الكتاب: الإنصاف فيما تضمنه الكشاف
المؤلف: ابن المنير الإسكندري
الجزء: ٤
الوفاة: ٦٨٣
المجموعة: مصادر التفسير عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٥ - ١٩٦٦ م
المطبعة:
الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ، عباس ومحمد محمود الحلبي وشركاهم - خلفاء
ردمك:
ملاحظات:

الانصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال
تأليف
الامام ناصر الدين أحمد بن محمد بن المنير الإسكندري المالكي
الجزء الرابع
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر
عباس ومحمد محمود الحلبي وشركاهم - خلفاء
1

الطبعة الأخيرة
1385 ه‍ = 1966 م
حقوق الطبع محفوظة للناشر
2

القول في سورة ق
(بسم الله الرحمن الرحيم)
3

قوله تعالى (أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد) وقع في النسخة ما أحكيه وصورته (فإن
قلت: لم نكر الخلق الجديد الخ) قال أحمد: هذا كلام كما تراه غير منتظم، والظاهر أنه لفساد في النسخة، والذي
يتحرر في الآية وهو مقتضى تفسير الزمخشري أن فيها أسئلة ثلاثة: لم عرف الخلق الأول ونكر اللبس والخلق
5

الجديد؟ فاعلم أن التعريف لا غرض منه إلا تفخيم ما قصد تعريفه وتعظيمه، ومنه تعريف الذكور في قوله - ويهب
لمن يشاء الذكور - ولهذا المقصد عرف الخلق الأول لأن الغرض جعله دليلا على إمكان الخلق الثاني بطريق الأولى:
أي إذا لم يعى تعالى بالخلق الأول على عظمته فالخلق الآخر أولى أن لا يعيا به، فهذا سر تعريف الخلق الأول.
وأما التنكير فأمره منقسم فمرة يقصد به تفخيم المنكر من حيث ما فيه من الإبهام كأنه أفخم من أن يخاطبه معرفة،
ومرة يقصد به التقليل من المنكر والوضع منه، وعلى الأول - سلام قولا من رب رحيم - وقوله - لهم مغفرة وأجر
عظيم - و - إن المتقين في جنات ونعيم - وقوله - بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم - وهو أكثر من أن يحصى. والثاني هو
الأصل في التنكير فلا يحتاج إلى تمثيله، فتنكير اللبس من التعظيم والتفخيم كأنه قال في لبس أي لبس، وتنكير
الخلق الجديد للتقليل منه والتهوين لأمره بالنسبة إلى الخلق الأول. ويحتمل أن يكون للتفخيم كأنه أمر أعظم من أن
يرضى الإنسان بكونه ملتبسا عليه مع أنه أول ما تبصر فيه صحته، ولعل إشارة الزمخشري إلى هذا والله أعلم، فهذا
كما تراه كلام مناسب لاستطراف أسئلة وأجوبة، فإن يكن هو ما أراده الزمخشري فذاك وإلا فالعق العسل ولا تسل.
6

قوله تعالى (قال قرينه ما أطغيته) قال فيه: إن قلت: لم طرحت الواو من هذه الجملة وذكرت في الأولى
وأجاب بأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى
وفرعون قال: فإن قلت: أين المقاولة؟ قلت: لما قال " قرينه هذا ما لدى عتيد " وتبعه قوله - قال قرينه ربنا
ما أطغيته - وتلاه - لا تختصموا - على أن ثم مقاولة من الكافر لكنها طرحت للدلالة عليها من السياق كأنه لما قال
القرين هذا ما لدى عتيد، قال الكافر رب هو أطغاني فلما قال الكافر ذلك قال القرين من أطغيته، فلما حكى قول
القرين والكافر كأن قائلا يقول فماذا قال الله تعالى؟ فقيل قال - لا تختصموا - أي لا تختصموا في دار الجزاء.
وذكر الواو في الجملة الأولى لأنها أول المقاولة ولابد من عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها
8

في الحصول: أعني مجئ كل نفس مع الملكين وهذه المقاولة إلى آخرها. قال: وقوله - وقد قدمت إليكم
بالوعيد - حال مما اشتمل عليه قوله لا تختصموا، وصح ذلك مع أن التقديم في الدنيا والخصومة في الآخرة لأن
المراد وقد صح عندكم أنى قدمت وصحة ذلك عندهم في الآخرة فاتحد زمان الفعلين الحال والعامل في صاحبه.
قوله تعالى (وما أنا بظلام للعبيد) قال فيه (إن قلت: كيف جاء على لفظ المبالغة الخ) قال أحمد: وذكر
فيه وجهان آخران أحدهما: أن فعالا قد ورد بمعنى فاعل فهذا منه. الثاني أن المنسوب في المعتاد إلى الملوك من الظلم
تحت ظلمهم إن عظيما فعظيم وإن قليلا فقليل، فلما كان ملك الله تعالى على كل شئ ملكه قدس ذاته عما يتوهم
مخذول والعياذ بالله أنه منسوب إليه من ظلم تحت شمول كل موجود، ولقد بدل القدرية فتوهموا أن الله تعالى لم يأمر
إلا بما أراده وبما هو من خلق العبد بناء على أنه لو كلف على خلاف ما أراد وبما ليس من خلق العبد لكان تكليفا
بما لا يطاق، واعتقدوا أن ذلك ظلم في الشاهد، فلو ثبت في الغائب لكان كما هو في الشاهد ظلما، والله تعالى
مبرأ من الظلم، ألا ترى هذا المعتقد كيف لزمهم عليه أن يكون الله تعالى ظلاما لعبيده، تعالى الله عن ذلك لأن
الحق الذي قامت بصحة البراهين هو عين ما اعتقدوه ظلما فنفوه، فلمثلهم وردت هذه الآية وأشباهها - لتبين
للناس ما نزل إليهم، و - لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل - والله الموفق للصواب.
قوله تعالى (يوم نقول لجهنم هل امتلأت) الآية، فيه (سؤال جهنم وجوابها من باب التخييل الذي
يقصد به تصوير المعنى الخ) قال أحمد: قد تقدم إنكاري عليه إطلاق التخييل في غير ما موضع، والنكير ههنا
9

أشد عليه، فإن إطلاق التخييل قد مضى له في مثل قوله - والأرض جميعا قبضته يوم القيامة - وفى مثل قوله - بل
يداه مبسوطتان - وإنما أراد به حمل الأيدي على نوع من المجاز، فمعنى كلامه صحيح لأنا نعتقد فيهما المجاز وندين الله
بتقديسه عن المفهوم الحقيقي فلا بأس عليه في معنى إطلاقه، غير أنا مخاطبون باجتناب الألفاظ الموهمة في حق
جلال الله تعالى وإن كانت معانيها صحيحة، وأي إيهام أشد من إيهام لفظ التخييل، ألا ترى كيف استعمله الله فيما
أخبر أنه سحر وباطل في قوله - يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى - فلا يشك في وجوب اجتنابه، ثم يعود بنا الكلام
إلى إطلاقه ههنا فنقول: هو منكر لفظا ومعنى، أما اللفظ فقد تقدم، وأما المعنى فلأنا نعتقد أن سؤال جهنم
وجوابها حقيقة وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك بذلك بشرطه، وكيف نفرض وقد وردت الاخبار وتظاهرت على
ذلك: منها هذا، ومنها لجاج الجنة والنار، ومنها اشتكاؤها إلى ربها فأذن لها في نفسين، وهذه وإن لم تكن نصوصا
فظواهر يجب حملها على حقائقها لأنا متعبدون باعتقاد الظاهر مالم يمنع مانع، ولا مانع ههنا فإن القدرة صالحة والعقل
يجوز والظواهر قاضية بوقوع ما صوره العقل، وقد وقع مثل هذا قطعا في الدنيا كتسليم الشجر وتسبيح الحصا
وفى كف النبي صلى الله عليه وسلم وفى يد أصحابه، ولو فتح باب المجاز والعدول عن الظاهر في تفاصيل المقالة
لاتسع الخرق وضل كثير من الخلق عن الحق، وليس هذا كالظواهر الواردة في الإلهيات مما لم يجوز العقل اعتقاد
ظاهرها، فإن العدول فيها عن ظاهر الكلام بضرورة الانقياد إلى أدلة العقل المرشدة إلى المعتقد الحق فاشدد يدك
بما فصل في هذا الفصل مما أرشدتك به إلى منهج القرب والوصل، والله الموفق.
قوله تعالى (من خشى الرحمن بالغيب) قال فيه: إن قلت: كيف قرن الخشية باسمه الدال على سعة الرحمن الخ؟)
10

قال أحمد: ومن هذا الوادي بالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثناء على صهيب بقوله " نعم العبد صهيب
لو لم يخف الله لم يعصه ".
11

القول في سورة الذاريات
(بسم الله الرحمن الرحيم)
13

قوله تعالى (يؤفك عنه من أفك) قال فيه (يصرف عنه من صرف الصرف الذي لاصرف أشد منه الخ) قال
أحمد: إنما أفاد هذا النظم المعنى الذي ذكر من قبل أنك إذا قلت يصرف عنه من صرف علم السامع أن قولك يصرف
عنه يغنى عن قولك من صرف، لأنه بمجرده كالتكرار الأول لولا ما يستشعر فيه من فائدة تأبى جعله تكرار، وتلك
الفائدة أنك لما خصصت هذا بأنه هو الذي صرف أفهم أن غيره لم يصرف، فكأنك قلت: لا يثبت الصرف
في الحقيقة إلا لهذا، وكل صرف دونه فكلا صرف بالنسبة إليه، والله تعالى أعلم.
14

قوله تعالى (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) ذكر فيه وجهين (أن تكون ما زائدة وقليلا ظرف منتصب
بيهجعون: أي كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل، أو تكون ما مصدرية أو موصولة على كانوا قليلا من
الليل هجوعهم أو ما يهجعون فيه وارتفاعه بقليلا على الفاعلية اه‍ كلامه) قال أحمد: وجوه مستقيمة خلا جعل
ما مصدرية، فإن قليلا حينئذ واقع على الهجوع لأنه فاعله، وقوله من الليل لا يستقيم أن يكون صفة للقليل ولا بيانا
له، ولا يستقيم أن يكون من صلة المصدر لأنه تقدم عليه، ولا كذلك على أنها موصولة فإن قليلا حينئذ واقع على الليل كأنه
قال قليلا المقدار الذي كانوا يهجعون فيه من الليل، فلا مانع أن يكون من الليل بيانا للقليل على هذا الوجه، وهذا الذي
ذكره إنما تبع فيه الزجاج، وقد رد الزمخشري أن تكون ما نفيا وقليلا منصوب بيهجعون على تقدير كانوا ما يهجعون
قليلا من الليل، وأسند رده إلى امتناع تقدم ما في حيز النفي عليه. قلت: وفيه خلل من حيث المعنى، فإن طلب قيام
15

جميع الليل مستثنى منه الهجوع وإن قل غير ثابت في الشرع ولا معهود. ثم قال وصفهم بأنهم يحيون الليل
متهجدين فإذا أسحروا شرعوا في الاستغفار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم. قال: وقوله هم معناه هم الأحقاء
بالاستغفار دون المصرين. قال: وفى الآية مبالغات: منها لفظ الهجوع وهو الخفيف القرار من النوم. قال:
وقوله قليلا وقوله من الليل لأنه وقت السبات: قال: ومنها زيادة ما في بعض الوجوه. قلت: وفى عدها من
المبالغة نظر، فإنها تؤكد الهجوع وتحققه إلا أن يجعلها بمعنى القلة فيحتمل.
16

قوله تعالى (فراغ إلى أهله) قال فيه (إشارة لاختفائه من ضيوفه ومن أدب المضيف أن يخفى أمره الخ) قال
أحمد: معنى حسن، وقد نقل أبو عبيد أنه لا يقال راغ إلا إذا ذهب على خفية، ونقل أبو عبيد في قوله عليه
الصلاة والسلام " إذا كفى أحدكم خادمه حر طعامه فليقعده معه وإلا فليروغ له لقمة " قال أبو عبيد: يقال روغ
اللقمة وسغسغها وسغسغها ومرغها إذا غمسها فرويت سمنا. قلت: وهو من هذا المعنى لأنها تذهب مغموسة
في السمن حتى تخفى، ومن مقلوبه غور الأرض والجرح وسائر مقلوباته قريبة من هذا المعنى، والله أعلم.
18

قوله تعالى (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين) قال فيه (معنى ففروا إلى الله: أي إلى طاعته من معصيته
وإلى ثوابه الخ) قال أحمد: حمل الآية مالم تحمله، لأنه لا يكاد يخلى سورة حتى يدس في تفسيرها بيده من معتقده،
فدس ههنا القطع بوعيد الفساق وبخلودهم كالكفار، ولا تحتمل الآية لما ذكر فإن العناية في قوله - ففروا إلى الله -
الفرار إلى عبادة الله. فتوعد من لم يعبد الله ثم نهى عابده أن يشرك بعبادة ربه غيره وتوعد على ذلك. وفائدة
تكرارا النذارة الدلالة على أنه لا تنفع العبادة مع الإشراك، بل حكم المشرك حكم الجاحد المعطل، لا كما قال
الزمخشري المأمور به في الأول الطاعة الموظفة بعد الإيمان، فتوعد تاركها بالوعيد المعروف له وهو الخلود، وعلى هذا
20

لا يكون تكرارا على اختلاف الوعيدين فهو أولى، فكيف يحمل الآية على خلاف ما هو أولى بها ليتم الاستدلال بها
على معتقده الفاسد؟ نعوذ بالله من ذلك.
قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) قال فيه (إلا لأجل العبادة ولم أرد من جميعهم إلا إياها
الخ) قال أحمد: من عادته أنه إذا استشعر أن ظاهرا موافق لمعتقده نزله على مذهبه بصورة إيراد معتقد أهل السنة
سؤالا وإيراد معتقده جوابا، فكذلك صنع ههنا فنقول: السؤال الذي أورده مما لا يجاب عنه بما ذكره، فإنه
سؤال مقدماته قطعية عقلية، فيجب تنزيل الآية عليه وهى أن ظاهر سياق الآية دليل لأهل السنة، فإنها إنما سيقت
لبيان عظمته عز وجل، وأن شأنه من عبيده لا يقاس به شأن عبيد الخلق معهم، فإن عبيدهم مطلوبون بالخدمة
والتكسب للسادة بواسطة مكاسب عبيدهم قدر أرزاقهم، والله تعالى لا يطلب من عباده رزقا ولا إطعاما وإنما
يطلب منهم عبادته لا غير، وزائد على كونه لا يطلب منهم رزقا أنه هو الذي يرزقهم، فهذا المعنى الشريف هو
الذي تجلى تحت راية هذه الآية وله سيقت وبه نطقت، ولكن الهوى يعمى ويصم، فحاصله وما خلقت الجن
والإنس إلا لأدعوهم إلى عبادتي، وهذا ما لا يعدل عنه أهل السنة فإنه وافق معتقدهم، وبالله التوفيق.
21

القول في سورة الطور
(بسم الله الرحمن الرحيم)
22

قوله تعالى (هذه النار التي كنتم بما تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون) قال فيه (يريد هذا المصداق أيضا
سحر، ودخلت الفاء لهذا المعنى أم أنتم لا تبصرون كما كنتم الخ).
23

القول في سورة النجم
(بسم الله الرحمن الرحيم)
27

قوله تعالى (فكان قاب قوسين) قال فيه (تقديره فكان مسافة قربه مثل قاب قوسين إلى آخره) قال أحمد
وقد قال بعضهم: إنه كناية عن المعاهدة على لزوم الطاعة، لأن الحليفين في عرف العرب إذا تحالفا على الوفاء
والصفاء ألصقا وترى قوسيهما. قلت: وفيه ميل لقوله - أو أدنى -.
28

قوله تعالى (فأوحى إلى عبده ما أوحى) قال فيه (هذا تفخيم للوحى الذي أوحى الله إليه) قال أحمد: التفخيم
لما فيه من الإبهام كأنه أعظم من أن يحيط به بيان وهو كقوله - إذ يغشى السدرة ما يغشى - وقوله - فغشيهم من اليم
ما غشيهم -.
29

قوله تعالى (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال فيه (معناه: قد رأى من آيات ربه الآيات التي الخ) قال
أحمد: ويحتمل أن تكون الكبرى صفة آيات ربه لا مفعولا به، ويكون المرئي محذوفا لتفخيم الأمر وتعظيمه،
كأنه قال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى أمورا عظاما لا يحيط بها الوصف، والحذف في مثل هذا أبلغ وأهول،
وهذا والله أعلم أولى من الأول لأن فيه تفخيما لآيات الله الكبرى، وأن فيها ما رآه وفيها ما لم يره، وهو على الوجه
الأول يكون مقتضاه أنه رأى جميع الآيات الكبرى على الشمول والعموم. وفيه بعد، فإن آيات الله تعالى مالا يحيط
أحد علما بجملتها، فإن قال عام أريد به خاص فقد رجع إلى الوجه الذي ذكرنا، والله أعلم.
قوله تعالى (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) قال فيه (اشتقاق اللات من لوى على كذا إذا أقام
عليهم لأنهم كانوا الخ) قال أحمد: الأخرى تأنيث آخر، ولا شك أنه في الأصل مشتق من التأخير الوجودي، إلا
أن العرب عدلت به عن الاستعمال في التأخير الوجودي إلى الاستعمال حيث يتقدم ذكر مغاير لا غير حتى سلبته
دلالته على المعنى الأصلي، بخلاف آخر وآخرة على وزن فاعل وفاعلة فإن إشعارها بالتأخير الوجودي ثابت
لم يغير، ومن ثم عدلوا عن أن يقولوا ربيع الآخر على وزن الأفعل، وجمادى الأخرى إلى ربيع الآخر على وزن
فاعل، وجمادى الآخرة على وزن فاعلة. لأنهم أرادوا أن يفهموا التأخير الوجودي لأن الأفعل والفعلي من هذا
30

الاشتقاق مسلوب الدلالة على غرضهم فعدلوا عنها إلى الآخر والآخرة والتزموا ذلك فيهما، وهذا البحث مما كان
الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله تعالى قد حرره آخر مدته، وهو الحق إن شاء الله تعالى، وحينئذ يكون المراد
الإشعار بتقدم مغاير في الذكر مع ما نعتقده في الوفاء بفاصلة رأس الآية، والله أعلم.
31

قوله تعالى (أضحك وأبكى) قال فيه (أي خلق قوتي الضحك والبكاء) قال أحمد: وخلق أيضا فعلى الضحك
والبكاء على قواعد السنة، وعليه دلت الآية غير مثابرة لتحريفه، والله الموفق.
قوله تعالى (وأن عليه النشأة الأخرى) قال فيه (إنما قال عليه لأنها واجبة علية الخ) قال أحمد: هذا من فساد
اعتقاد المعتزلة الذي يسمونه مراعاة للصلاح والحكمة، وأي فساد أعظم مما يؤدى إلى اعتقاد الإيجاب على رب
الأرباب تعالى الله عن ذلك. ومثل هذه القاعدة التي عفت البراهين القاطعة رسمها وأبطلت حكمها لا يكفي فيها
كلمة محتملة هي لو كانت ظاهره لوجب تنزيلها على ما يوفق بينها وبين القواطع والذي حملت عليه لفظة " عليه "
غير هذا المعنى، وهو أن المراد أن أمر النشأة الأخرى يدور على قدرته عز وجل وإرادته، كما يقال دارت قضية فلان
على يدي، وقول المحدثين على يدي دار الحديث: أي هو الأصل فيه والسند، والله أعلم.
34

القول في سورة القمر
(بسم الله الرحمن الرحيم)
35

قوله تعالى (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر) قال فيه (إن قلت: ما فائدة
كذبوا بعد قوله - كذبت قبلهم قوم نوح - الخ) قال أحمد: قد تقدم كلامه على قوله تعالى - وكذب الذين من
قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي - وأجاب عنه بجوابين: أحدهما متعذر ههنا والآخر ممكن وهو
أن ذلك كقول القائل أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام، وقد مضى لي جوابان: أحدهما
يمكن إجراؤه هنا وحاصله منع ورود السؤال لأن الأول مطلق، والثاني مقيد فليس تكرارا وهو كقوله في هذه
السورة - فتعاطى فعقر - فإن تعاطيه هو نفس عقره، ولكن ذكره من جهة عمومه ثم من ناحية خصوصه إسهابا
37

وهو بمثابة ذكره مرتين. وجواب آخر هنا وهو أن الكذب أولا محذوف دل عليه ذكر نوح فكأنه قال: كذبت
قوم نوح نوحا، ثم جاء بتكذيبهم ثانيا مضافا إلى قوله عبدنا فوصف نوحا بخصوص العبودية وأضافه إليه إضافة
تشريف، فالتكذيب المخبر عنه ثانيا أبشع عليهم من المذكور أولا لتلك اللمحة. والله أعلم،
38

قوله تعالى (إنا كل شئ خلقناه بقدر) قال فيه (منصوب بمضمر يفسره الظاهر) قال أحمد: كان قياس
ما مهده النحاة اختيار رفع كل، لكن لم يقرأ بها واحد من السبعة، وإنما كان كذلك لأن الكلام مع الرفع جملة
واحدة ومع النصب جملتان، فالرفع أخصر مع أنه لا مقتضى للنصب ههنا من أحد الأصناف الستة: أعني الأمر
والنهى إلى آخرها، ولا أجد هنا مناسب عطف ولا غيره مما يعدونه من محال اختيارهم للنصب، فإذا تبين ذلك
41

فاعلم أنه إنما عدل عن الرفع إجماعا لسر لطيف يعين اختيار النصب، وهو أنه لو رفع لوقع الجملة التي هي
خلقناه صفة لشئ، ورفع قوله بقدر خبرا عن كل شئ المقيد بالصفة، ويحصل الكلام على تقدير: إنا كل شئ
مخلوق لنا بقدر، فأنهم ذلك أن مخلوقا ما يضاف إلى غير الله تعالى ليس بقدر، وعلى النصب يصير الكلام إنا
خلقنا كل شئ بقدر فيفيد عموم نسبة كل مخلوق إلى الله تعالى، فلما كانت هذه الفائدة لا توازيها الفائدة اللفظية
على قراءة الرفع مع ما في الرفع من نقصان المعنى ومع ما في هذه القراءة المستفيضة من مجئ المعنى تاما واضحا كفلق
الصبح لا جرم أجمعوا على العدول عن الرفع إلى النصب، لكن الزمخشري لما كان من القاعدة أصحابه تقسيم المخلوقات
إلى مخلوق الله ومخلوق لغير الله، فيقولون هذا لله بزعمهم وهذا لنا فغرت هذه الآية فاه وقام إجماع القراء حجة
عليه، فأخذ يستروح إلى الشقاء وينقل قراءتها بالرفع فليراجع له ويعرض عليه إعراض القراء السبعة عن هذه الرواية
مع أنها هي الأولى في العربية لولا ما ذكرناه أيجوز في حكمه حينئذ الإجماع على خلاف الأولى لفظا ومعنى من غير
معنى اقتضى ذلك أم لا؟ وهو الخير فيما يحكم به، فإلى الله ترجع الأمور.
42

القول في سورة الرحمن
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان) قال
فيه (عدد الله عز وجل آلاءه فأراد أن يقدم أول شئ ما هو أسبق قدما في ضروب آلائه الخ) قال أحمد: نغير
من هذا الكلام قوله إن خلق الإنسان كان الغرض فيه: أي المراد منه أن يحيط علما بالكتب والوحي، ويعوض
بأن المراد بخلقه أن يدعى إلى ذلك لا أن يقع ذلك منه، فهذا هو المراد العام، ثم منهم من أراد الله منه أن يحيط علما
بالدين فيسر له ذلك، ومنهم من أراد ضلالته وجهالته فبعد عنه ولم يوفق، والله الموفق للصواب. عاد كلامه، قال
(ثم ذكر ما تميز به عن سائر الحيوان من البيان وهو المنطق الفصيح المعرب الخ) قال أحمد: وإنما خص الجمل
43

الأول بذكرها تبكيتا للإنسان لأجل التصاق معانيها به، ألا ترى أنه مذكور فيها نطقا وإضمارا وحذفا مدلولا عليه
في الكلام فهو منطوق به مظهرا في قوله - خلق الإنسان - ومضمرا في قوله - علمه البيان - ومدلولا على حذفه
في قوله علم القرآن فإنه المفعول الثاني، أما قوله - الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان - فليس
للإنسان فيهما ذكر البتة، وجل المقصود من سياقهما التنبيه على عظمة الله تعالى. عاد كلامه، قال (وإنما قرن
هاتين الجملتين لتناسبهما من حيث التقابل الخ).
44

قوله تعالى (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) قال فيه (إن قلت: لم قال منهما وإنما يخرجان من الملح الخ؟)
45

قال أحمد: هذا القول الثاني مردود بالمشاهدة، والصواب هو الأول ومثله - لولا نزل هذا القرآن على رجل من
القريتين عظيم - وإنما أريد إحدى القريتين هذا هو الصحيح الظاهر، وكما تقول فلان من أهل ديار مصر وإنما
بلده محلة واحدة منها.
قوله تعالى (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) قال فيه (الوجه يعبر به عن الذات ومساكين مكة
يقولون الخ) قال أحمد: المعتزلة ينكرون الصفات الإلهية التي دل عليها العقل فكيف بالصفات السمعية، على أن
46

من الأشعرية من حمل الوجه واليدين والعينين على نحو ما ذكر ولم ير بيانها صفات سمعية، ثم قال: فإن قلت:
كيف عد هذا من الآلاء والنعم وحاصله فناء الخلق؟ وأجاب بأن معناه: أنهم يفنون ثم يبعثون إلى دار الجزاء:
أي دار النعيم المقيم الحقيق بأن يكون هو النعيم لا غير.
47

قوله تعالى (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) قال فيه (لم يطمث الإنسية إنسي ولا الجنية جنى الخ) قال
أحمد: يشير إلى الرد على أن من زعم أن الجن المؤمنين لا ثواب لهم وإنما جزاؤهم ترك العقوبة وجعلهم ترابا. وقال
49

في قوله (ومن دونهما جنتان) إنما تقاصرت صفة هاتين الجنتين عن صفة الأوليين حتى قال ومن دونهما لأنه قال
- مدهامتان - وذلك دون ذواتا أفنان، ونضاختان وذلك دون تجريان، وفاكهة وذلك دون من كل فاكهة وكذلك
صفة الحور.
50

القول في سورة الواقعة
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعال (ليس لوقعتها كاذبة) قال فيه (كاذبة صفة تقدير موصوفها نفس كاذبة الخ).
51

قوله تعالى (فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك
المقربون في جنات النعيم) قال فيه (ما تعجيب من حال المقربين الخ) قال أحمد: اختار ما هو المختار لأنه أقعد
52

بالفصاحة، لكن بقى التنبيه على المخالفة بين المذكورين في السابقين وفى أصحاب اليمين، مع أن كل واحد منهما
إنما أريد به التعظيم والتهويل لحال المذكورين فنقول: التعظيم المؤدى بقوله السابقون أبلغ من قرينه، وذلك أن
مؤدى هذا أن أمر السابقين وعظمة شأنه ما لا يكاد يخفى، وإنما تحيرفهم السامع فيه مشهور، وأما المذكور في قوله
- وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة - فإنه تعظيم السامع بما ليس عنده منه علم السابق، ألا ترى كيف بسط حال
السابقين بقوله - أولئك المقربون - فجمع بين اسم الإشارة المشار به إلى معروف، وبين الإخبار عنه بقوله
المقربون معرفا بالألف واللام العهدية، وليس مثل هذا مذكورا في بسط حال أصحاب اليمين فإنه مصدر بقوله
- في سدر مخضود -.
53

قوله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم) قال فيه (لا زائدة مؤكدة مثلها في قوله - لئلا يعلم أهل الكتاب -
قال: وقرأ الحسن فلأقسم واللام في هذه الابتداء الخ) قلت: تلخيص الرد بهذا الوجه الثاني أن سياق الآية يرشد
إلى أن قسم بمواقع النجوم واقع، ويدل عليه القراءة الأخرى على زيادة لا، ومقتضى جعلها جوابا لقسم محذوف
أن لا يكون القسم بمواقع النجوم واقعا بل مستقبلا فتتنافر القراءتان إذا، والله الموفق للصواب. ثم قال (قوله
- وإنه لقسم لو تعلمون عظيم - اعتراض فيه اعتراض، فالجملة الكبرى اعتراض بين القسم والجواب الخ) قال
أحمد: وعلى هذا التفسير يكون جواب القسم مناسبا للمقسم مثل قوله - حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا -
ومن واديه * وثناياك إنها إغريض * كما تقدم.
58

القول في سورة الحديد
(بسم الله الرحمن الرحيم)
60

قوله تعالى (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) قال فيه (إن قلت: ما معنى الواو؟ وأجاب بأن المتوسطة
بين الأول والآخر للجمع بين معنى الأولية والبقاء الخ) قال: ومعنى الظاهر: أي بالأدلة، والباطن: أي عن
الحواس: قال: وفيه دليل الرد على من زعم أنه تعالى يرى في الآخرة بالحاسة. قلت: لا دليل فيه على ذلك، فإن
لنا أن نقول: إن المراد عدم الإدراك بالحاسة في الدنيا لا في الآخرة، ونحن نقول به أو في الآخرة، والمراد الكفار
والجاحدون للرؤية كالقدرية، ألا ترى إلى قوله - كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون - فإن قيل: تقييد وتخصيص
61

على خلاف الظاهر. قلنا: والمسألة قطعية فيكفي الاحتمال، وأيضا فقسيمه لابد فيه من تخصيص فإنه تعالى لم يظهر
جميع خلقه على الأدلة الموصلة إلى معرفته، بل أخفاها عن كثير منهم وحرمهم الفوز بالإيمان به عز وجل، فالظاهر
إذا معناه في التخصيص كالثاني طبقا بينه وبين الأول.
قوله تعالى (والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين) قال فيه (أخذ الميثاق عبارة
عن تركيب العقول فيهم الخ) قال أحمد: وما عليه أن يحمل أخذ الميثاق على ما بينه الله في آية غير هذه إذ يقول
تعالى - وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟؟؟ قالوا بلى - ولقد
يريبني منه إنكاره لكثير من مثل هذه الظواهر والعدول بها عن حقائقها مع إمكانها عقلا ووقوعها بالسمع قطعا
إلى ما يتوهمه من تمثيل يسميه تخييلا فالقاعدة التي تعتمد عليها كي لا يضرك ما يومئ إليه أن ما كل ما جوزه العقل وورد
بوقوعه السمع وجب حمله على ظاهره، والله الموفق.
62

قوله تعالى (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناهم عليهم) الآية. قال فيه
(الرهبانية الفعلة المنسوبة للرهبان الخ) قال أحمد: وفيه إشكال فإن النسب إلى الجمع على صيغته غير مقبول عندهم
حتى يرد إلى مفرده، إلا أن يقال: إنه لما صار الرهبان طائفة مخصوصة صار هذا الاسم وإن كان جمعا كالعلم لهم
فلحق بأنصاري ومدائني وأعرابي. عاد كلامه، قال (وهى منصوبة بفعل مضمر الخ) قال أحمد: في إعراب
هذه الآية تورط أبو علي الفارسي وتحيز إلى فئة الفتنة وطائفة البدعة، فأعرب رهبانية على أنها منصوبة بفعل مضمر
يفسره الظاهر، وعلل امتناع العطف فقال: ألا ترى أن الرهبانية لا يستقيم حملها على جعلنا مع وصفها بقوله
ابتدعوها لأن ما يجعله هو تعالى لا يبتدعونه هم، والزمخشري ورد أيضا مورده الذميم وأسلمه شيطانه الرجيم؟
فلما أجاز ما منعه أبو علي من جعلها معطوفة أعذر لذلك بتحريف الجعل إلى التوفيق فرارا مما فر منه أبو علي من
اعتقاد أن ذلك مخلوق لله تعالى وجنوحا إلى الإشراك واعتقاد أن ما يفعلونه هم لا يفعله الله تعالى ولا يخلقه، وكفى
بما في هذه الآية دليلا بعد الأدلة القطعية والبراهين العقلية على بطلان ما اعتقداه، فإنه ذكر محل الرحمة والرأفة مع
العلم بأن محلها القلب، فجعل قوله في قلوب الذين اتبعوه تأكيدا لخلقه هذه المعاني وتصويرا لمعنى الخلق بذكر
محله، ولو كان المراد أمرا غير مخلوق في قلوبهم لله تعالى كما زعما لم يبق لقوله في قلوب الذين اتبعوه موقع، ويأبى
67

الله أن يشتمل كتابه الكريم على مالا موقع له، ألهمنا الحجة وأنهج بنا واضح المحجة، إنه ولى التوفيق وواهب
التحقيق.
68

القول في سورة المجادلة
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) قال فيه (قالت عائشة رضي الله عنها: الحمد لله الذي وسع سمعه
الأصوات الخ) قال أحمد: ولقد استدل به بعضهم على عدم لزوم ظهار الذمي وليس بقوى لأنه غير المقصود.
69

عاد كلامه، قوله تعالى (ثم يعودون لما ما قالوا) قال فيه (يعنى والذين كانت عادتهم أن يقولوا هذا القول الخ)
قال أحمد: وهذا الوجه يلزم الكفارة بمجرد قول الظهار في الإسلام لاغير، والقول بوجوبها بمجرد الظهار قول
مجاهد من التابعين وسفيان من الفقهاء. عاد كلامه، قال (ووجه ثان ثم يعودون لما قالوا ثم يتداركون ما قالوا الخ)
قال أحمد: وهذا التفسير منزل على أن وجوب الكفارة مشروط بالعود بعد الظهار وهو القول المشهور لفقهاء
الأمصار، ولا يخص هذا التفسير وجها من وجوه العود التي ذكرها العلماء. عاد كلامه. قال (ووجه ثالث وهو
أن يكون المراد بما قالوه الخ) قال أحمد: وهذا التفسير يقوى القول بأن العود الوطء نفسه. لأن حاصله ثم
70

يعودون للوطء، وظاهر قولك عاد للوطء فعله، وحمل العود على الوطء من جملة أقوال مالك رحمه الله، فقد
تلخص أن كلام المختلفين في العود له مآخذ من هذه الآية العود، فأما من لم يقف وجوب الكفارة عنده إلا على
مجرد الظهار فحمل على الظهار وتسميته عودا والحالة هذه باعتبار أنه كان في الجاهلية وانقطع في الإسلام فإيقاعه
بعد الإسلام عود إليه، وأما من أوقفها على العود وجعل العود أن يعيد لفظ الظهار وهو قول داود فاعتبر ظاهر
اللفظ، وأما من حمل العود على العزم على الوطء فرأى أن العود إلى القول الأول عود بالتدارك لا بالتكرار وتدارك
بعضه ببعضه وهل نقيضه العزم على الوطء لأن الأول امتناع منه أو العزم على الإمساك، لأن العصمة تقتضى
الحل وعدم الامتناع فيكفي محل خلاف، وأما من حمله على الوطء نفسه فرأى أن المراد بالقول المقول فيه، ويحمل
قوله من قبل أن يتماسا: أي مرة ثانية، وقد اختلف العلماء أيضا فيما إذا قدم الوطء على الكفارة، فالمذهب
المشهور للعلماء أن ذلك لا يسقط الكفارة ولا يوجب أخرى. وذهب مجاهد إلى إيجاب أخرى به. وذهبت طائفة
إلى إسقاط الكفارة به أصلا ورأسا، وكأن منشأ خلافهم النظر إلى قوله - من قبل أن يتماسا - فرآه أكثر العلماء منعا
من الوطء قبل التكفير حتى كأنه قال لا تماس حتى تكفر. ورأته الطائفة المسقطة للكفارة بالوطء شرطا في
الوجوب، فلا جرم إذا مسها، فقد فقد الشرط الذي هو عدم التماس فسقط الوجوب، ورآه مجاهد في إيجاب
الكفارة فإذا تماسا قبل الكفارة تعددت، ثم فيه نظر آخر وهو أنه ذكر عدم التماس في كفارتي العتق والصوم
وأسقطه في كفارة الإطعام، فتلقى أبو حنيفة بذلك الفرق بين الإطعام وبين الأخريين حتى إنه لو وطء في حال
الإطعام لم يجب عليه استئناف كفارة، بخلاف الأخريين فإن الوطء في خلال كل واحدة منهما يوجب إبطالها
واستئناف أخرى، على أن أبا حنيفة سوى بين الثلاث في تحريم المساس قبل حصولها كاملة، كذا نقل الزمخشري
عنه،. ولقائل أن يقول على أبي حنيفة إذا جعلت الفائدة في ذكر عدم التماس في بعضها وإسقاطه من بعضها الفرق
بين أنواعها فلم صرفت الفرق إلى أحد الحكمين وهو إيجاب الاستئناف بالوطء في خلال الكفارة في بعضها دون
البعض دون الحكم الآخر وهو تحريم التماس قبل الشروع في الكفارة، فما تخصيص أحد الحكمين دون الآخر إلا
71

نوع من التحكم، وله أن يقول: اتفقنا على التسوية فيه فتعين صرفه إلى الآخر، هذا منتهى النظر مع أبي حنيفة.
ورأى القائلون بأن الطعام يبطل بتخلل الوطء في أثنائه كالصيام أن فائدة ذكره عدم المماسة ثم إسقاطه التنبية على
التسوية بين التكفير قبل وبعد، وتقريره أن ذكره مع الاثنين كذكره مع الثالث، وإطلاق الثالث كإطلاق الاثنين
فكأنه قال في الجميع: من قبل أن يتماسا ومن بعد، وانطوى إيراد الآية على هذا الوجه على إبطال قول من قال:
إن الأمر يختلف بين ما قبل التماس وما بعده، فيجب قبل ويسقط بعد. وعلى قول من قال: يجب قبل كفارة وبعد
كفارتان. وههنا نظر آخر في أنه لم ذكر عدم التماس مع نوعين منهما، وقد كان ذكره مع واحد منها مفيدا لهذه
الفائدة على التقرير المذكور. والجواب عنه أن ذكره مع العتق مقتصر على إفادة تحريم الوطء قبل العتق، ولا
يتصور في العتق الوطء في أثنائه، إذ لا يتبعض ولا يتفرق فاحتيج إلى ذكره مع الصيام الواقع على التوالي ليفيد
تحريم الوطء قبل الشروع فيه وبعد الشروع إلى التمام، إذ لو لم يذكره هنا لتوهم أن الوطء إنما يحرم قبل الشروع
خاصة لا بعد لأنها هي الحالة التي دل عليها التقييد في العتق، فلما ذكره مع الصيام الواقع متواليا استغنى عن ذكره
مع الطعام لأنه مثله في التعدد والتوالي وإمكان الوطء في خلاله، وهذا التقرير منزل على أن العتق لا يتجزأ ولا
يتبعض وهذا هو المرضى. وقد نقل العيني عن ابن القاسم أن من أعتق شقصا من عبد يملك جميعه ثم أعتق بقيته عن
الظهار أن ذلك يجزيه، وهو خلاف أصله في المدونة، وعابه عليه أصبغ وسحنون وابنه.
72

[تنبيه] إن قال قائل: ارتفاع التحريم بالكفارة لا يخلو إما أن يكون مشروطا فيلزم أن لا يرتفع التحريم
بالكفارة التي تقدم على الشروع فيها مساس وإن لم يكن مشروطا لزم ارتفاع التحريم بالكفارة التي تخللها المساس
وكلاهما غير مقول به عندكم. فالجواب أن المساس مناف لصحة الكفارة واعتبارها في رفع التحريم، فإن وقع
73

قبل الشروع في الكفارة تعذر الحكم ببطلان الكفارة لأن المحل لم يوجد، وتعذر ذلك لا يبطل الحكم ككونه منافيا،
اما إن وقع في أثنائها فالمحل المحكوم فيه بعدم الصحة قائم فوجب إعمال المنافى وهذا كالحدث مناف لصحته الصلاة،
فإن وقع في أثنائها أثر في إبطالها، والله تعالى الموفق للصواب.
74

قوله تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) قال فيه (تعميم ثم تخصيص للعلماء الخ)
قال أحمد: في الجزاء برفع الدرجات ههنا مناسبة للعمل، لأن المأمور به تفسيح المجلس كيلا يتنافسوا في القرب
من المكان الرفيع حوله عليه الصلاة والسلام فيتضايقوا، فلما كان الممتثل لذلك يخفض نفسه عما يتنافس فيه من
الرفعة امتثالا وتواضعا جوزي على تواضعه برفع الدرجات كقوله " من تواضع لله رفعه الله " ثم لما علم أن أهل العلم
بحيث يستوجبون عند أنفسهم وعند الناس ارتفاع مجالسهم خصهم بالذكر عند الجزاء ليسهل عليهم ترك مالهم من
الرفعة في المجلس تواضعا لله تعالى: عاد كلامه، ثم ذكر في فضل العلم فصلا أنقله بعينه قال: روى عن ابن
مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا تلا هذه الآية قال: يا أيها الناس افهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم. وعنه عليه
75

الصلاة والسلام " بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة " وعنه عليه الصلاة
والسلام " يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء " فأعظم بمرتبة بين النبوة والشهادة بشهادة النبي عليه
الصلاة والسلام. وعن ابن عباس " خير سليمان عليه الصلاة والسلام بين العلم والملك والمال فاختار العلم، فأعطاه
الله الملك والمال تبعا له " وفى الخبر " إن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام يا إبراهيم إني عليم أحب
كل عليم " وعن بعض الحكماء: ليت شعري أي شئ أدرك من فاته العلم، وأي شئ فات من أدرك العلم. وعن
الأحنف: كاد العلماء يكونون أربابا، وكل عز لم يوطد بعلم فإلى ذل ما يصير. وعن الزبيري: العلم ذكر فلا
يحبه إلا ذكورة الرجال، والله أعلم]
76

القول في سورة الحشر
(بسم الله الرحمن الرحيم)
79

قوله تعالى (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر) قال فيه (اللام في قوله
لأول الحشر كاللام في قوله - قدمت لحياتي) - قال أحمد: كأنه يريد أنها اللام التي تصحب التاريخ كقوله: كتبت
لعام كذا ولشهر كذا.
80

قوله تعالى (ما قطعتم من لينة) ذكر في تفسيرين (أحدهما أنه النخل ما عدا العجوة والبرني وهما خير النخل
الخ) قال أحمد: والظاهر أن الإذن عام في القطع والترك لأنه جواب الشرط المضمر لهما جميعا، ويكون التعليل
بإجزاء الفاسقين لهما جميعا، وأن القطع يحسرهم على ذهابها والترك يحسرهم على بقائها للمسلمين ينتفعون بها،
فهم في حسرتين من الأمرين جميعا.
81

قوله تعالى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) قال فيه (هو بدل من قوله لذي القربى وما بعده والذي
منع الإبدال من الله وللرسول الخ) قال أحمد: مذهب أبي حنيفة أن استحقاق ذوي القربى لسهمهم من الفئ موقوف
على الفقراء حتى لا يستحقه أغنياؤهم، وقد أغلظ الشافعي رضي الله عنه فيما نقله عنه إمام الحرمين الرد على هذا المذهب
بأن الله تعالى علق الاستحقاق بالقرابة ولم يشرط الحاجة وعدم اعتبار القرابة مضادة ومحادة، واعتذر إمام الحرمين
لأبى حنيفة بأن الصدقات لما حرمت عليهم كان فائدة ذكرهم في خمس الفئ والغنيمة أنه لا يمنع صرف ذلك إليهم
امتناع صرف الصدقات، ثم أتبع هذا العذر بأن قال: لا ينبغي أن يعبر به، فإن صيغة الآية ناصة على تعين
الاستحقاق لهم تشريفا لهم وتنبيها على عظم أقدارهم، فمن حمل ذلك على جواز الصرف إليهم مع معارضة هذا الجواز
بجواز حرمانهم فقد عطل فحوى الآية، ثم استعظم الإمام وقع ذلك عليهم لأنهم يذهبون إلى اشتراط الإيمان
في رقبة الظهار زيادة على النص فيأتون في إثبات ذلك بالقياس لأنه يستنتج وليس من شأنه الثبوت بالقياس،
قال: فكذلك يلزمهم أن يعتقدوا أن اشتراط الفقر في القرابة واشتراط الحاجة لقرب ما ذكروه بغرض القرب،
فأما وأن أصلهم المخصوصون من نسب الرسول عليه الصلاة والسلام والنابتون من شجرته كالعجمة فلا يبقى مع
هذا لمذهبهم وجه انتهى كلام الإمام. وإنما أوردته ليعلم أنه معارضته لأبى حنيفة على أن اشتراط الحاجة عند أبي
حنيفة مستند إلى قياس أو نحوه من الأسباب الخارجة عن الآية، فلذلك ألزمه أن يكون زيادة على النص،
فأما وقد تلقى أبو حنيفة اعتبار الحاجة من تقييد هذا البدل المذكور في الآية فإنما يسلك معه في واد غير هذا فيقول
هو بدل من المساكين لا غيره، وتقريره أنه سبحانه أراد أن يصف المساكين بصفات تؤكد استحقاقهم ويحمل
الأغنياء على إيثارهم وأن لا يجدوا في صدورهم حاجة مما أوتوا، فلما قصد ذلك وقد فصل بين ذكرهم وبين
ما يقصد من ذكر صفاتهم بقوله - كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم - إلى قوله - شديد العقاب - طري ذكرهم
ليكون توطئة للصفات المتتالية بعده، فذكر بصفة أخرى مناسبة للصفة الأولى مبدلة منها وهى الفقر لتشهد
83

التطرية على فائدة الجمع لهم بين صفتي المسكنة والفقر، ثم تليت صفاتهم على أثر ذلك وهى إخراجهم من ديارهم
وأموالهم مهاجرين، وابتغاؤهم الفضل والرضوان من الله ونصرهم لله ورسوله وصدقهم في نياتهم إلى آخر ذلك،
فهذا هو الذي يرشد إليه السياق مؤيدا بالأصل، فإن ذوي القربى ذكروا بصفة الإطلاق، فالأصل بقاؤهم على
ذلك حتى يتحقق أنهم مرا دون التقييد وما ذكرناه من صرف ذلك إلى المساكين يكفي في إقامة وزن الكلام فيبقى
ذوو القربى على أصل الإطلاق، وتلك قاعدة لا يسع الحنفية مدافعتها، فإنهم يرون الاستثناء المتعقب للجمل
يختص بالجملة الأخيرة، لأن عوده إليها يقيم وزن الكلام ويبقى ما تقدمهن على الأصل، ولا فرق بين التعقيب
بالاستثناء والبدل وكل ما سوى هذا، مع أنه لو جعل بدلا من ذوي القربى مع ما بعده لم يكن إبداله من ذوي
القربى إلا بدل بعض من كل، فإن ذوي القربى منقسمون إلى فقراء وأغنياء، ولم يكن إبداله من المساكين إلا بدلا
للشئ من الشئ وهما لعين واحدة، فيلزم أن يكون هذا البدل محسوسا بالنوعين المذكورين في حالة واحدة،
وذلك متعذر لما بين النوعين من الاختلاف والتباين، وكل منهما يتقاضى ما يأباه الآخر فهذا القدر كاف إن شاء
الله تعالى، وعليه أعرب الزجاج الآية فجعله بدلا من المساكين خاصة، والله تعالى الموفق للصواب.
84

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) قال فيه (سمى يوم القيامة غدا تقريبا له
الخ) قال أحمد: وقد قيل في قوله تعالى: - علمت نفس ما أحضرت - كقوله - يوم تجد كل نفس ما عملت من خير
محضرا - حتى قيل إنه من عكس الكلام الذي يقصد به الإفراط فيما يعكس عنه كقوله - ربما يود الذين كفروا -
فمعنى رب ههنا هو معنى كم، وأبلغ منه قول القائل * قد أترك القرن مصفرا أنامله * إلا أن الزمخشري فر
من هذا المعنى لأن الواقع قلة النفوس الناظرة في أمر المعاد، فنزله على معنى يطابق الواقع، ويمكن أن يلاحظ الأمر
فيسوغ حمله على التكثير للنفوس المأمورات بالنظر في المعاد، وأنه ما من نفس إلا ومن حقها أن تمتثل هذا الأمر
وهو نظر حسن، فإن الفعل المسند إلى النفس ههنا ليس وقوع النظر حتى يستقل وإنما هو طلب النظر، وهو
عام التعلق بكل نفس، والإنصاف أن ما كره الزمخشري أمكن وأحسن، والله الموفق.
قوله تعالى (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) قال فيه (جعلهم ناسين بالخذلان) قال أحمد: بل خلق فيهم النسيان.
86

عاد كلامه، قال: وقوله " لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة " تنبيه للناس وإيذان بأنهم لفرط غفلتهم وتهالكهم
على الشهوات الخ.
قوله تعالى (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) قال (فيه هذا تخييل وتمثيل
كما تقدم الخ).
87

قال أحمد: وهذا مما تقدم إنكاري عليه فيه أفلا كان يتأدب بأدب الآية حيث سمى الله هذا مثلا، ولم يقل وتلك
الخيالات نضربها للناس، ألهمنا الله حسن الأدب معه، والله الموفق.
القول في سورة الممتحنة
(بسم الله الرحمن الرحيم)
88

قوله تعالى (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون) قال
فيه (إن قلت: كيف أورد جواب الشرط مستقبلا مثله، ثم قال: وودوا بلفظ الماضي الخ (1)).

(1) هكذا بالنسخ التي بأيدينا، ولعل هنا سقطا اه‍ مصححه.
90

قوله تعالى (فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) قال (معناه: لا حل بين المؤمنة والمشرك
اه‍ كلامه) قال أحمد: هذه الآية مما استدل بها على خطاب الكفار بالفروع، لأنه تعالى قال لا هن حل لهم،
والضمير الأول للمؤمنات، والثاني للكفار، والمراد به يحرمن على الكفار لأن قسيمه متفق على أن المراد به تحريم
الكفار على المؤمنات، فيكون كل من القبيلين المؤمنات والكفار مخاطبا بالحرمة، ولما كان المذهب المعزى إلى
أصحاب أبي حنيفة أن الكفار غير مخاطبين سلك الزمخشري بتفسير الآية ما يوافق ذلك فحملها على أن المراد نفى الحل
بين المؤمنة والكافر على الإجمال حتى لا يتمحض نسبة الحرمة إلى الكافر، وهذا لا متخلص فيه فإن الحل المنفى بين
92

المؤمنة والكافر إلى الحرمة لابد وأن يتعلق بفعل أحدهما أو كليهما إذ هو حكم، فإن تعلق بفعل كل واحد منهما أعني
التمكين من المرأة والفعل من الرجل تحقق خطاب الكافر بالحرمة وتعليقه بفعل المرأة دون فعل الرجل يأباه نظم الآية
فإنه نفى الحل من الجهتين جميعا، ولو كان كذلك لكفى قوله - ولا هم يحلون لهن - والتحقيق الممتحن على قواعد
الأصول هو ما نذكره إن شاء الله تعالى، فنقول: كل من فعلى المؤمنة والكافر ينفى عنه الحل بالتفسير اللائق،
فأما فعل المؤمنة وهو التمكين فلا شك في تعلق الحرمة للشرع باعتبار أنها مخاطبة بأن لا يحصل في الوجود على وجه
لو حصل لكانت متوعدة على حصوله، وأما فعل الكافر وهو الوطء مثلا فمنفى حله باعتبار أن الشرع قصد إلى
أن لا يحصل الوطء لما يشتمل عليه من المفسدة، وللشرع قصد في أن لا تقع المفاسد، وليس الكافر موردا للخطاب
ولكن الأئمة مثلا أو من يقوم مقامهم مخاطبون بأن يمنعوا الكافر كي لا يقع هذا الفعل المنطوى على المفسدة في نظر
الشرع، فكلا الفعلين إذا من جانب المرأة والرجل غرض في أن لا يقع، لكن مورد الخطاب المنطوى على السلامة
من المفسدة في حق المرأة هي وفى حق الكافر الأئمة مثلا، ويتفق المختلفون فيه في خطاب الكفار على أن للشرع
غرضا في أن لا تحصل المفاسد في الوجود، ألا ترى أن الكفار إذا جهر بالفساد بين المسلمين يتفق على وجوب
93

ردعه عن ذلك ومنعه عنه، وما ذاك إلا لما فهم عن الشرع من طلب سلامة الوجود عن المفاسد ومورد الخطاب
بردع الكافر كي لا يجهر بالفساد يعم الأئمة، والله الموفق.
94

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب
القبور) قال فيه (كان طائفة من ضعفاء المسلمين قد والوا اليهود ليصيبوا من أثمارهم فنزلت هذه الآية، والمراد
بالكفار المشركون الخ). قال أحمد: قد كان الزمخشري ذكر في قوله - وما يستوى البحران - إلى قوله - ومن كل
تأكلون لحما طريا - أن آخر الآية استطراد وهو فن من فنون البيان مبوب عليه عند أهله، وآية الممتحنة هذه ممكنة
أن تكون من هذا الفن جدا، فإنه ذم اليهود واستطرد ذمهم بذم المشركين على نوع حسن من النسبة، وهذا لا يمكن
أن يوجد للفصحاء في الاستطراد أحسن ولا أمكن منه، ومما صدروا هذا الفن به قوله:
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه * فليس به بأس وإن كان من جرم
وقوله: إن كنت كاذبة التي حدثتني * فنجوت منجى الحرث بن هشام
وقوله: ترك الأحبة أن يقاتل دونهم * ونجا برأس طمرة ولجام
95

القول في سورة الصف
(بسم الله الرحمن الرحيم)
96

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) قال فيه (هذا
من أفصح الكلام وأبلغه في معناه قصد إلى التعجب بغير صيغة التعجب لتعظيم الأمر الخ) قال أحمد: وزائد على
هذه الوجوه الأربعة وجه خامس وهو تكراره لقوله ما لا تفعلون وهو لفظ واحد في كلام واحد، ومن فوائد
التكرار التهويل والإعظام، وإلا فقد كان الكلام مستقلا لو قيل كبر مقتا عند الله ذلك، فما إعادته إلا لمكان هذه
الفائدة الثانية، والله أعلم.
قوله تعالى (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) قال فيه (ذكره لهذا عقيب ذكر
مقت المخلف دليل الخ) قال أحمد: صدق والأول كالبسطة العامة لهذه القصة الخاصة كقوله تعالى - يا أيها الذين
آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم - يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت
النبي - فالنهي العام ورد أولا، والمقصود اندراج هذا الخاص فيه كما تقول للمقترف جرما معينا، لا تفعل ما يلصق
العار بك ولا تشاتم زيدا، وفائدة مثل هذا النظم النهى عن الشئ الواحد مرتين مندرجا في العموم ومفردا
بالخصوص، وهو أولى من النهى عنه على الخصوص مرتين، فإن ذلك معدود في حيز التكرار وهذا لا يتكرر مع
ما في التعميم من التعظيم والتهويل، والله أعلم. عاد كلامه، قال في قوله تعالى (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله
صفا كأنهم بنيان مرصوص) (حالان متداخلان) قال أحمد: يريد أن معنى الأولى مشتمل على معنى الثانية لأن
التراص هيئة للاصطفاف، والله أعلم.
97

قوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون) الآية، قال فيه (بين أنهم على عكس
الصواب حيث قال: تؤذونني عالمين الخ) قال أحمد: أهل العربية تقول: إن قد تصحب الماضي لتقريبه من الحال،
ومنه قول المؤذن قد قامت الصلاة، وتشتمل المصاحبة للماضي أيضا على معنى التوقع فلذلك قال سيبويه: قد فعل
جواب لما يفعل، وقال الخليل: هذا الخبر لقوم ينتظرونه، وأما مع المضارع فإنها تفيد التقليل مثل ربما كقولهم:
إن الكذوب قد يصدق، فإذا كان معناها مع المضارع التقليل وقد دخلت في الآية على مضارع، فالوجه والله
أعلم أن يكون هذا من الكلام الذي يقصدون به الإفراط فيما ينعكس عنه، وتكون قد في هذا المعنى نظيره ربما
في قوله - ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين - فإنها في هذا الموضع أبلغ من كم في التكثير، فلما أوردت
ربما في التكثير على عكس معناها الأصلي في التقليل فكذلك إيراد قد ههنا لتكثير علمهم: أي تحقيق تأكيده على
عكس معناها الأصلي في تقليل الأصل، وعليه * قد أترك القرن مصفرا أنامله * وإنما مدح نفسه بكثرة هذا
الفعل منه عكس ديدنه الأصلي. ولا يقال: إن حملها في الآية على التكثير متعذر لأن العلم معلوم التعلق لا يتكثر
ولا يتقلل. لأنا قول: يعبر عن تمكن الفعل وتحققه وتأكده وبلوغه الغاية في نوعه بما يعبر به عن التكثير وهو
تعبير صحيح، ألا ترى أن قوله - ربما يود الذين كفروا - هو من هذا القبيل فإن المراد شدة ودهم لذلك وبلوغه
أقصى منتهاه لا غير، والله الموفق.
قال الزمخشري (وإنما قال: يا بني إسرائيل ولم يقل يا قوم لأنه لم يكن له صلوات الله على نبينا وعليه نسب
98

فيهم) قال أحمد: وهذا نظير قوله تعالى - إذ قال لهم شعيب - لأن شعيبا لم يكن من قوم من أرسل إليهم. عاد كلامه،
قوله تعالى (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم) قال فيه (مثلت حالهم بحالة من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه).
قوله تعالى (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله) إلى قوله (يغفر لكم) قال فيه (قوله
تؤمنون استئناف كلام كأنه لما قال في الكلام الأول قيل كيف نفعل فقيل تؤمنون الخ) قال أحمد: إنما وجه
إعراب الفراء بما ذكر لأنه لو جعله جوابا لقوله - هل أدلكم - فإنكم إن أدلكم على كذا وكذا أغفر لكم فتكون
المغفرة حينئذ مترتبة على مجرد دلالته إياهم على الخير، وليس كذلك إنما تترتب المغفرة على فعلهم لما دلهم عليه لا على
نفس الدلالة، فلذلك أول هل أدلكم على تجارة بتأويل هل تتجرون بالإيمان والجهاد حتى تكون المغفرة مترتبة
على فعل الإيمان والجهاد لا على الدلالة، وهذا التأويل غير محتاج إليه، فإن حاصل الكلام إذا صار إلى هل أدلكم
99

أغفر لكم التحق ذلك بأمثال قوله تعالى - قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة - فإنه رتب فعل الصلاة على الأمر
بها حتى كأنه قال: فإنك إن تقل لهم أقيموا يقيموها. ولقائل أن يقول: قد قيل لبعضهم أقم الصلاة فتركها.
فالجواب عنه: أن الأمر الموجه على المؤمن الراسخ في الإيمان لما كان مظنة لحصول الامتثال جعل كالمحقق وقوعه
مرتبا عليه، وكذلك ههنا لما كانت دلالة الذين آمنوا على فعل الخير مظنة لامتثالهم وامتثالهم سببا في المغفرة محققا
عومل معاملة تحقق الامتثال والمغفرة مرتبين على الدلالة، والله أعلم.
قوله تعالى (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) قال فيه (معناه: إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيرا لكم الخ)
قال أحمد: كأنه يجرى الشرط على حقيقته، وليس بالظاهر لأن علمهم لذلك محقق، إذ الخطاب مع المؤمنين
والظاهر أنه من وادى قوله - يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين - والمقصود بهذا
الشرط التنبيه على المعنى الذين يقتضى الامتثال وإلهاب الحمية للطاعة كما تقول لمن تأمره بالانتصاف من عدوه: إن
كنت حرا فانتصر، تريد أن تثير منه حمية الانتصار لا غير، والله أعلم.
100

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصارا لله كما قال عيسى بن مريم للحواريين) قال (إن قلت: ما وجه
الشبيه وظاهره تشبيه كونهم أنصارا الخ) قال أحمد: كلام حسن وتمام على الذي أحسن أن يميز بين الإضافتين
المذكورتين بأن الأولى محضة والثانية غير محضة فتنبه لها، والله الموفق.
101

القول في سورة الجمعة
(بسم الله الرحمن الرحيم)
102

قوله تعالى (كمثل الحمال يحمل أسفارا) قال فيه: إما أن يكون قوله يحمل حالا كقوله:
* ولقد أمر على اللئيم يسبني * قلت: يريد أن المراد فيهما الجنس فتعريفه وتنكيره سواء.
103

قوله تعالى (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) قال (استدل بذلك على مذهب أبي حنيفة رحمه الله الخ) قال
أحمد: ولا دليل فيه فإن العرب تسمى الشئ باسم بعض ما يشتمل عليه، كما سميت الصلاة مرة قرآنا ومرة سجودا
ومرة ركوعا لأنها مشتملة على ذلك، فكذلك الخطبة لما كانت مشتملة على ذكر الله سميت به، ولا يلزم أن يكون
كذلك كل ما اشتملت عليه لا سيما والمسمى خطبة عند العرب لابد وأن يزيد على القدر الذي اكتفى به أبو حنيفة.
قال بعض أصحاب مالك رحمه الله: أقلها حمد الله والصلاة على نبيه وتحذير وتبشير وقرآن، ثم أتبع الزمخشري
الاستدلال على مذهب أبي حنيفة بالآية بأثر عن عثمان وهو أنه صعد المنبر فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعد ان لهذا
المقام مقالا، وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال وستأتيكم الخطب ثم نزل، وكان ذلك بحضرة الصحابة
فلم ينكر عليه أحد انتهى كلامه. قال أحمد: ساه بلا اشتباه، فإن عثمان لم يصدر ذلك منه في خطبة الجمعة، وإنما
كان ذلك في ابتداء خلافته وصعوده المنبر للبيعة، وكانت عادة العرب الخطب في المهمات: ألا ترى إلى قوله
وستأتيكم بعد ذلك الخطب، فإن ذلك يحقق أن مقالته هذه ليست بخطبه ولو كان في الجمعة لكان تاركا للخطبة
بالكلية، وهى منقولة في التاريخ أنه أرتج عليه فقال: سيجعل الله بعد عسر يسرا وبعد عي بيانا، وإنكم إلى إمام
فعال أحوج منكم إلى إمام قوال وستأتيكم الخطب. عاد كلامه، قال (إن قلت: كيف فسر ذكر الله بالخطبة
وفيها ذكر غير الله؟ وأجاب بأن ذكر رسول الله والصحابة والخلفاء الراشدين الخ) قال أحمد: الدعاء للسلطان
105

الواجب الطاعة مشروع بكل حال، وقد نقل عن بعض السلف أن دعا لسلطان ظالم فقيل له: أتدعو له وهو
ظالم؟ فقال: أي والله أدعو له، إن ما يدفع الله ببقائه أعظم مما يندفع بزواله، لا سيما إذا ضمن ذلك الدعاء بصلاحه
وسداده وتوفيقه، والله الموفق.
106

القول في سورة المنافقين
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين
لكاذبون) قال (إنما كذبهم لأنهم ادعوا أن شهادتهم بألسنتهم تواطئ لقلوبهم الخ) قال أحمد: ومثل هذا من
نمطه المليح قوله - قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا - وقد كان المطابق لقوله - ولكن قولوا أسلمنا -
أن يقال لهم لا تقولوا آمنا، ولكنه لما كان موهما للنهي عن قول الإيمان عدل عنه على ما فيه من الطباق إلى ما سلم
الكلام فيه من الوهم، وذلك أجل وأعظم من فائدة المطابقة لا سيما في مخاطبة هؤلاء الذين كانوا يتبعون ما تشابه منه
107

ابتغاء الفتنة، ألا تراهم كيف غالطوا أنفسهم متغابين وليسوا على ضعفهم متجاهلين عندما أنزل قوله - إنكم وما
تعبدون من دون الله حصب جهنم -. عاد كلامه، قال (استدل لأبى حنيفة على أن قول القائل أشهد يمين بقوله
- اتخذوا أيمانهم جنة - ولم يصدر منهم إلا قولهم نشهد إنك لرسول الله فجعله يمينا) قال أحمد: أحد القولين عند
مالك رحمه الله إذا قال أشهد وأحلف وأقسم ولم ينو بالله ولا بغيره كما نقل عن أبي حنيفة أنه يمين وليس بالمشهور،
أما لو نوى بالله وإن لم يتلفظ فيمين بلا إشكال، وليس فيما ذكره دليل على ما ذكره فإن قوله - اتخذوا أيمانهم جنة -
غايته أنما ذكروه يسمى يمينا، وليس الخلاف في تسميته يمينا وإنما الخلاف هل يكون يمينا منعقدة يلزم بالحنث
فيها كفارة أم لا، وليس كل ما يسمى حلفا أو قسما يوجب حكما، ألا ترى أنه لو قال أحلف ولم يقل بالله ولا
بغيره فهو من محال الخلاف في وجوب الكفارة به وإن كان حلفا لغة باتفاق لأنه فعل مشتق منه. عاد كلامه،
قوله تعالى (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا) قال فيه (المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم الخ) قال أحمد:
ويحتمل وجها رابعا وهو أنهم آمنوا به قبل مبعثه على الصفة المذكورة في التوراة لأنهم كانوا يسمعونها من جيرانهم
اليهود ثم كفروا به بعد مبعثة وموافقة الصفة ولعل في المنافقين يهودا، وإن لم يكن فقد كان الإيمان قبل مبعثه من
الفريقين اليهود وعبدة الأوثان من العرب إلى نزول قوله - لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين
حتى تأتيهم البينة - كيف حكى الله تعالى عن الفريقين ما كانوا يقولونه، والبينة النبي صلى الله عليه وسلم.
108

قوله تعالى (كأنهم خشب مسندة) قال فيه (كانوا يجالسون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستندون في
المجلس ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن الخ) قال أحمد: وفيما قال اليزيدي نظر من حيث مقتضى العربية وإلا
فهو متمكن المعنى وذلك أنها قرئت بضم الشين وسكونها قراءتين مستفيضتين، ففيه دليل أن أصلها الضم
والسكون إنما هو طارئ عليه تخفيفا وهذا يبعد كونها جمع خشباء على وزن فعلاء لأن قياس جمعه فعل بسكون العين
كحمراء وحمر ولا يطرأ الضم، فلو كان كما قال لم تضم شينها، والله تعالى أعلم.
قوله تعالى (يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو) قال (المفعول الثاني عليهم تقديره واقعة عليهم الخ) قال
أحمد: وغلا المتنبي في المعنى فقال:
وضاقت الأرض حتى صار هاربهم * إذا رأى غير شئ ظنه رجلا
عاد كلامه، قال: ويوقف على قوله عليهم ويبتدأ هم العدو: أي الأعداء الكاملون الخ.
109

القول في سورة التغابن
(بسم الله الرحمن الرحيم)
112

قوله تعالى (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) قال فيه (معناه: فمنكم آت بالكفر وفاعل له ومنكم
آت بالإيمان الخ) قال أحمد: لقد ركب عمياء وخبط خبط عشواء واقتحم وعرا السالك فيه هالك والغابر فيه عاثر،
وإنما ينصب إلى مهاوى الأراك ويحوم حول مراتع الإشراك ويبحث ولكن على حتفه بظلفه، ويتحذق وما هو
إلا يتشدق ويتحقق وما هو إلا يتعسق، وهب أنه أعرض عن الأدلة العقلية والنصوص النقلية المتظافرة على أن
الله تعالى خالق كل شئ واطرد له في الشاهد ما ادعاه ومن مذهبه قياس الغائب على الشاهد قد التجأ إلى الاعتراف
بأن الله خالق العبد الفاعل للقبيح، وأن خلق العبد الفاعل للقبيح بمثابة إعطاء السيف الباتر للرجل الفاجر، وأن
هذا قبيح شاهدا ولا يلزم أن يكون مثله قبيحا في خلق الله تعالى، أفلا يجوز أن يكون منطويا على حكمة استأثر الله
تعالى بعلمها فما يؤمنه من دعوى أن أفعال العبد وإن استقبحها العقلاء مخلوقه لله تعالى وفى خلقها حكمة استأثر الله
بعلمها، وهل الفرق إذا إلا عين التحكم ونفس اتباع الهوى هذا ودون تمكنه من اتباع هذه القواعد أن يمكن من
القتاد اختراط ومن الجمل أن يلج في سم الخياط.
113

قوله تعالى (واستغنى الله) قال فيه (أطلقه ليتناول كل شئ ثم قال: فإن قلت: كان التولي فيهم الخ) قال
أحمد: إنما الحق أنه لم يخلق لهم إيمانا ولا قدرة عليه، فكان قادرا أن يخلق لهم الإيمان والقدرة عليه، وإنما حرفها
الزمخشري إلى قاعدته.
114

القول في سورة الطلاق
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) قال فيه (خص النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء
وعم بالخطاب الخ) قال أحمد: وعلى هذا الفرق جرى قوله تعالى حكاية عن فرعون - قال فمن ربكما يا موسى -
فأفرد موسى عليه السلام بالنداء لأنه كان أجل الاثنين عليهما السلام وعمهما بالخطاب وقد تقدم فيه وجه آخر.
عاد كلامه، قال (ومعنى فطلقوهن مستقبلات لعدتهن الخ) قال أحمد: حمل القراءتين المستفيضة والشاذة على أن
وقت الطلاق هو الوقت الذي تكون العدة مستقبلة بالنسبة إليه، وادعى أن ذلك معنى المستقبل فيها ونظر اللام
فيها باللام في قولك مؤرخا الليلة لليلة بقيت من المحرم، وإنما يعنى أن العدة بالحيض كل ذلك تحامل لمذهب
أبي حنيفة في أن الأقراء الحيض، ولا يتم له ذلك فقد استدل أصحابنا بالقراءة المستفيضة وأكدوا الدلالة بالشاذة على أن
الأقراء الأطهار، ووجه الاستدلال على ذلك أن الله تعالى جعل العدة وإن كانت في الأصل مصدرا ظرفا
للطلاق المأمور به، وكثيرا ما تستعمل العرب المصادر ظرفا مثل خفوق النجم ومقدم الحاج، وإذا كانت العدة
ظرفا للطلاق المأمور به وزمانه هو الطهر وفاقا فالطهر عدة إذا، ونظير اللام هنا على التحقيق اللام في قوله
117

- يا ليتني قدمت لحياتي - وإنما تمنى أن لو عمل عملا في حياته وقراءته عليه الصلاة والسلام " في قبل عدتهن " تحقق
ذلك. فإن قيل: الشئ جزء منه وداخل فيه، وفى صفة مسح الرأس - فأقبل بهما وأدبر - أي مسح قبل الرأس
وهو مقدمها، فحينئذ قيل العدة جزء منها وهو الطهر. عاد كلامه، قال (والمراد أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه
إلى آخره) قال أحمد: الأمر كما نقله وضابط السنة عند مالك أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه واحدة وهى غير
معتدة والآية تدل لمذهبه على تأويل المتقدمين جميعا، أما على تأويل الزمخشري وتفسيره المقيد بالاستقبال فلأن
الطلاق المأمور به أي المأذون فيه في الآية مقيد بوقت تكون العدة مستقبلة بالنسبة إليه وهذا يأبى وقوع الطلاق
في أثناء العدة الماضي بعضها، وأما على تأويلنا فلأنه مقيد بزمان يكون أولا للعدة وقبلا لها وهذا يأبى من وقوعه
مرادفا في الطهر الثاني والثالث غير أن البدعة عند مالك تتفاوت فلا جرم قال إن طلقها في الحيض أجبر على الرجعة
فإن أبى ارتجع عليه الحاكم وإن طلقها في طهر مسها فيه أو أردف الطلاق لم يجبره.
118

قوله تعالى (وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)
قال فيه (معناه أكملوا العدة أقراء ثلاثة مستوفاة) قال أحمد: وقوله - واتقوا الله ربكم - توطئة لقوله - لا تخرجوهن
من بيوتهن - حتى كأنه نهى عن الإخراج مرتين مندرجا في العموم ومفردا بالخصوص وقد تقدمت أمثاله.
119

قوله تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره) قال فيه (قوله بالغ أمره بيان لوجوب التوكل
على الله وتفويض الأمر إليه الخ) قال أحمد: ليس بعشك فادرجي، أيرى القدري التسليم للقدر، وليس هذا
دينه ولا معتقده من تقسيم الحوادث ثلاثة أقسام: فمنها ما يريد الله تعالى وجوده وهو المأمورات ولا يقع أكثر
مراده منها، ومنها ما يريد عدمه وهو المنهيات فيوجد أكثرها على خلاف مراده، ومنها مالا يريد عدمه ولا وجوده
فإن وجد فبغير إرادته عز وجل وإن عدم فكذلك، فيتحصل من هذا الهذيان الذي لا يتصور أن الكائنات إنما
تتبع إرادة الخلق لأنها لا تقع إلا بها، فإن وافقت إرادة الله تعالى فليس وقوعها تابعا لها لأنها وقعت بدونها، وإن
خالفت إرادة الله تعالى لم يكن لمخالفتها للإرادة الربانية تأثير في منع وقوعها، فمن يتوغل في أدغال هذا الضلال
كيف له بالتوكل الذي يتوقف على اعتقاد أن الكائنات جميعها إنما تتوقف على إرادة الله عز وجل، فمهما أراده
وقع ومهما لم يرده لم يقع، شاء العبد أو أبى، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والعبد مجرى لحدوث الكائنات
الواقعة بقدرة الله تعالى وإرادته لا غير، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه، فما القدري من هذا المقام الشريف إلا
على مراحل لا يقربه إليها إلا راحلة الإنصاف وزاد التقوى ودليل التوفيق، والله حسبنا ونعم الوكيل.
120

قوله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) إلى قوله (وإن كن أولات حمل) الآية. قال أحمد:
لا يخفى على المتأمل لهذه الآي أن المبتوتة غير الحامل لا نفقة لها لأن الآي سيقت لبيان الواجب فأوجب السكنى لكل
معتدة تقدم ذكرها ولم يوجب سواها ثم استثنى الحوامل فخصهن بإيجاب النفقة لهن حتى يضعن حملهن وليس بعد
هذا البيان بيان، والقول بعد ذلك بوجوب النفقة لكل معتدة مبتوتة حاملا أو غير حامل لا يخفى منافرته لنظم الآية
والزمخشري نصر مذهب أبي حنيفة فقال فائدة تخصيص الحوامل بالذكر أن الحمل ربما طال أمده فيتوهم متوهم
أن النفقة لا تجب بطوله فخصت بالذكر تنبيها على قطع هذا الوهم وغرض الزمخشري بذلك أن يحمل التخصيص على.
121

هذه الفائدة كيلا يكون له مفهوم في إسقاط النفقة لغير الحوامل لأن أبا حنيفة يسوى بين الجميع في وجوب النفقة
عاد كلامه، قال (وفى قوله وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى معاتبة للأم على المعاسرة كما تقول لمن تستقضيه حاجة
الخ) قال أحمد: وخص الأم بالمعاتبة لأن المبذول من جهتها هو لبنها لولدها، وهو غير متمول ولا مضنون به
في العرف وخصوصا في الأم على الولد، ولا كذلك المبذول من جهة الأب فإنه المال المضنون به عادة، فالأم
إذا أجدى باللوم وأحق بالعتب، والله أعلم.
122

قوله تعالى (قد أنزل الله إليكم ذكرا. رسولا) (ذكر فيه ستة أوجه: إبدال الرسول من الذكر لأن إنزاله
في معنى إنزل الذكر الخ) قال أحمد: وعلى هذين الوجهين الأخيرين يكون مفعولا إما بالفعل المحذوف أو
بالمصدر وعلى الأربعة المتقدمة بدلا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
123

القول في سورة التحريم
(بسم الله الرحمن الرحيم)
124

قوله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك) (نقل في سبب نزولها أنه عليه الصلاة
والسلام خلا بمارية في يوم عائشة، وعلمت بذلك حفصة فقال لها: اكتمى على وقد حرمت مارية على نفسي
الخ) قال أحمد: ما أطلقه الزمخشري في حق النبي صلى الله عليه وسلم تقول وافتراء، والنبي صلى الله عليه وسلم
منه براء، وذلك أن تحريم ما أحله الله على وجهين: اعتقاد ثبوت حكم التحريم فيه فهذا بمثابة اعتقاد حكم التحليل
فيما حرمه الله عز وجل وكلاهما محظور لا يصدر من المتسمين بسعة الإيمان وإن صدر سلب المؤمن حكم الإيمان،
واسمه الثاني الامتناع مما أحله عز وجل وحمل التحريم بمجرده صحيح لقوله - وحرمنا عليه المراضع من - قبل: أي
منعنا لا غير، وقد يكون مؤكدا باليمين مع اعتقاد حله، وهذا مباح صرف وحلال محض، ولو كان على المنع
ترك المباح والامتناع منه غير مباح استحالت حقيقة الحال بلا إشكال، فإذا علمت بون ما بين القسمين فعلى
القسم الثاني تحمل الآية، والتفسير الصحيح يعضده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حلف بالله لا أقرب مارية،
ولما نزلت الآية كفر عن يمينه ويدل عليه - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم - وقال مالك في المدونة عن زيد بن
أسلم: إنما كفر النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه أم ولده لأنه حلف أن لا يقربها. ومثله عن الشعبي وهذا
المقدار مباح ليس في ارتكابه جناح، وإنما قيل له: لم تحرم ما أحل الله لك رفقا به وشفقة عليه وتنويها لقدره
ولمنصبه صلى الله عليه وسلم أن يراعى مرضات أزواجه بما يشق عليه جريا على ما ألف من لطف الله تعالى بنبيه
ورفعه عن أن يخرج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه ومن أجله خلقوا ليظهر الله كمال نبوته بظهور نقصانهم
عنه، والزمخشري قطعا لم يحمل التحريم على هذا الوجه، لأنه جعله زلة فيلزمه أن يحمله على المحمل الأول، (*)
125

ومعاذ الله وحاش الله، وإن آحاد المؤمنين يحاشى عن أن يعتقد تحريم ما أحل الله له، فكيف لا يربأ بمنصب النبي
عليه الصلاة والسلام عما يرتفع عنه منصب عامة الأمة، وما هذه من الزمخشري إلا جراءة على الله ورسوله وإطلاق
القول من غير تحرير وإبراز الرأي الفاسد بلا تخمير، نعوذ بالله من ذلك وهو المسؤول أن يجعل وسليتنا إليه تعظيما
لنبينا صلوات الله عليه وأن يجنبنا خطوات الشيطان ويقيلنا من عثرات اللسان آمين.
قوله تعالى (فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض) قال فيه (إن قلت: هلا قيل
فلما نبأت به بعضهن وعرفها بعضه. وأجاب بأنه ليس الغرض بيان من المذاع إليه ومن المعرف الخ).
126

قوله تعالى (إن تتوبا إلى الله) إلى قوله (والملائكة بعد ذلك ظهير) قال فيه (جاء على طريقة الالتفات ليكون
أبلغ في معاتبتهما الخ).
قوله تعالى (عسى ربه إن طلقكن) الآية قال (إن قلت لما أخليت هذه الصفات من العاطف الخ) قال أحمد:
وقد ذكر لي الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله أن القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني الكاتب رحمه الله كان
يعتقد أن الواو في الآية هي الواو التي سماها بعض ضعفة النحاة واو الثمانية لأنها ذكرت مع الصفة الثامنة، فكان
الفاضل يتبجح باستخراجها زائدة على المواضع الثلاثة المشهورة صلة أحدها التي في الصفة الثامنة من قوله - التائبون
العابدون - عند قوله - والناهون عن المنكر - والثانية في قوله - وثامنهم كلبهم - والثالية في قوله - وفتحت أبوابها -
127

قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب: ولم يزل الفاضل يستحسن ذلك من نفسه إلى أن ذكره يوما بحضرة أبى الجود
النحوي المقرى فبين له أنه وأهم في عدها من ذلك القبيل، وأحال البيان على المعنى الذي ذكره الزمخشري من
دعاء الضرورة إلى الإتيان بها ههنا لامتناع اجتماع الصفتين في موصوف واحد، وواو الثمانية إن ثبتت فإنما ترد
بحيث لا حاجة إليها إلا للإشعار بتمام نهاية العدد الذي هو السبعة، فأنصفه الفاضل رحمه الله واستحسن ذلك منه
وقال: أرشدتنا يا أبا الجود. عاد كلامه، قال في قوله تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) (قرئ وأهلوكم) قال
أحمد: ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو وأنفسكم واقع بعده كأنه قال: قو أنتم وأهلوكم أنفسكم، ولكن
128

لما اجتمع ضمير المخاطب والغائبين غلب ضمير الخطاب على ضمير الغيبة، ثم قال: (فإن قلت: قوله - لا يعصون
الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون - أليس الجملتان في معنى واحد؟ وأجاب بأن معنى الأولى أنهم يلتزمون الأوامر
ولا يأتونها الخ) قال أحمد: جوابه الأول مفرع على قاعدته الفاسدة في الاعتقاد خلود الفساق في جهنم، ولعله إنما
أورد السؤال ليتكلف عنه بجواب ينفس عما في نفسه مما لا يطيق كتمانه من هذا الباطل، نعوذ بالله منه، وإلا
فالسؤال غير وارد، فإنه لا يمتنع أن المؤمن يحذر من عذاب الكافر أن يناله على الإيمان كقوله في آل عمران خطابا
للمؤمنين - واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون
129

عاد كلامه، في قوله (ضرب الله مثلا للذين كفروا) الآية. قال في (مثل الله حال الكفار في أنهم يعاقبون على
كفرهم أغلظ عقاب وأشده من غير إبقاء الخ).
130

قوله تعالى (وصدقت بكلمات ربها وكتبه) قال فيه (يجوز أن يراد بالكلمات الصحف التي أنزلها الله تعالى
على إدريس وغيره سماها كلمات لقصرها الخ) قال أحمد: وهو يعتقد حدوث كلام الله ويجحد الكلام القديم،
فلا جرم أن كلامه لا يعدو الإشعار بأن كلمات الله متناهية، لأنه في الوجه الأول جعلها مجموعة جمع قلة لقصرها،
وفى الثاني حصرها بقوله جميع وأين وصفه لها بالقصر والحصر من الآيتين التوأمتين اللتين إحداهما قوله - قل لو
كان البحر مدادا لكلمات ربى - والأخرى قوله - ولو أن ما في الأرض من شجرة الأقلام - الآية، وما هو في
الحقيقة إلا غير مؤمن بكلمات الله تعالى، فالحق أن كلام الله تعالى صفة من صفات كماله أزلية أبدية غير متناهية،
فهكذا آمنت امرأة فرعون المتلو ثناؤها في كتاب الله العزيز ثبتنا الله على الإيمان ووقانا الخذلان، والله المستعان.
عاد كلامه، قال (وامرأة فرعون اسمها آسية بنت مزاحم، وما نقل في الحديث أن عائشة قالت: يا رسول الله
لم سمى الله المؤمنة ولم يسم الكافرة؟ فقال: بغضا لها الخ)
132

القول في سورة الملك
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (الذي خلق الموت والحياة) قال (أي ما يوجب كون الشئ حيا أو ما يصح بوجوده الإحساس
والموت عدم ذلك الخ) قال أحمد: أخطأ في تفسير الموت، ديدنه المعروف أن يفسر ويتبع التفسير آراء القدرية
ومنها قطع الله ذكرها أن الموت عدم وهو خطأ صراح ومعتقد أهل السنة أنه أمر وجودي يضاد الحياة وكيف
يكون العدم بهذه المثابة ولو كان العدم مخلوقا حادثا وعدم الحوادث مقررا أزلا للزم قطع الحوادث أزلا وذلك
133

أيشم من القول بقدم العالم فانظر إلى هذا الهوى أين مؤداه وكيف أهوى بصاحبه فأراده، نعوذ بالله من الزلل
والخطل. عاد كلامه قوله (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) قال فيه (أين تعلق قوله أيكم أحسن عملا بفعل البلوى.
وأجاب بأن معناه ليعلمكم أيكم أحسن عملا لأن البلوى تتضمن العلم الخ).
قال أحمد: التعليق على أحد المفعولين
مختلف فيه بين النحاة والأصح ما أجازه وهو في هذا الفن يمشى وفيه يدرج ويدرى كيف يدخل فيه ويخرج.
134

قوله تعالى (ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) قال فيه (لم خص الكرتين؟
فأجاب بأن معنى التثنية ههنا التكثير الخ) قال أحمد: وفى قوله ينقلب إليك البصر وضع للظاهر موضع المضمر،
وفيه من الفائدة التنبيه على أن الذي يرجع خاسئا حسيرا غير مدرك. الفطور: هو الآلة التي يلتمس بها إدراك
ما هو كائن، فإذا لم يدرك شئ دل على أنه لا شئ، ومن هذا القبيل قوله - خلق سبع سماوات طباقا ما ترى
في خلق الرحمن من تفاوت - وأصله ما ترى في خلقهن من تفاوت، ولكنه ذكرهن منسوبات لخلق الرحمن تنبيها
على السبب الذي ربأ بهن على الفطور والتفاوت.
135

قوله تعالى (وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير) (حمل الشياطين على ظاهره. ونقل عن
بعضهم أن معناه: وجعلناها ظنونا ورجوما بالغيب الخ) قال أحمد: وهذا من الاستطراد لما ذكر وعيد الشياطين
استطرد ذلك وعيد الكافرين عموما، والله أعلم.
قوله تعالى (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) قال فيه (معناه: لو كنا نسمع الإنذار سماع
طالبين للحق الخ) قال أحمد: إن عنى أن الأحكام الشرعية تستفاد من العقل كما تستفاد من السمع بناء على قاعدة
136

التحسين والتقبيح فهو غير بعيد من أصحاب السعير، وإن عنى أن العقل يرشد إلى العقائد الصحيحة والسمع يختص
بالأحكام الشرعية فهو مع أهل السنة. عاد كلامه، قال (ومن بدع التفاسير أن المراد لو كنا على مذهب أصحاب
الحديث أو على مذهب أصحاب الرأي الخ) قال أحمد: ولو تفطن نبيه لهذه الآية لعدها دليلا على تفضيل السمع على
البصر فإنه قد استدل على ذلك بأخفى منها.
قوله تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) قال فيه (أنكر أن لا يحيط علما بالسر والجهر من خلق
ذلك الخ) قال أحمد: هذه الآية رد على المعتزلة وتصحيح للطريق التي يسلكها أهل السنة في الرد عليهم، فإن أهل
السنة يستدلون على أن العبد لا يخلق أفعاله بأنه لا يعلمها، وهو استدلال بنفي اللازم الذي هو العلم على نفى الملزوم
الذي هو الخلق وبهذه الملازمة دلت الآية، فإن الله تعالى أرشد إلى الاستدلال على ثبوت العلم له عز وجل بثبوت
الخلق، وهو استدلال بوجود الملزوم على وجود اللازم فهو نور واحد يقتبس منه ثبوت العلم للباري عز وجل
وإبطال خلق العبد لأفعاله. وإعراب الآية ينزل على هذا المعنى، فإن الوجه فيها أن يكون من فاعلا مرادا به الخالق
ومفعول العلم محذوف تقديره ذلك إشارة إلى السر والجهر، ومفعول خلق محذوف ضميره عائد إلى ذلك، والتقدير
في الجميع: ألا يعلم السر والجهر من خلقهما، ومتى حذونا غير هذا الوجه من الإعراب ألقانا إلى مضايق التكلف
والتعسف، فمن المحتمل أن يكون من مفعولة واقعة على فاعل السر والجهر، والتقدير: ألا يعلم الله المسرين
والجاهرين، وليس مطابقا للمفصل فإنه لم يقع على ذوات الفاعلين وإنما وقع على أفعالهم من السر والجهر وعليه
وقع الاستدلال، ويحتمل غير ذلك أبعد منه والأول هو الأولى لفظا ومعنى، والله الموفق.
137

قوله تعالى (أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن) قال فيه (معناه باسطات أجنحتها لأنها إذا بسطتها
صفت قوادمها الخ) قال أحمد: ويلاحظ هذا المعنى في قوله - والطير محشورة - بعد قوله - إنا سخرنا الجبال معه
يسبحن - ولم يقل مسبحات مثل محشورة لقربه من هذا التفسير ولقد أحسن فيه كل الإحسان.
138

القول في سورة ن
(بسم الله الرحمن الرحيم)
140

قوله تعالى (إن لك لأجرا غير ممنون) قال (معناه: غير مقطوع كقوله - عطاء غير مجذوذ - الخ) قال أحمد:
ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرضى من الزمخشري بتفسير الآية هكذا وهو صلى الله عليه وسلم يقول " لا يدخل
أحد منكم الجنة بعمله، قيل ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة " ولقد بلغ
الزمخشري سوء الأدب إلى حد يوجب الحد. وحاصل قوله أن الله لا منة له على أحد ولا فضل في دخول الجنة
لأنه قام بواجب عليه، نعوذ بالله من الجراءة عليه.
141

قوله تعالى (عتل بعد ذلك زنيم) قال (العتل: الجافي، والزنيم: الدعي، وكذلك كان الوليد بن المغيرة
المخزومي استلحقه المغيرة بعد ثمان عشرة من مولده الخ) قال أحمد: وإنما أخذ كون هذين أشد معايبه من قوله بعد
ذلك فإنه يعطى تراخى المرتبة فيما بين المذكور أولا والمذكور بعده في الشر والخير، ونظيره في الخير قوله تعالى
- والملائكة بعد ذلك ظهير - ومن ثم استعملت ثم لتراخى المراتب وإن أعطت عكس الترتيب الوجودي.
142

قوله تعالى (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إلى آخر الآيات) قال فيه (أصحاب الجنة قوم من أهل الصلاة
كانت لأبيهم هذه الجنة دون صنعاء بفرسخين الخ) قال أحمد: وفائدة التنكير الإبهام تعظيما لما أصابها، ومعنى
كالصريم: أي لهلاك ثمرها، وقيل الصريم: الليل لأنها احترقت واسودت، وقيل النهار: أي خالية فارغة من
قولهم بيض الإناء إذا فرغه.
قلت: ومنه البياض من الأرض: أي الخالية من الشجر، ورد في الحديث ويستعمله
الفقهاء في المساقاة، ومعنى صارمين: حاصدين. قال: وإنما عدل عن إلى في قوله على حرثكم لأن غدوهم كان
ليصرموه فهو غدو عليه، ومعنى يتخافتون: يسرون حديثهم خيفة من ظهور المساكين عليهم، وقوله - ألا
143

يدخلنها اليوم عليكم - مثل: لا أرينك ههنا، والحرد من حاردت السنة إذا منعت خيرها، والمعنى وغدوا على
نكد ومنع غير عاجزين عن النفع. وقيل الحرد: السرعة: أي غدوا مسارعين نشطين لما عزموا عليه من الحرمان،
ومعنى قادرين على هذا التأويل عند أنفسهم. وقيل حرد اسم الجنة المذكورة وقولهم - إنا لضالون - قالوه في بديهة
أمرهم دهشا لما رأوا ما لم يعهدوه فاعتقدوا أنهم ضلوا عنها وأنها ليست هي، ثم لما تبينوا وأيقنوا أنها هي أضربوا
عن الأول إلى قولهم - بل نحن محرومون -.
144

قوله تعالى (ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون ان لكم لما تخيرون) قال (هذا خطاب على
وجه الالتفات لأهل مكة إذ اعتقدوا انهم في الآخرة أكثر نعيما من المؤمنين الخ) قال أحمد: ولما كان الدرس
قولا كسرها.
قوله تعالى (أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة) قال فيه (تعلق إلى يوم القيامة بالمقدر في الظرف: أي هي
ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها إلا يومئذ إذا أعطيناكم ما تحكمون به. قال: أو يتعلق ببالغة:
أي تبلغ ذلك اليوم وتنتهي إليه وافرة لم يبطل منها يمين إلى أن يحصل المقسم عليه).
146

القول في سورة الحاقة
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة) قال: معناه الحاقة ما أدراك ما هي تعظيما لها وتفخيما الخ.
149

قوله تعالى (وتعيها أذن واعية) قال فيه (يقال وعيته إذا حفظته في نفسك الخ) قال أحمد: هو مثل قوله
- ولتنظر نفس ما قدمت لغد - وقد ذكر أن فائدة التنكير والتوحيد فيه الإشعار بقلة الناظرين.
قوله تعالى (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة) قال فيه (إن قلت: لم قال واحدة وهما نفختان الخ؟) قال
أحمد: وأما فائدة الإشعار بعظم هذه النفخة أن المؤثر لدك الأرض والجبال وخراب العالم هي وحدها غير محتاجة
إلى أخرى.
151

قوله تعالى (والملك على أرجائها) قال (أي على حافاتها لأنها تنشق فتنضوي الملائكة الذين هم سكانها إلى
أذيالها الخ) قال أحمد: كلاهما معرف في تعريف الجنس، فالواحد والجمع سواء في العموم. عاد كلامه. قال
(وحق هذه الها آت: يعنى في كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانيه الخ) قال أحمد: تعليل القراءة باتباع المصحف
عجيب مع أن المعتقد الحق أن القراءات السبع بتفاصيلها منقولة تواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي أثبت
الهاء في الوصل إنما أثبتها من التواتر عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم آيها كذلك قبل أن تكتب في المصحف،
وما نفس هؤلاء الأدخال الاجتهاد في القراءات المستفيضة واعتقاد أن فيها ما أخذ بالاختيار النظري، وهذا خطأ
لا ينبغي فتح بابه فإنه ذريعة إلى ما هو أكبر منه، ولقد جرت بيني وبين الشيخ أبى عمرو رحمه الله مفاوضة في قوله
ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه - على قراءة حفص انتهت إلى أن ألزم الرد على من أثبت الهاء في الوصل
في كلمات سورة الحاقة لأني حججته بإثبات القراء المشاهير لها كذلك، ففهمت من رده لذلك ما فهمه من كلام
152

الزمخشري ههنا ولم أقبله منه رحمه الله فتراجع عنه، وكانت هذه المفاوضة بمكاتبة بيني وبينه، وهى آخر ما كتب
من العلوم على ما أخبرني به خاصته، وذلك صحيح لأنها كانت في أوائل مرضه رحمه الله، والله أعلم.
153

قوله تعالى (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) قال فيه (التقول افتعال القول لان فيه تكلفا الخ) قال أحمد:
154

وبناء أفعولة من القول وهو معتل كما ترى غريب عن القياس التصريفي، ويحتمل أن تكون الأقاويل جمع الجمع
كالأناعيم جمع أقوال وأنعم وهو الظاهر. والله أعلم.
155

القول في سورة المعارج
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (سأل سائل بعذب واقع) قال فيه (سأل بمعنى دعا لقوله - يدعون فيها بكل فاكهة آمنين - الخ) (1).

(1) هكذا بالنسخة التي بأيدينا، ولعل هنا سقطا اه‍ مصححه.
156

قوله تعالى (ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم) الآية، قال فيه (معناه: يبصر الأصدقاء أصدقاءهم فيعرفونهم
الخ) قال أحمد: وفيه دليل على أن الفاعل والمفعول الواقعين في سياق النفي يعم كما التزم في والله لا أشرب ماء من
إداوة أنه عام في المباة والأداوات خلافا لبعضهم في الأدوات.
157

قوله تعالى (إن الانسان خلق هلوعا) الآية قال فيه (المعنى: أن الانسان لايثاره والجزع والمنع ورسوبهما فيه
كأنه الخ) قال أحمد: هو يشرك باطنا وينزه ظاهرا، فينفى كون الهلع الذي هو موجود للادمى مخلوقا لله تعالى تنزيها
له عن ذلك، ويثبت خالقا مع الله ويتغافل عن اقتضاء نظم الآية، لذلك فإنك إذا قلت بريت القلم رقيقا فقد
158

نسبت إليك الحال وهو ترقيقه كما نسب إليك البرى وكذلك الآية، وأما قوله والله لا يذم خلقه، فالله تعالى له
الحمد على كل حال، وإنما المذموم العبد بحجة أنه جعل فيه اختيارا يفرق به بالضرورة بين الاختياريات والقسريات
ألا لله الحجة البالغة، والله أعلم.
قوله تعالى (الذين هم على صلاتهم دائمون) قال (أي لا يتركونها في وقت ولا يحبطونها الخ) قال أحمد:
حفظها من الاحباط نص عند أهل السنة على حفظها من الكفر خاصة فلا يحبط ما سواه خلافا للقدرية، وقد
تقدمت أمثاله، والله أعلم.
159

القول في سورة نوح عليه السلام
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر) قال فيه (إن قلت: كيف قال ويؤخركم
مع إخباره بامتناع التأخر الخ) (1).

(1) هكذا بالنسخة التي بأيدينا ولعل هنا سقطا اه‍ مصححه.
161

قوله تعالى (مالكم لا ترجون لله وقارا) قال فيه (مالكم لا تكونون على حال يكون فيها تعظيم الله تعالى الخ)
قال أحمد: وهذا التفسير يبقى الرجاء على بابه، ونقل قولا آخر لحمله على الخوف: أي لا تخافون لله عظمة. وعن
ابن عباس أن الوقار العاقبة لاستقرار الثواب وثبات العقاب، من وقر إذا ثبت.
قوله تعالى (وجعل القمر فيهن نورا) قال فيه (وإنما هو في السماء الدنيا لان بين السماوات وبين السماء الدنيا
مناسبة) قال أحمد: ويلاحظ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان.
163

عاد كلامه، قوله تعالى (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) قال فيه (كيف جاز أن يريد الضلال، وأجاب بأن
المراد به منع الألطاف) قلت: هذا على قاعدته:
164

قوله تعالى (مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا) قال فيه (ما موجب إغراقهم حين أغرقوا؟ وأجاب بأنهم
ما أغرقوا إلا على وجه العقاب الخ) قال أحمد: هذا السؤال مفصح عما في باطنه من وجوب تعليل أفعال الله تعالى،
وعليه يبنى أنه لا يجوز الألم من الله تعالى إلا باستحقاق سابق أو لاعواض مترقبة أو لغير ذلك من المصالح، بناء
على القاعدة لهم في الصلاح والأصلح، والصبيان لا جناية سبقت منهم ولا عوض يترقب فيهم فيرد السؤال على
ذلك، وأما أهل السنة فالله تعالى قد تكفل الجواب عنهم بقوله - لا يسئل عما يفعل - وهذا الكلام بالنظر إلى
خصوص واقعة قوم نوح وينجر الكلام منها إلى حكم الله علينا في العدو إذا خيف من مقاتلتهم بالآلات على
ذراريهم أن ذلك لا يوجب إلا كفاف عن مقاتلتهم بالآلات المهلكة لهم والمذرية، ويستدل برمي النبي صلى الله
عليه وسلم على أهل الطائف بالمجانيق، وقيل له فيهم الذرية فقال: هم من آبائهم، وأما رميهم بالنار وفيهم الذرية
فمنعه مالك رحمه الله إلا أن يخاف غائلتهم فيرمون بها إن لم يندفعوا بغيرها، والله أعلم.
165

القول في سورة الجن
(بسم الله الرحمن الرحيم)
166

قوله تعالى (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا) قال فيه (إن قلت: كأن الرجم لم يكن
في الجاهلية وقد قال تعالى - ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين - فذكر فائدتي الزينة والرجم
الخ) قال أحمد: ومن عقائدهم أن الرشد والضلال جميعا مرادان لله تعالى بقولهم - وأنا لا ندري أشر أريد بمن في
الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا - ولقد أحسنوا الأدب في ذكر إرادة الشر محذوفة الفاعل، والمراد بالمريد هو
الله عز وجل، وإبراز هم لاسمه عند إرادة الخير والرشد، فجمعوا بين العقيدة الصحيحة والآداب المليحة.
168

قوله تعالى (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا) قال فيه: (معناه: أي لا أستطيع أن أنفعكم أو أضركم إنما
النافع والضار الله عز وجل الخ) قال أحمد: في الآية دليل بين على أن الله تعالى هو الذي يملك لعباده الرشد والغى
أن يخلقهما لا غير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سلب ذلك عن قدرته ليمحض إضافته إلى قدرة الله وحده،
وفطن الزمخشري لذلك فأخذ يعمل الحيل، فتارة يحمل الرشد على مطلق النفع فيضيف ذلك إلى الله تعالى، وتارة
يكنع عنه لان فيه إبطالا لخصوصية الرشد المنصوص عليه في الآية فيثور له من تقليده الرأي الفاسد ثوائر تصرفه
عن الحق، وعن اعتقاده أن الله تعالى هو الذي يخلق الرشد لعبيده مقارنا لاختيار هم فيدخل زيادة القسر، لان معنى
ما ورد من إضافة الرشد إلى قدرة الله تعالى عندهم أنه يخلق أن يخضع لها الرقاب فيخلق العبد لنفسه عند ظهورها
راشدا فيضاف إلى قدرة الله تعالى لأنه خلق السبب وهو في الحقيقة مخلوق بقدرة العبد، هذه قاعدة القدرية
وعقيدتهم. وما الجن بعد هذا إلا أوفر منهم عقلا وأسد منهم نظرا لانهم قالوا - وإنا لا ندري أشر أريد بمن
في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا - فأضافوا الرشد نفسه إلى إرادة الله عز وجل وقدرته. عاد كلامه.
قوله تعالى (قل إني لن يجيرني من الله أحد) الآية. قال فيه (هو اعتراض، وقوله إلا بلاغا استثناء من قوله لا أملك:
أي لا أملك لكم إلا بلاغا، وقيل بلاغا بدل من ملتحدا الخ) قال أحمد: فيكون تقدير الكلام بلاغا من الله مستفادا.
171

قوله تعالى (قل إن أدرى أقريب ما توعدون أم يجعل له ربى أمدا) قال (إن قلت: ما معنى التقسيم والامد
يكون قريبا وبعيدا لقوله - تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا -؟) وأجاب بأنه كان صلى الله عليه وسلم الموعد
وكأنه قال: ما أدرى هل هو حال متوقع في كال ساعة أم له غاية مضروبة.
قوله تعالى (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) قال فيه (إبطال للكرامات، لأنه
حصر ذلك في المرتضى من الرسل والولي وإن كان من المرتضين الخ) قال أحمد: ادعى عاما واستدل خاصا، فإن
دعواه إبطال الكرامات بجميع أنواعها، والمدلول عليه بالآية بإبطال اطلاع الولي على الغيب خاصة ولا يكون
كرامة، وخارق العادة إلا الاطلاع على الغيب لاغير، وما القدرية إلا لهم شبهة في إبطالها، وذلك أن الله عز وجل
لا يتخذ منهم وليا أبدا وهم لم يحدثوا بذلك عن أشياعهم قط، فلا جرم أنهم يستمرون على الانكار ولا يعلمون أن
شرط الكرامة الولاية وهى مسلوبة عنهم اتفاقا، وأما سلب الايمان فمسألة خلاف، فما أطمع من يكون إيمانه
مسألة خلاف وهو يريد الكرامة لأنه لم يؤتها، والله الموفق.
172

القول في سورة المزمل
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا) قال فيه (هو المتلفف في ثيابه كالمدثر ونودي بما يهجن إليه الخ)
173

قال أحمد: أما قوله الأول إن نداءه بذلك تهجين للحالة التي ذكر أنه كان عليها، واستشهاده بالأبيات المذكورة
فخطأ وسوء أدب، ومن اعتبر عادة خطاب الله تعالى له في الاكرام والاحترام علم بطلان ما تخيله الزمخشري،
فقد قال العلماء: إنه لم يخاطب باسمه نداء، وإن ذلك من خصائصه دون سائر الرسل إكراما له وتشريقا، فأين
نداؤه بصيغة مهجنة من ندائه باسمه واستشهاده على ذلك بأبيات قيلت ذما في جفاة حفاة من الرعاء، فأنا أبرأ إلى
الله من ذلك وأربأ به صلى الله عليه وسلم، ولقد ذكرت بقوله: * أوردها سعد وسعد مشتمل * ما وقفت عليه
من كلام ابن خروف النحوي يرد على الزمخشري ويخطئ رأيه في تصنيفه المفصل وإجحافه في الاختصار بمعانى
كلام سيبويه حتى سماه ابن خروف البرنامج وأنشد عليه:
أوردها سعد وسعد مشتمل * ما هكذا تورد يا سعد الإبل
وأما ما نقله أن ذلك كان في مرط عائشة رضي الله عنها فبعيد، فإن السورة مكية، وبنى النبي صلى الله عليه وسلم
على عائشة رضي الله عنها بالمدينة. والصحيح في الآية ما ذكره آخرا لان ذلك في بيت خديجة عندما لقيه جبريل
أول مرة، فبذلك وردت الأحاديث الصحيحة، والله أعلم.
174

قوله تعالى (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا) قال فيه (قيل الناشئة النفس القائمة بالليل التي تنشأ عن
مضجعها الخ) قال أحمد: فإن حملت الناشئة على النفس فإضافة المواطأة إليها حقيقة، وإن حملتها على الساعات
أو المصدر فهو من الاتساع المجازى.
176

القول في سورة المدثر
(بسم الله الرحمن الرحيم)
180

قوله تعالى (ثم يطمع أن أزيد) قال (دخلت ثم استبعادا لطمعه وحرصه على الزيادة واستنكارا لذلك فرد الله
طمعه خائبا الخ) قال أحمد: لان الكلمة الشنعاء لما خطرت بباله بعد إمعانه النظر لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث،
قال: فإن قلت: لم لم يوسط بين الجملتين عاطفا؟ وأجاب بأن الثانية أخرجها مخرج التوكيد للأولى.
182

قوله تعالى (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم) الآية.
قال فيه (إن قلت: قد جعل افتتان
الكافرين بعدة الزبانية سببا الخ) قال أحمد: ما جعل افتتانهم بالعدة سببا لذلك وإنما العدة نفسها هي التي جعلت
سببا، لان المراد وما جعلنا عدتهم إلا تسعة عشر، فوضع فتنة للذين كفروا موضع ذلك لان حال هذه العدة
الناقصة واحدا من العشرين أن يفتتن بها من لا يؤمن بالله وبحكمته ولا يذعن وإن خفى عليه وجه الحكمة، كأنه
قيل لقد جعلنا عدتهم عدة من شأنها أن يفتتن بها لأجل استيقان المؤمنين وحيرة الكافرين واستيقان أهل الكتاب.
قال أحمد: السائل جعل الفتنة التي هي في تقدير الصفة للعدة، إذ معنى الكلام ذات فتنة سببا فيما بعدها، والمجيب
جعل العدة التي عرضت لها هذه الصفة سببا لا باعتبار عروض الصفة لها، ويجوز أن يكون ليستيقن راجعا إلى
ما قبل الاستثناء كأنه قيل: جعلنا عدتهم سببا لفتنة الكافرين وسببا ليقين المؤمنين، وهذا الوجه أقرب مما ذكره
الزمخشري، وإنما ألجأه إليه اعتقاد أن الله تعالى ما فتنهم ولكنهم فتنوا أنفسهم بناء على قادعة التبعيض في المشيئة
184

وبئست القاعدة فاحذرها. عاد كلمه، قال (وقوله تعالى - ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب - بعد قوله ليستيقن
ليحصل لهم فائدة الجمع بين إثبات اليقين الخ) قال أحمد: أطلق الغرض على الله عز وجل مع أنه موهم ولم يرد فيه
سماع، وأورد السؤال على قاعدته بعد ذلك كله في أن الله لم يرد من المنافقين والكافرين أقوالهم، وإنما قالوا على
خلاف ما أراد، وقد عرفت فساد القاعدة، فأرح فكرك من هذا السؤال فالكل مراد وحسبك تتمة الآية - كذلك
يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء.
185

قوله تعالى (كل نفس بما كسبت رهينة) قال (وليست بتأنيث رهين الخ) قال أحمد: لأنه فعيل بمعنى
مفعول يستوى مذكره ومؤنثه كقتيل وجديد. عاد كلامه، قال: وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى
الشتم الخ.
186

قوله تعالى (في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر) الآية، قال فيه (يتساءلون: يعنى يسأل
بعضهم بعضا عنهم الخ) قال أحمد: إنما أورد السؤال ذريعة وحيلة لتحميل الآية الدالة على أن فساق المسلمين
تاركي الصلاة مثلا يسلكون في النار مخلدين مع الكفار، فجعل كل واحدة من الخلال الأربع توجب ما توجب
الأخرى من الخلود، والصحيح في معنى الآية أنها خاصة بالكفار، ومعنى قولهم لم نك من المصلين: لم نك من
أهل الصلاة، وكذلك إلى آخرها لانهم يكذبون بيوم الدين، والمكذب لا يصح منه طاعة من هذه الطاعات، ولو
فعلها لم تنفعه وقدرت كالعدم، وإنما يتأسقون على ترك فعل هو نافع لهم. قال: وفى تشبيههم بالحمر تهجين لهم
وشهادة عليهم بالبلادة، وأيضا المقصود تشبيه إدبارهم عن الحق وتسارعهم إلى الاعراض عنه بنفار حمر الوحش
وعادة العرب أنها تشبه في السرعة بعدو الحمر وخصوصا إذا أحست بقانص فجرى على ما عهدوه، والله أعلم.
187

القول في سورة القيامة
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (لا أقسم) قال (إدخال لا النافية على فعل القسم مستفيض الخ) قال أحمد: إن لا التي قبل أقسم
زيدت توطئة للنفي بعده وقدرت المقسم عليه المحذوف ههنا منفيا تقديره: لا أقسم بيوم القيامة لا تتركون سدى.
وأجاب بأنه لو قسر الامر على النفي دون الاثبات لكان له مساغ ولكنه ليس بقاصر عليه، ألا ترى كيف لقى
- لا أقسم بهذا البلد - بقوله - لقد خلقنا الانسان في كبد - وقوله - فلا أقسم بمواقع النجوم - بقوله - إنه لقرآن كرم -
189

قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) قال (الوجوه كناية عن الجملة وقدم إلى ربها ليفيد الحصر
الخ) قال أحمد: ما أقصر لسانه عند هذه الآية، فكم له يدندن ويطيل في جحد الرؤية ويشقق القباء ويكثر ويتعمق
فلما فغرت هذه الآية فاه صنع في مصامتها بالاستدلال، على أنه لو كان المراد الرؤية لما انحصرت بتقديم المفعول
لأنها حينئذ غير منحصرة على تقدير رؤية الله تعالى، وما يعلم أن الممتع برؤية جمال وجه الله تعالى لا يصرف عنه
طرفه ولا يؤثر عليه غيره ولا يعدل به عز وعلا منظورا سواه، وحقيق له أن يحصر رؤيته إلى من ليس كمثله شئ
ونحن نشاهد العاشق في الدنيا إذا أظفرته برؤية محبوبه لم يصرف عنه لحظة ولم يؤثر عليه، فكيف بالمحب لله عز وجل
إذا أخطأه النظر إلى وجه الكريم، نسأل الله العظيم أن لا يصرف عنا وجهه وأن يعيذنا من مزالق البدعة ومزلات
الشبهة، وهو حسبنا ونعم الوكيل
192

القول في سورة الانسان
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (هل أتى على الانسان) قال: هل بمعنى قد في الاستفهام والأصل أهل الخ
194

قول تعالى (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) قال فيه (هما حالان من الهاء في هديناه الخ) قال
أحمد: هذا من تحريفه المنكر وهو عند أهل السنة على ظاهره. عاد كلامه، قال (أو يكون معناه إنا دعوناه إلى
الايمان كان معلوما منه الخ) قال أحمد: واستحسانه لقراءة أبى السمال لتخيله أن في التقسيم إشعارا بغرضه الفاسد،
وليس كذلك فإن التقسيم يحتمل الجزاء إما شاكرا فمثاب وإما كفورا فمعاقب، ويرشد إليه ذكر جزاء الفريقين بعد.
قوله تعالى (سلاسلا وأغلالا) قال فيه (قرئ بتنوين سلاسل فوجهه أن تكون هذه النون بدلا من ألف
الاطلاق الخ) قال أحمد: وهذا من الطراز الأول لان معتقده أن القراءة المستفيضة غير موقوفة على النقل المتواتر
عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفاصيلها، وأنها موكولة إلى اجتهاد القراء واختيارهم بمقتضى نظرهم كما مر له وطم
على ذلك ههنا، فجعل تنوين سلاسل من قبيل الغلط الذي يسبق إليه اللسان في غير موضعه لتمرنه عليه في موضعه،
والحق أن جميع الوجوه المستفيضة منقولة تواترا عنه صلى الله عليه وسلم وتنوين هذا على لغة من يصرف في نثر
الكلام جميع مالا ينصرف إلا أفعل، والقراءات مشتملة على اللغات المختلفة، وأما قوارير فقرئ بترك
تنوينهما وهو الأصل، وتنوين الأول خاصة بدلا من ألف الاطلاق لأنها فاصلة، وتنوين الثانية كالأولى اتباعا لها
ولم يقرأ أحد بتنوين الثانية وترك تنوين الأولى. فإنه عكس أن يترك تنوين الفاصلة مع الحاجة إلى المجانسة وتنوين
غيرها من غير حاجة.
قوله تعالى (إن الأبرار يشرب بها عباد الله) قال فيه (كافورا
عين في الجنة اسمها كذلك في لون الكافور ورائحته وبرده الخ) قال أحمد: هذا الجواب على القولين الأولين،
195

وأما على القولين الآخرين وهو أن العين بدل من الكأس. ومعنى مزاجها بالكافور: إما اشتمالها على أوصافه،
وإما أن يكون الكافور المعهود كما تقدم فلا يتم الجواب المذكور. فيجاب عن السؤال بأنه لما ذكر الشراب أولا
باعتبار الوقوع في الوجود ذكره ثانيا مضمنا للالتذاذ به، وكأنه قال: فيشربون منها فيلتذون بها، وعليه حمله
أبو عبيد.
عاد كلامه، قال: قوله تعالى (يفجرونها تفجيرا) أي سهلا لا يمتنع عليهم الخ.
196

قوله تعالى (عاليهم ثياب سندس خضر) قال فيه (قرئ بالسكون على أنه مبتدأ خبره ثياب الخ) قال أحمد
في هذا الوجه الاخر نظر، فإنه يجعله داخلا في مضمون الحسبان، وكيف يكون ذلك وهم لابسون السندس
حقيقة، لا على وجه التشبيه باللؤلؤ، بخلاف كونهم لؤلؤا فإنه على طريق التشبيه المقتضى لقرب شبههم باللؤلؤ
إلى أن يحسبوا لؤلؤا، ويحتمل أن يصحح هذا الوجه لكن بعد تكلف مستغنى عنه بالأول.
199

قوله تعالى (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) قال فيه (معناه: وما تشاءون الطاعة إلا أن يشاء الله الخ) قال
أحمد: وهذا من تحريفاته للنصوص وتسوره على خزائن الكتاب العزيز كدأب الشطار واللصوص، فلنقطع يد
حجته التي أعدها وذلك حكم هذه السرقة وحدها، فنقول: الله تعالى نفى وأثبت على سبيل الحصر الذي لاحصر
ولا نصر أوضح منه، ألا ترى أن كلمة التوحيد اقتصر بها على النفي والاثبات لان هذا النظم أعلق شئ بالحصر
وأدله عليه، فنفى الله تعالى أن يفعل العبد شيئا له فيه اختيار ومشيئة إلا أن يكون الله تعالى قد شاء ذلك الفعل،
فمقتضاه ما لم يشأ الله وقوعه من العبد لا يقع من العبد، وما شاء منه وقوعه وقع، وهو رديف " ما شاء الله كان،
وما لم يشأ لم يكن " وانظر إدخاله القسر في تعطيل الآية لا تأويلها كيف ناقض به؟ فإن معنى الآية عنده أن مشيئة
العبد الفعل لا تكون إلا إذا قسره الله عليها، والقسر مناف للمشيئة، فصار الحاصل أن مشيئة العبد لا توجد إلا إذا
انتفت، فإذا لا مشيئة للعبد البتة ولا اختيار، وما هو إلا فر من إثبات قدرة للعبد غير مؤثرة ومشيئة غير خالقة
ليتم له إثبات قدرة ومشيئة مؤثرين، فوقع في سلب القدرة والمشيئة أصلا ورأسا، وحيث لزم الحيد عن الاعتزال
انحراف بالكلبة إلى الطرف الأقصى متحيزا إلى الجبر، فيا بعد ما توجه بسوء نظره، والله الموفق.
201

القول في سورة والمرسلات
(بسم الله الرحمن الرحيم)
202

قوله تعالى (ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا) قال: وهى كفات الاحياء والأموات الخ.
203

القول في سورة النبأ
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(عم يتساءلون) قال فيه (معنى هذا الاستفهام تفخيم الشأن كأنه قيل: عن أي شئ يتساءلون، ونحوه
ما في قولك الخ) قال أحمد: وقد أكثرت أم زرع من هذا التفخيم في قولها " وأبو زرع ما أبو زرع " إلى آخر
حديثها. عاد كلامه، قال (هذا أصله ثم جرد الدلالة على التفخيم الخ) قال أحمد: لان بعضهم يشك في البعث
وبعضهم يبت النفي، ومن ثم قيل الضمير للمسلمين والكافرين، فسؤال المسلمين ليزدادوا خشية، وإنما سؤال
206

الكفار لزيادة الاستهزاء والكفر. ثم قال (فإن قلت: كيف اتصال قوله ألم نجعل الأرض مهادا بما قبله الخ) قال
أحمد: جوابه الأول سديد، وأما الثاني فغير مستقيم فإنه مفرغ على المذهب الأعوج في وجوب مراعاة الصلاح
والأصلح واعتقاد أن الجزاء واجب على الله تعالى عقلا ثوابا وعقابا بمقتضى إيجاب الحكمة، وقد فرغ من إبطال
هذه القاعدة.
207

قوله تعالى (إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) قال فيه (وقف الشفاعة على شرطين الخ) قال أحمد: يعرض
بأن الشفاعة لا تحل على مرتكبي الكبائر من الموحدين، وقد صرح بذلك في مواضع تقدمت له ويتلقى ذلك من أنها
مخصوصة بالمرتضين وذوو الكبائر ليسوا مرتضين ومن ثم أخطأ، فإن الله عز وجل ما خصهم بالايمان والتوحيد
وتوفاهم عليه إلا وقد ارتضاهم لذلك بدليل قوله تعالى - ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم - فجعل
الشكر بمعنى الايمان المقابل للكفر مرضيا لله تعالى وصاحبه مرتضى.
القول في سورة والنازعات
(بسم الله الرحمن الرحيم)
211

قوله تعالى (والنازعات غرقا) الآيات. قال فيه: إما أن يكون المراد الملائكة، فالنازعات يعنى للأرواح،
ومعنى غرقا. إغراقا في النزع الخ.
212

قوله تعالى (فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة) قال فيه (إن قلت: كيف اتصل بما قبله؟ وأجاب أنهم
أنكروا الإعادة الخ) قال أحمد: وما أحسن تسهيل أمر الإعادة بقوله زجرة عوضا من صيحة، لان الزجرة أخف
من الصيحة، وبقوله واحدة: أي غير محتاجه إلى مثنوية، وهو يحقق لك ما أجبت به من السؤال الوارد عند قوله
تعالى - فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة - حيث قيل كيف وحدها وهما نفختان فجدد عهدا.
213

قوله تعالى (ثم أدبر يسعى) قال فيه (أي لما رأى الثعبان ولى هاربا مذعورا الخ) قال أحمد: وهذا الوجه
الأخير حسن لطيف جدا، وهو على هذا من أفعال المقاربة. قال: وقوله (نكال الآخرة والأولى) (يعنى
الاغراق في الدنيا والاحراق في الآخرة الخ) قال أحمد: فعلى الأول يكون قريبا من إضافة الموصوف إلى الصفة لان
الآخرة والأولى صفتان للكمتين، وعلى الثاني لا يكون كذلك.
214

قوله تعالى (والأرض بعد ذلك دحاها أخرج) قال (فإن قلت: هلا أدخل العاطف على أخرج الخ) قال
أحمد: والأول أحسن وهو مناسب لقوله - السماء بناها - لأنه لما قال - أأنتم أشد خلقا أم السماء - تم الكلام لكن
مجملا، ثم بين التفاوت ففسر كيف خلقها فقال بغير عاطف، ثم فسر البناء فقال - رفع سمكها - بغير عاطف
أيضا.
قوله تعالى (وبرزت الجحيم لمن يرى) قال فيه (يعنى أظهرت إظهارا بينا مكشوفا الخ) قال أحمد: وفائدة
هذا النظم الاشعار بأنه أمر ظاهر لا يتوقف إدراكه إلا على البصر خاصة: أي لا شئ يحجبه ولا بعد يمنع رؤيته
ولا قرب مفرط إلى غير ذلك من موانع الرؤية.
215

قوله تعالى (يسئلونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها) قال فيه (مرساها: أي مستقرها الخ)
قال أحمد: وفيه إشعار بثقل اليوم كقوله - ويذرون وراءهم يوما ثقيلا - ألا تراهم لا يستعملون الارساء إلا فيما له
ثقل كمرسى السفينة وإرساء الجبال؟ عاد كلامه، قال (ومعنى فيم أنت: أي في أي شئ أنت من أن تذكر وقتها
الخ). قال أحمد: وفى هذا الوجه نظر، فإن الآية الأخرى ترده وهى قوله - يسألونك كأنك حفى عنها - أي أنك
لا تحتفى بالسؤال عنها ولا تهتم بذلك وهم يسئلونك كما يسئل الحفى عن الشئ: أي الكثير السؤال عنه، فالوجه
الأول أصوب. عاد كلامه، قال (وقيل فيم إنكار لسؤالهم: أي فيم هذا السؤال الخ) قال أحمد: فعلى هذا ينبغي
أن يوقف على قوله فيم إنكارا لسؤالهم: أي فيم هذا السؤال الخ) قال أحمد: فعلى هذا ينبغي
أن يوقف على قوله فيم ليفصل بين الكلامين.
216

القول في سورة عبس
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) إلى قوله (فأنت له تصدى) (ذكر سبب الآية وهو أن ابن
مكتوم الأعمى الخ). قال أحمد: وإنما أخذ الاختصاص من تصدير الجملة بضمير المخاطب وجعله مبتدأ مخبرا
عنه، وهو كثيرا ما يتلقى الاختصاص من ذلك، ولقد غلط في تفسير الآية وما كان له أن يبلغ ذلك. عاد كلامه، قال:
وفى قوله (يسعى وهو يخشى) تنبيه على وجوب حق ابن أم مكتوم الخ.
217

قوله تعالى (قتل الانسان ما أكفره) إلى قوله (ثم شققنا الأرض شقا) دعاء عليه وهو من أشنع دعائهم الخ
قال أحمد: ما رأيت كاليوم قط عبدا ينازع ربه، الله تعالى يقول: ثم شققنا، فيضيف فعله إلى ذاته حقيقة كما
أضاف بقية أفعاله من عند قوله - من نطفة خلقه - وهلم جرا. والزمخشري يجعل الإضافة مجازية من باب إسناد
الفعل إلى سببه، فيجعل إضافة الفعل إلى الله تعالى من باب إضافة الشق إلى الحراث لأنه السبب، قتل القدري
ما أكفره على قول وما أضله على آخر، وإذا جعل شق الأرض مضافا إلى الحراث حقيقة وإلى الله مجازا
فما يمنعه أن يجعل الحراث هو الذي صبب الماء وأنبت الحب والعنب والقضب حقيقة، وهل هما إلا واحد؟
219

عاد كلامه، في قوله (يوم يفر المرء من أخيه) الآية نقل في التفسير أن أول من يفر من أخيه هابين وأول من
يفر من أبويه إبراهيم وأول من يفر من صاحبته نوح ولوط وأول من يفر من ابنه نوح.
220

القول في سورة التكوير
(بسم الله الرحمن الرحيم)
221

قوله تعالى (فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس) ثم تعرض في تفسيره
للعامل الخ. قال أحمد: هذا الجواب لا يستمر لأجل ظهور الفعل الثاني في قوله فلا أقسم بالخنس، ولما أعضل
الجواب عن هذا السؤال في سورة التكوير التزم الشيخ أبو عمرو بن الحاجب إجازة العطف على عاملين، واتخذ هذه
الآية وزره ومعتضده في مخالفة سيبويه، ورد على الزمخشري جوابه في سورة - والشمس وضحاها - لأنه لم يطرد
له ههنا، وكان على رده يستحسن تيقظ فطنته في استنباطه، ونحن، والله الموفق، نلتزم مذهب سيبويه في امتناع
العطف على عاملين في جعل الواو الثانية عاطفة، ويجرى جواب الزمخشري ههنا وينفصل عن هذه الآية فنقول
قوله - والليل إذا عسعس - هذه الواو الأولى ابتداء قسم، والواو في قوله - والصبح إذا تنفس - عاطفة فيطرد
ما قال الزمخشري. فإن قيل: فقد خالفتم سيبويه فإنه لا يرى الواو المتعقبة للقسم ابتداء قسم بل عاطفة، وقد جعلتم
الواو الأولى وهى متعقبة للقسم ابتداء قسم. قلنا: إنما تكلم سيبويه في الواو المتعقبة للقسم بالواو، وأما الآية
223

فالقسم الأول فيها بالباء والفعل، فجعلنا الواو بعد ذلك قسما وتبعا وهو أبلغ كأنه أقسم قسمين بشيئين مختلفين.
فإن قيل: أجل إنما تكلم سيبويه على الواو المتعقبة للقسم بالواو فما الفرق بين المتعقبة للقسم بالواو والمتعقبة للقسم
بالباء وما هما إلا سواء، فإن كل واحد منهما آلة له، والتاء تدل على الباء فحكمهما واحد؟ قلنا: ليستا سواء،
فإن القسم متى صدر بالواو ولم يله واو أخرى فجعلها قسما آخر فيه تكرار مستكره إذ الآلة واحدة، ولا كذلك إذا
اختلفت الآلة، فإن عاملة التكرار مأمونة إذا، ألا ترى أنه لو صدر القسم بالواو ثم تلاه قسم بالباء لتحتم جعلهما
قسمين مستقلين، فكذلك لو خولف هذا الترتيب، وأيضا فإنه إن كان المانع لسيبويه من جعل الواو الثانية قسما
مستقلا مجئ الجواب واحدا واحتياج الواو الأولى إلى محذوف فالعطف يغنى عن تقدير محذوف فيتعين فلا يلزم
اطراد الباء لأنها أصل القسم لا سيما مع التصريح بفعل القسم ثم تأكيده بزيادة لا، فإن في مجموع ذلك ما يغنى عن
إفراده بجواب مذكور، ولا كذلك الواو فإنها ضعيفة المسكنة في باب القسم بالنسبة إلى الباب، فلا يلزم من حذف
جواب تمكنت الدلالة عليه حذف جواب دونه في الوضوح. وأختم الكلام على هذا السؤال بنكتة بديعة فأقول:
إنما خصصت إيراد السؤال بالواو الثانية في قوله - والليل إذا عسعس - دون الثالثة: لأنه غير متوجه عليها، ألا
تراك لو جعلتها عاطفة لم يلزمك العطف على عاملين لأنك تجعلها نائبة عن الباء وتجعل إذا فيها منصوبة بالفعل مباشرة
إذا لم يتقدم في جملة الفعل ظرف تعطف عليه إذا فتصير بمثابة قولك مررت بزيد وعمرو اليوم، فاليوم منصوب
بالفعل مباشرة، وفهم من المثال أن مرورك بزيد مطلق غير مقيد بظرف، وإنما المقيد باليوم مرورك بعمرو خاصة
لكن يطابق الآية فإن الظرف فيها وإن عمل فيه الفعل مباشرة فهو مقيد للقسم بالليل لا للقسم بالخنس.
قوله تعالى (إنه لقول رسول كريم) الآية، قال فيه (المراد بالرسول الكريم جبريل عليه السلام وقوله - عند
ذي العرش - ليدل على عظم منزلته ومكانته، وثم إشارة إلى الظرف المذكور: يعنى عند ذي العرش الخ) قال
أحمد: ما كان جبريل صلوات الله عليه يرضى منه هذا التفسير المنطوى على التقصير في حق البشير النذير عليه أفضل
الصلاة والسلام، ولقد اتبع الزمخشري هواه في تمهيد أصول مذهبه الفاسد فأخطأ على الأصل والفرع جميعا،
224

ونحن نبين ذلك بحول الله وقوته فنقول: أولا اختلف أهل التفسير، فذهب منهم الجم الغفير إلى أن المراد بالرسول
الكريم ههنا إلى آخر النعوت محمد صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن كذلك والله أعلم فذلك فضل الله المعتاد على نبيه
وإن كان المراد جبريل عليه السلام فقد اختلف الناس في المفاضلة بين الملائكة والرسل، والمشهور عن أبي الحسن
تفضيل الرسل، ومذهب المعتزلة تفضيل الملائكة، إلا أن المختلفين أجمعوا على أنه لا يسوغ تفضيل أحد القبيلين
الجليلين بما يتضمن تنقيص معين من الملائكة ومعين من الرسل، لان التفضيل وإن كان ثابتا إلا أن في التعيين إيذاء
للمفضول، وعليه حمل الحذاق قوله صلى الله عليه وسلم " لا تفضلوني على يونس بن متى " أي لا تعينوا مفضولا على
التخصيص لان التفضيل على التعميم ثابت بإجماع المسلمين: أي تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على النبيين أجمعين
وكان جدي رحمه الله يوضح ذلك بمثال فيقول: لو قلت بحضرة جماعة من الفقهاء فلان أفضل أهل عصره لكان
في الجماعة احتمال لهذا التفضيل وإن لزم اندراجهم في المفضولين، ولو عينت واحدا منهم وقلت فلان أفضل
منك وأتقى لله لأسرع به الأذى إلى بغضك. وإذا تقرر لك أنه لا يلزم من اعتقاد التفضيل على التعميم جواز إطلاق
التفضيل على التخصيص علمت أن الزمخشري أخطأ على أصله، لأنه بتقدير أن تكون الملائكة أفضل كما يعتقد
لا يجوز أن يقال عن أحد من الملائكة على التخصيص إنه أفضل من أحد الأنبياء على التخصيص لا سيما في سيد ولد
آدم عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم يعود الكلام على الآية بعد تسليم أن المراد جبريل، وبعد أن نكله في تعيينه
النبي صلى الله عليه وسلم وعده مفضولا إلى الله فنقول: لم يذكر فيها نعت إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم مثله،
أولها رسول كريم فقد قال في حقه صلى الله عليه وسلم في آخر سورة الحاقة - إنه لقول رسول كريم - وقد قيل أيضا
225

إن المراد جبريل إلا أنه يأباه قوله - وما هو بقول شاعر - وقد وافق الزمخشري على ذلك فيما تقدم فهذا، أول
النعوت وأعظمها وأما قوله - ذي قوة - فليس محل الخلاف إذ لا نزاع في أن لجبريل عليه السلام فضل القوة
الجسمية، ومن يقتلع المدائن بريشة من جناحه لأمراء في فضل قوته على قوة البشر،، وقد قيل هذا في تفسير
قوله - ذو مرة فاستوى - وقوله - عند ذي العرش مكين مطاع ثم - فقد ثبت طاعة الملائكة أيضا لنبينا صلى الله
عليه وسلم، وورد " أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يقرئك السلام، وقد أمر ملك
الجبال أن يطيعك عندما آذته قريش، فسلم عليه الملك وقال: إن أمرتني أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت،
فصبر النبي صلى الله عليه وسلم واحتسب " وأعظم من ذلك وأشرف مقامه المحمود في الشفاعة الكبرى يوم لا يتقدمه
أحد إذ يقول الله تعالى له " ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع " وأما - أمين - فقد قال وهو
الصادق المصدوق " والله إني لأمين في الأرض أمين في السماء " وحسبك قوله - وما هو على الغيب بظنين - إن قرأته
بالظاء فمعناه أنه صلى الله عليه وسلم أمين على الغيب غير متهم، وإن قرأته بالضاد رجع إلى الكرم، فكيف يذهب
إلى التفضيل بالنعوت المشتركة بين الفاضل والمفضول سواء؟ ومالي مباحثة في أصل المسألة، ولكن الرد عليه
في خطئه على كل قول يتعين، وإلا فالمسألة في غير هذا الكتاب، فنسأل الله أن يثبتنا على الايمان به وملائكته
وكتبه ورسله، وعلى القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يعمر قلوبنا بحبهم، وأن يجعل توسلنا إليه
بهم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
226

القول في سورة الانفطار
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (ما غرك بربك الكريم) قال فيه (إن قلت: قوله ما غرك بربك الكريم ما معناه، وكيف يطابق
الوصف بالكرم الخ؟) قال أحمد: حجة الزمخشري ههنا فارغة، فإن الآية إنما وردت في الكفار بدليل قوله
227

- كلا بل تكذبون بالدين - ونحن نوافقه على خلودهم وانقطاع معاذيرهم لا على أن تخليدهم واجب على الله تعالى
بمقتضى الحكمة، فإن الله لا يجب عليه شئ، ويجوز عقلا أن يثيب الكافر ويخلده في الجنة، وبالعكس في المؤمن،
ولولا ورود السمع بإثابة المؤمنين وعذاب الكافرين فيتعين المصير إليه لكان ما ذكرناه في الجواز والاحتمال،
فإن الله عز وجل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
228

القول في سورة المطففين
(بسم الله الرحمن الرحيم)
229

قوله تعالى (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون) قال فيه (لما كان اكتيالهم على الناس اكتيالا يضرهم الخ)
قال أحمد: لا منافرة فيه ولا يجعل هذا القائل الضمير دالا على مباشرة ولا إشعار أيضا فيه بذلك، وإنما يكون نظم
الكلام على هذا الوجه إذا كان الكيل من جهة غيرهم استوفوه، وإذا كان الكيل من جهتهم خاصة أخسروه سواء
مباشروه؟ أولا، وهذا أنظم كلام وأحسنه والله أعلم. والذي يدلك على أن الضمير لا يعطى مباشرة الفعل أن لك أن
تقول: الامراء هم الذين يقيمون الحدود لا السوقة، ولست تعنى أنهم يباشرون ذلك بأنفسهم، وإنما معناه أن
فعل ذلك من جهتهم خاصة. عاد كلامه، قال: والتعلق في إبطال هذا بخط المصحف لعدم الألف بعد الواو
ركيك الخ.
230

قوله تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) قال فيه (كونهم محجوبين عنه تمثيل الخ) قال أحمد: هذا
عند أهل السنة على ظاهره من أدلة الرؤية، فإن الله تعالى لما خص الفجار بالحجاب دل على أن المؤمنين الأبرار مرفوع
عنهم الحجاب، ولا معنى لرفع الحجاب إلا الادراك بالعين، وإلا فالحجاب على الله تعالى بغير هذا التفسير محال،
هذا هو الحق وما بعد الحق إلا الضلال، وما أرى من جحد الرؤية المدلول عليها بقواطع الكتاب والسنة يحظى
بها، والله المسؤول في العصمة.
232

القول في سورة الانشقاق
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (وأذنت لربها وحقت) قال فيه (معنى أذنت استمعت الخ) قال أحمد: نغص تفسير الآية بقوله
القادر بالذات وما باله لا يقول القادر الذي عمت قدرته الكائنات حتى لاكون إلا بقدرته حقيق أن يسمع له
234

ويطاع، فيثبت لله صفة الكال ويوحده حق توحيده، وهو خير من سلب صفة الكمال عن الله تعالى وإشراك
مخلوقاته به جل ربنا وعز.
235

القول في سورة البروج
(بسم الله الرحمن الرحيم)
237

قوله تعالى (فعال لما يريد) قال فيه (إنما يقال فعال لان ما يريد ويفعل في غاية الكثرة) قال أحمد: ما قدر الله
حق قدره، هلا قال لأنه فاعل إلا هو وهل المخالف لذلك إلا مشرك، وكم أراد الله تعالى على معتقد القدرية من
فعل فلم يفعله، وهب أنا اطرحنا النظر في مقتضى مبالغة الصيغة، أليس قد دل بقوله لما يريد على عموم فعله في
جميع مراده، فما رده إلى الخصوص إلا نكوص عن النصوص. عاد كلامه قال: في قوله تعالى (هل أتاك حديث
الجنود) الخ معناه: قد عرفت تكذيب تلك الجنود للرسل الخ.
239

القول في سورة الطارق
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب) قال: الثاقب المضئ كأنه يثقب الظلام
بضوئه فينفذ فيه الخ.
240

القول في سورة الاعلى
(بسم الله الرحمن الرحيم)
242

قوله تعالى (أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى) قال في وجهان: أحدهما أن أحوى صفة لغثاء: أي جعله
بعد خضرته ورفيفه غثاء أحوى الخ.
243

قوله تعالى (ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى) قال (الأشقى: الكافر لأنه أشقى من الفاسق، والنار
الكبرى: السفلى من أطباق النار). قال أحمد: يشير إلى خلود الفاسق مع الكافر في أسافل النار، والفاسق أعلى
منه كما تقدم له التصريح بذلك كثيرا. عاد كلامه، قال: وقوله (ثم لا يموت فيها ولا يحيى) لان الترجح بين الحياة
والموت أفظع من الصلي الخ.
قوله تعالى (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) (نقل عن علي أنه قال: هو التصدق بصدقة الفطر
وقال: لا أبالى أن لا أجد في كتابي غيرها الخ) قال أحمد: في تلقى هذين الحكمين الأخيرين من الآية تكلف، أما
الأول فلان العطف وإن اقتضى المغايرة فيقال بموجبها، فنحن إن قلنا: إن تكبيرة الاحرام جزء من الصلاة فالجزء
مغاير للكل، فلا غرو أن يعطف عليه، والمغايرة مع الجزئية ثابتة والحالة هذه. وأما الثاني فلان الاسم معرف
بالإضافة، وتعريف الإضافة عهدي عند محققي الفن، حتى إن القائل إذا قال: جاءني غلام زيد ولزيد غلامان،
فإنما تفهم من قوله معينا منهم بسابق عهد بينك وبينه هذا مهيع تعريف الإضافة، والمعهود في افتتاح الصلاة
244

ما استمر النبي صلى الله عليه وسلم على العمل به قولا وفعلا وهو التكبير المعروف، ولو تنزلنا على أنه في الآية
مطلق فالحصر في قوله: تحريمها التكبير قيد إطلاقه. عاد كلامه، ونقل عن الضحاك أن المراد ذكر الله بالتكبير
في طريق المصلى فصلى صلاة العيد.
القول في سورة الغاشية
(بسم الله الرحمن الرحيم)
245

قوله تعالى (هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة) قال فيه (معناه: ذليلة تعمل في النار
عملا تنصب منه وهو جرها السلاسل الخ) قال أحمد: الوجه الأول متعين، لان الظرف المذكور وهو قوله
- يومئذ - مقطوع عن الجملة المضاف إليها تقديرها يوم إذ غشيت وذلك في الآخرة بلا إشكال، وهو ظرف لجميع
الصفات المخبر بها: أعني خاشعة عاملة ناصبة، فكيف يتناول أعمال الدنيا. عاد كلامه، قوله تعالى (ليس لهم
طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغنى من جوع) قال فيه (الضريع يبيس الشبرق وهو جنس من الشوك ترعاه
الإبل ما دام رطبا الخ) قال أحمد: فعلى الوجه الأول يكون صفة مخصصة لازمة ذكرت شارحة لحقيقة الضريع،
وعلى الثاني يكون صفة مخصصة.
246

قوله تعالى (إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم) قال فيه (إن قلت: ما معنى تقديم الظرف؟ وأجاب بأن
معناه: التشديد في الوعيد الخ) قال أحمد: ومعنى ثم الدلالة على أن الحساب أشد من الإياب لأنه موجب العذاب
وبادرته. عاد كلامه، قال (ومعنى الوجوب وجوب الحكمة) قال أحمد: أخطأ على عادته ليس على الله واجب،
وقد تقدم معنى على في غير هذا، والله أعلم.
248

القول في سورة الفجر
(بسم الله الرحمن الرحيم)
249

قوله تعالى (فصب عليهم ربك سوط عذاب) قال (إنما خص السوط تقليلا لعذاب الدنيا بالنسبة إلى ما أوعد
لهم الخ).
قوله تعالى (إن ربك لبالمرصاد. فأما الانسان) الآية، قال فيه (إن قلت: كيف اتصل قوله فأما الانسان بما
قبله الخ) قال أحمد: لا يريد من الانسان إلا الطاعة ولا يأمره إلا بها فاسد الصدر مبنى على أصله الفاسد سليم العجز.
عاد كلامه، قال (فإن قلت: فكيف توازن قوله فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه، وقوله وأما إذا ما ابتلاه؟) قال
أحمد: يريد أنه صدر ما بعد أما الأولى بالاسم وما بعد أما الثانية بالفعل، ومقصود السائل أن يكونا مصدرين إما
باسمين أو بفعلين. عاد كلامه، أجاب عن السؤال بأن التقدير بعد الثانية اسم واقع مبتدأ مخبرا عنه بقوله - فيقول
ربى أهانن - حتى يوازن الأول فإنه كذلك قال: فإن قلت: هلا قال فأهانه وقدر عليه رزقه كما قال فأكرمه ونعمه.
وأجاب بأن البسط إكرام من الله تعالى للعبد من غير سابقة قيد زائد تفريعا على أصله الفاسد. والحق أن كل نعمة
251

من الله كذلك. عاد كلامه، قال (وأما التقدير فليس فإهانة فإن ترك التفضل لا يعد إهانة، ألا تراك تقول أكرمني
زيد بالهدية ولا تقول أهانني ولا أكرمني إذا لم يهد إليك شيئا، قال: فإن قلت: فقد قال فأكرمه فصحح إكرامه
وأثبته ثم أنكر قوله - ربى أكرمن - وذمه عليه كما أنكر قوله - ربى أهانن - وذمه عليه. وأجاب بأمرين: أحدهما
أن المنكر عليه اعتقاده أن إكرام الله تعالى له عن استحقاق لمكان نسبه وحسبه وجلالة قدره كما كانوا يعتقدون
الاستحقاق بذلك على الله كما قال - إنما أوتيته على علم -) قال أحمد: والقدري لا يبعد عن ذلك، لأنه يرى أن
النعيم الأعظم في الآخرة حق للعبد على الله واجب له عليه ليس بتفضيل ولا ممنون. عاد كلامه، قال (الثاني أن
سياق الانكار والذم إلى قوله - ربى أهانن - بمعنى أنه إذا تفضل عليه بالخير اعترف بتفضل الله تعالى، وإذا لم يتفضل
عليه سمى ترك التفضل هوانا وليس بهوان، ويعضد هذا الوجه ذكر الاكرام في قوله - فأكرمه -) قال أحمد:
كأنه يجعل قوله فأكرمه توطئة لذمه على قوله أهانن لا أنه مذموم معه. عاد كلامه، قوله تعالى (كلا بل لا تكرمون
اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين) الآية. قال فيه (إنما أضرب عن الأول للاشعار بأن هنا ما هو أشر من
القول الأول الخ) قال أحمد: وفى هذه الآية إشعار بإبطال الجواب الثاني من جوابي الزمخشري، فإنه جعل قوله
أكرمن غير مذموم، ودلت هذه الآية على أن المعنى أن للمكرم بالبسط بالرزق حالتين: إحداهما اعتقاد أن إكرام
الله له عن استحقاق الثانية أشد من الأولى، وهى أن لا يعترف بالاكرام أصلا لأنه يفعل أفعال جاحدي النعمة
252

فلا يؤدى حق الله الواجب عليه في المال من إطعام اليتيم والمسكين. عاد كلامه، قال: وقوله (وتأكلون التراث
أكلا لما) يجوز فيه وجوه: منها أنهم يجمعون إلى نصيبهم من الميراث نصيب غيرهم الخ.
253

القول في سورة البلد
(بسم الله الرحمن الرحيم)
254

قوله تعالى (لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد) قال: أقسم سبحانه بالبلد الحرام وما بعده على أن
الانسان خلق مغمورا الخ.
255

القول في سورة الشمس
(بسم الله الرحمن الرحيم)
257

قوله تعالى (والسماء وما بناها. والأرض وما طحاها. ونفس وما سواها) قال فيه: جعلها بعضهم مصدرية
في الثلاث وليس بالوجه إلخ.
قوله تعالى (فألهمها فجورها وتقواها) قال فيه (معنى إلهام الفجور والتقوى إفهامهما وإعقالهما وأن أحدهما
حسن والآخر قبيح وتمكينه إلخ) قال أحمد: بين في هذا الكلام نوعين من الباطل، أحدهما في قوله معنى إلهام
الفجور والتقوى إفهامهما وإعقالهما، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح، والذي يكنه في هذه الكلمات اعتقاد أن
الحسن والقبح مدركان بالعقل، ألا ترى إلى قوله إعقالهما: أي خلق العقل الموصل إلى معرفة الحسن القبح وقبح
القبيح، وإنما اغتنم في هذا فرصة إشعار الإلهام بذلك، فإنه ربما يظن أن إطلاقه على العلم المستفاد من السمع بعيد
والذي يقطع دابر هذه النزغة أنا وإن قلنا إن الحسن والقبح لا يدركان إلا بالسمع لأنهما راجعان إلى الأحكام
الشرعية التي ليست عندنا بصفات الأفعال فإنا لا نلغي حظ العقل من إدراك الأحكام الشرعية، بل لا بد في علم
كل حكم شرعي من المقدمتين: عقلية وهي الموصلة إلى العقيدة، وسمعية مفرعة عليها وهي الدالة على خصوص
الحكم، على أن تعلقه بظاهر لو سلم ظهوره في قاعدة قطعية بمعزل عن الصواب. النزغة الثانية وهي التي كشف
القناع في إبرازها أن التزكية وقسميها ليسا مخلوقين لله تعالى بل لشركائه المعتزلة، وإنما نعارضه في الظاهر من
258

فحوى الآية. على أنه لم يذكر وجها في الرد على من قال إن الضمير لله تعالى، وإنما اقتصر على الدعوى مقرونة
بسفاهته على أهل السنة فنقول: لا مراء في احتمال عود الضمير إلى الله تعالى وإلى ذي النفس، لكن عوده إلى الله
تعالى أولى لوجهين: أحدهما أن الجمل سيقت سياقة واحدة من قوله - والسماء وما بناها - وهلم جرا، والضمائر
فيما تقدم هذين الفعلين عائدة إلى الله تعالى بالاتفاق ولم يجر لغير الله تعالى ذكر، وإن قيل بعود الضمير
إلى غيره فإنما يتمحل لجوازه بدلالة الكلام ضمنا واستلزاما لا ذكرا ونطقا، وما جرى ذكره أولى أن يعود الضمير
عليه. الثاني أن الفعل المستعمل في الآية التي استدل بها في قوله - قد أفلح من تزكى - تفعل، ولا شك أن تفعل
مطاوع فعل فهذا بأن يدل لنا أولى من أن يدل له، لأن الكلام عندنا نحن قد أفلح من زكاه الله فتزكى، وعنده
الفاعل في الاثنين واحد أضاف إليه الفعلين المختلفين، ويحتاج في تصحيح الكلام إلى تعديد اعتبار وجهه ونحن
عنه في غنية، على أنا لا نأبى أن تضاف التزكية والتدسية إلى العبد على طريقة أنه الفاعل كما يضاف إليه الصلاة
والصيام وغير ذلك من أفعال الطاعات، لأن له عندنا اختيارا وقدرة مقارنة، وإن منعنا البرهان العقلي الدال على
وحدانية الله تعالى ونفي الشريك أن نجعل قدرة العبد مؤثرة خالقة، فهذا جوابنا على الآية تنزلا، وإلا فلم يذكر
وجها من الرد فيلزمنا الجواب عنه. وأما جوابنا عن سفاهته على أهل السنة فالسكوت، والله الموفق.
عاد كلامه، قال: وجواب القسم محذوف تقديره ليدمدمن عليهم: أي على أهل مكة إلخ.
259

القول في سورة الليل
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (وما خلق الذكر والأنثى) قال فيه: يدل على أن الخنثى المشكل عندنا لا بد أن يكون عند الله من
أحد القبيلين ولا يكون عنده نوعا ثالثا إلخ.
260

قوله تعالى (فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى) قال فيه (التيسير لليسرى خلق الألطاف
إلخ) قال أحمد: ألا يطيل لسانه ههنا على أهل السنة ولكن قصره الحق، فتراه يؤول الكلام بل يعطله لأنه يحمله
ما لا يحتمله، وعلى كلامه في أمثالها روعة السارق الخائف.
قوله تعالى (فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي) إلخ. قال
(فإن قلت: كيف قال لا يصلاها إلا الأشقى وسيجنبها الأتقى وقد علم أن كل شقي يصلاها إلخ). قال أحمد: لا شك
أن السائل بنى سؤاله على التمسك بمفهوم الآية لورودها بصيغة التخصيص، فحاصل جواب الزمخشري أن
التخصيص ههنا لفائدة أخرى غير النفي عما عدا المخصص وتلك الفائدة المقابلة، وحيث تمحض لك السؤال
261

والجواب فهو يلاحظ نظر الشافعي رحمه الله في قوله تعالى - قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه - فإنه
لم يقل بمفهوم حصرها وحملها على أن الحصر لفائدة المقابلة بالرد لأحكام الجاهلية لا لنفي ما عدا المحصور، على أن
الزمخشري إنما ضيق عليه الخناق في هذه الآية حتى التزم ورود السؤال المذكور التفاته إلى قاعدته الفاسدة،
وحذره أن تنقض ويأبى الله إلا نقضها ورفضها، وإذا نزلت الآية على قواعد السنة وضح لك ما قلته فنقول: المصلي
في اللغة أن يحفروا حفيرا فيجمعوا فيه جمرا كثيرا ثم يعمدوا إلى شاة فيدسوها وسطه بين أطباقه، فأما ما يشوى فوق
الجمر أو على التنور فليس بمصلي، وهذا التفسير بعينه نص عليه الزمخشري ونقله عن أهل اللغة في سورة الغاشية
أيضا، وأنا وقفت عليه في كتبهم. فإذا عرفت معنى التصلية لغة وأنها أشد أنواع الإحراق بالنار، وفي علمك
أن الناس عند أهل السنة ثلاثة أصناف: مؤمن صالح فائز، ومؤمن عاص، وكافر، وأن المؤمن الفائز يمر على النار
فيطفئ نوره لهبها ولا يؤلم بمسها البتة وإنما يردها تحلة القسم، والعاصي إن شاء الله تعذيبه ومجازاته فإنما يعذب على
وجه النار في الطبقة الأولى باتفاق، حتى إن منهم من تبلغ النار إلى كعبه، وأشدهم من تبلغ النار إلى موضع سجوده
فيحسه، ولا يعذب أحد من المؤمنين بين أطباقها البتة بوعد الله تعالى، والكافر هو المعذب بين أطباقها، تبين
262

لك أن النار لا يصلاها: أي يعذب بين أطباقها كما علمت تفسيره في اللغة إلا الكافر وهو الأشقى، لأن المؤمن
العاصي لا يبلغ مبلغه في الشقاء، وأن المؤمن الفائز وهو الأتقى بالنسبة إلى المؤمن العاصي يجنب النار بالكلية لأن
وروده تحلة القسم لا يصل إليه مسها ولا ألمها، وأن المؤمن العاصي الذي ليس بالأتقى ولا بالأشقى لا يصلاها ولا
يجنبها بالكلية، لأن وروده تحلة القسم بل يعذب بها لا بالصلي، فهذا أحسن ما حملت الآية عليه، لكن إنما ينزل
على جادة السنة، وأما الزمخشري فينحرف عنها فلا جرم أنه في عهدة الجواب يفكر ويقدر، والله أعلم.
القول في سورة والضحى
(بسم الله الرحمن الرحيم)
263

قوله تعالى (وللآخرة خير لك من الأولى) قال (إن قلت: كيف اتصل بما قبله. وأجاب بأنه لما كان في ضمن
التوديع والقلى أن الله مواصلك بالوحي إليك إلخ) قال أحمد: وإخراج أهل الكبائر من النار بشفاعته مضاف إلى ذلك.
عاد كلامه، قال: ثم وعده بقوله (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وعدا شاملا لجميع ما أعطاه في
الدنيا من الفتوحات والنصر وغير ذلك.
264

القول في سورة ألم نشرح
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) قال فيه (إن قلت: ما فائدة
لك مع أن الإضافة تغني عنها إلخ؟) قال أحمد: وقد تقدم عند الكلام على نظيرها في قوله - قال رب اشرح لي
صدري ويسر لي أمري - قريب من هذا المعنى، والله أعلم.
266

القول في سورة التين
(بسم الله الرحمن الرحيم)
268

قوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين) قال فيه: خلقناه في أحسن تعديل
لشكله وصورته وتسوية أعضائه إلخ.
269

القول في سورة اقرأ
(بسم الله الرحمن الرحيم)
270

قوله تعالى (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) قال: الرؤية ههنا من رؤية القلب، ودل على ذلك أنها لو
كانت بمعنى الإبصار لامتنع إلخ.
271

القول في سورة القدر
(بسم الله الرحمن الرحيم)
272

(إنا أنزلناه في ليلة القدر) قال فيه: عظم الله القرآن فيها من ثلاثة أوجه: الأول أنه أحال تنزيله إليه وجعله
مختصا به إلخ.
273

القول في سورة القيمة
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) الآيات. قال فيه: كان الكفار من
الفريقين أهل الكتاب وعبدة الأوثان يقولون قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم لا ننفك مما نحن عليه إلخ.
274

القول في سورة الزلزلة
(بسم الله الرحمن الرحيم)
275

قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) قال فيه (إن قلت: حسنات الكافر
محبطة بالكفر إلخ) قال أحمد: السؤال مبني على قاعدتين: إحداهما أن حسنات الكافر محبطة بالكفر وهذه فيها
276

نظر فإن حسنات الكافر محبطة: أي لا يثاب عليها ولا ينعم، وأما تخفيف العذاب بسببها فغير منكر، وقد وردت به
الأحاديث الصحيحة، وقد ورد أن حاتما يخفف الله عنه لكرمه ومعروفه، وورد ذلك في حق غيره كأبي طالب
أيضا، فحينئذ لحسنات الكافر أثر ما في تخفيف العذاب، فيمكن أن يكون المرئي هو ذلك الأثر والله أعلم. وأما
القاعدة الثانية وهي القول بأن اجتناب الكبائر يوجب تمحيص الصغائر ويكفرها عن المؤمن فمردود عند أهل السنة
فإن الصغائر عندهم حكمها في التكفير حكم الكبائر تكفر بأحد أمرين: إما بالتوبة النصوح المقبولة، وإما
بالمشيئة لا غير ذلك، وأما اجتناب الكبيرة عندهم فلا يوجب التكفير للصغيرة فالسؤال المذكور إذا ساقط عن أهل
السنة، ولكن الزمخشري التزم الجواب عنه للزومه على قاعدته الفاسدة، والله الموفق.
القول في سورة والعاديات
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (والعاديات ضبحا) الآية. قال (أقسم بخيل الغزاة تعدو فتضبح والضبح صوت أنفاسها إلخ)
277

قال أحمد: ولم يذكر حكمة الإتيان بالفعل معطوفا على الاسم فنقول: إنما عطف أثرن على الاسم الذي هو العاديات
وما بعده لأنها أسماء فاعلين تعطي معنى الفعل، وحكمة مجئ هذا المعطوف فعلا عن اسم فاعل تصوير هذه الأفعال
في النفس، فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف وهو أبلغ من التصوير بالأسماء
المتناسقة، وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي وقد تقدمت له شواهد أقربها قول ابن معديكرب:
بأني قد لقيت الغول تهوى * بسهب كالصحيفة صحصحان
فأضربها بلا دهش فخرت * صريعا لليدين وللجزان
278

القول في سورة القارعة
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) قال فيه: شبهوا حينئذ بالفراش لكثرتهم وانتشارهم إلخ.
279

قوله تعالى (فأمه هاوية) قال فيه (إذا دعوا على الرجل بالهلكة قالوا هوت أمه إلخ) قال أحمد: والأول
أظهر لأنه مثل معروف كقولهم: لأمه الهبل.
القول في سورة التكاثر
(بسم الله الرحمن الرحيم)
280

قوله تعالى (كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون) ذكر فيه مبالغة من وجوه يجمعها
ستة أوجه: الأول أنه كرر الإنذار إلخ.
281

القول في سورة الهمزة
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (ويل لكل همزة لمزة) قال (المراد بالهمزة المكثر من الطعن على الناس والقدح فيهم إلخ) قال أحمد:
وما أحسن مقابلة الهمزة اللمزة بالحطمة، فإنه لما وسمه بهذه السمة بصيغة أرشدت إلى أنها راسخة فيه ومتمكنة منه
283

أتبع المبالغة بوعيده بالنار التي سماها بالحطمة لما يلقى فيه وسلك في تعيينها صيغة المبالغة على وزن الصيغة التي ضمنها
الذنب حتى يحصل التعادل بين الذنب والجزاء، فهذا الذي ضري بالذنب جزاؤه هذه الحطمة التي هي ضاربة
بحطم كل ما يلقى إليها. عاد كلامه، قال: وخص الأفئدة لأنها ألطف ما في الإنسان والألم عليها أشد منه إلخ.
284

القول في سورة الفيل
(بسم الله الرحمن الرحيم)
285

قوله تعالى (ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل) قال: معناه في ضياع، وسمي امرؤ القيس
الملك الضليل إلخ.
286

القول في سورة قريش
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (لإيلاف قريش) قال فيه: اللام متعلقة بقوله فليعبدوا، أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين
فإن قلت: لم دخلت الفاء إلخ (1).

(1) هكذا الأصل المقابل عليه، مصححه.
287

القور في سورة الماعون
(بسم الله الرحمن الرحيم)
288

قوله تعالى (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم) قال فيه: المعنى هل عرفت الذي يكذب
بالجزاء إلخ.
289

القول في سورة الكوثر
(بسم الله الرحمن الرحيم)
290

قوله تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) قال (أي جمعنا لك الغبطتين السنيتين: إحداهما إصابة أشرف عطاء وهو
الكوثر إلخ) قال أحمد: جعل الزمخشري توسط الضمير بين الجزأين مفيدا للاختصاص، لأن إفادته ههنا لذلك
بينة مكشوفة. عاد كلامه، قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره مرفوع على المنابر وعلى لسان عالمي أمته
الذين هم في الحقيقة أعقابه إلخ.
291

القول في سورة الكافرين
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(قال يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) قال (معناه: في المستقبل، لأن لا تنفي المستقبل، ولا أنتم عابدون
ما أعبد كذلك، ولا أنا عابد ما عبدتم: أي فيما سلف إلخ) قال أحمد: هذا الذي قاله خطأ على الأصل والفرع
جميعا، أما على أصله القدري فإنه وإن كان مقتضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قبل البعث على دين نبي قبله
لاعتقاد القدرية أن ذلك غميزة في منصبه ومنفر من اتباعه فيستحيل وقوعه للمفسدة، إلا أنهم يعتقدون أن الناس
كلهم متعبدون بمقتضى العقل بوجوب النظر في آيات الله تعالى وأدلة توحيده ومعرفته، وأن وجوب النظر بالعقل
لا بالسمع، فتلك عبادة قبل البعث يلزمهم أن لا يظنوا به صلى الله عليه وسلم الإخلال بها، فحينئذ يقتضي أصلهم
أنه كان قبل البعث يعبد الله تعالى، فالزمخشري حافظ على الوفاء بأصله في عدم اتباعه لنبي سابق فأخل بالتفريع
على أصله الآخر في وجوب العبادة بالعقل، والحق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعبد قبل الوحي ويتحنث في
غار حراء، فإن كان مجئ قوله أعبد لأن الماضي لم يحصل فيه العبادة المرادة في الآية فيحمل الأمر فيها والله أعلم
على مجموع العبادات الخاصة التي لم تعلم إلا بالوحي، لا على مجرد توحيد الله تعالى ومعرفته، فإن ذلك لم يزل ثابتا
292

له صلى الله عليه وسلم قبل البعث والله أعلم. أو يكون مجيئه مضارعا لقصد تصوير عبادته في نفس السامع وتمكينها
من فهمه كقوله - ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة - والأصل فأصبحت وإنما عدل عنه
للمعنى المذكور، وهو وجه حسن فتأمله، والله أعلم.
القول في سورة النصر
(بسم الله الرحمن الرحيم)
293

قوله تعالى (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) قال: معناه فتعجب من تيسير الله لك ما لم يخطر
ببالك إلخ.
294

القول في سورة تبت
(بسم الله الرحمن الرحيم)
295

قوله تعالى (تبت يدا أبي لهب وتب) قال (هذا دعاء عليه بالتباب وهو الخسران والهلاك، قال: ويؤيد ذلك
قراءة من قرأ يدا أبو لهب) قال أحمد: وفي هذا دليل لأن الرفع أسبق وجوه الإعراب وأولها، ألا تراهم إنما حافظوا
على صيغته التي بها اشتهر الاسم وكانت أول أحواله. عاد كلامه، قال: ولأمير مكة ولدان: أحدهما عبد الله
بالنصب، والآخر عبد الله بالجر، فلا يعرف كل منهما إلا بذلك إلخ.
296

القول في سورة الإخلاص
(بسم الله الرحمن الرحيم)
298

قوله تعالى (ولم يكن له كفؤا أحد) قال (إن قلت: الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف وقد نص سيبويه
على ذلك) قال أحمد: نقل سيبويه أنه سمع بعض الجفاة من العرب يقرأ ولم يكن أحد كفوا له، وجرى هذا الجلف
على عادته فجفا طبعه عن لطف المعنى الذي لأجله اقتضى تقديم الظرف مع الخبر على الاسم، وذلك أن الغرض
الذي سيقت له الآية نفي المكافأة والمساواة عن ذات الله تعالى، فكان تقديم المكافأة المقصود بأن يسلب عنه أولى،
ثم لما قدمت لتسلب ذكر معها الظرف ليبين الذات المقدسة بسلب المكافأة، والله أعلم.
299

القول في سورة الفلق
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق) قال (معناه: من شر خلقه أي من شر ما يفعله المكلفون إلخ)
قال أحمد: لا يسعه على قاعدته الفاسدة التي هي من جملة ما يدخل تحت هذه الاستعاذة إلا صرف الشر إلى ما يعتقده
خالقا لأفعاله، أو لما هو غير فاعل له البتة كالموات، وأما صرف الاستعاذة إلى ما يفعله الله تعالى بعباده من أنواع
المحن والبلايا وغير ذلك فلا لأنه يعتقد أن الله لا يخلق أفعال الحيوانات وإنما هم يخلقونها لأنها شر والله تعالى لا يخلقه
لقبحه، كل ذلك تفريع على قاعدة الصلاح والأصلح التي وضح فسادها حتى حرف بعض القدرية الآية فقرأها
- من شر ما خلق - بتنوين شر وجعل ما نافية.
300

قوله تعالى (ومن شر النفاثات في العقد) قال (هن السواحر اللاتي يعقدن الخيوط وينفثن عليها إلخ) قال
أحمد: وقد تقدم أن قاعدة القدرية إنكار حقيقة السحر على أن الكتاب والسنة قد وردا بوقوعه والأمر بالتعوذ
منه، وقد سحر صلى الله عليه وسلم في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر، والحديث مشهور، وإنما الزمخشري
استفزه الهوى حتى أنكر ما عرف، وما به إلا أن يتبع اعتزاله ويغطي بكفه وجه الغزالة. عاد كلامه، قال (فإن
قلت: ما معنى الاستعاذة من شرهن وأجاب إلخ) قال أحمد: وهذا من الطراز الأول فعد عنه جانبا، ولو فسر
غيره النفاثات في العقد بالمتخيلات من النساء ولسن ساحرات حتى يتمم إنكار وجود السحر لعده من بدع التفاسير
301

القول في سورة الناس
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قوله تعالى (قل أعوذ برب الناس) قال (إن قلت: لم أضاف اسمه تعالى إليهم خاصة وهو رب كل شئ
إلخ؟) قال أحمد: وفي التخصيص جري على عادة الاستعطاف فإنه معه أتم. عاد كلامه، قال: وإله الناس،
عطف بيان لملك الناس أو كلاهما عطف بيان للأول، والثاني أبين لأن ملك الناس قد يطلق لغير الله تعالى، وأما
إله الناس فلا يطلق إلا له عز وجل فجعل غاية للبيان وزيد البيان بتكرار ظاهر غير مضمر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
302

هذا ما يسر الله من القول، وإني أبرأ إلى الله تعالى من القوة والحول، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
303

بحمد الله وحسن توفيقه قد تم طبع كتاب " الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال " لناصر الدين أحمد الإسكندري
مصححا بمعرفة لجنة التصحيح بشركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
القاهرة في
6 شوال سنة 1387 ه‍
6 يناير سنة 1968 م
304