذ قال له قومه لا تفرح كقوله - ولا تفرحوا بما آتاكم - وكقول
القائل: ولست بمفراح الخ. وذلك أنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضى بها واطمأن إليها، وأما من طلبه الآخرة ويعلم
أنه مفارق ما فيه عن قريب لم تحدثه نفسه بالفرح، وما أحسن قول أبى الطيب:
أشد الغم عندي في سرور * تيقن عنه صاحبه انتقالا
يقول: السرور الذي يتيقن صاحبه الانتقال عنه هو أشد الغم لأنه يراعى وقت زواله فلا يطيب له ذلك
السرور.
(أقلى اللوم عاذل والعتايا * وقولي إن أصبت لقد أصابا)
في سورة الأحزاب عند قوله تعالى (وتظنون بالله الظنونا) حيث قرئ الظنون بغير ألف في الوصل والوقف
وهو القياس، وبزيادة ألف في الوقف زادها في الفاصلة كما زادها في القافية من قال: أقلى اللوم عاذل الخ.
وكذلك - الرسولا، والسبيلا - فقوله عاذل يعنى يا عاذلة أقلى ملامي وعتابي وقولي إن فعلت حسنا أو صوابا لقد أصاب
فلان في قوله وفعله، والبيت من قصيدة لجرير تزيد على مائة وعشرين بيتا، وبعد البيت:
أذا غضبت على بنو تميم * وجدت الناس كلهم غضابا
(كأنما الوابل في مصابه * أسنمة الآبال في سحابه)
أوله * أقبل في المستن من ربابه * في سورة الأحزاب عند قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم
المؤمنات) النكاح الوطء، وتسمية العقد نكاحا لملابسته له من حيث إنه طريق إليه وتسمية الشئ باسم سببه من
المجاز المرسل أمر شائع مستفيض، ومنه قول الحق - وكلمته - لأن عيسى لم يولد إلا بكلمة الله وحدها
وهى قوله: (كن) من غير واسطة أب تسمية للمسبب باسم السبب، كما سمى الغيث بالسماء في قوله:
إذا نزل السماء بأرض قوم * رعيناه وإن كانوا غضابا
والحشم بالندى في قوله: كثور العداب الفرد يضربه الندى * تعلى الندى في متنه وتحدرا
339

العداب ما استدق من الرمل، والندى الأول المطر والثاني الشحم، ومنه تسميتهم الخمر إثما لأنها سبب
في اقتراف الإثم في قوله:
شربت الإثم حتى ضل عقلي * كذلك الإثم تذهب بالعقول
وما أحسن قول سيدي عمر بن الفارض في خمريته:
وقالوا شربت الإثم كلا وإنما * شربت التي في تركها عندي الإثم
ونحوه في علم البيان قول الراجز * أسنمة الآبال في سحابه * سمى الماء بأسنمة الآبال لأنه سبب سمن الإبل
وارتفاع أسنمتها، ثم أن لفظ النكاح لم يرد في كتاب الله إلا في معنى العقد لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به ومن
آداب القرآن الكناية عنه بلفظ الملامسة والقربان والتغشي والإتيان: والمستن في البيت من استن الفرس
قمص، وهو أن يرفع يديه ويطرحهما معا ويعجن برجليه. وقمص البحر بالسفينة إذا حركها بالموج، والقميص
الذي يلبس.
(أهلا بضيف أتى ما استفتح البابا * مجلبب من سواد الليل جلبابا)
في سورة الأحزاب عند قوله تعالى (يدين عليهن من جلابيبهن) أي يغطين وجوههن وأيديهن. والجلباب:
ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها وتبقى منه ما ترسله على صدرها، وقيل الملحفة
وكل ما يستتر به من كساء أو غيره، قال أبو زيد * مجلبب من سواد الليل جلبابا *
ومن هذا الباب لا محالة بيت المبكر مع البازي على تلك الحالة، وبينهما بعض ملابسه، ونوع مجانسه، لكن:
* شتان ما بين اليزيد في الندى * وهل يستوى من ضل مع من اهتدى.
(تبا لمن بالهون قد ألبا * مثل البعير السوء إذ أحبا)
في سورة ص عند قوله تعالى (أحببت حب الخير عن ذكر ربى) حيث ضمن أحببت معنى فعل يتعدى
بعن كأنه قال: أنبت حب الخير عن ذكر ربى، أو جعلت حب الخير مجزيا أو معنيا عن ذكر ربى. وذكر
أبو الفتح الهمداني أن أحببت بمعنى لزمت من قوله * * مثل البعير السوء إذا أحبا *
وقبله: كيف قريت عمك القرشبا * حين أتاك لاغبا مخبا
حلت عليه بالقفيل ضربا
القرشب بكسر القاف: الشيخ المسن. والقفيل: الوسط. قال الجوهري: الإحباب البروك، والإحباب
في الإبل كالحران في الخيل. واللاغب من اللغوب. ويقال جاءوا مخبين من أخبه حمله على الخبب، نوع من العدو
وهو أن يراوح بين يديه ورجليه. وعن ثعلب أنه يقال للبعير الحسن مخب. وقال غيره: أخب أي لزم المكان فلم
يبرح، وحلت عليه: أي وثبت. والمخب من الخبب بمعنى الإسراع. واعلم أن الخير في الآية هو المال كقوله
(إن ترك خيرا) والمال الخيل، أو سمى الخيل خيرا كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها، قال صلى الله عليه وسلم.
(الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة) وزيد الخيل هو زيد بن مهلهل الطائي سمى بذلك لشجاعته، وكان
شاعرا مجيدا خطيبا شجاعا، وكفاك بمن سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، ووصفه بأنه وجده فوق
ما وصف له. روى أن جار الله الزمخشري لما قدم بغداد للحج أتاه السيد الشريف ابن الشجري مهنيا بقدومه
340

وأنشد: كانت مسألة الركبان تخبرني * عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت * أذني بأطيب مما قد رأى بصرى
فقال له جار الله: إن زيد الخيل دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بصر بالنبي صلى الله عليه وسلم
رفع صوته بالشهادتين، فقال صلى الله عليه وسلم: كل رجل وصف لي وجدته دون الصفة إلا أنت فإنك فوق
ما وصفت لي، وكذلك أنت يا أيها الشريف.
(وقد أتاك يقين غير ذي عوج * من الإله وقول غير مكذوب)
أراد به القرآن في الزمر عند قوله تعالى (قرآنا عربيا غير ذي عوج) أي مستقيما بريئا من التناقض والاختلاف.
قال الزمخشري: إن قلت فهلا قيل مستقيما أو غير معوج قلت: فيه فائدتان: إحداهما نفى أن يكون فيه عوج قط
كما قال (ولم يجعل له عوجا). والثانية أن لفظ العوج. مختص بالمعاني دون الأعيان، فدل على استقامة المعنى من
كل وجه بعد ما دل على استقامة اللفظ بكونه عربيا، بخلاف ما إذا قيل مستقيما أو غير معوج فإنه لا يكون نصا
في ذلك لاحتمال أن يراد نفى العوج بالفتح. وقيل المراد بالعوج الشك واللبس وعليه البيت: وقد أتاك الخ.
(دعا قومه حولي فجاءوا لنصره * وناديت قوما بالمسناة غيبا
ورب بقيع لو هتفت نجوه * أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا)
هو لأبى عمرو بن العلاء في الزمر عند قوله تعالى (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) قال
الزمخشري: فإن قلت لم نكرت؟ قلت: لأن المراد بعض الأنفس وهى نفس الكافر. ويجوز أن يراد نفس متميزة
من الأنفس إما بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم. ويجوز أن يراد التكثير كما قال الأعشى: ورب بقيع الخ.
وهو يريد أفواجا كراما ينصرونه لا كريما واحدا، ونظير ذلك: أي في كونه خلاف مقتضى الظاهر وهو أن
الذي ليس للتكثير قد يستعمل للتكثير: رب بلد قطعت، ورب بطل قارعت وقد أختلس الطعنة ولا يقصد إلا
التكثير، وقوله قد أختلس الطعنة، وبعده: لا يدمى لها نصلى، وقبله:
ونبلي وفقاها ك‍ - عراقيب قطا طحل
أيا تملك يا تملي * ذريني وذرى عذلي
الطلحة: لون بين الغبرة والسواد. وفقوة السهم فوقه، موضع الوتر منه والجمع فقا. أراد أنه تناول من
خصمه ما تناول بتثبت وقوة قلب لا كما يفعل الجبان، ثم ذكر تمكنه من خصمه على شدة احتراز منه حتى تناول
منه ما تناول خلسا، وقد وصف الشجاع بالمخالس والخليس وكذلك المصارع، ومن مدح خصمه، ثم ذكر غلبته
له كان أبلغ في الافتخار به، وقريب من هذا المعنى: فلان عالم فاضل قرأ على. واعلم أنه يجوز أن يراد بالنفس
المنكرة نفسا متميزة من بين الأنفس باللجاج الشديد في الكفر أو بالعذاب العظيم كما تقدم، ولما كان في حمل المفرد
المنكر على التكثير نوع بعد استشهد فيه بكلام الفصحاء. والبقيع: موضع فيه أروم الشجر من ضروب
شتى، وبه سمى بقيع الغرقد بالغين مقبرة المدينة، وقوله * وناديت قوما بالمسناة غيبا * أي أمواتا مقبورين صارت
الأحجار مسناة فوقهم، والشاعر يشكو قومه حين قعدوا عن نصره فبالغ في إغضابهم وجعلهم دون الأموات
فقال: ورب مقبرة لو هتفت بنحوها أتاني كريم ينفض الرأس من تراب القبر محمولا على غضب أي غضب، ومعلوم
أنه لو عنى كريما واحدا لم يستقم معنى البيت.
341

أقول: وقريب من هذه الشكاية من عدم النصرة من القوم وترك المعاونة قول الحماسي من شعر قريط:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي * بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذا لقام بنصري معشر خشن * عند الحفيظة إن ذو لوثة لأنا
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم * طاروا إليه زرافات ووحدانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد * ليسوا من الشر في شئ وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة * ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته * سواهم من جميع الناس إنسانا
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا * شنوا الإغارة فرسانا وركبانا
وخبر هذه الأبيات على ما في شرح الحماسة: أنه أغار ناس من بنى شيبان على رجل من بلعنبر يقال له قريط
ابن أنيف فأخذوا له ثلاثين بعيرا، فاستنجد أصحابه فلم ينجدوه، فأتى بنى مازن فركب معه نفر فاطردوا لبنى
شيبان مائة بعير دفعوها إلى قريط وخرجوا معه حتى صار إلى فقال قريط هذه الأبيات. والخبر يدل على أنه
يمدح بنى مازن ثم يهجو قومه. وقد تذكر الفقير عند كتابة هذا المحل قول صاحب الحماسة في هذا المعنى حيث
أنشد قول بعضهم:
دعوت بنى قيس إلى فشمرت * خناذيذ من سعد طوال السواعد
إذا ما قلوب القوم طارت مخافة * من الموت أرست بالنفوس النواجد
ويعجبني في هذا المعنى قول القائل:
إذا المرء لم تغضب له حين يغضب * فوارس إن قيل اركبوا الموت يركبوا
ولم يحبه بالنصر قوم أعزة * مقاحيم في الأمر الذي يتهيب
تهضمه أدنى العدو ولم يزل * وإن كان عضابا لظلامة يضرب
فآخ لحال السلم من شئت واعلمن * بأن سوى مولاك في الحرب أجنب
ومولاك مولاك الذي إن دعوته * أجابك طوعا والدماء تصبب
فلا تخذل المولى وإن كان ظالما * فإن به تثأى الأمور وترأب
(كم امرئ كان في خفض وفى دعة * صبت عليه صروف الدهر من صبب)
في الدخان عند قوله تعالى (ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم) قال الزمخشري: هلا قيل صبوا فوق
رأسه من الحميم كقوله (يصب من فوق رؤوسهم الحميم) لأن الحميم هو المصبوب لا عذابه.
قلت: إذا صب عليه الحميم فقد صب عذابه وشدته، إلا أن صب العذاب طريقه الاستعارة كقوله:
* صبت عليه صروف الدهر من صبب * وكقوله تعالى (أفرغ علينا صبرا) كأنه قيل صبرا يغمرنا كما يفرغ
الماء إفراغا، كما أن العذاب شبه بالماء ههنا في الصب، فذكر العذاب معلقا به الصب مستعارا له ليكون أهول
342

وأهيب انتهى. ولا شك في أن الأصل يصب من فوق رؤوسهم الحميم: فقيل يصب فوق رؤوسهم عذاب هو
الحميم للمبالغة، ثم أضيف العذاب إلى الحميم للتخفيف، وزيدت من للدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع.
(لعمرك مامابان (1) منك لضارب * بأقتل مما منك لعائب)
هو للمتنبي وقبله: هو ابن رسول الله وابن وصيه * وشبههما شبهت بعد التجارب
في الأحقاف عند قوله تعالى (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) قال الزمخشري: إن نافية: أي فيما ما مكناكم
فيه إلا أن إن أحسن في اللفظ لما في مجامعة ما مثلها من التكرار المستبشع ومثله مجتنب، ألا ترى أن الأصل في مهما ما ما
فلبشاعة التكرار قلبوا الألف هاء ولقد أغث أبو الطيب في قوله:
* لعمرك مامابان منك لضارب * الخ انتهى. قوله ولقد أغث: أي جاء بكلام غث، يقال أغث فلان في
كلامه إذا تكلم بما لاخير فيه، وما ضره لو اقتدى بعذوبة لفظ التنزيل وقال: ما إن بان منك لضارب. والمعنى: أن لسانه
لا يتقاعد عن سنانه، هذا للعائب وهذا للمضارب، وما الأولى نافية والثانية موصولة واسم إن محذوب
تقديره يرى أنه ما الذي ظهر منك لضارب بأقتل من الذي بان منك لعائب: أي لا يرى القتل أشد من العيب بل
العيب عنده أشد من القتل، وقد أخذ المتنبي هذا قول أبى تمام:
فتى لا يرى أن الفريصة مقتل * ولكن يرى أن العيوب المقاتل
من قصيدته المشهورة التي مدح بها محمد بن عبد الملك بن الزيات التي أولها: متى أنت عن ذهلية الحي ذاهل * وقبلك منها مدة الدهر آهل
ومنها من شواهد التلخيص:
مها الوحش إلا أن هاتا أوانس * قنا الخط إلا أن تلك ذوابل
أبا جعفر إن الجهالة أمها * ولو دوأم العلم جداء حائل
وإن الفتى في كل ضرب مناسب * مناسب روحانية من يشأ كل
وما أحسن قوله في آخرها:
منحتكها تشفى الجوى وهو لاعج * وتبعث أشجان الفتى وهو ذاهل
ترد قوافيها إذا هي أرسلت * هوامل مجد القوم وهى هوامل
فكيف إذا حليتها بحليها * تكون وهذا حسنها هي عاطل
أكابرنا عطفا علينا فإننا * بنا ظمأ برح وأنتم مناهل
(يرجى المرء ما إن لا يراه * وتعرض دون أدناه الخطوب)
* هامش *
(1) قوله (لعمرك ماما الخ) كذا وقع في الكشاف، والذي في الديوان يروى أن ماما الخ، ولذلك قال الشارح فيما بعد: واسم إن
محذوف تقديره الخ.
343

عند قوله تعالى (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) حيث جعلت إن صلة كما أنشد البيت المذكور الأخفش
من شعر إياس بن الأرت، وقبله:
فإن أمسك فإن العيش حلو * إلى كأنه عسل مشوب
وبعده: وما يدرى الحريص علام يلقى * شرا شره أيخطئ أم يصيب
ومعنى البيت: أن الإنسان تمتد أطماعه إلى الأمور المغيبة التي لا يراها ويعترض الموت عندها أو يعترض
دون أقربها عنده حصولا الأمور الشديدة التي لا تقطع رجاءه، فما ظنك بأبعد الأشياء؟ وقريب من هذا المعنى
قوله: المرء قد يرجو الرجا * ء مؤملا والموت دونه
واعلم أن دون تستعمل بمعنى عند، وقد تستعمل في معنى قولهم: هذا دونه، أي أقرب منه; وقد وقع
لمحرره في شرحه لبيتي الغزي المشهورين، وهما:
وخز الأسنة والخضوع لناقص * أمران عند ذوي النهى مران
والرأي أن يختار فيما دونه ال‍ * مران وخز أسنة المران
أنه أبدى هذا الاحتمال حيث قال بعد ذكر أن دون بمعنى عند، ولا مانع من أن تجعل دون من قبيل قولهم
هذا دونه: أي أقرب منه كما هو أحد معانيها فيكون أبلغ في إرادة المعنى كما لا يخفى.
(ولقد لحنت لكم لكيما تعرفوا * واللحن يعرفه ذوو الألباب)
في سورة القتال عند قوله تعالى (ولتعرفنهم في لحن القول) على القول بأن اللحن أن تلحن في كلامك: أي
تجعله على نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية كما في البيت، وقيل للمخطئ لاحن لأنه يعدل
بالكلام عن الصواب قال:
وحديث ألذه هو مما * ينعت الناعتون يوزن وزنا
منطق رائع وتلحن أحيا * نا وخير الكلام ما كان لحنا
يريد أنها تتكلم بالشئ وتريد غيره، وتعرض حديثها فتزيله عن جهته من ذكائها وفطنتها، وكأن اللحن
في العربية راجع إلى هذا لأنه من العدول عن الصواب.
(رفعت عيني بالحجا * ز إلى أناس بالمناقب)
في الحجرات عند قوله تعالى (لا تعرفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) بالتشديد للمبالغة في قراءة ابن مسعود;
كما أن الباء زيدت في قراءة ابن مسعود في قوله بأصواتكم. والمناقب: أول منزل بمكة، وليس المراد النهى عن
الرفع الشديد وتسويغ ما دونه، بل المعنى: نهيهم عما كانوا عليه من الجلبة وهى رفع الصوت واستجفاؤهم فيما
كانوا يفعلونه. وعن أنس (أنه لما نزلت هذه الآية فقد ثابت، فتفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبر
بشأنه، فدعاه فسأله فقال: يا رسول الله لقد أنزلت عليك هذه الآية وإني رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون
عملي قد حبط، فقال له رسول الله صلى عليه وسلم: لست هناك، إنك تعيش بخير وتموت بخير وإنك من
أهل الجنة).
344

(غضنفر تلقاه عند الغضب * كأن وريديه رشا أخلب)
في سورة ق عند قوله تعالى (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) مثل في فرط القرب. والوريدان: عرقان
مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه. وقيل سمى وريدا لأن الروح ترده،
والإضافة في حبل الوريد للبيان كقولهم: عرق قيفال وبعير سانية; وفي المثل: سير السواني سفر لا ينقطع.
والخلب بضم الخاء المعجمة واللام جميعا الليف، وكذلك الخلب بالتسكين، والمعنى: أنه يشبه وريديه المذكورين
برشاءين من الليف لغلظهما، فجعل كأن بعد التخفيف عاملة كما كانت قبل التخفيف.
(ينهون عن أكل وعن شرب * مثل المها يرتعن في خصب)
في والذاريات عند قوله تعالى (يؤفك عنه من أفك) أي يتناهون في السمن بسبب الأكل والشرب، يقال
جمل ناه إذا كان عريقا في السمن وحقيقته يصدر تناهيهم في السمن عنهما، يصف مضيافا صدر الأضياف عنه
شباعا: أي يصدر إفكهم عن القول المختلف، ونظيره (فأزلهما الشيطان عنها) وكذا (وما فعلته عن أمرى)
وقد تقدم: (إنا إذا شاربنا شريب * له ذنوب ولنا ذنوب * فإن أبى كان له القليب)
الشريب: من يشرب معك. والذنوب: الدلو العظيمة، وهذا المثل أصله في السقاة يقتسمون الماء فيكون
لهذا ذنوب ولهذا ذنوب. والمعنى: إني أوثر شريبي بالحظ الأوفر والنصيب الأجزل، فإن لم يرض أوثره بالجميع،
في والذاريات عند قوله تعالى (وإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم).
(وأنت الذي آثاره في عدوه * من البؤس والنعمى لهن ندوب
وفى كل حي قد خبطت بنعمة * فحق لشاس من نداك ذنوب)
في والذاريات عند قوله تعالى (وإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم) شأس هو أخو علقمة بن عبيدة،
ومدح بهذه القصيدة الحرث بن أبي شمر الغساني وكان شأس عنده أسيرا. قوله خبطت بنعمة الخابط الطالب
والمجتدى يخبط المواضع التي يسير فيها إلى من يرجوه ويأمل معروفه، ثم قيل لكل طالب خابط ومختبط، ويجوز
أن يكون من قولهم خبطت الشجرة إذا جمعت أغصانها ثم ضربتها ليسقط ورقها فتعلفه الإبل، ثم استعار الورق
للمال وأصله للخابط. والذنوب: النصيب وأصله الدلو; ومعنى البيت: أنت أنعمت على كل حي بنعمة واستحق
شأس أن تتفضل عليه. قيل لما سمع الحرث قوله: فحق لشأس من نداك ذنوب، قال: نعم وأذنبة، فأمر بإطلاق
شأس وجميع أسرى بنى تميم. وقيل خيره بين إطلاق أسرى بنى تميم وبين جزيل إعطائه، فقال: أبيت اللعن حتى
أدخل عليهم، فلما دخل قال: إني قد استوهبتكم من الملك فوهبكم لي، وهو كاسيكم وواهب لكم وحاملكم،
فإن أعطيتموني ما يعطيكم من كسوة وحملان وهبة أخرجتكم فضمنوا له ما سأل، فلما أخرجهم وبلغوا بلادهم
أخذ ما معهم وأطلقهم.
(لنا إبلان فيهما ما علمتموا * فعن أيها ماشئتموا فتنكبوا)
في سورة القمر عند قوله تعالى (فالتقى الماء على أمر قد قدر) حيث قرئ فالتقى الماءان: أي النوعان من
الماء السماوي والأرضي، ونحوه قولك عندي تمران، تريد ضربان من التمر برني ومعقلي، والأصل في الجمع أن
345

لا يثنى إلا فيما ثنته العرب فيما يذهبون فيه إلى مذاهب شتى مختلفين كقولهم إبلان أرادوا إبل قبيلة وإبل قبيلة أخرى
وإبلا سودا وإبلا حمرا، كأنهم قالوا قطيعان من الإبل فيما علمتموه من قرى الأضياف وصلة ذي الفاقة فتنكبوا
ما شئتم: أي اجعلوه منكبكم حامليه إلى بيوتكم. وعن للمجاوزة وذلك لأن القطعة المنكبة قد انفصلت عن الباقي
من نكب القوس ألقاها على منكبيه، أو اعدلوا وابعدوا عن أيها شئتم وانصرفوا خائبين بالعجز عن مجاراتنا.
(أمسى بوهبين مجتاز لمرتعه * من ذي الفوارس تدعو أنفه الريب)
في سورة المعارج عند قوله تعالى (تدعو من أدبر وتولى) مجازا عن جذبها وإحضارها كأنها تدعوهم وتحضرهم
كقوله: تدعو أنفه الريب، والبيت لذي الرمة يصف ثورا وحشيا. ووهبين: اسم موضع. والاجتياز: السلوك.
وذي الفوارس: اسم موضع رمل. وتدعو أنفه الريب: أي تجره: والريب جمع ريبة: وهو أول ما ينبت من
الأرض.
(والعير يرهقها الخبار وجحشها * ينقض خلفهما انقضاض الكوكب
فعلاهما سبط كأن ضبابه * محبوب صادات (1) دواخن تنضب
فتجاريا شأوا بطيئا مثله * هيهات شأوهما وشأو التولب)
لبشر بن أبي خازم. في سورة الجن (فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) قال بعضهم: إن الرجم بالشهب
كان بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إحدى آياته، والصحيح أنه كان قبل المبعث وقد جاء في شعر
أهل الجاهلية، قال بشر بن أبي خازم: والعير يرهقها الخ. وقال أوس بن حجر:
وانقض كالدرى يثلعه * نقع يثور تخاله طنبا)
يصف عدو فرس ويقول انقض كالدرى: أي هوى في العدو كالكوكب الدري. يتبعه أي الفرس نقع
وهو الغبار الساطع، تخاله: أي تحسب الغبار طنبا من امتداده. يصف عدو عير وأتان وجحشهما يثور من عدوهما
الغبار. وقوله يرهقها: أي يكلفها. والخبار: الأثر، والخبار الأرض اللينة أيضا. يعنى العير يكلف الأتان اتباع
أثره في العدو. وينقض: أي يهوى، انقض الطائر: أي هوى من طيرانه ليسقط على شئ. وروى انقض عليه
جبريل: أي نزل يعنى يكلف العير الأتان اتباع أثره في العدو، والجحش يعدو خلفهما كما يهوى كوكب الرجم
ثم قال: فعلاهما سبط: أي غبار ممتد كأن ضبابه الضباب ندى كالغبار يغشى الأرض بالغدوات قد نضبت السماء
وسماء نضبة. وصادات: أي أعلام. وتنضب اسم شجر دخانه أبيض يشبه الغبار. يقول: ثم علا العير والأتان
غبار ممتد من عدوهما كأن غباره محبوب صادات دخان شجرة تنضب، ثم قال: فتجاريا شأوا، والشأو الطلق،
يقال جرى شأوا بطيئا: أي بعيدا. وهيهات: أي بعد. والتولب: ولد الحمار يعنى أن العير والأتان تجاريا
شأوا بعيدا شأوهما عن شأو التولب وسبقاه في العدو مع أن الجحش ينقض خلفهما انقضاض كوكب الرجم.
(كأن صغرى وكبرى من فواقعها * حصباء در على أرض من الذهب)
في سورة الإنسان عند قوله تعالى (إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثور) شبهوا في حسنهم وصفاء ألوانهم وانبثاثهم
* هامش *
(1) كذا بالأصل. قال الشارح: والصادات الأعلام ولم نجدها بهذا المعنى بل بمعنى القدور، ولعل لفظ محبؤب محرف عن مخبوء
وحرر اه‍ مصححه.
346

في مجالسهم ومنازلهم باللؤلؤ المنثور. وعن المأمون أنه لما زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل وهو على بساط
منسوج بالذهب وقد نثرت على نساء دار الخلافة اللؤلؤ فنظر إليه منثورا على ذلك البساط فاستحسن المنظر وقال:
لله در أبى نواس كأنه أبصر هذا حيث يقول:
كأن صغرى وكبرى من فواقعها * حصباء در على أرض من الذهب
وقيل شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا نثر من صدفه لأنه أحسن وأكثر ماء، وأخذ ابن المعتز هذا المعنى في قوله:
وأمطر الكأس ماء من أبارقه * فأنبت الدر في أرض من الذهب
وسبح القوم لما أن رأوا عجبا * نورا من الماء في نار من العنب
وخطئ أبو نواس في استعماله فيه أفعل التفضيل من غير إحدى الثلاث على ما في المفصل.
(وكم لظلام الليل عندك من يد * تخبر أن المانوية تكذب)
في سورة النبأ عند قوله تعالى (وجعلنا الليل لباسا) يستركم عن العيون إذا أردتم هربا من عدو أو بياتا له أو
إخفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه من الأمور، كما في قول المتنبي: وكم لظلام الليل الخ. ومن المعلوم من مذهب
المانوية أن الخير منسوب إلى النور والشر إلى الظلام، فكذبهم أبو الطيب بأن نعمته وخيريته حصلت من الظلام
وبين تلك النعمة في قوله بعده:
وقاك ردى الأعداء تسرى إليهم * وزارك فيه ذو الدلال المحجب
أي وقاك ظلام الليل العدو وأنت إليهم فيما بينهم فلا يبصرونك، وزارك في الظلام المحجوب الذي له
عليك دلال وهو محجوب عن العيون، والبيت المذكور من قصيدته المشهورة التي مطلعها:
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب * وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب
ومنها البيتان:
وما الخيل إلا كالصديق قليلة * وإن كثرت في عين من لا يجرب
لحا الله ذي الدنيا مناخا لراكب * فكل بعيد الهم فيها معذب
ألا ليت شعري هل أقول قصيدة * فلا أشتكي فيها ولا أتعتب
وكل امرئ يولى الجميل محبب * وكل مكان ينبت العز طيب
إلى أن قال يخاطب كافورا:
إذا طلبوا جدواك أعطوا وأحكموا * وإن طلبوا الفضل الذي فيك خيبوا
ولو جاز أن يحووا علاك وهبتها * ولكن من الأشياء ما ليس يوهب
وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا * لمن بات في نعمائه يتقلب
وما أحسن قوله أيضا:
وتعذلني فيك القواني وهمتي * كأني بمدح قبل مدحك مذنب
ولكنه طال الطريق ولم أزل * أفتش عن هذا الكلام وينهب
347

ومنها وهو آخرها:
فشرق حتى ليس للشرق مشرق * وغرب حتى ليس للغرب مغرب
ولم أورد هذه الأبيات مع اشتهارها إلا استلذاذا بعذوبة لفظها وحلاوة معناها:
محاسن لم تزدك معرفة * وإنما لذة ذكرناها
(فصدقتها وكذبتها * والمرء ينفعه كذابه)
في سورة النبأ عند قوله تعالى (وكذبوا بآياتنا كذابا) حيث قرئ بالتخفيف، كما قال: فصدقتها وكذبتها
ومثله قوله تعالى (أنبتكم من الأرض نباتا) ومثله:
وإن مديح الناس حق وباطل * ومدحك حق ليس فيه كذاب
(إذا اعتروا باب ذي عبية وجبوا * والناس من بين مرجوب ومحجوب)
في المطففين عند قوله تعالى (بل ران على قلوبهم) ران عليه الذنب وغان عليه رينا وغينا، والغين: الغيم،
ويقال ران عليه النوم: رسخ فيه، ورانت به الخمرة: ذهبت به، وكونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم
وإهانتهم، لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للوجهاء المكرمين لديهم، ولا يحجب عنهم إلا الأدنياء المهانون عندهم.
قال: إذا اعتروا باب ذي عبية رجبوا الخ، اعتروا: قصدوا، والعبية: الكبر والنخوة. قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم (إن الله تعالى أذهب عنكم عبية الجاهلية بالآباء، الناس رجلان: مؤمن تقى، وفاجر شقى)
ورجبوا: أي عظموا، يقال رجبت الرجل رجبة ورجبا إذا أكرمته وعظمته، وبه سمى رجب لأن العرب كانت
تعظمه. قوله والناس من بين مرجوب: أي يؤذن على الملوك للوجهاء المكرمين ويحجب عنهم الأدنياء المهانون.
(ما نقموا من بنى أمية إلا * أنهم يحلمون إن غضبوا)
هو لقيس بن الرقيات في سورة البروج عند قوله تعالى (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد)
يعنى أنهم جعلوا أحسن الأشياء قبيحا وهو الحلم عند الغضب وذلك أصل الشرف والسيادة كما قال:
ولا عيب فيها غير شكلة عينها * كذاك عتاق الطير شكل عيونها
وقد تقدم في شرح بيت النابغة الشاهد المذكور على تأكيد المدح بما يشبه الذم، وهو قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب
ما فيه مقنع فليراجع.
(هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا * وماذا يرد الليل حين يثوب)
في القارعة عند قوله تعالى (فأمه هاوية) من قولهم إذا دعوا على الرجل هوت أمه، لأنه إذا هوى: أي سقط
وهلك فقد هوت أمه ثكلا وحزنا، ومنه بيت الحماسة:
هوت أمهم ماذا بهم يوم صرعوا * بجيشان من أسباب مجد تصرما
أبوا أن يفروا والقنا في نحورهم * وأن يرتقوا من خشية الموت سلما
فلو أنهم فروا لكانوا أعزة * ولكن رأوا صبرا على الموت أكرما
ويبعث: من البعث من النوم. والغادي: الذي يغدو ويثوب: أي يرجع. وهوت أمه: دعاء لا يريد به
الوقوع وإنما يقال عند التعجب والمدح، يتعجب منه حين يغدو ويروح ويصفه بالجلد والتقدير: أي شئ يبعث
348

الصبح منه غاديا وأي شئ يرد الليل منه آتيا على التعجب في طلب الغارة وإتيانه ظاهرا ومنه للتعجب
وحذف منه كما يقال السمن منوان بدرهم ومنه تجريد. والبيت لكعب بن سعد الغنوي يرثى أخاه شبيبا واسمه هرم
وكنيته أبو المغوار، من قصيدته المشهورة التي منها:
لعمري لئن كانت أصابت مصيبة * أخي والمنايا للرجال شعوب
لقد كان أما علمه فمروح * علينا وأما جهله فغريب
فإن تكن الأيام أحسن مرة * إلى فقد عادت لهن ذنوب
ومنها البيتان المشهوران:
وداع دعا يامن يجيب إلى الندا * فلم يستجبه عند ذاك مجيب
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة * لعل أبى المغوار منك قريب
يجبك كما قد كان يفعل إنه * مجيب لأبواب العلاء طلوب
(صاح هل ريت أو سمعت براع * رد في الضرع ما قرى في العلاب)
في الماعون عند قوله تعالى (أرأيت الذي يكذب بالدين) حيث قرئ ريت بحذف الهمزة، وليس بالاختيار
لإن حذفها مختص بالمضارع، ولم عن العرب ريت، ولكن الذي سهل من أمرها وقوع حرف الاستفهام
في أول الكلام كما في البيت وهى قراءة الكسائي، والذي في الآية أقوى توجيها من البيت لوجود الهمزتين، وإذا
وقع في أول الكلام حرف الاستفهام كره همزة أخرى بعدها، والزمخشري لما بين أن حذف الهمزة من أرأيت ليس
باختيار أشار إلى أن لهذه القراءة وجها حسنا لوقوع الهمزة قبل أرأيت والحذف أولى. فإن قيل: لا وجه لإيراد
المصنف هذا البيت في هذا الموضع استشهادا بحذف الهمزة من ريت بسبب حرف الاستفهام، فإنه لم يجتمع فيه
همزتان بخلاف قوله أرأيت، وجوابه أن الهمزة مقدرة في البيت لأن هل في الأصل بمعنى قد، ولا تستعمل إلا
في الاستفهام مع الهمزة وبسبب كثرة الاستعمال حذفت منه الهمزة والدليل عليه قول الشاعر:
سائل فوارس يربوع بسدتنا * أهل رأونا بسفح القاع من أكم
ولما كانت الهمزة في هل رأيت مقدرة حذفت من أرأيت، ولذا قال الزمخشري: سهل أمرها وقوع حرف
الاستفهام ولم يقل همزة الاستفهام. والعلبة: المحلب من جلد والجمع علب وعلاب. وصاح أصله يا صاحبي فرخم،
والقرى: جمع الماء في الحوض. يقول: يا صاحبي هل رأيت أو سمعت براع رد إلى الضرع ما حلب من اللبن
وجمع في العلب، وروى الحلاب بدل العلاب.
(من البيض لم تصطد على ظهر لأمة * ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب)
في سورة تبت عند قوله تعالى (وامرأته حمالة الحطب) تحمل الحطب بينهم: أي توقد بينهم النائرة وتؤرث الشر;
قوله من البيض: أي من بيض الوجوه لم تصطد. وبرواية لم يضدد من الضد: وهو ما يضاد شيئا على ظهر لأمة: أي
لوم وسوء: أي لم ترتكب الأمر الذي تلام عليه واللأمة: الأمر الذي يلام عليه: أي لا تمشى بين الناس فتلقى بينهم العداوة
وتهيج نارها كما توقد النار بالحطب: وسمى النميمة حطبا، وذم الله تعالى امرأة أبى لهب وهى أم جميل بنت حرب بن أمية
أخت أبي سفيان وكانت عوراء فقال حمالة الحطب: أي نقالة الحديث; والشاعر يصف امرأة بطهارة العرض: أي لم
349

تؤاخذ على الأمر الذي تلام عليه، وفى قوله الرطب إيغال حسن. وقيل يمدح رجلا بأنه برئ من أن يضاد على
سوء ولؤم فيه، ومن أن يمشى بالسعاية والنميمة الناس وإنما جعل رطبا ليدل على الندخين الذي هو زيادة الشر.
(ماذا أردت إلى شتمي ومنقصتي * أم ما تعير من حمالة الحطب)
غراء شادخة في المجد غرتها * كانت سليلة شيخ ثابت الحسب)
في سورة تبت عند قوله تعالى (حمالة الحطب) قيل عير بعض الناس الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب
بحمالة الحطب فرد عليه بهذين البيتين; وقيل قال معاوية لعقيل بن أبي طالب: ما حال عمك أبى لهب؟ قال:
في النار مفترش عمتك حمالة الحطب. وإلى شتمي متعلق بمحذوف: أي مائلا إلى شتمي; ويجوز أن يكون متعلقا
بأردت على تضمين معنى ملت فيكون ماذا في محل المصدر: أي أي شئ أردت منتهيا إلى شتمي، وفيه مبالغة
حيث جعله نهاية إرادته وقصاراها وشدوخ الغرة اتساعها إلى الأنف من غير إصابة العينين وتكون في العتاق
تقول منه شدخت الغرة إذا اتسعت في الوجه.
حرف التاء
(وإذا العذارى بالدخان تقنعت * واستعجلت نصب القدور فملت
درت بأرزاق العفاة مغالق * بيدي من قمع العشار الجلة)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ولهم فيها أزواج مطهرة) وقرئ مطهرات، يقال النساء فعلت وفعلن والنساء
فاعلات وفواعل فالجمع على اللفظ والإفراد على تأويل الجماعة والبيت من الحماسة. قوله ملت: أي خبزت
المليل: وهو أن تجعل العجين في الرماد الحار حتى يدرك ويؤكل. والقمع جمع قمعة وهى قطعة السنام. والمغالق
بالغين المعجمة من سهام الميسر التي تغلق الخطر فتوجه للفائز المقام كما يغلق الرهن المستحق. والجلة العظام السمان; ولقد بالغ في
وصف نفسه بحسن التفقد للضيوف والزوار من وجوه عديدة كما ترى. والبيت لسلم بن ربيعة بن جفنة
من قصيدة أولها:
حلت تماضر غربة فاحتلت * فلجا وأهلك باللوى فالحلة
زعمت تماضر أنني أنا إن أمت يسدد أبينوها الأصاغر خلتي
تربت يداك وهل رأيت لقومه * مثلي على يسرى وحين تعلتى
رجلا إذا ما النائبات غشينه * أكفى لمعضلة وإن هي جلت
ومناخ نازلة كفيت وفارس * نهلت قناتي من مطاة وعلت
وبعده البيتان، وبعدهما:
ولقد رأبت ثأى العشيرة بينها * وكفيت جانبها اللتيا والتي
وصفحت عن ذو جهلها ورفدتها * تضحى ولم تصب العشيرة زلتي
(لا تعدلين أتاويين تضربهم * نكباء صر يا صحاب المحلات)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (كمثل ريح فيها صر) عدلت فلانا بفلان إذا سويت بينهما وهذا مما حذف
350

منه المفعول به: أي لا تعدلين بهم أحدا، والتقدير: لا تعدلين مجاورتهم بمجاورة أحد، وحذف المفعول في القرآن
كثير، ومنه (مالك يوم الدين) أي الحكم، وحسن هذا الاختصاص تفرد القديم سبحانه في ذلك اليوم بالحكم:
فأما في الدنيا فإنه يحكم فيها الولاة والقضاة والفقهاء، ومنه (فذوقوا بما نسيتم) أي العذاب، ومنه (ربنا إني
أسكنت من ذريتي) أي ناسا أو فريقا، وقوله (فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض) أي شيئا وهو كثير.
والأتاوى: الغريب البعيد من الدار. والنكباء: الريح الشديدة، والصر: الريح الباردة. والمحلات:
اسم للماعونات مثل الفأس والقدر والرحى والدلو والغربال. يقول: لا تعدلين الغرباء الذين لأنزل لهم ولا ديار تكنهم
من البرد والرياح العاصفة بأصحاب الديار والمنازل والأثاث. ومن ذلك قول ليلى الأخيلية:
كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ * بنجد ولم ينجد مع المتغور
ولم يغلب الخصم الألد ويملأ ال‍ * جفان سديفا يوم نكباء صرصر
ترثى أخاها وتعد مناقبه. قيل إن توبة بن الحمير أراد ليلى الأخيلية على ما يريد الرجال، وكان كل منهما يحب
صاحبه، فأبت واشمأزت وقالت في ذلك:
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها * فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه * وأنت لأخرى صاحب وخليل
(وذي ضغن كففت السوء عنه * وكنت على إساءته مقيتا)
في سورة النساء عند قوله تعالى (وكان الله على كل شئ مقيتا) قاله الزبير بن عبد المطلب: أي رب ذي
ضغن وحقد على كففت سوء عنه وكنت مقتدرا على أن أصيبه بالمكاره: يعنى أتحمل عنه مع القدرة. وفى
حواشي الصحاح عن الصغاني الرواية أقيت والقافية مضمومة وبعده:
يبيت الليل مرتفقا ثقيلا * على فرش القناة وما أبيت
تعن إلى منه مؤذيات * كما تبرى الجذامير البروت
الجذمور والجذمار: ما بقي من أصل السعفة إذا قطعت. البرت: الفأس; وقد استشهد بالبيت المذكور
في سورة هود عند قوله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم) أي اطمأنوا إليه وانقطعوا
لعبادته بالخشوع والتواضع، من الخبت بالتاء الفوقية: وهى الأرض المطمئنة.
(ليت شعري وأشعرن إذا ما * قربوها منشورة ودعيت
إلى الفضل أم على إذا حو * سبت إني على الحساب مقيت
ينفع الطيب القليل من الرز * ق ولا ينفع الكثير الخبيث)
في سورة النساء عند قوله تعالى (وكان الله على كل شئ مقيتا) واشتقاقه من القوت لأنه يمسك النفوس
ويحفظها، قوله قربوها كناية عن الصحف كقوله تعالى (وإذا الصحف نشرت) ودعيت: يعنى حين يدعى كل
أناس بإمامهم. ومقيت: أي حفيظ شهيد: أي ليت شعري وعلمي حاصل إذا أتوا بصحيفة أعمالي لقراءتها،
إلى الفضل على غيري لوفور حسناتي، أم لغيري على الفضل لكثرة سيئاتي؟ فإني على الحساب شهيد عالم، ويروى
إني بالكسر; والمعنى لا يختلف، كأنه تمنى أن يشعر أن هناك قدرة نافعة على الحساب في الفضل له وعليه مثل ما له
351

في الدنيا، وقوله وأشعرن اعتراض: أي لا حاجة إلى تمنى الشعور فإنه حاصل، وأعلم أنى إن عملت خيرا جزيته
وإن عملت شرا كذلك.
(أسيئى بنا أو أحسني لا ملومة * لدينا ولا مقلية إن تقلت)
هو لكثير عزة من قصيدته المشهورة. في التوبة عند قوله تعالى (قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم
كنتم قوما فاسقين) أي أنفقوا وانظروا هل يتقبل منكم؟ ونحوه (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) أي وانظر هل ترى
اختلافا بين حال الاستغفار وتركه. يقول لعزة: امتحني لطف محلك عندي وقوة محبتي لك وعامليني بالإساءة
والإحسان، وانظري هل يتفاوت حالي معك مسيئة كنت أو محسنة فلا نلومك، وفى معناه قول القائل:
أخوك الذي إن قمت بالسيف عامدا * لتضربه لم يستغشك في الود
ولو جئت تبغى كفه لتبينها * لبادر إشفاقا عليك من الرد
يرى أنه في الود وإن مقصر * على أنه قد زاد فيه على الجهد
وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة يوسف عند قوله تعالى (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن)
فإن المشهور استعمال الإحسان بإلى نحو (أحسن كما أحسن الله إليك) ولما تضمن معنى اللطف تعدى بالباء كقوله
(وبالوالدين إحسانا) وكذلك بيت كثير عزة. قال أبو الحسين محمد بن أحمد بن طباطبا في كتاب عيار الشعر:
قال العلماء: لو قال هذا البيت في وصف الدنيا لكان أشعر الناس، ومن أخوات هذا البيت:
وقلت لها يا عز كل مصيبة * إذا وطنت يوما لها النفس ولت
قال ابن طباطبا: قد قال العلماء: لو أن كثيرا جعل هذا البيت في وصف حرب لكان أشعر الناس، وسيأتى
بقية أبيات هذه القصيدة في محلها قريبا إن شاء الله تعالى.
(إن تذنبوا ثم يأتيني بقيتكم * فما على بذنب عندكم فوت)
في سورة هود عند قوله تعالى (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية) أي أولو فضل وخير، وسمى
الفضل والجود بقية لأن الرجل يستبقى مما يخرجه أجوده وأفضله فصار مثلا في الجود والفضل. ويقال فلان من
بقية القوم: أي من خيارهم وبه فسر بيت الحماسة بقيتكم، ومنه قولهم: في الزوايا خبايا وفى الرجال بقايا. ويجوز
أن تكون البقية بمعنى البقوى كالتقية بمعنى التقوى: أي هلا كان منهم ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من سخط
الله؟ وفسرت البقية في البيت على وجهين: أحدهما أن يكون المعنى: ثم يأتيني خياركم وأماثلكم. والآخر أن
يكون المعنى: ثم يأتيني بقيتكم الذين لم يذنبوا متنصلين. قوله بذنب: أي بسببه، وقد حذف المضاف وأقام
المضاف إليه مقامه، ويقال لأفوت عليك في كذا كما يقال لا بأس عليه; وفى هذا الكلام إعلام بأنه يستعمل الأناة
والحلم معهم; والمعنى بالتفسير الأول: أو تذنبوا ثم يأتيني خياركم وأماثئكم يقيمون معذره بأنفسهم ويبينون
أنهم لم يساعدوكم بالرأي ولا بالفعل، فما على بجزاء ذنب فوت وما يلحقكم من لائمة وعيب. وبالتفسير الآخر:
إن تذنبوا ثم يأتيني بقيتكم الذين لم يذنبوا يعتذروا بأنهم فارقوكم لعظيم جنايتكم فلا تفوتني مؤاخذتكم ومحاسبتكم:
(يوم ترى النفوس ما أعدت * من نزل إذا الأمور غبت
في سعى دنيا طالما قد مدت)
352

في سورة طه عند قوله تعالى (ولا يفلح الساحر حيث أتى) نكر الساحر أولا وعرف ثانيا وإنما نكر
من أجل تنكير المضاف لا من أجل تنكيره في نفسه كقول العجاج في سعى دنيا الخ، وفى حديث عمر رضي الله عنه:
إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة. المراد تنكير الأمر كأنه قيل: إنما صنعوا كيد
سحري وفى سعى دنيوي وأمر دنيوي وآخري، يقال جاء يمشى سبهللا إذا جاء وذهب في غير شئ: أي يوم
القيامة ترى النفوس ما أعدته أي جعلته عدة.
الحمد لله الذي استقلت * بإذنه السماء واطمأنت
بإذنه الأرض وما تعنت * أوحى لها القرار فاستقرت
وشدها بالراسيات الثبت * والجاعل الغيث غياث الأمة
والجامع الناس ليوم البعثة * بعد الممات وهو محيى الموت
يوم ترى النفوس ما أعدت * من نزل إذا الأمور غبت
في سعى دنيا طالما تعنت
قوله من نزل بيان ما أعدت. وقوله غبت: أي بلغت غبها وآخرها في سعى دنيوي مدة دنياه وأمهلت. وقوله
في سعى دنيا ظرف لغبت، وإنما نكر دنيا لتنكير المضاف لا من أجل تنكيره في نفسه، كما في الآية، والمراد تنكير
السعي: أي في سعى دنيوي.
(فلو كان الأطبا كان حولي * وكان مع الأطباء الأساة)
قال ابن العيني: لم أقف على قائله. في سورة المؤمنون عند قوله تعالى (قد أفلح المؤمنون) قال الزمخشري:
وعن طلحة أفلح بضمة بغير واو اجتزاء عنها كقوله * فلو أن الأطباء كان حولي * أي كانوا، وقصر
الأطباء للضرورة. والأساءة جمع آس كرماة في رام، وقد اجتزى بضم كانوا الأولى عن الواو، قيل الأساة هم
الأطباء ويحتمل أنه أراد الحذاق من الأطباء، وأراد بالأطباء مطلق الأطباء حتى يصح قوله:
* وكان مع الأطباء الأساة * لأنه لا يصح إلا بعد ثبوت المغايرة بين الأطباء والأساة، ويحتمل أن يكون
التعريف في الأطباء للجنس، وفى الأساة للعهد، أو أراد بالأطباء علماء الطب وبالأساة المعالجين منهم.
(المطعمون الطعام في السنة الأزمة * والفاعلون للزكوات)
في سورة المؤمنون عند قوله تعالى (والذين هم للزكاة فاعلون) الزكاة اسم مشترك بين عين ومعنى، فالعين:
القدر الذي يخرجه المزكى من النصاب إلى الفقير، والمعنى: فعل المزكى الذي هو التركية، كما أن الذكاة بمعنى
التذكية في قوله صلى الله عليه وسلم " ذكاة الجنين ذكاة أمه " وهو الذي أراده الله تعالى فجعل المزكين فاعلين له،
ولا يسوغ فيه غيره لأنه ما من مصدر إلا يعبر عن معناه بالفعل ويقال لمحدثه فاعل، تقول الضارب فاعل الضرب
والقاتل فاعل القتل والمزكى فاعل الزكاة وعلى هذا الكلام كله، والتحقيق فيه أنك تقول في جميع الحوادث: من
فاعل هذا؟ فيقال لك: فاعله الله أو بعض الخلق. ولم تمتنع الزكاة الدالة على العين أن يتعلق بها فاعلون بخروجها
من صحة أن يتناولها الفاعل، ولكن لأن الخلق ليسوا بفاعليها، وقد أنشدوا لأمية بن أبي الصلت: المطعمون الطعام
الخ. ويجوز أن يراد بالزكاة العين ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء، وحمل البيت على هذا أصح لأنها فيه
353

مجموعة والمصدر لا يجمع أو في الأغلب إذ قد يجمع، قال الله تعالى (وتظنون بالله الظنونا) وقال (لا تدعوا اليوم
ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا) وقوله الأزمة، يقال أزمت السنة إذا اشتدت والأزم الجدب.
(هنيئا مريئا غير داء مخامر * لعزة من أعراضنا ما استحلت)
في سورة الطور عند قوله تعالى (كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون) أي أكلا وشربا هنيئا أو طعاما وشرابا
هنيئا: وهو الذي لا تنغيص فيه، ويجوز أن يكون مثله في قوله هنيئا مريئا الخ: يعن صفة استعملت استعمال
المصدر القائم مقال الفعل مرتفعا به ما استحلت كما يرتفع بالفعل، كأنه قيل: هنأ عزة المستحل من أعراضنا،
وكذلك معنى هنيئا ههنا: هنأكم الأكل والشرب، أو هنأكم ما كنتم تعملون: أي جزاء ما كنتم تعملون، والباء
مزيدة كما في (كفى بالله شهيدا) والباء متعلقة بكلوا واشربوا إذا جعلت الفاعل الأكل والشرب. قيل كان كثير
في حلقة البصرة ينشد أشعاره فمرت به عزة مع زوجها، فقال لها أغضبيه فاستحت من ذلك، فقال: لتغضبيه أو
لأضربنك، فدنت من الحلقة فأغضبته وذلك أن قالت كذا وكذا بفم الشاعر، فقال ذلك، وقصيدة كثير هذه
مشهورة وأولها:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا * قلوصكما ثم احللا حيث حلت
وما كنت أدرى قبل عزة ما البكا * ولا موجعات القلب حتى تولت
وما أنصفت أما النساء فبغضت * إلينا وأما بالنوال فضنت
فقلت لها يا عز كل مصيبة * إذا وطنت يوما لها النفس ولت
فإن سأل الواشون فيما صرمتها * فقل نفس حر سليت فتسلت
ومنها: وكنت كذى رجلين رجل صحيحة * ورجل رمى فيها الزمان فشلت
هنيئا مريئا غير داء مخامر * لعزة من أعراضنا ما استحلت
ووالله ما قاربت إلا تباعدت * بصرم ولا أكثرت إلا استقلت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت
قال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: بينا أنا مع أبي في سوق المدينة إذ أقبل كثير فقال له أبى:
هل قلت بعدي شيئا يا أبا صخر؟ قال: نعم، وأقبل على وأنشد هذه الأبيات:
وكنا سلكنا في صعود من الهوى * فلما توافينا ثبت وزلت
وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا * فلما توافقنا شددت وحلت
فوا عجبا للنفس كيف اعترافها * وللنفس لما وطنت كيف ذلت
وللعين إسبال إذا ما ذكرتها * وللقلب وسواس إذا العين ملت
وإني وتهيامي بعزة بعد ما * تخليت مما بيننا وتخلت
لكالمرتجى * ظل الغمامة كلما * تبوأ منها للمقيل اضمحلت
وهى طويلة: وأوردنا هذا القدر منها لانسجامها وحلاوتها في الذوق.
354

حرف الثاء
(شجعاء جرتها الذميل تلوكه * أصلا إذا راح المطي غراثا)
في سورة مريم عند قوله تعالى (والباقيات الصالحات خير) على ضرب من التهكم، إذ لا ثواب لهم حتى يجعل
ثواب الصالحات خيرا منه، فهو على طريقة قولهم: الصيف أشد حرا من الشتاء، الشاعر يصف ناقة بسير دائم:
يعنى تسير إذا كان سائر المطايا لا تسير، فسيرها بمنزلة الاجترار لغيرها، جرة البعير بكسر الجيم: ما يخرجه من
كرشه من العلف للاجترار، وكل ذي كرش يجتر، والشجع في الإبل: سرعة نقل القوائم. والذميل: سرعة
السير، وجرتها الذميل من باب: فأعتبوا بالصيلم. وقوله تلوكه: أي الذميل تمضغه ترشيح، وأصلا جمع أصيل.
وقوله إذا راح المطي غراثا: أي صرن ضعافا من السير لا يقدرن عليه كأنها شبعى بأكل السير إذا كن غرثى لا يجدن
ما يأكلن من السير زيادة ترشيح، وهذا على حد قول أبى تمام:
بسواهم لحق الأياطل شرب * تعليقها الإسراج والإلجام
الساهمة: الناقة الضامرة. ولحق لحوقا: أي ضمر، تعليقها من العلاق كزنار: وهى البلغة، وهى ما يتبلغ به
من العيش، العلوق: ما تعلقه الإبل أي ترعاه قال:
هو الواهب المائة المصطفاة * لاط العلوق بهن احمرارا
لا من العلامة، ويروى تعليفها وهو ظاهر، والأياطل جمع أيطل: وهو الخاصرة، ولم يتفق في شواهد الكشاف
من قافية الثاء غير هذا البيت وهى قافية ضيقة قل أن يتفق للشعراء نظم شئ منها، ولهذا يحكى أن ثلاثة أنفار من
أهل الأدب جمعهم مكان منتزه في قرية تسمى طهياثا، فقالوا ليقل كل منكم قافية على حرف الثاء على اسم هذا
المكان فقال الأول * لقد نزلنا اليوم في طيهاثا * وقال الثاني * لما حثثنا القدح احتثاثا * ثم أرتج على
الثالث فقال * وأم عمرو طالق ثلاثا * فقال رفيقاه: ويحك ما ذنب المسكينة؟ فقال: والله ما لها ذنب إلا أنها
وقفت في طريق القافية.
حرف الجيم
(متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا * تجد حطبا جزلا ونارا تأججا)
في البقرة عند قوله تعالى (يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) على قراءة الأعمش بغير فاء مجزوما
على البدل من يحاسبكم، والكلام مفسر في كتب الأعاريب فلينظر في محله، ومعنى البيت: أنهم يوقدون غلاظ
الحطب لتقوى نارهم فتأتى إليها الضيفان من بعيد فيقصدونها، وقد استشهد بالبيت المذكور على قوله تعالى في
سورة الفرقان (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف) حيث كان - يضاعف له العذاب - بدلا من - يلق - لاتحادهما في المعنى
كما في البيت، وقرئ بالرفع على الاستئناف أو الحالية.
(بعيد مدى التطريب أول صوته * زفير ويتلوه نهيق محشرج)
في سورة هود عند قوله تعالى (لهم فيها زفير وشهيق) الزفير: إخراج النفس، والشهيق، رده، وأصله جبل
355

شاهق: أي متناهي الطول. البيت للشماخ يصف حمار وحش. والمحشرج: الذي يتردد صوته في حلقه وجوفه.
وقال رؤبة:
حشرج في الصدر صهيلا وشهيق * حتى يقال ناهق وما نهق
(أيا رب مقفو الخطا بين قومه * طريق نجاة عندهم مستونهج
ولو قرأوا في اللوح ما خط فيه من * بيان اعوجاج في طريقته عجوا)
في الحج عند قوله تعالى (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد) مقفو اسم مفعول
من قفوت الرجل إذا تبعته. والنهج والمنهج والمنهاج: الطريق الواضح. يقول رب رجل مقتدى في قومه متبوع
في حزبه عندهم أنه على صراط مستقيم ونهج واضح، ولو قرأوا ما خط في اللوح المحفوظ من ضلالة ذلك الرجل
المقفو وغوايته في معتقده وطريقته عجوا وضجوا متضرعين إلى الله تعالى من أن يكونوا ممن قال الله فيهم (وبدا
لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون).
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم * وقوف لحاج والركاب تهملج)
في سورة النمل عند قوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة) من جمد في مكانه إذا لم يبرح تجمع الجبال لتسير
كما تسير الريح السحاب، فإذا نظر إليها الناظر حسبها واقفة ثابتة في مكان واحد وهى تمر مرا حثيثا كما تمر
السحاب، وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد إذا تحركت لا تكاد تبين حركتها كما قال النابغة في صفة جيش:
بأرعن مثل الطود. الأرعن: الجبل، ويريد ههنا الجيش. والطود: الجبل العظيم لحاج جمع حاجه. والركاب:
المطي، لا واحد لها من لفظها. والهملاج من البراذين واحد الهماليج ومشيها الهملجة، فارسي معرب وهى مشى
سهل كالرهو. يقول: حاربنا العدو بجيش مثل الجبل العظيم تحسب أنهم وقوف لحاجة، والحال أن الركاب تسرع
المشي كما قال الله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب).
(وراكد الشمس أجاج نصبت له * قواضب القوم بالمهرية العوج
إذا تنازع حالا مجهل قذف * أطراف مطرد بالخز منسوج
تلوى الثنايا بحقويها حواشيه * لي الملاء بأبواب التفاريج
كأنه والرهاء المرت يركضه * أعراف أزهر تحت الريح منتوج)
في سورة الزمر عند قوله تعالى (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) التكوير: اللف واللى، يقال
كار العمامة على رأسه وكورها، وفيه أوجه: منها أن كل واحد منهما يغيب الآخر إذا طرأ عليه، فشبه تغييبه إياه
بشئ ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار. ومنها أن هذا يكر على هذا كرورا متتابعا، فشبه بتتابع أكوار
العمامة بعضها على أثر بعض. ومنها أن الليل والنهار خلفة يذهب هذا ويغشى مكانه هذا، وإذا غشى مكانه
فكأنما ألبسه ولف عليه كما يلف اللباس على اللابس. ومنه قول ذي الرمة في وصف السراب: تلوى الخ.
الثنية: العقبة، والحقو الإزار، والخصر: أي وسط الإنسان. قال في الصحاح: الحقو الإزار، وقال في
المجمل: الحقو الإزار، وأيضا الحقو الخصر وشد الإزار والجمع أحق. وحواشيه: أي حواشي هذا الآل
والتهابه هو أن لا يطرد فيه اطراده في المستوى. والملأ بالضم والمد: جمع ملاءة وهى الجلباب. والتفراج: الباب
356

الصغير. والحواشي: الجوانب: أي بادي الهضاب بأوسطها حواشي السراب. مثل لي المرط بأبواب الدار.
الشاهد أن المراد باللى غشيانه مكانه والثنايا فاعل تلوى وحواشيه: أي حواشي هذا الآل. والتهابه هو أن لا يطرد
فيه اطراده في المستوى. والتفاريج: مصاريع من ديباج. وقوله كأنه والرهاء المرت: أي كأن الآل المتسع الخالي
يجريه. والرهاء: اسم موضع بعينه. والمرت: الأرض القفر. وقوله * أعراف أزهر تحت الريح منتوج *
عرف الفرس والديك الجمع أعراف، واعرورف البحر والسيل: إذا تراكم موجه حتى يكون كالعرف. وأزهر:
أي سحاب أزهر، والزاهر: الأبيض. ومنتوج يقال: الريح تنتج السحاب: إذا مرته حتى يجرى قطره. والمعنى:
كأن السراب والآل والموضع المسمى بالرهاء أعالي مطر سحاب أبيض خرج ماؤه بامتراء الريح. ويروى:
* أغراس أزهر تحت الليل منتوج * والأغراس جمع غرس وهو الماء الذي يخرج مع الولد فاستعاره للمطر:
أي كأنه مطر سحاب أزهر خرج ماؤه ليلا، والجملة التي هي والرهاء المرت يركضه في موضع نصب على الحال،
والعامل فيها معنى الفعل، وفاعل يركض الآل، وركضه إياه هو كهزه له، ويجوز أن يكون فاعل يركض المرت
من باب زيدا ضربته كأنه قال: المرت يركضه لأن الرهاء مركوض وفاعله السراب كما أن زيدا مضروب، وبيت
الكشاف: تلوى الثنايا بأحقيها البيت:
(إن السماحة والمروءة والندى * في قبة ضربت على ابن الحشرج)
في سورة الزمر عند قوله تعالى (يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) والجنب الجانب، يقال: أنا في جنب
فلان وجانبه وناحيته. وفلان لين الجانب، ثم قالوا: فرط في جنبه وفى جانبه يريدون في حقه، وهذا من باب
الكناية من القسم الثاني، وهو المطلوب بها إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه، فهو هنا أراد أن يثبت اختصاصي ممدوحه
بهذه الصفات ويترك التصريح بها إلى الكناية كقوله: إن السماحة والمروءة والندى * الخ، والبيت لزياد الأعجم قاله
في عبد الله بن الحشرج أمير نيسابور، وقبله:
ملك أغر متوج ذو نائل * للمعتفين بمنه لم يشنج
يا خير من صعد المنابر بالتقى * بعد النبي المصطفى المستخرج
وكقوله: لما أتيتك راجيا لنوالكم * ألفيت باب نوالكم لم يرتج
وكقوله: أما تتقين الله في جنب وامق * له كيد حرى عليك تقطع
(ومهمه هالك من تعرجا * لا يرتجى الخريت منها مخرجا)
في سورة المرسلات عند قوله تعالى (ألم نهلك الأولين) بفتح النون من هلكه بمعنى أهلكه كما في قوله العجاج
ومهمه الخ. ويقال عرجوا بنا في هذا المكان، أي أنزلوا. والخريت: الدليل العارف، سمى خريتا لأنه يهتدى
لمثل خرت الإبرة ولا يخفى عليه طريق، وإن روى هالك بالضم فهو خبر مبتدأ محذوف: أي هو هالك، والجملة
صفة مهمه، وإن روى بكسرها فالوجه أن من نكرة موصوفة وهو مفعول هالك.
357

حرف الحاء
(وفرع يصير الجيد وحف كأنه * على الليت قنوان الكروم الدوالح)
في البقرة عند قوله تعالى (فصرهن إليك) بضم الصاد وكسرها بمعنى فأمهلهن واضممهن قال:
* ولكن أطراف الرماح تصورها * وسيأتى وصف محبوبته بكثافة الشعر ووفوره وسواده، وأن الضفائر على
عنقها بحيث تميله من كثرتها مثل العناقيد على الكروم الكثيرة الحمل. يصير: أي يميل. والوحف: الشعر الكثير
الأسود. والليث: العنق. وقنوان جمع قنو نحو صنو وصنوان وهو العنقود. والدوالح: المثقلات.
(ألا رب من قلبي له الله ناصح * ومن قلبه لي في الظباء السوانح)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ألم) قال صاحب الكشاف بعد أن قرر أن أسماء السور معربة: وإنما سكنت
سكون زيد وعمرو وغيرهما من الأسماء حيث لا يمسها إعراب لفقد مقتضيه، ثم قال بعد ذلك على تقدير نصبها:
هلا زعمت أنها مقسم بها وأنها نصبت نصب قولهم: نعم الله لأفعلن على حذف حرف الجر، وإعمال فعل القسم كما
قال ذو الرمة * ألا رب من قلبي له الله ناصح * الخ.
وقوله: إذا ما الخبز تأدمه بلحم * فذاك أمانة الله الثريد
قلت: إن القرآن والقلم بعد هذه الفواتح محلوف بهما، فلو زعمت ذلك لجمعت بين قسمين على مقسم عليه
واحد وقد استكرهوا ذلك اه‍، ثم إن من في البيت نكرة موصوفة، وأنه يعنى: رب صديق قلبي له ناصح ورب
صديق قلبه لي ناصح في محبة النساء: أي قلبه نافر عين بمنزلة الظباء المسرعات من سنح له سانح إذا عرض،
والسانح: ما أتاك عن يمينك من طائر أو ظبى، والعرب تتيمن به، والبارح: ما أتاك عن يسارك، والقعيد:
ما أتاك من خلفك، والجابه: ما استقبلك. والعرب قد تتشاءم بالسانح، وأنشدوا:
* وأشأم طير الزاجرين سنيحها * وأنشد لزهير:
جرت سنحا فقلت لها أجيزى * نوى مشمولة فمتى اللقاء
(وإن قصائدي لك فاصطنعني * عقائل قد عضلن عن النكاح)
في البقرة عند قوله تعالى (فلا تعضلوهن) العقلية الكريمة، وعقيلة كل شئ أكرمه: وهى من النساء التي خدرت
في بيتها وحبست، والعضل: الحبس، يقول: إن قصائدي لك مثل عقائل النساء فلا أمدح بها غيرك فاصطنعني
بمدحي إياك بها، ومنه قوله:
فلأعضلن قصائدي من بعده * حتى أزوجها من الأكفاء
(فقل للحواريات يبكين غيرنا * ولا يبكنا إلا الكلاب النوابح)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (قال الحواريون نحن أنصار الله) يعنى قل للنساء الحضريات يبكين غيرنا،
فلسنا ممن عرف بالحضر على الفراش، بل نحن من أهل البدو والمحاربة، ولا يبكى علينا إلا الكلاب النوابح اللاتي
تساق معنا في البدو والصيد، أو الكلاب اللاتي جرت عادتهن يأكلن قتلانا في المحاربة.
358

(أبت لي عفتي وأبى بلائي * وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وإقحامي على المكروه نفسه * وضربي هامة البطل المشيح
وقوله كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي
لأدفع عن مآثر صالحات * وأحمى بعد عن عرض صحيح)
الأبيات لعمرو بن الإطنابة. في سورة آل عمران عند قوله تعالى (إذ همت طائفتان منكم).
وفى رواية: أقول لها إذا جشأت وجاشت *
قوله وإقحامي: أي تكليفي. والهامة: وسط الرأس. والمشيح: المجد، من أشاح الرجل إذا جد في القتال.
وجشأت أي تحركت. وجاشت القدر: إذا غلت، وكل شئ يغلى فهو يجيش حتى الهموم، كأنه قال: أبت لي
عفتي أن أتبع هوى النفس واللذات، وأبى بلائي: أي قتالي أن أنكسر وأصبر. وحكى عن معاوية أنه قال:
عليكم بحفظ الشعر فقد كدت أضع رجلي في الركاب يوم صفين: أي للهزيمة، فما ثبتني إلا قول عمرو بن الإطنابة
وقد يكون للنفس عند الشدة بعض الهلع، ثم يردها صاحبها إلى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه.
والبيت المذكور ورد شاهدا في سورة الأنفال عند قوله تعالى (فاضربوا فوق الأعناق) أراد أعالي الأعناق التي
هي المذابح لأنها مفاصل، فكان إيقاع الضرب فيها حزا وتطييرا للرؤوس، وقيل أراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق
يعنى ضرب الهام، قال * وأضرب هامة البطل المشيح * قوله وضربي معطوف على المرفوعات قبله فاعل:
أي في البيت السابق.
(وما الدهر إلا تارتان فمنهما * أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح)
هو لتميم بن عقيل، وبعده:
وكلتاهما قد خط في صحيفة * فلا العيش أهوى لي ولا الموت أروح
في سورة النساء عند قوله تعالى (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) على تقدير أن يكون كلام مبتدأ
على أن يحرفون صفة مبتدأ محذوف تقديره من الذين هادوا قوم يحرفون: يقول: ليس الدهر إلا تارتان: فمنهما
تارة أموت بها، وتارة أحيا وأعيش فيها. وخلاصة المعنى: ليس الدهر إلا حالتان: حالة يموت المرء فيها
ويستريح من نصب الدنيا وأذاها إن كان من أهل الاستراحة، وحالة يعيش فيها ويكدح لمعاشه ومعاده ويتحمل
نصب الدنيا وصروفها.
(سأترك منزلي لبنى تميم * وألحق بالحجاز فأستريحا)
في سورة النساء عند قوله تعالى (ثم يدركه الموت) بالنصب، ونصب ألحق ضعيف لأنه لم يقع في جواب
الأشياء الستة، والعذر أن الفعل المضارع كالتمني والترجي. وقد استشهد بالبيت في سورة الأنبياء عند قوله تعالى
(بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه) حيث قرئ بالنصب، ووجهه وما بعده الحمل على المعنى والعطف على
ألحق فإن المستقبل في إشمام التمني. وقد استشهد به أيضا في سورة الشورى عند قوله تعالى (أو يوبقهن بما كسبوا
ويعف عن كثير ويعلم الذين يجادلون) حيث كان نصب يعلم بالعطف على تعليل مقدر: أي يذقهم لينتقم منهم
ويعلم. ونحوه في العطف على التعليل المحذوف كثير في القرآن، ومنه قوله تعالى، (ولنجعله آية للناس) وقوله
359

(خلق السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت) ومنه قوله: * وألحق بالحجاز فأستريحا *
ثم انظر إلى معنى البيت، فإنك لو رفعت فيه وألحق لم يكن فيه ذلك اللطف الذي هو في النصب، لأنك إذا رفعت
كان المعنى: سأترك منزلي وألحق بالحجاز، وأما إذا نصبت يكون النصب بتقدير أن، ويكون أن مع ما بعده
في تأويل مفرد: أي وشأني الإلحاق بالحجاز أو لحوق الحجاز بي، فانظر يشهد لك الذوق بالتفاوت بين معنى
الرفع والنصب، فلذلك المعنى عدل عن الرفع للنصب، وجميع آي القرآن وتراكيبه لا يلزم أن يكون أفصح على
الإطلاق، بل بعضه أفصح وبعضه فصيح، فيكون واردا على جميع طرق أنواع الكلام وفنونه:
(أفنى رباحا وبنى رباح * تناسخ الإمساء والإصباح)
في سورة الأنعام عند قوله تعالى (فالق الإصباح) في قراءة الحسن بفتح الهمزة جمع صبح وأنشد قوله أفنى
رباحا الخ. ورباح: حي من يربوع، وقيل اسم رجل، وروى بفتح الراء والباء المنقوطة بواحدة. والإمساء
والإصباح، ويروى بالكسر والفتح مصدري وجمعي مساء وصباح، وهذا على حد:
أشاب الصغير وأفنى الكبير * كر الغداة ومر العشى
وقريب منه: تسع وتسعون لو مرت على حجر * لبان تأثيرها في منعة الحجر
(يقولون لا تبعد وهم يدفنونه * ولا بعد إلا ما توارى الصفائح)
في سورة التوبة عند قوله تعالى (ولكن بعدت عليهم الشقة) بكسر العين من باب تعب في قراءة عيسى بن
عمر، ومن البيت، بعد الرجل: إذا هلك قال الله تعالى (ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود) وفعلهما ككرم وفرح
بعدا وبعدا، وقد وقع لفظ البعد بمعنى الهلاك في قول قيس بن أبي عوانة الباهلي في قصيدته المشهورة التي أولها:
أفاطم لو شهدت ببطن خبت * وقد لاقي الهزبر أخاك بشرا
إلى أن قال: ولا تبعد فقد لاقيت حرا * يحاذر أن يعاب فمت حرا
والصفائح أحجار عراض يسقف بها القبر، وهذه لفظة جرت العادة باستعمالها عند المصاب، وليس فيه
طلب ولا سؤال وإنما هي عبارة عن تناهى الجزع كما قال:
لا يبعد الله أقواما لنا ذهبوا * أفناهم حدثان الدهر والأبد
نمدهم كل يوم من بقيتنا * ولا يئوب إلينا منهم أحد
ومثل قوله: إخوتي لا تبعدوا أبدا * وبلى والله قد بعدوا
وهذا وإن كان لفظه لفظ الدعاء فهو جار على غير أصله وإنما هو تحسر وتوجع، ومثل البيت:
يقولون لا تبعد وهم يدفنونه * وأين مكان البعد إلا مكانيا
وفى هذه الآية نوع من البيان يسمى الاستطراد، وهو أن يمدح شيئا أو يذمه ثم يأتي في آخر الكلام بشئ
هو غرضه في أوله، قالوا: ولم يأت في القرآن غيره، وأنشدوا في ذلك قول حسان رضي الله عنه:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني * فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم * ومضى برأس طمرة ولجام
360

خرج من الغزل إلى هجو الحارث بن هشام وهو أخو أبى جهل، أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، ومات
يوم اليرموك، ومن لطيف الاستدراك قوله:
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه * فليس به بأس وإن كان ذا جرم
(وجاءونا بهم سكر علينا * فأجلى اليوم والسكران صاحي)
في سورة هود عند قوله تعالى (مجريها ومرساها) على تقدير أن تكون جملة من مبتدأ وخبر مقتضبة: أي باسم
الله إجراؤها وإرساؤها، ومعنى مقتضبة أن نوحا عليه السلام أمرهم بالركوب ثم أخبرهم بأن مجريها ومرساها بذكر
الله تعالى أو بأمره وقدرته، ويحتمل أن تكون غير مقتضبة بأن تكون في موضع الحال كقوله: فجاءونا بهم سكر
علينا. فلا يكون كلاما برأسه بل فضلة من فضلات الكلام أول، وانتصاب هذه الحال عن ضمير الفلك كأنه
قيل: اركبوا فيها مجراة ومرساة باسم الله بمعنى التقدير كقوله (ادخلوها خالدين) والسكر بمعنى السكر من سكر
سكرا وسكرا نحو رشد رشدا ورشدا، وسكر مبتدأ وبهم خبره والجار في علينا متعلق بسكر أو سكر علينا واقع
موقع الحال. يقول: جاءونا بهم والحال أن علينا السكر، وأجلى بمعنى جلا: أي انكشف: أي كان القوم في
سكر وحيرة، واليوم من غيبتهم في ظلمة، فلما جاءونا بهم انجابت الظلمة من وجه اليوم وصحا السكران من سكرته
وحيرته، كأنه قيل: جاءونا غضابا علينا فانكشف اليوم وهم صاحون عن سكر الغضب، يريد أنا غلبناهم وهزمناهم
(مررنا فقلنا إيه سلم فسلمت * كما أكتل البرق الغمام اللوائح)
البيت الذي الرمة. في سورة هود عند قوله تعالى (فقالوا سلاما قال سلام) أي أمركم سلام، وقرئ فقالوا
سلما، وقيل سلم وسلام كحرم وحرام بكسر السين وعليه قوله: مررنا فقلنا الخ. أكتل الغمام بالبرق: أي لمع.
إيه اسم فعل مبنى على الكسر بمعنى حدث، وقيل معناه: زد، فإذا قصدت التنكير نونت فقلت إيه حديثا،
ومعناه: قلنا حدثني واستأنسي فأمرنا سلم: أي نحن سالمون مؤانسون فسلمت علينا واستأنست مثل البرق اللامع،
وقدم إيه على السلام للاهتمام.
(وأنت من الغوائل حين ترمى * وعن ذم الرجال بمنتزاح)
قال في الصحاح: البيت لأبى هرمة يرثى ابنه في سورة يوسف عند قوله تعالى (وأعتدت لهن متكأ) قرأ
الحسن متكأ بالمد كأنه مفتعال، ونحوه في الإشباع ينباع بمعنى ينبع، ومن الإشباع قوله:
أعوذ بالله من العقراب * الشائلات عقد الأذناب - أي العقرب
(فأهدت متكة لبنى أبيها * تخب بها العثمثة الوقاح)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (وأعتدت لهن متكأ) على قراءة متكأ بضم الميم وسكون التاء وقصر الكاف.
والمتك: الأترج. لبنى أبيها: أي لإخوتها. والعثمثمة: الناقة الصلبة. والوقح: شدة الحافر، وكانت أهدت
أترجة على ناقة، وكأنها الأترجة التي ذكرها أبو داود في سننه أنها شقت نصفين وحملا كالعدلين على جمل.
(ليبك يزيد ضارع لخصومة * ومختبط مما تطيح الطوائح)
هو لضرار بن نهشل يرثى يزيد بن نهشل.
في سورة الحجر عند قوله تعالى (وأرسلنا الرياح لواقح) فيه قولان: أحدهما أن الريح لاقح إذا جاءت بخير
361

من إنشاء سحاب ماطر كما قيل للتي لا تأتى بخير ريح عقيم. والثاني أن اللواقح بمعنى الملاقح كما قال:
* ومختبط مما الطوائح * يريد المطاوح جمع مطيحة. قوله ليبك ببناء الفعل للمفعول وإسناده إلى يزيد
كأنه قيل له من يبكيه؟ فقال ضارع. والضارع: هو الذي ذل وضعف. والمختبط: السائل. وتطيح: تهلك،
تقول طاح الشئ يطيح ويطوح إذا هلك. قال الجوهري: طوحته الطوائح: قذفته القواذف، ولا يقال
المطوحات وهى من النوادر. وقيل إنه من قبيل ما حذفت منه الزوائد كقوله تعالى (وأرسلنا الرياح لواقح) أي
ملقحات. قال أبو حاتم: سألت الأصمعي لم قال الطوائح والقياس المطيحات أو المطاوح؟ قال: هو جمع
طائحة، تقول: ذهبت طائحة من العرب: أي فرقة، وما مصدرية بمنزلة الإطاحة كما تقول يعجبني ما صنعت.
(إني أرقت فبت الليل مرتفقا * كأن عيني فيها الصاب مذبوح)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (بئس الشراب وساءت مرتفقا) وأصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد
وأنى ذلك في النار وإنما هو لمقابلة قوله (حسنت مرتفقا) وفى الصحاح بات فلان مرتفقا: أي متكئا على مرفق يده
وهو هئئة المتحزنين المتحسرين، فعلى هذا لا يكون من المشاكلة ولا للتهكم بل هو على حقيقته كما يكون للتنعم
يكون للتحزن، والصاب شجر مر يحرق ماؤه العين، قال:
مسرة أحقاب تلقيت بعدها * مساءة يوم أريها شبه الصاب
فكيف بأن تلقى مسرة ساعة * وراء تقضيها مساءة أحقاب
ومعنى البيت: إني سهرت وبت الليل متكئا على المرفق كأن الصاب في عيني مذبوح: أي مشقوق. وتقديره:
كأن عيني مذبوح فيها الصاب: أي مشقوق، وليس يريد بالمذبوح الذي تفرى أوداجه وينهر دمه، ومثله قول
الآخر * فأرة مسك ذبحت في مسك * أي شقت، وقيل لما يذكى ذبح لأنه نوع من الشق فقالوا ذبحت
الشاة والبقرة، وقالوا في الإبل نحرت لما كانت توجأ في نحورها فوصف الدم بأنه ذبيح، والمعنى: أن الدم
مذبوح له كما أن قوله (بدم كذب) معناه مكذوب فيه. وليل نائم: أي ينام فيه ونهار صائم، وأما قول
الفرزدق: فبتن بجانبي مصرعات * وبت أفض أغلاق الختام
فهو من المقلوب: أي أفض ختام الأغلاق، ألا ترى أن الأغلاق والأقفال المختوم عليها إنما يفض الختم
الذي عليها.
(إذا غير النأى المحبين لم يكد * رسيس الهوى من حب مية يبرح)
في سورة النور عند قوله تعالى (إذا أخرج يده لم يكد يراها) مبالغة في لم يرها: أي لم يقرب أن يراها فضلا
عن أن يراها: أي لم يقرب من البراح فما له يبرح، وهو من برح الخفاء إذا ظهر، الرسيس الشئ الذي لزم من
بقية هوى أو سقم في البدن، ويقال: رس الهوى وأرس إذا ثبت في القلب. ومية: اسم امرأة، ويبرح: يزول،
ويقال برح برحا إذا دام في موضعه، ومنه لا أبرح أفعل ذاك: أي لا أزال أفعله. البيت لذي الرمة من قصيدته
المشهورة التي أولها:
أمنزلتي مى سلامي عليكما * على النأى والنائي يود وينصح
ولا زال من نوء السماك عليكما * ونوء الثريا وابل متبطح
وإن كنتما قد هجتما راجع الهوى * لذي الشوق حتى ظلت العين تسفح
362

وبعده البيت، وبعده:
فلا القرب يدنى من هواما ملالة * ولا حبها إن تنزح الدار ينزح
إذا خطرت من ذكر مية خطرة * على النفس كادت في فؤادي تجرح
وبعض الهوى بالهجر يمحى فينمحي * وحبك عندي يستجد ويرجح
هي البرء والأسقام والهم والمنى * وموت الهوى لولا التنائي المبرح
إذا قلت تدنو مية اغبر دونها * فياف لطرف العين فهي مطرح
لئن كانت الدنيا على كما أرى * تباريح من ذكراك للموت أروح
(ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح)
في سورة العنكبوت عند قوله تعالى (أليس في جهنم مثوى للكافرين) من حيث إن الهمزة همزة الإنكار
دخلت على النفي فرجع إلى معنى التقرير. قيل لما مدح الشاعر الخليفة بالقصيدة التي فيها هذا وبلغ البيت كان متكئا
فاستوى جالسا فرحا وقال: من مدحنا فليمدحنا هكذا، وأعطاه مائة من الإبل، ومن هنا قال بعضهم: لو كان
معنى قوله: ألستم خير من ركب المطايا، استفهاما لم يعطه الخليفة مائة من الإبل.
(اسقنى حتى تراني * حسنا عندي القبيح)
غرد الديك الصيوح * فاسقني طاب الصبوح
قهوة تذكر نوحا * حين شاد الفلك نوح
نحن نخفيها فتأتى * طيب ريح فتفوح
في سورة الملائكة عند قوله تعالى (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) فهو تقرير لما سبق من التباين بين عاقبتي
الفريقين: أي بعد كون حالهما كما ذكر أيكون من زين له الكفر من جهة الشيطان فانهمك فيه كمن استقبحه واجتنبه
واختار الإيمان والعمل الصالح فحذف ما حذف لدلالة
ما سبق عليه، وقد صدق على الأول قول أبى نواس اسقنى
الخ: أي يقول للساقي اسقنى حتى أكون سكران بحيث يكون القبيح عندي حسنا كما قيل:
قد حسن السكر في عيني ما صنعت * حتى أرى حسنا ما ليس بالحسن
(نهيتك عن طلابك أم عمرو * بعافية وأنت إذ صحيح)
في سورة ص عند قوله تعالى (ولات حين مناص) على تقدير القراءة بالكسر من حيث إنه شبه بإذ في قوله:
وأنت إذ صحيح في أنه ظرف قطع عن المضاف إليه وعوض التنوين لأن الأصل ولات أوان صحتك، وقد تقدم
الكلام عليه في ولات حين بقاء: أي ذكرتك سوء عاقبة طلبها حين كنت صحيحا.
(كأن القلب ليلة قيل يغدى * بليلى العامرية أو يراح
قطاة عزها شرك فباتت * تجاذبه وقد علق الجناح)
في أبيات الحماسة في سورة ص عند قوله تعالى (وعزني في الخطاب) أي غلبني، يقال عزني: جاءني
بحجاج لم أقدر أن أورد عليه ما أرده به، وأراد بالخطاب مخاطبة المحاج المجادل، أو أراد خطبت المرأة وخطبها هو
فخاطبني خطابا: أي غالبني في الخطبة فغلبني حيث زوجها دوني، وبعد البيتين:
363

لها فرخان قد تركا بوكر * فعشهما تصفقه الرياح
إذا سمعا هبوب الريح نصا * وقد أودى بها القدر المتاح
فلا في الليل نالت ما ترجى * ولا في الصبح كان لها براح
(ورأيت زوجك في الوغى * متقلدا سيفا ورمحا)
في سورة المؤمن عند قوله تعالى (كانوا أشد منهم قوة وآثارا في الأرض) يريد حصونهم وقصورهم وعددهم
وما يوصف بالشدة من آثارهم أو أراد أكثر آثارا كقوله * متقلدا سيفا ورمحا * أي وحاملا رمحا، ومنه
* فعلفتها تبنا وماء باردا * * وزججن الحواجب والعيونا *
(واصطليت الحروب في كل يوم * باسل الشر قمطرير الصباح)
هو لأسد بن ناعصة في سورة الإنسان عند قوله تعالى (إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) القمطرير:
الشديد العبوس الذي يجمع ما بين عينيه، يقال اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها فجمعت قطربها وزمت بأنفها،
فاشتقه من القطر وجعل الميم زائدة، ومنه قمطرير الصباح. صلى واصطلى بهذا الأمر: إذا قاسى حره وشدته.
ويوم باسل: أي شديد، وهو الشجاح إذا اشتد كلوحه.
(والخيل تكدح حين تضبح * في حياض الموت ضبحا)
في سورة والعاديات، أقسم بخيل الغزاة تعدو وتضبح، والضبح: صوت أنفاسها إذا عدت: أي يسمع من
أفواهها صوت ليس بصهيل ولا حمحمة. وعن ابن عباس أنه حكاه فقال أح أح، كما قال عنترة: والخيل
تكدح الخ.
حرف الدال
(تطاول ليلك بالإثمد * ونام الخلى ولم ترقد)
في سورة الفاتحة عند قوله تعالى (إياك نعبد) حيث عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب، وهو لامرئ
القيس وقد التفت ثلاث التفاتات في الثلاثة أبيات على عادة العرب في افتنانهم في الكلام، لأن الكلام إذا نقل
من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع من إجرائه على أسلوب واحد، وبعد البيت:
وبات وباتت له ليلة * كليلة ذي العاثر الأرمد
وذلك من نبأ جاءني * وخبرته عن أبي الأسود
(تباعد عنى فطحل إذ دعوته * أمين فزاد الله ما بيننا بعدا)
عند من قصر أمين، وفطحل: اسم رجل استمنحه القائل فما منحه فدعا عليه بالبعد، ومثله في المعنى قوله:
إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى * فأبعدكن الله من شجرات
(إذا ما الخبز تأدمه بلحم * فذاك أمانة الله الثريد)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ألم) أي أحلف أو أقسم بالله: أي أحلف بأمانة الله، فلما حذف منه حرف
الجر انتصب بفعل مضمر، وتقدم القول عليه عند قوله:
364

ألا رب من قلبي له الله ناصح * ومن قلبه لي في الظباء السوانح
قال سيبويه في الكتاب: واعلم أنك إذا حذفت من المحلوف حرف الجر نصبته كما نصبت حقا إذا قلت إنك
ذاهب حقا فالمحلوف به يؤكد بهذا الحديث كما تؤكد بالحق وتجر بحروف الإضافة كما تجر حق إذا قلت إنك
ذاهب
بحق وذلك قولك لله لأفعلن. وقال ذو الرمة: ألا رب من قلبي الخ. وقال الآخر: إذا ما الخبز تأدمه الخ.
(وإن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ذلك الكتاب) كما تقول هو الرجل: أي الكامل في الرجولية، يعنى أن
اللام للجنس لعدم العهد ومثله يفيد الحصر، والبيت من أبيات الحماسة من أبيات أولها:
ألم تر أنى بعد عمرو ومالك * وعروة وابن الهول لست بخالد
وكانوا بنى ساداتنا فكأنما * تساقوا على لوح سمام الأساود
وما نحن إلا منهم غير أننا * كمنتظر ظمأ وآخر وارد
هم ساعد الدهر الذي نتقى به * وما خير إلا أن تنوء بساعد
أسود شرى لاقت أسود خفية * تساقت على لوح سمام الأساود
قوله إن الذي أصله الذين فحذفت النون تخفيفا، ويروى وإن الألى. وحانت: هلكت. وفلج بفتح الفاء
وسكون اللام وجيم: موضع بطريق البصرة، ودماؤهم: نفوسهم، والأساود جمع أسودة وأسودة جمع سواد وهو
الشخص، وأراد بالأساود شخوص الموتى. وشرى بفتح المعجمة والراء: طريق في سلمى كثير الأسد. وأسود
خفية مثل قولهم أسود حلية وهما مأسدتان، والسمام جمع سم.
(لحب المؤقدان إلى مؤسى * وجعدة إذ أضاءهما الوقود)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (يوقنون) حيث قرأ أبو حية النميري يؤقنون بالهمزة، قال في الكشاف:
وقرأ أبو حية النميري يؤقنون بالهمزة، جعل الضمة في جار الواو كأنها فيه فقلبها قلب واو وجوه وقتت، ونحوه:
لحب المؤقدان الخ انتهى. قال أبو علي في الحجة عن الأخفش قال: كان أبو حية النميري يهمز كل واو ساكنة
قبلها ضمة وينشد البيت * لحب المؤقدان إلى مؤسى * الخ. وتقرير ذلك أن الحركة لما كانت تلى الواو
في موسى صارت كأنها عليها، والواو إذا تحركت بالضم أبدلت منها الهمزة انتهى، والبيت لجرير، ومؤسى وجعدة
ابناه، واللام في لحب للقسم، يقال حب فلان معناه حبب بالضم ثم أسكنت وأدغمت: يعنى أوقدوا نار الضيافة
فأضاء وجوههما الوقود.
(أصم عن الشئ الذي لا أريده * وأسمع خلق الله حين أريد)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (صم بكم عمى) أي لما كانت حواسهم سليمة ولكن سدوها عن الإصاخة
إلى الحق، وأبوا أن تنطق ألسنتهم وأن ينظروا بعيونهم، جعلوا كأنما إيفت مشاعرهم وانتفضت بناها التي بنيت
عليها للإحساس والإدراك كقوله:
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا
365

وقد قيل ينبغي أن يجعل الإنسان عند ذكر محبوبه نفسه قلبا ويجعل قلبه أذنا ثم يسمع ذكره، كما قيل:
غنت فلم يبق في جارحة * إلا تمنيت أنها أذن
وقد أحسن سيدي عمر بن الفارض في قوله:
إذا ما بدت ليلى فكلى أعين * وإن هي ناجتني فكلى مسامع
(يا عارضا متلفعا ببروده * يختال بين بروقه ورعوده)
هو للبحتري في سورة البقرة عند قوله تعالى (ورعد وبرق) حيث لم يجمع الرعد والبرق أخذا بالأبلغ كما
في قول البحتري، لأنهما لما كانا مصدرين في الأصل روعي حكم أصلهما بأن ترك جمعهما، شبه الشاعر السحاب
لتكاثفه بمن لبس برودا كثيرة وأثبت البرود تخييلا والتلفع والاختيال ترشيحا، وبعده:
إن شئت عدت الأرض نجد عودة * فحللت بين عقيقه وزروده
وبعده: لتجود في ربع بمنعرج اللوى * قفر تبدل وحشة من غيده
(أتيما تجعلون إلى ندا * وما تيم لذي حسب نديد)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (فلا تجعلوا لله أندادا) والند هو المثل، ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوي
سواء كان ضدا أو خلافا، وقيل الكفء، قال حسان:
أتهجوه ولست له بند * فشركما لخيركما الفداء
أي لست له بكفء وقد روى ذلك، والجعل بمعنى التصيير القولي والاعتقادي من قبيل (وجعلوا الملائكة
ومعنى إلى: منسوبا إلى، فهو حال من تيما، وقيل من ندا، وفيه أن هذا في حكم خبر المبتدأ فلا يكون ذا حاله،
والنديد المثل: أي لا يصلحون مثلا لذي حسب فكيف لمثلي المشهور بالإحسان؟
(إذا ما استحين الماء يعرض نفسه * كرعن بسبت في إناء من الورد)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا) والله تعالى ليس من شأنه الحياء لكن
أستعير الحياء فيما يصح فيه: أي إن الله لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحى أن يتمثل به لحقارتها فعلى
هذا يكون قوله (إن الله لا يستحيى) من قبيل التمثيل والمشاكلة، والضمير في استحين للنوق: أي يتركن. والسبت:
الجلود المدبوغة بالقرظ، والمراد هنا مشافرها للينها. الشاعر يصف كثرة مياه الأمطار في طريقه، وأنه أينما ذهب
رأى الماء، فكأنه يعرض نفسه عليها فتكرع فيه بمشافرها كأنها السبت والأرض قد أنبتت الأزهار والأنوار،
فكأنها لذلك إناء من الورد، وقريب منه ما أنشده المصنف شاهدا لتعدية الاستحياء بنفسه لامرأة دعته إلى النكاح
وهى عند قبر زوجها:
فإن تسألاني عن هواي فإنني * مقيم بهذا القبر يا فتيان
وإني لأستحييه والقبر بيننا * كما كنت أستحييه وهو يراني
(ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى)
هو لطرفة بن العبد من قصيدته المشهورة التي أولها:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد * تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
366

وقوفا بها صحبي على مطيهم * يقولون لا تهلك أسى وتجلد
ومنها: رأيت بين غبراء لا ينكرونني * ولا أهل هذاك الطراف الممدد
ومنها البيت في سورة البقرة عند قوله تعالى (لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا) أي بأن يقدر وتحسنوا
بالوالدين إحسانا، وقيل معناه: أن لا تعبدوا، فلما حذفت أن رفع الفعل، وقد استشهد بالبيت في سورة
والصافات عند قوله تعالى (لا يسمعون إلى الملأ الأعلى) قال في الكشاف: إن قلت هل يصح قول من زعم أن
أصله لئلا يسمعوا فحذفت اللام كما حذفت من قولك جئتك أن تكرمني فبقى أن لا يسمعوا فحذفت أن وأهدر
عملها كما في قول القائل: ألا أيهذا الخ؟ قلت: كل واحد من هذين الحذفين غير مردود على انفراده، وأما اجتماعهما
فمنكر من المنكرات، على أن صون القرآن عن مثل هذا العتسف واجب انتهى. وقد استشهد بالبيت المذكور
في سورة الزمر عند قوله تعالى (أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) والأصل أن أعبد فحذف أن ورفع الفعل
كما في قوله: (أحضر الوغى، والدليل على صحة هذا الوجه قراءة من قرأ أعبد بالنصب، وقد استشهد بالبيت
المذكور أيضا في سورة المدثر عند قوله تعالى (ولا تمنن تستكثر) وهو إما مرفوع منصوب المحل على الحال.
وقرأ الحسن تستكثر بالسكون، وفيه ثلاثة أوجه: الإبدال من تمنن كأنه قيل ولا تمنن لا تستكثر على أنه من المن
وقرأ الأعمش بالنصب بإضمار أن كقوله: أحضر الوغى، ويؤيده قراءة ابن مسعود ولا تمنن أن تستكثر، ويجوز
في الرفع أن تحذف أن ويبطل عملها كما روى أحضر الوغى بالرفع.
(قد أترك القرن مصفرا أنامله * كأن أثوابه مجت بفرصاد)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء) دليل على مجئ قد للتكثير مع دخولها على
المضارع، وقوله: مصفرا أنامله أي مقتولا كما قال لبيد:
وكل أناس سوف تدخل بينهم * دويهية تصفر منها الأنامل
والفرصاد: ماء التوت، يريد أن الدم على ثيابه كماء التوت. قال الزمخشري في شرح أبيات كتاب سيبويه:
هو للهذلي، وقيل لعبيد بن الأبرص، وهو من قصيدة طويلة أولها:
طاف الخيال علينا ليلة الوادي * من آل أسماء لم يلمم بميعاد
إني اهتديت كركب طال ليلهم * في سبسب بين دكداك واعقاد
ومنها: فإن حييت فلا أحسبك في بلدي * وإن مرضت فلا تحسبك عوادي
أذهب إليك فإني من بنى أسد * أهل القباب وأهل الجود والنادى
لا أعرفنك بعد الموت تندبني وفى حياتي ما زودتني زادي
قد أترك القرن مصفرا أنامله * كأن أثوابه مجت بفرصاد
أوجرته ونواصي الخيل معلمة * سمراء عاملها من خلفها نادى
(فإما تثقفوني فاقتلوني * فمن أثقف فليس إلى خلود)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (حيث ثقفتموهم) والثقف: وجود على وجه الأخذ والغلبة: والمعنى: إن
367

تدركوني أيها الأعداء وقدرتم على فاقتلوني، فإن من أدركه لا بقاء له ولا إجابة بل أقتله.
(ولا تقربن من جارة إن سرها * عليك حرام فانكحن أو تأبدا)
هو للأعشى. في البقرة عند قوله تعالى (ولكن لا تواعدوهن سرا) وهو كناية عن النكاح الذي هو الوطء لأنه
مما يسر، ثم عبر به عن النكاح الذي هو العقد لأنه سببه كما فعل بالنكاح، وتأبدا من الأبود وهو النفار: أي
أعزل عنهن ما لم يكن حلالا كأنك وحشى لا تدرى النكاح، وأصله تأبدن بالنون للتأكيد وجعلوه في حالة الوقف
ألفا، والبيت لأعشى بنى قيس واسمه ميمون من قصيدة قالها في رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ظهوره، وكان
نزل على حيية وربيعة، فسمع به أبو جهل فأتاه في جمع من قريش وأهدى إليه هدية ثم سأله ما جاء بك؟ قال:
جئت إلى محمد صلى الله عليه وسلم لأنى كنت سمعت به لأنظر ماذا يقول وما يدعو إليه، فقال له أبو جهل: إنه
يحرم عليك الأطيبين الخمر والزنا، قال: لقد كبرت ما بقى لي بالزنا حاجة، قال: إنه قد حرم الخمر، قال:
قد أصبت منها غرضي، فجعلوا يحدثونه أسوأ ما يكون من الكلام والفعل، ثم قالوا: أنشدنا ما قلت فيه: فأنشدهم
هذه القصيدة، فلما فرغ منها قالوا: إن أنشدته هذا لم يقبله منك، فلم يزالوا به حتى صدوه، فخرج من فوره
ذلك فأتى اليمامة فقال: أتلوم عامي هذا، فمكث زمنا يسيرا ومات باليمامة، وهذه القصيدة:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا * وبت كما بات السليم مسهدا
وما ذاك من عشق النساء وإنما * تناسيت قبل اليوم صحبة مهددا
ولكن أرى الدهر الذي هو خائن * إذا أصلحت كفاي عاد فأفسدا
شباب وشيب وافتقار وثروة * فلله هذا الدهر كيف ترددا
وما زلت أبغى المال مذ أنا يافع * وليدا وكهلا حين شبت وأمردا
فإن تسألي عنى فيارب سائل * خفى عن الأعشى به حيث أصعدا
ألا أيهذا السائلي أين يممت * كأن لها في أهل يثرب موعدا
وأما إذا ما أدلجت فترى لها * رقيبين جديا لا يغيب وفرقدا
فمالك عندي مشتكى من كلالة * ولا من خفا حتى تلاقى محمدا
نبي يرى ما لا ترون وذكره * أغار لعمري في البلاد وأنجدا
متى ما تناخى عند باب ابن هاشم * تراحي وتلقى من فواضله ندا
له صدقات ما تغب ونائل * وليس عطاء اليوم مانعه غدا
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى * ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله * فترصد للأمر الذي كان أرصدا
فإياك والميتات لا تطعمنها * ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه * ولا تبعد الأوثان والله فاعبدا
وصل على حين العشيات والضحى * ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا
ولا السائل المحروم لا تتركنه * لفاقته حتى الأسير المقيدا
368

ولا تسخرن من بائس ذي ضرارة * ولا تحسبن المال للمرء مخلدا
ولا تقربن من جارة إن سرها * عليك حرام فانكحن أو تأبدا
(فإن شئت حرمت النساء سواكم * وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا)
للعرجي، في سورة البقرة عند قوله تعالى (ومن لم يطعمه) أي ومن لم يذقه، ومنه طعم الشئ لمذاقه كما
في البيت، ألا ترى كيف عطف عليه البرد وهو النوم ويقال ما ذقت غماضا. والنقاخ بالنون والقاف والخاء
المعجمة: الماء العذب البارد، والبرد: النوم، ومنه قوله تعالى (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا) وإنما قال سواكم
بلفظ الجمع للتعظيم، ولم يقل سواكن لأن النساء منسوبات إلى غيرهن، تقول امرة تخلفت مع الذاهبين أو ذهبت
مع الغابرين. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة هود عند قوله تعالى (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا) حيث
جمع الخطاب بعد إفراده وهو قوله قل. والسر فيه أن معناه: فإن لم يستجيبوا لك وللمؤمنين لأن رسول الله صلى
الله عليه وسلم والمؤمنين كانوا يتحدونهم، وقد قال في موضع آخر (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم) ويجوز أن يكون
الجمع لتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله: فإن شئت الخ. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة
المؤمنين عند قوله تعالى (رب ارجعون) بخطاب الجمع، وسواكم للتعظيم فإنه ربما خوطبت المرأة الواحدة
بخطاب
الجمع المذكر. يقول الرجل عن أهله فعلوا كذا مبالغة في سترها حتى لا ينطق بالضمير الموضوع لها، ومنه قوله
تعالى حكاية عن موسى عليه السلام (قال لأهله امكثوا) ولذلك كان الأكثرون على أن الضمير في قوله تعالى
(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن) للأزواج ليتحد فاعل الشرط مع فاعل الجزاء. وقد استشهد بالبيت
المذكور في سورة النبأ عند قوله تعالى (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا) على تفسير البرد بالنوم، وعن بعض العرب:
منع البرد البرد.
(إن العرانين تلقاها محسدة * ولن ترى للئام الناس حسادا)
في سورة البقرة عند آخر آية الكرسي. قال في الكشاف: وبهذا يعلم أن أشرف العلوم وأعلاها مرتبة عند الله
تعالى علم أهل العدل والتوحيد، ولا يغرنك كثرة أعدائه فإن العرانين تلقاها مسحدة: يعنى بذلك شيعة المعتزلة كما
هو دأبه في نصرة مذهبهم والاعتزال عن أهل الحق ناحية. قال العلامة السكوني في التمييز: أما تسميتهم أنفسهم
العدلية فباطل، لأنهم يعنون بتسميتهم أنفسهم عدلية كونهم على زعمهم يخلقون أفعالهم، قالوا ولو لم يكن الأمر
كذلك لما كان تعذيبنا على ما ليس بخلق لنا عدلا بل جورا وهو أن لا نعذب على فعل غيرنا، وسموا أهل السنة
مجبرة لاعتقادهم أن الله سبحانه لا شريك له في أفعاله ولا خالق لشئ من المخلوقات سواه. وأجاب أهل الحق عن
ذلك بما هو مذكور في أواخر مقدمة التمييز فلينظر ثمة. وعرانين الناس: ساداتهم. يقول: إنما يحسد السادة الكبراء
لعلو همتهم وشرفهم. ولا ترى أحدا يسحد لئيما خسيسا. قيل للمهلبية: ما أكثر حسادكم، فأنشدوا البيت:
(وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) قرأ نافع بضم السين والباقون بفتحها وهو
المشهور، وقرئ بضم السين وكسرها مضافين إلى ضمير ذي عسرة بحذف التاء عند الإضافة كقوله (إقام الصلاة)
وقوله: وأخلفوك الخ، وأوله * إن الخليط أجدوا البين وانجردوا * الخليط اسم جمع بمعنى المخالط كالنديم
369

والمنادم والجليس والمجالس. وأجد: صار ذا جد. وانجردوا: أي مضوا. عد الأمر: أي عدة الأمر، حذفت
التاء عند الإضافة إلى الأمر. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة التوبة عند قوله تعالى (ولو أرادوا الخروج
لأعدوا له عدة) حيث قرئ عده بحذف التاء والإضافة إلى ضمير الخروج كما فعل بالعدة من قال عد الأمر:
أي عدته.
(لما تؤذن الدنيا به من صروفها * يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وإلا فما يبكيه منها وإنه * لأفسح مما كان فيه وأرغد)
هو لابن الرومي، في سورة آل عمران عند قوله تعالى (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) تؤذن
أي تلعم. يقول: إنما يكون بكاء الطفل ساعة الولادة لما يعلم أن الدنيا موضع الفتن ومكان المحن، وإلا فما يبكيه
منها والحال أنه قد نجا من ضيق البطن والرحم وانفصل إلى موضع هو أفسح وأرغد منه.
وبعد البيتين: إذا أبصر الدنيا استهل كأنه * بما سوف يلقى من أذاها يهدد
وبرواية أخرى:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها * يكون بكاء الطفل ساعة يوضع
وإلا فما يبكيه منها وإنها * لأروح مما كان فيه وأوسع
إذا أبصر الدنيا استهل كأنه * يرى ما سيلقى من أذاها ويسمع
(لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون)
قال الزمخشري: إن قلت كيف يجوز تمنى الشهادة، وفى تمنيها تمنى غلبة الكافر على المسلم، قلت: قصد متمنى
الشهادة إلى نيل كرامة الشهداء لا غير، ولا يذهب وهمه إلى ذلك المتضمن، كما أن من يشرب دواء الطبيب النصراني
قاصدا إلى حصول المأمول من الشفاء ولا يخطر بباله أن فيه جر منفعة وإحسان إلى عدو الله، ولذلك قال عبد
الله
ابن رواحة حين نهض إلى غزوة مؤتة وقيل له ردك الله سالما * لكنني أسأل الرحمن مغفرة * وبعد البيت:
أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي * أرشدك الله من غاز وقد رشدا
قوله ضربة ذات فرغ، أي واسعة ذات إفراغ الدم، والإفراغ: الصب، والفرغ: الدلو، وتقذف الزبد:
أي الدم الذي له زبد من كثرته. وحران: أي عطشان إلى قتلى. ومجهزة صفة طعنة: أي سريعة القتل، والمجهز
الذي يكون به رمق، فجهزت عليه: إذا أسرعت قتله.
(فآليت لا أرثى لها من كلالة * ولا من وجبى حتى تلا في محمدا)
في سورة النساء عند قوله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة) وهى تطلق على ثلاثة: على من لم يخلف والدا
ولا ولدا، وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد ومنه قولهم: ما ورث المجد عن كلالة، كما تقول ما صمت عن علي
، وما كف عن حيرة، والكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة من الإعياء. قال الأعشى
370

في مدح النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الوفادة عليه: فآليت الخ، فصده قريش عن ذلك، فخرج من فوره وأتى
اليمامة ومات، والبيت من القصيدة التي تقدم غالب أبياتها في سورة البقرة، وهى طويلة بديعة.
(كقنطرة الرومي أقسم ربها * لتكتنفن حتى تشاد بقرمد)
في سورة النساء عند قوله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطارا) القنطار: المال العظيم من قنطرت الشئ إذا
رفعته، ومنه القنطرة لأنها بناء مشيد. شبه ناقته بقنطرة الرجل الرومي أو النهر الرومي في نهر دجلة والفرات. ربها:
أي صاحبها لتحاط بالطلاء إلى أن ترفع بالآجر، وقيل الرومي نهر دجلة والفرات لأنهما يأتيان من الروم كما قيل:
(وذا النصب المنصوب لا تعبدنه * ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا)
هو للأعشى من قصيدته المشهورة المقدم ذكرها في سورة المائدة عند قوله تعالى (وما ذبح على النصب)
كانت لهم حجارة منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويشرحون اللحم عليها يعظمونها بذلك ويتقربون به إليها
تسمى الأنصاب، والنصب واحد دل على إفراده بذكر اسم الإشارة.
(أبنى لبيني إن أمكمو * أمة وإن أباكمو عبد)
في سورة المائدة عند قوله تعالى (وعبد الطاغوت) على قراءة، ومعناه: الغلو في العبودية كقولهم رجل حذر
وفطن للبليغ في الحذر والفطنة، قال في الصحاح في مادة عبد: وحكى الأخفش عبد مثل سقف وسقف وأنشد:
أنسب العبد إلى آبائه * أسود الجلدة من قوم عبد
ومنه قراءة بعضهم وعبد الطاغوت وأضافه، وبعضهم قرأ وعبد الطاغوت وأضافه، والمعنى فيما يقال خدم
الطاغوت، قال: وليس هذا بجمع لأن فعلا لا يجمع على فعل وإنما هو اسم بنى على فعل كحذر وندس، فيكون
المعنى، وخادم الطاغوت، وأما قول الشاعر: أبنى لبيني الخ، فإن الفراء يقول إنما ضم الباء ضرورة.
(جاد الحمى بسط اليدين بوابل * شكرت نداه تلاعه ووهاده)
في سورة المائدة عند قوله تعالى (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان)
وفى الكشاف. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي أشد آية في القرآن، وعن الضحاك: ما في القرآن آية أخوف
عندي منها. وغل اليد: ربطها مجاز عن البخل وبسطها مجاز عن الجود ومنه قوله تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة
إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) وبسط اليد وقبضها عبارتان وقعتا متعاقبتين للبخل والجود، وقد استعملوهما
حيث لا تصح اليد كما في البيت، ولله در من استعملها مضمومة مكسورة وأبرزها على هذه الصورة حيث قال:
لنا خليل له خلال * تعرب عن أصله الأخس
أضحت له مثل حيث كف * وددت لو أنها كأمس
(وكتيبة لبستها بكتيبة * حتى إذا التبست نفضت لها يدي)
في سورة الأنعام عند قوله تعالى (أو يلبسكم شيعا) أي يخلطكم فرقا مختلفين. يقول: رب كتيبة خلطتها بكتيبة
حتى إذا اختلطت نفضت يدي منهم وخليتهم وشأنهم كقوله تعالى (فلما كفر قال إني برئ منك) يظهر أنه مهياج
للشر يعرف مداخله ومخارجه، وفيه إثبات طرف من اللؤم ولهذا عيب عليه هذا القول:
(فزججتها بمزجة * زج القلوص أبى مزاده)
371

في سورة الأنعام عند قوله تعالى (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) فإنه قرئ زين
على النباء للفاعل الذي هو الشركاء وزين على البناء للمفعول الذي هو القتل ورفع شركاؤهم بإضمار فعل دل عليه
زين، وأما قراءة قتل أولادهم شركائهم برفع القتل ونصب الأولاد وجر الشركاء على إضافة القتل إلى الشركاء
والفصل بغير الظرف فشئ لو كان في مكان الضرورة هو الشعر لكان سمجا مردودا كما سمج ورود:
* زج القلوص أبى مزاده، فكيف به في الكلام المنثور؟ فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته؟
فإن إضافة زج إلى أبى مزادة إضافة المصدر إلى فاعله والفصل بالمفعول: أعنى القلوص مردود، إذ لا ضرورة فيه
لاستقامة الوزن والقافية بالإضافة إلى القلوص ورفع أبى مزادة والضمير في زججتها للكتيبة. والزج: الطعن،
والمزجة: رمح قصير. والقلوص: الشابة من النوق.
(حرام على عيني أن تطعما الكرى * وأن ترقآ حتى ألاقيك يا هند)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (حرمهما على الكافرين) أي ومنعهم شراب الجنة كما يمنع المكلف ما يحرم
عليه ويحظر كقوله: حرام الخ. والطعم بمعنى الذوق، كما يقال: ما ذقت غماضا، ورقأ الدم والدمع إذا سكن.
(بمستأسد القريان عاف نباته * تساقطني والرحل من صوت هدهد)
البيت للحطيئة، في سورة الأعراف عند قوله تعالى (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا) أي كثروا ونموا
في أنفسهم وأموالهم، من قولهم عفا النبات وعفا الشحم والوبر إذا كثر كما قال:
ولكنا نعض السيف منها * بأسؤق عافيات الشحم كوم
وسيأتى، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " وأعفوا اللحى " وعليه بيت الحطيئة بمستأسد الخ. وقبل البيت:
فإن نظرت يوما بمؤخر عينها * إلى علم في الغور قالت له أبعد
بأرض ترى فرخ الحبارى كأنها * بها ركب موف على ظهر قردد - بمستأسد البيت.
والمستأسد: النبات الطويل الغليظ، يقال استأسد الزرع إذا قوى، وسيأتى في سورة المعارج قوله:
مستأسد أذنابه في غيطل * يقلن للرائد أعشبت انزل
كأنه أخذ من الأسد والقريان بضم القاف جمع القرى بوزن فعيل ويجمع على أقرية وقريان، وهو مجرى الماء
إلى الروض، من صوت هدهد 7 من غاية السرعة والخوف في أرض من شأنها ذا وذا. وقوله بمستأسد القريان
بدل من قوله بأرض بتكرير العامل. وصف الأرض أولا بأنها لم تسلك، ولهذا كان فرخ الحبارى بها كالراكب
المشرف، وبين أنها حزن ثم أكد ذلك بالإبدال المذكور، وبين أن الحزن والسهل سواء في الخلاء عن الأنيس
وضمير نظرت للناقة وفى الغور حال منه. والموفى: المشرف. والقردد: المكان الغليظ المرتفع، وجزاء الشرط
تساقطني، وقالت: صفة علم. يصف الناقة بالسرعة والنشاط، والمكان بالبعد من الأنيس بحيث تتردى فيه الناقة
برحلها وراكبها من صوت هدهد خوفا وسرعة. وقيل جزاء الشرط قالت، وتساقطني حال من ضمير نظرت أو
قالت.
(يا راكب الذنب هدهد * واسجد كأنك هدهد)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (إنا هدنا إليك) أي تبنا إليك، وهاد يهود إذا رجع وتاب، والهود جمع
372

هائد وهو التائب والهدهد طائر والهداهد مثله. قال الراعي: * كهداهد كسر الرماة جناحه * والجمع
الهداهد بالفتح:
(فيا لقصي ما زوى الله عنكم * به من فخار لا يبارى وسؤدد)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما) على حذف مضاف أي
أولادهما دل عليه (فتعالى الله عما يشركون) حيث جمع الضمير، وآدم وحواء بريئان من الشرك. قالوا: الوجه
أن يكون الخطاب لقريش الذين كانوا فيه عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم آل قصي، ألا ترى إلى قوله
في قصة أم معبد: فيا لقصي الخ. ويراد هو الذي خلقكم من نفس قصي وجعل من جنسها زوجها ليسكن إليها،
فلما آتاهما ما طلبا من الولد الصالح جعلا له شركاء فيما آتاهما حيث سميا أولادهما الأربعة بعبد مناف وعبد العزى
وعبد قصي وعبد الدار، وجعل الضمير في يشركون لهما ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك. يخاطب قريشا
ويقول: يا آل قصي تدرون ما قبضه عنكم من فخار وسؤدد بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصة
أم معبد مشهورة. ذكر عن أسماء بنت أبي بكر حين خفى عليها وعلى من معها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم يدروا أين توجه، حتى أتى رجل من الجن يسمعون صوته ولا يرونه فمر على مكة وهو ينشد هذه الأبيات:
جزى الله رب الناس خير جزائه * رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم ترحلا * فيا فوز من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي ما زوى الله عنكم * به من فخار لا يبارى وسؤدد
ليهن بنى سعد مقام فتاتهم * ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها * فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت * له بصريح ضرة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لديها بحالب * يرددها في مصدر ثم مورد
الضرة أصل الضرع الذي لا يخلو عن لبن. وخيمتي نصب على الظرف إجراء للمؤقت مجرى المبهم، وفى
شرح السنة أن الصوت صوت مسلم الجن أقبل من أسفل مكة حتى خرج بأعلاها. ويروى أن حسان بن ثابت
رضى الله تعالى عنه لما بلغه شعر الجنى وما هتف به في مكة قال يجيبه:
لقد خاب قوم غاب عنهم نبيهم * وقدس من يسرى إليه ويغتدى
ترحل عن قوم فضلت عقولهم * وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة وبهم * وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وهل يستوى ضلال قوم تسفهوا * عمايتهم هاد به كل مهتدى
لقد نزلت منه على آل يثرب * ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله * ويتلو كتاب الله في كل مسجد
وإن قال في يوم مقالة غائب * فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده * بصحبته من يسعد الله يسعد
373

والقصة بتمامها مذكورة في الروض الأنف مستوفاة.
(يهاب النوم أن يغشى عيونا * تهابك فهو نفار شرود)
في سورة الأنفال عند قوله تعالى (إذ يغشاكم النعاس أمنة منه) على تقدير انتصابه على أن الأمنة للنعاس الذي
هو فاعل يغشاكم: أي يغشاكم النعاس لأمنه على إسناد الأمن إلى النعاس إسنادا مجازيا وهو لأصحاب النعاس على
الحقيقة، أو على أنه أنامكم في وقت كان من حق النعاس في مثل ذلك الوقت المخوف أن لا يقدم على غشيانكم،
وإنما غشيكم أمنة حاصلة له من الله لولاها لم يغشكم على طريقة التمثيل والتخييل. قال الزمخشري: وقد ألم به من
قال * يهاب النوم أن يغشى عيونا * الخ. يقول: يهاب النوم أن يغشى عيون أعاديك ومخالفيك فلا ينامون
من خوفك، ونفار مبالغة من نفرت نفارا وشرود من شرد الشئ عن أصله، وفرس شرود: أي مستعص:
(يا صاحبي ألا لا حي بالوادي * إلا عبيد وآم بين أذواد
أتنظران قليلا ريث غفلتهم * أم تغدوان فإن الريح للغادى)
في سورة الأنفال عند قوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) والريح: الدولة، شبهت في نفوذ
أمرها وتمشيه بالريح وهبوبها فقيل: هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة ونفذ أمره، ومنه قوله: أتنظران قليلا
الخ. وقوله: أم تغدوان: أي تسرعان، فإن الدولة لمن يسرع ويغتنم الفرصة، أو لمن يغدر ويظلم ولا يبالي،
وقيل لم يكن قط نصر إلا بريح يبعثها الله تعالى. وآم جمع إماء. وأذواد جمع ذود وهو من الإبل ما بين ثلاثة إلى
عشرة. أتنظران من أنظرته إذا أخرته. والبيت لسليك بن السلكة. وقصة ذلك أن سليكا مع صاحبين له أتوا الجوف
جوف مراد واد باليمن، فإذا نعم قد ملأ كل شئ من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضها فيلحقهم الحي،
فقال سليك: كونوا قريبا حتى آتي الرعاء فأعلم لكما علم الحي أقريب هم أم بعيد، فإن كانوا قريبا رجعت إليكما،
وإن كانوا بعيدا قلت لكما قولا أغنى به لكما فأغيرا، فانطلق إلى الرعاء فلم يزل يستبسطهم حتى أخبروه بمكان الحي
فإذا هم بعيد إن طلبوا لم يدركوا، فقال سليك للرعاء: ألا أغنيكم؟ قالوا: بلى، فتغنى بأعلى صوته:
* يا صاحبي ألا لا حي بالوادي * البيتين
فلما سمعا ذلك أتياه فاطردوا الإبل فذهبوا بها ولم يبلغ الصريخ الحي حتى مضوا بما معهم
(إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا * فحسبك والضحاك سيف مهند)
في سورة الأنفال عند قوله تعالى (حسبك الله ومن اتبعك) الواو بمعنى مع وما بعده منصوب، تقول:
حسبك وزيدا درهم، ولا تجر، لأن عطف الظاهر المجرور على المكنى ممتنع كما في قوله: فحسبك
والضحاك.
والمعنى: كفاك وكفى تباعك من المؤمنين الله ناصرا. والهيجاء: الحرب. وانشقاق العصا كناية عن وقوع
الخلاف. والمهند: السيف المطبق من حديد الهند: يعنى إذا كان يوم الحرب وافترقت العصبة ووقع الخلاف
بينهم فحسبك مع الضحاك ومحاربته سيف مهند، ونصب الضحاك بحسبك لأنه في معنى يكفيك ويكفى الضحاك.
(لا هم إن ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيك الأتلدا
إن قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ذمامك المؤكدا
هم بيتونا في الحطيم هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا
فانصر هداك الله نصرا أعتدا * وادع عباد الله يأتوا مددا)
374

في سورة التوبة عند قوله تعالى (إن الله يحب المتقين) وأنه وارد على سبيل التعليل لأن التقوى وصف مرتب
على الحكمين: أعنى قوله فقولوا لهم سيحوا، وقوله فأتموا، ومضمونهما عدم التسوية بين الغادر والوافي: أي
فاتقوا الله في عدم التسوية كما اتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسو بين بكر وبنى خزاعة. وفد عمرو بن سالم
الخزاعي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشده ذلك. لأهم أصله اللهم، والميمان في لأهم عوضان عن النداء
عند البصريين. إني ناشد محمدا: أي أسأل ربى النصرة بمحمد. يقال ناشدتك الله نشدة: أي طلبت منك بالله تعالى
أن تفعل كذا. والحلف: الحليف، والأحلاف: الذين تحالفوا مع القوم على النصرة والوفاء. وأبيك الأتلدا:
الأقدم. والحطيم: الذي فيه الرداة وهو الحجر، وقيل إنما سمى حطيما لأنهم كانوا في الجاهلية يحلفون فيه فيحطم
الكاذب. والعتيد الحاضر. وقصة ذلك أن قريشا أعانت بنى بكر على خزاعة في غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
من مكة حتى نكثوا فيهم، فأتى الصريخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو عمرو بن سالم وأنشده ذلك،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نصرت إن لم أنصركم، وغضب لهم وخرج إلى مكة، ونصر الله رسوله
صلى الله عليه وسلم وشفى صدور خزاعة من بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كما قال تعالى (ويشف
صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم).
(أخوك الذي إن قمت بالسيف عامدا * لتضربه لم يستغثك في الود
ولو جئت تبغى كفيه لتبينها * لبادر إشفاقا عليك من الرد
يرى أنه في الود وإن مقصر * على أنه قد زاد فيه عن الجهد)
في سورة التوبة عند قوله تعالى (قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين) يقول:
أخوك الذي إن أسأت إليه أحسن إليك حتى لو قمت تضربه بالسيف لا يجدك غثا في المودة، وبرواية: لا يستغشك
من الغش والخيانة، ولو جئته تطلب أن تقطع يده لبادر إليك فرقا من الرد عليك، ومع هذا الوفاء والجهد في حفظ
أسباب المودة يرى أنه مقصر في الود وان فيه. ومن هذا القبيل قوله:
وليس صديقا من إذا قلت لفظة * توهم في أثناء موقعها أمرا
ولكنه من لو قطعت بنانه * توهمه نفعا لمصلحة أخرى
وفى معنى هذا البيت قول كثير عزة:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة * لدينا ولا مقلية إن تقلت
وقد تقدم شرح هذا البيت في معنى الآية فليراجع ثمة.
(أعاذل شكتي بدني وسيفي * وكل مقلص سهل القياد)
في سورة يونس عند قوله تعالى (فاليوم ننجيك ببدنك) أي في الحال الذي لا روح فيه. وإنما أنت بدن،
أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شئ ولم يتغير، أو عريانا لست إلا بدنا من غير لباس، أو بدرعك كما قال
عمرو بن معد يكرب: أعاذل شكتي بدني وسيفي الخ. كانت له درع من ذهب يعرف بها. وكل مقلص بكسر
اللام: أي فرس ينقبض، وقلص إذا انضم. وسهل القياد: أي القود. وكان أصل الكلام: فاليوم نطرحك بعد
الغرق بجانب البحر، ثم سلك طريق التهكم وقال: ننجي بدنك لمزيد التصوير والتهويل، أوقع ببدنك حالا من
الضمير المنصوب لتصوير الهيئة المنكرة في نظر المعتبرين.
375

(إخوتي لا تبعدوا أبدا * وبلى والله قد بعدوا)
من أبيات الحماسة وبعده:
ما أمر العيش بعدكم * كل عيش بعدكم نكد
ليت شعري كيف شربكم * إن شربي بعدكم ثمد
في سورة هود عند قوله تعالى (ألا بعدا لعاد قوم هود) وهو دعاء عليهم بالهلاك بعد هلاكهم، ومعناه
أنهم كانوا مستأهلين له كما في قوله: إخوتي لا تبعدوا الخ: أي كانوا في حال حياتهم مستأهلين لأن يقال لهم هذا
القول، وقد جرت العادة على استعماله عند المصائب، وليس فيه طلب ولا سؤال وإنما هو تنبيه على شدة الأمر
وتفاقم الجزع وهيعة وتوجع، وقريب من هذا المعنى بيت الحماسة أيضا:
فإنك لم تبعد على متعهد * بل كل من تحت التراب بعيد
قال ابن النحاس: المعروف في اللغة بعد يبعد بعدا وبعدا إذا هلك، والبعد ضد القرب، وفعلهما ككرم
وفرح بعدا وبعدا، والعرب تفرق بين المعنيين بتغير البناء فقالوا بعد بالضم ضد قرب هو في الواحد والجمع
سواء، تقول: ما أنت عنا ببعيد وما أنتم عنا ببعيد. وبعد بالكسر ضد السلامة، والمصدر البعد بفتح العين. وقد
استشهد بالبيت المذكور في سورة المرسلات عند قوله تعالى (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون) يقال لهم في الآخرة
ذلك إيذانا بأنهم كانوا في الدنيا أحقاء بأن يقال لهم ذلك وكانوا من أهله، مذكرا بحالهم السمجة وبما جنوا على
أنفسهم من إيثار المتاع على النعيم والملك المخلد، وقد ذكرنا هذا البيت بالمناسبة عند قوله:
يقولون لا تبعد وهم يدفنونه * ولا بعد إلا ما توارى الصفائح
واستطردنا القول هناك إلى النوع البديعي المسمى بالاستطراد فراجعه.
(ومشهد قد كفيت الغائبين به * في محفل من نواصي الناس مشهود)
من أبيات الحماسة. في سورة هود، عند قوله تعالى (وذلك يوم مشهود) المراد بالمشهود الذي كثرت شهوده،
ومنه قولهم لفلان مجلس مشهود وطعام محضور كما في قوله: في محفل الخ. والمراد أنه مشهود فيه لا مشهود في نفسه
لأن سائر الأيام مشهودات كلها، وكذلك قوله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) الشهر منتصب ظرفا لا مفعولا به،
وكذلك الضمير في فليصمه أي فليصم فيه وكان من حقه أن يؤتى بما أسند إليه لكن حذف وجعل كالمفعول به
وحذف مفعول المشهود تفخيما وتعظيما أن يجرى على اللسان، وذهابا إلى أنه لا مجال لالتفات الذهن إلى غيره
وفى ذلك دليل على أن اسم المفعول من الفعل المتعدى بحرف الجر يجوز أن يجرد عنه ومنه قوله تعالى (إن العهد كان
مسؤولا) وقد أخذ على بعض المصنفين قوله المفهوم والمنطوق. وقيل يجب أن يقال المنطوق به، وهذا يدل على
جواز ذلك. ومعنى البيت: رب مشهد قد كفيت الغائبين بالنطق عنهم، أو الناطقين الحاضرين أن ينطقوا
في محفل ملتئم من أشراف الناس كثير مشاهدوه، وكشفت الغمة وأثبت الحجة ونطقت بالصواب وطبقت المفصل
في الجواب وجواب رب الثاني.
فرجته بلسان غير ملتبس * عند الحفاظ وقلب غير مزءود
أي مذعور * وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الشعراء عند قوله تعالى (فظلت أعناقهم لها خاضعين)
376

أي منقادين وأصله فظلوا لها خاضعين، فأقحمت الأعناق لزيادة التقرير ببيان موضع الخضوع وترك الخبر على
حاله. وقيل لما وصفت الأعناق بصفات العقلاء أجريت مجراهم في الصفة أيضا كما في قوله تعالى (رأيتهم لي
ساجدين) وقيل: أريد بها الرؤساء والجماعات من قولهم: جاءني عشرة من الناس: أي فوج منهم، وقرئ
خاضعة.
(ضلوا وإن سبيل الغى مقصدهم * لهم عن الرشد أغلال وأفياد)
في سورة الرعد عند قوله تعالى (وأولئك الأغلال في أعناقهم) وصف بالإصرار كقوله (إنا جعلنا في أعناقهم
أغلالا) الغل: جامعة تشد بها العنق واليد، والأغلال جمعه، والقيد: ما يوضع على الرجل فيمنع عن السير،
يقول: اتخذوا سبيل الغى مقصدا ولهم من الرشد أغلال بحيث لا يقدرون أن يمشوا إليه بأرجلهم.
(ما إن هلعت ولا جزعت * ولا يرد بكاي زندا)
في سورة الرعد عند قوله تعالى (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا
وعلانية) حيث كان الصبر مطلقا فيما يصبر عليه من المصائب. لئلا يعاب بالجزع، ولئلا تشمت به الأعداء كقوله:
وتجلدي للشامتين أريهم * أنى لريب الدهر لا أتضعضع
وما أحسن قول سيدي عمر بن الفارض:
ويحسن إظهار التجلد للعدا * ويقبح غير العجز عند الأحبة
على أنه لا رد للفائت كما قيل: ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت، وما أحسن قول من قال متأسفا على
حلاوة ما مر من سالف الليالي:
آها لها من ليال هل تعود كما * كانت وأي ليال عاد ماضيها
لم أنسها مذ نأت عنى ببهجتها * وأي أنس من الأيام ينسيها
والهلع أفحش الجزع، وقد فسره الله تعالى بقوله (إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا) وقد جاء
في الحديث " من شر ما أوتى العبد شح هالع وجبن خالع " أي يجزع فيه العبد ويحزن كما يقال يوم عاصف وليل
نائم، والخالع كأنه خلع فؤاده لشدته. وقوله: ولا يرد بكاي زندا، يقال: تزند فلان إذا ضاق بالجواب وغضب
ومنه قول عدى * فقل مثل ما قالوا ولا تتزند * يروى بالنون والباء، والزند مثل في الشئ الحقير القليل
كالنقير والقطمير والفتيل. يقال للحقير زندان في مرقعة، وهما الزند الأعلى والزندة السفلى، ولهذا ثنى، فعلى
هذا يكون ذكر الزند تقليلا لفائدة الحزن. وبعضهم يرويه بالياء، يعنى به زيد بن الخطاب أخا الإمام عمر رضي الله عنه
، وكان بينهما صداقة في الجاهلية، وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة مريم عند قوله تعالى (والباقيات
الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا) أي مرجعا وعاقبة أو منفعة، من قولهم ليس لهذا الأمر مرد، وهل
يرد بكاي زيدا. والبيت لعمرو بن معد يكرب من قصيدة أولها:
ليس الجمال بمئزر * فاعلم وإن رديت بردا
إن الجمال معادن * ومناقب أورثن مجدا
كم من أخ لي صالح * بوأته بيدي لحدا
وبعده البيت، وبعده:
377

ألبسته أثوابه * وخلقت يوم خلقت جلدا
أغنى غناء الذاهبين * أعد للأعداء عدا
ذهب الذين أحبهم * وبقيت مثل السيف فردا
(ليس على الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد)
في سورة النحل عند قوله تعالى (إن إبراهيم كان أمة) أي كان وحده أمة من الأمم لكماله في جميع صفات
الخير: يعنى أن الله تعالى قادر أن يجمع في واحد ما في الناس من معاني الفضل والكمال كما قال (إن إبراهيم كان
أمة) وكما قال الشاعر:
كما تخطى إليه الرجل سالمة * تستجمع الخلق في تمثال إنسان
والثاني أن يكون أمة بمعنى مأموم: أي يؤم الناس ليأخذوا منه الخير، أو بمعنى مؤتم به كالرحلة والنخبة وما
أشبه ذلك مما جاء على فعلة بمعنى مفعول.
(وليس بها إلا الرقيم مجاورا * وصيدهم والقوم في الكهف همدا)
البيت لأمية بن أبي الصلت. في سورة الكهف عند قوله تعالى (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم) وهو
اسم كلب أصحاب الكهف، والوصيد: فناء البيت، وأنشدوا:
بأرض فضاء ما يسد وصيدها * على ومعروفي بها غير منكر
وهمدا أي رقودا، يعنى أن أصحاب الكهف كانوا رقودا في الغار وكلبهم مجاور لوصيدهم.
(فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له * وأنم القتود على عيرانة أجد)
هو للنابغة من قصيدته المشهورة. في سورة الكهف عند قوله تعالى (ولا تعد عيناك عنهم) قرئ تعد عينيك
وتعد عينيك من أعداه وعداه نقلا بالهمز والتضعيف، ومنه البيت: يعنى انصرف عما ترى من تغير الدار وما
أنت فيه إذ أيقنت أن لا رجعة له وتشاغل بالرجعة. وأنم القتود: أي ارفعها، والقتود: عيدان الرحل بلا أداة
وهو جمع قتد ويجمع على أقتاد أيضا. والعيرانة: الناقة شبهت بالعير في سرعتها نشاطها، والأجد المؤثقة الشديدة
الخلق، يقال بناء مؤجد وموجد: أي مداخل موثق، وقد أجد.
(لا ينطق اللهو حتى ينطق العود)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (يريد أن ينقض) حيث استعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة كما أستعير
النطق للعود وكما أستعير الهم والعزم لذلك، وقال الشاعر:
في مهمه فلقت به هاماتها * فلق الفؤوس إذا أردن نصولا
وقال آخر: يريد الرمح صدر أبى براء * ويعدل عن دماء بنى عقيل
وقال حسان: إن دهرا يلم شملي بجمل * لزمان يهم بالإحسان
(يأبى على أجفانه إغفاءه * هم إذا انقاد الهموم تمردا)
البيت للمصنف. في سورة الكهف عند قوله تعالى (يريد أن ينقض) أي يأبى على أجفانه النوم هم تمرد إذا
انقادت الهموم وطاوعت، والإغفاء النومة الخفيفة وكلام العرب أغفى وقلما يقال غفا.
378

(بلغ المشارق والمغارب يبتغى * أسباب أمر من حكيم مرشد
فأتى مغيب الشمس عند مآبها * في عين ذي خلب وثأط حرمد)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (حتى إذا بلغ مغرب الشمس) البيت لتبع الأكبر، وقبله:
قد كان ذو القرنين عمى مسلما * ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق الخ. الخلب بالضم: الحمأة، والحرمد: الطين الأسود، والثأظ أيضا: الحمأة، وفى المثل:
ثأطة مدت بماء، للرجل يشتد حمقه، لأن الثأطة إذا أصابها الماء ازدادت فسادا ورطوبة.
(واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت * إلى حمام سراع وارد الثمد)
في سورة مريم عند قوله تعالى (وآتيناه الحكم صبيا) أراد بالحكم الحكمة، وهو الفهم للتوبة والفقه في الدين،
ومنه قول النابغة: واحكم الخ. وأراد بالفتاة: زرقاء اليمامة التي يضرب بها المثل في حدة البصر، كانت حكيمة
في كل شئ، نظرت إلى حمام من بعيد فقالت:
ليت الحمام ليه إلى حمامتيه * ونصفه قديه تم الحمام ميه
وفيه يقول النابغة:
فحسبوه فألفوه كما وجدت * تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
وصفها بالإصابة بسرعة فيما يشكل في بادئ النظر وطلب من النعمان أن يحكم مصيبا بسرعة في أمره فلا يأخذه
بقول الواشي ولا يشكل عليه ما قضى من ذلك بثاقب بصيرته، ولهذا كثرها وجعلها سراعا واردة الثمد ليكون أعون
لسرعتها فيكون الحكم بالإصابة أعجب، وفى هذا التشبيه رفع من قدر الزرقاء، والحمام عند العرب: كل ذي
طوق من الفواخت والقماري وساق حر والقطا والدواجن والوارشين وأشباه ذلك، الواحدة حمامة، ويقع على
الذكر والأنثى فيقال حمامة ذكر وحمامة أنثى، وقال الزجاج: إذا أردت تصحيح المذكر قلت رأيت حماما على
حمامة: أي ذكرا على أنثى، والعامة تخص الحمام بالدواجن، والبيت من قصيدة النابغة الدالية المشهورة التي
أرسل يعتذر فيها إلى النعمان بن المنذر، وأولها:
يا دار مية بالعلياء فالسند * أقوت وطال عليها سالف الأمد
وقفت فيها أصيلانا أسائلها * أعيت جوابا وما بالربع من أحد
ومنها: فمن أطاعك فانفعه بطاعته * كما أطاعك واد لله على الرشد
ومن عصاك فعاقبه معاقبة * تنهى الظلوم ولا تقعد على ضمد
إلا لمثلك أو من أنت سابقه * سبق الجواد إذا استولى على أمد
واحكم البيت، وبعده قالت الخ، وبعده فحسبوه الخ، وبعده:
فكلمت مائة فيها حمامتها * وأسرعت حسبة في ذلك العدد
نبئت أن أبا قابوس أو عدني * ولا قرار على زأر من الأسد
فلا لعمر الذي طيفت بكعبته * وما هريق على الأنصاب من جسد
379

والمؤمن العائذات الطير يرقبها * ركبان مكة بين الغيل والسند
ما إن أتيت بشئ أنت تكرهه * إذن فلا رفعت سوطا إلى يدي
إذن فعاقبني ربى معاقبة * قرت بها عين من يأتيك بالحسد
والبيت المذكور لمن ننظره في شرح الشواهد.
(تتمة) قال ابن دريد في الوشاح: النوابغ أربعة: الذبياني هذا، والنابغة الجعدي قيس بن عبد الله صحابي،
والنابغة الحرثي يزيد بن أبان، والنابغة الشيباني جمل بن سعد. وفى المؤتلف والمختلف لأبى القاسم الآمدي زيادة
على هؤلاء: النابغة الذهلي عبد الله بن المخارق، وهو القائل:
لا تمدحن فتى حتى تجربه * ولا تذمنه من غير تجريب
والنابغة بن لأي بن مطيع الغنوي، والنابغة العدواني، والنابغة بن قتال بن يربوع ذبياني أيضا، والنابغة
التغلبي الحارث بن عدوان.
(فسيف بنى عبس وقد ضربوا به * نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد)
هو للفرزدق في. سورة مريم عند قوله تعالى (ويقول الإنسان) حيث أسند القول إلى الإنسان والمراد به الجنس،
كما يقال بنو فلان قتلوا فلانا وإنما القاتل واحد منهم، ومن هذا القبيل (الذين قال لهم الناس) ويقال للمتبرجة:
أتتبرجين للرجال يا لكلاع، ومنه قول الفرزدق: فسيف بنى عبس الخ. حيث أسند الضرب إلى بنى عبس مع
قوله نبا بيدي ورقاء، وهو ابن زهير بن خديجة العبسي. من قصته أن سليمان بن عبد الملك أمر الفرزدق بضرب
أعناق بعض أسارى الروم، فاستعفاه الفرزدق فلم يعفو، وأعطاه سيفا لا يقطع فقال: بل أضربهم بسيف
أبى رغوان مجاشع، يعنى سيف نفسه، فقام وضرب عنق بعضهم فنبا، فضحك سليمان ومن حوله، فقال
الفرزدق:
أيعجب الناس أن أضحكت سيدهم * خليفة الله من يسقى به المطر
لم ينب سيفي من رعب ولا دهش * عن الأسير ولكن أخر القدر
ولن يقدم نفسا قبل ميتتها * جمع اليدين ولا الصمصامة الذكر
وشاع حديث الفرزدق هذا وعابه من كان يهاجيه كجرير والبعيث وغيرهما.
(إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة * ولم تجدى من أن تقرى بها بدا)
في سورة مريم عند قوله تعالى (سنكتب ما يقول) قال في الكشاف: إن قلت كيف قيل سنكتب بسين
التسويف وهو كما قاله كتب من غير تأخير، قال الله تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)؟ قلت فيه
وجهان: أحدهما سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله عليه طريقة قوله * إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة * أي تبين
وعلم بالانتساب أنى لست بابن لئيمة. والثاني أن المتوعد يقول للجاني سوف أنتقم منك، ولم تجدى بدا من الإقرار
بأني لست من اللئام بل من الكرام أي لم تجدى فراقا أو خلاصا يقال لا بد من كذا: أي لا فراق، ويجوز أن يريد
به التعريض بكون أم المخاطبة لئيمة. والبيت لزائد بن صعصعة الفقعسي وكانت له امرأة فطمحت عليه وكانت
أمها سرية، وقبله:
380

رمتني عن قوس العدو وباعدت * عبيدة زاد الله ما بيننا بعدا
وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الزخرف عند قوله تعالى (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب
مشتركون) المعنى: إذ صح ظلمكم ولم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين وذلك يوم القيامة، وإذ بدل
من اليوم، ونظيره: إذا ما انتسبنا الخ. إن قلت إلام يرجع الضمير في بها ولم يسبق له مرجع؟ قلت: هو من باب
(اعدلوا هو أقرب للتقوى) وإنما أنث الضمير بالنسبة إلى الكينونة المتولدة من لم تلدني.
(تتمة) في فاعل لن ينفعكم في الآية وجهان: أحدهما أنكم وما عملت فيه، والثاني أنه ضمير التمني المدلول
عليه بقوله: يا ليت بيني من معنى التباعد ويكون المعنى لأنكم. قال أبو البقاء: وأما إذا فمشكلة الأمر لأنها ظرف
زمان ماض ولن ينفعكم وفاعله واليوم المذكور ليس بماض، فقال ابن جنى: راجعت أبا على فيها مرارا فآخر
ما حصل منه أن الدنيا والأخرى متصلتان وهما سواء في حكم الله تعالى، وعليه فتكون إذ بدلا من اليوم حتى كأنها
مستقبلة أو كأن اليوم ماض. وقال غيره: الكلام محمول على المعنى، والمعنى أن ثبوت ظلمهم عندهم يكون يوم
القيامة، فكأنه قال: ولن ينفعكم اليوم إذ صح ظلمكم عندكم، فهو بدل أيضا. وقال آخرون التقدير بعد إذ
ظلمتم فحذف المضاف للعلم به، وقيل إذ بمعنى أن أي لأن ظلمتم.
(فإن تدفنوا الداء لا نخفه * وإن تبعثوا الحرب لا نقعد)
هو لامرئ القيس. في سورة طه عند قوله تعالى (إن الساعة آتية أكان أخفيها) وقرأ أبو الدرداء وسعيد بن
جبير أخفيها بالفتح من خفاه إذا أظهره: أي قرب إظهارها كقوله (اقتربت الساعة) وقد جاء في بعض اللغات
أخفاه بمعنى خفاه، وبه فسر بيت امرئ القيس: فإن تدفنوا الداء الخ. فأكاد أخفيها محتمل للمعنيين، والداء
الدفين الذي لا يعلم به حتى يظهر ولا نخفه بفتح النون: أي لا نظهره. يقول: إن ترجعوا إلى الصلح لا نظهر
العداوة والحرب التي كانت بيننا، وإن تبعثوا الحرب: أي إن تعودوا إلى الحرب نعد إليها، وقال آخر:
يخفى التراب بأظلاف ثمانية * في أربع مسهن الأرض تحليل
أي رسوخ وهو بفتح الياء أي يظهر.
(هوى من رأس مرقبة * ففتت تحتها كبده)
في سورة طه عند قوله تعالى (ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى) أي هلك، وأصله أن يسقط من جبل
فيهلك، ويقولون هوت أمه، أي سقط سقوطا لا نهوض بعده، ومرقبة: ثانية مرتفعة يرقب عليها. يقول:
سقط من رأس جبل فصارت كبده تحت المرقبة متفرقة، سقط ابن لأعرابي من جبل فمات فرثاه أبوه بقوله:
هوى ابني من على شرف * يهول عقابه صعده
هوى من رأس مرقبة * ففتت تحتها كبده
ألام على تبكيه * وألمسه فلا أجده
وكيف يلام محزون * كبير فاته ولده
(أثوى وأقصر ليله ليزودا * فمضى وأخلف من قتيلة موعدا)
في سورة طه عند قوله تعالى (وإن لك موعدا لن تخلفه) من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا، ومنه البيت
381

وعن ابن مسعود نخلفه بالنون: أي لن يخلفه الله، كأنه حكى قوله عز وجل كما مر في (لأهب لك) والبيت
للأعشى، وبعده:
ومضى لحاجته وأصبح حبله * خلقا وكان بحالة لن ينكدا
أقصر ليله: أي وجده قصيرا. وأخلف موعدا من أخلفت الموعد: إذا وجدته خلفا. وقتيلة: اسم معشوقته
يقول صار العاشق ضيفا في الحي ليزود من معشوقته، فقضى ليله رجاء الوصل، فمضى الليل ووجد الموعد خلفا
ولم يتمتع بوصالها. وليله في ديوان الأعشى بالتاء بخلاف نسخ الكشاف.
(حتى إذا أسلكوهم في قتائدة * شلا كما تطرد الجمالة الشردا)
في سورة المؤمنين عند قوله تعالى (فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك)
فاسلك فيها فأدخل فيها، يقال سلك فيه دخله وسلك غيره وأسلكه، قال تعالى (ما سلككم في سقر) وقتائدة:
ثنية معروفة، وقيل هي عقبة. والشل: الطرد. والجمال: صاحب الجمل والجمالة جمعه مثل حمار وحمارة.
وقافية شرود: سائرة في البلاد. يصف جيشا أنكروا وهزموا. والشعر لعبد مناف الهذلي، وهذا آخر القصيدة
ولا جواب لقوله: حتى إذا أسلكوهم. وقال بعضهم شلا جواب إذا، والأصل شلوا به شلا فاكتفى بالمصدر
عن الفعل، يقال سلكته وأسلكته: أدخلته. يصف قوما أغير عليهم فدفعوا الغارة عن أنفسهم وأدخلوا المغيرة
في موضع يقال له قتائدة. يقول: هزموهم وطردوهم حتى أسلكوهم في هذه الثنية كما تطرد الجمالة النوق الشرد
السائرة في البلاد، وقافية شرود: أي سائرة في البلاد. والتشريد: الطرد، ومنه (فشرد بهم من خلفهم) أي
فرق وبدد جمعهم. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الجن عند قوله تعالى (ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه
عذابا) أي يدخله عذابا والأصل يسلكه في عذاب كقوله (ما سلككم في سقر) فعدى إلى مفعولين إما بحذف الجار
وإيصال الفعل إليه كقوله (واختار موسى قومه) وإما بتضمينه معنى يدخله، يقال سلكه وأسلكه، قال: حتى
إذا أسلكوهم البيت.
(قدني من نصر الخبيبين قذى * ليس الإمام بالشحيح الملحد)
في سورة النور عند قوله تعالى (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات) قدني وقدى بمعنى حسبي
في الصحاح الخبيبان عبد الله بن الزبير وابنه، فمن أنشد على التثنية أرادهما كما قالوا سنة العمرين، ومن روى
على الجمع فإنه يريد عبد الله وشيعته، وعبد الله هو الذي ادعى الخلافة وكنيته المشهورة أبو بكر وكانوا إذا أرادوا
ذمه كنوه بأبي خبيب كما قيل:
أرى الحاجات عند أبي خبيب * يلدن ولا أمية بالبلاد
والملحد المحتكر، وقيل لأنه حارب في الحرم.
(فإن تمس مهجور الفناء فربما * أقام به بعد الوفود وفود)
من مراثي الحماسة. في سورة النور عند قوله تعالى (قد يعلم ما أنتم عليه) حيث أدخل قد ليؤكد علمه بما هم
عليه من المخالفة عن الدين والنفاق ومرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد، وذلك أن قد إذا دخلت على المضارع
كانت بمعنى ربما فوافقت ربما بما في خروجها إلى معنى التكثير في نحو قوله: فإن تمس الخ: أي إن مت وصرت
مهجور الساحة مرفوض الخدمة فربما كان الوفود فيما مضى من حياتك تزدحم على بابك: يعنى إن هجر فناؤك
382

الساعة لموتك فربما كان مألوفا للوفود حال حياتك. والبيت لأبى عطاء السندي في ابن هبيرة، وقتله المنصور بعد
أن أمنه غدرا فلما حمل رأسه إليه قال للحرسي أترى إليه طينة رأسه ما أعظمها، فقال له الحرسي طينة إيمانه أعظم
من طينة رأسه، وأول القصيدة:
ألا إن عينا لم تجد يوم واسط * عليك بجاري دمعها لجمود
عشية قام النائحات وشققت * جيوب بأيدي مأتم وخدود
فإن تمس الخ. وبعده:
فإنك لم تبعد على متعهد * بلى كل من تحت التراب بعيد
وقال زهير: أخي ثقة لا تهلك الخمر ماله * ولكنه قد يهلك المال نائله
وقد مضى الكلام عليه:
(أصبح قلبي صردا * لا يشتهى أن يردا
إلا عرارا عردا * وصليانا بردا * وعنكثا ملتبدا)
في سورة الفرقان عند قوله تعالى (وهذا ملح أجاج) حيث قرئ ملح، ولعله تخفيف مالح كبرد في بارد كما قال
وصليانا بردا: أي باردا. الصرد من البرد صردت أصرد صردا، ويوم صرد، وليلة صردة. وقوله: أن يردا من
الورود، وهو الحظ من الماء. والموارد: الطرق إلى الماء. والعرار: بهار البر ورياحينه له أرج طيب. قال
الشاعر:
إذا هبت ريح عرارا وصبوة * وريح الخزامي خلتها هيجت عطرا
وكل ذلك من رياحين البر. والعارد من النبات: ما غلظ وعسا، وكل غليظ عرد وعارد. والصليان والعنكث
أنواع من النبات. والعرد: الشديد الصلب من كل شئ. وبردا: أي باردا. وملتبدا: أي مجتمعا بعضه فوق
بعض كاللبد، ولبدا: أي كثيرا. زعمت العرب في خرافاتها أن الضفدع كانت ذا ذنب فسل الضب ذنبه. قالوا:
وسبب ذلك أن الضب خاطب الضفدع في الظمأ أيهما أصبر، وكان الضب ممسوح الذنب فخرجا في الكلأ فصبر
الضب يوما فناداه الضفدع يا ضب وردا وردا، فقال الضب:
أصبح قبلي صردا * لا يشتهى أن يردا
إلا عرارا عردا * وصليانا بردا * وعنكثا ملتبدا
فلما كان في اليوم الثاني ناداه الضفدع يا ضب وردا وردا، فقال: أصبح قلبي صردا إلى آخرها، فلما كان
في اليوم الثالث نادى الضفدع: يا ضب وردا وردا، فلما لم يجبه بادر إلى الماء فتبعه الضب فأخذ ذنبه.
(أبنى لبيني لستمو بيدي * إلا يدا ليست لها عضد)
البيت لطرفة. في سورة القصص عند قوله تعالى (سنشد عضدك بأخيك) العضد: قوام اليد وبشدتها تشتد،
ويقال في دعاء الخير: شد الله عضدك، وفى ضده: فت الله في عضدك. ولبينى: اسم امرأة، وبنو لبيني من
بنى أسد بن وائلة، تعيرهم بأنهم أبناء أمة إذ تنسبهم إلى الأم تهجينا لشأنهم وأنهم هجناء، ونصب يدا بعد إلا،
والمستثنى منه مجرور بالباء وجعل الاستثناء من موضع الباء لا من لفظه، وبعده:
383

أبنى لبيني لا أحقكم * وجد الإله بكم كما أجد
(فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج * سراتهم في الفارسي المسرد)
في سورة القصص عند قوله تعالى (وإني لأظنه من الكاذبين) حيث فسر الظن باليقين: أي أتيقنه، ومنه
الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) وظنوا على صيغة الأمر، وقوله بألفي مدجج: أي بألفي فارس مدجج: أي
مغطى بالسلاح وفارس مدجج وقد تدجج بشكته كأنه تغطي. وسراتهم: يعنى رؤساءهم وخيارهم. والفارسي
المسرد: يعنى به الدروع، كأن القائل ينذر قوما بهجوم جيش تام السلاح عليهم فقال: قلت لهم أيقنوا بإتيان ألفى
فارس تام السلاح عليهم سراتهم في الدروع السابغة. والسرد: تتابع الشئ: كأنه أراد من الدروع سابغ الحلق
للنسج كذلك في الأشهر الحرم " ثلاثة سرد وواحد فرد " ومنه السرمد بمعنى الدائم المتصل والميم مزيدة ووزنه فعمل
ونظيره دلامص من الدلاص. والمعنى: قلت لهم إن الأعداء لكم مترصدون وإليكم قاصدون وعددهم كثير،
فوسعوا مجال اللقاء السئ بهم إذا تمكنوا منكم وأيقنوا بقصدهم. والبيت لدريد بن الصمة الفارس المشهور والشاعر
المذكور أحضره مالك بن عوف معه يوم حنين فقتل كافرا، والبيت من قصيدة دالية أولها:
أرث جديد الحبل من آل معبد * بعافية قد أخلفت كل موعد
وباتت ولم أحمل إليك نوالها * ولم ترج فينا ردة اليوم أو غد
وكل تباريح المحب لقيتها * سوى أنني لم ألق حتفي بمرصد
فقلت لهم البيت، وبعده:
ولما رأيت الخيل قبلا كأنها * جاد تبارى وجهة الريح تغتدى
أمرتهم أمرى بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى * غوايتهم أو أنني غير مهتدى
وما أنا إلا من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشد
دعاني أخي والخيل بيني وبينه * فلما دعاني لم يجدني بقعدد
تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا * فقلت أعبد الله ذلكم الردى
فإن يك عبد الله خلى مكانه * فما كان وقافا ولا طائش اليد
كميش الإزار خارج نصف ساقه * بعيد من الآفات طلاع أنجد
قليل التشكي للمصيبات حافظ * من اليوم أعقاب الأحاديث في غد
وإن مسه الإقواء والجهد زاده * سماحا وإتلافا لما كان في اليد
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه * فلما علاه قال للباطل أبعد
وطيب نفسي أنني لم أقل له * كذبت ولم أبخل بما ملكت يدي
(أقفر من أهله عبيد * فاليوم لا يبدي ولا يعيد)
هو لعبيد بن الأبرص. في سورة سبأ عند قوله تعالى (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) أقفرت الأرض
384

من الكلأ والناس، وفلان فقير الرأس: أي لا شعر عليه، وقوله أقفر من أهله: أي هلك من أهله عبيد. وأن
الحي إما أن يبدئ فعلا أو يعيده، فإذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة، فجعلوا قولهم لا يبدئ ولا يعبد مثلا في الهلاك
كما يقال لا يأكل ولا يشرب: أي ميت. وقصة عبيد أن المنذر بن ماء السماء كان ملكا، فكان له يوم في السنة
يذبح فيه أول من يلقى، فبينما هو يسير في ذلك اليوم إذ أشرف له عبيد بن الأبرص، فقال لرجل ممن كان معه من
هذا الشقى؟ فقال: هو فلان، فقال له أنشدنا من شعرك، فقال: حال الجريض دون القريض. فقال الملك
أنشدنا قولك:
أقفر من أهله ملحوب * فالقطبيات فالذنوب
ثم أمر به فقتل، وملحوب اسم موضع، ومعنى الآية (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا).
(والمؤمن العائذات الطير يرقبها * ركبان مكة بين الغيل والسند)
هو للنابغة من قصيدته الدالية المشهورة التي أرسل يعتذر فيها إلى النعمان بن المنذر، وأولها:
يا دار مية بالعلياء فالسند * أقوت وطال عليها سالف الأبد
وقفت فيها أصيلانا أسائلها * عيت جوابا وما بالربع من أحد
ومنها:
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت * إلى حمام سراع وارد الثمد
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا * إلى حمامتنا أو نصفه فقد
فحسبوه فألفوه كما زعمت * تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
فكملت مائة فيها حمامتنا * وأسرعت حسبة في ذلك العدد
نبئت أن أبا قابوس أو عدني * ولا قرار على زأر من الأسد
فلا لعمر الذي طيفت بكعبته * وما هريق على الأنصاب من جسد
والمؤمن العائذات الطير يرقبها * ركبان مكة بين الغيل والسند
ما إن أتيت بشئ أنت تكرهه * إذن فلا رفعت سوطي إلى يدي
إذن فعاقبني ربى معاقبة * قرت بها عين من يأتيك بالحسد
في سورة الملائكة عند قوله تعالى (وغرابيب سود) من حيث إن الغرابيب تأكيد للسود، يقال: أسود
غربيب وأسود حلكوك، وهو الذي اشتد سواده وأغرب فيه ومنه الغراب، ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد
كقولك: أصفر فاقع وأبيض يقق. والوجه في ذلك أن يضمر المؤكد قبله ويكون الذي بعده تفسيرا لما أضمر
كما في البيت، وإنما يفعل ذلك لزيادة التأكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريق الإظهار والإضمار: يعنى
فيكون الأصل وسود غرابيب سود نحو: والمؤمن العائذات الطير، ونحوه:
* وبالطويل العمر عمرا حيدرا * (والبيت لا يبتنى إلا بأعمدة * ولا عماد إذا لم ترس أوتاد)
هو للراقدة الأودي. في سورة ص عند قوله تعالى (ذو الأوتاد) أصله من ثبات البيت المطنب بأوتاده
385

فاستعير لثبات العز والملك واستقامة الأمر، وهى استعارة بليغة. وقيل الأوتاد هنا حقيقة. ففي التفسير أنه كان
له أوتاد يربط عليها الناس يعذبهم بها، قال: والبيت لا يبتنى الخ. وما أحسن تشبيههم بيت الشعر ببيت الشعر،
ولقد أحسن المعرى ما شاء في قوله:
حسنت نظم كلام توصفين به * ومنزلا بك معمورا من الخفر
فالحسن يظهر في بيتين رونقه * بيت من الشعر أو بيت من الشعر
وبعد البيت:
فإن تجمع أسباب وأعمدة * وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
أي أرادوا فإن كان تجئ بمعنى أراد كثيرا، ومنه قوله:
كدنا وكدت وتلك خير إرادة: لو عاد من زمن الصبابة ما مضى
(ماذا أؤمل بعد آل محرق * تركوا منازلهم وبعد إياد
جرت الرياح على مقر ديارهم * فكأنهم كانوا على ميعاد
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة * في ظل ملك ثابت الأوتاد
فإذا النعيم وكل ما يلهني به * يوما يصير إلى بلى ونفاد
ومنها:
ولقد علمت لو أن علمي نافعي * أن السبيل سبيل ذي الأعواد)
الأبيات للأسود بن يعفر من قصيدته المشهورة التي أولها:
نام الخلى وما أحس رقادي * والهم محتضر لدى وبادى
من غير ما سقم ولكن شفنى * هم أراه قد أصاب فؤادي
في سورة ص عند قوله تعالى (ذو الأوتاد) يقال غنينا بمكان كذا: أي أقمنا به: أي عاشوا وأقاموا
في ديارهم بأنعم عيش في ظل ملك رأسي الأوتاد، وأما تغانوا فمعناه استغنى بعضهم عن بعض.
قال: كلانا غنى عن أخيه حياته * ونحن إذا متنا أشد تغانيا
والغانية التي استغنت بزوجها، قال جميل:
أحب الأيامى إذ بثينة أيم * وأحببت لما أن غنيت الغوانيا
(وقيدت نفسي في ذراك محبة * ومن وجد الإحسان قيدا تقييدا)
هو للمتنبي من قصيدته الدالية المشهورة التي أولها:
لكل امرئ من دهره ما تعودا * وعادة سيف الدولة الطعن في العدا
وقبل البيت: تركت الثرى خلفي لمن قل ماله * وأنعلت أفراسي بنعماك عسجدا
في سورة ص عند قوله تعالى (وآخرين مقرنين في الأصفاد) والصفد: القيد، وسمى به العطاء لأنه ارتباط
للمنعم عليه، ومنه قول علي رضي الله عنه " من برك فقد أسرك " ومنه ما يقال " " غل يدا مطلقها، وأرق رقبة
معتقها " وفرقوا بين صفد وأصفد فقالوا صفده يصفده قيده وأصفده يصفده أعطاه، وإنما كان صفد بمعنى قيد
وأصفد بمعنى أعطى، لأن القيد فيه ضيق فناسبه ضيق الحروف وقلتها، والعطاء كرم فناسبه سعة الحروف وكثرتها
386

(شمر وكن في أمور الدين مجتهدا * ولا تكن مثل عير قيد فانقادا)
في سورة الزمر عند قوله تعالى (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) أي يكونوا نقادا في الدين مميزين
بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل، فإذا اعترضهم أمران واجب وندب اختاروا الواجب، وكذلك المباح
والندب حرصا على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثوابا وأن لا تكون في مذهبك كما قال القائل:
* ولا تكن من ثل عير قد فانقادا *
(متى تأته تعشو إلى ضوء ناره * تجد خير نار عندها خير موقد)
في سورة الزخرف عند قوله تعالى (ومن يعش عن ذكر الرحمن) بضم الشين وفتحها، والفرق بينهما أنه إذا
حصلت الآفة في بصره قيل عيشي يعشى من باب تعب فهو أعشى والمرأة عشواء، وأصله الواو وإنما قلبت ياء
لانكسار ما قبلها كرضى يرضى وعشا يعشو: أي تفاعل ذلك ونظر نظر العشى ولا آفة ببصره، كما قالوا إن
عرج لمن به آفة العرج، وعرج: أي تعارج ومشى مشية العرجان من غير عرج.
قال الحطيئة: * متى تأته تعشو إلى ضوء ناره * الخ. وهو من قصيدته الدالية المشهورة التي منها:
تزور امرأ يثرى على الحمد ماله * ومن يأت أثمان المحامد يحمد
يرى البخل لا يبقى على المرء ماله * ويعلم أن المال غير مخلد
كسوب ومتلاف إذا ما سألته * تهلل واهتز اهتزاز المهند
وذاك امرؤ إن يعطك اليوم نائلا * بكفيه لم يمنعك من نائل الغد
(كل حي مستكمل مدة العمر * ومود إذا انتهى أمده)
في سورة الأحقاف عند قوله تعالى (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة). قال
الزمخشري: فإن قلت: المراد بيان مدة الرضاع لا الفطام فكيف عبر عنه بالفصال؟ قلت: لما كان الرضاع يليه
الفصال ويلابسه لأنه ينتهى به ويتم سمى فصالا كما سمى المدة بالأمد من قال: كل حي مستكمل الخ. وقد استشهد
بالبيت المذكور في سورة الحديد عند قوله تعالى (فطال عليهم الأمد) أراد بالأمد الأجل، وقرئ الأمد
بالتشديد: أي الوقت الأطول.
(لقد سقتني رضابا غير ذي أسن * والمسك فت على ماء العناقيد)
في سورة القتال عند قوله تعالى (من ماء غير آسن) الرضاب الريق، وترضب الرجل ريق المرأة: إذا
ترشفها.
والفت: الكسر، وفتات الشئ دقاقه. يقول: إن المحبوبة سقتني رضابا غير متغير الطعم والرائحة كالخمر فت
عليه المسك، ويقال أسن الماء وأجن: إذا تغير طعمه وريحه، ويقال في صدره أجن: أي حقد قال:
إذا كان في صدر ابن عمك أجنة * فلا تستردها سوف يبدو دفينها
(فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا * فقد جعلت أشراط أوله تبدو)
في سورة القتال عند قوله تعالى (فقد جاء أشراطها) والأشراط العاملات، يعنى علامات الصرم تظهر في أول
الوصل كما قيل:
صرمت لودك بعد وصلك زينب * والدهر فيه تغير وتقلب
387

وكما قال امرؤ القيس:
أفاطم مهلا بعض هذ التدلل * وإن كنت قد أزمعت صرما فأجملى
ومن أحسن ما قيل في باب المتاركة والمهاجرة * بيت التي ضربت بيتا مهاجرة * وهو وإن كان منكرا
لكنه عند أهل المعرفة مشهور في البين، وهو بيت واحد لكن يظهر حسنه في بيتين، وما أحرى هذا العازم على ذلك
الإزماع الآتي في مقام الوصل بالفصل وكمال الانقطاع أن ينشد ما قيل:
إن كنت أزمعت على هجرنا * من غير ما جرم فصبر جميل
وإن تبدلت بنا غيرنا * فحسبنا الله ونعم الوكيل
(وغير مقلد وموشمات * صلين الضوء من صم الرشاد)
في سورة الحجرات عند قوله تعالى (أولئك هم الراشدون) والرشد: الاستقامة على طريق الحق مع تصلب
فيه من الرشادة، وهى الصخرة، وكل صخرة رشادة. يصف صلابة النوق وقوتها على السير بحيث يظهر شرر من
الأحجار في سيرها. وأنها اليعملات غير المقلدات والموشمات المنحر. والقلد: الوتر لأنه يقلد منه الحبل: أي
يعلق. والموسمات: الأثافي لأن النار أثرت فيها تأثير الوشم في الجلد. وصلين من صلى النار أو صلى بها: إذا
احترق، ويحتمل أن الشاعر عنى بذلك خلو الدار من الآثار من قبيل: * ثلاث الأثافي والديار البلاقع *
أي لم يبق في الدار إلا الوتد والأثافي.
(هل أغدون في عيشة رغيد * والموت أدنى لي من الوريد)
في سورة ق عند قوله تعالى (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وهو مجاز، والمراد قرب علمه، وحبل
الوريد مثل في فرط القرب كقولهم: هو منى مقعد القابلة، ومعقد الإزار. والبيت لذي الرمة. وحب الوريد:
عرق في الحلق شبه بواحد الحبال، ألا ترى إلى قوله: * كأن وريديه رشآ أخلب * والوريدان: عرقان
مكتنفان لصفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين، وسمى وريدا لأن الروح ترده والإضافة للبيان لأن الحبل هو
الوريد. - (لما حططت الرحل عنها واردا * علفتها تبنا وماء باردا)
في سورة الذاريات عند قوله تعالى (وفى موسى) من حيث إنه معطوف على ما قبله بنحو عشرين آية وهو
قوله (وفى الأرض آيات للموقنين) على معنى وجعلنا في موسى آية من قبيل: علفتها تبنا الخ: أي علفتها تبنا
وسقيتها ماء باردا، ونحوه: * وزججن الحواجب والعيونا * أي وكحلن العيونا.
قريب الكلابي الذي يبتغى القرى * وأمك إذ تحدى عليك قعودها
(فباتت تعد النجم في مستحرة) * سريع بأيدي الآكلين جمودها
في سورة النجم عند قوله تعالى (والنجم) إذا أريد به جنس النجوم. المستحرة الجفنة الممتلئة: أي نظرت
في هذه الجفنة فرأيت فيها النجوم لعظمها، وقوله سريع يريد أن الوقت كان وقت الشتاء فكان يجمد دسمه على
أيدي الآكلين.
(مفرشي صهوة الحصان ولكن * قميصي مسرودة من حديد)
في سورة القمر عند قوله تعالى (على ذات ألواح ودسر) أراد السفينة وهى من الصفات التي تقوم مقام
388

الموصوفات فتنوب منابها وتؤدى مؤداها بحيث لا يفصل بينها وبينها، ونحوه: * ولكن قميصي مسرودة من حديد *
أراد: ولكن قميصي درع.
(وجاءت إليهم ثلة خندفية * بجيش كتيار من السيل مزبد)
في سورة الواقعة عند قوله تعالى (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) الثلة الأمة من الناس الكثيرة، من
الثل، وهو الكسر، كما أن الأمة من الأم وهو الشج كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم. والمعنى: أن
التابعين كثير من الأولين وهم الأمم من لدن آدم إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم - قليل من الآخرين - وهم أمة
محمد صلى الله عليه وسلم. والبيت شاهد لمعنى الكثرة، فإن كانت الباء تجريدية وهو الظاهر فنص، وإلا فالاستدلال
عليها من أن المقام مقام مبالغة ومدح. وخندفية منسوبة إلى قبيلة خندف، قال * أمهتى خندف وإلياس أبى *
والتيار الموج، ومزبد كثير الزبد والمراد كثرة الجيش وتموجهم كتموج السيل المزبد.
(وأنت زنيم نيط في آل هاشم * كما نيط خلف الراكب القدح الفرد)
في سورة ن عند قوله تعالى (عتل بعد ذلك زنيم) أي دعى كما قال حسان وأنت زنيم الخ. وقال الشاعر:
زنيم ليس يعرف من أبوه * بغى الأم ذو حسب لئيم
وهو الزنمة وهى الهنة من جلد الماعز تقطع وتخلى معلقة في حلقها لأنه زيادة معلقة بغير أهله، قال:
زنيم تراه الرجال زيادة * كما زاد في عرض الأديم الأكارع
كأنه يقول لذلك المخاطب: أنت زنيم مؤخر في آل هاشم كما يؤخر الراكب القدح خلفه، قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " لا تجعلوني كقدح الراكب " أي لا تؤخروني في الدعاء.
(نشأنا إلى خوص برى نيها السرى * وألصق منها مشرفات القماحد)
في سورة المزمل عند قوله تعالى (إن ناشئة الليل) التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة: أي تنهض وترتفع من
نشأت السحابة إذا ارتفعت، نشأنا: أي نهضنا وقمنا. والخوص جمع خوصاء وهى الناقبة المرتفعة الأعلى الضخمة
الأسفل. برى نيها: النبي بفتح النون الشحم: أي أذاب شحمها سير الليل. والقماحد جمع القمحدوة وبسكون
الحاء وهو مؤخر القذال، وهى فأس الرأس المشرفة على النقرة: أي قصدنا إلى ناقة مهزولة من السرى ورحلنا.
(على ما قام يشتمني لئيم * كخنزير تمرغ في رماد)
في سورة النبأ عند قوله تعالى (عم يتساءلون) حيث كان أصله عما على أنه حرف جر دخل على ما الاستفهامية
والاستعمال الكثير على الحذف، ومعنى هذا الاستفهام تفخيم الشأن كأنه قال: عن أي شأن يتساءلون؟ والأصل
وهو إثبات ألف ما الاستفهامية قليل لأجل الضرورة، ومنه قول حسان بن المنذر على ما قام الخ. يهجو بذلك
بنى عائذ بن عمرو بن مخزوم، وقبله:
فإن تصلح فإنك عائذي * وصلح العائذي إلى فساد
وإن تفسد فما ألفيت إلا * بعيدا ما علمت من السداد
وتلقاه على ما كان فيه * من الهفوات أو نوك الفؤاد
على ما قام الخ. وبعده:
389

سبيل الغى لا يغبى عليه * ويغبى بعد عن سبل الرشاد
فأشهد أن أمك من بغايا * وأن أباك من شر العباد
فلن أنفك أهجو عائذيا * طوال الدهر ما نادى المنادى
وقد سارت قواف قافيات * تناشدها الرواة بكل نادى
فقبح عائذ وبنو أبيه * فإن معادهم شر المعاد
(ومنا الذي منع الوائدات * وأحياء الوئيد فلم توأد)
في سورة التكوير عند قوله تعالى (وإذا الموؤودة سئلت) يقال وأد بنته إذا دفنها في القبر وهى حية وكانت
كندة تئد البنات، والذي حملهم على وأد البنات الخوف من لحوق العار بهم والخوف من الإملاق. وقال الفرزدق
مفتخرا * ومنا الذي منع الوائدات * يعنى جده صعصعة " قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض
عليه الإسلام فأسلم، فقال: يا رسول الله عملت أعمالا في الجاهلية فهل لي فيها من أجر؟ فقال: وما عملت؟ قال:
أحييت ثلاثا وستين من الموؤودة، أشترى كل واحدة منهن بناقتين عشراوين وجمل، فهل لي في ذلك من أجر؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا من باب البر ولك أجره إذ من الله عليك بالإسلام ".
(قد أترك القرن مصفرا أنامله * كأن أثوابه مجت بفرصاد)
في سورة المطففين عند قوله تعالى (هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) ثوبه وأثابه بمعنى إذا جازاه كما قال
أوس: سأجزيك الخ. يخاطب مؤنثا من امرأة أو نفسه أو ناقته وتبين ذلك من قوله تحمدي كما قال:
* مكانك تحمدي أو تستريحي * قيل يفتح للكفار باب الجنة فيقال لهم اخرجوا الآن، فإذا وصلوا إليها أغلق
دونهم، يفعل ذلك بهم مرارا فيضحك المؤمنون منهم.
(وحبسن في هزم الضريع فكلها * حدباء دامية اليدين حرود)
في سورة الغاشية عند قوله تعالى (ليس لهم طعام إلا من ضريع) الهزم بالمعجمة: الصدع، وهو شق شئ
له صلابة. وحدباء من احدودب ظهره إذا انحنى. والحرد بالتسكين: الغيظ. استشهد به على أن الضريع لا يصلح
غذاء للراعية، وهزم الضريع بالزاي المعجمة هو ما تكسر منه، وناقة هزماء إذا بدا عظم وركيها، الحرود من
النوق القليلة اللبن. والشاعر يصف نوقا حبسن في مرعى سوء غير ناجع هزلهن فكلهن داميات الأيدي من وضعها
على الضريع ذي الشوك قليلة اللبن.
(أعين هلا بكيت أربد إذ * قمنا وقام الخصوم في كبد)
في سورة البلد عند قوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في كبد) من قولك كبد الرجل كبدا فهو كبد إذا وجعت
كبده وانتفخت فاستع فيه حتى استعمل في كل تعب ومشقة، ومنه اشتقت المكابدة، قوله أعين: أي يا عين هلا
بكيت، أريد إذ قمنا للحرب مع الخصوم فإنه كان أخا الحرب حافظ الكتيبة في يوم الكريهة، والبيت للبيد
في مرثية أخيه أربد، وأول القصيدة:
ما إن تعزى المنون من أحد * لا والد مشفق ولا ولد
ومنها البيت، ومعنى تعزى: أي تترك.
390

(أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى * عقيلة مال الفاحش المتشدد)
في سورة والعاديات عند قوله تعالى (وإنه لحب الخير لشديد) هو البخيل الممسك، يقال فلان شديد ومتشدد
قال طرفة: أرى الموت الخ: أي وإنه لأجل حب المال وإنفاقه يثقل عليه لبخيل ممسك وأراد بالشديد القوى،
وإنه لحب المال وإيثار الدنيا وطلبها قوى مطيق، وهو لحب عبادة الله وشكر نعمته ضعيف متقاعس: أي إنه
شديد لهذا الأمر قوى له، وإنه لحب الخيرات غير هش منبسط ولكنه شديد منقبض. والإعتيام: الاختيار.
وعقيلة كل شئ: أكرمه. والفاحش: البخيل، قال تعالى (ويأمركم بالفحشاء) والمعنى: أرى الموت يختار
كرام الناس، وكرائم الأموال التي يضن بها.
(تحن إلى أجبال مكة ناقتي * ومن دونها أبواب صنعاء مؤصدة)
في سورة الهمزة عند قوله تعالى (إنما عليهم مؤصدة) من حن إذا اشتاق، وحنين الناقة: نزاعها إلى ولدها
ووطنها. وأجبال جمع جبل. ومؤصدة: أي مطبقة مغلقة من أوصد بالألف وأوصد الباب إذا أغلقه.
(وإني لمحسود وأعذر حاسدي * وما حاسد في المكرمات بحاسد)
في سورة الفلق عند قوله تعالى (ومن شر حاسد إذا حاسد) والكامل الفاضل لا يخلو من حاسد يحسد فضله
كما قيل:
إن يحسدوك على فضل خصصت به * فكل منفرد بالفضل محسود
ومن الحسد ما هو محمود وهو الحسد في الخيرات، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " لا حسد إلا في اثنتين:
رجل آتاه الله مالا فجعله في حق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضى بها " قيل عنى بالحسد هنا الغبطة، ومنه قوله:
فافخر فما من سماء للعلى ارتفعت * إلا وأفعالك الحسنى لها عمد
واعذر حسودك فيما خصصت به * إن العلى حسن في مثلها الحسد
حرف الراء
(فهياك والأمر الذي إن تراحبت * موارده ضاقت عليك مصادره)
هو لمضرس بن ربعي (1). في سورة الفاتحة عند قوله تعالى (إياك نعبد) أصل إياك هياك قلبت الهمزة هاء،
واختلفوا فيه هل هو من قبيل الأسماء الظاهرة أو المضمرة، فالجمهور على أنه مضمر، وقال الزجاج: هو اسم ظاهر
وترجيح القولين مذكور في كتب النحو. والقائلون بأنه ضمير اختلفوا فيه على أربعة أقوال: أحدها أن إياك ضمير.
والثاني أن إيا وحده ضمير وما بعده اسم مضاف إليه مبين ما يراد به من تكلم وغيبة وخطاب. وثالثها إيا وحده
ضمير وما بعده حرف مبين ما يراد به. ورابعها أن إيا عماد وما بعده هو الضمير، ودليله ثبوت إضافته إلى الظاهر
في قولهم: إذا بلغ الستين فإياه وإيا الشواب، ويروى البيت هكذا:
فإياك والأمر الذي إن توسعت * موارده ضاقت عليك المصادر
فما حسن أن يعذر المرء نفسه * وليس له من سائر الناس عاذر

(1) الذي في الكشاف نسبته لطفيل الغنوي كتبه مصححه.
391

وفى هذا الخطاب إيماء إلى أنه يجب على المخاطب عند الشروع في عظائم الأمور أن لا يهجم عليها فيعسر عليه
مغبتها، فإن من نظر في العواقب أمن من المعاطب.
(وجدنا في كتاب بنى تميم * أحق الخيل بالركض المغار)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ألم) فإن الحكاية أن تجئ بالقول بعد نقله على استبقاء صورته الأولى،
يقال ركض فلان دابته: إذا ضرب جنبيها برجليه لتعدو، والمغار بالغين المعجمة من قولهم أغرت الحبل: إذا
فتلته، ويروى بالمهملة واستدل عليه بما في البيت الذي قبله، وهو:
كأن حفيف منخره إذا ما * كتمن الربو كير مستعار
وهو خطأ، والبيت لبشر بن أبي حازم الأسدي من قصيدته التي مطلعها:
ألا بان الخليط فلا يزار * وقلبك في الظعائن مستعار
ومنها:
ولما أن رأينا الناس صاروا * أعادي ليس بينهم ائتمار
مضت أسلافنا حتى حللنا * بأرض قد تحامتها نزار
وبدلت الأباطح من نمير * سنابك يستثار بها الغبار
وليس الحي حي بنى كليب * بمنجيهم وإن هربوا الفرار
ومنها البيت، وبعده:
يضمر بالأصائل وهو نهد * أقب مقلص فيه اقورار
كأن سراته والخيل شعث * غداة وجيفها مسد مغار
وما يدريك ما فقري إليه * إذا ما القوم ولوا أو أغاروا
ولا يغنى من الغمرات إلا * نواكاء القال أو الفرار
عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار * ماذا تحيون من نؤى وأحجار
لقد رآني ونعمى لاهين بها * والدهر والعيش لم يهمم بأمرار
(نبئت نعمى على الهجران عاتبة * سقيا ورعيا لذاك العاتب الزارى)
هو للذبياني. عند قوله تعالى في سورة البقرة (ذلك الكتاب) حيث أشير باسم الإشارة إلى جنس الواقع صفه
تقول ذلك الإنسان أو الشخص فعل كذا. والمعنى: أن نعمى عاتبة على الهجران عائبة له، سقيا ورعيا لذلك الشخص
العاتب الزاري على الهجران: أي العائب، والعوج عطف رأس البعير بالزمام، ونعم اسم المحبوبة. والدمية:
ما تلبد من البعر والقمامة، وربما نبت فيها النبات، وفسر قول النبي صلى الله عليه وسلم " إياكم وخضراء الدمن "
بالمرأة الحسناء في المنبت السوء. والنؤى: الحاجز حول الخباء لئلا يدخله ماء المطر. ولم يهمم من هم بالشئ:
إذا أراده، بإمرار: بإعطاء الميرة، وسقيا ورعيا منصوبان على المصدر: أي سقاها الله ورعاها سقيا ورعيا،
والزراري من زرى عليه إذا عابه.
(ختم الإله على لسان عذافر * ختما فليس على الكلام بقادر)
392

في سورة البقرة عند قوله تعالى (ختم الله على قلوبهم) الختم ههنا بمعنى الحبسة والعي. وعذافر بالعين المهملة
وضمها والذال المعجمة وكسر الفاء: اسم رجل، ويقال رجل عذافر: أي عظيم شديد، ويقال للأسد عذافر
أيضا. والشاعر يخبر عن حال ذلك الرجل ولسانه ونطقه بأنها كذلك، ويمكن أنه يقول ذلك على سبيل الدعاء عليه.
فلا تسأليني واسألي عن خليفتي * (إذا رد عافى القدر من يستعيرها)
فكانوا قعودا فوقها يرقبونها * وكانت فتاة الحي ممن يعيرها
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ختم الله على قلوبهم) من جهة الإسناد المجازى حيث أسند الختم إلى اسم الله
تعالى على سبيل المجاز، وهو لغيره حقيقة فإن الشيطان هو الخاتم أو الكافر، إلا أنه سبحانه لما كان هو الذي أقدره
ومكنه أسند إليه الختم كما أسند الفعل إلى السبب. وعافى القدر من عفاه: إذا جاء يطلب خيره ومعروفه. وقال عليه
الصلاة والسلام " ما أكلت العافية فهو صدقة " وهى طلاب الرزق من الدواب والطير، وعافى القدر هنا: الذي
جاء يطلب ما فيها ويأكله، فإذا جاء مرارا يعير القدر رآها مشغولة. وقيل عافى القدر: ما يبقى في أسفل القدر
من المرق ويرد على معيرها، وهكذا كانوا يفعلون في تناهى القحط وشدة الزمان. والمعنى: اسألي عن خليقتي
وجودي وكرمى أوان الضيق والجدب حين يرد مستعير القدر على المعير بقية الطعام الذي طبخ فيها. وفيه وجه
آخر وهو أنه إذا ألقى في القدر بقية من الطعام فإن استعاره أحد رد من أجل هذه البقية التي في القدر، والمراد
في الحقيقة صاحب القدر، قال عروة بن الورد:
وإني امرؤ عافى إنائي شركة * وأنت امرؤ عافى إنائك واحد
جمع القائل بين معنيين في البيت، فإن معنى عافى إنائي: بقية طعام إنائي، ومعنى عافى إنائك: طالب
معروف إنائك ويقال له العقبة، وهو شئ من المرق يرده مستعير القدر إذا ردها، وقريب من هذا المعنى قول
حاتم: ناري ونار الجار واحدة * وإليه قبلي ينزل القدر
ومن هذا القبيل قوله:
سأقدح من قدري نصيبا لجارتي * وإن كان ما فيها كفافا على أهلي
إذا أنت لم تشرك رفيقك في الذي * يكون قليلا لم تشاركه في الفضل
(أما والذي أبكى وأضحك والذي) أمات وأحيا والذي أمره الأمر
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى * أليفين منها لا يروعهما الذعر
من أبيات الحماسة.
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ألا إنهم هم المفسدون) وأن الاستفهام إذا دخل على النفي أفاد ذلك تحقيقا
كقوله (أليس ذلك بقادر) ولا تكاد تكون بعدها الجملة إلا مصدرة بنحو ما يتلقى القسم وأختها التي هي أما
من مقدمات اليمين وطلائعها، وبعده:
فيا حبها زدني جوى كل ليلة * ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
عجبت لسعى الدهر بيني وبينها * فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر
وإني لتعروني لذكراك هزة * كما انتفض العصفور بلله القطر
393

إذا قلت هذا حين أصحو يهيجني * نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر
ومنها:
هجرتك حي قيل لا يعرف الهوى * وزرتك حتى قيل ليس له صبر
صدقت أنا الصب المصاب الذي به * تباريح حب خامر القلب أو سحر
فيا حبذا الأحياء ما دمت حية * ويا حبذا الأموات ما ضمك القبر
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها * وتنبت في أطرافها الورق الخضر
فيا هجر ليلى قد بلغت بنا المدى) وزدت على ما لم يكن يبلغ الهجر
فليست عشيات الحمى برواجع * لنا أبدا ما أورق السلم النضر
(أخذت بالجمة رأسا أزعرا * وبالثنايا الواضحات الدردرا
وبالطويل العمر عمرا حيدرا * كما اشترى المسلم إذ تنصرا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (اشتروا الضلالة بالهدى) ومعنى البيت أن حالي في الاستبدال كحال مسلم
استبدل بالإسلام النصرانية واختارها عليه والألف واللام في المسلم إذ تنصر للعهد كما في قوله (فعصى فرعون
الرسول) والمراد بالمسلم الذي تنصر جبلة بن الأيهم وكان على دين النصرانية، فقدم مكة في أحسن زي وأسلم وطاف
بالكعبة، فوطئ رجل محرم إزاره، فلطمه جبلة، فشكا الرجل إلى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فحكم
أن يقتص باللطمة، فسأله جبلة أن يؤخره إلى الغد وسار ليلا ولحق بالروم وتنصر وندم على ما فعل وقال:
تنصرت بعد الحق عارا للطمة * ولم يك فيها لو صبرت لها ضرر
وأدركني فيها لجاج حمية * فبعت لها العين الصحيحة بالعور
فياليت أمي لم تلدني وليتني * صبرت على القول الذي قاله عمر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة * وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر
ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة * أجالس قومي ذاهب السمع والبصر
(ولما رأيت النسر عز ابن داية * وعشش في وكريه جاش له صدري)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (فما ربحت تجارتهم) فإنه لما ذكر الشراء أتبعه ما يشاكله ويوافيه ويكمله ويضم
إليه تمثيلا لنارهم وتصويرا لحقيقتها. والمراد بالنسر: الشيب، وبالغراب: الشباب، وبالوكرين: الرأس واللحية:
ولما شبه الشيب بالنسر والشعر الناعم بالغراب أتبعه ذكر التعشيش والوكر.
(فأصممت عمرا وأعميته * عن الفخر والجود يوم الفخار)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (صم بكم عمى فهم لا يرجعون) معناه: فاخرت عمرا يوم الفخار فأصممته عن
سماع مفاخرتي إذ لم يقدر على جوابي، وأعميته عن رؤية جوده، وفخره في مقابلة جودي وفخري. ومعنى أصممت
عمرا من باب وجود الشئ على صفة: أي وجدته أصم.
(أسد على وفى الحروب نعامة * فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا كررت على غزالة في الوغى * بل كان قلبك في جناحي طائر)
394

في سورة البقرة عند قوله تعالى (صم بكم عمى) أي ليس لك أن تقول قد طوى في قوله (صم بكم عمى)
ذكر المستعار له وهم المنافقون عن الجملة بحذف المبتدأ فليكن ذلك استعارة، قلنا إن المطوى هنا في حكم المنطوق
به، ونظيره قوله عمران بن حطان قاتل الحجاج: أسد على: أي أنت أسد. والنعام يضرب به المثل في الجبن
فيقال: إنه لأجبن من نعامة. والفتخاء تأنيث الأفتخ، والفتخ: هو انفراج ولين في الأصابع. وغزالة: امرأة
شبيب الخارجي. قيل إن الحجاج قتل شبيبا الخارجي، فدخلت امرأته غزالة الكوفة في ثلاثين فارسا ومعها
ثلاثون ألف مقاتل، فصلت الغداة وقرأت البقرة وحاربته سنة كاملة وهزمت الحجاج وهى تمشى خلفه. فالشاعر
يقول: هو أسد على وفى الحروب مثل النعام جبنا ينفر من صفير الصافر. والصفير: صوت المكاء، ثم وبخه
وعيره وقال: هلا حملت على هذه المرأة في الوغى، بل كان قلبك في الوجيب والخفقان من الحزن في جناحي طائر.
(يا تيم تيم عدى لا أبا لكم * لا يلقينكم في سوأة عمر)
تعرضت تيم لي عمدا لأهجوها * كما تعرض لأست الخارئ الحجر
في سورة البقرة عند قوله تعالى (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم) حيث أقحم
الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيدا كما أقحم جرير في قوله: يا تيم تيم تيما الثاني بين الأول وما أضيف إليه.
قال الميداني: إذا قال لا أبا لكم لم يترك من الهجو شيئا. قيل كان عمر التميمي أراد أن يهجو جريرا، فخاطب جرير
قبيلة تيم وقال لهم: لا تتركوا عمر أن يقول شعرا في هجوى فيصيبكم شرى ومكري بسبب عمر. وفى البيت الثاني
هجا نفسه أقبح هجو لأنه شبه نفسه بأست الخارئ.
(أربا واحدا أو ألف رب * أدين إذا تقسمت الأمور)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (فلا تجعلوا لله أندادا) وقائله زيد بن عمرو بن نفيل حين فارق دين قومه قال
تعالى (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) وبعد البيت:
تركت اللات والعزى جميعا * كذلك يفعل الرجل البصير
(ولرهط حراب وقذ سورة * في المجد ليس غرابها بمطار)
قوم إذا كثر الصياح رأيتهم * وقرا غداق الروع والانفار
في سورة البقرة عند قوله تعالى (فأتوا بسورة من مثله) إذ أريد بالسورة المرتبة لأن السور كالمنازل والمراتب
يترقى فيها القارئ، وحراب بالراء: حراب بن زهير. وقذ بالذال المعجمة: قذ بن مالك، وهما أسديان. يصف
الرهطين بالكثرة ودوام المجد لهم، فإن النبات والشجر إذا كثر قيل لا يطار غرابه. وقوله في المجد استعارة بأن مجدهم
دائم ليس بمقلع ثابت غير منقشع: وأصل ذلك أن النبات والشجر إذا كثر قيل لا يطير غرابه: أي إذا وقع
في هذا المكان الخصب لا ينتقل إلى غيره. وقوله: إذا كثر الصياح: أي في الحروب. وقوله وقرا من الوقار: أي
لا يستفزهم الصياح، ووصف الصحابة رضي الله عنهم كأنهم على رؤوسهم الطير لسكونهم من هيبته صلى الله عليه
وسلم، وأصله أن الغراب يقع على رأس البعير فيلتقط منه الحلمة والحمنانة، ولا يحرك رأسه لئلا ينفر منه الغراب.
(إن الكرام كثير في البلاد وإن * قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا) يعنى أهل الهدى كثير في أنفسهم، وحين
395

يوصفون بالقلة إنما يوصفون بها بالنسبة إلى أهل الضلال، وأيضا فإن القليل من المهتدين كثير في الحقيقة وإن
قلوا في الصورة فسموا ذهابا إلى الحقيقة كثيرا، وأيضا فإن الله تعالى قادر أن يجمع ما في الناس من الفضائل في
واحد كما قال:
متى تخطى إليه الرجل سالمة * تستجمعي الخلق في تمثال إنسان
وقول أبى نواس:
ليس على الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد
(فواسقا عن قصدها جوائرا) * يذهبن في نجد وغورا غائرا
هو لرؤبة. في سورة البقرة عند قوله تعالى (وما يضل به إلا الفاسقين) يصف نوقا تمشى في المفاوز يجرن عن
استقامة الطريق ويذهبن طورا نجدا وطورا غورا. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الكهف عند قوله تعالى
(ففسق عن أمر ربه) أي خرج عن طاعته. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الحجرات عند قوله تعالى
(إن جاءكم فاسق بنبأ) قال صاحب الصحاح: قال ابن الأعرابي: لم يسمع قط في كلام الجاهلية ولا في شعرهم فاسق
قال: وهذا عجيب، وهو كلام عربي.
(أو معبر الظهر ينبى عن وليته * ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (مسلمة لاشية فيها) أي سلمها الله من العيوب أو معفاة من العمل سلمها أهلها
منه كقوله: أو معبر الظهر الخ. معبر الظهر: الذي لا وبر عليه. وينبى من نبا عنه: إذا فارقه. والولية: البردعة
لأنه يلي الجلد، والضمير للبعير. والمعنى: معبر الظهر ينفر عن البردعة لدبره ومن كثرة ما قاسى من شدائد السفر،
ثم قال رب هذا البعير ما حج في الدنيا ولا اعتمر على هذا البعير بل سافر إلى بلاد الأعداء وصبحهم بها. وربه
يقرأ باختلاس الحركة من الهاء للوزن كما في قراءة قالون (فألقه إليهم) مكسورة الهاء من غير ياء، قال أبو علي:
في ألقه وصل الهاء بياء ونحوه أقيس وأشبه، وترك وصله بالياء إنما يجرى في الشعر كقوله:
* ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا *
(أكلت دما إن لم أرعك بضرة * بعيدة مهوى القرط طيبة النشر)
هو من أبيات الحماسة. في سورة البقرة عند قوله تعالى (أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار) وقيل البيت:
دمشق خذيها واعلمي أن ليلة * تمر بعودي نعشها ليلة القدر
هو دعاء على نفسه بأكل الدية إن لم يتزوج عليها، يقال فلان يأكل الدم إذا أكل الدية التي هي بدل منه،
وأخذها عار عند العرب كما قال:
فلا تأخذوا عقلا من القوم إنني * أرى العار يبقى والمعاقل تذهب
ومنه قوله: * يأكلن كل ليلة إكافا * أي ثمنه
ومنه قوله: إني رأيت عجبا مذ أمسا * عجائزا مثل السعالى خمسا
يأكلن ما في رحلهن همسا * لا ترك الله لهن ضرسا
وقد استشهد بالبيت المذكور في السورة المذكورة عند قوله تعالى (إنما يأكلون في بطونهم نارا) لأنه أكل
396

ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنه أكل النار، روى أن قائل البيتين أعرابي وكان تزوج امرأة فلم يوافقها،
فقيل له: إن حمى دمشق سريعة في موت النساء، فحملها إلى دمشق وقال الأبيات. وقال أبو العلاء: يجوز أن
يريد بقوله: أكلت دما إن لم أرعك بضرة: أي شربت دما لأن الدم لا يؤكل بل يشرب ولا يمتنع أن يعنى لقوله
شربت دما أن يصيبه جدب وحاجة فيفتقر إلى شرب الدم، كما كانت العرب في الجاهلية إذا اشتد عليهم الزمان
فصدوا النوق وشربوا دماءها وخلطوها بغيرها فأكلوها، وهذا المعنى كثير في أشعار العرب. وأنشد أبو إياس:
أما لك عمر إنما أنت حية * إذا هي لم تقتل فعش آخر العمر
قالوا: أقصر عمر الحية ثلثمائة سنة، ويروى هكذا:
ثلاثين حولا لا أرى منك راحة * لهنك في الدنيا الباقية العمر
دمشق خذيها لا تفتك فليلة * تمر بعودي نعشها ليلة القدر
فإن أنفلت من عمر صعبة سالما * تكن من نساء الناس لي بيضة العقر
هذه الهاء في لهنك بدل من همزة أن في قول البصريين، وقال غيرهم هي معنى لله أنك.
(تتمة) من المعلوم المقرر أن الشئ بالشئ يذكر وبضدها تتبين الأشياء، ولذلك يقال الضد أقرب خطورا
بالبال، وعلى هذا فلا يخفى التقابل بين هذا وبين ما تقدم من قول القائل:
وإن شئت حرمت النساء سواكم * وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
حيث تضمن هذا البيت إظهار السآمة وتجافى الجنوب عن المضاجع مع إدخال صوت الروع في ذهب السامع،
وتضمن ذلك البيت الخطاب بصيغة التعظيم والعطف على سبيل الترقي بمالا يخفى على ذي الذوق السليم.
(فلما أضاءت لنا سدفة * ولاح من الصبح خيط أنارا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) الخيط الأبيض:
أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود، والخيط الأسود: ما يمتد معه من غبش الليل.
شبههما
بخيطين أبيض وأسود، وجواب الشرط في البيت الذي بعده:
وما صيد الأعناق فيهم جبلة * (ولكن أطراف الرماح تصورها)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (فصرهن إليك) من صاره يصوره صورا وصاره يصيره صيرا: أي فأملهن
واضممهن إليك بضم الصاد وكسرها، ورجل أصيد: لا يستطيع الالتفات من داء، والرجل يصور عنقه إلى
شئ: إذا مال نحوه. يقول: ما صيد الأعناق واعوجاجها جبلة وطبيعة فيهم ولا هو من نخوة وكبر، وإنما
أطراف الرماح صورتها وأمالتها، قال:
وفرع يصير الجيد وحف كأنه * على الليث قنوان الكروم الدوالح
قال في الصحاح: وصاره يصيره: أي أماله، وقرئ فصرهن إليك بضم الصاد وكسرها. قال الأخفش:
يعنى وجههن إليك، يقال صر إلى وصر وجهك إلى: أي أقبل على، وصرت الشئ أيضا: قطعته وفصلته
انتهى، أقول: ومن ألطف ما أنشد من هذا المعنى قوله:
وغلام في ساعة صار كلبا * ثم في ساعتين صار غزالا
(على لا حب لا يهتدى بمناره) * إذا ساقه العود النباطي جرجرا
397

في سورة البقرة عند قوله تعالى (لا يسألون الناس إلحافا) ولا يخفى أن نفى السؤال والإلحاف جميعا أدخل في
التعفف وفى أن يحسبوا أغنياءه واللاحب بالحاء المهملة: الطريق الواضح. وسافه من السوف وهو الشم. والعود:
الجمل المسن من الإبل وهو الذي جاوز في السن البازل، ويقال: زاحم بعود أودع: أي استشر على حربك
بأهل السن والمعرفة، فإن رأى الشيخ خير من مشهد الغلام. والعود: الطريق القديم، قال:
* عود على عود الأقوام أول * أي بعير مسن على طريق قديم، وربما قالوا سؤدد عود: أي قديم. قال الطرماح:
هل المجد إلا السودد العود والندى * ورب الثأى والصبر عند المواطن
جرجرا أي صوت، والجرجرة صوت يردده البعير في حنجرته قال * جرجر في حنجرة كالحب * أي
صوت يصف سبسبا لا منار فيه إذا ساف الجمل تربه عرفه وصوت لخبثه لو عورة ذلك السبسب وسلوكه إليه
مرارا.. وقوله لا يهتدى بمناره، يريد نفى المنار والاهتداء، ونحوه قوله:
لا تفزع الأرنب أهوالها * ولا ترى الضب بها ينجحر وسيأتى
وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة آل عمران عند قوله تعالى (سنلقى في قلوب الذين كفروا الرعب بما
أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا) قال في الكشاف: فإن قلت: كانت هناك حجة حتى ينزلها الله تعالى فيصح لهم
الاشتراك. قلت: لم يعن أن هناك حجة إلا أنها لا تنزل عليهم، لأن الشرك لا يستقيم أن تقوم عليه حجة، وإنما
المراد نفى الحجة ونزولها جميعا كقوله: * ولا ترى الضب بها ينجحر *
(وشارب مربح بالكاس نادمني * لا بالحصور ولا فيها بسآر)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (سيدا وحصورا) وهو الذي لا يقرب النساء منعا لنفسه عن الشهوات.
وقيل هو الذي لا يدخل مع القوم في الميسر فاستعير لمن لا يدخل في اللهو واللعب. ولا فيها بسآر. أي مبق من
السؤر وهو البقية. يقول: رب شارب مشتر للخمر بالربح ليس بمانع نفسه من الشهوات ولا مبق في الكأس شيئا
نادمني وعاشرني، ويروى ولا فيها بسوار من ساور إذا وثب: أي ليس بمعربد.
(متى ما تلقني فردين ترجف * روانف أليتيك وتستطارا)
في آل عمران عند قوله تعالى (إلا رمزا) حيث قرئ بفتحتين جمع رامز كخادم وخدم وهو حال منه ومن
الناس دفعة كقوله: متى ما تلقني الخ. الروانف جمع رانفة، وهى أسفل الألية وطرفها الذي يلي الأرض من
الإنسان إذا كان قائما. وتستطارا أصله تستطارن فقلبت النون ألفا للوقف. وفردين حالان: أحدهما من ضمير
الفاعل في تلقني، والآخر من النون والياء
(فلا أب وابنا مثل مروان وابنه * إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا)
هو للفرزدق. في سورة آل عمران، والابن عبد الملك إذ هو كناية عن الأب الذي هو مروان لأن مجد الابن
مجد الأب لا بالعكس. وقد جمع الشاعر سيرتين في عطف الابن على الأب باعتبار اللفظ وجعله منصوبا، ويجوز
رفع الابن باعتبار العطف على المحل وهو موضع لا وما بعده لأن موضعه رفع بالابتداء، والنصب أشهر لأن
العطف على اللفظ أكثر وهو الأصل. والبيت شاهد على قوله تعالى (تلبسون الحق بالباطل) على قراءته بفتح الباء
من لبست الثوب فتكون الباء في الباطل بمعنى مع، وأما على قراءة الكسر فهو من لبست الشئ بالشئ خلطته به
398

واستشهد لاستعمال اللبس وما في معناه للاتصاف بالشئ بقوله صلى الله عليه وسلم " المتشبع بما لا يملك كلابس
ثوبي زور " وبقول الفرزدق: فلا أب وابنا الخ. حيث استعمل اللبس وما في معناه للاتصاف بالشئ والتلبس
به، ولابس ثوبي زور هو الذي استعار ثوبا ليتجمل به أو يتنسك لتقبل شهادته فهو يشهد زورا، ويظهر أنه له
وليس له فيصير كأنه لابس ثوبين من الزور، وإضافة ثوبين إلى الزور على معنى اختصاصهما من جهة كونهما
ملبوسين لأجله، وقد كثر استعمال نحو اللباس والرداء والإزار في كثير من المنثورات والأشعار، وأورد في معان
مختلفة شائعة كمال الشيوع، وكفاك شاهدا على ذلك كلام رب العزة جل جلاله (فأذاقها الله لباس الجوع) وقد
ورد عنهم كثيرا هذا الأداء، ومن ذلك ما قيل لكثير الإحسان غمر الرداء حتى استعملوا ذلك في التورية والإيهام،
وما أحسن أن يورد لأدنى ملابسة في المتكبر المتكثر في هذا المقام قوله:
لي صاحب أحمق ذو فاقة * أهلكه الإفلاس والفقر
لم يمتلك والله ملوطة * عنده مع فقره كبر
وقد تجوزوا في اللباس بحسب الاستعمال حتى جوزوا للنساء لبس عمائم الرجال، وعلى كل حال فما أقبح
المتشبع المتلبس بلباس الغير، واللائق أن يلبس لكل حالة ملبوسها (ولباس التقوى ذلك خير) وبالجملة والتفصيل
فيحسن أن ينشد من كلام المصنف في استعمال اللباس ما قيل:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه * فكل رداء يرتديه جميل
(من كان مسرورا بمقتل مالك * فليأت نسوتنا بوجه نهار)
يجد النساء حواسرا يندبنه * يلطمن أوجههن بالأسحار
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النار) والمعنى: أظهروا الإيمان
بما أنزل على المسلمين في أول النهار واكفروا به آخره لعلهم يشكون في دينهم ويقولون ما رجعوا وهم أهل كتب
إلا لأمر قد تبين لهم فيرجعون برجوعهم، والبيت من أبيات الحماسة للربيع بن زياد يرثى مالك بن زهير العبسي،
وكانت عادتهم أن لا يندبوا القتيل إلا بعد أخذ الثأر. يقول للأعداء المنابذين: من كان مسرورا ويظهر الشماتة
بقتل مالك فليأت نساءنا في أول النهار يجد ما كان محرما من الندبة والبكاء قد حل، وإن الحظر الواقع في بكائهن
قد ارتفع بدرك الثأر والانتقام من العدو، وكانت العرب إذا قتل منها قتيل شريف لا يبكى عليه ولا تندبه النساء
إلى أن يقتل قاتله، فإذا فعل ذلك خرجت النساء وندبنه فيجدن مقتله قد صح: وقال المرزوقي: ورأيت ابن
العميد يقول: إني لأتعجب من أبى تمام مع تكلفه الفحص عن جوانب ما اختاره من الأبيات كيف ترك قوله:
فليأت نسوتنا، وهى لفظة شنيعة جدا، ونعم ما قال المرزوقي: فليأت ساحتنا بوجه نهار، وأول الأبيات:
إني أرقت فلم أغمض حار * من سيئ النبأ الجليل الساري
من مثله تمسى النساء حواسرا * وتقوم معولة مع الأسحار
أفبعد مقتل مالك بن زهير * ترجو النساء عواقب الأطهار
ما إن أرى في قتله لذوي النهى * إلا المطي تشد بالأكوار
وبعده البيتان..، وبعدهما:
399

قد كن يخبأن الوجوه تسترا * فاليوم حين برزن للنظار
يضربن حر وجوههن على فتى * عف الشمائل طيب الأخبار
* * *
كأن فتى الفيتان توبة لم ينخ * بنجد ولم يطلع من المتغور
(ولم يغلب الخصم الألد ويملأ ال‍ * جفان سديفا يوم نكباء صرصر)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (كمثل ريح فيها صر) الصر: الريح الباردة نحو الصرصر قال:
لا تعدلن أتاويين تشربهم * نكباء صر بأصحاب المحلات
وقالت ليلى الأخيلية: ولم يغلب الخصم الألد الخ. الصر صفة الريح بمعنى الباردة، فوصف بها القرة بمعنى فيها
قرة كما تقول برد بارد على المبالغة أو الصر مصدر في الأصل بمعنى البرد، فجئ به على أصله، أو أن يكون من
قوله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ومن قولك: إن ضيعني فلان ففي الله كاف وكافل.
* وفى الرحمن للضعفاء كاف * لم ينخ من أناخ البعير، ولم يطلع من أطلع من انحدار إلى إشراف. والألد:
الشديد الخصومة، والجفنة: القصعة، والسديف: قطع السنام، والنكباء: الريح الشديدة، والصرصر الباردة.
روى أن ليل الأخيلية ترثى حبيبها وتعد مناقبه جفنة الطعام معروفة وعند العرب مبذولة مألوفة وتستعمل للرجل
الكريم، ووقع ذكرها في كلامهم من قديم وجمعها جفنات وجفان، وقد وقعت في شعر حسان حيث يقول:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى * وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
وفى بيت الأعشى:
يلوح على آل المحلق جفنة * كجابية الشيخ العراقي تفهق
وكثر استعمالها في شعر الأقدمين، وعند جهينة الخبر اليقين.
فلا وأبى الناس لا يعلمون * ولا الخير خير ولا الشر شر
(فيوم علينا ويوم لنا * ويوم نساء ويوم نسر)
هو من أبيات الكتاب في سورة آل عمران عند قوله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس) ولله در القائل:
ومن عادة الأيام أن صروفها * إذا ساء منها جانب سر جانب
وفى معنى ذلك بيت المقامات:
يا خاطب الدنيا الدنية إنها * شرك الردى وقرارة الأكدار
دار متى ما أضحكت في يومها * أبكت غدا بعدا لها من دار
ومن أمثالهم: الحرب سجال، ولقد أحسن كل الإحسان المرحوم المولى أبو السعود في قوله:
وكل ما في الوجود من نعم * إما تزايلك أو تزاولها
سلطنة الدهر هكذا دول * فعز سلطان من يداولها
(لا يفزع الأرنب أهوالها * ولا ترى الضب بها ينجحر)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (سنلقى في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا)
400

من حيث إن المراد نفى الحجة ونزولها جميعا كقوله * ولا ترى الضب بها ينجحر * مراده أن ينفى الضب
والانجحار جميعا ومثله قول ذي الرمة:
لا تشتكى سقطة منها وقد رقصت * بها المفاوز حتى ظهرها حدب
أي وليس منها سقطة فتشتكى، وقد تقدم الكلام على معنى الآية عند قوله:
على لأحب لا يهتدى بمناره * إذا سافه العود النباطي جرجرا
(وما مثله ممن يجاود حاتم * ولا البحر ذو الأمواج يلتج زاخره)
في سورة النساء عند قوله تعالى (لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله ولا الملائكة المقربون) وقد جنح
الزمخشري في تفسير الآية إلى ما هو دأبه في ترويج مذهب الاعتزال، وقد رد المولى سعد الدين ذلك عليه بأبلغ
رد، فتعين كتابة ذلك ليحذر مما جنح إليه، قال: ولا من هو أعلى قدرا منه وأعظم خطرا وهم الملائكة
الكروبيون الذين هم حول العرش كجبريل وميكائيل وإسرافيل ومن في طبقتهم. فإن قلت: من أين دل قوله
ولا الملائكة المقربون على أن المعنى ولا من فوقه؟ قلت من حيث إن علم المعاني لا يقتضى غير ذلك، وذلك أن
الكلام إنما سيق لرد مذهب النصارى وغلوهم في رفع المسيح عن منزلة العبودية، فوجب أن يقال لهم لن يترفع
عيسى عن العبودية ولا من هو أرفع منه درجة، كأنه قيل: لن يستنكف الملائكة المقربون من العبودية فكيف
بالمسيح، ويدل عليه دلالة ظاهرة بينة تخصيص المقربين لكونهم أرفع الملائكة درجة وأعلاهم منزلة كما في البيت،
ولا شك أن الشاعر قصد بالبحر ذي الأمواج ما هو فوق حاتم في الجود انتهى. قال المولى سعد الدين في حواشيه:
لا كلام في أن مقتضى علم المعاني والذوق الصحيح السليم هو هذا المعنى: أعنى ولا من فوقه، يقال: لن
يستنكف من هذا الأمر الوزير ولا السلطان، ولا يقال السلطان ولا الوزير، ولكن ينبغي للمستدل أن ينظر أيضا
ويعرف أنهما لا يفيدان إلا الفوقية في المعنى الذي هو مظنة الاستنكاف والترفع عن العبودية، وذلك ههنا ما تزعم
النصارى وهو التجرد والروحانية التي هي في عيسى عليه السلام من جهة أنه لا أب له، وكمال القدرة والتأييد
الذي به يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، وهذا في الملائكة أقوى لأنهم لا أب لهم ولا أم ولهم بإذن الله تعالى
من قوة قلع الجبال، ومزاولة مصاعب الأعمال والتصرف على الأحوال والأهوال ما يقل في جنبه الإحياء والإبراء،
وهم مع ذلك لا يستنكفون إن يكونوا عبادا لله فكيف بعيسى عليه السلام، ولا دلالة لهذا على الأفضلية والأكملية
بالمعنى المتنازع فيه، ثم أجاب بوجوه أخر فلتراجع.
(كاثر بسعدان سعدا كثيرة * ولا ترج من سعد وفاء ولا نصرا)
في سورة المائدة عند قوله تعالى (قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) ومن تعصبات
الزمخشري قوله هنا: فاتقوا الله وآثروا الطيب وإن قل على الخبيث وإن كثر، ومن حق هذه الآية أن يلفح بها
وجوه المجبرة إذا افتخروا بالكثرة. قال المولى سعد الدين في هذا المحل: سمعت بعض أستأذينا يقول: من حق هذه
الآية أن يسخم بها وجوه المعتزلة حيث جمعوا إلى الخبيث الكثرة. الشاعر يخاطب أحدا ويقول كاثر بقبيلة سعد
فإن سعدا قبيلة فيهم كثرة ولكن لا ترج منهم وفاء ولا نصرة فإنهم ليسوا من أهل الحفاظ والنصرة. وقوله يروقك (1)
أي يعجبك من قبيلة سعد جسومهم، ولكن ترغب عنهم حين تجربهم، كما قيل: أخبر تقله.

(1) (قوله وقوله يروقك) ليست هذه اللفظة في البيت المذكور هنا، ولعله شرح لها في البيت بعد هذا البيت، كتبه مصححه.
401

(لا يدهمنك من دهمائهم عدد * فإن جلهم بل كلهم بقر)
في سورة المائدة عند قوله تعالى (ولو أعجبك كثرة الخبيث) البيت لأبى تمام، وقبله:
لم يبق من جل هذا الناس باقية * ينالها الوهم إلا هذه الصور
دهمه غشيه. يقول لا يدهمنك من جماعتهم الكثيرة عدد فيهم غناء ونصرة فإن كلهم كالأنعام والبهائم ولله در
القائل: لا يدهمنك اللحاء والصور * تسعة أعشار من ترى بقر
في شجر السرو منهم شبه * له رواء ما له ثمر
وكما قال: لا بأس بالقوم من طول ومن عظم * جسم الجمال وأحلام العصافير
(أحار بن عمرو كأني خمر * ويعدو على المرء ما يأتمر)
في سورة المائدة عند قوله تعالى (إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم) في محل النصب على اتباع حركته
حركة الابن كقولك يا زيد بن عمرو، وهى اللغة الفاشية، ويجوز أن يكون مضموما كقولك يا زيد بن عمرو،
والدليل عليه قوله أحار بن عمرو أصله يا حارث بن فرحة، والترخيم لا يكون إلا في المضموم، لأن المفتوح مع
الصفة بمنزلة اسم واحد كالمركب، ولا ترخيم في وسط الكلمة ولأن في ضم المفتوح إخلالا بالفتحة المجتلبة للتناسب
والاتباع، والخمر الذي أصابه الخمار، وقيل الذي خامره داء. ما يأتمر فاعل يعدو: أي ائتماره وامتثاله على أن
ما مصدرية، أو ما يمتثل من أمر نفسه وهواه على أنها موصولة، قال الشاعر:
بخط كأن الله قال لحسنه * تشبه بمن قد خطك اليوم فأتمر
وقيل يأتمر من الائتمار والمؤامرة وهى الصلح، قال الشاعر:
فلما أن رأينا الناس صاروا * أعادى ليس بينهم ائتمار - أي حكم
(تردت به ثم انفرى عن أديمها * تفرى ليل عن بياض نهار)
في سورة الأنعام عند قوله تعالى (فالق الإصباح) ومعنى فلق الصبح والظلمة هي التي تنفلق عن الصبح كما
قال * تفرى ليل عن بياض نهاره * أنه فلق ظلمة الإصباح وهى الغبش في آخر الليل، ومقتضاه الذي يلي
الصبح، أو يراد فالق الإصباح هو عمود الفجر عن بياض النهار وإصفاره، والشعر لأبى نواس يصف الخمر،
وقبله: كأن بقايا ما عفا عن حبابها * تفاريق شبب في سواد عذار
ثم البيت والتشبيه في أن الحباب ستر الخمر لقوله تردت فلما انشق الحباب عن وجه الخمر ظهرت كما انشق
الليل عن بياض النهار واستبان.
(لا بأس بالقوم م طول ومن عظم * جسم الجمال وأحلام العصافير)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (حتى يلج الجمل في سم الخياط) فإن سم الإبرة مثل في ضيق المسلك يقال:
أضيق من خرت الإبرة، وقالوا للدليل الماهر خريت لإهتدائه في المضايق المشبهة بأخرات الإبر والجمل مثل في
عظم الجرم، ويضرب المثل بالعصفور لأحلام الحمقى فيقال: أخف حلما من العصفور كأنه يقول: لا يعجبك من
القوم المعلوم عظم جسمهم وطول قامتهم لهم جسم الجمال وأحلام العصافير، وإنما المرء بالعقل والحلم لا باللحم
والشحم، ويعجبني في هذا المعنى قول ثوبان بن جهم المذحجي:
402

ولا خير في حسن الجسوم وطولها * إذا لم يزن حسن الجسوم عقول
فإن لا يكن جسمي طويلا فإنني * له بالخصال الصالحات وصول
وإني لا أخزى إذا قيل مملق * سخى وأخزى أن يقال بخيل
إذا كنت في القوم الطوال علوتهم * بعارفة حتى يقال طويل
وكم قد رأينا من فروع كثيرة تموت إذا لم تحمهن أصول
ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل
(أنا الذي سمتني أمي حيدره * كليث غابات كريه المنظره
* أكيلكم بالصاع كيل السندرة *)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم) على تقدير كون أبلغكم صفة.
قال الزمخشري: إن قلت كيف جاز أن يكون صفة والرسول لفظه لفظ الغالب؟ قلت: جاز ذلك لأن الرسول
وقع خبرا عن ضمير المخاطب بكسر الطاء فكأنه في معناه كما في البيت، قاله الإمام علي رضي الله عنه حين بارز
مرحبا اليهودي يوم خيبر، وكانت أمه فاطمة بنت أسد رضي الله عنها سمته باسم أبيها، وكان أبو طالب غائبا،
فلما رجع كره هذا الاسم وسماه عليا، والسندرة مكيال كبير، وقيل اسم امرأة كانت تبيع القمح، وتوفى الكيل.
والمعنى أعطيهم كيلا واسعا، ووجه الكلام أنا الذي سمته ليرجع الضمير من الصلة إلى الموصول ولكن ذهب
إلى المعنى كأنه قال أنا سمتني:
(نزلت بخيل لا هوادة بينها * وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر)
البيت لخراش بن زهير في سورة الأعراف عند قوله تعالى (حقيق على أن لا أقول على الله إلا لحق) فيه أربع
قراءات المشهورة: وحقيق على أن لا أقول وهى قراءة نافع، وحقيق أن لا أقول وهى قراءة عبد الله، وحقيق
بأن لا أقول وهى قراءة أبى، وفى المشهورة إشكال ولا يخلو من وجوه: أحدها أن تكون مما يقلب من الكلام
لأمن الإلباس كقوله * وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر * ومعناه: وتشقى الضياطرة بالرماح: يعنى فيكون
بمعنى قراءة نافع: أي قول الحق حقيق على، فقلب اللفظ فصار إما حقيق على قول الحق، والثاني أن ما لزمك
فقد لزمته: أي قول الحق لما كان حقيقا على كان هو حقيقا على قول الحق أي لازما له. والثالث أن معنى حقيق
معنى حريص كما ضمن هيجني معنى ذكرني في بيت الكتاب: يعنى قوله:
إذا تغنى الحمام الورق هيجني * ولو تعريت عنها أم عمار
كما سيأتي بعد هذا البيت. والرابع أن يغرق موسى عليه السلام في وصف نفسه بالصدق: أي أنا حقيق على
قول الحق: أي واجب على أن أكون أنا قائله والقائم به وكل ذلك وجوه متعسفة، وليس المعنى إلا ما ذكر
أولا، وقبل البيت:
كذبتم وبيت الله حين تعالجوا * قوادم قرب لا تليق ولا تمرى
مضارع أمرى، يقال أمرت الناقة: إذا در لبنها. والهوادة: الصلح. والضيطار: الرجل الضخم الذي
لا غناء عنده، وقياس جمعه الضياطير، إلا أنه عوض الهاء من المدة كبياطرة في بيطار. والحمر عندهم العجم وهو
403

ذم. وقوله " أن يغرق موسى " معناه: أن يبالغ، ولا يغنى به المبالغة المذمومة، والمراد بالحمر في البيت الرجال.
والهادة: البقية من القوم يرجى بها صلاحهم. والعرب تصف بالخضرة كل شئ يستحسن، وكل شئ مكروه
بالحمرة تقول سنة حمراء: أي القحط، واحمر البأس: أي اشتد، والموت الأحمر. ومعناه: وتشقى الضياطرة
بالرماح، وذلك مما يقلب من الكلام لأمن الإلباس، وأولوا قوله (إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة) وإنما
العصبة التي تنوء بها. قال عروة بن الورد:
فديت بنفسه نفسي ومالي * ولا آلوك إلا ما أطيق
والمعنى فديت بنفسي ومالي نفسه.
(إذا تغنى الحمام الورق هيجني * ولو تعريت عنها أم عمار)
هو من أبيات الكتاب في سورة الأعراف عند قوله تعالى (حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق) حيث
ضمن هيجني معنى ذكرني وفاعل هيجني ضمير النوى، وأم عمار مفعوله لتضمنه معنى ذكرني.
(قالت له ريح الصبا قرقار * واختلط المعروف بالإنكار)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) هو من باب التمثيل والتخييل، وباب
التمثيل واسع في كلام الله تعالى ورسوله، وفى كلام العرب ونظيره قوله عز وعلا (إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن
نقول له كن فيكون، فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) وقوله:
* إذ قالت الأنساع للبطن الحق * ومنه: قالت له ريح الصبا الخ، ومعلوم أنه لا قول ثم وإنما هو تمثيل
وتصوير للمعنى: أي قالت ريح الصبا للسحاب قرقر بالرعد، فالريح تأمر السحاب بالقرقرة، ويجوز أن يقال
بلفظ الماضي، ويجوز أن يقال بلفظ الأمر، فإذا كان بلفظ الماضي يريد أن المطر أصاب كل مكان مما كان
يبلغه المطر ويعرف، ومما كان لا يبلغه وينكر بلوغه إياه، وإذا كان بلفظ الأمر فيكون من تمام قول الريح:
أي قالت الريح للسحاب قرقر يا رعد واختلط المعروف: يعنى المطر بالإنكار: يعنى بالبرق والسيل والصواعق،
وفى الماضي يجوز هذا المعنى أيضا.
(وما كنت أرجو أن يكون عطاؤه * أداهم سودا أو محدرجة حمرا)
البيت للفرزدق في سورة الأنفال عند قوله تعالى (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) المكاء
بوزن الدعاء من مكا يمكو: إذا صفر. والتصدية: التصفيق. ووجه هذا الكلام ما قيل في معنى البيت وهو أنه
وضع القيود والسياط موضع العطاء، ووضعوا المكاء والتصدية موضع الصلاة، وذلك أنهم كانوا يطوفون
بالبيت عراة الرجال والنساء وهم مشبكون بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون، وكانوا يفعلون ذلك إذا قرأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته يخلطون عليه: أي ما كنت أخشى: أي ما كنت أعلم، وأداهم جمع أدهم
وهو الأسود من الحيات، والعرب تذكر الأدهم وتريد به القيود كما في قصة القبعثري، وهى غنية عن الذكر
مشهورة، والمحدرجة: السياط المفتولة. ومعناه: ما كنت أعلم أنه يضع القيود والسياط موضع العطاء.
ولقد علمت على تجنبي الردى * (أن الحصون الخيل لا مدر القرى)
البيت لأشعر الجعفي، في سورة الأنفال عند قوله تعالى (ومن رباط الخيل) تخصيص الخيل من بين
404

ما يتقوى به كقوله (وجبريل وميكال) وعن ابن سيرين أنه سئل عمن أوصى بثلث ماله في الحصون فقال:
يشترى به الخيل فتربط في سبيل الله ويغزى عليها، فقيل له: إنما أوصى بالحصون، فقال: ألم تسمع قول
الشاعر: إن الحصون البيت، قال:
إني وجدت الخيل عزا ظاهرا * تنجى من الغمى ويكشفن الدجى
ويبتن بالثغر المخوف طوالعا * ويثبن للصعلوك همة ذي الغنى
(أكل امرئ تحسبين امرأ * ونار توقد بالليل نارا)
في سورة الأنفال عند قوله تعالى (تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة) بحر الآخرة على حذف المضاف
وإبقاء المضاف إليه على حاله. ومعناه: عرض الآخرة على التقابل: يعنى ثوابها، وإنما جاز للمشاكلة لأن العرض
بالتحريك متاع الدنيا وحطامها، والدار الآخرة هي الحيوان وثوابها دائم. والشاعر يخاطب امرأة أو نفسه أنه
رجل ذو سماحة وشجاعة، وكل نار ترين بالليل تظنين أنها نار قرى وخير. والاستفهام في ذلك للإنكار،
والتنكير في امرئ ونار للتعظيم، ونحوه في المعنى قول الآخر:
ما كل نار ترى للسفر قرى * حقا ولا كل إنسان بإنسان
والبيت من أبيات الكتاب، وتقديره وكل نار، فناب ذكره في أول الكلام عن إعادته في آخره، وإنما قال
ذلك هربا من العطف على عاملين، وهما كل وتحسبين.
(خل السبيل لمن يبنى المنار به) وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر
في سورة التوبة عند قوله تعالى (فخلوا سبيلهم) معناه: اترك السبيل الرشاد لمن يطلبه ويعبره فهو أولى به
فمن يهده الله فلا مضل له، وابرز منه إلى طريق الغى والضلال إذا اضطرك له قضاء وقدر، فإن من يضلل الله فلا
هادي له، فلا ينفع الحذر مما قضاه الله وقدره، والبيت لجرير يهجو به عمر بن لجأ التميمي.
(وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة * عشية قارعنا جذام وحميرا)
في سورة التوبة عند قوله تعالى (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) حيث قالوا: الساعة والعشية واليوم يستعمل
في معنى الزمان المطلق كما استعملت العشية في البيت، قال الأصمعي في الأمثال: ما كل بيضاء شحمة، ولا
كل سوداء تمرة، قال: والمعنى ليس كل ما أشبه شيئا ذلك الشئ، وجذام بضم الجيم أبو هذه القبيلة فسميت به
وأصل الجذم القطع. والمعنى: قلت لما التقينا مع جذام وحمير إن سبيلهم سبيل سائر الناس وإنا سنغلبهم ونقهرهم
فوجدناهم بخلاف ذلك فقال بعد ذلك:
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه * ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
وقيل يصفهم بكثرة القرى والكرم.
(إذا جاء يوما وارثي يبتغى الغنى * يجد جمع كف غير ملأى ولا صفر)
يجد فرسا مثل العنان وصارما * حساما إذا ما هز لم يرض بالهبر
وأسمر خطيا كأن كعوبه * نوى القسب قد أربى ذراعا على العشر
لحاتم الطائي. في سورة التوبة عند قوله تعالى (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) يعنى استعملت الساعة هنا
405

في الزمان المطلق كما استعمل اليوم كذلك لمطلق اليوم في قوله " إذا جاء يوما إلى الخ " قوله يجد جمع كف
يقال أعطيت
فلانا جمع الكف: أي ملء الكف، وضربته بجمع كفى: إذا جمعت كفك ثم وجأته بها، ومن ذلك قول الفرزدق:
ولن يقدم نفسا قبل ميتتها * جمع اليدين ولا الصمصامة الذكر
غير ملأى: غير ملآن، والصفر: الخالي، والواحد والجمع والذكر والأنثى فيه سواء، قوله يجد فرسا مثل
العنان: أي عربيا ضامرا، وسيفا صارما: أي قاطعا، وسمى السيف حساما لأنه يحسم الدم: أي يسبقه فكأنه كواه
والهبر: القطع من اللحم، هبرته: أي قطعته قطعا كبارا. والسمرة: لون البياض والأدمة. والخط: سيف
البحرين، والرماح الخطية منسوبة إليه، قوله نوى القسب: هو نوع من التمر معروف. قد أربى: أي زاد، والربا
الزيادة: يعنى يزيد كل ذراع من هذا الخطى على عشر كعوب وأنبوب، أراد وصفه بالصلابة، يقول: إذا
جاء وارثي يبتغى الميراث بعدي يجد من تركتي ما هو غير كثير ولا قليل، وهو فرس ضامر وسيف صارم
ورمح خطى، وقد حزم المضارع في جواب إذا وهو قليل.
(إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر)
في سورة هود عند قوله تعالى (بسم الله مجريها ومرساها) من حيث إن الاسم مقحم، ويراد بالله إجراؤها
وإرساؤها: أي بقدرته وأمره، والكلام على هذه الآية من جهة كون الحال مفردا أو جملة وتعلق بسم الله ومجريها
ومرساها ومحله من الإعراب وغير ذلك من النكات طويل الذيل. قال صاحب التقريب: هذه المسألة من أمهات
مسائل النحو وغررها. قيل إن لبيد بن ربيعة العامري كان له بنتان: أسماء ويسرة، فلما حضرته الوفاة قال:
يسر ابنتي أن يعيش أبوهما * وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
وفى ابني نزار عبرة إن سألتما * وإن تسألاهم تلقيا فيهما الخبر
وفيمن سواهم من ملوك وسوقة * دعائم عرش خانه الدهر فانقعر
فإن حال يوما أن يموت أبوكما * فلا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر
وقولا هو المرء الذي لا صديقه * أهان ولا خان الأمين ولا غدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
كناعيتين تندبان لعاقل * أخا ثقة لا عين منه ولا أثر
فلما مات بالكوفة كانت ابنتاه إذا أصبحتا خرجتا عليهما ثيابهما، ثم خرجتا إلى مجلس بنى جعفر بالكوفة
فتندباه في غير إفراط من الثناء ولا هجر حتى إذا مضى الحول كفتا.
(لا تسأم الدهر منه كلما ذكرت * فإنما هي إقبال وإدبار)
في سورة هود عند قوله تعالى (إنه عمل غير صالح) حيث جعلت ذاته عملا غير صالح مبالغة في ذمه،
كقول الخنساء:
* فإنما هي إقبال وإدبار *
وأوله: فما عجول على بو تطيف به * لها حنينان إصغار وإكبار
لا تسأم الدهر منه كلما ذكرت * فإنما هي إقبال وإدبار
يوما بأجود منهم يوم فارقني * صخر وللدهر إحلاء وإمرار
406

قوله فما عجول: أي ناقة عجل عليها وطردت عن رأس ولدها، ويراد بالعجول ناقة فقدت ولدها بنحر
أو موت، ويقال لأمثالها من النوق المعاجيل أيضا، ووجدهن يزيد على كل وجد. والبو: ولد الناقة، وأصله
جلد فصيل يحشى تبنا لتدر الأم عليه. لها: أي لهذه الناقة حنينان لفراق ولد صغير وكبير. لا تسأم الدهر: أي
لا تمل من الحنين إليه. والدهر إقبال وإدبار: أي إقبال النهار وإدبار الليل وبعكسه، وقيل: فإنما هي ذات إقبال
وإدبار، أو يكون فإنما هي مقبلة ومدبرة، أو جعلها الإقبال والإدبار اتساعا كما قال تعالى (الحج أشهر
معلومات) وقال (ولكن البر من آمن بالله) فجعلهم برا وجعل الأشهر حجا لوقوعه فيها، وقالوا: ولكن ذا
البر، وقالوا: ولكن البر بر من آمن.
(ليس الفتى بفتى لا يستضاء به * ولا يكون له في الأرض آثار)
في سورة هود عند قوله تعالى (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) أي أمركم بالعمارة، والعمارة
متنوعة إلى واجب وندب ومباح ومكروه: فالواجب كسد الثغور والقناطر المبنية على الأنهر والمملكة
والمسجد الجامع في المصر، والمندوب كالمساجد والقناطر والمدارس والربط، والمباح كالبيوت التي يسكن فيها،
والحرام كأبنية الظلمة وغيرهم، وكانت ملوك فارس قد أكثرت من حفر الأنهار وغرس الأشجار وعمروا الأعمار
الطوال مع ما كان فيهم من عسف الرعايا، فسأل نبي من أنبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى إليه: أنهم
عمروا بلادي فعاش فيها عبادي. وعن معاوية بن أبي سفيان أنه أخذ في إحياء أرض في آخر أمره فقيل له؟ فقال:
ما حملني عليه إلا قول القائل:
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به * ولا يكون له في الأرض آثار
(رأيت رؤيا ثم عبرتها * وكنت للأحلام عبارا)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (إن كنتم للرؤيا تعبرون) قال في الكشاف: عبرت الرؤيا بالتخفيف هو
الذي اعتمده الأثبات، ورأيتهم ينكرون عبرت بالتشديد والتعبير والمعبر. قال: وقد عثرت على بيت أنشده
المبرد في كتاب الكامل رأيت رؤيا الخ، وعبرت الرؤيا: ذكرت عاقبتها وآخر أمرها، كما تقول عبرت النهر: إذا
قطعته حتى تبلغ آخر عرضه، ونحوه أولت الرؤيا إذا ذكرت مآلها.
أين كسرى كسرى الملوك أبو * ساسان بل قبله سابور
(ثم بعد الفلاح والملك والإمة * وارتهم هناك القبور)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (وادكر بعد إمة) على القراءة بكسر الهمزة، قال عدى: ثم بعد الفلاح
الخ: أي ما أنعم عليه بالنجاة فلاح الدهر بقاؤه. والأمة بكسر الهمزة: النعمة. يقول: أين عظماء الملوك الذين
كانوا في النعمة والحبور، سترتهم القبور ولا يدرى حالهم في التراب. ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قوله:
ألا لا أرى ذا نعمة أصبحت به * فتتركه الأيام وهى كما هيا
(دعوت لما نابني مسورا * فلبا فلبى يدي مسور)
في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفركم من ذنوبكم) أي يدعوكم لأجل
المغفرة كقوله دعوته لينصرني ودعوته ليأكل معي، ومنه قول الطغرائي:
407

فقلت أدعوك للجلى لتنصرني * وأنت تخذلني في الحادث الجلل
يقول: دعوت مسورا لينصرني لما نابني من الشدائد فقال لبيك: أي قريبا منك وطاعة، من قولك لبيت
بالمكان إذا أقمت به، ثم ثنى للتأكيد: أي أقمت عندك إقامة بعد إقامة وإجابة. وقيل لبى يديك:
أي سلمت يدك وصحتا من لب بالمكان لزمه. والمعنى: دعوته فأجابني، فكأنه دعا له بأن يكون مجابا كما كان
مجيبا: أي فأجاب والله دعاءه ونصره نصرا. وإقحام اليد للمبالغة وفى تثنيتها لطف وترشيح، وكان حقه أن يقول
يداك، فأراد ازدواج الكلام كما قالوا حياك وبياك وإنما هو بواك. وقائل الشعر أعرابي من بنى أسد، قالوا:
وفى البيت شذوذ وهو إضافته إلى ظاهر وهو نادر لأنه من الأسماء التي تلزم الإضافة إلى مضمر. وفى شرح
الكشاف: كتب ابن حبيب الكاتب فلبا الأولى بالألف والثانية بالياء على إضافتها إلى يدي إضافة المصدر إلى
المفعول، وصححه الصغاني ليعلم أن الأول فعل والثاني مصدر منصوب وعلامة النصب فيه الياء.
(لولا الحياء ولو ما الدين عبتكما * ببعض ما فيكما إذ عبتما عورى)
هو لابن مقبل. في سورة الحجر عند قوله تعالى (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون - لو ما تأتينا
بالملائكة إن كنت من الصادقين) كان هذا النداء منهم على وجه الاستهزاء كما قال فرعون (إن رسولكم الذي أرسل
إليكم لمجنون) وكيف يقرون بنزول الذكر عليه وينسبون إليه الجنون، والتعكيس في كلامهم للاستهزاء والتهكم
مذهب واسع نحو (فبشرهم بعذاب - إنك لأنت الحليم الرشيد) والشاهد في لو ركبت مع لا وما المبنيين معنى
امتناع الشئ لوجود غيره، ومعنى التحضيض كما قال ابن مقبل: أي هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك
ويعضدونك على إنذارك كقوله (لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) أو هلا تأتينا بالملائكة للعقاب على تكذيبنا
لك إن كنت صادقا كما كانت تأتى الأمم المكذبة برسلها. والشاعر يخاطب رجلين ويقول لهما: لولا الحياء ولولا
الدين عبتكما ببعض ما فيكما إذ عبتما عورى.
(يراوح من صلوات المليك * طورا سجودا وطورا جؤارا)
في سورة النحل عند قوله تعالى (فإليه تجأرون) والجؤار: رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة كما قال الأعشى
يرواح الخ. والمرواحة: عملان في عمل ذا مرة وذا مرة، والصلاة بمعنى الدعاء يقول: يراوح دعاء الله طورا يدعو
في السجود خفية وتارة يدعو جهارا وجؤارا، وقبل البيت:
وما آبلى على هيكل * بناه وصلب فيه وصارا
بأعظم منك تقى في الحساب * إذا النسمات نفضن الغبارا
يقول: وما راهب منسوب إلى آبل، وهو قيم البيعة على بيت صنم بناه وصور الصليب في ذلك الهيكل وصار
إليه يتابع من صلوات الله: أي من دعواته من راوح بين قدميه في الصلاة: إذا اعتمد على إحدى القدمين مرة
وعلى الأخرى أخرى، تارة يسجد سجودا وتارة يجأر جؤارا. بأعظم منك تقى في حساب يوم القيامة: إذا نفضت
النفوس الغبار عنهن عند البعث.
مالك عندي غير سهم وحجر * وغير كبداء شديدة الوتر
(جادت بكفي كان من أرمى البشر)
408

في سورة النحل عند قوله تعالى (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا) ويجوز أن يكون تتخذون
صفة موصوف محذوف كقوله * بكفى كان من أرمى البشر * تقديره: ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه
سكران ورزقا حسنا، كبد القوس ومقبضها، وقوس كبداء: أي غليظة الكبد بحيث يملأ مقبضها الكف جادت،
الضمير المؤنث المستتر يرجع إلى كبداء وجادت من الجودة: أي صارت جيدة: وقوله بكفى كان من أرمى البشر
أي بكفى رجل وفيه تجريد إذ أراد به نفسه، وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة والصافات عند قوله تعالى
(وما منا إلا له مقام معلوم) حيث حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه: أي ما منا أحد، ومن غيره:
كأنك من جمال بنى أقيش * يقعقع بين رجليه بشن
تقديره كأنك جمل، ومنه: * والله ما ليلى بنام صاحبه * أي بليل نام صاحبه.
(ينازعني ردائي عبد عمرو * رويدك يا أخا عمرو بن بكر
لي الشطر الذي ملكت يميني * ودونك فاعتجر منه بشطر)
في سورة النحل عند قوله تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع) حيث نظر إلى المستعار في لفظ الاعتجار، ولو
نظر إليه فيما نحن فيه لقيل: فكساهم لباس الجوع والخوف وأراد به قائم سيفه، وأما في قول كثير:
* غلقت لضحكته رقاب المال * فإنه نظر فيه إلى المستعار له حيث استعار الرداء للمعروف لأنه يصون عرض
صاحبه صون الرداء لما يلقى عليه. وصفه بالغمر الذي هو وصف المعروف والنوال، لا صفة الرداء نظرا إلى المستعار
له، ومن المقرر في محله أن اللفظ إن قرن بما يلائم المستعار له فمجردة كما في بيت كثير:
* غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا * وسيأتى، أو بما يلائم المستعار منه فمرشحة كما في البيت المذكور. قال
الجوهري: رويدك الكاف للخطاب لا موضع له من الإعراب: وتفسير رويدا مهلا، وتفسير رويدك أمهل:
قوله ودونك معناه خذ ومفعوله محذوف: أي دونك المتنازع واعتجر منه بشطره الآخر. والاعتجار: الاعتمام.
والمراد بالشطر الذي ملكته يمينه قائم بالسيف، وبالشطر الآخر صدره. والمعنى: ينازعني هذا الرجل سيفي
الذي أصون به نفسي وعرضى، فقلت له: أمهل في هذه المنازعة لأنى أقاسمك في هذا الطرف الذي في يميني وهو
قائم السيف، فخذه فاعتجر بطرفه الآخر وهو صدره، واستر به رأسك واقطع المعارضة، وهذا يشبه قول
الحماسي: لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبل * ولى منه ما ضمت عليه الأنامل
وقوله أيضا:
نقاسمهم أسيافنا شر قسمة * ففينا غواشيها وفيهم صدورها
(إني لها مطية لا تذعر * إذا الركاب نفرت لا تنفر
ما حملت وأرضعتني أكثر * الله ربى ذو الجلال الأكبر)
في سورة الإسراء عند قوله تعالى (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) " شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
سوء خلق أمه، فقال: لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر، قال: إنها سيئة الخلق، قال: لم تكن كذلك
حين أرضعتك حولين؟ قال: إنها سيئة الخلق، قال: لم تكن كذلك حين أسهرت لك ليلها وأظمأت لك نهارها؟
409

قال: لقد جازيتها. قال: ما فعلت؟ قال: حججت بها على عاتقي، قال: ما جزيتها ولو طلقة واحدة ". وعن
ابن عمر أنه رأى رجلا في الطواف يحمل أمه ويقول:
إني لها مطية لا تذعر * إذا الركاب نفرت لا تنفر
ما حملت وأرضعتني أكثر * الله ربى ذو الجلال الأكبر
تظنني جزيتها يا ابن عمر؟ قال: لا ولو زفرة واحدة. قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أبوى بلغا
من الكبر أن إلى منهما ما وليا منى في الصغر فهل قضيتهما حقهما؟ قال: لا، فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان
بقاءك، وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما ". وروى " أن صبيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبى
هذا له مال كثير، وإنه لا ينفق على من مال، فنزل جبريل عليه السلام وقال: إن هذا الشيخ قد أنشأ في ابنه أبياتا
ما قرعت سمعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك قلت أبياتا لم تسمعها أذناك فهات، فقال الرجل: زادنا الله
بك إيمانا يا رسول الله " وأنشد:
غذوتك مولودا وعلتك يافعا * تعل بما أجنى عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت * لسقمك إلا باكيا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي * طرقت به دوني فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها * لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي * إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة * كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتى * فعلك كما الجار المجاور يفعل
وسميتني باسم المفند فعله * وفى رأيك التنفيد لو كنت تعقل
تراه معدا للخلاف كأنه * برد على أهل الصواب موكل
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " أنت ومالك لأبيك ".
(كل قتيل في كليب غره * حتى ينال القتل آل مره)
في سورة الإسراء عند قوله تعالى (فلا يسرف في القتل) الضمير للولي: أي فلا يقتل غير القاتل، أو ولا
يقتل اثنين والقاتل واحد، وكانوا في الجاهلية إذا قتل واحد قتلوا به جماعة، قال: كل قتيل في كليب الخ، وكانوا
يقتلون غير القاتل إذا لم يكن بواء، والغرة: عبد أو أمة.
(عفت الديار خلافهم فكأنما * بسط الشواطب بينهن حصيرا)
في سورة الإسراء عند قوله تعالى (وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا) أي بعدك، يقال: عفت الديار تعفو،
والعفاء: الدروس، وخلافهم أي بعدهم، والشواطب: النساء اللاتي يشققن السعف للحصر، والشطب:
سعف النخل الأخضر. يصف دروس ديار الأحباب يعدهم غير منكوسة كأنها بسط فيها سعف النخل.
(بأرض فضاء ما يسد وصيدها * على ومعروفي بها غير منكر)
هو لزهير. في سورة الكهف عند قوله تعالى (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) وهو الفناء، وقيل العتبة،
410

وقيل الباب، ومنه بأرض فضاء الخ يصف إقامته في البدو وإفاضته للمعروف هنالك: أي نزلت بأرض لا يسد
بابها على ومعروفي بها وإحساني معروف ومشهور غير منكر عندهم.
قد لقى الأقوام منى نكرا * (داهية دهياء إدا إمرا)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا) أتيت أمرا عظيما، من أمر
الأمر: إذا عظم. الداهية: شدائد الدهر، والدهياء: مبالغة في الشدة. وإدا: أي منكرا، وإمرا: عظيما.
(فإن يك ظني صادقا وهو صادقي) * بشملة يحبسهم بها محبسا وعرا
البيت لكنزة أم شملة بن برد المنقري. في سورة الكهف عند قوله تعالى (يريد أن ينقض) يقول: إن يك
ظني بشملة صادقا يحبسهم: أي القوم الذين قتلوا أبا شملة بتلك المعركة محبسا وعرا يدرك فيه ثأر أبيه، والمراد بالظن
الفراسة، وقبل البيت:
لهفي على القوم الذين تجمعوا * بذى السيد لم يلقوا عليا ولا عمرا
(أبت الروادف والثدي لقمصها * مس البطون وأن تمس ظهورا)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (جدارا يريد أن ينقض) كنى عند نهود الثدي وثقل الروادف بذلك.
الردف: الكفل والروادف جمعه. والقمص جمع القميص. يصفها بأنها ناهدة الثدي أنيقة الخصر لطيفة البطن
عظيمة الكفل، فالثدي منع القميص أن يلتصق ببطنها، والردف منع القميص أن يلتصق بظهرها، فبين بالتفسير
في عجز البيت ما لفه في صدره، لأنه لف في المصراع الأول الخبرين لفا ثم رمى بتفسيرهما جملة ثقة بأن السامع
يرد إلى كل ماله، والبيت من أبيات الحماسة، وبعده:
وإذا الرياح مع العشى تناوحت * نبهن حاسدة وهجن غيورا
(إني أتتني لسان لا إسر بها * من علو لا عجب منها ولا سخر)
فجاشت النفس لما جاء فلهم * وراكب جاء من تثليث معتمر
في سورة مريم عند قوله تعالى (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) ولسان الصدق: الثناء، وعبر باللسان عما يوجد
باللسان كما عبر باليد عما يطلق باليد وهى العطية. وأراد الشاعر الرسالة، ولسان العرب: لغتهم وكلامهم.
والبيت لأعشى باهلة، وكان قد أتاه خبر مقتل أخيه المنتشر. قال في الصحاح: التأنيث للكلمة. وجاشت:
غلت. وفلهم: فئتهم الذين نجوا من الهزيمة. وتثليث: اسم موضع. ويعنى بالراكب المعتمر: الناعي الذي جاء
ينعى المنتشر:
(بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا (1) * وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا)
في سورة مريم عند قوله تعالى (ورفعناه مكانا عليا) عن النابغة الجعدي " أنه لما أنشد رسول الله صلى الله
عليه وسلم هذا الشعر قال له: إلى أين يا أبى ليلى؟ قال: إلى الجنة بك يا رسول الله، فقال: لا يفضض الله فاك "

(1) قوله (مجدنا وسناءنا) مفعولان. المشهور في البيت وهو الصواب أن مجدنا بدل من ضمير الفاعل في بلغنا وسناءنا معطوف
عليه فليعلم.
411

فعاش مائة وعشرين سنة، وكان إذا سقط له سن نبتت، وكانت أسنانه كالمبرد أو كالبرد. ولا يفضض الله فاك:
أي أسنان فيك، ومجدنا وسناءنا مفعولان، وقبل البيت:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له * بوادر تحمى صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
والبادرة: الكلمة تصدر حالة الغضب * أي من لم يقمع السفيه استضعف.
إني إذا مضر على تحدثت (1) * (لاقيت مطلع الجبال وعورا)
هو لجرير. في سورة مريم عند قوله تعالى (اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا) من قولهم: اطلع الجبل:
إذا طلع إلى أعلاه كما في البيت. قال في الكشاف: يقولون مر مطلعا لذلك الأمر: أي عاليا له مالكا له، ولاختيار
هذه الكلمة شأن. والوعر: المكان الصعب والوعور جمعه وهو مفعول لاقيت. ومطلع الجبال ظرف: أي إذا
تحدثت على مضر على سبيل الغضب أو تقولت على ما لا أرتضيه لاقيت رؤوس الجبال التي هي بمثابة الحصون
وعورا لا أقدر على الطلوع إليها والتحصن بها منهم، أو لقيت في مطلع الجبال وعورا تمنعني منهم أو تمنعهم منى
فلا يقدرون على. ويجوز أن يكون حالا من الجبال على أن المطلع مصدر بمعنى الاطلاع، وقد يجعل حالا من
المطلع، وكأنه جعل متعددا لإضافته إلى متعدد، ولا يبعد فإن لكل جبل مطلعا. ويروى وعورا بفتح الواو.
وكأن هذا القائل من أجل ذلك الوعيد رأى الحزم في العزم على الهرب إلى المكان البعيد، ورأى من الرأي أن يقتحم
عقابا، ووجد لغيظ مضر كل الناس غضابا، كما وقع لدعبل الخزاعي لما هجا ابن هارون الرشيد لم ير بدا من
الهرب من بغداد إلى أسوان وهى بلدة في أعلى الصعيد. فانهزم من بغداد وتسحب وخرج منها خائفا يترقب.
وأنشد:
وإن امرأ أضحت مطارح همه * بأسوان لم يترك من الحزم معلما
حللت محلا يحسر الطرف دونه * ويعجز عنه الطيف أن يتجشما
وقد تذكر محرره عند كتابة هذا المحل والحال قول من قال:
إذا مضر الحمراء كانت أرومتي * وقام بنصري حازم وابن حازم
عطست بأنف شامخ وتناولت * يداي الثريا قاعدا غير قائم
فتعجب من غلو هذا القائل، وعلو عمة هذا المتناول. وبالجملة ففرق بين المقامين، وشتان ما بين اليزيدين، وقد
دل ذلك على اختلاف المطالع وشرف الطالع، وعلى كل حال فلا تتساوى في الأكف الأصابع، ولأجل ذلك قيل:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتت * لدى الفضل حتى عد الألف بواحد
(غلام رماه الله بالحسن يافعا * له سيمياء لا تشق على البصر
كأن الثريا علقت فوق نحره * وفى أنفه الشعرى وفى خده قمر)
في سورة طه عند قوله تعالى (أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم) فإن القذف يقال للإلقاء وللوضع كقوله

(1) قوله في البيت (تحدثت) هكذا في الأصل وفى اللسان: تحددت بالموحدة بعد الدال وليحرر، كتبه مصححه.
412

(وقذف في قلوبهم الرعب) وكذلك الرمي كقوله غلام رماه الخ. رماه الله: أي جعل فيه الحسن، لأن الرمي
يستعمل في معنى الإلقاء، يقال غلام يافع: أي شاب، والسيمياء العلامة.
(إني وأسطار سطرن سطرا * لقائل يا نصر نصر نصرا)
هو لرؤبة. في سورة المؤمنين عند قوله تعالى (إن هذا إلا أساطير الأولين) السطر: الصف من الشئ،
والسطر: الخط والكتابة، والجمع أسطار، مثل سبب وأسباب كما في بيت روبة، ثم يجمع على أساطير، وجمع
السطر أسطر وسطور مثل أفلس وفلوس. وقوله يا نصر نصرا كقوله يا زيد زيد زيدا، فالرفع على اللفظ
والنصب على الموضع، ويجوز أن يكون نصر الثالث منصوبا على المصدر كأنه قال انصر نصرا.
(لهن نشيج بالنشيل كأنها * ضرائر حرمي تفاحش غارها)
في سورة النور عند قوله تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة) الضمير في لهن للقدور ونشيج: أي
صوت، يقال طعنة ناشجة يسمع صوتها عند خروج الدم منها، ونشج الباكي ينشج، والقدر تنشج عند الغليان،
والنشل: لحم يطبخ بلا توابل: أي يخرج ويجذب فعيل بمعنى مفعول. والضرتان: امرأتا الرجل والجمع ضرائر،
وسميتا بذلك لأن كل واحدة تريد ضر صاحبتها. والحرمي منسوب إلى حرم مكة وتفاحش غارها: أي أفرطت
غيرتها، والفاحش ما أفرط قبحه.
(ولقد لهوت بطفلة ميالة * بلهاء تطلعني على أسرارها)
في سورة النور عند قوله تعالى (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات) لهوت فأنا ألهو به: أي لعبت
من اللهو واللعب. والطفلة بفتح الطاء: المرأة الناعمة، وطفلة الأنامل رخصتها. وميالة: أي مختالة، ويقال غصن
ميال وبلهاء من البله: وهى التي لا مكر فيها ولا دهاء، وكذلك البله من الرجال في قوله عليه الصلاة والسلام
" أكثر أهل الجنة البله ".
(ما زال مذ عقدت يداه إزاره * وسما فأدرك خمسة الأشبار
يدنى خوافق من خوافق تلتقي * في ظل معتبط الغبار مثار)
هو للفرزدق. في سورة النور عند قوله تعالى (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) أي الصبيان. والسن التي يحكم
فيها بالبلوغ، قال أبو حنيفة: ثماني عشرة سنة في الغلام، وسبع عشرة سنة في الجارية وعامة العلماء على خمس
عشرة سنة فيهما. وعن علي رضي الله عنه أنه كان يعتبر القامة وقدره بخمسة أشبار، وبه أخذ الفرزدق في قوله
يمدح يزيد بن المهلب في مرثية له. وسما من السمو: أي بلغ الرفعة وأدرك: أي لحق. وخمسة الأشبار يحتمل أن
يكون مراده ارتفاع قامته وأن يكون موضع قبره من الأرض كما قيل:
عجبا لأربع أذرع في خمسة * في جوفه جبل أشم كبير
وفى معناه بيت التهامي:
جاورت أعدائي وجاور ربه * شتان بين جواره وجوارى
فالشرق نحو الغرب أقرب شقة * من بعد تلك الخمسة الأشيار
(قالت وفيها حيدة وذعر * عوذ بربى منكم وحجر)
413

في سورة الفرقان عند قوله تعالى (ويقولون حجرا محجورا) وهى كلمة يتكلمون بها عند لقاء عدو أو هجوم
نازلة هائلة يضعونها موضع الاستعاذة حيث يطلبون من الله تعالى أن يمنع المكروه فلا يلحقهم، وكسر الحاء
تصرف (1) فيه لاختصاصه بموضع واحد كما في قعدك وعمرك وعليه الرجز المذكور. والحيدة: الصدود،
وذعر: خوف، والحجر: العوذ من حجره إذا منعه، لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه فلا يلحقه:
فكأن المعنى: أسأل ربى أن يمنع ذلك ويحجره حجرا.
(ألكني إليه وخير الرسو * ل أعلمهم بنواحي الخبر)
وهذا البيت لم يذكر في شرح الشواهد عند قوله تعالى في سورة الشعراء (فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب
العالمين) حيث أفرد الرسول لأنه يكون بمعنى المرسل أو بمعنى الرسالة فجعل في قوله (إنا رسولا ربك) بمعنى المرسل
فلم يكن بد من تثنيته، وجعل ههنا بمعنى الرسالة فجازت التسوية فيه إذا وصف به بين الواحد والتثنية والجمع
كما يفعل في الصفة بالمصادر نحو صوم وزور. وقال: ألكني الخ. المألكة والألوكة: الرسالة، وكذلك المألك
والمألكة بضم اللام فيهما، وقالوا ألكني: أي تحمل رساتلي إليه، قال أبو زيد: ألكته أليكة وإلاكة: إذا
أرسلته، قال لبيد:
وغلام أرسلته أمه * بألوك فبذلنا ما سأل
أرسلته فأتاه رزقه * فاشتوى ليلة ريح واجتمل
(وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا * لقلبك يوما أتعبتك المناظر)
رأيت الذي لا كله أنت قادر * عليه ولا عن بعضه أنت صابر
هو من أبيات الحماسة. في سورة النمل عند قوله تعالى (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد
إليك طرفك) أي لما كان الناظر موصوفا بإرسال الطرف وصف برد الطرف ووصف الطرف بالارتداد، ومعنى
قوله (قبل أن يرتد إليك طرفك) أنك ترسل طرفك إلى شئ فقبل أن ترده أبصرت العرش بين يديك. قال بعض
الحكماء: من أرسل طرفه استدعى حتفه. والرائد: الذي يتقدم القوم فيطلب الماء والكلأ لهم، ولذلك قيل في المثل:
الرائد لا يكذب أهله، لأنه إن كذبهم هلك معهم. والمعنى: إذا جعلت عينك رائدا بقلبك تطلب له الهوى والبلوى
أتعبك نظرت وأوقعك مواردها في أشق المكاره، وذلك أنها تهجم بالقلب في ارتيادها على ما لا تصبر في بعضه
على مذاقه مع تهيؤ اشتياقه ولا تقدر على السلو عن جميعه، فهو ممتحن الدهر ببلوى ما لا يقدر على كله ولا يصبر
عن بعضه، والجناية في ذلك للعين لكونها قائدة الفؤاد وسائقته إلى الردى وهادية لدواعي الحب إليه: ولما كان
الناظر (2) موصوفا بإرسال الطرف وصف برد الطرف في قوله (قبل أن يرتد إليك طرفك).
(ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر * ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
وبح باسم من تهوى ودعني من الكنى * فلا خير في اللذات من دونها ستر)
في سورة النمل عند قوله تعالى (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون) يبصر بعضكم بعضا

(1) وكسر الحاء تصرف الخ. عبارة الكشاف ومجيئه على فعل أو فعل في قراءة الحسن تصرف الخ، كتبه مصحه.
(2) ولما كان الناظر الخ: هذه عبارة مكررة مع ما سبق، كتبه مصححه.
414

انهماكا في المعصية، وكأن أبا نواس بنى على مذهبهم قوله: فبح باسم من تهوى. البوح: ظهور الشئ، يقال
باح ما كنتم: أي ظهر، وباح به صاحبه: أي أظهره. وقوله ودعني من الكنى، يقال كنى فلان عن أمر كذا
يكنى: إذا تكلم بغيره:
(تنظرت نصرا والسماكين أيهما * على من الغيث استهلت مواطره)
هو للفرزدق في سورة القصص عند قوله تعالى (أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على) حيث قرئ أيما
بسكون الياء كما في البيت. قالوا: وأكثر ما يجئ ذلك في الشعر كقول الشاعر:
وكائن رددنا عنكم من مدجج * يجئ إمام القوم يردى مقنعا
وكقوله:
وكائن إليكم قاد من رأس فتنة * جنودا وأمثال الجبال كتائبا
وقول جرير:
وكائن بالأباطح من صديق * يراني لو أصبت هو المصابا
تنظرت: أي انتظرت، والمنظور: الذي يرجى خيره، والسماكان نجمان: السماك الأعزل وهو الذي
لا شئ بين يديه، والسماك الرامح وهو الذي بين يديه الكواكب. وهل السحاب واستهل: إذا انصب شديدا
ونصر اسم الممدوح، ومن للبيان. يقول: انتظرت نصرا ونوء السماكين أيهما استهلت مواطره على من الغيث لأنى
لم أفرق بين نصر وبين السماكين في الجود، والضمير في مواطره راجع إلى أي، والمواطر جمع ماطرة وهو بمعنى
المطر، وأيهما أصله أيهما فسكن الياء لضرورة الشعر وفيه حذف تقديره لأعلم أيهما، فإن كانت ما استفهامية فهو
في محل المفعول الأول وما بعده المفعول الثاني، وإن كان موصولا فهو المفعول وما بعده صلة ويكون العلم بمعنى
المعرفة.
(باتت حواطب ليلى يلتمسن لها * جزل الجذى غير خوار ولا دعر)
هو لابن مقبل. في سورة القصص عند قوله تعالى (أو جذوة من النار) باللغات الثلاث بفتح الجيم وكسرها
وضمها وكلها بمعنى واحد، وكذلك جمعها مثلث: وهو العود الغليظ كانت في رأسه نار أو لم تكن، وهى بلغة
جميع العرب، وليس المراد هنا إلا ما في رأسه نار، وحواطب: ليل الجواري اللاتي يطلبن الحطب، والجزل:
الحطب اليابس وما عظم منه، وأنشد أحمد بن يحيى:
فويها لتدرك ويها لها * إذا اختير في المحل جزل الحطب
والخوار: الضعيف الذي لا بقاء له على الشئ، وهو في كل شئ عيب إلا في قولهم ناقة خوارة كثيرة اللبن،
ونخلة خوارة كثيرة الحمل، ولا دعر بالدال المهملة مصدر من قولك دعر العود بالكسر يدعر دعرا فهو عود دعر
والدعر الكثير الدخان، ويكون أيضا السوس ومنه أخذت الدعارة وهو الفسق والخبث.
(وى كأن من يكن له نشب يح‍ * بب ومن يفتقر يعش عيش ضر)
في سورة القصص عند قوله تعالى (ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء) إلى قوله (ويكأنه لا يفلح الكافرون)
وى مفصولة عن كأن، وهى كلمة تنبه عن الخطأ وتندم. نشب: أي مال، ويحبب جواب من. والمعنى: اعلم
أن الغنى محبوب في الناس، والفقير يعيش في الناس عيش ذل وضر. والمصراع الأول إلى قوله يح وهو من
الخفيف، وقبله:
415

سألتاني الطلاق أن رأتاني * قل مالي قد جئتماني بنكر
أرقت وصحبتي بمضيق عمق * ليرق من تهامة مستطير
سقوني الخمر ثم تكنفوني * عداة الله من كذب وزور
(فقالوا ما تشاء فقلت ألهو * إلى الإصباح آثر ذي أثير)
في سورة الروم. عند قوله تعالى (ومن آياته يريكم البرق خوفا) فإن الفعل إما أن يقدر بأن كما في قوله:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى
أي أن أحضر أو ينزل منزلة المصدر أو هو على حاله صفة لمحذوف: أي أنه يريكم البرق كقوله:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما * أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
أي منهما تارة أموت فيها وأخرى أبتغي فيها أي من آياته شئ أو سحاب يريكم البرق، ويقال في المثل: آثر
ذي أثير: أي أول كل شئ مؤثرا له. ومعناه: قالوا ما تشاء؟ قلت أن ألهو أو اللهو إلى الصبح. آثر كل شئ
يؤثر فعله، ففي ألهو إضمار وإنزال الفعل منزلة المصدر، وبهما فسر المثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
(وكل خليل غير هاضم نفسه)
هو للشماخ. في سورة الروم عند قوله تعالى (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون)
أي كل منهم فرح بمذهبه مسرور يحسب باطله حقا، فالظاهر أنه خبر كل حزب، وجوز الزمخشري أن يرتفع
وصفا لكل كقوله: وكل خليل الخ. قال أبو حيان: قدر أولا فرحين مجرورا صفة لحزب، ثم قال: ولكنه
رفع على الوصف لكل لأنك إذا قلت من قولك (1) كل رجل صالح جاز في صالح الخفض نعتا لرجل وهو
الأكثر كقوله:
جادت عليه كل عين ثرة * فتركن كل حديقة كالدرهم
وجاز الرفع نعتا لكل كقوله:
ولهت عليه كل معصفة * هو جاء ليس للبهازير
برفع هو جاء صفة لكل، وعجز البيت على ما نقل عن المصنف * فبالصد والإعراض عنه جدير وفى
رواية * لوصل خليل صارم أو مصادر * والمصادرة المجانبة: يعنى كل خليل لا يكسر نفسه لصاحبه ولا
يتحمل منه الأذى في نيل وصاله يؤدى به ذلك إلى الصرم والمجانبة، وهذا من الأبيات التي ذكر صدرها ولم
يذكر عجزها، وفى معنى البيت قوله:
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته * على طرف الهجران إن كان يعقل
ويركب حد السيف من أن تضيمه * إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل
وأما من قابل الإساءة بالإحسان، وعفا عفو الذهلي وقال القوم إخوان، اختار ما هو الأولى والأحرى
في الأولى والأخرى، وأحسن وتجمل وأغضى وتحمل، وعلم أن العذر عند كرام الناس مقبول وعمل بقول من يقول:

(1) (من قولك) كذا في الأصل وحرز هذه العبارة، كتبه مصححه.
416

إذا ما بدا من صاحب لك زلة * فكن أنت محتالا لزلته عذرا
وعلى كل حال فلله در من قال (هو النابغة الذبياني):
ولست بمستبق أخا لا تلمه * على شعث أي الرجال المهذب
(وإنك لو رأيت أبا عمير * ملأت يديك من غدر وختر)
في سورة لقمان عند قوله تعالى (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) الختر أشد الغدر، ومنه قولهم: إنك
لا تمد لنا شبرا من غدر إلا مددنا لك باعا من ختر. يريد المبالغة في وصف غدر أبي عمير. روى " أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم رأى رجلا عد بأصابع يده اليمنى: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وبأصابع يده اليسرى اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني، فقال له
صلى الله عليه وسلم: ملأت يديك خيرا " فعلى القياس: من عد معايب أحد بأصابع يديه ملأ يديه شرا، فكأن القائل
ينبه أن في أبي عمير عشرا من الأخلاق الذميمة.
(ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة * يرى غمرات الموت ثم يزورها)
هو من أبيات الحماسة، وبعد البيت:
نقاسمهم أسيافنا شر قسمة * ففينا غواشيها وفيهم صدورها
في سورة السجدة عند قوله تعالى (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها) والمعنى: أن الإعراض عن
مثل آيات الله في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل بعد التذكير بها مستبعد جدا كما في البيت، فإنه
استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدتها: أي لا يكشف الخصلة الشديدة إلا رجل
كريم يرى قحم الموت ثم يتوسطها لا يعدل عنها، وإنما قال ابن حرة ليصير مهيجا لأنفته، وفي إيثار لفظ الزيارة
وإشعاره بأنه يلاقيها لقاء معظم لمحبوبه من المبالغة ما لا يخفى. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الجاثية عند قوله
تعالى (ثم يصر مستكبرا) من حيث أن معنى ثم الإيذان بأن فعل المقدم عليها بعد ما رآها وعاينها شئ مستبعد في
العادات والطباع، وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق من تليت عليه وسمعها كان مستبعدا في العقول إصراره
على الضلالة عندها واستكباره عن الإيمان بها.
(أيادي سبا يا عز ما كنت بعدكم * فلم يحل للعينين بعدك منظر)
هو لكثير عزة. في سورة سبأ عند قوله تعالى (لقد كان لسبأ في مساكنهم آية جنتان) إلى آخر الآية، فإنهم
لما عدوا النعمة نقمة والإحسان إساءة جعلناهم أحاديث ومزقناهم في البلاد، فصار يضرب بهم المثل فيقال:
تفرقوا أيدي سبا، وصاروا أيدي سبا، قال الشاعر:
ألموا بدار فرق الدهر أهلها * أيادي سبا في شرق أرض ومغرب
يا عز أصله يا عزة وهي اسم معشوقته، وما للدوام. والحلو من الرجال والنساء: ما تستحليه العين، تقول
حلى بعيني حلاوة. والمراد بالأيدي الأولاد، لأن الأولاد أعضاد الرجل لتقويه بهم، وفي المفصل: أن الأيدي
الأنفس كناية أو مجازا. واستشهد به على أنه أجرى مجرى المثل ولهذا استعمل في المفرد.
(تمنى نئيشا أن يكون أطاعني * وقد حدثت بعد الأمور أمور)
في سورة سبأ عند قوله تعالى (وأنى لهم التناوش) قوله نئيشا: أي أخيرا، من قولهم: نأشت إذا أبطأت
417

وتأخرت. يقول: إن صاحبي تمنى أخيرا أن يكون أطاعني فيما نصحته وأشرت إليه أولا، والحال أنه قد حدثت
أمور بعد أمور دلت على رشادي وصدق رأيي.
(مشق الهواجر لحمهن مع السرى * حتى ذهبن كلا كلا وصدورا)
هو لجرير. في سورة الملائكة عند قوله تعالى (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) على تقدير أن يكون حسرات
حالا على المبالغة، كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر: أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها كقوله:
فعلى إثرهم تساقط نفسي * حسرات وذكرهم لي سقام
وكونها حالا هو قول سيبويه، ويجوز أن يكون حسرات مفعولا له: أي لأجل الحسرات، وعليهم صلة
تذهب، ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته. يقال: فرس ممشوق: فيه طول وقلة لحم،
وجارية ممشوقة حسنة القوام قليلة اللحم. حتى ذهبن: أي رجعن. والكلاكل: يعنى أن كثرة السير في الهواجر
والسري في الدياجر برى لحم تلك الآبال بسرعة.
دعوت إلهي دعوة ما حملتها * وربى بما تخفى الصدور بصير
(لئن كان يهدى برد أنيابها العلى * لأفقر منى إنني لفقير)
فما أكثر الأخبار أن قد تزوجت * فهل يأتيني بالطلاق بشير
في سورة يس عند قوله تعالى (وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) أي بليغ في بابه واستقامته، جامع لكل
شرط يجب أن يكون عليه لا صراط أقوم منه. ونحو التنكير فيه ما في قول كثير: إنني لفقير. أراد إنني لبليغ في
الفقر حقيق بأن أوصف به لكمال شرائطه في وإلا لم يستقم معنى البيت. وقوله يهدى: إما من الإهداء وهو
الإتحاف، أو من الهداء وهو الزفاف. وقوله أنيابها العلى: يريد بها الشريفة العالية الشأن، ويجوز أن يراد بها
الأعالي من الأسنان لأنها موضع القبل. وقوله إنني لفقير، والمعنى: إن كان يعطى برد أنيابها وطيب رضابها لمن
هو أفقر منى إليها فإنني لفقير مطلقا: أي لا غاية وراء فقري. ومعنى البيت الأخير: كثر في أفواه الناس الإخبار
بتزوجها واشتغالها ببعلها عن غيره، فهل يأتيني بشير بتطليقها، وهذا ليس باستفهام وإنما هو تمن. وقد استشهد
بالبيت المذكور أيضا في سورة الطارق عن قوله تعالى (إنه على رجعه لقادر).
(أصبحت لا أملك السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا)
والذئب أخشاه إن مررت به * وحدي وأخشى الرياح والمطرا
قائله الربيع بن منيع، قال أبو حاتم: كان من أطول من كان قبل الإسلام عمرا، عاش ثلاثمائة وأربعين سنة
ولم يسلم، وقال حين بلغ مائة وأربعين سنة:
أصبح منى الشباب مبتكرا * إن ينأ عني فقد ثوى عصرا
فارقنا قبل أن نفارقه * لما قضى من جماعنا وطرا
وبعده البيتان. في سورة يس عند قوله تعالى (فهم لها مالكون) إذ فسر قوله (لها مالكون) أي ضابطون
قاهرون كقوله: أصبحت لا أملك السلاح الخ: أي لا أضبطه، وهو من جملة النعم الظاهرة، وإلا فمن كان يقدر
عليها لولا تذليله وتسخيره لها. سئل أبو المهزم كيف أصبحت؟ فأنشد البيتين.
418

وقد عظم البعير بغير لب * فلم يستغن بالعظم البعير
يصرفه الصبى بكل وجه * ويحبسه على الخسف الجرير
(وتضربه الوليدة بالهراوي * فلا غير لديه ولا نكير)
في سورة يس عند قوله تعالى (فهم لها مالكون) وهو من جملة النعم الظاهرة، وإلا فمن كان يقدر عليها لولا
تذليله وتسخيره. والخسف: الذل. والجرير: حبل يتخذ للبعير كالعذار للدابة وليس الزمام، وبه سمى الرجل
جريرا. والهراوي جمع هراوة: وهي العصا. والمعنى: ترى البعير من عظمه وقوته ما لم يصحب عظم اللب وقوة
التمييز لم يستغن بما أعطى من ذلك، بل تراه مسخرا للصبي على وجه التذلل، وأن الوليدة تضربه أوجع الضرب فلا
إنكار منه ولا ذهاب عنه ولا تغير إليه ولا نكير لديه. حكى عن عند الملك بن مروان أنه كان يحب النظر إلى كثير
عزة، فلما ورد عليه إذا هو حقير قصير تزدريه العين، فقال عبد الملك: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه،
فقال: مهلا يا أمير المؤمنين، فإنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه إن نطق نطق ببيان، وإن قاتل قاتل بجبان، وأنا
الذي أقول:
وجربت الأمور وجربتني * وقد أبدت عريكتي الأمور
وما تخفى الرجال علي إني * بهم لأخو مثاقبة خبير
ترى الرجل النحيف فتزدريه * وفى أثوابه أسد زئير
ويعجبك الطرير فتبتليه * فيخلف ظنك الرجل الطرير
وما عظم الرجال لهم بزين * ولكن زينها كرم وخير
بغاث الطير أطولها جسوما * ولم تطل البزاة ولا الصقور
* وقد عظم البعير بغير لب *
إلى آخر الأبيات، وبعدها:
وعود النبع ينبت مستمرا * وليس يطول والقصباء خور
(لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم * لبئس الندامى أنتم آل أبجرا)
هو للأبيوردي. في سورة الصافات عند قوله تعالى (لا يصدعون عنها ولا ينزفون) يقال أنزف القوم: إذا
انقطع شرابهم: أي صار ذا نزف، ونظيره أقشع السحاب وقشعته الريح: أي دخل في القشع، ونزف منه الدم:
إذا خرج منه دم كثير حتى يضعف، ونزف الرجل في الخصومة: إذا انقطعت حجته. يخاطب أهل أبجر ويقسم
ويقول: بئس الندامى أنتم سكرى أو صاحين.
جد بالوفاق لمشتاق إلى سهره * (إن لم تجد فحديث ما على قصره)
في سورة ص عند قوله تعالى (جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب) من جهة أن ما مزيدة وفيها معنى
الاستعظام كما في قول امرئ القيس:
(ألف الصفون فما يزال كأنه * مما يقوم على الثلاث كسيرا)
419

في سورة ص عند قوله تعالى (إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد) الصافن: الذي يقف على طرف
سنبك يد أو رجل، وأما الضافن بالضاد: فالذي يجمع بين يديه: أي كأنه من جنس ما يقوم على ثلاث قوائم
حال كونه مكسور القائمة الأخرى. قال ابن الحاجب في أماليه: هذا البيت يوهم أن كسيرا خبر لكأن في المعنى
أو يسبق إلى الفهم أنه يشبهه لشدة رفعه إحدى قوائمه بكسير، وأن قوله مما يقوم على الثلاث يقرر سبب تشبيهه به
فكأنه قال: كسير من أجل دوام قيامه على الثلاث. ويلزم على هذا أن يكون نصب كسير كفا، فينبغي أن يطلب
له وجه لا يصح في الإعراب ولا يخل المعنى فنقول: إن أخبر بقوله مما يقوم وما بمعنى الذي فكأنه قال: كأنه
من
الخيل الذي يقوم على الثلاث وكسيرا حال من الضمير وذكر يقوم إجراء له على لفظة ما: أي يشبه بالخيل الذي
يقوم على الثلاث في حال كونه مكسورا إحدى قوائمه، فاستقام المعنى المراد على هذا ووجب نصب كسيرا على
الحال، ولا يستقيم أن يكون خبرا ليزال، وأطال الكلام في توجيه ذلك.
إن العفاة غدوا ببابك عكفا * (لم يبرحوا إن العطاء يسار)
في سورة ص عند قوله تعالى (وآخرين مقرنين في الأصفاد) قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: من
برك فقد أسرك، ومن جفاك فقد أطلقك. وقال المتنبي:
وقيدت نفسي في ذراك محبة * ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا
إن العفاة بالسيوب قد غمر * (حتى أحزألت زمر بعد زمر)
في سورة الزمر عند قوله تعالى (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا) الزمر: الأفواج المتفرقة بعضها في أثر
بعض، ومنه قيل شاة زمرة: قليلة الشعر، ورجل زمر: قليل المروءة. والسيوب: الركاز جمع سيب مثل فلس
وفلوس. والسيب: العطاء، ومنه قول أبى الطيب:
ومن الخير بطء سيبك عنى * أسرع السحب في المسير جهام
واحزأل بالحاء المهملة: ارتفع في السير.
(وإذا ما أشاء أبعث منها * آخر الليل ناشطا مذعورا)
في سورة حمعسق عند قوله تعالى (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) على دخول إذا على المضارع كما تدخل
على الماضي، قال الله تعالى (والليل إذا يغشى)، ومنه (إذا يشاء قدير) وقوله: وإذا ما أشاء أبعث منها الخ.
والمذعور من الذعر: وهو الفزع. منها: أي من المطية، ومن تجريدية. والناشط: الثور الوحشي يخرج من
أرض إلى أرض. يعنى لو أريد أبعث ناقتي للسير حتى تسرع كأنها ناشط مذعور، وإنما قال مذعورا لأنه إذا
طوف كان أسرع سيرا.
(وإن صخرا لمولانا وسيدنا * وإن صخرا إذا نشتو لنحار
أغر أبلج تأتم الهداة به * كأنه علم في رأسه نار)
هو للخنساء في أخيها صخر. في سورة الرحمن عند قوله تعالى (وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام) كأنها
تقول: إنه إذا دخل في الشتاء والشدة ينحر الإبل كثيرا للأضياف. والأغر: الأبيض، والأبلج: الطلق الوجه
420

بالمعروف. والهادي من كل شئ: أوله ولذلك قيل هوادى الخيل إذا بدت أعناقها، لأنها أول الشئ من
أجيادها، كأنه علم: أي رأس جبل: أي كأنه في الظهور والوضوح جبل في رأسه نار.
(وأقرنت ما حملتني ولقلما * يطاق احتمال الصد ياد عد والهجر)
في سورة الزخرف عند قوله تعالى (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) مطيقين، قال ابن هرمة:
وأقرنت ما حملتني الخ، أقرن الشئ: إذا أطاقه، وحقيقة أقرنه وجده قرينته وما يقرن به لأن الصعب لا يكون
قرينة الضعيف. وصد صدودا: إذا أعرض. والهجر: ترك ما يلزمك تعاهده. يقول: قلما يطاق احتمال الصد
والهجران معا وقد أطقت ذلك.
(ناري ونار الجار واحدة * واليه قبلي تنزل القدر
ما ضرني جار أجاوره * أن لا يكون لبابه ستر
أعشو إذا ما جارتي برزت * حتى يوارى جارتي الخدر)
هو لحاتم الطائي. في سورة الزخرف عند قوله تعالى (ومن يعش عن ذكر الرحمن) إذا صدرت عن الشئ
إلى غيره قلت عشوت عنه ومنه الآية، وهذا أشهر من قول الحطيئة:
* متى تأته تعشو إلى ضوء ناره *
لأنه قيد بالوقت وأتى بالغاية وما هو خلقي لا يزول، أخبر عن نفسه بحسن المجاورة وأن جاره آمن في كل
أسبابه في نفسه وأهله وماله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه " وقوله
أعشو: أي أنظر نظر العشى، وما زائدة. ومن عفة حاتم ما روى أبو عبيدة قال: خرج رجل من بنى غني
وكان مصاحبا لحاتم، فأوصى حاتما بأهله فكان يتعاهدهم، فإذا جزر بعث إليهم من أطايبها وغير ذلك، فراودته
امرأة الرجل فاستعصم، فلما قدم زوجها أخبرته أن حاتما أرادها، فبلغه ذلك من قبل امرأته فأنشأ يقول:
وما تشتكيني جارتي غير أنني * إذا غاب عنها زوجها لا أزورها
سيبلغها خيري ويرجع بعلها * إليها ولم تسبل علي ستورها
فلما سمع الرجل ذلك عرف أن حاتما برئ فطلق امرأته. ومما يجرى مجرى هذه الأبيات ويقاربها في المعنى
قول بعضهم (هو حميد بن ثور الهلالي):
وإني لعف عن زيارة جارتي * وإني لمشنوء إلي اغتيابها
إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها * زءورا ولم تنبح علي كلابها
وما أنا بالداري أحاديث بيتها * ولا عالم من أي حوك ثيابها
وإن قراب البطن يكفيك ملؤه * ويكفيك سوآت الأمور اجتنابها
ومما نحن فيه قول حاتم أيضا:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له * أكيلا فإني لست آكله وحدى
وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا * وما في إلا تلك من شيمة العبد
421

(إن يسألوا الخير يعطوه وإن جهدوا * فالجهد يخرج منه أطيب أخبار
هينون لينون أيسار ذوو كرم * سواس مكرمة أبناء أيسار
لا ينطقون عن الفحشاء إن نطقوا * ولا يمارون من ماري بإكثار
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم * مثل النجوم التي يسرى بها الساري)
هي لعبيد بن العرندس. في سورة الزخرف عند قوله تعالى (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) أي
بالغة أقصى مراتب الإعجاز، بحيث يحسب كل من ينظر إليها أنها أكبر من كل ما يقاس بها من الآيات. والمراد
وصف الكل بغاية الكبر من غير ملاحظة قصور في شئ منها أو لا وهي مختصة بضرب من الإعجاز، وليس في
هذا الكلام تناقض من حيث يلزم أن تكون كل آية من الآيات فاضلة ومفضولة في حالة واحدة، لأن الغرض
من هذا الكلام أنهن موصوفات بالكبر لا يكدن يتفاوتن فيه، وعلى ذلك بنى الناس كلامهم فيقولون: رأيت
رجالا بعضهم أفضل من بعض. ومنه بيت الحماسة: من تلق منهم الخ. وهذا كما فاضلت الأنمارية بين الكملة
من بنيها ثم قالت لما أبصرت مراتبهم متدانية قليلة التفاوت: ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرغة
لا يدرى أين طرفاها، وعلى العكس من هذا قوله:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتا * لدى الفضل حتى عد ألف بواحد
(نعى النعاة أمير المؤمنين لنا * يا خير من حج بيت الله واعتمرا
حملت أمرا عظيما فاصطبرت له * وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
الشمس طالعة ليست بكاسفة * تبكى عليك نجوم الليل والقمرا)
في سورة الدخان عند قوله تعالى) فما بكت عليهم السماء والأرض) وفيه تهكم بهم وبحالهم النافية لحال من
يعظم فقده فيقال: بكت عليه السماء والأرض، وكانت العرب إذا مات منهم رجل خطير قالت في تعظيم هلكه:
بكت عليه السماء والأرض، وبكته الريح، وأظلمت له الشمس، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
" ما من مؤمن مات في غربة غابت فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض " وقال جرير:
* تبكى عليه نجوم الليل والقمرا *
وهو يرثى به عمر بن عبد العزيز، وقوله: والقمر مفعول معه: أي مع القمر، وقيل نجوم الليل بالنصب: أي
ليست بكاسفة نجوم الليل، وقدم تبكى عليك بين فعل الشمس ومفعولها، ومعناه: تبكى عليك الشمس.
(أليس ورائي إن تراخت منيتي * أدب الولدان أزحف كالنسر)
هو لعبيد. في سورة الجاثية عند قوله تعالى (من ورائهم جهنم) أي أمامهم لأنهم في الدنيا، والوراء اسم
للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام، وههنا بمعنى قدام وكذلك في قوله تعالى (من ورائهم جهنم)
وقوله: (وكان وراءهم ملك)، وتراخت: تباعدت. وأدب: أمشى على هينة وتؤدة. والصبي يزحف على
الأرض قبل أن يمشى: إذا حبا. والنسر: طائر. قال شارح الأبيات: والمصراع الأول من قول لبيد بن ربيعة
وقوله هكذا:
422

أليس ورائي إن تراخت منيتي * لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
أخبر أخبار القرون التي مضت * أدب كأني كلما قمت راكع
وهو من قصيدة طويلة أولها:
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع * وتبقى الجبال بعدنا والمصانع
وآخرها: لعمرك ما تدرى الضوارب بالحصى * ولا زاجرات الطير ما الله صانع
(وأعددت للحرب أوزارها * رماحا طوالا وخيلا ذكورا)
هو للأعشى. في سورة القتال عند قوله تعالى (حتى تضع الحرب أوزارها) أوزار الحرب آلاتها وأثقالها
التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع، وسميت أوزارها لأنه لما لم يكن له بد من جرها فكأنها تحملها وتستقل
بها،
فإذا انقضت فكأنها وضعتها كما قال:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
(قصيدة رائقة صوغتها * أنت لها أحمد من بين البشر)
في سورة الحجرات عند قوله تعالى (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) واللام هي التي في قولك وأنت
لهذا الأمر: أي كائن له ومختص به. ومنه قول الأنبياء لنبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين في الموقف
للشفاعة: أنت لها. ومنه قوله: أنت لها الخ. وأحمد يجوز أن يكون اسم علم: أي يا أحمد، ويجوز أن يكون
للتفضيل:
(أقسم بالله أبو حفص عمر * ما مسها من نقب ولا دبر)
في سورة ق عند قوله تعالى (فنقبوا في البلاد) على تقدير القراءة بكسر القاف مخففة من النقب وهو أن
ينقب خف البعير. والمعنى: فنقبت أخفاف إبلهم أو حفيت أقدامهم ونقبت. والنقبة: أول الجرب وجمعها
نقب وحكة تظهر على الإبل. قيل شكا بعض الأعراب إلى عمر رضي الله عنه نقب إبله وعجزه عن المشي إلى
الغزو فلم يصدقه، وأعطاه شيئا من الدقيق ولم يعطه الظهر، فولى وهو يرتجز به فأعطاه الظهر أيضا، وبعده:
* فاغفر له اللهم إن كان فجر *
(تدلى عليها بين سب وخيطة) * تدلى دلو المائح المتشمر
في سورة النجم عند قوله تعالى (ثم دنا فتدلى) فتعلق عليه في الهواء، ومنه تدلت الثمرة ودلى رجليه من
السرير، والدوالي: الثمر المعلق، قال: تدلى عليها الخ. ويقال: هو مثل القرلى إن ير خيرا تدلى وإن يره تولى.
والسب. الحبل، والخيط: السلك، والماتح: المستقى، والمائح: الذي يملأ الدلو من أسفل البئر. يقول:
أرسل نفسه في تلك المهواة بين الحبل والسلك كما يرسل المائح المتشمر دلوه في البئر. الشاعر يصف مشتارا،
والضمير في عليها للعسل لأنه يذكر ويؤنث، والمشتار من شار العسل واشتارها اجتناها.
(ومن كل أفنان اللذاذات والصبا * لهوت به والعيش أخضر ناضر)
في سورة الرحمن عند قوله تعالى (ذواتا أفنان) ولهوت من اللهو، وهو ما يشغلك من طرب وهوى، يقال
423

لها يلهو لهوا. والعيش أخضر كل شئ طري غض فهو أخضر. وناضر من نضر الورق والشجر والوجه نضرة
ونضورا ونضارة فهو ناضر: أي حسن، والواو في والعيش للحال.
(أنا أبو النجم وشعري شعري * لله درى ما أجن صدري
في سورة الواقعة عند قوله تعالى (والسابقون السابقون) أي السابقون من عرفت حالهم، وبلغك وصفهم.
والتأويل الثاني: والسابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة، أو السابقون إلى طاعة الله السابقون إلى رحمته، وقائله
أبو النجم. يريد أنا المشهور بكمال الفصاحة ووفور البلاغة، وإن شعري هو المعروف بالإعجاز في حسن النظم
والبراعة وما انتهى إليك من فصاحته وبراعته.
(أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها * وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا)
في سورة ن عند قوله تعالى (يوم يكشف عن ساق) أخو الحرب من يباشر الحرب كثيرا. والعض: التناول
بالأسنان، وفرس عضوض. والتشمير: مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب: يعنى هو يباشر الحرب بمثل
ما يباشره من الشدة والصعوبة، ويمارسها بمثل ما يمارسه ولا يتركها بحال. تقول العرب للرجل إذا وقع في أمر
عظيم يحتاج فيه إلى جد وجهد ومعاناة ومقاساة للشدة: شمر عن ساقك، وهذا جائز في اللغة، وإن لم يكن للأمر
ساق.
(عضد الدولة وابن ركنها * ملك الأملاك غلاب القدر)
في سورة الحاقة عند قوله تعالى (هلك عنى سلطانيه) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أغيظ
الناس رجلا على الله يوم القيامة وأخبثه رجل تسمى ملك الأملاك، ولا ملك إلا الله ". عن فنا خسرو الملقب
بالعضد أنه قال: إن القائل لما قال هذا ما أفلح بعده وجن ومات لا ينطق لسانه إلا بهذه الآية.
(تقول ما لأحك يا ساغر * يا بنت عمى لا حنى الهواجر)
في سورة المدثر عند قوله تعالى (لواحة للبشر) من لوح الهجير. قال: تقول ما لأحك الخ. وقرئ لواحة
بالنصب على الإختصاص للتهويل، لاح من لاح الهجير وهو تغييره وتسويده، وهجر القوم تهجيرا: إذا ساروا
في الهاجرة لأنه يقطع فيه السير، وأهجر القوم: إذا ساروا في ذلك الوقت، قال الراجز:
فلا تلوموني ولوموا جابرا * فجابر كلفني الهواجرا
(لا وأبيك ابنة العامر * ي لا يدعى القوم أنى أفر)
في سورة القيامة عند قوله تعالى (لا أقسم بيوم القيامة) حيث أدخل لا النافية على فعل القسم، وهو مستفيض
في كلامهم وأشعارهم، قال امرؤ القيس: لا وأبيك الخ، وفائدتها توكيد القسم كأنهم أنكروا البعث فقال
لا أدرى: أي ليس الأمر على ما ذكرتم. ثم أقسم بيوم القيامة. قوله ابنة العامري بحذف حرف النداء: يريد يا ابنة
العامري إني لا أفر من الحرب البتة، واشتهرت بأني ملازم الحرب ولا أفر منها بحيث لا يقدر أحد أن يدعى أنى
أفر من الحرب، والحال أن كندة حولي.
(في بئر لا حوري سرى وما شعر)
في سورة القيامة عند قوله تعالى (لا أقسم بيوم القيامة) من حيث زيادة لا قبل فعل القسم. الحور بالضم:
424

الهلكة، ويقال حور في محارة فلان: مثل يضرب للرجل المتحير في أمره: أي ضل في ضلاله. قال أبو عبيد:
المعنى في بئر حور ولا زائدة. وقال في الحواشي: حور جمع حائر، من حار: إذا هلك، ونظيره قيل في جمع
قائل قال الأعشى * إنا لأمثالكم يا قومنا قيل * وكذلك نزل في نازل وقرح في قارح وهو الفرس الذي طلع
نابه، والمعنى: سرى في بئر الهلاك والضلال وما علم، واستشهد بأن لا زائدة مثلها في - لئلا يعلم أهل الكتاب -
(أماوي ما يغنى الثراء عن الفتى * إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر)
هو لحاتم في سورة القيامة عند قوله تعالى (كلا إذا بلغت التراقي) أي النفس وإن لم يجر لها ذكر لأن الكلام
الذي وقعت فيه يدل عليها كما قال حاتم: أماوي الخ. وتقول العرب: أرسلت: يريدون جاء المطر، ولا تكاد
تسمعهم يذكرون السماء. وماوي: اسم المرأة، وهي في اللغة المرآة شبهت بالماء لصفائها، والنسبة إلى الماء مأوى
ومائي كما يقال في النسبة إلى الكساء كسائي وكساوي. والحشرجة: تردد صوت النفس. والثراء: الغنى والثروة
والضمير في حشرجت للنفس وإن لم يجر لها ذكر كالضمير في قوله تعالى (كلا إذا بلغت التراقي) وروى عن
عائشة رضي الله عنها أنه لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه قالت: * لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى * البيت،
فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: لا تقولي هذا يا بنية، وقولي (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه
تحيد).
(وليلة ظلامها قد اعتكر * قطعتها والزمهرير ما زهر)
في سورة الإنسان عند قوله تعالى (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) والمعنى: أن الجنة ضياء فلا يحتاج فيها
إلى شمس ولا قمر. اعتكر الليل: إذا تراكم ظلامه، واعتكرت الريح: إذا جاءت بالغبار. والزمهرير: القمر
في لغة طئ. يقول: رب ليلة شديدة الظلمة قطعتها بالسرى والحال أن القمر ما طلع وما أضاء، قال الله تعالى
(لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) قيل هو القمر.
(كأن القرنفل والزنجبيل * باتا بفيها وأريا مشورا)
هو للأعشى. في سورة الإنسان عن قوله تعالى (ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا) سميت العين زنجبيلا
لطعم الزنجبيل فيها والعرب تستلذه وتستطيبه كما قال الأعشى: كأن القرنفل الخ. والأرى: العسل، والمشور من
شرت العسل شورا، والشور: موضع النحل الذي يعسل فيه.
(وكأن طعم الزنجبيل به * إذ ذقته وسلافة الخمر)
قاله المسيب بن علس. في سورة الإنسان عند قوله تعالى (عينا فيها تسمى سلسبيلا) قال الزمخشري: وسميت
بذلك لأنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلا بالعمل الصالح، وهو مع استقامته في العربية تكلف وابتداع
انتهى. يصف الشاعر طيب رضاب محبوبته، وسلافة الخمر أول ما يخرج من عصرها.
(جنة لف وعيش مغدق * وندامى كلهم بيض زهر)
للحسن بن علي الطوسي. في سورة عم عند قوله تعالى (وجنات ألفافا) أي ملتفة ولا واحد له كالأوزاع
والأخياف، وقيل الواحد لف كما قال: جنة لف الخ. ويقال: حديقة لف ولفة. يصف الشاعر طيب الزمان
والمكان وكرم الإخوان. والغدق: الماء الكثير. والندامى جمع الندمان، يقال نادمني فلان على الشراب فهو
425

نديمي وندماني، وجمع النديم ندام وجمع الندمان ندامى. وبيض: أي حسان. ورجل أزهر: أي أبيض مشرق
الوجه.
(أحافرة على صلع وشيب * معاذ الله من سفه وعار)
في سورة والنازعات عند قوله تعالى (أئنا لمردودون في الحافرة) قال في الكشاف: إن قلت ما حقيقة هذه
الكلمة، قلت: يقال رجع فلان في حافرته: أي في طريقه التي جاء منها فحفرها: أي أثر فيها بمشيه فيها، جعل
أثر قدميه حفرا كما قيل حفرت أسنانه حفرا، وقيل حافرة كما قيل عيشة راضية: أي منسوبة إلى الحفر والرضا،
أو كقولهم نهارك صائم، ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه: رجع إلى حافرته: أي إلى طريقته وحالته
الأولى. قال: أحافرة الخ، كأن القائل يقول على سبيل الإنكار: أرجع بعد الصلع والشيب الذي هو زمان الأناة
والوقار إلى ترف الصبا وجهله، ثم قال على طريق الاستبعاد: معاذ الله هذا سفه ظاهر شديد.
(تقضى البازي إذا البازي كسر * أبصر خربان فضاء فانكدر)
هو للعجاج يمدح عمر بن معمر التيمي في سورة التكوير عند قوله تعالى (وإذا النجوم انكدرت) انقضت
ومنه البيت، ويروى في الشمس والنجوم أنها تطرح في جهنم ليراها من عبدها كما قال تعالى (إنكم وما تعبدون
من دون الله حصب جهنم) تقضى أصله تقضض، وكذلك حكم التضعيف فإنه يبدل منه حرف العلة نحو تظنيت
في تظننت. وخربان جمع خرب: وهو طائر، ويقال له حبارى أيضا. وانكدر البازي: إذا انقض، وكذلك
النجم قال تعالى (وإذا النجوم انكدرت) وقبل البيت:
إذا الكرام ابتدروا الباغ بدر * تقضى البازي إذ البازي كسر
دانى جناحيه من الطود فمر * أبصر الخ.
والباغ يستعمل في الكرم. يقول: إذا الكرام ابتدروا فعل المكارم بدرهم: أي أسرع كانقضاض البازي
على الحبارى.
(ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا * ولقد نهيتك عن بنات الأوبر)
في سورة المطففين عند قوله تعالى (وإذا كالوهم أو وزنوهم) هم ضمير منصوب راجع إلى الناس، وفيه
وجهان: أن يراد كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذف الجار وأوصل الفعل كما قال ولقد جنيتك: أي جنيت لك،
ويجوز أن يكون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والمضاف هو المكيل والموزون. أكمؤا جمع كمأة
وعساقل جمع عسقل، وهو نوع جيد من الكمأة، وبنات الأوبر: نوع ردئ منها، ويضرب المثل بها فيقال:
إن بني فلان بنات أوبر، يظن أن فيهم خيرا ولا خير فيهم.
(إذا رمت عنه سلوة قال شافع * من الحب ميعاد السلو المقابر
سيبقى له في مضمر القلب والحشا * سريرة ود يوم تبلى السرائر)
في سورة الطارق عند قوله تعالى (يوم تبلى السرائر) ما أسر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها وما أخفى
من الأعمال. وعن الحسن أنه سمع رجلا ينشد: * سيبقى لها في مضمر القلب والحشا * الخ. فقال ما أغفله
عما في (والسماء والطارق) قال أبو القاسم النو ابادي: المحبة مجانبة السلو على كل حال، وقريب من معناه:
426

فإذا وجدت له وساوس سلوة * شفع الضمير لها إلي فسلها
أي سل وساوس السلوة من قلبي.
(وثم ودعنا آل عمرو وعامر * فرائس أطراء المثقفة السمر)
في سورة والضحى عند قوله تعالى (ما ودعك ربك) حيث قرئ بالتخفيف: يعني ما تركك. قال صاحب
الصحاح: ولا يقال منه ودعه كما لا يقال من المعسور والميسور عسره ويسره. وقولهم دع ذا: أي اتركه أصله ودع
يدع، وقد أميت ماضيه. ولا يقال ودع وإنما يقال ترك ولا وادع ولكن تارك، وربما جاء في ضرورة الشعر ودعه
فهو مودوع على أصله قال:
ليت شعري يا خليلي ما الذي * غاله في الحب حتى ودعه
وقال خفاف بن ندبة:
إذا ما استحمت أرضه من سمائه * جرى وهو مودوع وواعد مصدق
أي متروك لا يضرب ولا يزجر. والوديعة: واحدة الودائع انتهى. قال في المصباح المنير: قال بعض
المتقدمين: وزعمت النحاة أن العرب أماتت ماضي يدع ومصدره واسم الفاعل منه. وقد قرأ مجاهد وعروة ومقاتل
وابن أبي عبلة ويزيد النحوي ما ودعك ربك بالتخفيف، وفي الحديث " لينتهين قوم من ودعهم الجماعات " أي
عن تركهم، فقد رويت هذه الكلمة عن أفصح العرب ونقلت من طريق القراء، فكيف تكون إماتة وقد جاء
الماضي في بعض الأشعار وما هذه سبيله، فيجوز القول بقلة الاستعمال ولا يجوز القول بالإماتة انتهى. والفرائس
جمع فريسة: وهي صيد الأسد. والمثقفة: الرماح. والسمر جمع أسمر: وهي لون بين البياض والأدمة: يعني
في ذلك العام تركنا ألين فرائس الرماح: أي مجروحين مغلوبين.
(إني رأيت الضمد شيئا نكرا * لن يخلص العام خليل عشرا
* ذات الضماد أو يزور القبرا *)
في سورة التكاثر عند قوله تعالى (حتى زرتم المقابر) قيل أراد ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم
وصرتم منفقين أعماركم في طلب الدنيا والاستباق إليها والتهالك عليها إلى أن أتاكم الموت لا هم لكم غيرها عما هو
أولى بكم من السعي لعاقبتكم والعمل لآخرتكم. وزيارة القبر عبارة عن الموت. قال الأخطل: لن يخلص العام الخ.
الضمد: أن يكون للمرأة حليل. والنكر: المنكر. وحليل: أي زوج. وعشرا: أي عشر ليال، وعشرا بكسر
العين: أي معاشرة. والمعنى: لن يخلص خليل ذاق طعم الضماد عشر ليال إلى أن يموت ويزور القبر: أي إلى
الممات لصعوبة ذلك على النفوس الأبية لا سيما على رواية حليل بالمهملة عن الأزهري: أي لا يدوم رجل على امرأة
ولا امرأة على زوجها إلا قدر عشر ليال للغدر في الناس في هذا العام، لأنه رأى الناس كذلك في تلك العام فوصف
ما رأى.
(وأنت كثير يا ابن مروان طيب * وكان أبوك ابن العقائل كوثرا)
هو للكميت. في سورة الكوثر، وهو فوعل من الكثرة. قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر: بم آب ابنك؟
قالت: آب بكوثر. وقال الكميت: وأنت كثير الخ، والكوثر من الرجال: السيد الكثير الخير.
427

حرف الزاي
(إذا لقيتك عن شمط تكاشرني * وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه)
قيل أوله * ترى لودي إذا لاقيتني كذبا * وهو لزياد الأعجم في سورة الهمزة وبناء فعلة بفتح العين يدل
على أن ذلك عادة منه، ونحوه الضحكة واللعنة. وعن شمط: أي بعد وتكاشر. كشر عن أسنانه: أبدى، يكون
في الضحك وغيره. والهمز: الكسر. واللمز: الطعن، وهو الذي يكيد الناس ويطعن فيهم وفي أعراضهم. وقيل
في تفسير قوله تعالى (ويل لكل همزة لمزة) كل طعان عياب مغتاب للمرء إذا غاب. وحكى بعض الرواة أن
أعرابيا قيل له: أتهمز الفأرة، قال: تهمزها الهرة. فأوقع الهمز على الأكل، قال تعالى (أيحب أحدكم أن يأكل
لحم أخيه ميتا) وكأن الهمز أوقع على الأكل لما كان غيبة ولذلك قال:
* وتصبح غرثى من لحوم الغوافل *
حرف السين
(تنادوا بالرحيل غدا * وفي ترحالهم نفسي)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ألم ذلك الكتاب) برفع الرحيل على أنه مبتدأ خبره غدا كقولك القتال يوم
الجمعة: أي فيه، فإن الحكاية أن تجئ بالقول بعد نقله على استيفاء صورته الأولى، وروى نصب الرحيل على
أنه مصدر أو مفعول به: أي ارحلوا الرحيل أو الزموه، فحكى الرفع والنصب بعد الباء، وروى مجرورا فلا
حكاية. وفي ترحالهم نفسي: أي هلاكها، أو جعل نفسه وروحه في ترحالهم، فإذا ارتحلوا وفارقوا فارقته. وقيل
أراد بنفسه محبوبه.
(وهن يمشين بنا هميسا * إن يصدق الظن ننك لميسا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) وهو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه
كلفظ النيك.
(إذا ما الضجيع ثنى عطفها * تثنت فكانت عليه لباسا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) ولما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل
واحد منهما على صاحبه في عناقه شبه باللباس المشتمل عليه.
(ما بال نفسك ترضى أن تدنسها * وثوب دنياك مغسول من الدنس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها * إن السفينة لا تجري على اليبس)
في سورة العنكبوت عند قوله تعالى (ونعم أجر العاملين) وعن الحسن " يقول الله تعالى يوم القيامة: جوزوا
الصراط بعفوي، وادخلوا الجنة برحمتي، واقتسموها بأعمالكم " وعن رابعة البصرية أنها كانت تنشد:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها * إن السفينة لا تجري على اليبس
وفي كتاب أدب الدنيا والدين أن البيت لأبي العتاهية، وقبله:
428

لا تأمن الموت في لحظ ولا نفس * وإن تترست بالحجاب والحرس
واعلم بأن سهام الموت نافذة * لكل مدرع منا ومترس
ما بال دينك ترضى أن تدنسه * وثوب دنياك مغسول من الدنس
(سوى أن العتاق من المطايا * أحسن به فهن إليه شوس)
هو لأبي زبيد الطائي، وقبله:
فباتوا يدلجون وبات يسرى * بصير بالدجى هاد عموس
إلى أن عرسوا وأناخ منهم * قريبا ما يحس له مسيس
في سورة النساء عند قوله تعالى (فإن آنستم منهم رشدا) وقرأ ابن مسعود " فإن أحستم " بمعنى أحسستم. الإدلاج
بالتخفيف: سير أول الليل، وبالتشديد: سير آخر الليل. والعموس: القوى الشديد والمراد به الأسد. والعتاق:
النجيبات من الإبل. وشوس جمع أشوس وشوساء: وهو الذي ينظر بمؤخر عينيه. وأحسن أصله أحسسن نقلت
فتحة السين إلى الحاء ثم حذفت، أحسست بالخير: أيقنت به، وقيل ظننت ووجدت، وهو نظير قوله (وعزني
في الخطاب) في قراءة وعزني بالتخفيف. قال ابن جني: حذف الزاي الواحدة تخفيفا كما قال الشاعر: أحسن به،
يريد أحسسن، يصف قوما يسيرون والأسد يطلب فريسته وهو المراد بالبصير في الدجى:
(بقيت وفرى وانحرفت عن العلى * ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشن على ابن حرب غارة * لم تخل يوما من نهاب نفوس)
هو للأشتر النخعي. في سورة المائدة عند قوله تعالى (غلت أيديهم) قال الزمخشري: فما تصنع بقوله غلت
أيديهم ومن حقه أن يطابق ما تقدم وإلا تنافر الكلام وزال عن سننه؟ قلت: يجوز أن يكون معناه الدعاء عليهم
بالبخل والنكد، ومن ثم كانوا أبخل خلق الله وأنكدهم كما في البيت، فإنه دعا على نفسه بالبخل وتبقية المال
الكثير وعدم إنفاقه في وجوه المحامد ومعالي الأمور إن لم يشن الغارة ولم يفرقها من كل أوب وصوب على معاوية
ابن صخر بن حرب، ولم يقل على ابن صخر لكون حرب أشهر آبائه وأليق بالمقام بحسب معناه الأصلي حتى كأنه
كناية عن ملازمته للحرب كأبي لهب عن الجهنمي.
(وانحلبت عيناه من فرط الأسى * وكيف غربي دالج تبجسا)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (فكيف آسى على قوم كافرين) والأسى: شدة الحزن فإنه عليه الصلاة
والسلام اشتد حزنه على قومه ثم أنكر على نفسه، فقال: فكيف يشتد حزني على قوم ليس بأهل للحزن عليهم
لكفرهم واستحقاقهم ما ينزل بهم، انحلبت عيناه: أي سال دمع عينيه. والوكيف: القطر. وغربى تثنية
غرب، وهو الدلو العظيمة. والدالج بالجيم: الذي يأخذ الدلو من البئر فيفرغها في الحوض. وتبجسا: أي
انفجر بسعة وكثرة. يقول: سال دمع عينيه من شدة الحزن ووكفتا وكيف دلوي دالج تفجرا وسال منهما الماء.
(فلم أر مثل الحي حيا مصبحا * ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا
أكر وأحمى للحقيقة منهم * وأضرب منا بالسيوف القوانسا)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) والبيت للعباس بن
429

مرداس السلمي، والحي المصبح بنو زبيد من اليمن. جمع العباس من جميع بطون بني سليم ثم خرج بهم حتى صبح
على بني زبيد بتثليث من أراضي اليمن بعد تسع وعشرين ليلة فقتل منهم وغنم، وصفهم بكمال الشجاعة ليكون
أدل على شجاعة من غلبهم، وهو من الكلام المنصف أيضا كقوله:
* فشركما لخيركما الفداء *
والمصبح: الذي يأتي صبحا للغارة، وحقيقة الرجل: ما لزمه الدفاع عنه من أهل بيته. والقوانس جمع
قونس: وهو أعلى البيضة، والبيضة قلنسوة من حديد تلبس لدفع السيف. يقول: لم أر مغارا عليهم كالذين
صبحناهم ولا مغيرا مثلنا يوم لقيناهم، تناول المدح كلا الفريقين من أصحابهم وأصحابه. وقوله القوانس جمع قونس:
وهو ما بين أذني الفرس، قال:
أضرب عنك الهموم طارقها * ضربك بالسيف قونس الفرس
وسيأتي الكلام على هذا البيت بما فيه كفاية، وقوله القوانس ليس منصوبا بأضرب وإنما هو منصوب بفعل
مضمر وهو يضرب، ولكن قال الزمخشري: إن أمد لا يخلو إما أن ينصب بأفعل وأفعل لا يعمل، وإما أن ينصب
بلبثوا فلا يسد عليه المعنى، فإن زعمت أن نصبه بإضمار فعل يدل عليه أحصى كما أضمر في قوله:
* وأضرب منا بالسيوف القوانسا *
على نضرب القوانس فقد أبعدت المتناول، وهو قريب حيث أبيت أن يكون أحصى فعلا ثم رجعت
مضطرا إلى تقديره وإضماره انتهى. أقول: ومن هذا الباب قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) فإنه لا يجوز
أن يكون العامل فيه أعلم لأن المعنى يصير أعلم في هذا الموضع أو هذا الوقت، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون
العامل أعلم بل فعلا يدل عليه، ومن ذلك قوله تعالى (أعلم من يضل عن سبيله) لأن أفعل لا يضاف إلا إلى ما هو
بعض له، وليس ربنا تعالى من المضلين عن سبيله فيضاف إليهم، وبعد البيتين:
إذا ما شددنا شدة نصبوا لنا * صدورا المذاكى والرماح المداعسا
إذا الخيل جالت عن صريع نكرها * عليهم فما يرجعن إلا عوابسا
(إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف * شمالا وعن أيمانهن الفوارس)
هو لذي الرمة. في سورة الكهف عند قوله تعالى (تقرضهم ذات اليمين وذات الشمال) وتقرضهم تقطعهم ولا
تقربهم من معنى القطيعة والصرم، يقال قرض المكان: عدل عنه. الظعينة: المرأة الظاعنة، ولا تسمى ظعينة حتى
تكون في الهودج والجمع ظعائن وظعن. يقرضن: يقطعن ولا يقربن. والأقواز جمع قوز مثل ثوب وأثواب:
وهو أصغر من الجبل. ومشرف: أي أقواز جبل مشرف عن أيمانهن. الفوارس بمعنى الفرسان، ويمكن أن يريد
موضعا بعينه يقول: نظرت أو تشرفت إلى ظعن يقطعن الأرض في السير بحيث كانت الأقواز عن شمالهن وعن
أيمانهن الفوارس لحمايتهن. وقبل البيت:
نظرت بجرعاء السبية نظرة * ضحى وسواد العين في الماء شامس
شامس في الماء غامس: يريد أنه نظر ضحى وطول نهاره كان باكيا من يوم شامس إذا كان نهاره كله ضحى
(إلبس لكل حالة لبوسها * إما نعيمها وإما بوسها)
430

في سورة الأنبياء عند قوله تعالى (وعلمناه صنعة لبوس) عمل الدروع وهو في الأصل اللباس، والمراد هنا
البس لكل حالة ما يصلح لها، وليس المراد لبس الثياب: يعني اعدد لكل زمان ما يشاكله ويلائمه. قيل كانت
صفائح، فأول من سردها وحلقها داود فجمعت الخفة والتحصين، والجمهور على فتح اللام، وروى لبوسها
بضمها، وحينئذ إما أن يكون جمع لبس المصدر الواقع موقع المفعول، وإما أن يكون واقعا موقعه والأول أقرب:
(الواردون وتيم في ذرى سبأ * قد عض أعناقهم جلد الجواميس)
في سورة النمل عند قوله تعالى (وجئتك من سبأ بنبأ يقين) عند من يصرفه حيث جعله بمعنى الحي أو الأب
الأكبر. والذروة: أعلى السنام، وأعلى كل شئ: ذروته حتى الحسب، والجمع ذرى، ومعناه: الواردون
هم وتيم في ذرى أرض سبأ مغلولين بأغلال من جلد الجواميس بحيث يعض أعناقهم. وأما من لم يصرفه فيجعله
اسم القبيلة كقوله:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ * يبنون من دون سيله العرما
وسيأتي شرح هذا البيت في حرف الميم. وهذا الخلاف جار بعينه في سورة سبأ، وسبأ في الأصل: اسم رجل
من قحطان واسمه عبد شمس، وسبأ لقب له، وإنما لقب به لأنه من سبأ، وولد له عشرة أولاد، تيامن ستة:
أي سكنوا اليمن وهم حمير وكندة والأزد وأشعر وقشعم وبجيلة، وتشاءم أربعة وهم لخم وجذام وعاملة وغسان.
(اضرب عنك الهموم طارقها * ضربك بالسيف قونس الفرس)
في سورة ص عند قوله تعالى (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض) على تقدير القراءة بفتح الياء،
ووجه بأن الأصل ليبغين بنون التوكيد الخفيفة، والفعل جواب قسم مقدر تقديره: وإن كثيرا من الخلطاء والله
ليبغين، فحذف كما حذف في قوله * اضرب عنك الهموم طارقها * قوله اضرب على تقدير النون الخفيفة
وحذفها: أي اضربن. وطارقها بدل من الهموم بدل البعض من الكل. والقونس: موضع ناصية الفرس.
يقول: ادفع طوارق الهموم عن نفسك واضربها عند غشيانها كما تضرب قونس الفرس عند السوق. وقد استشهد
بالبيت المذكور في سورة الزخرف عند قوله تعالى (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) بمعنى أننحى عنكم الذكر
وندرؤه عنكم على سبيل المجاز من قولهم ضرب الغرائب عن الحوض، وقال طرفة: اضرب عنك الهموم الخ:
أراد اضربن، فحذف النون الخفيفة وحرك الباء بالنصب. والقونس: عظم ناتئ بين أذني الفرس، والقونس
أيضا: أعلى البيضة، وقيل الشعر بالعنق.
(وما يبكون مثل أخي ولكن * أعزى النفس عنه بالتأسي)
في سورة الزخرف عند قوله تعالى (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) وقبله:
يذكرني طلوع الشمس صخرا * وأذكره بكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي * على إخوانهم لقتلت نفسي
يعني إذا رأى السوي. وهو المبتلى بشدة ومن مني بذلك روحه ذلك ونفس بعض كربه، وهو التأسي الذي
ذكرته الخنساء.
(يضئ كضوء سراج السليط * لم يجعل الله فيه نحاسا)
431

هو للنابغة الجعدي. في سورة الرحمن عند قوله تعالى (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس) الشواظ: اللهب
الخالص، والنحاس: الدخان، وأنشد: يضئ كضوء سراج الخ، السليط: الزيت، والسراج: الذي يوقد
من الضوء، قال تعالى (يوقد من شجرة مباركة زيتونة).
(حتى إذا الصبح لها تنفسا * وانجاب عنها ليلها وعسعسا)
للعجاج. في سورة التكوير عند قوله تعالى (والليل إذا عسعس) قيل إذا أقبل الصبح بإقباله روح ونسيم فجعل
ذلك تنفسا له على المجاز، قال الله تعالى (والليل إذا عسعس) وعسعس الليل: إذا أقبل ظلامه، وقيل إذا أدبر.
واستشهد بقول الشاعر على أنه بمعنى الإدبار، لأن طلوع الشمس لما كان متصلا بإدبار الليل كان المناسب تفسير
عسعس بأدبر، وأما من فسره بأقبل فيكون القسم بإقبال الليل وإقبال النهار، وكأن الكتاية في لها وعنها وليلها
راجعة إلى الشمس، لأن تنفس الصبح عبارة عن ارتفاع ضوئه وانبساطه، والمراد بتنفس الصبح للشمس هو
أنه إذا انبسط الضوء استطار الفجر بقرب طلوع الشمس فكأنه تنفس لذلك.
(وبلدة ليس بها أنيس * إلا اليعافير وإلا العيس)
في سورة والليل عند قوله تعالى (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) مستثنى من غير جنسه وهو النعمة: أي ما لأحد
عنده نعمة إلا ابتغاء وجه ربه بالنصب على لغة من يقول: ما في الدار أحد إلا حمارا بالنصب وهو الاختيار لأنه
ليس من جنس الأول، قال تعالى (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) فهذا هو الجيد، وقد جاء مرفوعا على قبح
كقول الشاعر: وبلدة الخ، وكأنه أراد أن الذي يقوم مقام الأنيس اليعافير والعيس، وكذلك لو رفع حمار،
أراد الذي يقوم مقام الأحد حمار، وقرئ قوله تعالى (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى)
بالرفع على لغة من يقول ما في الدار رجل إلا حمار. والبيت لجران العود، واسمه عامر بن الحرث من قصيدة مرجزة
أولها: قد ندع المنزل يالميس * يعيش فيه السبع الجروس
يالميس: نداء للمرأة، يعيش: أي يطلب ما يأكل، والجروس من الجرس: وهو الصوت الخفي.
حرف الشين
(اجرش لها يا ابن أبي كباش * فما لها الليلة من إنفاش)
في سورة طه عند قوله تعالى (فوسوس إليه الشيطان) من حيث إن فعل الوسواس إذا عدى باللام. وقلت:
وسوس له فمعناه لأجله، وإذا عدى بإلى فمعناه الإنهاء، فمعنى وسوس إليه: أنهى إليه الوسوسة كحدث إليه
وأسر إليه. روى اجرش بالشين المعجمة موصولة الألف، والذي عليه الرواة، والصحيح اجرس بالمهملة وبقطع
الألف من قولك أجرس البعير إذا حدا له، فمعنى أجرس لها: أي أحد لها تسمع الحداء فتسير وهو مأخوذ من
الجرس وهو الصوت، وجرس الطير: صوت مناقيرها على شئ تأكل ومنه * يعيش فيه السبع الجروس *
وقوله لها أي لأجلها. وقوله فما لها الليلة من إنفاش: أي لا تترك الليلة لترعى، يقال نفشت بالليل: إذا ترددت
ترعى بلا راع ليلا، ومنه قوله تعالى (إذ نفشت فيه غنم القوم).
(أذنت لكم لما سمعت هريركم * فاسمعتموني بالخنا والفواحش)
432

في الانشقاق عند قوله تعالى (وأذنت لربها وحقت) أي فعلت في انقيادها لله حين أراد انشقاقها فعل المطواع
الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المطاع أنصت لأمره وأذعن: أي سمعت وانقادت وأذعنت لتأثير قدرته تعالى
حين تعلقت إرادته بانشقاقها انقياد المأمور المطاوع إذا ورد عليه أمر المطاع.
(وقريش هي التي تسكن البحر * بها سميت قريش قريشا
تأكل الغث والسمين ولا تترك * يوما لذي جناحين ريشا)
هو لتبع. وقريش ولد النضر. في سورة قريش، سموا بتصغير القرش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث
في السفن ولا تطاق إلا بالنار. وعن معاوية أنه سأل ابن عباس بم سميت قريش؟ قال: بدابة في البحر تأكل ولا
تؤكل وتعلو ولا تعلى، وأنشد البيتين، وبعدهما:
هكذا في الكتاب نالت قريش * يأكلون البلاد أكلا كشيشا
ولهم آخر الزمان نبي * يكثر القتل فيهم والخموشا
يملأ الأرض خيله ورجال * يحشرون المطي حشرا كميشا
حرف الصاد
(كلوا في بعض بطنكم تعفوا * فإن زمانكم زمن خميص)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم) حيث وحد السمع كما وحد الجلد في قوله:
* قد عض أعناقهم جلد الجواميس *
وكما وحد البطن في قوله كلوا في بعض بطنكم الخ، إذا أمن اللبس، فإذا لم يؤمن كقولك فرسهم وثوبهم
وأنت تريد الجمع رفضوه. ولك أن تقول: السمع مصدر في الأصل والمصادر لا تجمع، يدل عليه جمع الأذن
في قوله (وفي آذاننا وقر) وأن تقدر مضافا محذوفا: أي على حواس سمعهم. أقول: تقدير المضاف أشبه من
أن تحمله على الوجه الآخر الذي لا يكاد يجئ إلا في شعر، ومن ذلك قوله تعالى (لقد كان لسبأ في مسكنهم) حيث
أفرده حمزة والكسائي وحفص حيث جعل المسكن مصدرا وحذف المضاف والتقدير في مواضع سكناهم، ومن
ذلك قوله تعالى (في مقعد صدق) أي مواضع قعود. ألا ترى أن لكل واحد من المتقين موضع قعود؟
(لأصبحن العاص وابن العاصي * سبعين ألفا عاقدي النواصي)
في سورة التوبة عند قوله تعالى (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم الآية) والسبعون جار مجرى المثل في كلامهم
للتكثير كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأصبحن العاص الخ: أي لأسقين الصبوح، وقد شاع ذلك
في العبارات * صبحنا الخزرجية مرهفات * والعاص إن روى بالكسر فعلى الوصف بالعصيان، وإن روى
بالفتح فكأنه أريد القبيلة وهو عمرو بن العاص. وسبعين ثاني مفعولي لأصبحن، والمراد الفرسان عاقدي نواصي
الخيل. من عادة العرب أن تستعمل مثل هذا العدد للكثرة (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة)
يقول علي عليه السلام: لأغازين الرجل العاصي عمرا بسبعين ألفا من الخيل عاقدي نواصي خيولهم.
[تتمة] اعلم أن العرب تبالغ في السبع والسبعين، لأن التعديل في نصف العقد وهو خمسة، فإذا زيد عليها
433

واحد كان لأدنى المبالغة، وإذا زيد اثنان كان لأقصاها، ولذلك قيل للأسد سبع كأنه ضوعفت قوته سبع مرات.
وقال القاضي: قد شاع استعمال السبع والسبعين والسبعمائة ونحوها في التكثير لاشتمال السبعة على جملة أقسام
العدد فكأنه العدد بأسره. وقال صاحب الإيجاز: السبعة أكمل الأعداد لجمعها معاني الأعداد، ولأن الستة أول
عدد تام لأنها تعادل أفرادها، إذ نصفها ثلاثة وثلثها اثنان وسدسها واحد وجملتها ستة وهي سبع بالواحد فكانت
كاملة، إذ ليس بعد التمام إلا الكمال، ثم السبعون غاية الغاية إذ الآحاد غاياتها العشرات. ثم إن الآية دلت على
عدم المغفرة لا على النهي عن الاستغفار، والاستغفار وإن لم يترتب عليه مغفرتهم تترتب عليه مصلحة أخرى كما
جعل إبراهيم عليه السلام جزاء قوله (ومن عصاني) أي لم يمتثل أمر ترك عبادة الأصنام قوله (فإنك غفور رحيم)
بدون أن يقول فإنك شديد العقاب، فجعل أنه يرحمهم ويغفر لهم رأفة بهم وحثا على الاتباع، والمراد: إنك
تغفر لهم إذا استحدثوا التوبة الإيمان، فخيل أنه يرحمهم مع العصيان رحمة لهم وحثا على الاتباع.
(رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوي * وعاد ضريعا بان عنه النحائص)
في سورة الغاشية عند قوله تعالى (ليس لهم طعام إلا من ضريع) الشبرق: رطب الضريع، وهو جنس من
الشوك ترعاه الإبل ما دام رطبا، فإذا يبس تحامته وهو سم قاتل. والنحائص جمع نحوص: وهي التي ليس في بطنها
ولد. والضريع: مرعى سوء غير ناجع في راعيته ولا نافع وهو الضريع الذي ذكره الله تعالى.
حرف الضاد
(لنعم البيت بيت أبي دثار * إذا ما خاف بعض القوم بعضا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (مثلا ما بعوضة) اشتقاق البعوض من البعض وهو القطع، يقال بعضه
البعوض. معناه نعم البيت الكلة في ليالي الصيف: إذا خاف بعض القوم بعض البعوض: أي قطعه.
(لم يفتنا بالوتر قوم وللضيم * رجال يرضون بالإغماض)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (إلا أن تغمضوا فيه) أي إلا أن تتسامحوا في أخذه من قولك أغمض بصرك:
أي لا تستقص كأنك لا تبصر، فاتني فلان بكذا: أي سبقني. والوتر بالكسر: الترة والجمع أوتار. يقول:
لم يفتنا قوم عند الترة بل ندركهم وننتقم منهم، والحال أن رجالا يرضون بالإغماض عن بعض حقهم لضعفهم
وعجزهم.
(داينت أروى والديون تقضى * فمطلت بعضا وأدت بعضا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (إذا تداينتم بدين) يقال داينت الرجل: إذا عاملته بدين معطيا أو آخذا، كما
تقول بايعته: إذا بعته أو باعك. وأروى اسم محبوبته. والمطل: مدافعتك الدين والعدة، ومنه قوله عليه الصلاة
والسلام " مطل الغني ظلم " والواو في والديون للحال.
(قال لها هل لك يا نا في * قلت له ما أنت بالمرضي
ماض إذا ما هم بالمضي)
في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي) بكسر الياء وهي ضعيفة، واستشهد لها
434

ببيت مجهول، وهو: قال لها الخ، فكأنه قدر ياء الإضافة ساكنة وقبلها ياء ساكنة فحركها بالكسر لما عليه
أصل التقاء الساكنين، ولكنه غير صحيح لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث قبلها ألف نحو عصاي فما بالها
وقبلها ياء؟ قوله يانا: أي يا هذه هل لك في، وإنما زاد ياء على ياء الإضافة إجراء لها على حكم الهاء والكاف حين
طردوا على الهاء الواو في ضربتموه، وعلى الكاف الألف والياء في أعطيتكاه وأعطيتكيه فيما حكاه سيبويه عن
العرب.
(وليس دين الله بالمعضي)
في سورة الحجر عند قوله تعالى (الذين جعلوا القرآن عضين) أي أجزاء جمع عضة وأصلها عضوة فعلة من
عضى الشاة: إذا جعلها أعضاء. قال رؤبة:
* وليس دين الله بالمعضى *
ومعنى جعلهم القرآن كذلك أن بعضهم جعله شعرا، وبعضهم كهانة، نعوذ بالله من ذلك. وجمع عضة على
عضين كما جمع سنة على سنين، وبعضهم يجري النون بالحركات مع الياء وحينئذ تثبت نونه في الإضافة يقال هذه
عضينك:
(وثناياك إنها إغريض) * ولآلي نوار أرض وميض
وأقاح منور في بطاح * هزه في الصباح روض أريض
في سورة الزخرف عند قوله تعالى (حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا) حيث كان - إنا جعلناه قرآنا
عربيا - جوابا للقسم، وهو من الأيمان البديعة الحسنة لتناسب القسم والمقسم عليه وكونهما من واد واحد، ونظيره
قول أبي تمام: وثناياك الخ، الثنايا من الأسنان: أربع في مقدم الثغر: ثنتان من فوق، وثنتان من تحت.
والإغريض: البرد والطلع، ويشبه الثغر بهما كما قيل:
يفتر عن لؤلؤ رطب وعن برد * وعن إقاح وعن طلع وعن حبب
وروض أريض: لين رطب.
حرف الطاء
(أقامت غزالة سوق الضراب * لأهل العراقين حولا قميطا
غزالة اسم امرأة شبيب الخارجي قتله الحجاج فحاربته سنة، وفي ذلك قال الشاعر في هجو الحجاج:
أسد علي وفي الحروب نعامة * فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا كررت على غزالة في الوغى * إذ كان قلبك في جناحي طائر
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ويقيمون الصلاة) لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشئ النافق الذي تتوجه
إليه الرغبات، وإذا عطلت كانت كالشئ الكاسد.
(حتى إذا جن الظلام واختلط * جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط)
في سورة الأنفال عند قوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) فإن قوله لا تصيبن إما
435

صفة للفتنة على إرادة القول: أي فتنة مقولا فيها لا تصيبن، ونظيره البيت: أي بمذق مقول فيه هذا القول، وإما
أن يكون جوابا للأمر: أي إن أصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم، وإما أن يكون نهيا بعد
أمر فكأنه قيل واحذروا ذنبا أو عقابا، ثم قيل: لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله من ظلم
منكم خاصة.
(غلسته قبل القطا وفرطه)
أوله * ومنهل من الفيافي أوسطه * وبعده * في ظل أجاج المقيظ مغبطه *
في سورة النور عند قوله تعالى (إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم) أي رسول الله كقولك أعجبني زيد
وكرمه تريد كرم زيد، ومنه:
غلسته قبل القط وفرطه *
أراد وقبل فرط القطا: أي ورده في ظل المقيظ بمعنى شدة حره. فرط القطا: متقدماتها إلى الوادي والماء.
(وقد جعل الوسمي ينبت بيننا * وبين بني رومان نبعا وشوحطا)
في سورة الشورى عند قوله تعالى (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض) من البغي وهو الظلم،
الوسمي أول المطر لأنه يسم الأرض بالنبات نسبة إلى الوسم. والنبع: شجر تتخذ منه القسي. والشوحط أيضا:
شجر تتخذ منه القسي، يريد أنهم إذا كان الربيع اتخذوا قسى النبع والشوحط، وذلك أنه إذا كان الربيع
وأسكنت المياه تذكروا الذحول وطلبوا الأوتار لإمكان البقل والماء، كما قال الشاعر:
وأطول في دار الحفاظ إقامة * وأربط أقداما إذا البقل أحملا
يريد أنهم لا يحملون إذا البقل حمل الناس أن يحملوا.
حرف العين
(واستمطروا من قريش كل منخدع * إن الكريم إذا خادعته انخدعا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (يخادعون الله) حيث جاء النعت بالانخداع ولم يأت بالخدع، والمعنى: استمطر
القوم من بني قريش كل رجل غر كريم، فإن الكريم إذا خادعته رضي بالخداع. قيل إن كعب الأحبار قال لأمير
المؤمنين عمر رضي الله عنه في زمان جدب: إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم أشباه ذلك استسقوا بعصبة الأنبياء،
فقال عمر: هذا عم النبي صلى الله عليه وسلم وصنو أبيه وسيد بني هاشم، فصعد عمر المنبر وصعد معه العباس،
وقال: اللهم إنا كنا إذا قحطنا استسقينا بنبيك فتسقينا كما قيل:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وإنا نستسقيك اليوم بعم نبيك فاسقنا، فسقوا في الحال. وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في ذلك:
بعمي سقى الله البلاد وأهلها * عشية يستسقى بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب راغبا * فما حار حتى جاد بالديمة المطر
(وخيل قد دلفت لها بخيل * تحية بينهم ضرب وجيع)
436

في سورة البقرة عند قوله تعالى (عذاب أليم) على طريق قولهم: جد جده: والألم في الحقيقة للمؤلم كما أن
الجد للجاد، وأصل التحية أن يدعى للرجل بالحياة. وضرب وجيع: أي موجع: أي رب جيش قد مشيت إليه
بجيش. وتحية بينهم: الضرب بالسيف لا القول باللسان، والعرب تقول: تحيتك الضرب وعقابك السيف: أي
بدلا لك من التحية، ومن ذلك قوله:
صبحنا الخزرجية مرهفات * أباد ذوي أرومتها ذووها
وقول الآخر:
نقربهم لهزميات نقد بها * ما كان خاط عليهم كل زراد
وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الكهف عند قوله تعالى (وإن يستغيثوا يغاثوا) الآية، وفي سورة
مريم عند قوله تعالى (والباقيات الصالحات خير) وفي سورة الشعراء عند قوله تعالى (إلا من أتى الله بقلب سليم)
أي ولا تخزني يوم يبعث الضالون وأبي فيهم، وهذا من قولهم: تحية بينهم الخ وما ثوابه إلا السيف، وفي سورة
الجاثية عند قوله تعالى (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم) سميت حجة على ضرب من التهكم، أو لأنه
في حسبانهم وتقديرهم حجة أو لأنه في أسلوب: تحية بينهم ضرب وجيع، كأنه قيل: ما كان حجتهم إلا ما ليس
بحجة، والمراد نفي أن تكون لهم حجة البتة:
(أصم عما ساءه سميع)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (صم بكم عمي) معناه: هو أصم عما لا يليق به، معرض عما ساءه، سميع
لحاسده مصغ إليه، ومن هذا الباب قوله:
أصم عن الشئ الذي لا أريده * وأسمع خلق الله حين أريد
وكما قيل: * أذن الكريم عن الفحشاء صماء *
ومنه: * صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وقوله: فأصممت عمرا وأعميته * على الجود والفخر يوم الفخار
(ولو شئت أن أبكي دما لبكيته * عليه ولكن ساحة الصبر أوسع)
البيت لإسحاق بن حسان الخزيمي من قصيدة يرثى بها أبا الهيذام عامر بن عمار أمير الشأم. في سورة
البقرة عند قوله تعالى (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) حيث حذف مفعول شاء لدلالة الجواب عليه،
والمعنى: ولو شاء أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها، ولقد تكاثر هذا الحذف في شاء وأراد ولا يكادون
يبرزون المفعول إلا في الشئ المستغرب، والقصيدة طويلة بديعة، وأولها:
قضى وطرا منك الحبيب المودع * وحل الذي لا يستطاع فيدفع
ومنها: وإني وإن أظهرت في جلادة * وصانعت أعدائي عليه لموجع
ملكت دموع العين حتى رددتها * إلى ناظري والعين كالقلب تدمع
وبعده البيت. والخزيمي المذكور يكنى بأبي يعقوب كان متصلا بمحمد بن زياد كاتب سر البرامكة وله فيه مدائح
437

جيدة، ثم رثاه بعد موته فقيل له: يا أبا يعقوب مدائحك لآل منصور بن زياد أحسن من مراثيك وأجود، فقال:
كنا نعمل على الرجاء ونحن اليوم نعمل على الوفاء وبينهما بون بعيد، وهذا بعكس ما يحكى عن البحتري فإنه كان
مختصا بأبي سعيد بن يوسف، وكان مداحا له طول أيامه ولابنه من بعده، ورثاهما بعد موتهما فأجاد، ومراثيه
فيهما أجود من مدائحه، وربما قيل له في ذلك فقال: من تمام الوفاء أن تفضل المراثي المدائح.
(وما الناس إلا كالديار وأهلها * بها يوم حلوها وغدوا بلاقع)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (أو كصيب من السماء فيه ظلمات) إلى آخر الآية، حيث شبه حيرة المنافقين
وشدة الأمر عليهم بما يكابده من طفئت ناره بعد إيقادها في ظلمة الليل، وكذلك من أخذته السماء في الليلة المظلمة
مع رعد وبرق وخوف من الصواعق، ألا ترى إلى قوله (إنما مثل الحياة الدنيا كماء)
كيف ولى الماء الكاف وليس
الغرض تشبيه الدنيا بالماء ولا بمفرد آخر يتمحل لتقديره، ومما هو بين في هذا قول لبيد: وما الناس الخ، لم يشبه
الناس بالديار، وإنما شبه وجودهم في الدنيا وسرعة زوالهم وفنائهم بحلول أهل الديار فيها ووشك نهوضهم عنها
وتركها خاوية. وغدوا كفلس أصل غد حذفت اللام وجعل الدال حرف إعراب كدم ويد، قال الشاعر:
لا تقلواها وادلواها دلوا * إن مع اليوم أخاه غدوا
(أمن ريحانة الداعي السميع * يؤرقني وأصحابي هجوع)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (بديع السماوات والأرض) على القول بأن السميع بمعنى المسمع والبديع بمعنى
المبدع. قال في الكشاف: وفيه نظر: أي لا نسلم أنه بمعنى المسمع لجواز أن يريد أنه سميع لخطابه فيكون بمعنى السامع،
لأن داعي الشوق لما دعاه صار سامعا لقوله، ولئن سلم فهو شاذ لأن فعيلا بمعنى مفعول شاذ: أي أمن ريحانة:
اسم امرأة الداعي السميع يؤرقني، والحال أن أصحابي نيام غافلون. قيل إن عمرا كان معدودا في الفرسان ثم عد
في الشعر بهذا البيت. وريحانة هي أخت دريد بن الصمة عشقها عمرو وأغار عليها، ثم التمس من دريد أن يتزوجها
فأجاب:
(إن تك جلمود بصر لا أؤبسه، أوقد عليه فأحميه فينصدع
السلم تأخذ منها ما رضيت به * والحرب يكفيك من أنفاسها جرع)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) قاله العباس بن مرداس لخفاف بن
ندبة وهو أبو خراشة، وقيل قوله: السلم تأخذ منها البيت المشهور من شواهد النحو، وهو:
أبا خراشة أما أنت ذا نفر * فإن قومي لم تأكلهم الضبع
البصر: الحجارة تضرب إلى البياض، فإذا جاءوا بالهاء قالوا بصرة. والتأبيس: التذليل. يقول: إني أقدر
على كل وجه، وكنت حجرا لا يذلل لأوقدت عليه حتى يتفتت. يريد: أن حيلته تنفذ فيه، والسلم وإن طالت لم تر
فيها إلا ما تحب ولا يضرك طولها، والحرب اليسير منها يكفيك. والسلم يذكر ويؤنث. قال تعالى (وإن جنحوا
للسلم فاجنح لها) وجواب الشرط قوله أوقد. وقوله أؤبسه في موضع النعت لجلمود، كأنه يقول: إن كنت
صخرا لا تنكسر فإن لي حيلة في أمرك. قال في الصحاح: الأصمعي أبست به تأبيسا: أي ذللته وحقرته وكسرته.
قال عباس بن مرداس: إن تك جلمود بصر الخ. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الأنفال عند قوله تعالى
438

(وإن جنحوا للسم فاجنح لها) والسلم بكسر السين وفتحها الصلح يذكر ويؤنث تأنيث نقيضها وهو الحرب،
لأن الحرب المقاتلة والمنازلة ولفظها أنثى. يقال: قامت الحرب على ساق وقد تذكر ذهابا إلى معنى القتال، يقال
حرب شديد وتصغيرها حريب والقياس بالهاء وإنما سقطت لئلا يلتبس بمصغر الحربة التي هي كالريح.
(إن الصنيعة لا تكون صنيعة * حتى يصاب بها طريق المصنع)
فإذا صنعت صنيعة فاعمد بها * لله أو لذوي القرائب أو دع
في سورة البقرة عند قوله تعالى (قل ما أنفقتم من خير فللوالدين) يقول: إن صنائع المعروف لا يعتد بها إلا أن
تقع موقعها. قال صلى الله عليه وسلم " إذا أراد الله بعبد خيرا جعل صنائعه في أهل الحفاظ " وقوله أو لذوي
القرائب، قال تعالى (وآتى المال على حبه) إلى آخر الآية، وما أحسن قول المتنبي:
ووضع الندى في موضع السيف للعدي * مضر كوضع السيف في موضع الندى
(بني أسد هل تعلمون بلاءنا * إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (إلا أن تكون تجارة) أي إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة، وهو من أبيات
الكتاب يخاطب بني أسد ويقول لهم: قد تعلمون مقاتلتنا يوم الحرب إذا كانت الحرب مظلمة ترى فيها الكواكب
ظهرا لانسداد عين الشمس بغبار الحرب، والتقدير: إذا كان اليوم يوما. وأشنعا حال لا خبر لأن فيما تقدم من
صفة الاسم ما يدل على الخبر فيصير الخبر لا يفيد زيادة معنى، فهو مما نزلت فيه الصفة منزلة جزء من الاسم.
(وخير الأمر ما استقبلت منه * وليس بأن تتبعه اتباعا)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (فتقبلها ربها بقبول حسن) يقال استقبل الأمر: إذا أخذ بأوله وعنوانه،
ومنه المثل: خذ الأمر بقوابله: أي بأوله قبل أن يدبر فيفوت، وليس من الحزم أن تهمله حتى يفوت منك ثم
تعدو خلفه وتتبعه بعد الفوت، ولله در القائل:
إذا فعلت جميلا وابتدأت به * فاجعل له حاجة المضطر ميقاتا
فالغيث وهو حياة الأرض قاطبة * لا خير فيه إذا ما وقته فاتا
..........
فلأهدين مع الرياح قصيدة * مني محبرة مع القعقاع
ترد المياه فلا تزال جداولا * في الناس بين تمثل وسماع)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس) كقوله من أبيات الكتاب:
فيوم علينا ويوم لنا * ويوم نساء ويوم نسر
وفي أمثالهم: الحرب سجال. وعن أبي سفيان أنه صعد الجبل يوم أحد فمكث ساعة ثم قال: أين ابن أبي كبشة؟ أين
ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبو بكر، وها أنا عمر.
فقال أبو سفيان: يوم بيوم والأيام دول والحرب سجال، فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار،
فقال: إنكم تزعمون ذلك فقد خبنا إذا وخسرنا. والمداولة مثل المعاورة. قال: ترد المياه الخ. يقول: لأهدين إلى
القعقاع قصيدة حسنة غراء متداولة بين الناس يتمثلون بها ويستمعونها وينشدونها. يقال في المثل: أسير من شعر،
لأنه يرد الأندية ويلج الأخبية.
439

أقرين إنك لو رأيت فوارسي * بعمايتين إلى جوانب صلفع
(حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن * للغدر خائنة مغل الأصبع)
هو للكلابي. في سورة المائدة عند قوله تعالى (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم) يقال على خيانة
أو على فعلة ذات خيانة أو على نفس أو على فرقة خائنة. ويقال رجل خائنة كقولهم رجل راوية للشعر للمبالغة كما
في البيت. وقرين: اسم ضيف نزل على القائل وطمع في جارية للمضيف فقال له: لو رأيت فوارسي بعمايتين،
وهما جبلان، لخفت وما غدرت وما طمعت في جاريتي. وصلفع: اسم موضع ومعناه: لو رأيت فوارسي
بهذه المواضع لم تكن خائنة كالذي يغل الأصبع من الكف: أي لم تكن تخون خيانة قليلة فكيف بالكثيرة.
(ومنا الذي اختير الرجال سماحة * وجودا إذا هب الرياح الزعازع)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (واختار موسى قومه سبعين رجلا) أي من قومه فحذف الجار وأوصل
الفعل كما في البيت، وقد مدح الشاعر أهله وقبيلته بالسماحة والجود في فصل الشتاء الذي يضن فيه أهل البوادي
لأن الميرة تنقطع عنهم فيه وتعز الأقوات ويعدم المرعى، فمن كان جوادا في ذلك الوقت فما ظنك بجوده وكرمه
في غيره، والزعازع بالزاي المعجمة والعين المهملة فيهما الرياح الشديدة والأصل فيه واختير من الرجال فحذف
حرف الجر لفظا وتعدى الفعل بنفسه.
(إني وجدت من المكارم حسبكم * أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا)
لجرير. في سورة الأنفال عند قوله تعالى (فإن حسبك الله) وبعده:
فإذا تذوكرت المكارم مرة * في مجلس أنتم به فتقنعوا
حسبكم: أي فحسبكم تقول حسبك ما أعطيت أي كفاك، والحر من كل شئ أعتقه، وتقنعوا أي غطوا
وجوهكم من الحياء. وجرير قد هجا قوما وقال: كفاكم من المكارم لبس الثياب الناعمة وأكل المطعومات الطيبة،
وإذا ذكرت المكارم في مجلس فغطوا وجوهكم من الحياء فلستم منها في شئ، وكأنه أخذ هذا المعنى من قول
الحطيئة في الزبرقان بن بدر لما استعدى عمر رضي الله عنه على الحطيئة، فقال عمر: أما ترضى أن تكون طاعما
كاسيا. فقال والله لولا الإسلام لقتلته، قال لا أعلم هجاء ولكن ادعو ابن الفريعة يعني حسان بن ثابت فلما جاءه
قال له عمر رضي الله عنه أهجاه؟ فقال لا يا أمير المؤمنين ولكنه سلح عليه، فقال عمر لأحبسك أو لتكفن عن
أعراض المسلمين فقال يا أمير المؤمنين لكل مقام مقال. قال وإنك لتهددني؟ فلما حبسه كتب إليه:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ * حمر الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة * فارحم عليك سلام الله يا عمر
نفسي فداؤك كم بيني وبينهم * من عرض أودية يعمى لها الخبر
فلما قرأها عمر رضي الله عنه رق له وبكى وخلى سبيله.
(يا ليت شعري والحوادث جمة * هل أغدون يوما وأمري مجمع)
في سورة يونس عند قوله تعالى (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) من أجمع الأمر وأزمعه: إذا نواه وعزم عليه،
كما قال هل أغدون يوما وأمري مجمع عليه في إنفاذه وامتثاله. يقال: أجمع الأمر: إذا نواه وعزم عليه، وفي
440

حديث: " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " أي من لم يعزم عليه فينويه.
(على حين عاتبت المشيب على الصبا * فقلت ألما أصح والشيب وازع)
في سورة هود عند قوله تعالى (ومن خزي يومئذ) حيث قرئ بفتح الميم لأنه مضاف إلى إذ وهو غير متمكن
كقوله: * على حين عاتبت المشيب على الصبا *
وهذه حالة كل ظرف لزم الإضافة إذا أضيف إلى غير متمكن، وأما جرها فظاهر لأنه اسم أضيف إلى ما قبله
فكان مجرورا وهو معطوف على نجينا لأن تقديره ونجيناهم من خزي يومئذ.
(وأنكرتني وما كان الذي نكرت * من الحوادث إلا الشيب والصلعا)
البيت للأعشى في سورة هود عند قوله تعالى (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم) يقال أنكرت الرجل:
إذا كنت من معرفته في شك، ونكرته: إذا لم تعرفه. يقول: إن المحبوبة شكت في معرفتي وما نكرت إلا الشيب
والصلع فإنهما مبغوضان عندها. وفي نسبة هذا البيت للأعشى حكاية، قال أبو عبيدة: كنت حاضرا عند بشار
ابن برد وقد أنشد شعر الأعشى، فلما سمع هذا البيت أنكره وقال: هذا بيت مصنوع وما يشبه كلام الأعشى،
فعجبت من فطنة بشار وصحة قريحته وجودة نقده للشعر.
(وقد حال هم دون ذلك والج * مكان الشغاف تبتغيه الأصابع)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا)
أي خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد والشغاف: حجاب القلب، وقيل جلدة رقيقة يقال لها لسان
القلب إذا دخله الحب لم يخرج، وفي معناه:
يعلم الله أن حبك مني * في سواء السواد وسط الشغاف
ويرحم الله ابن الفارض حيث يقول:
أنت في أسود الفؤاد ولكن * أسود العين يشتهي أن يراكا
وما أحسن قوله: * ومن مقلتي سواء السواد *
والبيت للنابغة من إحدى القصائد التي يعتذر بها إلى النعمان مما قذفه به الواشون، وبعده:
وعيد أبي قابوس في غير كنهه * أتاني ودوني راكس فالضواجع
وقوله تبتغيه الأصابع: أي فلا تجده من شدة الكمون، وفيه مبالغة حسنة حيث جعل غير المحسوس مثله
يطلب ويدرك، وقيل تبتغيه الأصابع: أي تلمسه أصابع الأطباء ينظرون أنزل عن ذلك الموضع أم لا، وإنما
ينزل عند البرء.
(فلم تنسني أوفى المصيبات بعده) * ولكن نكاء القرح بالقرح أوجع
في سورة يوسف عند قوله تعالى (يا أسفا على يوسف) حيث تأسف على يوسف دون أخيه ودون الثالث.
والرزء: الحادث أشد على النفس وأظهر أثرا، والحكمة في ذلك تمادي أسفه على يوسف، وأن الرزء فيه مع
تقادم عهده كان غضا طريا عنده أخذ بمجامع قلبه، وأن الرزء فيه كان قاعدة مصيباته. قائله هشام قد فجع بأخيه
441

أوفى، ثم أتى عليه زمان تناسيا، ثم أصيب بعده بأخ آخر يقال له غيلان، فقال: إن الجزع بأوفى لم يزله ما يعقبه
من المصيبات ولكنه زاد اشتدادا، ثم شبهه بالقرح وهو الجرح وقد صلب ويبس إذا نكئ ثانيا: أي أدمى وقشرت
جلبته: أي كما أن القرح إذا فعل به ذلك كان إيجاعه أشد، وأبلغ، وبعد البيت:
تعزيت عن أوفى بغيلان بعده * عزاء وجفن العين ملآن مترع
(فما فتئت خيل تثوب وتدعى * ويلحق منها لاحق وتقطع)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (تفتؤ تذكر يوسف) الفت ء والفتوء أخوان، يقال ما فتئ يفعل كذا، قال
أوس: فما فتئت خيل الخ، والأصل في التثويب أن الرجل إذا استصرخ لوح بثوبه، وكان ذلك كالدعاء والإنذار
والتداعي في الحرب: أن يدعو القوم بعضهم بعضا، والادعاء في الحرب: أن يقول يا آل فلان. يقول:
ما زالت الخيل تستصرخ ويدعو بعضهم بعضا من المنهزمين والمنقطعين ويلحق منها في الحرب اللاحقون والمنقطعون
كأنه صور الحرب من أولها إلى آخرها وزعم أنهم الكائدون أولا والأكثرون بمدد لاحقهم ثانيا والمنفردون
بالغنيمة وحيازة المقصود ثالثا.
(وتجلدي للشامتين أريهم) * أني لريب الدهر لا أتضعضع
في سورة الرعد عند قوله تعالى (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا
وعلانية) كان الصبر مطلقا فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكاليف ابتغاء وجه الله
تعالى، لا ليقال ما أصبره وما أحمله للنوازل وأوفره عند الزلازل، ولا لئلا يعاب بالجزع، ولا لئلا يشمت به
الأعداء كقوله وتجلدي الخ، ولا لأنه لا طائل تحت الهلع ولا رد فيه للفائت، كقوله:
ما إن جزعت ولا هلعت * ولا يرد بكاي زيدا
الضعضعة: الخضوع، يقول: هذا التجلد الذي أريه به من نفسي لدفع شماتة الشامتين أريهم أني لا أتخضع
لريب الزمان وصروفه، والبيت لأبي ذوئب خويلد بن خالد المخزومي مات في زمن عثمان رضي الله عنه في طريق
مصر من قصيدته المشهورة التي أولها:
أمن المنون وريبه نتوجع * والدهر ليس بمعتب من يجزع
قالت أميمة ما لجسمك شاحبا * منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع
أم ما لجنبك لا يلائم مضجعا * إلا أقض عليك ذاك المضجع
فأجبتها أما لجسمي إنه * أودى بني من البلاد فودعوا
سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم * فتخرموا ولكل جنب مصرع
فغبرت بعدهم بعيش ناصب * وإخال أني لاحق مستتبع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم * وإذا المنية أقبلت لا تدفع
وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع
وتجلدي للشامتين أريهم * أني لريب الدهر لا أتضعضع
442

ومنها: والنفس راغبة إذا رغبتها * وإذا ترد إلى قليل تقنع
والدهر لا يبقى على حدثانه * جون السراة له جدائد أربع
وهي طويلة وما ذكرناه بعض منها:
ولما رأيت السير أعرض دوننا * وجالت بنات الشوق يحسبن نزعا
(تلفت نحو الحي حتى وجدتني * وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا)
هو للحماسي. عند قوله تعالى في سورة الحجر (ولا يلتفت منكم أحد) ومعنى النهي عن الالتفات: أن الله
تعالى لما بعث الهلاك على قومه ونجاه وأهله إجابة لدعوته عليهم وخرج مهاجرا فلم يكن بد من الاجتهاد في شكر
الله تعالى وإدامة ذكره وتفريغ باله لذلك، فأمر بأن يقدمهم، لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه، وليكون مطلعا عليهم وعلى
أحوالهم لئلا تفرط منهم التفاتة في تلك الحالة المهولة، ولئلا يتخلف منهم أحد لغرض له فيصيبه العذاب، وليكون
مسيره مسير الهارب الذي يقدم سربه ويفوت به، ونهوا عن الالتفات لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا
لهم، وليوطنوا أنفسهم على المهاجرة ويطيبوها عن مساكنهم ويمضوا غير ملتفتين إلى ما وراءهم، كالذي يتحسر
على مفارقة وطنه فلا يزال يلوي إليه أخادعه، كما قال: تلفت نحو الحي الخ. والليت: صفحة العنق، والأخدع:
عرق فيها. يقول: لما أخذت في سيري صرت ملتفتا إلى من خلفي من ديار الحي والأحباب فيها تحسرا في أثر
الفائت من أحبابي وديارهم وتذكرا لطيب أوقاتي معهم فيها. وقيل إذا التفت المسافر لم يتم سفره، وإنما التفت لأنه
كان عاشقا فأحب أن لا يتم سفره ليرجع إلى محبوبه. وقيل النهي عن الالتفات في الآية كناية عن مواصلة السير
وترك التواني والتوقف، لأن من يلتفت لا بد له في ذلك من أدنى وقفة
(أتجعل نهبي ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع)
في سورة الإسراء عند قوله تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا)
عن جابر: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ أتاه صبي فقال: إن أبي يستكسيك درعا، فقال من
ساعة إلى ساعة يظهر فعد إلينا، فذهب إلى أمه فقالت له: قل له إن أبي يستكسيك الدرع الذي عليك، فدخل
داره ونزع قميصه وأعطاه إياه وقعد عريانا، وأذن بلال وانتظر فلم يخرج للصلاة. وقيل أعطى الأقرع بن حابس
مائة من الإبل وعيينة بن حصن كذلك فجاء عباس بن مرداس وأنشأ يقول: أتجعل نهبي ونهب العبيد إلى آخر
الثلاثة أبيات، فقال: يا أبا بكر اقطع لسانه عني أعطه مائة من الإبل فنزلت. وقوله في الحديث من ساعة إلى
ساعة يظهر الظاهر. تعلقه بيظهر وهو تركيب فاش في حرفي العرب والعجم، وقيل هو متعلق بمحذوف: أي
أخر سؤالك من ساعة إلى ساعة: أي من ساعة ليس فيها درع إلى ساعة يظهر لنا فيها درع، والدرع هنا:
القميص.
يلوذ ثعالب الشرقين منها * (كما لاذ الغريم من التبيع)
هو للشماخ. في سورة الإسراء عند قوله تعالى (ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) التبيع المطالب من قوله تعالى
443

(فاتباع بالمعروف) أي مطالبة. يقال فلان على فلان تبيع بحقه: أي مسيطر عليه ومطالب له بحقه، وهذا نحو
قوله تعالى (ولا يخاف عقباها) ومن هذا القبيل قول القائل:
يلوذ من الشمس أطلاؤها * لياذ الغريم من الطالب
وقريب منه قوله: عدا وعدت غزلانهم فكأنها * ضوامر من عزم لهن تبيع
الشرقين اسم موضع، ومنها: أي من العقاب المذكورة في الأبيات السابقة:
(فصبرت عارفة لذلك حرة * ترسو إذا نفس الجبان تطلع)
هو لأبي ذؤيب. في سورة الكهف عند قوله تعالى (واصبر نفسك) أي احبسها معهم وثبتها: أي فحبست
نفسا عارفة بأحوال الحرب. ترسو: أي تثبت. قيل نفس عروف: أي صبور إذا أصابها ما تكره، والعارف:
الصابر. وتطلع: أي تتطلع تنظر ساعة وتخفى ساعة كما هي عادة الجبان. يصف صبره وتجلده عند الشدائد، وأن
نفسه ثابتة صابرة على المكاره في حال تكون نفس الجبان فيها مضطربة قلقة خبأة.
(كأن مجر الرامسات ذيولها) * عليه قضيم غفته الصوانع
في سورة الكهف عند قوله تعالى (حتى إذا بلغ مطلع الشمس) حيث قرئ بفتح اللام وهو مصدر، والمعنى:
بلغ مكان مطلع الشمس. والمعنى: كأن آثار مجر الرامسات على قوم قيل هم الزنج، والرامسات: الرياح المثيرات
التراب، فتدفن الآثار تحته لأن الرمس تغييب تحت التراب. والقضيم: الجلد الأبيض، ولا بد من تقدير مكان
ليحسن تشبيهه بالقضيم، وذيولها مفعول مجر: أي جرهن ذيولها، وقضيم خبر كان وهو المشبه به: أي كأن آثار
مجر ذيولها جلد نمقته الكتاب:
(رب من أنضجت غيظا قلبه * قد تمنى لي موتا لم يطع
وتراني كالشجا في حلقه * عسرا مخرجه ما ينتزع
لم يضرني غير أن يحسدني * فهو يزقو مثل ما يزقو الضوع
ويحييني إذا لاقيته * وإذا يخلو له لحمي رتع)
في سورة مريم عند قوله تعالى (إن كل من في السماوات والأرض) على تقديرها نكرة موصوفة وصفتها الجار
بعدها وكذلك هي في البيت، ويجوز أن تكون موصولة. قال أبو حيان: أي إن كل الذي في السماوات وكل
تدخل على الذي لأنها تأتي للجنس، كقوله تعالى (والذي جاء بالصدق وصدق به).
* وكل الذي حملتني أتحمل *
يعني أنه لا بد من تأويل الموصول بالعموم حتى يصح إضافة كل إليه، ومتى أريد به معهود أو شخص بعينه
استحال إضافة كل إليه. نضج اللحم والعنب ونحوه نضجا فهو نضيج وناضج: أدرك، والاسم النضج بضم
النون والفتح لغة. والشجا مقصور: ما نشب في الحلق من غصة هم أو نحوه. ويزقوا: أي يصيح. والضوع:
ذكر اليوم وجمعه ضيعان. وقوله وإذا يخلو له لحمي رتع: أي إذا خلا يغتابني، كقوله (أيحب أحدكم أن يأكل
لحم أخيه ميتا) ومن هذه الموصوفة. والشعر لسويد بن كاهل اليشكري أخي بني كنانة من قصيدة مشهورة أولها:
444

بسطت رابعة الخيل لنا * فوصلنا الحبل منها ما اتسع
ومنها: كتب الرحمن والحمد له * سعة الأخلاق فينا والضلع
وبناء للمعالي إنما * يرفع الله ومن شاء وضع
نعم لله فينا ربها * وصنيع الله والله صنع
* رب من أنضجت غيظا قلبه *
إلى آخر الأربعة أبيات، وبعدها:
قد كفاني الله ما في نفسه * ومتى ما يكف شيئا لا يضع
بئس ما يجمع أن يغتابني * مطعم وخم وداء يدرع
وهي طويلة وما كتبناه غررها.
(راحت بمسلمة البغال عشية * فارعى فزارة لا هناك المرتع)
في سورة طه عند قوله تعالى (طه) إذا فسر بأنه أمر بالوطء وأن الأصل طأ فقلبت الهمزة هاء أو ألفا كما
في قوله: لا هناك المرتع، ثم بنى عليه الأمر فيكون كما يكون الأمر من يرى، ثم ألحق هاء السكت فصار طه،
وبيت للفرزدق يهجو عمرو بن زهرة، وقد ولى العراق بعد عبد الملك بن بشر بن مروان وكان على البصرة ومحمد
ابن عمرو بن الوليد بن عقبة وكان على الكوفة، وأوله:
نزع ابن بشر وابن عمرو قبله * وأخو هراة لمثلها يتوقع
راحت بمسلمة البغال الخ، يقال هنأني الطعام ومرأني. فإذا لم تذكر هنأني قلت: أمرأني بالألف: أي انهضم
وقد هنئت الطعام أهنؤه وهنأت فلانا بالمال هناءة. وكان مسلمة المذكور يمنع فزارة من الرعى، فلما سار إلى
الشأم من العراق ناداهم الشاعر: أي بني فزارة ليرعوا إبلهم، وفي رواية: فارعى يخاطب ناقته، ويقول: قد
رحل مسلمة بالبغال عشية وقصد بني فزارة، وعلى هذا ففزارة منصوب. قال سيبويه في الكتاب: ومن ذلك قولهم
منساة وإنما أصلها منسأة، وقد يجوز في ذا كله البدل حتى يكون قياسا مستتبا إذا اضطر الشاعر، كما قال الفرزدق
* راحت بمسلمة البغال عشية * الخ، فأبدل الألف مكانها، ولو جعلها بين بين لأنكسر البيت. وقال
حسان:
سالت هذيل رسول الله فاحشة * ضلت هذيل بما سالت ولم تصب
وقال القرشي زيد بن عمرو بن نفيل:
سألتاني الطلاق أن رأتاما * لي قليلا قد جئتماني بنكد
فهؤلاء ليس لغتهم سلت ولا تسأل، وبلغنا أن سلت تسأل لغة. وقال عبد الرحمن بن حسان:
وكنت أذل من وتد بقاع * يشجج رأسه بالفهر واج * يريد واجئ
(كأن قتود رحلي حين ضمت * حوالب غرزا ومعي جياعا)
للقطامي من قصيدته المشهورة التي يمدح بها زفر بن الحرث الكلابي، وأولها:
445

قفي قبل التفرق يا ضباعا * ولا يك موقف منك الوداعا
إلى أن قال:
ومن يكن استلام إلى ثوى * فقد أحسنت يا زفر المتاعا
فلو بيدي سواك غداة زلت * بي القدمان لم أرج اطلاعا
إذا لهلكت لو كانت صغارا * من الأخلاق تبتدع ابتداعا
فلم أر منعمين أقل منا * وأكرم عندما اصطنعوا اصطناعا
من البيض الوجوه بني نفيل * أبت أخلاقهم إلا اتساعا
في سورة طه عند قوله تعالى (فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا) اليبس مصدر وصف به، يقال يبس يبسا
ويبسا ونحوهما العدم والعدم، ومن ثم وصف به المؤنث، فقيل شاتنا يبس وناقتنا يبس: إذا جف لبنها، وقرئ
يبسا ويابسا، ولا يخلو اليبس من أن يكون مخففا عن اليبس أو صفة على فعل أو جمع يابس كصاحب وصحب،
وصف به الواحد تأكيدا كقوله: ومعي جياعا جعله لفرط جوعه كجماعة جياع. القتود: عيدان الرحل وهو
جمع أقتاد، وقيل جمع قتد. والحالبان: العرقان المكتنفان بالسرة. والحلوبة: الناقة ذات اللبن والحوالب جمعها.
والغزر جمع غزيرة، يقال غزرت الناقة والشاة تغزر غزارة بتقديم الزاي على الراء: إذا كثر لبنها، فهي غزيرة
وغرزت بتقديم الراء على الزاي فهي غارزة: أذا قل لبنها. واعلم أن غرزا في هذا البيت بتقديم الراء المهملة
على الزاي. والمعي: ما يتردد في البطن من الحوايا. وجياعا بمعنى جائعا كقوله تعالى (يجد له شهابا رصدا) أي
راصدا، وخبر كأن في البيت بعد، وهو:
على وحشية خذلت خلوج * وكان لها طلا طفل فضاعا
فكرت تبتغيه فصادفته * على دمه ومصرعه السباعا
خذلت: أي تأخرت، وخلوج: اختلج ولدها. والسباعا نصب بمضمر دل عليه صادفته. وقد استشهد بالبيت
المذكور في سورة الجن عند قوله تعالى (فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) أي راصدا كقوله ومعي جياعا:
أي يجد شهابا راصدا له لأجله، ويجوز أن يكون الرصد مثل الحرس اسم جمع للراصد على معنى ذوي شهاب
راصدين بالرجم وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب ويمنعونهم من الاستراق.
(عفا حسم من فرتنا فالفوارع * فجنبا أريك فالتلاع الدوافع
توسمت آيات لها فعرفتها * لستة أعوام وذا العام سابع)
في سورة الأنبياء عند قوله تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) وصفت الموازين بالقسط وهو العدل
مبالغة كأنها في أنفسها قسط أو على حذف مضاف: أي ذوات القسط، واللام في ليوم القيامة مثلها في قولك جئته
لخمس ليال خلون من الشهر، ومنه بيت النابغة: فعرفتها لستة أعوام الخ، وقيل لأهل يوم القيامة: أي لأجلهم. وحسم:
اسم موضع. وفرتنا: اسم امرأة. وأريك: اسم موضع. والتلاع: مجاري المياه. توسمت ويروى توهمت. واللام
في لستة أعوام مثلها في جئتك لخمس ليال خلون من الشهر. يقول: درس أثر ديار المحبوبة وتوسمتها فعرفتها بالوهم
446

لشدة تبدلها وتغيرها بعد سبعة أعوام مضت عليها، وقد كان القائل قادرا أن يقول لسبعة أعوام ويتم البيت بغير
ذلك من الكلام، فلما لم يفعل دل على أنه عجز عن إتمامه وأتمه بما لا معنى له:
(أبعد بني أمي الذين تتابعوا * أرجى حياة أم من الموت أجزع)
في سورة الشعراء عند قوله تعالى (قال أصحاب موسى إنا لمدركون) بتشديد الدال وكسر الراء من أدرك الشئ
إذا تتابع ففنى، ومنه قوله تعالى (بل ادارك علمهم في الآخرة) قال الحسن: جهلوا علم الآخرة، وفي معناه:
أبعد بني أمي الخ، والمعنى: إنا لمتتابعون: أي يتبع بعضنا بعضا في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد. وقوله
أبعد لفظه الاستفهام ومعناه التوجع، فيقول: أرجى الحياة أم أجزع من الموت بعد إخواني الذين انقرضوا
وذهبوا ومضى واحد إثر واحد: أي لا يحسن الطمع في الحياة بعدهم ولا الجزع من الموت عقيب التفجع بهم.
والبيت من أبيات الحماسة، وبعده:
ثمانية كانوا ذؤابة قومهم * بهم كنت أعطى ما أشاء وأمنع
أولئك إخوان الصفاء رزئتهم * وما الكف إلا إصبع ثم إصبع
لعمرك إني بالخليل الذي له * علي دلال واجب لمفجع
وإني للمولى الذي ليس نافعي * ولا ضائري فقدانه لممتع
(وبلدة يرهب الجواب دلجتها * حتى تراه عليها يبتغي الشيعا)
في سورة القصص عند قوله تعالى (وجعل أهلها شيعا) أي فرقا يشيعونه على ما يريد ويطيعونه لا يملك أحد
منهم أن يلوى عنقه. قال الأعشى: وبلدة الخ، أو يشيع بعضهم بعضا في طاعته، أو أصنافا في استخدامه
ليستخدم صنفا في بناء وصنفا في حرث وصنفا في حفر، ومن لم يستعمله ضرب عليه الجزية، أو فرقا مختلفة قد
أغرى بينهم العداوة وهم بنو إسرائيل والقبط والطائفة المستضعفة بنو إسرائيل. وسبب ذبح الأبناء أن كاهنا قال له:
يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده. البلدة: المفازة والجواب من جبت المفازة: أي قطعتها.
ودلجتها: من أدلج الرجل إذا سار من آخر الليل، وادلج بالتشديد: إذا قطع الليل كله سيرا، وقيل بالتخفيف
الليل كله، وبالتثقيل: من أوله، والدلجة: ساعة من الليل. يقول: رب بلدة يخاف الجواب أن يسير فيها آخر
الليل يبتغي الشيعا: أي يبتغي فرقا يشيعونه من خوفه في تجوبها قطعتها بلا شيعة.
(واستحملوا أمركم لله دركم * شزر المريرة لا قحما ولا ضرعا)
في سورة القصص عند قوله تعالى (فلما بلغ أشده واستوى) تم استحكامه وبلغ المبلغ الذي لا يزاد عليه
كما قال لقيط: واستحملوا أمركم الخ. لله درك: أي خيرك وصالح عملك، لأن الدر أفضل ما يجتلب، وإذا
شتموا قالوا: لا در دره: أي لا كثر خيره ولا زكا عمله. والشزر: الفتل الشديد. والمريرة من المرة: وهي القوة،
المرير: الحبل المفتول أمررته ومرارا، ورجل ذو مرة: أذا كان سليم الأعضاء صحيحها. والقحم والقحمة:
الشيخ والشيخة الخرفان. ورجل ضرع: وهو من الرجال الضعيف. وقوله أمركم: يريد أمر الإمامة والخلافة.
يقول لقيط: قلدوا أمر الخلافة رجلا شزر المريرة: أي القادر القوي غير الهرم الضعيف الرأي والعقل. قال
بعضهم: يظهر أنه ليس المراد حملوا أمر الخلافة بل أراد أمر الحرب. قال بعض أرباب الحواشي: وقع في بيت
لقيط تحريفات جمة بعض من بيت وبعض من بيت آخر وليس ذلك، وفي كامل أبي العباس المبرد غيره هكذا:
447

فقلدوا أمركم لله دركم * رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه * هم يكاد حشاه يقصم الضلعا
لا مترفا إن رخى العيش ساعده * ولا إذا عض مكروه به خشعا
ما زال يحلب هذا الدهر أشطره * يكون متبعا طورا ومتبعا
حتى استمرت على شزر مريرته * مستحكم الرأي لا قحما ولا ضرعا
والرحب والرحيب: الشئ الواسع، ورحب الذراع كناية عن الجود. وقوله مضطلعا، يقال اضطلع فلان بهذا
الحمل: إذا قوى واحتمله أعضاؤه.
(تتخلف الآثار عن أصحابها * حينا ويدركها الفناء فتتبع)
لأبي الطيب. في سورة القصص عند قوله تعالى (وكنا نحن الوارثين) أي تركنا تلك المساكن على حال
لا يسكنها أحد وخربناها وسويناها بالأرض. فالوراثة مجرد انتقالها من أصحابها. وأما إلحاقها بما خلق الله في البدء
فكأنه رجع إلى أصله ودخل في عداد خالص ملك الله تعالى على ما كان أولا، وهذا معنى الإرث (ألا إلى الله
تصير الأمور).
(دعوت كليبا دعوة فكأنما * دعوت به ابن الطود أو هو أسرع)
في سورة الروم عند قوله تعالى (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) المراد سرعة ذلك من غير
توقف ولا تلبث كما يجيب الداعي المطاع مدعوه، ومنه البيت يريد بابن الطود: الصدى أو الحجر إذا تدهدى
هذا من الاختصار، كما تقول رأيت بزيد الأسد: أي إذا رأيته رأيت الأسد.
(الألمعي الذي يظن بك الظن * وكأن قد رأى وقد سمعا)
البيت لأوس بن حجر من قصيدته المشهورة التي قالها في فضالة بن كلدة يمدحه فيها في حياته، ويرثيه بعد
مماته، وأولها:
أيتها النفس احملى جزعا * إن الذي تحذرين قد وقعا
إن الذي جمع السماحة والنجدة * والبر والتقى جمعا
وبعده البيت في سورة لقمان عند قوله تعالى (هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون) أي أن الصفة كاشفة. حكى عن الأصمعي أنه سئل عن الألمعي فأنشد البيت
وهو منصوب على الوصف، والخبر يأتي بعد ستة أبيات وهو قوله:
أودى فلا تنفع الإشاحة من * أمر لمن يحاول البدعا
أي هلك فلا ينفع الحذر من أمر لمن يطلب البدع تلخيصه الحذر، والجد لا يغني عن نزول النوازل لطالبي
عظائم الأمور تنبيها على أن المرثى كان منهم.
(والدهر لا يبقى على حدثانه * جون السراة له جدائد أربع)
في سورة الملائكة عند قوله تعالى (ومن الجبال جدد بيض) وقرأ الزهري جدد بالضم جمع جديدة وهي
الجدة، يقال جديدة وجدد وجدائد كسفينة وسفن وسفائن، وقد فسر بها قول أبي ذؤيب جون السراة الخ.
448

الجون: الأسود: والسراة: الظهر، وسراة كل شئ: أعلاه. والجدائد: الأتن اللواتي قد جفت ألبانهن، يقال
جديدة وجدد، يقال امرأة جداء: لا ثدي لها. يقول: أهلك الدهر بني وتواترت علي المصائب، فلي عزاء بأن
الدهر لا يبقى على حدثانه شئ حتى الحمار مع الأتن يرعى في القفار والجبال.
(إذا قال قدني قال بالله حلفة * لتغنى عني ذا إنائك أجمعا)
في سورة الملائكة عند قوله تعالى (إنه عليم بذات الصدور) وذات الصدور: مضمراتها، وهي تأنيث ذو
نحو قول أبي بكر رضي الله عنه: ذو بطن خارجة جارية: أي جنينها جارية كما في البيت. المعنى: ما في بطنها
من الحمل وما في إنائك من الشراب، لأن الحمل والشراب يصحبان البطن والإناء، ألا ترى إلى قولهم معها حمل
وكذلك المضمرات تصحب الصدور وهي معها، كما أن اللبن يصحب الضرع، ومنه قوله:
وإن تعتذر بالمحل عن ذي ضروعها * إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلى
وقال الله تعالى (رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع) وذو موضوع لمعنى الصحبة. وقدني
وقطني بمعنى واحد وهو حسبي. وذا إنائك: أي ما في إنائك من الشراب، معناه: أن الضيف لما نزل بالمضيف
أكرم مثواه وبالغ في تهيئة الشراب واللبن، فقال له الضيف وهو يسقيه ما في الإناء: حسبي ما شربته، فقال له
الساقي: أقسم بالله لتشربن جميع ما في إنائك من اللبن. وحلفة منصوب على المصدر لآليت، لأن تقديره أحلف
بالله، ولتغنى بفتح لام القسم، ولتغنى على تقدير ثبوت النون الخفيفة في النية وإن كانت محذوفة من اللفظ،
وإنما أضاف الإناء إلى كاف الخطاب، وليس الإناء للمخاطب وإنما هو للمتكلم لما كان بين المخاطب وبين الإناء
نوع ملابسة.
(برى لحمها سير الفيافي وحرها * وما بقيت إلا الضلوع الجراشع)
هو للبيد. في سورة يس عند قوله تعالى (إن كانت إلا صيحة واحدة) العامة على نصب الصيحة، على أن
كان ناقصة واسمها ضمير الأخذة لدلالة السياق وصيحة خبرها، والقياس والاستعمال على تذكير الفعل لأن
المعنى: ما وقع شئ إلا صيحة، ولكنه نظر إلى ظاهر اللفظ وأن الصيحة في حكم فاعل الفعل، ومثلها في قراءة
الحسن (فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم) وبيت لبيد * وما بقيت إلا الضلوع الجراشع *
وقال آخر: ما سلمت من ريبة وذم * في حربنا إلا بنات العم
والجرشع: العظيم الصدر الواسع البطن، وفي معناه قول الشاعر:
مشق الهواجر لحمهن مع السرى * حتى ذهبن كلاكلا وصدورا
وأين هذه من قوله:
شجعاء جرتها الذميل تلوكه * أصلا إذا راح المطي غراثا
وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الأحقاف عند قوله تعالى (فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم) على تقدير
القراءة بالتاء وترك تسمية الفاعل وهو ضعيف، لأنه إذا كان الفاصل إلا يمنع لحوق علامة التأنيث في الفعل إلا
في ضرورة كقوله * وما بقيت إلا الضلوع الجراشع * القراءة بالياء أقوى لأنه لا يقال ما جاءتني إلا امرأة،
بل يقال ما جاءني إلا امرأة: أي أحد أو شئ إلا امرأة. واعلم أن جميع تراكيب القرآن لا يلزم أن تكون أفصح على
449

الاطلاق، بل بعضه أفصح وبعضه فصيح، فيكون واردا على جميع طرق الكلام وفنونه، وقد تقدم الكلام على
ذلك عند قوله: * وألحق بالحجاز فأستريحا * فليراجع.
(وما المرء إلا كالشهاب وضوئه * يحور رمادا بعد إذ هو ساطع)
في سورة يس عند قوله تعالى (فإذا هم خامدون) أي كما تخمد النار فتعود رمادا كما في قول لبيد يحور رمادا
.
الشهاب: شعلة نار ساطع. يحور: أي يرجع، وسطع النور سطوعا: انتشر وانبسط: يعني ليس المرء في حالة
الشباب إلا كمثل الشهاب الساطع، وكما أن آخر النار الرماد كذلك عاقبة الإنسان يرجع بالموت رمادا، وفي معناه
قول المعري:
وكالنار الحياة فمن دخان * أوائلها وآخرها رماد
وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الانشقاق عند قوله تعالى (إنه ظن أن لن يحور) أي يرجع إلى الله
تعالى تكذيبا بالمعاد، ويقال لا يحور ولا يحول: أي لا يرجع ولا يتغير: قال لبيد: يحور الخ. وعن ابن عباس:
ما كنت أدري ما معنى يحور حتى سمعت أعرابيا يقول لبنت له: حوري: أي ارجعي، وبعد البيت:
وما المال والأهلون إلا وديعة * ولا بد يوما أن ترد الودائع
والبيت للبيد من قصيدته المشهورة التي أولها:
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع * وتبقى الجبال بعدنا والمصانع
أليس ورائي إن تراخت منيتي * لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
أخبر أخبار القرون التي مضت * أدب كأني كلما قمت راكع
وآخرها: لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى * ولا زاجرات الطير ما الله صانع
(إن عليك الله أن تبايعا * تؤخذ كرها أو ترد طائعا)
في سورة ص عند قوله تعالى (والحق أقول) على تقدير نصب الحقين على أن الأول مقسم به حذف
حرف القسم فانتصب كقوله * فذاك أمانة الله الثريد * و * ألا رب من قلبي له الله ناصح * كالله في:
* إن عليك الله أن تبايعا * وجوابه (لأملأن - والحق أقول) اعتراض بين المقسم به والمقسم عليه، ومعناه:
ولا أقول إلا الحق. قال أبو البقاء: إلا أن سيبويه يرفعه لأنه لا يجوز حذف حرف القسم إلا مع اسم الله، ويجوز
نصبه على الإغراء: أي الزموا الحق، ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا لمضمون الجملة: أي قوله لأملأن،
وبرواية أخرى * إن علي الله أن تبايعا * نصب اسم الله بأن: أي إن علي يمين الله تعالى، وتؤخذ منصوب
بدل من تبايع: أي إن علي يمين الله أن تؤخذ، وبدل الفعل من الفاعل كبدل الاسم من الاسم.
(قد أصبحت أم الخيار تدعى * علي ذنبا كله لم أصنع)
لأبي النجم العجلي. في سورة ص عند قوله تعالى (فالحق والحق أقول) أي أقوله كقوله تعالى في قراءة ابن
عامر (وكل وعد الله الحسنى) وقول أبي النجم: قد أصبحت الخ، وبعد البيت:
من أن رأت رأسي كرأس أصلع * يا بنت عمى لا تلومي واهجعي
أي إن هذه المرأة أصبحت تنسب إلي ذنبا ما صنعته، وتلومني على الشيب وهو ذنب الأيام لا ذنبي كما قال:
450

أشاب الصغير وأفنى الكبير * كر الغداة ومر العشي
وتقدم قريبا قوله:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت * من الحوادث إلا الشيب والصلعا
والرفع على قراءة ابن عامر هو الرواية، لأن المعنى على السلب الكلي ولو نصب لكان سلبا جزئيا، والعدول إلى
الرفع عن الفصيح مع استلزامه الحذف الذي هو خلاف الأصل دليل إني على ما ذكر من الفائدة.
(أما تتقين الله في جنب وامق * له كبد حرى عليك تقطع)
في سورة الزمر عند قوله تعالى (يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) الجنب: الجانب. يقال: أنا في جنب
فلان وجانبه وناحيته وفلان لين الجنب والجانب، ثم يقال: فرط في جنبه وفي جانبه: يريدون في حقه كما
في البيت المذكور، وهذا من باب الكناية، لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه، ألا
ترى إلى قوله:
إن السماحة والمروءة والندى * في قبة ضربت على ابن الحشرج
والشعر لجميل بن معمر وهو أحد عشاق العرب المشهورين بذلك، وصاحبته بثينة، وهما جميعا من عذرة.
والبيت المذكور من قصيدة عينية طويلة أولها قوله:
أهاجك أم لا بالمداخل مربع * ودار بأجرع الغديرين بلقع
ديار لسلمى إذ نحل بها معا * وإذ نحن منها بالمودة نطمع
وإن يك قد شطت نواها ودارها * فإن النوى مما تشت وتجمع
إلى الله أشكو لا إلى الناس حبها * ولا بد من شكوى حبيب يروع
ألا تتقين الله فيمن قتلته * فأمسى إليكم خاشعا يتضرع
فإن يك جثماني بأرض سواكم * فإن فؤادي عندك الدهر أجمع
إذا قلت هذا حين أسلو وأجتري * على هجرها ظلت بها النفس تشفع
أما تتقين البيت، وبعده:
غريب مشوق مولع باد كاركم * وكل غريب الدار بالشوق مولع
فأصبحت مما أوجع الدهر موجعا * وكنت لريب الدهر لا أتخشع
فيا رب حببني إليها وأعطني ال‍ * مودة منها أنت تعطى وتمنع
(كلفت مجهولها نفسي وشايعني * همي عليها إذا ما آلها لمعا)
للأعشى، وبعده:
بذات لوث عفرناة إذا عثرت * فالتعس أولى لها من أن يقال لعا
في سورة القتال عند قوله تعالى (فتعسا لهم وأضل أعمالهم) التعس: الهلاك ضد الانتعاش، ويقال للعاثر لعا
لك دعاء بأنه ينتعش، يريد الشاعر أن العثور والانحطاط أقرب لها من الانتعاش والثبوت: أي رب بلدة مجهولة
451

الأعلام كلفت نفسي قطعها وشايعني همي على قطعها إذا سرابها لمع. قوله بذات لوث، اللوث من الأضداد:
وههنا بمعنى القوة: أي بناقة قوية أي تواتي همي على قطع هذه البلدة المجهولة التي لا أعلام لها بناقة ذات قوة غليظة
(ما شئت من زهزهة والفتى * بمصقلاباذ لسقى الزروع)
في سورة ق عند قوله تعالى (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) أي قلب واع، لأن من لا يعي قلبه
فكأنه لا قلب له. وإلقاء السمع: الإصغاء. وهو شهيد: أي حاضر بفطنته، لأن من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب.
والزهزهة من قول فارسي، يقال له عند الاستحسان زهازه. قال الزمخشري: وقد لمح الإمام عبد القاهر في قوله
لبعض من يأخذ عنه ولا يحضر ذهنه بذلك البيت: يعني أن قول التلميذ في حال تعليمه إياه زه زه كثير ولكن قلبه
غائب عنه وذاهب إلى مصقلاباذ يسقي زرعه، وقبله:
يجئ في فضله وقت له * مجئ من شاب الهوى بالنزوع
ثم يرى جبلة مشبوبة * قد شددت أحماله للنسوع
ما شئت الخ، ومصقلاباذ: محلة بجرجان، ذكر في الآية ما يفيد أن الأول أعني لمن كان له قلب تمثيل، وأن قوله
وهو شهيد إما من الشهود بمعنى الحضور والمراد التفطن، لأن غير المتفطن منزل منزلة الغائب فجاز أن يكون
استعارة وجاز أن يكون مجازا مرسلا والأول أولى، وإما من الشهادة وصفا للمؤمن لأنه شهد على صحة المنزل وكونه
وحيا من الله تعالى فيبعثه على حسن الإصغاء، أو وصفا من قوله (لتكونوا شهداء على الناس) كأنه قيل: هو من
جملة الشهداء: أي من المؤمنين من هذه الأمة. فهو كناية على الوجهين. وجاز أن يقال على الأول من هذين
الوصف مقصود.
(قد حصت البيضة رأسي فما * أطعم نوما غير تهجاع
أسعى على حبل بني مالك * كل امرئ في شأنه ساعي)
هو لأبي القيس بن الأسلت. في سورة والذاريات عند قوله تعالى (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) حص
شعره: إذا حلقه. والبيضة: المغفر. والهجوع: الفرار من النوم. والمراد انحسار الشعر عن الرأس باعتبار لبس
المغفر وإدمانه إياه (أمن المنون وريبه تتوجع * والدهر ليس بمعتب من يجزع)
في سورة الطور عند قوله تعالى (نتربص به ريب المنون) وريب المنون: ما يقلق النفس ويشخص بها من
حوادث الدهر * والدهر ليس بمعتب من يجزع * أي لا يعتب الجازع ولا يزيل عتبه كما قيل:
عن الدهر فاصفح إنه غير معتب * وفي غير من قد وارت الأرض فاعتب
ومن ذلك قول القائل:
ولو أن غير الموت شيئا أصابهم * عتبت ولكن ما على الموت معتب
والبيت لأبي ذؤيب الهذلي من قصيدة طويلة يرثى بها بنيه. قيل وهي أجود مرثية قالتها العرب، وأولها:
قالت أمامة ما لجسمك شاحبا * منذ ابتذلت وقل مالك ينفع
أم ما لجنبك لا يلاطم مضجعا * إلا أقض عليك ذاك المضجع
فأجبتها ارثي لجسمي إنه * أودى بني من البلاد فودعوا
452

أودى بني وأعقبوني حسرة * بعد الرقاد وعبرة ما تقلع
فالعين بعدهم كأن حداقها * كحلت بشوك فهي عور تدمع
فغبرت بعدهم بعيش ناصب * وإخال أنى لاحق مستتبع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم * فإذا المنية أقبلت لا تدفع
وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع
وتجلدي للشامتين أريهم * أني لريب الدهر لا أتضعضع
حتى كأني للحوادث مروة * بصفا المشرف كل يوم تقرع
والدهر لا يبقى على حدثانه * جون السراة له جدائد أربع
الجدائد: الأتن التي جفت ألبانها، وقد تقدم الكلام على معنى بعض الأبيات:
(من يرجع العام إلى أهله * فما أكيل السبع بالراجع)
في سورة النجم عند قوله تعالى (والنجم إذا هوى) عن عروة بن الزبير أن عتبة بن أبي لهب وكانت تحته
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أراد الخروج إلى الشام فقال: لآتين محمدا فلأوذينه، فأتاه فقال: يا محمد
هو كافر بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه ابنته
وطلقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك، وكان أبو طالب حاضرا فوجم
لها وقال: ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة، فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره، ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا
منزلا، فأشرف عليهم راهب من الدير فقال لهم: هذه الأرض مسبعة، فقال أبو لهب لأصحابه أغيثونا يا معشر
قريش هذه الليلة فإني أخاف على ابني دعوة محمد، فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم وأحدقوا بعتبة، فجاء الأسد
يتشمم وجوههم حتى ضرب عتبة فقتله، فقال حسان:
من يرجع العام إلى أهله * فما أكيل السبع بالراجع
(فأدرك إبقاء العرادة ظلعها * وقد جعلتني من خزيمة أصبعا)
في سورة النجم عند قوله تعالى (قاب قوسين) وقد جاء التقدير بالقوس والرمح والسوط والذراع والباع
والخطو والشبر والفتر والأصبع قال: * وقد جعلتني من خزيمة أصبعا *
وإبقاء الفرس: ما تبقيه من العدو إلى أن تقرب من المقصد، ومن عادة الخيل أن تبقى من عدوها بقية لوقت الحاجة
إليها فمتى ما استمشت بعد الكر والعمل أعطتها. والعرادة: اسم فرس القائل. والظلع بالتسكين: الغمز في المشي
لوجع في الرجل، يقال ظلع البعير فهو ظالع. يقول: إنها لما وصلتني إلى العدو، الذي هو خزيمة، وبقي بيني
وبينه قدر مسافة أصبع عرض لها ظلع، وهو داء يكون في الرجل، ففات مني وهرب. وقوله أصبعا: أي
مقدار مسافة أصبع، وقائل الشعر الأسدي يصف فرسا وهو من قصيدة من الطويل أولها:
فإن تنج منها يا خزيم بن طارق * فقد تركت ما خلف ظهرك بلقعا
ونادى منادى الحي أن قد أتيتم * وقد شربت ماء المزادة أجمعا
أمرتكم أمرى بمنعرج اللوى * ولا أمر للمعصي إلا مضيعا
453

إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت * حبال الهويني بالفتى أن تقطعا
(تعبدني نمر بن سعد وقد أرى * ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع)
في سورة القمر عند قوله تعالى (مهطعين إلى الداع) أي مسرعين مادي أعناقهم إليه، وقيل ناظرين إليه
لا يقلعون بأبصارهم. والتعبد: اتخاذ الناس عبيدا. يقول: تعبدني هذا الرجل وكان قبل هذا مطيعا لي وناظرا إلي
لا يقلع بصره عني ينتظر مراسمي. وقوله تعبدني إخبار في صورة الإنكار كقوله: أفرح أن أرزأ الكرام، وقد تقدم.
(وإني لأستوفي حقوقي جاهدا * ولو في عيون النازيات بأكرع)
في سورة القمر عند قوله تعالى (على ذات ألواح ودسر) أراد السفينة وهي من الصفات التي تقوم مقام
الموصوفات فتنوب منابها وتؤدي مؤداها، ونحوه: * ولو في عيون النازيات بأكرع *
أراد: ولو في عيون الجراد النازيات الواثبات. بأكرع: بسوق دقيقة، أراد ولو في عيون الجراد، سماهن بذلك
لأنهن ينزين بالأكرع وهي أرجلهن. والنزو: الوثب. يصف الشاعر هزال الإبل وأنها لضمورها ترى أشخاصها
في عين ما يقابلها حتى في عين الجراد لأن النزو بالأكرع يختص بها.
(وقمت إليه باللجام ميسرا * هنالك يجزيني الذي كنت أصنع)
في سورة القمر عند قوله تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر) سهلناه للادكار والاتعاظ، بأن شحناه بالمواعظ
الشافية فهل من متعظ. وقيل ولقد سهلناه للحفظ. وقيل المعنى: ولقد هيأناه للذكر: من يسر ناقته للسير: إذا
أرسلها، ويسر فرسه للغزو: إذا أسرجه وألجمه. قال * وقمت إليه باللجام ميسرا * الخ. يقول: وقمت
إلى فرسي مهيئا له باللجام للدفاع والقتال، ثم قال: في ذلك الوقت يجزيني ما أعايشه وأعامله به من إيثار اللبن
والتضمير والتعليف، وهو من أبيات الحماسة. قال: كان البدوي يقف على فرسه ناقة أو ناقتين فكان يسقيه لبنها.
يقول: ساعة يسرج يجزى هذا الفرس ما كنت أصنع في شأنه من إعطاء اللبن. فقوله هنالك إشارة إلى ذلك
الوقت على سبيل الاستعارة، أو إشارة إلى مكان القتال لقوله: فقمت إليه باللجام الخ.
مسسنا من الآباء شيئا وكلنا * إلى نسب في قومه غير واضع)
في سورة الجن عند قوله تعالى (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا) اللمس: المس،
أستعير للطلب لأن الماس طلب متعرف، قال: مسسنا الخ، وهو من أبيات الحماسة. يخاطب الشاعر بني عمه
ويفتخر بأنه مخول أيضا دونهم فيقول: طلبنا من قبل الآباء بالتفاخر فكنا فرسي رهان، ثم طلبنا من قبل الأمهات
فكان بنو عمكم: يعني آباء الشاعر كرام المضاجع كناية عن الأزواج وما أحسنها. وهذا من أحسن المعاريض لأن
المراد: كنا من طرف الآباء سواء، وكانت أمهاتنا أشرف من أمهاتكم. ومن هذا الباب. قوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة * ولن تجدي من أن تقري به بدا
وعلى عكس ذلك قوله:
لا تزدرين فتى من أن يكون له * أم من الروم أو سوداء عجماء
فإنما أمهات الناس أوعية * مستودعات وللآباء أبناء
وقد تقدم الكلام على البيتين في محلهما على سبيل البسط والإطناب بما يستحسنه ذوق أولى الألباب.
454

(جذمنا قيس ونجد دارنا * ولنا الأب به والمكرع)
في سورة عبس عند قوله تعالى (وفاكهة وأبا) الجذم بالكسر والفتح: الأصل، وجذم القوم: أصلهم.
والأب: المرعى لأنه يئوب وينتجع، والأب والأم أخوان. قيل إن بعضهم خاطب مخدوما وقال له: أنت عندنا
مثل الأب بتشديد الباء. فقال له: لعلك ترعاني. والمكرع: المنهل، يقال كرع الماء: أي تناوله بفيه. يقول:
أصلنا من قبيلة قيس ومرعانا ومنهلنا نجد.
(قوم إذا نقع الصريخ رأيتهم * من بين ملجم مهره أو سافع)
في سورة العلق عند قوله تعالى (لنسفعا بالناصية) السفع: القبض على الشئ وجذبه بشدة. نقع الصوت:
إذا ارتفع. الشاعر يصفهم بالسرعة إلى الحرب والنصرة، حتى إن بعضهم يأخذ بناصية مهره ولا يلجمه تعجيلا
من الإجابة، ولهذا خص المهر لأنه حاضر يرى في البيت. والأسفع: الذي أصاب خده لون يخالف سائر لونه
من سواد. وقيل في قوله تعالى (لنسفعا بالناصية) أي لنعلمنه علامة أهل النار فيسود وجهه وتزرق عينه
فاكتفى بالناصية من سائر الوجه لأنها في مقدم الوجه.
حرف الفاء
(وغيضة الموت أعني البذ قدت لها * عرمرما لخروق الأرض معتسفا
كانت هي الوسط المحمى فاكتنفت * بها الحوادث حتى أصبحت طرفا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) الغيضة في الأصل: مغيض ماء يجتمع فينبت
فيه الشجر وههنا المعسكر. والبذ: اسم موضع. وعرمرما: أي جيشا. وخروق الأرض: طرائقها. والعسف:
ركوب الأمر من غير تدبير، وعسف عن الطريق: أي حاد عنه. والوسط: المحمى. يقال للخيار وسط لأن
الأطراف يتسارع إليها الخلل. والأعواز والأوساط محمية محفوظة، ومعناه: مجتمع العسكر، قدت لها عسكرا
كثيرا من كثرتهم لا يقدرون أن يسيروا سواء السبيل بل يعتسفون عنه، وكانت تلك المعركة وسطا محميا لا يتطرق
إليه الفساد، فأصبحت بتلك الوقعة طرفا يتسارع إليه الفساد. والشعر لأبي تمام يصف فيه البذ وهي قلعة بابك
الخرمي ظهر في أيام المعتصم، وبعده:
وظل بالظفر الأفشين مرتديا * وبات بابكها بالذل ملتحفا
والأفشين كان صاحب جيش المعتصم، والقصيدة في مدحه.
[تتمة] قولهم العشر الأوسط عامي، ولا عبرة بما فشا على ألسنة العوام مخالفا لما نقله أئمة اللغة، لأن العشر
جمع والأوسط مفرد ولا يتبع الجمع بمفرد، على أنه يحمل على غلط الكتاب بإسقاط الألف من الأواسط والهاء
من العشرة.
(إن لنا أحمرة عجافا * يأكلن كل ليلة إكافا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ما يأكلون في بطونهم إلا النار) يعني فعلفها كل ليلة ثمن إكاف. وفي المثل:
تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها: أي لا تأكل أجرة الرضاع. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة التوبة عن قوله
تعالى (ليأكلون أموال الناس بالباطل) من حيث أن الأموال يؤكل بها فهي سبب الأكل.
455

(إليك أمير المؤمنين رمت بنا * شعوب النوى والهوجل المتعسف
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع * من المال إلا مسحت أو مجلف)
هو للفرزدق. في سورة البقرة عند قوله تعالى (فشربوا منه إلا قليل منهم) حيث رفع مسحت مع كونه
استثناء مفرغا في موضع المفعول به وهذا من ميلهم مع المعنى لأنه في موضع الفاعل والإعراض عن اللفظ جانبا،
وهو باب جليل من علم العربية، فلما كان معنى فشربوا في معنى فلم يطيعوه حمل عليه كأنه قال: فلم يطيعوا إلا
قليل منهم. وأتى الزمخشري في سورة طه إلا مسحت أو مجلف وقال: بيت لم تزل الركب تصطك في تسوية
إعرابه. فمن روى إلا مسحت أو مجلف كأنه قال: لم يبق من المال إلا مسحت أو مجلف، ومن روى إلا مسحتا
أو مجلف فإنه رفع مجلف بالعطف على المعنى، لأن المعنى في قوله لم يدع إلا مسحتا بقى مسحت فكأنه قال: وبقى
مجلف. وقال بعض النحاة: لم يدع: أي لم يستقر، فعلى هذا المعنى لم يدع من المال إلا مسحت أو مجلف: أي
لم يستقر من المال ويرتفع مسحت بفعله. قيل سئل الفرزدق إن كان من الموجب فهلا قلت مجلفا؟ وإن كان من
غيره فهلا قلت مسحت؟ فقال: قلت ذلك لتشقى به النحويون.
(هو الخليفة فارضوا ما رضي لكم * ماضي العزيمة ما في حكمه جنف)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (وذروا ما بقي من الربا) حيث قرئ بسكون الياء كما في قوله ما رضي لكم.
(لقد زاد الحياة إلي حبا * بناتي أنهن من الضعاف
مخافة أن يذقن البؤس بعدي * وأن يشربن رنقا بعد صاف
وأن يعرين إن كسى الجواري * فتنبو العين عن كرم عجاف
ولولا هن قد سومت مهري * وفي الرحمن للضعاف كاف)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (مثل ما ينفقون) حيث شبه ما كانوا ينفقون من أموالهم في المكارم والمفاخر
وكسب الثناء وحسن الذكر بين الناس لا يبتغون به وجه الله تعالى بالزرع الذي حسه البرد فذهب حطاما على تقدير
أن يكون من قولك إن ضيعني فلان ففي الله كاف. قائل هذا رجل من تيم، وكان قد تلوم في الخروج إلى الغزو
ومنعته الشفقة على بنيات له وفقد من يعولهن بعده. الرنق: كدر الماء. ونبا عنه: إذا فارقه. والعجاف جمع
أعجف: وهو الذي لا سمن له. وسومت مهري: أي جعلت له علامة، والسيمياء العلامة. يقول: إن جبني
وتخلفي عن الغزو لهؤلاء البنات فإني إن قتلت لم يبق من يكسب لهن فعرين وجعهن ونبت عين من يتزوجهن عنهن،
ولولا هن سومت مهري للغزو.
(لجماعة سموا هواهم سنة * وجماعة حمر لعمري موكفه
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا * شنع الورى فتستروا بالبلكفه)
البيتان للزمخشري. عند قوله تعالى (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل) إلى آخر الآية. موكفه من الإكاف:
وهو البرذعة. والبلكفة قولك بلا كيف يقرر مذهبه في نفي الرؤية، ويقدح في أهل السنة والجماعة الذين يصدقون
بأن رؤية الله تعالى حق، ويقولون نرى ربنا يوم القيامة بلا كيف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنكم ترون
ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته " وكان الشافعي رضي الله عنه يتمسك في إثبات
456

الرؤية بقوله تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) قال: لما حجب الكفار بالسخط دل على أن الأولياء
يرونه في الرضا. " وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رؤية العباد ربهم يوم القيامة؟ فقال: منهم من ينظر إلى
ربه في السنة مرة، ومنهم من ينظر إلى ربه في الشهر مرة، ومنهم من ينظر إلى ربه في الجمعة مرة، ومنهم من ينظر
إلى ربه بكرة وعشية " رزقنا الله تعالى رؤيته في الآخرة كما رزقنا في الدنيا بكرمه معرفته. ولقد عورض ما أنشده
وأنشأه من الهذيان بأبيات ذكرها السكوني في التمييز، وهي:
سميت جهلا صدر أمة أحمد * وذوي البصائر بالحمير الموكفه
ورميتهم عن نبعة سميتها * رمى الوليد غدا يمزق مصحفه
وزعمت أن قد شبهوه بخلقه * وتخوفوا وتستروا بالبلكفه
نطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى * فهوى الهوى بك في المهاوي المتلفه
وجب الخسار عليك فانظر منصفا * في آية الأعراف فهي المنصفه
أترى الكليم أتى بجهل ما أتى * وأتوا شيوخك ما أتوا عن معرفه
(أنى ألم به الخيال يطيف * ومطافه لك ذكره وشغوف)
هو لكعب بن زهير عند قوله تعالى (إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)
طيف من الشيطان: لمة منه، من قولهم: طاف به الخيال يطيف طيفا. وأنى معناه: فكيف وأين. وألم: أي
نزل، والإلمام: الزيارة. والشغوف: امتلاء القلب من الحب.
(للبس عباءة وتقر عيني * أحب إلي من لبس الشفوف)
في سورة هود عند قوله تعالى (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) بالنصب بإضمار أن، كأنه قال:
لو أن لي قوة أو أويا، وجواب لو محذوف تقديره لدفعتكم. العباء: نوع من الأكسية فيه خطوط سود.
والشفوف: الرقاق من الثياب، والشف من الستور: الذي يرى ما خلفه. تقول: لبس ثياب خشنة من حلال بلا
رعونة وبعده تقر عيني أحب إلي من لبس ثياب تنعم وتكلف فيها سخنة عيني في المآل. قال سيبويه: التقدير
للبس عباءة وأن تقر عيني، فهو كقوله (أو يرسل رسولا) في تقدير وأن يرسل رسولا، والبيت قالته ميسون بنت
بحدل الكلبية زوجة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وأم ابنه يزيد، وكانت بدوية الأصل فضاقت نفسها لما
تسرى عليها فعذلها عن ذلك معاوية وقال لها: أنت في ملك عظيم وما تدرين قدره، وكنت قبل اليوم في العباءة،
فقالت: للبس عباءة الخ، ومنها:
وبيت تخفق الأرياح فيه * أحب إلي من قصر منيف
وبكر تشبع الأظعان سقيا * أحب إلي من بغل زفوف
وكلب ينبح الطراق عني * أحب إلي من قط ألوف
وخرق من بني عمي نحيف * أحب إلي من جلف عليف
ولبس عباءة وتقر عيني الخ.
فما أبغي سوى وطني بديلا * فحبي ذاك من وطن شريف
457

قولها جلف عليف: أرادت به معلوف، ويروى من علج عنيف. قال أبو الحجاج: تعني بذلك معاوية
لقوته وشدته مع سمنه ونعمته.
(إني على ما ترين من كبرى * أعرف من أين تؤكل الكتف)
في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر) بمعنى مع كما في البيت وهو في موضع
الحال، معناه: وهب لي وأنا كبير في حال الكبر. يقول: إني مع ما ترين يا محبوبة من كبرى أعرف الأشياء حق
معرفتها لأني مارستها طول الزمان وما أصابني خرف. يضرب هذا المثل للرجل الداهي. قال بعضهم: تؤكل
الكتف من أسفلها ومن أعلى يشق عليك. ويقولون: تجري المرقة بين لحم الكتف والعظم، فإذا أخذتها من أعلى
جرت عليك المرقة وانصبت، وإذا أخذتها من أسفلها انقشرت عن عظمها وبقيت المرقة كأنها ثابتة
(أزهير هل عن شيبة من مصرف * أم لا خلود لباذل متكلف)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (ولم يجدوا عنها مصرفا) أي معدلا، وزهير ترخيم زهيرة اسم امرأة، والبيت
لأبي كبير الهذلي: أي يا زهيرة هل انصراف عن الشيب، والاستفهام للإنكار: أي لا يقدر أحد أن ينصرف عنه
فيأخذ غير طريقه، أم لا خلود لأحد يبذل ما عنده ويتكلف بذله على مشقته، وأراد بقوله أم لا خلود أنه
لا مصرف عن الشيب، لأنه لو كان عنه مصرف لأمكن الخلود.
(وقالت حنان ما أتى بك ههنا * أذو نسب أم أنت بالحي عارف)
أنشد سيبويه هذا البيت في كتابه ولم يعزه إلى أحد. واستشهد به في سورة مريم عند قوله تعالى (وحنانا من
لدنا) وقيل لله حنان كما قيل رحيم على سبيل الاستعارة. وقال ابن عباس: كل القرآن أعلمه إلا أربعا: غسلين،
وحنان، والأواه، والرقيم. كأن الشاعر أنكر مجيئه إلى الحي فقال له: قل رحمة منك ما أتى بك إلى هنا أقريب
ذو نسب أتى بك، والبيت لمنذر بن درهم الكلبي، وقبله:
وأحدث عهد من أمينة نظرة * على جانب العلياء إذ أنا واقف
وبعده البيت، وهو خبر مبتدأ محذوف: أي الذي أتى بك عندنا أو أمرنا حنان، ومنه قوله:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا * حنانيك بعض الشر أهون من بعض
(وذبيانية وصت بنيها * بأن كذب القراطق والقروف)
في سورة العنكبوت عند قوله تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) ووصى حكمه حكم أمر كما تقول:
وصيت زيدا أن يفعل كذا: أي أمرته، ومنه قوله تعالى (ووصى بها إبراهيم بنيه) أي وصاهم بكلمة التوحيد
وأمرهم بها: أي امرأة ذبيانية، وذبيان: اسم قبيلة. وكذب معناه الإغراء: أي عليكم به. قال في الصحاح:
وكذب قد تكون بمعنى وجب، وفي الحديث " ثلاثة أسفار كذبن عليكم " قال ابن السكيت: كأن كذب ههنا
إغراء: أي عليكم به وهي كلمة نادرة جاءت على غير قياس. وجاء عن عمر رضي الله عنه: كذب عليكم الحج:
أي وجب. قال الأخفش: فالحج مرفوع بكذب ومعناه كتب، لأنه يريد أن يأمر بالحج كما يقال أمكنك الصيد:
أي ارمه، قال الشاعر:
كذب العقيق وماء شن بارد * إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي
458

والقراطق جمع القرطق: وهي القطيفة المخملة. والقروف: أوعية من أدم، وقيل القروف: شئ من جلود يجعل
فيه اللحم المطبوخ بالتوابل. يصف امرأة ذبيانية وصت بنيها بحفظ القراطق والقروف.
(أخوك الذي لا تملك الحس نفسه * وترفض عند المحفظات الكتائف)
في سورة الأحزاب عند قوله تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) المراد بالأمانة:
الطاعة، وعرضها على الجمادات وإباؤها وإشفاقها مجاز، وأما حمل الأمانة فمن قولك فلان حامل الأمانة ومحتمل
لها، يريد أنه لا يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمته، لأن الأمانة كأنها راكبة للمؤتمن عليها وهو حاملها، ألا
ترى أنهم يقولون: ركبته الديون ولي عليه حق، ونحوه قولهم: لا يملك مولى لمولى نصرا يريدون أنه يبذل له النصرة
ويسامحه بها ولا يمسكها كما يمسكها الخاذل، ومنه قول القائل أخوك الذي الخ: أي لا يمسك الرقة والعطف إمساك
المالك الضنين ما في يده بل يبذل ذلك ويسمح به، ومنه قولهم أبغض حق أخيك لأنه إذا أحبه لم يخرجه إلى أخيه
ولم يؤده، وإذا أبغضه أخرجه وأداه، والحس مصدر قولك حس له، أي رق له، والبيت لذي الرمة، وأحفظه
إذا أغضبه ومنه بيت الحماسة:
إذا لقام بنصري معشر خشن * عند الحفيظة إن ذو لوثة لأنا
وارفضاض الدمع: ترششه. والكتيفة: السخيمة والحقد: أي لا يمسك. والمعنى: أخوك الذي إن أصابك من
أحد ما يسوءك يغضب لك وترتعد كتائفه منه ولا تملك نفسه الحس والعقل والنظر في العواقب في تأخير الإنتقام.
والمحفظات من أحفظه: إذا أغضبه. والكتيفة: الضغينة أي هو الذي إذا رآك مظلوما رق لك وذهب حقده.
(ما أنس سلمى غداة تنصرف * تمشي رويدا تكاد تنغرف)
في سورة ص عند قوله تعالى (ولي نعجة واحدة) في قراءة ابن مسعود: ولي نعجة أنثى، كأنه وصفها
بالعراقة في لين الأنوثة وفتورها. والغرف: غرفك الماء باليد وبالمغرفة. فرس غراف: كثير الأخذ من الأرض
بقوائمه. وصفها بالأناة والتؤدة وأنها تكاد تنغرف من الأرض بوطئها إياها: أي قريب من ذلك، وسيأتي
لهذا زيادة إيضاح عند شرح قوله:
فتور القيام قطيع الكلام * لعوب العشاء إذا لم تنم
(أودى جميع العلم مذ أودى خلف * من لا يعد العلم إلا ما عرف
راوية لا يجتنى من الصحف * فليذم من العياليم الخسف)
في سورة المؤمن عند قوله تعالى (وقال الذين في النار لخزنة جهنم) أي للقوام بتعذيب أهلها. قال في
الكشاف: إن قلت هلا قيل الذين في النار لخزنتها؟ قلت: لأن في ذكر جهنم تهويلا وتفظيعا، ويحتمل أن جهنم
هي أبعد النار قعرا من قولهم: بئر جهنام بعيدة القعر، وقولهم في النابغة جهنام تسمية بها لزعمهم أنه يلقى الشعر على
لسان المنتسب إليه، فهو بعيد الغور في علمه بالشعر، كما قال أبو نواس في خلف الأحمر: فليذم الخ. والشعر
لأبي نواس في خلف بن أحمد الأحمر الذي قيل فيه:
خلف بن أحمد أحمد الأخلاف * أربى بسؤدده على الأسلاف
قوله راوية: أي كثير الرواية، لا يجتنى العلم من الصحف لأنه محفوظ في صدره. فليذم: أي بئر غزيرة
الماء. والعيلم: الركية الكثيرة الماء. والخسف: البعيدة الغور.
459

(يحيى رفات العظام بالية * والحق يا مال غير ما تصف)
في سورة الزخرف عند قوله تعالى (ونادوا يا مالك) بحذف الكاف للترخيم، كقوله: والحق يا مال غير
ما تصف. وقيل لابن عباس: إن ابن مسعود قرأه: ونادوا يا مال، فقال: ما أشغل أهل النار عن الترخيم. وعن
بعضهم: حسن الترخيم أنهم يقتطعون بعض الاسم لضعفهم وعظم ما هم فيه، وقريب من هذا ما قالوه في تعريف
المسند إليه للاختصار كما في قوله:
هواي مع الركب اليمانين مصعد * جنيب وجثماني بمكة موثق
حيث عدل عن قوله الذي أهواه إلى قوله هواي لأنه أخصر منه، وسبب الإختصار ضيق المقام وفرط السآمة
لكونه في السجن والحبيبة على الرحيل:
أيا شجر الخابور مالك مورقا * كأنك لم تجزع على ابن طريف)
في سورة الدخان عند قوله تعالى (فما بكت عليهم السماء والأرض) والبيت لليلى بنت طريف ترثى أخاها
الوليد، وبعد البيت:
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى * ولا المال إلا من قنا وسيوف
حليف الندى ما عاش يرضى به الندى * فإن مات لم يرض الندى بحليف
فقدناه فقدان الربيع وليتنا * فديناه من ساداتنا بألوف
إلى أن قالت:
عليك سلام الله وقفا فإنني * أرى الموت وقاعا بكل شريف
والخابور: موضع كثير الشجر. قالت الخارجية ذلك على سبيل التمثيل في وجوب الجزع والبكاء عليه، وكذلك
ما يروى عن ابن عباس من بكاء مصلى المؤمن وآثاره في الأرض بل مصاعد عمله ومهابط رزقه في السماء تمثيل.
(دعاك الله من رجل بأفعى * ضئيل ينفث السم الذعافا)
في سورة المعارج عند قوله تعالى (تدعو من أدبر وتولى) تقول العرب: دعاك الله: أي أهلكك الله تعالى،
يقال دعا فلانا بما يكره: أي أنزل به. وسم ذعاف: قاتل
(الموقدي نار القرى الآصال * والأسحار بالاهضام والأشعاف
حمراء ساطعة الذوائب في الدجى * ترمى بكل شرارة كطراف)
هو لأبي العلاء. في سورة المرسلات عند قوله تعالى (كأنه جمالات صفر) الأهضام: الأرض المطمئنة.
والأشعاف جمع شعف، وشعف كل شئ: أعاليه. والعرب تفتخر بأنها توقد النار في الأودية والأماكن المرتفعة
كما قال أبو العلاء أيضا:
الموقدون بنجد نار أودية * لا يحضرون وفقد العز في الحضر
إذا همى القطر شبتها عبيدهم * تحت الغمائم للسارين بالقطر
شبهها بالطراف وهو بيت الأدم في العظم والحمرة. والمعنى: أن نيرانهم عظيمة فشرارها على مقدار عظمها.
460

ونعى عليه الزمخشري وقال: كأنه قصد بخبثه أن يزيد على تشبيه القرآن حيث قال (ترمي بشرر كالقصر) ولتبجحه
بما سول له من توهم الزيادة جاء في صدر البيت بقوله حمراء توطئة لها ومناداة عليها وتنبيها للسامعين على مكانها،
ولقد عمى - جمع الله له عمى الدارين - عن قوله عز وجل (كأنه جمالات صفر) فإنه بمنزلة قوله كبيت أحمر. وعلى
أن في التشبيه بالقصر وهو الحصن تشبيها من جهة العظم ومن جهة الطول في الهواء. وفي التشبيه بالجمالات
وهي
القلوص تشبيه من ثلاث جهات: من جهة العظم والطول والصفرة. فأبعد الله إغرابه في طرافه وما نفخ شدقيه
من استطرافه.
(أضحت خلاء قفارا لا أنيس بها * إلا الجآذر والظلمان تختلف
وقفت فيها قلوصي كي تجاوبني * أو يخبر الرسم عنهم أية صرفوا)
في سورة الليل عند قوله تعالى (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) مستثنى من غير جنسه وهو النعمة: أي لا لأحد
عنده نعمة إلا ابتغاء وجه ربه بالرفع على لغة من يقول: ما في الدار أحد إلا حمار. وأنشد بشر بن أبي خازم
في اللغتين: أضحت خلاء الخ. أية: أي أي وجه صرفوا نيتهم، الجآذر جمع جؤذر: وهو ولد المها. والظلمان
جمع ظليم: وهو النعام. تختلف: أي تتردد، وبرواية إلا الجوازئ وهي الظباء التي اجتزأت بالرطب عن شرب
الماء، واحدها جازئة.
(زعمتم إن إخوتكم قريش * لهم إلف وليس لكم إلاف
أولئك أو منوا جوعا وخوفا * وقد جاعت بنو أسد وخافوا)
البيتان لمساور بن قيس. في سورة قريش. ألفته إلافا ككتاب وألفته إلفا، وقد جمع الشاعر بينهما في قوله:
لهم إلف الخ: أي أهلكت أصحاب الفيل لإلاف قريش مكة ولتألف قريش (رحلة الشتاء والصيف) أي تجمع
بينهما. إذا فرغوا من ذه: أخذوا في ذه، والشاعر يهجو بني أسد ويقول: إنكم لستم من قريش ولا قريش منكم،
فدعواكم إخوتهم باطل لأنهم أطعموا من جوع وأومنوا من خوف، ولستم كذلك. وقولهم لهم إلف استئناف بيان،
والتعليق أقيم مقامه لدلالته عليه، ومن طريق هذا البيت قوله:
أيها المنكح الثريا سهيلا * عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت * وسهيل إذا استقل يماني
وقول الآخر: أيها المدعي سليما سفاها * لست منها ولا قلامة ظفر
إنما أنت من سليم كواو * ألحقت في الهجاء ظلما بعمرو
حرف القاف
(يا نفس مالك دون الله من واق * ولا للسبع بنات الدهر من راقى)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (وادعوا شهداءكم من دون الله) ومعنى دون أدنى مكان من الشئ، ومنه
تدوين الكتب لأنه إدناء البعض من البعض، ودونك هذا: أي خذه من أدنى مكان، ثم أستعير للرتب فقيل زيد
دون عمرو: أي في الشرف، ثم اتسع فيه فاستعمل في كل تجاوز حد إلى حد ومنه: يا نفس الخ.
461

(تريك القذى من دونها وهي دونه * إذا ذاقها من ذاقها يتمطق)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (وادعوا شهداءكم من دون الله) ومعنى دون أدنى مكان من الشئ وجاء ههنا
بمعنى القدام، وقال يصف زجاجة فيها خمر: أي قدامها، وزاد القائل في وصف رقة الزجاجة صفاء الخمر
كما قيل:
رق الزجاج وراقت الخمر * فتشابها وتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر
وفي معناه: تخفى الزجاجة لونها فكأنها * في الكف قائمة بغير إناء
(كأن عيني في غربي مقتلة * من النواضح تسقى جنة سحقا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (أن لهم جنات) وسمى الشجر المظلل بالجنة لالتفاف أغصانه للمبالغة كأنه يستر
ما تحته سترة واحدة، والبيت لزهير. شبه عينه في تذارف الدموع بالغرب: وهي الدلو العظيمة. والمقتل من
الدواب: الذي ذل ومرن على العمل. والناضح: الجمل الذي يسقى عليه، وتسقى جنة سحقا: أي نخلا طوالا،
وإنما خص النواضح المذللة لأنها تخرج الغرب وتنزعها من البئر ملأى، بخلاف الصعبة لأنها تنفر فيسيل الماء من
نواحي الغرب وزيادة. سحقا: أي طوالا في السماء وبعادا عن محل الاستقاء فتحتاج إلى ماء أكثر، وقد استشهد
بالبيت المذكور في سورة الشعراء عند قوله تعالى (في جنات وعيون وزروع ونخل). قال الزمخشري: إن قلت
لم قال ونخل بعد قوله في جنات والجنة تتناول النخل أول شئ كما يتناول النعم الإبل كذلك من بين الأزواج حتى
إنهم يذكرون الجنة ولا يريدون إلا النخيل كما يذكرون النعم ولا يريدون إلا الإبل كما في قول زهير تسقى جنة
سحقا؟ قلت: فيه وجهان: أن يخص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر تنبيها على انفراده عنها بفضله
عليها، وأن يريد بالجنات غيرها من الشجر لأن اللفظ يصلح لذلك ثم يعطف عليها النخل.
(فيها خطوط من سواد وبلق * كأنه في الجلد توليع البهق)
هو لرؤبة. في سورة البقرة عند قوله تعالى (عوان بين ذلك) فإن بين يقتضي شيئين فصاعدا، وإنما جاز ذلك
لأن أسماء الإشارة تثنيتها وجمعها ليست على الحقيقة ولذلك جاء الذي بمعنى الجمع. قال أبو عبيدة: قلت:
لرؤبة: إن أردت الخطوط فقل كأنها، وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما، فقال: أردت كأن ذاك، وقد
أجرى الضمير مجرى أسماء الإشارة، وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة النساء عند قوله تعالى (وآتوا النساء
صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا) حيث كان الضمير في منه جاريا مجرى اسم الإشارة كأنه قيل عن
شئ من ذلك كما قال تعالى (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) بعد ذكر الشهوات، أو يرجع الضمير إلى ما في معنى
الصدقات وهو الصداق. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة يس عند قوله تعالى (ليأكلوا من ثمره) على
تقدير رجوع الضمير إلى النخيل وتترك الأعناب غير مرجوع إليها لأنه علم أنها في حكم النخيل فيما علق به من
أكل ثماره، ويجوز أن يراد من ثمر المذكور وهو الجنات كما في قول رؤبة: فيها خطوط الخ. فقيل له فقال:
أردت كأن ذاك. ويجوز أن يرجع الضمير لله تعالى، والمعنى: ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر وأصله من ثمرنا، كما
قال: وجعلنا وفجرنا، فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريقة الالتفات.
(إذا قالت الأنساع للبطن الحق) تمامه: * قدوما فأحنت كالفنيق المحنق *
462

في سورة يس عند قوله تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) أي أن ما قضاه من الأمور
وأراد كونه فإنما سيكون، ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف. النسع: الذي ينسج عريضا يشد
على وسط الدابة. والقدوم: المضي في الامر. والفنيق: الفحل المكرم. والمحنق: الضامر، من أحنق سنام البعير:
أي ضمر: أي إذا قالت الحزم للبطن أضمر حتى تلحق بالظهور وتلصق به، والقول منه تمثيل ومجاز إذ لا قول له،
يصفها بالضمور وأن بطنها لصق بالقلب من الهزال. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الكهف عند قوله
(جدارا يريد أن ينقض) حيث أسند الإرادة إلى الجدار، ونحوه قوله: * تقول سنى للنواة طنى *
يصف شدة أكله، ونحوه قول أبي نواس:
فاستنطق العود قد طال السكوت به * لا ينطق اللهو حتى ينطق العود
أي لا يحصل اللهو والفرح حتى يضرب العود فينطق: أي يصوت، وإسناد النطق إلى اللهو على سبيل المجاز
ومثله (ولما سكت عن موسى الغضب).
(لقتل بحد السيف أهون موقعا * على النفس من قتل بحد فراق)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (والفتنة أشد من القتل). يقول: القتل بالسيف أهون على النفس من فراق
الحبيب، ومن هذا قيل: أشد العذاب مفارقة الأحباب، وقيل
وكل مصيبات الزمان وجدتها * سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
ولله در المتنبي حيث يقول:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت * لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
(أحب أبا ثروان من حب تمره * وأعلم أن الرفق بالجار أرفق
ووالله لولا تمره ما حببته * ولا كان أدنى من عبيد ومشرق)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وقرئ تحبون ويحببكم من حبه
يحبه. وعبيد ومشرق: ابنا القائل. يقرر أن حبه إياه لأجل فائدة تنال منه، وأن القلوب جبلت على حب من
أحسن إليها، وهذا شاذ نادر لا يجئ من باب فعل يفعل بكسر العين في المستقبل من المضاعف فعل يتعدى إلا أن
يشركه يفعل بضم العين نحو نم الحديث ينمه وشد الشئ يشده وكذا أخواتهما، وحبه يحبه جاءت وحدها شاذا
لا يشاركها يفعل بضم العين.
(وذات حليل أنكحتها رماحنا * حلال لمن يبنى بها لم تطلق)
في سورة النساء عند قوله تعالى (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) يعني من اللاتي سبين ولهن
أزواج في دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين إن كن محصنات. والبيت للفرزدق. روى أنه قيل للحسن وعنده
الفرزدق: ما تقول فيمن يقول لا والله بلى والله؟ فقال: أما سمعت قولي في ذلك؟ قال الحسن: ما قلت: قال
قلت: فلست بمأخوذ بلغو تقوله * إذا لم تعمد عاقدات العزائم
فقال الحسن: أحسنت، ثم قيل ما تقول فيمن سبى امرأة ولها حليل؟ فقال: أما سمعت قولي؟ وأنشد:
وذات حليل أنكحتها رماحنا الخ. فقال الحسن: أحسنت، كنت أراك أشعر فإذا أنت أشعر وأفقه أيضا.
463

(هل هي إلا حظة أو تطليق * أو صلف أو بين ذاك تعليق)
في سورة النساء عند قوله تعالى (فتذروها كالمعلقة) وهي التي ليست بذات بعل ولا مطلقة إذا لم تحظ المرأة
عند زوجها. قيل صلفت صلفا، ونساء صالفات وصلائف.
(إذا جزت نواصي آل بدر * فأدوها وأسرى في الوثاق
وإلا فاعلموا أنا وأنتم * بغاة ما بقينا في شقاق)
في سورة المائدة عند قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى) حكمهم كذا (والصابئون)
كذلك، فالصابئون مرفوع للتأخير عما في خبر إن كقوله * فإني وقيار بها لغريب * وأنشد سيبويه شاهدا له
* وإلا فاعلموا أنا وأنتم * الخ. فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك. والبيت لبشر بن أبي خازم، وقبله إذا جزت الخ.
وسبب هذا الشعر أن قوما من آل بدر جاءوا إلى بني طيئ، فعمد بنو طيئ فجزوا نواصيهم وقالوا: قد مننا عليكم
ولم نقتلكم، وآل بدر حلفاء بني أسد، فغضب بنو أسد لأجل ما صنع بالبدريين، فقال بشر بن أبي خازم هذه
القصيدة يذكر فيها ما صنع بآل بدر ويقول للطائيين: إذا جززتم نواصيهم فاحملوا إلينا وأطلقوا من أسرتم منهم،
فإن لم تفعلوا فاعلموا أنا نبغيكم ونبقى أبدا معاندين يبغي بعضنا على بعض.
(وإبسالي بني بغير جرم * بعوناه ولا بدم مراق)
في سورة الأنعام عند قوله تعالى (وذكر به) أي بالقرآن (أن تبسل نفس بما كسبت) أي مخافة أن تسلم إلى
الهلكة والعذاب، وأصل الإبسال المنع لأن المسلم إليه يمنع المسلم. والباسل: الشجاع لامتناعه من قرنه. يقال بسر
الرجل: إذا اشتد عبوسه، فإذا زاد قالوا بسل. والبعو: الجناية. والبيت لعوف بن الأحوص يتحسر على تسليم
أبنائه إلى الهلكة بغير جرم جرموه ولا دم أراقوه، وكان رهن بنيه وحمل لبني قشير دم ابني السجفية، فقالوا
لا ترضى بك فدفعهم رهنا.
وفارس في غمار الموت منغمس * إذا تألى على مكروهة صدقا
غشيته وهو في جأواء باسلة * عضبا أصاب سواء الرأس فانفلقا)
في سورة الأنفال عند قوله تعالى (فاضربوا فوق الأعناق) والمعنى: فاضربوا المقاتل والشوى، لأن الضرب
إما واقع على مقتل أو غير مقتل، فأمرهم أن يجمعوا عليكم النوعين معا. والغمر: الماء المغرق. والغمس: هو
إرسال الشئ في ماء. تألى: أي حلف. والتغشي: أصله الإتيان والملابسة، ومنه الغشاوة والغطاء. والجأواء:
الكتيبة العظيمة التي اسودت أو اخضرت من كثرة السلاح، وهو من الجؤوة: يعني أحضروا بالسلاح. والبسالة:
الشجاعة، يقال رجل باسل وأسد باسل. والعضب: السيف القاطع. وأصاب بمعنى طلب وبمعنى نال، ويقال
في المثل: أصاب الصواب فما أخطأ الجواب: أي طلب الصواب. والسواء: الوسط، ومنه قوله تعالى (سواء
الجحيم). ومعنى البيت: رب فارس في غمار الموت منغمس إذا حلف على مكروهة من المكاره صدق في يمينه
ولا يحنث. ثم قال: غشيته، أي رب فارس صفته كذا أنا ضربته وهو في جيش تام السلاح بعضب قاطع أصاب
وسط رأسه فشقه.
(كما جوز السكي في الباب فيتق)
464

في سورة يونس عند قوله تعالى (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) وقرأ الحسن وجوزنا من أجاز المكان وجاوزه
وجوزه، وليس من جوز الذي في بيت الأعشى:
وإذا يجوزها جبال قبيلة * أخذت من الأخرى إليك جبالها
لأنه لو كان منه لكان حقه أن يقال: وجوزنا بني إسرائيل في البحر كما قال:
* كما جوز السكي في الباب فيتق * والسكي بفتح السين: المسمار، والياء للمبالغة. والفيتق: النجار. قيل
خطب علي عليه السلام على منبر الكوفة وهو يومئذ غير مسكوك: أي غير مسمر من السك. وهو تضبيب الباب.
(خف الله واستر ذا الجمال ببرقع * فإن لحت حاضت في الخدور العواتق)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (فلما رأينه أكبرنه) على تقدير أن يكون أكبرن بمعنى حضن والهاء للسكت
وهاء السكت قد تحرك بحركة الضمير إجراء لها مجراها، وقد قالوا ذلك في قول المتنبي * واحر قلباه ممن قلبه شبم *
يقال أكبرت المرأة إذا حاضت، وحقيقته دخلت في الكبر لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر إلى حد الكبر،
وكأن أبا الطيب أخذ المعنى من هذا التفسير، يقول: استر جمالك ببرقع ترسله على وجهك، فإنك إن ظهرت
حاضت الشواب في خدورهن عشقا لك وصبابة، وذلك أن المرأة إذا اشتدت شهوتها وأفرطت سال دم حيضها
ويروى ذابت وهو أولى لبشاعة لفظ الحيض.
(فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى * يرجى الحيا منها وتخشى الصواعق)
في سورة الرعد عن قوله تعالى (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا) ومعنى الخوف والطمع أن وقوع
الصواعق يخاف عند لمع البرق ويطمع في الغيث. وقيل يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر، ومن في جرينه التمر
والزبيب، ومن له بيت يكف، ومن البلاد مالا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر، ويطمع فيه من له فيه نفع.
الجون: الأسود ههنا، ورواه ابن جنى بضم الجيم، والسحاب جمع سحابة.
(وزيد الخيل قد لاقي صفادا * يعض بساعد وبعظم ساق)
البيت لسلامة بن جندل. في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (مقرنين في الأصفاد) وهي القيود، وقيل الأغلال
وزيد الخيل: اسم علم لرجل. وقوله يعض صفة لصفاد، وحمله الشاعر على المعنيين جميعا، فإن الغل يوضع على
الساعد والعنق، والقيد يوضع على الرجل. قد قالت الزباء لحصن سموءل:
(تمرد مارد وعز الأبلق)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (يريد أن ينقض) مارد: حصن دومة الجندل. والأبلق: حصن السموأل
ابن عادياء، وصف بالأبلق لأنه بنى من حجارة مختلفة الألوان بأرض تيماء، ويدل على هذا قول الأعشى:
بالأبلق الفرد من تيماء منزله * حصن حصين وجار غير غدار
قيل إنهما حصنان قصدتهما الزباء ملكة الجزيرة فلم تقدر عليهما، واستصعبا عليها فقالت: تمرد مارد، وعز
الأبلق، فصار مثلا لكل ما يعز ويمتنع على طالبه، ومعنى عز غلب، من عز يعز بالضم، ويجوز أن يكون من
عز يعز بمعنى امتنع بكسر العين.
(لعمري لقد لاحت عيون كثيرة * إلى ضوء نار في يفاع تحرق
465

تشب لمقرورين يصطليانها * وبات على النار الندى والمحلق
رضيعي لبان ثدي أم تواضعا * بأسحم داج عوض لا نتفرق)
قائله الأعشى. في سورة طه عند قوله تعالى (أو أجد على النار هدى) فإن معنى الاستعلاء على النار أن أهل
النار يستعلون المكان القريب منها، كما قال سيبويه في مررت بزيد إنه لصوق بمكان يقرب من زيد، أو لأن
المصطلين بها المستمتعين إذا تكنفوها قياما وقعودا كانوا مشرفين عليها فهو استعلاء مجازي، ومنه:
* وبات على النار الندى والمحلق * وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة ص عند قوله تعالى (إنا سخرنا الجبال
معه يسبحن بالعشي والإشراق) قال في الكشاف: إن قلت: هل من فرق بين يسبحن ومسبحات؟ قلت: نعم،
وما اختير يسبحن على مسبحات إلا لذلك، وهو الدلالة على حدوث التسبيح من الجبال شيئا بعد شئ وحالا بعد
حال، ومثله قول الأعشى * إلى ضوء نار في يفاع تحرق * ولو قال محرقة لم يكن شيئا. وقوله (محشورة)
في مقابل يسبحن لأنه لم يكن في الحشر ما كان في التسبيح من إرادة الدلالة على الحدوث شيئا بعد شئ. وقد
استشهد بالبيت المذكور في سورة البروج عند قوله تعالى (إذ هم عليها قعود) أي على ما يدنو منها من حافات
الأخدود كقوله: وبات على النار الخ، وكما تقول: مررت عليه، تريد مستعليا لمكان يدنو منه. والمحلق بكسر
اللام: سمى بذلك لأن بعيره عضه في وجهه فبقى أثر العضة مثل الحلقة، وهو رجل فقير من بني عكاظ خامل
الذكر كان له عشر بنات لا يرغب فيهن أحد لفقرهن ففارق حي عكاظ، وانعزل عنهم إلى بعض المهامه والبراري
لأنفة نفسه، فنزل به الأعشى ذات ليلة فأحسن قراه وأكرم مثواه ونحر له ناقة لم يكن عنده غيرها، فوقع سخاؤه
من الأعشى موقعا جليلا، فلما أصبح الأعشى واستوى على راحلته قال له: ألك حاجة؟ قال: نعم، قال:
فما هي؟ قال: إني أريد أن تسير بذكري في بني عكاظ وبين العرب لعلي أشتهر ويرغب في بناتي أحد فقد مسهن
العنس، فتوجه الأعشى إلى عكاظ ومدحه بقصيدة طويلة، ذكر فيها مكارم أخلاق المحلق ومحاسن شيمة،
واستمال قلوب أهل عكاظ إلى مواصلته وإخائه، فلم يمض إلا قليل حتى خطب إليه جميع بناته، ومطلع القصيدة
المذكورة:
أرقت وما هذا السهاد المؤرق * وما بي من سقم وما بي تعشق
ولكن أراني لا أزال بحادث * أغادي بما لم أمس عندي وأطرق
ومنها البيت المشهور:
تريك القذى من دونها وهي دونه * إذا ذاقها من ذاقها يتمطق
ومنها: تشب لمقرورين يصطليانها * وبات على النار الندى والمحلق
ومنها: يداك يدا صدق فكف مفيدة * وكف إذا ما ضن بالمال تنفق
قوله أرقت: الأرق هو السهر، وقيل هو السهر أول الليل خاصة. ولاحت: نظرت وتشوفت. واليفاع من
الأرض: المشرف. وتشب بضم التاء وفتح الشين: توقد وتشعل. والمقرور: الذي أصابه القرة بكسر القاف
وهو البرد. يصطليانها: أي يسخنان بها. والندى: الكرم. والمحلق: اسم الممدوح وما أحسن عطفه على الندى
إيماء على أنهما متصاحبان متشاركان في الألفة حتى كأنهما من جنس واحد، وأثبت في البيت الثالث لهما الأخوة
المقتضية للإلتئام والانضمام حيث قال: رضيعي لبان، وهو حال منهما: أي رضيعي ثدي أم واحدة، واللبان
466

بكسر اللام لبن المرأة خاصة، ويقال في لبن غيرها لبن. وعنى بأسحم داج: الليل، أي تحالفا في ليل شديد السواد،
وقيل هو الرحم: أي تحالفا في ظلمة الأحشاء، وقيل غير ذلك. وقوله عوض لا نتفرق: أي أبدا، وهو ظرف
للمستقبل تقول لا أفعله عوض العائضين، كما أن قط ظرف لاستغراق الزمان الماضي في قولك ما فعلته قط.
[فائدة] قال العسكري: نيران العرب بضع عشرة: نار القرى توقد للأضياف ليهتدى الطارقون إلى المنزل.
ونار الاستمطار كانوا إذا احتبس المطر عنهم يجمعون البقر ويعقدون في أذنابها وعراقيبها السلع والعشر ويصعدون بها
في الجبل الوعر ويشعلون فيها النار ويزعمون أن ذلك من أسباب المطر. قال أمية بن أبي الصلت:
سلع ما ومثله عشر ما * عامل ما وعالت البيقورا
وقال آخر: لا در در رجال خاب سعيهم * يستمطرون لدى الأزمات بالعشر
أجاعل أنت بيقورا مسلعة * ذريعة لك بين الله والمطر
ونار التحالف كانوا يعتقدون حلفهم عندها، ويذكرون منافعها ويدعون بالحرمان والمنع من خيرها على من ينقض
العهد، وخصوا النار بذلك دون غيرها من المنافع لأن منفعتها تختص بالإنسان لا يشركه فيها شئ من الحيوان،
قال أوس بن حجر:
إذا استقبلته الشمس صد بوجهه * كما صد عن نار المهول حالف
ونار الطرد يوقدونها خلف من يمضي ولا يشتهون رجوعه، كما قال الشاعر:
وحمة أقوام حملت ولم تكن * لتوقد نارا خلفهم للتندم
ونار الأهبة للحرب، كانوا إذا أرادوا حربا أوقدوا نارا على جبل ليبلغ الخبر أصحابهم فيأتون فإذا جد الأمر
أوقدوا نارين، قال الفرزدق:
لولا فوارس تغلب ابنة وائل * نزل العدو عليك كل مكان
ضربوا الصنائع والملوك وأوقدوا * نارين أشرفتا على النيران
ونار الصيد توقد للظباء لتعشى إذا نظرت إليها ويطلب بها بيض النعام، قال طفيل:
عوارب لم تسمع بنوح حمامة * ولم تر نارا ثم حول محوم
سوى نار بيض أو خزال بقفرة * أغن من الخنس المآخر نوم
ونار الأسد كانوا يوقدونها إذا خافوه، وهو إذا رأى النار استهالها فشغلته عن السابلة. ونار السليم توقد للمسلوع
والمجروح إذا برد وللمضروب بالسياط ولمن عضه الكلب الكلب لئلا يناموا فيشتد بهم الأمر حتى يؤديهم إلى
الهلكة. قال الأعشى في نار المجروح:
أبا ثابت إنا إذا يسبقوننا * سيركب سد أو ينبه نائم
مدامته يغشى الفراش رشاشها * ببيت لها ضوء من النار جاحم
ونار الفدى، كان الملوك إذا سبوا القبيلة خرجت إليهم السادة للفداء والاستيهاب، فكرهوا أن يعرضوا النساء نهارا
فيفتضحوا، وفي الظلمة فيخفى قدر ما يحبسون لأنفسهم من الصفي فيوقدون النار لعرضهن. قال الأعشى:
467

ومنا الذي أعطاه بالجمع ربه * على ناقة وللملوك هباتها
نساء بنى شيبان يوم أوارة * على النار إذ تجلى له فتياتها
ونار الوسم. يقال للرجل: ما نارك أي ما سمة إبلك، قال:
يشفون إبالهم بالنار * والنار قد تشفى من الأوار
ونار الحرب مثل لا حقيقة لها. ونار الحباحب كل نار لا أصل لها مثل ما ينقدح بين نعال الدواب وغيرها. قال
أبو حية:
وأوقدت نيران الحباحب والتقى * غضا تتراقى بينهن ولا وله
ونار اليراعة، وهو طائر صغير إذا طار بالليل حسبته شهابا، وضرب من الفراش إذا طار بالليل حسبته شرارة.
ونار البرق، والعرب يسمون البرق نارا. ونار الحرتين، كانت في بلاد عبس تخرج من الأرض فتؤذى من مر
بها وهي التي دفنها خالد بن سنان: قال:
كنار الحرتين لها زفير * تصم مسامع الرجل السميع
ونار السعالى شئ يقع للمتغرب أو المتقفر. قال:
ولله در الغول أي رفيقة * لصاحب دق خائف متقفر
أربت بلحن بعد لحن وأوقدت * حوالي نيرانا تبوخ وتزهر
والنار التي توقد بمزدلفة حتى يراها من دفع من عرفة فهي توقد إلى الآن، وأول من أوقدها قصي انتهى كلام
العسكري ملخصا.
حكى أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن قوله تعالى (عجل لنا قطنا) قال: القط الجزاء، قال:
وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم، أما سمعت قول الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته * بنعمته يعطى القطوط ويطلق
(وسوس يدعو مخلصا رب الفلق * سرا وقد أون تأوين العقق
في الزرب لو يمضغ شريا ما بصق)
البيت لرؤبة من قصيدته الأرجوزة المشهورة. في سورة طه عند قوله تعالى (فوسوس إليه الشيطان) يصف
رؤبة قانصا قاعدا عند الشريعة للحمير ليرميها إذا وردت الماء. وسوس: أي الصائد يدعو مخلصا بكلام خطر
سرا، وقد أون: يعني الحمير امتلأت بطونها من الماء فصارت كالحوامل من كثرة الشرب. والعقق: الحوامل
والواحدة عقوق. وفي المثل: أعز من بيض الأنوق والأبلق العقوق. الأنوق على فعول: طائر وهو الرخمة،
لأنها تحرزه فلا يكاد يظفر بها لأن أوكارها في رؤوس الجبال والأماكن الصعبة البعيدة وهي تحمق مع ذلك، قال
الكميت:
وذات اسمين والألوان شتى * تحمق وهي كيسة الحويل
مأخوذ من حاولت الشئ أرته، والاسم الحويل، وإنما قال ذات اسمين لأنها تسمى الرخمة والأنوق، وأما
الأبلق العقوق فلأن الأبلق لا يكون إلا ذكرا.
468

(قالت سليمى (1) اشتر لنا سويقا * وهات خبز البر أو دقيقا)
هل أنت باعث دينار لحاجتنا * أو عبد رب أخا عون بن مخراق)
هو لتأبط شرا، وقيل إنه لجرير الخطفي. في سورة الشعراء عند قوله تعالى (هل أنتم مجتمعون) استبطاء لهم
في الإجتماع، والمراد منه استعجالهم واستحثاثهم، كما يقول الرجل لفلان هل أنت منطلق؟ إذا أراد أن يحركه
ويحثه على الانطلاق، كأنما يخيل له أن الناس قد انطلقوا وهو واقف، ومنه قول تأبط شرا: هل أنت الخ. ودينار
اسم رجل، وكذا عبد رب، ويجوز أن يكون أخا عون نصبا على الصفة لعبد رب لأنه اسم علم كعبد الله، ودينار
مجرور في اللفظ ومنصوب في المعنى فلذلك عطف عليه عبد رب أو أخا عون منادى: أي يا أخا عون، يريد أن
يعينه سريعا ولا يبطى تهييجا للمخاطب.
(وقوم على ذوي مرة * أراهم عدوا وكانوا صديقا)
في سورة الشعراء عند قوله تعالى (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) والعدو والصديق يجيئان في معنى الواحد
والجماعة، قال: وقوم على ذوي مرة الخ، ومنه (وهم لكم عدو) تشبيها بالمصادر للموازنة كالقبول والوقود
والحنين والصهيل وذوي مرة: أي مجادلة ومخاصمة وذلك من سنن العرب، ومنه (لا نفرق بين أحد منهم)
والتفريق لا يكون إلا بين اثنين، والتقدير لا نفرق بينهم، ومنه (وإن كنتم جنبا فاطهروا)، وقوله (والملائكة بعد
ذلك ظهير) وغير ذلك.
(تروح على آل المحلق جفنة * كجابية الشيخ العراقي تفهق)
في سورة سبأ عند قوله تعالى (وجفان كالجواب) وهي الحياض الكبار لأن الماء يجبى فيها: أي يجمع،
جعل الفعل لها مجازا وهي من الصفات الغالبة كالدابة، وتفهق من فهق الإناء كفرح امتلأ، ومنه الحديث " إنه قام
إلى باب الجنة فانفهقت له " يريد انفتحت واتسعت، ومنه المتفيهق: المكثر من الكلام، قيل كان يقعد على الجفنة
ألف رجل. والبيت للأعشى من قصيدته القافية المشهورة التي مدح بها المحلق وسير بذكره في بني عكاظ كما تقدم
ذكر ذلك مفصلا، وهذه الجفنة هي إحدى الجفنات التي وقعت في شعر حسان بن ثابت في قوله:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى * وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
(فلما ردفنا من عمير وصحبه، تولوا سراعا والمنية تعنق)
في سورة النمل عند قوله تعالى (ردف لكم) حيث زيدت اللام للتأكيد كالباء في (ولا تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة) أو ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو: دنا لكم وأزف لكم، ومعناه تبعكم ولحقكم، يقال ردفته أردفه:
أركبته خلفي وهي دابة لا ترادف، ولا تقل لا تردف وقد عدى بمن قال: فلما ردفنا من عمير الخ: يعني دنونا من
عمير، وتعنق من العنق: وهو السير السريع السهل، يقال دابة معناق ومعنق. يقول: لما دنونا من عمير وصحبه
للمحاربة أدبروا مسرعين منهزمين والمنية تسرع خلفهم.
(ليث بعثر يصطاد الرجال إذا * ما الليث كذب عن أقرانه صدقا)
.

(1) قوله (قالت سليمى) لم يكتب في الشواهد عليه، وذكره الكشاف في سورة النور عند قوله تعالى (ومن يطع الله ورسوله ويخش
الله ويتقه) فتنبه كتبه مصححه
469

في سورة الواقعة عند قوله تعالى (ليس لوقعتها كاذبة) وهي مصدر كالعاقبة بمعنى التكذيب من قولك حمل
على قرنه فما كذب: أي فما جبن وما تثبط، وحقيقته فما كذب نفسه فيما حدثته به من إطاقته له وإقدامه عليه.
قال زهير: * إذا ما الليث كذب عن أقرانه صدقا *
أي إذا وقعت لم يكن لها رجعة ولا ارتداد. الشاعر يمدح رجلا بالشجاعة، وعثر اسم موضع: يعني إذا جبن
شجاع عن قرنه أقدم هو غير مبال ولا مكترث، وعلى كل حال فما أحرى النفس بأن تكذب في التقى.
وإن أصدق بيت أنت قائله * بيت يقال إذا أنشدته صدقا
ومثله قوله: وأكذب النفس إذا حدثتها * إن صدق النفس يزرى بالأمل
غير أن لا تكذبنها في التقى * وأجزها بالبر لله الأجل
(إن لنا قلائصا حقائقا * مستوسقات لو يجدن سائقا)
في سورة الانشقاق عند قوله تعالى (والليل وما وسق) أي وما جمع وضم، يقال وسقه فاتسق واستوسق وكما
في بيت مستوسقات الخ، ونظيره في وقوع افتعل واستفعل مطاوعين اتسع واستوسع، ومعناه: وما جمعه
وستره وآوى إليه من الدواب وغيرها.
(خذا بطن هرشي أو قفاها فإنه * كلا جانبي هرشي لهن طريق)
في سورة الزلزلة عند قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). روى أن
أعرابيا أخر خيرا يره، فقيل له قدمت وأخرت، فقال: خذا بطن هرشي الخ. وهرشي: تثنية في طريق مكة قريبة
من الجحفة يرى منها الشجر، ولها طريقان فكل من سلكهما كان مصيبا، وهذا المثل يضرب فيما سهل إليه الطريق
من جهتين.
(فمتى ينقع صراخ صادق)
في سورة العاديات عند قوله تعالى (فأثرن به نقعا) أي فهيجن بذلك الوقت غبارا، ويجوز أن يراد بالنقع
الصياح من قوله عليه الصلاة والسلام " ما لم يكن نقع ولا لقلقة "، ومنه قول لبيد " فمتى ينقع صراخ صادق " أي
فهيجن في المغار عليهم صياحا وجلبة.
(إن سرك الإرواء غير سابق * فاعجل بغرب مثل غرب طارق
ومسد أمر من أيانق * لسن بأنياب ولا حقائق
في سورة تبت. المسد: الذي فتل من الحبال فتلا شديدا من ليف كان أو جلد أو غيرهما قال:
* ومسد أمر من أيانق *
حرف الكاف
(أفي كل عام أنت جاشم غزوة * تشد لأقصاها عظيم عزائكا
مؤثلة مالا وفي الحي رفعة * لما ضاع فيها من قروء نسائكا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ثلاثة قروء) والقرء هنا: الطهر، لأن الحيض لا يوصف بالضياع لأنهن
470

لا يجامعن في الحيض فيكون المراد بالقرء الطهر. الشاعر وهو الأعشى يخاطب جارا له غازيا ويقول له: تجشم
لتكلف نفسك كل عام غزوة وتوثق عليها عزيمة الصبر لتكثر فيها مال الغنيمة، وتريد الرفعة في الحي لما ضاع
في تلك الأعوام من عدة نسائك. أراد أنه يخرج في كل سنة إلى الغزو ولا يغشى نساءه فتضيع أقراؤهن، واللام
في لما كما في قوله تعالى (ليكون لهم عدوا وحزنا) وتوجيه الاستدلال أن المراد بالقروء الأطهار لأنها هي الضائعة
على الزوج، إذ الزوجة في محل الاستمتاع بخلاف الحيض، والحق في الجواب أنه لا يلتزم من استعمال القرء بمعنى
الطهر في شعر استعماله في كلامه تعالى بمعنى الطهر.
(إذا الشريب أخذته أكه * فخله حتى يبك بكه)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (للذي ببكة) الشريب الذي يشرب معك ويسقى إبله معك. الأكة: سوء
الخلق، والبكة: الازدحام. والمعنى: إذا الشريب أخذه سوء الخلق فدعه يبك إبله يخلها إلى الماء فتزدحم كيلا
تتأذى إبله من شدة العطش.
(قليل التشكي للمهم يصيبه * كثير الهوى شتى النوى والمسالك)
في سورة النساء عند قوله تعالى (ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) أي ضعيفا لا يعبأ به وهو
إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره، أو أراد بالقلة العدم كقوله قليل التشكي الخ: أي عديم التشكي، أو إلا قليلا
منهم قد آمنوا. والمعنى: أنه صبر على النوائب والعلات لا يكاد يشتكى منها أراد بالقلة العدم: أي عدم التشكي.
(وقد كان منهم حاجب وابن أمه * أبو جندل والزيد زيد المعارك)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (بالغداة والعشى) من حيث إن غدوة علم في أكثر الاستعمال وإدخال
اللام على تأويل التنكير كما قال: والزيد زيد المعارك، ونحوه قليل في كلامهم، وحاجب هو ابن لقيط بن زرارة
ومعنى زيد المعارك زيد الحروب أراد أنه مقدام شجاع.
(إن تك عن أحسن الصنيعة ماء * فوكا ففي آخرين قد أفكوا)
هو لعروة بن أذينة. في سورة حم السجدة عند قوله تعالى (وحق عليهم القول في أمم) يعني كلمة العذاب،
يريد في جملة أمم ومثل ما في هذه ما في قوله ففي آخرين، يريد فأنت في جملة آخرين: أي في عداد آخرين لست
في ذلك بأوحد، ومثل ذلك قول الإمام الشافعي رضي الله عنه:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت * فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي مماتي عاجلا * تأهب لأخرى بعدها وكأن قد
ومعنى البيت: إن لم توفق للإحسان فأنت في قوم قد صرفوا عن ذلك أيضا. والمؤتفكات: المدن التي قلبها
الله تعالى على قوم لوط، والمؤتفكات: الرياح تختلف مهابها، وتقول العرب: إذا كثرت المؤتفكات زكت
الأرض.
حتى استغاثت بماء لا رشاء له * من الأباطح حافاته البرك
(مكلل بأصول النجم تنسجه * ريح خريق لضاحى مائه حبك)
في سورة والذاريات عند قوله تعالى (والسماء ذات الحبك) وهي الطرائق مثل حبك في الرمل والماء: إذا
471

ضربته الريح، وكذلك حبك الشعر آثار تثنيه وتكسره، كما قال زهير: مكلل الخ، يصف غديرا، وهو
مجرور على الوصف لماء في قوله سابقا حتى استغاثت بماء مكلل ذلك الماء بأصول النبات فصارت حوله كالإكليل
يقال روضة مكللة: محفوفة بالأنوار. والخريق: الريح الباردة الشديدة الهبوب. والضاحي: الظاهر. وحبك
الماء: طرائقه.
(لئن هجرت أخا صدق ومكرمة * فقد مريت أخا ما كان يمريكا)
في سورة النجم عند قوله تعالى (أفتمارونه على ما يرى) من المراء: وهو الملاحاة والمجادلة واشتقاقه من
مري الناقة، كأن كل واحد من المتجادلين يمرى ما عند صاحبه، وقرئ أفتمرونه أفتغلبونه في المراء من ماريته
فمريته، ولما فيه من معنى الغلبة عدى بعلى كما تقول غلبته على كذا. وقيل أفتمرونه: أفتجحدونه، وأنشدوا:
لئن هجرت أخا صدق الخ. يقول: لئن هجرتني وأنا أخو صدق ومكرمة لقد جحدت حق أخ وفي ما كان يجحد
حقك، وقريب من هذا المعنى قوله * أضاعوني وأي فتى أضاعوا * الخ، وما أحرى هذا المهجور أن ينشد
قول الشاعر:
إن كنت أزمعت على هجرنا * من غير ما جرم فصبر جميل
وإن تبدلت بنا غيرنا * فحسبنا الله ونعم الوكيل
(لا هم إن المرء يمنع * أهله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم * ومحالهم عدوا محالك
جروا جموع بلادهم * والفيل كي يسبوا عيالك
عمدوا حماك بكيدهم * جهلا وما رقبوا جلالك
إن كنت تاركهم وكعبتنا * فأمر ما بدا لك)
في سورة قريش (لا هم) أصله اللهم: يعني المرء يمنع الأعداء من إغارة أهله فامنع الأعداء عن حرمك.
يقال قوم حل وحلال: إذا كانوا مقيمين مجاورين، يريد سكان الحرم. والصليب: الصنم. والعدو: الظلم،
وقيل غدوا بالغين المعجمة، وأصل الغد: اليوم الذي بعد يومك، ولكنه لم يرد اليوم الذي بعد يومه وإنما أراد
ما قرب من الأوقات المستقبلة، وقد يجري مثل هذا النحو في الأمس واليوم. والمحال: من المكيدة، والمماحلة:
المماكرة، أي لا ينبغي أن يغلب صليبهم ومكرهم ظلما محالك، وقيل المحال: القوة. وقوله: جروا جموع بلادهم
والفيل: كان معهم فيل عظيم جسيم اسمه محمود لم ير مثله في الأرض، وقيل كان معهم اثنا عشر فيلا. قيل إن
أبرهة جد النجاشي أخذ لعبد المطلب مائة بعير، فخرج إليه فيها فجهره وكان رجلا جسيما وسيما، وقيل له: هذا
سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في المجاعة والوحوش في رؤوس الجبال، فلما ذكر حاجته قال:
سقطت من عيني جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك وعصمتكم وشرفكم في قديم الدهر فألهاك عنه
طلب المال، فقال: أنا رب الإبل وللبيت رب يحفظه. ثم رجع وأتى باب البيت وأخذ بحلقته وقال الأبيات:
(يا رب لا أرجو لهم سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدو البيت من عاداكا * أمنعهم أن يخربوا فناكا)
472

في سورة قريش. الحمى: الذي فيه كلأ يحمى من الناس، وقال عليه الصلاة والسلام " حمى الله محارمه ".
أي يا رب لا أرجو لمنع أبرهة وجنوده عن الكعبة سواك، فامنع منهم حرمك وامنعهم منه، فلا زال يدعو بذلك
حتى التفت فإذا بطير من نحو اليمن، فقال: والله إنها لطير غريبة ما هي نجدية ولا هي تهامية، وكان مع كل طائر
حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة، وكان الحجر يقع على رأس الرجل
فيخرج من دبره، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه فهلكوا.
(شددت إليك الرحل فوق شملة * من المؤلفات الزهو غير الأوارك)
في سورة قريش: يقال آلفت المكان أولفه إيلافا: إذا ألفته فأنا مؤلفه، وبعضهم يروى الزهو في البيت
بالزاي المعجمة، يقال زهت الإبل زهوا: إذا سارت بعد الورد ليلة وأكثر، وبعضهم يرويه بالراء غير المعجمة:
وهو السير السهل المستقيم. قال القطامي:
يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة * ولا الصدور على الأعجاز تتكل
والأوارك واحدها آركة: وهي التي قد لزمت موضعها بالأراك أو ترعى الحمض قال الشاعر:
(وقفت بها أبكي بكاء حمامة * أراكية تدعو الحمام الأواركا)
وقد أحسن سيدي عمر بن الفارض في قوله:
أيا راكبا حمر الأوارك تارك ال‍ * موارك من أكوارها كالأريكة
حرف اللام
(سمعت الناس ينتجعون غيثا * فقلت لصيدح انتجعي بلالا)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ألم) أي برفع الناس على الحكاية. قائله ذو الرمة. النجعة: طلب الكلأ والخير
والغيث: المطر، والغيث: الكلأ ينبت من ماء السماء. وصيدح: اسم ناقة ذي الرمة. وبلال بن أبي بردة: اسم
ممدوحه. والمعنى: سمعت ذلك القول وهو الناس ينتدعون غيثا فقلت لناقتي: لا تنتجعي الغيث وانتجعي بلالا
فإنه أجود من الغيث وأنفع منه. قيل لما قصد ذو الرمة بلال بن أبي بردة وأنشد ذلك قال بلال: يا غلام اعلف
صيدح قتا ونوى. ونظير البيت في الرفع على الحكاية قوله * تنادوا بالرحيل غدا * برفع الرحيل كما سيأتي:
(لا تحسبوا أن في سرباله رجلا * ففيه غيث وليث مسبل مشبل)
البيت لجار الله. في سورة البقرة عند قوله تعالى (صم بكم عمي) حيث سمى المفلقون البلغاء نحو ذلك من
قولهم زيد أسد تشبيها بليغا لا استعارة، لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون، فإن من دأبهم أن يتناسوا عن
التشبيه ويضربوا عن توهمه صفحا كما قال أبو تمام:
ويصعد حتى يظن الجهول * بأن له حاجة في السماء
حيث استعار الصعود لعلو القدر والارتقاء في مدارج الكمال، ثم بنى عليه ما يبنى على علو المكان والارتقاء
إلى السماء من ظن الجهول بأن له حاجة في السماء، وهنا استعار للمدوح وصف الكرم والشجاعة وتناسى التشبيه
473

وبنى عليه للغيث وهو الإسبال وما للأسد وهو الإشبال. يقال أسبل المطر: إذا هطل، وأشبل الأسد: إذا
ولد له شبل.
(كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لدى وكرها العناب والحشف البالي)
من قصيدة امرئ القيس اللامية المشهورة التي أولها:
* ألا أنعم صباحا أيها الطلل البالي *
في سورة البقرة عند قوله تعالى (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) إلى آخر الآية من حيث إن هذا تشبيه أشياء
بأشياء، وإنما لم يصرح بذكر المشبهات كما في قوله (وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات
ولا المسئ) وفي قول امرئ القيس * كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لأنه كما جاء ذلك صريحا، فقد جاء
مطويا، والصحيح الذي عليه علماء البيان أن التمثيلين من جملة التمثيلات المركبة دون المفردة لا يتكلف لواحد واحد شئ
يقدر شبهه به، ثم إن في هذه الآيات لو قلنا مثلهم كمثل ومن ذي حق (1) يتعلق به شبيهات وفيه وعد ووعيد لم يكن
له معنى، وكذا في قوله (وما يستوي البحران) الآية، لأن في قوله (هذا عذب فرات سائغ) إلى قوله (وترى
الفلك فيه مواخر) الآية دلالة ظاهرة على أن المراد بهما معناهما الحقيقي فيكون تشبيها: أي لا يستوي الإسلام والكفر
اللذان هما كالبحرين، يصف امرؤ القيس العقاب وهو مخصوص بأكل قلب الطير، وقد استشهد بالبيت
في سورة هود عند قوله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها
خالدون) شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع، وهو من اللف والطباق،
وفيه معنيان: أن يشبه الفريق بشيئين اثنين كما شبه امرؤ القيس قلوب الطير بالحشف البالي والعناب، وأن يشبهه
بالذي جمع بين العمى والصمم أو الذي جمع بين البصر والسمع، على أن تكون الواو في الأصم وفي السميع
لعطف الصفة على الصفة، كقوله: الصابح فالغانم فالآيب، كما تقدم في قوله (كمثل الذي استوقد نارا) والتشبيه
الثاني يحتمل أن يكون مركبا وهميا بأن يمثل حال فريق الكفار في تعاميهم عن الآيات المنصوبة بين أيديهم وتصامهم
عن الآيات المتلوة بحال من اجتمع فيه الصفتان العمى والصمم، فهو أبدا في خبط وضلال، لأن الأعمى إذا سمع
شيئا ربما يهتدي إلى الطريق إذا نعق له، والأصم يسمع بالإشارة، ومن جمع بينهما فلا حيلة فيه، وأن يكون
مركبا عقليا بأن تؤخذ الزبدة والخلاصة من المجموع، والوجه تمكن الضلال وعدم الإنتفاع. والفرق بين
التشبيهين هو أن الأول تفاوت فيه حال بعض من الفريق فإن الأصم أدون حالا من الأعمى، وعلى الثاني لا تفاوت
البتة.
(يسقون من ورد البريص عليهم * بردي يصفق بالرحيق السلسل)
لحسان بن ثابت رضي الله عنه يذكر فيه أزمانا كانت موارد اللذات له والمؤانسة مع الملوك الغسانيين، وهي
قصيدة مشهورة أولها:
* أسألت رسم الدار أم لم تسأل *
وقبل البيت: لله در عصابة نادمتهم * يوما بجلق في الزمان الأول

(1) قوله (ومن ذي حق الخ) هكذا في الأصل وفي الكلام خلل فحرر كتبه مصححه.
474

ومنها: أولاد جفنة حول قبر أبيهم * قبر ابن مارية الكريم المفضل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم * شم الأنوف من الطراز الأول
والبيت شاهد عند قوله تعالى في سورة البقرة (يجعلون أصابعهم في آذانهم) حيث أرجع الضمير إلى أصحاب
الصيب مع كونه محذوفا قائما مقام الصيب، لأن المحذوف باق معناه وإن سقط لفظه، وكذلك يصفق لأن المعنى
ماء بردى. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الفرقان عند قوله تعالى (وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا) في قراءة
الحسن والأعمش: وقمرا منيرا، وهو جمع ليلة قمراء كأنه قال: وذا قمر منير، لأن الليالي تكون قمرا بالقمر
فأضافه إليها، ونظيره في بقاء حكم المضاف بعد سقوطه وقيام المضاف إليه مقامه قول حسان:
بردي يصفق بالرحيق السلسل * يريد ماء بردي، ولا يبعد أن يكون القمر بمعنى القمر كالرشد والرشد والعرب
والعرب، وقال يصفق بالتذكير باعتبار الماء، ويصفق يمزج.
(ألا أنعم صباحا أيها الطلل البالي * وهل ينعمن من كان في العصر الخالي)
وهل ينعمن إلا سعيد مخلد * قليل الهموم ما يبيت بأوجال)
هذا مطلع قصيدة امرئ القيس اللامية المشهورة، وسيأتي ذكر غالب أبياتها في سورة الأعراف حيث اقتضى
الحال ذكرها هناك. والبيت شاهد على قوله تعالى في سورة البقرة (وهم فيها خالدون) من حيث إن الخلد هو
الثبات الدائم والبقاء اللازم، والعصر والعصر واحد قال الشاعر:
على العصر الخالي كأن رسومها * بتنهية الركنين وشي مرجع
حيا الطلل البالي من ديار المحبوبة بالنعم والطيب، ثم قال: وكيف ينعم من كان في زمن الفراق والخلو من
الأهل والأحباب، وهل ينعمن إلا من يكون سعيدا مخلدا، وهذا الخلد لا يكون إلا لأهل الجنة في الآخرة،
جعلنا الله منهم، وإنما خص الصباح بهذا الدعاء لأن الغارات والمكاره تقع صباحا قال:
ألا أنعم صباحا أيها الريح وأنطق * وحدث حديث الحي إن شئت واصدق
وأنعم صباحا: كلمة تحية من نعم عيشه طاب، ويخفف فيقال عم صباحا:
(من مبلغ أفناء يعرب كلها * أني بنيت الجار قبل المنزل)
هو لأبي تمام. في سورة البقرة عند قوله تعالى (إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا) وإطباق الجواب على
السؤال فن من كلامهم بديع وطرز غريب. شهد رجل عند شريح فقال: إنك لسبط الشهادة؟ فقال الرجل:
إنها لم تجعد عني، فقال: لله بلادك، وقيل شهادته. فالذي سوغ بناء الجار وتجعيد الشهادة مراعاة المشاكلة.
وفي الحديث " الجار ثم الدار، والرفيق ثم الطريق ": أي إن الله لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيى
أن يمثل بها لحقارتها. قال الزمخشري: ويجوز أن تقع هذه العبارة في كلام الكفرة فقالوا: أما يستحيى رب محمد
أن يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت؟ فجاءت على سبيل المطابقة، وإطباق الجواب على السؤال من بديع كلامهم
كما مر آنفا ومنه (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) وقوله: * قلت اطبخوا لي جبة وقميصا * إلا أن
هذا من باب المشاكلة المحضة، وفي قول شريح شائبة الاستعارة، وقول شريح: إنك لسبط الشهادة: أي
ترسلها إرسالا من غير تأمل وروية كالشعر السبط المسترسل، فأجاب بأنها لم تنقبض عني، بل أنا واثق من نفسي
475

بحفظ ما شهدت، فاسترسالي لقوة تحققي إياها واستحضاري أولاها وأخراها. فشبه انقباض الشهادة عن الحفظ
وتأبيها على القوة الذاكرة بتجعيد الشعر، واستعمل التجعيد في مقابلة السبوطة، ولولا تقديم السبوطة أولا لم يجز
أن يقال لم تجعد لعدم ظهوره قبل المقابلة. وقول شريح لله بلادك: تعجب من بلاده وأنه خرج منها فاضل مثله،
وهذه العبارة عادة فيما يعظمونه أن ينسبوه إليه تعالى لا لغيره، وهو أبلغ من أن يقال لله أنت لأنه من باب الكناية،
وكذا قولهم لله درك أو لله أبوك ولهذا كثر ما لم يكثر الأصل.
(يا من يرى مد البعوض جناحها * في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى عروق نياطها في نحرها * والمخ في تلك العظام النحل
اغفر لعبد ناب من فرطاته * ما كان منه في الزمان الأول)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا ما بعوضة) قال الزمخشري: وأنشدت
لبعضهم: يعني نفسه كما هو دأبه في كل ما يقوله في تفسيره، ولبعضهم أو وأنشدت لبعضهم وذكر الأبيات. قال:
ولعل في خلقه ما هو أصغر منها وأصغر (سبحانه الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما
لا يعلمون) اه‍ كأنه يقول: يا من يرى ما هو أدون الأشياء وما يخفى عن حواس الإنسان، اغفر لعبد تاب من
ذنوبه ما أبصرت منه في الزمان الأول السابق حين كان في ميعة الشباب وغبطة العيش، وكذا يكون حال من تنبه من
غفلته ورقاده، وعمل ما ينفعه في يوم معاده، وندم على ما ارتكبه في شبابه، وتحسر على ما فرط في جنب الله
وخاف أليم عقابه، وكان راجيا عظيم ثوابه، وتذكر قول القائل:
كانت بلهنية الشبيبة سكرة * فصحوت واستأنفت سيرة مجمل
وقعدت أرتقب الفناء كراكب * عرف المحل فبات دون المنزل
وعمل بقول الآخر:
بقية العمر عندي مالها ثمن * وإن غدا غير محسوب من الزمن
يستدرك المرء فيها ما أفات ويحي * ما أمات ويمحو السوء بالحسن
(فإن تزعميني كنت أجهل فيكم * فإني شربت الحلم بعدك بالجهل)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) يعني ولا تستبدلوا بآياتي ثمنا قليلا وإلا فالثمن هو
المشترى به، والثمن القليل: الرياسة التي كانت لهم في قومهم خافوا عليها الفوات لو أصبحوا أتباعا لمحمد فاستبدلوها
وهي بدل قليل بآيات الله وبالحق الذي كل كثير إليه قليل وكل كبير إليه حقير، فما بال القليل الحقير، وقد توهم
بعضهم أن أجهل في البيت أفعل تفضيل فيروى بالنصب، كما توهم أن الزعم ههنا بمعنى القول قد ذكر بعده
الجملة ولا يكون زعمت إلا من أفعال القلوب، أو بمعنى كفلت ومصدره الزعامة، أو بمعنى يكذب ويطمع.
كأنه يقول لها: إن تقولي كنت أجهل الناس فيكم فإني بدلت حالي بعدك واستبدلت الحلم بالجهل والأناة بالطيش
والرفق بالخرق، والبيت لأبي ذؤيب الهذلي من قصيدة مطلعها:
ألا زعمت أسماء أن لا أحبها * فقلت بلى لولا ينازعني شغلي
وبعده: جزيتك ضعف الود لولا 7 شكيته * وما أن جزاك الضعف من أحد قبلي
وبعده البيت، وبعده:
476

وقال صحابي قد غنيت وخلتني * غنيت فما أدري أشكلهم شكلي
على أنها قالت رأيت خويلدا * تنكر حتى عاد أسود كالجذل
فقلت خطوب قد علمت شبابنا * قديما فتبلينا المنون وما نبلى
وتبلى الألى يستلئمون على الألى * تراهن يوم الروع كالحدأ القبل
(تروحي أجدر أن تقيلي * غدا بجنبي بارد ظليل)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (يوم لا تجزى نفس عن نفس شيئا) وقبله:
* تروحي يا خيرة الفسيل *
البيت لأبي علي. يقول لناقته: بكري بالرواح وجدي في السير تأتين الذي أجد أن تقيلي فيه غدا. خيرة
الفسيل: المختار من صنو النخيل. شبه ناقته في العراقة في الكرم بها، أراد أن تقيلي فيه، فحذف الجار والمجرور،
وفيه مبالغة من حيث إنه حث على الرواح، وجدارة الرواح أنسب من جدارة المكان في هذا المقام، واستشهد به
على حذف الجار والمجرور في قوله تعالى (لا تجزى نفس عن نفس شيئا) تقديره لا تجزى فيه
(شكا إلي جملي طول السرى * صبر جميل فكلانا مبتلى)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (وقولوا حطة) أي مسئلتنا حطة والأصل النصب بمعنى حط عنا ذنوبنا حطة
وإنما رفعت لتعطى معنى الثبات، كقوله (صبر جميل) والأصل النصب، وقوله صبر جميل: أي أجمل من غيره.
(لعمري لقد أعطيت ضيفك فارضا * تساق إليه ما تقوم على رجل)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (لا فارض ولا بكر) الفارض المسنة، القائل وهو خفاف بن ندبة اسم أمه،
كانت بينه وبين العباس بن مرداس مهاجاة ومعارضة، وفيه يقول ذلك.
(فانعق بضأنك يا جرير فإنما * منتك نفسك في الخلاء ضلالا)
البيت للأخطل. في سورة البقرة عند قوله تعالى (كمثل الذي ينعق) يقال نعق المؤذن ونعق الراعي بالضأن،
وأما نغق الغراب فبالغين. والأخطل يهجو جريرا ويقول له: إنك من رعاء النعم لا من الأشراف وأهل النعم،
وما منتك نفس في الخلاء أنك من العظماء فضلال وباطل، وقال جرير في جوابه:
لا تطلبن خؤولة من تغلب * فالزنح أكرم منهم أخوالا
والتغلبي إذا تنحنح للقرى * حك استه وتمثل الأمثالا
(وما هجر ليلى أن تكون تباعدت * عليك ولا أن أحصرتك شغول)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (فإن أحصرتم) يقول: ليس الهجر صدود الحبيب وتباعده لحاجته من جانبه
وحبس من جانبك، إنما الهجر صدوده عن اختيار منه.
(قد يدرك المتأني بعض حاجته * وقد يكون مع المستعجل الزلل)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى) وتعجل
واستعجل يجيئان مطاوعين بمعنى عجل، يقال تعجل في الأمر واستعجل ويتعديان، يقال تعجل الذهاب واستعجله
والمطاوعة أوفق لقوله (ومن تأخر) كما هي كذلك في قوله قد يدرك المتأني، وبعده:
477

والناس من يلق خيرا قائلون له * ما يشتهي ولأم المخطئ الهبل
وقيل ما دخل الرفق في شئ إلا زانه، ولا الخرق في شئ إلا شانه، ويقال لأم المخطئ الهبل، والهبل الثكل،
هبلته أمه فهي هابلة.
(كل حي مستكمل مدة العمر * ومود إذا انتهى أجله)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (فبلغن أجلهن) ومود: أي هالك من أودى: إذا هلك، ويقال أودى به
الموت: ذهب، والودي كفتى الهلاك. ويقال لعمر الإنسان أجل، وللموت الذي ينتهي إليه الأجل، وكذلك
الغاية والأمد، يقول: كل حي مستكمل مدة عمره ويهلك إذا انتهى عمره، ويروى أمده.
(وإن امرأ أسدى إلي صنيعة * وذكرنيها مرة لبخيل (1))
في سورة البقرة عند قوله تعالى (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى) وقريب
من معنى ذلك قول الساجع: صنوان من منح سائله ومن، ومن منع نائله وضن. صنوان: أي مثلان، ونحوه
قول العلامة الزمخشري: طعم الآلاء أحلى من المن، وهي أمر من الآلاء عند المن. الآلاء: الأولى: الفضل
والنعم، والمن: الترنجبين، قال الله تعالى (وأنزلنا عليكم المن والسلوى) والثانية: اسم شجرة مرة، والمن:
المنة: يقال مننت عليه منا: أي عددت له ما فعلت له من الصنائع، وهو تكدير وتعيير تنكسر منه القلوب،
فلهذا نهى الله بقوله (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) ومن هنا يقول: المن أخو المن: أي الإمتنان بتعديد
الصنائع أخو القطع والهذم.
(ويأوى إلى نسوة عطل * وشعثا مراضيع مثل السعالى)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (قائما بالقسط) على تقدير نصبه على المدح. قال الزمخشري: فإن قلت:
من حق المنصوب على المدح أن يكون معرفة كقولهم الحمد لله الحميد " إنا معاشر الأنبياء لا نورث ".
* إنا بني نهشل لا ندعي لأب * قلت: قد جاء نكرة كما جاء معرفة، وأنشد سيبويه مما جاء منه نكرة قول الهذلي:
ويأوى إلى نسوة عطل الخ. يصف رجلا صائدا يصيد ويدخل على امرأته وبناته الفقيرات العاريات التي تغيرت
وجوههن من شدة الجوع. مثل السعالى جمع السعلاة: وهو الغول، وإدخال الواو بين الصفة والموصوف لتأكيد
إلحاق الصفة بالموصوف نظيره قول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة في المزدحم
(لا كبت حاسدا وأرى عدوا * كأنهما وداعك والرحيل)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (أو يكبتهم فينقلبوا خائبين) أي يحزنهم ويغيظهم بالهزيمة، فينقلبوا
خائبين غير ظافرين بمبتغاهم، ونحوه (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا) ويقال كبته بمعنى كبده: إذا
ضرب كبده بالغيظ والحرقة. وقيل في قول أبي الطيب * لا كبت حاسدا وأرى عدوا * أي أضرب رئته
هو من الكبد والرئة، وأوله:

(1) قوله (لبخيل) أورده هنا باللام في حرف اللام، والذي في الكشاف للئيم، وعليه فمحله حرف الميم، كتبه مصححه.
478

رويدك أيها الملك الجليل * تأن وعده مما تنيل
وجودك بالمقام ولو قليلا * فما فيما تجود به قليل
أي تأن في سفرك وأخره واجعل ذلك من عرفانك وجودك بالإقامة ولو زمانا قليلا، فليس ما تجود به قليلا
بل كثيرا وإن قل. شبه الحاسد والعدو بوداعه ورحيله لأنهما ينكبان قلب الشاعر ويوجعانه.
(أنصب للمنية تعتريهم * رجالي أم هم درج السيول)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (هم درجات عند الله) أي هم متفاوتون كما تتفاوت الدرجات. أنصب
الخ: النصب رفعك الشئ تنصبه قائما مثل الغرض للسهم، قال الله تعالى (كأنهم إلى نصب يوفضون) وتعتريهم:
أي تصيبهم وتلحقهم، يقال اعتراه أمر كذا: إذا أصابه. والدرج: السبيل معناه: كأن رجالي لكثرة ما أصابهم
غرض للموت أو طريق سيول الموت.
(فألفيته غير مستعتب * ولا ذاكر الله إلا قليلا)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت) قرأ اليزيدي ذائقة الموت على الأصل، وقرأ
الأعمش ذائقة الموت بطرح التنوين مع النصب كقوله (ولا ذاكر الله إلا قليلا) استشهد بالبيت المذكور على
حذف التنوين من ذائقة لالتقاء الساكنين ونصب ما بعده، قال الأعلم: وفيه وجهان: إما التشبيه بحذف النون
الخفيفة لملاقاة ساكن نحو اضرب الرجل، وإما التشبيه بما حذف تنوينه من الأعلام الموصوفة بابن مضاف إلى علم.
وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الصافات عند قوله تعالى (إنكم لذائقوا العذاب) على قراءة النصب على
تقدير النون، وقرئ على الأصل لذائقون العذاب. واستشهد بالبيت المذكور في سورة الإخلاص حيث قرئ
أحد الله بغير تنوين أسقط لملاقاته لام التعريف، والجيد هو التنوين وكسره لالتقاء الساكنين. والبيت لأبي الأسود
الدؤلي. أخرج أبو الفرج في الأغاني قال: كان أبو الأسود يجلس إلى فناء امرأة بالبصرة فيتحدث إليها وكانت
برزة جميلة، فقالت له: يا أبا الأسود هل لك أن أتزوجك فإني صناع الكف حسنة التدبير قانعة بالميسور؟ فقال:
نعم، فجمعت أهلها وتزوجته، فوجد عندها خلاف ما قدر وأسرعت في إتلاف ماله ومدت يدها إلى خيانته
وأفشت سره وشكته إلى من كان حضر تزويجه إياها، فسألهم أن يجتمعوا عنده ففعلوا، فقال لهم:
رأيت امرأ كنت لم أبله * أتاني فقال اتخذني خليلا
فخاللته ثم أكرمته * فلم أستفد من لدنه فتيلا
فألفيته حين جربته * كذوب الحديث سروقا بخيلا
فذكرته ثم عاتبته * عتابا رقيقا وقولا جميلا
فألفيته غير مستعتب * ولا ذاكر الله إلا قليلا
ألست حقيقا بتوديعه * وإتباع ذلك صرما طويلا
فقالوا: بلى والله يا أبا الأسود، قال: تلكم صاحبتكم وقد طلقتها.
(وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا * جعلنا القنا والمرهفات له نزلا)
هو لأبي الشعراء الضبي. في آل عمران عند قوله تعالى (وبئس المهاد) أي ساء ما مهدوا لأنفسهم النزل،
479

والنزل: ما يقام للنازل. الجبار: الملك المسلط، أو الذي لا يقبل موعظة أحد والعظيم في نفسه والعاتي على ربه
أيضا. وضافنا: نزل بنا ضيفا، وفيه تهكم كما في قوله (فبشرهم بعذاب أليم) وكقول الضبي والنزل ما يهيأ (1)
للنازل، وهذا من قبيل:
نقربهم لهذميات نقد بها * ما كان خاط عليهم كل زراد
وقوله: صبحنا الخزرجية مرهفات * أباد ذوي أرومتها ذووها
والمرهفات: السيوف البواتر. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الواقعة عن قوله تعالى (هذا نزلهم يوم
الدين) حيث تهكم بهم كما سبق.
(فيا كرم السكن الذين تحملوا * عن الدار والمستخلف المتبدل)
في سورة النساء عند قوله تعالى (ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) من حيث إن صيغة التفعل بمعنى الاستفعال
غير عزيز، ومنه التعجل بمعنى الاستعجال، والتأخر بمعنى الاستئخار. والبيت لذي الرمة، أراد: يا كرم
سكان الدار الذين تحملوا عنها، ويا كرم من استخلفته الدار واستبدلته، والمراد به الوحش من البقر والظباء.
وقيل هو أن يعطى (2). والسكن بالسكون: العيال وأهل الدار والسكان.
(فما زالت القتلى تمج دماءها * بدجلة حتى ماء دجلة أشكل)
في سورة النساء عند قوله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) حيث جعل ما بعد حتى إلى (فادفعوا
إليهم أموالهم) غاية للإبتداء وهي حتى التي تقع بعدها الجمل. تمج: أي تلقى. والأشكل: الذي خالط بياضه حمرة.
والبيت من قصيدة لجرير يهجو بها الأخطل، وأولها:
أجدك لا يصحو الفؤاد المعلل * وقد لاح من شيب عذار ومسحل
ألا ليت أن الظاعنين بذي الغضى * أقاموا وبعض الآخرين تحملوا
ومنها البيت، ومنها:
لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم * ونحن لكم يوم القيامة أفضل
(لقد زادني حبا لنفسي أنني * بغيض إلى كل امرئ غير طائل
إذا ما رآني قطع الطرف بينه * وبيني فعل العارف المتجاهل)
في سورة النساء عند قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا) يقال لفلان على فلان طول: أي زيادة وفضل،
وقد طاله طولا فهو طائل، والبيت من هذا القبيل، ومنه الطول في الجسم لأنه زيادة فيه، كما أن القصر قصور
فيه. والبيت للطرماح بن حكيم، والمعنى: زادني تباغضي إلى كل رجل لا فضل له ولا خير عنده حبا لنفسي،
لأن التباين بيني وبينه هو الذي دعاه إلى بغضي، ومن ثم قيل:
* والجاهلون لأهل العلم أعداء *

(1) قوله (والنزل ما يهيأ الخ) كذا في الأصل وهو مكرر مع الذي قبله بسطر.
(2) قوله (وقيل هو أن يعطى) انظر ما معناه وحرر كتبه مصححه.
480

وقال المتنبي: وإذا أتتك مذمتي من ناقص * فهي الشهادة لي بأني كامل
(وإن امرأ ضنت يداه على امرئ * بنيل يد من غيره لبخيل)
في سورة النساء عند قوله تعالى (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) أي يبخلون بذات أيديهم وبما
في أيدي غيرهم فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسخاء، وفي أمثال العرب: أبخل من الضنين بنائل غيره، وقيل
أبخل الناس من بخل بما في يد غيره. قال الزمخشري: ولقد رأينا ممن بلى بداء البخل من إذا طرق سمعه أن أحدا جاد
على أحد شخص به وعلا صوته واضطرب ودارت عيناه في رأسه كأنما نهب رحله وكسرت خزانته ضجرا من
ذلك، والبيت لأبي تمام، وقبله:
سأقطع أرسان القباب بمنطق * قصير عناء الفكر فيه طويل
(أقول وقد ناحت بقربي حمامة * أيا جارتي هل بات حالك حالي معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى * وما خطرت منك الهموم ببال
أيا جارتي ما أنصف الدهر بيننا * تعالى أقاسمك الهموم تعالى
تعالى ترى روحا لدي ضعيفة * تردد في جسم يعذب بالى
أيضحك مأسور وتبكي طليقة * ويسكت محزون ويندب سالى
لقد كنت أولى منك بالدمع والبكى * ولكن دمعي في الشدائد غالى)
في سورة النساء عند قوله تعالى (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله) على قراءة الحسن تعالوا بضم اللام على
أنه حذف اللام من تعاليت تخفيفا كما قالوا ما باليت به بالة وأصلها بالية كعافية. قال الكسائي في آية أصلها آيية
فاعلة فحذفت اللام ووقعت واو الجمع بعد اللام من تعالى فضمت فصار تعالوا نحو تقدموا، ومنه قول أهل مكة
تعالى بكسر اللام للمرأة كما وقع في شعر الحمداني، والوجه فتح اللام لأنها عين الفعل كالعين في تصاعدي، ولام
الفعل التي كان حقها أن تكسر قد سقطت لأن الأصل تعاليى، وتقول في النداء: يا رجل تعاله، فإذا وصلت
طرحت الهاء كقولك: تعال يا رجل تعاليا تعالوا، فلذا قال الشاعر:
تعالوا نجدد دارس العهد بيننا * كلانا على ذاك الجفاء ملوم
ويقال للمرأتين تعاليا، وللنسوة تعالين، قال الله تعالى (فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا).
(وأهل خباء صالح ذات بينهم * قد احتربوا في عاجل أنا آجله)
في سورة المائدة عند قوله تعالى (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل) أي بسبب ذلك وبعلته، وقيل أصله
من أجل شرا: إذا جناه أو أثاره يأجله أجلا، ومنه قوله: وأهل خباء الخ. يصف نفسه بأنه مهياج للفتنة ويقول:
رب أهل خباء كانوا ذا صلح وافر قد وقعوا في الحرب عاجلا وأنا جالب الحرب عليهم وجانيه، وبعده:
فأقبلت في الباغين أسأل عنهم * سؤالك بالأمر الذي أنت جاهله
(أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم * ألا كل ذي لب إلى الله واسل)
في سورة المائدة عند قوله تعالى (وابتغوا إليه الوسيلة) وهي كل ما يتوسل به: أي يتقرب من قرابة أو صنيعة
481

أو غير ذلك، فاستعيرت لما يتوسل به إلى الله من فعل الطاعات وترك المعاصي. واسل: أي يتوسل ويطلب
القرب منه، ومعناه: أن الناس لا يدرون ما هم فيه من خطر الدنيا وسرعة فنائها، وكل ذي عقل يتوسل إلى الله
بطاعته وعمل صالح. والبيت للبيد بن ربيعة العامري من قصيدته المشهورة التي مدح بها النعمان، وهي أكثر من
خمسين بيتا أولها:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول * أنحب فيقضى أم ضلال وباطل؟
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم * ألا كل ذي لب إلى الله واسل
ألا كل شئ ما خلا الله باطل * وكل نعيم لا محالة زائل
وكل أناس سوف تدخل بينهم * دويهية تصفر منها الأنامل
وكل امرئ يوما سيعلم سعيه * إذا حصلت عند الإله المحاصل
إذا المرء أسرى ليلة خال أنه * قضى عملا والمرء ما دام عامل
فقولا له إن كان يقسم أمره * ألما يعظك الدهر أمك هابل
فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب * لعلك تهديك القرون الأوائل
فتعلم أن لا أنت مدرك ما مضى * ولا أنت مما تحذر النفس وائل
فإن لم تجد من دون عدنان والدا * ودون معد فلترعك العواذل
(أخو ثقة لا يهلك الخمر ماله * ولكنه قد يهلك المال نائله
تراه إذا ما ما جئته متهللا * كأنك تعطيه الذي أنت سائله
فمن مثل حصن في الحروب ومثله * لإنكار ضيم أو لخصم يحاوله)
هو لزهير. في سورة الأنعام عند قوله تعالى (قد نعلم إنه ليحزنك) من جهة أن قد بمعنى رب التي تجئ لزيادة
الفعل وكثرته في نحو قوله:
فإن تمس مهجور الفناء فربما * أقام به بعد الوفود وفود
يقول: إن جوده جود ذاتي لا يزيد بالكسر ولا ينقص بالصحو بل سواء في الحالتين. وقوله متهللا: أي
ضاحكا، وقد يهلك: أي كثيرا. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة النور عند قوله تعالى (قد يعلم ما أنتم
عليه) فإن قد لتوكيد العلم ورجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد.
(على أنها قالت عشية زرتها * جهلت على عمد ولم تك جاهلا)
في سورة الأنعام عند قوله تعالى (إنه من عمل منكم سوءا بجهالة) قال الزمخشري: وفيه معنيان: أحدهما
أنه فاعل فعل الجهلة لأن من عمل ما يؤدى إلى الضرر في العاقبة وهو عالم بذلك أو ظان فهو من أهل السفه والجهل
لا من أهل الحكمة والتدبير، ومنه قوله: على أنها قالت الخ. أي جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرة، ومن حق
الحكيم أن لا يقدم على شئ حتى يعلم كيفيته وحاله ولا يشترى الحلم بالجهل ولا الأناة بالطيش، ولا الرفق بالخرق
كما قال:
فإن تزعميني كنت أجهل فيكم * فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
482

وإن لم يكن كذلك يصدق عليه أنه من أكبر الجهال، والحمار أفضل منه كما قال:
فضل الحمار على الجهول بخلة * معروفة عند الذي يدريها
إن الحمار إذا توهم لم يسر * وتعاود الجهال ما يؤذيها
وما أحسن ما قيل:
فما لك والتردد حول نجد * وقد غصت تهامة بالرجال
(حلفت لها بالله حلفة فاجر * لناموا فما إن من حديث ولا صالي)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (ولقد أرسلنا) من جهة أنهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام إلا مع قد،
وقل عنهم حذفها نحو قوله: حلفت لها الخ: وإنما كان ذلك لأن الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدا للجملة المقسم
عليها التي هي جوابها، فكان مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى قد عند استماع المخاطب كلمة القسم. وقوله لناموا
جواب حلفت. والصالي: الذي يصطلي بالنار. يقول: طرقت المحبوبة فخافت من الرقباء وأنكرت طروقي إليها
فحلفت لها حلفة فاجر إن القوم نيام وأن ليس فيهم يقظان محدث أو مسطل بالنار. والبيت لامرئ القيس من
قصيدته المشهورة اللامية التي سبق ذكرها ولها قصة مشهورة، وفي شروح الشواهد مسطورة. قيل إن امرأ القيس
سرى إلى ابنة قيصر الروم ليلا فقالت له: أتريد أن تفضحني؟ ألست ترى السمار والرقباء حولي راقدين؟ ومنعته
من الإقامة عندها، فقال امرؤ القيس مجيبا لها: والله لا أبرح حتى أنال حاجتي منك ولو قتلت وقطعت إربا إربا،
والقصيدة مشهورة، وأولها كما تقدم:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي * وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وهل يعمن إلا سعيد مخلد * قليل الهموم ما يبيت بأوجال
وهل يعمن من كان آخر عهده * ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني * كبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي
بلى رب يوم قد لهوت وليلة * بآنسة كأنها خط تمثال
تنورتها من أذرعات وأهلها * بيثرب أدنى دارها نظر عالي
نظرت إليها والنجوم كأنها * مصابيح رهبان تشب لقفال
سموت إليها بعد ما نام أهلها * سمو حباب الماء حالا على حال
فقلت يمين الله أبرح قاعدا * ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
فلما تنازعنا الحديث وأسمحت * هصرت بغصن ذي شماريخ ميال
وصرت إلى الحسنى ورق كلامها * ورقت فذلت صعبة أي إذلال
حلفت لها بالله حلفة فاجر * لناموا فما إن من حديث ولا صالي
فأصبحت معشوقا وأصبح بعلها * عليه قتام كاسف الظن والبال
يغط غطيط البكر شد خناقه * ليقتلني والمرء ليس بقتال
483

أيقتلني والمشرفي مضاجعي * ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وليس بذي سيف فيقتلني به * وليس بذي رمح وليس بنبال
وقد علمت سلمى وإن كان بعلها * بأن الفتى يهذى وليس بفعال
وهي طويلة، ولم أورد هذه الأبيات إلا لحلاوة ألفاظها ولطافة فحواها لا لما تضمنته والله من مفهومها ومعناها،
على أن بعض الصحابة رضي الله عنهم سمع مثل هذا الشعر واستحسنه، واستملحه وما استهجنه، وقد أشبهت
قصيدة امرئ القيس هذه بمعناها قصيدة عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، ولم يكن في قريش أفصح منه ولا
أشعر، قصد الفقير إثباتها في هذا المحل بحكم أن الشئ بالشئ يذكر، إذ هي مشابهة لها مشابهة اليوم للأمس،
ومطابقة لها مطابقة الخمس بالخمس. ذكر المبرد في الكامل أن ابن عباس رضي الله عنهما أتى إليه الحرث عم عمر
المذكور ومعه ابن أخيه فقال له: إن ابن أخي هذا قال شعرا، فاستنشده ابن عباس إياه، فأنشده القصيدة الآتية
إلى آخرها، فقال ابن عباس للحرث: إن بقي ابن أخيك هذا ليخرجن المخبآت من خدورهن، وهي هذه:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر * غداة غد أم رائح فمهجر؟
لحاجة نفس لم تقل في جوابها * فتبلغ عذرا والمقالة تعذر
أهيم إلى نعم فلا الشمل جامع * ولا الحبل موصول ولا القلب مقصر
ولا قرب نعم إن دنت لك نافع * ولا نأيها يسلى ولا أنت تصبر
وأخرى أنت من دون نعم ومثلها * نهى ذا النهى لو يرعوى أو يفكر
إذا زرت نعما لم يزل ذو قرابة * لها كلما لاقيتها يتنمر
عزيز عليه أن ألم ببيتها * يسر لي الشحناء والبغض يظهر
ألكني إليها بالسلام فإنه * يشهر إلمامي بها وينكر
بآية ما قالت غداة لقيتها * بمدفع أكنان أهذا المشهر؟
قفى فانظري أسماء هل تعرفينه * أهذا المغيري الذي كان يذكر؟
أهذا الذي أطريت نعتا فلم أكن * وعيشك أنساه إلى يوم أقبر؟
فقالت نعم لا شك غير لونه * سرى الليل يحيى نصه والتهجر
لئن كان إياه لقد حال بعدنا * عن العهد والإنسان قد يتغير
رأت رجلا أيما الشمس عارضت * فيضحى وأيما بالعشي فيخصر
أخا سفر جواب أرض تقاذفت * به فلوات فهو أشعث أغبر
قليل على ظهر المطية ظله * سوى ما نفى عنه الرداء المحبر
وأعجبها من عيشها ظل غرفة * وريان ملتف الحدائق أخضر
ووال كفاها كل شئ يهمها * فليست بشئ آخر الليل تسهر
وليلة ذي دوران جشمني السرى * وقد يجشم الهول المحب المغرر
484

فبت رقيبا للرفاق على شفا * أحاذر منهم من يطوف وأنظر
إليهم متى يستمكن النوم منهم * ولى مجلس لولا اللبانة أوعر
وباتت قلوصي بالعراء ورحلها * لطارق ليل أو لمن جاء معور
وبت أناجي النفس أين خباؤها * وكيف لما آتي من الأمر مصدر
فدل عليها القلب ريا عرفتها * لها وهوى النفس الذي كان يضمر
فلما فقدت الصوت منهم وأطفئت * مصابيح شبت بالعشاء وأنور
وغاب قمير كنت أهوى غيوبه * وروح رعيان ونوم سمر
وخفض عني الصوت أقبلت مشية ال‍ * حباب وشخصي خشية الحي أزور
فحييت إذ فاجأتها فتولهت * وكادت بمخفوض التحية تجهر
وقالت وعضت بالبنان فضحتني * وأنت امرؤ ميسور أمرك أعسر
أريتك إذ هنا عليك ألم تخف * رقيبا وحولي من عدوك حضر
فوالله ما أدري أتعجيل حاجة * سرت بك أم قد نام من كنت تحذر
فقلت لها بل قادني الشوق والهوى * إليك وما نفس من الناس تشعر
فقالت وقد لانت وأفرخ روعها * كلاك بحفظ ربك المتكبر
فأنت أبا الخطاب غير منازع * علي أمير ما مكثت مؤمر
فيالك من ليل تقاصر طوله * وما كان ليلي قبل ذلك يقصر
ويا لك من ملهى هناك ومجلس * لنا لم يكدره علينا مكدر
يمج ذكي المسك منها مقبل * نقى الثنايا ذو غروب مؤشر
تراه إذا ما افتر عنه كأنه * حصى برد أو أقحوان منور
وترنو بعينيها إلي كما رنا * إلى ظبية وسط الخميلة جؤذر
فلما تقضى الليل إلا أقله * كادت توالى نجمه تتغور
أشارت بأن الحي قد حان منهم * هبوب ولكن موعد منك عزور
فما راعني إلا مناد ترحلوا * وقد لاح معروف من الصبح أشقر
فلما رأت من قد تنبه منهم * وإيقاظهم قالت أشر كيف تأمر
فقلت أباديهم فإما أفوتهم * وإما ينال السيف ثأرا فيثأر
فقالت أتحقيقا لما قال كاشح * علينا وتصديقا لما كان يؤثر
فإن كان ما لا بد منه فغيره * من الأمر أدنى للخفاء وأستر
أقص على أختي بدء حديثنا * ومالي من أن يعلما متأخر
485

لعلهما أن يطلبا لك مخرجا * وأن يرحبا سربا بما كنت أحصر
فقامت كئيبا ليس في وجهها دم * من الحزن تذري عبرة تتحدر
فقالت لأختيها أعينا على فتى * أتى زائرا والأمر للأمر يقدر
فقامت إليها حرتان عليهما * كساءان من خز دمقس وأخضر
فأقبلتا فارتاعتا ثم قالتا * أقلى عليك اللوم فالخطب أيسر
يقوم فيمشي بيننا متنكرا * فلا سرنا يفشو ولا هو يظهر
فكان مجنى دون من كنت أتقى * ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
فلما أجزنا ساحة الحي قلن لي * أما تتقي الأعداء والليل مقمر
وقلن أهذا دأبك الدهر سادرا * أما تستحي أو ترعوي أو تفكر
إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا * لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر
فآخر عهد لي بها حين أعرضت * ولاح لهذا خد نقي ومحجر
سوى أنني قد قلت يا نعم قولة * لها والعتاق الأرحبيات تزجر
هنيئا لأهل العامرية نشرها ال‍ * لذيذ ورياها الذي أتذكر
وقمت إلى عنس تخوف نيها * سرى الليل حتى لحمها متحسر
وحبسي على الحاجات حتى كأنها * بقية لوح أو شجار مؤسر
وماء بموماة قليل أنيسه * بسابس لم يحدث له الصيف محضر
به مبتنى للعنكبوت كأنه * على طرف الأرجاء خام منشر
وردت وما أدري أما بعد موردي * من الليل أم ما قد مضى منه أكثر
فقمت إلى مفلاة أرض كأنها * إذا التفتت مجنونة حين تنظر
محاولة للماء لولا زمامها * وجذبي لها كادت مرارا تكسر
فلما رأيت الضر منها وأنني * ببلدة أرض ليس فيها معصر
قصرت لها من جانب الحوض منشأ * جديدا كقاب الشبر أو هو أصغر
إذا شرعت فيه فليس لملتقى * مشافرها منه قذى الكف مسأر
ولا دلو إلا القعب كأن رشاءه * إلى الماء نسع والجديل المضفر
فسافت وما عافت وما رد شربها * عن الري مطروق من الماء أكدر
وقد أورد العلامة العيني هذه القصيدة بتمامها في شرح شواهده الكبرى، وقال: وإنما سقتها بتمامها وإن كان
قد طال بها الكتاب من وجوه: الأول فيها أبيات كثيرة يستشهد بها في كتب النحو، الثاني لحسنها ورقتها ما أردت
إخلالها، والثالث قل من يقف عليها وهي صحيحة سالمة من التصحيفات، الرابع طلبا لزيادة الفائدة،
486

الخامس حتى ينصف الجاهل من جهله الأقران ويرى ما فيه من قوة اجتهاد من ساق هذه وأمثالها في هذا الكتاب
على نهج الصحة والصواب الخ.
(تبقلت في أول التبقل * بين رماحي مالك ونهشل)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا) والأسباط: أولاد الأولاد جمع سبط،
وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثنى عشر ولدا من ولد يعقوب عليه السلام. قال الزمخشري: إن قلت مميز ما عدا
العشرة مفرد فما وجه مجيئه مجموعا، وهلا قيل اثنى عشر سبطا؟ قلت: وقيل ذلك لم يكن تحقيقا لأن المراد:
وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة، وكل قبيلة أسباط لا سبط، فوضع أسباطا موضع قبيلة، ونظيره:
* بين رماحي مالك ونهشل * يقال تبقلت الغنم وغيرها: إذا رعت النبات أول ما ينبت. ومالك بن ضبعة
ونهشل بن دارم: أميران من أمراء العرب. يصف رمكة مرتاضة اعتادت ممارسة الحرب، وثنى رماحا وهو جمع
على تأويل رماح هذه القبيلة ورماح هذه القبيلة.
(إن تقوى ربنا خير نفل * وبإذن الله ريثي وعجل
أحمد الله فلا ند له * بيديه الخير ما شاء فعل
من هداه سبل الخير اهتدى * ناعم البال ومن شاء أضل)
في سورة الأنفال. النفل: ما يعطاه الغازي زائدا على سهمه من الغنيمة، وهو أن يقول الإمام تحريضا على
البلاء في الحرب: من قتل قتيلا فله سلبه، أو يقول لسرية: ما أصبتم فهو لكم أو فلكم نصفه أو ربعه، ولا يخمس
النفل، ويلزم الإمام الوفاء بما وعد منه. وقوله خير نفل: أي خير غنيمة. والند: ما يضاد الشئ في أموره وهو
ضده، والند: المثل أيضا.
(جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم * وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو)
في سورة الأنفال عند قوله تعالى (وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا) أي عطاء جميلا، والمعنى: وللإحسان إلى
المؤمنين فعل ما فعل وما فعله إلا لذلك، فإن الله تعالى يبلى العبد بلاء حسنا وبلاء سيئا، ويبلو بالنعمة كما يبلو
بالمصيبة. وأبليته: أعطيته، يقول: جزى الله الممدوحين بالإحسان جزاء ما فعلا بكم وأعطاهما خير العطاء الذي
يعطيه لأحد. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) حيث
كان فعل آل فرعون بلاء من ربهم، على أن الإشارة إلى الإنجاء وهو بلاء عظيم، والبلاء يكون ابتلاء بالنعمة
والمحنة جميعا كما قال تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) وقال زهير: * وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو *
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني * شاو مشل شلول شلشل شول
في فتية كسيوف الهند قد علموا * (أن هالك كل من يحفى وينتعل)
في سورة يونس عند قوله تعالى (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) ومعنى (تحيتهم فيها سلام) أن
بعضهم يحيي بعضا بالسلام، وقيل تحية الله لهم، وأن هي المخففة من الثقيلة وأصله أنه الحمد لله على أن الضمير للشأن
كقوله * أن هالك كل من يحفى وينتعل * شاو: أي غلام يطبخ الشواء. وشلول: أي خفيف في العمل. مشل: أي
مسرع شلشل: أي ماض في الحوائج. شول: أي مخرج اللحم من القدر. وقوله في فتية أي في فئة كالسيوف
487

في مضائهم، أو صباح الوجوه تبرق وجوههم كالسيوف قد علموا أن هالك. يريد أنه هالك كل انسان يحفى
وينتعل: أي كل حاف وناعل كناية عن الفقير والغني: أي علم هؤلاء الفتيان أن الهلاك يعم الناس غنيهم وفقيرهم
فهم يبادرون إلى اللذات قبل فواتها، وما ألطف مطلع قصيدة الشيخ صفي الدين الحلى في قريب من هذا المعنى
في قوله: خذ فرصة اللذات قبل فواتها * وإذا دعتك إلى المدام فواتها
والبيت للأعشى ميمون بن قيس من قصيدته المشهورة التي أولها:
ودع هريرة إن الركب مرتحل * وهل تطيق وداعا أيها الرجل
إلى أن قال: تغرى بنا رهط مسعود وإخوته * يوم اللقاء فتردى ثم تعتزل
ألست منتهيا عن تحت أثلتنا * ولست ضائرها ما أطت الإبل
إلى أن قال: كناطح صخرة يوما ليوهنها * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
ومنها ما استشهد به أهل البديع وهو:
ما روضة من رياض الحزن معشبة * قفراء جاد عليها مسبل هطل
يضاحك الشمس منها كوكب شرق * مؤزر بعميم النبت مكتهل
يوما بأطيب منها نشر رائحة * ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
علقتها عرضا وعلقت رجلا * غيري وعلق أخرى ذلك الرجل
فكلنا مغرم هذا بصاحبه * ناء ودان ومحبول ومحتبل
قالت هريرة لما جئت زائرها * ويلي عليك وويلي منك يا رجل
ومنها: أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط * كالعطب يذهب فيه الزيت والفتل
ومنها: غراء فرعاء مصقول عوارضها * تمشي الهوينا كما يمشي الوحي الوجل
ومنها: قالوا الطراد فقلنا تلك عادتنا * أو تنزلون فإنا معشر نزل
أخرج أبو الفرج في الأغاني قال: الأعشى أغزل الناس في بيت، وأخنث الناس في بيت، وأشجع
الناس في بيت. أغزل بيت قوله * غراء فرعاء مصقول عوارضها * الخ. وأخنث بيت قوله:
* قالت هريرة لما جئت زائرها * الخ. وأشجع بيت قوله * قالوا الطراد فقلنا تلك عادتنا * الخ.
(يا صاحب البغى إن البغى مصرعة * فأربع فخير فعال المرء أعدله
فلو بغى جبل يوما على جبل * لاندك منه أعاليه وأسفله)
في سورة يونس عند قوله تعالى (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
" لا تمكر ولا تعن ماكرا ولا تبغ ولا تعن باغيا ولا تنكث ولا تعن ناكثا " وكان يتلوها وعنه عليه الصلاة والسلام " أسرع
الخير ثوابا صلة الرحم، وأعجل الشر عقابا البغى واليمين الفاجرة " وروى " ثنتان يعجلهما الله تعالى في الدنيا:
البغى، وعقوق الوالدين " وعن ابن عباس رضي الله عنهما " لو بغى جبل على جبل لدك الباغي " وكان المأمون
يتمثل بهذين البيتين في أخيه، وذلك الأخ هو الأمين حين ابتدأ بالبغي عليه وقصد قتله. والبغي: الظلم والفساد.
488

ومصرعة: أي كثير المصارعة شديدها. فأربع: يقال أربع على نفسك: أي لا تجاوز قدرك. والفعال بفتح الفاء
غالب في المكارم لكنه استعمل هنا لمجرد الفعل. يقول: يا من يظلم الناس، ويبغى في الأرض الظلم مصرعة لأهله،
فلا تتجاوز قدرك واعدل فإن خير فعال المرء أعدله، فلو بغى جبل يوما على جبل لاندك من الباغي أعاليه وأسفله
قال الشاعر: والبغي يصرع أهله * والظلم مرتعه وخيم
(وإذا يجوزها حبال قبيلة) * أخذت من الأخرى إليك حبالا
للأعشى. في سورة يونس عند قوله تعالى (وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر) قرأ الحسن وجوزنا، من أجاز
المكان وجاوزه وجوزه، وليس من جوز الذي في بيت الأعشى، وإذا يجوزها الخ، لأنه لو كان منه لكان حقه
أن يقال: وجوزنا بني إسرائيل في البحر كما قال: * كما جوز السكي في الباب فيتق * يقول: إذا أخذت
لناقتي أمان قوم فجزتهم بها أخذت أمان قوم آخرين لأجوزها إليك: أي لا أزال راكبا عليها أقتحم المخاوف
أؤمنا بالأمان إلى أن أصل إليك، وعادة العرب أنهم يستجيزون من قوم إلى قوم ليأمنوا من تجاريهم وشرهم.
(ما يقسم الله أقبل غير مبتئس * منه وأقعد كريما ناعم البال)
في سورة هود عند قوله تعالى (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) أي فلا تحزن
حزن بائس مستكين، والمعنى: فلا تحزن بما فعلوا من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك فقد حان وقت الانتقام
منهم، غير مبتئس: أي غير حزين. يقول: ارض (1) بما قسم الله ولا تحزن على ما فات، واقعد ناعم البال طيب
القلب الكريما، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك: كما قيل:
ما لا يكون فلا يكون بحيلة * أبدا وما هو كائن سيكون
سيكون ما هو كائن في وقته * وأخو الجهالة متعب محزون
(ويوم شهدناه سليما وعامرا * قليل سوى الطعن النهال نوافله)
في سورة هود عند قوله تعالى (ذلك وعد غير مكذوب) أي مكذوب فيه، فاتسع في الظرف بحذف حرف
الجر وإجرائه مجرى المفعول به كقولهم يوم مشهود، وقوله ويوم شهدناه الخ، أو على المجاز كأنه قيل للوعد نفى بك
فإذا وفى به فقد صدق ولم يكذب، أو وعد غير كذب على أن المكذوب مصدر كالمجلود والمعسور. والمصدوقة
بمعنى الصدق: يصف قتالا ومعركة، والرواية ويوم بواو رب، ويجوز النصب: أي أذكر يوما، والرفع على
أنه خبر مبتدأ محذوف، وشهد لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد وهنا تعدى إلى مفعولين، لأن الأول ظرف متسع
فيه وسليما هو المفعول الثاني وأسقط في من اللفظ، ولو كانت الكناية ظرفا لوجب إظهار فيه فقيل شهدناه فيه،
وعامرا عطف عليه، وقليل صفة يوم، والمنهال صفة الطعن وهو جمع نهل مثل جبل وجبال، ونهل جمع ناهل
كطلب جمع طالب، والمناهل: الريان والعطشان ضد، والنهل أيضا الشرب الأول ونوافله فاعل قليل وهى عطية
التطوع، ومنه البيت: أي رب يوم حضرنا هاتين القبيلتين فيه قل عطاء ذلك اليوم سوى الطعن بالرماح العطاش
إلى دمائكم: يعنى رب يوم قاتلناهم فيه. وقد استشهد بالبيت المذكور في السورة المذكورة عند قوله تعالى

(1) قوله ارض الخ. هذا الحل لا يناسب البيت لأن الفعل فيه مضارع لا أمر، كتبه مصححه.
489

(ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) أي تشهده جميع الخلائق. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة
الحج عند قوله تعالى (وجاهدوا في الله حق جهاده) أي جهادا فيه حقا خالصا لوجهه، فعكس وأضيف الحق إلى
الجهاد مبالغة كقولك هو حق عالم، وأضيف الجهاد إلى الضمير اتساعا، أو لأنه مختص بالله من حيث إنه مفعول
لوجه الله ومن أجله. واستشهد بالبيت المذكور في سورة الأحزاب عند قوله تعالى (فما لكم عليهن من عدة
تعتدونها) حيث قرئ تعتدونها بالتخفيف: أي تعتدون فيها كقوله: ويوم شهدناه الخ، والمراد من الاعتداء ما في
قوله (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا).
(ضعيف النكاية أعداءه * يخال الفرار يراخى الأجل)
في سورة هود عند قوله تعالى (إن أريد إلا الاصطلاح ما استطعت) ظرف: أي مدة استطاعتي الإصلاح وما
دمت متمكنا منه لا آلوه جهدا، أو بدل من الإصلاح: أي المقدار الذي استطعته منه، ويجوز أن يكون على
تقدير حذف المضاف: أي الإصلاح إصلاح ما استطعت أو مفعول له كقوله * ضعيف النكاية أعداءه * أي
ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه من مفاسدكم، ومعناه: أنه لا ينكى العدو خوفا على نفسه، ويفر من
المحاربة أن الفرار يؤخر الأجل، قال تعالى (إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) ونصب الأعداء بالنكاية.
(لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت) * حمامة في غصون ذات أو قال
في سورة هود عند قوله تعالى (أن يصيبكم مثل أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط
منكم ببعيد) بالفتح، وهى فتحة بناء وذلك أنه فاعل كحاله في القراءة المشهورة، وإنما بنى على الفتح لإضافته
إلى غير متمكن كقوله تعالى (إنه لحق مثل ما أنكم) أو نعت لمصدر محذوف، فالفتحة للإعراب والفاعل على هذا
ضمير يفسره سياق الكلام: أي يصيبكم العذاب إصابة مثل ما أصاب، والعامة على ضم لام مثل على أنه فاعل
يصيبكم. والبيت لأبى قيس بن رفاعة يصف الإبل إما بحدة الفؤاد وذلك محمود فيها، وإما بالحنين إلى الوطن،
وفى الكلام قلب: أي لم يمنعها من الشرب إلا أنها سمعت فنفرت، يريد أنها حديدة الحس فيما قرع قراع
ويجوز أن يريد أن الحمامة لما نطقت اشتاقت الناقة إلى وطنها وحنت إلى عطنها فامتنعت من الشرب. والشرب
بالكسر: النصيب لا بالضم المصدر. غصون: أراد أن الحمامة في غصون. والأوقال جمع وقل: وهو
الحجارة، وتقديره: في غصون ثابتة في أرض ذات أو قال. وقيل الوقل: شجر المقل أي في غصون ثابتة في
أرض فيها مقل. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الفرقان عند قوله تعالى (وكان بين ذلك قواما) حيث كان
قواما خبرا ثانيا أو حالا مؤكدة، أو هو الخبر وما بين ذلك لغو، وقد جوز أن يكون اسم كان على أنه بنى لإضافته
إلى غير متمكن وهو ضعيف كقوله: لم يمنع الشرب منها الخ. قال الزمخشري: وهو من جهة الإعراب لا بأس به،
ولكن المعنى ليس بقوى لأن ما بين الإسراف والتقتير قوام لا محالة. فليس في الخبر الذي هو معتمد الفائدة فائدة.
أقول: هذه العبارة من باب كان الذاهب جاريته صاحبها وهو غير مفيد على ما نصوا عليه.
(وإن أنا يوما غيبتني غيابتي * فسيروا بسيري في العشيرة والأهل)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (وألقوه في غيابة الجب) وهى غوره وما غاب عن عين الناظر وأظلم من
أسفله. قال: وإن أنا يوما الخ. أراد مقبرته التي يدفن فيها. وقوله: فسيروا بسيري في العشيرة والأهل: كانت
العادة إذا مات عظيم الشأن والمحل يطوف أحدهم على القبائل ويصعد الروابي المطلة عليهم والآكام المرتفعة
490

بمحالهم ويقول: أنعى فلانا، يريدون تشهير أمره وتعظيم الفجع به. يقول الشاعر: إذا مت فسيروا نعيي في القبائل
والعشائر، كما قال طرفة بن العبد:
إذا مت فأنعيني بما أنا أهله * وشقى على الجيب يا ابنة معبد
(هممت ولم أفعل وكدت وليتني * تركت على عثمان تبكى حلائله)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) هم بالأمر: إذا قصده
وعزم عليه، قال: هممت ولم أفعل الخ. ومنه قولك: لا أفعل ذلك ولا كيدا ولا هما: أي ولا أكاد أن أفعله
كيدا ولا أهم هما، ومنه الهمام وهو الذي إذا هم بالأمر أمضاه ولم ينكل عنه. قيل إن عمير بن ضابئ البرجمي أتى
الحجاج وهو شيخ يرعد فقال: أيها الأمير، إني من الضعفة وإن لي ابنا هو أقوى منى على الأسفار واحتمال مشاق
السهول والأوعار، وقد خرج اسمى في هذا البعث، فإن رأى الأمير أن يقبله منى بديلا فعل. فقال الحجاج:
نفعل، فلما ولى قال قائل له: أيها الأمير هذا عمير الذي يقول * هممت ولم أفعل وكدت وليتني * الخ،
ودخل هذا الشيخ على عثمان وهو مقتول فوطئ بطنه وكسر ضلعا من أضلاعه، فقال: ردوه فرد فقال: هلا
بعثت أيها الشيخ إلى أمير المؤمنين عثمان يوم الدار بديلا،؟ إن في قتلك صلاحا، يا حرسي اضرب عنقه.
أتقتلني وقد شعفت فؤادها * (كما شعف المهنوءة الرجل الطالي)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (قد شغفها حبا) وشعف البعير: إذا هنأه فأحرقه بالقطران. قال: كما
شعف المهنوءة الخ، والشغف: غلبة الحب على القلب وهو مأخوذ من الشغاف وهو حجاب القلب، وقيل جلدة
رقيقة يقال لها لسان القلب، وقيل: سويداء القلب. وعلى ذكر الشعف تذكرت حال كتابة هذا المحل عبارة
في مكاتبة وردت على من قطب دائرة الوجود المرحوم سيدي محمد البكري وهى هذه: المحب الذي شغف به
القلب وأجله فأحله خلال الشراسيف والضلوع، بل سواء السويداء والشغاف وهاتيك الربوع إلى آخرها. يقول
الشاعر: أتقتلني المحبوبة والحال أنى قد شعفت فؤادها: أي علوت كما يعلو الرجل الطالي المهنوءة إذا هنأها
بالقطران، أو كما ذهب الطالي للإبل بالقطران بقلوبها، والإبل تخاف من ذلك ثم تستروح إليه.
(فظللنا بنعمة واتكأنا * وشربنا الحلال من قلله)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (وأعتدت لهن متكأ) أي طعاما من قولك اتكأنا عند فلان: طعمنا على
سبيل الكناية، لأن من دعوته ليطعم عندك اتخذت له تكأة يتكئ عليها كقول جميل: فظللنا بنعمة الخ، يقال لكل
فاعل بالنهار: ظل يفعل كذا. واتكأنا: أخذنا متكأ يتكأ عليه، وأصله وكألأنه معتل. قال في الصحاح:
وأصل التاء في جميع ذلك واو ولم يذكر مادة تكأ. يقول: اشتغلنا طول النهار بالتنعم وأكل الطعام
وشرب الشراب. وأراد بالحلال: النبيذ. والقلل جمع قلة: وهى إناء للعرب كالجرة الكبيرة والجمع قلال،
مثل برمة وبرام، وربما قيل قلل مثل غرفة وغرف، وسميت قلة لأن الرجل يقلها: أي يحملها، وكل شئ حملته
فقد أقللته.
(فقلت: يمين الله أبرح قاعدا * ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (تفتؤ تذكر يوسف) أراد لا تفتؤ بحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس بالإثبات،
491

لأنه لو كان للإثبات لم يكن بد من اللام والنون معا عند البصريين أو إحداهما عند الكوفيين، تقول: والله أحبك،
تريد والله لا أحبك وهو من التورية، فإن كثيرا من الناس يتبادر ذهنه إلى إثبات المحبة، والأوصال جمع وصل
بكسر الواو وهو المفصل، والبيت لامرئ القيس من قصيدته اللامية المشهورة التي مطلعها:
* ألا عم صباحا أيها الطلل البالي * وقد تقدم عدة من أبياتها.
(فرع نبع يهش في غصن المجد * غزير الندى شديد المحال)
في سورة الرعد عند قوله تعالى (وهو شديد المحال) أي المماحلة: وهى شدة المماكرة والمكايدة، ومنه تمحل
لكذا: إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه. والفرع من كل شئ: أعلاه. والنبع: شجر يتخذ منه القسي.
والهش من كل شئ: ما فيه رخاوة، وهش إليه هشا: أي ضحك إليه. غزير الندى: أي كثير العطاء. وشديد
المحال: أي شديد الكيد. أي هذا الممدوح في الصلابة فرع له نضارة في غصن المجد كثير الندى شديد العقوبة على
الأعداء، جعله فرع نبع تنبيها على أنه مع صلابة عوده سيد قومه وأعلاهم نسبا وحسبا. وقوله في غصن المجد:
أي هو فرع النبع من بين أغصان المجد كما تقول: هو عالم في تميم وسيد في قومه، وهذا أبلغ من جعله داخلا في
عدادها كقوله تعالى (في أصحاب الجنة).
(وإذا رميت به الفجاج رأيته * يهوى مخارمها هوى الأجدل)
هو من أبيات الحماسة. في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم) تسرع إليهم
وتطير نحوهم شوقا ونزاعا، من قوله يهوى مخارمها الخ، وتعديته بإلى لتضمنه معنى الشوق والنزاع، والبيت لتأبط
شرا: أي إذا رميت به الفجاج رأيته يصعد مسرعا أنوف الجبال. والمخارم جمع المخرم: وهو منقطع أنف الجبل.
والهوى بضم الهاء: هو القصد إلى الأعلى. يصف رجلا بالتشمير والشهامة، ويقول: إذا رميت به إلى وعور الجبال
رأيته يسرع إليها ويطير نحوها شوقا ونزاعا كما يطير الأجدل وهو الصقر.
(وإن تعتذر بالمحل عن ذي ضروعها * إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلى)
في سورة الحجر عند قوله تعالى (لأزينن لهم في الأرض) حيث أراد لأجعلن مكان التزيين عندهم الأرض
ولأوقعن تزييني فيها: أي لأزيننها في أعينهم ولأحدثنهم بأن الزينة في الدنيا وحدها حتى يستحبوها على الآخرة
ويطمئنوا إليها دونها، ونحوه، يجرح في عراقيبها نصلى. الضمير في تعتذر يعود إلى الناقة. والمحل: الجدب وهو
انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ، والباء للسببية لا للظرف. وقوله من ذي ضروعها: يريد اللبن الذي يكون
في الضرع، ويجرح جواب الشرط وفاعله نصلى. والنصل ههنا: السهم، وإيثار ذي ضروعها على اللبن دلالة
على أن اعتذارها إنما يكون عند الجفاف الكلى، وهو كناية في أسلوب: جبان الكلب، مهزول الفصيل، كثير
الرماد، ومن ذلك قول الأعشى.
وإياك والميتات لا تقربنها * ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا
والعراقيب جمع عرقوب: وهو العصب الغليظ الموتر فوق عقب الإنسان، وعرقوب الدابة في رجلها بمنزلة
الركبة في يدها. ومعنى البيت: إذا اعتذرت الناقة إلى الضيف من قلة لبنها لسبب المحل بجرح نصلى في عراقيبها: أي
أفصدها للضيف. وكان من عادة عرب البادية في الجاهلية إذا نزل بهم ضيف ولم يجدوا طعاما ولا لبنا في رحلهم أن
492

يفصدوا الإبل قراة ناقة أو جملا، ويخرجوا من الدم ما يكفيه ويرفعوا ذلك الدم على النار حتى يشتد ويصير قطعا
مثل قطع الكبد ويطعموه، فحرم الله تعالى ذلك بقوله (حرمت عليكم الميتة والدم) ويحتمل أن يكون المراد من
قوله: يجرح في عراقيبها نصلى، ذبح الناقة ونحرها، لأن الناقة ربما تعقر عند النحر كيلا تحتاج إلى إحكام وإبرام.
والنصل: هو السيف. ودل البيت على أنه مضياف نحار في أزمان الأزمة الشديدة، وهو لذي الرمة، والضمير
عائد إلى الإبل في قوله قبل هذا البيت:
وما لام من يوم أخ وهو صادق * أخا لي ولا اعتلت على ضيفها إبلي
إذا كان فيها الرسل لم تأت دونه * فصالي ولو كانت عجافا ولا أهلي
وإن تعتذر، البيت:
(حفد الولائد بينهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الأجمال)
في سورة النحل عند قوله تعالى (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) جمع حافد وهو الذي يسرع في
الخدمة والطاعة، ومنه قول القانت (وإليك نسعى ونحفد) أي جعل لكم خدما يسرعون في خدمتكم وطاعتكم،
فقيل المراد بهم أولاد الأولاد، وقيل البنات، حفد الولائد جمع الوليدة وهى الأمة. يقول: إن الإماء يسرعن
بينهن وأزمة الجمال بأكفهن، يريد أنهن منعمات مخدومات ذوات الإماء والأجمال.
(غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا * غلقت لضحكته رقاب المال)
في سورة النحل عند قوله تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) استعار الرداء للعطاء لأنه يصون عرض
صاحبه كما يصون الرداء ما يلقى عليه، ثم وصفه بالغمر الذي يلائم العطاء دون الرداء تجريدا للاستعارة. والقرينة:
سياق الكلام وهو قوله: إذا تبسم ضاحكا: أي شارعا في الضحك آخذا فيه غلقت لضحكته رقاب المال. يقال
غلق الرهن في يد المرتهن: إذا لم يقدر على فكاكه، وغلق الرجل مثل غضب وضجر لفظا ومعنى، وهو مشتق
من غلق الباب، فإنه يمنع الداخل من الخروج والخارج من الدخول فلا يفتح إلا بمفتاح، قال الشاعر:
وفارقتك برهن لا فكاك له * يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
يعنى إذا تبسم غلقت رقاب أمواله في يد السائلين، وعليه قوله تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع) حيث لم يقل
فكساها، لأن الترشيح وإن كان أبلغ لكن الإدراك بالذوق يستلزم الإدراك باللمس من غير عكس. فكان
في الإذاقة إشعار بشدة الإصابة بخلاف الكسوة، وإنما لم يقل طعم الجوع، لأنه وإن لاءم الإذاقة فهو مفوت لما
يفيده لفظ اللباس من بيان أن الجوع والخوف عم أثرهما جميع البدن عموم الملابس.
واعلم أنه إن قرن اللفظ بما يلائم المستعار له فتسمى الاستعارة مجردة كما في الآية والبيت، وإن قرن بما يلائم
المستعار منه فمرشحة نحو (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) وكقوله:
ينازعني ردائي أم عمرو (1) * رويدك يا أخا عمرو بن بكر
لي الشطر الذي ملكت يميني * ودونك فاعتجر منه بشطر

(1) الذي في شروع التلخيص وشواهده " عبد عمرو " كتبه مصححه.
493

أراد بردائه سيفه، ثم قال: فاعتجر منه بشطر، فنظر إلى المستعار في لفظ الاعتجار، ولو نظر إليه فيما نحن
فيه لقيل فكساها لباس الجوع والخوف، ولقال كثيرا: ضافي الرداء إذا تبسم ضاحكا، وقد يجتمعان كما في قوله:
لدى أسد شاكي السلاح مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم
فشاكي السلاح تجريد لأنه وصف يلائم المستعار له أي الرجل الشجاع، وقوله * له لبد أظفاره لم تقلم *
ترشيح لأن هذا الوصف يلائم المستعار منه، وهو الأسد الحقيقي.
(وترمينني بالطرف أي أنت مذنب * وتقلينني لكن إياك لا أقلى)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (لكنا هو الله ربى) أصله لكن أنا وقرئ كذلك، فحذفت الهمزة فتلاقت النونان
ثم أسكنت الأولى وأدغمت في الثانية فصار لكن، ثم ألحق الألف إجراء للوصل مجرى الوقف لأن الوقف على أنا
بالألف، ولأن الألف تدل على أن الأصل لكن أنا وبغيرها يلزم الإلباس بينه وبين لكن المشددة، ولما كان
الضمير في ربى راجعا إلى أنا الذي هو المبتدأ جاز هذا التقدير. تقول: إنما هو صاحبي ولا تقول إنما هو الصاحب.
والفرق بين الآية والبيت أنه لم يجر الوصل مجرى الوقف في البيت فلم يلحق الألف: أي وتشيرين إلى بالعين،
تقولين: أنت مجرم وتبغضينني أشد البغض لكن أنا لا أبغضك، كذلك يقال قلاه يقليه وقليه يقلاه: إذا أبغضه
وربما فتح لامه فقيل قلاه. وقد استشهد ابن هشام بالبيت المذكور على وقوع أي تفسيرا للجمل، وقريب من هذا
البيت قوله:
فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي * ولكن زنجيا عظيم المشافر
أي ولكنك.
(في مهمه قلقت به هاماتها * قلق الفؤوس إن أردن نصولا)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (جدارا يريد أن ينقض) حيث استعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة كما
أستعير لهم والعزم لذلك. قال الراعي في مهمه الخ. المهمة: المفازة. والهامة: وسط الرأس. والفؤوس جمع فأس:
وهو الحديد الذي يفلق به الحطب. والنصول: الخروج. يقال نصل نصولا: أي يخرج من موضعه، وكل شئ
أخرجته من شئ فقد أنصلته. يصف شدة تلك المفازة وأن هامات النوق فيها مقلقة قلق الفؤوس إذا أرادت أن
تخرج من نصابها.
(وضاقت الأرض حتى كأن هاربهم * إذا رأى غير شئ ظنه رجلا)
في سورة مريم عند قوله تعالى (ولم تك شيئا) لأن المعدوم ليس بشئ أو شيئا يعتد به كقولهم: عجبت من
لا شئ كأنه مأخوذ من قوله (يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو) والشئ في اللغة عبارة عن كل موجود إما حسا
كالأجسام وإما حكما كالأقوال، نحو قلت شيئا وجمع الشئ أشياء غير منصرف. واختلف في علته اختلافا كثيرا،
والأقرب ما حكى عن الخليل أن وزنه شيئا وزان حمراء، فاستثقل وجود همزتين في تقدير الاجتماع فنقلت الأولى
إلى أول الكلمة فبقيت لفعاء كما قلبوا أدؤرا فقالوا آدر وشبهه ويجمع الأشياء على أشايا، والمشيئة اسم منه بالهمز،
والإدغام غير سائغ إلا على قياس من يحمل الأصلي على الزائد لكنه غير منقول.
(حلت لي الخمر وكنت امرأ * من شربها في شغل شاغل
فاليوم أشرب غير مستحقب * إثما من الله ولا واغل)
494

هو لامرئ القيس. في سورة طه عند قوله تعالى (لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا) يخاطب بذلك نفسه ويقول:
أشرب اليوم غير واغل وهو شراب السفلة وغير آثم بشربي، أي غير حانث لأنه كان آلى أن لا يشرب الخمر
حتى يقتل بنى أسد بأبيه حجر، وكانوا قتلوه فوقع ببعضهم وقتل جماعة منهم فقال عند ذلك: حلت لي الخمر الخ،
والمستحقب للشئ: الحامل له وهو مأخوذ من الحقبة، ووغل يغل إذا دخل على القوم في شربهم فشرب من
غير أن يدعى إليه إظهار لإدراك الثأر، والواغل في الشرب مثل الوارش في الطعام، والبيت شاهد على قراءة
الجزم في قوله (لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا) على تقدير تسكين الثاء للتخفيف كقول امرئ القيس فاليوم
أشرب وحركة أشرب الإعرابية تشبه حركة البناء في عضد.
(النبع في الصخرة الصماء منبته * والنخل ينبت الماء والعجل)
في سورة الأنبياء عند قوله تعالى (خلق الإنسان من عجل) قيل العجل الطين بلغة حمير كما قال: والنخل
ينبت الخ. النبع: شجر يتخذ منه القسي، قال:
(تخوف الرحل منها تامكا قردا * كما تخوف عود النبعة السفن)
في سورة النحل عند قوله تعالى (أو يأخذهم على تخوف) أي تنقص.
(تمنى كتاب الله أول ليلة * تمنى داود الزبور على رسل)
في سورة الحج عند قوله تعالى (إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته): أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته، ومنه
قوله تعالى (لا يعلمون الكتاب إلا أماني) قال الأزهري: إلا تلاوة من غير كتاب، وقال ابن عرفة: إلا كذبا من
قولهم مان في حديثه مينا وتمنى تمنيا. ومنه قول عثمان: ما تمنيت من أسلمت: أي ما كذبت. وقال ابن الأنباري:
الأماني تنقسم على ثلاثة أقسام: تكون من التمني، وتكون من التلاوة، وتكون من الكذب، وأنشد الشاعر
في عثمان بن عفان * تمنى كتاب الله أول ليلة * البيت. على رسل: أي على الاتئاد والسكينة وهو ضد السرعة.
(رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم * قطينا بها حتى إذا أنبت البقل)
هو من قصيدة لزهير بن أبي سلمى يمدح بها سنان بن أبي حارثة، وأولها:
صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو * وأقفر من سلمى التعانيق فالثقل
وقبل البيت:
إذا السنة الشهباء بالناس أجحفت * ونال كرام المال في الحجرة الأكل
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا * وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
وفيهم مقامات حسان وجوهها * وأندية ينتابها القول والفعل
على مكثريهم حق من يعتريهم * وعند المقلين السماحة والبذل
وما يك من خير أتوه فإنما * توارثه آباء أبائهم قبل
وهل ينبت الخطى إلا وشيجه * وتغرس إلا في منابتها النخل
في سورة المؤمنين عند قوله تعالى (تنبت بالدهن) حيث قرئ تنبت. وفيه وجهان أحدهما: أن أنبت بمعنى
495

ثبت فإنه يجئ لازما ومتعديا، وأنشد لزهير: رأيت ذوي الحاجات الخ. والثاني أن مفعوله محذوف: أي
تنبت زيتونها وفيه الزيت المراد بذوي الحاجات أولو المسكنة والفقر. قطينا: أي مقيما. يقول: رأيت ذوي
الحاجات والمسكنة مقيمين حول بيوتهم يسألون منهم قضاء حوائجهم، حتى إذا أنبت البقل وظهر الخصب فحينئذ
ينتجعون وينفضون من حولهم.
(كأن ذرى رأس المخيم غدوة * من السيل والغثاء فلكة مغزل)
هو لامرئ القيس من قصيدته المشهورة التي يضرب بشهرتها المثل، فيقال: أشهر من قفا نبك. في سورة
المؤمنين عند قوله تعالى (فجعلناهم غثاء) شبههم في دمارهم بالغثاء وهو حميل السيل مما بلى واسود من الورق والعيدان،
وقد جاء مشددا كما في البيت، ومعناه: أن يصف أن السيل والغثاء قد أحاط بهذا الجبل فهو كأنه يدور فلهذا
شبهه بفلكة المغزل. الذرى: الأعالي الواحدة ذروة. ومن روى من السيل والإغثاء فقد أخطأ، لأن غثاء لا يجمع
على أغثاء وإنما يجمع على أغثية. والمخيم: أكمة بعينها. والمغزل معروف والجمع مغازل. وفلكة مفتوحة الفاء.
(ألا فارحموني يا إله محمد * فإن لم أكن أهلا فأنت له أهل)
في سورة المؤمنين عند قوله تعالى (رب ارجعوني) وفى خطاب الجمع ثلاثة أوجه: أجودها أنه على سبيل
التعظيم. الثاني أنه نادى ربه ثم خاطب الملائكة بقوله: ارجعون، ويجوز في هذا الوجه أن يكون على حذف
المضاف: أي يا ملائكة ربى، فحذف المضاف ثم التفت إليه في عود الضمير كقوله (وكم من قرية أهلكناها) ثم
قال (أو هم قائلون) التفاتا لأجل المحذوف. الثالث أن ذلك يدل على تكرر الفعل كأنه قال: ارجعون ارجعون
ارجعون، قاله أبو البقاء، ومنه (ألقيا في جهنم) وأنشدوا: * قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * ومن
سنة العرب أن يقولوا للرجل العظيم والملك الكبير انظروا في أمرى، لأن السادة والملوك يقولون نحن فعلنا وإنا
أمرنا، فعلى قضية هذا الابتداء يخاطبون في الجواب كما قال الله تعالى عمن حضره الموت (قال رب ارجعون) وقال
تعالى (ثم نخرجكم طفلا) أي أطفالا، ومن سنن العرب الإتيان بالجمع يراد به الواحد كقوله (ما كان للمشركين
أن يعمروا مساجد الله) وإنما أراد المسجد الحرام، وقال (وإذ قتلتم نفسا) وكان القاتل واحدا، ومنه قوله تعالى
(ويقول الإنسان أأذا ما مت لسوف أخرج حيا) على احتمال أن يراد بالإنسان الجنس بأسره. قال في الكشاف: إن
قلت: لم جازت إرادة الأناسي كلهم وكلهم غير قائلين ذلك؟ قلت: لما كانت هذه المقالة موجودة فيمن هو
من جنسهم صح إسناده إلى جميعهم، ومنه قولهه بنو فلان قتلوا فلانا وإنما القاتل واحد منهم كما قال الفرزدق:
فسيف بنى عبس وقد ضربوا به * نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد
فأسند الضرب إلى بنى عبس مع قوله: نبا بيدي ورقاء وهو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي.
(أفرح أن أزرأ الكرام وأن * أورث ذودا شصائصا نبلا)
في سورة الفرقان عند قوله تعالى (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) الظاهر أن
الجملة من قوله - اكتتبها فهي تملى - من تتمة قول الكفار. وعن الحسن أنها من كلام الباري تعالى، وكان حق الكلام
على هذا أن يقرأ اكتتبها بهمزة مقطوعة مفتوحة على الاستفهام كقوله (أفترى على الله كذبا أم به جنة) ويمكن أن
يعتذر عنه بأن حذف الهمزة للعلم بها وعليه قول الشاعر: أفرح أن أرزأ الكرام الخ. يريد: ويلك أفرح، فحذف
496

لدلالة الحال. قال الرمخشري: فإن قلت: كيف قال - اكتتبها فهي تملى عليه - وإنما يقال أمليت عليه فهو يكتبها؟
قلت: فيه وجهان: أحدهما أراد اكتتابها أو طلبه فهي تملى عليه، أو كتبت له وهو أمي فهي تملى عليه: أي
تلقى عليه من كتابة يحفظها، لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب. والألف في أفرح
للاستفهام الإنكاري الإبطالي، وهذه تقتضى أن ما بعدها غير واقع وأن مدعيه كاذب، ووجهه إفادة هذه الهمزة
نفى ما بعدها ولزوم ثبوته إن كان منفيا لأن نفى النفي إثبات، ومنه (أليس الله بكاف عبده) ولهذا عطف (ووضعنا)
على (ألم نشرح لك صدرك) لما كان معناه شرحنا، ومثله (ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى) ولهذا كان
قول جرير في عبد الملك:
ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح
مدحا، بل قيل إنه مدح بيت قالته العرب، ولو كان على الاستفهام الحقيقي لم يكن مدحا، وقبل البيت:
إن كنت أزننتنى بها كذبا * جزء فلاقيت مثلها عجلا
أي يا جزء قتل لهذا الشاعر أخوه فاتهم بأنه سر بأخذ الدية فقال فيه يقال أزننته به: أي اتهمته. والرزء:
النقصان. والشصائص جمع شصوص: وهى الناقة القليلة اللبن. والنبل: الصغار، وهو من الأضداد وأنه جمع
نبيل ككريم وكرم، وروى في الشعر نبل بضم النون جمع نبلة. قوله أفرح: هو كلام منكر الفرحة برزية الكرام
ووراثة الذود مع تعريه من حرف الإنكار لانطوائه تحت حكم القول من قال له: أتفرح بموت أخيك وبوارثة
إبله؟ والذي طرح لأجله حرف الإنكار إرادة أن يصور قبح ما رزئ فيه، فكأنه قال: نعم مثلي يفرح برزء
الكرام، وبأن يستبدل بهم زودا يقل طائله وهو من التسليم الذي تحته كل الإنكار. وقد استشهد بالبيت المذكور
في سورة القتال عند قوله تعالى (ومثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار) إلى قوله (كمن هو خالد في النار) حيث
عرى من حرف الإنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من يسوى بين المتمسك بالبينة والتابع لهواء، وأنه بمنزلة من
يثبت التسوية بين الجنة التي فيها تلك الأنهار وبين النار التي يلقى أهلها الحميم.
(إن يعاقب يكن غراما وإن يعط * جزيلا فإنه لا يبالي)
في سورة الفرقان عند قوله تعالى (إن عذابها كان غراما) هلاكا وخسرانا ملما لازما، والجزيل: العطاء
الكثير وأجزل العطاء، ولا يبالي من المبالاة وهو الاكتراث. يقول: إن يعاقب الأعداء يكن غراما لهم، وإن
يعط الأولياء فإنه لا يبالي من إعطاء الكثير.
(لقد كذب الواشون ما فهت عندهم * بسر ولا أرسلتهم برسول)
في سورة الشعراء عند قوله تعالى (فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين) حيث أفرد الرسول لأنه مصدر
وصف به فإنه مشترك بين المرسل والرسالة ولذلك ثنى تارة وأفرد أخرى، أو لا تفاقهما على شريعة واحدة، أو
أريد أن كل واحد منا، وقبل البيت:
حلفت برب الراقصات إلى منى * خلال الملا يمددن كل جديل
وبعده:
فلا تعجلي يا عز أن تتفهمي * بنصح أتى الواشون أم بحبول
خلال الملا: وسط الناس. والجديل: الحبل المفتول. والحبول جمع حبل.
497

(تداركتما عبسا وقد ثل عرشها * وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل)
في سورة الشعراء عند قوله تعالى (وأزلفنا ثم الآخرين) يعنى فرعون وقومه: أي قربناهم من بني إسرائيل،
أو أدنينا بعضهم من بعض وجمعناهم حتى لا ينجو منهم أحد، وقرئ وأزلقنا بالقاف: أي أزلقنا أقدامهم،
والمعنى: أذهبنا عزهم كقوله: تداركتما عبسا الخ. يقال ثل عرش فلان: إذا زال قوم أمره وتضعضعت حاله
وثله الله، وثللت الشئ: إذا هدمته. وعبس وذبيان قبيلتان. ويقال زلت قدمه: إذا ذهب عزه، وفى المثل:
زلت نعله، يضرب لمن نكب وزالت نعمته. يقول: تداركتما حال القبيلتين بعد انفصامها وتضعضعهما.
(في الآل يرفعها ويخضفها * ريع يلوح كأنه سحل)
في سورة الشعراء عند قوله تعالى (أتبنون بكل ريع) بالكسر والفتح: وهو المكان المرتفع. قال المسيب بن
علس: في الآل يخفضها ويرفعها الخ. ومنه قولهم كم ريع أرضك؟ وهو ارتفاعها، والآية العلم (1) والسحل:
الأبيض من ثياب اليمن. قال في الصحاح: الريع المرتفع من الأرض، ومنه قوله تعالى (أتبنون بكل ريع) والريع
أيضا: الطريق، وأنشد البيت. والمصنف استشهد به على الأول لأنها لبياضها وإنارتها يتخيل فيها ارتفاع من
البعد، شبه الطريق بثوب أبيض. والآل: ما يلوح طرفي النهار، والسراب: وسطه.
(وأنت الشهير بخفض الجناح * فلا تك في رفعه أجدلا)
في سورة الشعرا عند قوله تعالى (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) أي أنت الشهير: أي المشهور
بخفض الجناح: أي بالتواضع. والأجدل: طير من الجوارح. ينهاه عن التكبر بعد التواضع، فإن الطائر إذا
أراد أن ينحط للوقوع يخفض جناحه وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه، فجعل خفض الجناح عند
الانحطاط مثلا في التواضع ولين الجانب.
(فما عقبوا إن قيل هل من معقب * ولا نزلوا يوم الكريهة منزلا)
في سورة النمل عند قوله تعالى (فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى) يقال عقب المقاتل
إذا كر بعد الفرار كما قال: فما عقبوا، يوم الكريهة: يوم الحرب، قال الشاعر:
إن الأسود أسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
يصف فرار قوم من المحاربة وهزيمتهم بحيث لا يرجعون بعد الفرار ولا ينزلون منزلا من الخوف كما قيل:
ففي الهيجاء ما جريت نفسي * ولكن في الهزيمة كالغزال
(ألا إن خير الناس حيا وميتا * أسير ثقيف عندهم في السلاسل)
في سورة القصص عند قوله تعالى (إن خير من استأجرت القوى الأمين) من حيث إن خبر إن في الآية أعرف
من اسمها، فإن المعرف باللام أقوى في التعريف من المضاف، فإنهم قالوا: المضمر أعرف المعارف، لأن الشئ
لا يضمر إلا وقد عرف، فلذا لا يوصف كسائر المعارف، ثم العلم لأنه موضوع على شئ بعينه لا يقع على غيره،
ثم المبهم لأنه يعرف بالعين والقلب كقولك هذا للحاضر بين يديك، ثم المحلى باللام لأنه يعرف بالقلب لا غير، ثم

(1) قوله والآية العلم): أي في قوله تعالى " أتينون بكل ريع آية " فليعلم، كتبه مصححه.
498

المضاف لأن تعرفه من غيره، والسبب في جعل الأعرف خبرا هنا شدة الاهتمام والعناية بما جعل اسما، وتوجيه
ذلك أن خير مضاف إلى من وهو نكرة: أي خير شخص، ولو جعلته موصولا بمعنى الذي انتفى التعدد الذي
تقتضيه من ظاهرا. قال صاحب الكشاف. كيف ينتفى ومن يصلح للواحد والجمع على أنه إذا أريد بالواحد
الجنس جاء التعدد أيضا، بل السبب في ذلك أن القوى الأمين أعرف من خير، فإن إضافة أفعل التفضيل غير
محضة على رأى، ألا ترى كيف يقول الشاعر: ألا إن خير الناس الخ. ولا يجئ فيه أنه مضاف إلى نكرة وإن
سلم له، إذ القوى الأمين لما كان مرادا به موسى كما كان المراد بأمير ثقيف خالد بن عبد الله القسري صح أنه
أعرف. وما ذكرناه أظهر لأنه من باب إرسال المثل والمتناول الأول فليس كالبيت في التعيين، والبيت
لأبى الشغب العبسي في خالد بن عبد الله القسري وهو أسير في يد يوسف بن عمر، وبعده:
لعمري لئن عمرتم السجن خالدا * وأوطأتموه وطأة المتثاقل
لقد كان نهاضا بكل ملمة * ومعطى اللهى غمرا كثير النوافل
(وردئي كل أبيض مشرفي * شحيذ الحد عضب ذي فلول)
هو لسلامة بن جندل. في سورة القصص عند قوله تعالى (ردءا يصدقني) والردء: اسم مايعان به، فعل
بمعنى مفعول به كما أن الدف ء اسم لا يدفأ به. وقرئ ردا بالتخفيف كما قرئ الخب، يقال ردأته: أعنته. كل
أبيض: كل سيف، والمشرفي صفته. وقوله شحيذ الحد: تقول شحذت السيف: حددته، وسيف عضب:
إذا كان صارما. وذي فلول: من قراع الأعداء. يقول: كل سيف صفته كيت وكيت.
(أشد الغم عندي في سرور * تيقن عنه صاحبه انتقالا)
هو لأبى الطيب. في سورة القصص عند قوله تعالى (لا تفرح) يقول: السرور الذي تيقن صاحبه الانتقال
عنه هو أشد الغم لأنه يراعى وقت زواله فلا يطيب له ذلك السرور.
(إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها * وخالفها في بيت نوب عواسل)
في سورة العنكبوت عند قوله تعالى (من كان يرجو لقاء الله) على القول بأن يرجو بمعنى يخاف من قول
الهذلي في صفة عسال * إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها * والدبر النحل بفتح الدال ويكسر، والهاء في لسعته
يعود إلى العسال وهو الذي يشور العسل، والنوب ضرب من النحل واحده نائب.
(أحمل أمي وهى الحماله * ترضعني الدرة والعلاله * ولا يجازى والد فعاله)
في سورة لقمان عند قوله تعالى (حملته أمه وهنا على وهن) قاله بعض العرب في حدائه وهو يحمل أمه إلى
الحج على ظهره، كأنه جعل نفسه كالبعير الحامل لها فيحدو لنفسه. والآية توصية بالوالدة خصوصا تذكير بحقها
العظيم مفردا، ومن ثم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال له فمن أبر؟ أمك ثم أمك، ثم قال بعد ذلك
أباك " والدرة: كثرة اللبن وسيلانه. والعلالة: بقية اللبن. والحلبة بين الحلبتين وبقية جرى الفرس. والعلل:
الشرب الثاني، يقال علل بعد نهل، والتعليل: سقى وجنى الثمرة مرة بعد أخرى، وأما النهل فهو الشرب
الأول، لأن الإبل تسقى في أول الورد فترد إلى العطن، ثم تسقى في الثانية وهى العلل فترد إلى المرعى.
(وقد أغتدى والطير في وكناتها * بمنجرد قيد الأوابد هيكل)
499

من قصيدة امرئ القيس المشهورة. في سورة لقمان عند قوله تعالى (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام
والبحر يمده من بعده سبعة أبحر) على تقدير رفع البحر وكون البحر حالا وليس فيه ضمير راجع إلى ذلك الحال،
وهو من الأحوال التي حكمها حكم الظروف، وقد يجرى الحال مجرى الظروف لأنها في تقدير الحال، فقولك
جاء زيد راكبا معناه في حال ركوبه، فلذا يستغنى عن الضمير: ويجوز أن يكون المعنى وبحرها والضمير للأرض
والوكنة: موضع الطير حيثما وضعت والجمع وكنات ووكن. وفرس أجرد: إذا رق شعره وقصر. والأوابد:
الوحوش. يقول: أغتدى في السحر للصيد والحال أن الطير بعد في أوكارها بفرس منجرد: أي قصير الشعر قيد
الوحوش بحيث لا تقدر أن تفر منه عظيم الجسم.
(قصدت إلى عنسي لأحدج رحلها * وقد حان من تلك الديار رحيلها
فأنت كما أن الأسير وصرخت * كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها)
هو للأعشى: في سورة الملائكة عند قوله تعالى (وهم يصطرخون فيها) أي يتصارخون من الصراخ وهو
الصياح بجهد وشدة، قال * كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها * أي كصراخ المرأة الحامل التي قد ضربها المخاض
فهي تصيح لما يؤلمها من ذلك. وأسلمتها قبيلها: يريد أن القابلة أيست لما رأت بها. واستعمل في الاستغاثة بجهد،
وفى معناه:
إذا ما قمت أرحلها بليل * تأوه آهة الرجل الحزين
والقبيل والقبول: القابلة.
(وغلام أرسلته أمه * بألوك فبذلنا ما سأل
أرسلته فأتاه رزقه * فاشتوى ليلة ريح واجتمل)
في سورة يس عند قوله تعالى (ولهم فيها ما يدعون) يفتعلون من الدعاء: أي يدعون به لأنفسهم كقولك
اشتوى واجتمل: إذا شوى وجمل لنفسه، كما قال لبيد: فاشتوى الخ. وقيل افتعل بمعنى تفاعل: أي ما يتداعونه
كقولهم ارتموا وتراموا.
(ألا زعمت هوازن قل مالي) * وهل لي غير ما أنفقت مال
أسر به نعم ونعم قديما * على ما كان من مال وبال
في سورة والصافات عند قوله تعالى (فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون) ولو حكى الوعيد كما هو لقال إنكم
لذائقون، ولكنه عدل به إلى لفظ التكلم لأنهم يتكلمون بذلك عن أنفسهم كما في البيت، ومنه قول المحلف
للحالف: احلف لأخرجن. الهمزة لحكاية لفظ الحالف، والتاء لإقبال المحلف على المحلف، وهوازن اسم
امرأة: أي ونعم وبال على المال: أي يؤدى إلى هلاكه فلو حكى قولها لقال قل مالك:
(غمر الجراء إذا قصرت عنانه * بيدي استناص ورام جرى المسحل)
هو لحارثة بن بدر. في سورة ص عند قوله تعالى (ولات حين مناص) والمناص مفعل من ناص ينوص:
أي تأخر، ومنه قول امرئ القيس:
أمن ذكر سلمى إذ نأتك تنوص * فتقصر عنها خطوة وتبوص
500

وقال أبو جعفر النحاس: ناص ينوص: أي تقدم فيكون من الأضداد، واستناص: طلب المناص كما
في بيت حارثة المذكور، ويقال ناص إلى كذا ينوص نوصا: أي التجأ إليه يصف فرسا. قوله غمر الجراء: أي
كثير الجري: استناص طلب المنجى. والمسحل: حمار الوحش سمى مسحلا لكثرة سحاله: أي شيهقه. والمعنى:
أنه إذا قصر عنانه ليقف طلب الخلاص ورام كعدو المسحل:
قد كنت رائدها وشاة محاذر * حذر يقل بعينه إغفالها
وظللت أرعاها وظل يحوطها * حتى دنوت إذا الظلام دنا لها
(فرميت غفلة عينه عن شاته) * فأصبت حبة قلبها وطحالها
هي للأعشى، وقيل لعمر بن أبي ربيعة. في سورة ص عند قوله تعالى (ولى نعجة واحدة) من حيث جعل
الشاة استعارة عن المرأة في قوله: فرميت غفلة عينه عن شاته. وشاة محاذر: أي امرأة رجل محاذر حذر لا يغفل
عنها لشغفه بها وعزتها عنده. قوله وظلت أرعاها: أي أحفظها وأراقبها وأنظر إليها. ويحوطها أيضا يحفظها،
حتى إذا جاء الليل ودنوت إليها ونظرت نظرة كالرمية وقعت بحبة القلب والتقدير فأصبت حبة قلبها وأصبت طحالها ولا
يجوز خفضه لأن طحال لا حبة له، ولا يخفى ما في الرمي والإصابة من الجزالة والدلالة على كمال المحاماة وإلا لم
يقصد غقلت، فإن من لا يحافظ على الشئ لا يحتاج في الظفر به إلى اعتراض غفلة وعلى كمال تهديه إلى ما قصد حيث
أصاب سواء القرطاس في تلك اللمحة اليسيرة: أعنى زمن غفلة عينه، وهذا وجه إيثاره على غفلته.
(أعطى فلم يبخل ولم يبخل * كوم الذرى من خول المخول)
في سورة الزمر عند قوله تعالى (ثم إذا خوله نعمة) أي أعطاه ناقة كوماء عظيمة السنام. الخول: ما أعطاه
الله الإنسان من العبيد والنعم ولا واحد له من لفظه، والمخول: هو الله تعالى الذي خوله: أي أعطاه. وفى حقيقته وجهان:
أحدهما من قوله هو خائل مال وخال مال: إذا كان معتدا له حسن القيام به، ومنه ما روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم " أنه كان يتخول أصحابه أحيانا بالموعظة " والثاني جعله من خال يخول: إذا اختال وافتخر،
وفى معناه قول العرب: * إن الغنى طويل الذيل مياس * يقول أعطى ناقة كوماء من عطاء الله ولم
يبخل بها، وقوله ولم يبخل للتأكيد:
(بالأمس كانت في رجاء مأمول * فأصبحت مثل كعصف مأكول)
في سورة حمعسق عند قوله تعالى (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) من حيث إن تكرير كلمة التشبيه
للتأكيد كما كررها من قال: * وصاليات ككما يؤثفين * وسيأتى، والعصف ما على الحب من التبن وما
على ساق الزرع من الورق الذي يبس.
(وأوحى إلى الله أن قد تأمروا * بإبل أبى أوفى فقمت على رجلي)
في الشورى عند قوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) أي
ألهمني الله وقذف في قلبي أن قوما نادوا بإبل أبى أوفى: أي أخذوها وغصبوها وصاروا أمراء بها فقمت في مددهم
وتعصبهم لأردها، وقوله على رجلي بالجيم وبالحاء.
(زوجتها من بنات الأوس مجزئة * للعوسج اللدن في أبياتها زجل)
501

في سورة الزخرف عند قوله تعالى (وجعلوا له من عباده جزءا) المجزئة: المرأة التي تلد البنات، والجزء:
البنت، قال تعالى (وجعلوا له من عباده جزءا) وعنى بالعوسج المغزل اللين عوده ومثانيه لغزل الصوف وزجل
صوت دور المغزل، وكان هذا الشاعر تزوج امرأة لها بنات يجتمعن عندها ويغزلن.
(يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة * ولا الصدور على الأعجاز تتكل)
فهن معترضات والحصى رمض * والريح ساكنة والظل معتدل
يتبعن سامية العينين تحسبها * مجنونة أو ترى ما لا ترى الإبل
في سورة الدخان عند قوله تعالى (واترك البحر رهوا) منفرجا متوسعا، وفى الرهو وجهان: أحدهما أنه
الساكن، قال الشاعر: يمشين رهوا الخ: أي مشيا ساكنا على هينة. والثاني أنه الفجوة الواسعة، يصف نوق
الركاب عرض الفلاة، والحال أن الحصى رمض حار مثل الرمضاء، والخذلان: تركك نصرة أخيك: أي تمشى
مشيا ساكنا على هينة، فلا الأعجاز تخذل قوائمها فلا تنصرها، ولا الصدور تتكل على أعجازها: أي لسن مكسرات
اللحم، ثم قال: يتبعن فرسا سامية العينين حديدة الحس كأن بها جنونا. والشعر للقطامي من قصيدة طويلة يمدح
بها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان أولها:
إنا محيوك فأسلم أيها الطلل * وإن بليت وإن طالت بك الطيل
أما اهتديت لتسليم على دمن * بالغمر غيرهن الأعصر الأول
والناس (1) من يلق خيرا قائلون له * ما يشتهى ولأم المخطئ الهبل
قد يدرك المتأني بعض حاجته * وقد يكون مع المستعجل الزلل
وربما فات قوما جل أمرهم * من التأني وكان الرأي لو عجلوا
يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة * ولا الصدور على الأعجاز تتكل
تهدى لنا كلما كانت علاوتنا * ريح الخزامي جرى فيها الندى الخضل
أما قريش فلن تلقاهمو أبدا * إلا وهم خير من يخفى وينتعل
قوم هم أمراء المؤمنين وهم * رهط الرسول فما من بعده رسل
ألا وهو جبل الله الذي قصرت * عنه الجبال فما ساوى به جبل
قوم هو بينوا الإسلام واتبعوا * قوم الرسول الذي ما بعده رسل
من سالموه رأى في عيشه سعة * ولا يرى من أرادوا حربه سبل
كم نابني منهم فضل على عدم * إذ لا أكاد من الإقتار أحتمل
فلاهمو (2) صالحوا من يبتغى عنتي * ولا همو كدروا الخير الذي فعلوا
هم الملوك وأبناء الملوك لهم * والآخذون به والساسة الأول
(أعداء من لليعملات على الوجى) * وأضياف بيت بيتوا لنزول

(1، 2) ترك في هذين المحلين من الأصل قدر سطر فليعلم، كتبه مصححه.
502

في سورة الحجرات عند قوله تعالى (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) من جهة أن اللام هي التي
في قولك أنت لهذا الأمر، ومنه في يوم الشفاعة " أنت لها " وعليه: - أنت لها أحمد من بين البشر *
والهمزة للنداء. وعداء: اسم رجل يرثيه ويقول على طريق التحسر والتوجع: من يأوى الأضياف ويتفقد
اليعملات، وهى النوق السراع. والوجى: الحفاء كانت داره وفناؤه عامرة للعفاة ومجمعا للأضياف، فقال
تحسرا: من يؤويهم وقد بهرهم السعي، ومن ينزل الضيفان وقد أمهلهم الدأب حتى خفت رواحلهم وحتى بيتوا
لنزول ميلا إلى راحتهم.
(أتت رذايا باديا كلالها * قد محنت واضطربت آطالها)
في سورة الحجرات عند قوله تعالى (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) فإن حقيقة التقوى لا تعلم إلا عند
المحن والشدائد الاصطبار عليها والامتحان، افتعال من محنة: وهو اختبار بليغ أو بلاء جهيد، وأنشد: أتت
رذايا الخ: أي أتت النوق الرذايا المهزولة من السير جمع رزية. والأطل: الخاصرة وجمعها آطال.
(وأكذب النفس إذا حدثتها) إن صدق النفس يزرى بالأمل
غير أن لا تكذبنها في التقى * وأجرها بالبر لله الأجل
في سورة ق عند قوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) والوسوسة: الصوت الخفى
وسواس الحلى، ووسوسة النفس: ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس، قال الأصمعي:
هو مأخوذ من قول لبيد:
وإذا هممت بأمر شر فاتئد * وإذا هممت بأمر خير فافعل
وسئل بشار: أي بيت قالته العرب أشعر؟ قال: إن يفضل بيت واحد على الشعر كله ليس بسديد، ولكنه
أحسن لبيد في قوله * وأكذب النفس إذا حدثتها * أي لا تحدث نفسك بأنك لا تظفر فإن ذلك يثبطك عن
العز ونيل الأمل في أمر الآخرة، وهو من أقوى الأسباب في الغفلة عنها وقلة الاستعداد لها، والآمال في الدنيا رحمة
من الله تعالى حتى عمر بها الدنيا وتم صلاحها، قال عليه الصلاة والسلام: " الأمل رحمة من الله تعالى لأمتي، ولولا
ذلك ما غرس غارس شجرة ولا أرضعت أم ولدا " قال الشاعر:
وللنفوس وإن كانت على وجل * من المنية آمال تقويها
فالمرء يبسطها والدهر يقبضها * والنفس تنشرها والموت يطويها
(نقبوا في البلاد من حذر الموت * وجالوا في الأرض كل مجال)
للحرث بن كلدة، في سورة ق عند قوله تعالى (فنقبوا في البلاد) أي حرفوا في البلاد ودوخوا، والنقب:
التنقير عن الأمر والبحث والتطلب، قال امرؤ القيس:
وقد نقبت في الآفاق حتى * رضيت من الغنيمة بالإياب
قال تعالى (فنقبوا في البلاد هل من محيص).
(يا سائلي إن كنت عنها تسأل * مرت بأعلى السحرين تذأل)
في سورة القمر عند قوله تعالى (إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر) أي بقطع من الليل وهو
503

السدس الأخير من الليل، وقيل هما سحران: فالسحر الأعلى قبل انصداع الفجر، والآخر عند انصداعه. وأنشد:
مرت بأعلى السحرين الخ. تذأل: أي تمشى سريعا. يصف حمر الوحش، من ذأل يذأل كمنع يمنع مشى في خفة،
وذؤالة بالضم: ابن آوى أو الذئب.
(إذا ذابت الشمس اتقى صقراتها * بأفنان مربوع الصريمة معبل)
في سورة القمر عند قوله تعالى (ذوقوا مس سقر) وسقر علم لجهنم من سقرته النار وصقرته: إذا لوحته،
قال ذو الرمة: إذا ذابت الشمس الخ. وعدم صرفها للتعريف والتأنيث، يصف بقر الوحش ويقول: إذا اشتد
الحر عليه اتقى منه بأفنان الشجر واستظل ليقيه من الشمس، وذابت الشمس: اشتد حرها. والمعبل: الذي له
عبل بالتحريك، وهو ورق الأرطى وكل ورق مفتول فهو عبل. يقال ذاب لعاب الشمس: وذلك في أشد
ما يكون من الحر ويكون في الشعاع الشمس مثل اللعاب. والأفنان: الغصون واحدها فنن. والصقرة: شدة الحر،
والمراد بالمربوع: الشجر الذي أصابه المطر وأضافه إلى الصريمة لأنه نابت عليها. وأسند الذوب إلى الشمس مجازا
كقولك نهاره صائم. والمربوع: الذي أتى عليه مطر الربيع. والصريمة: الرملة المتصرمة من الرمال.
(إذا سقيت ضيوف الناس محضا * سقوا أضيافهم شيما زلالا)
هو لأبى العلاء. في سورة الواقعة عند قوله تعالى (أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما
فظلتم تفكهون) وقال بعد ذلك (أفرأيتم الماء الذي تشربون) وقال بعد ذلك (لو نشاء جعلناه أجاجا) حيث
دخلت اللام على جواب لو في قوله (لجعلناه حطاما) ونزعت منه هنا، فيقال إن هذه اللام مفيدة معنى التوكيد
لا محالة، فلذا دخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن الأمر المطعوم مقدم على أمر المشروب، وأن
الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعا للمطعوم، ألا ترى أنك إنما تسقى ضيفك بعد
أن تطعمه، ولو عكست قعدت تحت قول أبى العلاء: إذا سقيت الخ. وسقى بعض العرب فقال: أنا لا أشرب
إلا على ثميلة، ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب. وفى إثبات اللام في الأول وحذفها من الثاني وجه آخر
تقدم الكلام عليه (1) عند الكلام على قوله:
حتى إذا الكلاب قال لها * كاليوم مطلوبا ولا طلبا - فليراجع ثمة.
والبيت كما ذكرنا لأبى العلاء من قصيدته التي وقعت أول الديوان التي مدح بها سعيد الدولة أبا الفضائل
ومطلعها:
أعن وخد القلاص كشفت حالا * ومن عند الظلام طلبت مالا
وقريب من معنى الشاهد قوله في وصف الممدوح:
إذا سقت السماء الأرض سجلا * سقاها من صوارمه سجالا
ومنها:
ومن صحب الليالي علمته * خداع الإلف والقيل المحالا
وغيرت الخطوب عليه حتى * تريه الذر يحملن الجبالا

(لم يتقدم له كلام على ذلك فليعلم، كتبه مصححه.
504

ومنها: إذا ما الغيم لم يمطر بلادا * فإن له على يدك اتكالا
ولو أن الرياح تهب غربا * وقلت لها هلا هبت شمالا
وأقسم لو غضبت على ثبير * لأزمع عن محلته ارتحالا
يذيب الرعب منه كل عضب * فلولا الغمد يمسكه لسالا - وهى طويلة
(أريد لأنسى ذكرها فكأنما * تمثل لي ليلى بكل سبيل)
في سورة الحديد عند قوله تعالى (لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شئ) عن الحسن لئلا يعلم بفتح
اللام وسكون الياء، ورواه قطرب بكسر اللام. وقيل في توجيهها حذفت همزة أن وأدغمت نونها في لام لا
فصار للا، ثم أبدلت من اللام المدغمة ياء كقولهم، ديوان وقيراط، ومن فتح اللام فعلى أن أصل لام الجر الفتح
كما أنشد: أريد لأنسى ذكرها الخ، وحذفت الهمزة اعتباطا وأدغمت النون في اللام فاجتمع ثلاثة أميال فثقل
النطق بها. فأبدل الوسط ياء تخفيفا فصار اللفظ ليلا كما ترى. ورفع الفعل لأن أن هي المخففة لا الناصبة، واسمها
على ما تقرر ضمير الشأن، وفصل بينها بين الفعل الذي هو خبرها بحرف النفي.
(يمارس نفسا بين جنبيه كزة * إذا هم بالمعروف قالت له مهلا)
في سورة الحشر عند قوله تعالى (ومن يوق شح نفسه) الشح بالضم والكسر وقرئ بهما: اللؤم وأن تكون
نفس الرجل كزة حريصة على المنع كما قال: يمارس نفسا الخ. وأضيف إلى النفس لأنه غريزة فيها. الكزازة:
اليبس والانقباض، ورجل كز اليدين: إذا كان بخيلا. الشاعر يصف رجلا بالبخل والشح المطاع، وأنه إذا هم
يوما أن يسمح بمعروف قالت له نفسه مهلا فيطيعها ويمتنع عن الخير. وأين هذا من قول المتنبي:
إذا كان ما ينويه فعلا مضارعا * مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم
(محمد تفد نفسك كل نفس * إذا ما خفت من أمر تبالا)
في سورة الصف عند قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنوا)
في قراءة زيد على حذف لام الأمر: أي لتؤمنوا وتجاهدوا كقوله: محمد تفد نفسك، والتقدير: لتفد نفسك،
ولهذا كان الفعل مجزوما، وإنما حذفوها لكثرة الاستعمال. والتبال: الهلاك، وفى بعض الروايات: من أمر
تبال. وعن بعضهم يحتمل أن يكون خبرا في معنى الأمر وحذفت الياء كما في (والليل إذا يسر) والجواب أنه
في غير الفواصل والقوافي غير ثبت.
(ما زلت تحسب كل شئ بعدهم * خيلا تكر عليهم ورجالا)
في سورة المنافقين عند قوله تعالى (يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو) أي واقعة عليهم وضارة لهم لجبنهم
وهلعهم وما في قلوبهم من الرعب إذا نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة ظنوه إيقاعا بهم، ومنه
أخذ الأخطل قوله: ما زلت تحسب الخ، وكما قيل * إذا رأى غير شئ ظنه رجلا *
(وإن الذي قد عاش يا أم مالك * يموت ولم أزعمك عن ذاك معزلا)
في سورة التغابن عند قوله تعالى (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا) الزعم: ادعاء العلم، ومنه قوله
505

عليه الصلاة والسلام " زعموا مطية الكذب " وعن شريح " لكل شئ كنية، وكنية الكذب زعموا " ويتعدى إلى
مفعولين تعدى العلم، قال * ولم أزعمك عن ذاك معزلا * والبيت لجرير (1) من قصيدته التي مطلعها:
حيوا الغداة برامة الأطلالا * رسما تقادم عهده وأطالا
والمخاطب هو الأخطل، يقال فلان في معزل عن أصحابه: أي في ناحية عنهم معتزلا مذمومة مبغوضة.
(أقبل سيل جاء من عند الله * يحرد حرد الجنة المغلة)
في سورة ن عند قوله تعالى (وغدوا على حرد قادرين) أي لم يقدروا إلا على حنق وغضب بعضهم على
بعض. وقيل الحرد: العدو والسرعة، قال: أقبل سيل الخ، وقطا حراد سراع، يعنى وغدوا قاصدين إلى جنتهم
بسرعة ونشاط، والجنة: البستان. والمغلة: التي لها دخل وثمار، تقول كم غلة أرضك؟ أي كما دخلها؟ وحذفت
الألف التي قبل الهاء من اسم الله تعالى وإنما تحذف في الوقف.
(إذا نزل الأضياف كان عذورا * على الحي حتى تستقل مراجله)
في سورة الحاقة عند قوله تعالى (ولا يحض على طعام المسكين) قال الزمخشري: فيه دليلان قويان على عظم
الجرم في حرمان المسكين: أحدهما عطفه على الكفر وجعله قرينة. والثاني ذكر الحض دون الفعل ليعلم أن تارك
الحض بهذه المنزلة، وما أحسن قول الشاعر: إذا نزل الأضياف الخ. والعذور بالعين المهملة: السئ الخلق
قليل الصبر فيما يطلبه ويهتم به. والمراجل جمع المرجل: وهى القدر العظيمة، واستقلالها: انتصابها على الأنافي
وإذا ظرف لقوله عذورا، وصفه بأنه يجمع الحي بأمره فتطاع سيادته وجلالة محله، فإذا نزل به الأضياف قام
بنفسه في إقامة القرى غير معتمد على أحد فيه، وأنه يعرض له في خلقه عجلة يرتكبها ويشدد في الأمر والنهى
على جماعة الحي حتى تنصب المراجل وتهيأ المطاعم، فإذا ارتفع ذلك على مراده عاد إلى خلقه الأول.
مستأسد إذ بأنه في غيطل * (يقلن للرائد أعشبت انزل)
في سورة المعارج عند قوله تعالى (تدعو من أدبر وتولى) أي تقول لهم بلسان فصيح: إلى إلى يا كافر
يا منافق ثم تلتقطهم التقاط الحب. المستأسد: النبات الطويل الغليظ، يقال استأسد الردع: إذا قوى. والذبان جمع
الذباب. ويقال للأصوات المختلفة غيطلة، والكلأ إذا التف وكثر وأزهر كثر ذبانه وصوتن يقلن للرائد: أي
الذي يتقدم القوم الطلب الماء والكلأ: أعشبت انزل: أي أصبت مناك فاقنع ولا تتجاوز. يقال أعشب الرجل:
إذا وجد عشبا، وفى معناه:
وإذا وصلت إلى السلامة * في مداك فلا تجاوز
وكائن تخطت ناقتي من مفازة * (ومن نائم عن ليلها متزمل)
هو لذي الرمة. في سورة المزمل عند قوله تعالى (يا أيها المزمل) كائن معناها كما الخبرية، والأكثر أن
تستعمل مع من، ويقال كاين بتخفيف الياء والمتزمل المتلفف في قطيفته وثيابه للاستثقال في النوم كما يفعله من لا يهمه
آمر ولا يعنيه شئ، ويريد بذلك الكسلان المتناعس الذي لا ينهض إلى معاظم الأمور، وتقديره: كائن من مفازة

(1) قوله (البيت لجرير، إلى قوله: والمخاطب هو الأخطل) كذا وقعت هذه العبارة في غير محلها، وحقها أن تقدم عند الكلام
على البيت السابق وهو قوله: ما زلت تحسب الخ. وقوله (والبيت لجرير والمخاطب هو الأخطل) ينافي قول الزمخشري: ومنه أخذ الأخطل
كتبه مصححه.
506

تخطت ناقتي فيها، وكائن من نائم عن ليل تلك المفازة وغافل عنها غير عارف بها.
ومبرأ من كل غبر حيضة * وفساد مرضعة وداء مغيل
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه * برقت كبرق العارض المتهلل
حملت به في ليلة مزءودة * كرها وعقد نطاقها لم يحلل
(فأتت به حوش الفؤاد مبطنا * سهدا إذا ما نام ليل الهوجل)
هو لأبى كثير الهذلي من أبيات الحماسة. في سورة المزمل عند قوله تعالى (يا أيها المزمل) غير الحيض: باقيه
قبل الطهر. وفساد مرضعة: أراد الفساد الذي من قبلها. والغيلة: هي أن يمس الرجل امرأته وهى ترضع. وروى
وداء معضل: وهو الذي لا دواء له. والمعنى: أن الأم حملت به وهى طاهرة ليس بها بقية حيض، ولم ترضعه أمه
غيلا وهو أن تسقيه وهى حبلى بعد قوله: في ليلة مزءودة. الزأد: الذعر. والمعنى: حملت الأم، ويروى
مزءودة بالنصب حال عن المرأة، ويروى مزءودة بالجر بأن تجعله صفة لليلة كأنه لما وقع الزأد والذعر فيها جعله
لها كما قيل: جحر ضب خرب. قوله: وعقد نطاقها لم يحلل. النطاق: ما تنتطق به المرأة وتشد به وسطها للعمل.
وحكى عن أم تأبط شرا أنها قالت فيه: إنه والله لشيطان ما رأيته قط ضاحكا، ولا هم بشئ مذ كان صبيان إلا
فعله، ولقد حملت به في ليلة ظلماء وإن نطاقي لمشدود. قوله حوش الفؤاد: أي وحشيه. لحدته وتوقده، ورجل
حوشي: لا يخالط الناس. مبطنا: خميص البطن. والهوجل: الثقيل الكسلان ذو الغفلة. يقول: أتت الأم بهذا
الولد متيقظا حذرا حديد الفؤاد ذكيا ساهرا إذا نام ليل البليد. روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
" كنت قاعدة أغزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخصف نعلا، فجعل لا يتحدر من عرقه شئ إلا يولد
في عيني نورا، فبقيت أنظر إليه، فالتفت إلى وقال: ما تنظرين؟ فقلت: ما يتحدر من عرقك شئ إلا يولد
في عيني نورا، أما والله لو رآك أبو كثير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره من غيرك. فقال: وما قال أبو كثير؟
قلت له: * ومبرأ من كل غبر حيضة * وقوله: * وإذا نظرت إلى أسرة وجهه * البيتين، فوضع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما كان في يده ثم قام فقبل ما بين عيني وقال: جزاك الله خيرا، ما سررت كسروري بكلامك "
(أوردها سعد وسعد مشتمل * ما هكذا تورد يا سعد الإبل)
في سورة المزمل عند قوله تعالى (يا أيها المزمل) أي المتزمل بثيابه، من تزمل: إذا التف. هذا سعد بن زيد
مناة أخو مالك بن زيد مناة الذي يقال له: آبل من مالك، لأنه كان آبل أهل زمانه، ثم إنه خرج وبنى بامرأته
فأورد الإبل أخوه سعد ولم يحسن القيام عليها والرفق بها، فقال مالك: أوردها سعد الخ. أي أتى بها الورد،
والحال أنه مشتمل ليس متشمرا فذمه بالاشتمال وجعل ذلك خلاف الجلد والكيس، وهذا البيت صار مثلا فيمن
يشتغل بالأمر لا على وجه تيقظ وتشمر، فلذا ذم الشاعر سعدا بالاشتمال.
(أبعد الذي بالنعف نعف كويكب * رهينة رمس ذي تراب وجندل)
أذكر بالبقيا على من أصابني * وبقياي أنى جاهد غير مؤتلى
في سورة المدثر عند قوله تعالى (كل نفس بها كسبت رهينة) ليست بتأنيث رهين في قوله (كل امرئ بما
كسب رهين) لتأنيث النفس، لأنه لو قصدت الصفة لقيل رهين لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوى فيه المذكر
والمؤنث، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتمية بمعنى الشتم كأنه قيل: كل نفس بما كسبت رهن، ومنه بيت
507

الحماسة: أبعد الذي الخ، والشعر لعبد الرحمن بن زيد، قتل أبوه وعرض عليه سبع ديات بأبيه فأبى أن يأخذها
وقال هذا. والعنف: اسم جبل، وقيل المكان المرتفع، والرهينة بمعنى الرهن. والرمس: القبر، والأصل
في الرمس التغطية يقال: رمسته في التراب، وألف الاستفهام داخل ههنا على معنى الإنكار، ويتناول الذي
في صدر البيت الثاني لأن الألف الاستفهام تطلب الأفعال. والمعنى: أأذكر بالبقيا بعد المدفون بنعف هذا الجبل؟
يقول أأسأم الإبقاء على من وترنى: أي أجهد في قتله ولا أقصر؟ أي يكون هذا منى عوضا من ذلك. والبقيا من
الإبقاء، وغير مؤتلى: أي غير مقصر وإبدال نعف كويكب من الأول على حد قول امرئ القيس:
* ولما بلغنا الخدر خدر غيزة * وفى هذا الإبدال ترشيح لإبدال رهينة رمس من الموصول لأنه إنما فخم
المكان تفخيما للمرمى المقتول هنالك.
(ألا نادت أمامة باحتمال * لتحزنني فلا بك ما أبالى)
هو لغوية بن سلمى، في سورة القيامة عند قوله تعالى (لا أقسم بيوم القيامة) من حيث زيادة لا قبل فعل
القسم وقد تقدم في لئلا يعلم. وأمامة: اسم امرأة. والاحتمال: الارتحال، وما أبالى معناه: ما أكثرت وأحتفل،
والتقدير: فبك ما أبالى ولا زائدة. يعنى أظهرت هذه المرأة نفسها ارتحالا عنى لتجلب على حزنا. قيل يخاطبها
ويقول: لا وأبيك ما أبالى، وهذه اليمين فيها تهكم. وقوله: لا بك كقولك لا بالله، وما أبالى جواب القسم،
وقيل لا صلة مثلها لئلا يعلم.
(سل سبيلا فيها إلى راحة النفس * براح كأنها سلسبيل)
في سورة الإنسان في آية (عينا فيها تسمى سلسبيلا) الراح: الخمر، ويقال: سلسل وسلسال وسلسبيل
لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها، وزيدت الباء في التركيب حتى صارت الكلمة خماسية ودلت على
غاية السلاسة.
(يمشى بها غلب الرقاب كأنها * بزل كسين من الكحيل جلالا)
هو لعمرو بن معد يكرب. في سورة عبس عند قوله تعالى (وحدائق غلبا) يقال أسد أغلب: أي غليظ
العنق. والبزل جمع بازل، وناقة بازل في الذكور والإناث: إذا فطر نابه في تاسع سنة. والكحيل: القطران.
يصف الشاعر أرضا مأسدة: أي يمشى بهذه الأرض أسود غلاظ العنق كأنها نوق كسين جلالا من قطران،
والأصل في الوصف بالغلب الرقاب ثم أستعير في غيرها كما في الآية: أي شجرها غلب غلاظ.
(رباء شماء لا يأوى لقلتها * إلا السحاب وإلا الأوب والسبل)
هو للمتنخل الهذلي. في سورة الطارق عند قوله تعالى (والسماء ذات الرجع) سمى المطر رجعا كما سمى أوبا
تسمية بمصدري رجع وآب، وذلك لأن العرب كانوا يزعمون أن السحاب يحمل الماء من بخار الأرض ثم يرجع
إلى الأرض. الشاعر يرثى ابنه، وقيل يصف رجلا يصعد العقاب الشاقة، ورباء فعال من ربأ: إذا طلع وهو
مضاف إلى شماء: أي طلاع قلعة شماء من الشمم وهو الارتفاع. ويقال ربأ فلان وارتبأ: إذا اعتان، والربيئة:
الطليعة، ويقال له العين والديدبان والجاسون وهو من معاني العين معنى مأنوس، وقوله: لا يأوى لقلتها،
يقال أوى الإنسان يأوى: رجع. وقلة الجبل: رأسه وأعلاه. والأوب: النحل، سمى به لأنه يذهب ثم يعود
508

إلى بيته وقيل مطر سمى به كما سمى رجعا تسمية بمصدري آب ورجع، وذلك أن العرب كانوا يزعمون أن السحاب
يحمل الماء من بخار الأرض ثم يرجع إلى الأرض، وأراد التفاؤل فسموه رجعا ليرجع ويئوب. والسبل بالتحريك
هو المطر، وأصله من أسبلت الستر: إذا أرخيته، والمعنى: هذا الرجل رقى قلعة شماء لا يأوى لقلتها من ارتفاعها
إلا السحاب والمطر والنحل.
(إن الفرزدق ما علمت وقومه * مثل الفراش غشين رأس المصطلى)
هو لحرير. في سورة القارعة عند قوله تعالى (كالفراش المبثوث) شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار
والضعف والذلة والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما يتطاير الفراش إلى النار، وفى أمثالهم: أضعف من فراشة
وأذل وأجهل، وسمى فراشا لتفرشه وانتشاره. غشين: أي حضرن في غشوة الليل. جرير يهجو الفرزدق وقومه،
وما علمت ما للدوام. يقول إن الفرزدق وقومه دوام علمي بهم ضعفاء أذلاء جهلاء أمثال الفراش في الضعف
والذلة.
(ورجلة يضربون البيض عن عرض * ضربا تواصت به الأبطال سجيلا)
الرجلة: جماعة الراجل 7. والبيض: السيوف، وعرض كل شئ: وسطه، وقيل ناحيته. والأبطال جمع
بطل: وهو الشجاع. وسجيلا: أي شديدا. معناه: رب رجلة يضربون السيوف في المعركة عن جوانب مختلفة
ضربا شديدا كما تواصت الأبطال. وبرواية أخرى:
ورفقة يضربون البيض ضاحية * ضربا تواصت به الأبطال سجينا
وإنما هو سجين بالنون، والقصيدة نونية مشهورة في ديوان ابن مقبل أولها:
طاف الخيال بنا ركبا يمانينا * ودون ليلى عواد لو تعدينا
وإن فينا صبوحا إن رأيت به * ركبا مهيبا وآلافا ثمانينا
* ورجلة يضربون البيض عن عرض * البيت.
أي وإن فينا صبوحا إن احتجت إليه، وقوله ركبا يدل من قوله صبوحا. ورجلة عطف على ركبا، وقيل
ركبا وما بعده منصوب على الاختصاص، والتنكير للتفخيم، والبيض: المغفر. وعن عرض: أي إلى أي ناحية
أتفق لا يبالون من ضربوا وكيف ضربوا.
(قوم على الإسلام لما يمنعوا * ما عونهم ويهللوا التهليلا)
في سورة الماعون. الماعون: الزكاة، وقيل ما يستعار في العادة من الفأس والقدر والدلو ونحوها، وعن
عائشة رضي الله عنها: الماء والنار والملح، وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن
اضطرار، وقبيحا في المروءة في غير حال الضرورة، والتهليل الصلاة ههنا. يقول: هم قوم على الإسلام لم يمنعوا
الزكاة ولم يضيعوا الصلاة.
(جزاني جزاه الله شر جزائه * جزاء الكلاب العاويات وقد فعل)
في سورة تبت. التباب: الهلاك. والمعنى: هلكت يداه، لأنه فيما يروى أخذ حجرا ليرمى به رسول الله صلى
الله عليه وسلم. وتب: هلك كله، أو جعلت يداه هالكتين، والمراد هلاك جملته كقوله تربت يداك، ومعنى وتب:
509

وكان ذلك وحصل كقوله جزاني الخ. وقوله جزاه الله شر جزائه: دعاء عليه، وما أحسن ما قيل في عكس هذا
المعنى قوله:
نعمة الله فيك لا أسأل الله * إليها نعمى سوى أن تدوما
فلو أنى فعلت كنت كمن تسأله * وهو قائم أن يقوما
وقوله أيضا: ماذا أقول وقولي فيك ذو قصر * وقد كفيتني التفصيلا والجملا
إن قلت لا زلت مرفوعا فأنت كذا * أو قلت زانك ربى فهو قد فعلا
وقد أحببنا أن يكون هذان البيتان حسن الختام لشواهد حرف اللام، والحمد لله على الدوام.
حرف الميم
(فقلت إلى الطعام فقال منهم * فريق نحسد الإنس الطعاما)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم) حيث يعلقون الباء بحروف تناسب المقام نحو أتل
(بسم الله الرحمن الرحيم) وأدعوكم إلى الطعام، ومنه قوله تعالى في سورة النمل (في تسع آيات إلى فرعون وقومه)
فحرف الجر فيه يتعلق بمحذوف، والمعنى: اذهب في تسع آيات إلى فرعون، وقول العرب في الدعاء للمعرس:
بالرفاء والبنين: أي أعرست أو نكحت. والشعر للفرزدق، وقيل لسمير بن الحرث الضبي يصف جماعة من الجن
أتوا ناره ليلا، فسأل عنهم من أنتم؟ فقالوا: الجن، فحياهم بالظلام. وعموا ظلاما: كلمة تحية من وعم يعم
معناه: طاب عيشكم في الظلام، وكذلك عموا صباحا، ثم دعاهم إلى الطعام وقال: أدعوكم إلى الطعام، فقال
فريق منهم: نحن لا نأكل الطعام الذي تأكلونه ونحسد الإنس في أكلهم الطعام. قال ابن هشام في شرح الشواهد
الكبرى: قائله جزع بن سنان على رواية من روى عموا صباحا، وأما على رواية من رواه عموا ظلاما فإنه ينسب
إلى سمير بن الحرث الضبي، وكذا وقع في رواية الجوهري لأنه رواه عموا ظلاما. وقال أبو القاسم: إن الناس
يغلطون في هذا الشعر فيروونه عموا صباحا، وجعل دليله على ذلك ما رواه عن ابن دريد عن أبي حاتم عن أبي
زيد ثم أنشد:
ونار قد حضأت بعيد وهن * بدار ما أريد بها مقاما
سوى ترحيل راحلة وعين * أكاليها مخافة أن تناما
أتوا ناري فقلت منون أنتم * فقالوا الجن قلت عموا ظلاما
فقلت إلى الطعام فقال منهم * زعيم نحسد الإنس الطعاما
لقد فضلتم في الأكل عنا * ولكن ذاك يعقبكم سقاما
وقال ابن السيد: لقد صدق أبو القاسم فيما حكاه عن ابن دريد، ولكنه أخطأ في تخطئة رواية من روى عموا
صباحا، لأن هذا الشعر الذي أنكره وقع في سد مأرب، ونسبه واضع الكتاب إلى جذع بن سنان الغساني
في حكاية طويلة زعم أنها جرت له مع الجن، وكلا الشعرين أكذوبة من أكاذيب العرب لم تقع قط، فمنهم من
510

يرويه على الصفة التي ذكرها ابن دريد، ومنهم من يرويه على ما وقع في الكتاب، والشعر الذي على قافية الميم
ينسب إلى سمير بن الحرث الضبي وينسب إلى تأبط شرا، وأما الشعر الذي على قافية الحاء فلا أعلم خلافا في أنه
ينسب إلى جذع بن سنان الغساني وهو:
أتوا ناري فقلت منون أنتم * فقالوا الجن قلت عموا صباحا
نزلت بشعب وادى الجن لما * رأيت الليل قد نشر الجناحا
أقلتم هاك والأقدار حتم * تلاقى الجن صبحا أو رواحا
أتيتهم غريبا مستضيفا * رأوا قتلى إذا فعلوا جناحا
أتوني سافرين فقلت أهلا * رأيت وجوههم وسما صباحا
نحرت لهم وقلت ألا هلموا * كلوا مما طهيت لكم سماحا
أتاني ناشر وبنو أبيه * وقد جن الدجى والنجم لاحا
فنازعني الزجاجية بعد وهن * مزجت لهم بها عسلا وراحا
وحذرني أمورا سوف تأتى * أهز لها الصوارم والرماحا
سأمضي للذي قالوا بعزم * ولا أبغى لذلكم قداحا
أسأت الظن فيه ومن أساه * بكل الناس قد لاقي جناحا
وقد تأتى إلى المرء المنايا * بأبواب الأمان سدى جراحا
سيبقى حكم هذا الدهر قوما * ويهلك آخرون به رياحا
أثعلبة بن عمرو ليس هذا * أوان السير فاعتد السلاحا
ألم تعلم بأن الذل موت * يتيح لمن ألم به اجيتاحا
ولا يبقى نعيم الدهر إلا * لقرم ماجد صدق الكفاحا
(يذكرني حاميم والرمح شاجر * فهلا تلا حاميم قبل التقدم)
في سورة الشورى عند قوله تعالى (حم) حيث جعل (حم) اسما للسورة، فأعرب ومنع من الصرف لأنه
علم ومؤنث، وقائل الشعر شريح بن أوفى العبسي قاتل محمد بن طلحة يوم الجمل، وقد كان من قرابة الرسول صلى
الله عليه وسلم، أمره أبوه طلحة أن يتقدم للقتال، فنشر درعه بين رجليه، وكان كلما حمل عليه الرجل في ذلك
اليوم قال: نشدتك بحم: يعنى بذلك حمعسق لما فيها من قوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا إلى المودة في القربى)
حتى حمل عليه العبسي فقتله وأنشأ يقول مفتخرا:
وأشعث قوام بآيات ربه * قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
شككت له بالرمح جيب قميصه * فخرت صريعا لليدين وللفم
على غير شئ غير أن ليس تابعا * عليا ومن لا يتبع الحق يظلم
يذكرني حاميم والرمح شاجر * فهلا تلا حاميم قبل التقدم
511

فلما رآه علي رضي الله عنه استرجع وقال: إن كان لشابا صالحا ثم قعد كئيبا. فقوله على غير شئ متعلق
بشككت: أي خرقت: يعنى بلا سبب من الأسباب، وغير أن: استثناء من شئ لعمومه بالنفي أو بدل والفتح
للبناء. والرمح شاجر: أي طاعن، وقيل أي مختلف، فعلى الأول لو ذكرني حاميم قبل أن أطعنه بالرمح لسلم،
وعلى الثاني قبل قيام الحرب وتردد الرماح، قيل إن حم من أسماء الله تعالى، وأن المعنى اللهم لا ينصرون، ثم إن
القاتل لما غلب قرنه في المبارزة والتجأ هو إلى تلك الكلمة ما التفت إلى قوله وقتله وقال: هلا تلا حاميم قبل
المبارزة والتقدم.
(إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة في المزدحم)
عند قوله تعالى في سورة البقرة (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) حيث وسط حرف العطف
بين النعوت. القرم: الفحل المكرم الذي لا يحمل عليه، ولذلك سمى السيد من الناس القرم، والهمام من أسماء
الملوك لعظم همتهم، وقيل إنما سمى هماما لإنه إذا هم بأمر فعله. والكتيبة: الجيش، تقول كتبت الكتيبة: إذا
هيأتها وضممت بعضها إلى بعض. وازدحم أهل المعركة: أي دفع بعضهم بعضا، والمزدحم: المعركة لأنها
موضع المزاحمة والمدافعة.
(فذلك إن يهلك فحسني ثناؤه * وإن عاش لم يقعد ضعيفا مذمما)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (أولئك على هدى) حيث كان فيه إيذان بأن ما يرد عقيبه، فالمذكور من قبله
أهل لاكتسابه من أجل الخصال التي عددت لهم، والمعنى: لحى الله (1) فقيرا مناه وهمه من الدهر أن يلبس لباسا
ويطعم طعاما، فقد قيل: من كانت همته ما يدخل بطنه كانت قيمته ما يخرج منه. والشعر لحاتم وقبله:
ولله صعلوك يساور همه * ويمضى على الأحداث والدهر مقدما
فتى طلبات لا يرى الخمص ترحة * ولا شبعة إن نالها عد مغنما
إذا ما رأى يوما مكارم أعرضت * تيمم كبراهن ثمت صمما
يرى رمحه أو نبله أو مجنه * وذا شطب عضب الضريبة مخذما
وأحناه سرج قاتر ولجامه * عتاد أخي هيجا وطرقا مسوما
ويغشى إذا ما كان يوم كريهة * صدور العوالي وهو مختضب دما
إذا الحرب أبدت ناجذيها وشمرت * وولى هدان القوم أقدم معلما
فذلك إن يهلك فحسى ثناؤه * وإن عاش لم يقعد ضعيفا مذمما
(فلا وأبى الطير المربة بالضحى * على خالد لقد وقعت على لحم)
هو للهذلي يرثى خالد بن زهير، في سورة البقرة عند قوله تعالى (على هدى) حيث نكرا ليفيد ضربا مهما
لا يبلغ كنهه ولا يقادر قدره كأنه قيل: على هدى أي هدى، وتنكير لحم للتعظيم: أي لحم شريف عظيم، كان

(1) قوله (والمعنى لحى الله الخ) هذا تفسير لبيت لم يذكر هنا، ولعله سقط من قلم الناسخ وهو قول حاتم:
لحى الله صعلوكا مناه وهمه * من العيش أن يبقى لبوسا ومطعما
فليعلم كتبه مصححه.
512

خالد قد قتل والطير قد قامت عليه تأكله، فاستعظم لحمه حيث نكره، والتفت إلى الخطاب، وبسبب تعظيم
اللحم استعظم الطير الواقعة عليه، ثم ما اكتفى بل استعظم أبا الطير حيث أقسم بها كما في لا أقسم كما يكنى الرجل
بأبي فلان تعظيما له كنى الطير بأبي الطير، وأبى: أي أبين جمع أب سقطت نونه بالإضافة. وأرب بالمكان: إذا
قام ولزم، وبعد البيت:
فلا وأبى لا يأكل الطير مثله * عشية أمسى لا يبين من السلم
(أما والذي لا يعلم الغيب غيره) * ويحيى العظام البيض وهى رميم
لقد كنت أختار الجوى طاوى الحشا * محاذرة من أن يقال لئيم
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ألا إنهم هم المفسدون) فإن الاستفهام إذا دخل على حرف النفي أفاد تحقيقا
كقوله (أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى) ونحوه قول الآخر:
أما والذي أبكى وأضحك والذي * أمات وأحيا والذي أمره الأمر
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى * أليفين منها لا يروعهما الذعر
(فما أم الردين وإن أدلت * بعالمة بأخلاق الكرام
إذا الشيطان قصع في قفاها * تنفقناه بالحبل التوأم)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم) أي إذا دخل الشيطان
في قفا هذه المرأة وحردت وأساءت الخلق استخرجناه من نافقائه بالحبل المثنى المحكم واجتهدنا في إزالة غيظها
وغضبها وإماطة ما يسوء من خلقها. استعار التقصيع أولا ثم ضم إليه التلفق ثم الحبل التؤام، فكذلك لما ذكر
سبحانه الشراء أتبعه ما يشاكله ويواخيه وما يكمل ويتم بانضمامه إليه تمثيلا لخسارهم وتصويرا لحقيقته. وقصع من
التقصيع، يقال قصع اليربوع: إذا اتخذ القاصعاء، وهو الطريق المستوى (1) أحد جحري اليربوع. والنافقاء:
موضع يرققه ولا يتعداه مخافة أن يقف الصائد عليه، فإذا طلب من القاصعاء خرج من النافقاء برأسه، وإنما فرض
الاستعارة في التقصيع ليعلم أن الاستعارة فيه تبعية، ثم رشحها بأن ضم التنفق والحبل التؤام إليها، وأما ذكر القفا
فهو أن سوء الخلق من الحمق وهو ينسب إلى القفا كما يقال عريض القفا.
(فتركته جزر السباع ينشنه) * يقضمن حسن بنانه والمعصم
في سورة البقرة عند قوله تعالى (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) من جهة أن ترك يكون بمعنى طرح وخلى:
إذا علق بواحد كقولهم تركته ترك ظبى ظله، وهو مثل يضرب في هجر الرجل صاحبه، فإذا علق بشيئين كان
بمعنى صير فيجرى مجرى أفعال القلوب كما في الآية، والبيت والشعر لعنترة، والضمائر الثلاثة في البيت ترجع إلى
مدجج في البيت السابق: أي شاكي السلاح، والبيت من معلقة عنترة بن شداد العبسي التي أولها:
هل غادر الشعراء من متردم * أم هل عرفت الدار بعد توهم
دار لآنسة غضيض طرفها * طوع العناق لذيذة المتبسم

(1) قوله (وهو الطريق المستوى) هكذا في الأصل، وليس في كتب اللغة التي بيدنا ما يشهد لذلك فحرره كتبه مصححه.
513

ومنها: ولقد نزلت فلا تظنى غيره * منى بمنزلة المحب المكرم
إلى أن قال عند التحمس:
ومدجج كره الكماة نزاله * لا ممعن هربا ولا مستسلم
جادت يداي له بعاجل طعنة * بمثقف صدق الكعوب مقوم
فشككت بالرمح الطويل إهابه * ليس الكريم على القنا بمحرم
فتركته جزر السباع ينشنه * ما بين قلة رأسه والمعصم
أي رب قرن حاربته فقتلته وتركته طعم السباع كما يكون الجزر طعمة البائس، ثم قال: تتناوله السباع
وتأكل بمقدم أسنانها بنانه الحسن ومعصمه الحسن، يريد أن قتله فجعله عرضة للسباع حتى تناولته وأكلته،
النوش: التناول، والقضم: الأكل بأطراف الأسنان، والخضم: الأكل بجميع الفم، ومنه قولهم: يتبع الخضم
بالقضم، ومعناه: أن الغاية البعيدة قد تدرك بالرفق. وقد استشهد بالبيت المذكور في أوائل العنكبوت عند قوله
تعالى (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) حيث استعمل الترك بمعنى التصيير.
(لدى أسد شاكي السلاح مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم)
هو لزهير. في سورة البقرة عند قوله تعالى (صم بكم عمى فهم لا يرجعون) حيث كان البلغاء من علماء البيان
يسمون ما في الآية تشبيها بليغا لا استعارة، وقد مضى في شرح قوله * ويصعد حتى يظن الجهول * ما فيه
غنية عن إيضاح معنى هذا البيت.
(وأغفروا عوراء الكريم ادخاره * وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
في سورة البقرة عند قوله تعالى (حذر الموت) وأنه نصب على المفعول له وإن كان معرفا بالإضافة، ولا ضير
في تعدد المفعول له فإن الفعل يعلل بعلل شتى، وادخاره معرفة وتكرما نكرة. والعوراء: الكلمة القبيحة التي
يغضب منها، والبيت لحاتم الطائي، وقبله.
وعوراء قد أعرضت عنها فلم تضر * وذي أود قومته فتقوما
ولا أخذل المولى وإن كان خاذلا * ولا أشتم ابن العم إن كان مفحما
وأول القصيدة:
أتعرف أطلالا ونؤياه مهدما * كخطك في رق كتابا منمنا
تحلم عن الأدنين واستبق ودهم * ولن تستطيع الحلم حتى تحلما
ونفسك أكرمها فإنك إن تهن * عليك فلن تلقى لها الدهر مكرما
أهن في الذي تهوى التلاد فإنه * إذا مت صار المال نهبا مقسما
ولا تشقين فيه فيسعد وارث * به حين تحشى أغبر الجوف مظلما
وعوراء قد أعرضت عنها فلم تضر * وذي أود قومته فتقوما
وأغفر عوراء الكريم ادخاره * وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
514

ولا أخذل المولى وإن كان خاذلا * ولا أشتم ابن العم إن كان مفحما
ولا زادني عنه غنائي تباعدا * وإن كان ذا نقص من المال معدما
نعمة الله فيك لا أسأل * الله إليها نعمى سوى أن تدوما
(فلو أنى فعلت كنت كمن تسأله * وهو قائم أن يقوما)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) فالأمر لا يخلو من أن يكون متوجها إلى المؤمنين
والكافرين جميعا أو إلى كفار مكة خاصة، فالمؤمنون عابدون ربهم فكيف أمروا بما هم متلبسون به، وهل هو
إلا كقول القائل: فلو أنى الخ. والجواب أن المراد بعبادة المؤمنين ازديادهم منها وثباتهم عليها.
(سائل تميما في الحروب وعامرا * وهل المجرب مثل من لم يعلم
غضبت تميم أن نقتل عامرا * يوم النسار فأعتبوا بالصيلم)
هو لبشر بن أبي حازم الأسدي. في سورة التوبة عند قوله تعالى (فبشرهم بعذاب أليم) هو من العكس
في الكلام الذي يقصد به الاستهزاء الزائد في غيظ المستهزأ به. والنسار: ماء لبنى عامر. والصيلم: الداهية
المستأصلة ويسمى بها السيف. المعنى: أن تميما عتبوا بمقاتلة عامر فأعتبناهم: أي أزلنا عتابهم بالسيف والقتل،
فالهمزة للسلب كقولك أشكيته: أي أزلت شكايته وهذا من قبيل * تحية بينهم ضرب وجميع * وقوله:
صبحنا الخزرجية مرهفات * أباد ذوي أرومتها ذووها
وقول الآخر:
نقريهموا لهذميات نقد بها * ما كان خاط عليهم كل زراد
وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الكهف عند قوله تعالى (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل) وفى سورة
مريم عند قوله تعالى (والباقيات الصالحات خير) من حيث إنه لا ثواب لهم حتى يجعل ثواب الصالحات خيرا منه،
فهو على ضرب من التهكم، وفى سورة الروم عند قوله تعالى (لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون)
والبيت من قصيدة أولها:
لمن الديار غشيتها بالأنعم * تبدو معارفها كلون الأرقم
لعبت بها ريح الصبا فتنكرت * إلا بقية نؤيها المتهدم
دار لبيضاء العوارض طفلة * مهضومة الكشحين ريا المعصم
ومنها: وبنو نمير قد لقينا منهم * خيلا تضب لثاتها للمغنم
قل للمثلم وابن هند بعده * إن كنت رائم عزنا فاستقدم
تلقى الذي لاقي العدو وتصطبح * كأسا صبابتها كطعم العلقم
تحبو الكتيبة حين تفترش القنا * طعنا كإلهاب الحريق المضرم - وهى طويلة.
(قد جاءه الموسى الكلوم فزاد في * أقصى تفرعنه وفرط عرامه)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (وإذ نجيناكم من آل فرعون) قال في الكشاف: وفرعون علم لمن ملك العمالقة
515

كقيصر لملك الروم وكسرى لملك الفرس، ولعتو الفراعنة اشتقوا منه تفرعن فلان: إذا عتا وتجبر. والموسى:
ما يحلق به، من أوسى رأسه: حلقه. وقال الفراء: هي فعلى وتؤنث، يقال رجل ماس مثل مال: أي خفيف
طياش. والكلوم فعول من الكلم: وهو الجرح، والعرام: الشر والخبث، وضمير جاء راجع إلى ذكر الصبى،
وهذا كناية عن الختان وبه النمو والفتوة لا عن حلق العانة كما قيل. قال المولى سعد الدين: وهذا مع وضوحه وشهرته
فقد خفى حتى قيل إنه كناية عن حلق العانة.
(قلت لزير لم تصله مريمه * ضليل أهواء الصبى تندمه)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (وآتينا عيسى ابن مريم البينات) ومريم بالعربية من النساء كالزير من الرجال،
وبه فسر قول رؤبة: قلت لزير الخ. وهو من قصيدة طويلة أول ديوانه قالها في أبى جعفر الدوانيقي كان يعاتبه
على البطالة ومغازلة النساء، كما قال:
إلام فتاكم للخرائد زير * وقد حل حولي عارضيه قتير
فإن يهلك أبو قابوس يهلك * ربيع الناس والشهر الحرام
(ونأخذ بعده بذناب عيش * أجب الظهر ليس له سنام)
للنابغة الذبياني. في سورة البقرة عند قوله تعالى (إلا من سفه نفسه) أراد بالربيع: طيب العيش. وبالشهر:
الحرام الأمن: أي نبقى بعد الممدوح في طرف عيش قد مضى صدره ومعظمه وخيره وبقى منه ذنبه، ويكنى بالخيار
عن الرأس وبالشرار عن الأذناب كما قال الحطيئة:
قوم هم الألف والأذناب غيرهم * ومن يسوى بأنف الناقة الذنبا
والأجب من الإبل: المقطوع السنام، ويجوز أن ينشده أجب الظهر بإضافة أجب إلى الظهر، ويجوز أن
بنصب الظهر ويكون التنوين قد سقط من أجب، استشهد بأنه نصب الظهر بالأجب تشبيها بضارب عمرا.
والبيت من قصيدة ميمية يرثى بها المعافى بن الحارث الأصغر أولها:
ألم أقسم عليك لتخبرني * أمحمول على النعش الهمام - وهى طويلة
(فكيف إذا مررت بدار قوم * وجيران لنا كانوا كرام)
البيت للفرزدق. في سورة البقرة عند قوله تعالى (وإن كانت لكبيرة) على قراءة الرفع: أي وإن هي لكبيرة
ووجهها أن تكون كان مزيدة كما في البيت:
(فهل لكم فيها إلى فإنني * بصير بما أعيا النطاسي حذيما)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) من حيث إنهم لما نقلوا أسماء الشهور
عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر. قال في الكشاف: فإن
قلت: فإذا كانت التسمية واقعة مع المضاف إليه جميعا، فما وجه ما جاء في الأحاديث من نحو قوله صلى الله عليه
وسلم " من صام رمضان إيمانا واحتسابا. من أدرك رمضان فلم يغفر له؟ " قلت: هو من باب الحذف لأمن اللبس
كما قال: بما أعيا النطاسي حذيما، أراد ابن حذيم، ومعنى: فهل لكم فيما إلى، هل لكم علم وبصيرة فيما يرجع
نفعه وفائدته إلى، ثم أعرض عن مشاورتهم وقال: إنني أعلم وأعرف بحالي منكم، فإنني بصير بما يعنى النطاسي
516

ابن حذيم. والنطاسي: الطبيب، وأراد ابن حذيم وهو من باب الحذف لا من الإلباس كما تقدم، وفى النسخ
كما أعيا، والصواب ما نقله الميداني في مجمع الأمثال بما بالباء وحذيم بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة
وفتح الياء.
(تمام الحج أن تقف المطايا * على خرقاء واضعة اللثام)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (وأتموا الحج والمعرة لله) والبيت لذي الرمة. والخرقاء: اسم محبوبته. ونقل
عن بعض الصالحين أنه حج، فلما قضى نسكه قال لصاحب له: هل نتم حجنا؟ ألم تسمع قول ذي الرمة؟ وأنشد
البيت، وحقيقة ما قال: هو أنه كما قطع البراري والقفار حتى وصل إلى بيته وحرمه فينبغي أن يقطع أهواء النفس
ويخرق حجب القلب حتى يصل إلى مقام المشاهدة ويبصر آثار كرمه بعد الرجوع من حرمه.
(أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني) * ألم تيأسوا أنى ابن فارس زهدم
في سورة البقرة عند قوله تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر) وهو قمار العرب بالأزلام واشتقاقه، من
اليسر لأنه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة، والبيت لسحيم بن وثيل الرياحي، كان وقع عليه الأسر فضربوا عليه
بسهام. ييسرونني: يقطعونني، وزهدم: فرس سمى به لسرعته، وهو في الأصل فرخ البازي. وأنشده المصنف
في سورة الرعد شاهدا على أن اليأس بمعنى العلم حيث قال (أفلم ييأس الذين آمنوا) والمعنى: قلت لهم بذلك الموضع
حين يغلبونني بالميسر: ألم تعلموا أنى ابن فارس زهدم وأنه لا يغلب على أحد، وفى رواية: إذ يأسرونني: أي
حين أرادوا أن يأخذوني بالأسر.
(دعوني أنح وجدا كنوح الحمائم * ولا تجعلوني عرضة للوائم)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) العرضة هنا بمعنى المتعرض للأمر، قيل
البيت لأبى تمام، وفى ديوان أبى تمام:
متى كان سمعي عرضة للوائم * وكيف صغت للعاذلين عزائمي
(وسنان أقصده النعاس فرنقت * في عينه سنة وليس بنائم)
لعدى بن الرقاع من قصيدة يمدح بها الوليد بن عبد الملك. في سورة البقرة عند قوله تعالى (لا تأخذه سنة ولا
نوم) والسنة: ما يتقدم النوم من الفتور الذي يسمى النعاس، وقدم السنة على النوم، وقياس المبالغة عكسه لمراعاة
ترتيب الوجود، وأيضا هو من باب التتميم فإنه لما انتفى السنة انتفى النوم بالأولى فجئ بقوله (ولا نوم) تأكيدا.
وأقصده النعاس من أقصدت الرجل: إذا طعنته فلم تخطئ مقاتله، ومنه قوله:
نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها * ثم انتثت عنه فكاد يهيم
ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت * وقع السهام ونزعهن أليم
(تتمة) النوم ريح يقوم في أغشية الدماغ، فإذا وصل إلى العين نامت، وإذا وصل إلى القلب نام وهو النوم.
(مولى الريح قرنيه وجبهته * كالحرقي (1) تنحى ينفخ الفحما)

(1) قوله (كالحرقي) هذا تصحيف، والذي في الكشاف وهو الصواب (كالهبرقي) بالهاء والباء الموحدة، ومثله في كتب اللغة
فليعلم، كتبه مصححه.
517

في سورة آل عمران عند قوله تعالى (وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله) يقال: لم يكن في هذه
الأمة أكمه غير قتادة صاحب التفسير. روى أنه ربما اجتمع عليه خمسون ألفا من المرضى من أطاق منهم أتاه ومن
لم يطق أتاه عيسى، وما كانت مداواته إلا بالدعاء وحده. والحرقى بفتح الحاء المهملة: هو الحداد. يصف ثور
وحش يستقبل الريح بقرنيه وجبهته وينفخ ويتنفس في مقابل الريح كالحداد الذي ينفخ الفحم بالمنفاخ.
(وتشرق بالقول الذي قد أذعته * كما شرقت صدر القناة من الدم)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) والضمير عائد للحفرة أو
للنار أو للشفا، وإنما أنث لإضافته إلى الحفرة وهو منها، وإنما أنت شرقت لإضافة المصدر إلى القناة، وكثيرا
ما يكتسب المضاف من المضاف إليه صفة الكمال أو النقص، فمن الأول قوله:
عليك بأرباب الصدور فمن غدا * مضافا لأرباب الصدور تصدرا
وإياك أن ترضى بصحبة ناقص * فتنحط قدرا عن علاك وتحقرا
فرفع أبو من ثم خفض مزمل * يبين قولي مغريا ومحذرا
وما أحسن ما قيل في تضمين هذا البيت قوله:
تجنب صديقا مثل ما واحذر الذي * يكون كعمرو بين عرب وأعجم
فإن صديق السوء يزرى وشاهدي * كما شرقت صدر القناة من الدم
وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة يوسف عند قوله تعالى (يلتقطه بعض السيارة) وقرئ تلتقطه بالتاء
على المعنى، لأن بعض السيارة سيارة كقوله: كما شرقت. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة لقمان عند قوله
تعالى (إنما إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله) حيث أنث
المثقال لإضافته إلى الحبة، فإن الله تعالى يعلم أصغر الأشياء في أخفى الأمكنة، لأن الحبة في الصخرة أخفى منها
في الماء، المشرق الشجا كما قال:
ويراني كالشجا في حلقه * عسرا مخرجه ما ينتزع
وقد شرق بريقه: أي غص، وذاع الخبر يذيع ذيعا وذيوعا: انتشر وأذاعه غيره كما قال الشاعر:
فيمن لا يكتم السر:
آمنت على السر أمر غير حازم * ولكنه في النصح غير مريب
أذاع به في الناس حتى كأنه * بعلياء نار أوقدت بثقوب
ومن أحسن ما قيل في هذا الباب قوله:
لي صديق غدا وإن كان لا ينطق * إلا بغيبة أو محال
أشبه الناس بالصدى إن تحدثنه * حديثا أشاعه في الحال
والبيت للأعشى ميمون بن قيس من قصيدته المشهورة التي أولها:
518

ألا قل لتيا قبل نبهتها اسلمى * تحية مشتاق إليها متيم
ومنها: لئن كنت في جب ثمانين قامة * ورقيت أسباب السماء بسلم
ليستدرجنك القول حتى تهره * وتعلم أنى عنكم غير مفحم
وتشرق بالقول الذي قد أذعته * كما شرقت صدر القناة من الدم
وتيا تصغير تا التي من أسماء الإشارة.
(فأقتل أقواما لئاما أذلة * يعضون من غيظ رؤوس الأباهم)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) هو للحرث بن ظالم المري. الأباهم جمع
الإبهام، ويوصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل والبنان والإبهام، يقول: أقتل الأعداء اللئام الأذلة الذين
يعضون أناملهم من الغيظ.
(على حالة لو أن في القوم حاتما * على جوده لضن بالماء حاتم)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون الذين قالوا)
في إعراب الذين أوجه: أحدها أن يكون نصبا على الذم أو على الرد على الذين نافقوا، أو رفعا على هم الذين
نافقوا، أو على الإبدال من واو يكتمون، ويجوز أن يكون مجرورا بدلا من الضمير في أفواههم وقلوبهم كقوله على
حالة الخ، وليس لأحد أن يرفع حاتما الواقع في القافية لأن القافية مجرورة. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة
مريم عند قوله تعالى (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا) إلى قوله (أن دعوا للرحمن ولدا) على تقدير أن يكون
جملة (أن دعوا للرحمن ولدا) بدلا من الضمير في منه. والبيت على ما رواه المبرد في الكامل للفرزدق، وقبله:
فلما تصافنا الإداوة أجهشت * إلى غضون العنبري الجراضم
فجاء بجلمود له مثل رأسه * ليشرب ماء القوم بين الصرائم
على حالة البيت، هذا العنبري اسمه عاصم وكان دليل الفرزدق فضل به الطريق. والتصافن: اقتسام الماء
بالحصص، ويكون بنحو مقلة يسقى الرجل قدر ما يغمرها، وإنما يفعل عند ضيق الماء. وأراد العنبري أن يزيد
على حقه لعطشه فمنعه الفرزدق وكان من الأجواد، فكأنه وجد من نفسه وغدرها بهذه الأبيات. والإداوة:
الآلة جمعها أداوى على وزن مطايا، وهى الآلة، والمراد بها هنا المقل. وفى قوله وجاء بجلمود بدل مقلة ما يدل
على طلب الزيادة المفرطة على الحق، وجعله واسع البطن أكولا في قوله الجراضم تأكيدا له، والصرائم جمع صريمة:
وهى منقطع الرمل، وأراد أن الموضع كان ضيقا بإعواز الماء، وقيل هي جمع صريمة: وهى القطيع من الإبل.
والجهش والإجهاش: تضرع الإنسان إلى غيره مع تهيئه للبكاء كالصبي إلى الأم. وغضون الجلد: مكاسره
كالجبين، وفى إسناده إليها تصوير لأن مخايل الإجهاش تظهر من مكاسر الجبين والعين.
(وشريت (1) بردا ليتني * من بعد برد كنت هامه)
(وإن أتاه خليل يوم مسألة * يقول لا غائب مالي ولا حرم)

(1) هذا البيت ترك له بياض في الأصل للتكلم عليه فلينظر.
519

في سورة النساء عند قوله تعالى (أينما تكونوا يدرككم الموت) على تقدير قراءة الرفع كما رفع زهير:
* يقول لا غائب مالي ولا حرم * ففي الآية يحمل على ما يقع موقع - أينما تكونوا - وهو أينما كنتم كما حمل:
* ولا ناعب إلا ببين غرابها * على ما يقع موقع ليسوا مصلحين عشيرة قوم وهم ليسوا بمصلحين فرفع كما
في البيت، والخليل: الفقير، من الخلة بالفتح: أي الحاجة، قال الشاعر: * وإني إلى أن تشفعا لي لحاجة (1) *
لأن الخليل بمعنى الحبيب من الخلة بالضم. والحرم بكسر الراء: الحرمان. والمعنى: إن سأله سائل لم يتعلل بل
أعطاه وأغناه. والمناسب أن يجعل المصدر بمعنى المفعول: أي لا غائب مالي ولا محروم من حرمته المال: إذا
جعلته ممنوعا عنه. والبيت لزهير يمدح به هرم بن سنان. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة هود عند قوله
تعالى (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها) على تقدير رفع الجواب لأن الشرط ماض. وقد
استشهد بالبيت المذكور في سورة الإسراء عند قوله تعالى (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا
القرآن لا يأتون بمثله) فإنه وقع جوابا لقسم محذوف، ولولا اللام الموطئة لجاز أن يكون جوابا للشرط كقوله:
* يقول لا غائب مالي ولا حرم * لأن الشرط وقع ماضيا، وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الفرقان عند
قوله تعالى (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجرى من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا) حيث قرئ
ويجعل بالرفع عطفا على لفظ جزاء الشرط إذ كان ماضيا. والبيت لزهير بن أبي سلمى من قصيدته المشهورة التي
يمدح بها هرم بن سنان، أولها:
قف بالديار التي لم يعفها القدم * بلى وغيرها الأرواح والديم
لا الدار وغيرها بعد الأنيس ولا * بالدار لو كلمت ذا حاجة صمم
إلى أن قال:
هو الجواد الذي يعطيك نائله * عفوا ويظلم أحيانا فيظلم
وإن أتاه البيت:
(الآن لما أبيض مسربتي * وعضضت من نابى على جذم)
هو لأبى العلاء، وبعده:
وحلبت هذا الدهر أشطره * وأتيت ما آتي على علم
في سورة المائدة عند قوله تعالى (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) حيث لم يرد به يوما بعينه وإنما أراد
الزمان الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية كقولك: كنت بالأمس شابا وأنت اليوم أشيب،
فلا تريد بالأمس اليوم الذي قبل يومك ولا باليوم يومك، ونحوه الآن الواقع في الشعر، فإن المراد به الزمان
الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية. والمسربة: الشعرات التي تنبت في وسط الصدر إلى
أسفل السرة إذا كان دقيقا، وكان صلى الله عليه وسلم طول المسربة. والعض: التناول بالأسنان، يقال في المثل:
عض من نابه على جذم للمتحسر، والجذم بالكسر: هو أصل الشئ، يريد تحاتت أسناني وسقطت فبقى

(1) قوله (وإني إلى أن تشفعا الخ) في هذا الكلام نقص وتحريف فارجع إلى أصل صحيح فإن الأصل الذي بيدنا سقيم كتبه مصححه.
520

أصولها كأنه قال: عضضت من نابى حال كونها باقية على جذم ذاهبا سائرها. وأشطره: أراد حواليه وجوانبه،
يريد أنواع الخير والشر، فإذا قيل شطريه أريد الجنسان.
(تراك أمكنة إذا لم أرضها * أو يرتبط بعض النفوس حمامها)
هو للبيد. في سورة المائدة عند قوله تعالى (فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) يعنى
بذنب التولي عن حكم الله وإرادة خلافه، فوضع بعض ذنوبهم موضع ذلك. وأراد أن لهم ذنوبا جمة كثيرة العدد،
وأن هذا الذنب مع عظمه بعضها وواحد منها، وهذا الإبهام لتعظيم التولي، ونحو البعض في هذا الكلام ما في قول
لبيد * أو يرتبط بعض النفوس حمامها * أراد نفسه كما قال:
فلئن بقيت لأرجعن بغزوة * تحوى الغنائم أو يموت كريم
يعنى نفسه. يقول الشاعر: إني لأترك أرضا أجتويها وأقلبها إلا أن أموت ولا أقدر على تركها، وإنما قصد تفخيم
شأنها بهذا الإبهام كأنه قال: نفسا كبيرة أو نفسا أي نفس، فكما أن التنكير يعطى معنى التكثير وهو في معنى
البعضية فكذلك إذا صرح بالبعضية. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة المؤمن عند قوله تعالى (وإن يك
صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) حيث قال - بعض الذي يعدكم - وهو نبي صادق لابد لما يعدهم أن يصيبهم كله
لا بعضه، وقد ذكر الجواب عن ذلك في الكشاف بقوله قلت لأنه احتاج في مقاولة خصوم موسى إلى ملاومتهم
ومداراتهم ويسلك معهم طريق الإنصاف في القول ويأتيهم من جهة المناصحة وهو كلام المنصف في مقاله غير
المشتط فيه ليسمعوا منه ولا يردوا عليه، وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل. قال في الكشاف: إن قلت
فعن أبي عبيدة فسر البعض بالكل. قلت: إن صحت الرواية عند فقد حق فيه قول المازني في مسألة العلقى: كان
أجفى من أن يفقه ما أقول له انتهى. وأما حديث مسألة العلقى: فما نقل أن أبا عثمان المازني قال للمبرد: سمعت
أبا عبيدة يقول: ما أكذب النحويين يقولون تاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث، وسمعت رؤبة ينشد قول
العجاج يصف ثورا: * يستن في علقى وفى مكور * جمع مكر: ضرب من الشجر، فقلت: ما واحد
علقى؟ فقال: علقاة، فقال المبرد، فهلا قاولته؟ فقال: كان أبو عبيدة أجفى من أن يفهم هذا، وأشار إلى ما نقل
عن سيبويه، منهم من يقول علقاة بألف الإلحاق ولو كانت للتأنيث لم تدخل عليها التاء، ومنهم من لا ينون ويجعلها
ألف التأنيث وعلقي نبت. والمكور: ضرب من الشجر، واستن الفرس وغيره: أي قمص، وهو أن يرفع يديه
ويطرحهما معه ويعجن برجليه.
(وغداة ريح قد كشفت وقرة * إذ أصبحت بيد الشمال زمامها)
هو للبيد. في سورة المائدة عند قوله تعالى (بل يداه مبسوطتان) حيث جعل للشمال يدا، ويقال: بسط
اليأس كفيه في صدري، كما قال الشاعر:
وقد رابني وهن المنى وانقباضها * وبسط جديد اليأس كفيه في صدري
فجعل لليأس الذي هو من المعاني لا من الأعيان كفين. قال الزمخشري: ومن لم ينظر في علم البيان عمى عن
تبصر محجة الصواب في تأويل أمثال هذه الآية ولم يتخلص من يد الطاعن إذا عبثت به، يقول: كم من غداة تهب
فيها الشمال وهى أبرد الرياح: أي وبرد قد ملكت الشمال زمامه قد كشفت عادية البرد والجوع عن الناس بنحر
521

الجزر لهم، وقد جعل للشمال يدا لأن المقاد في تصريف الغداة على حكم طبيعتها كالمدبر المصرف لمازمه ومقاده
في كفه، وحكم الزمام في الاستعارة للغداة حكم اليد في استعارتها للشمال، إذ ليس هناك مشار إليه يكون الزمام
قائما مقامه، ولكنه وفى المبالغة شرطها في الطرفين فجعل للغداة زماما كما جعل للشمال يدا مبالغة في إثبات التصرف.
(لقد ولد الأخيطل أم سوء * على باب استها صلب وشام)
في سورة الأنعام عند قوله تعالى (بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة) على تقدير
قراءته بالياء، وإنما جاز للفصل كقوله * لقد ولد الأخيطل أم سوء * مثله حضر القاضي امرأة. كان الأخطل
من نصارى العرب واسمه غياث بن غوث. وصلب جمع صليب وهو صليب النصارى. والشام جمع شامة وهى
الخال والعلامة، والمراد منهما النقوش كما تفعل الواشمة، والقياس أن يقول ولدت لأن الفاعل مؤنث حقيقي، إلا
أنه لما توسط الفاصل بين الفعل وفاعله تأخر الفاعل عن المرتبة المستحقة له.
(عوجوا على الطلل المحيل لأننا * نبكى الديار كما بكى ابن خذام)
في سورة الأنعام عند قوله تعالى (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) من جهة أن أنها بمعنى لعلها، من
قول العرب ائت السوق أنك تشترى لنا لحما كما قال امرؤ القيس عوجوا الخ. قال في الصحاح: وأن المفتوحة
تكون بمعنى لعل كقوله تعالى (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) وقراءة أبى لعلها، والعوج: عطف رأس
البعير بالزمام. والطلل المحيل: الذي حال عن صفته لصوب الأمطار وهبوب الرياح، لأننا بمعنى لعلنا وفيه
الشاهد، وابن خذام بالخاء والذال المعجمتين: أول من بكى الديار من شعراء العرب، وقيل إنه كان طبيبا حاذقا،
وفى المثل: أطب بالكي من ابن خذام.
(ألا يا قيل ويحك قم فهينم * لعل الله يسقينا غماما
فيسقى أرض عاد إن عادا * قد أمسوا ما يبينون الكلاما)
من العطش الشديد فليس يرجو * لها الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهم بخير * فقد أمست نساؤهم عيامى
وإن الوحش تأتيهم جهارا * فلا تخشى لعادى سهاما
وأنتم ههنا فيما اشتهيتم * نهاركم وليلكم التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم * ولا لقوا التحية والسلاما
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (في أسماء سميتموها) وقوله هينم: أي ادع الله خفيفة، والهيمنة: كلام
لا يفهم أو قراءة غير مبينة. وقالت فاطمة رضي الله عنها ومالت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم:
قد كان بعدك أنباء وهينمة * لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب
وقوله: فليس يرجو لها الشيخ الكبير ولا الغلاما: أي ليس يرجو لها أحدا. وقوله عيامي، العيمة: شهوة
اللبن حتى لا يصبر عنه. وقصة ذلك أن عادا لما كذبوا هودا عليه السلام وكانت لهم أصنام يعبدونها يقال لأحدهم
صدا والآخر صمود والآخر الهباء، فدعاهم إلى توحيد الله تعالى فكذبوه (وقالوا من أشد منا قوة) فوعظهم بما
ذكر الله تعالى في كتابه (أتبنون بكل ريع آية تعبثون) إلى آخر الآية: فكان من قولهم له كما ذكر الله تعالى (سواء
522

علينا أو عظت) إلى قوله (وما نحن بمعذبين) فأصابهم عند تكذيبه ما ذكر الله في كتابه (وأما عاد فأهلكوا بريح
صرصر عاتية) إلى قوله (فهل ترى لهم من باقية) وذلك أن الله تعالى حبس عنهم القطر ثلاث سنين لم يروا فيها مطرا
حتى جهدهم ذلك، فبعثوا من قومهم وفدا إلى مكة ليستسقوا لهم ورأسوا عليهم قبل بن عنز ونميم بن هزالة ومرثد
ابن سعد بن عفير، وكان مؤمنا يكتم إيمانه، وجلهمة بن الحلس بن خالة معاوية بن بكر ولقمان بن عاد صاحب
النسور، فانطلق كل رجل منهم مع قوم من رهطه حتى بلغ عددهم سبعين رجلا، فلما قدموا مكة نزلوا على
معاوية بن بكر وكانوا أخواله وأصهاره، فأنزلهم وأكرمهم وأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيم الجرادتان
قينتا معاوية، ويقال: إنهما أول من غنى في العرب، والخبر يذكر بالخبر إذا كان من جنسه، وأول من غنى
في الإسلام الغناء الرقيق طويس، وهو يضرب المثل بشؤمه فيقال: أشأم من طويس، والصوت الذي غنى به
هو هذا: قد براني الشوق حتى * كدت من شوقي أذوب
فنسوا قومهم شهرا. وقال معاوية: هلك أخوالي ولو قلت لهؤلاء شيئا ظنوا بي بخلا، فقال هذا الشعر وألقاه
إلى الجرادتين، فلما غنتهم الجرادتان قال بعضهم لبعض: يا قوم إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من هذا البلاء الذي
نزل بهم، فأدخلوا الحرم نستسقى لقومنا، فقال مرثد بن سعد وهو المؤمن منهم: والله لا تسقون بدعائكم، ولكن
إن أطعتم نبيكم سقيتم وأظهر إيمانه، فقال معاوية حين سمع كلامه يخاطبه:
أبا سعد فإنك من قبيل * ذوي كرم وأمك من ثمود
فإنا لا نطيعك ما بقينا * ولسنا فاعلين لما تريد
أتأمرنا لنترك دين وفد * وزمل وآل صدى والعبود
أتترك دين آباء كرام * ذوي رأى وتتبع دين هود
ثم قالوا لمعاوية: احبس عنا مرثدا فلا يقدم معنا مكة فإنه قد ترك ديننا وتبع دين هود، وخرجوا لمكة
يستسقون بها لعاد، فلما ولوا خرج مرثد حتى أدركهم قبل أن يصلوا، فلما انتهى إليهم قال: اللهم أعطني سؤلي
ولا تدخلني في شئ مما يدعو به وفد عاد. اللهم إن كان هود صادقا فاسقنا فقد هلكنا، فأنشأ الله تعالى ثلاث
سحابات بيضاء وحمراء وسوداء ثم نادى مناد من السماء: يا قيل اختر لقومك ولنفسك من هذه السحائب، فقال:
أما البيضاء فجفل، وأما الحمراء فعارض، وأما السوداء فهيطل وهى أكثرها ماء فاختارها، فنادى مناد: قد اخترت
لقومك رمادا رمدا، لا يبقى من عاد أحدا، لا والدا ولا ولدا، قال: وسير الله السحابة التي اختار قيل إلى عاد،
فنودي لقمان سل، فسأل عمر سبعة أنسر فأعطى ذلك، وكان يأخذ النسر من وكره فلا يزال عنده حتى يموت،
وكان آخرها لبد وهو الذي يقول فيه النابغة:
أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا * أخنى عليها الذي أخنى على لبد
(ينباع من ذفري أسيل حرة * زيافة مثل الفنيق المكدم)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (وتنحتون من الجبال بيوتا) وقرأ الحسن وتنحاتون بإشباع الفتحة كما
في البيت وإشباع الفتحة لإقامة الوزن، فتولدت ألف من إشباعها، والذفريان بالمعجمة: أصول الأذنين.
والأسيل: صفة الناقة. ويقال خد أسيل كف أسيل. والحر من كل شئ: خالصه، ومنه أرض حرة لاخراج
523

عليها. والزيف: التبختر، يصف الشاعر ناقة يسيل العرق من خلف أذنيها موثقة الخلق شديدة التبختر مثل فحل
الإبل قد كدمته الفحول.
إذا ما درها لم يقر ضيفا * ضمن له قراه من الشحوم
فلا نتجاوز العطلات منها * إلى البكر المقارب والكزوم
ولكنا نعض السيف منها * بأسوق عافيات اللحم كوم)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا) العطلة: الناقة الحسنة السمينة
والعطلات جمعها. والمقارب: الذي ليس بسمين. والكزوم: الناب المسنة. وأسوق جمع ساق. وعافيات اللحم:
كثيرات اللحم، وفيه الشاهد، يقال عفت الناقة سنة أو سنتين: إذا تركت من الركوب والسفر. والكوم جمع
كوماء: وهى العظيمة السنام. والمعنى: إذا كان در النوق قليلا بحيث لم يقر ضيفا لقلته ضمنت النوق قرى الضيف
من شحومها، ثم يقول: ولا يتجاوز في النحر للأضياف من النوق الحسنة السمان إلى الهزال والهرمي منها، بل
ينحر منها الكثيرات اللحم العظام السنان السمان، كما في قوله:
فلما أن علا سمن عليها * كما طينت بالفدن السياعا
أمرت بها الرجال ليأخذوها * ونحن نظن أن لن تستطاعا
ومثله قوله:
وإن تعتذر بالمحل عن ذي ضروعها * إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلى
يعنى إذا اعتذرت الناقة إلى الضيف من المحل والجدب عن ذي ضروعها: يعنى اللبن الذي يكون في الضرع
يجرح في عراقيبها نصلى: أي تذبح الناقة وتنحر لأجل الضيف. والنصل: هو السيف، وهذا كناية عن أنه
مضياف يحب إكرام الضيف، ولله در القائل:
بشاشة وجه المرء خير من القرى * فكيف إذا جاء القرى وهو ضاحك
(ومهما يكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم)
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين) من جهة أن
الضمير في به وبها راجعان إلى مهما، إلا أن أحدهما ذكر على اللفظ، والثاني أنث على المعنى لأنه في معنى الآية،
ونظيره قول زهير * ومهما يكن عندي امرئ من خليقة * يقول: مهما كان للإنسان من خلق حسن أم سبئ
ظن أنه يخفى على الناس علم ولم يخف، والخلق والخليقة واحد، وذكر الضمير في يكن على المعنى لأنه بمعنى
الخلق وأنث الباقية على اللفظ، والبيت من معلقة زهير المشهورة، وقد تقدم ذكر أبياتها.
(فلو كنت في جب ثمانين قامة * ورقيت أسباب السماء بسلم
ليستدرجنك القول حتى تهره * وتعلم أنى عنكم غير مفحم)
البيتان للأعشى. عند قوله تعالى في سورة الأعراف (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون)
والجب: البئر. ورقيت: أي صعدت والواو بمعنى أو. وأسباب السماء: أي أبوابها. والسلم: المرقاة، وقيل
سمى سلما لأنه يسلمك إلى المرتقى إليه، والاستدراج استفعال من الدرجة بمعنى الاستصعاد أو الاستنزال درجة
524

بعد درجة كما في البيت، ومنه درج الصبى إذا قارب بين خطاه، وأدرج الكتاب: طواه شيئا بعد شئ، ودرج
القوم: مات بعضهم في أثر بعض، وهر الشئ: إذا كرهه، وأفحمت فلانا: إذا لم يطق جوابك، والمعنى:
أنه يخاطب واحدا ويقول له: لو كنت مثلا في جب أو صعدت السماء ما تخلصت منى وأستصعدك من الجب
وأستنزلك من السماء حتى تعلم أنى غير مفحم عن جوابك.
(قوم إذا الخيل جالوا في كواثبها) * فوارس الخيل لا ميل ولا قدم
في سورة الأعراف عند قوله تعالى (يمدونهم في الغى ثم لا يقصرون) ثم لا يمسكون عن إغوائهم حتى يصروا
ولا يرجعوا، وقوله (وإخوانهم يمدونهم) كقوله: قوم إذا الخيل الخ. في أن الخبر جار على ما هو له. الخيل:
الفرسان، والخيل أيضا: الفرس، والكاثبة من الفرس: ما تقدم من قربوس السرج، وهو من البعير: الغارب،
ومن الرجال: الكاهل، ومن الحمار: السيساء، والميل جمع أميل: وهو الذي لا يثبت على ظهر الدابة. ولا قدم:
أي ولا لئام: أي هم فوارس الخيل لا يميلون عن وجوه الأعداء ولا لئام ضعاف صغار الجسام إذا ركب الفرسان
الخيل وثبوا في كواثبها، يريد أن إخوانهم مبتدأ ويمدونهم خبر له مسند إلى الشياطين والعائد إليه ضمير المحذوف
كما تقول جارية زيد يضربها، ومثل هذا يحتاج إلى إبراز الضمير في الصفة دون الفعل وكذا في البيت. الخيل مبتدأ
وجالوا مسند إلى ضمير القول والخيل على حقيقتها لا جعلها بمعنى الفرسان وجعل ضمير جالوا لها وضمير كواثبها
للأفراس المدلول عليها بذكر الخيل. واعترض بأن إذا انما تضاف إلى الجملة الفعلية فالخيل هنا فاعل فعل محذوف
كما في (إذا السماء انشقت) فلا يكون مما جرى فيه الخبر على غير ما هو له. وأجيب بأن ذلك في إذا الشرطية وهذه
لمجرد الظرفية: أي قوم هم فوارس الخيل زمان جولهم في كواثبها. ولم يعرف في النحو هذا التفصيل بل الجواب أنه
قد علم في باب الإضمار على شريطة التفسير أن النصب بعد إذا أرجح لا واجب بناء على جواز إضافتها إلى الجملة
الاسمية، وههنا يمتنع أو يبعد جعل الخيل فاعل محذوف لأن الظاهر لا يصلح تفسيرا له لكونه مسندا إلى ضمير
القوم، اللهم إلا أن يجعل الخيل بمعنى الفرسان وضمير كواثبها للأفراس: وفيه بعد:
(لعمرك إن إلك من قريش * كإل السقب من رأل النعام)
في سورة التوبة عند قوله تعالى (لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) لا يراعون حلفا، وقيل قرابة، وأنشد البيت لحسان
* لعمرك إن إلك من قريش * الخ. الإل: القرابة. والسقب: حوار الناقة. والرأل: ولد النعام، أراد أنه
لا قرابة بينك وبينهم كما أنه لا قرابة بين السقب وولد النعام، وإنما أقسم بعمره على سبيل التهكم، وفى طريق البيت
قوله: أيها المنكح الثريا سهيلا * عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت * وسهيل إذا استقل يمان
ونحو ذلك قوله:
أيها المدعى سليما سفاها * لست منها ولا قلامة ظفر
إنما أنت من سليم كواو * ألحقت في الهجاء ظلما بعمرو
(غداة طفت علماء بكر بن وائل) وعاجب صدور الخيل شطر تميم
في سورة التوبة عند قوله تعالى (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) والساعة مستعملة في معنى الزمان المطلق كما
525

استعملت الغداة والعشية واليوم كما قال: غداة طغت الخ. في كتب النحو طغت بالغين المعجمة وهو تصحيف
والصحيح طفت، والمعنى أنهم علوا في المنزلة والعز بحيث لا يعلوهم أحد، كما أن الميتة تطفو الماء وتعلو عليه
وخصومهم رسبوا. وعاج: أي مال وعدل، والعوج: عطف رأس البعير بالزمام، تقول عجته فانعاج، قال:
عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار * بما تحيون من نؤى وأحجار
نبئت نعم على الهجران عاتبة * سقيا ورعيا لذاك العاتب الذارى
وعاجت معناه أقبلت. وبكر بن وائل قبيلة، وشطر تميم نحوهم. ويجوز في صدور الرفع والنصب لأن عاج
قد جاء لازما ومتعديا وعلماء أصله على الماء. يقال علماء بنو فلان: أي على الماء.
(ألا أبلغ معاوية بن حرب * أمير الظالمين نثا كلامي
بأنا صابرون فمنطروكم * إلى يوم التغابن والخصام)
في سورة يونس عند قوله تعالى (واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين) أراد معاوية بن أبي سفيان بن
حرب وقد نسبه إلى جده. النثاء: الخير والشر يخبر به عن الرجل. وروى أن أبا قتادة تخلف عن تلقى معاوية حين
قدم المدينة وقد تلقته الأنصار، ثم دخل عليه فقال له: مالك لم تتلقنا؟ فقال: لم يكن عندنا دواب، قال: فأين
النواضح؟ قال: قطعناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر
الأنصار إنكم ستلقون بعدي أثرة " قال معاوية: فماذا قال؟ قال قال: " فاصبروا حتى تلقوني " قال فاصبروا، قال:
إذن نصبر، فقال عبد الرحمن بن حسان البيتين:
أفى كل أسواق العراق إتاوة * (وفى كل ما باع امرؤ مكس درهم)
البيت لزهير. وعزاه في المفضليات لجابر بن حيى الثعلبي، وهو من قصيدة أولها:
ألا يا لقوم للجديد المصرم * وللحلم بعد الزلة المتوهم
وللمرء يعتاد الصبابة بعدما * أتى دونها ما فرط حول مجرم
فيا دار سلمى بالصريمة فاللوى * إلى مدفع الفيفاء فالمتثلم
ومنها: وكانوا هم البانين قبل اختلافهم * ومن لا يشد بنيانه يتهدم
ومنها البيت، ثم:
ألا تستحى منا ملوك وتتقى * محارمنا لا تتقى الدم بالدم
ومنها البيت الآتي، وهو: * تناوله بالرمح ثم انثنى له * الخ
في سورة هود عند قوله تعالى (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا
في الأرض مفسدين) نهوا أولا عن عين القبيح الذي كانوا عليه من نقص المكيال والميزان، ثم ورد الأمر بالإيفاء
الذي هو حسن في العقول مصرحا بلفظه لزيادة ترغيب فيه وبعث عليه، وجئ به مقيدا بالقسط: أي من غير
زيادة ونقصان، فإن الازدياد إيفاء وهو مندوب غير مأمور به، وقد يكون محظورا، وقوله (ولا تبخسوا الناس
أشياءهم) تعميم بعد تخصيص، فإنه أعم من أن يكون في المقدار أو في غيره. والبخس: الهضم والنقصان. يريد
أخذ الخراج وما هو اليوم في الأسواق من رسوم وظلم. قال زهير * وفى كل ما باع امرؤ مكس درهم *
526

وروى بخس درهم، وكانوا يأخذون من كل شئ يباع شيئا كما يفعل السماسرة، وكانوا يمكسون الناس أو ينقصون
من أيمان ما يشترون من الأشياء فهنوا عن ذلك، الإتاوة: الرشوة.
(حاشا أبى ثوبان إن أبا * ثوبان ليس ببكمة فدم
عمرو بن عبد الله إن به * ضنا عن الملحاة والشتم)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (حاش لله) هي كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء، تقول أساء القوم
حاشا زيد. يقال بكم فلان: إذا امتنع عن الكلام جهلا، ومن لطيف هذه المادة ما أنشد للصغاني، وقد وصل
في كتابه الذي وضعه في اللغة إلى مادة بكم قول بعضهم:
إن الصغاني الذي * حاز العلوم والحكم
كان قصارى أمره * أن انتهى إلى بكم
والفدم: العي عن الحجة، وعمرو بدل من أبى ثوبان. وإن به ضنا بكسر الضاد: أي يضن بنفسه عن الملحاة
وهى مفعلة من لحيت الرجل: إذا لمته، واللحاء مكسور ممدود اللعن والعذل، واللواحي: العواذل، مشتق من
لحوت العود: إذا قشرته، ومنه قولهم للمعترض في غير محله اعتراض: بين العصا ولحائها، وفى طريق ذلك
قولهم: اعترض بين السيف وغمده. ومن لطيف ذلك ما ضمنه بعضهم في بعضهم حيث قال:
يقولون سيف الدين من أجل علقة * جفاك فلا تأمن غوائل حقده
فقلت لهم يا قوم ما أنا جاهل * فأدخل بين السيف عمدا وغمده
يقول الشاعر: امتنع أبو ثوبان عن السوء كله وإنه ليس بأبكم ولا فدم، ثم كأنه سئل ثانيا لم استثنيته؟ فقال:
لأنه يضن بنفسه عن الملحاة والشتم، وذلك لأنه لا يفعل ما يصيره مستحقا لهما.
(فحصحص في صم الصفا ثفناته * وتاء بسلمى نوأة ثم صمما)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (الآن حصحص الحق) وقرئ حصحص على البناء للمفعول، وهو من
حصحص البعير: إذا ألقى ثفناته للإناخة، والثفنات جمع ثفنة: وهى ما ولى الأرض من كل ذي أربع إذا برك
كالركبتين والفخذين. وناء: أي قام بثقل حمله. والتصميم: المضي في الأمر. يقول: هذا البعير ألقى ثفناته للإناخة
ثم قام بسلمى وقصد السفر وبغى في السير. وفى الحديث: " أن سمرة بن جندب أتى برجل عنين، فاشترى له جارية
من بيت المال وأدخلها معه ليلة، فلما أصبح قال له: ما صنعت؟ قال: فعلت حتى حصحصت فيه، فسأل
الجارية فقالت: لم يصنع شيئا، فقال: خل سبيلها يا محصحص ". والبيت لحميد بن ثور يصف بعيرا.
(حتى تهجر في الرواح وهاجها * طلب المعقب حقه المظلوم)
في سورة الرعد عند قوله تعالى (والله يحكم لا معقب لحكمه) لا راد لحكمه. والمعقب: الذي يكر على الشئ
فيبطله، وحقيقته الذي يقعبه بالرد والإبطال، ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقتفى غريمه بالاقتضاء والطلب،
كما قال لبيد يصف حمارا وأتانا خرج في الهاجرة. وهاجها: أي الأتان، والمعقب: الذي يطلب حقه مرة بعد
مرة. يقول: تردد الحمار خلف الأتان يطلبها طلبا كطلب المعقب المظلوم حقه، ثم جعله المظلوم في آخر القافية
فرفعه على المعنى لأنه هو الفاعل، والتقدير كما طلب المعقب المظلوم حقه.
527

(أناس أصدوا الناس بالسيف عنهم * صدود السوافي في أنوف الحوائم)
في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله) قرأ الحسن ويصدون
بضم الياء وكسر الصاد، يقال صده عن كذا وأصده، والصدد: القرب. يقال داري صدد داره: أي مقابلتها نصب
على الظرفية. يقول: صرفوا الناس بالسيف عن أنفسهم: يعنى أنهم هزموهم كما تطرد السواقي بالفاء: وهى الرياح التي
تسفى التراب: أي كما تصد الرياح عن أنوف الجبال. وقيل صدود الولائد السوافي للإبل عن أنوف العطاش بالنار
وهى منها، والسوافي: الذين يسقون الماشية. أو السواقي واحدة الساقية وهى فوق الجدول ودون النهر غرائب
الإبل عن إبلهم، وكما تصد السقاة عن الحوض غيرها. والحوائم: الإبل الغرائب، وقيل العطاش. وقد استشهد
بالبيت المذكور في سورة القصص عند قوله تعالى (ولا يصدنك عن آيات الله) حيث قرئ يصدنك من أصده
بمعنى صده وهى لغة كلب.
(تتمة) قال في الصحاح في مادة صد بعد أن أنشد هذا البيت: وصداء اسم ركية عذبة الماء، وفى المثل:
ماء ولا كصداء، وقلت لأبى على النحوي هو فعلاء من المضاعف؟ فقال: نعم، وأنشدني لضرار بن عتبة العبشمي:
كأني من وجد بزينب هائم * يخالس من أحواض صداء مشربا
يرى دون برد الماء هولا وذادة * إذا اشتد صاحوا قبل أن يتحببا
(وما الناس بالناس الذين عهدتهم * ولا الدار بالدار التي كنت تعلم)
في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) اختلف في تبديل الأرض
والسماوات، فقيل: تبدل أوصافهما فتسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها وتسوى فلا ترى فيها عوجا ولا
أمتا، وأنشد: وما الناس بالناس الخ، وتبدل السماء بانتثار كواكبها وكسوف شمسها وخسوف قمرها وانشقاقها
وكونها أبوابا: يعنى تغيرت البلاد والعباد والمكان عما عهدت، فلا الناس كما عهدتم ولا الديار كما أبصرتها كما قال:
تغيرت البلاد ومن عليها * فوجه الأرض مغبر قبيح
وفى التبديل قولان: هل يتعلق بالذات أو بالصفة؟ وإلى الثاني مال ابن عباس، وأنشد:
وما الناس بالناس الذين عهدتم * الخ
(الباب وانظري في النجوم * كم علينا من قطع ليل بهيم)
في سورة الحجر عند قوله تعالى (فأسر بأهلك بقطع من الليل) بظلمة. القطع قال في الصحاح: ظلمة آخر
الليل، ومنه قوله تعالى (فأسر بأهلك بقطع من الليل) وأنشد البيت كأن القائل طال عليه الليل فخاطب ظعينته
بذلك وأنه يحب طوله للوصال، فقال لها افتحي الباب وانظري في النجوم كم بقى علينا من آخر الليل؟.
(ذم المنازل بعد منزلة اللوى * والعيش بعد أولئك الأيام)
في سورة الإسراء عند قوله تعالى (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) حيث كان أولاء
يقع على جمع أو جماعة. وكان الجمع والجماعة يقع على الرجال والنساء والحيوان والمذكر والمؤنث والأجسام
والأعراض، لكنه في الاستعمال شائع في أولى العلم، واللوى: موضع بعينه: يعنى أن المنزلة الطيبة والعيش
الطيب ما مضى بمنزلة اللوى، وما سوى ذلك مذموم في جنبه. واعتذر ابن عطية عن الإشارة به لغير العقلاء بأنها
528

حواس لها إدراك، وجعلها في الآية مسؤلة فهي حالة من يعقل. وقال سيبويه في قوله (رأيتهم لي ساجدين) إنما
قال: رأيتهم في نجوم، لأنه لما وصفها بالسجود وهو فعل من يعقل عبر عنها بكناية من يعقل، والبيت لجرير
ابن عطية من قصيدة ميمية أولها قوله:
سرت الهموم فبتن غير نيام * وأخو الهموم يروم كل مرام
وإذا وقفت على المنازل باللوى * فاضت دموعي غير ذات نظام
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا * وقت الزيارة فارجعي بسلام
لولا مراقبة العيون أريننا * مقل المها وسوالف الآرام
هل ينهينك أن قتلن مرقشا * أو ما فعلن بعروة بن حزام
ذم المنازل الخ، وبعده:
تجرى السواك على أغر كأنه * برد تحدر من متون غمام
لو كنت صادقة بما حدثتنا * لوصلت ذاك فكان غير لمام
(ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي * جعلت لهم فوق العرانين ميسما
وهل كنت إلا مثل قاطع كفه * بكف له أخرى عليه تقدما)
هو للمتلمس. في سورة الإسراء عند قوله تعالى (لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى) من جهة أن أنتم مرتفع
بفعل يفسره المذكور كقول حاتم: لو ذات سوار لطمتني، وقول المتلمس: ولو غير أخوالي الخ، وذلك لأن
الفعل الأول لما سقط لأجل المفسر برز الكلام في صورة المبتدأ والخبر، ولقد بلغ هذا الوصف بالشح الغاية التي
لا يبلغها الوهم حيث ذكر لو أنهم ملكوا خزائن رحمة الله التي لا تتناهى وانفردوا بتملكها من غير مزاحم أمسكوها
من غير مقتض إلا خشية الإنفاق، وإن شئت فوازن بقول الشاعر:
لو أن دارك أنبتت لك أرضها * إبرا يضيق بها فضاء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك إبرة * ليخيط قد قميصه لم تفعل
العرانين: الأنوف. والميسم: العلامة، يقول: لو كان الظلم والنقيصة جاءتني من غير أخوالي لو سمتهم بسمة
من الذل اشتهروا بها ولم يمكنهم إخفاؤها، ولكن الجفاء يأتي منهم، فلو أنى أقابلهم بمثل صنيعهم كنت كمن قطع
بيد له يده الأخرى كقاطع مارن أنفه بكفه. وقد أخذ هذا المعنى من قال:
قومي هم قتلوا أميم أخي * فلئن رميت يصيبني سهمي
ولئن عفوت لأعفون جللا * ولئن جنيت لأوهنن عظمي
والتقدير: لو أراد غير أخوالي، فلما سقط الفعل بالأول لأجل المفسر برز الكلام في صورة المبتدأ والخبر.
(تناوله بالرمح ثم أتنى له * فخر صريعا لليدين وللفم)
هو لسريج بن أوفى العنسي. في سورة الإسراء عند قوله تعالى (ويخرون للأذقان) قال الزمخشري: إن
قلت حرف الاستعلاء ظاهر المعنى إذا قلت خر على وجهه وعلى ذقنه، فما معنى اللام في خر لذقنه ولوجهه؟ قلت:
529

معناه جعل ذقنه ووجهه للخرور واختصه به لأن اللام للاختصاص. تناوله بالرمح: أي طعنه به، وقوله أثنى له:
أراد انثنى، فأدغم النون في الثاء ثم أبدلها تاء: أي جعل يديه وفمه للخرور. والمعنى: طعنه بالرمح أولا ثم انثنى له
في الطعن فخر المطعون المنثى عليه الطعن لليدين وللفم، وبرواية * دلفت له بالرمح من تحت بزه * وفى
رواية:
شققت له بالرمح جيب قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم
وقد تقدم في سورة البقرة:
(وما الحرب إلا ما علمتم وذقتموا * وما هو عنها بالحديث المرجم)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (رجما بالغيب) أي رميا بالخبر الخفى وإتيانا به كقوله (ويقذفون بالغيب)
أي يأتون به أو وضع الرجم موضع الظن فكأنه قيل ظنا بالغيب لأنهم يقولون كثيرا رجم بالظن مكان قولهم ظن
حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين. والرجم في الأصل: الرمي بالرجام وهى الحجارة الصغار، ثم عبر به عن
الظن: ألا ترى إلى قول زهير: وما هو عنها الخ: أي المظنون. الذوق: التجربة، والمرجم: المظنون الذي يرجم
فيه بالظنون. يقول: ليست الحرب إلا ما عهدتموها وجربتموها. وما هذا الذي أقول بحديث مرجم: أي محكوم
عليه بالظن، والبيت من معلقة زهير بن أبي سلمى المشهورة، وأولها:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم * بحومانة الدراج فالمتثلم
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن * تحملن بالعلياء من فوق جرثم
فمن مبلغ الأحلاف عنى رسالة) وذبيان هم أقسمتو كل مقسم؟
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم * ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر * ليوم حساب أو يعجل فينقم
وما الحرب الخ.
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة * وتضرم إذ أضرمتموها فتضرم
ومنها: لدى أسد شاكي السلاح مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم
جرئ متى يظلم يعاقب بظلمه * سريعا وإلا يبد بالظلم يظلم
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش * ثمانين حولا لا أبالك يسأم
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب * تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
وأعلم علم اليوم والأمس قبله * ولكنني عن علم ما في غد عمى
ومن لم يصانع في أمور كثيرة * يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله * على قومه يستغن عنه ويذمم
ومن يجعل المعروف من دون عرضه * يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه * يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
530

ومن هاب أسباب المنايا ينلنه * ولو رام أسباب السماء بسلم
ومن يعص أسباب الرماح فإنه * يطيع العوالي ركبت كل لهذم
ومن يوف لا يذمم ومن يفض قلبه * إلى مطمئن القلب لا يتجمجم
ومن يغترب يحسب عدوا صديقه * ومن لا يكرم نفسه ولم يكرم
ومهما يكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم
ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه * ولا يعفها يوما من الدهر يسأم
(فازور من وقع القنا بلبانه * وشكا إلى بعبرة وتحمحم)
في سورة الكهف عند قوله تعالى (يريد أن ينقض) حيث أسند الشكاية إلى ما لا يعقل كما أسندت الإرادة
واستعيرت للجماد. والازورار: الميل، ولبان الفرس: موضع اللبب. والتحمحم: من صهيل الفرس ما كان
فيه شبه الحنين ليرق صاحبه له. يقول: فمال فرسى مما أصابت رماح الأعداء صدره ووقوعها به، وشكا إلى
بعيرة وحمحمة: أي نظر إلى وحمحم لأرق له.
(فتوسطا عرض السرى فصدعا * مسجورة متجاورا قدامها)
في سورة مريم عند قوله تعالى (قد جعل ربك تحتك سريا) سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السرى فقال:
هو الجدول، وقيل هو من السرو والمراد عيسى. والعرض: الناحية. والسري: النهر الصغير. والصدع: الشق
والسجر: المل ء: أي عينا مسجورة، فحذف الموصوف لما دلت عليه الصفة. والقلام كرمان: ضرب من
النبت. يقول: فتوسط العير والأتان جانب النهر الصغير وشقا عينا مملوءة ماء تجاور قلامها: أي قد كثر هذا
الضرب من النبت عليها. وخلاصة المعنى: أنهما قد وردا عينا ممتلئة ماء قد خلا فيها من عرض نهرها وقد تجاور
نبتها.
(أمن حلم أصبحت تنكت واجما * وقد تعترى الأحلام من كان نائما
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغى لائما)
في سورة مريم عند قوله تعالى (فسوف يلقون غيا) فإن كل شر عند العرب غي، وكل خير رشاد: أي من
يفعل خيرا يحمد الناس أمره، ومن يغو ويفعل الشر لا يعدم اللوائم على فعله. ونكث في الأرض: جعل يخطط
وينقر بأصبعه وكذلك يفعل المهتم. والواجم: الحزين، يقول: أمن أجل أضغاث أحلام تصبح حزينا تنكت
في الأرض، ومن يكون نائما تعتريه الأحلام. وأراد بالغي الفقر: أي ومن يفتقر، وبالخير المال، وقبل
البيت:
وآلى جناب حلفة فأطعته * فنفسك ول اللوم إن كنت لائما
والشعر للمرقش الأصغر، وهو أشعر من الأكبر وأطول عمرا وهو عم طرفة، والأكبر عم الأصغر،
والأكبر صاحب أسماء، والأصغر صاحب فاطمة بنت المنذر من قصيدة أولها:
ألا يا أسلمى لا أصرم اليوم فاطما * ولا أبدا ما دام وصلك دائما
531

ومنها: أرتك بذات الضال منها معاصما * وخدا أسيلا كالوذيلة ناعما
وإني لأستحيى فطيمة طاويا * خميصا وأستحيي فطيمة طاعما
وهى طويلة، ومنه أخذ القائل:
والناس من يلق خيرا قائلون له * ما تشتهى ولام المخطئ الهبل أي الثكل
(إن الخليفة إن الله سربله * سربال ملك به تزجى الخواتيم)
البيت لجرير. في سورة الحج عند قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس
والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شئ شهيد) خاتم الشئ: عاقبته، وأدخلت إن على
كل واحد من جزأى الجملة لزيادة التأكيد. قال أبو حيان: ظاهر هذا أنه شبه البيت بالآية، ولا يتعين أن يكون
البيت كالآية، لأن البيت يحتمل أن يكون اسم إن الخليفة خبره به تزجى الخواتيم، ويكون إن الله سربلة جملة
اعتراض بين اسم إن وخبرها، بخلاف الآية فإنه يتعين قوله: إن الله يفصل، وحسن دخول إن على الجملة الواقعة
خبرا طول الفصل بينهما بالمعاطيف. وقوله تزجى: أي تساق خواتيم الإمارة، وهو عبارة عن الملك، في الصحاح:
الخاتم بفتح التاء وكسرها، يقال أزجيت الإبل: أي سقتها. قال ابن الرقاع:
تزجى أغن كأن إبرة روقة * قلم أصاب من الدواة مدادها
(ألا خيلت مى وقد نام صحبتي * فما نفر التهويم إلا سلامها
طروقا وجلب الرحل مشدودة به * سفينة بر تحت خدي زمامها)
في سورة المؤمنين عند قوله تعالى (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة
ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون) فإن منها ما يحمل عليه كالإبل والبقر، وقيل المراد الإبل لأنها هي المحمول
عليها عندهم والمناسب للفلك فإنها سفائن البر كما في بيت ذي الرمة: * سفينة بر تحت خدي زمامها * يريد
صيدحه وهى ناقة ذي الرمة كما قال:
سمعت الناس ينتجعون غيثا * فقلت لصيدح انتجعي بلالا
قوله خيلت: أي أرسلت خيالها أو جاءت في الخيال على معنى إدراكها خيالا. والتهويم: أول النوم طروقا،
نصب على المصدر لأن التخييل في الليل طروق أو بمعنى طارقة. وجلب الرحل ضما وكسرا عيدانه، والبيت لذي
الرمة من قصيدته التي مطلعها:
مررنا على دار لمية غدوة * وجاراتها قد يعتمدن مقامها
فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا * عشية إنآء الديار وشاملها
وقد زودت مى على النأى قبلة * علاقات حاجات طويل مقامها
فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرئ صداها ولا يقضى عليها هيامها
خليلي لما خفت أن يستفزني * أحاديث نفسي بالمنى واهتمامها
تداويت من مى بتكليم ساعة * فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها
ومنها البيتان، ومنها البيت المشهور في شواهد الاستثناء في وصف ناقته:
أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة * قليل بها الأصوات إلا بغامها
(أرسلت فيها مصعبا ذا إقحام * طبا فقيها بذوات الأبلام)
532

في سورة المؤمنين عند قوله تعالى (فأرسلنا فيهم رسولا منهم) إنما جعل القرية موضع الإرسال ليدل على أنه
لم يأتهم من مكان غير مكانهم وإنما أوحى إليه من بين أظهرهم، فإن حق أرسل أن يعدى بإلى كأخواته التي هي
وجه وأنفذ وبعث ولكنه عدى في القرآن بإلى تارة وبفي أخرى، كقوله (وكذلك أرسلناك في أمة - وما أرسلنا
في قرية من نذير - فأرسلنا فيهم رسولا) أي في عاد، وفى موضع آخر (وإلى عاد أخاهم هودا) فقد جعل القرية
موضعا للإرسال كما في البيت، وقد جاء بعث على ذلك في قوله (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا) يقال أصعب
الجمل: إذا لم يركب ولم يذلل فهو مصعب، وبه سمى الرجل المسود مصعبا. وقوله ذا إقحام: أي يقحم
في الأمور ويدخل فيها بغير تلبث ولا روية. وأعرابي مقحم: نشأ في المفازة لم يخرج منها. والطب: الحاذق.
يقال عمل هذا عملا من طب لمن حب. يقول: أرسلت في هذه القضية رجلا مسودا مقحما في الأمور حاذقا
بعلاج ذي الأبلام، وهى جراحة الرحم، وإنما خص علاج هذا لأن من كان حاذقا أن يأسو جراحة الرحم ذات
الخطر المستترة عن العيون كان في غاية الحذافة.
(فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي * وإن كنت أفتى منكم أتأيم)
في سورة النور عند قوله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) وأيامى: مقلوب أيائم الأيامى واليتامى أصلهما أيائم
ويتأم فقلبا، والأيم للرجل والمرأة، وقد آم وآمت وتأيما إذا لم يتزوجا بكرين كانا أو ثيبين وأتأيم جزاء لأن تتأيمي،
وقوله وإن كنت أفتى منكم اعتراض. يخاطب محبوبته ويقول لها أوافقك على حالتي التزويج والتأيم.
(يوم النسار ويوم الجفا) * ركانا عذابا وكانا غراما)
في سورة الفرقان عند قوله تعالى (إن عذابها كان غراما) أي هلاكا وخسرانا ملحا لازما، يوم النسار يوم
وقعة من وقعات العرب قال الشاعر:
غضبت تميم أن تقتل عامر * يوم النسار فأعتبوا بالصيلم
ويوم الجفار كذلك، وقوله كان غراما: أي هلاكا، وقيل الغرام الشر الدائم اللازم.
(جزى الله ابن عروة حيث أمسى * عقوقا والعقوق له أثام)
في سورة الفرقان عند قوله تعالى (يلق أثاما) والأثام جزاء الإثم بوزن الوبال والنكال ومعناهما كما في البيت،
وقيل هو الإثم، ومعناه: يلق جزاء أثام، فأطلق اسم الشئ عليه جزائه. والعقوق مصدر: وهو ترك بر الوالدين
ومعناه: جزى الله ابن عروة شر جزاء عاقا، والعقوق له جزاء سيئ.
ولا يخيم اللقاء فارسهم * (حتى يشق الصفوف من كرمه)
في سورة الشعراء عند قوله تعالى (كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم) والكريم: صفة لكل ما يرضى ويحمد
في بابه، يقال وجه كريم: إذا رضى في حسنه وجماله، وكتاب كريم: مرضى في معانيه وفوائده كما في البيت:
أي من كونه مرضيا في شجاعته وبأسه، والنبات الكريم: المرضى فيما يتعلق به من المنافع: أي لا يجبن. واللقاء
ينتصب على المفعول معه أو الأصل عن اللقاء. وقوله حتى يشق الصفوف من كرمه: يريد إلى أن يشقها كرما منه،
وإنه لا يرضى بأدون المنزلتين واللقاء لنفسه بل يأبى إلى النهاية والعلو: أي من كونه مرضيا في شجاعته وبأسه،
والبيت من أبيات الحماسة، وقبله:
533

لا يسلمون الغداة جارهم * حتى يزل الشراك عن قدمه
لا يسلمون: أي لا يخدلون ولا يتركون غداة الحرب جارهم ليؤدى خذلانهم إلى أن يزل قدم جارهم فيزل
شراك نعله عن قدمه، بل يعينونه وينصرونه حتى يثبت في مظان زلل الأقدم. ولا يخيم: أي لا يجين عن اللقاء وهو
الحرب إلى أن يشق صفوف الحرب من جهة كرمه: يعنى لا يرضى بأدون المنزلتين بل يأبى إلا النهاية في باب الحرب
والعلو في شأنه من جهة كونه مرضيا في شجاعته محمودا في بأسه ونجدته.
(فمضى وقدمها وكانت عادة * منه إذا هي عردت أقدامها)
هو للبيد. في سورة الشعراء عند قوله تعالى (أو لم يكن لهم آية آن يعلمه علماء بني إسرائيل) حيث قرئ بالتذكير
وآية بالنصب على أنها خبره وأن يعلم هو الاسم، وقرئ تكن بالتأنيث وجعلت آية اسمها وأن يعلم خبرها، وليست
كالأولى لوقوع النكرة اسما والمعرفة خبرا، وقد قال بعضهم إنه ضرورة كقوله:
* ولا يك موقف منك الوداعا * وقوله: * يكون مزاجها عسل وماء *
وقد اعتذر بعضهم بأن آية قد خصصت بقوله لهم فإنه حال منها والحال صفة وبأن تعريف الخبر ضعيف
لعمومه ولا ضرورة تدعو إلى هذا التخريج، وقد خرج لها وجه آخر ليتخلص من ذلك فقيل في تكن ضمير القصة
وآية أن يعلمه جملة واقعة موقع الخبر، ويجوز على هذا أن يكون لهم آية هي جملة الشأن وأن يعلم بدلا من آية،
ويجوز مع نصب الآية تأنيث تكن كقوله (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا) ومنه البيت فمضى وقدمها الخ: أي مضى
العير، وقدم الأتان وكانت أقدامها: أي أقدام الأتان عادة من العير. إذا هي عردت: أي تأخرت، والتعريد:
التأخير، والجبن والإقدام ههنا بمعنى التقدمة ولذلك أنث فعلها فقال وكانت عادة: أي وكانت تقدمة الأتان
عادة من العير، والمعنى: فمضى العير نحو الماء، وقدم الأتان لئلا تتأخر، وكان تقديمه الأتان عادة من العير إذا
تأخرت هي: أي إذا خاف العير تأخرها، وقيل وإن كانت عادت أنثه بتأويل من كانت أمك.
وما هاج هذا الشوق إلا حمامة * دعت ساق حر ترحة وترنما
فغنت على غصن عشاء فلم تدع * لنائحة في نومها متندما
عجبت لها أنى يكون غناؤها * فصيحا ولم تغفر بمنطقها فما
ولم أر مثلي شاقه صوت مثلها * (ولا عربيا شاقه صوت أعجما)
في سورة الشعراء عند قوله تعالى (ولو نزلناه على بعض الأعجمين) الأعجم: الذي لا يفصح وفى لسانه
عجمة واستعجام، والأعجمي مثله إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة التأكيد، وقرأ الحسن الأعجميين، ولما
كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه قالوا له أعجمي وأعجم، شبهوه بمن لا يفصح ولا يبين وقالوا
لكل ذي صوت من البهائم والطيور وغيرها أعجم، قال حميد: * ولا عربيا شافه صوت أعجما * يصف
حمامة دعت حماما بغناء وترنم، وإنما قال لم تغفر لأن تغنيها يكون في صدرها من غير فتح الفم، والترح ضد الفرح.
(سائل فوارس يربوع بشدتنا * أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم)
في سورة الشعراء عند قوله تعالى (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين) حيث دخل حرف الجر على من المتضمنة
لمعنى الاستفهام، والاستفهام له صدر الكلام لكن الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام واستمر الاستعمال على
534

حذفه كما حذف من هل والأصل أهل كما في البيت، فإذا أدخلت حرف الجر على من فقدر الهمزة قبل حرف الجر
في ضمير، كأنك تقول: أعلى من تتنزل الشياطين، كقولك: أعلى زيد مررت. وقد استشهد بالبيت المذكور
في سورة الإنسان عند قوله تعالى (هل أتى على الإنسان) هل بمعنى فد في الاستفهام خاصة والأصل أهل بدليل
قوله أهل رأونا الخ. فالمعنى قد أتى على التقرير والتقريب جميعا، ويربوع: أبو حي من اليمن، والشدة بفتح
الشين ويروى بكسرها: وهى القوة، وسفح الجبل: أسفله، والقاع المستوى من الأرض، والأكم تل من القف
والجمع آكام وأكم، وقوله أهل رأونا: أي قد رأونا، ولا يجوز أن يجعل هل استفهاما لأن الهمزة للاستفهام
وحرف الاستفهام لا يدخل على مثله.
خرجن إلى لم يطمثن قبلي * وهن أصح من بيض النعام
(فبتن بجانبي مصرعات * وبت أفض أغلاق الختام)
في سورة الشعراء عند قوله تعالى (ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون) ذكر الوادي
والهيوم فيه تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم وقلة مبالاتهم بالغلو في المنطق ومجاوزة حد القصد
فيه حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة وأشجعهم على حاتم، وأن يبهتوا البرى، ويفسقوا التقى،
وعن الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله:
فبتن بجانبي مصرعات * وبت أفض أغلاق الختام
فقال: قد وجب عليك الحد، فقال: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عنى الحد بقوله (وأنهم يقولون ما لا
يفعلون).
(فلشد ما جاوزت قدرك صاعدا * ولشد ما قربت عليك الأنجم)
هو للمتنبي في سورة النمل عند قوله تعالى (حتى إذا أتوا على واد النمل) حيث عدى أتوا بعلى لوجهين:
الأول أن إتيانهم كان من فوق فأتى بحرف الاستعلاء كما قال أبو الطيب: * ولشد ما قربت عليك الأنجم *
لما كان قربا من فوق، الثاني أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره من قولهم أتى على الشئ إذا أنفذه وبلغ آخره،
كأنهم أرادوا أن ينزلوا عند مقطع الوادي لأنه ما دامت الريح تحملهم في الهواء لا يخاف حطمهم، وأبو الطيب يهجو
أحدا طلب منه أن يمدحه، وعنى بالأنجم شعره، وأتى بحرف الاستعلاء لما كان قربا من فوق. يقول: ما أشد
تجاوزك قدرك حتى تطلب منى المديح.
(من سبأ الحاضرين مأرب إذ * يبنون من دون سيله العرما)
في سورة النمل عند قوله تعالى (وجئتك من سبأ بنبأ يقين) سبأ: اسم قبيلة، وسميت مدينة مأرب سبأ وبينها
وبين صنعاء مسيرة ثلاث، ومأرب مفعول الحاضرين. والعرم: السكر يصنع في الوادي ليحبس الماء، ويقال:
ذهبوا أيادي سبأ، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، فمن جعله اسما للقبيلة لم يصرف ومن جعله اسما
للحي أو الأب الأكبر صرف، وهو في البيت بمعنى القبيلة يمدح أحدا ويقول: هو من قبيلة سبأ الحاضرين مدينة
مأرب الذين بنو السد دون السيل، وأما من جعله اسما للحي أو الأب الأكبر فهو يصرفه كقوله:
الواردون وتيم في ذرى سبأ * قد عض أعناقهم جلد الجواميس
535

وقيل إن مأرب اسم لقصر ذلك الملك، وفى ذلك يقول أبو الطمحان:
ألم تروا مأربا ما كان أحصنه * وما حواليه من سور وبنيان
(عشية ما تغنى الرماح مكانها * ولا النبل إلا المشرفي المصمم)
في سورة النمل عند قوله تعالى (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) حيث رفع اسم الله والله
يتعالى أن يكون ممن في السماوات والأرض فنقول جاء على لغة بنى تميم حيث يقولون ما في الدار أحد إلا حمار،
يريدون ما فيها إلا حمار كأن أحد لم يذكر، ومنه قوله: عشية ما تغنى الرماح الخ. وقولهم ما أتاني زيد إلا عمرو،
والداعي إلى اختيار المذهب التميمي على الحجازي. قال في الكشاف: دعت إليه نكتة سرية حيث أخرج المستثنى
مخرج قوله: إلا اليعافير بعد قوله ليس بها أنيسي ليئول المعنى إلى قولك: إن كان الله ممن في السماوات والأرض
فهم يعلمون الغيب: يعنى إن علمهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون منهم، كما أن معنى ما في البيت
إن كانت اليعافير أنيسا ففيها أنيس بتا للقول بخلوها عن الأنيس. النبل: اسم للسهام العربية وصاحبها نابل.
والمشرفي: السيف القاطع. والمصمم من التصميم: وهو المضي في الأمر: أي المحدد، وعادة المتحاربين أن
يتناضلوا أولا، فإذا تقاربوا حاربوا بالرماح، فإذا التقوا حاربوا بالمصاع وهو الضرب بالسيوف. الشاعر يصف
شدة المحاربة والتقاء الصفين بحيث لا تغنى الرماح ولا النبل ولم يبق إلا الضرب بالسيوف القواطع، وتقديره عشية
محاربة ما تغنى الرماح ولا النبل إلا المشرفي المصمم مكانها، وجاء في لغة بنى تميم: ما في الدار أحد إلا حمار،
كأن أحد لم يذكر، ومنه قول الشاعر: عشية ما تغنى الخ، وقولهم ما أتاني زيد إلا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلا
إخوانه.
(ولقد شفى نفسي وأذهب غمها * قول الفوارس ويك عنتر أقدم)
في سورة القصص عند قوله تعالى (ويكأنه لا يفلح الكافرون) على تقدير أن تكون الكاف حرف خطاب
مفتوحة مضمومة إلى وى التي هي كلمة تنبيه: أي قولهم يا عنترة أقدم نحو العدو واحمل عليهم. يريد أن تعويلهم
عليه والتجاءهم إليه شفى نفسه ونفى غمه، وفى رواية: وأبرأ سقمها. والبيت من معلقة عنترة بن شداد التي أولها:
هل غادر الشعراء من متردم * أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي * وعمى صباحا دار عبلة واسلمى
ولقد نزلت فلا تظنى غيره * منى بمنزلة المحب المكرم
ومنها: جادت عليه كل بكر حرة * فتركن كل قرارة كالدرهم
أنثى على بما علمت فإنني * سمح مخالطتي إذا لم أظلم
فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل * مر مذاقته كطعم العلقم
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك * إن كنت جاهلة بما لم تعلم
يخبرك من شهد الوقيعة أنني * أغشى الوغى وأعف عند المغنم
ومنها: ومدجج كره الكماة نزاله * لا ممعن هربا ولا مستسلم
جادت يداي له يعاجل طعنة * بمثقف صدق الكعوب مقوم
536

فشككت بالرمح الطويل إهابه * ليس الكريم على القنا بمحرم
فتركته جزر السباع ينشنه * ما بين قلة رأسه والمعصم
يا شاة ما قنص لمن حلت له * حرمت على وليتها لم تحرم
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها * قول الفوارس ويك عنتر أقدم
فازور من وقع القنا بلبانه * وشكا إلى بعبرة وتحمحم
لو كان يدرى ما المحاورة اشتكى * ولكان لو علم الكلام مكلمى
وإنما أوردت هذه الأبيات منها وهى طويلة لورود أكثرها في الكشاف وفى كتب النحو، فلا يحصل في
كتابتها ملل ولا تسأم الأسماع من إيرادها في هذا المحل.
(فعلى إثرهم تساقط نفسي * حسرات وذكرهم لي سقام)
في سورة الملائكة عند قوله تعالى (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) على تقدير أن يكون حسرات حالا
كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر كقول جرير * حتى ذهبن كلا كلا وصدورا * وقد تقدم، ومنه
قوله: فعلى إثرهم الخ. ويجوز أن يكون قوله حسرات مفعولا له، يعنى للحسرات وعليهم صلة تذهب كما تقول:
هلك عليه حبا، ويجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته. يقول: إن الأحبة رحلوا ونفسي
تتساقط حسرات في إثرهم وذكرهم لي سقام بعدهم.
(أو مذهب جدد على ألواحه * الناطق المبروز والمختوم)
هو للبيد. في سورة الملائكة عند قوله تعالى (ومن الجبال بيض) والجدد: الخطط والطرائق. وقوله:
أو مذهب: أي مطلى بماء الذهب أراد لوحا مذهبا، وجدد طرائق، قال تعالى (ومن الجبال جدد بيض) ويقال
جدة الخار: للخطة السوداء على ظهره تخالف لونه والجمع جدد، قال تعالى (ومن الجبال جدد بيض وحمر) أي
طرائق تخالف لون الجبل. والجدد: الأرض الصلبة، وفى المثل: من سلك الجدد أمن العثار. والمبروز: الظاهر.
والمختوم: الدارس. يصف دروس آثار ديار المحبوبة ويشبهه بالكتاب. قال صاحب الصحاح: وكتاب مبروز:
أي منشور على غير قياس. والناطق بقطع الألف وإن كان وصلا وذلك جائز في ابتداء الأنصاف، لأن التقدير
الوقف على النصف من الصدر، وأنكر أبو حاتم المبروز، قال لعله المزبور: أي المكتوب، وقال لبيد أيضا
في كلمة أخرى:
كما لاح عنوان مبروزة * يلوح مع الكف عنوانها
هذا يدل على أنه لغة والرواة كلهم على هذا فلا معنى لإنكار من أنكره، وبعد البيت:
دمن تلاعبت الرياح برسمها * حتى تنكر نؤيها المهدوم
والنؤى: حفرة حول الخباء لئلا يدخله ماء المطر والجمع نؤى على فعول: قال:
عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار * بما تحيون من نؤى وأحجار
نبئت نعم على الهجران عاتبة * سقيا ورعيا لذاك العاتب الزارى
(ولم أسلم لكي أبقى ولكن * سلمت من الحمام إلى الحمام)
537

هو لأبى الطيب. في سورة يس عند قوله تعالى (وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون إلا رحمة منا
ومتاعا إلى حين) أي ولا ينجون من الموت بالغرق إلا لرحمة منا ولتمتيع بالحياة إلى حين أجل يموتون فيه لابد لهم
منه بعد النجاة من موت الغرق، وقد أخذ أبو الطيب ذلك من الآية: أي سلمت من أحد أسبابه إلى أسبابه الأخر.
(زجر أبى عروة السباع إذا * أشفق أن يختلطن بالغنم)
في سورة والصافات عند قوله تعالى (فإنما هي زجرة واحدة) والزجرة: الصيحة، من قولك زجر الراعي
الغنم: إذا صاح عليها فريعت لصوته. والبيت للنابعة الجعدي. والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم كنيته
أبو عروة، وكنيته المعروفة في الإسلام أبو الفضل، وكان ممن يضرب به المثل في شدة الصوت، وهم يزعمون
أنه كان يصيح بالسباع فيفتق مرارة السبع في جوفه. يروى أن غارة أتتهم يوم حنين فصاح العباس يا صباحاه،
فأسقطت الحوامل لشدة صوته. وفيه يقول نابغة بنى جعدة: زجر أبى عروة الخ. وقد استشهد بالبيت المذكور
في سورة الحجرات عند قوله تعالى (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول) قال ابن عباس:
لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله والله لا أكلمك إلا السرار أو أخا السرار حتى ألقى
الله. وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يكلم النبي صلى الله عليه وسلم كأخي السرار لا يسمعه حتى يستفهمه.
(وما بقيت من اللذات إلا * أحاديث الكرام على المدام)
في سورة والصافات عند قوله تعالى (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) والمعنى: يشربون ويتحادثون على
الشراب على عادة الشرب وفيه لذتهم، ولقد أحسن القائل في هذا المعنى حيث قال:
ألا رب يوم قد تقضى بصاحب * يوازن حفظي للقريض بحفظه
إذا لم تدر كأس المدامة بيننا * أديرت كؤوس بين لفظي ولفظه
ويعجبني في هذا الباب قوله (هو كثير عزة):
ولما أخذنا من منى كل حاجة * ومسح بالأركان من هو ماسح
وشدت على بيض المهاري رحالنا * ولم يدرك الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا * وسالت بأعناق المطي الأباطح
ومن أحسن الشواهد وإن كان من قياس الغائب على الشاهد قوله:
ما في البلاد أخو وجد نطارحه * حديث نجد ولا خل نجاريه
(هم الفاعلون الخير والآمرونه * إذا ما خشوا من حادث الدهر معظما)
في سورة والصافات عند قوله تعالى (هل أنتم مطلعون) على تقدير القراءة بكسر النون: أي مطلعون إياي
فوضع المتصل موضع المنفصل كقوله: * هم الفاعلون الخير والآمرونه * ووجه بتوجيهين: أحدهما أضعف
من الآخر إثبات نون الجمع مع الضمير المتصل المتصل على نحو الآمرون الخير والفاعلونه، والبيت أشد موقعا لوجود
اللام وإن كان لا اعتداد به. والثاني على إدخال نون الوقاية على اسم الفاعل قياسا على المضارع، نظيره:
وما أدرى وظني كل ظن * أمسلمني إلى قومي شراحى
أراد شراحيل فرخم.
538

(فإنك والكتاب إلى علي * كدابغة وقد حلم الأديم)
في سورة والصافات عند قوله تعالى (فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم) فإنهم
جوزوا أن تكون الواو فيه بمعنى مع كما في كل رجل وضيعته، فكما جاز السكوت على كل رجل وضيعته جاز
أن يسكت على قوله (فإنكم وما تعبدون) لأن قوله وما تعبدون ساد مسد الخبر لأن معناه: فإنكم مع ما تعبدون
لا تبرجون تعبدونها، ثم قال: ما أنتم عليه: أي على الله بفاتنين إلا من هو صال الجحيم: ومعنى فاتنين على الله
مغروهم عليه بإغوائهم من قولك فتن فلان على فلان امرأته كما تقول أفسدها عليه، وضعف هذا أبو البقاء. ويجوز
أن تكون الواو للعطف على اسم إن والأصل فإنكم ومعبوديكم ما أنتم عليه وهو تغليب الخطاب، وعلى هذا فيكون
من أسلوب قول الوليد بن عقبة بن أبي معيط يحض معاوية على حرب علي بن أبي طالب عليه السلام: فإنك
والكتاب الخ: أي فإنك مع كتابك إليه كدابغة حال حلم الأديم فلا يمكن الانتفاع به. والحلم بالتحريك: أن
يفسد الإهاب في العمل ويقع فيه دود فينتقب، تقول منه حلم الأديم بالكسر.
(يا شاة ما قنص لمن أحلت له * حرمت على وليتها لم تحرم)
هو لعنترة بن شداد. في سورة ص عند قوله تعالى (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة) من حيث جعل
النعجة استعارة عن المرأة كما استعاروا لها الشاة في قوله * يا شاة ما قنص لمن حلت له * وما زائدة والإضافة بمعنى من،
ويجوز أن يكون التقدير شاة رجل ذي قنص فتكون صفة لمحذوف فقوله تعالى (فبما نقضهم - و - فبما
رحمة من الله) يقول: يا هؤلاء اشهدوا شاة قنص لمن حلت له فتعجبوا من حسنها وجمالها فإنها قد حازت أتم الجمال
ولكنها حرمت على وليتها حلت لي. قيل أراد بها زوجة أبيه، وقيل أراد بذلك أنها حرمت عليه باشتباك الحرب بين
قبيلتيهما ثم تمنى بقاء الصلح بينهما.
(فتور القيام قطيع الكلام) * لعوب العشاء إذا لم تنم
تبذ النساء بحسن الحديث * ودل رخيم وخلق عمم
في سورة ص عند قوله تعالى (ولى نعجة واحدة) قال في الكشاف: فإن قلت: ما وجه قراءة ابن مسعود
ولى نعجة أنثى؟ قلت: يقال امرأة أنثى للحسناء الجميلة، والمعنى: وصفتها بالعراقة في لين الأنوثة وفتورها وذلك
أملح لها وأزيد في تكسرها وتثنيها: ألا ترى إلى وصفهم لها بالكسول والمكسال، وقوله فتور القيام قطيع الكلام
الخ. قوله تبذ: أي تسبق، والدل: دلال المرأة في تغنج وتشكل، وقيل حسن رخيم الرخامة لين في النطق حسن،
وخلق عمم أي تام.
(أستغفر الرحمن ذا التعظم * من اللغا ورفث التكلم)
في سورة السجدة عند قوله تعالى (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) قرئ والغوا فيه بفتح
الغين وضمها، يقال لغى في قوله كسعى ودعا ورضى، واللغو: الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته، كما قال
العجاج * من اللغا ورفث التكلم * والرفث: الجماع والفحش من القول وكلام النساء في الجماع، تقول منه
رفث الرجل وأرفث، وقيل لابن عباس حين أنشد: * إن تصدق الطير ننك لميسا * أترفث وأنت محرم؟
فقال إنما الرفث، ما ووجه به النساء.
ويوما توافينا بوجه مقسم * (كأن ظبية تعطو إلى وأرق السلم)
539

في سورة الجاثية عند قوله تعالى (كأن لم يسمعها) من جهة أن كأن مخففة، والأصل كأنه لم يسمعها والضمير
للشأن. وقوله توافينا: أي تأتينا، والمقسم المحسن كأنه قسم فيه الحسن فلم يخل جزء من جزء. وتعطو: أي تناول،
وضمن معنى المد ونحوه فعدى بإلى. والسلم: نوع من الشجر الواحد سلمة. وقوله ويوما بالنصب ظرف،
ويروى بالجر على أن الواو واو رب. والموافاة: المجازاة بالحسنة وكأن مخففة واسمها محذوف واسمها محذوف والتقدير كأنها ظبية،
هذا على رواية من رفع الظبية وعلى رواية من نصبها فهي الاسم والخبر تعطو: أي تناول أطراف الشجر في الرعى.
وأورق المورق وهو من النوادر لأن فعله أورق ومثله أينع فهو يانع. ومعنى البيت: أنه يتمتع بحسنها يوما وتشغله
يوما آخر بطلب ماله، فإن منها آذته وكلمته بكلام يمنعه من النوم، والبيت للباعث بن صريم اليشكري يذكر
امرأته وحاله معها، وهو من قصيدة أولها:
ألا تلكم عرسي تصد بوجهها * وتزعم في جاراتها أن من ظلم
أبونا ولم أظلم بشئ عملته * سوى ما أبانت في القتال من القدم
فيوما توافينا بوجه مقسم * كأن ظبية تعطو إلى وأرق السلم
ويوما تريد مالنا مع مالها * فإن لم ننلها لم تنمنا ولم تنم
تظل كأنا في خصوم غرامه * تسمع جيراني التالي والقسم
ومنها وهو إشارة إلى قصة بينهما معروفة:
أم من أجل كبش لم أهبها بمنزل * ولا بين أذواد رتاع ولا غنم
أخوف بالجبار حتى كأنني * قتلت له خالا كريما أو ابن عم
فإن يد الجبار ليست بضعفة * ولكن سماء تقطر الوبل والديم
(ووطئتنا وطأ على حنق * وطء المقيد ثابت الهرم)
في سورة الفتح عند قوله تعالى (لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم) والوطء والدوس:
عبارة عن الإيقاع والإبادة. وقولهم وطئهم العدو وطأة منكرة عبارة عن الإهلاك وأصله في البعير المقيد، ومنه
قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف عليه السلام " أي خذهم
أخذا شديدا، والضمير في واجعلها للوطأة.
(لقد فعلت هذى النوى بي فعلة * أصاب النوى قبل الممات أثامها)
في سورة الحجرات عند قوله تعالى (إن بعض الطن إثم) والإثم: الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب، ومنه
قيل لعقوبته الأنام فعال منه كالنكال والعذاب والدمام: أي فعلت النوى بي فعلة سيئة، ثم قال على سبيل الدعاء:
أصاب النوى جزاؤها، يقال للعقوبة الإثم كما تسمى الخمر إثما في قوله: شربت الإثم، ومثل هذا التذييل بالجملة
الدعائية التكميل بالجملة التعجبية في قوله: غلت ناب كليب بواؤها.
(لقاء أخلاء الصفاء لمام * وكل وصال الغانيات ذمام)
وهذا من الأبيات التي لم تذكر في الشرح وأغفلت في سورة النجم عند قوله تعالى (الذين يجتنبون كبائر الإثم)
540

والفواحش إلا اللمم) وهو صغائر الذنوب كالنظرة والقبلة واللمسة فهو استثناء منقطع. والمعنى: لكن اللمم
يغفر باجتناب الكبائر. قال:
إن تغفر اللهم تغفر جما * وأي عبد لك لا ألما
واللمم: القليل من ألم بالمكان إذا قل فيه لبثه، قال:
أراك إذا أيسرت خيمت عندنا * زمانا وإن أعسرت زرت لماما
فما أنت إلا البدر إن قل ضوؤه * أغب وإن زاد الضياء أقاما
وبالجملة فالإقلال من الزيارة مطلوب وهو أمر محبوب لبعض الناس ومرغوب، ولذلك قيل:
لا تزر من تحب في كل شهر * غير يوم ولا تزده عليه
فاجتلاء الهلال في الشهر يوم * ثم لا تنظر العيون إليه
وما أحسن ما قيل:
عليك بإقلال الزيارة إنها * إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا
ألم تر أن الغيث يسأم دائما * ويطلب بالأيدي إذا هو أمسكا
والمعنى: أن لقاء أخلاء الصفاء وإن تواتر لمام: أي قليل: والإلمام زيارة لا لبث فيها، ووصال الغانيات
وإن دام شرب غير مرو لأن أيام السرور قصار وإن طالت كما قال:
إن الليالي للأنام مناهل * تطوى وتنشر دونها الأعمار
فقصارهن مع الهموم طويلة * وطوالهن مع السرور قصار
ولهذا قيل سنة الهجر سنة، وسنة الوصل سنه، ويرحم الله المولى أبا السعود حيث يقول:
زمان تقضى بالمسرة ساعة * وآن تقضى بالمساءة عام
ولم يزل المتقدمون والمتأخرون يولعون في هذا المعنى، ومن أبيات الكتاب:
رياشي منكم وهواي معكم * وإن كانت زيارتكم لماما
ومنه قول جرير في قصيدته المشهورة في معرض العتاب:
تمرون الديار ولم تعوجوا * كلامكم على إذن حرام
أقيموا إنما يوم كيوم * ولكن الرفيق له ذمام
بنفسي من تجنبه عزيز * على ومن زيارته لمام
ومن أمسى وأصبح لا أراه * ويطرقني إذا هجع النيام - وهى طويلة
(إن الذي كنت أرجو فضل نائله * وجدته حاضراه الجود والكرم)
في سورة القمر عند قوله تعالى (يوم يدع الداع إلى شئ نكر خاشعا أبصارهم) حيث قرئ خشع أبصارهم
على الابتداء والخبر ومحل الجملة النصب على الحال كقوله: وجدته حاضراه الخ. وحسن وقوعه حالا بما يتعقبها
من الأحوال أعنى كأنهم جراد مهطعين يقول الكافرون.
541

(فلئن بقيت لأرجعن بغزوة * تحوى الغنائم أو يموت كريم)
في سورة الرحمن عند قوله تعالى (وردة كالدهان) على قراءة عمرو بن عبيد وردة بالرفع، بمعنى فحصلت
سماء وردة، وهو من باب التجريد كقوله قتادة بن مسلم: فلئن بقيت الخ. اللام موطئة للقسم ولأرجعن بغزوة
جوابه، وقوله نحو الغنائم ظرف لأرجعن، ورواه بعضهم نحوي الغنائم بالنون وبعضهم تحوى بالتاء والجملة صفة
غزوة، وقوله أو يموت كريم أو بدل عن إلا ويموت منصوب بأن مضمرة كأنه قال: إلا أن يموت كريم: يعنى
به نفسه.
(فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد * صداها ولا يقضى عليها هيامها)
في سورة الواقعة عند قوله تعالى (فشاربون شرب الهيم) وهى الإبل بها الهيام، وهو داء تشرب منه فلا
تروى، والجمل إذا أصابه ذلك هام على وجهه، جمع أهيم وهيماء. والمعنى: أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرهم
إلى أكل الزقوم الذي هو كالمهل، فإذا ملئوا منه البطون سلط عليهم من العطش ما يضطرهم إلى شرب الحميم الذي
يقطع أمعاءهم فيشربونه شرب الهيم. والبيت لذي الرمة من قصيدته المشهورة التي أولها:
مررنا على دار لمية غدوة * وجاراتها قد يعتمدن قيامها
(فغدت كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها)
هو للبيد. في سورة الحديد عند قوله تعالى (مأواكم النار هي مولاكم) أي هي أولى بكم، وأنشد قول لبيد
فغدت الخ. وحقيقة مولاكم: محراكم ومقمنكم: أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كما قيل هو مئنة للكرم:
أي مكان لقول القائل إنه لكريم، ويجوز أن يراد هي ناصركم: أي لا ناصر لكم غيرها، والمراد نفى الناصر على
البتات. ونحوه قولهم: أصيب فلان بكذا فاستنصر الجزع، ونحوه: فأعتبوا بالصيلم. الشاعر يصف بقرة وحشية
قعدت فزعة لا تدرى أقدامها الصائد أم خلفها، فغدت مذعورة لا تعرف منجاها من مهلكها. والضمير في أنه
راجع إلى كلا باعتبار اللفظ وإن تضمن معنى التثنية. ويجوز حمل الكلام بعده على لفظه مرة وعلى معناه أخرى،
والحمل على اللفظ أكثر، قال الله تعالى (كلتا الجنتين آتت أكلها) ومولى المخافة في موضع الرفع لأنه خبر أن
وخلفها وأمامها خبر مبتدأ محذوف: أي هما خلفها وأمامها، فيكون تفسير كلا الفرجين، ويجوز أن يكون بدلا
من كلا الفرجين وتقديره: فغدت كلا الفرجين خلفها وأمامها تحسب أنه مولى المخافة.
(يتقارضون إذا التقوا في موطن * نظرا يزل مواطئ الأقدام)
في سورة ن والقلم عند قوله تعالى (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم) يعنى أنهم من شدة تحديقهم
ونظرهم إليك شزرا بعيون العداوة والبغضاء يكادون يزلون قدمك أو يهلكونك، من قولهم: نظر إلى نظرا يكاد
يصرعني ويكاد يأكلني: أي لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل لفعله كما قال: يتقارضون وكل امرئ به يتجازى
الناس فهو قرض وهما يتقارضان الثناء: أي كل واحد منهما على صاحبه. يقول: إذا التقوا في موطن ينظر كل
واحد منهم إلى الآخر نظم حسد وحنق حتى يكاد يصرعه وهو الإصابة بالعين، يقال صرعني بطرفه وقتلني بعينه،
وقال صلى الله عليه وسلم " العين حق، إن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر " وعن الحسن: دواء الإصابة
بالعين أن تقرأ هذه الآية (وإن يكاد الذين كفروا).
542

(ففرق بين بينهم زمان * تتابع فيه أعوام حسوم)
في سورة الحاقة عند قوله تعالى (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) جمع حاسم كشهود وقعود، أو
مصدرا كالشكور والكفور، فإن كان جمعا فمعنى قوله حسوما: نحسات حسمت كل خير واستأصلت كل بركة
تمثيلا لتتاليها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء كرة بعد أخرى حتى ينحسم، وإن كان مصدرا فإما أن
ينتصب بفعله مضمرا: أي تحسم حسوما بمعنى تستأصل استئصالا، أو يكون صفة كقولك ذات حسوم أو يكون
مفعولا له: أي سخرها عليهم للاستئصال. وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي: ففرق بين بينهم الخ. وقيل هي
أيام العجوز وهى آخر الشتاء.
(يرد علينا العير من دون إلفه * أو الثور كالدرى يتبعه الدم)
في سورة الجن عند قوله تعالى (فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) استشهد بهذا البيت على أن الرجم كان
قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر في شعر الجاهلية. قال عوف بن الخرع: يرد علينا الخ. وقال بشر
ابن أبي خازم:
والعير يرهقها الخبار وجحشها * ينقض خلفهما انقضاض الكوكب
وقال أوس بن حجر:
وانقض كالدرى يتبعه * نقع يثور تخاله طنبا
وقد تقدم شرح البتين في محلهما وأما عوف بن الخرع القائل: يرد علينا الخ. فإنه يصف شدة عدو فرس
ويقول: يرد علينا العير وهو الحمار الوحشي من قرب إلفه وزوجه مع أنه إذا كان مع إلفه كان أشد نفارا وأجد
عدوا، ويرد أيضا الثور الوحشي وهو ينقض في عدوه كالكوكب الدري الثاقب الذي يرجم ويتبعه ثقوب وحمرة
كالدم، وكالدرى يجوز أن يكون صفة للفرس وأن يكون صفة للثور.
(والهم يخترم الجسيم نحافة * ويشيب ناصية الصبى ويهرم)
في سورة المزمل عند قوله تعالى (يجعل الولدان شيبا) مثل في الشدة، يقال في اليوم الشديد: يوم يشيب
نواصي الأطفال. والأصل فيه أن الهموم والأحزان إذا تفاقمت على الإنسان أسرع فيه الشيب. قال أبو الطيب:
والهم يخترم الجسيم الخ، وكما قيل:
وما إن شبت من كبر ولكن * لقيت من الحوادث ما أشابا
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الهم نصف الهرم " وحكى أن رجلا أمسى فاحم الشعر كحنك
الغراب فأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة، فقال: رأيت القيامة والجنة والنار في المنام، ورأيت الناس
يقادون بسلاسل إلى النار فمن ذلك أصبحت كما ترون.
(ولا غرو إلا ما يخبر سالم * بأن بنى أستاهها نذروا دمى
ومالي من ذنب إليهم علمته * سوى أنني قد قلت يا سرحة اسلمى
نعم فاسلمي ثم اسلمى ثمت اسلمى * ثلاث تحيات وإن لم تكلمي)
543

في سورة المدثر عند قوله تعالى (ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر) قال في الكشاف: إن قلت:
ما معنى ثم الداخلة في تكرير الدعاء؟ قلت: الدلالة على أن الكرة الثانية أبلغ من الأولى كما قال: ألا يا اسلمى الخ.
فإن قلت: فما معنى المتوسطة بين الأفعال التي بعدها؟ قلت: الدلالة على أنه قد تأتى في التأمل وتمهل وكان بين
الأفعال المتناسقة تراخ وتباعد. فإن قلت: فلم قيل فقل إن هذا بالفاء بعد عطف ما قبله بثم؟ قلت: لأن الكلمة
لما خطرت بباله بعد التلطف لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث. فإن قلت: فلم لم يتوسط حرف العطف بين
الجملتين؟ قلت: لأن الأخرى أجريت من الأولى مجرى التوكيد من المؤكد. قوله لا غرو: أي لا عجب،
وخبر لا محذوف كأنه قال: لا غر وموجود أو حاصل، وإنما قال: بنى أستاهها لأنه يريد أنهم مخرءون لا مولودون
يقول: لا عجب إلا ما يخبر به سالم بأن بنى أستاهها من الذين لا عقول لهم، قالوا لله علينا سفك دمه، ثم قال: هذا
اعتقادهم وأقوالهم ولا جناية لي عليهم ولا ذنب متى أهتدي إليه فيهم سوى قولي يا سرحة أدام الله أيامك وسلامتك.
وكأنه جعل سرحة كناية عن امرأة فيهم، وتسمى المرأة بسرحة. وقوله نعم مكررا اسلمى اسلمى يغايظهم ويناكدهم
بهذا المقال. وقوله ثلاث تحيات انتصب على المصدر من فعل دل عليه قوله اسلمى كأنه قال: أحيى ثلاث تحيات
وإن لم يرجع الجواب إلى.
(وإذا نظرت إليك من ملك * والبحر دونك زدتني نعما)
في سورة القيامة عند قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) أي لا تنظر إلى غيره، وهذا معنى تقديم
المفعول. وقوله البحر دونك: أي أقل منك في الجود. والمعنى: إذا رجوت عطاءك وأنت من الملوك والحال
أن البحر أقل جودا منك زدتني نعما، وهذا من قول الناس: أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي، يريد معنى التوقع
والدعاء: (العاكفين على منيف جنابه * الفارجي باب الأمير المبهم)
في سورة المرسلات عند قوله تعالى (وإذا السماء فرجت) الفارجي مثل قوله تعالى (والمقيمي الصلاة)
ووقعت النون للإضافة. وفرجت: أي فتحت في قوله (وإذا السماء فرجت) ويقال باب مبهم: إذا أغلق فلا
يهتدى لفتحه، يصف القوم بالحظ والجاه وأنهم إذا أتوا باب الأمير يفتح لهم.
(وساهرة يضحى السراب مجلا * لأقطارها قد جئتها متلثما)
في سورة والنازعات عند قوله تعالى (فإذا هم بالساهرة) الساهرة: الأرض البيضاء المستوية، سميت بذلك
لأن السراب يجرى بها. من قولهم عين ساهرة جارية الماء، وفى ضدها ناعسة. قال الأشعث بن قيس: وساهرة
الخ. أو لأن ساهرها لا ينام خوف الهلكة مجللا: أي مغطيا، ومنه جل الدابة لأقطارها: أي جوانبها. يقول:
رب ساهرة قد جلل السراب جوانبها قد قطعتها متلثما من خوف هبوب السموم والحر القاتل.
(في صلب مثل العنان المؤدم)
في سورة الطارق عند قوله تعالى (من بين الصلب والترائب) حيث قرئ الصلب بفتحتين والصلب بضمتين.
قال العجاج: في صلب الخ. وقبله * ريا العظام فخمة المخدم * يقال فلان مؤدم مبشر: أي جمع بين لين
الأدمة وخشونة البشرة. والمخدم موضع الخدام: أي الخلخال من الساق يصف لين جلدها.
(مجدا تليدا بناه أوله * أدرك عادا وقبلها إرما)
544

في سورة الفجر عند قوله تعالى (بعاد إرم ذات لعماد) قيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح
عاد كما يقال لبنى هاشم هاشم: ثم قيل للأولين منهم عاد وإرم تسمية لهم باسم جدهم، ولمن بعدهم عاد الأخيرة.
قال ابن الرقيات: مجدا تليدا الخ. أي حاز مجدا تليدا قديما. والتالد والتلاد: ما ورث الرجل من آبائه. قوله:
بناه أوله: أي أبوه أدرك عادا، والمراد قدم مجده.
لهم مجلس صهب السبال أذلة * على من يعاديهم أشداء فاعلم)
في سورة العلق عند قوله تعالى (فليدع ناديه) النادي: المجلس الذي ينتدى فيه القوم: أي يجتمعون، والمراد
أهل النادي على حد (واسئل القرية). قال في المصباح المنير: ولا يقال فيه ذلك إلا والقوم مجتمعون فيه، فإذا
تفرقوا زال عنه. قال ابن عباس: " لما نهى أبو جهل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة انتهره رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقال أبو جهل: أتنهرني؟ والله لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلا جردا ورجالا مردا "
وأراد الشاعر بصهب السبال أنهم ليسوا من صميم العرب. وقال الجوهري: أصله في الروم لأن الصهوبة فيهم
وهم أعداء العرب.
حرف النون
(إن المنايا يطلعن على الأناس الآمنينا)
في سورة الفاتحة عند الكلام على اسم الله حيث حذفت الهمزة وعوض عنها حرف التعريف، ونظيره الناس
أصله الإناس سموا به لأنهم يؤنسون: أي يبصرون كما سمى الجن لاجتنانهم: يعنى أن الموت يطلع ويشرف على
الاناس الغافلين الذين ليس الموت في حسابهم.
(وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا)
أوله * سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا * قاله شاعر في مسيلمة الكذاب الذي تنبأه والشاهد
في الرحمن فإنه لا يستعمل في غير اسم الله تعالى. وقول بنى حنيفة في مسيلمة رحمان اليمامة من باب تعنتهم في كفرهم،
ويضرب في كذب مسيلمة الأمثال فيقال: أكذب من مسيلمة، ولله من قال فيمن وعد ولهم ينجز ما وعد:
ووعدتني وعدا حسبتك صادقا * فغدوت من طمعي أجئ وأذهب
وإذا جلست أنا وأنت بمجلس * قالوا مسيلمة وهذا أشعب
(فلما صرح الشر * فأمسى وهو عريان
ولم يبق سوى العدوا * ن دناهم كما دانوا)
هو من أبيات الحماسة. عند قوله تعالى (مالك يوم الدين) أي يوم الجزاء ومنه: كما تدين تدان، ومعنى
دناهم: فعلنا بهم مثل فعلهم بنا والدين لفظة مشتركة في عدة معان: الجزاء والطاعة والحساب، وهو ههنا الجزاء
فالأول ليس بجزاء ولكنه سمى جزاء لمجاورته لفظ الجزاء. والناس يقولون: الجزاء بالجزاء والبادي أظلم، والدين
أيضا، الملة والعادة، وقيل من دان نفسه ربح: أي من حاسب نفسه، وقيل يوم الدين: يوم الحساب، ومعناه
545

أنه يقول: صفحنا عنهم وقعدنا عن حربهم وذكرنا القرابة بينهم وظننا أن جاهلهم يرجع إلى الحسنى، فلما أبوا
إلا الشر ركبناه فيهم. والشعر لشهل بن ربيعة. وليس في العرب شهل بالمعجمة غيره. وأول الشر:
صفحنا عن بنى ذهل * وقلنا القوم إخوان
عسى الأيام أن يرجعن * قوما كالذي كانوا
وبعده البيتان، وبعدهما:
مشينا مشية الليث * غدا والليث غضبان
بضرب فيه تفجيع * وتخضيع وإقران
وطعم كفم الزق * غدا والزق ملآن
وبعض الحلم عند الجهل * للذلة إذعان
وفى الشر نجاة حين * لا ينجيك إحسان
(ولقد أمر على اللئيم يسبني * فمضيت ثمت قلت لا يعنيني)
في سورة الفاتحة عند قوله (غير المغضوب عليهم) حيث كان صفة للمعرفة فهو كتعريف اللئيم في البيت،
فإنه لم يرد به لئيما بعينه بل لئيما من اللئام، وكذلك الذين هنا فإنه قريب من النكرة لأنه لم يقصد به قوم بأعيانهم
و " غير المغضوب " قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالإضافة، فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص
من وجه. وقد يجاب عن ذلك أيضا بأن غير إذا وقعت بين متضادين وكانا معرفتين تعرفت بالإضافة كقولك:
عجبت من الحركة غير السكون، وكذلك الأمر هنا لأن المنعم عليه والمغضوب عليه متضادان. والبيت لرجل
من بنى سلول، وبعده:
غضبان ممتلئ على إهابه * إني وربك سخطه يرضيني
وإنما جئ بلفظ الماضي تحقيقا لمعنى الإغضاء والإعراض. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة النساء
عند قوله تعالى (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) حيث كان
قوله: لا يستطيعون صفة للمستضعفين أو للرجال والنساء والولدان: وإنما جاز ذلك والجمل نكرات لأن
الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس لشئ بعينه كقوله: ولقد أمر على اللئيم الخ. وقد استشهد بالبيت
المذكور في سورة يس عند قوله تعالى (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها) على أن الجملة صفة الأرض حيث أريد
بها الجنس، وجاز أن يوصف الأرض والليل بالفعل لأنه أريد بهما الجن 0 سان مطلقين لا أرض وليل بأعيانهما
فعوملا معاملة النكرات في وصفها بالأفعال كما في البيت، وإنما لم يحمل على الحال لأن المعنى على استمرار مروره
على من يسبه وإغماضه عنه ولهذا قال: أمر وعطف عليه فمضيت، والتقييد بالحال لا يؤدى هذا المؤدى، وقد
اعتبر ذلك في مواضع فاعتبروا المعرف بأل الجنسية دون لفظه موصوفا بالنكرة الصريخة نحو: الرجل خير منك
على أحد الأوجه، وقوله: إلا الذين بعد قوله: إن الإنسان، وقوله (أو الطفل الذين لم يظهروا) وأهلك الناس
الدينار الحمر والدرهم البيض، لأن كلا منها مما روعي فيها المعنى دون اللفظ، والميل إلى المعنى والإعراض عن
جانب اللفظ باب مشهور في علم العربية. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الجمعة عند قوله تعالى (مثل
الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار) قال في الكشاف: إن قلت يحمل ما محله؟ قلت: النصب على
الحال أو الجر على الوصف لأن الحمار كاللئيم في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني الخ.
546

(يا رب لا تسبلني حبها أبدا * ويرحم الله عبدا قال آمينا)
الشاهد في مد ألف آمين في هذا البيت، وقائله قيس المجنون، فإنه لما اشتد أمره في حب ليلى أشار الناس
على أبيه ببيت الله الحرام وإخراجه إليه والدعاء له عسى أن يسلبه عنها ويعافيه، فذهب به أبوه إلى مكة وأراه
المناسك فأنشأ يقول في تلك المواسم:
ذكرتك والحجيج له ضجيج * بمكة والقلوب لها وجيب
فقلت ونحن في بلد حرام * به لله أخلصت القلوب
أتوب إليك يا رحمن مما * عملت فقد تضافرت الذنوب
فأما من هوى ليلى وحبى * زيارتها فإني لا أتوب
وكيف وعندها قلبي رهين * أتوب إليك منها أو أنيب
ثم ذهب به إلى باب الكعبة ليدعو الله تعالى لعله يخفف عنه حب ليلى فأخذ بحلقة الباب وقال:
* يا رب لا تسلبني حبها أبدا * وقبل البيت:
يا رب إنك ذو من ومغفرة * بيت بعافية ليل المحبينا
الذاكرين الهوى من بعد ما رقدوا * والنائمين على الأيدي المكبينا
(إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا * منى وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
جهلا على وجبنا من عدوهم * لبئست الخلتان الجهل والجبن)
من أبيات الحماسة. في سورة البقرة عند قوله تعالى (صم بكم عمى فهم لا يرجعون) والريبة: الشك والتهمة
أيضا. ودفنوا: أي ستروا. وأذنوا من أذنت للشئ أذنا: إذا سمعته وأضغيت إليه. والمعنى: إن يسمعوا في حقي
من المساوى ما يكون عندهم ريبة لا يقينا فرحوا به، وما سمعوا من أفعالي الحميدة ستروها عن الناس حسدا. وقد
أغفل هذا القائل قسما ثالثا وهو سلوك طريق البهتان وكان ذلك بحسب أهل هذا الزمان، وقد أحسن كل الإحسان
من قال: مستنجد بجميل الصبر مكتئب * على بنى زمن أفعالهم عجب
إن يسمعوا الخير أخفوه وإن سمعوا * شرا أشاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا
واللائق بمن ابتلى بهذه الأفعال أن يتمثل بقول من قال: * ولى أذن عن الفحشاء صماء *
ولله در القائل: * أذن الكرام عن الفحشاء صماء *
(كيف الهجاء وما تنفك صالحة * من آل لأم بظهر الغيب تأتيني)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وهى من الصفات الغالبة التي تجرى
مجرى الأسماء كالحسنة. والبيت للحطيئة لما سئل أن يهجو حارثة بن لأم الطائي المعروف بابن سعدى. وكان من
سببه أن وفود العرب حشروا بين يدي النعمان بن المنذر، فأحضر حللا من حلل الملوك قال إني ملبسها غدا لمن
547

أردت، فلما كان الغد لم يرتحل ابن سعدى من رحله إليه، فقيل له في ذلك؟ فأجاب بأني إن كنت المراد فسأطلب
وإن كان غيري فأجمل الأحوال أن لا أكون حاضرا، فبعث إليه النعمان ائتنا آمنا مما تخاف وألبسه الحلل وأكرمه،
فحسده سادات العرب من قومه وغيرهم وبعثوا إلى الحطيئة يضمنون له مائة بعير لو هجاه، فقال: كيف أهجو
فتى شسع نعلي منه أو نحو من هذا، وأنشد البيت. جعل ظهر الغيب مركبا وأضاف إليه الظهر، وجعل الظهر
مقمحا: أي ملتبسا بالغيب ثم أدخل الظهر كناية لهذه الغيبة لأن الغائب كأنه وراء الظهر.
(نواعم بين أبكار وعون)
في سورة البقرة عند قوله تعالى (عوان بين ذلك) والبكر: الفتية. والعوان: النصف بفتحتين: أي كهلة
ونساء أنصاف، وهو للطرماح، وقبله:
صغائن كنت أعهدهن قدما * وهن لدى الإقامة غير جون
حصان مواضع النقب الأعالي * نواعم بين أبكار وعون
قال في المصباح المنير: العوان: النصف من النساء والبهائم والجمع عون، والأصل بضم الواو ولكن سكن
تخفيفا.
(إنا بنى نهشل لا ندعى لأب * عنه ولا هو بالأبناء يشربنا)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (قائما بالقسط) على تقدير انتصابه على المدح، ومن حق المنتصب على
المدح أن يكون معرفة كقوله: الحمد لله الحميد، و " إنا معاشر الأنبياء " وإنا بنى نهشل الخ. يقال ادعى فلان
في بني هاشم: إذا انتسب إليهم، وادعى عنهم: إذا عدل بنسبه عنهم، كما يقال رغب فيه ورغب عنه. والمعنى:
إنا لا ننتسب إلى أب غير أبينا رغبة عنه، ولا هو يستبدل غيرنا رغبة عنا. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة
مريم عند قوله تعالى (أن دعوا للرحمن ولدا) وهو من دعا بمعنى سمى المتعدى إلى مفعولين، ويجوز جر ثانيهما
بالباء كما في قوله:
دعني أخاها أم عمرو ولم أكن * أخاها ولم أرضع لها بلبان
دعتني أخاها بعد ما كان بيننا * من الفعل ما لا يفعل الأخوان
وأولهما في الآية محذوف طالبا للعموم والإحاطة بكل ما يدعى له ولدا، ويجوز أن يكون من دعا بمعنى نسب
الذي مطاوعه ما في قوله عليه الصلاة والسلام " من ادعى إلى غير مواليه " وقول الشاعر: إنا بنى نهشل الخ،
والبيت لبشامة بن حزن النهشلي من أبيات أولها:
إنا محيوك يا سلمى فحيينا * وإن سقيت كرام الناس فاسقينا
وإن دعوت إلى جلى ومكرمة * يوما سراة كرام الناس فادعينا
إنا بنى نهشل لا ندعى لأب عنه ولا هو بالأبناء يشربنا
يكفيه إن نحن متنا أن يسب بنا * وهو إذا ذكر الآباء يكفينا
إن تبتدر غاية يوما لمكرمة * تلقى السوابق منا والمصلينا
548

وليس يهلك منا سيد أبدا * إلا افتلينا غلاما سيدا فينا
إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا * ولو نسام بها في الأمر أغلينا
بيض مفارقنا تغلى مراجلنا * نأسو بأموالنا آثار أيدينا
إنا لمن معشر أفنى أوائلهم * قول الكماة ألا أين المحامونا؟
لو كان في الألف منا واحد فدعوا * من فارس خالهم إياه يعنونا
إذا الكماة تنحو أن يصيبهم * حد الظبات وصلناهم بأيدينا
ولا تراهم وإن جلت مصيبتهم * مع البكاة على من مات يبكونا
ويركب الكره أحيانا فيفرجه * عنا الحفاظ وأسياف تواتينا
(من يفعل الحسنات الله يشكرها * والشر بالشر عند الله مثلان)
في سورة النساء عند قوله تعالى (أينما تكونوا يدرككم الموت) بالرفع، وقيل هو على حذف الفاء كأنه قيل:
فيدرككم الموت كما في البيت. والمعنى: أنه من يفعل خيرا يشكره الله ويجازيه ويضاعفه له، ومن يفعل شرا فعل به
مثله كما قال (وجزاء سيئة مثلها) والبيت لكعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، وقبله:
فإنما هذه الدنيا وزينتها * كالزاد لابد يوما أنه فانى
(والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وابشر بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصح * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا لا محالة أنه * من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا)
في سورة الأنعام عند قوله تعالى (وهم ينهون عنه وينأون عنه) قائله أبو طالب، كان ينهى قريشا عن التعرض
لرسول الله صلى الله عليه وسلم وينأى عنه ولا يؤمن به. روى أنهم اجتمعوا إلى أبى طالب وأرادوا برسول الله صلى
الله عليه وسلم سوءا فقال: والله لن يصلوا إليك الخ. فنزلت. وسدته الشئ: جعلته وسادة، والمعنى أوسد
يميني في رمسي. وقوله سمحا بذاك: أي بذاك الدين مبينا. وصدع بالأمر: أظهره وتكلم به جهارا لفصاحته
عيونا تمييز من إطلاق الجمع على الاثنين مبالغة، أو المراد عيون الكل: أي كأنه قيل من جهة عينك وعين كل
مسلم كما تقول لتقر عينك وعين من معك.
(رماني بأمر كنت منه ووالدي * بريئا ومن جول الطوى رماني)
هو للفرزدق. في سورة الأنعام عند قوله تعالى (والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه) يقال اشتبه الشيئان
وتشابها كقولك استويا وتساويا، فإن الافتعال والتفاعل يشتركان كثيرا، ومنه قوله (هو أبو إسحق الصابي):
تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي * فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب
فوالله ما أدرى أبا الكأس أسبلت * دموعي أم من عبرتي كنت أشرب
549

والتقدير: والزيتون متشابها وغير متشابه والرمان كذلك. والطوى: البئر، والجول بضم الجيم: جدار
البئر. قال أبو عبيدة: وهو كل ناحية من نواحي البئر من أعلاها إلى أسفلها. وفى المثل: رماني من جول
الطوى: أي رماني بما هو راجع إليه، وقريب منه قوله:
قومي همو قتلوا أميم أخي * فإذا رميت يصيبني سهمي
فلئن عفوت لأعفون جللا * ولئن جنيت لأوهنن عظمي
وقد استشهد بالبيت المذكور أيضا في سورة الإسراء عند قوله تعالى (أو تأتى بالله والملائكة قبيلا) والمعنى:
أو تأتى بالله قبيلا وبالملائكة قبيلا، فهو حال من الجلالة وحال الملائكة محذوفة لدلالتها عليها: أي والملائكة
قبيلا كما حذف الخبر في قوله: رماني بأمر كنت منه الخ، هذا إذ جعلنا قبيلا بمعنى كفيلا أما إذا جعلناه بمعنى
جماعة كان حالا من الملائكة.
(أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني)
في سورة التوبة عند قوله تعالى (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق) على أن مردوا صفة محذوف كقوله أنا
ابن جلا: أي أنا ابن الواضح الأمر المشهور، وقيل يريد انحسر الشعر عن رأسه في الحروب. وطلاع الثنايا
يقال: طلاع الثنايا وطلاع أنجد: أي يقصد عظائم الأمور، والتقدير: أنا ابن الذي يقال له جلا. وقد استشهد
بالبيت المذكور في أواخر سورة والصافات عند قوله تعالى (وما منا إلا له مقام معلوم) أي أحد حيث حذف
الموصوف وأقيمت الصفة مقامه. وقائل البيت سحيم بن وثيل الرياحي كان عبدا حبشيا فصيحا بليغا، وكان قد اتهم
ببنت مولاه فقتله. والبيت من قصيدة طويلة أولها قوله:
أفاطم قبل بينك متعيني * ومنعك ما سألت كأن تبينى
فلا تعدى مواعد كاذبات * تمر بها رياح الصيف دونى
فإني لو تخالفني شمالي * خلافك ما وصلت بها يميني
إذا لقطعتها ولقلت بيني * كذلك أجتوى من يجتوينى
ومنها في ذكر الناقة:
إذا ما قمت أرحلها بليل * تأوه آهة الرجل الحزين
تقول إذا درأت لها وضينى * أهذا دينه أبدا ودينى
ومنها في ذكر الحكم:
أكل الدهر حل وارتحال * أما يبقى على ولا يقيني
فإما أن تكون أخي بصدق * فأعرف منك غثى من سمينى
وإلا فاطرحني واتخذني * عدوا أتقيك وتتقينى
وما أدرى إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يلينى
أالخير الذي أنا أبتغيه * أم الشر الذي هو يبتغينى
550

فلو أنا على حجر ذبحنا * جرى الدميان بالخبر اليقين
دعى ماذا علمت سأتقيه * ولكن بالمغيب نبئينى
ومنها البيتان المشهوران وهما:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفونى
وماذا يبتغى الشعراء منى * وقد جاوزت حد الأربعين
(ونحر مشرق اللون * كأن ثدياه حقان)
في سورة يونس عند قوله تعالى (مر كأن لم يدعنا) أي كأنه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن، كقوله
* كان ثدياه حقان * وإنما اعتبروا ضمير الشأن لأن حق الحروف المشبهة الدخول على المبتدأ والخبر ولو بعد
التخفيف فإنه لا يبطل لا العمل، وعلى هذا لا حاجة إلى ضمير الشأن في قوله: كأن ثدياه حقان، وإنما التمثيل
لمجرد بطلان العمل بالتخفيف، والنحر: موضع القلادة من الصدر، ومنه اشتقاق نحر البعير لأنه يطعن في نحره،
والثدي معروف، والضمير في ثدياه يعود إلى النحر للزومه عليه، وحقان تثنية حقة، والأصل أن يقال حقتان
لأن التاء الثابتة في الواحد تكون ثابتة في التثنية، ولو شدد كأن قال ثدييه بالنصب فلما خفف الشاعر بطل
عملها، وقال ثدياه حقان.
(وكنت امرأ زمنا بالعراق * طويل الثواء طويل التغن
فأنبئت قيسا ولم آته * على نأيه ساد أهل اليمن
فجئتك مرتاد ما أخبروا * ولولا الذي خبروا لم ترن)
هو للأعشى يمدح قيس بن معد يكرب وقوله:
وهذا الثناء وإني امرؤ * إليك بعمد قطعت العرن
وحولي بكر وأشياعها * ولست خلافا لمن أو عدن
في سورة يونس عند قوله تعالى (كأن لم تغن بالأمس) وعن مروان أنه قرأ على المنبر: كأن لم تتغن بالأمس،
من قوله الأعشى * طويل الثواء طويل التغن * والأمس مثل في الوقت القريب كأنه قيل: لم تغن آنفا
قطعت العرن: أي جور كل أحد. الثواء: الإقامة. والتغني: التلبث، كأن لم تغن بالأمس: أي كأن لم تلبث.
يقول الأعشى لممدوحه: كنت رجلا زمنا بالعراق طويل الإقامة والتبلث فيه، فأخبرت أن قيسا ممدوحه، والحال
أنى لم آته قط على نأيه وبعد داره ساد أهل اليمن وجاد أهل الأرض، فجئتك من الزمانة مرتادا طالبا لما أخبروني،
ولولا ذلك لم ترني ببابك وأرضك.
(ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق الجهل الجاهلينا)
في سورة هود عند قوله تعالى (ولكني أراكم قوما تجهلون) أي تتسافهون على المؤمنين وتدعونهم أراذل.
يقول: ألا لا يسفه أحد علينا فنسفه فوق سفه السفهاء: أي فنجازيه على سفهه جزاء يزيد عليه فمسى جزاء الجهل
جهلا للمشاكلة أو لازدواج الكلام كقوله (وجزاء سيئة سيئة مثلها - ومكروا ومكر الله) ونظيره قوله تعالى
في هذه السورة (فإنا نسخر منكم) يعنى في المستقبل (كما تسخرون منا) الساعة. وقيل معناه: إن تستجهلونا فيما
551

تصنع فإنا نستجهلكم فيما أنتم عليه من الكفر، فأنتم أولى بالاستجهال منا. سمى سخريتهم استجهالا لأن السخرية
في مثل هذا المقام من باب السفه والجهل لأنها تعرض لسخط الله تعالى وعذابه، وهو من إطلاق اسم المسبب على
السبب وفى التنزيل (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) والثاني قصاص وليس بعدوان وكذلك جزاء
سيئة سيئة مثلها. وقد استشهد بالبيت المذكور أيضا في سورة الفرقان عند قوله تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا
سلاما) تسلما منكم لا نجاملكم ومتاركة لا خير بيننا ولا شر: أي نتسلم منكم تسلما، فأوقع السلام مقام التسلم.
وقيل قالوا سدادا من القول يسلمون فيه من الإيذاء والإثم، والمراد بالجهل السفه وقلة الأدب، ومنه قوله:
* ألا لا يجهلن أحد علينا *
(فما سمعت بأنني قط أرسلها * ولم تزل أنبياء الله ذكرانا)
هو لقيس بن عاصم وبعده:
فلعنة الله والأقوام كلهم * على سجاح ومن بالإفك أغرانا
وفى رواية عوض المصراع الأول: * أضحت نبيتنا أثنى نساء بها *
في سورة يوسف عند قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا) رد لقولهم (لو شاء الله لأنزل ملائكة)
وعن ابن عباس: يريد ليست فيهم امرأة، وقيل في سجاح المتنبئة: * ولم تزل أنبياء الله ذكرانا *
وقصتها مع مسيلمة مشهورة، وقد تقدمت عند قوله:
أمت سجاح ووافاها مسيلمة * كذابة من بنى الدنيا وكذاب
ومن أحسن ما قيل في تشبيه من يخلف الوعد بمسيلمة قول بعضهم:
ووعدتني وعدا حسبتك صادقا * فبقيت من طمعي أجئ وأذهب
فإذا جلست أنا وأنت بمجلس * قالوا مسيلمة وهذا أشعب
(فقلت له لما تكشر ضاحكا * وقائم سيفي من يدي بمكان
تعال فإن عاهدتني لا تخونني * نكن مثل من يا ذئب يصطحبان)
في سورة الرعد عند قوله تعالى (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب
بالنهار) فإن سارب إما معطوف على من هو مستخف أو على مستخف وحده، إلا أن من في معنى الاثنين كقوله:
* نكن مثل من يا ذئب يصطحبان *
كأنه قيل: سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار، والموصول محذوف وصلته باقية: أي ومن
هو مستخف بالليل ومن هو سارب بالنهار، وحذف الموصول المعطوف مع بقاء صلته سائغ، ومنه قوله تعالى
(وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم) لأن الثانية لو عطفت على صلة الأولى لم يكن لدخول حرف النفي معنى، ومنه
قول حسان:
فمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء
أي ومن يمدحه وينصره، وقوله مثل من يشير إلى البيت المذكور، وتكشر أيدي أنيابه، ولله در أبى الطيب
حيث يقول:
552

إذا رأيت نيوب الليث بارزة * فلا تظنن أن الليث يبتسم
وصف الفرزدق ذئبا أتاه وهو في القفر ووصف حاله معه وأنه أطعمه وألقى إليه ما يأكله، وقوله:
* وقائم سيفي من يدي بمكان، أي مكان وأي مكان، أراد أن يظهر تجلده وشجاعته وتصلبه وحماسته، ولكن
اتفق له كثيرا عدم مساعدة القدر، وربما نبا سيفه ولم يفده جمع اليدين ولا الصمصامة الذكر. وفى رواية تعش
خطاب للذئب: أي كل العشاء وهو طعام الليل فإن عاهدتني بعد أن تتعشى على أن لا تخونني كنا مثل رجلين
يصطحبان وهو صلة من. ويا ذئب نداء اعترض بين الصلة والموصول، وذئب اسم علم ههنا، وثنى يصطحبان على
معنى من لأن معناه التثنية، والبيتان للفرزدق من قصيدة مطلعها:
وأطلس عسال وما كان صاحبا * دعوت لناري موهنا فأتاني
فلما أتاني قلت دونك إنني * وإياك في زادي لمشتركان
فبت أقد الزاد بيني وبينه * على ضوء نار مرة ودخان
وبعده البيتان، وبعدهما:
أأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما * أخيين كانا أرضعا بلبان
وكل رفيق كل رحل وإن هما * تعاطى القنا يوما هما أخوان
ولو غيرنا نبهت تلتمس القرى * رماك بسهم أو شباة سنان
أقول: وقريب من أبيات هذا الذئب أبيات النجاشي حين عرض له ذئب في سفره فأنشد:
وماء قديم العهد بالورد آجن * يخال رضابا أو ملثا من العل
لقيت عليه الذئب يعوى كأنه * خليع خلا من كل مال ومن أهل
فقلت له يا ذئب هل لك في أخ * يواسى بلا من عليك ولا بخل
فقال هداك الله للرشد إنما * دعوت لما لم يأته سبع قبلي
فلست بآتيه ولا أستطيعه * ولاك اسقنى إن كان ماؤك ذا فضل
(أرى الوحش ترعى اليوم في ساحة الحمى * بما قد أرى فيها أوانس بدنا).
في سورة الرعد عند قوله تعالى (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) أي هذه الكرامة العظمى بسبب
صبركم. والمعنى: إن تعبتم في الدنيا لقد استرحتم الساعة كما في البيت، والباء إما سببية وإما بمعنى بدل: أي بدل
صبركم. والأوانس جمع آنسة. وبدن جمع بادنة. وهى السمينة: أي أرى الوحش ترعى اليوم في عرصة الحي
بدل ما كنت أرى فيها النساء الآنسات السمان. وقوله بما قد أرى حكاية حال ماضية.
(تخوف الرحل منها تامكا قردا * كما تخوف عود النبعة السفن)
هو لأبى كبير الهذلي. في سورة النحل عند قوله تعالى (أو يأخذهم على تخوف) أي مخافة شيئا فشيئا في أنفسهم
وأموالهم حتى يهلكوا، وهو من تخوفته إذا تنقصته. وتامكا: أي سناما مشرقا. وقرد: القرد الذي أكله القراد.
والسفن: الحديد الذي ينحت به وهو المبرد. يصف ناقة أثر الرحل في سنامها وتنقص منها كما ينقص السفن من
553

العود. روى أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر: ما تقولون في قوله تعالى (أو يأخذهم على تخوف؟) فسكتوا،
فقام شيخ من هذيل وقال: هذه لغتنا التخوف: التنقص، قال: فهل تعرف العرب هذا في أشعارهم؟ قال:
نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي: وأنشد البيت، فقال عمر رضي الله عنه: أيها الناس عليكم بديوانكم لا تضلوا
قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم.
(في كل عام نعم تحوونه * يلقحه قوم وتنتجونه
هيهات هيهات لما يرجونه * أربابه توكى فلا يحمونه
* ولا يلاقون طعانا دونه)
قائله صبي من بنى سعد اسمه قيس بن الحصين الحارثي. في سورة النحل عند قوله تعالى (وإن لكم في الأنعام
لعبرة نسقيكم مما في بطونه) والتذكير هنا لمراعاة جانب اللفظ فإنه اسم جمع، ولذلك عده سيبويه في المفردات
المبنية على أفعال كأخلاق، كما أن تأنيثه في سورة المؤمنين لرعاية جانب المعنى في قوله في بطونها لأن معناه جمع.
ويجوز أن يقال في الأنعام وجهان: أحدهما أن يكون مكسر نعم كالجبال في جبل، وأن يكون مفردا مقتضيا
لمعنى الجمع، فإذا ذكر فكما يذكر نعم في قوله * في كل عام نعم تحوونه * وإذا أنث ففيه وجهان: أنه
مكسر نعم، وأنه في معنى الجمع. الشاعر يخاطب قوما من اللصوص والمغيرين ويقول لهم: تحوون كل عام
نعما لقوم ألقحوه وأنتم تنتجونه في حيكم، ثم يقول على طريق التحسر والتحزن: أرباب هذه النعم حمقى
لا يحمونه من غارتكم ولا يحاربون بالطعان دون فلهذا أنتم تأخذونه منهم بالغارة.
(ولا أرمى البرئ بغير ذنب * ولا أقفو الحواصن إن قفينا)
في سورة الإسراء عند قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) الحواصن: العفائف، أي لا أقذف
المحصنات وإن قذفن كما قال حسان في عائشة رضي الله عنهما:
حصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
يقول: لا أتهم البرئ من الذنب به ولا أنسبه إليه ولا أتبع العفائف إذا تبعن. والحواصن جمع حصان:
وهى العفيفة.
(إن دهرا يلف شملي بجمل * لزمان يهم بالإحصان)
هو لحسان. في سورة الكهف عند قوله تعالى (جدارا يريد أن ينقض) حيث أسند الهم إلى الدهر مجازا،
يقال لففت الشئ: إذا طويته وأدرجته. والشمل: تألف الأمور واستواؤها. وجمل اسم محبوبته. يقول: إن
دهرا يجمع بيني وبين محبوبتي دهر همه الإحسان لا الغدر والإساءة.
(تقول سنى للنواة طنى)
في سورة الكهف. عند قوله تعالى (يريد أن ينقض) حيث أسند القول إلى السن مجازا. وأكلت التمرة فنويت
النوى وأنويته: أذا رميت به، وجمع نوى التمر أنواه وهو يذكر ويؤنث. وأما النوى الذي ينويه المسافر من
قرب أو بعد فهي مؤنثة لا غير. وطن الذباب وغيره بطن من باب ضرب طنينا. صوت. قال:
554

فدع الوعيد فما وعيدك ضائري * أطنين أجنحة الذباب يضير
(إن السفاهة طاها في خلائقكم * لا قدس الله أرواح الملاعين)
عند قوله تعالى (طه) اعلم أن طاها في لغة عك في معنى يا رجل، ولعل عكا تصرفوا في يا هذا كأنهم في لغتهم
قالبون الياء طاء فقالوا في ياطا، واختصروا هذا فاقتصروا على ها، وأثر الصنعة ظاهر لا يخفى في البيت: أي إن
السفاهة يا هذا أو يا رجل في خلائقكم لا طهر الله أرواحكم فإنكم ملاعين، فوضع الظاهر موضع المضمر. والسفه:
ضد الحلم، والخلق: السجية، يقال خالق المؤمن وخالق الفاجر، وفلان يتخلق غير خلقه: أي يتكلفه، قال:
يا أيها المتحلى غير سيمته * إن التخلق يأتي دونه الخلق
(ومهمهين قذفين مرتين * ظهراهما مثل ظهور الترسين
* جبتهما بالنعت لا بالنعتين)
في سورة طه عند قوله تعالى (ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار) من حيث مجيئه بلفظ الجمع، وإنما هو
طرفان كما قال (أقم الصلاة طرفي النهار) لأمن اللبس، وفى التثنية زيادة بيان، ونظير مجئ الأمرين في الآيتين
مجيئهما في قوله ظهراهما مثل ظهور الترسين. والمهمه: المفازة البعيدة. ونية قذف: أي بعيدة تقاذف بمن يسلكها.
والمرت: مفازة لا نبت فيها ولا ماء. وقذفين ومرتين صفة مهمهين، والواو واو رب:
* ظهراهما مثل ظهور الترسين * يريد صلابتهما لأن ظهر الترس ناتئ. وجواب رب جبتهما، والمعنى: قطعتهما
ولم ينعتا إلا مرة واحدة. يصف نفسه بالفطانة والخبرة بسلوك المفاوز، وإنما قال ظهور الترسين كراهة الجمع بين
تثنيتين إحداهما في المضاف والأخرى في المضاف إليه، ومثله قوله تعالى (فقد صغت قلوبكما).
(فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا)
هو لذي الأصبع العدواني، وقيل هو لفروة بن مسيك المرادي صحابي مخضرم. في سورة الأنبياء عند قوله
تعالى (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) وقبل البيت:
إذا ما الدهر جر على أناس * كلاكله أناخ بآخرينا
كذاك الدهر دولته سجال * تكر صروفه حينا فحينا
فبيناه يسر به ويرضى * ولو مكثت غضارته سنينا
إذا انقلبت به كرات دهر * فألقى بعد غبطته منونا
ومن يغبط بريب الدهر يوما
يجد ريب الزمان أحردونا
فأفنى عترتي سروات قومي * كما أفنى القرون الأولينا فلو خلد الكرام إذن خلدنا * ولو بقى الكرام إذن بقينا
فإن نهزم فهزامون قدما * وإن نهزم فغير مهزمينا
وما إن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا
(قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا * تم القفول فقد جئنا خراسانا)
555

في سورة الفرقان عند قوله تعالى (وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم) حكاية لاحتجاجه على العبدة بطريق تلوين
الخطاب وصرفه عن المعبودين عند تمام جوابهم، وتوجيهه إلى العبدة مبالغة في تقريعهم وتبكيتهم على تقدير قول
مرتب على الجواب: أي فقال الله تعالى عند ذلك: فقد كذبكم المعبودون أيها الكفرة في قولكم إنهم آلهة أو
في قولكم هؤلاء أضلونا. وفى البيت التفات أو حذف القولل: أي فقولوا لهم قد جئنا خراسانا وآن لنا أن نتخلص.
وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الروم عند قوله تعالى (لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث)
أي إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث فقد تبين بطلان قولكم.
(علام يعبدني قومي وقد كثرت * فيهم أباعر ما شاءوا وعيدان)
في سورة الشعراء عند قوله تعالى (وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل) يقال عبدت الرجل وأعبدته:
إذا اتخذته عبدا، والتعبيد: اتخاذ الناس عبيدا، والأباعر والأبعرة جميع بعير. والبعير من الإبل بمنزلة الإنسان من
الناس، يقال للجمل بعير وللناقة بعير، وحكى من بعض العرب: صرعتني بعيري: أي ناقتي. والعبد معروف
وجمعه أعبد وعبيد وعباد وعبدان وعبدي يمد ويقصر ومعبوداء بالمد، وحكى الأخفش عبد مثل سقف وسقف،
وأنشد:
أنسب العبد إلى آبائه * أسود الجلدة من قوم عبد
وما شاءوا بدل البعض من الأباعر وهو تقدير معنى في المعطوف أيضا، يقول بطريق التهكم إنهم ليس
بمحتاجين إلى أن يتخذوني عبدا لأن لهم أموالا كثيرة من الأباعر والعبيد فلم اتخذوني عبدا مع استغنائهم عن ذلك
وفى ذلك إشارة إلى أنه إنما يصلح لأعبادهم الأباعر والعبدان لا نحن، ويجوز أن يكون المعنى: أنهم بطروا وتجبروا
وطغوا بسبب كثرة أموالهم وظلموا على واتخذوني عبدا فنكر ذلك الفعل عليهم في تلك الحال وهى كثرة الأموال،
لأن تلك الحال حملتهم على تعبيدهم إياه فكأنه قال: لأن كثرت أموالهم. ثم اعلم أن عبدت فيه أوجه: أحدها أنها
في محل رفع عطف بيان لتلك. والثاني أنها في محل نصب مفعولا من أجله. الثالث أنها بدل من نعمة. الرابع أنها
بدل من الهاء في تمنها. الخامس أنها مجرورة بياء مقدرة: أي بأن عبدت. السادس أنها خبر مبتدأ مضمر أي هي.
السابع أنها منصوبة بإضمار أعنى والجملة في تمنها صفة لنعمة.
(سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا * فكيف لو قد سعى عمرو عقالين
لأصبح الناس أوبادا ولم يجدوا * عند التفرق في الهيجا جمالين)
في سورة الشعراء عند قوله تعالى (رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) حيث ذكر بلفظ
التثنية والمرجوع إليه مجموع السماوات والأرض. وحاصل هذه المسألة أنه يجوز تثنية الجمع على تأويل الجماعتين.
والسبد: الشئ القليل، يقال سبد ولا لبد: أي قليل ولا كثير. قال الأصمعي: السبد من الشعر واللبد من
الصوف. والعقال: صدقة العام، وانتصابه على الظرف. وأوبادا جمع وبد: أي هلكى، والوبد بالتحريك:
شدة العيش وسوء الحال، وهو مصدر يوصف به فيقال رجل وبد: أي سئ الحال يستوى فيه الواحد والجمع
كقولك عدل، ثم يجمع فيقال أو باد كما يقال عدول على توهم النعت الصحيح. يقول: صار عمرو ساعيا: أي
عاملا للزكاة في سنة واحدة فظلم وأخذ أموالنا حتى لم يبق لنا شئ قليل من المال فكيف يكون حالنا، أو كيف
556

يبقى لأحد مال لو صار عمرو عاملا في زكاة عامين، ثم أقسم فقال: والله لو صار عاملا سنتين
لصارت القبيلة هلكى، فلا يكون لهم عند التفرق في الحرب جمالان فيختل أمر الغزوات.
(لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا)
في سورة الشعراء عند قوله تعالى (إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون) وكان أمينا فيهم مشهورا بالأمانة كمحمد
صلى الله عليه وسلم في قريش، وإنما قال أخوهم لأنه كان منهم من قول العرب يا أخا بنى تميم، يريدون يا واحدا
منهم، ومنه بيت الحماسة: لا يسألون أخاهم حين يندبهم الخ، وقبله:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم * طاروا إليه زرافات ووحدانا
وبعده: لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد * ليسوا من الشرفي شئ وإن هانا
وقد تقدمت قصة هذا الشعر مستوفاة في حرف الباء في سورة الزمر فلتراجع.
فمن ينكر وجود الغول إني * أخبر عن يقين بل عيان
(بأنى قد لقيت الغول تهوى * بسهب كالصحيفة صحصحان
فأضربها بلا دهش فخرت * صريعا لليدين وللجران)
في سورة الملائكة عند قوله تعالى (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه) حيث قال: فتثير بلفظ
المضارع دون ما قبله وما بعده ليحكى الحال التي يقع فيها إثارة الرياح السحاب ويستحضر الصورة البديعة الدالة
على القدرة الربانية، وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب أو تهم المخاطب أو غير ذلك
كما في قول تأبط شرا * بأني قد لقيت الغول تهوى * الخ. لأنه قصد أن يصور لقومه الحالة التي تشجع فيها
بزعمه على ضرب الغول كأنه يبصرهم إياها ويطلعهم على كنهها مشاهدة للتعجب من جراءته على كل هول وثباته
عند كل شدة، وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت وإحياء الأرض بعد موتها لما كان من الدلائل على القدرة
الباهرة. قيل فسقناه: فأحيينا معدولا بهما على لفظ الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه. والغول:
السعالى، والعرب تسمى كل داهية غولا. واختلف في وجوده، فمنهم من ينكر وجوده أصلا، والقائل يثبت
وجوده ويقول: لقيت الغول تهوى أن تهبط بسهب: أي فضاء بعيد من الأرض. والصحيفة: الكتاب.
والتصحيف: الخطأ في الصحيفة. وقاع صحصحان وصعصعان: أي مستو كأنه بلغ من السهب لما فيه 7 من
مبالغة الصحة وهى استواء واعتدال. والجران: مقدم العنق من مذبحه إلى منحره.
(ولذ كطعم الصرخدي تركته * بأرض العدا من خشية الحدثان)
في سورة والصافات عند قوله تعالى (يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين) وصفت الكأس
باللذة وكأنها نفس اللذة وعينها أو هي تأنيث اللذ. يقال لذ الشئ فهو لذ ولذيذ، والمراد به في البيت النوم، قال:
كأن الكرى أسقاهمو صرخدية * تدب دبيبا في الشوى والحيازم
يقال لذ الشئ فهو لذ ولذيذ ووزنه فعل كقولك رجل طب، والصرخد: موضع من الشأم ينسب إليه الشراب.
(وماء قد وردت لأجل أروى * عليه الطير كالورق اللجين
ذعرت به القطا ونفيت عنه * مقام الذئب كالرجل اللعين)
557

في سورة السجدة عند قوله تعالى (أعرض ونأى بجانبه) أي ذهب بنفسه وتكبر وتعظم، وفى معناه وجهان:
الأول أن يوضع جانبه موضع نفسه كما في قوله تعالى (على ما فرطت في جنب الله) فإن مكان الشئ وجهته ينزل
منزلة الشئ نفسه كما في قوله: نفيت عنه مقام الذئب، ومنه (ولمن خاف مقام ربه جنتان) وكقولهم في التكبر
ذهب بنفسه وذهبت به الخيلاء كل مذهب. والمعنى الثاني: أن يراد بجانبه عطفه، ويكون عبارة عن الانحراف
والازورار كما يقال: ثنى عطفه وتولى بركنه. واللجين بفتح اللام وكسر الجيم: ما يسقط من الورق عند الخبط،
يشبه 7 اللجين بالضم الفضة، وهو مما جاء مصغرا كالثريا والكميت. والرجل اللعين: شئ ينصب وسط
الزرع يستطرد به الوحوش، وخص القطا لأنه أهدى الطير وأسبقه إلى الماء وكذلك الذئب من السباع. وأروى
اسم امرأة، قال:
داينت أروى والديون تقضى * فمطلت بعضا وأدت بعضا
يقول: رب ماء هذه صفته قد وردته لأجل أن أرى محبوبتي أروى عليه فأروى. وقوله نفيت عنه مقام
الذئب: أي نفيت عنه الذئب كما تقدم. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الرحمن عند قوله تعالى (ولمن خاف
مقام ربه جنتان) أي موقفه الذي يقف به العباد للحساب. أو هو مقحم كما تقول أخاف جانب فلان وأنشد:
ونفيت عنه مقام الذئب الخ.
(وصاليات ككما يؤثقين * لا يشتكين عملا ما أنقين)
في سورة حمعسق عند قوله تعالى (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) على تقدير أن تكون كلمة التشبيه
كررت كما كررها من قال: وصاليات الخ. ومن قال: فأصبحت مثل كعصف مأكول: أي ونساء صاليات
بالنار كالأثفية. والأثفية: الحجر الذي ينصب عليه القدر. ثفيت القدر: إذا وضعتها على الأثافي، وأثفيتها:
إذا جعلت لها أثافي، وقوله يؤثفين أخرج على الأصل مثل قوله * فإنه أهل لأن يؤكرما * وشبههن بالأثفية
لدوامهن على الكانون وسواد ثيابهن بالدخان. وكلمة التشبيه كررت للتأكيد والكاف الأولى حرف الجر والثانية
اسم لأنه لا يجوز أن يدخل حرف الجر على مثله، وأول الشعر:
لم يبق من آي بها يحلين * غير رماد وعظام كثفين
وغير ود جاذل أو ودين * وصاليات ككما يؤثفين
(إن أجزأت حرة يوما فلا عجب * قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا)
في سورة الزخرف عند قوله تعالى (وجعلوا له من عباده جزءا) بأن قالوا الملائكة بنات الله فجعلوهم جزءا له
وبعضا منه. قال الزمخشري: ومن بدع التفاسير تفسير الجزء بالإناث وادعاء أن الجزء في لغة العرب اسم
للإناث، وما هو إلا كذب على العرب ووضع مستحدث منحول، ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه أجزأت
المرأة، ثم صنعوا بيتا وبيتا أولهما: إن أجزأت حرة الخ. الثاني:
زوجتها من بنات الأوس مجزئة * للعوسج اللدن في أبياتها زجل
وأجزأت المرأة: إذا ولدت بنتا. وبرواية إن أجزأت حرة وهى اسم امرأة.
(ما لأبى حمزة لا يأتينا * يظل في البيت الذي يلينا
558

غضبان أن لا نلد البنينا * ليس لنا من أمرنا ما شينا
* وإنما نأخذ ما أعطينا)
في سورة الزخرف عند قوله تعالى (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم)
وكان أحدهم إذا قيل له قد ولدت لك بنت اغتم واربد وجهه غيظا وتأسفا وهو مملوء من الكرب، وعن بعض
العرب أن امرأته وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة فقالت * ما لأبى حمزة لا يأتينا * الخ. والظلول بمعنى
الصيرورة كما يستعمل أكثر الأفعال الناقصة بمعناها.
(كأنهما مزادتا متعجل * فريان لما تدهنا بدهان)
في سورة الرحمن عند قوله تعالى (فكانت وردة كالدهان) الزيت كما قال (كالمهل) وهو دردي
الزيت وهو جمع دهن، أو اسم ما يدهن به الحزام والإدم كما قال: كأنهما مزادتا متعجل الخ. والفرى: البق من
فريت الأديم. شبه عينيه من كثرة البكاء بقربتين غير مدهونتين خرزهما متعجل فلم يحكم خرزهما فهما يذرفان ماء.
(ونحن وجندل باع تركنا * كتائب جندل شتى عزينا)
في سورة المعراج عند قوله تعالى (عن اليمين وعن الشمال عزين) أي فرقا شتى جمع عزة وأصلها عزوة، كأن
كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزى إليه الأخرى فهم مفترقون. قال الكميت: ونحن وجندل الخ قال عنترة:
وقرن قد تركت لدى ملقى * عليه الطير كالعصب العزين
وتقديره: ونحن تركنا كتائب جندل متفرقين شتى والحال أن جندلا باغ.
(طوت أحشاء مرتجة لوقت * على مشج سلالته مهين)
هو للشماخ. في سورة الإنسان عند قوله تعالى (أمشاج نبتليه) وهو كبرمة أعشار وبرد أكياش، وهى ألفاظ
مفردة ولذلك وقعت صفات للأفراد. ويقال أيضا نطفة مشج كما قال الشماخ، ولا يصح أمشاج أن يكون تكسيرا له
بل هما مثلان في الإفراد لوصف المفرد بهما، ومشجه ومزجه بمعنى. والمعنى: من نطفة قد امتزج فيها الماءان.
طوت من الطي، ومرتجه من رتجت الباب وأرتجته: أغلقته، والرتاج: الباب. والمشج: المختلط من حمرة وبياض
وكل لون من ذلك مشج والجمع أمشاج، وهو شبه ماء الرجل في بياضه وماء المرأة في رقته واصفراره. والسلالة:
ما ينسل من بين الأصابع من الطين. والنطفة: ما ينسل ويتدفق منها. ومهين: حقير. يصف أنثى قبلت ماء
الفحل وحملت منه. وقال: طوت وأحشاء أمعاء كأبواب مرتجة لوقت الولادة على نطفة مختلفة حقيرة.
(إذا كان لما يتبع الذم أهله * فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا)
في سورة الفجر عند قوله تعالى (أكلا لما) أي ذا لم، وهو الجمع بين الحلال والحرام، قال الحطيئة: إذا
كان لما الخ: يعنى أنهم يجمعون في أكلهم بين نصيبهم من الميراث ونصيب غيرهم: أي إذا كان الأكل ذا لم وجمع
بين ما يحمد وما لا يحمد ولا ينفك الذم عن صاحب الأكل يتبعه كالطفل فلا قدس الرحمن تلك الأسنان التي طحنت
المأكول. والطواحن: الأضراس التي تسمى الأرحاء من الأسنان.
559

حرف الهاء
(ومهمه أطرافه في مهمه * أعمى الهدى بالجاهلين العمة)
لرؤبة. في سورة البقرة عند قوله تعالى (يعمهون) العمة جمع عمه بكسر الميم، يقال رجل عمه وعامه، والعمى
عام في البصر والرأي، والعمه في الرأي خاصة: وهو التحير والتردد بحيث لا يدرى أين يتوجه، وأرض عمهاء
لا أعلام بها، وذهبت إبله العمهى إذا لم يدر أين ذهبت.
(كانت حنيفة أثلاثا فثلثهم * من العبيد وثلث من مواليها)
هو لجرير. في سورة آل عمران عند قوله تعالى (فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا) حيث ذكر
من الآيات اثنان وطوى ذكر غيرها دلالة على تكاثر الآيات، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم " حبب إلى من
دنياكم ثلاث: النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة " لم يعطف قرة عيني على المذكورات، لأن الكل
ينبغي أن يكون من حظوظ الدنيا، وقرة العين في الصلاة ليست من الدنيا في شئ، كأنه لما ذكر الأولين فكر
في نفسه وقال: مالي وللدنيا، فأعرض عن الثالثة وذكر شيئا من الدين. وحنيفة: اسم قبيلة. يقول: هذه القبيلة
أثلاث: ثلث من العبيد، وثلث من الموالى، ولم يذكر الثلث الآخر.
(وشريت بردا ليتني * من بعد برد كنت هامه)
في سورة النساء عند قوله تعالى (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) أي يبيعونها،
فالذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة هم المبطئون وعظوا أن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان بالله ورسوله
ويجاهدوا في سبيل الله حق جهاده، والذين يبيعون هم المؤمنون الذين يستحبون الآجلة على العاجلة ويستبدلونها
بها. والبيت لابن مفرغ بالغين المعجمة وكسر الراء، قاله حين باع غلامه بردا عند منصرفه من سجستان إلى البصرة
وندم، وبعده:
يا هامة تدعو صمدي * بين المشقر فاليمامة
والشراء وإن كان في عرف الفقهاء في البيع أشهر لكنه في الابتياع أظهر في استعمالات العرب، ولم يأت
بشاهد للثاني. ويقالل أصبح فلان هامة: إذا مات، وهذا من حماستهم وتوهمهم أن عظام دماغ القتيل تصير هامة
تزقو أدركوني إلى أن يؤخذ ثأره قال:
فإن تك هامة بهراة تزقو * فقد أزقيت بالمروين هاما
والصدى: ذكر البوم، والمراد هامة تطير مع الهامات ولا يريد تذكيرا ولا تأنيثا:
(إني إذا ما القوم كانوا أنجيه * واضطرب القوم اضطراب الأرشيه
وشد فوق بعضهم بالأرويه * هناك أوصيني ولا توصى بيه)
في سورة يوسف عند قوله تعالى (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) حيث أفرد الحال وصاحبها جمع، فإن
النجى على تفسيره بمعنى المناجى كالعشير والسمير بمعنى المعاشر والمسامر، ومنه قوله تعالى (وقربناه نجيا) أي
مناجيا، وهذا في الاستعمال مفرد مطلقا، وبمعنى المصدر الذي هو التناجي كما قيل النجوى بمعناه، ومنه قيل
560

قوم نجى كما قيل (وإذ هم نجوى) بتنزيل المصدر منزلة الأوصاف، وحينئذ يكون فيه التوجيهات المذكورة
في رجل عدل، ويجوز أن يقال: هو قوم نجى كما قيل هم صديق، لأنه بزنة المصادر كالعميد والوخيد والذميل
وجمع أنجية كما قال: * إذا ما القوم كانوا أنجيه * ومعناه: صاروا فرقا لما حزبهم من الشر يتناجون ويتشاورون.
وقوله اضطرب القوم: أي أخذهم القيام والقعود وفارقهم القرار من شدة الخوف حتى يضطربوا اضطراب
الأرشية عند الاستقاء. وقوله * وشد فوق بعضهم بالأرويه * جمع الرواء وهو الحبل الذي يروى به: أي
يستقى هناك أشار به إلى المكان والزمان معا. والمعنى في ذلك الوقت يوجد الغناء والكفاية عندي ويحصل الصبر
والموادة، فاجعل وصايتك بي لا في واعتمد على لا غيري.
(وجارة جساس أبأنا بنابها * كليبا غلت ناب كليب بواؤها)
في سورة الفرقان عند قوله تعالى (لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا) أي بالغا أقصى غاياته حيث
أملو نيل رتبة المفاوضة الإلهية من غير توسط الرسول والملك كما قالوا (لولا يكلمنا الله) ولم يحسروا على
هذا
القول العظيم إلا أنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو، وهذه الجملة في حسن استئنافها غاية وفى أسلوبها قول
القائل * وجارة جساس أبأنا بنابها * الخ، وفى فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ تعجب،
ألا ترى أن المعنى: ما أشد استكبارهم وما أكبر عتوهم وما أغلى نابا بواؤها كليب. جساس: قاتل كليب،
وجارته بسوس: امرأة يقال إنها خالته، وقتل للبسوس الناقة التي بهاب هاجت الحرب بين بكر وتغلب، رماها
كليب فقتلها، ويقال في المثل: أشأم من البسوس. قيل لما غفر كليب ناقة جارة جساس قال جساس: ليقتلن
فحل هو أعظم من ناقتك، فبلغ ذلك كليبا فظن أنه فحله الذي يسمى عليان، فقال: دون عليان خرط القتاد، وكان
جساس يعنى بالفحل نفس كليب فقتله، فقوله أبأنا: أي قابلنا من البواء وهو التساوي في القصاص، والبواء
مهموز، تقول اقتل هذا بقتيلك فإنه بواء به: أي يعادله، قال الشاعر:
باءت عرار بكحل فيما بيننا * والحق يعرفه أولو الألباب
فقوله غلت ناب، الناب: الناقة، ومعناه: ما أغلى نابا بؤاوها كليب. وقد استشهد بالبيت المذكور في
سورة الصف عند قوه تعالى (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) وفعل من صيغ التعجب كظرف، قال
الزمخشري: قصد في كبر التعجب من غير لفظه، ومعنى التعجب تعظيم الأمر لأنه من الله محال.
(وكأس شربت على لذة * وأخرى تداويت منها بها
لكي يعلم الناس أنى امرؤ * أتيت المعيشة من بابها)
هو للأعشى. في سورة والصافات عند قوله تعالى (يطاف عليهم بكأس من معين) يقال للزجاجة التي فيها
الخمر كأس، وتسمى الخمر نفسها كأسا وهى مؤنثة ولهذا وصفت ببيضاء، وفى البيت بأخرى، وأنشد الأصمعي
يوشك من فر من منيته * يوما على علة يوافقها
من لم يمت غبطة يمت هرما * للموت كأس والمرء ذائقها
يقول: رب كأس شربت لطلب اللذة وكأس شربت للتداوي من خمارها كما قيل:
* ذهب الخمار بلذة الخمر * ليعلم الناس أنني رجل ذو رأى آتي أبواب المعيشة من حيث ينبغي أن
تؤتى، وفى معنى البيت قوله:
561

تداويت من ليلى بليلى من الهوى * كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
قال الأخفش: كل كأس في القرآن فهي الخمر وكذا في تفسير ابن عباس، وهو مجاز شائع.
(نفسي بشئ من الدنيا معلقة * الله والقائم المهدى يكفيها)
في سورة الجاثية عند قوله تعالى (وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا) من جهة أن الضمير المؤنث فيه
وجهان: أحدهما أنه عائد على آياتنا، والثاني أنه يعود على شئ وإن كان مذكرا لأنه بمعنى الآية كقول أبى العتاهية:
* نفسي بشئ من الدنيا معلقة * الخ، لأنه أراد بشئ جارية يقال لها عتبة كانت للمهدى من حظاياه وكان
أبو العتاهية يهواها، أهدى إلى المهدى في النيروز برنية فيها ثوب في حواشيه البيتان، فهم المهدى يدفعها إليه،
فقالت: أتدفعني إلى رجل جرار قبيح الوجه والمنظر متكسب بالتعشق والشعر؟ فانصرف عن ذلك وأمر أن تملأ
البرنية مالا وتدفع إليه، فقال أبو العتاهية للخزان: إنما أمر لي بدنانير، فقالوا: نعطيك دراهم ونراجع، فإن
كان دنانير قاصصناك، فاختلفوا في ذلك سنة، فقالت عتبة: لو كان عاشقا كما يصف لما فرق بينهما ولما صرف
همته إليها، وبعد البيت:
إني لأبأس منها ثم يطمعني * فيها احتقارك للدنيا وما فيها
(تشببي تشبب النميمة * تمشى بها زهرا إلى تميمة)
في سورة ن عند قوله تعالى (مشاء بنميم) والنميمة: السعاية. والشاعر يخاطب امرأة ويقول لها: تشببي كما
تشبب النميمة فإنها خصلة مذمومة قديمة. قال الحميدي: فقدما وقدت النميمة خير البشر حتى انتشر عن حمالة
الحطب ما انتشر، ثم قال: من قدمها تمشى بها زهرا، وهى اسم نمامة إلى تميمة وهى قبيلة تميم.
حرف الياء
(وكم موطن لولاي طحت كما هوى * بأجرامه من قلة النيق منهوى)
في سورة التوبة عند قوله تعالى (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) مواطن الحرب: مقاماتها ومواقفها،
والمراد وقعات بدر وقريظة والنضير والحديبية وخيبر وفتح مكة، وامتناعه من الصرف لأنه جمع على صيغة لم يأت
عليها واحد، طاح: أي هلك، قال:
ليبك يزيد ضارع لخصومة * ومختبط مما تطيح الطوائح
هوى من جبل عال يهوى هويا. وقلة النيق: رأس الجبل. ومعناه: رب موطن لولاى هلكت فيه كما هلك
المنهوي من رأى جبل عال 7، وأما عطف ظرف الزمان على ظرف المكان ومراعاة المناسبة، وإن لم تجب عند
النحويين تجب عند علماء البيان. قال صاحب التقريب: لا يعطف زمان على مكان، وإنه لا بد من تقدير عامل
آخر: إما عند يوم حنين على أن إذ أعجبتكم بدل من يوم حنين، وإما عند إذ أعجبتكم لأنه لو لم يقدر لزم أن
يكون إذ أعجبتكم قيدا للنصر المذكور فيلزم الإعجاب في جميع المواطن، والواقع بخلافه. والبيت من قصيدة
ليزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي أولها:
تكاشرني كرها كأنك ناصح * وعينك تبدى أن صدرك لي دوى
562

لسانك ماذى وعينك علقم * وشرك مبسوط وخيرك منطوى
فليت كفافا كان خيرك كله * وشرك عنه ما ارتوى الماء مرتوى
وكم مواطن البيت، وبعده:
جمعت وفحشا غيبة ونميمة * ثلاث خصال لست عنها بمرعوى
(لا هيثم الليلة في المطي * ولا فتى إلا ابن خيبري)
في سورة آل عمران عند قوله تعالى (ولو افتدى به) أي بمثله كقوله تعالى (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض
جميعا ومثله معه) والمثل يحذف في كلامهم كثيرا كقولهم: أبو يوسف أبو حنيفة يريد مثله: أي ولا مثل هيثم،
والهيثم: جمال يحسن مراعاة الجمال، يقول: لا مثل هيثم لمراعاة المطي، ومثله: قضية ولا أبا حسن لها، يريد به
عليا رضي الله عنه.
(قال لها هل لك يا نافى *
قالت له ما أنت بالمرضى * ماض إذا ما هم بالمضي)
في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي) بكسر الياء وهى ضعيفة، واستشهد لها
بهذا البيت المجهول، وكأنه قدر ياء الإضافة ساكنة، وقبلها ياء ساكنة فحركت بالكسر لما عليه أصل التقاء
الساكنين، ولكنه غير صحيح لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث قبلها ألف في نحو: عصاي فما بالها وقبلها
ياء، وقد انتدب لنصرة هذه القراءة أبو علي الفارسي في كتاب الحجة، وذكر وجهه مفصلا.
(ومثل الدمى شم العرانين ساكن * بهن الحياء لا يشعن التقافيا)
في سورة الإسراء عند قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) أي لا تتبع، والمراد النهى عن أن يقول الرجل
ما لا يعلم، وأن يعمل بما لا يعلم صحته من فساده. وعن ابن الحنيفة: شهادة الزور. وعن الحسن:
لا تقف أخاك المسلم إذا مر بك فتقول هذا يفعل كذا أو رأيته يفعل كذا أو سمعته ولم تر ولم تسمع. وقيل القفو
شبيه بالعضيهة، ومنه الحديث " من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في درغة الخبال حتى يأتي بالمخرج " ومعنى
العضيهة: الإفك والبهتان. ومعنى ردغة الخبال: أي عصارة. أهل النار وفى الصحاح: الردغة مثقلا ومخففا
الماء والطين والوحل الشدد. وقوله حتى يأتي بالمخرج: أي يحمل عليه من ذنوب المغتاب فيعذب في النار على
مقداره ثم يخرج منها، والدمى جمع دمية: وهى الصنم والصورة المنقوشة. والشمم: ارتفاع الأنف، وشم العرانين
كناية عن التكبر. لا يشعن: أي لا يظهرن التقافيا: أي التقاذف. يصف جماعة من النساء بالجمال والتكبر والحياء
وصون اللسان من القذف. وقوله لا يشعن التقافيا: أي لا تقافي بمعنى لا تقاذف ولا شيوع إذ لا بد له من الشيوع
لكونه بين اثنين.
(وقائلة خولان فانكح فتاتهم * وأكرومة الحيين خلو كما هيا)
قال العيني: قائله مجهول لا يعرف. في سورة مريم عند قوله تعالى (رب السماوات والأرض) بدل من ربك،
ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف: أي هو رب السماوات والأرض فاعبده، كقوله تعالى في سورة الفرقان
(الرحمن فاسئل به خبيرا) على تقدير أن يكون مبتدأ، وخبره الجملة من قوله فاسئل على رأى الأخفش، وقوله
وقائلة الخ. وعلى هذا الوجه يكون (وما كان ربك نسيا) من كلام المتقين وما بعده من كلام رب العزة،
وخولان:
563

اسم قبيلة. يقول: رب قبيلة قالت هؤلاء خولان فانكح فتاتهم، وكأنه أجابها فقال: وكيف أنكح فتاتهم والحال
أن أكرومة الحيين خلو من الأزواج وهى أولى أن أتزوجها، والمراد بالحيين: حي أبيها وحى أمها. والأكرومة
من الكرم كالأعجوبة من العجب. جعل هذه القبيلة لشرفها وحسن نسائها موجبة لنكاح فتاتهم، وزاد ترغيب
المخاطب بأن كريمة الطرفين من هذه القبيلة بعد على حالها فالموجب كله موجود. وقيل إنه ذكر المانع بأن كريمة
حي أبيه وأمه لم تتزوج، وهى أولى من أن يتزوج من الأجانب، وفى هذا البيت عشرة أمور مذكورة في شرح
الشواهد.
(تقادم العهد من أم الوليد بنا * دهرا وصار أثاث البيت خرثيا)
في سورة مريم عند قوله تعالى (أحسن أثاثا ورئيا) أناث البيت ماجد من الفرش. والخرثى بضم الخاء:
أثاث البيت وأسقاطه: أي قدم العهد من هذه المرأة حتى صار الأثاث والجهاز الذي كان معها ملبوسا عتيقا.
(وتضحك منى شيخة عبشمية * كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا)
في سورة طه عند قوله تعالى (لا تخاف دركا ولا تخشى) وقرئ لا تخف على الجواب، وفى (ولا تخشى)
على هذا ثلاثة أوجه: الاستئناف كأنه قيل وأنت لا تخشى: أي من شأنك أنك آمن، وأن لا تكون الألف المنقلبة
عن الياء التي هي لام الفعل ولكن زائدة للإطلاق من أجل الفاصلة كقوله (فأضلونا السبيلا - وتظنون بالله الظنونا)
وأن تقول مثل قوله * كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا * القائل كان أسيرا محبوسا في يوم فمرت به عجوز عبشمية
كأنها لم تر قط أسيرا محبوسا قبله. والعرب سمت عبد شمس والنسبة إليه عبشمي، وأنه أثبت الألف مع الجازم
في لم ترى لضرورة الشعر، ونظيره قوله * ولا ترضاها ولا تملق *
وقوله: * ألم يأتيك والأنباء تنمى * وقوله: * لم تهجو ولم تدع *
والبيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي، وكان أسر يوم الكلاب، وأول القصيدة هذه الأبيات:
ألا تلوماني كفى اللوم ما بيا * فما لكما في اللوم خير ولا ليا
ألم تعلما أن الملامة نفعها * قليل وما لومي أخي من سماتيا
فيا راكبا إما عرضت فبلغن * نداماى من نجران أن لا تلاقيا
جزى الله قومي بالكلاب ملامة * صريحهم والآخرين المواليا
أبا كرب والأبهمين كليهما * وقيسا بأعلى حضر موت اليمانيا
أقول وقد شدوا لساني بنبعة * أمعشر تيم أطلقوا عن لسانيا
أمعشر تيم قد ملكتم فأسجحوا * فإن أخاكم لم يكن من بوائيا
فإن تقتلوني تقتلوني سيدا * وإن تطلقوني تحربوني ماليا
أحقا عباد الله أن لست سامعا * نشيد الرماة المغريين التآليا
وتضحك منى شيخة عبشمية * كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
564

وظل نساء الحي حولي ركدا * يراودن منى ما تريد نسائيا
وقد علمت عرسي مليكة أنني * أنا الليث معدوا عليه وعاديا
وقد كنت نحار الجزور معمل * لسمطي وأمضى حيث لا حي ماضيا
وأنحر للشرب الكرام مطيتي * وأصدع بين القينتين ركابيا
وكنت إذا ما الخيل سمها القنا * لبيقا بتعريف القناة نبائيا
وعادية سوم الجرام وزعتها * بكفى وقد أنحو إلى العواليا
كأني لم أركب جوادا ولم أقل * لخيلي كرى نفسي عن رجاليا
ولم أسبأ الزق الروى ولم أقل * لأيسار صدق أعظموا ضوء ناريا
أخشى رجيلا أو ركيبا غاديا * والذئب أخشاه وكلبا عاويا)
في سورة الجن عند قوله تعالى (ملئت حرسا شديدا وشهبا) الحرس: اسم مفرد بمعنى الحراس كالخدم في معنى
الخدام ولذلك وصف بشديد، ولو ذهب إلى معناه لقيل شدادا ونحوه: أخشى رجيلا اه‍. وقال غاديا لأن
الرجل والركب مفردان في معنى الرجال والركبان، كما أن الحرس اسم مفرد في معنى الحراس.
(دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم * بمثل الجمال الصفر نزاعة الشوى)
في سورة المرسلات عند قوله تعالى (نزاعة للشوى) يصف عمرو بن حطان جهنم ودعاءها الكفار إلى نفسها.
قال تعالى (كلا إنها لظى نزاعة للشوى) وقوله دعتهم بأعلى صوتها. قال ابن عباس: تدعو الكافرين والمنافقين
بأسمائهم بلسان فصيح، وتقول: إلى إلى، تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب، وقوله: ورمتهم بمثل الجمال الصفر
كما قال تعالى (إنها ترمى بشرر كالقصر كأنه جمالات صفر) والجمال: جمع جمل، وقال صفر لإرادة الجنس،
وقيل صفر سود تضرب إلى الصفرة، وقوله (نزاعة للشوى) أي للأطراف وهى القوائم والجلود، وقيل الشوى جمع
شواة: وهى من جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلا، يقال رماه فأشواه إذا لم يصب مقتلا.
(ورواقم رقش كمثل أراقم * قطف الخطا نيالة أقصى المدى
سود القوائم ما يجد مسيرها * إلا إذا لعبت بها بيض المدى)
هما للمصنف في سورة القلم، حيث قال: ولبعضهم في صفة القلم وأنشد البيتين. الرقم: الكتابة، والرواقم جمع
راقم، وهو صفة لموصوف محذوف: أي رب أقلام رواقم، وهو مبتدأ، والرقش كالنقش، يقال: حية
رقشاء لترقيش في ظهر، وكمثل أراقم خبر المبتدأ جمع أرقم: وهو الحية التي فيها بياض وسواد، ومثل تستعمل
بمعنى الشبه وبمعنى نفس الشئ وزائدة، وعلى تقدير الزيادة يكون التقدير كأراقم، ويحتمل أن تكون الكاف
مؤكدة لمثل، كما عكس ذلك من قال * فصيروا مثل كعصف مأكول * والتقدير مثل مثل، وحسن الجمع
بين مثل والكاف اختلاف لفظيهما مع قصد المبالغة في التشبيه، ولو كررت المثل لم يجز قطف الخطا القطوف.
من الدواب البطئ المشي والخطا جمع خطوة بضم الخاء: ما بين القدمين، وبالفتح المرة الواحدة، وجمع القلة
خطوات والكثرة خطا. ونيالة اسم فاعل من بناء المبالغة، من نال ينال: أصاب، وأصله نيل ينيل كتعب يتعب،
565

وأقصى مفعوله، يقال أرض قاصية وقصية: أي بعيدة. والمدى آخر البيت الأول بالفتح: الغاية، وآخر البيت
الثاني بالضم جمع مدية: وهى الشفرة. سود القوائم: هو كطويل النجاد، من باب: جرد قطيفة، والقوائم
للدواب واحدتها قائمة. والجد في الأمر: الاجتهاد، يقال جد جدا من باب ضرب وقتل والاسم الجد بالكسر،
ومنه يقال فلان محسن جدا: أي نهاية ومبالغة، وجد في كلامه من باب ضرب: خلاف هزل. والجد هنا يحتمل
المعنيين، والمعنى الثاني مع كونه أبلغ لا يخلو من الموافقة لقصد رعاية المطابقة، وإسناد الجد إلى المسير من باب
جد جده: أي ما تجد هي في مسيرها. واللعب معروف، وإسناده إلى بيض المدى في باب (جدارا يريد أن ينقص)
والبيض جمع بيضاء، وهو من باب: جرد قطيفة، وأصل بيض بضم الباء، وإنما أبدلوا من الضمة كسرة لتصح
الياء، ويقال ملاعب الأسنة وملاعب الرماح.
فإن قلت: الجري على القاعدة كما هو مقتضى الظاهر إرجاع ضمير سيرها إلى سود القوائم وذوات الحوافر،
وهل يجوز أيضا أن يرجع الضمير إلى المضاف إليه وهو نفس القوائم. قلت ليس في ذلك أصل من جناح،
فهو من قبيل الكاتب باليد والطائر بالجناح.
ثم لا يخفى أن تشبيه الأقلام بدواب في النفس استعارة بالكناية وإثبات الخطو لها استعارة تخييلة وذكر القطف
ترشيح، كما أن تشبيهها بسود القوائم في النفس أيضا استعارة بالكناية وإثبات السير لها تخييلة وذكر الجد ترشيح.
فإن قلت: كيف شبه العلامة الناظم الأقلام أولا برقش الأراقم وثانيا بسود القوائم، وكيف وصفها أولا بقطف
الخطا: وهو المشي على مهل بحيث هو مضمون، وقد يكون مع المستعجل الزلل * وثانيا بكونها نيالة أقصى
المدى والسير على عجل كما يدل على ذلك صيغة المبالغة في الفعل والانفعال المعرب بذلك عن طول المضمار وبعد
المقال بحيث إن كادت ولم تكد غارت ولو طار ذو حافر قبلها لطارت. قلت: أولا لا منافاة بين الحالتين بالنظر
إلى اختلاف الأوقات، ولا تباين بين الهيئتين بملاحظة بعض الجهات، ولا منع من ذلك ولا امتناع، إذ مبنى
الظروف المكانية والزمانية على الاتساع، فربما طال المضمار، واتسع الميدان، وتفاوت فيه السيران، وتباين
الجريان، وتبين هناك المصلى من المبرز، وتميز السابق الذي هو لقصب السبق محرز، على أنه كم من ماشي على
مهل وهو سابق من يجد في المسير على عجل، ويرحم الله الطغرائي حيث يقول:
تقدمتني أناس كان شو طهو * وراء خطوى لو أمشى على مهل
وثانيا أن القائل العلامة مالك أزمة البلاغة وحائز قصب السبق الذي لا يبلغ فصيح بلاغة. ومن المقرر عند
أرباب الفن أن من فضائل التشبيه أن يأتيك من الشئ الواحد بأشياء عدة مثل أن يعطيك من الزند بإيرائه شبه
الجود أو الزكاء والنجح في الأمور وبإصلائه شبه البخيل والبليد والخيبة في السعي ومن الكمال عن النقصان كما
قال أبو تمام:
إن الهلال إذا رأيت نموه * أيقنت أن سيصير بدرا كاملا
وفى النقصان إلى الكمال كما قال أبو العلاء:
توقى البدور النقص وهى أهلة * ويدركها النقصان وهى كوامل
هذا، ثم لا يخفاك أن التشبيه المذكور من قبيل تشبيه المركب المحسوس بالمركب المحسوس بلا خلاف، فهو
كبيت بشار المتضمن تشبيه مثار النقع فوق الرؤوس مع الأسياف حيث شبه تلك الهيئة بالليل الذي تهاوى كواكبه
566

فهو يشابهه ويقاربه، ووجه الشبه فيما نحن فيه هو الهيئات التي تقع عليها الحركة، لأنك إذا لاحظت بنظرك
الصائب، ونظرت إلى القلم في يد الكاتب، وهو يحركها إلى جهة اليمين والشمال ملقيا لعابه، ولو أن كفه كف لسال
مكرر الذهاب والإياب، مع الهز والحركة الغير المستقيمة والاضطراب، صادرا واردا في المحبرة، ساحبا على رياض
الطرس أذيال إيراده المحبرة، وشاهدت الأفعى إذا انساب ووثب وذهب يسعى وأخرج لسانه ذا شعبتين
مرجفا يروم لسعا متحركا بحركات متفاوتة مختلفة متخيلا كأنه جان بصفة بعد صفة، تتغير بها هيئته وأوضاعه،
وتتجافى عن مضاجعه جنوبه وأضلاعه، وجدت هذه الهيئة مؤدية تلك الهيئة المذكورة وحاكية لها في حركاتها
على تلك الصورة المسطورة، وكذلك الجواد إذا رأيته في جريه مسرعا، مكرا مفرا مقبلا مدبرا معا.
هذا، تم لا يخفاك ما في البيتين من الصناعات البديعة، فبين الرواقم والأراقم شبه الاشتقاق بين قطف الخطا
ونيالة أقصى المدى صنعة الطباق، وكذلك بين السود والبيض والجد واللعب الجناس المحرف بين المدى والمدى
وغير ذلك.
وبالجملة فمن تأمل ما في البيتين من حسن الصناعات علم أنه السحر الحلال، وتحقق أن مثل هذه العلامة من
تخيل ثم خال، والحمد لله على كل حال.
وهذا آخر ما توخيناه من شرح أبيات الكشاف، وبيان مقاصدها على وجه شاق، بحيث يتيسر الوصول
والدخول إلى تلك الأبيات من أسهل طريق.
ونسأل الله الهداية والعناية والتوفيق، وأن يجعل خواتيم أعمالنا توبة مقبولة، وقلوبنا بذكره تعالى عن كل
ذكر مشغولة، وأن يمن علينا بحسن الختام، بحرمة نبيه سيدنا محمد خاتم الرسل الكرام، وعلى آله وأصحابه الفخام،
والصلاة والسلام عليه وعليهم إلى قيام الساعة وساعة القيام، والحمد لله على الدوام.
قد تم بعون من عم خلقه بخفى الألطاف، طبع شرح شواهد الكشاف، المسمى - (بتنزيل الآيات من الآبيات)
للعلامة محب الدين أفندي، رحمه الله المعيد المبدى.
(وكان طبعه الباهر، وتمثيله الزاهي الزاهر، بمطبعة مصطفى البابي الحلبي) رحمه الله، وحفظ عقباه من كل
سوء ومكروه.
وصلى الله على خير الأنام وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، آمين.
567

بحمد الله تعالى قد تم طبع (تنزيل الآيات على الشواهد عن الأبيات) للعالم الموفق
" محب الدين أفندي " وذلك بشركة " مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده " بمصر.
القاهرة في (19 ذي الحجة الحرام سنة 1387 ه‍ - 18 مارس سنة 1968 م).
568