الكتاب: تفسير القمي
المؤلف: علي بن إبراهيم القمي
الجزء: ٢
الوفاة: ن٣٢٩
المجموعة: مصادر التفسير عند الشيعة
تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم : السيد طيب الموسوي الجزائري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: مطبعة النجف
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: منشورات مكتبة الهدى

منشورات مكتبة الهدى
تفسير القمي
لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي رحمه الله
(من اعلام القرنين 3 - 4 ه‍)
صححه وعلق عليه وقدم له
حجة الاسلام العلامة
السيد طيب الموسوي الجزائري
الجزء الثاني
مطبعة النجف
1387 ه‍ ج‍
1

الرموز
1 - " م " إشارة إلى نسخة مكتبة آية الله الحكيم
2 - " ك " إشارة إلى نسخة مكتبة آية الله كاشف الغطاء
3 - " ط " إشارة إلى نسخة مطبوعة سنة 1313 في إيران
4 - " خ " أو " خ ل " إشارة إلى " نسخة بدل
5 - ق: لقاموس اللغة
6 - " ج. ز " مخفف " الجزائري " المحشى
2

بسم الله الرحمن الرحيم
(سورة بني إسرائيل مكية) الجزء (15)
وآياتها مأة واحدى عشر
(بسم الله الرحمن الرحيم، سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام
إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير) فحكى
أبي عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال جاء جبرئيل
وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخذ واحد باللجام وواحد
بالركاب وسوى الآخر عليه ثيابه فتضعضعت البراق فلطمها جبرئيل ثم قال لها
اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله ولا يركبك بعده مثله قال فرقت به ورفعته
ارتفاعا ليس بالكثير ومعه جبرئيل يريه الآيات من السماء والأرض قال فبينا انا
في مسيري إذ نادى مناد عن يميني يا محمد فلم أجبه ولم ألتفت إليه ثم ناداني مناد
عن يساري يا محمد فلم أجبه ولم التفت إليه ثم استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها
وعليها من كل زينة الدنيا فقالت يا محمد انظرني حتى أكلمك فلم ألتفت إليها ثم
سرت فسمعت صوتا أفزعني فجاوزت به فنزل بي جبرئيل، فقال صل فصليت فقال
أتدري أين صليت؟ فقلت لا، فقال صليت بطيبة واليها مهاجرتك، ثم ركبت
فمضينا ما شاء الله ثم قال لي انزل وصل فنزلت وصليت، فقال لي أتدري أين
3

صليت؟ فقلت لا، فقال صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليما ثم
ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي انزل فصل فنزلت وصليت فقال لي أتدري
أين صليت؟ فقلت لا، قال صليت في بيت لحم بناحية بيت المقدس، حيث
ولد عيسى بن مريم عليه السلام ثم ركبت فمضينا حتى انتهينا إلى بيت المقدس فربطت
البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها فدخلت المسجد ومعي جبرئيل إلى جنبي
فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من أنبياء الله قد جمعوا إلي
وأقمت الصلاة ولا أشك إلا وجبرئيل استقدمنا، فلما استووا اخذ جبرئيل
عليه السلام بعضدي فقدمني فأممتهم ولا فخر، ثم اتاني الخازن بثلاث أواني، اناء فيه
لبن واناء فيه ماء واناء فيه خمر، فسمعت قائلا يقول إن اخذ الماء غرق وغرقت
أمته، وان اخذ الخمر غوى وغوت أمته وان اخذ اللبن هدي وهديت أمته،
فأخذت اللبن فشربت منه فقال جبرئيل هديت وهديت أمتك ثم قال لي ماذا
رأيت في مسيرك؟ فقلت ناداني مناد عن يميني فقال لي أو أجبته؟ فقلت لا
ولم التفت إليه، فقال ذاك داعي اليهود لو أجبته لتهودت أمتك من بعدك ثم
قال ماذا رأيت؟ فقلت ناداني مناد عن يساري فقال أو أجبته؟ فقلت لا ولم
التفت إليه، فقال ذاك داعي النصارى لو أجبته لتنصرت أمتك من بعدك ثم
ثم قال ماذا استقبلك؟ فقلت لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كل
زينة فقالت يا محمد انظرني حتى أكلمك، فقال لي أفكلمتها؟ فقلت لم أكلمها
ولم التفت إليها، فقال تلك الدنيا ولم كلمتها لاختارت أمتك الدنيا على
الآخرة، ثم سمعت صوتا أفزعني فقال جبرئيل أتسمع يا محمد قلت نعم قال
هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين استقرت، قالوا فما
ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبض.
قال فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى سماء الدنيا وعليها ملك يقال له إسماعيل
4

وهو صاحب الخطفة التي قال الله عز وجل: " ألا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب "
وتحته سبعون الف ملك تحت كل ملك سبعون الف ملك، فقال يا جبرئيل من
هذا معك؟ فقال: محمد صلى الله عليه وآله قال أوقد بعث؟ قال نعم ففتح الباب فسلمت
عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا بالأخ الناصح والنبي الصالح
وتلقتني الملائكة حتى دخلت سماء الدنيا فما لقيني ملك إلا كان ضاحكا مستبشرا
حتى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر ظاهر الغضب،
فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلا أنه لم يضحك ولم أر فيه من الاستبشار
وما رأيت ممن ضحك من الملائكة، فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فاني قد فزعت
فقال يجوز ان تفزع منه، وكلنا نفزع منه هذا مالك خازن النار لم يضحك
قط ولم يزل منذ ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضبا وغيظا على أعداء الله وأهل
معصيته فينتقم الله به منهم ولو ضحك إلى أحد قبلك أو كان ضاحكا لاحد بعدك
لضحك إليك ولكنه لا يضحك، فسلمت عليه فرد علي السلام وبشرني بالجنة،
فقلت لجبرئيل وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله مطاع ثم امين، ألا تأمره ان
يريني النار؟ فقال له جبرئيل يا مالك أر محمدا النار، فكشف عنها غطاءها
وفتح بابا منها، فخرج منها لهب ساطع في السماء وفارت فارتعدت حتى ظننت
ليتنا ولني مما رأيت، فقلت له يا جبرئيل قل له فليرد عليها غطاءها فأمرها، فقال
لها ارجعي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه.
ثم مضيت فرأيت رجلا أدما جسيما فقلت من هذا يا جبرئيل، فقال هذا
أبوك آدم فإذا هو يعرض عليه ذريته فيقول روح طيب وريح طيبة من جسد
طيب ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله سورة المطففين على رأس سبعة عشر آية " كلا ان
كتاب الأبرار لفي عليين وما ادراك ما عليون كتاب مرقوم " إلى آخرها، قال
فسلمت على أبي آدم وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي، وقال مرحبا بالابن
5

الصالح والنبي الصالح والمبعوث في الزمن الصالح.
ثم مررت بملك من الملائكة وهو جالس وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه
وإذا بيده لوح من نور فيه كتاب ينظر فيه ولا يلتفت يمينا ولا شمالا
مقبلا عليه كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا ملك الموت
دائب في قبض الأرواح فقلت يا جبرئيل ادنني منه حتى أكلمه، فأدناني منه
فسلمت عليه، وقال له جبرئيل هذا محمد نبي الرحمة الذي ارسله الله إلى العباد
فرحب بي وحياني بالسلام وقال ابشر يا محمد فاني أرى الخير كله في أمتك فقلت
الحمد لله المنان ذي النعم على عباده ذلك من فضل ربي ورحمته علي، فقال جبرئيل
هو أشد الملائكة عملا فقلت أكل من مات أو هو ميت فيما بعد هذا تقبض روحه؟
قال نعم قلت تراهم حيث كانوا وتشهدهم بنفسك؟ فقال نعم، فقال ملك
الموت ما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لي ومكنني منها إلا كالدرهم في كف
الرجل يقلبه كيف يشاء وما من دار إلا وأنا أتصفحها كل يوم خمس مرات وأقول
إذا بكى أهل الميت على ميتهم لا تبكوا عليه فان لي فيكم عودة وعودة حتى
لا يبقى منكم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كفى بالموت طامة يا جبرئيل فقال
جبرئيل ان ما بعد الموت اطم واطم من الموت.
قال ثم مضيت فإذا انا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث
يأكلون الخبيث ويدعون الطيب، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين
يأكلون الحرام ويدعون الحلال وهم من أمتك يا محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
ثم رأيت ملكا من الملائكة جعل الله امره عجبا نصف جسده نار والنصف
الآخر ثلج فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفي النار وهو ينادي بصوت رفيع
يقول سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج وكف برد هذا الثلج
فلا يطفي حر هذه النار اللهم يا مؤلف بين الثلج والنار الف بين قلوب عبادك
6

المؤمنين، فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا ملك وكله الله با كناف السماوات
وأطراف الأرضين وهو انصح ملائكة الله تعالى لأهل الأرض من عباده المؤمنين
يدعو لهم بما تسمع منذ خلق، وملكان يناديان في السماء أحدهما يقول اللهم
اعط كل منفق خلفا والآخر يقول اللهم اعط كل ممسك تلفا.
ثم مضيت فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل يقرض اللحم من جنوبهم
ويلقى في أفواههم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الهمازون اللمازون ثم
مضيت فإذا انا بأقوام ترضخ رؤوسهم بالصخر، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال
هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء ثم مضيت فإذا انا بأقوام تقذف النار في أفواههم
وتخرج من ادبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الذين يأكلون
أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا، ثم مضيت
فإذا انا بأقوام يريد أحدهم ان يقوم فلا يقدر من عظم بطنه فقلت من هؤلاء
يا جبرئيل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه
الشيطان من المس فإذا هم مثل آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا يقولون
ربنا متى تقوم الساعة قال ثم مضيت فإذا انا بنسوان معلقات بثديهن فقلت من
هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء اللواتي يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم في نسبهم
من ليس منهم فاطلع على عوراتهم واكل خزائنهم.
قال ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عز وجل خلقهم الله كيف شاء ووضع
وجوهم كيف شاء ليس شئ من اطباق أجسادهم إلا وهو يسبح الله ويحمده
من كل ناحية بأصوات مختلفة أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله
فسألت جبرئيل عنهم، فقال كما ترى خلقوا ان الملك منهم إلى جنب صاحبه
ما كلمه قط ولا رفعوا رؤسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتهم خوفا من
7

الله خشوعا فسلمت عليهم فردوا علي إيماءا برؤوسهم لا ينظرون إلي من الخشوع
فقال لهم جبرئيل هذا محمد نبي الرحمة ارسله الله إلى العباد رسولا ونبيا وهو خاتم
النبيين وسيدهم أفلا تكلمونه؟ قال فلما سمعوا ذلك من جبرئيل اقبلوا علي
بالسلام واكرموني وبشروني بالخير لي ولامتي.
قال ثم صعد بي إلى السماء الثانية فإذا فيها رجلان متشابهان فقلت من هذان
يا جبرئيل؟ فقال لي أبناء الخالة يحيى وعيسى بن مريم فسلمت عليهما وسلما علي
واستغفرت لهما واستغفرا لي وقالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وإذا فيها
من الملائكة مثل ما في السماء الأولى وعليهم الخشوع قد وضع الله وجوههم كيف
شاء ليس منهم ملك إلا يسبح لله ويحمده بأصوات مختلفة.
ثم صعدنا إلى السماء الثالثة فإذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق
كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا
أخوك يوسف فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا
بالنبي الصالح والأخ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح، وإذا فيها ملائكة عليهم
من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الأولى والثانية، وقال لهم جبرائيل في
أمري ما قال للآخرين وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون.
ثم صعدنا إلى السماء الرابعة وإذا فيها رجل، قلت من هذا يا جبرئيل؟
قال هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له
واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السماوات،
فبشروني بالخير لي ولامتي، ثم رأيت ملكا جالسا علي سرير تحت يديه سبعون
الف ملك تحت كل ملك سبعون الف ملك فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله انه
هو، فصاح به جبرئيل فقال قم فهو قائم إلى يوم القيامة، ثم صعدنا إلى السماء
الخامسة فإذا فيها رجل كهل عظيم العين لم أر كهلا أعظم منه حوله ثلة من أمته
8

فأعجبتني كثرتهم فقلت من هذا يا جبرئيل؟ قال هذا المحبب في قومه هارون
ابن عمران فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة
الخشوع مثل ما في السماوات.
ثم صعدنا إلى السماء السادسة وإذا فيها رجل ادم طويل عليه سمرة ولولا أن
عليه قميصين لنفذ شعره منهما فسمعته يقول تزعم بنو إسرائيل انى أكرم ولد
آدم على الله وهذا رجل أكرم على الله مني فقلت من هذا يا جبرائيل؟ قال هذا
أخوك موسى بن عمران، فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وإذا
فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.
ثم صعدنا إلى السماء السابعة فما مررت بملك من الملائكة إلا قالوا يا محمد
احتجم وأمر أمتك بالحجامة، وإذا فيها رجل اشمط الرأس (1) واللحية، جالس
على كرسي فقلت يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور
في جوار الله؟ فقال هذا أبوك إبراهيم وهذا محلك ومحل من اتقى من أمتك،
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله " ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي
والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " قال صلى الله عليه وآله: فسلمت عليه وسلم علي وقال
مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح والمبعوث في الزمن الصالح وإذا فيها من
الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات، فبشروني بالخير لي ولامتي.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله ورأيت في السماء السابعة بحارا من نور
يتلألأ يكاد تلألؤها يخطف بالابصار وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ورعد
فلما فزعت ورأيت هولا سألت جبرئيل فقال ابشر يا محمد واشكر كرامة ربك
واشكر الله بما صنع إليك قال فثبتني الله بقوته وعونه حتى كثر قولي لجبرئيل

(1) خالط بياض رأسه سواد فهو اشمط. ج. ز
9

وتعجبي، فقال جبرئيل يا محمد أتعظم ما ترى؟ إنما هذا خلق من ربك فكيف
بالخالق الذي خلق ما ترى، وما لا ترى أعظم من هذا من خلق ربك، ان بين
الله وبين خلقه سبعون (تسعون خ ل) الف حجاب وأقرب الخلق إلى الله انا
وإسرافيل وبيننا وبينه أربعة حجب. حجاب من نور وحجاب من ظلمة وحجاب
من الغمام وحجاب من الماء، قال ورأيت من العجائب التي خلق الله سبحانه
وسخر به على ما اراده ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ورأسه عند العرش
وملكا من ملائكة الله خلقه كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ثم اقبل
مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة وانتهى فيها مصعدا حتى استقر قرنه
إلى قرب العرش وهو يقول: سبحان ربى حيث ما كنت لا تدري أين ربك
من عظم شأنه وله جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب فإذا كان
في السحر ذلك الديك نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح يقول: سبحان
الله الملك القدوس، سبحان الله الكبير المتعال، لا إله إلا الله الحي القيوم،
وإذا قال ذلك سبحت ديوك الأرض كلها وخفقت بأجنحتها واخذت في الصراخ
فإذا سكت ذلك الديك في السماء سكتت ديوك الأرض كلها ولذلك الديك زغب
اخضر وريش ابيض كأشد بياض ما رأيته قط وله زغب اخضر أيضا تحت ريشه
الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها.
ثم قال مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور فصليت فيه ركعتين
ومعي أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد وآخرون عليهم ثياب خلقان فدخل
أصحاب الجدد وحبس أصحاب الخلقان ثم خرجت فانقاد لي نهران نهر يسمى
الكوثر، ونهر يسمى الرحمة فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ثم انقادا
لي جميعا حتى دخلت الجنة فإذا على حافتيها بيوتي وبيوت أزواجي وإذا ترابها
كالمسك فإذا جارية تنغمس في انهار الجنة فقلت لمن أنت يا جارية؟ فقالت لزيد
10

ابن حارثة فبشرته بها حين أصبحت، وإذا بطيرها كالبخت (1) وإذا رمانها مثل
الدلاء العظام، وإذا شجرة لو ارسل طائر في أصلها ما دارها تسعمائة سنة،
وليس في الجنة منزل إلا وفيها فرع منها فقلت ما هذه يا جبرئيل؟ فقال هذه
شجرة طوبى، قال الله طوبى لهم وحسن مآب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله فلما
دخلت الجنة رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهو لها وأعاجيبها
قال هي سرادقات الحجب التي احتجب الله بها ولولا تلك الحجب لهتك نور العرش
كل شئ فيه، وانتهيت إلى سدرة المنتهى فإذا الورقة منها تظل به أمة من
الأمم فكنت منها كما قال الله تبارك وتعالى: " كقاب قوسين أو أدنى "
فناداني " آمن الرسول بما انزل إليه من ربه " وقد كتبنا ذلك في سورة البقرة
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا رب أعطيت أنبيائك فضائل فاعطني، فقال الله قد
أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي: " لا حول ولا قوة إلا بالله ولا
منجا منك إلا إليك " قال وعلمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت وأمسيت:
(اللهم ان ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك وذنبي أصبح مستجيرا بمغفرتك وذلي
أصبح مستجيرا بعزك وفقري أصبح مستجيرا بغناك ووجهي الفاني البالي أصبح
مستجيرا بوجهك الدائم الباقي الذي لا يفنى) ثم سمعت الاذان فإذا ملك يؤذن
لم ير في السماء قبل تلك الليلة فقال: الله أكبر الله أكبر فقال الله صدق عبدي انا
أكبر فقال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله فقال الله صدق عبدي
انا الله لا إله غيري، فقال: اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله
فقال الله صدق عبدي ان محمدا عبدي ورسولي انا بعثته وانتجبته، فقال: حيى
على الصلاة حيى على الصلاة فقال صدق عبدي ودعا إلى فريضتي فمن مشى إليها

(1) البخت بالضم الإبل الخراسانية والجمع بخاتى ق
11

راغبا فيها محتسبا كانت له كفارة لما مضى من ذنوبه، فقال: حي على الفلاح حي
على الفلاح فقال الله هي الصلاح والنجاح والفلاح، ثم أممت الملائكة في السماء كما
أممت الأنبياء في بيت المقدس، قال ثم غشيتني صبابة فخررت ساجدا فناداني
ربي اني قد فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى أمتك
فقم بها أنت في أمتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فانحدرت حتى مررت على
إبراهيم فلم يسألني عن شئ حتى انتهيت إلى موسى فقال ما صنعت يا محمد؟ فقلت
قال ربي فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى أمتك
فقال موسى يا محمد ان أمتك آخر الأمم وأضعفها وان ربك لا يرد عليك شيئا
وان أمتك لا تستطيع ان تقوم بها فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لامتك،
فرجعت إلى ربي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى فخررت ساجدا ثم قلت فرضت
علي وعلى أمتي خمسين صلاة ولا أطيق ذلك ولا أمتي فخفف عني فوضع عني عشرة
فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني
عشرا فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع وفى كل رجعة ارجع إليه اخر ساجدا
حتى رجع إلى عشر صلوات فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال لا تطيق فرجعت
إلى ربي فوضع عني خمسا فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال لا تطيق فقلت قد
استحييت من ربى ولكن اصبر عليها فناداني مناد كما صبرت عليها فهذه الخمس بخمسين
كل صلاة بعشر، من هم من أمتك بحسنة يعملها كتبت له عشرة وان لم يعمل كتبت
واحدة (1) ومن هم من أمتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة وان لم يعملها
لم اكتب عليه شيئا فقال الصادق عليه السلام جزى الله موسى عن هذه الأمة خيرا
وهذا تفسير قول الله: " سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد
الحرام " الآية.

(1) اي لم يقدر على فعلها وهذا كما قال صلى الله عليه وآله نية المؤمن خير من عمله. ج ز
12

وروى الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال بينا انا راقد بالأبطح
وعلي (ع) عن يميني وجعفر عن يساري وحمزة بين يدي وإذا انا بخفق أجنحة الملائكة
وقائل منهم يقول إلى أيهم بعثت يا جبرئيل؟ فقال إلى هذا وأشار إلي ثم قال
هو سيد ولد آدم وحواء وهذا وصيه ووزيره وختنه وخليفته في أمته وهذا عمه
سيد الشهداء حمزة وهذا ابن عمه جعفر له جناحان خصيبان يطير بهما في الجنة مع
الملائكة دعه فلتنم عيناه ولتسمع أذناه وليعي قلبه واضربوا له مثلا ملك بنى
دارا واتخذ مأدبة وبعث داعيا، فقال النبي صلى الله عليه وآله فالملك الله والدار الدنيا
والمأدبة الجنة والداعي انا، قال ثم ادركه جبرائيل بالبراق وأسري به إلى بيت
المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء فصلى فيها ورده من ليلته إلى
مكة فمر في رجوعه بعير لقريش وإذا لهم ماء في آنية فشرب منه وأهرق باقي ذلك
وقد كانوا أضلوا بعيرا لهم وكانوا يطلبونه فلما أصبح قال لقريش ان الله قد
اسرى بي في هذه الليلة إلى بيت المقدس فعرض علي محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء
وانى مررت بعير لكم في موضع كذا وكذا وإذا لهم ماء في آنية فشربت منه
وأهرقت باقي ذلك وقد كانوا أضلوا بعيرا لهم، فقال أبو جهل لعنه الله قد
أمكنكم الفرصة من محمد سلوه كم الأساطين فيها والقناديل، فقالوا يا محمد ان ههنا
من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه؟ فجاء
جبرئيل فعلق صورة البيت المقدس تجاه وجهه فجعل يخبرهم بما سألوه فلما أخبرهم
قالوا حتى تجيئ العير ونسألهم عما قلت، فقال لهم وتصديق ذلك ان العير تطلع
عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل احمر، فلما أصبحوا واقبل ينظرون إلى العقبة
ويقولون هذه الشمس تطلع الساعة فبينا هم كذلك إذ طلعت العير مع طلوع الشمس
يقدمها جمل احمر فسألوهم عما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا لقد كان هذا، ضل
جمل لنا في موضع كذا وكذا ووضعنا ماءا وأصبحنا وقد أهريق الماء فلم يزدهم
ذلك إلا عتوا. وقوله: (ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا) فإنه
حدثني أبي عن ابن أبي عمير
13

عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال كان نوح إذا امسى
وأصبح يقول أمسيت اشهد أنه ما امسى بي من نعمة في دين أو دنيا فإنها من الله وحده لا شريك
له له الحمد على بها كثيرا والشكر كثيرا فأنزل الله انه كان عبدا شكورا فهذا كان شكره.
واما قوله (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) أي أعلمناهم ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل
وخاطب أمة محمد صلى الله عليه وآله فقال (لتفسدن في الأرض مرتين) يعنى فلانا وفلانا وأصحابهما
ونقضهم العهد (ولتعلن علوا كبيرا) يعنى ما ادعوه من الخلافة (فإذا جاء وعد أوليهما)
يعنى يوم الجمل (بعثنا عليكم عبادا لنا أولى باس شديد) يعنى أمير المؤمنين (ع) وأصحابه
(فجاسوا خلال الديار) أي طلبوكم وقتلوكم (وكان وعدا مفعولا) يعنى يتم ويكون (ثم
رددنا لكم الكرة عليهم) يعنى بنى أمية على آل محمد (وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم
أكثر نفيرا) من الحسن والحسين أبناء على وأصحابهما فقتلوا الحسين بن علي وسبوا نساء
آل محمد (ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة) يعنى القائم
وأصحابه (ليسوؤا وجوهكم) يعنى يسودون وجوههم (1) (وليدخلوا المسجد كما دخلوه
أول مرة) يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وأمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه (وليتبروا ما
علوا تتبيرا) أي يعلوا عليكم فيقتلوكم ثم عطف على آل محمد عليه السلام فقال (عسى ربكم
ان يرحمكم) أي ينصركم على عدوكم ثم خاطب بنى أمية فقال (وان عدتم عدنا) يعنى عدتم
بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد (ع) (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) أي حبسا
يحصرون فيها ثم قال عز وجل (ان هذا القرآن يهدى) أي يبين (للتي هي أقوم ويبشر
المؤمنين) يعنى آل محمد (ع) (الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا) ثم عطف
على بنى أمية فقال (وان الذين لا يؤمنون بالآخرة اعتدنا لهم عذابا أليما) وقوله (ويدع
الانسان بالشر دعاءه بالخير وكان الانسان عجولا) قال يدعو على أعدائه بالشر كما يدعوا
لنفسه بالخير ويستعجل الله بالعذاب وهو قوله وكان الانسان عجولا وقوله: (وجعلنا
الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) قال المحو في القمر وحدثني أبي
عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان (سيار خ ل) عن معروف بن خربوذ عن
الحكم بن المستنير عن علي بن الحسين عليهما السلام قال إن من الأوقات التي قدرها الله
14

للناس مما يحتاجون إليه البحر الذي خلق الله بين السماء والأرض وان الله قدر فيه مجاري
الشمس والقمر والنجوم والكواكب ثم قدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا
معه سبعون الف ملك يديرون الفلك فإذا دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه
نزلت في منازلها التي قدرها الله فيها ليومها وليلتها وإذا كثرت ذنوب العباد وأراد الله ان
يستعتبهم بآية من آياته امر الملك الموكل بالفلك ان يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس
والقمر والنجوم والكواكب، فيأمر الملك أولئك السبعين الف ملك ان يزيلوا الفلك عن
مجاريه قال فيزيلونه فتصير الشمس في البحر الذي يجري فيه الفلك فيطمس حرها ويغير لونها
فإذا أراد الله ان يعظم الآية طمست الشمس في البحر على ما يحب الله ان يخوف خلقه
بالآية فذلك عند شدة انكساف الشمس وكذلك يفعل بالقمر فإذا أراد الله ان يخرجهما وبردهما
إلى مجريهما امر الملك الموكل بالفلك ان يرد الشمس إلى مجريها فيرد الملك الفلك إلى مجراه
فتخرج من الماء (1) وهي كدرة والقمر مثل ذلك ثم قال علي بن الحسين عليه السلام

(1) لا يخفى ان مفاد هذه الرواية وإن كان غير مطابق ظاهرا للتحقيقات العصرية لان
كسوف الشمس على ما حققوه عبارة عن حيلولة القمر بين الشمس والأرض وخسوف القمر
عبارة عن حيلولة الأرض بينها وبين القمر، مع أنه لا وجود للماء في الفضاء فلا معنى لطمس
الشمس فيه، إلا أنه يمكن ان يقال في مقام التوفيق انه للكسوفين سببان الأول:
الحيلولة والثاني: طمسها في الماء على النحو الذي ذكر في الرواية، ووجود الماء في
الفضاء غير محال كما دلت عليه الآية الشريفة " هو الذي خلق السماوات والأرض في
ستة أيام وكان عرشه على الماء " ويمكن توجيهه بطريق آخر وهو: ان الأرض ثلاثة
أرباع منها أو أزيد مغطاة بالماء فلما تكون حائلة بين الشمس والقمر يصير ظل الماء واقعا على
القمر لان نحن الماء الملتف عليها زائد حدا، فإذا فرضنا الشمس إلى جانب والقمر إلى جانب آخر
وفي وسطهما من الأرض قسمة منها عليها الماء وسطحه محدب لأجل كروية الأرض فيكون
الحدب المائي مانعا عن وصول ضوء الشمس إلى القمر لكونه حائلا بينهما فيقع ظل نحن الماء
على القمر فينخسف تماما أو ناقصا حسب مقدار حيلولة الماء فيصدق على القمر انه انطمس
في الماء ولو مجازا (اي في ظل الماء). وكذا نقول في انكساف الشمس من أنه ليس الحائل
بينها وبين الأرض نفس السيارة بل قسمة من الماء الموجود فيه ولو في الزمان السابق
لامكان الماء فيه سابقا كما ذهب إليه بعض محققي عصرنا، ويؤيده ما عثرنا عليه أخيرا
في كتاب " ماه " تأليف فارسي للفاضل المحقق السيد جلال امام جمعة الجزايري ما
ما خلاصته مترجما بالعربية:
" ان التصاوير التي اخذت أخيرا بواسطة سبوتنك الأمريكي اوربيتر الرقم 4 - 5
من كرة القمر انعكست فيها اشكال لها شباهة تامة بالأنهار الأرضية وهذا صار سببا
لاعتقاد بعض محققي العصر بان القمر كان فيه سابقا كمية وافره من الماء -
وان الفلكي الأمريكي بروفيسور يورى (UREY. c. H) قال في مجلة الطبيعة
الرقم 216، ان حاصل الرسوم الجديدة (اوربيتر 4 - 5) برهان ساطع على أن الماء
كان موجودا في القمر بكمية كثيرة واعلام جريانه واضحة في هذه التصاوير، لكنه
بمرور الزمان وحرارة الشمس تبدل بشكل البخار ولكون قلة جاذبية القمر
لم يرجع وانتشر في الفضاء - إلى أن قال - بل إنه موجود الان أيضا في طبقات القمر
منجمدا بشكل الثلج " فمفاد هذا الكشف ان كرة القمر متركب من اجزاء مائية
ويؤيده ما في الحديث الآتي الذي قال فيه الإمام الباقر عليه السلام ان الله خلق القمر
من ضوء النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا الحديث، فتبين من ذلك
كله ان هذه الرواية مما دل على العلم الحيوي لأهل بيت العصمة عليهم السلام
ورسوخهم في العلوم بأرجائها زمان لم يكن لتلك التحقيقات الجديدة اثر ولا خبر
نعم هنا شئ ذكره الإمام عليه السلام في هذه الرواية " بطونهما يضيئان لأهل
السماء وظهورهما يضيئان لأهل الأرض " ومعناه ان الشمسين لا تديران وجهيهما
إلى الأرض بل الينا طرف واحد منهما وهذا مما بلغه اليوم العلماء العصريون مع أن
الفضل للمخبر به قبل الف عام.
وفي الكافي والبحار أنه قال أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل له: ان
الشمس لو كان وجهها لأهل الأرض لاحترقت الأرض ومن عليها من شدة حرها
(الهيئة والاسلام ص 3 2). ج. ز
15

انه لا يفزع لهما ولا يرهب إلا من كان من شيعتنا فإذا كان ذلك فافزعوا
إلى الله وارجعوا.
16

قال وقال أمير المؤمنين عليه السلام الأرض مسيرة خمسمائة عام الخراب منها مسيرة
أربعمائة عام والعمران منها مسيرة مائة عام والشمس ستون فرسخا في ستين فرسخا
والقمر أربعون فرسخا في أربعين فرسخا بطونهما يضيئان لأهل السماء وظهورهما
يضيئان لأهل الأرض والكواكب كأعظم جبل على الأرض وخلق الشمس قبل
القمر، وقال سلام بن المستنير قلت لأبي جعفر عليه السلام لم صارت الشمس أحر من
القمر؟ قال إن الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من
هذا حتى إذا صارت سبعة اطباق ألبسها الله لباسا من نار فمن هنالك صارت
الشمس أحر من القمر، قلت فالقمر؟ قال إن الله خلق القمر من ضوء النار وصفو
الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى إذا صارت سبعة اطباق ألبسها الله لباسا
من ماء فمن هناك صار القمر أبرد من الشمس.
وقوله: (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه) قال قدره الذي قدره عليه
ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم
عليك حسيبا - إلى قوله - حتى نبعث رسولا) فإنه محكم وفي رواية أبي الجارود
عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه " يقول
خيره وشره معه حيث كان لا يستطيع فراقه حتى يعطى كتابه يوم القيامة بما
عمل وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وإذا أردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها)
اي كثرنا جبابرتها (ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) وقوله:
(من كان يريد العاجلة) يعنى أموال الدنيا (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد)
17

في الدنيا (ثم جعلنا له جهنم) في الآخرة (يصلاها مذموما مدحورا) يعنى
يلقى في النار ثم ذكر من عمل للآخرة فقال: (ومن أراد الآخرة وسعى لها
سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا - ثم قال - كلا نمد هؤلاء
وهؤلاء من عطاء ربك) يعنى من أراد الدنيا من الآخرة ومعنى نمداي نعطي
(وما كان عطاء ربك محظورا) اي ممنوعا وقوله: (لا تجعل مع الله إلها آخر
فتقعد مذموما مخذولا) أي في النار وهو مخاطبة للنبي والمعنى للناس وهو قول
الصادق عليه السلام ان الله بعث نبيه " بإياك أعني واسمعي يا جارة " وقوله: (وقضى
ربك ان لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو
كلاهما فلا تقل لهما أف) قال لو علم أن شيئا أقل من أف لقاله (ولا تنهرهما)
اي لا تخاصمهما وفي حديث آخر أفا بالألف اي ولا تقل لهما أفا (وقل لهما
قولا كريما) اي حسنا (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) فقال تذلل لهما
ولا تتجبر عليهما (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم اعلم بما في نفوسكم
ان تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين) يعني للتوابين (غفورا) وقوله (وآت
ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) يعني قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وأنزلت في
فاطمة عليها السلام فجعل لها فدك والمسكين من ولد فاطمة وابن السبيل من آل محمد
وولد فاطمة (ولا تبذروا تبذيرا) اي لا تنفق المال في غير طاعة الله (ان المبذرين
كانوا اخوان الشياطين) والمخاطبة للنبي والمعني للناس ثم عطف بالمخاطبة على الوالدين فقال
(واما تعرضن عنهم) يعني عن الوالدين إذا كان لك عيال أو كنت عليلا أو فقيرا (فقل
لهما قولا ميسورا) اي حسنا إذا لم تقدر على برهم وخدمتهم فارج لهم من الله الرحمة.
وقوله: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد
ملوما محسورا) فإنه كان سبب نزولها ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان لا يرد أحدا
يسأله شيئا عنده فجاءه رجل فسأله فلم يحضره شئ فقال يكون إن شاء الله،
18

فقال يا رسول الله أعطني قميصك وكان عليه السلام لا يرد أحدا عما عنده فأعطاه
قميصه فأنزل الله " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك.. الخ " فنهاه ان يبخل أو
يسرف ويقعد محسورا من الثياب، فقال الصادق عليه السلام المحسور العريان وقوله:
(ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق) يعني مخافة الفقر والجوع فان العرب كانوا
يقتلون أولادهم لذلك فقال الله عز وجل (نحن نرزقهم وإياكم ان قتلهم كان خطأ
كبيرا) وقوله: (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا) فإنه محكم
وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ولا تقربوا الزنا انه كان
فاحشة " يقول معصية ومقتا فان الله يمقته ويبغضه قوله (وساء سبيلا) وهو أشد
النار عذابا والزنا من أكبر الكبائر، وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ولا تقتلوا
النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) اي
سلطانا على القاتل (فلا يسرف في القتل انه كان منصورا) يعني ينصر ولد المقتول
على القاتل وقوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) يعني بالمعروف
ولا يسرف وقوله: (وأوفوا بالعهد) يعني إذا عاهدت انسانا فأوف له (ان
العهد كان مسؤولا) يعني يوم القيامة وقوله: (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا
بالقسطاس المستقيم) اي بالسواء وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال:
القسطاس المستقيم فهو الميزان الذي له لسان وقوله: (ولا تقف ما ليس لك به
علم) قال لا ترم أحدا بما ليس لك به علم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من بهت مؤمنا
أو مؤمنة أقيم في طينة خبال أو يخرج مما قال، وقال علي بن إبراهيم في قوله:
" ولا تقف ما ليس لك به علم " اي لا تقل (إن السمع والبصر والفؤاد كل
أولئك كان عنه مسؤولا) قال يسأل السمع عما سمع والبصر عما نظر والفؤاد
عما اعتقد عليه.
وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام
19

قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يزول قدم عبد يوم القيامة من بين يدي الله حتى
يسأله عن اربع خصال عمرك فيما أفنيته وجسدك فيما أبليته ومالك من أين كسبته
وأين وضعته وعن حبنا أهل البيت وقوله (ولا تمش في الأرض مرحا) اي بطرا
أو فرحا (انك لن تخرق الأرض) أي لم تبلغها كلها (ولن تبلغ الجبال طولا)
أي لا تقدر ان تبلغ قلل الجبال وقوله: (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة)
يعني القرآن وما فيه من الانباء ثم قال: (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في
جهنم ملوما مدحورا) فالمخاطبة للنبي والمعنى للناس وقوله (أفأصفاكم ربكم بالبنين
واتخذ من الملائكة إناثا) هو رد على قريش فيما قالوا إن الملائكة هن بنات الله
وقوله (وما يزيدهم إلا نفورا) قال إذا سمعوا القرآن ينفروا عنه ويكذبوه ثم
احتج عز وجل على الكفار الذين يعبدون الأوثان فقال قل لهم يا محمد (لو كان
معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) قال لو كانت الأصنام
آلهة كما يزعمون لصعدوا إلى العرش ثم قال الله لذلك (سبحانه وتعالى عما يقولون
علوا كبيرا) وقوله: (وان من شئ إلا يسبح بحمده) فحركة كل شئ
تسبيح الله عز وجل وقوله: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا
يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) يعني يحجب الله عنك الشياطين (وجعلنا على
قلوبهم أكنة) أي غشاوة (ان يفقهوه وفي آذانهم وقرا) اي صمما وقوله:
(وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا) قال كان رسول الله
صلى الله عليه وآله إذا تهجد بالقرآن تسمع له قريش بحسن صوته وكان إذا قرأ بسم الله
الرحمن الرحيم فروا عنه وقوله: (نحن اعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم
نجوى) يعنى إذ هم في السر يقولون هو ساحر وهو قوله: (إذ يقول الظالمون
ان تتبعون إلا رجلا مسحورا) ثم حكى لرسول الله صلى الله عليه وآله قول الدهرية فقال
(وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا) ثم قال: (قل كونوا
20

حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي
فطركم أول مرة فسينغضون إليك) والنغض تحريك الرأس (ويقولون متى هو
قل عسى أن يكون قريبا) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال
الخلق الذي يكبر في صدوركم الموت.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ان
الشيطان ينزغ بينهم) اي يدخل بينهم يحثهم على المعاصي وقوله: ربكم اعلم بكم
ان يشأ يرحمكم - إلى قوله - زبورا) فهو محكم قوله (وان من قرية إلا نحن
مهلكوها) اي أهلها (قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا) يعني بالخسف
والموت والهلاك (كان ذلك في الكتاب مسطورا) أي مكتوبا وقوله:
(وما منعنا ان نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) نزلت في قريش
(وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) فعطف على
قوله وما منعنا ان نرسل بالآيات.
وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " وما منعنا ان
نرسل بالآيات " وذلك أن محمدا صلى الله عليه وآله سأله قومه ان يأتيهم بآية فنزل جبرئيل
قال إن الله يقول وما منعنا ان نرسل بالآيات إلى قومك إلا أن كذب بها
الأولون وكنا إذا أرسلنا إلى قرية آية فلم يؤمنوا بها أهلكناهم فلذلك اخرنا
عن قومك الآيات، وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وما جعلنا الرؤيا التي
أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) قال نزلت لما رأى النبي في
نومه كأن قرودا تصعد منبره فساءه ذلك وغمه غما شديدا فأنزل الله " وما
جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة لهم ليعمهوا فيها والشجرة الملعونة في القرآن "
كذا نزلت وهم بنو أمية ثم حكى عز وجل خبر إبليس فقال: (وإذ قلنا
للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس - إلى قوله لاحتنكن ذريته إلا قليلا)
21

اي لأفسدنهم إلا قليلا فقال الله عز وجل: (اذهب فمن تبعك منهم فان جهنم
جزاؤكم جزاءا موفورا) وهو محكم (واستفزز) اي اخدع (من استطعت منهم
بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد) قال
ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان فإذا اشترى به الإماء ونكحهن وولد له
فهو شرك الشيطان كما تلد يلزمه منه ويكون مع الرجل إذا جامع فيكون الولد من
نطفته ونطفة الرجل إذا كان حراما، وفي حديث آخر إذا جامع الرجل أهله ولم
يسم شاركه الشيطان ثم قال: (ربكم الذي يزجى لكم الفلك) اي السفن (في
البحر لتبتغوا من فضله انه كان بكم رحيما وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون
إلا إياه) اي بطل من تدعون غير الله (فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان
الانسان كفورا) ثم ارهبهم فقال: (أفأمنتم ان يخسف بكم جانب البر أو يرسل
عليكم حاصبا) اي عذابا وهلاكا (ثم لا تجدوا لكم وكيلا أم امنتم ان يعيدكم فيه
تارة أخرى) اي مرة أخرى (فيرسل عليكم قاصفا من الريح) اي تجئ من كل جانب
(فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) وفي رواية أبى الجارود
عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " قاصفا من الربح " قال هي العاصف وقوله " تبيعا "
يقول وكيلا ويقال كفيلا ويقال ثائرا.
قال علي بن إبراهيم ثم ذكر بني آدم فقال: (ولقد كرمنا بني آدم
وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا
تفضيلا) حدثنا جعفر بن محمد (احمد ط) قال حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم قال حدثنا
محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال إن
الله لا يكرم روح كافر ولكن يكرم أرواح المؤمنين وإنما كرامة النفس والدم
بالروح والرزق الطيب هو العلم.
أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن
22

سعيد عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله عن الفضيل بن يسار (سيار ط) عن أبي جعفر
عليه السلام في قول الله تعالى: (يوم ندعوا كل أناس بامامهم) قال يجيئ رسول الله
صلى الله عليه وآله في فرقة وعلى في فرقة والحسن في فرقة والحسين في فرقة وكل من مات
بين ظهراني قوم جاؤوا معه وقال علي بن إبراهيم في قوله " يوم ندعوا كل أناس
بامامهم " قال ذلك يوم القيامة ينادي مناد ليقم فلان وشيعته وفلان وشيعته
وفلان وشيعته وعلي وشيعته وقوله: (ولا يظلمون فتيلا) قال الجلدة التي
في ظهر النواة.
واما قوله (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا)
فإنه حدثني أبي عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي الطفيل عن
أبي جعفر عليه السلام قال جاء رجل إلى أبى علي بن الحسين عليهما السلام فقال إن ابن
عباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفي من نزلت
فقال أبى عليه السلام سله فيمن نزلت " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى
وأضل سبيلا " وفيمن نزلت " لا ينفعكم نصحي ان أردت ان انصح لكم إن كان
الله يريد أن يغويكم " وفيمن نزلت " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا
ورابطوا " فاتاه الرجل فسأله، فقال وددت ان الذي امرك بهذا واجهني به
فاسأله عن العرش مم خلقه الله ومتى خلق؟ وكم هو وكيف هو؟ فانصرف الرجل
إلى أبى فقال أبى فهل أجابك بالآيات؟ فقال لا. قال أبى: لكن أجيبك فيها
بعلم ونور غير مدع ولا منتحل اما قوله: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة
أعمى وأضل سبيلا ففيه نزل وفي أبيه، واما قوله: ولا ينفعكم نصحي ان أردت
ان انصح لكم ففي أبيه نزلت واما الأخرى (1) ففي أبيه (ابنه ك) نزلت وفينا،
ولم يكن الرباط الذي أمرنا به وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله
المرابط، واما ما سأل عنه من العرش مم خلقه الله. فان الله خلقه أرباعا،

(1) أي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا الخ
23

لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء الهواء والقلم والنور، ثم خلقه من ألوان أنوار
مختلفة، ومن ذلك النور نور اخضر ومنه اخضرت الخضرة ونور اصفر منه
اصفرت الصفرة، ونور احمر منه احمرت الحمرة، ونور ابيض وهو نور الأنوار،
ومنه ضوء النهار ثم جعله سبعين الف طبق غلظ كل طبق لأول (كأول ك) العرش
إلى أسفل السافلين وليس من ذلك طبق إلا ويسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات
مختلفة والسنة غير مشتبهة لو اذن للسان واحد فاسمع شيئا مما في تحته لهدم الجبال
والمدائن والحصون وكشف البحار ولهلك ما دونه، له ثمانية أركان يحمل كل
ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله يسبحون الليل والنهار لا يفترون
ولو أحس حس (ولو أحسر - ك) شئ مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين، بينه وبين
الاحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة والعلم وليس وراء هذا
مقال لقد طمع الحاير في غير مطمع اما ان في صلبه وديعة قد ذرئت لنار جهنم
فيخرجون أقواما من دين الله وستصبغ الأرض بدماء فراخ من أفراخ محمد
تنهض تلك الفراخ في غير وقت وتطلب غير مدرك وترابط الذين آمنوا ويصبرون
ويصابرون حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
قال أبو عبد الله عليه السلام أيضا: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى
وأضل سبيلا قال نزلت فيمن يسوف الحج حتى مات ولم يحج فهو أعمى فعمي
عن فريضة من فرايض الله قوله (وان كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك
لتفتري علينا غيره) قال يعني أمير المؤمنين عليه السلام (إذا لاتخذوك خليلا) اي
صديقا لو أقمت غيره ثم قال: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا
قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) من يوم الموت إلى أن تقوم
الساعة ثم قال: (وان كادوا ليستفزونك من الأرض) يعنى أهل مكة (لا يلبثون
خلافك إلا قليلا) حتى قتلوا ببدر.
24

واما قوله: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) قال: دلوكها
زوالها وغسق الليل انتصافه (وقرآن الفجر) صلاة الغداة (ان قرآن الفجر كان
مشهودا) (قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ثم قال: (ومن الليل فتهجد
به نافلة لك) قال: صلاة الليل وقال: سبب النور في القيامة الصلاة في جوف الليل
واما قوله: (عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا) فإنه حدثني أبي عن الحسن
ابن محبوب عن زراعة (زرعة خ ل) عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
عن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله يوم القيامة فقال: يلجم الناس يوم القيامة العرق (1)
فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا عند ربنا فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم
اشفع لنا عند ربك فيقول: إن لي ذنبا وخطيئة فعليكم بنوح فيأتون نوحا
فيردهم إلى من يليه ويردهم كل نبي إلى من يليه حتى ينتهوا إلى عيسى فيقول:
عليكم بمحمد رسول الله فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه، فيقول: انطلقوا
فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمة ويخر ساجدا فيمكث ما شاء الله
فيقول الله ارفع رأسك واشفع تشفع واسأل تعط وذلك هو قوله: " عسى ان
يبعثك ربك مقاما محمودا " وحدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن معاوية وهشام
عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في
أبي وأمي وعمي واخ كان لي في الجاهلية (2) وقوله: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن
على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)

(1) اي يبلغ عرقهم إلى أفواههم من شدة الحر أو التعب.
(2) قاله لسد ألسنة المعترضين وإلا المستفاد من الأدلة هو إيمان أبيه وأمه
وعمه وهو أبو طالب كأنه جواب تنزيلي يعني إذا بلغت مقاما محمودا وشفعت
عدد الرمل والحصى كيف لا أشفع في أبي وأمي وعمي الذين أحسنوا إلي. ج ز.
25

اي معينا (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من
لدنك سلطانا نصيرا) فإنها نزلت يوم فتح مكة لما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله دخولها
انزل الله قل يا محمد أدخلني مدخل صدق الآية وقوله: سلطانا نصيرا اي معينا
(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) فارتجت مكة من قول
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا.
وقوله: (قل كل يعمل على شاكلته) قال: على نيته (فربكم أعلم بمن هو
أهدى سبيلا) فإنه حدثني أبي عن جعفر بن إبراهيم عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال: إذا كان يوم القيامة أوقف المؤمن بين يديه فيكون هو الذي يتولى حسابه
فيعرض عليه عمله فينظر في صحيفته، فأول ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه
وترتعش فرائصه وتفزع نفسه، ثم يرى حسناته فتقر عينه وتسر نفسه وتفرح
روحه، ثم ينظر إلى ما أعطاه الله من الثواب فيشتد فرحه ثم يقول الله للملائكة
هلموا الصحف التي فيها الاعمال التي لم يعملوها، قال: فيقرؤونها ثم يقولون وعزتك
انك لتعلم أنا لم نعمل منها شيئا، فيقول: صدقتم نويتموها فكتبناها لكم ثم
يثابون عليها واما قوله: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فإنه
حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: هو ملك
أعظم من جبرئيل وميكائيل وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الأئمة وفي خبر
آخر هو من الملكوت واما قوله: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض
ينبوعا) فإنها نزلت في عبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة رحمة الله عليها وذلك
انا قال هذا لرسول الله بمكة قبل الهجرة، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى
فتح مكة استقبله عبد الله بن أبي أمية فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يرد عليه
السلام فأعرض عنه ولم يجبه بشئ وكانت أخته أم سلمة مع رسول الله صلى الله عليه وآله
فدخل إليها فقال: يا أختي ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد قبل إسلام الناس كلهم ورد
26

علي إسلامي وليس يقبلني كما قبل غيري فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أم سلمة
قالت بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وآله سعد بك جميع الناس إلا أخي من بين
قريش والعرب رددت إسلامه وقبلت اسلام الناس كلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
يا أم سلمة ان أخاك كذبني تكذيبا لم يكذبني أحد من الناس هو الذي قال لي:
(لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) أو تكون لك جنة من نخيل
وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو
تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن
لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) قالت أم سلمة بأبي أنت وأمي يا رسول الله
ألم تقل ان الاسلام يجب ما كان قبله؟ قال: نعم فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله إسلامه
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: حتى تفجر لنا من الأرض
ينبوعا يعني عينا أو تكون لك جنة يعني بستانا من نخيل وعنب فتفجر الأرض
خلالها تفجيرا من تلك العيون أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا وذلك أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنه يسقط من السماء كسفا لقوله: وان يروا كسفا من
السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم وقوله: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا والقبيل
اي الكثير " أو يكون لك بيت من زخرف " اي المزخرف بالذهب " أو ترقى في
السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " يقول من الله
إلى عبد الله بن أبي أمية ان محمدا صادق واني أنا بعثته ويجئ معه أربعة من
الملائكة يشهدون ان الله هو كتبه فأنزل الله عز وجل قل " سبحان ربي هل كنت
إلا بشرا رسولا ".
وقوله: (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من
السماء ملكا رسولا) فإنه حدثني أبي عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر
عن أبي جعفر عليه السلام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس وعنده جبرئيل إذ حانت
27

من جبرئيل عليه السلام نظرة قبل السماء فامتقع لونه حتى صار كأنه كركمة (1) ثم لاذ
برسول الله صلى الله عليه وآله، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حيث نظر جبرئيل فإذا شئ قد
ملا ما بين الخافقين مقبلا حتى كان كقاب من الأرض (2) ثم قال: يا محمد إني
رسول الله إليك أخبرك أن تكون ملكا رسولا أحب إليك أو تكون عبدا رسولا
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جبرئيل وقد رجع إليه لونه، فقال جبرئيل: بل كن
عبدا رسولا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل أكون عبدا رسولا فرفع الملك رجله
اليمنى فوضعها في كبد السماء الدنيا ثم رفع الأخرى فوضعها في الثانية ثم رفع
اليمنى فوضعها في الثالثة ثم هكذا حتى انتهى إلى السماء السابعة كل سماء خطوة وكلما
ارتفع صغر حتى صار آخر ذلك مثل الذر - الصر (ك) فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى جبرئيل فقال: لقد رأيتك ذعرا وما رأيت شيئا كان أذعر لي من تغير لونك،
فقال: يا نبي الله لا تلمني أتدري من هذا؟ قال: لا، قال: هذا إسرافيل حاجب
الرب ولم ينزل من مكانه منذ خلق الله السماوات والأرض، فلما رأيته منحطا
ظننت انه جاء بقيام الساعة، فكان الذي رأيت من تغير لوني لذلك، فلما رأيت
ما اصطفاك الله به رجع إلي لوني ونفسي أما رأيته كلما ارتفع صغر انه ليس شئ
يدنو من الرب إلا صغر لعظمته ان هذا حاجب الرب وأقرب خلق الله منه واللوح
بين عينيه من ياقوتة حمراء فإذا تكلم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح
جبينه فنظر فيه ثم يلقيه الينا فنسعى به في السماوات والأرض انه لأدنى خلق
الرحمن منه وبينه وبينه سبعون حجابا من نور تقطع دونها الابصار ما لا يعد
ولا يوصف واني لأقرب الخلق منه وبيني وبينه مسيرة الف عام وقوله: (وما
منع الناس ان يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا) قال

(1) كركم: العلك ق م.
(2) أي مقدار نصف القوس. ج. ز.
28

قال الكفار: لم لم يبعث الله الينا الملائكة؟ فقال الله عز وجل: (ولو بعثنا إليهم ملكا
لما آمنوا ولهلكوا ولو كانت الملائكة في الأرض يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من
السماء ملكا رسولا) وقوله: (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما
وصما) قال: على جباههم (مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) اي كلما انطفت
فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن سيف بن عميرة يرفعه إلى علي بن الحسين
عليهما السلام قال: إن في جهنم واديا يقال له سعير إذا خبت جهنم فتح سعيرها
وهو قوله: كلما خبت زدناهم سعيرا اي كلما انطفت وقوله: (قل لو أنتم تملكون
خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الانفاق وكان الانسان قتورا) قال: لو
كانت الأموال بيد الناس لما أعطوا الناس شيئا مخافة النفاد (وكان الانسان
قتورا) اي بخيلا واما قوله: (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) فقال:
الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والعصا ويده والبحر وقوله يحكى
قول موسى (واني لأظنك يا فرعون مثبورا) اي هالكا تدعو بالثبور وفي
رواية أبي الجارود في قوله: (فأراد ان يستفزهم من الأرض) اي أراد ان يخرجهم
من الأرض وقد علم فرعون وقومه ما أنزل تلك الآيات إلا الله واما قوله: (فإذا
جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) يقول جميعا وفي رواية علي بن إبراهيم (فأراد)
يعني فرعون (ان يستفزهم من الأرض) أي يخرجهم من مصر (فأغرقناه ومن
معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة
جئنا بكم لفيفا) أي من كل ناحية وقوله: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس
على مكث) اي على مهل (ونزلناه تنزيلا) ثم قال: يا محمد (قل آمنوا به أولا
تؤمنوا ان الذين أوتوا العلم من قبله) يعني من أهل الكتاب الذين آمنوا
برسول الله (إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا) قال: الوجه (ويقولون
سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا)
29

وهم قوم من أهل الكتاب آمنوا بالله، وحدثني أبي عن الصباح عن إسحاق بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال:
الجهر بها رفع الصوت والتخافت ما لم تسمع باذنك واقرأ ما بين ذلك وحدثني
أبي عن الصباح عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: " ولا تجهر
بصلاتك ولا تخافت بها " قال: رفع الصوت عاليا ومخافته ما لم تسمع نفسك، قال
قلت له: رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع ان يسجد عليها قال: يسجد ما بين
طرف شعره فإن لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر
فإن لم يقدر فعلى ذقنه قلت: على ذقنه قال: نعم أما تقرأ كتاب الله عز وجل
" يخرون للأذقان سجدا " وروي أيضا عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في قوله:
" ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال: الاجهار ان ترفع صوتك تسمعه من
بعد عنك والاخفات ان لا تسمع من معك إلا يسيرا ثم قال: (وقل الحمد لله
الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره
تكبيرا) قال: لم يذل فيحتاج إلى ولي فينصره.
سورة الكهف مكية
وآياتها مأة وعشر
(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل
له عوجا قيما) قال: هذا مقدم ومؤخر لان معناه الذي انزل على عبده الكتاب
قيما ولم يجعل له عوجا، فقد قدم حرف على حرف (لينذر بأسا شديدا من
لدنه) يعني يخوف ويحذرهم عذاب الله عز وجل (ويبشر المؤمنين الذين يعملون
الصالحات أن لهم اجرا حسنا ماكثين فيه ابدا) يعني في الجنة (وينذر الذين
قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم) ما قالت قريش حين زعموا ان الملائكة بنات
30

الله وما قالت اليهود والنصارى في قولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله فرد الله
عليهم فقال: (ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم ان
يقولون إلا كذبا) ثم قال: (فلعلك - يا محمد - باخع نفسك على آثارهم إن لم
يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
" فلعلك باخع نفسك " يقول قاتل نفسك على آثارهم واما اسفا يقول حزنا وقال
علي بن إبراهيم في قوله: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) يعني الشجر والنبات
وكلما خلقه الله في الأرض (لنبلوهم) اي نختبرهم (أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون
ما عليها صعيدا جرزا) يعني خرابا وفي رواية أبي الجارود في قوله تعالى صعيدا
جرزا اي لا نبات فيها.
وقوله: (أم حسبت ان أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا)
يقول قد آتيناك من الآيات ما هو أعجب منه، وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى
ابن مريم ومحمد صلى الله عليه وآله، واما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقوم اي مكتوب
فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم وما أراد منهم دقيانوس الملك وكيف كان أمرهم
وحالهم، قال علي بن إبراهيم فحدثني أبي عن ابن عمير عن أبي بصير عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: كان سبب نزولها يعنى سورة الكهف ان قريشا بعثوا
ثلاثة نفر إلى نجران، النضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط والعاص بن
وائل السهمي ليتعلموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله صلى الله عليه وآله،
فخرجوا إلى نجران إلى علماء اليهود فسألوهم فقالوا: سلوه عن ثلاث مسائل فان
أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق ثم سلوه عن مسألة واحدة فان ادعى علمها
فهو كاذب قالوا: وما هذه المسائل؟ قالوا: سلوه عن فتية كانوا في الزمن الأول
فخرجوا وغابوا وناموا وكم بقوا في نومهم حتى انتبهوا؟ وكم كان عددهم؟ واي
شئ كان معهم من غيرهم وما كان قصتهم؟ واسألوه عن موسى حين امره الله ان
31

يتبع العالم ويتعلم منه من هو وكيف تبعه وما كان قصته معه؟ واسألوه عن طايف
طاف من مغرب الشمس ومطلعها حتى بلغ سد يأجوج ومأجوج من هو وكيف كان
قصته؟ ثم أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث مسائل وقالوا لهم ان أجابكم بما قد أملينا
عليكم فهو صادق وان أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه، قالوا: فما المسألة الرابعة؟
قال: سلوه متى تقوم الساعة؟ فان ادعى علمها فهو كاذب فان قيام الساعة لا يعلمها
إلا الله تبارك وتعالى.
فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبي طالب عليه السلام فقالوا: يا أبا طالب إن
ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل فان أجابنا عنها علمنا أنه
صادق وإن لم يجبنا علمنا أنه كاذب، فقال أبو طالب: سلوه عما بدا لكم
فسألوه عن الثلاث مسائل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: غدا أخبركم ولم يستثن (1)
فاحتبس الوحي عليه أربعين يوما حتى اغتم النبي صلى الله عليه وآله وشك أصحابه الذين
كانوا آمنوا به وفرحت قريش واستهزؤا وآذوا وحزن أبو طالب، فلما كان بعد
أربعين يوما نزل عليه بسورة الكهف فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل لقد
أبطأت؟ فقال: إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله فأنزل (أم حسبت) يا محمد
(ان أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) ثم قص قصتهم فقال: (إذ
آوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا
رشدا) فقال الصادق عليه السلام: إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك
جبار عات وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام فمن لم يجبه قتله وكان هؤلاء
قوما مؤمنين يعبدون الله عز وجل ووكل الملك بباب المدينة وكلاء ولم يدع أحدا
يخرج حتى يسجد للأصنام فخرج هؤلاء بحيلة الصيد وذلك انهم مروا براع في

(1) اي لم يقل لفظة إن شاء الله. ج. ز.
32

طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج
معهم فقال الصادق عليه السلام: فلا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة، حمار بلعم بن
باعوراء وذئب يوسف وكلب أصحاب الكهف، فخرج أصحاب الكهف من
المدينة بحيلة الصيد هربا من دين ذلك الملك، فلما أمسوا دخلوا ذلك الكهف
والكلب معهم فألقى الله عليهم النعاس كما قال الله تعالى فضربنا على آذانهم في الكهف
سنين عددا، فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل مملكته وذهب ذلك الزمان
وجاء زمان آخر وقوم آخرون ثم انتبهوا فقال بعضهم لبعض: كم نمنا ها هنا؟
فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت فقالوا: نمنا يوما أو بعض يوم ثم قالوا لواحد
منهم خذ هذا الورق وادخل المدينة متنكرا لا يعرفوك فاشتر لنا طعاما فإنهم إن
علموا بنا وعرفونا يقتلونا أو يردونا في دينهم، فجاء ذلك الرجل فرأى مدينة
بخلاف الذي عهدها ورأي قوما بخلاف أولئك لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم
يعرف لغتهم، فقالوا له: من أنت ومن أين جئت؟ فأخبرهم فخرج ملك تلك
المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتى وقفوا على باب الكهف وأقبلوا يتطلعون
فيه فقال بعضهم: هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم وقال بعضهم: خمسة وسادسهم
كلبهم وقال بعضهم: هم سبعة وثامنهم كلبهم وحجبهم الله عز وجل بحجاب من
الرعب فلم يكن أحد يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم فإنه لما دخل إليهم وجدهم
خائفين أن يكون أصحاب دقيانوس شعروا بهم فأخبرهم صاحبهم انهم كانوا نائمين
هذا الزمن الطويل وانهم آية للناس فبكوا وسألوا الله تعالى ان يعيدهم إلى
مضاجعهم نائمين كما كانوا ثم قال الملك، ينبغي ان نبني ههنا مسجدا ونزوره فان
هؤلاء قوم مؤمنون، فلهم في كل سنة نقلتان ينامون ستة اشهر على جنوبهم
اليمنى وستة اشهر على جنوبهم اليسرى والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف
وذلك قوله: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) أي بالفناء (وكذلك اعثرنا
33

عليهم) وهم الذين ذهبوا إلى باب الكهف قوله: (سبعة وثامنهم كلبهم) فقال
الله لنبيه: (قل لهم ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) ثم انقطع خبرهم فقال:
(ولا تمار فيهم إلا مراءا ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا ولا تقولن لشئ
اني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) اخبره انه إنما حبس الوحي عنه أربعين صباحا
لأنه قال لقريش غدا أخبركم بجواب مسائلكم ولم يستثن فقال الله: (ولا تقولن
لشئ اني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله - إلى قوله - رشدا) ثم عطف على الخبر
الأول الذي حكى عنهم انهم يقولون ثلاثة رابعهم كلبهم فقال (ولبثوا في كهفهم
ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا) وهو حكاية عنهم ولفظه خبر والدليل على أنه حكاية
عنهم قوله: (قل الله اعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض) وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا
شططا) يعني جورا على الله ان قلنا إن له شريكا وقوله (لولا يأتون عليهم
بسلطان بين) يعني بحجة بينة ان معه شريكا وقوله: (وتحسبهم إيقاظا وهم
رقود) يقول ترى أعينهم مفتوحة وهم رقود يعني نيام (ونقلبهم ذات اليمين
وذات الشمال) في كل عام مرتين لئلا تأكلهم الأرض وقوله: (فلينظر أيها أزكى
طعاما) يقول أيها أطيب طعاما (فليأتكم برزق منه) إلى قوله (وكذلك اعثرنا
عليهم) يعني اطلعنا على الفتية (ليعلموا ان وعد الله حق) في البعث (والساعة
لا ريب فيها) يعني لا شك فيها بأنها كائنة وقوله (رجما) يعني ظنا (بالعيب)
ما يستفتونهم وقوله (ولا تمار فيهم إلا مراءا ظاهرا) يقول حسبك ما قصصنا
عليك من أمرهم (ولا تستفت فيهم منهم أحدا) يقول لا تسأل عن أصحاب الكهف
أحدا من أهل الكتاب.
وقوله: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون
وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا) فهذه نزلت في سلمان
34

الفارسي كان عليه كساء فيه يكون طعامه وهو دثاره ورداؤه وكان كساء من صوف
فدخل عيينة بن حصين على النبي صلى الله عليه وآله وسلمان عنده، فتأذى عيينة بريح كساء
سلمان وقد كان عرق فيه وكان يوم شديد الحر فعرق في الكساء، فقال:
يا رسول الله إذا نحن دخلنا عليك فأخرج هذا واصرفه من عندك فإذا نحن
خرجنا فأدخل من شئت فأنزل الله (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) وهو
عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاري وقال علي بن إبراهيم في قوله (وقل
الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط
بهم سرادقها) فقال أبو عبد الله عليه السلام نزلت هذه الآية هكذا وقل الحق من ربكم
يعني ولاية علي عليه السلام فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين آل محمد
نارا أحاط بهم سرادقها (وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل) قال المهل الذي يبقى
في أصل الزيت المغلي (يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) ثم ذكر
ما أعد الله للمؤمنين فقال: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات - إلى قوله - وحسنت
مرتفقا) وقوله (واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما
بنخل وجعلنا بينهما زرعا) قال: نزلت في رجل كان له بستانان كبيران عظيمان
كثيرا التمار كما حكى الله عز وجل وفيهما نخل وزرع وكان له جار فقير فافتخر
الغني على ذلك الفقير وقال له (أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ودخل جنته)
أي بستانه وقال (ما أظن أن تبيد هذه ابدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت
إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا) فقال له الفقير: (أكفرت بالذي خلقك من
تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا) ثم
قال الفقير للغني: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ان
ترن أنا أقل منك مالا وولدا) ثم قال الفقير: (فعسى ربي ان يؤتين خيرا من
جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا) اي محترقا (أو
35

يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا) فوقع فيها ما قال الفقير في تلك الليلة
وأصبح الغني (يقلب كفيه على ما انفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول
يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان
منتصرا) فهذه عقوبة البغي وقوله: (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه
من السماء - إلى قوله - وخير أملا) فإنه حدثني أبي عن بكر بن محمد الأزدي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول أيها الناس آمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر
فان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقربا أجلا ولم يباعدا رزقا فان الامر
ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر في كل يوم إلى كل نفس بما قدر الله لها
من زيادة أو نقصان في أهل أو مال أو نفس وإذا أصاب أحدكم مصيبة في مال أو
نفس ورأي عند أخيه عفوة (1) فلا يكونن له فتنة فان المرء المسلم ما لم يغش دناءة
تظهر ويخشع لها إذا ذكرت ويغرى بها لئام الناس كالياسر الفالج الذي ينتظر
أول فوز من قداحه يوجب له بها المغنم ويدفع عنه المغرم كذلك المرء المسلم
البرئ من الخيانة والكذب ينتظر إحدى الحسنيين إما داعيا من الله فما عند الله
خير له وإما رزقا من الله فهو ذو أهل ومال ومعه دينه وحسبه والمال والبنون
وهو حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام.
وقوله: (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر
منهم أحدا) فإنه سئل عن قوله: ويوم نحشر من كل أمة فوجا فقال ما يقول
الناس فيها؟ قلت يقولون انها في القيامة فقال أبو عبد الله عليه السلام يحشر الله في يوم
القيامة من كل أمة فوجا ويذر الباقين؟ إنما ذلك في الرجعة فاما آية القيامة فهذه
" وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا - إلى قوله - موعدا "

(1) عفوة الشئ صفوته مجمع.
36

فهو محكم قال (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين - إلى قوله - ولا يظلم ربك
أحدا) قال يجدون كلما عملوا مكتوبا وقوله (وما كنت متخذ المضلين عضدا)
اي ناصرا وقوله (وجعلنا بينهم موبقا) اي سترا وقوله (ورأي المجرمون النار
فظنوا أنهم مواقعوها) اي علموا فهذا ظن يقين وقوله (وما منع الناس ان
يؤمنوا إذ جاءهم الهدى - إلى قوله - ويجادل الذين كفروا بالباطل) اي يخاصمون
بالباطل (ليدحضوا به الحق) اي يدفعوه (واتخذوا آياتي - إلى قوله - لو يؤاخذهم
بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد) فهو محكم وقوله (ولن يجدوا من
دونه موئلا) اي ملجأ (وتلك القرى) اي أهل القرى (أهلكناهم لما ظلموا
وجعلنا لمهلكهم موعدا) اي يوم القيامة يدخلون النار فلما اخبر رسول الله
صلى الله عليه وآله قريشا بخبر أصحاب الكهف قالوا أخبرنا عن العالم الذي امر الله موسى
عليه السلام ان يتبعه وما قصته؟ فأنزل الله عز وجل (وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى
أبلغ مجمع البحرين أو امضي حقبا) قال وكان سبب ذلك أنه لما كلم الله موسى
تكليما وانزل عليه الألواح وفيها كما قال الله تعالى: وكتبنا له في الألواح من كل
شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ رجع موسى إلى بني إسرائيل فصعد المنبر فأخبرهم
ان الله قد أنزل عليه التوراة وكلمه قال في نفسه ما خلق الله خلقا اعلم مني فأوحى
الله إلى جبرئيل ان أدرك موسى فقد هلك وأعلمه ان عند ملتقى البحرين عند
الصخرة رجلا أعلم منك فصر إليه وتعلم من علمه، فنزل جبرئيل على موسى عليه السلام
وأخبره فذل موسى في نفسه وعلم أنه أخطأ ودخله الرعب وقال لوصيه يوشع بن
نون: إن الله قد أمرني ان أتبع رجلا عند ملتقى البحرين وأتعلم منه، فتزود
يوشع حوتا مملوحا وخرجا فلما خرجا وبلغا ذلك المكان وجدا رجلا مستلقيا على
قفاه فلم يعرفاه، فأخرج وصي موسى الحوت وغسله بالماء ووضعه على الصخرة
ومضيا ونسيا الحوت وكان ذلك الماء ماء الحيوان فحي الحوت ودخل في الماء فمضى
37

موسى ويوشع معه حتى عشيا فقال موسى لوصيه (آتنا غداءنا لقد لقينا من
سفرنا هذا نصبا) اي عناءا فذكر وصيه السمك فقال لموسى: إني نسيت الحوت
على الصخرة فقال موسى: ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده
فرجعا على (آثارهما قصصا) اي عند الرجل وهو في صلاته فقعد موسى حتى
فرغ من صلاته فسلم عليهما.
فحدثني محمد بن علي بن بلال عن يونس قال: اختلف يونس وهشام بن
إبراهيم في العالم الذي أتاه موسى عليه السلام أيهما كان اعلم وهل يجوز أن يكون على
موسى حجة في وقته وهو حجة الله على خلقه فقال قاسم الصيقل: فكتبوا ذلك
إلى أبى الحسن الرضا عليه السلام يسألونه عن ذلك فكتب في الجواب: اتى موسى العالم
فأصابه وهو في جزيرة من جزائر البحر إما جالسا وإما متكئا فسلم عليه موسى
فأنكر السلام إذ كان بأرض ليس فيها سلام قال: من أنت؟ قال: أنا موسى بن
عمران، قال: أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما؟ قال: نعم، قال:
فما حاجتك؟ قال: جئت ان تعلمن مما علمت رشدا قال: إني وكلت بأمر
لا تطيقه ووكلت أنت بأمر لا أطيقه، ثم حدثه العالم بما يصيب آل محمد من
البلاء وكيد الأعداء حتى اشتد بكاؤهما ثم حدثه العالم عن فضل آل محمد حتى
جعل موسى يقول يا ليتني كنت من آل محمد، وحتى ذكر فلانا وفلانا وفلانا ومبعث
رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قومه وما يلقى منهم ومن تكذيبهم إياه وذكر له من تأويل
هذه الآية " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة " حين أخذ
الميثاق عليهم فقال له موسى (هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) فقال
الخضر: (انك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا)
فقال موسى عليه السلام: (ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك امرا) قال
الخضر: (فان اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى احدث لك منه ذكرا) يقول
38

لا تسألني عن شئ أفعله ولا تنكره علي حتى أنا أخبرك بخبره قال: نعم، فمروا
ثلاثتهم حتى انتهوا إلى ساحل البحر وقد شحنت سفينة وهي تريد ان تعبر فقال
لأرباب السفينة: تحملوا هؤلاء الثلاثة نفر فإنهم قوم صالحون، فحملوهم فلما
جنحت السفينة في البحر قام الخضر إلى جوانب السفينة فكسرها وأحشاها بالخرق
والطين، فغضب موسى غضبا شديدا وقال للخضر: (أخرقتها لتغرق أهلها لقد
جئت شيئا أمرا) فقال له الخضر عليه السلام: (ألم أقل لك انك لن تستطيع معي
صبرا) قال موسى: (لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا)
فخرجوا من السفينة فمروا فنظر الخضر إلى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه
كأنه قطعة قمر في اذنيه درتان، فتأمله الخضر ثم اخذه فقتله، فوثب موسى
على الخضر وجلد به الأرض فقال: (أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت
شيئا نكرا) فقال الخضر: (ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا) قال الجزء (16)
موسى: (إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا
فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية) بالعشي تسمى الناصرة واليها ينتسب النصارى
ولم يضيفوا أحدا قط ولم يطعموا غريبا فاستطعموهم فلم يطعموهم ولم يضيفوهم
فنظر الخضر عليه السلام إلى حائط قد زال لينهدم فوضع الخضر يده عليه وقال: قم
بإذن الله فقام فقال موسى لن ينبغ لك ان تقيم الجدار حتى يطعمونا ويأوونا وهو
قوله (لو شئت لاتخذت عليه أجرا) فقال له الخضر: (هذا فراق بيني وبينك
سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا اما السفينة) التي فعلت بها ما فعلت فإنها
كانت لقوم (مساكين يعملون في البحر فأردت ان أعيبها وكان وراءهم) اي وراء
السفينة (ملك يأخذ كل سفينة) صالحة (غصبا) كذا نزلت وإذا كانت السفينة
معيوبة لم يأخذ منها شيئا (واما الغلام فكان أبواه مؤمنين) وطبع كافرا، كذا
نزلت، فنظرت إلى جبينه وعليه مكتوب طبع كافرا (فخشينا ان يرهقهما طغيانا
39

وكفرا فأردنا ان يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما) فأبدل الله لوالديه
بنتا وولدت سبعين نبيا، واما الجدار الذي أقمته (فكان لغلامين يتيمين في المدينة
وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك ان يبلغا أشدهما - إلى قوله -
ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا).
حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال كان ذلك الكنز لوحا من ذهب فيه مكتوب بسم الله لا إله إلا الله محمد
رسول الله والأئمة حجج الله عجب لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح، عجب لمن يؤمن بالقدر
كيف يفرق (1)، عجب لمن يذكر النار كيف يضحك، عجب لمن يرى الدنيا وتصرف
أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام
في قوله: وإذ قال موسى لفتاه وهو يوشع بن نون وقوله: لا أبرح يقول لا
أزال حتى أبلغ مجمع البحرين أو امضي حقبا قال الحقب ثمانون سنة وقوله: لقد
جئت شيئا امرا هو النكر وكان موسى ينكر الظلم فأعظم ما رأى.
قال علي بن إبراهيم: فلما اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بخبر موسى وفتاه
والخضر قالوا فأخبرنا عن طايف طاف المشرق والمغرب من هو وما قصته؟ فأنزل
الله (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض
وآتيناه من كل شئ سببا) اي دليلا (فاتبع سببا) حدثنا جعفر بن أحمد عن
عبد الله بن موسى عن الحسن بن علي عن (بن ك) أبي حمزة عن أبيه عن
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن قول الله: (يسألونك عن ذي القرنين
قل سأتلو عليكم منه ذكرا قال إن ذا القرنين بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه
الأيمن فأماته الله خمسمائة عام بعثه إليهم بعد ذلك فضربوه على قرنه الأيسر
فأماته الله خمسمائة عام ثم بعثه إليهم بعد ذلك فملكه مشارق الأرض ومغاربها من
حيث تطلع الشمس إلى حيث تغرب فهو قوله (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها

(1) فرق كفرح فزع. ق.
40

تغرب في عين حمأة - إلى قوله - عذابا نكرا) قال في النار فجعل ذو القرنين بينهم
بابا من نحاس وحديد وزفت (1) وقطران (2) فحال بينهم وبين الخروج ثم قال
أبو عبد الله عليه السلام: ليس منهم رجل يموت حتى يولد له من صلبه الف ولد ذكر ثم
قال هم أكثر خلق خلقوا بعد الملائكة وسئل أمير المؤمنين عليه السلام عن ذي القرنين
نبيا كان أم ملكا؟ فقال: لا نبي ولا ملك بل إنما هو عبد أحب الله فأحبه ونصح
لله فنصح له، فبعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه الأيمن فغاب عنهم ما شاء الله
ان يغيب ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الأيسر فغاب عنهم ما شاء الله ان يغيب
ثم بعثه ثالثة فمكن الله له في الأرض وفيكم مثله يعني نفسه (حتى إذا بلغ مطلع
الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) قال لم يعلموا صنعة
الثياب (ثم اتبع سببا) اي دليلا (حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما
لا يكادون يفقهون قولا - إلى قوله - آتوني زبر الحديد) فأمرهم ان يأتوه
بالحديد فأتوا به فوضعه بين الصدفين يعني بنى الجبلين حتى سوى بينهما ثم أمرهم
ان يأتوا بالنار فأتوا بها فنفخوا فأشعلوا تحت الحديد حتى صار الحديد مثل النار
ثم صب عليه القطر وهو الصفر حتى سده وهو قوله: " حتى إذا ساوى بين
الصدفين قال انفخوا - إلى قوله - نقبا " فقال ذو القرنين: (هذا رحمة من ربي
فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقا) قال إذا كان قبل يوم القيامة
في آخر الزمان انهدم ذلك السد وخرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا واكلوا الناس
وهو قوله: " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون "

(1) نوع من القير.
(2) بفتح القاف وكسر الطاء أو سكونها أو بكسر القاف وسكون الطاء:
مادة يطلى بها جرب الإبل فيحرقه. مجمع.
41

قال فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب فكان إذا مر بقرية زأر فيها كما يزأر
الأسد المغضب، فينبعث في القرية ظلمات ورعد وبرق وصواعق تهلك من ناواه
وخالفه، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق والمغرب، فقال
أمير المؤمنين عليه السلام وذلك قوله عز وجل: (إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل
شئ سببا) اي دليلا، فقيل له ان لله في ارضه عينا يقال لها عين الحياة لا يشرب
منها ذو روح إلا لم يمت حتى الصيحة، فدعا ذو القرنين الخضر وكان أفضل
أصحابه عنده ودعا بثلاثمائة وثلاثين (وستين ط) رجلا ودفع إلى كل واحد منهم سمكة وقال
لهم اذهبوا إلى موضع كذا وكذا فان هناك ثلاثمائة وثلاثين عينا فليغسل كل
واحد منكم سمكته في عين غير عين صاحبه، فذهبوا يغسلون وقعد الخضر يغسل
فانسابت السمكة منه في العين وبقي الخضر متعجبا مما رأى وقال في نفسه ما أقول
لذي القرنين ثم نزع ثيابه يطلب السمكة فشرب من مائها ولم يقدر على السمكة
فرجعوا إلى ذي القرنين فأمر ذو القرنين بقبض السمك من أصحابه فلما انتهوا
إلى الخضر لم يجدوا معه شيئا، فدعاه وقال له: ما حال السمكة؟ فأخبره الخبر
فقال له: فصنعت ماذا؟ قال: اغتمست فيها فجعلت أغوص وأطلبها فلم أجدها،
قال: فشربت من مائها؟ قال: نعم، قال: فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها
فقال للخضر: كنت أنت صاحبها.
فحدثني أبى عن يوسف بن أبي حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أسري
برسول الله صلى الله عليه وآله إلى السماء وجد ريحا مثل ريح المسك الأذفر فسأل جبرئيل
عليه السلام عنها، فأخبره انها تخرج من بيت عذب فيه قوم في الله حتى ماتوا ثم قال
له: إن الخضر كان من أبناء الملوك فآمن بالله وتخلى في بيت في دار أبيه يعبد
الله ولم يكن لأبيه ولد غيره فأشاروا على أبيه ان يزوجه فلعل الله ان يرزقه ولدا
فيكون الملك فيه وفي عقبه فخطب له امرأة بكرا وأدخلها عليه فلم يلتفت الخضر
42

إليها فلما كان في اليوم الثاني قال لها: تكتمين علي أمري؟ فقالت: نعم قال لها:
إن سألك أبى هل كان مني إليك ما يكون من الرجال إلى النساء فقولي نعم،
فقالت افعل فسألها الملك عن ذلك فقالت نعم وأشار عليه الناس أن يأمر النساء
ان يفتشنها فأمر بذلك فكانت على حالها فقالوا: أيها الملك زوجت الغر من
الغرة (1) زوجه امرأة ثيبا فزوجه فلما أدخلت عليه سألها الخضر ان تكتم عليه
أمره فقالت: نعم فلما ان سألها الملك قالت له أيها الملك ان ابنك امرأة فهل تلد
المرأة من المرأة، فغضب عليه وأمر بردم الباب عليه فردم فلما كان اليوم الثالث
حركته رقة الآباء فأمر بفتح الباب ففتح فلم يجدوه فيه وأعطاه الله من القوة انه
يتصور كيف يشاء ثم كان على مقدمة ذي القرنين وشرب من الماء الذي من شرب
منه بقي إلى الصيحة.
قال: فخرج من مدينة أبيه رجلان في تجارة في البحر حتى وقعا في جزيرة
من جزائر البحر فوجدا فيها الخضر عليه السلام قائما يصلي فلما انتقل دعاهما فسألهما عن
خبرهما فأخبراه فقال لهما: هل تكتمان علي أمري ان رددتكما في يومكما هذا إلى
منازلكما؟ فقالا: نعم، فنوى أحدهما ان يكتم امره ونوى الآخر ان يرده إلى
منزله اخبر أباه بخبره فدعا الخضر سحابة وقال لها احملي هذين إلى منازلهما فحملتهما
السحابة حتى وضعتهما في بلدهما من يومهما فكتم أحدهما امره وذهب الآخر إلى
الملك فأخبره بخبره فقال له الملك: من يشهد لك بذلك؟ قال: فلان التاجر فدل
على صاحبه فبعث الملك إليه فلما حضر أنكره وانكر معرفة صاحبه، فقال له الأول
أيها الملك ابعث معي خيلا إلى هذه الجزيرة واحبس هذا حتى آتيك بابنك فبعث
معه خيلا فلم يجدوه فأطلق عن الرجل الذي كتم عليه ثم إن القوم عملوا بالمعاصي

(1) أي من لا عقل له لصغر سنه. ج. ز.
43

فأهلكهم الله وجعل مدينتهم عاليها سافلها وابتدرت الجارية التي كتمت عليه امره
والرجل الذي كتم عليه كل واحد منهما ناحية من المدينة فلما أصبحا التقيا فأخبر
كل واحد منها صاحبه بخبره فقالا ما نجونا إلا بذلك فآمنا برب الخضر وحسن
إيمانهما وتزوج بها الرجل ووقعا إلى مملكة ملك آخر وتوصلت المرأة إلى بيت
الملك وكانت تزين بنت الملك فبينما هي تمشطها يوما إذ سقط من يدها المشط
فقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله فقالت لها بنت الملك: ما هذه الكلمة؟ فقالت
لها ان لي إلها تجري الأمور كلها بحوله وقوته فقالت لها بنت الملك ألك إله غير
أبي؟ قالت: نعم وهو إلهك وإله أبيك فدخلت بنت الملك على أبيها فأخبرت
أباها ما سمعت من هذه المرأة فدعاها الملك فسألها عن خبرها، فأخبرته فقال لها
من على دينك؟ قالت زوجي وولدي فدعاهما الملك فأمرهما بالرجوع عن التوحيد
فأبوا عن ذلك فدعا بمرجل من ماء فأسخنه وألقاهم فيه فأدخلهم بيتا وهدم عليهم
البيت، فقال جبرئيل لرسول الله صلى الله عليه وآله فهذه الرائحة التي شممتها من ذلك البيت.
وعنه قال: أقبل أمير المؤمنين عليه السلام يوما ويده على عاتق سلمان ومعه الحسن
عليه السلام حتى دخل المسجد فلما جلس جاءه رجل عليه برد خز فسلم وجلس بين يدي
أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين أريد أن أسألك عن مسائل فان أنت خرجت
منها علمت أن القوم نالوا منك وأنت أحق بهذا الامر من غيرك وان أنت لم تخرج
منها علمت أنك والقوم شرع سواء (1) فقال له أمير المؤمنين: سل ابني هذا
يعني الحسن فأقبل الرجل بوجهه على الحسن عليه السلام فقال له: يا بني أخبرني عن
الرجل إذا نام أين تكون روحه؟ وعن الرجل يسمع الشئ فيذكره دهرا ثم
ينساه في وقت الحاجة إليه كيف هذا؟ وأخبرني عن الرجل يلد له الأولاد منهم

(1) الشرع كالطفل والشرع كالفرح: المثل. ج. ز.
44

من يشبه أباه وأعمامه ومنهم من يشبه أمه وأخواله فكيف هذا؟ فقال له الحسن
عليه السلام: نعم اما الرجل إذا نام فان روحه تخرج مثل شعاع الشمس فتعلق بالريح
والريح بالهوى فإذا أراد الله ان ترجع جذب الهوى الريح وجذب الريح الروح
فرجعت إلى البدن وإذا أراد الله ان يقبضها جذب الهوى الريح وجذبت الريح
الروح فيقبضها إليه واما الرجل الذي ينسى الشئ ثم يذكره فما من أحد إلا على
رأس فؤاده حقة مفتوحة الرأس فإذا سمع الشئ وقع فيها فإذا أراد الله ان ينسيها
أطبق عليها وإذا أراد الله ان يذكره فتحها وهذا دليل الإلهية، واما الرجل الذي
يلد له أولاد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة فان الولد يشبه أباه وعمومته وإذا
سبقت ماء المرأة ماء الرجل يشبه أمه وأخواله فالتفت الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام
فقال: أشهد ان لا إله إلا الله ولم أزل أقولها وأشهد ان محمدا عبده ورسوله
ولم أزل أقولها وأشهد انك وصي محمد وخليفته في أمته وأمير المؤمنين حقا حقا
وان الحسن القائم بأمرك من بعدك وان الحسين القائم من بعده بأمره وان علي
ابن الحسين القائم بأمره من بعده وان محمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن
جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ووصي الحسن
ابن علي القائم بالقسط المنتظر الذي يملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا
ثم قام وخرج من باب المسجد فقال أمير المؤمنين عليه السلام للحسن: هذا أخي الخضر
قال: فلما اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا بخبر أصحاب الكهف وخبر الخضر
وموسى وخبر ذي القرنين قالوا قد بقيت مسألة واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ما هي؟ قالوا: متى تقوم الساعة فأنزل الله تعالى (يسألونك عن الساعة إيان
مرساها قل إنما علمها عند ربي... الخ) فهذا كان سبب نزول سورة الكهف وهذه
الآية " يسألونك عن الساعة إيان مرساها " في سورة الأعراف وكان الواجب أن تكون
في هذه السورة وقوله (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) اي
45

يختلطون (ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا
الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا) قال: كانوا
لا ينظرون إلى ما خلق الله من الآيات والسماوات والأرض وقوله: (أفحسب
الذين - إلى قوله - إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا) اي منزلا وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (قل هل ننبئكم بالأخسرين اعمالا الذين
ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا) قال: هم النصارى
والقسيسون والرهبان وأهل الشبهات والأهواء من أهل القبلة والحرورية وأهل
البدع وقال علي بن إبراهيم نزلت في اليهود وجرت في الخوارج (أولئك الذين
كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت اعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) قال:
أي حسنة (ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا) يعني
بالآيات الأوصياء اتخذوها هزوا ثم ذكر المؤمنين بهذه الآيات فقال (ان الذين
آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها
حولا) اي لا يحولون ولا يسألون التحويل عنها واما قوله: (قل لو كان البحر
مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا)
حدثنا محمد بن (جعفر خ ل) احمد عن عبد الله (عبيد الله ط) بن موسى عن الحسن بن علي بن أبي
حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: " خالدين فيها
لا يبغون عنها حولا " قال: خالدين فيها لا يخرجون منها ولا يبغون عنها حولا
قال: لا يريدون بها بدلا قلت قوله " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى الخ "
قال: قد أخبرك ان كلام الله ليس له آخر ولا غاية ولا ينقطع أبدا قلت قوله:
" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا " قال: هذه
نزلت في أبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر جعل الله لهم جنات
الفردوس نزلا اي مأوى ومنزلا، قال: ثم قال قل يا محمد (إنما أنا بشر مثلكم
46

يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا
ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) فهذا الشرك شرك رياء وفي رواية أبي الجارود
عن أبي جعفر عليه السلام قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير قول الله " فمن كان
يرجو لقاء ربه... الخ " فقال: من صلى مراءاة الناس فهو مشرك ومن زكى
مراءاة الناس فهو مشرك ومن صام مراءاة الناس فهو مشرك ومن حج مراءاة الناس
فهو مشرك ومن عمل عملا مما امر الله به مراءاة الناس فهو مشرك ولا يقبل الله
عمل مراءاة.
حدثنا جعفر بن أحمد عن عبيد الله (عبد الله ط) بن موسى عن الحسن (بن حمزة ط) بن علي بن أبي حمزة
عن أبيه والحسين (الحسن ط) بن أبي العلا وعبد الله بن وضاح وشعيب العقرقوفي جميعهم عن
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: إنما أنا بشر مثلكم قال: يعني في الخلق
انه مثلهم مخلوق يوحى إلي - إلى قوله - بعبادة ربه أحدا " قال: لا يتخذ مع
ولاية آل محمد ولاية غيرهم وولايتهم العمل الصالح فمن أشرك بعبادة ربه فقد أشرك
بولايتنا وكفر بها وجحد أمير المؤمنين عليه السلام حقه وولايته قلت قوله: " الذين
كانت أعينهم في غطاء عن ذكري " قال: يعني بالذكر ولاية علي عليه السلام وهو قوله
ذكري، قلت قوله " لا يستطيعون سمعا " قال: كانوا لا يستطيعون إذا ذكر
علي عليه السلام عندهم ان يسمعوا ذكره لشدة بغض له وعداوة منهم له ولأهل بيته
قلت قوله " أفحسب الذين كفروا ان يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا اعتدنا
جهنم للكافرين نزلا " قال (ع): يعنيهما وأشياعهما الذين اتخذوهما
من دون الله أولياء وكانوا يرون انهم بحبهم إياهما انهما ينجيانهم من عذاب الله
وكانوا بحبهما كافرين، قلت قوله " إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا " اي منزلا
فهي لهما ولأشياعهما عتيدة عند الله، قلت قوله: نزلا قال: مأوى ومنزلا.
47

سورة مريم مكية
وآياتها ثمان وتسعون
(بسم الله الرحمن الرحيم كهيعص قال: حدثنا جعفر بن أحمد (محمد ط) عن عبيد الله (عبد الله ط)
عن الحسن بن علي عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال هذه كهيعص
أسماء الله مقطعة واما قوله كهيعص قال الله هو الكافي الهادي العالم (ذو الايادي
الصابر على الأعادي ك) الصادق ذو الايادي العظام وهو قوله كما وصف نفسه
تبارك وتعالى، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله (ذكر رحمة
ربك عبده زكريا) يقول ذكر ربك زكريا فرحمه (إذ نادى ربه نداءا خفيا قال
رب اني وهن العظم مني) يقول الضعف (ولم أكن بدعائك رب شقيا) يقول
لم يكن دعائي خائبا عندك (واني خفت الموالي من ورائي) يقول خفت الورثة
من بعدي (وكانت امرأتي عاقرا) ولم يكن لزكريا يومئذ ولد يقوم مقامه ويرثه
وكانت هدايا بني إسرائيل ونذورهم للاخبار وكان زكريا رئيس الاخبار وكانت
امرأة زكريا أخت مريم بنت عمران بن ما ثان، وبنو ما ثان إذ ذاك رؤساء
بني إسرائيل وبنو ملوكهم وهم من ولد سليمان بن داود فقال زكريا (فهب لي من
لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا يا زكريا إنا نبشرك
بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) يقول لم يسم باسم يحيى أحد قبله (قال
رب انى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) فهو
اليؤس قال (كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا قال
رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) صحيحا من غير
مرض، وعن علي بن إبراهيم قال ثم قص الله عز وجل خبر مريم (ع) فقال:
(واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا) قال: خرجت إلى
48

النخلة اليابسة (فاتخذت من دونهم حجابا) قال في محرابها (فأرسلنا إليها روحنا)
يعني جبرئيل عليه السلام (فتمثل لها بشرا سويا قالت اني أعوذ بالرحمن منك ان كنت
تقيا) يعنى ان كنت من يتقى الله قال لها جبرئيل (إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا) فأنكرت
ذلك لأنها لم يكن في العادة ان تحمل المرأة من غير فحل فقالت (انى يكون لي غلام
ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا) ولم يعلم جبرئيل أيضا كيفية القدرة فقال لها
(كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا)
قال فنفخ في جيبها فحملت بعيسى عليه السلام بالليل فوضعته بالغداة وكان حملها تسع
ساعات من النهار جعل الله لها الشهور ساعات ثم ناداها جبرئيل عليه السلام وهزي إليك
بجذع النخلة اي هزي النخلة اليابسة فهزت، وكان ذلك اليوم سوق فاستقبلها
الحاكة وكانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان فأقبلوا على بغال شهب فقالت
لهم مريم أين النخلة اليابسة؟ فاستهزؤوا بها وزجروها فقالت لهم جعل الله كسبكم
بورا وجعلكم في الناس عارا ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة
اليابسة فقالت لهم مريم جعل الله البركة في كسبكم وأحوج الناس إليكم، فلما بلغت
النخلة أخذها المخاض فوضعت بعيسى عليه السلام فلما نظرت إليه قالت (يا ليتني مت
قبل هذا وكنت نسيا منسيا) ماذا أقول لخالي وماذا أقول لبني إسرائيل
(فناديها) عيسى (من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) اي نهرا
(وهزي إليك بجذع النخلة) اي حركي النخلة (تساقط عليك رطبا جنيا) اي
طيبا وكانت النخلة قد يبست منذ دهر طويل، فمدت يدها إلى النخلة فأورقت
وأثمرت وسقط عليها الرطب الطري فطابت نفسها. فقال لها عيسى قمطيني وسويني
ثم افعلي كذا وكذا فقمطته وسوته وقال لها عيسى (كلي واشربي وقري عينا
فأما ترين من البشر أحدا فقولي اني نذرت للرحمن صوما) وصمتا كذا نزلت
(فلن أكلم اليوم انسيا) ففقدوها في المحراب فخرجوا في طلبها وخرج خالها
49

زكريا فأقبلت وهو في صدرها وأقبلن مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها فلم
تكلمهن حتى دخلت في محرابها فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا (فقالوا لها يا مريم
لقد جئت شيئا فريا أي عظيما من المناهي يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا)
ومعنى قولهم: يا أخت هارون ان هارون كان رجلا فاسقا زانيا فشبهوها به من
أين هذا البلاء الذي جئت به والعار الذي ألزمته لبني إسرائيل، فأشارت إلى
عيسى في المهد فقالوا لها (كيف نكلم من كان في المهد صبيا) فأنطق الله عيسى
ابن مريم عليه السلام فقال: (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا - إلى قوله -
ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) اي يخاصمون فقال الصادق
عليه السلام في قوله " وأوصاني بالصلاة والزكاة " قال زكاة الرؤوس لان كل الناس
ليس لهم أموال وإنما الفطرة على الفقير والغني والصغير والكبير، حدثني محمد بن
جعفر قال حدثني محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد عن يحيى بن المبارك عن
عبد الله بن جبلة عن رجل عن أبي عبد الله صلوات الله عليه في قوله " وجعلني
مباركا أين ما كنت " قال نفاعا.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الامر وهم
في غفلة وهم لا يؤمنون) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد
الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن قوله " وانذرهم يوم الحسرة " قال:
ينادي مناد من عند الله وذلك بعد ما صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار
يا أهل الجنة ويا أهل النار هل تعرفون الموت في صورة من الصور فيقولون لا
فيؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم ينادون جميعا
أشرفوا وانظروا إلى الموت فيشرفون ثم يأمر الله به فيذبح ثم يقال يا أهل الجنة
خلود فلا موت ابدا ويا أهل النار خلود فلا موت ابدا وهو قوله " وانذرهم يوم
الحسرة إذ قضي الامر وهم في غفلة " اي قضي على أهل الجنة بالخلود وعلى أهل
50

النار بالخلود فيها وقوله (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) قال كل شئ خلقه
الله يرثه الله يوم القيامة ثم قص عز وجل قصة إبراهيم عليه السلام فقال: (يا أبت لم تعبد
ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا - إلى قوله - عسى ألا أكون بدعاء
ربى شقيا فلما اعتزلهم) يعنى إبراهيم عليه السلام (وما يعبدون من دون الله وهبنا له
إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا) يعنى لإبراهيم وإسحاق
ويعقوب من رحمتنا، رسول الله صلى الله عليه وآله (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) يعنى
أمير المؤمنين عليه السلام حدثني بذلك أبى عن الحسن بن علي العسكري عليه السلام ثم ذكر
موسى ثم ذكر إسماعيل عليه السلام فقال: " واذكر في الكتاب إسماعيل انه كان صادق
الوعد) قال: وعد وعدا فلننتظر صاحبه سنة وهو إسماعيل بن حزقيل عليه السلام.
وقوله: (واذكر في الكتاب إدريس انه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا
عليا) فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
ان الله تبارك وتعالى غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه وألقاه في جزيرة
من جزائر البحر فبقي ما شاء الله في ذلك البحر فلما بعث الله إدريس (ع) جاز
ذلك الملك إليه فقال: يا نبي الله ادع الله ان يرضى عنى ويرد علي جناحي، قال
نعم فدعا إدريس فرد الله عليه جناحه ورضي عنه قال الملك لإدريس ألك إلي حاجة
قال: نعم أحب أن ترفعني إلى السماء حتى أنظر إلى ملك الموت فإنه لا عيش لي
مع ذكره، فأخذه الملك على جناحه حتى انتهى به إلى السماء الرابعة فإذا ملك
الموت يحرك رأسه تعجبا فسلم إدريس على ملك الموت وقال له: مالك تحرك
رأسك؟ قال: إن رب العزة أمرني ان اقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة
فقلت: يا رب وكيف هذا وغلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام ومن السماء
الرابعة إلى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام ومن السماء الثالثة إلى الثانية خمسمائة
عام وكل سماء وما بينهما كذلك فكيف يكون هذا ثم قبض روحه بين السماء
51

الرابعة والخامسة وهو قوله (ورفعناه مكانا عليا) قال: وسمي إدريس لكثرة
دراسته الكتب وقوله (فخلف من بعدهم خلف) وهو الدني (الردي خ ل)
والدليل على ذلك قوله (أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا)
ثم استثنى عز وجل فقال: (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا - إلى قوله -
لا يسمعون فيها) يعني في الجنة (لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا)
قال ذلك في جنات الدنيا قبل القيامة والدليل على ذلك قوله: بكرة وعشيا فالبكرة
والعشي لا تكون في الآخرة في جنات الخلد وإنما يكون الغدو والعشي في
جنات الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين وتطلع فيها الشمس والقمر.
وقوله عز وجل يحكي قول الدهرية الذين أنكروا البعث فقال: (ويقول
الانسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا أو لا يذكر الانسان أنا خلقناه من قبل
ولم يك شيئا) اي لم يكن ثم ذكره وقوله (وان منكم إلا واردها كان على ربك
حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) يعنى في البحار إذا
تحولت نيرانا يوم القيامة، وفي حديث آخر هي منسوخة بقوله " إن الذين
سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا
محمد بن أحمد (أحمد بن محمد خ ل) بن عيسى عن علي بن الحكم عن الحسين بن أبي
العلا عن أبي عبد الله (ع) في قوله " وان منكم إلا واردها " قال: أما تسمع
الرجل يقول وردنا ماء بني فلان فهو الورد ولم يدخله وقال علي بن إبراهيم في
قوله: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا) قال: عني به الثياب
والأكل والشرب، وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) قال الأثاث المتاع
واما رئيا فالجمال والمنظر الحسن وقال علي بن إبراهيم في قوله (حتى إذا رأوا
ما يوعدون اما العذاب واما الساعة) قال العذاب القتل والساعة الموت وقوله:
(ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) رد على من زعم أن الايمان لا يزيد ولا ينقص
52

وقوله: (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا) قال: الباقيات
الصالحات هو قول المؤمن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
وحدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله (ع) قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيتها قيعان يقق (1) ورأيت
فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما امسكوا فقلت لهم ما لكم
ربما بنيتم وربما أمسكتم؟ فقالوا: حتى تجيئنا النفقة قلت لهم وما نفقتكم؟ فقالوا
قول المؤمن في الدنيا: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فإذا
قال بنينا وإذا امسك أمسكنا وقوله (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين
تؤزهم أزا) قال: نزلت في مانعي الخمس والزكاة والمعروف يبعث الله عليهم
سلطانا أو شيطانا فينفق ما يجب عليه من الزكاة والخمس في غير طاعة الله ويعذبه
الله على ذلك وقوله (فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا) فقال لي: ما هو عندك؟
قلت: عدد الأيام، قال: لا ان الآباء والأمهات ليحصون ذلك ولكن عدد
الأنفاس واما قوله (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم
وردا) فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن شريك العامري عن
أبي عبد الله (ع) قال: سأل علي (ع) رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير قوله: يوم
نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال: يا علي ان الوفد لا يكون إلا ركبانا أولئك
رجال اتقوا الله فأحبهم الله واختصهم ورضي اعمالهم فسماهم الله المتقين ثم قال:
يا علي أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انهم ليخرجون من قبورهم وبياض
وجوههم كبياض الثلج عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن عليهم نعال الذهب شراكها
من لؤلؤ يتلألأ.
وفي حديث آخر قال: إن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق الجنة عليها
رحائل الذهب مكللة بالدر والياقوت وجلالها الإستبرق والسندس وخطامها جدل

(1) قيعان جمع قاع ارض سهلة. يقق محركة ككتف شديد البياض ج. ز
53

الأرجوان (1) وأزمتها من زبرجد فتطير بهم إلى المحشر، مع كل رجل منهم
الف ملك من قدامه وعن يمينه وعن شماله يزفونهم زفا حتى ينتهوا بهم إلى باب
الجنة الأعظم وعلى باب الجنة شجرة، الورقة منها يستظل تحتها مائة الف من الناس
وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية فيسقون منها شربة فيطهر الله قلوبهم من
الحسد ويسقط عن أبشارهم الشعر وذلك قوله: وسقاهم ربهم شرابا طهورا من
تلك العين المطهرة ثم يرجعون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون منها
وهي عين الحياة فلا يموتون ابدا ثم يوقف بهم قدام العرش وقد سلموا من
الآفات والاسقام والحر والبرد ابدا، قال: فيقول الجبار للملائكة الذين معهم
احشروا أوليائي إلى الجنة ولا تقفوهم مع الخلائق فقد سبق رضائي عنهم ووجبت
رحمتي لهم فكيف أريد ان أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات فتسوقهم
الملائكة إلى الجنة فإذا انتهوا إلى باب الجنة الأعظم ضربوا الملائكة الحلقة ضربة
فتصر صريرا فيبلغ صوت صريرها كل حوراء خلقها الله وأعدها لأوليائه
فيتباشرن إذا سمعن صرير الحلقة ويقول بعضهن لبعض قد جاءنا أولياء الله فيفتح
لهم الباب فيدخلون الجنة فيشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين
فيقلن مرحبا بكم فما كان أشد شوقنا إليكم، ويقول لهن أولياء الله مثل ذلك،
فقال علي (ع): من هؤلاء يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله: يا علي هؤلاء شيعتك
وشيعتنا المخلصون (لولايتك ط) وأنت إمامهم وهو قول الله: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن
وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع)
في قوله (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا) وذلك أن العاص

(1) الجدل: كصحف جمع الجديل وهو الحبل المفتول، والأرجوان:
شجرة طيبة الرائحة زهرها وردي تظهر في مطلع الربيع. ج. ز.
54

ابن وائل بن هشام القرشي ثم السهمي وهو أحد المستهزئين وكان لخباب بن
الأرت على العاص بن وائل حق فأتاه يتقاضاه، فقال له العاص: ألستم تزعمون أن
في الجنة الذهب والفضة والحرير قال بلى قال فموعد ما بيني وبينك الجنة فوالله
لأوتين فيها خيرا مما أوتيت في الدنيا (كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم
ضدا) الضد القرين الذي يقترن به.
حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبيد الله (عبد الله ط) بن موسى قال: حدثنا الحسن
ابن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في قوله:
(واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون
عليهم ضدا) يوم القيامة اي يكونون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله
عليهم ضدا ويوم القيامة ويتبرؤون منهم وعن عبادتهم إلى يوم القيامة ثم قال:
ليست العبادة هي السجود ولا الركوع وإنما هي طاعة الرجال، من أطاع مخلوقا في
معصية الخالق فقد عبده وقوله " إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا "
قال: لما طغوا فيها وفي فتنتها وفي طاعتهم مد لهم في طغيانهم وضلالهم ارسل عليهم
شياطين الإنس والجن تؤزهم أزا اي تنخسهم نخسا (1) وتحضهم على طاعتهم
وعبادتهم فقال الله: " ولا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا " اي في طغيانهم
وفتنهم وكفرهم.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند
الرحمن عهدا) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن سليمان بن جعفر عن أبيه
عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من لم
يحسن وصيته عند الموت كان نقص في مروته، قلت: يا رسول الله وكيف يوصي

(1) نخس الدابة اي غرز جنبها بعود ونحوه فهاجت. ج. ز.
55

الميت عند الموت؟ قال: إذا حضرته الوفاة واجتمع الناس إليه قال: اللهم فاطر
السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اني أعهد إليك في دار الدنيا
اني اشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأشهد ان محمدا عبدك
ورسولك وان الجنة حق وان النار حق وان البعث حق والحساب حق والقدر
والميزان حق وان الدين كما وصفت وان الاسلام كما شرعت وان القول كما حدثت
وان القرآن كما أنزلت وانك أنت الله الملك الحق المبين جزى الله محمدا خير الجزاء
وحي الله محمدا وآله بالسلام اللهم يا عدتي عند كربتي ويا صاحبي عند شدتي
ويا وليي في نعمتي يا إلهي وإله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فإنك ان تكلني
إلى نفسي كنت أقرب من الشر وأبعد من الخير وأسري في الفتن وحدي فآنس
في القبر وحشتي واجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا ثم يوصي بحاجته وتصديق
هذه الوصية في سورة مريم في قوله: (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند
الرحمن عهدا) فهذا عهد الميت والوصية حق على كل مسلم ان يحفظ هذه الوصية
ويتعلمها وقال علي (ع): علمنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: علمنيها جبرئيل (ع).
وقوله: (لقد جئتم شيئا إدا) اي ظلما واما قوله: (ان الذين آمنوا
وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) فإنه قال الصادق (ع): كان سبب نزول
هذه الآية ان أمير المؤمنين (ع) كان جالسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
له قل يا علي " اللهم اجعل لي في قلوب المؤمنين ودا فأنزل الله: ان الذين آمنوا
وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ثم خاطب الله عز وجل نبيه فقال: (إنما
يسرناه بلسانك) يعني القرآن (لنبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا) قال أصحاب
الكلام والخصومة ثم ذكر الفرق الهالكة فقال: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن
هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) اي حسا.
حدثنا جعفر بن أحمد عن عبيد الله (عبد الله ط) بن موسى عن الحسن بن علي بن
56

أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: " ولا يملكون
الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " قال لا يشفع ولا يشفع لهم ولا يشفعون
إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا إلا من أذن له بولاية أمير المؤمنين والأئمة
عليهم السلام من بعده فهو العهد عند الله قلت قوله " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا "
قال: هذا حيث قالت قريش ان لله ولدا وان الملائكة إناث، فقال الله تبارك
وتعالى ردا عليهم " لقد جئتم شيئا إدا " اي عظيما (تكاد السماوات يتفطرن
منه) يعنى مما قالوه ومما موهوا به (رموه به خ ل) (وتنشق الأرض وتخر الجبال
هدا) مما قالوا (ان دعوا للرحمن ولدا) فقال الله تبارك وتعالى (وما ينبغي
للرحمن ان نتخذ ولدا ان كل من في السماوات والأرض إلا اتى الرحمن عبدا لقد
أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيمة فردا) واحدا واحدا، قلت قوله
(ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) قال: ولاية
أمير المؤمنين عليه السلام هي الود الذي ذكره الله، قلت قوله (فإنما يسرناه بلسانك
لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا) قال إنما يسره الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله
حتى أقام أمير المؤمنين عليه السلام علما فبشر به المؤمنين وأنذر به الكافرين وهم القوم
الذين ذكرهم الله قوما لدا اي كفارا، قلت قوله (وكم أهلكنا قبلهم من قرن
هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) قال أهلك الله من الأمم ما لا يحصون
له فقال يا محمد (هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) اي ذكرا.
سورة طه مكية
وآياتها مأة وخمس وثلاثون
(بسم الله الرحمن الرحيم طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) فإنه حدثني
أبي عن القاسم بن محمد عن علي بن (أبى حمزة عن ط) أبي بصير عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما
57

السلام قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورمت
(تبرم ك) فأنزل الله تبارك وتعالى طه بلغة طي يا محمد ما أنزلنا عليك القرآن
لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى وقوله: (له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما
وما تحت الثرى) فإنه حدثني أبي عن علي بن مهزيار عن علاء (بن ط) المكفوف عن بعض
أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الأرض على اي شئ هي؟ قال: على
الحوت (1) قيل له فالحوت على اي شئ هو؟ قال: على الماء فقيل له فالماء على

(1) لا ينبغي للعاقل ان يكذب كل شئ بمجرد ان يستنكره عقله، لان
عقل الانسان في قبال مصنوعات العالم قليل فكيف قبال صانعها، فان الذي يحكم
لكثير من الأشياء بالاستحالة لأجل كونه بعيدا عن عقله سوف يأتي عليه زمان
يرى نفسه على الخطأ ثم يتلقى ما كذبه بأحسن قبول. والشاهد على ذلك
تطورات الفلاسفة وأفكارهم المتغيرة بالنسبة إلى حركة الأرض وسكونها وتقسيم
الجسم إلى أجزاء لا تتجزى وعدمه وغير ذلك من أقاويل الفلاسفة التي سنحت
فيها التطورات كل يوم - فالعجب ممن يعتنق بهذه الأفكار التي لا ثبات لها
يوما ما كيف ينكر شيئا ورد في الحديث لأجل عدم كونه منطبقا على تلك
الأفكار التي ليس لها قرار، مع أن العلم الانساني المترقي يفهم أحيانا بعض
الاسرار المودعة فيه.
ومن هذا القبيل هذا الحديث المظهر بكون الأرض على الحوت، فإنهم
كانوا يكذبونه ويتخذونه سخرة، بأنه كيف تكون الأرض التي وزنها معادل
(5981019 تنا) على حوت وكيف تدور الأرض حول الشمس على هذا الحوت؟
نقول في جواب هذه الاشكالات انه من المحتمل أن يكون المراد من
الحوت الكوكب المعروف ب‍ (الحوت) وقد تبين من إرسال أمريكا وروسيا
الأقمار الصناعية في الجو حيث جعلت تدور حول الأرض بنفسها بدون محرك
ظاهر، ان مركز تدويرها وتدوير الأرض الشمس وواحدة من تلك الكواكب السابحة
في الفضاء، فمن الممكن أن يكون هذا المركز هو الكوكب (اي البرج الحوت)
فيصدق حينئذ القول بأن الأرض قائمة عليه وهو سابح في الجو المشابه بالماء،
والمراد من الثرى في الحديث ما وراء هذا الجو الفسيح، وعليه يحمل ما في الخبر
الآتي من قيام الحوت على الماء والماء على الصخرة والصخرة على قرن الثور،
لامكان ان يراد من الصخرة كوكب مجهول لم يستكشف بعد، ومن الثور كوكب
مسمى بالثور أحد الأبراج الاثنتي عشرة. ج. ز.
58

اي شئ هو؟ قال: على الثرى، قيل له فالثرى على اي شئ هو؟ قال: عند
دلك انقضى علم العلماء حدثنا محمد بن أبي عبد الله قال: حدثنا سهل بن زياد عن
الحسن بن محبوب عن محمد بن مارد ان أبا عبد الله عليه السلام سئل عن قول الله جل
اسمه (الرحمن على العرش استوى) قال استوى من كل شئ فليس شئ أقرب
إليه من شئ، وعنه عن سهل عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن ابان
ابن تغلب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأرض على اي شئ هي؟ قال: على
الحوت قلت فالحوت على اي شئ هو؟ قال: على الماء قلت فالماء على اي شئ
هو؟ قال على الصخرة قلت فعلى اي شئ الصخرة؟ قال على قرن ثور أملس قلت
فعلى اي شئ الثور؟ قال على الثرى قلت فعلى اي شئ الثرى؟ فقال هيهات
عند ذلك ضل علم العلماء.
وقوله: (وان تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) قال السر ما أخفيته
وأخفى ما خطر ببالك ثم نسيته ثم قص عز وجل قصة موسى عليه السلام فقال: (وهل
أتاك حديث موسى) يعني قد أتاك حديث موسى (ع) ونكتب خبره في سورة
59

القصص وقوله (اخلع نعليك) قال: كانتا من جلد حمار ميت (أنا اخترتك فاستمع
لما يوحى انني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري) قال: إذا
نسيتها ثم ذكرتها فصلها، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله
(آتيكم منها بقبس) يقول آتيكم بقبس من النار تصطلون من البرد وقوله (أو
أجد على النار هدى) كان قد أخطأ الطريق يقول أو أجد على النار طريقا وقوله
(أهش بها على غنمي) يقول اخبط بها الشجر لغنمي (ولي فيها مآرب أخرى)
فمن الفرق لم يستطع الكلام فجمع كلامه فقال (ولي فيها مآرب أخرى) يقول
حوائج أخرى، قال علي بن إبراهيم في قوله (إن الساعة آتية أكاد أخفيها) قال
من نفسي هكذا نزلت قيل كيف يخفيها من نفسه قال جعلها من غير وقت وقوله
(وفتناك فتونا) اي اختبرناك اختبارا (فلبثت سنين في أهل مدين) يعني عند
شعيب وقوله (اصطنعتك لنفسي) اي اخترتك (اذهب أنت وأخوك بآياتي
ولا تنيا في ذكري) اي لا تضعفا (اذهبا إلى فرعون انه طغى فقولا له قولا
لينا لعله يتذكر أو يخشى) وقد ذهب بعض المعتزلة في قوله: لعله يتذكر أو
يخشى انه لم يعلم عز وجل ان فرعون لا يتذكر ولا يخشى وقد ضلوا في تأويلهم
واعلم أن الله قال لموسى (ع) حين أرسله إلى فرعون إئتياه (فقولا له قولا لينا
لعله يتذكر أو يخشى) وقد علم أنه لا يتذكر ولا يخشى ولكن ليكون احرص لموسى
على الذهاب وآكد في الحجة على فرعون.
وحدثني هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال: حدثني رجل من
بني عدي بن حاتم عن أبيه عن جده عدي بن حاتم وكان مع علي صلوات الله عليه
وآله في حروبه ان عليا (ع) قال ليلة الهرير بصفين حين التقى مع معاوية رافعا
صوته يسمع أصحابه: لأقتلن معاوية وأصحابه ثم قال في آخر قوله: إن شاء
الله تعالى، يخفض به صوته وكنت منه قريبا فقلت: يا أمير المؤمنين انك حلفت
60

على ما قلت ثم استثنيت فما أردت بذلك؟ فقال: إن الحرب خديعة وأنا عند
أصحابي صدوق، فأردت ان أطمع أصحابي في قولي كيلا يفشلوا ولا يفروا
فافهم فإنك تنتفع بها بعد اليوم إن شاء الله واما قوله (إن في ذلك لآيات لأولي
النهى) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن مروان عن
أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن قول الله عز وجل: إن في ذلك لآيات لأولي
النهى قال: نحن والله أولو النهى فقلت جعلت فداك وما معنى اولي النهى؟ قال
ما اخبر الله به رسوله مما يكون بعده من ادعاء فلان الخلافة والقيام بها والاخر من بعده والثالث من بعدهما وبني أمية فأخبر رسول الله
صلى الله عليه وآله وكان ذلك كما اخبر الله به نبيه وكما أخبر رسول الله عليا وكما انتهى الينا من
علي فيما يكون من بعده من الملك في بني أمية وغيرهم فهذه الآية التي ذكرها الله
في الكتاب: إن في ذلك لآيات لأولي النهى الذي انتهى الينا علم هذا كله فصبرنا
لامر الله فنحن قوام الله على خلقه وخزانه على دينه نخزنه ونسره ونكتتم به من
عدونا كما اكتتم رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أذن الله له في الهجرة وجاهد المشركين
فنحن على منهاج رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يأذن الله لنا في إظهار دينه بالسيف
وندعو الناس إليه فنضربهم عليه عودا كما ضربهم رسول الله صلى الله عليه وآله بدءا قوله:
(واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) قال: إلى الولاية، حدثنا
أحمد بن علي قال حدثنا الحسن بن عبد الله (الحسين بن عبيد الله ط) عن السندي بن محمد عن ابان عن الحارث
ابن يحيى عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل
صالحا ثم اهتدى، قال: ألا ترى كيف اشترط ولم ينفعه التوبة والايمان والعمل
الصالح حتى اهتدى والله لو جهد ان يعمل بعمل ما قبل منه حتى يهتدي، قلت: إلى
من؟ جعلني الله فداك قال الينا، وقوله: (فانا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم
السامري) قال بالعجل الذي عبده وكان سبب ذلك ان موسى لما وعده الله ان ينزل
عليه التوراة والألواح إلى ثلاثين يوما اخبر بني إسرائيل بذلك وذهب إلى
61

الميقات وخلف هارون على قومه فلما جاءت الثلاثون يوما ولم يرجع موسى إليهم
غضبوا وأرادوا ان يقتلوا هارون، قالوا: إن موسى كذبنا وهرب منا فجاءهم
إبليس في صورة رجل فقال لهم: إن موسى قد هرب منكم ولا يرجع إليكم ابدا
فاجمعوا لي حليكم حتى أتخذ لكم إلها تعبدونه وكان السامري على مقدمة موسى
يوم أغرق الله فرعون وأصحابه فنظر إلى جبرئيل وكان على حيوان في صورة
رمكة (1) فكانت كلما وضعت حافرها على موضع من الأرض تحرك ذلك الموضع
فنظر إليه السامري وكان من خيار أصحاب موسى فأخذ التراب من تحت حافر
رمكة جبرئيل وكان يتحرك فصره في صرة وكان عنده يفتخر به على بني إسرائيل
فلما جاءهم إبليس واتخذوا العجل قال للسامري هات التراب الذي معك فجاء به
السامري فألقاه إبليس في جوف العجل فلما وقع التراب في جوفه تحرك وخار
ونبت عليه الوبر والشعر، فسجد له بنو إسرائيل فكان عدد الذين سجدوا سبعين
ألفا من بني إسرائيل فقال لهم هارون كما حكى الله (يا قوم إنما فتنتم به وان ربكم
الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع الينا
موسى) فهموا بهارون حتى هرب من بينهم وبقوا في ذلك حتى تم ميقات موسى
أربعين ليلة، فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة انزل الله عليه الألواح فيها التوراة
وما يحتاجون إليه من أحكام السير والقصص ثم أوحى الله إلى موسى: إنا قد
فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري وعبدوا العجل وله خوار فقال موسى
عليه السلام يا رب العجل من السامري فالخوار ممن؟ فقال مني يا موسى انى لما رأيتهم
قد ولوا عني إلى العجل أحببت ان أزيدهم فتنة، فرجع موسى كما حكى الله عز وجل
إلى قومه غضبان أسفا (قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد

(1) الرمكة: كرقبة الأنثى من البراذين جمعه رماك كرقاب. ج. ز.
62

أم أردتم ان يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي) ثم رمى بالألواح وأخذ
بلحية أخيه هارون ورأسه يجره إليه فقال (يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا
ألا تتبعن أفعصيت أمري) فقال هارون كما حكى الله (يا بن أم لا تأخذ بلحيتي
ولا برأسي انى خشيت ان تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) فقال
له بنو إسرائيل: (ما أخلفنا موعدك بملكنا) قال ما خالفناك (ولكنا حملنا
أوزارا من زينة القوم) يعنى من حليتهم (فقذفناها) قال: يعني التراب الذي
جاء به السامري طرحناه في جوفه ثم أخرج السامري العجل وله خوار فقال له
موسى (ما خطبك يا سامري؟) قال السامري (بصرت بما لم يبصروا به فقبضت
قبضة من أثر الرسول فنبذتها) يعني من تحت حافر رمكة جبرئيل في البحر فنبذتها
اي أمسكتها (وكذلك سولت لي نفسي) اي زينت، فأخرج موسى العجل
فأحرقه بالنار وألقاه في البحر ثم قال موسى للسامري (فاذهب فان لك في الحياة
ان تقول لا مساس) يعني ما دمت حيا (1) وعقبك هذه العلامة فيكم قائمة ان تقول
لا مساس يعني حتى تعرفوا انكم سامرية فلا يغتر بكم الناس فهم إلى الساعة بمصر
والشام معروفون ب‍ " لا مساس " ثم هم موسى بقتل السامري فأوحى الله إليه
لا تقتله يا موسى فإنه سخي فقال له: (انظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا
لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شئ
علما) قيل وان من عبد العجل انكر عند موسى عليه السلام انه لم يسجد له، فأمر
موسى عليه السلام ان يبرد العجل بالمبارد وألقى برادته في الماء ثم أمر بني إسرائيل ان
يشرب كل منهم من ذلك الماء فالذين كانوا سجدوا يظهر له من البرادة شئ فعند
ذلك استبان من خالف ممن ثبت على إيمانه.
فحدثني أبى عن الحسن بن محبوب بن سعيد عن علي بن أبي حمزة عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: ما بعث الله رسولا إلا وفي وقته شيطانان يؤذيانه

(1) وفى الصافي خوفا ان يمسك أحد فيأخذك الحمى ومن مسك فتحامى الناس وتحاموك وتكون
طريدا وحيدا كالوحشي النافر. ج - ز
63

وبفتنانه ويضلان الناس بعده وقد ذكرنا هذا الحديث في تفسير: وكذلك جعلنا
لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن في سورة الأنعام (1) وقوله (ونحشر المجرمين
يومئذ زرقا) تكون أعينهم مزرقة لا يقدرون ان يطرفوها وقوله (يتخافتون
بينهم) قال يوم القيامة يشير بعضهم إلى بعض انهم لم يلبثوا إلا عشرا (قال الله
نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة) قال أعلمهم وأصلحهم يقولون (ان
لبثتم إلا يوما) ثم خاطب الله نبيه عليه وآله والسلام فقال (ويسألونك عن الجبال
فقل ينسفها ربى نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) قال
الامت الارتفاع والعوج الحزون والذكوات (2) وقوله (يومئذ يتبعون الداعي
لا عوج له) قال مناديا من عند الله.
وقوله: (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا) فإنه حدثني أبي
عن الحسن بن محبوب عن أبي محمد الوايشي عن أبي الورد عن أبي جعفر عليه السلام قال
إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد وهم حفاة عراة فيوقفون في
المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا وتشتد أنفاسهم فيمكثون في ذلك خمسين عاما
وهو قول الله: وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا، قال ثم ينادي
مناد من تلقاء العرش أين النبي الأمي؟ فيقول الناس قد أسمعت فسم باسمه فينادي
أين نبي الرحمة أين محمد بن عبد الله الأمي، فيقدم رسول الله صلى الله عليه وآله أمام الناس
كلهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة وصنعاء فيقف عليه فينادى بصاحبكم
فيقدم علي عليه السلام أما الناس فيقف معه ثم يؤذن للناس فيمرون فبين وارد الحوض

(1) راجع الجزء الأول ص 214 من هذا الكتاب.
(2) الذكوات جمع ذكاة: الجمرة الملتهبة من الحصى ومنه الحديث: قبر
علي عليه السلام بين ذكوات بيض. مجمع
64

يومئذ وبين مصروف عنه فإذا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله من يصرف من محبينا يبكي
ويقول: يا رب شيعة علي قال: فيبعث الله إليه ملكا فيقول له: ما يبكيك يا محمد؟
فيقول: أبكي لأناس من شيعة علي أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النار ومنعوا
ورود حوضي قال فيقول الملك ان الله يقول قد وهبتهم لك يا محمد وصفحت لهم
عن ذنوبهم بحبهم لك ولعترتك وألحقتهم بك وبمن كانوا يتولون به وجعلناهم في
زمرتك فأوردهم حوضك، فقال أبو جعفر عليه السلام: فكم من باك يومئذ وباكية
ينادون يا محمداه إذا رأوا ذلك ولا يبقى أحد يومئذ يتولانا ويحبنا ويتبرأ من
عدونا ويبغضهم إلا كانوا في حزبنا ومعنا ويردون حوضنا.
وقوله: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) قال ما بين
أيديهم ما مضى من اخبار الأنبياء وما خلفهم من اخبار القائم عليه السلام وقوله:
(وعنت الوجوه للحي القيوم) اي ذلت واما قوله (أو يحدث لهم ذكرا) يعني
ما يحدث من أمر القائم عليه السلام والسفياني وقوله (لا تعجل بالقرآن من قبل ان
يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا نزل
عليه القرآن بادر بقراءته قبل تمام نزول الآية والمعنى فأنزل الله عز وجل (ولا
تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى إليك وحيه) اي تفرغ من قراءته (وقل رب زدني
علما) وقوله (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) قال فيما نهاه عنه
اكل الشجرة وقد روي فيه غير هذا وقوله (ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة
ضنكا) اي ضيقة أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد عن عمر بن
عبد العزيز عن إبراهيم بن المستنير عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
عن قول الله إن له معيشة ضنكا قال هي والله النصاب، قال جعلت فداك قد
رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتى ماتوا، قال ذلك والله في الرجعة يأكلون
العذرة. وعنه عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن المفضل بن صالح عن جابر
65

عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له
عزما قال عهد إليه في محمد صلى الله عليه وآله والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم فيهم انهم
هكذا وإنما سموا أولو العزم انه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده والقائم عليه السلام
وسيرته فأجمع عزمهم ان ذلك كذلك والاقرار به.
قال علي بن إبراهيم في قول الله (ونحشره يوم القيمة أعمى) حدثنا أبي
عن ابن أبي عمير وفضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن
رجل لم يحج قط وله مال قال هو ممن قال الله: ونحشره يوم القيامة أعمى قلت
سبحان الله أعمى قال أعماه الله عن طريق الجنة وقوله (وكذلك اليوم تنسى)
اي تترك وقوله (إن في ذلك لآيات لأولي النهى) قال نحن أولو النهى وقوله
(ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما) قال ما كان ينزل بهم العذاب ولكن قد
قد أخرهم الله إلى أجل مسمى وقوله (ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار)
قال بالغداة والعشي قوله (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة
الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) قال أبو عبد الله عليه السلام لما نزلت
هذه الآية استوى رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا ثم قال من لم يتعز بعزاء الله
تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ومن اتبع بصره ما في أيدي الناس طال همه ولم
يشف غيظه ومن لم يعرف ان لله عليه نعمة إلا في مطعم أو في مشرب قصر أجله
ودنا عذابه وقوله (وامر أهلك بالصلاة) اي أمتك (واصطبر عليها لا نسئلك
رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) قال للمتقين فوضع الفعل مكان المفعول واما
قوله (قل كل متربص فتربصوا) اي انتظروا امرا (فستعلمون من أصحاب
الصراط السوي ومن اهتدى) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن
رئاب قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام نحن والله سبيل الله الذي امر الله باتباعه ونحن
والله الصراط المستقيم ونحن والله الذين امر الله العباد بطاعتهم فمن شاء فليأخذ
66

هنا ومن شاء فليأخذ من هناك لا يجدون والله عنا محيصا.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (لا يخاف ظلما ولا
هضما) يقول لا ينقص من عمله شئ واما ظلما يقول لن يذهب به واما قوله
(كذلك أتتك آياتنا فنسيتها) يقول اي تركتها فلم تعمل بها (وكذلك اليوم
تنسى) يقول تترك في العذاب وقوله (وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) فان الله
امره ان يخص أهله دون الناس ليعلم الناس ان لأهل محمد صلى الله عليه وآله عند الله منزلة خاصة
ليست للناس إذ أمرهم مع الناس عامة ثم أمرهم خاصة فلما انزل الله هذه الآية كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يجئ كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي وفاطمة
والحسن والحسين عليهم السلام فيقول: " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته "
فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته
ثم يأخذ بعضادتي الباب ويقول الصلاة الصلاة يرحمكم الله " إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " فلم يزل يفعل ذلك كل يوم إذا شهد
المدينة حتى فارق الدنيا. وقال أبو الحمراء خادم النبي صلى الله عليه وآله أنا اشهد به يفعل ذلك
وقوله (أفلم يهد لهم) يقول يبين لهم وقوله (لكان لزاما) قال اللزام الهلاك
وقوله (قاعا صفصفا) فالقاع الذي لا تراب عليه والصفصف الذي لا نبات له.
سورة الأنبياء مكية الجزء (17)
وآياتها مأة واثنتا عشر
(بسم الله الرحمن الرحيم اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) قال
قربت القيامة والساعة والحساب ثم كنى عن قريش فقال (ما يأتيهم من ذكر من
ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم) قال من التلهي وقوله:
(أفتأتون السحر وأنتم تبصرون) اي تأتون محمدا وهو ساحر ثم قال قل لهم
67

يا محمد (ربي يعلم القول في السماء والأرض) يعني ما يقال في السماء والأرض ثم
حكى الله قول قريش فقال: (بل قالوا أضغاث أحلام بل أفتريه) اي هذا الذي
يخبرنا به محمد صلى الله عليه وآله يراه في النوم وقال بعضهم بل أفتريه اي يكذب وقال بعضهم
(بل هو شاعر فليأتنا بآية كما ارسل الأولون) فرد الله عليهم فقال: (ما آمنت
قبلهم من قربة أهلكناها أفهم يؤمنون) قال كيف يؤمنون ولم يؤمن من كان
قبلهم بالآيات حتى هلكوا.
وقوله: (فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) قال آل محمد هم أهل
الذكر حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن محمد عن أبي داود (عن ط) سليمان بن
سفيان عن ثعلبه (تغلبة ط) عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: فسألوا أهل الذكر ان
كنتم لا تعلمون من المعنون بذلك؟ فقال: نحن والله، فقلت فأنتم المسؤولون قال
نعم قلت ونحن السائلون قال نعم قلت فعلينا ان نسألكم قال نعم قلت وعليكم ان
تجيبونا قال لا ذلك الينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا تركنا ثم قال: هذا عطاؤنا
فامنن أو امسك بغير حساب وقال علي بن إبراهيم في قوله (وكم قصمنا من قرية)
يعني أهل قرية (كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا) يعني
بني أمية إذا أحسوا بالقائم من آل محمد (إذا هم منها يركضون لا تركضوا
وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون) يعني الكنوز التي كنزوها
قال فيدخل بنو أمية إلى الروم إذا طلبهم القائم عليه السلام ثم يخرجهم من الروم ويطالبهم
بالكنوز التي كنزوها فيقولوا كما حكى الله (يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك
دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين) قال بالسيف وتحت ظلال السيوف وهذا
كله مما لفظه ماض ومعناه مستقبل وهو مما ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله وقوله:
(وله من في السماوات والأرض ومن عنده) يعني من الملائكة (لا يستكبرون
عن عبادته ولا يستحسرون) اي لا يضعفون وقوله (لو كان فيهما آلهة إلا الله
68

لفسدتا) فإنه رد على الثنوية ثم قطع عز وجل حجة الخلق فقال: (لا يسئل عما
يفعل وهم يسئلون) وقوله (هاتوا برهانكم) أي حجتكم (هذا ذكر من معي)
اي خبري (وذكر من قبلي) اي خبرهم وقوله (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه
بل عباد مكرمون) قال هو ما قالت النصارى ان المسيح ابن الله وما قالت اليهود
عزير ابن الله، وقالوا في الأئمة ما قالوا فقال الله عز وجل إبطالا له بل عباد
مكرمون يعني هؤلاء الذين زعموا انهم ولد الله وجواب هؤلاء الذين زعموا ذلك
في سورة الزمر في قوله: لو أراد الله ان يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء
سبحانه قوله: (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم) قال من
زعم أنه إمام وليس هو بامام واما قوله: (أو لم ير الذين كفروا ان السماوات
والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) فإنه حدثني أبي عن علي بن الحكم عن سيف بن
عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (ع) قال خرج هشام بن عبد الملك
حاجا ومعه الأبرش الكلبي فلقيا أبا عبد الله (ع) في المسجد الحرام فقال هشام
للأبرش تعرف هذا؟ قال: لا، قال: هذا الذي تزعم الشيعة انه نبي من كثرة
علمه فقال الأبرش لأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي فقال
هشام وددت انك فعلت ذلك، فلقي الأبرش أبا عبد الله (ع) فقال يا أبا عبد الله
أخبرني عن قول الله " أو لم ير الذين كفروا ان السماوات والأرض كانتا رتقا
ففتقناهما " فبما كان رتقهما وبما كان فتقهما؟ فقال أبو عبد الله (ع): يا أبرش هو كما وصف نفسه
وكان عرشه على الماء والماء على الهواء والهواء لا يحد ولم يكن يومئذ خلق غيرهما
والماء يومئذ عذب فرات فلما أراد ان يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى
صار موجا ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من
ربد ثم دحا الأرض من تحته فقال الله تبارك وتعالى " ان أول بيت وضع للناس
للذي ببكة مباركا " ثم مكث الرب تبارك وتعالى ما شاء فلما أراد ان يخلق
69

السماء امر الرياح فضربت البحور حتى أزبدت بها فخرج من ذلك الموج والزبد
من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء وجعل فيها البروج والنجوم
ومنازل الشمس والقمر وأجراها في الفلك وكانت السماء خضراء على لون الماء
الأخضر وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب وكانتا مرتوقتين ليس لهما
أبواب ولم يكن للأرض أبواب وهي النبت ولم تمطر السماء عليها فتنبت ففتق السماء
بالمطر وفتق الأرض بالنبات وذلك قوله: " أو لم ير الذين كفروا ان السماوات
والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " فقال الأبرش والله ما حدثني بمثل هذا الحديث
أحد قط أعد علي فأعاد عليه وكان الأبرش ملحدا فقال: أنا اشهد انك ابن نبي
ثلاث مرات.
وقوله: (وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون) قال نسب كل شئ
إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا إلى غيره وقوله: (وجعلنا السماء سقفا محفوظا)
يعني من الشياطين اي لا يسترقون السمع واما قوله: (وما جعلنا لبشر من قبلك
الخلد أفإن مت فهم الخالدون) فإنه لما اخبر الله نبيه بما يصيب أهل بيته بعده وادعاء من ادعى الخلافة دونهم، اغتم
رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله عز وجل (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن
مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة) اي نختبرهم
(والينا ترجعون) فاعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ان لابد ان تموت كل نفس، وقال
أمير المؤمنين عليه السلام يوما وقد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال كأن الموت
فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق على غيرنا وجب، وكأن الذين نشيع من
الأموات سفر عما قليل الينا راجعون ننزلهم أجداثهم ونأكل تراثهم كانا مخلدون
بعدهم، قد نسينا كل واعظة ورمينا بكل حايجة أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه
عن عيوب الناس وتواضع من غير منقصة وجالس أهل الفقه والرحمة وخالط أهل
الذل والمسكنة وأنفق مالا جمعه في غير معصية، أيها الناس طوبى لمن ذلت نفسه
70

وطاب كسبه وصلحت سريرته وحسنت خليقته وأنفق الفضل من ماله وأمسك
الفضل من كلامه وعدل عن الناس شره ووسعته السنة ولم يتعد إلى البدعة، أيها
الناس طوبى لمن لزم بيته واكل كسرته وبكى على خطيئته وكان من نفسه في شغل
والناس منه في راحة.
وقوله: (خلق الانسان من عجل) قال لما اجرى الله في آدم روحه من قدميه
فبلغت الروح إلى ركبتيه أراد ان يقوم فلم يقدر فقال عز وجل خلق الانسان
ومن عجل وقوله (ونضع الموازين القسط) ليوم القيامة قال المجازات (وإن كان
مثقال حبة من خردل أتينا بها) اي جازينا بها وهي ممدودة آتينا بها.
ثم حكى عز وجل قول إبراهيم لقومه وأبيه فقال: (ولقد آتينا إبراهيم
رشده من قبل - إلى قوله - بعد ان تولوا مدبرين) قال فلما نهاهم إبراهيم عليه السلام
واحتج عليهم في عبادتهم الأصنام فلم ينتهوا فحضر عيد لهم فخرج نمرود وجميع
أهل مملكته إلى عيد لهم وكره ان يخرج إبراهيم معه فوكله ببيت الأصنام فلما
ذهبوا عمد إبراهيم إلى طعام فأدخله بيت أصنامهم فكان يدنو من صنم صنم ويقول له
كل وتكلم فإذا لم يجبه أخذ القدوم فكسر يده ورجله حتى فعل ذلك بجميع الأصنام
ثم علق القدوم في عنق الكبير منهم الذي كان في الصدر فلما رجع الملك ومن
معه من العيد نظروا إلى الأصنام مكسرة فقالوا: (من فعل هذا بآلهتنا انه لمن
الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) وهو ابن آزر (1) فجاؤوا به إلى
نمرود فقال نمرود لآزر خنتني وكتمت هذا الولد عني فقال أيها الملك هذا عمل
أمه وذكرت انى أتقوم بحجته، فدعا نمرود أم إبراهيم فقال ما حملك على أن
كتمتني امر هذا الغلام حتى فعل بآلهتنا ما فعل؟ فقالت أيها الملك نظرا مني

(1) راجع حاشيتنا في الجزء الأول من هذا الكتاب ص 206. ج. ز
71

لرعيتك قال وكيف ذلك؟ قالت رأيتك تقتل أولاد رعيتك فكان يذهب النسل
فقلت: إن كان هذا الذي تطلبه دفعته إليك لتقتله وتكف عن قتل أولاد الناس
وإن لم يكن ذلك بقي لنا ولدنا وقد ظفرت به فشأنك فكف عن أولاد الناس
فصوب رأيها ثم قال لإبراهيم عليه السلام: من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال إبراهيم
(فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون) فقال الصادق عليه السلام والله ما فعله كبيرهم
وما كذب إبراهيم فقيل وكيف ذلك؟ قال إنما قال فعله كبيرهم هذا ان نطق وإن
لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئا، فاستشار نمرود قومه في إبراهيم (فقالوا
حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين) فقال الصادق (ع) كان فرعون إبراهيم
لغير رشد وأصحابه لغير رشد (فرعون إبراهيم لغير رشده وأصحابه لغير
رشدهم - ك -) فإنهم قالوا لنمرود: حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين وكان
موسى وأصحابه رشده فإنه لما استشار أصحابه في موسى قالوا: ارجه وأخاه
وارسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم، فحبس إبراهيم وجمع له الحطب
حتى إذا كان اليوم الذي ألقى فيه نمرود إبراهيم في النار برز نمرود وجنوده وقد
كان بني لنمرود بناء لينظر منه إلى إبراهيم كيف تأخذه النار، فجاء؟ بليس واتخذ
لهم المنجنيق لأنه لم يقدر واحد ان يقرب من تلك النار عن غلوه سهم وكان
الطائر من مسيرة فرسخ يرجع عنها ان يتقارب من النار وكان الطائر إذا مر في
الهواء يحترق فوضع إبراهيم (ع) في المنجنيق وجاء أبوه فلطمه لطمة وقال له
ارجع عما أنت عليه.
وأنزل الرب ملائكته إلى السماء الدنيا ولم يبق شئ إلا طلب إلى ربه
وقالت الأرض يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره فيحرق وقالت الملائكة
يا رب خليلك إبراهيم يحرق، فقال الله عز وجل: اما انه إن دعاني كفته؟ وقال
جبرئيل: يا رب خليلك إبراهيم ليس في الأرض أحد يعبدك غيره سلطت عليه
72

عدوه يحرقه بالنار فقال اسكت إنما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت هو عبدي
آخذه إذا شئت فان دعاني أجبته فدعا إبراهيم (ع) ربه بسورة الاخلاص " يا الله
يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد نجني من النار
برحمتك " فالتقى معه جبرئيل في الهواء وقد وضع في المنجنيق، فقال: يا إبراهيم
هل لك إلي من حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا، وأما إلى رب العالمين فنعم
فدفع إليه خاتما عليه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله ألجأت ظهري إلى الله
أسندت أمري إلى (قوه خ ل) الله وفوضت أمري إلى الله، فأوحى الله إلى
النار كوني بردا فاضطربت أسنان إبراهيم من البرد حتى قال وسلاما على إبراهيم
وانحط جبرئيل وجلس معه يحدثه في النار ونظر إليه نمرود، فقال من اتخذ إلها
فليتخذ مثل إله إبراهيم، فقال عظيم من عظماء أصحاب نمرود اني عزمت على
النار أن لا تحرقه. فخرج عمود من النار نحو الرجل فأحرقته فآمن له لوط وخرج
مهاجرا إلى الشام ونظر نمرود إلى إبراهيم في روضة خضراء في الناء ومعه شيخ
يحدثه فقال لآزر ما أكرم ابنك على ربه قال وكان الوزغ ينفخ في نار إبراهيم
وكل الضفدع يذهب بالماء ليطفئ به النار قال ولما قال الله للنار كوني بردا وسلاما
لم تعمل النار في الدنيا ثلاثة أيام ثم قال الله عز وجل: (وأرادوا به كيدا فجعلناهم
الأخسرين) فقال الله (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) يعني
إلى الشام وسواد الكوفة وكوثى رباط وقوله: (ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة) قال ولد
الولد وهو يعقوب وقوله (ونجيناه) يعني لوطا (من القرية التي كانت تعمل الخبائث)
قال كانوا ينكحون الرجال.
واما قوله: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم
وكنا لحكمهم شاهدين) فإنه حدثني أبي عن عبد الله بن يحيى عن ابن مسكان عن
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان في بني إسرائيل رجل له كرم ونفشت فيه
73

غنم رجل آخر بالليل وقضمته وأفسدته فجاء صاحب الكرم إلى داود فاستعدى (1)
على صاحب الغنم، فقال داود عليه السلام: اذهبا إلى سليمان عليه السلام ليحكم بينكما فذهبا
إليه فقال سليمان عليه السلام ان كانت الغنم اكلت الأصل والفرع فعلى صاحب الغنم ان
يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها وان كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب
بالأصل فإنه يدفع ولدها إلى صاحب الكرم، وكان هذا حكم داود وإنما أراد ان
بعرف بني إسرائيل ان سليمان وصيه بعده ولم يختلفا في الحكم ولو اختلف حكمهما
لقال (2) كنا لحكمهما شاهدين وقوله: (وعلمناه صنعة لبوس لكم) يعني الدرع
(لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون) وقوله: (ولسليمان الريح عاصفة) قال
تجري من كل جانب (إلى الأرض التي باركنا فيها) قال إلى بيت المقدس والشام
حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسى بن زياد عن الحسن بن علي بن
فضال عن عبد الله بن بكير وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: (وآتيناه
أهله ومثلهم معهم) قال أحيى الله له (3) أهله الذين كانوا قبل البلية وأحيى له أهله
الذين ماتوا وهو في البلية.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا) قال هو
يونس ومعنى ذا النون ذا الحوت وقوله: (فظن أن لن نقدر عليه) قال أنزله
على أشد الامرين وظن به أشد الظن، وقال إن جبرئيل استثنى في هلاك قوم
يونس ولم يسمعه يونس، قلت ما كان حال يونس لما ظن أن الله لن يقدر عليه؟
قال كان من أمر شديد، قلت وما كان سببه حتى ظن أن الله لن يقدر عليه؟ قال
وكله الله إلى نفسه طرفة عين، قال وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن

(1) استعداه استغاثه ق م.
(2) لعل الصواب " لما قال " مكان " لقال "
(3) أي لأيوب عليه السلام ج. ز.
74

سيار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة في ليلتها
ففقدته من الفراش فدخلها من ذلك ما يدخل النساء فقامت تطلبه في جوانب البيت
حتى انتهت إليه وهو في جانب من البيت قائم رافع يديه يبكي وهو يقول " اللهم
لا تنزع مني صالح ما أعطيتني أبدا اللهم ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا
اللهم لا تشمت بي عدوا ولا حاسدا أبدا اللهم لا تردني في سوء استنقذتني منه
أبدا " قال فانصرفت أم سلمة تبكي حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله لبكائها فقال
لها ما يبكيك يا أم سلمة؟ فقالت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ولم لا أبكي وأنت
بالمكان الذي أنت به من الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر تسأله
ان لا يشمت بك عدوا ابدا ولا حاسدا وان لا يردك في سوء استنقذك منه
ابدا وان لا ينزع عنك صالح ما أعطاك ابدا وان لا يكلك إلى نفسك طرفة عين
ابدا، فقال يا أم سلمة وما يؤمنني وإنما وكل الله ونس بن متى إلى نفسه طرفة
عين فكان منه ما كان.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وذا النون إذ ذهب
مغاضبا) يول من أعمال قومه (فظن أن لن نقدر عليه) يقول ظن أن لن
يعاقب بما صنع، وفي رواية علي بن إبراهيم في قوله: (وزكريا إذ
نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى
وأصلحنا له زوجه) قال كانت لا تحيض فحاضت وقوله (ويدعوننا رغبا ورهبا)
قال راغبين راهبين وقوله (والتي أحصنت فرجها) قال مريم لم ينظر إليها شئ
وقوله: (فنفخنا فيها من روحنا) قال روح مخلوقة بأمر الله يعني من أمرنا
وقوله: (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه) اي لا يبطل
سعيه وقوله: (وحرام على قرية أهلكناها انهم لا يرجعون) فإنه حدثني أبي عن
ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي بصير عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
75

وأبي جعفر (عليهما السلام) قالا كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون
في الرجعة فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة لان أحدا من أهل الاسلام
لا ينكر ان الناس كلهم يرجعون إلى القيامة من هلك ومن لم يهلك قوله (ولا
يرجعون) أيضا عنى في الرجعة فاما إلى القيامة فيرجعون حتى يدخلوا النار وقوله
(حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) قال إذا كان في
آخر الزمان خرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا ويأكلون الناس ثم احتج عز وجل
على عبدة الأوثان فقال (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم - إلى قوله -
وهم فيها لا يسمعون) في رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) قال: لما نزلت
هذه الآية وجد منها أهل مكة وجدا شديدا فدخل عليهم عبد الله بن الزبعرى (1)
وكفار قريش يخوضون في هذه الآية، فقال ابن الزبعرى: أمحمد تكلم بهذه
الآية؟ قالوا: نعم، قال ابن الزبعرى ان اعترف بها لأخصمنه، فجمع بينهما فقال:
يا محمد أرأيت الآية التي قرأت آنفا أفينا وفي آلهتنا أم في الأمم الماضية وآلهتهم
قال صلى الله عليه وآله: بل فيكم وفي آلهتكم وفي الأمم الماضية إلا من استثنى الله، فقال
ابن الزبعرى خاصمتك والله ألست تثنى على عيسى خيرا وقد عرفت ان النصارى
يعبدون عيسى وأمه وان طائفة من الناس يعبدون الملائكة أفليس هؤلاء مع
الآلهة في النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا، فضحكت قريش وضحك وقالت
قريش خصمك ابن الزبعرى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قلتم الباطل أما قلت إلا من
استثنى الله وقوله: (ان الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون
لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون) وقوله (حصب جهنم)
يقول يقذفون فيها قذفا وقوله (أولئك عنها مبعدون) يعنى الملائكة وعيسى

(1) وفي النسختين " ك ط " " الزبعرا " بالألف ج. ز.
76

ابن مريم (ع). وقال علي بن إبراهيم " ان الذين سبقت لهم منا الحسنى " ناسخة
لقوله " وان منكم إلا واردها " وقوله (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة
هذا يومكم الذي كنتم توعدون - إلى قوله - إنا كنا فاعلين) فإنه حدثني أبي
عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن عمرو بن أبي شيبة عن أبي جعفر (ع)
قال سمعته يقول ابتداءا منه: ان الله إذا بدا له ان يبين خلقه ويجمعهم لما لابد
منه امر مناديا ينادي فاجتمع الإنس والجن في اسرع من طرفة العين ثم أذن لسماء
الدنيا فتنزل فكان من وراء الناس وأذن للسماء الثانية فتنزل وهي ضعف التي تليها
فإذا رآها أهل السماء الدنيا قالوا جاء ربنا قالوا لا وهو آت يعنى امره حتى تنزل
كل سماء تكون كل واحدة منها من وراء الأخرى وهي ضعف التي تليها ثم ينزل
امر الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر وإلى ربك ترجع الأمور ثم يأمر
الله مناديا ينادي " يا معشر الجن والإنس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار
السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " قال وبكى (ع) حتى إذا
سكت قال قلت جعلني الله فداك يا أبا جعفر وأين رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين
عليه السلام وشيعته؟ فقال أبو جعفر (ع) رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي (ع) وشيعته على
كثبان من المسك الأذفر على منابر من نور يحزن الناس ولا يحزنون ويفزع
الناس ولا يفزعون ثم تلا هذه الآية " من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع
يومئذ آمنون " فالحسنة والله ولاية علي (ع) ثم قال: " لا يحزنهم الفزع الأكبر
وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون " واما قوله: (يوم نطوي
السماء كطي السجل للكتب) قال السجل اسم الملك الذي يطوي الكتب ومعنى
يطويها اي يفنيها فتتحول دخانا والأرض نيرانا وقوله: (ولقد كتبنا في الزبور
من بعد الذكر) قال الكتب كلها ذكر (وان الأرض يرثها عبادي الصالحون)
قال: القائم (ع) وأصحابه قال والزبور فيه ملاحم وتحميد وتمجيد ودعاء وقوله
77

(قال رب احكم بالحق) قال معناه لا تدعو (تدع ط) للكفار، والحق الانتقام
من الظالمين ومثله في سورة آل عمران " ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم
أو يعذبهم فإنهم ظالمون ".
سورة الحج مدنية
وآياتها ثمان وسبعون
(بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ
عظيم) قال مخاطبة للناس عامة (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت) اي
تبقى وتتحير وتتغافل (وتضع كل ذات حمل حملها) قال كل امرأة تموت حاملة
عند زلزلة الساعة تضع حملها يوم القيامة وقوله (وترى الناس سكارى) قال يعني
ذاهلة عقولهم من الخوف والفزع متحيرين وقال (وما هم بسكارى ولكن عذاب
الله شديد) وقوله: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) اي يخاصم (ويتبع
كل شيطان مريد) قال المريد الخبيث ثم خاطب الله عز وجل الدهرية واحتج عليهم
فقال: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث) اي في شك (فانا خلقناكم
من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة) قال المخلقة إذا
صارت دما وغير المخلقة قال السقط (لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل
مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر
عليه السلام وليبين لكم كذلك كنتم في الأرحام (ونقر في الأرحام ما نشاء)
فلا يخرج سقطا.
وقوله: (ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من
بعد علم شيئا) حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن أحمد عن العياش عن ابن
أبي نجران عن محمد بن القاسم عن علي بن المغيرة عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما
78

السلام قال: إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر وقال علي بن إبراهيم ثم
ضرب الله للبعث والنشور مثلا فقال: (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها
الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) اي حسن (ذلك بأن الله هو
الحق وانه يحيي الموتى - إلى قوله - من في القبور) وقوله: (ومن الناس من
يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) قال: نزلت هذه الآية في
أبي جهل (ثاني عطفه) قال: تولى عن الحق (ليضل عن سبيل الله) قال: عن
طريق الله والايمان وقوله: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) قال على شك
(فان أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة
ذلك هو الخسران المبين) فإنه حدثني أبي عن يحيى بن أبي عمران عن يونس عن
حماد عن ابن الظبيان (ابن الطيار ط) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزلت هذه الآية في قوم وحدوا
الله وجعلوا عباده (وخلعوا عبادة ط) من دون الله وخرجوا من الشرك ولم
يعرفوا ان محمدا رسول الله فهم يعبدون الله على شك في محمد وما جاء به فأتوا
رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: ننظر فان كثرت أموالنا وعوفينا في أنفسنا وأولادنا
علمنا أنه صادق وانه رسول الله صلى الله عليه وآله وإن كان غير ذلك نظرنا فأنزل الله " فان
أصابه خير اطمأن به... الخ " وقوله: (يدعو من دون الله ما لا يضره ولا
ينفعه) انقلب مشركا يدعو غير الله ويعبد غيره فمنهم من يعرف ويدخل الايمان في
قلبه فهو مؤمن ويزول عن منزلته من الشك إلى الايمان ومنهم من يلبث على شكه
ومنهم من ينقلب إلى الشرك واما قوله: (من كان يظن أن لن ينصره الله في
الدنيا والآخرة) فان الظن في كتاب الله على وجهين وطريقين ظن يقين وظن شك
فهذا ظن شك قال من شك ان الله لن يثيبه في الدنيا والآخرة (فليمدد بسبب
إلى السماء) اي يجعل بينه وبين الله دليلا والدليل على أن السبب هو الدليل قول
الله في سورة الكهف " وآتيناه من كل شئ سببا فاتبع سببا " اي دليلا (ثم
79

ليقطع) اي يميز والدليل على أن القطع هو التمييز قوله: " وقطعناهم اثنتي عشرة
أسباطا أمما " اي ميزناهم فقوله: ثم ليقطع اي يميز (فلينظر هل يذهبن كيده
ما يغيظ) اي حيلته والدليل على أن الكيد هو الحيلة قوله: كذلك كدنا
ليوسف اي حيلنا له حتى حبس أخاه وقوله يحكي قول فرعون: اجمعوا كيدكم
اي حيلتكم قال فإذا وضع لنفسه سببا وميز دله على الحق، فاما العامة فإنهم رووا
في ذلك أنه من لم يصدق بما قال الله فليلقى حبلا إلى سقف البيت ليختنق.
ثم ذكر عز وجل عظيم كبريائه وآلائه فقال: (ألم تر) يقول: ألم تعلم يا محمد
(ان الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم
والجبال والشجر والدواب) ولفظ الشجر واحد ومعناه جمع (وكثير من الناس
وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فماله من مكرم ان الله يفعل ما يشاء)
وقوله: (هذان خصمان اختصموا في ربهم) (1) قال: نحن وبنو أمية قلنا صدق
الله ورسوله وقال بنو أمية كذب الله ورسوله (فالذين كفروا) يعني بني أمية
(قطعت لهم ثياب من نار - إلى قوله - حديد) قال: تغشاه (تشويه خ ل)
النار فتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته وتتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه
(ولهم مقامع من حديد) قال: الأعمدة التي يضربون بها ضربا بتلك الأعمدة
وقوله (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق)

(1) قال في مجمع البيان: الخصم يستوى فيه الواحد والجمع والذكر والأنثى
يقال رجل خصم ورجلان خصم ورجال خصم ونساء خصم وقد يجوز في الكلام
هذان خصمان اختصموا وقال الله تعالى: هل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب
وهكذا حكم المصادر إذا وصف بها أو اخبر بها نحو عدل ورضى وإنما قال في
الآية خصمان لأنهما جمعان ومثله: وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ج ز
80

فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت
له يا بن رسول الله خوفني فان قلبي قد قسا فقال: يا أبا محمد استعد للحياة الطويلة
فان جبرائيل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو قاطب (1) وقد كان قبل ذلك يجئ
وهو مبتسم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل جئتني اليوم قاطبا؟ فقال: يا محمد
قد وضعت منافخ النار، فقال: وما منافخ النار يا جبرئيل؟ فقال: يا محمد إن الله
عز وجل امر بالنار فنفخ عليها الف عام حتى ابيضت ونفخ عليها الف عام حتى
احمرت ثم نفخ عليها الف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة لو أن قطرة من
الضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات أهلها من نتنها وهو ان حلقة من السلسلة
التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها، ولو أن
سربالا من سرابيل أهل النار علق بين السماء والأرض لمات أهل الأرض من ريحه
ووهجه، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وبكى جبرئيل فبعث الله اليهما ملكا فقال لهما:
إن ربكما يقرؤكما السلام ويقول قد آمنتكما ان تذنبا ذنبا أعذبكما عليه، فقال
أبو عبد الله عليه السلام: فما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل مبتسما بعد ذلك ثم قال:
إن أهل النار يعظمون النار وان أهل الجنة يعظمون الجنة والنعيم وان أهل جهنم
إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد
وأعيدوا في دركها هذه حالهم وهو قول الله عز وجل: " كلما أرادوا ان يخرجوا
منها.. الخ " ثم تبدل جلودهم جلودا غير الجلود التي كانت عليهم فقال أبو عبد الله
عليه السلام حسبك يا أبا محمد؟ قلت حسبي حسبي.
ثم ذكر الله ما أعده للمؤمنين فقال: (إن الله يدخل الذين آمنوا
وعملوا الصالحات - إلى قوله - ولباسهم فيها حرير) حدثني أبي عن ابن أبي عمير

(1) في الحديث قطب أبو عبد الله عليه السلام اي قبض ما بين عينيه كما
يفعل العبوس. ج ز.
81

عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك يا بن رسول الله شوقني
فقال يا أبا محمد ان من أدنى نعيم الجنة يوجد ريحها من مسيرة الف عام من مسافة
الدنيا وان أدنى أهل الجنة منزلا لو نزل به أهل الثقلين الجن والإنس لوسعهم طعاما
وشرابا ولا ينقص مما عنده شئ وان أيسر أهل الجنة منزلة من يدخل الجنة فيرفع
له ثلاث حدائق فإذا دخل أدناهن رأى فيها من الأزواج والخدم والأنهار
والأثمار ما شاء الله ما يملا عينه قرة وقلبه مسرة فإذا شكر الله وحمده قيل له ارفع
رأسك إلى الحديقة الثانية ففيها ما ليس في الأخرى فيقول يا رب أعطني هذه
فيقول الله تعالى ان أعطيتك إياها سألتني غيرها فيقول رب هذه هذه فإذا هو
دخلها شكر الله وحمده قال فيقال افتحوا له باب الجنة ويقال له ارفع رأسك فإذا
قد فتح له باب من الخلد ويرى أضعاف ما كان فيما قبل فيقول عند تضاعف مسراته
رب لك الحمد الذي لا يحصى إذ مننت علي بالجنان ونجيتنى من النيران.
قال أبو بصير فبكيت قلت له جعلت فداك زدني قال يا أبا محمد ان في
الجنة نهرا في حافته جوار نابتات إذا مر المؤمن بجارية أعجبته قلعها وأنبت الله
مكانها أخرى قلت جعلت فداك زدني قال المؤمن يزوج ثمانمائة عذراء وأربعة آلاف
ثيب وزوجتين من الحور العين قلت جعلت فداك ثمانمائة عذراء؟ قال: نعم ما يفرش
(يفترش ط يفترس ك) (1) فيهن شيئا إلا وجدها كذلك قلت جعلت فداك من
اي شئ خلقن الحور العين؟ قال: من تربة الجنة النورانية ويرى مخ ساقيها من
وراء سبعين حلة كبدها مرآته وكبده مرآتها، قلت جعلت فداك ألهن كلام يكلمن
به أهل الجنة؟ قال نعم كلام يتكلمن به لم يسمع الخلائق بمثله، قلت ما هو؟ قال
يقلن نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نبوس ونحن المقيمات فلا نظعن ونحن
الراضيات فلا نسخط طوبى لمن خلق لنا وطوبى لمن خلقنا له نحن اللواتي لو أن

(1) لعله تصحيف تفرس من " تفرست فيه خيرا " ج. ز.
82

قرن إحدانا علق في جو السماء لأغشى نوره الابصار فهاتان الآيتان وتفسيرهما
رد على من انكر خلق الجنة والنار قوله: (وهدوا إلى الطيب من القول) قال
التوحيد والاخلاص (وهدوا إلى صراط الحميد) قال إلى الولاية وقوله: (إن
الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءا
العاكف فيه والباد) قال نزلت في قريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن مكة
وقوله: " سواءا العاكف فيه والباد " قال أهل مكة ومن جاء إليهم من البلدان
فهم سواء لا يمنع النزول ودخول الحرم وقوله: (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه
من عذاب اليم) قال نزلت في من يلحد في أمير المؤمنين عليه السلام وقوله: (وإذ بوأنا
لإبراهيم مكان البيت) اي عرفناه وقد كتبنا خبر بناء البيت في سورة البقرة.
واما قوله: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين
من كل فج عميق) يقول الإبل المهزولة وقرئ " يأتون من كل فج عميق " قال
ولما فرغ إبراهيم من بناء البيت امره الله ان يؤذن في الناس بالحج فقال: يا رب
وما يبلغ صوتي فقال الله أذن عليك الاذان وعلي البلاغ وارتفع على المقام وهو
يومئذ ملصق بالبيت فارتفع المقام حتى كان أطول من الجبال فنادى وأدخل
إصبعيه في اذنيه وأقبل بوجهه شرقا وغربا يقول: أيها الناس كتب عليكم الحج
إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم، فأجابوه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق
والمغرب إلى منقطع التراب من أطراف الأرض كلها ومن أصلاب الرجال وأرحام
النساء بالتلبية: لبيك اللهم لبيك أو لا ترونهم يأتون يلبون فمن حج من يومئذ
إلى يوم القيامة فهم ممن استجاب لله وذلك قوله: " فيه آيات بينات مقام إبراهيم "
يعني نداء إبراهيم على المقام بالحج.
قال: وكان أضاف ونائلة رجل وامرأة زنيا في البيت فمسخا حجرين
واتخذتهما قريش صنمين يعبدونهما فلم يزالا يعبدان حتى فتح مكة فخرجت منهما
83

امرأة عجوز شمطاء تخمش وجهها وتدعو بالويل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: تلك
نائلة يئست ان تعبد ببلادكم هذه وقوله: (ثم ليقضوا تفثهم) اي يحلقوا
رؤوسهم ويغتسلوا من الوسخ (وليطوفوا بالبيت العتيق) وإنما سمي عتيقا لأنه
أعتق من الغرق وقوله: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور)
فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الرجس من
الأوثان الشطرنج وقول الزور: الغنا وقوله: (حنفاء لله) اي طاهرين وقوله:
(في مكان سحيق) اي بعيد وقوله: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى
القلوب) قال: تعظيم البدن وجودتها وقوله: (لكم فيها منافع إلى اجل مسمى)
قال البدن يركبها المحرم من موضعه الذي يحرم فيه غير مضر بها ولا معنف عليها
وإن كان لها لبن يشرب من لبنها إلى يوم النحر وهو قوله (ثم محلها إلى البيت العتيق) وقوله
(فله اسلموا وبشر المخبتين) قال العابدين وقوله: (واذكروا اسم الله عليها
صواف) قال تنحر قائمة (فإذا وجبت جنوبها) اي وقعت على الأرض " فكلوا
منها وأطعموا القانع والمعتر) قال القانع الذي يسأل فيعطيه، والمعتر الذي يعتريك
فلا يسأل وقوله (لن ينال الله لحومها ولا دماءها ولكن يناله التقوى منكم)
اي لا يبلغ ما يتقرب به إلى الله ولا نحرها إذا لم يتق الله وإنما يتقبل الله نحرها
من المتقين وقوله: (لتكبروا الله على ما هداكم) قال التكبير أيام التشريق في
الصلاة بمنى في عقيب خمس عشرة صلاة وفي الأمصار عقيب عشر صلوات وقوله:
(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) قال نزلت في علي
وجعفر وحمزة ثم جرت، قوله: (الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق) قال الحسين
عليه السلام حين طلبه يزيد لعنه الله ليحمله إلى الشام فهرب إلى الكوفة وقتل بالطف.
حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله
" أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا.. الخ " قال: إن العامة يقولون نزلت في
84

رسول الله صلى الله عليه وآله لما أخرجته قريش من مكة وإنما هي للقائم عليه السلام إذا خرج يطلب
بدم الحسين عليه السلام وهو قوله: نحن أولياء الدم وطلاب الدية ثم ذكر عبادة الأئمة
عليهم السلام وسيرتهم فقال: (الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا
الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) واما قوله: (وبئر
معطلة وقصر مشيد) قال هو مثل لآل محمد صلى الله عليه وآله قوله: (بئر معطلة) هي التي
لا يستسقى منها وهو الامام الذي قد غاب فلا يقتبس منه العلم " والقصر المشيد "
هو المرتفع وهو مثل لأمير المؤمنين عليه السلام. والأئمة وفضائلهم لشرقة على الدنيا وهو قوله
(ليظهره على الدين كله) وقال الشاعر في ذلك:
بئر معطلة وقصر مشرف * مثل لآل محمد مستطرف
فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى * والبئر علمهم الذي لا ينزف
وقوله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول الله ولا نبي - إلى قوله - والله
عليم حكيم) فان العامة رووا ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان في الصلاة فقرأ سورة
النجم في مسجد الحرام وقريش يستمعون لقراءته فلما انتهى إلى هذه الآية
" أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى " اجرى إبليس على لسانه " فإنها
للغرانيق الأولى وان شفاعتهن لترتجي " ففرحت قريش وسجدوا وكان في القوم
الوليد بن المغيرة المخزومي وهو شيخ كبير فأخذ كفا من حصى فسجد عليه وهو
قاعد، وقالت قريش قد أقر محمد بشفاعة اللات والعزى، قال فنزل جبرئيل فقال
له جبرئيل قد قرأت ما لم انزل عليك وانزل عليه " وما أرسلنا من قبلك من
رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ".
واما الخاصة فإنه روي عن أبي عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله اصابه
خصاصة فجاء إلى رجل من الأنصار فقال له: هل عندك من طعام؟ فقال: نعم
يا رسول الله وذبح له عناقا وشواه فلما أدناه منه تمنى رسول الله صلى الله عليه وآله ان
85

يكون معه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فجاء منافقان ثم جاء علي
بعدهما فأنزل الله في ذلك " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث
إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته - يعنى فلانا وفلانا - فينسخ الله ما يلقى الشيطان "
يعني لما جاء علي عليه السلام بعدهما (ثم يحكم الله آياته) يعني ينصر أمير المؤمنين عليه السلام
ثم قال: (ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة) يعني فلانا وفلانا (للذين في قلوبهم مرض
- إلى قوله - إلى صراط مستقيم) يعني إلى الامام المستقيم ثم قال: (ولا يزال الذين
كفروا في مرية منه) اي في شك من أمير المؤمنين عليه السلام (حتى تأتيهم الساعة بغتة
أو يأتيهم عذاب يوم عقيم) قال العقيم الذي لا مثل له في الأيام ثم قال: (الملك
يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم والذين كفروا
وكذبوا بآياتنا) قال: ولم يؤمنوا بولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام
(فأولئك لهم عذاب مهين).
ثم ذكر أمير المؤمنين والمهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فقال: (والذين
هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله - إلى قوله - لعليم حليم)
وأما قوله: (ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) فهو
رسول الله صلى الله عليه وآله لما أخرجته قريش من مكة وهرب منهم إلى الغار وطلبوه ليقتلوه
فعاقبهم الله يوم بدر فقتل عتبة وشيبة والوليد وأبو جهل وحنظلة بن أبي سفيان
وغيرهم فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله طلب بدمائهم فقتل الحسين وآل محمد بغيا
وعدوانا وهو قول يزيد حين تمثل بهذا الشعر:
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف إن لم أنتقم * من بني احمد ما كان فعل
قد قتلنا القرم من ساداتهم * وعدلناه ببدر فاعتدل
86

وقال الشاعر في مثل ذلك:
وكذاك الشيخ أوصاني به * فاتبعت الشيخ فيما قد سأل
وقال يزيد أيضا يقول: والرأس مطروح يقلبه
يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر * حتى يقيسوا قياسا لا يقاس به
أيام بدر لكان الوزن بالقدر
فقال الله تبارك وتعالى: " ومن عاقب " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله " بمثل
ما عوقب به " يعني حسينا أرادوا ان يقتلوه " ثم بغي عليه لينصره الله " يعني
بالقائم من ولده وقوله: (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) اي مذهبا يذهبون
فيه ثم احتج عز وجل على قريش والملحدين الذين يعبدون غير الله فقال: (يا أيها
الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله) يعني الأصنام (لن
يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف
الطالب والمطلوب) يعني الذباب وقوله: " (الله يصطفي من الملائكة رسلا) اي يختار
وهو جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ومن الناس الأنبياء والأوصياء فمن
الأنبياء نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله ومن هؤلاء الخمسة رسول الله
صلى الله عليه وآله ومن الأوصياء أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام وفيه تأويل غير هذا.
ثم خاطب الله الأئمة عليهم السلام فقال: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا
واسجدوا - إلى قوله - وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم) يا معشر الأئمة
(وتكونوا) أنتم (شهداء على) المؤمنين و (الناس) وفي رواية أبي الجارود
عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا
الزكاة " وهذه الآية لآل محمد عليهم السلام إلى آخر الآية والمهدي وأصحابه
يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويظهر الدين ويميت الله به وأصحابه البدع
الباطل كما أمات السفه الحق حتى لا يرى اثر للظلم واما قوله: (فكأين من قرية
87

أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها) والعروش سقف البيت وقوله:
(يستعجلونك بالعذاب) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرهم ان العذاب قد اتاهم قالوا
فأين العذاب واستعجلوه فقال الله: (وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون)
واما قوله: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير
لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين
من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) فهذه خاصة لآل محمد
عليهم السلام وقوله: (ليكون الرسول شهيدا عليكم) يعني يكون على آل محمد
(وتكونوا شهداء على الناس) اي آل محمد يكونوا شهداء على الناس بعد النبي
صلى الله عليه وآله وقال عيسى بن مريم: " وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني
كنت أنت الرقيب عليهم " يعني الشهيد " وأنت على كل شئ شهيد " وان الله
جعل على هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله شهيدا من أهل بيته وعترته ما كان في الدنيا
منهم أحد فإذا فنوا هلك أهل الأرض قال رسول الله صلى الله عليه وآله جعل الله النجوم أمانا
لأهل السماء وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض. (1)
الجزء (18) سورة المؤمنون مكية
آياتها مأة وثمان عشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)
قال الصادق عليه السلام: لما خلق الله الجنة قال لها تكلمي فقالت. " قد أفلح المؤمنون "
وقوله: (والذين هم في صلاتهم خاشعون) قال غضك بصرك في صلواتك وإقبالك
عليها (والذين هم عن اللغو معرضون) يعنى الغناء والملاهي (والذين هم للزكاة
فاعلون) قال الصادق (ع): من منع قيراطا من الزكاة فليس هو بمؤمن ولا مسلم
ولا كرامة له (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)

(1) ذكر الحديث ابن حجر أيضا في الصواعق عن مسند أحمد بن حنبل: النجوم أمان لأهل السماء
فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل
الأرض. ص. 4 ط مصر ج - ز
88

يعني الإماء (فإنهم غير ملومين) والمنعة حدها حد الإماء (فمن ابتغى وراء ذلك
فأولئك هم العادون) قال من جاوز ذلك فأولئك هم العادون وقوله: (والذين هم
على صلاتهم يحافظون) قال على أوقاتها وحدودها وقوله: (أولئك هم الوارثون)
فإنه حدثني أبي عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: ما خلق الله خلقا إلا جعل له في الجنة منزلا وفي النار منزلا فإذا دخل أهل
الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة أشرفوا فيشرفون على أهل
النار وترفع لهم منازلهم فيها ثم يقال لهم هذه منازلكم التي لو عصيتم الله لدخلتموها
يعنى النار قال فلو ان أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة في ذلك ليوم فرحا لما صرف
عنهم من العذاب، ثم ينادي مناد يا أهل النار ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم
فينظرون منازلهم في الجنة وما فيها من النعيم فيقال لهم هذه منازلكم التي لو أطعتم
ربكم لدخلتموها قال فلو ان أحدا مات حزنا لمات أهل النار حزنا فيورث هؤلاء
منازل هؤلاء ويورث هؤلاء منازل هؤلاء وذلك قول الله (أولئك هم الوارثون
الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون).
وقوله: (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين) قال السلالة الصفوة
من الطعام والشراب الذي يصير نطفة والنطفة أصلها من السلالة والسلالة هي من
صفوة الطعام والشراب والطعام من أصل الطين فهذا معنى قوله: (من سلالة من
طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) يعنى في الرحم (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا
العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك
الله أحسن الخالقين) وهذه استحالة من أمر إلى أمر فحد النطفة إذا وقعت في
الرحم أربعون يوما ثم تصير علقة.
وزعمت المعتزلة إنا نخلق أفعالنا واحتجوا بقول الله أحسن الخالقين
وزعموا أن ههنا خالقين غير الله عز وجل ومعنى الخلق ههنا التقدير مثل أقول الله
89

لعيسى بن مريم وليس ذلك كما ذهبت المعتزلة انهم خالقون لأفعالهم وقوله: خلقنا
الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين - إلى قوله - ثم أنشأناه
خلقا آخر فهم ستة أجزاء وست استحالات وفي كل جزء واستحالة دية محدودة
ففي النطفة عشرون دينارا، وفي العلقة أربعون دينارا، وفي المضغة ستون دينارا
وفي العظم ثمانون دينارا، وإذا كسي لحما فمائة دينار، حتى يستهل فإذا استهل
فالدية كاملة فحدثني بذلك أبي عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت
فان خرج في النطفة قطرة دم قال في القطرة عشر النطفة ففيها اثنان وعشرون
دينارا (1) قلت قطرتان قال أربعة وعشرون دينارا قلت فثلاث قال ستة وعشرون
دينارا قلت فأربع قال ثمانية وعشرون دينارا قلت فخمس قال ثلاثون دينارا وما
زاد على النصف فعلى هذا الحساب حتى تصير علقة فيكون فيها أربعون دينارا،
قلت فان خرجت النطفة متخضخضة بالدم؟ قال: قد علقت إن كان دما صافيا
أربعون دينارا وإن كان دما اسود فذلك من الجوف فلا شئ عليه إلا التعزير
لأنه ما كان من دم صاف فذلك الولد وما كان من دم اسود فهو من الجوف، قال
فقال أبو شبل فان العلقة إذا صارت فيها شبيه العروق واللحم؟ قال اثنان وأربعون
دينارا العشر قال قلت فان عشر الأربعين أربعة، قال لا إنما عشر المضغة إنما ذهب
عشرها فكلما ازدادت زيد حتى تبلغ الستين قلت فان رأت في المضغة مثل عقدة
عظم يابس؟ قال: إن ذلك عظم أول ما يبتدئ ففيه أربعة دنانير (2) فان زاد
فزاد أربعة دنانير حتى تبلغ مائة قلت فان كسي العظم لحما قال كذلك إلى مائة
قلت فان ركزها فسقط الصبي لا يدري أحيا كان أو ميتا، قال: هيهات يا أبا شبل

(1) عشرون دينارا للنطفة وديناران لقطرة الدم وهكذا.
(2) يعني علاوة من دية المضغة فيكون المجموع أربعة وستين دينارا ج. ز
90

إذا بلغ أربعة اشهر فقد صارت فيه الحياة وقد استوجب الدية، وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (ثم أنشأناه خلقا آخر) فهو نفخ
الروح فيه.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) قال
السماوات وقوله: (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين)
قال شجرة الزيتون وهو مثل لرسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " وأنزلنا من السماء ماءا بقدر فأسكناه
في الأرض) فهي الأنهار والعيون والآبار وقوله: " وشجرة تخرج من طور
سيناء " فالطور الجبل والسيناء الشجرة واما الشجرة التي تنبت بالدهن فهي الزيتون
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في
بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون) يعني
السفن وفي رواية أبي الجارود في قوله (فجعلناهم غثاءا) والغثاء اليابس الهامد من
نبات الأرض وقوله: (ثم أرسلنا رسلنا تترى) يقول بعضهم في أثر بعض وقال
علي بن إبراهيم في قوله: (وجعلنا ابن مريم وأمه آية - إلى قوله - ومعين) قال
الربوة: الحيرة وذات قرار ومعين اي الكوفة ثم خاطب الله الرسل فقال (يا أيها
الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا - إلى قوله - أمة واحدة) قال على مذهب
واحد وقوله: (كل حزب بما لديهم فرحون) قال كل من اختار لنفسه دينا فهو
فرح به، ثم خاطب الله نبيه صلى الله عليه وآله فقال (فذرهم) يا محمد (في غمرتهم) اي في
سكرتهم وشكهم (حتى حين) ثم قال عز وجل: (أيحسبون) يا محمد (إنما نمدهم
به من مال وبنين) هو خير نريده بهم بل لا يشعرون ان ذلك شر لهم ثم ذكر
عز وجل من يريد بهم الخير فقال (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون - إلى
قوله - يؤتون ما آتوا) قال من العبادة والطاعة (وقلوبهم وجلة) اي خائفة (انهم
91

إلى ربهم راجعون) ثم قال (أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون)
وهو معطوف على قوله (أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم
في الخيرات).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (أولئك يسارعون
في الخيرات وهم لها سابقون) هو علي بن أبي طالب عليه السلام لم يسبقه أحد وقوله:
(بل قلوبهم في غمرة من هذا) يعني من القرآن ولهم اعمال من دون ذلك (هم
لها عاملون) يقول ما كتب عليهم في اللوح ما هم عاملون قبل ان يخلقوا هم لذلك
الاعمال المكتوبة عاملون وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ولدينا كتاب ينطق
بالحق) اي عليكم ثم قال: (بل قلوبهم في غمرة من هذا) اي في شك مما يقولون
وقوله: (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب) يعني كبراءهم بالعذاب (إذا هم
يجئرون) اي يضجون فرد الله عليهم (لا تجئروا اليوم انكم منا لا تنصرون - إلى
قوله - مستكبرين به سامرا تهجرون) اي جعلتموه سمرا وهجرتموه وقوله:
(أم يقولون به جنة) يعني برسول الله صلى الله عليه وآله فرد الله عليهم (بل جاءهم بالحق
وأكثرهم للحق كارهون) وقوله: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات
والأرض ومن فيهن) قال: الحق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والدليل
على ذلك قوله: " قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم " يعني بولاية أمير المؤمنين
عليه السلام وقوله: " ويستنبؤنك " اي يا محمد أهل مكة في علي " أحق هو " إمام
هو " قل اي وربي انه لحق " اي لامام، ومثله كثير والدليل على أن الحق
رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام قول الله عز وجل: ولو اتبع رسول الله
صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام قريشا لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، ففساد
السماء إذا لم تمطر وفساد الأرض إذا لم تنبت وفساد الناس في ذلك وقوله (وانك
لتدعوهم إلى صراط مستقيم) قال إلى ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قال: (وان الذين
92

لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) قال عن الامام لحائدون.
ثم حكى الله عز وجل قول الدهرية: (قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما
أإنا لمبعوثون - إلى قوله - أساطير الأولين) يعني أكاذيب الأولين فرد الله عليهم
فقال: (بل آتيناهم بالحق وانهم لكاذبون) ثم رد الله على الثنوية الذين قالوا
بآلهين فقال الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل
إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) قال: لو كان إلهين كما زعمتم لكانا يختلفان
فيخلق هذا ولا يخلق هذا ويريد هذا ولا يريد هذا ويطلب كل واحد منهما
الغلبة وإذا أراد أحدهما خلق إنسان أراد الآخر خلق بهيمة فيكون إنسانا
وبهيمة في حالة واحدة وهذا غير موجود فلما بطل هذا ثبت التدبير والصنع لواحد
ودل أيضا التدبير وثباته وقوام بعضه ببعض على أن الصانع واحد وذلك قوله:
(ما اتخذ الله من ولد - إلى قوله - لعلى بعضهم على بعض) ثم قال آنفا (سبحان
الله عما يصفون) وقوله: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين) قال ما يقع
في قلبك من وسوسة الشياطين وقوله: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب
ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها) فإنها نزلت
في مانع الزكاة والخمس
وحدثني أبي عن خالد عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله (ع) قال ما من
ذي مال ذهب ولا فضة يمنع زكاة ماله أو خمسه إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قفر وسلط
عليه سباعا تريده وتحيد عنه (فيه خ ل) فإذا علم أنه لا محيص له أمكنه من يده
فقضمها كما يقضم الفجل وما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلا
حسبه الله يوم القيامة بقاع قفر ينطحه كل ذات قرن بقرنها ولك ذي ظلف بظلفها
وما من ذي مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا طوقه الله إلى يوم القيامة
ورفع أرضه إلى سبع أرضين يقلده (يقلبه ك) إياه وقوله: (ومن ورائهم برزخ
93

إلى يوم يبعثون) قال البرزخ هو أمر بين أمرين وهو الثواب والعقاب بين الدنيا
والآخرة وهو رد على من أنكر عذاب القبر والثواب والعقاب قبل القيامة وهو
قول الصادق (ع): والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ فاما إذا صار الامر الينا
فنحن أولى بكم، وقال علي بن الحسين عليهما السلام: ان القبر روضة من رياض
الجنة أو حفرة من حفر النيران، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في
قوله: (أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير)، يقول أم تسألهم اجرا فأجر ربك
خير (وهو خير الرازقين) وقوله: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم
وما يتضرعون) فهو الجوع والخوف والقتل وقوله: (حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب
شديد إذا هم فيه مبلسون) يقول آيسون واما قوله: (غلبت علينا شقوتنا) فإنهم
علموا حين عاينوا أمر الآخرة ان الشقي كتب عليهم علموا حين لم ينفعهم العلم قالوا
ربنا أخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون (قال اخسؤا فيها ولا تكلمون) فبلغني
والله أعلم انهم تداركوا بعضهم على بعض سبعين عاما حتى انتهوا إلى قعر جهنم.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (فإذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ
ولا يتسائلون) فإنه رد على من يفتخر بالأنساب قال الصادق عليه السلام: لا يتقدم يوم
القيامة أحد إلا بالاعمال والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله (يا أيها الناس
ان العربية ليست بأب وجد وإنما هو لسان ناطق فمن تكلم به فهو عربي ألا انكم
ولد آدم وآدم من تراب والله لعبد حبشي حين أطاع الله خير من سيد قرشي
عصى الله وان أكرمكم عند الله أتقاكم " والدليل على ذلك قوله عز وجل: (فإذا
نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون فمن ثقلت موازينه) يعني
بالاعمال الحسنة (فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه) قال من الاعمال الحسنة
(فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون) وقوله: (تلفح وجوههم النار)
قال اي تلهب عليهم (فتحرقهم وهم فيها كالحون) اي مفتوحي الفم متربدي
الوجوه وقوله: (قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم
94

فاسأل العادين) قال سل الملائكة الذين كانوا يعدون علينا الأيام ويكتبون ساعاتنا
وأعمالنا التي اكتسبناها فيها على الأنام فرد الله عليهم فقال (قل) لهم يا محمد (ان
لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وانكم الينا
لا ترجعون) وقوله: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) اي لا حجة
له به (فإنما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون) وقل يا محمد (رب اغفر وارحم
وأنت خير الراحمين)
سورة النور مدنية
آياتها اربع وستون
(بسم الله الرحمن الرحيم سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات
بينات لعلكم تذكرون) يعني كي تذكروا وقوله: (الزانية والزاني فاجلدوا كل
واحد منهما مائة جلدة) وهي ناسخة لقوله (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم
إلى آخر الآية) وقوله: (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) يعني لا تأخذكم
الرأفة على الزاني والزانية في دين الله (ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) في
إقامة الحد عليهما.
وكانت آية الرجم نزلت: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما
قضيا الشهوة نكالا من الله والله عليم حكيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله: (وليشهد عذابهما) يقول ضربهما (طائفة من المؤمنين) يجمع لهم
الناس إذا جلدوا.
وقال علي بن إبراهيم: (ثم حرم الله عز وجل نكاح الزواني فقال (الزاني
لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على
المؤمنين) وهو رد على من يستحل التمتع بالزواني والتزويج بهن وهن المشهورات
95

المعروفات في الدنيا لا يقدر الرجل على تحصينهن، ونزلت هذه الآية في نساء مكة
كن مستعلنات بالزنا سارة وحنتمة والرباب كن يغنين بهجاء رسول الله صلى الله عليه وآله
فحرم الله نكاحهن، وجرت بعدهن في النساء من أمثالهن.
والزنا على وجوه والحد فيه على وجوه فمن ذلك أنه احضر عمر بن الخطاب
ستة نفر أخذوا بالزنا فأمر أن يقام على كل واحد منهم الحد وكان أمير المؤمنين
عليه السلام جالسا عند عمر فقال يا عمر ليس هذا حكمهم، قال: فأقم أنت عليهم الحد،
فقدم واحدا منهم فضرب عنقه وقدم الثاني فرجمه وقدم الثالث فضربه الحد وقدم
الرابع فضربه نصف الحد وقدم الخامس فعزره واما السادس فأطلقه فتعجب عمر
وتحير الناس، فقال عمر: يا أبا الحسن ستة نفر في قضية واحدة أقمت عليهم ست
عقوبات ليس منها حكم يشبه الآخر فقال نعم اما الأول فكان ذميا زنى بمسلمة
وخرج عن ذمته فالحكم فيه السيف، واما الثاني فرجل محصن زنى فرجمناه، واما
الثالث فغير محصن فحددناه، واما الرابع فعبد زنى فضربناه نصف الحد، واما
الخامس فكان منه ذلك الفعل بالشبهة فعزرناه وأدبناه واما السادس فمجنون مغلوب
على عقله سقط منه التكليف.
واما قوله: (والذين يرمون المحصنات - إلى قوله - ولا تقبلوا لهم شهادة
أبدا) فإنه حدثني أبي عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال القاذف يجلد
ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة أبدا إلا بعد التوبة أو يكذب نفسه فان شهد له
ثلاثة وأبى واحد يجلد الثلاثة ولا يقبل شهادتهم حتى يقول أربعة رأينا مثل
الميل في المكحلة، ومن شهد على نفسه انه زنى لم تقبل شهادته حتى يعيد
اربع مرات.
حدثني أبي عن عبد الرحمن بن أبي بحران عن عاصم بن حميد عن أبي بصير
قال قال أبو عبد الله عليه السلام: إنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له يا أمير المؤمنين
96

اني زنيت فطهرني فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أبك جنة؟ فقال: لا قال: أفتقرأ
من القرآن شيئا؟ قال: نعم فقال له: ممن أنت؟ فقال: أنا من مزنية أو جهينة
قال: اذهب حتى اسأل عنك فسأل عنه، قالوا: يا أمير المؤمنين هذا رجل صحيح
العقل مسلم، ثم رجع إليه فقال: يا أمير المؤمنين اني زنيت فطهرني، فقال:
ويحك ألك زوجة؟ قال: نعم، قال: فكنت حاضرها أو غائبا عنها؟ قال: بل
كنت حاضرها قال: اذهب حتى ننظر في امرك، فجاء إليه الثالثة فذكر له ذلك،
فأعاد عليه أمير المؤمنين عليه السلام فذهب ثم رجع في الرابعة، فقال: إني زنيت
فطهرني، فأمر أمير المؤمنين بحبسه ثم نادى أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الناس ان
هذا الرجل يحتاج ان نقيم عليه حد الله فأخرجوا متنكرين لا يعرف بعضكم بعضا
ومعكم أحجاركم، فلما كان من الغد اخرجه أمير المؤمنين عليه السلام بالغلس (1) وصلى
ركعتين ثم حفر حفيرة ووضعه فيها ثم نادى: أيها الناس ان هذه حقوق الله
لا يطلبها من كان عنده لله حق مثله فمن كان لله عليه حق مثله فلينصرف فإنه لا يقيم
الحد من الله من لله عليه الحد فانصرف الناس فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام حجرا
فكبر أربع تكبيرات فرماه ثم اخذ الحسن عليه السلام مثله ثم فعل الحسين عليه السلام مثله
فلما مات اخرجه أمير المؤمنين عليه السلام وصلى عليه فقالوا: يا أمير المؤمنين ألا تغسله؟
قال: قد اغتسل بما هو منها طاهر إلى يوم القيامة ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيها
الناس من اتى هذه القاذورة (2) فليتب إلى الله فيما بينه وبين الله فوالله لتوبة
إلى الله في السر لافضل من أن يفضح نفسه ويهتك ستره.

(1) الغلس بالتحريك: الظلمة آخر الليل.
(2) الفاحشة الزنا ومنه قوله عليه السلام: " أيها الناس اجتنبوا هذه القاذورة
التي نهى الله عنها ". مجمع
97

واما قوله (والذين يرمون أزواجهم - إلى قوله - إن كان من الصادقين)
فإنها نزلت في اللعان، وكان سبب ذلك أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوة
تبوك جاء إليه عويمر بن ساعدة العجلاني وكان من الأنصار، فقال يا رسول الله
ان امرأتي زنى بها شريك بن السمحا وهي منه حامل، فأعرض عنه رسول الله
صلى الله عليه وآله فأعاد عليه القول، فأعرض عنه حتى فعل ذلك اربع مرات، فدخل
رسول الله صلى الله عليه وآله منزله فنزلت عليه آية اللعان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وصلى
بالناس العصر وقال لعويمر: إئتني بأهلك فقد انزل الله فيكما قرآنا، فجاء إليها،
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله يدعوك وكانت في شرف من قومها، فجاء معها جماعة
فلما دخلت المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعويمر تقدما إلى المنبر والتعنا، قال
فكيف أصنع؟ فقال تقدم وقل: أشهد بالله اني إذا لمن الصادقين فيما رميتها به،
قال فتقدم وقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أعدها فأعادها ثم قال أعدها حتى فعل
ذلك اربع مرات، فقال له في الخامسة عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما
رميتها به فقال (والخامسة ان لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) فيما رماها به
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن اللعنة لموجبة إن كنت كاذبا ثم قال له تنح فتنحى
عنه، ثم قال لزوجته تشهدين كما شهد وإلا أقمت عليك حد الله، فنظرت في وجوه
قومها فقالت لا اسود هذه الوجوه في هذه العشية، فتقدمت إلى المنبر وقالت:
أشهد بالله ان عويمر بن ساعدة من الكاذبين فيما رماني به، فقال لها رسول الله
صلى الله عليه وآله أعيديها فأعادتها حتى أعادتها اربع مرات فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله العني
نفسك في الخامسة إن كان من الصادقين فيما رماك به فقالت في (الخامسة أن
غضب الله عليها إن كان من الصادقين) فيما رماني به فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله
ويلك ويلك انها موجبة إن كنت كاذبة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لزوجها اذهب
فلا تحل لك أبدا قال يا رسول الله فمالي الذي أعطيتها؟ قال إن كنت كاذبا فهو
98

أبعد لك منه وإن كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن جاءت بالولد اخمش الساقين واخفش العينين
جعد قطط فهو للامر السئ وإن جاءت به أشهل أصهب (1) فهو لأبيه فيقال
فيقال انها جاءت به على الامر السئ، فهذه لا تحل لزوجها وإن جاءت بولد
لا يرثه أبوه وميراثه لامه وإن لم يكن له أم فلأخواله وان قذفه أحد جلد حد
القاذف، واما قوله: (ان الدين جاؤوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل
هو خير لكم) فان العامة رووا انها نزلت في عائشة وما رميت به في غزوة
بني المصطلق من خزاعة واما الخاصة فإنهم رووا انها نزلت في مارية القبطية وما
رمتها به عايشة ء المنافقات.
حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال
قال حدثنا عبد الله (محمد خ ل) بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليهما السلام
يقول: لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله حزن عليه حزنا شديدا فقالت
عايشة ما الذي يحزنك عليه فما هو إلا ابن جريح، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا
وأمره بقتله فذهب علي عليه السلام إليه ومعه السيف وكان جريح القبطي في حائط
وضرب علي عليه السلام باب البستان فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب فلما رأى عليا عليه السلام
عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعا ولم يفتح الباب فوثب علي عليه السلام على الحائط
ونزل إلى البستان واتبعه وولى جريح مدبرا فلما خشي ان يرهقه صعد في نخلة
وصعد علي عليه السلام في اثره فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته
فإذا ليس له ما للرجال ولا ما للنساء فانصرف علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال

(1) قطط كصنم: قصير الشعر جعده ج قطون وقطاط، أشهل: يخالط
سواد العين بزرقة، أصهب: تكون في الشعر حمرة أو شقرة. ج. ز
99

يا رسول الله إذا بعثتني في الامر أكون فيه كالمسمار المحمى في الوتر أم أثبت؟
قال فقال لا بل أثبت، فقال والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال ولا ما للنساء فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت (1)
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في
الذين آمنوا لهم عذاب اليم) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن
أبي عبد الله عليه السلام قال من قال في مؤمن ما رأت عيناه وما سمعت أذناه كان من
الذين قال الله فيهم " ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم
عذاب اليم في الدنيا والآخرة " ثم أدب الله تعالى خلقه فقال: (يا أيها الذين
آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم - إلى قوله - فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم)
قال معناه معلما للناس (فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم فلا تدخلوها حتى يؤذن
لكم) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ولا يأتل أولوا الفضل
منكم والسعة ان يؤتوا اولي القربى) وهي قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله (والمساكين
والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا) يقول يعفو بعضكم عن بعض
ويصفح فإذا فعلتم كانت رحمة من الله لكم يقول الله: (ألا تحبون ان يغفر الله
لكم والله غفور رحيم) وقوله: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات)
يقول غافلات عن الفواحش وقوله: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات

(1) لا يتوهم متوهم ان هذا الخبر دال على منقصة في رسول الله صلى الله عليه وآله
حيث امر بقتل القبطي بدون إثبات جرمه وبدون التثبت فيه، وجوابه ان امر
رسول الله صلى الله عليه وآله بقتله هاهنا مشتمل على مصلحة، فإنه في عاقبة هذا الامر ظهر
كون القبطي عنينا ولو لم يكن هذا الانكشاف لكان دون إثبات براءة مارية
القبطية خرط القتاد. ج. ز
100

والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون) يقول الخبيثات
من الكلام والعمل للخبيثين من الرجال والنساء يلزمونهم ويصدق عليهم من قال
والطيبون من الرجال والنساء من الكلام والعمل للطيبات واما قوله: (حتى
تستأنسوا وتسلموا على أهلها) قال الاستيناس هو الاستيذان حدثني علي بن
الحسين قال حدثني أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن ابان عن عبد الرحمن بن
أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الاستيناس وقع النعل والتسليم
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم
تحية من عند الله مباركة طيبة) قال هو سلامك على أهل البيت وردهم عليكم فهو
سلامك على نفسك ثم رخص الله تعالى فقال: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا
بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم) قال الصادق عليه السلام: هي الحمامات والخانات
والأرحية تدخلها بغير إذن وقوله: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم
ويحفظوا فروجهم).
فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر
فلا يحل لرجل مؤمن ان ينظر إلى فرج أخيه ولا يحل للمرأة ان تنظر إلى فرج
أختها وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله: (ولا يبدين زينتهن
إلا ما ظهر منها) فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار،
والزينة ثلاث: زينة للناس وزينة للمحرم وزينة للزوج، فاما زينة الناس فقد
ذكرناه، واما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها والدملج (1) وما دونه
والخلخال وما أسفل منه. واما زينة للزوج فالجسد كله واما قوله: (أو التابعين

(1) دملج كقنفذ ج دمالج: حلي يلبس في المعصم. ج. ز
101

غير اولي الإربة من الرجال) فهو الشيخ الكبير الفاني الذي لا حاجة له في النساء
والطفل الذي لم يظهر على عورات النساء واما قوله: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم
ما يخفين من زينتهن) يقول ولا تضرب إحدى رجليها بالأخرى ليقرع الخلخال
بالخلخال واما قوله: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ان
يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) فكانوا في الجاهلية لا ينكحون الأيامى فأمر
الله المسلمين ان ينكحوا الأيامى، وقال علي بن إبراهيم: الأيم التي ليس لها زوج
واما قوله: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ان علمتم فيهم
خيرا) فان العبيد والإماء كانوا يقولون لأصحابهم كاتبونا ومعنى ذلك انهم
يشترون أنفسهم من أصحابهم على أنهم يؤدون ثمنهم في نجمين (1) أو ثلاث أنجم
فيمتنعون عليهم فقال: (كاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا) ومعنى قوله: (وآتوهم
من مال الله الذي آتاكم) قال: إذا كاتبتموهم تجعلوا لهم من ذلك شيئا وقوله: (ولا
تكرهوا فتياكم على البغاء ان أردن تحصنا) قال كانت العرب وقريش يشترون
الإماء ويجعلون عليهن الضريبة الثقيلة ويقولون اذهبن وازنين واكتسبن فنهاهم الله
عز وجل عن ذلك فقال: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء - إلى قوله - غفور
رحيم) اي لا يؤاخذهن الله بذلك إذا أكرهن عليه، وفي رواية أبي الجارود عن
أبي جعفر عليه السلام قال: هذه الآية منسوخة نسختها " فان اتين بفاحشة فعليهن
نصف ما على المحصنات من العذاب ".
حدثنا محمد بن همام قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا محمد بن الحسن
الصايغ قال حدثنا الحسن بن علي عن صالح بن سهل الهمداني قال سمعت أبا عبد الله

(1) نجم: ما يؤدى من الدين في وقت معين يقال " جعلت مالي عليه نجوما "
ج. ز
102

عليه السلام يقول في قول الله (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة) المشكاة
فاطمة عليها السلام (فيها مصباح المصباح) الحسن والحسين (1) (في زجاجة الزجاجة
كأنها كوكب دري) كأن فاطمة عليها السلام كوكب دري بين نساء أهل الأرض
(يوقد من شجرة مباركة) يوقد من إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله السلام
(لا شرقية ولا غربية) يعني لا يهودية ولا نصرانية (يكاد زيتها يضئ) يكاد
العلم يتفجر منها (ولو لم تمسسه نار نور على نور) إمام منها بعد إمام (يهدي
الله لنوره من يشاء) يهدي الله للأئمة من يشاء ان يدخله في نور ولايتهم مخلصا
(ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم) حدثنا حميد بن زياد عن محمد
ابن الحسين عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما
السلام في هذه الآية " الله نور السماوات والأرض " قال بدأ بنور نفسه تعالى
" مثل نوره " مثل هداه في قلب المؤمن " كمشكاة فيها مصباح المصباح " والمشكاة
جوف المؤمن والقنديل قلبه والمصباح النور الذي جعله الله في قلبه " يوقد من
شجرة مباركة " قال الشجرة المؤمن " زيتونة لا شرقية ولا غربية " قال على
سواء الجبل لا غربية اي لا شرق لها ولا شرقية اي لا غرب لها إذا طلعت الشمس
طلعت عليها وإذا غربت الشمس غربت عليها " يكاد زيتها يضئ " يكاد النور الذي
جعله الله في قلبه يضئ وإن لم يتكلم " نور على نور " فريضة على فريضة وسنة على
سنة " يهدي الله لنوره من يشاء " يهدي الله لفرايضه وسننه من يشاء " ويضرب
الله الأمثال للناس " فهذا مثل ضربه الله للمؤمن، قال فالمؤمن يتقلب في خمسة من
النور، مدخله ومخرجه نور وعلمه نور وكلامه نور ومصيره يوم القيامة إلى
الجنة نور، قلت لجعفر بن محمد عليهما السلام جعلت فداك يا سيدي انهم يقولون
مثل نور الرب؟ قال سبحان الله ليس لله مثل قال الله لا تضربوا لله الأمثال.
حدثنا محمد بن همام قال حدثنا جعفر بن (2) محمد بن مالك قال حدثنا القاسم

(1) وفى ط (مصباح) الحسن و (المصباح) الحسين
(2) وفى ط محمد بن جعفر
103

ابن الربيع عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل عن جابر عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله (في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه) قال هي بيوت
الأنبياء وبيت علي عليه السلام منها قال علي بن إبراهيم في قوله: " الله نور السماوات
والأرض - إلى قوله - والله بكل شئ عليم " فإنه حدثني أبي عن عبد الله بن
جندب قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام اسأل عن تفسير هذه الآية فكتب
إلي الجواب: اما بعد فان محمدا كان امين الله في خلقه فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله كنا
أهل البيت ورثنه فنحن أمناء الله في ارضه عندنا علم المنايا والبلايا وأنساب العرب
ومولد الاسلام وما من فئة تضل مأة به وتهدي مأة به إلا ونحن نعرف سائقها
وقائدها وناعقها وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان وحقيقة النفاق وان
شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم اخذ الله علينا وعليهم الميثاق يردون
موردنا ويدخلون مدخلنا ليس على ملة الاسلام غيرنا وغيرهم إلى يوم القيامة،
نحن آخذون بحجزة نبينا (1) ونبينا آخذ بحجزة ربنا والحجزة النور وشيعتنا
آخذون بحجزتنا، من فارقنا هلك ومن تبعنا نجا والمفارق لنا والجاحد لولايتنا
كافر ومتبعنا وتابع أوليائنا مؤمن، لا يحبنا كافر ولا يبغضنا مؤمن ومن مات
وهو يحبنا كان حقا على الله ان يبعثه معنا، نحن نور لمن تبعنا، وهدى لمن
اهتدى بنا ومن لم يكن منا فليس من الاسلام في شئ وبنا فتح الله الدين وبنا
يختمه، وبنا أطعمكم الله عشب الأرض، وبنا انزل الله قطر السماء، وبنا آمنكم
الله من الغرق في بحركم ومن الخسف في بركم وبنا نفعكم الله في حياتكم وفي
قبوركم وفي محشركم وعند الصراط وعند الميزان وعند دخولكم الجنان، مثلنا في

(1) حجزة كحجزة: موضع التكة من السراويل يقال " هذا كلام آخذ
بعضه بحجزة بعض " اي متناظم متناسق. ج. ز
104

كتاب الله كمثل مشكاة والمشكاة في القنديل فنحن المشكاة فيها مصباح، المصباح
محمد رسول الله صلى الله عليه وآله " المصباح في زجاجة " من عنصرة طاهرة " الزجاجة كأنها
كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية " لا دعية ولا
منكرة " يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار " القرآن " نور على نور يهدي الله
لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم " فالنور علي عليه السلام
يهدي الله لولايتنا من أحب، وحق على الله ان يبعث ولينا مشرقا وجهه منيرا
برهانه ظاهرة عند الله حجته حق على الله ان يجعل أولياءنا المتقين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا، فشهداؤنا لهم فضل على الشهداء بعشر درجات
ولشهيد شيعتنا فضل على كل شهيد غيرنا بتسع درجات نحن النجباء ونحن افراط
الأنبياء ونحن أولاد الأوصياء ونحن المخصوصون في كتاب الله ونحن أولى الناس
برسول الله صلى الله عليه وآله ونحن الذين شرع الله لنا دينه فقال في كتابه: شرع لكم
من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك - يا محمد. وما وصينا به إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، قد علمنا وبلغنا ما علمنا واستودعنا علمهم ونحن
ورثة الأنبياء ونحن ورثة اولي العلم وأولي العزم من الرسل ان أقيموا الدين (ولا
تموتن إلا وأنتم مسلمون ك) كما قال الله " ولا تتفرقوا فيه وان كبر على المشركين
ما تدعوهم إليه " من الشرك من اشرك بولاية علي عليه السلام " ما تدعوهم إليه " من
ولاية علي عليه السلام يا محمد " فيه هدى ويهدي إليه من ينيب " من يجيبك إلي بولاية
علي عليه السلام وقد بعثت إليك بكتاب فتدبره وافهمه فإنه شفاء لما في الصدور ونور،
والدليل على أن هذا مثل لهم.
قوله (في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو
والآصال - إلى قوله - بغير حساب) ثم ضرب الله مثلا لاعمال من نازعهم فقال
(والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة) والسراب هو الآل تراه بالمفازة
105

يلمع من بعيد كأنه الماء وليس في الحقيقة بشئ فإذا جاء العطشان لم يجده شيئا
والبقيعة المفازة المستوية، حدثنا محمد بن همام (جعفر بن ط) عن محمد بن مالك عن محمد بن الحسين
الصايغ عن الحسن بن علي عن صالح بن سهل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
في قول الله (أو كظلمات) فلان وفلان (في بحر لجي يغشاه موج) يعنى نعثل
(من فوقه موج) طلحة وزبير (ظلما بعضها فوق بعض) معاوية ويزيد وفتن بنى أمية (إذا
اخرج يده) في ظلمة فتنتهم (لم يكد يريها ومن لم يجعل الله له نورا فماله من
نور) يعني إماما من ولد فاطمة (ع)، فماله من نور فماله من إمام يوم القيامة
يمشي بنوره يعني كما في قوله: يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم قال: إنما
المؤمنون يوم القيامة نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حتى ينزلوا منازلهم
من الجنان.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ألم تر ان الله يسبح له من في السماوات
والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) فإنه حدثني أبي عن بعض
أصحابه يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنين (ع): إن لله ملكا في
صورة الديك الأملح الأشهب براثينه (1) في الأرض السابعة وعرفه تحت العرش
له جناحان جناح بالمشرق وجناح بالمغرب فاما الجناح الذي بالمشرق فمن ثلج واما
الجناح الذي بالمغرب فمن نار فكلما حضر وقت الصلاة قام الديك على براثينه ورفع
عرفه من تحت العرش ثم أمال أحد جناحيه على الأرض يصفق بهما كما يصفق
الديكة في منازلكم فلا الذي من الثلج يطفي النار ولا الذي من النار يذيب الثلج
ثم ينادي بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله خاتم
النبيين وان وصيه خير الوصيين سبوح قدوس رب الملائكة والروح، فلا يبقى في

(1) جمع برثن كقنفذ وهو ما في الطير بمنزلة الظفر في الانسان. مجمع
106

الأرض ديك إلا اجابه وذلك قوله: " والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه "
أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن
الحسن بن علي الوشا عن صديق بن عبد الله عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: ما من طير يصاد في البر ولا في البحر ولا يصاد شئ من الوحش إلا
بتضييعه التسبيح.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ألم تر ان الله يزجي سحابا) اي يثيره
من الأرض ثم يؤلف بينه فإذا غلظ (علا خ ل) بعث الله ملكا من الرياح
وهو قوله: (فترى الودق يخرج من خلاله) اي المطر وقوله: (والله خلق كل
دابة من ماء) اي من مياه (فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين
ومنهم من يمشي على اربع يخلق الله ما يشاء ان الله على كل شئ قدير) قال على
رجلين الناس وعلى بطنه الحيات وعلى اربع البهائم وقال أبو عبد الله (ع) ومنهم
من يمشي على أكثر من ذلك وقوله: (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا - إلى
قوله - وما أولئك بالمؤمنين) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن
أبي عبد الله (ع) قال: نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين (ع) والثالث وذلك أنه
كان بينهما منازعة في حديقة فقال أمير المؤمنين (ع) نرضى برسول الله صلى الله عليه وآله
فقال عبد الرحمن بن عوف له لا تحاكمه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه يحكم له
عليك ولكن حاكمه إلى ابن أبي شيبة اليهودي فقال لأمير المؤمنين (ع)
لا ارضى إلا بابن شيبة اليهودي فقال ابن شيبة له تأتمنون محمدا (رسول الله خ ل)
على وحي السماء وتتهمونه في الاحكام! فأنزل الله على رسوله (وإذا دعوا إلى
الله ورسوله ليحكم بينهم - إلى قوله - أولئك هم الظالمون) ثم ذكر أمير المؤمنين
عليه السلام فقال: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ان
يقولوا سمعنا وأطعنا - إلى قوله - أولئك هم الفائزون) وقوله: (قل أطيعوا الله
107

وأطيعوا الرسول فان تولوا فإنما عليه ما حمل) قال ما حمل النبي صلى الله عليه وآله من النبوة
(وعليكم ما حملتم) من الطاعة ثم خاطب الله الأئمة ووعدهم ان يستخلفهم في الأرض
من بعد ظلمهم وغصبهم فقال: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم - إلى قوله - لا يشركون بي
شيئا) وهذا مما ذكرنا ان تأويله بعد تنزيله وهو معطوف على قوله: " رجال
لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ".
واما قوله: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم - إلى
قوله - ثلاث عورات لكم) قال: إن الله تبارك وتعالى نهى ان يدخل أحد في
هذه الثلاثة الأوقات على أحد لا أب ولا أخت ولا أم ولا خادم إلا باذن هذه والأوقات
بعد طلوع الفجر ونصف النهار وبعد العشاء الآخرة، ثم أطلق بعد هذه الثلاثة
الأوقات فقال: (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن) يعني بعد هذه الثلاثة
الأوقات وقوله: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح
ان يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) قال نزلت في العجايز اللاتي قد يئسن من
المحيض والتزويج ان يضعن الثياب ثم قال (وان يستعففن خير لهن) اي لا يظهرن
للرجال، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله: (ليس على الأعمى
حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) وذلك أن أهل المدينة قبل
ان يسلموا كانوا يعزلون الأعمى والأعرج والمريض وكانوا لا يأكلون معهم
وكانت الأنصار فيهم تيه وتكرم فقالوا: ان الأعمى لا يبصر الطعام والأعرج
لا يستطيع الزحام على الطعام والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح فعزلوا لهم طعامهم
على ناحية وكانوا يرون عليهم في مواكلتهم جناحا وكان الأعمى والمريض يقولون
لعلنا نؤذيهم إذا اكلنا معهم فاعتزلوا مواكلتهم فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله سألوه عن
ذلك فأنزل الله (ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا أو اشتاتا).
108

وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ان تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو
بيوت أمهاتكم أو بيوت اخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت
عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم
ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا أو أشتاتا) فإنها نزلت لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى المدينة وآخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار وآخى بين أبي بكر وعمر
وبين عثمان وعبد الرحمان بن عوف وبين طلحة والزبير وبين سلمان وأبي ذر وبين
المقداد وعمار وترك أمير المؤمنين عليه السلام فاغتم من ذلك غما شديدا، فقال:
يا رسول الله بأبي أنت وأمي لم لا تواخي بيني وبين أحد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
والله يا علي ما حبستك إلا لنفسي أما ترضى أن تكون أخي وأنا أخوك وأنت
أخي في الدنيا والآخرة وأنت وصيي ووزيري وخليفتي في أمتي تقضي ديني وتنجز
عداتي وتتولى على غسلي ولا يليه غيرك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه
لا نبي بعدي، فاستبشر أمير المؤمنين بذلك فكان بعد ذلك إذا بعث رسول الله
صلى الله عليه وآله أحدا من أصحابه في غزاة أو سرية يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في
الدين ويقول له خذ ما شئت وكل ما شئت فكانوا يمتنعون من ذلك حتى ربما
فسد الطعام في البيت فأنزل الله " ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا أو
اشتاتا " يعني ان حضر صاحبه أو لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه وقوله: (فإذا دخلتم
بيوتا فسلموا على أنفسكم) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
قال يقول إذا دخل الرجل منكم بيته فإن كان فيه أحد يسلم عليهم وإن لم يكن فيه
أحد فليقل السلام علينا من عند ربنا يقول الله تحية من عند الله مباركة طيبة
وقيل إذا لم ير الداخل بيتا أحدا فيه يقول السلام عليكم ورحمة الله يقصد به
الملكين الذين عليه شهودا.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله
109

- إلى قوله - حتى يستأذنوه) فإنها نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول الله
صلى الله عليه وآله لامر من الأمور في بعث يبعثه أو حرب قد حضرت يتفرقون بغير إذنه
فنهاهم الله عز وجل عن ذلك وقوله (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت
منهم) قال نزلت في حنظلة بن أبي عياش وذلك أنه تزوج في الليلة التي في صبيحتها
حرب أحد، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله ان يقيم عند أهله فأنزل الله هذه الآية
(فاذن لمن شئت منهم) فأقام عند أهله ثم أصبح وهو جنب فحضر القتال واستشهد
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صحايف فضة
بين السماء والأرض فكان يسمى " غسيل الملائكة " وقوله: (لا تجعلوا دعاء
الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعض) قال لا تدعوا رسول الله كما يدعو بعضكم
بعضا ثم قال: (فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة) يعني بلية
(أو يصيبهم عذاب اليم) قال القتل، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام
في قوله (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) يقول لا تقولوا
يا محمد ولا يا أبا القاسم لكن قولوا يا نبي الله ويا رسول الله قال الله: " فليحذر
الذين يخالفون عن امره " اي يعصون امره " ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم
عذاب اليم.
سورة الفرقان مكية
آياتها سبع وسبعون
(بسم الله الرحمن الرحيم تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين
نذيرا) ثم مدح عز وجل نفسه فقال: (الذي له ملك السماوات والأرض - إلى
قوله - تقديرا) ثم احتج عز وجل على قريش في عبادة الأصنام فقال (واتخذوا
من دون الله آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون - إلى قوله - ولا نشورا) ثم حكى
110

عز وجل أيضا فقال (وقال الذين كفروا ان هذا) يعني القرآن (إلا افك افتراه
واعانه عليه قوم آخرون) قالوا إن هذا الذي يقرأه محمد ويخبرنا به إنما يتعلمه من
اليهود ويكتبه من علماء النصارى ويكتب عن رجل يقال له ابن قبيطة وينقله عنه
بالغداة والعشي فحكى الله قولهم ورد عليهم فقال (وقال الذين كفروا ان هذا إلا
افك افتراه - إلى قوله - بكرة وأصيلا) فرد الله عليهم (وقال قل لهم - يا محمد
(أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض انه كان غفورا رحيما) وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " افك افتراه " قال الافك الكذب
" وأعانه عليه قوم آخرون " يعنون أبا فكيهة وحبرا وعداسا وعابسا مولى
حويطب وقوله (أساطير الأولين اكتتبها) فهو قول النضر بن الحارث بن علقمة
ابن كلدة قال أساطير الأولين اكتتبها محمد (فهي تملى عليه بكرة وأصيلا).
قال علي بن إبراهيم ثم حكى الله قولهم أيضا فقال (وقالوا مال هذا الرسول
يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى
إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها) فرد الله عز وجل عليهم فقال (وما أرسلنا
قبلك من المرسلين - إلى قوله - وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) اي اختبارا فعير
رسول الله صلى الله عليه وآله بالفقر فقال الله تعالى (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من
ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا) حدثنا محمد بن عبد الله
عن أبيه عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل بن
جميل البرقي (الرقى ط) عن جابر بن يزيد الجعفي قال قال أبو جعفر عليه السلام: نزل جبرئيل عليه السلام
على رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا " وقال الظالمون لآل محمد حقهم ان
تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون
سبيلا " قال إلى ولاية علي وعلي عليه السلام هو السبيل، حدثنا محمد بن همام عن جعفر
ابن محمد بن مالك قال حدثني محمد بن المستنير (المثنى ط) عن أبيه عن عثمان بن زيد عن جابر
111

ابن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام مثله.
حدثنا أحمد بن علي قال حدثني الحسين بن أحمد عن أحمد بن هلال عن عمر
الكلبي عن أبي الصامت قال قال أبو عبد الله عليه السلام: ان الليل والنهار اثنتا عشرة
ساعة وان علي بن أبي طالب عليه السلام اشرف ساعة من اثنتي عشرة ساعة وهو قول
الله تعالى (بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا).
قال علي بن إبراهيم ثم ذكر الدهرية وما أعده لهم فقال (بل كذبوا بالساعة
وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد) قال من مسيرة سنة
(سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها) اي فيها (مكانا ضيقا مقرنين) قال
مقيدين بعضهم مع بعض (دعوا هنالك ثبورا)
ثم ذكر عز وجل احتجاجه على الملحدين وعبدة الأصنام والنيران يوم
القيامة وعبدة الشمس والقمر والكواكب وغيرهم فقال (ويوم يحشرهم وما يعبدون
من دون الله فيقول) الله لمن عبدوهم (أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا
السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك من أولياء - إلى قوله - قوما
بورا) اي قوم سوء، ثم يقول عز وجل للناس الذين عبدوهم (فقد كذبوكم
الجزء (19) بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا - وقوله - ويقولون حجرا محجورا)
اي قدرا مقدورا.
واما قوله (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) فإنه حدثني
أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام
قال يبعث الله يوم القيامة قوما بين أيديهم نور كالقباطي (1) ثم يقال له كن

(1) قباطي جمع قبطي بضم القاف ثياب بيض نسبة إلى القبط بكسر القاف
ومنه حديث اسامة " كساني رسول الله قبطية " مجمع ج. ز.
112

هباءا منثورا ثم قال: أما والله يا أبا حمزة انهم كانوا ليصومون ويصلون ولكن
كانوا إذا عرض لهم شئ من الحرام اخذوه وإذا عرض لهم شئ من فضل
أمير المؤمنين عليه السلام أنكروه قال والهباء المنثور هو الذي تراه يدخل البيت في
الكوة من شعاع الشمس وقوله (ويوم يعض الظالم على يديه) قال الأول يقول
(يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) قال أبو جعفر عليه السلام يقول يا ليتني اتخذت
مع الرسول عليا وليا (يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) يعني الثاني (لقد أضلني
عن الذكر بعد إذ جاءني) يعني الولاية (وكان الشيطان) وهو الثاني (للانسان
خذولا) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (أصحاب الجنة
يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) فبلغنا والله أعلم انه إذا استوى أهل النار
إلى النار لينطلق بهم قبل ان يدخلوا النار فيقال لهم: ادخلوا إلى ظل ذي ثلاث
شعب من دخان النار فيحسبون انها الجنة ثم يدخلون النار أفواجا أفواجا وذلك
نصف النهار، وأقبل أهل الجنة فيما اشتهوا من التحف حتى يعطوا منازلهم في
الجنة نصف النهار فذلك قول الله عز وجل: " أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا
وأحسن مقيلا " حدثنا محمد بن همام قال حدثنا جعفر بن محمد بن مالك عن محمد
ابن حمدان عن محمد بن سنان عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته
عن قول الله " ويوم تشقق السماء بالغمام " قال: الغمام أمير المؤمنين عليه السلام.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (وعادا وثمود وأصحاب الرس) فإنه حدثني
أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله (ع) قال دخلت امرأة مع مولاة
لها على أبي عبد الله (ع) فقالت ما تقول في اللواتي مع اللواتي؟ قال: هن في
النار إذا كان يوم القيامة يؤتى بهن فألبسن جلبابا من نار وخفين من نار وقناعا
من نار وادخل في أجوافهن وفروجهن أعمدة من النار وقذف بهن في النار،
فقالت أليس هذا في كتاب الله؟ قال: بلى، قالت أين هو؟ قال: قوله " وعادا
113

وثمود وأصحاب الرس " فهن الرسيات وقوله (وكلا تبرنا تتبيرا) أخبرنا احمد
ابن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن جعفر بن غياث عن
أبي عبد الله (ع) في قوله " وكلانا تبرنا تتبيرا " يعني كسرنا تكسيرا، قال هي
لفظة بالنبطية (بالقبطية ط)، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) قال: واما القرية (التي
أمطرت مطر السوء) فهي سدوم قرية قوم لوط أمطر الله عليهم حجارة من سجيل
يقول من طين.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال نزلت في
قريش، وذلك أنه ضاق عليهم المعاش فخرجوا من مكة وتفرقوا فكان الرجل إذا
رأى شجرة (صخرة ط) حسنة أو حجرا حسنا هواه فعبده وكانوا ينحرون لها النعم
ويلطخونها بالدم ويسمونها سعد صخرة وكان إذا أصابهم داء في إبلهم وأغنامهم
جاؤوا إلى الصخرة فيتمسحون بها الغنم والإبل، فجاء رجل من العرب بابل له يريد
ان يتمسح بالصخرة لابله ويبارك عليها فنفرت إبله وتفرقت فقال الرجل شعرا:
أتيت إلى سعد ليجمع شملنا * فشتتنا سعد فما نحن من سعد
وما سعد إلا صخرة مستوية * من الأرض لا تهدي لغي ولا رشد
ومر به رجل من العرب والثعلب يبول عليه، فقال شعرا:
ورب يبول الثعلبان برأسه * لقد ذل من بالت عليه الثعالب
واما قوله (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك
قديرا) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن بريد العجلي
عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن قول الله " وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله
نسبا وصهرا " قال: إن الله تبارك وتعالى خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته
114

من سنخه فبرأها من أسفل أضلاعه (1) فجرى بذلك الضلع بينهما نسب ثم
زوجها إياه فجرى بينهما بسبب ذلك صهر فذلك قوله (نسبا وصهرا) فالنسب يا أخا
بنى عجل ما كان من نسب الرجال والصهر ما كان بسبب النساء، وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) فقال الظل ما بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس وقوله (مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج)
فالأجاج المر (وجعل بينهما برزخا) يقول حاجزا وهو المنتهى (وحجرا محجورا)
يقول حراما محرما بأن يغير طعم واحد منهما طعم الآخر واما قوله (وكان الكافر
على ربه ظهيرا).
فقال علي بن إبراهيم: قد يسمى الانسان ربا لغة لقوله " اذكرني عند
ربك " وكل مالك لشئ يسمى ربه فقوله " وكان الكافر على ربه ظهيرا " قال
الكافر الثاني كان على أمير المؤمنين (ع) ظهيرا (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن
قالوا وما الرحمن) قال جوابه (الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان) وفي
رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله تبارك وتعالى (تبارك الذي

(1) لا يخفى أن هذه الرواية وردت موافقة للعامة وقد ورد
في العلل والفقيه ما يدل على ردها من عدم خلقة حواء من ضلع آدم، فعن
زرارة قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى،
قال سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا أيقول من يقول هذا ان الله تبارك
وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته من غير ضلعه وجعل لمتكلم من
أهل التشنيع سبيلا إلى الكلام يقول إن آدم كان ينكح بعضه بعضا (علل الشرائع
ص 18)، فعليه يحمل ما في هذا التفسير اما على التقية أو يجمع بين الخبرين يكون
خلق حواء من بقية طين خلق منه ضلع آدم. ج. ز
115

جعل في السماء بروجا) فالبروج الكواكب والبروج التي للربيع والصيف الحمل
والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة وبروج الخريف والشتاء الميزان
والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وهي اثنا عشر برجا.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد
ان يذكر أو أراد شكورا) فإنه حدثني أبي عن صالح بن عقبة عن جميل عن
أبي عبد الله عليه السلام قال قال له رجل: جعلت فداك يا بن رسول الله ربما فاتتني صلاة
الليل الشهر والشهرين والثلاثة فأقضيها بالنهار أيجوز ذلك؟ قال قرة عين لك والله
قرة عين لك ثلاثا ان الله يقول " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة " الآية
فهو قضاء صلاة النهار بالليل وقضاء صلاة الليل بالنهار وهو من سر آل محمد
المكنون وفي قوله (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) قال نزلت
في الأئمة عليهم السلام، أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى
عن ابن أبي نجران عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
(وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) قال الأئمة (يمشون على الأرض
هونا) خوفا من عدوهم، وعنه عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سليمان
ابن جعفر قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله تعالى (وعباد الرحمن الذين
يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم
سجدا وقياما) قال هم الأئمة عليهم السلام يتقون في مشيهم، وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (إن عذابها كان غراما) يقول ملازما
لا يفارق قوله (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم
الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما) وأثام واد من أودية جهنم
من صفر مذاب قدامها خدة (حدة ط جرة ك) في جهنم يكون فيه من عبد غير الله
ومن قتل النفس التي حرم الله ويكون فيه الزناة (ويضاعف له العذاب - إلى
116

قوله - فإنه يتوب إلى الله متابا) يقول لا يعود إلى شئ من ذلك، بالاخلاص
ونية صادقة (والذين لا يشهدون الزور) قال الغناء ومجالس اللهو (إذا انفقوا لم
يسرفوا ولم يقتروا) والاسراف الانفاق في المعصية في غير حق ولم يقتروا لم يبخلوا
عن حق الله (وكان بين ذلك قواما) والقوام العدل والانفاق فيما أمر الله به.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر - إلى
قوله - يلق أثاما) قال واديا في جهنم يقال له أثام ثم استثنى عز وجل فقال:
(إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) وحدثني
أبي عن جعفر وإبراهيم عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة
أوقف الله المؤمن بين يديه وعرض عليه عمله فينظر في صحيفته فأول ما يرى سيئاته
فيتغير لذلك لونه وترتعد فرائصه ثم تعرض عليه حسناته فتفرح لذلك نفسه فيقول
الله عز وجل بدلوا سيئاتهم حسنات وأظهروها للناس فيبدل الله لهم فيقول الناس
أما كان لهؤلاء سيئة واحدة وهو قوله " يبدل الله سيئاتهم حسنات ".
قال: وقرئ عند أبي عبد الله عليه السلام (والذين يقولون ربنا هب لنا من
أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) فقال قد سألوا الله عظيما ان
يجعلهم للمتقين أئمة! فقيل له كيف هذا يا بن رسول الله؟ قال إنما انزل الله
" الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من
المتقين إماما " حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا الحسن بن محمد عن حماد عن ابان
ابن تغلب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل " الذين يقولون ربنا
هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " قال نحن هم أهل البيت
وروى غيره ان " أزواجنا " خديجة " وذرياتنا " فاطمة " وقرة أعين "
الحسن والحسين " واجعلنا للمتقين إماما " علي بن أبي طالب عليه السلام وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم)
117

يقول ما يفعل ربي بكم (فقد كذبتم فسوف يكون لزاما).
سورة الشعراء مكية
آياتها مأتان وسبع وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم طسم تلك آيات الكتاب المبين) قال طسم هو
حرف من حروف اسم الله الأعظم المرموز في القرآن وقوله (فلعلك باخع نفسك)
اي خادع نفسك (ألا يكونوا مؤمنين) (1) وقوله (إن نشأ ننزل عليهم من
السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تخضع رقابهم يعني بني أمية وهي الصيحة من السماء
باسم صاحب الامر.
وقوله (وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين) فإنه حدثني أبي
عن الحسن بن علي بن فضال عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما بعث
الله موسى إلى فرعون اتى بابه فاستأذن عليه فلم يؤذن له فضرب بعصاه الباب
فاصطكت الأبواب ففتحت ثم دخل على فرعون فأخبره انه رسول رب العالمين
وسأله ان يرسل معه بني إسرائيل، فقال له فرعون كما حكى الله (ألم نربك فينا
وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت) اي قتلت الرجل
(وأنت من الكافرين) يعني كفرت نعمتي قال موسى كما حكى الله (فعلتها إذا

(1) لعل " خادع " ههنا بمعنى قاطع كما في الدعاء للمؤمنين الذين حبسهم
المنصور " اللهم اخدع عنهم سلطانه " اي اقطع، فالمراد هنا انك قاطع نفسك
عن الحباة حسرة على أن الكفار لم لا يكونون مؤمنين. ج. ز
118

وأنا من الضالين (1) ففررت منكم لما خفتكم - إلى قوله - ان عبدت بني إسرائيل)
فقال فرعون (وما رب العالمين) وإنما سأله عن كيفية الله فقال موسى (رب
السماوات والأرض وما بينهما ان كنتم موقنين) فقال فرعون متعجبا لأصحابه:
(ألا تستمعون) اسأله عن الكيفية فيجيبني عن الصفات فقال موسى (ربكم
ورب آبائكم الأولين) ثم قال لموسى: (لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من
المسجونين) قال موسى: (أولو جئتك بشئ مبين) قال فرعون (فات به إن
كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) فلم يبق أحد من جلساء
فرعون إلا هرب ودخل فرعون من الرعب ما لم يملك به نفسه، فقال فرعون:
أنشدك بالله وبالرضاع إلا ما كففتها عني فكفها ثم (نزع يده فإذا هي بيضاء
للناظرين).
فلما أخذ موسى العصا رجعت إلى فرعون نفسه وهم بتصديقه فقام إليه
هامان فقال له: بينما أنت إله تعبد إذ صرت تابعا لعبد ثم قال فرعون (للملأ)
الذين (حوله ان هذا لساحر عليم يريد ان يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا
تأمرون - إلى قوله - لميقات يوم معلوم) وكان فرعون وهامان قد تعلما السحر

(1) قال في مجمع البيان: وأنا من الضالين اي فعلت هذه الفعلة وأنا من
الجاهلين لم اعلم بأنها تبلغ القتل، وقيل من الضالين عن النبوة. اي لم يوح إلي
تحريم قتله، وفي الصافي عن العيون عن الرضا عليه السلام انه سئل عن ذلك مع أن
الأنبياء معصومون فقال: قال وأنا من الضالين عن الطريق بوقوعي إلى مدينة
من مداينكم ثم قال الكاشاني رحمه الله في توضيح هذا الحديث: لعل المراد انه
ورى لفرعون فقصد الضلال عن الطريق وفرعون إنما فهم منه الجهل والضلال عن
الحق فان الضلال عن الطريق لا يصلح عذرا للقتل ج ز
119

وإنما غلبا الناس بالسحر وادعى فرعون الربوبية بالسحر فلما أصبح بعث في المداين
حاشرين مداين مصر كلها وجمعوا الف ساحر واختاروا من الألف مائة ومن المائة
ثمانين، فقال السحرة لفرعون قد علمت أنه ليس في الدنيا أسحر منا فان غلبنا
موسى فما يكون لنا عندك؟ قال: (انكم إذا لمن المقربين) عندي أشارككم في
ملكي، قالوا: فان غلبنا موسى وأبطل سحرنا علمنا أن ما جاء به ليس من قبل
السحر ولا من قبل الحيلة وآمنا به وصدقناه فقال فرعون ان غلبكم موسى صدقته
أنا أيضا معكم، ولكن اجمعوا كيدكم اي حيلتكم، قال وكان موعدهم يوم عيد
لهم فلما ارتفع النهار من ذلك اليوم جمع فرعون الناس والسحرة وكانت له قبة
طولها في السماء ثمانون ذراعا وقد كان كسيت بالحديد والفولاذ المصقول فكانت
إذا وقعت الشمس عليها لم يقدر أحد ان ينظر إليها من لمع الحديد ووهج الشمس
وجاء فرعون وهامان وقعدا عليها ينظران وأقبل موسى ينظر إلى السماء، فقالت
السحرة لفرعون: إنا نرى رجلا ينظر إلى السماء ولن يبلغ سحرنا إلى السماء
وضمنت السحرة من في الأرض فقالوا لموسى اما ان تلقي واما ان نكون نحن
الملقين (قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم) فأقبلت
تضطرب وصارت مثل الحيات (قالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) فأوجس
في نفسه خيفة موسى فنودي " لا تخف انك أنت الاعلى والق ما في يمينك تلقف
ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث اتى ".
فألقى موسى العصا فذابت في الأرض مثل الرصاص ثم طلع رأسها وفتحت
فاها ووضعت شدقها العليا على رأس قبة فرعون ثم دارت وأرخت شفتها السفلى
والتقمت عصي السحرة وحبالها وغلب كلهم وانهزم الناس حين رأوها وعظمها
وهو لها مما لم تر العين ولا وصف الواصفون مثله فقتل في الهزيمة من وطي الناس
عشرة آلاف رجل وامرأة وصبي ودارت على قبة فرعون قال فأحدث فرعون
120

وهامان في ثيابهما وشاب رأسهما وغشي عليهما من الفزع ومر موسى في الهزيمة
مع الناس، فناداه الله " خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى " فرجع موسى
ولف على يده عباءا كانت عليه ثم ادخل يده في فمها فإذا هي عصا كما كانت وكان
كما قال الله (فألقي السحرة ساجدين) لما رأوا ذلك (قالوا آمنا برب العالمين
رب موسى وهارون) فغضب فرعون عند ذلك غضبا شديدا و (قال آمنتم له قبل
أن آذن لكم انه لكبيركم) يعني موسى (الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون
لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين) فقالوا له كما حكى الله
(لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع ان يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول
المؤمنين) فحبس فرعون من آمن بموسى حتى انزل الله عليهم الطوفان والجراد
والقمل والضفادع والدم، فأطلق فرعون عنهم فأوحى الله إلى موسى (أن أسر
بعبادي انكم متبعون) فخرج موسى ببني إسرائيل ليقطع بهم البحر.
وجمع فرعون أصحابه وبعث في المدائن حاشرين وحشر الناس وقدم
مقدمته في ستمائة الف وركب هو في الف الف وخرج كما حكى الله عز وجل
(فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل
فاتبعوهم مشرقين) فلما قرب موسى البحر وقرب فرعون من موسى (قال أصحاب
موسى إنا لمدركون) قال موسى (كلا ان معي ربي سيهدين) اي سينجيني.
فدنا موسى عليه السلام من البحر فقال له انفلق، فقال البحر له: استكبرت
يا موسى ان تقول لي انفلق لك ولم أعص الله طرفة عين وقد كان فيكم المعاصي، فقال له
موسى فاحذر ان تعصي وقد علمت أن آدم اخرج من الجنة بمعصيته وإنما إبليس
لعن بمعصيته فقال البحر ربي عظيم مطاع أمره ولا ينبغي لشئ ان يعصيه،
فقام يوشع بن نون فقال لموسى: يا رسول الله ما أمرك ربك؟ فقال: بعبور
البحر، فاقتحم يوشع فرسه في الماء وأوحى الله إلى موسى (ان اضرب بعصاك
121

البحر) فضربه (فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) اي كالجبل العظيم فضرب
له في البحر اثنى عشر طريقا فأخذ كل سبط منهم في طريق فكان الماء قد ارتفع
وبقيت الأرض يابسة طلعت فيه الشمس فيبست كما حكى الله " فاضرب لهم طريقا
في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى " ودخل موسى البحر وكان أصحابه اثنى
عشر سبطا فضرب الله لهم في البحر اثنى عشر طريقا فأخذ كل سبط في طريق
وكان الماء قد ارتفع على رؤوسهم مثل الجبال فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى
في طريقه فقالوا يا موسى أين اخواننا؟ فقال لهم موسى معكم في البحر، فلم
يصدقوه فأمر الله البحر فصارت طاقات حتى كان ينظر بعضهم إلى بعض ويتحدثون
وأقبل فرعون وجنوده فلما انتهى إلى البحر قال لأصحابه ألا تعلمون
اني ربكم الاعلى قد فرج لي البحر فلم يجسر أحد ان يدخل البحر وامتنعت الخيل
منه لهول الماء فتقدم فرعون حتى جاء إلى ساحل البحر فقال له منجمه لا تدخل
البحر وعارضه فلم يقبل منه وأقبل على فرس حصان فامتنع الحصان ان يدخل الماء
فعطف عليه جبرئيل وهو على ما ديانة فتقدمه ودخل فنظر الفرس إلى الرمكة فطلبها
ودخل البحر واقتحم أصحابه خلفه فلما دخلوا كلهم حتى كان آخر من دخل من
أصحابه وآخر من خرج من أصحابه موسى أمر الله الرياح فضربت البحر بعضه
ببعض فأقبل الماء يقع عليهم مثل الجبال فقال فرعون عند ذلك " آمنت أنه لا إله
إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين " فأخذ جبرئيل كفا من حماة
فدسها في فيه ثم قال: " الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (لشرذمة قليلون) يقول عصبة قليلة
(وإنا لجميع حاذرون) يقول مؤدون في الأداة وهو الشاك في السلاح واما قوله
" ومقام كريم " يقول مساكن حسنة واما قوله " فاتبعوهم مشرقين " يعني عند
طلوع الشمس واما قوله " معي ربي سيهدين " يقول سيكفين واما قوله (وأزلفت
122

الجنة للمتقين) يقول قربت (وبرزت الجحيم) يقول نحيت (1) واما قوله:
(افتح بيني وبينهم فتحا) يقول اقض بيني وبينهم قضاءا وقال علي بن إبراهيم
في قوله: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) قال: هو أمير المؤمنين عليه السلام
وقوله: (إلا من أتى الله بقلب سليم) قال: القلب السليم الذي يلقى الله وليس
فيه أحد سواه.
وقوله: (فكبكبوا فيها هم والغاوون) قال الصادق عليه السلام: نزلت في قوم
وصفوا عدلا ثم خالفوه إلى غيره وفي خبر آخر قال: هم بنو أمية " والغاوون "
هم بنو فلان (قالوا وهم فيها يختصمون تالله ان كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم
برب العالمين) يقولون لمن تبعوهم أطعناكم كما أطعنا الله فصرتم أربابا ثم يقولون
(فما لنا من شافعين ولا صديق حميم) وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن
أبي اسامة عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام قالا: والله لنشفعن في المذنبين
من شيعتنا حتى يقولوا أعداؤنا إذا رأوا ذلك (فما لنا من شافعين ولا صديق
حميم فلو ان لنا كرة فنكون من المؤمنين) قال: من المهتدين قال: لان الايمان
قد لزمهم بالاقرار وقوله: (قالوا أنؤمن لك يا نوح واتبعك الأرذلون) قال
الفقراء وقوله: (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) قال: تقتلون بالغضب من غير
استحقاق وقوله: (ونخل طلعها هضيم) اي ممتلئ وقوله: (وتنحتون من
الجبال بيوتا فارهين) اي حاذقين ويقرأ فرهين اي بطرين إلى قوله: (اني لعملكم
من القالين) اي من المبغضين وقوله: (واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين)
قال الخلق الأولين وقوله: (فكذبوه) قال قوم شعيب فأخذهم عذاب يوم ظلة)

(1) من نحوته اي قصدته وفي نسخة ك " للغاوين " بعد " نحيت "
ج. ز
123

قال يوم حر وسمائم (1) وقوله: (وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين)
يعني القرآن، وحدثني أبي عن حسان (حنان) عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (وانه لتنزيل
رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين) قال: الولاية
نزلت لأمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير وقوله: (ولو نزلناه على بعض الأعجمين
فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين) قال الصادق عليه السلام: لو انزل القرآن على العجم
ما آمنت به العرب وقد نزل على العرب فآمنت به العجم فهذه فضيلة العجم وقوله
(وأنذر عشيرتك الأقربين) قال نزلت " ورهطك منهم المخلصين ".
قال: نزلت بمكة فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله بني هاشم وهم أربعون رجلا
كل واحد منهم يأكل الجذع (2) ويشرب القربة فاتخذ لهم طعاما يسيرا واكلوا
حتى شبعوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من يكون وصيي ووزيري وخليفتي؟
فقال لهم أبو لهب جزما سحركم محمد صلى الله عليه وآله، فتفرقوا فلما كان اليوم الثاني امر
رسول الله صلى الله عليه وآله ففعل بهم مثل ذلك ثم سقاهم اللبن حتى رووا فقال لهم
رسول الله صلى الله عليه وآله: أيكم يكون وصيي ووزيري وخليفتي؟ فقال أبو لهب جزما
سحركم محمد فتفرقوا، فلما كان اليوم الثالث أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ففعل لهم
مثل ذلك ثم سقاهم اللبن فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أيكم يكون وصيي ووزيري؟
وينجز عداتي ويقضي ديني؟ فقام علي عليه السلام وكان أصغرهم سنا وأحمشهم (3)
ساقا وأقلهم مالا فقال: أنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت هو

(1) جمع سموم اي ريح حارة.
(2) جذع كفرس: من الضان ماله سنة تامة ومن الإبل ما دخل
في الخامسة. مجمع
(3) يقال " رجال حماش السوق " اي دقيقتها. ج. ز
124

وقوله: (الذي يرك حين تقوم وتقلبك في الساجدين) قال: حدثني محمد بن
الوليد عن محمد بن الفرات عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الذي يراك حين تقوم في
النبوة وتقلبك في الساجدين " قال في أصلاب النبيين (والشعراء يتبعهم الغاوون)
قال نزلت في الذين غيروا دين الله بآرائهم وخالفوا امر الله هل رأيتم شاعرا قط
تبعه أحد إنما عنى بذلك الذين وضعوا دينا بآرائهم فيتبعهم الناس على ذلك ويؤكد
ذلك قوله (ألم تر انهم في كل واد يهيمون) يعني يناظرون بالأباطيل ويجادلون
بالحجج المضلة وفي كل مذهب يذهبون (وانهم يقولون مالا يفعلون) قال يعظون
الناس ولا يتعظون وينهون عن المنكر ولا ينتهون ويأمرون بالمعروف ولا يعملون
وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم.
ثم ذكر آل محمد عليهم السلام وشيعتهم المهتدين فقال: (إلا الذين آمنوا
وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعدما ظلموا) ثم ذكر أعداءهم
ومن ظلمهم فقال (وسيعلم الذين ظلموا - آل محمد حقهم - اي منقلب ينقلبون)
هكذا والله نزلت، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (الفلك
المشحون) المجهز الذي قد فرغ منه ولم يبق إلا رفعه واما قوله: (بكل ريع)
قال أبو جعفر عليه السلام يعني بكل طريق (آية) والآية علي (تعبثون) وقوله (إنما
أنت من المسحرين) يقول أجوف مثل خلق الناس ولو كنت رسولا ما كنت مثلنا
وقوله (أصحاب الأيكة) الأيكة الغيضة من الشجر واما قوله (عذاب يوم الظلة
انه كان عذاب يوم عظيم) فبلغنا والله أعلم انه أصابهم حر وهم في بيوتهم فخرجوا
يلتمسون الروح من قبل السحابة التي بعث الله فيها العذاب فلما غشيتم اخذتهم
الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين وهم قوم شعيب وقوله (لفي زبر الأولين) يعني
كتب الأولين وقوله (انهم عن السمع لمعزولون) يقول خرس فهم عن السمع
125

لمعزولون وقوله: " ورهطك منهم المخلصين " علي بن أبي طالب وحمزة وجعفر
والحسن والحسين والأئمة من آل محمد عليهم السلام ثم قال: (لمن تبعك من
المؤمنين فان عصوك) يعني من بعدك في ولاية علي والأئمة عليهم السلام من ذريته
(فقل اني برئ مما تعملون) ومعصية الرسول صلى الله عليه وآله وهو ميت كمعصيته وهو حي
سورة النمل مكية
آياتها ثلاث وتسعون
(بسم الله الرحمن الرحيم طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين - إلى قوله -
هم الأخسرون وانك) مخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله (لتلقى القرآن من لدن) اي من
عند (حكيم عليم) وقوله (إذ قال موسى لأهله اني آنست نارا) اي رأيت ذلك
لما خرج من المداين من عند شعيب فكتب خبره في سورة القصص وقوله:
(يا موسى لا تخف اني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم) ومعنى إلا من ظلم
كقولك ولا من ظلم (ثم بدل حسنا بعد سوء فاني غفور رحيم) فوضع حرف
مكان حرف وقوله: (ولقد آتينا داود - إلى قوله - مبين) قال: اعطى داود
وسليمان ما لم يعط أحدا من أنبياء الله من الآيات علمهما منطق الطير وألان لهما
الحديد والصفر من غير نار وجعلت الجبال يسبحن مع داود وانزل الله عليه الزبور
فيه توحيد وتمجيد ودعاء وأخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة
عليهم السلام من ذريتهما عليهم السلام وأخبار الرجعة والقائم عليه السلام لقوله " ولقد
كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون " وقوله
(وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون) قعد على كرسيه
وحملته الريح فمرت به على وادي النمل وهو واد ينبت الذهب والفضة وقد وكل الله
به النمل وهو قول الصادق عليه السلام: إن لله واديا ينبت الذهب والفضة وقد حماه الله
126

بأضعف خلقه وهو النمل لو رامته البخاتي من الإبل ما قدرت عليه
فلما انتهى سليمان إلى وادي النمل فقالت نملة (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم
لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب
أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت علي - إلى قوله - في عبادك الصالحين) وكان
سليمان إذا قعد على كرسيه جاءت جميع الطير التي سخرها الله لسليمان فتظل الكرسي
والبساط بجميع من عليه من الشمس فغاب عنه الهدهد من بين الطير فوقع الشمس
من موضعه في حجر سليمان عليه السلام فرفع رأسه وقال كما حكى الله (مالي لا أرى
الهدهد - إلى قوله - بسلطان مبين) اي بحجة قوية فلم يمكث إلا قليلا إذ جاء
الهدهد فقال له سليمان أين كنت قال (أحطت بما لم تحطه وجئتك من سبأ بنبأ
يقين) اي بخبر صحيح (اني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ) وهذا
مما لفظه عام ومعناه خاص لأنها لم تؤت أشياءا كثيرة منها الذكر واللحية ثم قال:
(وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله - إلى قوله - فهم لا يهتدون)
ثم قال الهدهد (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخب ء في السماوات) اي المطر وفي
الأرض النبات
ثم قال سليمان (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين - إلى قوله - ماذا
يرجعون) فقال الهدهد انها في حصن منيع في عرش عظيم اي سرير فقال سليمان
الق الكتاب على قبتها فجاء الهدهد فألقى الكتاب في حجرها فارتاعت من ذلك
وجمعت جنودها وقالت لهم كما حكى الله (يا أيها الملأ اني ألقي إلي كتاب كريم)
اي مختوم (انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي واتوني
مسلمين) اي لا تتكبروا علي ثم قالت (يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت
قاطعة امرا حتى تشهدون) فقالوا لها كما حكى الله (نحن أولوا قوة وأولوا بأس
شديد والامر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها
127

وجعلوا أعزة أهلها أذلة) فقال الله عز وجل (وكذلك يفعلون) ثم قالت إن كان
هذا نبيا من عند الله كما يدعي فلا طاقة لنا به فان الله لا يغلب ولكن سأبعث
إليه بهدية فإن كان ملكا يميل إلى الدنيا قبلها وعلمنا انه لا يقدر علينا فبعثت إليه
حقة فيها جوهرة عظيمة وقالت للرسول قل له يثقب هذه الجوهرة بلا حديد ولا نار
فأتاه الرسول بذلك فأمر سليمان بعض جنوده من الديدان فأخذ خيطا في فمه ثم
ثقبها واخرج الخيط من الجانب الآخر وقال سليمان لرسولها (فما آتاني الله خير مما
آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها) اي
لا طاقة لهم بها (ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون).
فرجع إليها الرسول فأخبرها بذلك وبقوة سليمان فعلمت انه لا محيص لها
فارتحلت نحو سليمان فلما علم سليمان باقبالها نحوه قال للجن والشياطين (أيكم يأتيني
بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين قال عفريت) من عفاريت الجن (أنا آتيك به قبل
ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي امين) قال سليمان أريد اسرع من ذلك،
فقال آصف بن برخيا (أنا آتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك) فدعا الله باسمه
الأعظم فخرج السرير من تحت كرسي سليمان فقال (نكروا لها عرشها) اي غيروه
(ننظر أتهدي أم تكون من الذين لا يهتدون فلما جاءت قيل أهكذا عرشك
قالت كأنه هو) وكان سليمان قد امر ان يتخذ لها بيتا من قوارير ووضعه على
الماء ثم (قيل لها ادخلي الصرح) فظنت انه ماء فرفعت ثوبها وأبدت ساقيها فإذا
عليها شعر كثير فقيل لها (انه صرح ممرد من قوارير قالت رب اني ظلمت نفسي
وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) فتزوجها سليمان وهي بلقيس بنت الشرح
الحميرية وقالت الشياطين اتخذوا لها شيئا يذهب الشعر عنها فعملوا لها الحمامات
وطبخوا النورة فالحمامات والنورة مما اتخذته الشياطين لبلقس وكذا الأرحية
التي تدور على الماء.
128

وقال الصادق عليه السلام: وأعطي سليمان بن داود مع علمه معرفة المنطق بكل
لسان ومعرفة اللغات ومنطق الطير والبهايم والسباع فكان إذا شاهد الحروب تكلم
بالفارسية وإذا قعد لعماله وجنوده وأهل مملكته تكلم بالرومية وإذا خلا بنسائه تكلم
بالسريانية والنبطية وإذا قام في محرابه لمناجاة ربه تكلم بالعربية وإذا جلس للوفود
والخصماء تكلم بالعبرانية، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
" فهم يوزعون " قال يحبس أولهم على آخرهم وقوله " لأعذبنه عذابا شديدا "
يقول لأنتفن ريشه وقوله " ألا تعلوا علي " يقول لا تعظموا علي وقوله " لا قبل
لهم بها " يقول لا طاقة لهم بها.
وقول سليمان (ليبلوني أأشكر) لما اتاني من الملك (أم اكفر) إذا رأيت
من هو أدون مني أفضل مني علما فعزم الله له على الشكر واما قوله (قل الحمد لله
وسلم على عباده الذين اصطفى) قال: هم آل محمد عليهم السلام وقوله: (فتلك
بيوتهم خاوية بما ظلموا) قال لا تكون الخلافة في آل فلان ولا آل فلان ولا آل
فلان ولا طلحة ولا الزبير.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (امن خلق السماوات والأرض وانزل لكم
من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة) اي بساتين ذات حسن (ما كان لكم
ان تنبتوا شجرها) وهو على حد الاستفهام (أإله مع الله) يعني فعل هذا مع
الله (بل هم قوم يعدلون) قال عن الحق وقوله: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه
ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن علي بن
فضال عن صالح بن عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزلت في القايم من آل محمد
عليهم السلام، هو والله المضطر إذا صلى في المقام ركعتين ودعا الله فأجابه ويكشف
السوء ويجعله خليفة في الأرض وهذا مما ذكرنا ان تأويله بعد تنزيله.
ثم حكى عز وجل قول الدهرية فقال: (وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا
129

وآباؤنا أإنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل ان هذا إلا أساطير
الأولين) اي أكاذيب الأولين، فحزن رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك فأنزل الله تعالى
(ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون) ثم حكى أيضا قولهم (ويقولون
- يا محمد - متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى أن يكون ردف لكم) اي
قد قرب من خلفكم (بعض الذي تستعجلون) ثم قال (انك يا محمد لا تسمع الموتى
ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) اي ان هؤلاء الذين تدعوهم لا يسمعون
ما تقول كما لا يسمع الموتى والصم.
فاما قوله (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة - إلى قوله - بآياتنا
لا يوقنون) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد
جمع رملا ووضع رأسه عليه فحركه برجله ثم قال له: قم يا دابة الله فقال رجل من
أصحابه يا رسول الله أيسمى بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا
له خاصة وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه " وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم
دابة من الأرض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " ثم قال يا علي إذا كان
آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك، فقال
رجل لأبي عبد الله عليه السلام: إن الناس يقولون هذه الدابة إنما تكلمهم؟ فقال
أبو عبد الله عليه السلام كلمهم الله في نار جهنم إنما هو يكلمهم من الكلام والدليل على أن
هذا في الرجعة قوله (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم
يوزعون حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أماذا كنتم تعملون)
قال الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام فقال الرجل لأبي عبد الله عليه السلام إن
العامة تزعم أن قوله " ويوم نحشر من كل أمة فوجا " عني يوم القيامة، فقال
أبو عبد الله عليه السلام: أفيحشر الله من كل أمة فوجا ويدع الباقين؟ لا، ولكنه في
130

الرجعة، واما آية القيامة فهي " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " حدثني أبي
عن ابن أبي عمير عن المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى " ويوم نحشر
من كل أمة فوجا " قال ليس أحد من المؤمنين قتل إلا يرجع حتى يموت ولا يرجع
إلا من محض الايمان محضا ومن محض الكفر محضا.
قال أبو عبد الله عليه السلام قال رجل لعمار بن ياسر يا أبا اليقظان آية في كتاب الله
قد أفسدت قلبي وشككتني قال عمار: واي آية هي؟ قال قول الله: وإذا وقع
القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض، الآية فأي دابة هي؟ قال عمار والله
ما اجلس ولا آكل ولا اشرب حتى أريكها: فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين
عليه السلام وهو يأكل تمرا وزبدا، فقال له يا أبا اليقظان هلم فجلس عمار واقبل يأكل
معه، فتعجب الرجل منه، فلما قام عمار قال له الرجل سبحان الله يا أبا اليقظان
حلفت انك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتى تربنيها، قال عمار قد أريتكها
ان كنت تعقل، وقوله (وكل اتوه داخرين) قال خاشعين وقوله (وترى الجبال
تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شئ) قال فعل الله
الذي احكم كل شئ.
واما قوله: (من جاء بالحسنة فله خير منها) فله عشر أمثالها وقوله (من جاء بالسيئة
فكبت وجوههم في النار) قال الحسنة والله ولاية أمير المؤمنين عليه السلام والسيئة والله
عداوته حدثنا محمد بن سلمة قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا يحيى بن زكريا اللؤلؤي
عن علي بن حسان (حنان خ ل) عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام
في قوله: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " قال هي للمسلمين عامة والحسنة
الولاية فمن عمل من حسنة كتبت له عشرا فإن لم تكن له ولاية رفع عنه بما عمل
من حسنة في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق، قال علي بن إبراهيم في قوله:
(إنما أمرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) قال مكة (وله كل شئ)
131

قال لله عز وجل: (وأمرت ان أكون من المسلمين - إلى قوله - سيريكم آياته
فتعرفونها) قال الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام إذا رجعوا يعرفهم
أعداؤهم إذا رأوهم، والدليل على أن الآيات هم الأئمة قول أمير المؤمنين عليه السلام:
والله ما لله آية أكبر مني، فإذا رجعوا إلى الدنيا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم في
الدنيا، وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (ولقد أرسلنا إلى ثمود
أخاهم صالحا ان اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون) يقول مصدق ومكذب قال
الكافرون منهم أتشهدون ان صالحا مرسل من ربه؟ قال المؤمنون إنا بالذي ارسل
به مؤمنون، قال الكافرون منهم إنا بالذي آمنتم به كافرون، وقالوا يا صالح إئتنا بآية
ان كنت من الصادقين، فجاءهم بناقة فعقروها، وكان الذي عقرها ازرق احمر
ولد الزنا واما قوله: (لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة) فإنهم سألوه قبل ان يأتيهم
الناقة ان يأتيهم بعذاب اليم أرادوا بذلك امتحانه فقال: يا قوم لم تستعجلون
بالسيئة قبل الحسنة يقول بالعذاب قبل الرحمة واما قوله: (قالوا اطيرنا بك وبمن
معك) فإنهم أصابهم جوع شديد فقالوا هذا من شومك وشوم الذين معك
أصابنا هذا القحط وهي الطيرة (قال طائركم عند الله) يقول خيركم وشركم
من عند الله (بل أنتم قوم تفتنون) يقول تبتلون بالاختبار.
واما قوله (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون)
كانوا يعملون في الأرض بالمعاصي واما قوله (تقاسموا بالله) اي تحالفوا
(لنبيتنه وأهله ثم لنقولن) اي لنحلفن (لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون)
يقول لنفعلن، فأتوا صالحا ليلا ليقتلوه وعند صالح ملائكة يحرسونه فلما اتوه
قاتلتهم الملائكة في دار صالح رجما بالحجارة فأصبحوا في داره مقتلين وصبحت
قومه الرجفة وأصبحوا في ديارهم جاثمين.
واما قوله. (بين البحرين حاجزا) يقول فضاء واما قوله (بل إدارك
علمهم في الآخر) يقول علموا ما كانوا جهلوا في الدنيا واما قوله (وكل اتوه
132

داخرين) قال: صاغرين واما قوله: (اتقن كل شئ) يقول أحسن كل
شئ خلقه.
سورة القصص مكية
آياتها ثمان وثمانون
(بسم الله الرحمن الرحيم طسم تلك آيات الكتاب المبين) ثم خاطب الله
نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (نتلوا عليك - يا محمد - من نبأ موسى وفرعون - إلى قوله - انه
كان من المفسدين) فأخبر الله نبيه بما لقي موسى وأصحابه من فرعون من
القتل والظلم ليكون تعزية له فيما يصيبه في أهل بيته من أمته ثم بشره بعد تعزيته
انه يتفضل عليهم بعد ذلك ويجعلهم خلفاء في الأرض وأئمة على أمته ويردهم إلى
الدنيا مع أعدائهم حتى ينتصفوا منهم فقال: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا
في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون
وهامان وجنودهما) وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم وقوله (منهم) اي من آل
محمد (ما كانوا يحذرون) اي من القتل والعذاب ولو كانت هذه الآية نزلت في
موسى وفرعون لقال ونري فرعون وهامان وجنودهما منه ما كانوا يحذرون اي
من موسى ولم يقل منهم فلما تقدم قوله " ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في
الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " علمنا أن المخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله وما وعد
الله به رسوله فإنما يكون بعده والأئمة يكونون من ولده وإنما ضرب الله هذا المثل
لهم في موسى وبني إسرائيل وفي أعدائهم بفرعون وهامان وجنودهما فقال: إن
فرعون قتل بني إسرائيل وظلم من ظلمهم فأظفر الله موسى بفرعون وأصحابه حتى
أهلكهم الله وكذلك أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله أصابهم من أعدائهم القتل
والغصب ثم يردهم الله ويرد أعداءهم إلى الدنيا حتى يقتلوهم.
133

وقد ضرب أمير المؤمنين عليه السلام مثلا مثل ما ضربه الله لهم في أعدائهم بفرعون
وهامان فقال: " يا أيها الناس أول من بغى على الله عز وجل على وجه الأرض
عناق بنت آدم عليه السلام خلق الله لها عشرين إصبعا لكل إصبع منها ظفران طويلان
كالمخلبين العظيمين وكان مجلسها في الأرض موضع جريب، فلما بغت بعث الله لها
أسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا كالحمار وكان ذلك في الخلق الأول، فسلطهم
الله عليها فقتلوها، ألا وقد قتل الله فرعون وهامان وخسف الله بقارون " وإنما
هذا مثل لأعدائه الذين غصبوا حقه فأهلكهم الله، ثم قال علي عليه السلام على أثر هذا
المثل الذي ضربه: " وقد كان لي حق حازه دوني من لم يكن له ولم أكن أشركه
فيه ولا توبة له إلا بكتاب منزل وبرسول مرسل وانى له بالرسالة بعد رسول الله
(النبي محمد خ ل) صلى الله عليه وآله ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله " (1) وكذلك مثل القائم عليه السلام
في غيبته وهربه واستناره مثل موسى عليه السلام خائف مستتر إلى أن يأذن الله في خروجه
وطلب حقه وقتل أعدائه في قوله: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله
على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق " وقد ضرب الحسين بن
علي عليهما السلام مثلا في بني إسرائيل بذلتهم من أعدائهم، حدثني أبي عن النضر
ابن سويد عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه السلام قال لقى المنهال بن عمرو علي بن الحسين
ابن علي عليهم السلام فقال له كيف أصبحت يا بن رسول الله؟ قال: ويحك اما آن
لك ان تعلم كيف أصبحت؟ أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون
يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا وأصبح خير البرية بعد محمد يلعن على المنابر،
وأصبح عدونا يعطى المال والشرف، وأصبح من يحبنا محقورا منقوصا حقه،
وكذلك لم يزل المؤمنون وأصبحت العجم تعرف للعرب حقها بأن محمدا كان منها
وأصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمدا كان منها، وأصبحت العرب تعرف
لقريش حقها بأن محمدا كان منها وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمدا

(1) وفى ط بعده " وهو في برزخ القيامة غرته الأماني وغره بالله الغرور وقد اشرف على جرف هار فانهار
به جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين (ط) ج. ز
134

كان منها وأصبحنا أهل البيت لا يعرف لنا حق فهكذا أصبحنا يا منهال.
واما قوله: (وأوحينا إلى أم موسى ان ارضعيه فإذا خفت عليه فالقيه في
اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) فإنه حدثني أبي
عن الحسين (الحسن ط) بن محبوب عن العلا بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال: إن موسى لما حملت به أمه لم يظهر حملها إلا عند وضعه وكان فرعون قد
وكل بنساء بني إسرائيل نساءا من القبط يحفظهن، وذلك أنه كان لما بلغه عن
بني إسرائيل انهم يقولون إنه يولد فينا رجل يقال له موسى بن عمران يكون
هلاك فرعون وأصحابه على يده، فقال فرعون عند ذلك لأقتلن ذكور أولادهم
حتى لا يكون ما يريدون، وفرق بين الرجال والنساء وحبس الرجال في المحابس،
فلما وضعت أم موسى بموسى عليه السلام نظرت إليه وحزنت عليه واغتمت وبكت
وقالت يذبح الساعة، فعطف الله بقلب الموكلة بها عليه فقالت لام موسى: ما لك
قد اصفر لونك؟ فقالت: أخاف ان يذبح ولدي فقالت: لا تخافي وكان موسى
لا يراه أحد إلا أحبه، وهو قول الله: " وألقيت عليك محبة مني " فأحبته
القبطية الموكلة به وأنزل الله على موسى التابوت ونوديت أمه " ضعيه في التابوت
فاقذفيه في اليم " وهو البحر (ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من
المرسلين) فوضعته في التابوت وأطبقت عليه وألقته في النيل.
وكان لفرعون قصر على شط النيل منتزها، فنظر من قصره ومعه آسية
امرأته فنظر إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج والرياح تضربه حتى جاءت به إلى
باب قصر فرعون، فأمر فرعون بأخذه فأخذ التابوت ورفع إليه فلما فتحه وجد
فيه صبيا، فقال: هذا إسرائيلي وألقى الله في قلب فرعون لموسى محبة شديدة،
وكذلك في قلب آسية وأراد فرعون ان يقتله فقالت آسية لا تقتله (عسى ان
ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون) انه موسى، ولم يكن لفرعون ولد فقال
135

إئتوا ظئرا تربيه فجاؤوا بعدة نساء قد قتل أولادهن فلم يشرب لبن أحد من
النساء وهو قول الله (وحرمنا عليه المراضع من قبل) وبلغ أمه ان فرعون قد
اخذه فحزنت وبكت كما قال الله (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) يعني كادت ان
تخبر بخبره أو تموت ثم ضبطت نفسها فكان كما قال الله عز وجل (لولا أن ربطنا
على قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لأخته) اي لأخت موسى (قصيه) اي اتبعيه
فجاءت أخته إليه (فبصرت به عن جنب) اي عن بعد (وهم لا يشعرون) فلما لم
يقبل موسى ثدي أحد من النساء اغتم فرعون غما شديدا فقالت أخته (هل
أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون) فقال: نعم فجاءت بأمه فلما
اخذته في حجرها وألقمته ثديها التقمه وشرب ففرح فرعون وأهله أكرموا أمه،
فقالوا لها ربيه لنا فانا نفعل بك ما نفعل وذلك قول الله تعالى: (فرددناه إلى أمه
كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم ان وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون)
وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كلما يلدون ويربي موسى ويكرمه ولا يعلم أن
هلاكه على يده، فلما درج موسى كان يوما عند فرعون فعطس موسى
فقال الحمد لله رب العالمين، فأنكر فرعون عليه وتطمه وقال ما هذا الذي تقول؟ فوثب
موسى على لحيته وكان طويل اللحية فهلبها اي قلعها فألمه ألما شديدا بلطمته إياه
فهم فرعون بقتله فقالت امرأته هذا غلام حدث لا يدري ما يقول، فقال فرعون
بل يدري، فقالت امرأته ضع بين يديه تمرا وجمرا فان ميز بينهما فهو الذي تقول
فوضع بين يديه تمر وجمر وقال له كل فمد يده إلى التمر فجاء جبرئيل فصرفها إلى
الجمر فأخذ الجمر في فيه فاحترق لسانه وصاح وبكى فقالت آسية لفرعون ألم أقل
لك انه لا يعقل فعفا عنه.
فقلت لأبي جعفر عليه السلام: فكم مكث موسى غائبا عن أمه حتى رده الله عليها؟
قال: ثلاثة أيام فقلت كان هارون أخا موسى لأبيه وأمه؟ قال: نعم اما تسمع الله
136

تعالى يقول: (يا بن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) فقلت فأيهما كان أكبر سنا؟
قال: هارون قلت: فكان الوحي ينزل عليهما جميعا؟ قال: الوحي ينزل على
موسى وموسى يوحيه إلى هارون فقلت له: أخبرني عن الاحكام والقضاء والأمر والنهي
أكان ذلك اليهما، قال كان موسى الذي يناجي ربه ويكتب (هارون ط) العلم ويقضي
بين بني إسرائيل، وهارون يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة، قلت: فأيهما مات
قبل صاحبه؟ قال هارون قبل موسى عليه السلام وماتا جميعا في التيه، قلت فكان
لموسى ولد، قال لا كان الولد لهارون والذرية له.
قال: فلم يزل موسى عند فرعون في أكرم كرامة حتى بلغ مبلغ الرجال
وكان ينكر عليه ما يتكلم به موسى من التوحيد حتى هم به، فخرج موسى من
عنده ودخل المدينة فإذا رجلان يقتتلان أحدهما يقول بقول موسى والآخر يقول
بقول فرعون (فاستغاثه الذي من شيعته) فجاء موسى فوكز صاحب فرعون
فقضي عليه وتوارى في المدينة فلما كان من الغد جاء آخر فتشبث بذلك الرجل
الذي يقول بقول موسى فاستغاث بموسى فلما نظر صاحبه إلى موسى قال له:
(أتريد ان تقتلني كما قلت نفسا بالأمس) فخلى عن صاحبه وهرب وكان خازن
فرعون مؤمنا بموسى قد كتم إيمانه ستمائة سنة وهو الذي قال الله: " وقال رجل
مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا ان يقول ربي الله " وبلغ فرعون
خبر قتل موسى الرجل فطلبه ليقتله فبعث المؤمن إلى موسى (ان الملا يأتمرون
بك ليقتلوك فأخرج اني لك من الناصحين فخرج منها) كما حكى الله (خائفا يترقب)
قال يلتفت عن يمنة ويسرة ويقول (رب نجني من القوم الظالمين) ومر نحو مدين
وكان بينه وبين مدين مسيره ثلاثة أيام فلما بلغ باب مدين رأى بئرا يستقي الناس
منها لأغنامهم ودوابهم فقعد ناحية ولم يكن اكل منذ ثلاث أيام شيئا، فنظر إلى
جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا تدنوان من البئر، فقال لهما مالكما لا تستقيان
137

قالتا كما حكى الله (لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير) فرحمهما موسى
ودنا من البئر فقال لمن على البئر استقي لي دلوا ولكم دلوا وكان الدلو يمده عشرة
رجال، فاستقى وحده دلوا لمن على البئر ودلوا لبنتي شعيب وسقى أغنامهما (ثم
تولى إلى الظل فقال رب اني لما أنزلت إلي من خير فقير) وكان شديد الجوع.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن موسى كليم الله حيث سقى لهما ثم تولى إلى
الظل فقال رب اني لما أنزلت إلي من خير فقير والله ما سأل الله إلا خبزا يأكله
لأنه كان يأكل بقلة الأرض ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه (1) من هزاله
فلما رجعتا ابنتا شعيب إلى شعيب قال لهما أسرعتما الرجوع فأخبرتاه بقصة موسى
عليه السلام ولم تعرفاه فقال شعيب لواحدة منهن اذهبي إليه فادعيه لنجزيه اجر ما سقى
لنا فجاءت إليه كما حكى الله تعالى (تمشي على استحياء) فقالت (ان أبي يدعوك
ليجزيك اجر ما سقيت لنا) فقام موسى معها ومشيت أمامه فسفقتها الرياح فبان
عجزها (2) فقال لها موسى تأخري ودليني على الطريق بحصاة تلقيها أمامي أتبعها
فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء فلما دخل على شعيب قص عليه قصته
فقال له شعيب (لا تخف نجوت من القوم الظالمين) قالت إحدى بنات شعيب
(يا أبت استأجره ان خير من استأجرت القوي الأمين) فقال لها شعيب اما قوته
فقد عرفتيه انه يستقي الدلو وحده فبم عرفت أمانته؟ فقالت إنه لما قال لي تأخري
عني ودليني على الطريق فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء عرفت انه ليس
من القوم الذين ينظرون اعجاز النساء فهذه أمانته، فقال له شعيب (اني أريد ان
أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فان أتممت عشرا فمن

(1) صفاق ككتاب: جلد البطن. مجمع
(2) مؤخر الشئ أو الجسم ج ز
138

عندك وما أريد ان أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين) فقال له موسى
(ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي) اي لا سبيل علي إن
عملت عشر سنين أو ثمان سنين فقال موسى (والله على ما نقول وكيل)
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اي الأجلين قضى؟ قال أتمها عشر حجج
قلت له فدخل بها قبل ان يقضي الأجل أو بعده؟ قال: قبل قلت فالرجل يتزوج
المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين أيجوز ذلك؟ قال إن موسى علم أنه يتم له
شرطه فكيف لهذا ان يعلم أنه يبقى حتى يفي؟ قلت له جعلت فداك أيتهما زوجه
شعيب من بناته؟ قال: التي ذهبت إليه فدعته وقالت لأبيها يا أبت استأجره ان
خير من استأجرت القوي الأمين
فلما قضى موسى الأجل قال لشعيب لابد لي ان ارجع إلى وطني وأمي
وأهل بيتي فمالي عندك؟ فقال شعيب: ما وضعت أغنامي في هذه السنة من غنم
بلق فهو لك، فعمد موسى عندما أراد ان يرسل الفحل على الغنم إلى عصا فقشر
منه بعضه وترك بعضه وغرزه في وسط مربض الغنم وألقى عليه كساء أبلق ثم
ارسل الفحل على الغنم فلم تضع الغنم في تلك السنة إلا بلقا، فلما حال عليه الحول
حمل موسى امرأته وزوده شعيب من عنده وساق غنمه فلما أراد الخروج قال
لشعيب أبغي عصا تكون معي وكانت عصي الأنبياء عنده قد ورثها مجموعة في
بيت، فقال له شعيب ادخل هذا البيت وخذ عصا من بين العصي فدخل فوثب
إليه عصا نوح وإبراهيم عليهما السلام وصارت في كفه فأخرجها ونظر إليها شعيب
فقال ردها وخذ غيرها فردها ليأخذ غيرها فوثبت إليه تلك بعينها فردها حتى فعل
ذلك ثلاث مرات فلما رأى شعيب ذلك قال له اذهب فقد خصك الله بها، فساق
غنمه فخرج يريد مصر فلما صار في مفازة ومعه أهله أصابهم برد شديد وريح
وظلمة وجنهم الليل، فنظر موسى إلى نار قد ظهرت كما قال الله: (فلما قضى
139

موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا اني آنست
نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون) فأقبل نحو النار
يقتبس فإذا شجرة ونار تلتهب عليها، فلما ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت إليه
ففزع منها وعدا ورجعت النار إلى الشجرة، فالتفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة
فرجع الثانية ليقتبس فأهوت إليه فعدا وتركها ثم التفت إليها وقد رجعت إلى
الشجرة فرجع إليها الثالثة فأهوت إليه فعدا (ولم يعقب) اي لم يرجع فناداه الله
(ان يا موسى اني أنا الله رب العالمين) قال موسى فما الدليل على ذلك قال الله:
ما في يمينك يا موسى قال هي عصاي قال ألقها يا موسى فألقاها فصارت حية تسعى
ففزع منها موسى وعدا فناداه الله خذها و (لا تخف انك من الآمنين اسلك
يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء) اي من غير علة وذلك أن موسى عليه السلام
كان شديد السمرة فأخرج يده من جيبه فأضاءت له الدنيا فقال الله عز وجل
(فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه انهم كانوا قوما فاسقين) فقال موسى
كما حكى الله عز وجل: (رب اني قتلت منهم نفسا فأخاف ان يقتلون...).
واما قوله: (وقال فرعون يا أيها الملا ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي
يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي اطلع إلى إله موسى واني لأظنه من
الكاذبين) قال فبنى هامان له في الهواء صرحا حتى بلغ مكانا في الهواء لا يتمكن
الانسان ان يقوم عليه من الرياح القائمة في الهواء فقال لفرعون: لا نقدر ان
نزيد على هذا فبعث الله رياحا فرمت به، فاتخذ فرعون وهامان عند ذلك
التابوت وعمدا إلى أربعة أنسر فأخذا أفراخها وربياها حتى إذا بلغت القوة
وكبرت عمدا إلى جوانب التابوت الأربعة فغرسا في كل جانب من خشبة وجعلا
على رأس كل خشبة لحما وجوعا الانسر وشدا أرجلها بأصل الخشبة فنظرت الانسر
إلى اللحم فأهوت إليه بأجنحتها وارتفعت بهما في الهواء وأقبلت تطير يومها فقال
140

فرعون لهامان انظر إلى السماء هل بلغناها فنظر هامان فقال أرى السماء كما كنت
أراها من الأرض في البعد، فقال انظر إلى الأرض فقال لا أرى الأرض ولكن
أرى البحار والماء قال فلم تزل النسر ترتفع حتى غابت الشمس وغابت عنهم البحار
والماء، فقال فرعون يا هامان انظر إلى السماء فنظر فقال أراها كما كنت أراها
من الأرض فلما جنهم الليل نظر هامان إلى السماء فقال فرعون هل بلغناها؟ فقال
أرى الكواكب كما كنت أراها من الأرض ولست أرى من الأرض إلا الظلمة
قال ثم حالت الرياح القائمة في الهواء بينهما فأقبلت التابوت بهما فلم يزل يهوي بهما
حتى وقع على الأرض فكان فرعون أشد ما كان عتوا في ذلك الوقت ثم قال الله
(وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون).
ثم خاطب الله نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (وما كنت بجانب الغربي - يا محمد - إذ
قضينا إلى موسى الامر) اي أعلمناه (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) يعني
موسى عليه السلام وقوله: (ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر) اي طالت
أعمارهم فعصوا وقوله: (وما كنت ثاويا في أهل مدين) اي باقيا وقوله:
(ساحران تظاهرا) (1) قال موسى وهارون وقوله: (ولقد وصلنا لهم القول
لعلهم يتذكرون) اي كي يتذكروا، أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد
عن معاوية بن حكيم عن أحمد بن محمد عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام
في قول الله " ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون " قال: إمام بعد إمام.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا)
قال الأئمة عليهم السلام، وقال الصادق عليه السلام نحن صبرنا وشيعتنا أصبر منا وذلك
إنا صبرنا على ما نعلم وهم صبروا على ما لا يعلمون وقوله: (ويدرؤن بالحسنة

(1) سحران تظاهرا كذا في القرآن. ج. ز
141

السيئة) اي يدفعون سيئة من أساء إليهم بحسناتهم (ومما رزقناهم ينفقون وإذا
سمعوا اللغو اعرضوا عنه) قال اللغو الكذب واللهو الغناء وهم الأئمة عليهم السلام
يعرضون عن ذلك كله، واما قوله: (انك لا تهدي من أحببت) قال نزلت في
أبي طالب عليه السلام فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول يا عم قل لا إله إلا الله بالجهر نفعك
بها يوم القيامة فيقول: يا بن أخي أنا أعلم بنفسي، (وأقول بنفسي ط) فلما مات شهد العباس بن
عبد المطلب عند رسول الله صلى الله عليه وآله انه تكلم بها عند الموت بأعلى صوته، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: اما انا فلم اسمعها منه وأرجو ان تنفعه يوم القيامة، وقال صلى الله عليه وآله: لو قمت
المقام المحمود لشفعت في أبي وأمي وعمي وأخ كان لي مواخيا في الجاهلية (1)
وقوله: (وقالوا ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) قال نزلت في قريش
حين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الاسلام والهجرة وقالوا " ان نتبع الهدى معك
نتخطف من أرضنا " فقال الله عز وجل: (أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه
ثمرات كل شئ رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون) وقوله: (وكم أهلكنا
من قرية بطرت معيشتها) اي كفرت (فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا

(1) يقول الله مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله: إن الهداية ليست حسب مشيتك بل
انها تتعلق بمشيتي فلا تصر على إجراء كلمة التوحيد من لسان أبي طالب إذ هو
مؤمن سرا وسيظهر الايمان جهرا فيما بعد ومما يدل على كونه مؤمنا كون
رسول الله محزونا شديدا عام وفاته حتى سمى ذلك العام بعام الحزن وفي هذه
الرواية أيضا ما يشعر بكونه كاتما لايمانه وهو قوله: " يا بن أخي! أنا أعلم
بنفسي " يعني اعلم بنفسي من انني مؤمن. وفي ذيل الآية أيضا ما يؤيده وهو
قوله تعالى " وهو اعلم بالمهتدين " وقد مضى الكلام في قوله صلى الله عليه وآله: لو قمت المقام
المحمود لشفعت في أبي وأمي وعمي من أنه جواب تنزيلي فراجع ص 25. ج. ز
142

قليلا) وقوله: (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون) يعني
الذين قالوا هم شركاء الله (قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا
أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون) يعني ما عبدوا وهي عبادة
الطاعة (وقيل ادعوا شركاءكم) الذين كنتم تدعونهم شركاءا (فدعوهم فلم
يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) وقوله: (ويوم يناديهم
فيقول ماذا أجبتم المرسلين) فان العامة رووا ان ذلك في القيامة واما الخاصة فإنه
حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبد الحميد الطائي عن محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن العبد إذا دخل قبره جاءه منكر فزع منه
يسأل عن النبي صلى الله عليه وآله فيقول له ماذا تقول في هذا الرجل الذي كان بين أظهركم؟
فإن كان مؤمنا قال: " أشهد انه رسول الله جاء بالحق " فيقال له ارقد رقدة
لا حلم فيها ويتنحى عنه الشيطان ويفسخ له في قبره سبعة اذرع ورأي مكانه في
الجنة، قال وإذا كان كافرا قال ما أدري، فيضرب ضربة يسمعها كل من خلق
الله إلا الانسان ويسلط عليه الشيطان وله عينان من نحاس أو نار يلمعان كالبرق
الخاطف فيقول له أنا أخوك ويسلط عليه الحيات والعقارب ويظلم عليه قبره ثم
يضغطه ضغطة تختلف أضلاعه عليه ثم نال بأصابعه (1) فشرجها وقوله: (وربك
يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة قال يختار الله الامام وليس لهم ان
يختاروا ثم قال (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) قال ما عزموا عليه
من الاختيار وأخبر الله نبيه عليه السلام قبل ذلك وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله: (ونزعنا من كل أمة شهيدا) يقول من كل فرقة من هذه الأمة

(1) وفي نسخة ك " قال " مكان " نال " وكذا في ط وفي الذي عندي
ومناسبة له في الكلام كما ترى. ج. ز
143

إمامها (فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا ان الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون).
وقال علي بن إبراهيم في قوله (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم
وآتيناه من الكنوز ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة) والعصبة ما بين
العشرة إلى تسعة عشر قال كان يحمل مفاتح خزائنه العصبة أولوا القوة، فقال
قارون كما حكى الله (إنما أوتيته على علم عندي) يعني ماله وكان يعمل الكيميا
فقال الله: (أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه
قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون) اي لا يسأل من كان قبلهم
عن ذنوب هؤلاء (فخرج على قومه في زينته) قال في الثياب المصبغات يجرها في
الأرض (قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون انه لذو
حظ عظيم) فقال لهم الخلص من أصحاب موسى (ويلكم ثواب الله خير لمن آمن
وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من
فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه
بالأمس يقولون ويكأن الله) قال: هي لفظة سريانية (يبسط الرزق لمن يشاء من
عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون).
وكان سبب هلاك قارون انه لما اخرج موسى بني إسرائيل من مصر
وأنزلهم البادية أنزل الله عليهم المن والسلوى وانفجر لهم من الحجر اثنتا عشرة
عينا بطروا وقالوا لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت
الأرض ومن بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال لهم موسى أتستبدلون الذي
هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم فقالوا كما حكى الله ان فيها
قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، ثم قالوا لموسى اذهب أنت
وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ففرض الله عليهم دخولها وحرمها عليهم أربعين
سنة يتيهون في الأرض فكانوا يقومون من أول الليل ويأخذون في قراءة التوراة
144

والدعاء والبكاء وكان قارون منهم وكان يقرأ التوراة ولم يكن فيهم أحسن صوتا
منه وكان يسمى المنون لحسن قراءته وقد كان يعمل الكيميا، فلما طال الامر
على بني إسرائيل في التيه والتوبة وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم في
التوبة وكان موسى يحبه فدخل عليه موسى، فقال يا قارون قومك في التوبة
وأنت قاعد هاهنا ادخل معهم وإلا نزل بك العذاب، فاستهان به واستهزأ بقوله
فخرج موسى من عنده مغتما فجلس في فناء قصره وعليه جبة شعر ونعلان من جلد
حمار شراكهما من خيوط شعر بيده العصا، فامر قارون ان يصب عليه رمادا قد
خلط بالماء، فصب عليه فغضب موسى غضبا شديدا وكان في كتفه شعرات كان
إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم، فقال موسى يا رب إن لم تغضب لي
فلست لك بنبي، فأوحى الله إليه قد أمرت السماوات والأرض إن تطيعك فمرها بما
شئت وقد كان قارون قد أمر أن يغلق باب القصر، فاقبل موسى فأومأ إلى
الأبواب فانفجرت ودخل عليه فلما نظر إليه قارون علم أنه قد أوتي، فقال:
يا موسى أسألك بالرحم الذي بيني وبينك، فقال له موسى يا بن لاوي لا تزدني
من كلامك! يا ارض خذيه، فدخل القصر بما فيه في الأرض ودخل قارون في
الأرض إلى ركبتيه، فبكى وحلفه بالرحم، فقال له موسى يا بن لاوي لا تزدني
من كلامك، يا ارض خذيه وابتلعيه بقصره وخزائنه.
وهذا ما قال موسى لقارون يوم أهلكه الله فعيره الله بما قاله لقارون،
فعلم موسى ان الله قد عيره بذلك فقال يا رب ان قارون دعاني بغيرك ولو دعاني
بك لأجبته، فقال الله ما قلت يا بن لاوي لا تزدني من كلامك فقال موسى يا رب لو علمت أن
ذلك لك رضى لأجبته، فقال الله يا موسى وعزتي وجلالي وجودي ومجدي
وعلو مكاني لو أن قارون كما دعاك دعاني لأجبته ولكنه لما دعاك وكلته إليك،
يا بن عمران لا تجزع من الموت فاني كتبت الموت على كل نفس وقد مهدت لك
145

مهادا لو قد وردت عليه لقرت عيناك، فخرج موسى إلى جبل طور سينا مع
وصيه فصعد موسى الجبل فنظر إلى رجل قد اقبل ومعه مكتل (1) ومسحاة،
فقال له موسى ما تريد؟ قال إن رجلا من أولياء الله قد توفي فانا احفر له قبرا
فقال له موسى أو لا أعينك عليه؟ قال: بلى قال فحفرا القبر فلما فرغا أراد الرجل
ان ينزل إلى القبر فقال له موسى ما تريد؟ قال ادخل القبر فانظر كيف مضجعه
فقال له موسى أنا أكفيك، فدخله موسى فاضطجع فيه فقبض ملك الموت روحه
وانضم عليه الجبل واما قوله: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا
في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) فإنه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن
سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال قال أبو عبد الله عليه السلام: يا حفص
ما منزلة الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها اكلت منها، يا حفص
ان الله تبارك وتعالى علم ما العباد عاملون وإلى ما هم صايرون فحلم عنهم عند
اعمالهم السيئة لعلمه السابق فيهم فلا يغرنك حسن الطلب ممن لا يخاف الفوت ثم
تلا قوله: " تلك الدار الآخرة "... الآية، وجعل يبكي ويقول ذهبت والله
الأماني عند هذه الآية ثم قال فاز والله الأبرار أتدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون
الذر كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا يا حفص! انه يغفر للجاهل
سبعون ذنبا قبل ان يغفر للعالم ذنب واحد، من تعلم وعلم وعمل بما علم دعي
في ملكوت السماوات عظيما، فقيل تعلم لله وعمل لله وعلم لله، قلت جعلت فداك
فما حد الزهد في الدنيا؟ فقال قد حد الله في كتابه فقال عز وجل " لكيلا تأسوا
على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " ان اعلم الناس بالله أخوفهم لله وأخوفهم له
اعلمهم به وأعلمهم به أزهدهم فيها، فقال له رجل يا بن رسول الله أوصني. فقال

(1) زنبيل من خوص. ج. ز
146

اتق الله حيث كنت فإنك لا تستوحش وقال أبو عبد الله عليه السلام أيضا في قوله:
" علوا في الأرض ولا فسادا " قال: العلو الشرف والفساد النساء واما قوله:
(ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) فإنه حدثني أبي عن حماد عن
حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال سئل عن جابر فقال رحم الله جابرا بلغ من فقهه انه
كان يعرف تأويل هذه الآية " ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد "
يعني الرجعة قال وحدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبد الحميد
الطائي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليه السلام في قوله: " ان الذي فرض
عليك القرآن لرادك إلى معاد " قال يرجع إليكم نبيكم صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام
والأئمة عليهم السلام.
وقوله: (فلا تكونن - يا محمد - ظهيرا للكافرين) فقال والمخاطبة للنبي
والمعنى للناس وقوله: (ولا تدع مع الله إلها آخر) المخاطبة للنبي والمعنى للناس
وهو قول الصادق عليه السلام: إن الله بعث نبيه بإياك أعني واسمعي يا جارة وقوله:
(كل شئ هالك إلا وجهه) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن
يونس عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " كل شئ هالك إلا وجهه "
قال فيفنى كل شئ ويبقى الوجه؟ الله أعظم من أن يوصف، لا ولكن معناها
كل شئ هالك إلا دينه (1) ونحن الوجه الذي يؤتى الله منه، لم نزل في عباده ما دام
الله له فيهم روبة، فإذا لم يكن له فيهم روبة فرفعنا إليه ففعل بنا ما أحب، قلت
جعلت فداك وما الروبة؟ قال: الحاجة.

(1) وفى ط ولا معناها كل شئ هالك الا دينه ج. ز
147

سورة العنكبوت مكية
وآياتها تسع وستون
(بسم الله الرحمن الرحيم ألم أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم
لا يفتنون) اي لا يختبرون، قال حدثني أبي عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن
عليه السلام قال جاء العباس إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال انطلق بنا نبايع لك الناس، فقال
أمير المؤمنين عليه السلام أتراهم فاعلين؟ قال: نعم قال فأين قوله: (ألم أحسب الناس
ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم - اي
اختبرناهم - فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون
السيئات ان يسبقونا) اي يفوتونا (ساء ما يحكمون من كان يرجو لقاء الله فان
أجل الله لآت) قال من أحب لقاء الله جاءه الأجل (ومن جاهد) امال نفسه عن
اللذات والشهوات والمعاصي (فإنما يجاهد لنفسه ان الله لغني عن العالمين) وقوله:
(ووصينا الانسان بوالديه حسنا) (قال هما اللذان ولداه ثم قال: (وإن جاهداك)
يعني الوالدين على أن (تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم
بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) أخبرنا
الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن بسطام بن مرة عن إسحاق بن حسان عن
الهيثم بن راقد عن علي بن الحسين العبدي عن سعد الإسكاف عن أصبغ بن نباتة
انه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عز وجل " ان اشكر لي ولوالديك إلي
المصير " قال الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر هما اللذان ولدا العلم وورثا الحكم
(الحلم ك) وأمر الناس بطاعتهما ثم قال إلي المصير فمصير العباد إلى الله والدليل على
ذلك الوالدان ثم عطف الله القول على ابن فلانة وصاحبه فقال في الخاص " وان
جاهداك ان تشرك بي " يقول في الوصية وتعدل عمن أمرت بطاعته " فلا تطعهما "
148

ولا تسمع قولهما ثم عطف القول على الوالدين فقال " وصاحبهما في الدنيا معروفا "
يقول عرف الناس فضلهما وادع إلى سبيلهما وذلك قوله " واتبع سبيل من أناب
إلي ثم إلي مرجعكم " قال إلى الله ثم الينا فاتقوا الله ولا تعصوا الوالدين فان رضاهما
رضاء الله وسخطهما سخط الله.
وقوله: (ومن الناس من يقول آمنا بالله أوذي في الله جعل فتنة الناس
كعذاب الله) قال إذا آذاه إنسان أو اصابه ضر أو فاقة أو خوف من الظالمين
ليدخل معهم في دينهم فرأى أن ما يفعلونه هو مثل عذاب الله الذي لا ينقطع
(ولئن جاء نصر من ربك) يعني القائم عليه السلام (ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله
بأعلم بما في صدور العالمين) وقوله: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا
سبيلنا ولنحمل خطاياكم) قال كانت الكفار يقولون للمؤمنين كونوا معنا فان
الذي تخافون أنتم ليس بشئ فإن كان حقا نتحمل نحن ذنوبكم فيعذبهم الله مرتين
بذنوبهم ومرة بذنوب غيرهم، واما قوله: (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله
واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون
افكا) اي تقدرون كذبا (ان الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا
فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) وانقطع خبر إبراهيم
وخاطب الله أمة محمد صلى الله عليه وآله فقال (ان تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على
الرسول إلا البلاغ المبين - إلى قوله - أولئك الذين يئسوا من رحمتي وأولئك
لهم عذاب اليم) ثم عطف على خبر إبراهيم فقال: (فما كان جواب قومه إلا أن
قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار ان في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) فهذا
من المنقطع المعطوف وقوله: (ثم يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض) اي يتبرأ بعضكم
من بعض (ويلعن بعضكم بعضا) فهذا كفر البراءة وقوله: (فآمن له لوط) اي
لإبراهيم عليه السلام (وقال إني مهاجر إلى ربي) قال المهاجر من هجر السيئات وتاب إلى
149

الله وقوله: (وتأتون في ناديكم المنكر) قال هم قوم لوط.
وقوله (وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في
الأرض وما كانوا سابقين) فهذا رد على المجبرة الذين زعموا ان الافعال لله عز وجل
ولا صنع لهم فيها ولا اكتساب فرد الله عليهم فقال " فكلا أخذنا بذنبه " ولم
يقل بفعلنا به لأنه عز وجل أعدل من أن يعذب العبد على فعله الذي يجبرهم عليه
فقال الله (فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) وهم قوم لوط (ومنهم من أخذته الصيحة)
وهم قوم شعيب وصالح (ومنهم من خسفنا به الأرض) وهم قوم هود (ومنهم
من أغرقنا) وهم فرعون وأصحابه ثم قال عز وجل تأكيدا وردا على المجبرة.
(وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
ثم ضرب الله مثلا فيمن اتخذ من دون الله أولياء فقال: (مثل الذين
اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا) وهو الذي نسجه
العنكبوت على باب الغار الذي دخله رسول الله صلى الله عليه وآله وهو أوهن البيوت قال:
فكذلك من اتخذ من دون الله أولياء ثم قال: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما
يعقلها إلا العالمون) يعني آل محمد عليهم السلام ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال:
الجزء (21) (واتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر) قال من لم تنهه الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا وقوله
(ولا تجادلوا أهل الكتاب) قال اليهود والنصارى (إلا بالتي هي أحسن) قال
بالقرآن وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ولذكر الله أكبر)
يقول ذكر الله لأهل الصلاة أكبر من ذكرهم إياه ألا ترى انه يقول " اذكروني
أذكركم " واما قوله (فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به) يعني انهم آل محمد
صلى الله عليه وآله (ومن هؤلاء من يؤمن به) يعني أهل الايمان من أهل القبلة.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب
150

ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) وهو معطوف على قوله في سورة الفرقان
" اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " فرد الله عليهم فقال كيف يدعون
(يزعمون خ ل) ان الذي تقرأه أو تخبر به تكتبه عن غيرك وأنت ما كنت تتلو
من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون اي شكوا وقوله:
(بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) قال هم الأئمة عليهم السلام وقوله
(وما يجحد بآياتنا) يعني ما يجحد بأمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام (إلا
الظالمون) وقال عز وجل (ويستعجلونك - يا محمد - بالعذاب) يعني قريشا فقال
الله تعالى (ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون) وفي
رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (يا عبادي الذين آمنوا إن
ارضي واسعة) يقول لا تطيعوا أهل الفسق من الملوك فان خفتموهم ان يفتنوكم
عن دينكم فان ارضي واسعة وهو يقول فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض
فقال ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها، ثم قال (كل نفس ذائقة الموت)
اي فاصبروا على طاعة الله فإنكم إليه ترجعون.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها
وإياكم) قال: كانت العرب يقتلون أولادهم مخافة الجوع فقال الله تعالى: الله
يرزقهم وإياكم وقوله: (وان الدار الآخرة لهي الحيوان) اي لا يموتون فيها
وقوله (والذين جاهدوا فينا) اي صبروا وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله (لنهدينهم
سبلنا) (اي لنثبتنهم (وان الله لمع المحسنين) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر
عليه السلام قال هذه الآية لآل محمد صلى الله عليه وآله ولأشياعهم.
151

سورة الروم مكية
وهي ستون آية
(بسم الله الرحمن الرحيم ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد
غلبهم سيغلبون في بضع سنين) فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن جميل عن
أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن قول الله " ألم غلبت الروم في أدنى
الأرض قال: يا أبا عبيدة ان لهذا تأويلا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من
الأئمة عليهم السلام، ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة وقد ظهر الاسلام
كتب إلى ملك الروم كتابا وبعث إليه رسولا يدعوه إلى الاسلام وكتب إلى
ملك فارس كتابا وبعث إليه رسولا يدعوه إلى الاسلام، فاما ملك الروم فإنه
عظم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأكرم رسوله، واما ملك فارس فإنه مزق كتابه
واستخف برسول الله صلى الله عليه وآله، وكان ملك فارس يقاتل يومئذ ملك الروم وكان
المسلمون يهوون ان يغلب ملك الروم ملك فارس وكانوا لناحية ملك الروم أرجى
منهم لملك فارس، فلما غلب ملك فارس ملك الروم بكى لذلك المسلمون واغتموا فأنزل الله
" ألم غلبت الروم في أدنى الأرض " يعني غلبتها فارس في أدنى الأرض وهي
الشامات وما حولها ثم قال، وفارس من بعد غلبهم الروم سيغلبون في بضع سنين (1)

(1) وهذا إنما يتم إذا كان مرجع الضميرين في " هم " و " غلبهم " فارس
وأريد من المصدر في " غلبهم " معنى الفاعل اي كونهم غالبين ويقرأ " سيغلبون "
مبنيا للمفعول بخلاف القراءة الموجودة مبنيا للفاعل ولازمه إرجاع الضميرين
المذكورين إلى الروم والمراد من " غلبهم " كونهم مغلوبين فاستعمل المصدر في
معنى المفعول واستعماله فيه وإن كان جائزا إلا أنه في معنى الفاعل اظهر كما في
هذا الكتاب وعليه فيكون المعنى ان الروم وان غلبت عليها الفرس، لكنهم
أي فارس من بعد كونهم غالبين هذا الأوان سيصيرون مغلوبين في زمان الخليفة
عمر بن الخطاب. وقال الزمخشري في الكشاف. انه قرئ " سيغلبون " بالضم
كما في هذا الكتاب. ج. ز
152

وقوله: (لله الامر من قبل) أن يأمر (ومن بعد) أن يقضي بما يشاء
وقوله (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) قلت: أليس الله
يقول في بضع سنين وقد مضى للمسلمين سنون كثيرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وفي
امارة أبي بكر وإنما غلبت المؤمنون فارس في امارة عمر؟ فقال: ألم أقل لك ان
لهذا تأويلا وتفسيرا والقرآن يا أبا عبيدة ناسخ ومنسوخ، أما تسمع قوله:
" لله الامر من قبل ومن بعد " يعني إليه المشية في القول أن يؤخر ما قدم ويقدم
ما أخر إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين وذلك قوله (يومئذ
يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) ثم قال (وعد الله لا يخلف الله وعده
ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) يعني ما يرونه
حاضرا (وهم عن الآخرة هم غافلون) قال يرون حاضر الدنيا ويتغافلون عن الآخرة
وقوله (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها
يستهزؤن) اي ظلموا واستهزؤا وقوله (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون)
أي يئسوا (ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء) يعني شركاءا يعبدونهم
ويطيعونهم لا يشفعون لهم وقوله (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) قال إلى
الجنة والنار (فاما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون) اي
يكرمون وقوله (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات
والأرض وعشيا وحين تظهرون) يقول سبحوا بالغداة وبالعشي ونصف النهار
153

وقوله (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) قال يخرج المؤمن من
الكافر ويخرج الكافر من المؤمن وقوله: (ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك
تخرجون) رد على الدهرية ثم قال (ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم إذا أنتم
بشر تنتشرون) اي تنثرون في الأرض إلى قوله (ان تقوم السماء والأرض بأمره)
قال يعني السماء والأرض هاهنا (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون)
وهو رد على أصناف الزنادقة.
واما قوله (ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء
في ما رزقناكم) فإنه كان سبب نزولها ان قريشا والعرب كانوا إذا حجوا يلبون
وكانت تلبيتهم " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك
والملك لك لا شريك لك " وهي تلبية إبراهيم عليه السلام والأنبياء، فجاءهم إبليس في صورة
شيخ، فقال ليست هذه تلبية أسلافكم، قالوا: وما كانت تلبيتهم؟ فقال: كانوا
يقولون " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك " فنفرت قريش من
هذا القول، فقال لهم إبليس على رسلكم حتى آتي على آخر كلامي، فقالوا ما هو؟
فقال " إلا شريك هو لك تملكه وما يملك " ألا ترون انه يملك الشريك وما ملكه
فرضوا بذلك وكانوا يلبون بهذا قريش خاصة فلما بعث الله رسوله فأنكر ذلك
عليهم وقال هذا شرك، فأنزل الله " ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت
أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء " اي ترضون أنتم فيما تملكون
أن يكون لكم فيه شريك فإذا لم ترضوا أنتم أن يكون لكم فيما تملكونه شريك
فكيف ترضون ان تجعلوا لي شريكا فيما أملك وقوله (فأقم وجهك للدين حنيفا)
أي طاهرا، أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن جعفر
ابن بشير عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " فأقم
وجهك للدين حنيفا " قال هي الولاية، حدثنا الحسين بن علي بن زكريا قال:
154

حدثنا الهيثم بن عبد الله الرماني قال حدثنا علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه عن
جده محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله (فطرة الله التي فطر الناس عليها)
قال هو لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولي الله إلى ههنا التوحيد
أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن حماد بن عثمان
الناب وخلف بن حماد عن الفضيل بن يسار وربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام
في قول الله تعالى " فأقم وجهك للدين حنيفا " قال: قم في الصلاة ولا تلتفت
يمينا ولا شمالا.
وقال علي بن إبراهيم في قوله " فلت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل)
فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: لما بويع لأبي بكر واستقام له الامر على جميع المهاجرين
والأنصار بعث إلي فدك فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله منها فجاءت
فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر، فقالت يا أبا بكر منعتني عن ميراثي من رسول الله
وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله، فقال لها
هاتي على ذلك شهودا فجاءت بأم أيمن فقالت لا اشهد حتى احتج يا أبا بكر عليك
بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت أنشدك الله، ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال إن أم أيمن من أهل الجنة؟ قال بلى، قالت فأشهد ان الله أوحى إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله " فلت ذا القربى حقه " فجعل فدك لفاطمة بأمر الله وجاء علي عليه السلام فشهد
بمثل ذلك فكتب لها كتابا بفدك ودفعه إليها فدخل عمر فقال ما هذا الكتاب؟
فقال أبو بكر: إن فاطمة ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي فكتبت لها
بفدك، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه (1) وقال هذا فئ المسلمين وقال أوس

(1) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 / 101 والسيرة الحلبية
3 / 400 وإنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ص 40 وفيه: أخذ عمر
الكتاب فشقه، وسنورد عليك بقية المصادر لقضية فدك. ج. ز
155

ابن الحدثان وعائشة وحفصة يشهدون على رسول الله صلى الله عليه وآله بأنه قال: إنا معاشر
الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة فان عليا زوجها يجر إلى نفسه، وأم أيمن فهي
امرأة صالحة لو كان معها غيرها لنظرنا فيه، فخرجت فاطمة عليها السلام من عندهما
باكية حزينة فلما كان بعد هذا جاء علي عليه السلام إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله
المهاجرون والأنصار، فقال يا أبا بكر! لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله؟ وقد
ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال أبو بكر: هذا فئ المسلمين فان أقامت
شهودا ان رسول الله صلى الله عليه وآله جعله لها وإلا فلا حق لها فيه، فقال أمير المؤمنين
عليه السلام يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال لا قال فإن كان في يد
المسلمين شئ يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت أسأل
البينة على ما تدعيه على المسلمين، قال فإذا كان في يدي شئ وادعى فيه المسلمون
فتسألني البينة على ما في يدي! وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده
ولم تسأل المسلمين البينة على ما ادعوا علي شهودا كما سألتني على ما ادعيت عليهم!
فسكت أبو بكر ثم قال عمر يا علي دعنا من كلامك فانا لا نقوى على حججك فان
أتيت بشهود عدول وإلا فهو فئ المسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال نعم قال فأخبرني
عن قول الله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
فيمن نزلت أفينا أم في غيرنا؟ قال بل فيكم قال فلو أن شاهدين شهدا على فاطمة
بفاحشة ما كنت صانعا؟ قال كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على سائر المسلمين قال
كنت إذا عند الله من الكافرين، قال: ولم؟ قال: لأنك رددت شهادة الله لها
156

بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله وحكم رسوله ان جعل
رسول الله صلى الله عليه وآله لها فدك وقبضته في حياته ثم قبلت شهادة أعرابي بايل على عقبه
عليها فأخذت منها فدك وزعمت أنه فئ المسلمين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله البينة
على من ادعى واليمين على من ادعي عليه، قال: فدمدم الناس (1) وبكى بعضهم
فقالوا صدق والله علي ورجع علي عليه السلام إلى منزله.
قال: ودخلت فاطمة إلى المسجد وطافت بقبر أبيها عليه وآله السلام وهي
تبكي وتقول:
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
قد كان بعدك أنباء وهنبثة (2) * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا * فغاب عنا وكل الخير محتجب
وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك تنزل من ذي العزة الكتب
فقمصتنا (3) رجال واستخف بنا * إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب
فكل أهل له قرب ومنزلة * عند الاله على الادنين (4) يقترب
أبدت رجال لنا فحوى (5) صدورهم * لما مضيت وحالت دونك الكثب
فقد رزينا بما لم يرزأه أحد * من البرية لا عجم ولا عرب
وقد رزينا به محضا خليقته * صافي الضرائب والأعراق والنسب

(1) اي تحادثوا فيما بينهم مغضبين.
(2) الامر الشديد ج هنابث.
(3) قمص الشئ احتقره.
(4) (الأديان ك).
(5) (نجوى ط). ج ز
157

فأنت خير عباد الله كلهم * وأصدق الناس حين الصدق والكذب
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت * منا العيون بهمال (1) لها سكب
سيعلم المتولي ظلم خامتنا (2) * يوم القيامة أنى كيف ينقلب (3)
قال: فرجع أبو بكر إلى منزله وبعث إلى عمر فدعاه ثم قال: أما رأيت
مجلس علي منا اليوم، والله لان قعد مقعدا مثله ليفسدن أمرنا فما الرأي؟ قال
عمر الرأي أن تأمر بقتله، قال فمن يقتله؟ قال خالد بن الوليد فبعثا إلى خالد فأتاهما
فقالا نريد أن نحملك على أمر عظيم، قال حملاني ما شئتما ولو قتل علي بن
أبي طالب، قالا فهو ذاك، فقال خالد متى أقتله؟ قال أبو بكر إذا حضر المسجد
فقم بجنبه في الصلاة فإذا أنا سلمت فقم إليه فاضرب عنقه، قال نعم فسمعت أسماء
بنت عميس ذلك وكانت تحت أبي بكر فقالت لجاريتها اذهبي إلى منزل علي وفاطمة
فاقرئيهما السلام وقولي لعلي ان الملا يأتمرون بك ليقتلوك فارج أنى لك من
الناصحين فجاءت الجارية اليهما فقالت لعلي عليه السلام ان أسماء بنت عميس تقرأ عليكما

(1) المبالغة من الهمل وهو الماء السائل الذي لا مانع له.
(2) الخامة: الغضة من النبات. مجمع
(3) راجع صحيح البخاري 3 / 35 باب غزوة خيبر و 2 / 116، صحيح
مسلم 2 / 92، شرح البخاري للعيني 8 / 323، فيض الباري ص 98، مسند أحمد
1 / 4، الصواعق ص 31 شرح ابن أبي الحديد 4 / 101 و 3 / 86،
تفسير الرازي 3 / 230 و 8 / 386، تفسير النيشابوري على هامش تفسير ابن
جرير 4 / 197 إزالة الخفاء 2 / 30، كنز العمال 3 / 125، وفاء الوفا 2 / 160
فتوح البلدان ص 38 معجم البلدان 6 / 343، السيرة الحلبية 3 / 400 وغيرها
من كتب التاريخ والسير. ج. ز
158

السلام وتقول ان الملا يأتمرون بك ليقتلوك فأخرج أنى لك من الناصحين، فقال
علي (ع) قولي لها ان الله يحيل بينهم وبين ما يريدون.
ثم قام وتهيأ للصلاة وحضر المسجد ووقف خلف أبى بكر وصلى لنفسه
وخالد بن الوليد إلى جنبه ومعه السيف فلما جلس أبو بكر في التشهد ندم على
ما قال وخاف الفتنة وشدة على وبأسه فلم يزل متفكرا لا يجسر ان يسلم حتى ظن
الناس انه قدسها، ثم التفت إلى خالد فقال يا خالد لا تفعل ما أمرتك به السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا خالد ما الذي أمرك به؟
قال امرني بضرب عنقك، قال وكنت تفعل؟ قال إي والله لولا أنه قال لي لا تفعل
لقتلتك بعد التسليم، قال فأخذه علي (ع) فضرب به الأرض واجتمع الناس عليه
فقال عمر يقتله ورب الكعبة فقال الناس يا أبا الحسن الله الله بحق صاحب هذا
القبر فخلى عنه، قال فالتفت إلى عمر وأخذ بتلابيبه وقال يا بن الصهاك لولا عهد من
رسول الله صلى الله عليه وآله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا
ثم دخل منزله.
وقوله: (وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله)
فإنه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث
قال قال أبو عبد الله (ع): الربا رباءان أحدهما حلال والآخر حرام فاما الحلال فهو
ان يقرض الرجل أخاه قرضا طمعا ان يزيده ويعوضه بأكثر مما يأخذه بلا شرط
بينهما فان أعطاه أكثر مما اخذه على غير شرط بينهما فهو مباح له وليس له عند
الله ثواب فيما اقرضه وهو قوله " فلا يربوا عند الله " واما الربا الحرام فالرجل
يقرض قرضا ويشترط ان يرد أكثر مما اخذه فهذا هو الحرام وقوله (وما آتيتم
من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) اي ما بررتم به اخوانكم
وأقرضتموهم لا طمعا في زيادة، وقال الصادق (ع): على باب الجنة مكتوب القرض
159

بثمانية عشرة والصدقة بعشرة، ثم ذكر عز وجل عظيم قدرته وتفضله على خلقه
فقال (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا) اي ترفعه (فيبسطه في السماء كيف
يشاء ويجعله كسفا) قال بعضه على بعض (فترى الودق) اي المطر (يخرج من
خلاله - إلى قوله - لمبلسين) اي آيسين (فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي
الأرض بعد موتها ان ذلك لمحي الموتى) وهو رد على الدهرية وقوله (ظهر الفساد
في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) قال في البر فساد الحيوان إذا لم يمطر
وكذلك هلاك دواب البحر بذلك وقال الصادق (ع) حياة دواب البحر بالمطر فإذا
كف المطر ظهر الفساد في البر والبحر وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي أخبرنا
أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن
ميسر عن أبي جعفر (ع) قال قلت: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي
الناس، قال ذلك والله يوم قالت الأنصار منا رجل ومنكم رجل.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (الله الذي خلقكم من ضعف) يعني من نطفة
منتنة ضعيفة (ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا) وهو
الكبر وقوله (قال الذين أوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم
البعث) فان هذه الآية مقدمة ومؤخرة وإنما هي " وقال الذين أوتوا العلم
والايمان في (من ط) كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث) وقوله (فاصبر ان
وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) أي لا يغضبنك، قال كان علي
ابن أبي طالب (ع) يصلي وابن الكوا خلفه وأمير المؤمنين (ع) يقرأ، فقال
ابن الكوا " ولقد أوحي إليك وإلي الذين من قبلك لان أشركت ليحبطن عملك
ولتكونن من الخاسرين " فسكت أمير المؤمنين (ع) حتى سكت ابن الكوا ثم
عاد في قراءته حتى فعل ابن الكوا ثلاث مرات فلما كان في الثالثة قال أمير المؤمنين
عليه السلام " فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ".
160

سورة لقمان مكية
آياتها اربع وثلاثون
(بسم الله الرحمن الرحيم ألم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة
للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك
على هدى من ربهم) أي على بيان من ربهم (وأولئك هم المفلحون) وقوله
(ومن الناس من يشترى لهو الحديث) قال: الغناء وشرب الخمر وجميع الملاهي
(ليضل عن سبيل الله بغير علم) قال: يحيد بهم عن طريق الله، وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث
... الخ " فهو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة من بني عبد الدار بن قصي
وكان النضر راويا لأحاديث الناس وأشعارهم، يقول الله عز وجل: (وإذا تتلى
عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في اذنيه وقرا فبشره بعذاب اليم)
وقوله (وبث فيها من كل دابة) يقول جعل فيها من كل دابة وقوله (وأنزلنا
من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) يقول من كل لون حسن والزوج
اللون الأصفر والأخضر والأحمر والكريم الحسن، أخبرنا الحسين بن محمد عن
المعلى بن محمد عن علي بن محمد عن بكر بن صالح عن جعفر بن يحيى عن علي بن (القصير ط)
النضر عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت جعلت فداك قوله (ولقد آتينا لقمان الحكمة)
قال أوتي معرفة إمام زمانه.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (هذا خلق الله) أي مخلوق الله لان الخلق
هو الفعل والفعل لا يرى وإنما أشار إلى المخلوق وإلى السماء والأرض والجبال
وجميع الحيوان فأقام الفعل مقام المفعول وقوله (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن
اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غني حميد) فإنه حدثني
161

أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حماد قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن لقمان (1) وحكمته التي ذكرها الله عز وجل، فقال: أما والله ما أوتي
لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال ولكنه كان
رجلا قويا في أمر الله متورعا في الله ساكتا سكينا عميق النظر طويل الفكر
حديد النظر مستعبرا بالعبر لم ينم نهارا قط ولم يره أحد من الناس على بول ولا
غائط ولا اغتسال لشدة تستره وعمق نظره وتحفظه في أمره ولم يضحك من شئ
قط مخافة الاثم، ولم يغضب قط ولم يمازح إنسانا قط ولم يفرح بشئ ان أتاه
من أمر الدنيا ولا حزن منها على شئ قط، وقد نكح من النساء وولد له من
الأولاد الكثيرة وقدم أكثرهم إفراطا، فما بكى على موت أحد منهم، ولم يمر
برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما ولم يمض عنهما حتى يحابا، ولم يسمع
قولا قط من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وعمن أخذه، وكان يكثر مجالسة
الفقهاء والحكماء، وكان يغشي القضاة والملوك والسلاطين، فيرثي للقضاة ما ابتلوا
به ويرحم الملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك ويعتبر ويتعلم ما يغلب
به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان فكان يداوي قلبه بالفكر ويداوي
نفسه بالعبر وكان لا يظعن إلا فيما ينفعه فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة، فان

(1) الأظهر ان لقمان لم يكن نبيا وكان حكيما وقيل كان نبيا، وقيل خير
بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة، وكان ابن أخت أيوب أو ابن خالته وقيل
إنه عاش الف سنة وأدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم، وقيل إنه دخل عليه وهو
يسرد الدرع وقد لين الله له الحديد فأراد ان يسأل فأدركته الحكمة فسكت
فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب أنت، فقال لقمان: " الصمت من حكم
وقليل فاعله ". (جامه الجوامع) ج. ز
162

الله تبارك وتعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون
بالقايلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا: يا لقمان هل لك ان يجعلك الله
خليفة في الأرض تحكم بين الناس؟ فقال لقمان: إن أمرني الله بذلك فالسمع
والطاعة لأنه ان فعل بي ذلك أعانني عليه وعلمني وعصمني وإن هو خيرني قبلت العافية
فقالت الملائكة يا لقمان لم قلت ذلك؟ قال: لان الحكم بين الناس من أشد المنازل من
الدين وأكثرها فتنا وبلاءا ما يخذل ولا يعان ويغشاه الظلم من كل مكان وصاحبه
فيه بين أمرين ان أصاب فيه الحق فبالحري ان يسلم وان أخطأ أخطأ طريق الجنة
ومن يكن في الدنيا ذليلا وضعيفا كان أهون عليه في المعاد أن يكون فيه حكما
سريا شريفا، ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول هذه ولا تدرك
تلك، قال فتعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه، فلما امسى وأخذ
مضجعه من الليل انزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم
وغطاه بالحكمة غطاءا فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه، وخرج على الناس
ينطق بالحكمة ويثبتها فيها.
قال: فلما أوتي الحكم بالخلافة ولم يقبلها أمر الله الملائكة فنادت داود
بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله الخلافة في الأرض وابتلي
فيها غير مرة وكل ذلك يهوي في الخطأ يقبله الله ويغفر له، وكان لقمان يكثر زيارة
داود عليه السلام ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه وكان داود يقول له: طوبى لك
يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية وأعطي داود الخلافة وابتلي
بالحكم والفتنة.
ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك
بالله إن الشرك لظلم عظيم) قال فوعظ لقمان لابنه بآثار حتى تفطر وانشق وكان
فيما وعظه به يا حماد! ان قال: يا بني انك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها
163

واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد،
يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك لا تجادلهم فيمنعوك وخذ من الدنيا بلاغا
ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك وصم
صوما يقطع شهوتك ولا تصم صوما يمنعك من الصلاة فان الصلاة أحب إلى الله
من الصيام، يا بني إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها
الايمان واجعل شراعها التوكل واجعل زادك فيها تقوى الله، فان نجوت فبرحمة
الله وان هلكت فبذنوبك، يا بني ان تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا، ومن غني
بالأدب اهتم به ومن اهتم به تكلف علمه ومن تكلف علمه اشتد طلبه ومن اشتد طلبه
أدرك منفعته فاتخذه عادة، فإنك تخلف في سلفك وتنفع به من خلفك ويرتجيك فيه
راغب ويخشى صولتك راهب وإياك والكسل عنه والطلب لغيره فان غلبت على
الدنيا فلا تغلبن على الآخرة وإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة
واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك لنفسك نصيبا في طلب العلم فإنك لن تجد له
تضييعا أشد من تركه، ولا تمارين فيه لجوجا ولا تجادلن فقيها ولا تعادين
سلطانا، ولا تماشين ظلوما، ولا تصادقنه ولا تصاحبن فاسقا نطفا (1) ولا تصاحبن
متهما، واخزن علمك كما تخزن ورقك (2)، يا بني خف الله خوفا لو أتيت القيامة
ببر الثقلين خفت ان يعذبك وارج الله رجاءا لو وافيت القيامة باثم الثقلين رجوت
أن يغفر لك.
فقال له ابنه يا أبت وكيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد؟ فقال له لقمان
يا بني لو استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نورين نورا للخوف ونورا للرجاء

(1) نطف ككتف: الرجل المريب.
(2) ورق مثلث الواو بسكون الراء: الدراهم المضروبة ج أوراق ووراق. ج. ز
164

لو وزنا لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرة، فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله
ومن يصدق ما قال الله يفعل ما أمر الله ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال
الله، فان هذه الأخلاق تشهد بعضها لبعض فمن يؤمن بالله إيمانا صادقا يعمل لله
خالصا ناصحا ومن عمل لله خالصا ناصحا فقد آمن بالله صادقا ومن أطاع الله خافه
ومن خافه فقد أحبه ومن أحبه اتبع أمره ومن اتبع أمره استوجب جنته
ومرضاته ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه نعوذ بالله من سخط الله،
يا بني! لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فما خلق الله خلقا هو أهون عليه منها
ألا ترى انه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين وقوله
(ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن) يعني ضعفا على ضعف ثم
قال (وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما - إلى قوله -
بما كنتم تعملون) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (واتبع
سبيل من أناب إلي) يقول اتبع سبيل محمد صلى الله عليه وآله.
قال علي بن إبراهيم ثم عطف على خبر لقمان وقصته فقال (يا بني انها ان
تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها
الله ان الله لطيف خبير) قال من الرزق يأتيك به الله وقوله (ولا تصعر خدك
للناس) أي لا تذل للناس طمعا فيما عندهم (ولا تمش في الأرض مرحا) أي فرحا
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ولا تمش في الأرض مرحا "
أي بالعظمة وقال علي بن إبراهيم في قوله (واقصد في مشيك) أي لا تعجل
(واغضض من صوتك) أي لا ترفعه (ان انكر الأصوات لصوت الحمير) وروي
فيه غير هذا أيضا واما قوله (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) قال فإنه حدثني
أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن شريك عن جابر قال قرأ
رجل عند أبي جعفر عليه السلام وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة قال اما النعمة الظاهرة
165

فهو النبي صلى الله عليه وآله وما جاء به من معرفة الله عز وجل وتوحيده واما النعمة الباطنة
فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا فاعتقد والله قوم هذه النعمة الظاهرة والباطنة،
واعتقدها قوم ظاهرة ولم يعتقدوا باطنة، فأنزل الله " يا أيها الرسول لا يحزنك
الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ففرح
رسول الله عند نزولها إذ لم يتقبل الله تعالى إيمانهم إلا بعقد ولايتنا ومحبتنا وقوله
(ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) قال بالولاية
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ومن الناس من يجادل في
الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل
نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير) فهو النضر
ابن الحارث قال له رسول الله صلى الله عليه وآله اتبع ما انزل إليك من ربك قال بل أتبع
ما وجدت عليه آبائي وقوله (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده
من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم) وذلك أن اليهود
سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن الروح، فقال: الروح من أمر ربي وما أوتيتم من
العلم إلا قليلا، قالوا نحن خاصة؟ قال بل الناس عامة قالوا فكيف يجتمع هذان
يا محمد تزعم انك لم تؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتيت القرآن وأوتينا التوراة
وقد قرأت: ومن يؤت الحكمة - وهي التوراة - فقد أوتي خيرا كثيرا، فأنزل
الله تعالى: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة
أبحر ما نفدت كلمات الله يقول علم الله أكثر من ذلك وما أوتيتم كثير فيكم
قليل عند الله.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: " ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام
الآية " معنى ذلك ان علم الله أكثر من ذلك فاما ما آتاكم فهو كثير فيكم قليل
في ما عند الله وقوله (ألم تر ان الفلك تجري في البحر بنعمة الله) قال السفن
166

تجري في البحر بقدرة الله، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
(ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) بلغنا والله أعلم انهم قالوا يا محمد خلقنا
أطوارا نطفا ثم علقا ثم أنشأنا خلقا آخر كما تزعم وتزعم إنا نبعث في ساعة
واحدة! فقال الله ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إنما يقول له كن فيكون
وقوله (ألم تر ان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) يقول ما ينقص
من الليل يدخل في النهار وما ينقص من النهار يدخل في الليل وقوله: (وسخر الشمس
والقمر كل يجري إلى أجل مسمى) يقول كل واحد منهما يجري إلى منتهاه لا يقصر
عنه ولا يجاوزه، وقال علي بن إبراهيم في قوله (ان في ذلك لآيات لكل صبار
شكور) قال هو الذي يصبر على الفقر والفاقة ويشكر الله على جميع أحواله وقوله
(وإذا غشيهم موج كالظلل) يعني في البحر (دعوا الله مخلصين له الدين - إلى
قوله - فمنهم مقتصد) أي صالح (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) قال
الختار الخداع وقوله (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن
ولده - إلى قوله - ان وعد الله حق) قال ذلك القيامة وقوله (ان الله عنده علم
الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما
تدري نفس بأي أرض تموت ان الله عليم خبير) قال الصادق عليه السلام هذه الخمسة
أشياء لم يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل وهي من صفات الله عز وجل.
سورة السجدة مكية
ثلاثون آية
(بسم الله الرحمن الرحيم ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه) أي لا شك فيه
(من رب العالمين أم يقولون افتراه) يعني قريشا يقولون هذا كذب محمد فرد الله
عليهم فقال (بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك
167

لعلهم يهتدون) قوله (يدبر الامر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه) يعني
الأمور التي يدبرها والأمر والنهي الذي أمر به وأعمال العباد كل هذا يظهره
يوم القيامة فيكون مقدار ذلك اليوم الف سنة من سني الدنيا وقوله (الذي
أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الانسان من طين) قال هو آدم عليه السلام ثم جعل
نسله أي ولده من سلالة وهو الصفو من الطعام والشراب (من ماء مهين) قال
النطفة المني (ثم سواه) أي استحاله من نطفة إلى علقة ومن علقة إلى مضغة حتى
نفخ فيه الروح وقوله (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) فإنه حدثني أبي
عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما
أسري بي إلى السماء رأيت ملكا من الملائكة بيده لوح من نور لا يلتفت يمينا ولا
شمالا مقبلا عليه كهيئة الحزين، فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال: هذا ملك
الموت مشغول في قبض الأرواح فقلت أدنيني منه يا جبرئيل لأكلمه، فأدناني منه
فقلت له يا ملك الموت أكل من مات أو هو ميت فيما بعد أنت تقبض روحه؟ قال
نعم قلت وتحضرهم بنفسك؟ قال نعم وما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لي ومكنني
منها إلا كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء وما من دار في الدنيا إلا وأدخلها
في كل يوم خمس مرات وأقول إذا بكى أهل البيت على ميتهم لا تبكوا عليه فان لي
إليكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كفى بالموت
طامة يا جبرئيل! فقال جبرئيل إنما بعد الموت أطم وأعظم من الموت.
وقوله: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) قال لو شئنا أن نجعلهم كلهم
معصومين لقدرنا وقوله (فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم) أي
تركناكم وقوله (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما
رزقناهم ينفقون) فإنه حدثني أبي عن عبد الرحمان بن أبي نجران عن عاصم بن
حميد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في
168

القرآن إلا صلاة الليل فان الله لم يبين ثوابها لعظم خطرها عنده فقال (تتجافى
جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون
- إلى قوله - يعملون).
ثم قال إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة، فإذا كان يوم
الجمعة بعث الله إلى المؤمنين ملكا معه حلتان فينتهي إلى باب الجنة فيقول:
استأذنوا لي على فلان، فيقال له هذا رسول ربك على الباب، فيقول لأزواجه
أي شئ ترين علي أحسن؟ فيقلن يا سيدنا والذي أباحك الجنة ما رأينا عليك
شيئا أحسن من هذا قد بعث إليك ربك، فيتزر (1) بواحدة ويتعطف بالأخرى
فلا يمر بشئ إلا أضاء له حتى ينتهى إلى الموعد فإذا اجتمعوا تجلى لهم الرب
تبارك وتعالى فإذا نظروا إليه أي إلى رحمته (خروا سجدا) فيقول عبادي ارفعوا
رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا عبادة قد رفعت عنكم المؤنة فيقولون يا رب
وأي شئ أفضل مما أعطيتنا أعطيتنا الجنة، فيقول لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا،
فيرى المؤمن في كل جمعة سبعين ضعفا مثل ما في يده وهو قوله " ولدينا مزيد "
وهو يوم الجمعة انها ليلة غراء ويوم أزهر فأكثروا فيها من التسبيح والتهليل
والتكبير والثناء على الله والصلاة على رسوله، قال فيمر المؤمن فلا يمر بشئ إلا
أضاء له حتى ينتهي إلى أزواجه فيقلن والذي أباحنا الجنة يا سيدنا ما رأيناك
أحسن منك الساعة فيقول اني قد نظرت إلى نور ربي، ثم قال: إن أزواجه
لا يغرن ولا يحضن ولا يصلفن (2) قال الراوي قلت جعلت فداك اني أردت ان

(1) ازر النبات: التف.
(2) ضلفت المرأة عند زوجها: لم تحظ عنده ومنه المثل " من يبغ في الدين
يصلف " يعني من يطغى في الدين يسقط عن أعين الناس. ج. ز
169

أسألك عن شئ أستحي منه، قال سل قلت جعلت فداك هل في الجنة غناء؟ قال
إن في الجنة شجرة يأمر الله رياحها فتهب فتضرب تلك الشجرة بأصوات لم يسمع
الخلائق مثلها حسنا ثم قال: هذا عوض لمن ترك السماع للغناء في الدنيا من مخافة الله
قال قلت: جعلت فداك زدني، فقال: إن الله خلق الجنة بيده ولم ترها عين ولم
يطلع عليها مخلوق يفتحها الرب كل صباح فيقول ازدادي ريحا ازدادي طيبا وهو
قول الله تعالى (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (أفمن كان مؤمنا
كمن كان فاسقا لا يستوون) قال فذلك ان علي بن أبي طالب عليه السلام والوليد بن
عقبة بن أبي معيط تشاجرا فقال الفاسق الوليد بن عقبة: أنا والله أبسط منك
لسانا وأحد منك سنانا وأمثل منك جثوا في الكتيبة، قال علي عليه السلام: اسكت
فإنما أنت فاسق فأنزل الله (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون اما الذين
آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون) فهو علي بن
أبي طالب عليه السلام.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (واما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما
أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها - إلى قوله - به تكذبون) قال: إن جهنم
إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما فإذا بلغوا أسفلها زفرت بهم جهنم فإذا
بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد فهذه حالهم.
واما قوله: (لنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر الآية)
قال: العذاب الأدنى عذاب الرجعة بالسيف ومعنى قوله: (لعلهم يرجعون)
يعني فإنهم يرجعون في الرجعة حتى يعذبوا وقوله: (وجعلنا منهم أئمة يهدون
بأمرنا لما صبروا) قال: كان في علم الله انهم يصبرون على ما يصيبهم فجعلهم أئمة،
حدثنا حميد بن زياد قال: حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى عن طلحة
170

ابن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام قال الأئمة في كتاب الله إمامان
إمام عدل وإمام جور قال الله " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا " لا بأمر الناس
يقدمون أمر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم قال " وجعلناهم أئمة يدعون إلى
النار " يقدمون أمرهم قبل امر الله وحكمهم قبل حكم الله ويأخذون بأهوائهم
خلافا لما في كتاب الله، وقال علي بن إبراهيم في قوله (أو لم يروا إنا نسوق الماء
إلى الأرض الجرز) قال الأرض الخراب وهو مثل ضربه الله في الرجعة والقائم عليه السلام
فلما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بخبر الرجعة قالوا (متى هذا الفتح إن كنتم صادقين)
وهذه معطوفة على قوله (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر)
فقالوا (متى هذا الفتح ان كنتم صادقين) فقال الله قل لهم (يوم الفتح لا ينفع
الذين كفروا ايمانهم ولا هم ينظرون فأعرض عنهم - يا محمد - وانتظر انهم منتظرون)
سورة الأحزاب مدنية
ثلاث وسبعون آية
(بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين
إن الله كان عليما حكيما) وهذا هو الذي قال الصادق عليه السلام: إن الله بعث نبيه بإياك
أعني واسمعي يا جارة فالمخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى للناس وقوله (ما جعل الله لرجل
من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم الئ تظاهرون، منهن أمهاتكم) وهو مع
قوله في المجادلة " الذين يظاهرون منكم من نسائهم - إلى قوله - ولدنهم ".
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " ما جعل الله لرجل
من قلبين في جوفه " قال علي بن أبي طالب عليه السلام: لا يجتمع حبنا وحب عدونا في
جوف إنسان ان الله لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه فيحب هذا ويبغض هذا
فاما محبنا فيخلص الحب لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه فمن أراد أن يعلم
171

حبنا فليمتحن قلبه فان شاركه في حبنا حب عدونا فليس منا ولسنا منه والله عدوهم
وجبرئيل وميكائيل والله عدو للكافرين.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) قال: فإنه
حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان سبب نزول
ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما تزوج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ
في تجارة لها ورأي زيدا يباع ورآه غلاما كيسا حصيفا (1) فاشتراه فلما نبأ
رسول الله صلى الله عليه وآله دعاه إلى الاسلام فأسلم وكان يدعى زيد مولى محمد صلى الله عليه وآله
فلما بلغ حارثة بن شراحبيل الكلبي خبر ولده زيد قدم مكة وكان رجلا جليلا،
فأتى أبا طالب فقال يا أبا طالب ان ابني وقع عليه السبي وبلغني انه صار إلى ابن
أخيك فسله اما ان يبيعه واما ان يفاديه واما ان يعتقه، فكلم أبو طالب رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هو حر فليذهب كيف يشاء، فقام حارثة فأخذ
بيد زيد فقال له يا بني الحق بشرفك وحسبك، فقال زيد لست أفارق رسول الله
صلى الله عليه وآله أبدا، فقال له أبوه فتدع حسبك ونسبك وتكون عبدا لقريش؟ فقال
زيد لست أفارق رسول الله صلى الله عليه وآله ما دمت حيا، فغضب أبوه فقال: يا معشر
قريش اشهدوا اني قد برئت منه وليس هو ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اشهدوا
ان زيدا ابني أرثه ويرثني، فكان يدعى زيد بن محمد فكان رسول الله صلى الله عليه وآله
يحبه وسماه زيد الحب.
فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش وأبطأ
عنه يوما فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها
تسحق طيبا بفهر (2) فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال سبحان الله خالق النور

(1) أي جيد الرأي محكم العقل.
(2) حجر تسحق به الأدوية. ج. ز
172

وتبارك الله أحسن الخالقين (1) ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزله ووقعت زينب
في قلبه موقعا عجيبا، وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال لها زيد: هل لك ان أطلقك حتى يتزوجك رسول الله صلى الله عليه وآله فلعلك قد
وقعت في قلبه؟ فقالت: أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء
زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرتني زينب
بكذا وكذا فهل لك ان أطلقها حتى تتزوجها؟ فقال رسول الله: لا، اذهب فاتق
الله وامسك عليك زوجك، ثم حكى الله فقال: (امسك عليك زوجك واتق الله
وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه فلما قضى زيد
منها وطرا زوجناكها - إلى قوله - وكان امر الله مفعولا) فزوجه الله من
فوق عرشه (2).

(1) وفي تفسير الكشاف والبيضاوي أنه قال: سبحان الله مقلب القلوب
حين رآها فهذه الرواية تحمل على التقية لورودها موافقة للعامة، والصحيح ان
النبي صلى الله عليه وآله لم يقل مثل هذه الكلمات ولم يجئ إلى دارها كما سيجيئ في هذا
الكتاب عند تفسير قوله تعالى: " ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله أمرا
... الخ الآية ".
(2) ويمكن الايراد عليه أولا انه كيف يسوغ لرسول الله صلى الله عليه وآله ان ينظر
إلى زوجة الغير، وثانيا انه لا يناسبه ان يميل إليها، وثالثا انه لا ينبغي لمقامه ان
يتزوج من زينب بعدما انكحها من زيد، لأنه وإن كان جائزا إلا أن رسول الله
صلى الله عليه وآله كان بمنزلة أبيه وهذا لا يفعله عامي فكيف النبي الأعظم الذي أسوته تتبع.
وجواب الأول (أ) لعل هذه الواقعة كانت قبل نزول آية الحجاب
والنهي عن النظر إلى الأجنبية (ب) وعلى فرض كونها بعده انه لا إشكال في
جواز النظرة الأولى اتفاقا (ج) النبي صلى الله عليه وآله مرتبته بالنسبة إلى أمته أعظم
وأولى من أنفسهم بدلالة قوله تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " خرج
منه ما خرج كحرمة تزويج ذات البعل وبقي غيره في العموم فيجوز له النظر ولو
عمدا إلى سائر نساء أمته.
الجواب عن الثاني: ان ميل النفس إلى كل شئ حسن وإعجابها به من
مقتضيات الفطرة الانسانية ولولاه لما استحسن الانتهاء عما نهي عنه بل عدم الميل
دليل فتور في الفطرة الأولية، والنبي حيث إنه بشر لابد فيه من كمال سائر
المقتضيات البشرية، لكن الفرق بيننا وبينه ان ميولنا النفسانية ربما تذهب بنا
إلى مهاوي الهلكات والنبي لا يقتحمها أبدا لمكان العصمة.
الجواب عن الثالث: انه لم يتزوجها إلا بعد أمر الله تعالى وهو مبني على
حكم، منها ما بينه الله تعالى بقوله: لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج
أدعيائهم إذا قضوا منها وطرا، ومنها ما لم يبين الله وهي ان زيدا لما اشتهر بين
الناس بابنية رسول الله صلى الله عليه وآله لأمكن من المسلمين السذج لا سيما من الذين كان
كمال مجهودهم حط مقام أهل البيت عليهم السلام ان يعطوا زيدا مقام ابن
رسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاته بل لم يكن من المستبعد ان يجعلوه خليفة له بدليل
كونه ابنا له، فكان اللازم على الله ان يسد هذا المجال فبين الفرق بينه وبين الولد
النسبي بجواز التزويج من مدخولة الابن الدعي دون مدخولة الابن النسبي وأراد
ان يتزوج النبي من زوجة زيد حتى ينحسم احتمال كونه ابنا له فأوجد دواعي
هذا الزواج من نظره إليها وإلقاء محبتها في قلبه ولما رأى أن النبي صلى الله عليه وآله لا يقدم
عليه لمقام حيائه وعفته قال: تخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله
أحق ان تخشاه الآية، فلو لم يكن في هذا الزواج مثل هذه الحكمة لما كان
جائزا للنبي لان النبي لا يفعل فعلا عبثا فكيف ما كان مذموما والدليل على ذلك أنه
منع عن مثل هذا الزواج فيما بعد لكونه عادما للحكمة المذكورة لقوله:
لا يحل لك النساء من بعد ولا ان تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن.
وسيجئ في رواية أبي الجارود في تفسير قوله تعالى: " ما كان لمؤمن
ولا مؤمنة إذا قضى الله أمرا أن يكون لهم الخيرة " انه صلى الله عليه وآله لم يذهب إلى
بيت زيد وانهما (أي زيدا وزينب) جاءا إلى النبي لرفع التخاصم بينهما وهذا
هو الأوفق لاعتضاده بغيره من روايات الامامية، والأول على مذاق العامة فيترك ج. ز
173

فقال المنافقون: يحرم علينا نسائنا ويتزوج امرأة ابنه زيد فأنزل
174

الله في هذا (وما جعل أدعياءكم أبناءكم - إلى قوله - يهدي السبيل) ثم قال:
(ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله - إلى قوله - ومواليكم) فاعلم الله ان زيدا
ليس هو ابن محمد وإنما ادعاه للسبب الذي ذكرناه، وفي هذا أيضا ما نكتبه في
غير هذا الموضع في قوله: " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله
وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما " ثم نزل (لا يحل لك النساء من بعد)
ما حلل عليه في سورة النساء وقوله: (ولا ان تبدل بهن من أزواج) معطوف
على قصة امرأة زيد (ولو أعجبك حسنهن) اي لا يحل لك امرأة رجل ان تتعرض
لها حتى يطلقها زوجها وتتزوجها أنت فلا تفعل هذا الفعل بعد هذا.
وقوله: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) قال: نزلت وهو أب
لهم وأزواجه أمهاتهم، فجعل الله المؤمنين أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل رسول الله
أباهم لمن لم يقدر ان يصون نفسه ولم يكن له مال وليس له على نفسه ولاية فجعل الله
تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله الولاية على المؤمنين من أنفسهم وقول رسول الله صلى الله عليه وآله
175

بغدير خم " يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم " قالوا: بلى ثم أوجب
لأمير المؤمنين عليه السلام ما أوجبه لنفسه عليهم من الولاية فقال: " ألا من كنت
مولاه فعلي مولاه " فلما جعل الله النبي أبا للمؤمنين ألزمه مؤنتهم وتربية أيتامهم
فعند ذلك صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فقال: من ترك مالا فلورثته ومن ترك
دينا أو ضياعا فعلي والي، فألزم الله نبيه للمؤمنين ما يلزمه الوالد وألزم المؤمنين
من الطاعة له ما يلزم الولد للوالد فكذلك ألزم أمير المؤمنين عليه السلام ما ألزم رسول الله
صلى الله عليه وآله من بعد ذلك وبعده الأئمة عليهم السلام واحدا واحدا والدليل على أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام هما الوالدان قوله: " وا عبد الله ولا تشركوا
به شيئا وبالوالدين إحسانا " فالوالدان رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما
وقال الصادق عليه السلام وكان إسلام عامة اليهود بهذا السبب لأنهم أمنوا على أنفسهم
وعيالاتهم وقوله: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) قال نزلت
في الإمامة وقوله: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم
وموسى وعيسى بن مريم) قال: هذه الواو زيادة في قوله ومنك وإنما هو منك
ومن نوح فأخذ الله الميثاق لنفسه على الأنبياء ثم اخذ لنبيه صلى الله عليه وآله على الأنبياء
والأئمة ثم اخذ للأنبياء على رسوله صلى الله عليه وآله.
وقوله: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود
فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ جاؤكم من
فوقكم ومن أسفل منكم الآية) فإنها نزلت في قصة الأحزاب من قريش والعرب
الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: وذلك أن قريشا تجمعت في سنة خمس
من الهجرة وساروا في العرب وجلبوا واستفزوهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وآله فوافوا
في عشرة آلاف ومعهم كنانة وسليم وفزارة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله حين
اجلا بني النضير وهم بطن من اليهود من المدينة وكان رئيسهم حي بن اخطب،
176

وهم يهود من بني هارون عليه السلام فلما أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبر وخرج
حي بن اخطب وهم إلى قريش بمكة وقال لهم ان محمدا قد وتركم ووترنا وأجلانا
من المدينة من ديارنا وأموالنا وأجلا بني عمنا بني قينقاع فسيروا في الأرض
واجمعوا حلفاءكم وغيرهم حتى نسير إليهم فإنه قد بقي من قومي بيثرب سبعمائة مقاتل
وهم بنو قريظة وبينهم وبين محمد عهد وميثاق وأنا احملهم على نقض العهد بينهم
وبين محمد صلى الله عليه وآله ويكونون معنا عليهم فتأتونه أنتم من فوق وهم من أسفل.
وكان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين وهو الموضع الذي
يسمى بئر المطلب، فلم يزل يسير معهم حي بن اخطب في قبائل العرب حتى
اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة والأقرع بن حابس في قومه وعباس
ابن مرداس في بني سليم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فاستشار أصحابه وكانوا
سبعمائة رجل، فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله ان القليل لا يقاوم الكثير
في المطاولة (1) قال: فما نصنع؟ قال: نحفر خندقا يكون بيننا وبينهم حجابا
فيمكنك منعهم في المطاولة، ولا يمكنهم ان يأتونا من كل وجه فانا كنا معاشر
العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم من عدونا نحفر الخنادق فيكون الحرب من
مواضع معروفة، فنزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أشار سلمان
بصواب، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله بحفره من ناحية أحد إلى رائح (راتج ط) وجعل على كل
عشرين خطوة وثلاثين خطوة قوما من المهاجرين والأنصار يحفرونه، فامر فحملت
المساحي والمعاول وبدأ رسول الله وأخذ معولا فحفر في موضع المهاجرين بنفسه
وأمير المؤمنين عليه السلام ينقل التراب من الحفرة حتى عرق رسول الله صلى الله عليه وآله وعيى
وقال: لا عيش إلا عيش الآخرة اللهم اغفر للأنصار والمهاجرين، فلما نظر الناس

(1) كالمقاتلة وزنا ومعنى. ج. ز
177

إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقلوا التراب فلما كان في اليوم
الثاني بكروا إلى الحفر وقعد رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد الفتح فبينا المهاجرون
والأنصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر بن عبد الله
الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يعلمه بذلك، قال جابر: فجئت إلى المسجد
ورسول الله مستلق على قفاه ورداؤه تحت رأسه وقد شد على بطنه حجرا،
فقلت: يا رسول الله إنه قد عرض لنا جبل لم تعمل المعاول فيه فقام مسرعا حتى
جاءه ثم دعا بماء في إناء فغسل وجهه وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه ثم شرب
ومج من ذلك الماء في فيه ثم صبه على الحجر ثم اخذ معولا فضرب ضربة فبرقت برقة
فنظرنا فيها إلى قصور الشام، ثم ضرب أخرى فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور
المداين، ثم ضرب أخرى فبرقت برقة أخرى نظرنا فيها إلى قصور اليمن، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: اما انه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق.
ثم انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل، فقال جابر: فعلمت ان رسول الله
مقوى أي جائع لما رأيت على بطنه الحجر فقلت: يا رسول الله هل لك في الغذاء؟
قال: ما عندك يا جابر؟ فقلت: عناق (1) وصاع من شعير فقال: تقدم وأصلح
ما عندك، قال: فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير وذبحت العنز وسلختها
وأمرتها ان تخبز وتطبخ وتشوي، فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قد فرغنا فاحضر مع من أحببت،
فقام صلى الله عليه وآله إلى شفير الخندق ثم قال: معاشر المهاجرين والأنصار أجيبوا جابرا
قال جابر: وكان في الخندق سبعمائة رجل فخرجوا كلهم ثم لم يمر بأحد من
المهاجرين والأنصار إلا قال أجيبوا جابرا، قال جابر: فتقدمت وقلت لأهلي:
والله قد أتاك محمد رسول الله صلى الله عليه وآله بما لا قبل لك به، فقالت: أعلمته أنت بما
عندنا؟ قال: نعم، قالت: هو اعلم بما اتى، قال جابر: فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) بفتح العين الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول. ج. ز
178

فنظر في القدر ثم قال: اغرفي وأبقي ثم نظر في التنور ثم قال: أخرجي وأبقي ثم
دعا بصحنة فثرد فيها وغرف، فقال: يا جابر ادخل علي عشرة فأدخلت عشرة
فأكلوا حتى نهلوا (1) وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ثم قال: يا جابر علي
بالذراع فأتيته بالذراع فأكلوه ثم قال: ادخل علي عشرة فدخلوا فأكلوا حتى نهلوا
وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم، ثم قال: علي بالذراع فأكلوا وخرجوا ثم
قال: ادخل علي عشرة فأدخلتهم فاكلوا حتى نهلوا ولم ير في القصعة إلا آثار
أصابعهم ثم قال: يا جابر علي بالذراع فاتيته فقلت: يا رسول الله كم للشاة من
ذراع؟ قال: ذراعان، فقلت: والذي بعثك بالحق نبيا لقد اتيتك بثلاثة،
فقال: اما لو سكت يا جابر لأكلوا الناس كلهم من الذراع، قال جابر: فأقبلت
ادخل عشرة عشرة فدخلوا فيأكلون حتى اكلوا كلهم وبقي والله لنا من ذلك الطعام
ما عشنا به أياما.
قال: وحفر رسول الله صلى الله عليه وآله الخندق وجعل له ثمانية بواب وجعل على كل باب رجلا من المهاجرين
ورجلا من الأنصار مع جماعة يحفظونه وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال
فنزلوا الرغابة (2) ففرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة
أيام، فأقبلت قريش ومعهم حي بن اخطب فلما نزلوا العقيق جاء حي بن اخطب
إلى بني قريظة في جوف الليل وكانوا في حصنهم قد تمسكوا بعهد رسول الله
صلى الله عليه وآله، فدق باب الحصن فسمع كعب بن أسد قرع الباب فقال لأهله: هذا
أخوك قد شأم قومه وجاء الآن يشأ منا ويهلكنا ويأمرنا بنقض العهد بيننا وبين
محمد وقد وفى لنا محمد وأحسن جوارنا، فنزل إليه من غرفته فقال له: من أنت؟
قال: حي بن اخطب قد جئتك بعز الدهر، فقال كعب: بل جئتني بذل الدهر،

(1) نهلوا أي عطشوا
(2) الزغابة ط. ج - ز
179

فقال: يا كعب هذه قريش في قادتها وسادتها قد نزلت بالعقيق مع حلفائهم من
كنانة وهذه فزارة مع قادتها وسادتها قد نزلت الرغابة وهذه سليم وغيرهم قد
نزلوا حصن بني ذيبان ولا يفلت محمد وأصحابه من هذا الجمع ابدا فافتح الباب
وانقض العهد الذي بينك وبين محمد، فقال كعب: لست بفاتح لك الباب ارجع
من حيث جئت فقال حي: ما يمنعك من فتح الباب إلا حشيشتك (خسيستك ط) التي في التنور
تخاف ان أشركك فيها فافتح فإنك آمن من ذلك، فقال له كعب: لعنك الله قد
دخلت علي من باب دقيق (1) ثم قال: افتحوا له الباب ففتحوا له الباب، فقال:
ويلك يا كعب انقض العهد الذي بينك وبين محمد ولا ترد رأيي فان محمدا لا يفلت
من هذا الجمع ابدا فان فاتك هذا الوقت لا تدرك مثله ابدا، قال: واجتمع كل
من كان في الحصن من رؤساء اليهود مثل غزال بن شمول وياسر بن قيس ورفاعة
ابن زيد والزبير بن ياطا فقال لهم كعب: ما ترون؟ قالوا: أنت سيدنا والمطاع
فينا وأنت صاحب عهدنا فان نقضت نقضنا وان أقمت أقمنا معك وان خرجت
خرجنا معك، فقال الزبير بن ياطا وكان شيخا كبيرا مجربا قد ذهب بصره: قد
قرأت التوراة التي أنزلها الله في سفرنا بأنه يبعث نبيا في آخر الزمان يكون مخرجه
بمكة ومهاجرته بالمدينة إلى البحيرة يركب الحمار العربي ويلبس الشملة ويجتزى
بالكسيرات والتميرات وهو الضحوك القتال في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم
النبوة يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقاه يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر
فإن كان هذا هو فلا يهولنه هؤلاء وجمعهم ولو ناوته هذه الجبال الرواسي لغلبها
فقال حي: ليس هذا ذلك وذلك النبي من بني إسرائيل وهذا من العرب من ولد
إسماعيل ولا يكون بنو إسرائيل أتباعا لولد إسماعيل ابدا لان الله قد فضلهم

(1) اي صيقت علي في الجواب. ج. ز
180

على الناس جميعا وجعل منهم النبوة والملك وقد عهد الينا موسى ألا نؤمن لرسول
حتى يأتينا بقربان تأكله النار، وليس مع محمد آية وإنما جمعهم جمعا وسحرهم ويريد
أن يغلبهم بذلك، فلم يزل يقلبهم عن رأيهم حتى أجابوه فقال لهم اخرجوا الكتاب
الذي بينكم وبين محمد فأخرجوه فأخذه حي بن اخطب ومزقه وقال قد وقع الامر
فتجهزوا وتهيئوا للقتال.
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك فغمه غما شديدا وفزع أصحابه فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله لسعد بن معاذ وأسيد بن حصين وكانا من الأوس وكانت
بنو قريظة حلفاء الأوس فقال لهما: إئتيا بني قريظة فانظروا ما صنعوا فان كانوا
نفسوا العهد فلا تعلما أحدا إذا رجعتما إلي وقولا عضل والفارة فجاء سعد بن
معاذ وأسيد بن حصين إلى باب الحصن فأشرف عليهما كعب من الحصن فشتم
سعدا وشتم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له سعد: إنما أنت ثعلب في جحر لنولين
قريشا وليحاصرنك رسول الله صلى الله عليه وآله ولينزلنك على الصغر والقماع وليضربن
عنقك، ثم رجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالا عضل والفارة فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله لعناء نحن أمرناهم بذلك وذلك أنه كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله عيون
لقريش يتجسسون خبره وكانت عضل والفارة قبيلتان من العرب دخلا في الاسلام
ثم غدرا فكان إذا غدر أحد ضرب بهذا المثل فيقال عضل والفارة.
ورجع حي بن اخطب إلى أبي سفيان وقريش فأخبرهم بنقض بني قريظة
العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله ففرحت قريش بذلك فلما كان في جوف الليل
جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقد كان أسلم قبل قدوم
قريش بثلاثة أيام، فقال: يا رسول الله قد آمنت بالله وصدقتك وكتمت إيماني
عن الكفرة فان أمرتني ان آتيك بنفسي وأنصرك بنفسي فعلت وان أمرت ان
أخذل بين اليهود وبين قريش فعلت حتى لا يخرجوا من حصنهم، فقال رسول الله
181

صلى الله عليه وآله أخذل بين اليهود وقريش فإنه أوقع عندي، قال: فتأذن لي ان أقول فيك
ما أريد، قال قل ما بدا لك، فجاء إلى أبي سفيان فقال له: تعرف مودتي لكم
ونصحي ومحبتي ان ينصركم الله على عدوكم وقد بلغني ان محمدا قد وافق اليهود
ان يدخلوا بين عسكركم ويميلوا عليكم ووعدهم إذا فعلوا ذلك ان يرد عليهم جناحهم
الذي قطعه لبني النضير وقينقاع فلا أرى لكم ان تدعوهم يدخلوا في عسكركم حتى
تأخذوا منهم رهنا تبعثوا بهم إلى مكة فتأمنوا مكرهم وغدرهم، فقال أبو سفيان
وفقك الله وأحسن جزاك مثلك أهدى النصايح ولم يعلم أبو سفيان باسلام نعيم
ولا أحد من اليهود، ثم جاء من فوره ذلك إلى بني قريظة فقال: يا كعب تعلم
مودتي لكم وقد بلغني ان أبا سفيان قال تخرج هؤلاء اليهود فنضعهم في نحر محمد
فان ظفروا كان الذكر لنا دونهم وإن كانت علينا كانوا هؤلاء مقاديم الحرب فلا
أرى لكم ان تدعوهم يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم عشرة من أشرافهم
يكونون في حصنكم انهم ان لم يظفروا بمحمد لم يبرحوا حتى يردوا عليكم عهدكم
وعقدكم بين محمد وبينكم لأنه ان ولت قريش ولم يظفروا بمحمد غزاكم محمد فيقتلكم
فقالوا: أحسنت وأبلغت في النصيحة لا تخرج من حصننا حتى نأخذ منهم رهنا
يكونون في حصننا.
وأقبلت قريش فلما نظروا إلى الخندق قالوا: هذه مكيدة ما كانت العرب
تعرفها قبل ذلك فقيل لهم هذا من تدبير الفارسي الذي معه فوافى عمرو بن عبد ود
وهبيرة بن وهب وضرار بن الخطاب إلى الخندق وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قد
صف أصحابه بين يديه فصاحوا بخيلهم حتى طفروا الخندق إلى جانب رسول الله
صلى الله عليه وآله فصاروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كلهم خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وقدموا
رسول الله صلى الله عليه وآله بين أيديهم وقال رجل من المهاجرين وهو فلان
لرجل بجنبه من اخوانه: أما ترى هذا الشيطان عمرو لا والله ما يفلت من يديه
182

أحد فهلموا ندفع إليه محمدا ليقتله ونلحق نحن بقومنا، فأنزل الله على نبيه في
ذلك الوقت قوله (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم الينا ولا يأتون
البأس إلا قليلا أشحة عليكم - إلى قوله - وكان على الله يسيرا) وركز عمرو بن
عبد ود رمحه في الأرض وأقبل يجول حوله ويرتجز ويقول:
ولقد بححت (1) من النداء بجمعكم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن الشجاع مواقف القرن المناجز
أني كذلك لم أزل متسرعا نحو الهزاهز
ان الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرايز
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من لهذا الكلب؟ فلم يجبه أحد،
فقام إليه أمير المؤمنين عليه السلام وقال: أنا له يا رسول الله، فقال: يا علي هذا عمرو
ابن عبد ود فارس يليل (2) قال: أنا علي بن أبي طالب، فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله: ادن مني فدنا منه فعممه بيده، ودفع إليه سيفه ذا الفقار فقال له
اذهب وقاتل بهذا وقال: اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله
ومن فوقه ومن تحته.
فمر أمير المؤمنين عليه السلام يهرول في مشيه وهو يقول:
لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية وبصيرة والصدق منجى كل فايز
اني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنايز
من ضربة نجلاء يبقى صوتها بعد الهزاهز

(1) بح أغلظ بصوته مع خشونة.
(2) اسم موضع هجم فيه عمرو على عير وهزم الف خيال منهم. ج. ز
183

فقال له عمرو من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله
صلى الله عليه وآله وختنه فقال: والله ان أباك كان لي صديقا قديما واني اكره
أن أقتلك ما آمن ابن عمك حين بعثك إلي ان أختطفك برمحي هذا فأتركك
شائلا بين السماء والأرض لا حي ولا ميت، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: قد علم
ابن عمي انك ان قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار وان قتلتك فأنت في النار
وأنا في الجنة، فقال عمرو وكلتاهما لك يا علي؟ تلك إذا قسمة ضيزى، قال علي
عليه السلام دع هذا يا عمر واني سمعت منك وأنت متعلق بأستار الكعبة تقول لا يعرضن
علي أحد في الحرب ثلاث خصال إلا أجبته إلى واحدة منها وأنا أعرض عليك
ثلاث خصال فأجبني إلى واحدة قال: هات يا علي! قال: أحدها تشهد ان لا
إله إلا الله وان محمدا رسول الله، قال: نح عني هذه فاسأل الثانية، فقال أن
ترجع وترد هذا الجيش عن رسول الله صلى الله عليه وآله فان يك صادقا فأنتم
أعلى به عينا وان يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره، فقال: إذا لا تتحدث نساء
قريش بذلك ولا تنشد الشعراء في أشعارها اني جبنت ورجعت على عقبي من الحرب
وخذلت قوما رأسوني عليهم؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فالثالثة ان تنزل إلي
فإنك راكب وأنا راجل حتى أنابذك فوثب عن فرسه وعرقبه وقال هذه خصلة
ما ظننت ان أحدا من العرب يسومني عليها ثم بدا فضرب أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف على رأسه فألقاه أمير المؤمنين
بدرقته فقطعها وثبت السيف على رأسه، فقال له علي عليه السلام يا عمرو أما كفاك اني
بارزتك وأنت فارس العرب حتى استعنت علي بظهير؟ فالتفت عمرو إلى خلفه
فضربه أمير المؤمنين عليه السلام مسرعا على ساقيه قطعهما جميعا وارتفعت بينهما عجاجة
فقال المنافقون قتل علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم انكشف العجاجة فنظروا فإذا أمير المؤمنين
عليه السلام على صدره قد أخذ بلحيته يريد ان يذبحه فذبحه ثم اخذ رأسه وأقبل إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله والدماء تسيل على رأسه من ضربة عمرو وسيفه
184

يقطر منه الدم وهو يقول والرأس بيده:
أنا علي وابن عبد المطلب * الموت خير للفتى من الهرب
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي ما كرته؟ قال: نعم يا رسول الله
الحرب خديعة، وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله الزبير إلى هبيرة بن وهب
فضربه على رأسه ضربة فلق هامته، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله عمر بن
الخطاب ان يبارز ضرار بن الخطاب فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر سهما فقال
ضرار ويحك يا بن صهاك أترميني في مبارزة والله لئن رميتني لا تركت عدويا
بمكة إلا قتلته، فانهزم عنه عمر ومر نحوه ضرار وضربه على رأسه بالقناة ثم قال
احفظها يا عمر؟ فاني آليت أن لا أقتل قرشيا ما قدرت عليه، فكان عمر يحفظ
له ذلك بعدما ولي فولاه.
فبقي رسول الله صلى الله عليه وآله يحاربهم في الخندق خمسة عشر يوما
فقال أبو سفيان لحي بن اخطب ويلك يا يهودي أين قومك فصار حي بن اخطب
إليهم فقال ويلكم اخرجوا فقد نابذتم محمدا الحرب فلا أنتم مع محمد ولا أنتم مع
قريش، فقال كعب: لسنا خارجين حتى تعطينا قريش عشرة من أشرافهم رهنا
يكونون في حصننا انهم إن لم يظفروا بمحمد لم يبرحوا حتى يرد محمد علينا عهدنا
وعقدنا فانا لا نأمن ان تفر قريش ونبقى نحن في عقر دارنا ويغزونا محمد فيقتل
رجالنا ويسبي نساءنا وذرارينا وإن لم نخرج لعله يرد علينا عهدنا، فقال له حي
ابن اخطب تطمع في غير مطمع قد نابذت العرب محمدا الحرب فلا أنتم مع محمد
ولا أنتم مع قريش؟ فقال كعب هذا من شؤمك إنما أنت طائر تطير مع قريش
غدا وتتركنا في عقر دارنا ويغزونا محمد فقال له لك عهد الله علي وعهد موسى
انه إن لم تظفر قريش بمحمد اني ارجع معك إلى حصنك يصيبني ما يصيبك،
فقال كعب هو الذي قد قلته ان أعطتنا قريش رهنا يكونون عندنا وإلا لم نخرج
185

فرجع حي بن اخطب إلى قريش فأخبرهم، فلما قال يسألون الرهن قال أبو سفيان
هذا والله أول الغدر قد صدق نعيم بن مسعود لا حاجة لنا في اخوان
القرود والخنازير.
فلما طال على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الامر واشتد عليهم
الحصار وكانوا في وقت برد شديد وأصابتهم مجاعة وخافوا من اليهود خوفا
شديدا وتكلم المنافقون بما حكى الله عنهم ولم يبق أحد من أصحاب رسول الله إلا
نافق إلا القليل وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله اخبر أصحابه ان العرب تتحزب
ويجيئون من فوق وتغدر اليهود ونخافهم من أسفل وانه ليصيبهم جهد شديد
ولكن تكون العاقبة لي عليهم، فلما جاءت قريش وغدرت اليهود قال المنافقون
(ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) وكان قوم لهم دور في أطراف المدينة فقالوا
يا رسول الله تأذن لنا ان نرجع إلى دورنا فإنها في أطراف المدينة وهي عورة
ونخاف اليهود ان يغيروا عليها، وقال قوم هلموا فنهرب ونصير في البادية ونستجير
بالاعراب فان الذي كان يعدنا محمد كان باطلا كله، وكان رسول الله صلى الله عليه
وآله أمر أصحابه ان يحرسوا المدينة بالليل وكان أمير المؤمنين عليه السلام على العسكر
كله بالليل يحرسهم فان تحرك أحد من قريش نابذهم وكان أمير المؤمنين عليه السلام يجوز
الخندق ويصير إلى قرب قريش حيث يراهم فلا يزال الليل كله قائما وحده يصلي
فإذا أصبح رجع إلى مركزه ومسجد أمير المؤمنين هناك معروف يأتيه من يعرفه
فيصلي فيه وهو من مسجد الفتح إلى العقيق أكثر من غلوة نشابة، فلما رأى
رسول الله صلى الله عليه وآله من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد إلى مسجد
الفتح وهو الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم فدعا الله وناجاه فيما وعده وكان
مما دعاه ان قال: يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين ويا كاشف الكرب
العظيم أنت مولاي ووليي وولي آبائي الأولين اكشف عنا غمنا وهمنا وكربنا
186

واكشف عنا شر هؤلاء القوم بقوت وحولك وقدرتك، فنزل عليه جبرئيل فقال
يا محمد ان الله قد سمع مقالتك وأجاب دعوتك وأمر الدبور وهي الريح مع الملائكة
ان تهزم قريشا والأحزاب، وبعث الله على قريش الدبور فانهزموا وقلعت أخبيتهم
ونزل جبرئيل فأخبره بذلك فنادى رسول الله صلى الله عليه وآله حذيفة بن اليمان
وكان قريبا منه فلم يجبه ثم ناداه فلم يجبه ثم ناداه الثالثة فقال لبيك يا رسول الله
قال أدعوك فلا تجيبني! قال يا رسول الله بأبي أنت وأمي من الخوف والبرد والجوع
فقال ادخل في القوم وائتني بأخبارهم ولا تحدثن حدثا حتى ترجع إلي فان الله
قد أخبرني انه قد أرسل الرياح على قريش فهزمهم، قال حديفة فمضيت وأنا انتفض
من البرد فوالله ما كان إلا بقدر ما جزت الخندق حتى كأني في حمام فقصدت
خباءا عظيما فإذا نار تخبو وتوقد وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلى خصيتيه على
النار وهو ينتفض من شدة البرد ويقول يا معشر قريش إن كنا نقاتل أهل السماء
بزعم محمد فلا طاقة لنا بأهل السماء وإن كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم،
ثم قال لينظر كل رجل منكم إلى جليسه لا يكون لمحمد عين فيما بيننا، قال حذيفة
فبادرت أنا فقلت للذي عن يميني من أنت؟ فقال: أنا عمرو بن العاص ثم قلت
للذي عن يساري من أنت؟ قال: أنا معاوية وإنما بادرت إلى ذلك لئلا يسألني
أحد من أنت، ثم ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة ولولا أن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال لا تحدث حدثا حتى ترجع إلي لقدرت ان أقتله.
ثم قال أبو سفيان لخالد بن الوليد يا أبا سليمان لابد من أن أقيم أنا وأنت
على ضعفاء الناس ثم قال ارتحلوا إنا مرتحلون ففروا منهزمين فلما أصبح رسول الله
صلى الله عليه وآله قال لأصحابه: لا تبرحوا فلما طلعت الشمس دخلوا المدينة وبقي
رسول الله صلى الله عليه وآله في نفر يسير وكان ابن فرقد الكناني رمى سعد
187

ابن معاذ رحمه الله بسهم في الخندق فقطع أكحله (1) فنزفه الدم فقبض سعد على
أكحله بيده ثم قال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فلا
أجد أحب إلي محاربتهم من قوم حادوا الله ورسوله وإن كانت الحرب قد وضعت
أوزارها بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين قريش فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر
عيني من بني قريظة، فأمسك الدم وتورمت يده.
وضرب رسول الله له في المسجد خيمة وكان يتعاهده بنفسه فأنزل الله
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا
وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل
منكم) يعني بني قريظة حين غدروا وخافوهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله (وإذ
زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر - إلى قوله - إن يريدون إلا فرارا)
وهم الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله تأذن لنا نرجع إلى منازلنا فإنها في أطراف
المدينة ونخاف اليهود عليها فأنزل الله فيهم (ان بيوتنا عورة وما هي بعورة ان
يريدون إلا فرارا - إلى قوله - وكان ذلك على الله يسيرا) ونزلت هذه الآية
في فلان لما قال لعبد الرحمن بن عوف: هلم ندفع محمدا إلى قريش ونلحق
نحن بقومنا.
ثم وصف الله المؤمنين المصدقين بما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما يصيبهم في
الخندق من الجهد، فقال: (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله
ورسوله وما زادهم إلا إيمانا) يعني ذلك البلاء والجهد والخوف، وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا
الله عليه) أي لا يفروا أبدا (فمنهم من قضى نحبه) أي أجله وهو حمزة وجعفر

(1) عرق في الذراع يفصد.
188

ابن أبي طالب (ومنهم من ينتظر) أجله يعني عليا عليه السلام وقال علي بن إبراهيم في
قوله (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال)
بعلي بن أبي طالب عليه السلام، ونزل في بني قريظة (وانزل الله الذين ظاهروهم من أهل الكتاب
من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا
وأورثكم ارضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها وكان الله على كل شئ قديرا)
فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة واللواء معقود أراد ان يغتسل من
الغبار فناداه جبرئيل عذيرك من محارب! والله ما وضعت الملائكة لامتها فكيف
تضع لامتك! ان الله يأمرك أن لا تصلي العصر إلا ببني قريظة فاني متقدمك
ومزلزل بهم حصنهم إنا كنا في آثار القوم نزجرهم زجرا حتى بلغوا حمراء الأسد
فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فاستقبله حارثة بن نعمان فقال له: ما الخبر يا حارثة؟
قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله هذا دحية الكلبي ينادي في الناس ألا لا يصلين
العصر أحد إلا في بني قريظة، فقال ذاك جبرئيل ادعوا لي عليا فجاء علي عليه السلام
فقال له ناد في الناس لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فجاء أمير المؤمنين
عليه السلام فنادى فيهم، فخرج الناس فبادروا إلى بني قريظة وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله
وعلي بن أبي طالب عليه السلام بين يديه مع الراية العظمى وكان حي بن اخطب لما
انهزمت قريش جاء فدخل حصن بني قريظة، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام وأحاط
بحصنهم فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن يشتمهم ويشتم رسول الله صلى الله عليه وآله
فأقبل رسول الله على حمار فاستقبله أمير المؤمنين عليه السلام فقال: بأبي أنت وأمي
يا رسول الله لا تدن من الحصن، فقال رسول الله يا علي لعلهم شتموني انهم لوقد
رأوني لأذلهم الله ثم دنا رسول الله صلى الله عليه وآله من حصنهم فقال:
يا اخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت! أتشتموني إنا إذا نزلنا بساحة
قوم فساء صباحهم، فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن فقال: والله
189

يا أبا القاسم! ما كنت جهولا فاستحيي رسول الله حتى سقط الرداء من ظهره حياء
مما قاله، وكان حول الحصن نخل كثير فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فتباعد
عنه وتفرق في المفازة وأنزل رسول الله صلى الله عليه وآله العسكر حول حصنهم فحاصرهم
ثلاثة أيام فلم يطلع أحد منهم رأسه، فلما كان بعد ثلاثة أيام نزل إليه غزال بن
شمول فقال: يا محمد! تعطينا ما أعطيت اخواننا من بني النضير أحقن دماءنا ونخلي
لك البلاد وما فيها ولا نكتمك شيئا، فقال: لا أو تنزلون على حكمي؟ فرجع
وبقوا أياما فبكت النساء والصبيان إليهم وجزعوا جزعا شديدا، فلما اشتد عليهم
الحصار نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله فأمر بالرجال فكتفوا وكانوا سبعمائة
وأمر بالنساء فعزلن وقامت الأوس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله
حلفاءنا وموالينا من دون الناس نصرونا على الخزرج في المواطن كلها وقد وهبت
لعبد الله بن أبي سبع مائة ذراع وثلاثمائة حاسر في صحيفة واحدة ولسنا نحن
بأقل من عبد الله بن أبي، فلما أكثروا على رسول الله صلى الله عليه وآله قال لهم: أما ترضون
أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟ فقالوا: بلى فمن هو؟ قال: سعد بن معاذ
قالوا: قد رضينا بحكمه فاتوا به في محفة واجتمعت الأوس حوله يقولون له:
يا أبا عمرو اتق الله وأحسن في حلفائك ومواليك فقد نصرونا ببغات والحدايق
والمواطن كلها، فلما أكثروا عليه قال لقد آن لسعد ان لا يأخذه في الله لومة
لائم، فقالت الأوس وا قوماه ذهبت والله بنو قريظة وبكت النساء والصبيان إلى
سعد، فلما سكتوا قال لهم سعد: يا معشر اليهود أرضيتم بحكمي فيكم؟ فقالوا:
بلى قد رضينا بحكمك وقد رجونا نصفك ومعروفك وحسن نظرك، فعاد عليهم
القول فقالوا بلى يا أبا عمرو! فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إجلالا له، فقال:
ما ترى بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: احكم فيهم يا سعد! فقد رضيت
بحكمك فيهم، فقال: قد حكمت يا رسول الله ان تقتل رجالهم وتسبي نساءهم
190

وذراريهم وتقسم غنائمهم وأموالهم بين المهاجرين والأنصار فقام رسول الله فقال
قد حكمت بحكم الله من فوق سبع رقعة ثم انفجر جرح سعد بن معاذ فما زال
ينزف الدم حتى قضى، وساقوا الأسارى إلى المدينة وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله
بأخدود فحفرت بالبقيع فلما امسى أمر باخراج رجل رجل فكان يضرب عنقه.
فقال حي بن اخطب لكعب بن أسيد: ما ترى ما يصنع محمد صلى الله عليه وآله بهم؟
فقال له: ما يسؤك أما ترى الداعي لا يقلع (1) والذي يذهب لا يرجع فعليكم
بالصبر والثبات على دينكم، فأخرج كعب بن أسيد مجموعة يديه إلى عنقه وكان
جميلا وسيما فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله قال له يا كعب أما نفعتك وصية ابن
الحواس الحبر الذكي الذي قدم عليكم من الشام فقال تركت الخمر والخنزير وجئت
إلى البؤس والتمور لنبي يبعث مخرجه بمكة ومهاجرته في هذه البحيرة يجتزى
بالكسيرات والتميرات ويركب الحمار العري في عينيه حمرة بين كتفيه خاتم النبوة
يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى منكم يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر،
فقال قد كان ذلك يا محمد! ولولا أن اليهود يعيروني اني جزعت عند القتل لآمنت
بك وصدقتك ولكني على دين اليهود عليه أحيى وعليه أموت; فقال رسول الله
قدموه فاضربوا عنقه، فضربت ثم قدم حي بن اخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله
يا فاسق كيف رأيت صنع الله بك؟ فقال والله يا محمد! ما ألوم نفسي في عداوتك
ولقد قلقلت كل مقلقل وجهدت كل الجهد ولكن من يخذل الله يخذل، ثم قال
حين قدم للقتل:
لعمرك ما لام ابن اخطب نفسه * ولكنه من يخذل الله يخذل

(1) يقال قلع عن كذا: كف عنه ومنه قوله تعالى: " يا سماء اقلعي "
اي كفي عن المطر. ج. ز
191

فقدم وضرب عنقه فقتلهم رسول الله في البردين (1) بالغداة والعشي في
ثلاثة أيام وكان يقول: اسقوهم العذب واطعموهم الطيب وأحسنوا إلى أساراهم،
حتى قتلهم كلهم وأنزل الله على رسوله (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب
من صياصيهم) أي من حصونهم (وقذف في قلوبهم الرعب - إلى قوله - وكان
الله على كل شئ قديرا).
واما قوله (يا أيها النبي قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها
فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار
الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن اجرا عظيما) فإنه كان سبب نزولها انه لما
رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من غزاة خيبر وأصاب كنز آل أبي الحقيق، قلن أزواجه
أعطنا ما أصبت، فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وآله قسمته بين المسلمين على ما امر الله
فغضبن من ذلك وقلن لعلك ترى انك ان طلقتنا ان لا نجد الأكفاء من قومنا
يتزوجونا فانف الله لرسوله فأمره ان يعتزلهن فاعتزلهن رسول الله صلى الله عليه وآله في
مشربة أم إبراهيم تسعة وعشرين يوما، حتى حضن وطهرن ثم انزل الله هذه
الآية وهي آية التخيير فقال (يا أيها النبي قل لأزواجك - إلى قوله - اجرا عظيما)
فقامت أم سلمة وهي أول من قامت وقالت قد اخترت الله ورسوله فقمن كلهن
فعانقنه وقلن مثل ذلك فأنزل الله (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من
تشاء الآية) قال الصادق عليه السلام من آوى فقد نكح ومن أرجى فقد طلق، وقوله
(ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) مع هذه الآية (يا أيها النبي قل
لأزواجك.. الخ) وقد أخرت عنها في التأليف.
ثم خاطب الله عز وجل نساء نبيه فقال (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة

(1) البردان والابردان: الغداة والعشي. ج. ز
192

مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين - إلى قوله - نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها الجزء (22)
رزقا كريما) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: أجرها مرتين
والعذاب ضعفين كل هذا في الآخرة حيث يكون الاجر يكون العذاب، حدثنا
محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن غالب عن عبد الرحمن بن أبي نجران
عن حماد عن حريز قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (يا نساء
النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) قال: الفاحشة
الخروج بالسيف، حدثنا حميد بن زياد عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى عن
طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه في هذه الآية (ولا تبرجن تبرج
الجاهلية الأولى) قال: أي سيكون جاهلية أخرى.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قال: نزلت هذه الآية في
رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وذلك
في بيت أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وفاطمة والحسن
والحسين عليهم السلام ثم ألبسهم كساءا خيبريا ودخل معهم فيه ثم قال: " اللهم
هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا " نزلت هذه الآية فقالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله، قال أبشري
يا أم سلمة انك إلى خير وقال أبو الجارود قال زيد بن علي بن الحسين عليه السلام ان
جهالا من الناس يزعمون إنما أراد بهذه الآية أزواج النبي وقد كذبوا وأتموا
لو عنى بها أزواج النبي لقال: ليذهب عنكن الرجس ويطهركن تطهيرا، ولكان
الكلام مؤنثا كما قال واذكرن ما يتلى في بيوتكن ولا تبرجن ولستن كأحد من
من النساء.
وقال علي بن إبراهيم: ثم انقطعت مخاطبة نساء النبي وخاطب أهل بيت
193

رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) ثم عطف على نساء النبي فقال: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات
الله والحكمة ان الله كان لطيفا خبيرا) ثم عطف على آل محمد فقال: (إن
المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات
- إلى قوله - أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) وفي رواية أبي الجارود عن
أبي جعفر عليه السلام في قوله: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا
أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله خطب على زيد بن
حارثة زينب بنت جحش الأسدية من بني أسد بن خزيمة وهي بنت عمة النبي
صلى الله عليه وآله، فقالت: يا رسول الله حتى أؤامر نفسي فانظر، فأنزل الله (وما كان لمؤمن
ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة الآية) فقالت:
يا رسول الله أمري بيدك فزوجها إياه فمكثت عند زيد ما شاء الله، ثم إنهما
تشاجرا في شئ إلى رسول الله فنظر إليها النبي صلى الله عليه وآله فأعجبته فقال زيد:
يا رسول الله تأذن لي في طلاقها فان فيها كبرا وانها لتؤذيني بلسانها، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: اتق الله وامسك عليك زوجك وأحسن إليها، ثم إن زيدا
طلقها وانقضت عدتها فأنزل الله نكاحها على رسول الله فقال: (فلما قضى زيد
منها وطرا زوجناكها).
وقوله: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) فان هذه نزلت في شأن زيد
ابن حارثة قالت قريش يعيرنا محمد يدعي بعضنا بعضا وقد ادعى هو زيدا فقال
الله: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) يعني يومئذ قال: إنه ليس بأبي زيد
وقوله: (وخاتم النبيين) يعني لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله، وقال علي بن إبراهيم في
قوله: (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا
- إلى قوله - ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) فإنها نزلت بمكة قبل
194

الهجرة بخمس سنين فهذا دليل على خلاف التأليف، ثم خاطب الله نبيه صلى الله عليه وآله
فقال: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت
يمينك مما أفاء الله عليك) يعني من الغنيمة (وبنات عمك وبنات عماتك - إلى قوله -
وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي) فإنه كان سبب نزولها ان امرأة من الأنصار
أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تهيأت وتزينت فقالت: يا رسول الله هل لك في
حاجة؟ فقد وهبت نفسي لك، فقالت لها عائشة: قبحك الله ما انهمك للرجال؟!
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله مه يا عائشة! فإنها رغبت في رسول الله صلى الله عليه وآله إذ
زهدتن فيه ثم قال: رحمك الله ورحمكم الله يا معاشر الأنصار نصرني رجالكم
ورغبت في نساؤكم ارجعي رحمك الله فاني أنتظر أمر الله فأنزل الله (وامرأة
مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون
المؤمنين) فلا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله واما قوله: (يا أيها الذين آمنوا
لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين اناه) فإنه لما تزوج
رسول الله صلى الله عليه وآله بزينب بنت جحش وكان يحبها فأولم ودعا أصحابه فكان أصحابه
إذا اكلوا يحبون ان يتحدثوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان يحب ان يخلو مع
زينب فأنزل الله " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم "
وذلك انهم كانوا يدخلون بلا إذن.
واما قوله (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده
أبدا ان ذلكم كان عند الله عظيما) فإنه كان سبب نزولها انه لما انزل الله " النبي
أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " وحرم الله نساء النبي على المسلمين
غضب طلحة، فقال: يحرم محمد علينا نساءه ويتزوج هو نساءنا لئن أمات الله محمدا
لنفعلن كذا وكذا... فأنزل الله (وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا
أزواجه من بعده أبدا ان ذلكم كان عند الله عظيما - إلى قوله - ان تبدوا شيئا
195

أو تخفوه فان الله كان بكل شئ عليما) ثم رخص لقوم معروفين الدخول عليهن
بغير إذن فقال: (لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا اخوانهن ولا أبناء
اخوانهن - إلى قوله - ان الله كان على كل شئ شهيدا) ثم ذكر ما فضل الله
نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا
عليه وسلموا تسليما) قال: صلوات الله عليه تزكية له وثناء عليه، وصلاة الملائكة
مدحهم له وصلاة الناس دعاؤهم له والتصديق والاقرار بفضله وقوله: (وسلموا
تسليما) يعني سلموا له بالولاية وبما جاء به.
وقوله (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد
لهم عذابا مهينا) قال نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين (ع) حقه واخذ حق فاطمة
(عليها السلام) وآذاها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله من آذاها في حياتي كمن آذاها
بعد موتي ومن آذاها بعد موتى كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها فقد آذاني
ومن آذاني فقد آذى الله وهو قول الله " ان الذين يؤذون الله ورسوله " الآية
وقوله (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات) يعنى عليا وفاطمة (بغير ما اكتسبوا
فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا) وهي جارية في الناس كلهم.
واما قوله (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن
من جلابيبهن) فإنه كان سبب نزولها ان النساء كن يخرجن إلى المسجد ويصلين
خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا كان بالليل خرجن إلى صلاة المغرب والعشاء والآخرة
والغداة، يقعد الشبان لهن في طريقهن فيؤذونهن ويتعرضون لهن فأنزل الله
" يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين - إلى قوله - ذلك أدنى ان يعرفن
فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما " واما قوله (لئن لم ينته المنافقون والذين في
قلوبهم مرض - أي شك - والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك)
نزلت في قوم منافقين كانوا في المدينة يرجفون برسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج في
196

بعض غزواته يقولون قتل وأسر فيغتم المسلمون لذلك ويشكون إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله فأنزل الله في ذلك " لئن لم ينته المنافقون - إلى قوله - ثم لا يجاورونك
إلا قليلا " أي نأمرك باخراجهم من المدينة إلا قليلا (ملعونين أينما ثقفوا اخذوا
وقتلوا تقتيلا) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: ملعونين فوجبت
عليهم اللعنة، يقول الله بعد اللعنة أينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (يوم تقلب وجوههم في النار) فإنها كناية
عن الذين غصبوا آل محمد حقهم (يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول)
يعني في أمير المؤمنين عليه السلام (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا)
وهما رجلان والسادة والكبراء هما أول من بدأ بظلمهم وغصبهم وقوله (فأضلونا
السبيلا) أي طريق الجنة، والسبيل أمير المؤمنين عليه السلام ثم يقولون (ربنا آتهم
ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) واما قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا
كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) أي ذا جاه قال
وحدثني أبي عن النضر بن سويد عن صفوان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
ان بني إسرائيل كانوا يقولون ليس لموسى ما للرجال وكان موسى إذا أراد
الاغتسال يذهب إلى موضع لا يراه فيه أحد من الناس وكان يوما يغتسل على
شط نهر وقد وضع ثيابه على صخرة فأمر الله الصخرة فتباعدت عنه حتى نظر
بنو إسرائيل إليه فعلموا انه ليس كما قالوا فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا
... الخ) أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن أحمد بن النضر عن محمد بن
مروان رفعه إليهم عليه السلام فقال يا أيها الذين آمنوا لا تؤذوا رسول الله في علي عليه السلام
والأئمة عليهم السلام كما آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا
سديدا) أي صحيحا أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن علي بن أسباط
197

عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (ومن يطع الله
ورسوله) في ولاية علي والأئمة عليهم السلام من بعده (فقد فاز فوزا عظيما)
هكذا نزلت والله.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض
والجبال فأبين ان يحملنها) قال الأمانة هي الإمامة والأمر والنهي والدليل على أن
الأمانة هي الإمامة قوله عز وجل في الأئمة " ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات
إلى أهلها " يعني الإمامة فالأمانة هي الإمامة عرضت على السماوات والأرض والجبال
فأبين ان يحملنها، قال: أبين ان يدعوها أو يغصبوها أهلها (وأشفقن منها وحملها
الانسان) أي فلان (انه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات
والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما).
سورة سبأ مكية
آياتها اربع وخمسون
(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض
وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير يعلم ما يلج في الأرض) قال ما يدخل
فيها وما ينزل من السماء يعني المطر (وما يخرج منها) قال من النبات (وما يعرج
فيها) يعني من أعمال العباد، ثم حكى عز وجل قول الدهرية فقال (وقال الذين
كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة
في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) قال
حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أول ما خلق
الله القلم فقال له اكتب فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة وقوله (ويرى
الذين أوتوا العلم الذي انزل إليك من ربك هو الحق) فقال: هو أمير المؤمنين
198

عليه السلام صدق رسول الله صلى الله عليه وآله بما انزل الله عليه ثم حكى قول الزنادقة فقال:
(وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق) أي متم
وصرتم ترابا (انكم لفي خلق جديد) تعجبوا ان يعيدهم الله خلقا جديدا (افترى
على الله كذبا أم به جنة) أي مجنون فرد الله عليهم فقال: (بل الذين لا يؤمنون
بالآخرة في العذاب والضلال البعيد).
ثم ذكر ما أعطى داود فقال: (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال اوبي
معه) أي سبحي لله (والطير وألنا له الحديد) قال: كان داود إذا مر في
البراري يقرأ الزبور تسبح الجبال والطير والوحوش معه وألان الله له الحديد مثل
الشمع حتى كان يتخذ منه ما أحب، وقال الصادق عليه السلام: اطلبوا الحوائج يوم
الثلاثاء فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه السلام وقوله (ان اعمل سابغات)
قال الدروع (وقدر في السرد) قال المسامير التي في الحلقة (واعملوا صالحا إني
بما تعملون بصير).
وقوله: (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر) قال: كانت الريح
تحمل كرسي سليمان فتسير به في الغداة مسيرة شهر وبالعشي مسيرة شهر وقوله:
(وأسلنا له عين القطر) أي الصفر (ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن
يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير) وقوله: (يعملون له ما يشاء من
محاريب وتماثيل) قال في الشجر وقوله (وجفان كالجواب) أي جفون كالحفرة
(وقدور راسيات) أي ثابتات ثم قال: (اعملوا آل داود شكرا) قال: اعملوا
ما تشكرون عليه ثم قال: (وقليل من عبادي الشكور) ثم قال (فلما قضينا عليه
الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منساته) قال: لما أوحى الله إلى
سليمان انك ميت أمر الشياطين ان يتخذوا له بيتا من قوارير ووضعوه في لجة
البحر ودخله سليمان عليه السلام فاتكأ على عصاه وكان يقرأ الزبور والشياطين حوله
199

ينظرون إليه لا يجسرون أن يبرحوا فبينا هو كذلك إذ حان منه التفاتة فإذا هو
برجل معه في القبة ففزع منه سليمان فقال له: من أنت؟ فقال له: أنا الذي
لا اقبل الرشى ولا اهاب الملوك فقبضه وهو متكئ على عصاه سنة والجن يعملون
له ولا يعلمون بموته حتى بعث الله الأرضة فأكلت منسأته (فلما خر - على وجهه -
تبينت الانس ان لو كانوا أي الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) (1)
فكذا نزلت هذه الآية وذلك لان الانس كانوا يقولون إن ان الجن يعلمون الغيب
فلما سقط سليمان على وجهه علم الانس ان لو يعلم الجن الغيب لم يعملوا سنة لسليمان
وهو ميت ويتوهمونه حيا، قال: فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان،
قال: فلما هلك سليمان وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب ثم طواه وكتب على
ظهره هذا ما وضعه آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز الملك
والعلم من أراد كذا وكذا فليعمل كذا وكذا ثم دفنه تحت السرير ثم استثاره
لهم فقال الكافرون ما كان يغلبنا سليمان إلا بهذا وقال المؤمنون ما هو إلا عبد الله
ونبيه وقوله: (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال) قال:
فان بحرا كان من اليمن وكان سليمان أمر جنوده أن يجروا لهم خليجا من البحر
العذب إلى بلاد الهند ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة عظيمة من الصخر والكلس حتى
يفيض على بلادهم، وجعلوا للخليج مجاري فكانوا إذا أرادوا ان يرسلوا منه الماء
أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه وكانت لهم جنتان عن يمين وشمال عن مسيرة عشرة
أيام فيها يمر المار لا يقع عليه الشمس من التفافهما فلما عملوا بالمعاصي وعتوا عن
أمر ربهم ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا بعث الله على ذلك السد الجرذ وهي الفارة
الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي لا يستقيلها الرجل ويرمي بها، فلما رأى ذلك

(1) الآية كما في القرآن: فلما خر تبينت الجن... الخ.
200

قوما منهم هربوا وتركوا البلاد فما زال الجرذ يقلع الحجر حتى خربوا ذلك السد
فلم يشعروا حتى غشيهم السيل وخرب بلادهم وقلع أشجارهم وهو قوله: (لقد
كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال - إلى قوله - سيل العرم) أي
العظيم الشديد (فبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي اكل خمط) وهو أم غيلان (وأثل)
قال: هو نوع من الطرفا (وشئ من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا - إلى
قوله - باركنا فيها) قال مكة.
وقوله: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين)
قال فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
لما أمر الله نبيه ان ينصب أمير المؤمنين عليه السلام للناس في قوله " يا أيها الرسول بلغ
ما انزل إليك من ربك في علي " بغدير خم فقال: (من كنت مولاه فعلي
مولاه " فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثوا التراب على رؤسهم فقال لهم
إبليس ما لكم؟ فقالوا ان هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شئ إلى يوم
القيامة، فقال لهم إبليس كلا ان الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني.
فأنزل الله على رسوله " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه الآية " وقوله (وما كان
له عليهم من سلطان) كناية عن إبليس (إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو
منها في شك وربك على كل شئ حفيظ) ثم قال عز وجل احتجاجا منه
على عبدة الأوثان (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة
في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما) كناية عن السماوات والأرض (من
شرك وما له منهم من ظهير) وقوله (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) قال
لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله يوم القيامة حتى يأذن الله له إلا رسول الله
صلى الله عليه وآله فان الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة، والشفاعة له وللأئمة
من ولده، ثم بعد ذلك للأنبياء عليهم السلام.
201

قال: حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي العباس
المكبر قال: دخل مولى لامرأة علي بن الحسين عليه السلام على أبي جعفر عليه السلام يقال له
أبو أيمن، فقال يا أبا جعفر يغرون الناس ويقولون " شفاعة محمد شفاعة محمد "
فغضب أبو جعفر عليه السلام حتى تربد وجهه ثم قال: ويحك يا أبا أيمن أغرك ان عف
بطنك وفرجك اما لو قد رأيت افزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمد صلى الله عليه وآله
ويلك فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار؟ ثم قال: ما أحد من الأولين والآخرين
إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد صلى الله عليه وآله يوم القيامة، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: إن
لرسول الله صلى الله عليه وآله الشفاعة في أمته ولنا الشفاعة في شيعتنا ولشيعتنا الشفاعة في
أهاليهم ثم قال: وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر فان المؤمن ليشفع حتى
لخادمه ويقول: يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد، وفي رواية أبي الجارود
عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا
الحق وهو العلي الكبير) وذلك أن أهل السماوات لم يسمعوا وحيا فيما بين ان
بعث عيسى بن مريم إلى أن بعث محمد فلما بعث الله جبرئيل إلى محمد صلى الله عليه وآله فسمع
أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا، فصعق أهل السماوات
فلما فرغ من الوحي انحدر جبرئيل كلما مر بأهل سماء فزع عن قلوبهم يقول
كشف عن قلوبهم فقال بعضهم لبعض ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير
وقوله: (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا) يقول يقضي بيننا (بالحق وهو
الفتاح العليم) قال: القاضي العليم.
قوله: (وما أرسلناك إلا كافة للناس) حدثنا علي بن جعفر قال: حدثني
محمد بن عبد الله الطائي قال حدثنا محمد بن أبي عمير قال حدثنا حفص الكناني قال
سمعت عبد الله بن بكير الدجاني قال قال لي الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: أخبرني
عن رسول الله صلى الله عليه وآله كان عاما للناس بشيرا أليس قد قال الله في محكم كتابه:
202

وما أرسلناك إلا كافة للناس، لأهل الشرق والغرب وأهل السماء والأرض من الجن والإنس
هل بلغ رسالته إليهم كلهم؟ قلت: لا أدري، قال: يا بن بكير ان
رسول الله صلى الله عليه وآله لم يخرج من المدينة فكيف بلغ أهل الشرق والغرب؟ قلت:
لا أدري، قال: إن الله تعالى أمر جبرئيل فاقتلع الأرض بريشة من جناحه
ونصبها لمحمد صلى الله عليه وآله فكانت بين يديه مثل راحته في كفه ينظر إلى أهل الشرق
والغرب ويخاطب كل قوم بألسنتهم ويدعوهم إلى الله وإلى نبوته بنفسه فما بقيت
قرية ولا مدينة إلا ودعاهم النبي صلى الله عليه وآله بنفسه.
قال علي بن إبراهيم: ثم حكى الله لنبيه صلى الله عليه وآله قول الكفار من قريش
وغيرهم (وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه) من كتب
الأنبياء (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول
يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا) وهم الرؤساء (لولا أنتم لكنا مؤمنين
قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى) وهو البيان
(بل كنتم مجرمين) ثم يقول (الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل
والنهار) يعني مكرتم بالليل والنهار وقوله (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) قال
يسرون الندامة في النار إذا رأوا ولي الله فقيل يا بن رسول الله وما يغنيهم إسرار
الندامة وهم في العذاب قال: يكرهون شماتة الأعداء، ثم افتخروا على الله بالغنى
فقالوا (نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) فرد الله عليهم فقال (قل
ان ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما أموالكم
ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا) قال وذكر رجل
عند أبي عبد الله عليه السلام الأغنياء ووقع فيهم، فقال أبو عبد الله عليه السلام اسكت! فان
الغني إذا كان وصولا لرحمه بارا باخوانه أضعف الله له الاجر ضعفين لان الله
يقول: " وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل
203

صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ".
وقوله: (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) قال فإنه
حدثني أبي عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله (ع) قال: إن الرب تبارك وتعالى
ينزل أمره كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا من أول الليل وفي كل ليلة في الثلث
الأخير وأمامه ملك ينادي: هل من تائب يتاب عليه هل من مستغفر فيغفر له هل
من سائل فيعطى سؤله اللهم اعط لكل منفق خلفا ولكل ممسك تلفا إلى أن يطلع
الفجر فإذا طلع الفجر عاد أمر الرب إلى عرشه فيقسم الأرزاق بين العباد، ثم قال
لفضيل بن يسار يا فضيل نصيبك من ذلك وهو قول الله " وما أنفقتم من شئ
فهو يخلفه وهو خير الرازقين " وقوله: " ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة
أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) فتقول الملائكة (سبحانك أنت ولينا من دونهم
بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون) حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا
أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن حسان عن هاشم
ابن عمار يرفعه في قوله (وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم
فكذبوا رسلي فكيف كان نكير) قال: كذب الذين من قبلهم رسلهم وما بلغ
ما آتينا رسلهم معشار ما آتينا محمدا وآل محمد عليهم السلام، حدثنا جعفر بن أحمد
قال حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل
عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قوله (إنما أعظكم بواحدة)
قال إنما أعظكم بولاية علي هي الواحدة التي قال الله، وفي رواية أبي الجارود عن
أبي جعفر (ع) في قوله (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم) وذلك أن رسول الله
صلى الله عليه وآله سأل قومه ان يودوا أقاربه ولا يؤذوهم، واما قوله: فهو لكم يقول
ثوابه لكم.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت) فإنه حدثني
204

أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي خالد الكابلي قال قال أبو جعفر
عليه السلام: والله لكأني انظر إلى القائم (ع) وقد اسند ظهره إلى الحجر ثم
ينشد الله حقه ثم يقول: يا أيها الناس من يحاجني في الله فأنا أولى بالله، أيها
الناس من يحاجني في آدم فأنا أولى بآدم، أيها الناس من يحاجني في نوح فأنا
أولى بنوح، أيها الناس من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم، أيها الناس من
يحاجني في موسى فأنا أولى بموسى، أيها الناس من يحاجني في عيسى فأنا أولى
بعيسى، أيها الناس من يحاجني في محمد فأنا أولى بمحمد صلى الله عليه وآله، أيها الناس من
يحاجني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله، ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين
وينشد الله حقه، ثم قال أبو جعفر (ع): هو والله المضطر في كتاب الله في قوله
" أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض " فيكون
أول من يبايعه جبرئيل ثم الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا فمن كان ابتلى بالمسير
وافاه ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه وهو قول أمير المؤمنين هم المفقودون
عن فرشهم وذلك قول الله: " فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا "
قال: الخيرات الولاية وقال في موضع آخر: " ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة
معدودة " وهم والله أصحاب القائم (ع) يجتمعون والله إليه في ساعة واحدة،
فإذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفياني فيأمر الله الأرض فتأخذ اقدامهم
وهو قوله (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت واخذوا من مكان قريب وقالوا آمنا به)
يعني بالقائم من آل محمد عليهم السلام (وانى لهم التناوش من مكان بعيد - إلى قوله -
وحيل بينهم وبين ما يشتهون) يعني ان لا يعذبوا (كما فعل بأشياعهم من قبل)
يعنى من كان قبلهم من المكذبين هلكوا (انهم كانوا في شك مريب).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله (ولو ترى إذ فزعوا)
قال: من الصوت وذلك الصوت من السماء (واخذوا من مكان قريب) قال: من
205

تحت اقدامهم خسف بهم، أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن محمد بن
جمهور عن ابن محبوب عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفر (ع) عن قوله (وانى لهم
التناوش من مكان بعيد) قال إنهم طلبوا الهدى من حيث لا ينال وقد كان لهم
مبذولا من حيث ينال.
سورة فاطر مكية
آياتها خمس وأربعون
(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة
رسلا اولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) قال الصادق (ع): خلق الله الملائكة
مختلفة وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل وله ستمائة جناح على ساقه الدر مثل
القطر على البقل قد ملا ما بين السماء والأرض وقال: إذا أمر الله ميكائيل بالهبوط
إلى الدنيا صارت رجله اليمنى في السماء السابعة والأخرى في الأرض السابعة وان
لله ملائكة أنصافهم من برد وأنصافهم من نار يقولون يا مؤلفا بين البرد والنار
ثبت قلوبنا على طاعتك، وقال: إن لله ملكا بعدما بين شحمة أذنيه إلى عينيه
مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير، وقال: إن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا
ينكحون وإنما يعيشون بنسيم العرش، وان لله ملائكة ركعا إلى يوم القيامة،
وان لله ملائكة سجدا إلى يوم القيامة، ثم قال أبو عبد الله (ع) قال رسول الله
صلى الله عليه وآله ما من شئ مما خلق الله أكثر من الملائكة وانه ليهبط في كل يوم أو في
كل ليلة سبعون الف ملك فيأتون البيت الحرام فيطوفون به ثم يأتون رسول الله
صلى الله عليه وآله ثم يأتون أمير المؤمنين (ع) فيسلمون عليه ثم يأتون الحسين (ع)
فيقيمون عنده، فإذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى السماء ثم لا يعودون
أبدا، وقال أبو جعفر (ع) ان الله خلق إسرافيل وجبرائيل وميكائيل من
206

تسبيحة واحدة وجعل لهم السمع والبصر وجودة العقل وسرعة الفهم، وقال
أمير المؤمنين (ع) في خلقة الملائكة:
" وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك فليس فيهم فترة ولا عندهم غفلة
ولا فيهم معصية، هم أعلم خلقك بك، وأخوف خلقك منك، وأقرب خلقك إليك
وأعملهم بطاعتك، لا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول ولا فترة الأبدان، لم
يسكنوا الأصلاب ولم تتضمنهم الأرحام ولم تخلقهم من ماء مهين، أنشأتهم إنشاءا
فأسكنتهم سماواتك وأكرمتهم بجوارك وائتمنتهم على وحيك وجنبتهم الآفات
ووقيتهم البليات وطهرتهم من الذنوب ولولا قوتك لم يقووا ولولا تثبيتك لم يثبتوا
ولولا رحمتك لم يطيعوا ولولا أنت لم يكونوا، اما انهم على مكانتهم منك
وطواعيتهم (1) إياك ومنزلتهم عندك وقلة غفلتهم عن أمرك لو عاينوا ما خفي عنهم
منك لاحتقروا أعمالهم ولازروا على أنفسهم ولعلموا انهم لم يعبدوك حق عبادتك
سبحانك خالقا ومعبودا ما أحسن بلاءك عند خلقك " أخبرنا أحمد بن إدريس
عن أحمد بن محمد عن مالك بن عبد الله بن أسلم عن أبيه عن رجل من الكوفيين
عن أبي عبد الله (ع) في قول الله: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها)
قال: والمتعة من ذلك، وعنه عن أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن سيف بن
عميرة عن حسان عن هاشم بن عمار يرفعه في قوله: (أفمن زين له سوء عمله فرآه
حسنا فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات
إن الله عليم بما يصنعون) قال: نزلت في زريق وحبتر.
قال علي بن إبراهيم: ثم احتج عز وجل على الزنادقة والدهرية فقال:
(الله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت) وهو الذي لا نبات

(1) طواعية اسم مصدر طاع.
207

فيه (فأحيينا به الأرض بعد موتها) أي بالمطر ثم قال: (كذلك النشور) وقوله
(إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) قال كلمة الاخلاص والاقرار بما
جاء من عند الله من الفرائض والولاية ترفع العمل الصالح إلى الله، وعن الصادق
عليه السلام أنه قال: الكلم الطيب قول المؤمن " لا إله إلا الله محمد رسول الله
علي ولي الله وخليفة رسول الله " وقال: والعمل الصالح الاعتقاد بالقلب ان هذا
هو الحق من عند الله لا شك فيه من رب العالمين، وفي رواية أبي الجارود عن
أبي جعفر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لكل قول مصداقا من عمل
يصدقه أو يكذبه فإذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله رفع قوله بعمله إلى الله
وإذا قال وخالف قوله عمله رد قوله على عمله الخبيث وهوى به في النار.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره
إلا في كتاب) يعني يكتب في كتاب وهو رد على من ينكر البدا، وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله: (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ
شرابه وهذا ملح أجاج) فالأجاج المر قوله (وترى الفلك فيه مواخر) يقول الفلك مقبلة
ومدبرة بريح واحدة.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (والذين يدعون من دونه ما يملكون
من قطمير) قال: الجلدة الرقيقة التي على ظهر النواة ثم احتج على عبدة الأصنام
فقال: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم - إلى قوله -
بشرككم) يعني يجحدون بشرككم لهم يوم القيامة وقوله: (ولا تزر وازرة
وزر أخرى) أي لا تحمل آثمة إثم أخرى وقوله: (وان تدع مثقلة إلى حملها
لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى) أي لا يحمل ذنب أحد على أحد إلا من
يأمر به فيحمله الآمر والمأمور وقوله: (وما يستوي الأعمى والبصير) مثل
ضربه الله للمؤمن والكافر (ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور) فالظل
208

الناس والحرور البهائم وقال (وما يستوي الاحياء ولا الأموات) ثم قال: (إن
الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور) قال هؤلاء الكفار لا يسمعون
منك كمالا يسمع أهل القبور وقوله: (وان من أمة إلا خلا فيها نذير) قال:
لكل زمان إمام. ثم ذكر كبرياءه فقال: (ألم تر - يا محمد - ان الله انزل من
السماء ماءا فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها - إلى قوله - وغرابيب سود) وهو
الغربان (ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده
العلماء) ومعناه يخشاه عباده العلماء
ثم ذكر المؤمنين المنفقين أموالهم في طاعة الله فقال: (إن الذين يتلون كتاب الله
وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور) أي
لن تخسر، ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو
الحق مصدقا لما بين يديه ان الله بعباده لخبير بصير) ثم ذكر آل محمد فقال (ثم
أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) وهم الأئمة عليهم السلام ثم قال (فمنهم
ظالم لنفسه) من آل محمد غير الأئمة وهو الجاحد للامام (ومنهم مقتصد) وهو
المقر بالامام (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) وهو الامام، ثم ذكر ما أعده الله
لهم عنده فقال (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب - إلى قوله -
ولا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب) قال: النصب العناد اللغوب
الكسل والضجر ودار المقامة دار البقاء.
ثم ذكر ما أعده لأعدائهم ومن خالفهم وظلمهم فقال (والذين كفروا لهم
نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا - إلى قوله - وهم يصطرخون فيها) أي
يصيحون وينادون (ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) فرد الله عليهم
فقال: (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) أي عمرتم حتى عرفتم الأمور
كلها (وجاءكم النذير) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (فذوقوا فما للظالمين من نصير)
209

ثم حكى الله عز وجل قول قريش فقال: (وأقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءهم
نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم) يعني الذين هلكوا (فلما جاءهم نذير)
يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السئ
ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله) قال أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه الذي كتبه
إلى شيعته يذكر فيه خروج عائشة إلى البصرة وعظم خطأ طلحة والزبير فقال:
" وأي خطيئة أعظم مما أتيا، أخرجا زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله من بيتها
وكشفا عنها حجابا ستره الله عليها وصانا حلايلهما في بيوتهما، ما أنصفا لا لله ولا
لرسوله من أنفسهما، ثلاث خصال مرجعها على الناس في كتاب الله البغي والمكر
والنكث، قال الله: يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم وقال: ومن نكث فإنما
ينكث على نفسه وقال: ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله وقد بغيا علينا ونكثا
بيعتي ومكرا بي.
وقوله: (أو لم يسيروا في الأرض) قال: أو لم ينظروا في القرآن وفي
أخبار الأمم الهالكة (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) قوله: (ولو
يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل
مسمى) قال: لا يأخذهم عند المعاصي وعند اغترارهم بالله، قال: وحدثني أبي
عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
سبق العلم وجف القلم ومضى القضاء وتم القدر بتحقيق الكتاب وتصديق الرسل
بالسعادة من الله لمن آمن وأتقى وبالشقا لمن كذب وكفر بالولاية من الله للمؤمنين
وبالبراءة منه للمشركين، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله الله يقول: يا بن آدم بمشيتي
كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك
210

ما تريد (1) وبفضل نعمتي عليك قويت علي معصيتي وبقوتي وعصمتي وعافيتي
أديت إلي فرائضي وأنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بذنبك مني، الخير مني
إليك واصل بما أوليتك والشر مني إليك بما جنيت جزاءا وبكثير من تسليطي
(تسلطي ك) لك انطويت عن طاعتي وبسوء ظنك بي قنطت من رحمتي فلي الحمد
والحجة عليك بالبيان، ولي السبيل عليك بالعصيان ولك الجزاء الحسن عندي
بالاحسان ثم لم أدع تحذيرك بي ثم لم آخذك عند غرتك وهو قوله: " ولو يؤاخذ
الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة " لم أكلفك فوق طاقتك ولم
أحملك من الأمانة إلا ما قررت بها على نفسك ورضيت لنفسي منك ما رضيت به
لنفسك مني ثم قال عز وجل: (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء اجلهم
فان الله كان بعباده بصيرا).
سورة يس مكية
آياتها ثلاث وثمانون
(بسم الله الرحمن الرحيم يس والقرآن الحكيم) قال الصادق عليه السلام: يس
اسم رسول الله صلى الله عليه وآله والدليل عليه قوله: (إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم)
قال: على الطريق الواضح (تنزيل العزيز الرحيم) قال: القرآن (لتنذر قوما
ما أنذر آباؤهم فهم غافلون - إلى قوله - على أكثرهم) يعني نزل به العذاب (فهم

(1) المقصود منه ان المشية والإرادة الموجودتين في العبد من خلقة الله
فيجوز استنادهما إلى الله وإن كانت الافعال مستندة إلى العبد فهذا الخبر لا ينافي
الاختيار وقد مضى القول في الجبر والتفويض سابقا فراجع ص 38 / 1 من هذا
الكتاب. ج. ز
211

لا يؤمنون) وقوله: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان - إلى قوله -
فهم مقمحون) قال: قد رفعوا رؤسهم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام
في قوله: (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم) يقول:
فأعميناهم (فهم لا يبصرون) الهدى، أخذ الله سمعهم وأبصارهم وقلوبهم فأعماهم عن
الهدى، نزلت في أبي جهل بن هشام ونفر من أهل بيته، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله
قام يصلي وقد حلف أبو جهل لئن رآه يصلي ليدمغنه (1)، فجاء ومعه حجر
والنبي قائم يصلي، فجعل كلما رفع الحجر ليرميه أثبت الله يده إلى عنقه ولا يدور
الحجر بيده، فلما رجع إلى أصحابه سقط الحجر من يده، ثم قام رجل آخر
وهو من رهطه أيضا فقال: أنا أقتله فلما دنا منه فجعل يسمع قراءة رسول الله
صلى الله عليه وآله فارعب فرجع إلى أصحابه فقال: حال بيني وبينه كهيئة العجل يخطر
بذنبه (2) فخفت ان أتقدم، وقوله: (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا
يؤمنون) فلم يؤمن من أولئك الرهط من بني مخزوم أحد يعني ابن المغيرة.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا
يؤمنون - إلى قوله - وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) اي في كتاب مبين وهو
محكم، وذكر ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: أنا والله الامام المبين أبين
الحق من الباطل وورثته من رسول الله صلى الله عليه وآله. وهو محكم
وقوله: (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا
إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا انا إليكم مرسلون) قال: فإنه حدثني أبي
عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام

(1) دمغه: شجه حتى بلغت الشجة دماغه.
(2) خطر العجل بذنبه: رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه. ج. ز
212

قال: سألته عن تفسير هذه الآية فقال: بعث الله رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية
فجاءهم بما لا يعرفون فغلظوا عليهما فاخذوهما وحبسوهما في بيت الأصنام، فبعث
الله الثالث فدخل المدينة فقال: ارشدوني إلى باب الملك، قال: فلما وقف على
باب الملك قال: أنا رجل كنت أتعبد في فلاة من الأرض وقد أحببت ان اعبد
إله الملك فأبلغوا كلامه الملك، فقال: أدخلوه إلى بيت الآلهة فأدخلوه فمكث سنة
مع صاحبيه، فقال بهذا ينقل قوم من دين إلى دين بالحذق (بالحرف ط) أفلا رفقتما ثم
قال لهما: لا تقران بمعرفتي ثم ادخل على الملك، فقال له الملك بلغني انك كنت تعبد
إلهي فلم أزل وأنت أخي فاسألني حاجتك! قال: ما لي حاجة أيها الملك ولكن
رأيت رجلين في بيت الآلهة فما بالهما؟ قال الملك: هذان رجلان اتياني ببطلان
ديني ويدعواني إلى إله سماوي، فقال أيها الملك فمناظرة جميلة فان يكن الحق لهما
اتبعناهما وان يكن الحق لنا دخلا معنا في ديننا، فكان لهما ما لنا وما عليهما ما علينا
قال فبعث الملك اليهما فلما دخلا إليه قال لهما صاحبهما ما الذي جئتما به؟ قالا جئنا
ندعو إلى عبادة الله الذي خلق السماوات والأرض ويخلق في الأرحام ما يشاء
ويصور كيف يشاء وأنبت الأشجار والأثمار وانزل القطر من السماء.
قال فقال لهما أإلهكما هذا الذي تدعوان إليه والى عبادته ان جئنا بأعمى
يقدر ان يرده صحيحا؟ قالا إن سألناه ان يفعل فعل ان شاء، قال أيها الملك
علي بأعمى لم يبصر قط قال فاتي به، فقال لهما ادعوا إلهكما ان يرد بصر هذا،
فقاما وصليا ركعتين فإذا عيناه مفتوحتان وهو ينظر إلى السماء، فقال أيها الملك
علي بأعمى آخر، قال فاتي به قال فسجد سجدة ثم رفع رأسه فإذا الأعمى الآخر
بصير، فقال أيها الملك حجة بحجة علي بمقعد، فاتي به فقال لهما مثل ذلك فصليا
ودعوا الله فإذا المقعد قد أطلقت رجلاه وقام يمشي، فقال أيها الملك علي بمقعد
آخر فاتي به فصنع به كما صنع أول مرة فانطلق المقعد، فقال أيها الملك قد أوتينا
213

بحجتين وأتينا بمثله ولكن بقي شئ واحد فان هما فعلاه دخلت معهما في دينهما
ثم قال: أيها الملك بلغني انه كان للملك ابن واحد ومات فان أحياه إلههما دخلت
معهما في دينهما، فقال له الملك: وأنا أيضا معك، ثم قال لهما قد بقيت هذه
الخصلة الواحدة قد مات ابن الملك فادعوا إلهكما فيحييه، قال فخرا إلى الأرض
ساجدين لله وأطالا السجود ثم رفعا رأسيهما وقالا للملك ابعث إلى قبر ابنك تجده
قد قام من قبره إن شاء الله، قال فخرج الناس ينظرون فوجدوه قد خرج من قبره
ينفض رأسه من التراب، قال فأتي به الملك فعرف انه ابنه، فقال له ما حالك يا بني؟
قال كنت ميتا فرأيت رجلين من بين يدي ربي الساعة ساجدين يسألانه ان
يحييني فأحياني، قال تعرفهما إذا رأيتهما قال نعم، قال: فأخرج الناس جملة إلى
الصحراء فكان يمر عليه رجل رجل فيقول له أبوه انظر فيقول لا لا ثم مروا
عليه بأحدهما بعد جمع كثير، فقال هذا أحدهما وأشار بيده إليه ثم مروا أيضا
بقوم كثيرين حتى رأى صاحبه الآخر فقال وهذا الآخر، قال فقال النبي صاحب
الرجلين اما أنا فقد آمنت بإلهكما وعلمت ان ما جئتما به هو الحق قال فقال الملك
وأنا أيضا آمنت بإلهكما ذلك وآمن أهل مملكته كلهم.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (لا الشمس ينبغي لها
ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) يقول الشمس
سلطان النهار والقمر سلطان الليل لا ينبغي للشمس أن تكون مع ضوء القمر بالليل
ولا يسبق الليل النهار يقول لا يذهب الليل حتى يدركه النهار " وكل في فلك
يسبحون " يقول يجئ (يجري ط) وراء الفكل الاستدارة وقوله (إنا تطيرنا
بكم) قال بأسمائكم وقوله (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا
الجزء (23) المرسلين) قال نزلت في حبيب النجار إلى قوله (وجعلني من المكرمين) وقوله
(إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون) أي ميتون.
214

وقوله: (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم
ومما لا يعلمون) قال فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن النطفة تقع من السماء إلى الأرض على النبات والثمر والشجر فتأكل
الناس منه والبهائم فتجري فيهم وقوله: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم
مظلمون) أي نخرج وقوله (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم
- إلى قوله - كالعرجون القديم) قال: العرجون طلع النخل وهو مثل الهلال
في أول طلوعه.
قال: وحدثني أبي عن داود بن محمد الفهدي قال دخل أبو سعيد المكاري
على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال له أبلغ من قدرك ان تدعي ما ادعى أبوك؟
فقال له الرضا عليه السلام مالك أطفأ الله نورك وأدخل الفقر بيتك أما علمت أن الله
أوحى إلى عمران اني واهب لك ذكرا فوهب له مريم ووهب لمريم عيسى فعيسى
ابن مريم من مريم، ومريم من عيسى، ومريم وعيسى شئ واحد وأنا من أبي وأبي
مني وأنا وأبي شئ واحد، فقال له أبو سعيد فأسألك عن مسألة! قال: سل
ولا اخالك تقبل منى ولست من غنمي ولكن هاتها، فقال له ما تقول في رجل
قال عند موته كل مملوك له قديم فهو حر لوجه الله، قال نعم، ما كان له ستة اشهر
فهو قديم وهو حر لان الله يقول والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم
فما كان لستة اشهر فهو قديم حر، قال: فخرج من عنده وافتقر وذهب بصره
ثم مات لعنه الله وليس عنده مبيت ليلة وقوله: (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في
الفلك المشحون) قال السفن الملية (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) يعنى الدواب
والانعام وقوله (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة
واحدة تأخذهم وهم يخصمون) قال ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة وهم
في أسواقهم يتخاصمون فيموتون كلهم في مكانهم لا يرجع أحد منهم إلى منزله
215

ولا يوصي بوصية وذلك قوله (فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون)
وقوله (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) قال من القبور
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (يا ويلنا من بعثنا من
مرقدنا) فان القوم كانوا في القبور فلما قاموا حسبوا انهم كانوا نياما (قالوا يا ويلنا
من بعثنا من مرقدنا) قالت الملائكة (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون).
قال علي بن إبراهيم: ثم ذكر النفخة الثانية فقال (إن كانت إلا صيحة
واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون) وقوله (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل
فاكهون) قال في افتضاض العذارى فاكهون، قال يفاكهون النساء ويلاعبونهن
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (في ظلال على الأرائك
متكئون) الأرائك السرر عليها الحجال، وقال علي بن إبراهيم في قوله (سلام
قولا من رب رحيم) قال السلام منه تعالى هو الأمان وقوله (وامتازوا اليوم
أيها المجرمون) قال إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتى
يلجمهم العرق فينادوا يا رب حاسبنا ولو إلى النار فيبعث الله رياحا فتضرب بينهم
وينادي مناد وامتازوا اليوم أيها المجرمون فيميز بينهم فصار المجرمون إلى النار
ومن كان في قلبه إيمان صار إلى الجنة وقوله (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا) يعنى
خلقا كثيرا قد هلك وقوله: (اليوم نختم على أفواههم - إلى قوله - بما كانوا
يكسبون) قال: إذا جمع الله الخلق يوم القيامة دفع إلى كل إنسان كتابه
فينظرون فيه فينكرون انهم عملوا من ذلك شيئا فتشهد عليهم الملائكة فيقولون
يا رب ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون انهم لم يعملوا من ذلك شيئا وهو قوله
" يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم " فإذا فعلوا ذلك ختم الله على
ألسنتهم وتنطق جوارحهم (بما كانوا يكسبون) وقوله (ولو نشاء لطمسنا على
أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون) يقول كيف يبصرون (ولو نشاء لمسخناهم
216

على مكانتهم) يعني في الدنيا (فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون) وقوله (ومن
نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) فإنه رد على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد
ويقولون ان الرجل إذا نكح المرأة وصارت النطفة في رحمها تلقته الاشكال من
الغذاء ودار عليه الفلك ومر عليه الليل والنهار فيولد الانسان بالطبائع من
الغذاء ومرور الليل والنهار فنقض الله عليهم قولهم في حرف واحد فقال: (ومن
نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) قال لو كان هذا كما يقولون لكان ينبغي ان
يزيد الانسان ابدا ما دامت الاشكال قائمة والليل والنهار قائمين والفلك يدور
فكيف صار يرجع إلى النقصان كلما ازداد في الكبر إلى حد الطفولية ونقصان
السمع والبصر والقوة والعلم والمنطق حتى ينتكس ولكن ذلك من خلق العزيز
العليم وتقديره.
وقوله: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) قال: كانت قريش تقول إن
هذا الذي يقول محمد شعر فرد الله عليهم فقال (وما علمناه الشعر وما ينبغي له
إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله شعرا قط وقوله:
(لينذر من كان حيا) يعني مؤمنا حي القلب وقوله: (ويحق القول على
الكافرين) يعني العذاب وقوله: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا انعاما)
أي خلقناها بقوتنا وقوله (وذللناها لهم) يعني الإبل مع قوتها وعظمها يسوقها
الطفل وقوله (ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون) يعني ما يكسبون بها
وما يركبونها وقوله ومشارب يعني ألبانها وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم
وهم لهم جند محضرون) يقول لا يستطيعون الآلهة لهم نصرا وهم لهم أي للآلهة
جند محضرون.
وقال علي بن إبراهيم: ثم خاطب الله نبيه فقال (فلا يحزنك قولهم إنا نعلم
217

ما يسرون وما يعلنون) وقوله (فإذا هو خصيم مبين) أي ناطق عالم بليغ وقوله:
(وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم) فقال الله عز وجل قل
يا محمد (يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم)
قال فلو ان الانسان تفكر في خلقة نفسه لدله ذلك على خالقه
لأنه يعلم كل إنسان انه ليس بقديم لأنه يرى نفسه وغيره مخلوقا محدثا ويعلم انه
لم يخلق نفسه لان كل خالق قبل خلقه ولو خلق نفسه لدفع عنها الآفات والأوجاع
والأمراض والموت فيثبت عند ذلك ان لها خالقا مدبرا هو الله الواحد القهار
قوله (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) وهو المرخ
والعفار (1) ويكون في ناحية بلاد الغرب فإذا أرادوا ان يستوقدوا اخذوا
من ذلك الشجر ثم اخذوا عودا فحركوه فيه فيستوقدون منه النار ثم قال عز وجل
(أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر - إلى قوله - كن فيكون) قال
خزائنه في كاف ونون (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون).
سورة الصافات مكية
وهي مأة واثنتان وثمانون آية
(بسم الله الرحمن الرحيم والصافات صفا) قال: الملائكة والأنبياء ومن
صف لله وعبده (فالزاجرات زجرا) الذين يزجرون الناس (فالتاليات ذكرا)
الذين يقرؤن الكتاب من الناس فهو قسم وجوابه (ان إلهكم لواحد رب السماوات
والأرض وما بينهما ورب المشارق إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب) قال
وحدثني أبي ويعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام: لهذه النجوم التي في السماء مداين

(1) شجران يتخذ منهما الزناد.
218

مثل المداين التي في الأرض مربوطة كل مدينة بعمود (إلى عمود ط) من نور طول ذلك العمود
في السماء مسيرة مائتين وخمسين سنة (1) وقوله (وحفظا من كل شيطان مارد)

(1) لا يخفى أن هذا الخبر من أكبر البراهين على حقيقة الاسلام في عصر
علوم متجددة وسعت نطاقها بين الذرة وذرى السماء حيث لم يدل على وجود
العمران في السيارات فحسب، بل إنه دل على قانون التمايل والتجاذب بينها أيضا
قال العلامة الشهرستاني (رحمه الله) في الهيئة والاسلام ص‍ 294:
" قوله: مربوطة بعمود من نور، قد يكون إشارة إلى تأثير جاذبية
الشمس في حفظ نظام السيارات، واتصال حامل الجاذبية بالنجوم على نحو الخط
العمودي - كما اتفق عليه الحكماء المتأخرون. وقوله في الرواية الأخرى:
" بعمودين من نور " يمكن أن يكون إشارة إلى ما تقرر أخيرا ان نظام
السيارات تحفظه قوتان من الشمس بسبب التحرك الدوري. فلو انفردت الأولى
في التأثير ولم تكافئها الثانية لهوت جملة السيارات في كورة الشمس، ولو انفردت
الثانية ولم تكافئها الأولى لرميت النجوم إلى خارج نظام الشمس من الفضاء الوسيع
وإنما استقرت السيارات في أفلاكها المعينة وانضبط نظامها بواسطة ارتباطها مع
الشمس بعمودين وانقيادها بين جاذب ودافع ".
وكيف كان فقد ذهب حكماء العصر إلى عمران الكواكب وان اختلفت
آراؤهم في كيفياته فلنقدم نبذة منها، ففي الهيئة والاسلام ص‍ 277:
" قال ميخائيل في مشهد الكائنات في المريخ: وفي جو هذا السيار غيوم
وضباب من أبخرة ماء كما شوهد ذلك بالمنظر الطيفي ومن هذا استنتج الجوابة ان
في المريخ أنهرا تجري فيها المياه المتساقطة من هذا البخار وأودية وجبالا ومجاري
هوائية، فيكون جوها كجونا مركبا من مواد واحدة، وبرها كبرنا آهلا
بخلائق تتمشى على سنن خلائق أرضنا.
وفي مجلة الهلال المصرية المجلد 11 ص‍ 87: ان الأستاذ (هوف) الأمريكي
ألقى خطابا من عهد قريب في اعتقاده ان المريخ والزهرة وعطارد آهلة بالناس
وسائر الاحياء، وان سكانها أرقي من سكان الأرض بدنا وعقلا. قال: ولما كان
المريخ أكبر سنا من الأرض وقد جمد وبرد قبل الأرض بأزمان فالانسان وجد
فيه قبل وجوده في الأرض وارتقى أكثر من ارتقائه فيها.
وفي تقويم المؤيد لسنة 1319 ه‍ ج‍ لمحرره الفاضل محمود آفندي: المقرر الآن
ان زهرة وعطارد نظرا لحداثة وجودهما بالنسبة إلى أرضنا غير قابلتين للسكنى،
ولو وجد فيهما فهم كسكان الأرض قبل خلق الانسان.
وقال الكاتب (برناردن) ان سكان الزهرة يشبهون سكان الأرض وبعض
رعاة الأغنام والماشية على قمم الجبال، والبعض الآخر يقيمون على ضفاف الأنهار
إذ يقضون أوقاتهم في الرقص ومد الموائد والتغني والتسابق في السباحة، وقال
فونتنل عن سكان عطارد: إنهم يسكنون أصغر المنازل لصغر أجسامهم، وانهم
لشدة حر الشمس مصابون بالجنون.
وقال آخر في كتابه المطبوع سنة 1750 بعنوان (سياحة عطارد) ان
العطارديين كالملائكة لهم أجنحة يطيرون بها في الجو وان جسومهم أصغر من
جسومنا. إلى غير ذلك من الأقاويل المختلفة والآراء المتشتة، ولا شك في أن
هذه الاستكشافات نتيجة غوص علمائهم في بحور مطالعة الكون اعقابا، وهيامهم
حول أسرارها أحقابا وبعد اللتيا والتي لم يفيدوا إلا ظنا وتخمينا، ولم تبلغ
اجتهاداتهم حتما يقينا كما اطلعت عليه من كلماتهم ذكرناها آنفا.
وكيف لا تطأطأ رؤس المخلوقين لمن أخبر قبل الف عام وأزيد بخبر يقين
لا عن ظن وتخمين بأن هناك سكانا وعمرانا وهم أعلى منا شرفا ومكانا.
ففي تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني عن أبي جعفر عليه السلام قال: من وراء
شمسكم هذه أربعون عين شمس ما بين عين شمس إلى عين شمس أربعون عاما، فيها
خلق كثير ما يعلمون ان الله خلق آدم أو لم يخلقه.
وفيه وفي البحار والكافي وبصائر الدرجات والأنوار النعمانية للسيد الجزائري
عن عجلان بن أبي صالح قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قبة آدم، فقلت له هذه
قبة آدم؟ فقال نعم، ولله عز وجل قباب كثيرة، اما ان لله لخلف مغربكم هذه
تسعة وتسعون مغربا أرضا بيضاء مملوءة خلقا يستضيئون بنورها، لم يعصوا الله
طرفة عين. فهذا بيان كثرة الأراضي في الفضاء وامتلاء الكل خلقا كما يراه جملة
المتأخرين، والضمير في " بنورها " راجع إلى الشمس.
وفي كتاب (فلك السعادة) للفاضل اعتضاد السلطنة ابن الخاقان فتح علي شاه
قاجار قال ما معناه: إني عرضت هذا الخبر على بعض حكماء أوروبا فقال - بعد
استغرابه -: لو كنت على يقين من صدور هذا الكلام من وصي نبيكم لآمنت به
وأسلمت. ج. ز
219

قال المارد الخبيث (لا يسمعون إلى الملا الاعلى ويقذفون من كل جانب دحورا)
220

يعني الكواكب التي يرمون بها (ولهم عذاب واصب) أي واجب وقوله (إلا
من خطف الخطفة فاتبعه) يعني يسمعون الكلمة فيحفظونها (فاتبعه شهاب ثاقب)
وهو ما يرمون به فيحرقون وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال:
(عذاب واصب) أي دائم موجع قد وصل إلى قلوبهم وقوله (شهاب ثاقب)
أي مضئ إذا أصابهم نفوا به.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (فاستفتهم أهم أشد خلقا أمن خلقنا إنا
221

خلقناهم من طين لازب) يعني يلزق باليد (بل عجبت ويسخرون وإذا ذكروا
لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون) يعني قريشا ثم حكى قول الدهرية من
قريش فقال: (أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما - إلى قوله - داخرون) أي
مطروحون في النار وقوله (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) قال الذين ظلموا
آل محمد حقهم وأزواجهم قال وأشباههم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر
عليه السلام (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) يقول ادعوهم إلى طريق الجحيم وقال علي
ابن إبراهيم في قوله (وقفوهم انهم مسؤولون) قال عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام
وقوله (بل هم اليوم مستسلمون) يعني للعذاب ثم حكى الله عز وجل عنهم قولهم
(وأقبل بعضهم على بعض يتسائلون قالوا انكم كنتم تأتوننا عن اليمين) يعني فلانا
وفلانا (قالوا بل لم تكونوا مؤمنين) وقوله (فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون)
قال العذاب (فأغويناكم إنا كنا غاوين) وقوله (فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون
- إلى قوله - يستكبرون) فإنه محكم وقوله (ويقولون أئنا لتاركون آلهتنا لشاعر
مجنون) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله فرد الله عليهم (بل جاء بالحق وصدق المرسلين)
الذين كانوا قبله.
ثم حكى ما أعد الله للمؤمنين (أولئك لهم رزق معلوم) يعني في الجنة
وقوله: (لا فيها غول) يعني الفساد (ولا هم عنها ينزفون) أي لا يطردون منها
وقوله (وعندهم قاصرات الطرف عين) يعنى الحور العين يقصر الطرف عن النظر
إليها من صفائها (كأنهن بيض مكنون) يعنى مخزون
(فأقبل بعضهم على بعض يتسائلون قال قائل منهم اني كان لي قرين
يقول أإنك لمن المصدقين) أي تصدق بما يقول لك انك إذا مت حييت قال
فيقول لصاحبه (هل أنتم مطلعون) قال (فاطلع فرآه في سواء الجحيم) قال
فيقول له (تالله ان كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين) وفي
رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (فاطلع فرآه في سواء الجحيم)
222

يقول في وسط الجحيم.
قال علي بن إبراهيم ثم يقولون في الجنة (أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى
وما نحن بمعذبين ان هذا لهو الفوز العظيم) قال: فحدثني أبي عن علي بن مهزيار
والحسن بن محبوب عن النضر بن سويد عن درست عن أبي بصير عن أبي جعفر
عليه السلام قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جئ بالموت فيذبح كالكبش
بين الجنة والنار ثم يقال خلود فلا موت أبدا فيقول أهل الجنة " أفما نحن بميتين
إلا موتتنا الأولى... " ثم قال عز وجل: (أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا
جعلناها فتنة للظالمين) يعنى بالفتنة هاهنا العذاب وقوله (ثم إن لهم عليها لشوبا
من حميم) يعنى عذابا على عذاب (فهم على آثارهم يهرعون) أي يمرون (ولقد
أرسلنا فيهم منذرين) يعنى الأنبياء (فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) يعنى
الأمم الهالكة.
ثم ذكر عز وجل نداء الأنبياء فقال (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون)
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وجعلنا ذريته هم الباقين)
يقول بالحق والنبوة والكتاب والايمان في عقبه وليس كل من في الأرض من
بنى ادم من ولد نوح قال الله في كتابه: " احمل فيها من كل زوجين اثنين
وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ومن آمن وما آمن معه إلا قليل " وقال
أيضا " ذرية من حملنا مع نوح " حدثنا (أبو العباس ط) محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن
النضر بن سويد عن سماعة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: ليهنئكم
الاسم قلت وما هو جعلت فداك؟ قال الشيعة قيل إن الناس يعيروننا بذلك قال
أما تسمع قول الله (وان من شيعته لإبراهيم) وقوله " واستغاثه الذي من
شيعته على الذي هو من عدوه " فليهنئكم الاسم
وقال علي بن إبراهيم في قوله (إذ جاء ربه بقلب سليم) قال القلب السليم
223

من الشك وقد كتبنا خبره في سورة الأنبياء. قوله (يا بنى اني أرى
في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني
إن شاء الله من الصابرين) قال: فإنه حدثني أبي عن فضالة بن أيوب عن معاوية
ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ان إبراهيم (ع) أتاه جبرئيل عند زوال الشمس
من يوم التروية فقال: يا إبراهيم ارتو من الماء لك ولأهلك ولم يكن بين مكة
وعرفات ماء فسميت التروية بذلك، فذهب به حتى انتهى به إلى منى فصلى به الظهر
والعصر والعشائين والفجر حتى إذا بزغت الشمس خرج إلى عرفات فنزل بنمرة
وهي بطن عرفة فلما زالت الشمس خرج وقد اغتسل، فصلى الظهر والعصر بأذان
واحد وإقامتين وصلى في موضع المسجد الذي بعرفات وقد كانت ثمة أحجار بيض
فأدخلت في المسجد الذي بني ثم مضى به إلى الموقف فقال: يا إبراهيم اعترف
بذنبك واعرف مناسكك فلذلك سميت عرفة، فأقام به حتى غربت الشمس ثم أفاض
به فقال: يا إبراهيم ازدلف (1) إلى المشعر الحرام فسميت المزدلفة واتي به المشعر
الحرام فصلى به المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ثم بات بها حتى إذا
صلى بها صلاة الصبح أراه الموقف ثم أفاض إلى منى فأمره فرمى جمرة العقبة
عندها ظهر له إبليس لعنه الله.
ثم أمره الله بالذبح فان إبراهيم (ع) حين أفاض من عرفات بات على المشعر
الحرام وهو فزع فرأى في النوم ان يذبح ابنه إسحاق (2) وقد كان إسحاق حج
بوالدته سارة فلما انتهى إلى منى رمى الجمرة هو وأهله وأمر أهله فسارت إلى

(1) تزلف: تقرب.
(2) وقد مضى الكلام تفصيلا في الذبيح كان إسحاق أو إسماعيل فراجع
ص‍ 351 / 1 من هذا الكتاب. ج. ز
224

البيت واحتبس الغلام فانطلق به إلى موضع الجمرة الوسطى فاستشار ابنه وقال
كما حكى الله " يا بني اني أرى في المنام اني أذبحك فانظر ماذا ترى " فقال الغلام
كما حكى الله أمض كما أمرك الله به " يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله
من الصابرين " وسلما لامر الله، وأقبل شيخ فقال: يا إبراهيم ما تريد من هذا
الغلام؟ قال أريد ان اذبحه فقال سبحان الله! تذبح غلاما لم يعص الله طرفة عين!
فقال إبراهيم ان الله أمرني بذلك فقال ربك ينهاك عن ذلك وإنما أمرك بهذا
الشيطان، فقال له إبراهيم ويلك ان الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي أمرني به
والكلام الذي وقع في أذني فقال لا والله ما أمرك بهذا إلا الشيطان فقال إبراهيم
لا والله لا أكلمك ثم عزم إبراهيم على الذبح، فقال يا إبراهيم انك إمام يقتدى
بك وانك ان ذبحته ذبح الناس أولادهم فلم يكلمه وأقبل إلى الغلام فاستشاره في
الذبح فلما أسلما جميعا لامر الله قال الغلام يا أبت خمر وجهي وشد وثاقي فقال
إبراهيم يا بني الوثاق مع الذبح لا والله لا جمعهما عليك اليوم فرمى له بقرطان الحمار
ثم أضجعه عليه وأخذ المدية فوضعها على حلقه ورفع رأسه إلى السماء ثم انتحى (1)
عليه المدية فقلب جبرئيل المدية على قفاها واجتر الكبش من قبل ثبير (2) وأثار
الغلام من تحته ووضع الكبش مكان الغلام ونودي من مسيرة مسجد الخيف
(ان يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ان هذا لهو البلاء المبين).
قال: ولحق إبليس بأم الغلام حين نظرت إلى الكعبة في وسط الوادي
بحذاء البيت فقال لها شيخ رأيته، قالت: إن ذلك بعلي قال فوصيف رأيته معه
فقالت: ذاك ابني قال: فاني رأيته وقد أضجعه وأخذ المدية ليذبحه! فقالت:

(1) انتحى عليه بالسيف: أقبل عليه به.
(2) ثبير كامير: جبل بمكة. مجمع
225

كذبت ان إبراهيم أرحم الناس كيف يذبح ابنه قال: فورب السماء والأرض
ورب هذا البيت لقد رأيته أضجعه وأخذ المدية، فقالت: ولم؟ قال: زعم أن
ربه أمره بذلك، قالت فحق له ان يطيع ربه فوقع في نفسها انه قد أمر في ابنها
بأمر فلما قضت مناسكها أسرعت في الوادي راجعة إلى منى وهي واضعة يدها
على رأسها تقول يا رب لا تؤاخذني بما عملت بأم إسماعيل، قلت: فأين أراد ان
يذبحه؟ قال: عند الجمرة الوسطى قال: ونزل الكبش على الجبل الذي عن يمين
مسجد منى نزل من السماء وكان يأكل في سواد ويمشي في سواد اقرن، قلت:
ما كان لونه؟ قال كان أملح اغبر.
قال: وحدثني أبي عن صفوان بن يحيى وحماد عن عبد الله بن المغيرة عن
ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألناه عن صاحب الذبح، فقال: إسماعيل
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل وعبد الله
ابن عبد المطلب فهذان الخبران عن الخاصة في الذبيح قد اختلفوا في إسحاق
وإسماعيل وعبد الله وقد روت العامة خبرين مختلفين في إسماعيل وإسحاق فناداه الله
عز وجل (قد صدقت الرؤيا) الآية قال إنه لما عزم إبراهيم على ذبح ابنه وسلما
لامر الله قال الله (اني جاعلك للناس إماما) فقال إبراهيم (ومن ذريتي) فقال:
(لا ينال عهدي الظالمين) أي لا يكون بعهدي إمام ظالم ثم ذكر عز وجل منته
على موسى وهارون فقال: (ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من
الكرب العظيم - إلى قوله - أتدعون بعلا) قال: كان لهم صنم يسمونه بعلا
وسأل رجل أعرابيا عن ناقة واقفة فقال: لمن هذه الناقة؟ فقال الاعرابي: أنا
بعلها وسمي الرب بعلا.
ثم ذكر عز وجل آل محمد عليهم السلام فقال: (وتركنا عليه في الآخرين
سلام على آل يس) فقال: يس محمد وآل محمد الأئمة عليهم السلام ثم ذكر
226

عز وجل لوطا فقال: (وان لوطا لمن المرسلين) وقد ذكرنا خبره ثم ذكر يونس
فقال: (وان يونس لمن المرسلين إذ ابق) يعني هرب (إلى الفلك المشحون
فساهم) أي ألقى السهام (فكان من المدحضين) أي من المغوصين (فالتقمه الحوت
وهو مليم) وقد كتبنا خبره في سورة يونس (فأنبتنا عليه شجرة من يقطين)
قال الدبا (1) ثم خاطب الله نبيه فقال (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) قال
قالت قريش ان الملائكة هم بنات الله فرد الله عليهم (فاستفتهم - الآية إلى قوله -
سلطان مبين) أي حجة قوية على ما يزعمون وقوله تعالى: (وجعلوا بينه وبين
الجنة نسبا) يعني انهم قالوا إن الجن بنات الله فقال: (ولقد علمت الجنة انهم
لمحضرون) يعني انهم في النار وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
(وان كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين)
فهم كفار قريش كانوا يقولون قاتل الله اليهود والنصارى كيف كذبوا أنبياءهم
أما والله لو كان عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين يقول الله فكفروا
به حين جاءهم محمد صلى الله عليه وآله يقول الله (فسوف يعلمون) فقال جبرئيل يا محمد
(إنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون).
وقوله: (فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين) يعني العذاب إذا نزل
ببني أمية وأشياعهم في آخر الزمان وقوله: (وتولوا عنهم حتى حين وأبصرهم
فسوف يبصرون) فذلك إذا أتاهم العذاب أبصروا حين لا ينفعهم النظر فهذه في
أهل الشبهات والضلالات من أهل القبلة، حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله
ابن محمد بن خالد عن العباس بن عامر عن الربيع بن محمد عن يحيى بن مسلم عن
أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول (وما منا إلا له مقام معلوم) قال نزلت في الأئمة

(1) ويسمى قرعا أيضا. ج. ز
227

والأوصياء من آل محمد (ع) حدثنا أحمد بن محمد الشيباني قال حدثنا محمد بن أحمد بن بويه قال حدثنا محمد
ابن سليمان قال حدثنا أحمد بن محمد الشيباني قال حدثنا عبد الله بن محمد التفليسي
عن الحسن بن محبوب عن صالح بن رزين عن شهاب بن عبد ربه قال سمعت الصادق
عليه السلام يقول: يا شهاب نحن شجرة النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ونحن
عهد الله وذمته ونحن ودايع الله وحجته كنا أنوارا صفوفا حول العرش نسبح فيسبح
أهل السماء بتسبيحنا إلى أن هبطنا إلى الأرض فسبحنا فسبح أهل الأرض بتسبيحنا
وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون فمن وفى بذمتنا فقد وفى بعهد الله
عز وجل وذمته ومن خفر ذمتنا فقد خفر ذمة الله عز وجل وعهده.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (فإذا نزل بساحتهم) أي بمكانهم (فساء
صباح المنذرين - إلى قوله - والحمد لله رب العالمين).
سورة ص مكية
آياتها ثمان وثمانون
(بسم الله الرحمن الرحيم ص والقرآن ذي الذكر) قال: هو قسم وجوابه
(بل الذين كفروا في عزة وشقاق) يعني في كفر وقوله: (كم أهلكنا من قبلهم
من قرن فنادوا ولات حين مناص) أي ليس هو وقت مفر وقوله: (وعجبوا أن
جاءهم منذر منهم) قال نزلت بمكة لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وآله الدعوة بمكة اجتمعت
قريش إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب ان ابن أخيك قد سفه أحلامنا وسب
آلهتنا وأفسد شبابنا وفرق جماعتنا فإن كان الذي يحمله على ذلك العدم جمعنا له
مالا حتى يكون أغنى رجل في قريش ونملكه علينا، فأخبر أبو طالب رسول الله
صلى الله عليه وآله بذلك، فقال: لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما أردته،
ولكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب وتدين لهم بها العجم ويكونون ملوكا في
228

الجنة، فقال لهم أبو طالب ذلك فقالوا نعم وعشر كلمات، فقال لهم رسول الله
صلى الله عليه وآله تشهدون أن لا إله إلا الله واني رسول الله، فقالوا: ندع ثلاثمائة وستين
إلها ونعبد إلها واحدا فأنزل الله تعالى (وعجبوا ان جاءهم منذر منهم وقال
الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا - إلى قوله - إلا اختلاق)
أي تخليط (أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري - إلى قوله -
من الأحزاب) يعني الذين تحزبوا عليه يوم الخندق.
ثم ذكر هلاك الأمم وقد كتبنا خبرهم في سورة هود (كذبت قبلهم قوم
نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد) وقوله: (وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة
مالها من فواق) أي لا يفيقون من العذاب وقوله (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا
قبل يوم الحساب) أي نصيبنا وصكنا من العذاب ثم خاطب الله عز وجل نبيه
فقال (اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد أنه أواب) أي دعاء
(إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق) يعني إذا طلعت الشمس
(والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه - إلى قوله - إذ تسوروا المحراب)
يعني نزلوا من المحراب (إذ دخلوا على داود ففزع منهم - إلى قوله - وخر راكعا
وأناب) حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن الصادق عليه السلام قال: إن داود
عليه السلام لما جعله الله عز وجل خليفة في الأرض وأنزل عليه الزبور أوحى الله عز وجل
إلى الجبال والطيران يسبحن معه وكان سببه أنه إذا صلى ببني إسرائيل يقوم
وزيره بعدما يفرغ من الصلاة فيحمد الله ويسبحه ويكبره ويهلله ثم يمدح الأنبياء
عليهم السلام نبيا نبيا ويذكر من فضلهم وأفعالهم وشكرهم وعبادتهم لله سبحانه
وتعالى والصبر على بلائه ولا يذكر داود، فنادى داود ربه فقال: يا رب قد
أنعمت على الأنبياء بما أثنيت عليهم ولم تثن علي، فأوحى الله عز وجل إليه هؤلاء
عباد ابتليتهم فصبروا وأنا اثني عليهم بذلك فقال يا رب فابتلني حتى أصبر، فقال
229

يا داود تختار البلاء على العافية اني ابتليت هؤلاء وإنا لم اعلمهم وإنا أبتليك
وأعلمك ان بلائي في سنة كذا وشهر كذا وفي يوم كذا، وكان داود عليه السلام
يفرغ نفسه لعبادته يوما ويقعد في محرابه يوما ويقعد لبني إسرائيل فيحكم
بينهم، فلما كان اليوم الذي وعده الله عز وجل اشتدت عبادته وخلا في محرابه
وحجب الناس عن نفسه وهو في محرابه يصلي فإذا طائر قد وقع بين يديه جناحاه
من زبر جد أخضر ورجلاه من ياقوت احمر ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد
فأعجبه جدا ونسي ما كان فيه، فقام ليأخذه فطار الطائر فوقع على حائط بين
داود وبين أوريا بن حنان وكان داود قد بعث أوريا في بعث فصعد داود عليه السلام
الحائط ليأخذ الطير وإذا امرأة أوريا جالسة تغتسل فلما رأت ظل داود نشرت
شعرها وغطت به بدنها، فنظر إليها داود فافتتن بها ورجع إلى محرابه، ونسي
ما كان فيه وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث لما ان يصيروا إلى موضع كيت وكيت
يوضع التابوت بينهم وبين عدوهم، وكان التابوت في بني إسرائيل كما قال الله
عز وجل " فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة "
وقد كان رفع بعد موسى عليه السلام إلى السماء لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصي، فلما
غلبهم جالوت وسألوا النبي ان يبعث إليهم ملكا يقاتل في سبيل الله بعث إليهم طالوت
وأنزل عليهم التابوت وكان التابوت إذا وضع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم
ورجع عن التابوت إنسان كفر وقتل ولا يرجع أحد عنه إلا ويقتل.
فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه ان ضع التابوت بينك وبين عدوك
وقدم أوريا بن حنان بين يدي التابوت فقدمه وقتل، فلما قتل أوريا دخل عليه
الملكان وقعدا ولم يكن تزوج امرأة أوريا وكانت في عدتها وداود في محرابه يوم
عبادته فدخلا عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه ففزع داود منهما
فقالا: (لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط
230

واهدنا إلى سواء الصراط) ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى
جارية، فقال أحدهما لداود: (ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة
واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب) اي ظلمني وقهرني، فقال داود كما حكى
الله عز وجل: (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه - إلى قوله - وخر راكعا
وأناب) قال: فضحك المستعدى عليه من الملائكة وقال: وقد حكم الرجل على نفسه
فقال داود: أتضحك وقد عصيت لقد هممت ان أهشم فاك، قال: فعرجا وقال
الملك المستعدى عليه لو علم داود انه أحق بهشم فيه مني.
ففهم داود الامر وذكر الخطيئة فبقي أربعين يوما ساجدا يبكي ليله ونهاره
ولا يقوم إلا وقت الصلاة حتى انخرق جبينه وسال الدم من عينيه فلما كان بعد
أربعين يوما نودي يا داود مالك أجائع أنت فنشبعك أم ظمآن فنسقيك أم عريان
فنكسوك أم خائف فنؤمنك؟ فقال: اي رب وكيف لا أخاف وقد عملت ما عملت
وأنت الحكم العدل الذي لا يجوزك ظلم ظالم، فأوحى الله إليه تب يا داود، فقال
اي رب وانى لي بالتوبة قال: صر إلى قبر أوريا حتى ابعثه إليك واسأله ان يغفر
لك، فان غفر لك غفرت لك قال: يا رب فإن لم يفعل؟ قال: أستوهبك منه،
قال فخرج داود عليه السلام يمشي على قدميه ويقرأ الزبور وكان إذا قرأ الزبور
لا يبقى حجر ولا شجر ولا جبل ولا طائر ولا سبع إلا يجاوبه حتى انتهى إلى
جبل وعليه نبي عابد يقال له حزقيل، فلما سمع دوي الجبال وصوت السباع علم أنه
داود، فقال: هذا النبي الخاطئ فقال داود: يا حزقيل تأذن لي ان اصعد
إليك؟ قال: لا فإنك مذنب.
فبكى داود عليه السلام فأوحى الله عز وجل إلى حزقيل يا حزقيل لا تعير داود
بخطيئته وسلني العافية، فنزل حزقيل واخذ بيد داود وأصعده إليه، فقال له
داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا، قال: فهل دخلك العجب مما
231

أنت فيه من عبادة الله عز وجل؟ قال: لا قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت
ان تأخذ من شهواتها ولذاتها؟ قال: بلى ربما عرض ذلك بقلبي قال: فما تصنع؟
قال: ادخل هذا الشعب فاعتبر بما فيه، قال: فدخل داود (ع) الشعب فإذا بسرير
من حديد عليه جمجمة بالية وعظام نخرة وإذا لوح من حديد وفيه مكتوب فقرأه
داود، فإذا فيه: أنا اروى بن سلمة ملكت الف سنة وبنيت الف مدينة،
وافتضضت الف جارية وكان آخر أمري ان صار التراب فراشي والحجار وسادي
والحيات والديدان جيراني فمن رآني فلا يغتر بالدنيا.
ومضى داود حتى اتى قبر أوريا فناداه فلم يجبه ثم ناداه ثانية فلم يجبه ثم
ناداه ثالثة فقال أوريا: مالك يا نبي الله لقد شغلتني عن سروري وقرة عيني قال
يا أوريا اغفر لي وهب لي خطيئتي فأوحى الله عز وجل إليه يا داود بين له ما كان
منك، فناداه داود فاجابه فقال: يا أوريا فعلت كذا وكذا وكيت
وكيت: فقال أوريا: أيفعل الأنبياء مثل هذا؟ فناداه فلم يجبه فوقع داود على
الأرض باكيا فأوحى الله إلى صاحب الفردوس ليكشف عنه فكشف عنه فقال أوريا
لمن هذا؟ فقال: لمن غفر لداود خطيئته، فقال: يا رب قد وهبت له خطيئته،
فرجع داود (ع) إلى بني إسرائيل وكان إذا صلى وزيره يحمد الله ويثنى على
الأنبياء عليهم السلام ثم يقول: كان من فضل بني الله داود قبل الخطيئة كيت
وكيت، فاغتم داود (ع) فأوحى الله عز وجل إليه يا داود قد وهبت لك خطيئتك
وألزمت عار ذنبك ببني إسرائيل، قال: يا رب كيف وأنت الحكم العدل الذي
لا تجور، قال: لأنه لم يعاجلوك بالنكيرة وتزوج داود (ع) بامرأة أوريا بعد
ذلك فولد له منها سليمان (ع) ثم قال عز وجل: فغفرنا له ذلك وان له عندنا
232

لزلفى وحسن مآب (1)

(1) قال جدي السيد الجزائري (رحمه الله) في قصص الأنبياء: إن هذا
الحديث محمول على التقية لموافقته مذهب العامة ورواياتهم وعدم منافاته لقواعدهم
من جواز مثله على الأنبياء. والأخبار الواردة برده كثيرة من طرقنا فلا مجال
لتأويله إلا الحمل على التقية. فعن (عيون الأخبار) باسناده إلى أبي الصلت
الهروي قال: سأل الرضا عليه السلام علي بن محمد بن الجهم فقال ما يقول من قبلكم في
داود عليه السلام؟ فقال يقولون إن داود كان في محرابه يصلي إذ تصور له إبليس على
صورة طير - إلى آخر الرواية -.
قال: فضرب على جبهته وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون لقد نسبتم نبيا
من أنبياء الله على التهاون بصلاته حين خرج في اثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل.
فقال يا بن رسول الله ما كانت خطيئته؟ فقال ويحك ان داود ظن أن ما خلق الله
عز وجل خلقا هو أعلم مني، فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسوروا المحراب،
فقالا: خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق - إلى قوله - له تسع
وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه فقال لقد
ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، فكان هذا
خطيئة داود لا ما ذهبتم إليه ألا تسمع الله عز وجل يقول: " يا داود إنا جعلناك
خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ".
(أقول) ويرد عليه أيضا انه يمتنع من داود ان يخطأ في الحكم، فان
الأنبياء المعصومين إذا لم يؤمنوا من الخطأ في القضاء فلمن العصمة من بعدهم؟ لا سيما
مثل هذا الخطأ الفاحش الذي ارتكبه داود وهو الاستعجال إلى الحكم قبل طلب
البينة من المدعى.
(وجوابه) ان قول داود: " لقد ظلمك بسؤال نعجتك... الخ "
لعله لم يكن قضاءا وحكما بل إنه كان على سبيل إظهار الرأي قبل الحكم وكان
بناؤه ان يطالب المدعي البينة من بعد، فحيث ان مثل هذا الكلام المشعر بكونه
مائلا إلى أحد الخصمين بدون إقامة الدليل من الجانبين كان مما لا ينبغي لمكان النبوة
فعوتب على ذلك واستغفر له. ج ز
233

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وظن داود) اي علم
(وأناب) اي تاب، وذكر ان داود كتب إلى صاحبه ان لا تقدم أوريا بين
يدي التابوت ورده فقدم أوريا إلى أهله ومكث ثمانية أيام ثم مات.
حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا يحيى بن زكريا اللؤلؤي عن علي بن حنان
عن عبد الرحمن بن كثير قال: سألت الصادق عليه السلام عن قوله (أم نجعل الذين
آمنوا وعملوا الصالحات) قال أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه (كالمفسدين في الأرض)
حبتر وزريق وأصحابهما (أم نجعل المتقين) أمير المؤمنين (ع) وأصحابه (كالفجار)
حبتر ودلام وأصحابهما (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته) أمير المؤمنين
والأئمة صلوات الله عليه وعليهم أجمعين (وليتذكر أولو الألباب) فهم أهل الألباب
الثاقبة، قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يفتخر بها ويقول ما أعطي أحد قبلي
ولا بعدي مثل ما أعطيت.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد انه أواب
- إلى قوله - حتى توارت بالحجاب) وذلك أن سليمان كان يحب الخيل ويستعرضها
فعرضت عليه يوما إلى أن غابت الشمس وفاتته صلاة العصر فاغتم من ذلك غما
شديدا فدعا الله عز وجل أن يرد عليه الشمس حتى يصلى العصر فرد الله عليه الشمس إلى وقت العصر حتى صلاها ثم دعا
234

بالخيل فاقبل يضرب أعناقها وسوقها بالسيف حتى قتلها كلها (1) وهو قوله عز وجل
(ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه
جسدا ثم أناب - إلى قوله - انك أنت الوهاب) وهو ان سليمان لما تزوج باليمانية

(1) الروايات في باب سليمان وأبيه داود عليهما السلام كلها محمولة على التقية
لموافقتها لما كان مشهورا في ذلك الزمان على السنة العامة، وقد ورد في قصة الجياد
وسليمان ما هو أصح متنا وسندا وهو أنه قال ابن عباس: سألت عليا عن هذه
الآية فقال: ما بلغك فيها يا بن عباس؟ قلت سمعت كعبا يقول اشتغل سليمان
بعرض الأفراس حتى فاتته الصلاة فقال ردوها علي يعني الأفراس فامر بضرب
سوقها وأعناقها بالسيف فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها،
فقال علي عليه السلام: كذب كعب لكن اشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يوم لأنه
أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب فقال بأمر الله تعالى للملائكة
الموكلين بالشمس ردوها علي فردت فصلى العصر في وقتها وان الأنبياء لا يظلمون
ولا يأمرون بالظلم لأنهم معصومون مطهرون. (مجمع البيان)
وفي تفسير الصافي ان المراد من المسح ان سليمان مسح ساقيه وعنقه للوضوء
الرائج في ذاك الزمان وأمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك.
وفي روايات أصحابنا انه فاته أو الوقت. (أقول) ويؤيده انه ليس
في الآية لفظ الغروب للشمس، بل المذكور لفظ " توارت بالحجاب " أي توارت
وراء حائط ونحوه.
وفي الباب روايات أخر تفيد ان المراد من ضمير " توارت " " وردوها "
الخيل دون الشمس، والمراد من مسح سوقها وأعناقها ما هو ظاهر من اللفظ أي
انه عليه السلام مسح سوق الخيل وأعناقها حبا لها وجعلها مسبلة في سبيل الله. ج. ز
235

ولد منها ابن وكان يحبه فنزل ملك الموت على سليمان وكان كثيرا ما ينزل عليه
فنظر إلى ابنه نظرا حديدا، ففزع سليمان من ذلك فقال لامه: إن ملك الموت
نظر إلى ابني نظرة أظنه قد أمر بقبض روحه، فقال الجن والشياطين هل لكم
حيلة في أن تفروه من الموت، فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت عين الشمس في
المشرق، فقال سليمان ان ملك الموت يخرج ما بين المشرق والمغرب، فقال واحد
منهم أنا أضعه في الأرض السابعة، فقال إن ملك الموت يبلغ ذلك، فقال آخر:
أنا أضعه في السحاب والهواء فرفعه ووضعه في السحاب، فجاء ملك الموت فقبض
روحه في السحاب فوقع جسده ميتا (1) على كرسي سليمان فعلم أنه قد أخطأ
فحكى الله ذلك في قوله (وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لي
وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي انك أنت الوهاب فسخرنا له الريح تجري
بأمره رخاءا حيث أصاب) والرخاء اللينة (والشياطين كل بناء وغواص) اي في
البحر (وآخرين مقرنين في الأصفاد) يعني مقيدين قد شد بعضهم إلى بعض وهم
الذين عصوا سليمان عليه السلام حين سلبه الله عز وجل ملكه.
وقال الصادق عليه السلام: جعل الله عز وجل ملك سليمان في خاتمه فكان إذا لبسه
حضرته الجن والإنس والشياطين وجميع الطير والوحش وأطاعوه فيقعد على كرسيه
وبعث الله عز وجل رياحا تحمل الكرسي بجميع ما عليه من الشياطين والطير

(1) وفي تفسير مجمع البيان عن أبي عبد الله عليه السلام انه لما ولد لسليمان ابن
قال بعض الجن والشياطين ان عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء،
فأشفق سليمان منهم عليه فاسترضعه في المزن فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه
ميتا تنبيها على أن الحذر لا ينفع عن القدر فإنما عوتب على خوفه من الشياطين. ج. ز
236

والانس والدواب والخيل فتمر بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان عليه السلام،
وكان يصلي الغداة بالشام ويصلي الظهر بفارس، وكان يأمر الشياطين ان تحمل
الحجارة من فارس يبيعونها بالشام، فلما مسح أعناق الخيل وسوقها بالسيف سلبه
الله ملكه، وكان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من يخدمه فجاء شيطان
فخدع خادمه واخذ منه الخاتم، ولبسه فخرت عليه الشياطين والجن والانس والطير
والوحش وخرج سليمان في طلب الخاتم فلم يجده فهرب ومر على ساحل البحر
وأنكرت بنو إسرائيل الشيطان الذي تصور في صورة سليمان وصاروا إلى أمه
وقالوا لها أتنكرين من سليمان شيئا؟ فقالت كان أبر الناس بي وهو اليوم يبغضني
وصاروا إلى جواريه ونسائه وقالوا أتنكرين من سليمان شيئا؟ قلن كان لم يكن
يأتينا في الحيض، فلما خاف الشيطان ان يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر، فبعث الله
سمكة فالتقمته وهرب الشيطان، فبقوا بنو إسرائيل يطلبون سليمان أربعين يوما.
وكان سليمان يمر على ساحل البحر يبكي ويستغفر الله تائبا إلى الله مما كان
منه فلما كان بعد أربعين يوما مر بصياد يصيد السمك فقال له أعينك على أن
تعطيني من السمك شيئا، قال نعم فأعانه سليمان فلما اصطاد دفع إلى سليمان سمكة
فاخذها فشق بطنها وذهب يغسلها فوجد الخاتم في بطنها، فلبسه فخرت عليه
الشياطين والجن والانس والطير والوحش ورجع إلى ما كان وطلب ذلك الشيطان
وجنوده الذين كانوا معه فقيدهم وحبس بعضهم في جوف الماء وبعضهم في جوف
الصخر بأسامي الله فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة.
قال ولما رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف بن برخيا وكان آصف كاتب
سليمان وهو الذي كان عنده علم من الكتاب: وقد عذرت الناس بجهالتهم
فكيف أعذرك؟ فقال: لا تعذرني ولقد عرفت الشيطان الذي اخذ خاتمك وأباه
وأمه وعمه وخاله ولقد قال لي اكتب لي فقلت له ان قلمي لا يجري بالجور، فقال
237

اجلس ولا تكتب فكنت اجلس ولا اكتب شيئا ولكن أخبرني عنك يا سليمان
صرت تحب الهدهد وهو أخس الطير منتنا وأنتنه ريحا؟ قال إنه يبصر الماء من
وراء الصفا الأصم، قال وكيف يبصر الماء من وراء الصفا وإنما يوارى عنه الفخ
بكف من تراب حتى يؤخذ بعنقه! فقال سليمان قف يا وقاف! انه إذا جاء القدر
حال دون البصر (1).
قال: وحدثني أبي عن أبي بصير عن ابان عن أبي حمزة عن الأصبغ بن
نباتة عن أمير المؤمنين (ع) قال: خرج سليمان بن داود من بيت المقدس ومعه
ثلاثمائة الف كرسي عن يمينه عليها الانس وثلاثمائة الف كرسي عن يساره عليها
الجن وأمر الطير فأظلتهم وأمر الريح فحملتهم حتى ورد إيوان كسرى في المدائن
ثم رجع فبات فاضطجع ثم غدا فانتهى إلى مدينة تركاوان (م) (بركاوان ك)
ثم امر الريح فحملتهم حتى كادت أقدامهم يصيبها الماء وسليمان على عمود منها
فقال بعضهم لبعض هل رأيتم ملكا قط أعظم من هذا وسمعتم به فقالوا ما رأينا
ولا سمعنا بمثله فنادى ملك من السماء ثواب تسبيحة واحدة في الله أعظم مما رأيتم.
وحدثني أبي عن أحمد بن محمد عن أبي نصر (بصيرط) عن عبد الله بن القاسم عن
أبي خالد القماط عن أبي عبد الله (ع) قال قالت بنو إسرائيل لسليمان استخلف علينا
ابنك، فقال لهم إنه لا يصلح لذلك فألحوا عليه فقال: إني أسائله عن مسائل فان
أحسن الجواب فيها استخلفه ثم سأله فقال يا بني ما طعم الماء وطعم الخبز، ومن

(1) قال في تفسير الصافي: هذا قول العامة الراوين لتلك القصة فالرواية
وردت تقية، وقال في المجمع " ان جميع ذلك مما لا يعول عليه لان النبوة لا تكون
في الخاتم ولا يجوز ان يسلبها الله ولا ان يمكن الشيطان من التمثل بصورة النبي
والقعود على سريره والحكم بين عباده. ج. ز
238

أي شئ ضعف الصوت وشدته؟ وأين موضع العقل من البدن؟ ومن أي شئ
القساوة والرقة؟ ومم تعب البدن ودعته؟ ومم تكسب البدن وحرمانه؟ فلم يجبه
بشئ منها، فقال أبو عبد الله (ع): طعم الماء الحياة وطعم الخبز القوة وضعف
الصوت وشدته من شحم الكليتين وموضع العقل الدماغ، ألا ترى ان الرجل إذا
كان قليل العقل قيل له ما أخف دماغك والقسوة والرقة من القلب وهو قوله:
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، وتعب البدن ودعته من القدمين إذا تعبا في
المشي يتعب البدن وإذا أودعا البدن وتكسب البدن وحرمانه من اليدين
إذا عمل بهما ردتا على البدن وإذا لم يعمل بهما لم تردا على البدن شيئا.
قوله: (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه اني مسني الشيطان بنصب
وعذاب) قال فإنه حدثني أبي عن ابن فضال عن عبد الله بن بحر (محبوب ط) عن ابن مسكان
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن بلية أيوب (ع) التي ابتلي
بها في الدنيا لأي علة كانت؟ قال لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا وأدى شكرها
وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس من دون العرش فلما صعد ورأي شكر
نعمة أيوب حسده إبليس وقال يا رب ان أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا
بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة ابدا فسلطني على
دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدى إليك شكر نعمة ابدا، فقيل له قد سلطتك على ماله
وولده قال فانحدر إبليس فلم يبق له مالا وولدا إلا أعطبه فازداد أيوب شكرا لله
وحمدا قال فسلطني على زرعه، قال قد فعلت فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق
فازداد أيوب لله شكرا وحمدا فقال يا رب! سلطني على غنمه، فسلطه على غنمه
فأهلكها فازداد أيوب لله شكرا وحمدا وقال يا رب سلطني على بدنه فسلطه على
بدنه ما خلا عقله وعينه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه
239

فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود (1) وكانت
تخرج من بدنه فيردها ويقول لها ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه ونتن
حتى أخرجه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية وكانت امرأته
رحيمة بنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين
وعليها تتصدق من الناس وتأتيه بما تجده، قال فلما طال عليه البلاء ورأي إبليس
صبره اتى أصحابا له كانوا رهبانا في الجبال وقال لهم: مروا بنا إلى هذا العبد
المبتلى ونسأله عن بليته فركبوا بغالا شهبا وجاؤا فلما دنوا منه نفرت بغالهم من
نتن ريحه فقرنوا بعضا إلى بعض ثم مشوا إليه وكان فيهم شاب حدث السن
فقعدوا إليه، فقالوا: يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله كان يهلكنا إذا سألناه (2)
وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تستره؟
فقال أيوب: وعزة ربي انه ليعلم اني ما اكلت طعاما إلا ويتيم أو ضيف يأكل

(1) هذه الرواية أيضا محمولة على التقية لعدم استقامتها على قواعد الامامية
الذين يقولون بتنزه المعصومين عن الرذائل الخلقية والخلقية مع ما ورد في الاخبار
ما يرده. ففي قصص الأنبياء للسيد الجزائري عن أبي عبد الله عليه السلام: ان
أيوب عليه السلام مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة،
ولا خرجت منه مدة دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه
أحد شاهده، ولا تدود شئ من جسده، وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من
يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه (ص 234).
وفي تفسير الصافي (ص‍ 450) عن الصادقين عليهما السلام: ان أيوب عليه السلام
ابتلي بغير ذنب سبع سنين وان الأنبياء معصومون لا يذنبون ولا يزيغون ولا
يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا.
(2) هكذا في النسخة والأولى " فعلناه " ج. ز
240

معي وما عرض لي أمران كلاهما طاعة لله إلا أخذت بأشدهما على بدني، فقال الشاب
سوأة لكم عمدتم إلى نبي الله فعيرتموه حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يسترها،
فقال أيوب: يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجتي فبعث الله إليه
غمامة فقال: أيوب أدلني بحجتك فقد أقعدتك مقعد الحكم وها أنا ذا قريب
ولم أزل فقال يا رب انك لتعلم انه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا
أخذت بأشدهما على نفسي ألم أحمدك ألم أشكرك ألم أسبحك؟ قال: فنودي من
الغمامة بعشرة الف لسان يا أيوب من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون وتحمده
وتسبحه وتكبره والناس عنه غافلون أتمن على الله بما لله فيه المنة عليك؟ قال:
فاخذ أيوب التراب فوضعه في فيه ثم قال لك العتبى يا رب أنت فعلت ذلك بي،
فأنزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان
وأطرأ وأنبت الله عليه روضة خضراء ورد عليه أهله وماله وولده وزرعه وقعد
معه الملك يحدثه ويؤنسه.
فأقبلت امرأته معها الكسر، فلما انتهت إلى الموضع إذ الموضع متغير
وإذا رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت يا أيوب ما دهاك فناداها أيوب،
فأقبلت فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله شكرا فرأى ذؤابتها
مقطوعة وذلك انها سألت قوما ان يعطوها ما تحمله إلى أيوب من الطعام وكانت
حسنة الذوايب فقالوا لها تبيعينا ذوائبك هذه حتى نعطيك فقطعتها ودفعتها إليهم
واخذت منهم طعاما لأيوب، فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها ان
يضربها مائة سوط فأخبرته انه كان سببه كيت وكيت فاغتم أيوب من ذلك فأوحى
الله إليه (فخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) فاخذ مائة شمراخ فضربها ضربة
واحدة فخرج من يمينه
ثم قال: (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب)
241

قال: فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء ورد عليه أهله الذين ماتوا بعدما
أصابه البلاء كلهم أحياهم الله تعالى، فعاشوا معه، وسئل أيوب بعدما عافاه الله
أي شئ كان أشد عليك مما مر عليك؟ قال: شماتة الأعداء قال فأمطر الله عليه
في داره فراش الذهب وكان يجمعه فإذا ذهب الريح منه بشئ عدا خلفه فرده،
فقال له جبرئيل: أما تشبع يا أيوب؟ قال: ومن يشبع من رزق ربه ثم قال:
(واذكر - يا محمد - عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والابصار) يعني
أولي القوة وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (أولي الأيدي
والابصار) يعني اولي القوة في العبادة والصبر (البصر ط) فيها وقوله: (إنا أخلصناهم بخالصة
ذكرى الدار) يقول إن الله اصطفاهم بذكر الآخرة واختصهم بها.
قال علي بن إبراهيم ثم ذكر الله المتقين وما لهم عند الله فقال: (هذا ذكر
وان للمتقين لحسن مآب - إلى قوله - قاصرات الطرف أتراب) يعني الحور العين
يقصر الطرف عنها والبصر من صفائها مع ما حكى الله من قول أهل الجنة (ان هذا
لرزقنا ماله من نفاد) اي لا ينفذ ولا يفنى (هذا وان للطاغين لشر مآب جهنم
يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميم وغساق) قال الغساق واد في جهنم فيه
ثلاثمائة وثلاثون قصرا في كل قصر ثلاثمائة بيت في كل بيت أربعون زاوية في
كل زاوية شجاع (1) في كل شجاع ثلاثمائة وثلاثون عقربا في جمجمة كل عقرب
ثلاثمائة وثلاثون قلة من سم لو أن عقربا منها نضحت سمها على أهل جهنم لوسعتهم
بسمها (هذا وان للطاغين لشر مآب) وهم زريق وحبتر وبنو أمية ثم ذكر من
كان من بعدهم ممن غصب آل محمد حقهم فقال: (وآخر من شكله أزواج هذا
فوج مقتحم معكم) وهم بنو السباع (2)، ويقولون بنو أمية (لا مرحبا بهم انهم

(1) ضرب من الحيات.
(2) انه مقلوب " بنو العباس ". ج ز
242

صالوا النار) فيقولون بنو فلان (بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا) وبدأتم
بظلم آل محمد (فبئس القرار) ثم يقول بنو أمية (ربنا من قدم لنا هذا فزده
عذابا ضعفا في النار) يعنون الأولين ثم يقول أعداء آل محمد في النار (ما لنا
لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار) في الدنيا وهم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام
(اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار) ثم قال: (إن ذلك لحق تخاصم أهل
النار) فيما بينهم وذلك قول الصادق عليه السلام: والله انكم لفي الجنة تحبرون وفي
النار تطلبون.
ثم قال عز وجل: يا محمد (قل هو نبأ عظيم) يعني أمير المؤمنين عليه السلام (أنتم
عنه معرضون ما كان لي من علم بالملأ الاعلى - إلى قوله - مبين) قال فإنه حدثني
خالد عن الحسن بن محبوب عن محمد بن يسار (سيار عن ط) عن مالك الأسدي عن إسماعيل الجعفي
قال كنت في المسجد الحرام قاعدا وأبو جعفر عليه السلام في ناحية فرفع رأسه فنظر
إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ثم قال: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من
المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وكرر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إلي فقال:
أي شئ يقولون أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟ قلت يقولون أسرى به من
المسجد الحرام إلى البيت المقدس فقال: لا ليس كما يقولون، ولكنه أسرى به
من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السماء وقال ما بينهما حرم، قال فلما انتهى به
إلى سدرة المنتهى تخلف عنه جبرئيل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل في هذا
الموضع تخذلني؟ فقال تقدم أمامك فوالله لقد بلغت مبلغا لم يبلغه أحد من خلق
الله قبلك فرأيت من نور ربي وحال بيني وبينه السبخة (التسبيحة ط)، قلت: وما السبخة
جعلت فداك؟ فأومئ بوجهه إلى الأرض وأومى بيده إلى السماء وهو يقول جلال
ربي ثلاث مرات، قال يا محمد! قلت: لبيك يا رب قال فيم اختصم الملا الاعلى
243

قال قلت سبحانك لا علم لي إلا ما علمتني قال فوضع يده - اي يد القدرة - (1)
بين ثديي فوجدت بردها بين كتفي قال فلم يسألني عما مضى ولا عما بقي إلا علمته
قال: يا محمد فيم اختصم الملا الاعلى؟ قال قلت: يا رب في الدرجات والكفارات
والحسنات فقال: يا محمد قد انقضت نبوتك وانقطع اكلك فمن وصيك؟ فقلت
يا رب قد بلوت خلقك فلم أر من خلقك أحدا أطوع لي من علي؟ فقال ولي يا محمد
فقلت يا رب اني قد بلوت خلقك فلم أر في خلقك أحدا أشد حبا لي من علي بن
أبي طالب عليه السلام قال: ولي يا محمد، فبشره بأنه راية الهدى وإمام أوليائي ونور
لمن أطاعني والكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد
أبغضني، مع ما اني أخصه بما لم أخص به أحدا، فقلت يا رب أخي وصاحبي
ووزيري ووارثي، فقال إنه امر قد سبق انه مبتلى ومبتلى به مع ما اني قد نحلته
ونحلته ونحلته ونحلته أربعة أشياء عقدها بيده ولا يفصح بها عقدها.
ثم حكى خبر إبليس فقال عز وجل: (إذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا
من طين) وقد كتبنا خبر آدم وإبليس في موضعه، حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت
قال حدثنا القاسم (2) بن محمد عن إسماعيل الهاشمي عن محمد بن يسار (سيار ط) عن الحسن بن
المختار عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لو أن الله خلق الخلق كلهم بيده لم
يحتج في آدم انه خلقه بيده فيقول " ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي " أفترى
الله يبعث الأشياء بيده، وقال علي بن إبراهيم في قوله: خلقتني من نار وخلقته
من طين) قال فإنه حدثني أبي عن سعيد بن أبي سعيد عن إسحاق بن حريز قال
قال أبو عبد الله عليه السلام: أي شئ يقول أصحابك في قول إبليس خلقتني من نار
وخلقته من طين؟ قلت جعلت فداك قد قال ذلك وذكره الله في كتابه قال كذب

(1) وهذا كاطلاق اليد في الآية الشريفة " يد الله فوق أيديهم " ج. ز
(2) وفى ط هكذا: محمد بن أحمد بن ثابت حدثنا القسم بن إسماعيل الهاشمي عن
244

إبليس لعنه الله يا إسحاق ما خلقه الله إلا من طين، ثم قال: قال الله: الذي جعل لكم
من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون خلقه الله من تلك النار والنار من
تلك الشجرة والشجرة أصلها من طين، أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا احمد
ابن محمد عن محمد بن يونس عن رجل عن أبي عبد الله (ع) في قول الله تبارك
وتعالى (فانظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم)
قال يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله على الصخرة التي في بيت المقدس.
قال علي بن إبراهيم ثم قال لإبليس لعنه الله لما قال (فبعزتك لأغوينهم أجمعين
إلا عبادك منهم المخلصين) فقال الله (فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك
ومن تبعك منهم أجمعين) حدثنا سعيد بن محمد بن بكر بن سهل عن عبد الغنى
عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس في قوله: (قل
- يا محمد - ما أسألكم عليه من أجر) أي على ما أدعوكم إليه من مال تعطونيه
(وما أنا من المتكلفين) يريد ما أتكلف هذا من عندي (إن هو إلا ذكر) يريد
موعظة (للعالمين) يريد الخلق أجمعين (ولتعلمن) يا معشر المشركين (نبأه بعد
حين) يريد عند الموت وبعد الموت يوم القيامة.
سورة الزمر مكية
آياتها خمس وسبعون
(بسم الله الرحمن الرحيم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) ثم خاطب
الله نبيه فقال: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله
الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)
وهذا مما ذكرناه ان لفظه خبر ومعناه حكاية وذلك أن قريشا قالت إنما نعبد
الأصنام ليقربونا إلى الله زلفى فانا لا نقدر ان نعبد الله حق عبادته، فحكى الله
245

قولهم على لفظ الخبر ومعناه حكاية عنهم فقال الله: (ان الله يحكم بينهم فيما هم
فيه يختلفون) ثم رد الله على الذين قالوا اتخذ الرحمن ولدا فقال الله (لو أراد الله
ان يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار - إلى قوله -
يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) يعنى يغطي ذا على ذا وذا على ذا
ثم خاطب الله الخلق فقال (خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها) يعنى آدم
وزوجته حواء (وأنزل لكم) يعنى خلق لكم (من الانعام ثمانية أزواج) وهي
التي فسرناها في سورة الأنعام (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في
ظلمات ثلاث) قال الظلمات الثلاث البطن والرحم والمشيمة (ذلكم الله ربكم له الملك
لا إله إلا هو فأنى تصرفون قوله تعالى (ان تكفروا فان الله غني عنكم ولا يرضى
لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم) فهذا كفر النعم قوله: (وإذا مس
الانسان ضر دعا ربه منيبا إليه - إلى قوله - وجعل الله أندادا) أي شركاء قوله
(قل تمتع بكفرك قليلا انك من أصحاب النار نزلت في أبي فلان ثم قال (أمن
هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة نزلت في أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام (ويرجو رحمة ربه) قل يا محمد هل يستوي الذين يعلمون والذين
لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب) يعنى اولي العقول وقوله: (لهم من فوقهم
ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) يعنى يظل عليهم النار من فوقهم ومن تحتهم.
وقوله: (لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف - إلى قوله -
الميعاد) قال: فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن محمد بن إسحاق عن
أبي جعفر (ع) قال: سأل علي (ع) رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير هذه الآية
فقال: لماذا بنيت هذه الغرف يا رسول الله؟ فقال: يا علي تلك غرف بناها الله
لأوليائه بالدر والياقوت والزبرجد سقوفها الذهب محبوكة بالفضة لكل غرفة منها
الف باب من ذهب على كل باب منها ملك موكل به وفيها فرش مرفوعة بعضها
246

فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة وحشوها المسك والعنبر والكافور
وذلك قول الله وفرش مرفوعة، فإذا دخل المؤمن إلى منازله في الجنة وضع على
رأسه تاج الملك والكرامة وألبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر منظوما
في الإكليل تحت التاج وألبس سبعين حلة بألوان مختلفة منسوجة بالذهب والفضة
واللؤلؤ والياقوت الأحمر وذلك قوله يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا
ولباسهم فيها حرير، فإذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحا فإذا استقرت
لولي الله منازله في الجنة استأذن عليه الملك الموكل بجنانه ليهنيه بكرامة الله إياه فيقول
له حدام المؤمن ووصفاؤه مكانك فان ولي الله قد اتكأ على أرائكه وزوجته
الحوراء العيناء قد هيئت له فاصبر لولي الله حتى يفرغ من شغله، قال: فتخرج
عليه زوجته الحوراء من خيمتها تمشي مقبلة وحولها وصفاؤها تحنيها عليها
سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد صبغن بمسك وعنبر وعلى رأسها تاج
الكرامة وفي رجليها نعلان من ذهب مكللان بالياقوت واللؤلؤ وشراكهما ياقوت
احمر فإذا أدنيت من ولي الله وهم ان يقوم إليها شوقا تقول له يا ولي الله ليس
هذا يوم تعب ولا نصب فلا تقم أنا لك وأنت لي فيعتنقان قدر خمسمائة عام من
أعوام الدنيا لا يملها ولا تمله، قال فينظر إلى عنقها فإذا عليها قلادة من قصب ياقوت
احمر وسطها لوح مكتوب أنت يا ولي الله حبيبي وأنا الحوراء حبيبتك إليك
تباهت نفسي وإلي تباهت نفسك ثم يبعث الله الف ملك يهنونه بالجنة
ويزوجونه الحوراء.
قال: فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون الملك الموكل بأبواب
الجنان استأذن لنا على ولي الله فان الله بعثنا مهنئين، فيقول الملك حتى أقول
للحاجب فيعلمه مكانكم، قال: فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه وبين الحاجب
ثلاث جنان حتى ينتهي إلى أول باب فيقول للحاجب ان على باب الغرفة الف
247

ملك أرسلهم رب العالمين جاؤوا يهنئون ولي الله وقد سألوا ان استأذن لهم عليه
فيقول له الحاجب انه ليعظم علي ان استأذن لاحد على ولي الله وهو مع زوجته
قال: وبين الحاجب وبين ولي الله جنتان فيدخل الحاجب على القيم فيقول له ان
على باب الغرفة الف ملك أرسلهم رب العالمين يهنئون ولي الله فاستأذن لهم،
فيقوم القيم إلى الخدام فيقول لهم ان رسل الجبار على باب العرصة وهم الف ملك
أرسلهم يهنئون ولي الله فأعلمهم مكانهم، قال فيعلمونه الخدام مكانهم قال: فيأذن
لهم فيدخلون على ولي الله وهو في الغرفة ولها الف باب وعلى كل باب من أبوابها
ملك موكل به فإذا أذن للملائكة بالدخول على ولي الله فتح كل ملك بابه الذي
قد وكل به فيدخل كل ملك من باب من أبواب الغرفة فيبلغونه رسالة الجبار،
وذلك قول الله: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب " يعنى من أبواب الغرفة
" سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " وذلك قوله: " وإذا رأيت ثم رأيت
نعيما وملكا كبيرا " يعنى بذلك ولي الله وما هو فيه من الكرامة والنعيم والملك
العظيم وان الملائكة من رسل الجبار ليستأذنون عليه فلا يدخلون عليه إلا باذنه
فذلك الملك العظيم والأنهار تجري من تحتها.
قوله: (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه) قال نزلت
في أمير المؤمنين (ع) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله:
(قل ان الخاسرين الذين خسروا أنفسهم) يقول غبنوا أنفسهم (وأهليهم يوم
القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) قوله: (ألم تر ان الله انزل من السماء ماء
فسلكه ينابيع في الأرض) والينابيع هي العيون والركايا مما انزل الله من السماء
فأسلكه في الأرض (ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج) بذلك حتى يصفر
(ثم يجعله حطاما) والحطام إذا يبست وتفتت.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون)
248

فإنه مثل ضربه الله لأمير المؤمنين عليه السلام وشركائه الذين ظلموه وغصبوه حقه وقوله
" متشاكسون " أي متباغضون قوله (ورجلا سلما لرجل) أمير المؤمنين عليه السلام
سلم لرسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال (هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون)
ثم عزى نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (إنك ميت وانهم ميتون ثم انكم يوم القيامة عند
ربكم تختصمون) يعني أمير المؤمنين عليه السلام ومن غصبه حقه ثم ذكر أيضا أعداء
آل محمد ومن كذب على الله وعلى رسوله وادعى ما لم يكن له فقال: (فمن أظلم الجزء (24)
ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه) يعني بما جاء به رسول الله من الحق
وولاية أمير المؤمنين (ع)، ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين (ع)
فقال: (والذي جاء بالصدق صدق به) يعني أمير المؤمنين (ع) (أولئك هم
المتقون) وقوله: (أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه) يعني
يقولون لك يا محمد اعفنا من علي ويخوفونك انهم يلحقون بالكفار.
وقوله: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) قال فإنه
حدثني أبي عن أبي هشام عن داود بن القاسم الجعفري عن أبي جعفر محمد بن علي
ابن موسى (ع) قال: كان أمير المؤمنين (ع) في المسجد وعنده الحسن بن علي
عليهما السلام وأمير المؤمنين (ع) متكئ على يد سلمان، فاقبل رجل حسن اللباس
فسلم على أمير المؤمنين (ع) فرد عليه مثل سلامه وجلس، فقال يا أمير المؤمنين
أسألك عن ثلاث مسائل ان أخبرتني بها علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما ليس
لهم وخرجوا من دينهم وصاروا بذلك غير مؤمنين في الدنيا ولا خلاق لهم في
الآخرة، وان تكن الأخرى علمت أنك وهم شرع سواء، فقال له أمير المؤمنين
عليه السلام سل عما بدا لك، فقال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟
فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام فقال: يا أبا محمد أجبه فقال: أما
ما سألت عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه فان الروح متعلقة بالريح والريح
249

متعلقة بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها، فان أذن الله بالرد عليه جذبت تلك
الروح تلك الريح وجذبت تلك الريح ذلك الهواء فاستكنت الروح في بدن صاحبها
وإن لم يأذن برد تلك الروح على صاحبها جذب الهواء الريح وجذبت الريح الروح
فلم يردها إلى صاحبها إلى وقت ما يبعث، وقد مضى ذكر السؤالات الثلاثة قوله
(أم اتخذوا من دون الله شفعاء) يعني الأصنام ليشفعوا لهم يوم القيامة وقالوا
ان فلانا وفلانا يشفعون لنا عند الله يوم القيامة وقوله (قل لله الشفاعة جميعا)
قال: لا يشفع أحد إلا بإذن الله تعالى قوله (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب
الذين لا يؤمنون بالآخرة - إلى قوله - إذا هم يستبشرون) فإنها نزلت في فلان
وفلان فلان وقوله (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله
يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) قال: نزلت في شيعة أمير المؤمنين
عليه السلام خاصة.
حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا عبد الكريم عن محمد بن علي عن محمد
ابن الفضيل عن أبي حمزة قال قال أبو جعفر عليه السلام: لا يعذر الله يوم القيامة أحدا
يقول: يا رب لم اعلم أن ولد فاطمة عليها السلام هم الولاة على الناس كافة، وفي
شيعة ولد فاطمة انزل الله هذه الآية خاصة " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم
لا تقنطوا من رحمة الله " (1) الآية.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وأنيبوا إلى ربكم) أي توبوا (واسلموا
له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من
ربكم) من القرآن وولاية أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة عليهم السلام، والدليل على

(1) لابد من تخصيصها بما لم يكن هذا الاسراف مثل قتل النفس المحترمة
أو عقوق الوالدين. ج. ز
250

ذلك قول الله عز وجل (ان تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) الآية
قال في الامام لقول الصادق عليه السلام: نحن جنب الله ثم قال: (أو تقول حين ترى
العذاب لو أن لي كرة) الآية فرد الله عليهم فقال (بلى قد جاءتك آياتي فكذبت
بها) يعني الآيات الأئمة عليهم السلام (فاستكبرت وكنت من الكافرين) يعني بالله
قوله: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) فإنه حدثني
أبي عن ابن أبي عمير عن أبي المعزا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من ادعى انه إمام
وليس بامام يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة، قلت وإن كان
علويا فاطميا؟ قال وإن كان علويا فاطميا وقوله: (أليس في جهنم مثوى
للمتكبرين) قال: فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن بكير عن
أبي عبد الله عليه السلام قال إن في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر شكا إلى الله شدة
حره سأله ان يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم وقوله: (له مقاليد السماوات
والأرض) يعنى مفاتيح السماوات والأرض ثم خاطب الله نبيه فقال (ولقد أوحي
إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)
فهذه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى لامته وهو ما قال الصادق عليه السلام: إن الله تعالى
بعث نبيه بإياك أعني واسمعي يا جارة والدليل على ذلك قوله (بل الله فاعبد وكن
من الشاكرين) وقد علم أن نبيه صلى الله عليه وآله يعبده ويشكره ولكن استعبد نبيه
بالدعاء إليه تأديبا لامته.
حدثنا جعفر بن أحمد عن عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن
محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن قول الله لنبيه
" لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " قال: تفسيرها لئن
أمرت بولاية أحد مع ولاية علي من بعدك ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وما قدروا الله حق قدره) قال: نزلت
251

في الخوارج (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) أي
بقوته قوله: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من
شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن
محبوب عن محمد بن النعمان الأحول عن سلام بن المستنير عن ثوير بن أبي فاختة
عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: سئل عن النفختين كم بينهما؟ قال: ما شاء
الله، فقيل له فأخبرني يا بن رسول الله كيف ينفخ فيه؟ فقال: أما النفخة الأولى
فان الله يأمر إسرافيل فيهبط إلى الأرض ومعه الصور وللصور رأس واحد وطرفان
وبين طرف كل رأس منهما ما بين السماء والأرض قال: فإذا رأت الملائكة إسرافيل
وقد هبط إلى الدنيا ومعه الصور قالوا: قد أذن الله في موت أهل الأرض وفي
موت أهل السماء، قال: فيهبط إسرافيل بحظيرة بين المقدس ويستقبل الكعبة
فإذا رأوه أهل الأرض قالوا: قد أذن الله في موت أهل الأرض، قال: فينفخ
فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي أهل الأرض فلا يبقى في الأرض
ذو روح إلا صعق ومات، ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي أهل السماوات
فلا يبقى في السماوات ذو روح إلا صعق ومات إلا إسرافيل فيمكثون في ذلك ما شاء الله، قال: فيقول الله
لإسرافيل: يا إسرافيل مت فيموت إسرافيل، فيمكثون في ذلك ما شاء الله ثم
يأمر الله السماوات فتمور ويأمر الجبال فتسير وهو قوله: " يوم تمور السماء
مورا وتسير الجبال سيرا " يعني تبسط وتبدل الأرض غير الأرض يعني بأرض
لم تكسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أول مرة ويعيد
عرشه على الماء كما كان أول مرة مستقلا بعظمته وقدرته، قال: فعند ذلك ينادي
الجبار جل جلاله بصوت من قبله جهوري يسمع أقطار السماوات والأرضين
" لمن الملك اليوم! " فلا يجيبه مجيب فعند ذلك يقول الجبار مجيبا لنفسه " لله
الواحد القهار وأنا قهرت الخلايق كلهم وأمتهم إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي
252

لا شريك لي ولا وزير لي وانا خلقت خلقي بيدي وانا أمتهم بمشيتي وانا أحييهم
بقدرتي " قال: فينفخ الجبار نفخة في الصور فيخرج الصوت من أحد الطرفين
الذي يلي السماوات فلا يبقى في السماوات أحد إلا حيى وقام كما كان ويعود حملة
العرش وتحضر الجنة والنار وتحشر الخلائق للحساب، قال: فرأيت علي بن
الحسين عليهما السلام يبكي عند ذلك بكاءا شديدا قال: وحدثني أبي عن
ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أراد الله
ان يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال ونبتت
اللحوم وقال اتى جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله فاخذ بيده وأخرجه إلى البقيع فانتهى
به إلى قبر فصوت بصاحبه فقال: قم بإذن الله فخرج منه رجل ابيض الرأس
واللحية يمسح التراب عن وجهه وهو يقول: الحمد لله والله أكبر، فقال جبرئيل
عد بإذن الله ثم انتهى به إلى قبر آخر فقال: قم بإذن الله فخرج منه رجل مسود
الوجه وهو يقول: يا حسرتاه يا ثبوراه ثم قال له جبرئيل: عد إلى ما كنت فيه
بإذن الله، فقال: يا محمد! هكذا يحشرون يوم القيامة فالمؤمنون يقولون هذا
القول وهؤلاء يقولون ما ترى.
قوله: (وأشرقت الأرض بنور ربها) حدثنا محمد بن أبي عبد الله عليه السلام
قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثني القاسم بن الربيع قال: حدثني صباح
المدائني قال: حدثنا المفضل بن عمر انه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول في قوله:
" وأشرقت الأرض بنور ربها " قال رب الأرض يعني إمام الأرض، فقلت:
فإذا خرج يكون ماذا؟ قال: إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر
ويجتزون بنور الامام.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء)
قال الشهداء الأئمة عليهم السلام والدليل على ذلك قوله في سورة الحج " ليكون
253

الرسول شهيدا عليكم وتكونوا أنتم - يا معشر الأئمة - شهداء على الناس " وقوله
(وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) أي جماعة (حتى إذا جاؤها وفتحت
أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم) أي طابت مواليدكم لأنه لا يدخل الجنة
إلا طيب المولد (فادخلوها خالدين) قال أمير المؤمنين عليه السلام إن فلانا وفلانا غصبونا
حقنا واشتروا به الإماء وتزوجوا به النساء ألا وإنا قد جعلنا شيعتنا من ذلك في
حل لتطيب مواليدهم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (الحمد
لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء) يعنى ارض
الجنة، وقال علي بن إبراهيم حدثني أبي قال: حدثنا إسماعيل بن همام عن أبي الحسن
عليه السلام قال: لما حضر علي بن الحسين عليهما السلام الوفاة أغمي عليه ثلاث مرات،
فقال في المرة الأخيرة الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة
حيث نشاء فنعم أجر العاملين ثم توفي عليه السلام قال ثم قال الله (وترى الملائكة حافين
من حول العرش) أي محيطين حول العرش (يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم
بالحق) كناية عن أهل الجنة والنار وهذا مما لفظه ماض ومعناه مستقبل (وقيل
الحمد لله رب العالمين)
سورة المؤمن مكية
آياتها خمس وثمانون
(بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر
الذنب وقابل التوب) وذلك خاصة لشيعة أمير المؤمنين (ع) (ذي الطول لا إله
إلا هو إليه المصير) وقوله (ما يجادل في آيات الله) وهم الأئمة (ع) (إلا الذين
كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من
بعدهم) أصحاب الأنبياء الذين تحزبوا (وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه) يعني
254

يقتلوه (وجادلوا بالباطل) أي خاصموا (ليدحضوا به الحق) أي يبطلوه ويدفعوه
(فأخذتهم فكيف كان عقاب) وقوله: (الذين يحملون العرش ومن حوله - إلى
قوله - وذلك هو الفوز العظيم) قال: فحدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان
ابن داود المنقري عن حماد عن أبي عبد الله (ع) انه سئل هل الملائكة أكثر أم
بنو آدم فقال: والذي نفسي بيده لعدد ملائكة الله في السماوات أكثر من عدد
التراب في الأرض، وما في السماء موضع قدم إلا وفيها ملك يسبحه ويقدسه ولا
في الأرض شجرة ولا مدر إلا وفيها ملك موكل بها يأتي الله كل يوم بعملها والله
أعلم بها، وما منهم أحد إلا ويتقرب كل يوم إلى الله بولايتنا أهل البيت ويستغفر
لمحبينا ويلعن أعداءنا ويسأل الله ان يرسل عليهم العذاب إرسالا
حدثنا محمد بن عبد الله الحميري عن أبيه عن محمد بن الحسين ومحمد بن
عبد الجبار جميعا عن محمد بن سنان عن المنخل بن خليل الرقي عن جابر عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله: (وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا انهم أصحاب
النار) يعنى بنى أمية وقوله: (الذين يحملون العرش) يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله
والأوصياء من بعده يحملون علم الله (ومن حوله) يعنى الملائكة (يسبحون بحمد
ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) يعنى شيعة آل محمد (ربنا وسعت
كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا) من ولاية فلان وفلان وبنى أمية
(واتبعوا سبيلك) اي ولاية علي ولي الله (وقهم عذاب الجحيم ربنا وادخلهم
جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم انك أنت العزيز
الحكيم) يعنى من تولى عليا (ع) فذلك صلاحهم (وقهم السيئات ومن تق
السيئات يومئذ فقد رحمته) يعنى يوم القيامة (وذلك هو الفوز العظيم) لمن نجاه
الله من ولاية فلان وفلان ثم قال (وإن الذين كفروا) يعنى بنى أمية (ينادون
لمفت الله أكبر من مفتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الايمان) يعنى إلى ولاية علي عليه السلام
(فتكفرون)
255

وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين - إلى
قوله - من سبيل) قال الصادق عليه السلام ذلك في الرجعة قوله (ذلكم بأنه إذا دعي
الله وحده كفرتم) أي جحدتم (وان يشرك به تؤمنوا) فالكفر ههنا الجحود
قال: إذا وحد الله كفرتم وان جعل لله شريكا تؤمنوا، أخبرنا الحسن بن محمد
عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن جعفر بن بشير عن الحكم بن زهير عن
محمد بن حمدان عن أبي عبد الله عليها السلام في قوله: " إذا دعي الله وحده كفرتم وان
يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير " يقول: إذا ذكر الله ووحد بولاية
من أمر الله بولايته كفرتم وان يشرك به من ليست له ولاية تؤمنوا بان له ولاية
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (هو الذي يريكم آياته) يعنى الأئمة الذين أخبرهم الله
رسوله صلى الله عليه وآله بهم وقوله: (رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره
على من يشاء من عباده) قال روح القدس وهو خاص لرسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة
عليهم السلام قوله: (لينذر يوم التلاق) قال يوم يلتقي أهل السماوات والأرض
ويوم التناد يوم ينادي أهل النار أهل الجنة ان أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم
الله، ويوم التغابن يوم يعير أهل الجنة أهل النار، ويوم الحسرة يوم يؤتى بالموت
فيذبح، وقوله: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) قال: فإنه حدثني أبي عن
ابن أبي عمير عن زيد البرسي عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله يقول
إذا أمات الله أهل الأرض لبث كمثل ما خلق الخلق ومثل ما أماتهم وأضعاف
ذلك، ثم أمات أهل السماء الدنيا ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل
الأرض وأهل السماء الدنيا واضعاف ذلك ثم أمات أهل السماء الثانية ثم لبث مثل ما
خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض والسماء الدنيا والسماء الثانية واضعاف ذلك
ثم أمات أهل السماء الثالثة ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض
وأهل السماء الدنيا والسماء الثانية والسماء الثالثة واضعاف ذلك في كل سماء مثل ذلك
256

وأضعاف ذلك ثم أمات ميكائيل ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله
وأضعاف ذلك ثم أمات جبرئيل ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله
وأضعاف ذلك ثم أمات إسرافيل ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله
وأضعاف ذلك ثم أمات ملك الموت ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله
وأضعاف ذلك، ثم يقول الله عز وجل: لمن الملك اليوم؟ فيرد على نفسه الله
القهار أين الجبارون؟ وأين الذين ادعوا معي إلها آخر؟ أين المتكبرون
ونحوتهم ذلك؟ ثم يبعث الخلق، قال عبيد بن زرارة فقلت: إن هذا الامر كاين
طولت ذلك؟ فقال: أرأيت ما كان هل علمت به؟ فقلت: لا، فقال: فكذلك
هذا وقوله (وأنذرهم يوم الآزفة) يعني يوم القيامة (إذ القلوب لدى الحناجر
كاطمين) قال: مغمومين مكروبين ثم قال (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع)
يعني ما ينظر إلى ما يحل له ان يقبل شفاعته، ثم كنى عز وجل عن نفسه فقال:
(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والله يقضي بالحق) ثم قال (أو لم يسيروا في
الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة
- إلى قوله - من واق) اي من دافع.
ثم ذكر موسى وقد كتبنا خبره قوله (وقال رجل مؤمن من آل فرعون
يكتم إيمانه) قال كتم إيمانه ستمائة سنة، وكان مجذوما مقفعا وهو الذي وقعت
أصابعه وكان يشير إلى قومه بيده المفقوعة، ويقول (يا قوم اتبعون أهدكم
سبيل الرشاد) وقوله (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان) يعني بغير حجة
يخاصمون (ان في صدورهم إلا كبر - إلى قوله - السميع البصير) فإنه حدثني أبي
عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي عبد الله (ع) قال: ان في النار
لنار يتعوذ منها أهل النار ما خلقت إلا لكل متكبر جبار عنيد ولكل شيطان
مريد ولكل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ولكل ناصب العداوة لآل محمد، وقال
257

ان أهون الناس عذابا يوم القيامة لرجل في ضحضاح (1) من نار عليه نعلان من
نار وشرا كان من نار يغلي منها دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن في النار أحدا
أشد عذابا منه وما في النار أحد أهون عذابا منه وقوله: (فوقاه الله سيئات
ما مكروا) يعنى مؤمن آل فرعون فقال أبو عبد الله (ع) والله لقد قطعوه إربا
إربا ولكن وقاه الله ان يفتنوه في دينه وقوله: (النار يعرضون عليها غدوا
وعشيا) قال: ذلك في الدنيا قبل القيامة وذلك أن في القيامة لا يكون غدوا
ولا عشيا، لان الغدو والعشي إنما يكون في الشمس والقمر ليس في جنان الخلد
ونيرانها شمس ولا قمر.
قال وقال رجل لأبي عبد الله (ع): ما تقول في قول الله عز وجل: النار
يعرضون عليها غدوا وعشيا؟ فقال أبو عبد الله (ع): ما تقول الناس فيها؟
فقال يقولون: إنها في نار الخلد وهم لا يعذبون فيما بين ذلك فقال (ع) فهم من
السعداء (2) فقيل له جعلت فداك فكيف هذا؟ فقال: إنما هذا في الدنيا واما في
نار الخلد فهو قوله: " ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب "
ثم ذكر قول أهل النار فقال (وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين
استكبروا - إلى قوله - من النار) فردوا عليهم فقالوا (إنا كل فيها ان الله قد
حكم بين العباد) وقوله (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) اي في بطلان وقوله
(وإنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) وهو في الرجعة إذا رجع
رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد
عن عمر بن عبد العزيز عن جميل عن أبي عبد الله (ع) قال قلت قول الله تبارك
وتعالى (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد)

(1) الماء اليسير
(2) إذ هم يستريحون من العذاب إلى يوم القيامة ج. ز
258

قال ذلك والله في الرجعة، أما علمت أن أنبياء كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا
والأئمة بعدهم قتلوا ولم ينصروا ذلك في الرجعة، وقال علي بن إبراهيم في قوله:
" ويوم يقوم الاشهاد " يعني الأئمة عليهم السلام وقوله: (وقال ربكم ادعوني
أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) فإنه
حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن ابن عيينة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى ليمن على عبده المؤمن يوم القيامة فيأمره الله ان
يدنو منه - يعني من رحمته - فيدنو حتى يضع كفه عليه ثم يعرفه ما أنعم به عليه يقول له أو لم تدعني
يوم كذا وكذا بكذا وكذا فأجبت دعوتك؟ ألم تسألني يوم كذا وكذا
فأعطيتك مسألتك؟ ألم تستغث بي يوم كذا وكذا فأغثتك؟ ألم تسأل ضرا كذا
وكذا فكشفت عنك ضرك ورحمت صوتك؟ ألم تسألني مالا فملكتك؟ ألم
تستخدمني فأخدمتك؟ ألم تسألني ان أزوجك فلانة وهي منيعة عند أهلها
فزوجناكها؟ قال فيقول العبد بلى يا رب قد أعطيتني كل ما سألتك وكنت أسألك
الجنة فيقول الله له فاني منعم لك ما سألتنيه الجنة لك مباحا أرضيتك فيقول المؤمن
نعم يا رب أرضيتني وقد رضيت، فيقول الله له عبدي اني كنت ارضى أعمالك
وإنما ارضى لك أحسن الجزاء فان أفضل جزائي عندي ان أسكنك الجنة وهو
قوله " ادعوني أستجب لكم " الآية.
وقوله: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب
العالمين) قال فإنه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود رفعة قال جاء
رجل إلى علي بن الحسين عليهما السلام فسأله عن مسائل ثم عاد ليسأل عن مثلها
فقال علي بن الحسين عليهما السلام مكتوب في الإنجيل: لا تطلبوا علم مالا تعلمون
ولما عملتم بما علمتم، فان العالم إذا لم يعمل به لم يزده من الله إلا بعدا، ثم قال
عليك بالقرآن فان الله خلق الجنة بيده لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل ملاطها
259

المسك وترابها الزعفران وحصاها اللؤلؤ وجعل درجاتها على قدر آيات القرآن فمن
قرأ القرآن قال له اقرأ وارق ومن دخل منهم الجنة لم يكن أحد في الجنة أعلى
درجة منه ما خلا النبيين والصديقين، فقال له الرجل: فما الزهد؟ قال: الزهد
عشرة أجزاء فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الرضى ألا وان الزهد في آية من
كتاب الله " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " فقال الرجل:
" لا إله إلا الله " فقال علي بن الحسين عليهما السلام: وأنا أقول لا إله إلا الله
فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله فليقل الحمد لله رب العالمين، فان الله يقول: " هو
الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين " وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا
به رسلنا - إلى قوله - كذلك يضل الله الكافرين) فقد سمى الله الكافرين مشركين
بان كذبوا بالكتاب وقد أرسل الله رسله بالكتاب وبتأويله فمن كذب بالكتاب
أو كذب بما أرسل به رسله من تأويل الكتاب فهو مشرك كافر، قال علي بن
إبراهيم في قوله (ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون)
يعني من الفرح الظاهر، قال: حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب
عن ضريس الكناني عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له جعلت فداك ما حال الموحدين
المقرين بنبوة محمد صلى الله عليه وآله من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا
يعرفون ولايتكم؟ فقال: اما هؤلاء فإنهم في حفرهم لا يخرجون منها فمن كان له
عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فإنه يخد له خدا إلى الحنة التي خلقها الله بالمغرب
فيدخل عليه الروح في حفرته إلى يوم القيامة حتى يلقى الله فيحاسبه بحسناته
وسيئاته فاما إلى الجنة واما إلى النار فهؤلاء الموقوفون لامر الله قال: وكذلك
نفعل بالمستضعفين والبله والأطفال وأولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم، واما
النصاب من أهل القبلة فإنهم يخد لهم خدا إلى النار التي خلقها الله في المشرق فيدخل
260

عليهم اللهب والشرر والدخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة ثم بعد ذلك مصيرهم
إلى الجحيم (في النار يسجرون ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله)
أي أين إمامكم الذي اتخذتموه دون الامام الذي جعله الله للناس إماما، ثم قال
الله لنبيه (فاصبر ان وعد الله حق فاما نرينك بعض الذي نعدهم) أي من العذاب
(أو نتوفينك فالينا يرجعون).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الفرح والمرح والخيلاء
كل ذلك في الشرك والعمل في الأرض بالمعصية وقوله: (وآثارا في الأرض)
يقول أعمالا في الأرض وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ويريكم آياته) يعني
أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام في الرجعة وإذا رأوهم (قالوا آمنا بالله وحده
وكفرنا بما كنا به مشركين) أي جحدنا بما أشركناهم (فلم يك ينفعهم إيمانهم
لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون).
سورة حم السجدة مكية
آياتها اربع وخمسون
(بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم) فقوله تنزيل من
الرحمن الرحيم ابتداء وقوله: (فصلت آياته) خبره، أنزله الرحمن الرحيم وقوله
(فصلت آياته) أي بين حلالها وحرامها وأحكامها وسننها (بشيرا ونذيرا) أي
يبشر المؤمنين وينذر الظالمين (فاعرض أكثرهم) يعنى عن القرآن (فهم لا يسمعون
وقالوا قلوبنا في أكنة) أي في غشاوة (مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا
وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون) أي تدعونا إلى مالا نفهمه ولا نعقله، فقال
الله: قل لهم (إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي - إلى قوله - فاستقيموا إليه) أي
أجيبوه وقوله (وويل للمشركين) وهم الذين أقروا بالاسلام وأشركوا بالاعمال
261

وهو قوله " وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون " يعى بالاعمال إذا أمروا
بأمر عملوا خلاف ما قال الله فسماهم الله مشركين ثم قال (الذين لا يؤتون الزكاة
وهم بالآخرة هم كافرون) يعنى من لم يدفع الزكاة فهو كافر.
أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي جميل (جميلة ط)
عن أبان بن تغلب قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أبان أترى ان الله عز وجل طلب
من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به حيث يقول: " وويل للمشركين
الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون " قلت له: كيف ذلك جعلت فداك
فسره لي؟ فقال ويل للمشركين الذين أشركوا بالامام الأول وهم بالأئمة الآخرين
كافرون، يا أبان إنما دعا الله العباد إلى الايمان به فإذا آمنوا بالله وبرسوله افترض
عليهم الفرايض.
قال علي بن إبراهيم ثم ذكر الله المؤمنين فقال: (ان الذين آمنوا وعملوا
الصالحات لهم أجر غير ممنون) أي بلا من الله عليهم بما يأجرهم به ثم خاطب
نبيه فقال قل لهم يا محمد (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) ومعنى
يومين أي وقتين ابتداء الخلق وانقضائه (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك
فيها وقدر فيها أقواتها) أي لا يزول ويبقى (في أربعة أيام سواء للسائلين)
يعنى في أربعة أوقات وهي التي يخرج الله فيها اقوات العالم من الناس والبهائم والطير
وحشرات الأرض وما في البر والبحر من الخلق والثمار والنبات والشجر وما يكون
فيه معاش الحيوان كله وهو الربيع والصيف والخريف والشتاء، ففي الشتاء يرسل
الله الرياح والأمطار والانداء (1) والطلول من السماء فيلقح الأرض والشجر وهو
وقت بارد ثم يجئ من بعده الربيع وهو وقت معتدل حار وبارد فيخرج الشجر

(1) جمع الندى: ما يسقط في الليل من بخار الماء. ج. ز
262

ثماره والأرض نباتها فيكون أخضر ضعيفا ثم يجئ من بعده وقت الصيف وهو
حار فينضج الثمار ويصلب الحبوب التي هي أقوات العالم وجميع الحيوان ثم يجئ
من بعده وقت الخريف فيطيبه ويبرده ولو كان الوقت كله شيئا واحدا لم يخرج
النبات من الأرض لأنه لو كان الوقت كله ربيعا لم تنضج الثمار ولم تبلغ الحبوب
ولو كان الوقت كله صيفا لاحترق كل شئ في الأرض ولم يكن للحيوان معاش
ولا قوت، ولو كان الوقت كله خريفا ولم يتقدمه شئ من هذه الأوقات لم يكن
شئ يتقوت به العالم، فجعل الله هذه الأقوات في هذه الأربعة الأوقات في الشتاء
والربيع والصيف والخريف وقام به العالم واستوى وبقي وسمى الله هذه الأوقات
أياما سواء للسائلين يعنى المحتاجين لان كل محتاج سائل وفي العالم من خلق الله من
لا يسأل ولا يقدر عليه من الحيوان كثير فهم سائلون وان لم يسألوا.
وقوله: (ثم استوى إلى السماء) أي دبر وخلق وقد سئل أبو الحسن
الرضا عليه السلام عمن كلم الله لا من الجن ولا من الانس فقال السماوات والأرض في
قوله: (إئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن) أي فخلقهن (سبع
سماوات في يومين) يعنى في وقتين ابتداءا وانقضاءا (وأوحى في كل سماء أمرها)
فهذا وحي تقدير وتدبير (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) يعني بالنجوم (وحفظا)
يعني من الشيطان ان يخرق السماء وقوله: (فان اعرضوا) يا محمد (فقل أنذرتكم
صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) وهم قريش وهو معطوف على قوله فأعرض أكثرهم
فهم لا يسمعون! وقوله: (إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم) يعني نوحا
وإبراهيم وموسى وعيسى والنبيين (ومن خلفهم) أنت فقالوا: (لو شاء ربنا
لانزل ملائكة لم يبعث بشرا مثلنا (فانا بما أرسلتم به كافرون) وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا)
والصرصر الريح الباردة (في أيام نحسات) أي أيام مياشيم وقوله: (واما ثمود
263

فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) ولم يقل استحب الله كما زعمت المجبرة ان
الافعال أحدثها الله لنا (فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون) يعني
ما فعلوه وقوله: (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون) أي يجيئون
من كل ناحية وقوله: (حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم
بما كانوا يعملون) فإنها نزلت في قوم يعرض عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون
ما عملنا منها شيئا، فتشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم اعمالهم، فقال
الصادق عليه السلام فيقولون لله: يا رب هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون بالله
ما فعلوا من ذلك شيئا وهو قول الله: " يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما
يحلفون لكم " وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين (ع) فعند ذلك يختم الله على
ألسنتهم وينطق جوارحهم فيشهد السمع بما سمع مما حرم الله ويشهد البصر بما
نظر به إلى ما حرم الله وتشهد اليدان بما أخذتا وتشهد الرجلان بما سعتا فيما حرم
الله ويشهد الفرج بما ارتكب مما حرم الله ثم انطق الله ألسنتهم (وقالوا) هم
(لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي انطق كل شئ وهو خلقكم أول
مرة واليه ترجعون وما كنتم تسترون) اي من الله (ان يشهد عليكم سمعكم ولا
أبصاركم ولا جلودكم) والجلود الفروج (ولكن ظننتم ان الله لا يعلم كثيرا
مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارداكم فأصبحتم من الخاسرين).
قال: فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج قال
قلت لأبي عبد الله (ع) حديث يرويه الناس فيمن يؤمر به آخر الناس إلى النار
فقال: أما انه ليس كما يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن آخر عبد يؤمر به
إلى النار فإذا امر به التفت فيقول الجبار ردوه فيردونه فيقول له: لم التفت إلي؟
فيقول: يا رب لم يكن ظني بك هذا فيقول: وما كان ظنك بي؟ فيقول يا رب
كان ظني بك ان تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنتك قال فيقول الجبار يا ملائكتي
264

لا وعزتي وجلالي وآلائي وعلوي وارتفاع مكاني ما ظن بي عبدي ساعة من خير
قط ولو ظن بي ساعة من خير ما روعته بالنار أجيزوا له كذبه فأدخلوه الجنة،
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس من عبد يظن بالله خيرا إلا كان عند ظنه به وذلك
قوله " وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين " قوله:
(فان يصبروا فالنار مثوى لهم) يعني يخسروا ويخسؤا (وان يستعتبوا فما هم من
المعتبين) أي لا يجابوا إلى ذلك قوله (وقيضنا لهم قرناء) يعنى الشياطين من
الجن والإنس الاردياء (فزينوا لهم ما بين أيديهم) اي ما كانوا يفعلون (وما
خلفهم) أي ما يقال لهم أنه يكون خلفكم كله باطل وكذب (وحق عليهم القول)
والعذاب وقوله (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم
تغلبون) أي تصيرونه سخرية ولغوا وقوله (وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين
أضلانا من الجن والإنس) قال العالم عليه السلام من الجن إبليس الذي دبر على قتل
رسول الله صلى الله عليه وآله في دار الندوة وأضل الناس بالمعاصي وجاء بعد وفاة
رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فلان فبايعه ومن الانس فلان (نجعلهما تحت اقدامنا ليكونا
من الأسفلين) ثم ذكر المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام فقال (ان الذين قالوا
ربنا الله ثم استقاموا) قال على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قوله (تتنزل عليهم الملائكة)
قال عند الموت (ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن
أوليائكم في الحياة الدنيا) قال: كنا نحرسكم من الشياطين (وفي الاحى أي
عند الموت (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون) يعنى في الجنة
(نزلا من غفور رحيم).
قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال
ما يموت موال لنا مبغض لأعدائنا إلا ويحضره رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين
والحسن والحسين عليهم السلام فيسروه ويبشروه، وإن كان غير موال لنا يراهم
265

بحيث يسوؤه، والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام لحارث الهمداني:
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
ثم أدب الله نبيه صلى الله عليه وآله فقال (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي
هي أحسن) قال ادفع سيئة من أساء إليك بحسنتك حتى يكون الذي بينك وبينه
عداوة كأنه ولي حميم ثم قال (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ
عظيم واما ينزغنك من الشيطان نزغ) أي ان عرض بقلبك نزغ من الشيطان
(فاستعذ بالله) والمخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله والمعنى للناس ثم احتج على الدهرية
فقال (ومن آياته انك ترى الأرض خاشعة) أي ساكنة هامدة (ان الذين
يلحدون في آياتنا) يعنى ينكرون (لا يخفون علينا) ثم استفهم عز وجل على
المجاز فقال (أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم انه
بما تعملون بصير). وقوله (ان الذين كفروا بالذكر) يعنى بالقرآن
ثم قال (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي)
قال لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا لولا انزل بالعربية فقال الله (قل هو للذين
آمنوا هدى وشفاء) أي تبيان (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر) اي صمم
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله (ان الذين كفروا بالذكر
لما جاءهم) يعنى القرآن الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه) قال لا يأتيه الباطل
من قبل التوراة ولا من قبل الإنجيل والزبور واما من خلفه لا يأتيه من بعده
كتاب يبطله وقوله (لولا فصلت آياته أعجمي وعربي) قال لو كان هذا القرآن أعجميا
لقالوا كيف نتعلمه ولساننا عربي وآتيتنا بقرآن أعجمي فأحب الله ان ينزله بلسانهم
وقد قال الله عز وجل وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه.
الجزء (25) وقال علي بن إبراهيم في قوله (ويوم يناديهم أين شركائي) يعني ما كانوا
يعبدون من دون الله (قالوا آذناك) اي أعلمناك (ما منا من شهيد وضل عنهم
266

ما كانوا يدعون من قبل - إلى قوله - وظنوا ما لهم من محيص) أي علموا انه
لا محيص لهم ولا ملجأ ولا مفر وقوله: (لا يسأم الانسان من دعاء الخير) أي
لا يمل ولا يعيى ان يدعو لنفسه بالخير (وإن مسه الشر فيؤس قنوط) أي يائس
من روح الله وفرجه، ثم قال: (وإذا أنعمنا على الانسان أعرض وناء بجانبه)
أي يتبختر ويتعظم ويستحقر من هو دونه (وإذا مسه الشر) أي الفقر والمرض
والشدة (فذو دعاء عريض) أي يكثر الدعاء وقوله: (سنريهم آياتنا في الآفاق
وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق) فمعنى في الآفاق الكسوف والزلازل وما
يعرض في السماء من الآيات، واما في أنفسهم فمرة بالجوع ومرة بالعطش ومرة
يشبع ومرة يروى ومرة يمرض ومرة يصح ومرة يستغنى ومرة يفتقر ومرة
يرضى ومرة يغضب ومرة يخاف ومرة يأمن فهذا من عظيم دلالة الله على التوحيد
قال الشاعر:
وفي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد
ثم ارهب عباده بلطيف عظمته فقال: (أولم يكف بربك - يا محمد - انه
على كل شئ شهيد) ثم قال (ألا انهم في مرية) اي في شك (من لقاء ربهم
ألا انه) كناية عن الله (بكل شئ محيط).
سورة الشورى مكية
آياتها ثلاث وخمسون
(بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم حم عسق) هو حروف من اسم الله الأعظم
المقطوع يؤلفه رسول الله صلى الله عليه وآله أو الإمام (ع) فيكون الاسم الأعظم الذي
إذا دعا الله به أجاب ثم قال: (كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله
العزيز الحكيم) حدثنا أحمد بن علي وأحمد بن إدريس قالا: حدثنا محمد بن
267

احمد العلوي عن العمركي عن محمد بن جمهور قال: حدثنا سليمان بن سماعة عن
عبد الله بن القاسم عن يحيى بن مسيرة (ميسرة ط) الخثعمي عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته
يقول حم عسق اعداد سني القائم وقاف جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر فخضرة
السماء من ذلك الجبل وعلم كل شئ في عسق.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن
والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) قال للمؤمنين من الشيعة
التوابين خاصة، ولفظ الآية عامة ومعناه خاص وقوله: (وكذلك أوحينا إليك
قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها) قال: أم القرى مكة سميت أم القرى
لأنها أول بقعة خلقها الله من الأرض لقوله " ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة
مباركا " وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (يتفطرن من
فوقهن) أي يتصدعن وقوله (لتنذر أم القرى) مكة (ومن حولها) سائر الأرض وقوله
(وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير) قال: فإنه حدثني
الحسين بن عبد الله السكيني عن أبي سعيد البجلي (النحلى ط) عن عبد الملك بن هارون عن
أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: لما بلغ أمير المؤمنين عليه السلام امر معاوية
وانه في مائة الف قال من أي القوم؟ قالوا من أهل الشام، قال عليه السلام لا تقولوا من
أهل الشام ولكن قولوا من أهل الشوم هم من أبناء مضر لعنوا على لسان داود
فجعل الله منهم القردة والخنازير، ثم كتب عليه السلام إلى معاوية: لا تقتل الناس بيني
وبينك وهلم إلى المبارزة فان أنا قتلتك فإلى النار أنت وتستريح الناس منك ومن
ضلالتك وان قتلتني فأنا إلى الجنة ويغمد عنك السيف الذي لا يسعني غمده حتى
أرد مكرك وبدعتك، وأنا الذي ذكر الله اسمه في التوراة والإنجيل بمؤازرة
رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنا أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وآله تحت الشجرة في قوله:
" لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ".
268

فلما قرأ معاوية كتابه وعنده جلساؤه قالوا: والله قد أنصفك، فقال
معاوية والله ما أنصفني والله لأرمينه بمائة الف سيف من أهل الشام من قبل ان
يصل إلي، ووالله ما أنا من رجاله، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول والله
يا علي لو بارزك أهل الشرق والغرب لقتلتهم أجمعين، فقال له رجل من القوم فما
يحملك يا معاوية على قتال من تعلم وتخبر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله بما تخبر؟ ما أنت
ونحن في قتاله إلا على الضلالة! فقال معاوية: إنما هذا بلاغ من الله ورسالاته
والله ما أستطيع أنا وأصحابي رد ذلك حتى يكون ما هو كائن.
قال: وبلغ ذلك ملك الروم وأخبر ان رجلين قد خرجا يطلبان الملك فسأل
من أين خرجا؟ فقيل له رجل بالكوفة ورجل بالشام، قال: فلمن الملك الآن فأمر
وزراءه فقالوا تخللوا هل تصيبون من تجار العرب من يصفهما لي، فاتي برجلين من
تجار الشام ورجلين من تجار مكة فسألهم عن صفتهما فوصفوهما له ثم قال لخزان
بيوت خزاينه اخرجوا إلي الأصنام فأخرجوها فنظر إليها، فقال: الشامي ضال
والكوفي هاد، ثم كتب إلى معاوية ان ابعث إلي اعلم أهل بيتك وكتب إلى
أمير المؤمنين عليه السلام ان ابعث إلي اعلم أهل بيتك، فاسمع منهما ثم انظر في الإنجيل
كتابنا ثم أخبركما من أحق بهذا الامر وخشي على ملكه، فبعث معاوية يزيد ابنه
وبعث أمير المؤمنين الحسن ابنه عليهما السلام فلما دخل يزيد على الملك أخذ بيده
وقبلها ثم قبل رأسه ثم دخل عليه الحسن بن علي عليهما السلام فقال: الحمد الله الذي
لم يجعلني يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا ولا عابدا للشمس والقمر ولا الصنم
ولا البقر وجعلني حنيفا مسلما ولم يجعلني من المشركين تبارك الله رب العرش
العظيم والحمد لله رب العالمين، ثم جلس لا يرفع بصره، فلما نظر ملك الروم إلى
الرجلين اخرجهما ثم فرق بينهما ثم بعث إلى يزيد فأحضره ثم أخرج من خزائنه
ثلاثمائة وثلاثة عشر صندوقا فيها تماثيل الأنبياء وقد زينت بزينة كل نبي مرسل
269

فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه ثم عرض عليه صنما صنما فلا يعرف منها شيئا
ولا يجيب منها بشئ ثم سأله عن أرزاق الخلائق وعن أرواح المؤمنين أين تجتمع؟
وعن أرواح الكفار أين تكون إذا ماتوا؟ فلم يعرف من ذلك شيئا ثم دعا
الملك الحسن بن علي عليهما السلام فقال: إنما بدأت بيزيد بن معاوية كي يعلم
انك تعلم ما لا يعلم ويعلم أبوك ما لا يعلم أبوه فقد وصف لي أبوك وأبوه
ونظرت في الإنجيل فرأيت فيه محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله والوزير عليا عليه السلام فنظرت
في الأوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقال له الحسن: سلني عما بدا لك مما تجده في الإنجيل وعما في التوراة
وعما في القرآن أخبرك به إن شاء الله تعالى، فدعا الملك بالأصنام فأول صنم عرض
عليه في صورة القمر فقال الحسن عليه السلام: هذه صفة آدم أبو البشر ثم عرض عليه
أخرى في صفة الشمس فقال الحسن عليه السلام: هذه صفة حواء أم البشر ثم عرض عليه
آخر في صورة حسنة فقال: هذه صفة شيث بن آدم وكان أول من بعث وبلغ
عمره في الدنيا الف سنة وأربعين عاما، ثم عرض عليه أخرى فقال: هذه صفة
نوح صاحب السفينة كان عمره ألفا وأربعمائة سنة ولبث في قومه الف سنة إلا
خمسين عاما، ثم عرض عليه آخر فقال: هذه صفة إبراهيم عريض الصدر طويل
الجبهة ثم عرض عليه صنما آخر فقال: هذه صفة موسى بن عمران وكان عمره
مائتين وأربعين سنة وكان بينه وبين إبراهيم خمسمائة عام (1) ثم اخرج إليه صنما آخر
فقال: هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب ثم اخرج إليه صنما آخر فقال: هذه صفة
إسماعيل ثم اخرج إليه صنما آخر فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب بن إسحاق
ابن إبراهيم ثم اخرج إليه صنما آخر فقال: هذه صفة داود صاحب المحراب (الحرب ط) ثم
اخرج إليه صنما آخر فقال: هذه صفة شعيب ثم زكريا ثم يحيى ثم عيسى بن
مريم روح الله وكلمته وكان عمره في الدنيا ثلاثة وثلاثين سنة ثم رفعه الله إلى

(1) وفى ط ذكر موسى بعد يوسف وهو أقرب. ج. ز
270

السماء ويهبط إلى الأرض بدمشق وهو الذي يقتل الدجال.
ثم عرض عليه صنما صنما فيخبر باسم نبي نبي ثم عرض عليه الأوصياء والوزراء
فكان يخبر باسم وصي وصي ووزير وزير ثم عرض عليه أصناما بصفة الملوك فقال
الحسن عليه السلام: هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور
ولا في الفرقان فلعلها من صفة الملوك فقال الملك: أشهد عليكم يا أهل بيت محمد
انكم قد أعطيتم علم الأولين والآخرين وعلم التوراة والإنجيل والزبور وصحف
إبراهيم وألواح موسى عليه السلام ثم عرض عليه صنما يلوح، فلما نظر إليه بكى بكاءا
شديدا، فقال له الملك ما يبكيك؟ فقال: هذه صفة جدي محمد صلى الله عليه وآله كثيف
اللحية عريض الصدر طويل العنق عريض الجبهة، أقنى الانف، أفلج الأسنان
حسن الوجه قطط الشعر طيب الريح حسن الكلام فصيح اللسان، كان يأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر، بلغ عمره ثلاثا وستين سنة ولم يخلف بعده إلا خاتما
مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يتختم بيمينه وخلف
سيفه ذا الفقار وقضيبه وجبة صوف وكساء صوف كان يتسرول به، لم يقطعه
ولم يخطه حتى لحق بالله! فقال الملك: إنا نجد في الإنجيل أنه يكون له ما يتصدق
به على سبطيه فهل كان ذلك؟ فقال له الحسن عليه السلام: قد كان ذلك، فقال الملك
فبقي لكم ذلك؟ فقال لا، فقال الملك أول فتنة هذه الأمة غلبا أباكما - وهما الأول
والثاني - على ملك نبيكم، واختيار هذه الأمة على ذرية نبيهم، منكم القائم بالحق
الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
قال: ثم سأل الملك الحسن (ع) عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في
رحم، فقال الحسن (ع) أول هذه آدم ثم حواء ثم كبش إبراهيم ثم ناقة صالح
ثم إبليس الملعون ثم الحية ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن، قال: ثم سأله
عن أرزاق الخلائق، فقال الحسن (ع): أرزاق الخلائق في السماء الرابعة ينزل
بقدر ويبسط بقدر ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين تكون إذا ماتوا؟ قال:
271

تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة جمعة وهو عرش الله الأدنى منها بسط
الله الأرض واليها يطويها ومنها المحشر ومنها استوى ربنا إلى السماء أي استولى
على السماء والملائكة، ثم سأله عن أرواح الكفار أين تجتمع؟ قال: تجتمع في
وادي حضرموت وراء مدينة اليمن ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من
المغرب ويتبعهما بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فيحشر
أهل الجنة عن يمين الصخرة ويزلف الميعاد وتصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم
الأرضين السابعة وفيها الفلق والسجين فتفرق الخلائق من عند الصخرة فمن وجبت
له الجنة دخلها ومن وجبت له النار دخلها وذلك قوله " فريق في الجنة وفريق في
السعير " فلما اخبر الحسن (ع) بصفة ما عرض عليه من الأصنام وتفسير ما سأله
التفت الملك إلى يزيد بن معاوية وقال: أشعرت ان ذلك علم لا يعلمه إلا نبي
مرسل أو وصي مؤازر قد أكرمه الله بمؤازرة نبيه أو عترة نبي مصطفى وغيره
فقد طبع الله على قلبه وآثر دنياه على آخرته وهواه على دينه وهو من الظالمين.
قال: فسكت يزيد وخمد قال: فأحسن الملك جائزة الحسن واكره وقال
له: ادع ربك حتى يرزقني دين نبيك فان حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك
وأظنه سما مرديا وعذابا أليما، قال: فرجع يزيد إلى معاوية. وكتب إليه الملك
انه من آتاه الله العلم بعد نبيه وحكم التوراة وما فيها والإنجيل وما فيه والزبور
وما فيه والفرقان وما فيه فالحق والخلافة له وكتب إلى علي (ع) ان الحق والخلافة
لك وبيت النبوة فيك وفي ولدك فقاتل من قاتلك يعذبه الله بيدك فان من قاتلك
نجده في الإنجيل ان عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وعليه لعنة أهل
السماوات والأرضين.
واما قوله: (ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة) قال: ولو شاء ان يجعلهم
كلهم معصومين مثل ملائكة بلا طباع لقدر عليه (ولكن يدخل من يشاء في
272

رحمته الظالمون) آل محمد حقهم (مالهم من ولي ولا نصير) وقوله: (وما
اختلفتم فيه من شئ) من المذاهب واخترتم لأنفسكم من الأديان فحكم ذلك كله
(إلى الله) يوم القيامة وقوله (جعل لكم من أنفسكم أزواجا) يعني النساء (ومن
الانعام أزواجا) يعني ذكرا وأنثى (يذرؤكم فيه) يعنى النسل الذي يكون من
الذكور والإناث ثم رد الله على من وصف الله فقال: (ليس كمثله شئ وهو
السميع البصير) وقوله: (شرع لكم في الدين) مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وآله (ما وصى به
نوحا والذي أوحينا إليك - يا محمد - وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ان
أقيموا الدين) أي تعلموا الدين يعني التوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم
شهر رمضان وحج البيت والسنن والاحكام التي في الكتب والاقرار بولاية
أمير المؤمنين عليه السلام (ولا تتفرقوا فيه) أي لا تختلفوا فيه (كبر على المشركين
ما تدعوهم إليه) من ذكر هذه الشرائع ثم قال (الله يجتبى إليه من يشاء) أي
يختار (ويهدي إليه من ينيب) وهم الأئمة الذين اجتباهم الله واختارهم قال (وما
تفرقوا إلا من بعدما جاءهم العلم بغيا بينهم) قال لم يتفرقوا بجهل ولكنهم تفرقوا
لما جاءهم العلم وعرفوه فحسد بعضهم بعضا وبغى بعضهم على بعض لما رأوا من
تفاضل أمير المؤمنين عليه السلام بأمر الله فتفرقوا في المذاهب وأخذوا بالآراء والأهواء
ثم قال عز وجل: (ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم)
قال: لولا أن الله قد قدر ذلك أن يكون في التقدير الأول لقضي بينهم إذا
اختلفوا وأهلكهم ولم ينظرهم ولكن أخرهم إلى أجل مسمى مقدر (وان الذين
أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب) كناية عن الذين نقضوا أمر
رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: (فلذلك فادع) يعني لهذه الأمور والدين الذي تقدم
ذكره وموالاة أمير المؤمنين عليه السلام (واستقم كما أمرت).
قال: فحدثني أبي عن علي بن مهزيار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام
273

في قول الله: (أن أقيموا الدين) قال الامام (ولا تتفرقوا فيه) كناية عن
أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال: (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) من امر ولاية
علي عليه السلام (الله يجتبي إليه من يشاء) كناية عن علي عليه السلام (ويهدي إليه من ينيب)
ثم قال: (فلذلك فادع واستقم كما أمرت) يعني إلى أمير المؤمنين عليه السلام (ولا تتبع
أهواءهم) فيه (وقل آمنت بما انزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا
وربكم - إلى قوله - واليه المصير) ثم قال عز وجل (الذين يحاجون في الله) أي
يحتجون على الله بعدما شاء الله ان يبعث إليهم الرسل والكتب فبعث الله إليهم
الرسل والكتب فغيروا وبدلوا ثم يحتجون يوم القيامة على الله (فحجتهم داحضة)
أي باطلة (عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد) ثم قال (الله الذي انزل
الكتاب بالحق والميزان) قال الميزان أمير المؤمنين عليه السلام والدليل على ذلك قوله في
سورة الرحمن (والسماء رفعها ووضع الميزان) قال يعني الامام، وقوله (يستعجل
بها الذين لا يؤمنون بها) كناية عن القيامة فإنهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وآله
أقم لنا الساعة وائتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين فقال الله:
(ألا ان الذين يمارون في الساعة) أي يخاصمون وقوله: (من كان يريد حرث
الآخرة نزد له في حرثه) يعني ثواب الآخرة (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته
منها وماله في الآخرة من نصيب) قال: حدثني أبي عن بكير (بكر ط) بن محمد الأزدي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المال والبنون حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة
وقد يجمعهما الله لأقوام وقوله: (ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم) قال الكلمة
الامام والدليل على ذلك قوله (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) يعني
الإمامة ثم قال (وان الظالمين) يعني الذين ظلموا هذه الكلمة (لهم عذاب اليم)
ثم قال (ترى الظالمين) يعني الذين ظلموا آل محمد حقهم (مشفقين مما كسبوا)
أي خائفين مما ارتكبوا وعملوا (وهو واقع بهم) أي ما يخافونه ثم ذكر الله الذين
274

آمنوا بالكلمة واتبعوها فقال: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات
الجنات - إلى قوله - يبشر الله عباده الذين آمنوا) بهذه الكلمة (وعملوا الصالحات)
مما أمروا به.
ثم قال: (قل لهم - يا محمد - لا أسألكم عليه أجرا) يعني على النبوة (إلا
المودة في القربى) قال: حدثني أبي عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن
محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في قول الله " قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى " يعني في أهل بيته قال: جاءت الأنصار إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله فقالوا: إنا قد آوينا ونصرنا فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك
فأنزل الله " قل لا أسألكم عليه أجرا " يعني على النبوة " إلا المودة في القربى "
يعني في أهل بيته ثم قال: ألا ترى ان الرجل يكون له صديق وفي نفس ذلك
الرجل شئ على أهل بيته فلا يسلم صدره فأراد الله أن لا يكون في نفس رسول الله
شئ على أهل بيته (أمته ط) ففرض عليهم المودة في القربى فان اخذوا اخذوا مفروضا وان
تركوا تركوا مفروضا، قال: فانصرفوا من عنده وبعضهم يقول عرضنا عليه
أموالنا فقال: قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي، وقالت طائفة ما قال هذا رسول الله
وجحدوه وقالوا كما حكى الله (أم يقولون افترى على الله كذبا) فقال الله (فان
يشاء الله يختم على قلبك) قال لو افتريت (ويمحو الله الباطل) يعني يبطله (ويحق
الحق بكلماته) يعنى بالنبي وبالأئمة والقائم من آل محمد (انه عليم بذات الصدور)
ثم قال: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده - إلى قوله - ويزيدهم من فضله) يعنى
الذين قالوا القول " ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله " ثم قال (والكافرون لهم عذاب شديد)
وقال أيضا: قل لا أسألكم عليه اجرا إلا المودة في القربى قال: اجر النبوة ان
لا تؤذوهم ولا تقطعوهم ولا تغصبوهم وتصلوهم ولا تنقضوا العهد فيهم لقوله تعالى
" والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل " قال: جاءت الأنصار إلى رسول الله
275

صلى الله عليه وآله فقالوا: إنا قد نصرنا وفعلنا فخذ من أموالنا ما شئت فأنزل الله " قل لا
أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " يعنى في أهل بيته ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وآله بعد ذلك: من حبس أجيرا اجره فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا وهو محبة آل محمد ثم قال (ومن
يقترف حسنة وهي إقرار الإمامة لهم والاحسان إليهم وبرهم وصلتهم (نزد له فيها
حسنا) أي نكافئ على ذلك بالاحسان وقوله (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا
في الأرض) قال الصادق عليه السلام: لو فعل لفعلوا ولكن جعلهم محتاجين بعضهم إلى
بعض واستعبدهم بذلك ولو جعلهم كلهم أغنياء لبغوا في الأرض (ولكن ينزل
بقدر ما يشاء) مما يعلم أنه يصلحهم في دينهم ودنياهم (انه بعباده خبير بصير)
وقوله: (وهو الذي ينزل الغيث من بعدما قنطوا) أي يئسوا (وينشر رحمته
وهو الولي الحميد) قال: حدثني أبي عن العرزمي ط (العزرمي م) عن أبيه عن
أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: سئل عن السحاب
أين يكون؟ قال: يكون على شجر كثيف على ساحل البحر يأوي إليه فإذا أراد الله
ان يرسل ارسل ريحا فأثاره ووكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق وهو البرق فيرتفع.
وقوله (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) قال
فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي حمزة عن الأصبغ
ابن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال سمعته يقول: إني أحدثكم بحديث ينبغي
لكل مسلم ان يعيه، ثم اقبل علينا فقال: ما عاقب الله عبدا مؤمنا في هذه الدنيا
إلا كان الله أحلم وأمجد وأجود من أن يعود في عقابه يوم القيامة وما ستر الله
على عبد مؤمن في هذه الدنيا وعفا عنه إلا كان الله أمجد وأجود وأكرم من أن
يعود في عقوبته يوم القيامة، ثم قال (ع): وقد يبتلي الله المؤمن بالبلية في
بدنه أو ماله أو ولده أو أهله ثم تلا هذه الآية " وما أصابكم من مصيبة... الخ "
276

وحتى بيده ثلاث مرات، قال: فحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن
رياب قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل " وما أصابكم من
مصيبة... الخ " قال: أرأيت ما أصاب عليا وأهل بيته هو بما كسبت أيديهم؟
وهم أهل الطهارة معصومون! قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتوب إلى الله
ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب ان الله يخص أولياءه بالمصائب
ليأجرهم عليها من غير ذنب، قال الصادق (ع): لما ادخل علي بن الحسين (ع)
على يزيد نظر إليه ثم قال: يا علي بن الحسين وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت
أيديكم! فقال علي بن الحسين عليهما السلام كلا! ما فينا هذه نزلت وإنما نزلت فينا
" ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها
ان ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " فنحن
الذين لا تأسوا على ما فاتنا من امر الدنيا ولا نفرح بما أوتينا وقوله: (وإذا
ما غضبوا هم يغفرون) قال أبو جعفر (ع): من كظم غيظا وهو يقدر على
إمضائه حشى الله قلبه أمنا وإيمانا يوم القيامة قال: ومن ملك نفسه إذا رغب
وإذا رهب وإذا غضب حرم الله جسده على النار وقوله: (والذين استجابوا
لربهم) قال: في إقامة الامام (وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم) اي يقبلون
ما أمروا به ويشاورون الامام فيما يحتاجون إليه من امر دينهم كما قال الله " ولو
ردوه إلى الرسول وإلى اولي الامر منهم ".
واما قوله: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) يعنى إذا بغي عليهم
ينتصرون وهي الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار إن شاء فعل وإن شاء ترك ثم
جزى ذلك فقال (وجزاء سيئة سيئة مثلها) أي لا تعتدي ولا تجازي بأكثر مما
فعل بك ثم قال (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) ثم قال (وترى الظالمين)
آل محمد حقهم (لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل) اي إلى الدنيا
277

حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي
عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال سمعته يقول:
(ولمن انتصر بعد ظلمه) يعنى القائم (ع) وأصحابه (فأولئك ما عليهم من سبيل)
والقائم إذا قام انتصر (1) من بنى أمية ومن المكذبين والنصاب هو وأصحابه وهو
قول الله (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق
أولئك لهم عذاب اليم) وقوله (ترى الظالمين) آل محمد حقهم (لما رأوا العذاب)
وعلي (ع) هو العذاب في هذا الوجه (2) (يقولون هل إلى مرد من سبيل)
فنوالي عليا (ع) (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل) لعلي (ينظرون)
إلى علي (من طرف خفي وقال الذين آمنوا) يعنى آل محمد وشيعتهم (ان
الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة الا ان الظالمين) آل محمد
حقهم (في عذاب مقيم) قال: والله يعنى النصاب الذين نصبوا العداوة لعلي
وذريته عليهم السلام والمكذبين (وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله
ومن يضلل الله فما له من سبيل) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في
قوله (يهب لمن يشاء إناثا) اي ليس معهن ذكر (ويهب لمن يشاء الذكور) يعنى
ليس معهم أنثى (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) جميعا يجمع له البنين والبنات أي
يهبهم جميعا لواحد.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء
- إلى قوله - ويجعل من يشاء عقيما) قال: فحدثني أبي عن المحمودي ومحمد بن
عيسى بن عبيد عن محمد بن إسماعيل الرازي عن محمد بن سعيد ان يحيى بن أكثم

(1) أي انتقم منهم.
(2) أي هو وجه العذاب. ج. ز
278

سأل موسى بن محمد عن مسائل وفيها أخبرنا عن قول الله " أو يزوجهم ذكرانا
وإناثا " فهل يزوج الله عباده الذكران وقد عاقب قوما فعلوا ذلك فسأل موسى
أخاه أبا الحسن العسكري (ع) وكان من جواب أبي الحسن اما قوله " أو يزوجهم
ذكرانا وإناثا " فان الله تبارك وتعالى يزوج ذكران المطيعين إناثا من الحور
العين وإناث المطيعات من الانس من ذكران المطيعين (1) ومعاذ الله أن يكون
الجليل عنى ما لبست على نفسك تطلبا للرخصة لارتكاب المآثم قال: فمن يفعل
ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إن لم يتب وقوله
(وما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا
فيوحي باذنه ما يشاء) قال: وحي مشافهة ووحي إلهام وهو الذي يقع في القلب
أو من وراء حجاب كما كلم الله نبيه صلى الله عليه وآله وكما كلم الله موسى (ع) من النار
أو يرسل رسولا فيوحى باذنه ما يشاء قال وحي مشافهة يعني إلى الناس ثم قال
لنبيه صلى الله عليه وآله (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب
ولا الايمان) روح القدس هي التي قال الصادق (ع) في قوله " ويسألونك عن
الروح قل الروح من امر ربي " قال: هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل كان
مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الأئمة ثم كنى عن أمير المؤمنين (ع) فقال:
(ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) والدليل على أن النور
أمير المؤمنين (ع) قوله عز وجل (واتبعوا النور الذي أنزل معه) الآية حدثنا
جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم قال: حدثنا محمد بن

(1) كأنه جواب تنزيلي يعنى إذا فرضنا كما فرض السائل من أن صيغة
" يزوجهم " بمعنى الانكاح، يمكن اخذ المراد بطريق جائز كما بينه الإمام عليه السلام
وإلا ظاهر الآية ان التزويج فيها بمعنى التثني بقرينة ما سبق. ج ز
279

علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) في قول الله لنبيه صلى الله عليه وآله
" ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا " يعني عليا
وعلي هو النور فقال (نهدي به من نشاء من عبادنا) يعني عليا عليه السلام به هدى
من هدى من خلقه قال وقال الله لنبيه (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) يعني
انك لتأمر بولاية علي وتدعو إليها وعلي هو الصراط المستقيم (صراط الله الذي
له ما في السماوات وما في الأرض) يعني عليا انه جعله خازنه على ما في السماوات
وما في الأرض من شئ وائتمنه عليه (ألا إلى الله تصير الأمور).
وقال علي بن إبراهيم في قوله: " وانك لتهدي إلى صراط مستقيم "
أي تدعو إلى الإمامة المستوية ثم قال: " صراط الله " أي حجة الله الذي له
ما في السماوات وما في الأرض " ألا إلى الله تصير الأمور " حدثني محمد بن همام
قال: حدثني سعد بن محمد عن عباد بن يعقوب عن عبد الله بن الهيثم عن صلت
ابن الحرة قال كنت جالسا مع زيد بن علي (ع) فقرأ وانك لتهدي إلى صراط
مستقيم قال: هدي الناس ورب الكعبة إلى علي (ع) ضل عنه من ضل واهتدى
من اهتدى.
سورة الزخرف مكية
آياتها تسع وثمانون
(بسم الله الرحمن الرحيم حم والكتاب المبين) حم حرف من الاسم
الأعظم والكتاب المبين يعني القرآن الواضح وقوله: (وانه في أم الكتاب لدينا
لعلي حكيم) يعني أمير المؤمنين (ع) مكتوب في الحمد في قوله: اهدنا الصراط
المستقيم قال أبو عبد الله (ع) هو أمير المؤمنين (ع) وقوله: (أفنضرب عنكم
الذكر صفحا) استفهام أي ندعكم مهملين لا نحتج عليكم برسول الله صلى الله عليه وآله أو
280

بامام أو بحجج وقوله (وكم أرسلنا من نبي في الأولين وما يأتيهم من نبي - إلى
قوله - أشد منهم) يعنى من قريش (بطشا ومضى مثل الأولين) وقوله (الذي
جعل لكم الأرض مهدا) أي مستقرا (وجعل لكم فيها سبلا) أي طرقا (لعلكم
تهتدون) يعني كي تهتدوا ثم احتج على الدهرية فقال: (والذي نزل من السماء
ماء بقدر فانشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون) وقوله: (وجعل لكم من
الفلك والانعام ما تركبون) هو معطوف على قوله " والانعام خلقها لكم فيها
دف ء ومنافع ومنها تأكلون " وقوله: (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة
ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين)
قال: فإنه حدثني أبي عن ابن فضال عن المفضل بن صالح عن سعيد بن ظريف (سعد بن طريف ط)
عن الأصبغ بن نباتة قال: أمسكت لأمير المؤمنين عليه السلام بالزكاب وهو يريد أن
يركب فرفع رأسه ثم تبسم، فقلت له: يا أمير المؤمنين رأيتك رفعت رأسك ثم
تبسمت؟ قال: نعم يا اصبغ أمسكت لرسول الله صلى الله عليه وآله كما أمسكت لي فرفع
رأسه ثم تبسم فسألته عن تبسمه كما سألتني وسأخبرك كما أخبرني أمسكت
لرسول الله صلى الله عليه وآله بغلته الشهباء فرفع رأسه إلى السماء وتبسم فقلت: يا رسول الله
رفعت رأسك إلى السماء وتبسمت لماذا؟ فقال: يا علي انه ليس من أحد يركب
فيقرأ آية الكرسي ثم يقول: " أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
وأتوب إليه اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " إلا قال السيد
الكريم " يا ملائكتي عبدي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري اشهدوا اني قد غفرت
له ذنوبه " وقوله: (وجعلوا له من عباده جزءا) قال قالت قريش: إن الملائكة
هم بنات الله ثم قال على حد الاستفهام (أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين
وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا) يعني إذا ولدت لهم البنات (ظل وجهه
مسودا وهو كظيم) وهو معطوف على قوله (وجعلوا لله البنات) (سبحانه
281

ولهم ما يشتهون) وقال أيضا في قوله " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له
مقرنين " قال حدثني أبي عن علي بن أسباط قال: حملت متاعا إلى مكة فكسد علي
فجئت إلى المدينة فدخلت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام فقلت جعلت فداك اني قد
حملت متاعا إلى مكة فكسد علي وقد أردت مصر فأركب بحرا أو برا؟ فقال:
بمصر الحتوف وتفيض إليها أقصر الناس اعمارا قال النبي صلى الله عليه وآله: لا تغسلوا
رؤوسكم بطينها ولا تشربوا في فخارها فإنه يورث الذلة ويذهب بالغيرة ثم قال لا،
عليك ان تأتي مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فتصلي فيه ركعتين وتستخير الله مائة
مرة ومرة فإذا عزمت على شئ وركبت البحر أو إذا استويت على راحلتك
فقل: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون،
فإنه ما ركب أحد ظهرا فقال: هذا وسقط إلا لم يصبه كسر ولا وثى (1) ولا وهن
وان ركبت بحرا فقل حين تركب: بسم الله مجريها ومرسيها، فإذا ضربت بك
الأمواج فاتك على يسارك وأشر إلى الموج بيدك وقل: أسكن بسكينة الله وقر
بقرار الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال علي بن أسباط: قد ركبت البحر
فكان إذا هاج الموج قلت كما أمرني أبو الحسن عليه السلام فيتنفس (2) الموج ولا
يصيبنا منه شئ، فقلت: جعلت فداك وما السكينة؟ قال: ريح من الجنة لها
وجه كوجه الانسان طيبة وكانت مع الأنبياء وتكون مع المؤمنين.
قوله (أو من ينشؤا في الحلية) أي ينشؤا في الذهب (وهو في الخصام
غير مبين) قال إن موسى عليه السلام أعطاه الله من القوة ان أرى فرعون صورته على
فرس من ذهب رطب عليه ثياب من ذهب رطب، فقال فرعون أو من ينشؤا في

(1) وثى: كعلى الأوجاع.
(2) تنفس الموج: نضح الماء ج. ز
282

الحلية أي ينشؤا بالذهب وهو في الخصام غير مبين قال: لا يبين الكلام ولا يتبين
من الناس ولو كان نبيا لكان بخلاف الناس قوله (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد
الرحمن إناثا) معطوف على ما قالت قريش إن الملائكة بنات الله في قوله: وجعلوا
له من عباده جزءا فرد الله عليهم فقال: (اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم
ويسألون) وقوله (ان هم إلا يخرصون) أي يحتجون (يخمون ط) بلا علم وقوله (بل قالوا
إنا وجدنا آباءنا على أمة) أي على مذهب (وإنا على آثارهم مهتدون) ثم قال
عز وجل (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه انني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني)
أي خلقني (فإنه سيهدين) أي سيبين لي ويثيب ثم ذكر الأئمة عليهم السلام فقال
(وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) يعني فإنهم يرجعون أي الأئمة إلى
الدنيا ثم حكى الله عز وجل قول قريش (وقالوا لولا نزل هذا القرآن) يعني هلا
نزل هذا القرآن (على رجل من القريتين عظيم) وهو عروة بن مسعود والقريتين
مكة والطايف، وكان جزاؤكم (جزاهم ط) ما تحتمل الذباب، وكان عم المغيرة
ابن شعبة فرد الله عليهم فقال: (أهم يقسمون رحمة ربك) يعني النبوة والقرآن
حين قالوا لم لم ينزل على عروة بن مسعود ثم قال الله (نحن قسمنا بينهم معيشتهم
في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) يعني في المال والبنين (ليتخذ
بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) فهذا من أعظم دلالة الله على
التوحيد لأنه خالف بين هيأتهم وتشابههم وإراداتهم وأهوائهم ليستعين بعضهم
على بعض لان أحدا لا يقوم بنفسه لنفسه والملوك والخلفاء لا يستغنون عن
الناس وبهذا قامت الدنيا والخلق المأمورون المنهيون المكلفون ولو احتاج كل
إنسان أن يكون بناءا لنفسه وخياطا لنفسه وحجاما لنفسه وجميع الصناعات التي
يحتاج إليها لما قام العالم طرفة عين لأنه لو طلب كل إنسان العلم ما قامت الدنيا ولكنه
عز وجل خالف بينهم وبين هيأتهم وذلك من أعظم الدلالة على التوحيد.
283

وقوله: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) أي على مذهب واحد
(لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون) قال:
المعارج التي يظهرون بها (ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا) قال
البيت المزخرف بالذهب فقال الصادق عليه السلام: لو فعل الله ذلك لما آمن أحد ولكنه
جعل في المؤمنين أغنياء وفي الكافرين فقراء وجعل في الكافرين أغنياء وفي المؤمنين
فقراء ثم امتحنهم بالأمر والنهي والصبر والرضى قوله: (ومن يعش عن ذكر
الرحمن) أي يعمى (نقيض له شيطانا فهو له قرين) وقوله (فاما نذهبن بك فانا
منهم منتقمون) قال فإنه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري
عن يحيى بن سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: فاما نذهبن بك يا محمد من مكة إلى
المدينة فانا رادوك إليها ومنتقمون منهم بعلي بن أبي طالب عليه السلام قوله (وسئل من
أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) قال: فإنه
حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي الربيع قال حججت
مع أبي جعفر في السنة التي حج فيها هشام بن عبد الملك وكان معه نافع بن الأزرق
مولى عمر بن الخطاب فنظر نافع إلى أبي جعفر عليه السلام في ركن البيت وقد اجتمع
عليه الناس فقال لهشام: يا أمير المؤمنين من هذا الذي تتكافأ عليه الناس؟ فقال
هذا نبي أهل الكوفة هذا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام
فقال نافع: لآتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي أو
ابن وصى نبي، فقال هشام: فاذهب إليه فسله فلعلك أن تخجله، فجاء نافع واتكأ على
الناس ثم أشرف على أبي جعفر عليه السلام فقال يا محمد بن علي اني قد قرأت التوراة
والإنجيل والزبور والفرقان وقد عرفت حلالها وحرامها وقد جئت أسألك مسائل
لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن وصي نبي، فرفع إليه أبو جعفر عليه السلام
رأسه فقال سل فقال أخبرني كم بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله من سنة فقال أخبرك
284

بقولي أو بقولك قال أخبرني بالقولين جميعا فقال اما بقولي فخمسمائة سنة واما
بقولك فستمائة سنة قال فأخبرني عن قول الله " وسئل من أرسلنا من قبلك من
رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " من ذا الذي سأل محمد وكان بينه
وبين عيسى خمسمائة سنة! قال فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه الآية " سبحان الذي
أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه
من آياتنا " فكان من الآيات التي أراها الله محمدا صلى الله عليه وآله حين أسرى به إلى بيت
المقدس ان حشر الله الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين ثم أمر جبرئيل فأذن
شفعا وأقام شفعا ثم قال في إقامته حي على خير العمل ثم تقدم محمد صلى الله عليه وآله وصلى
بالقوم فأنزل الله عليه " وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن
آلهة يعبدون " الآية فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله على ما تشهدون وما كنتم
تعبدون قالوا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وانك رسول الله صلى الله عليه وآله
اخذت على ذلك مواثيقنا وعهودنا، قال نافع صدقت يا بن رسول الله يا أبا جعفر
أنتم والله أوصياء رسول الله وخلفاؤه في التوراة وأسماؤكم في الإنجيل وفي
الزبور وفي القرآن وأنتم أحق بالامر من غيركم.
ثم حكى قول فرعون وأصحابه لموسى عليه السلام فقال (وقالوا يا أيها الساحر)
أي يا أيها العالم (ادع لنا ربك بما عهد عندك اننا لمهتدون) ثم قال فرعون:
(أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) يعني موسى (ولا يكاد يبين) فقال لم يبين
الكلام ثم قال (فلولا ألقي عليه أسورة) أي هلا ألقي عليه أسورة (من ذهب
أو جاء معه الملائكة مقترنين) يعني مقارنين (فاستخف قومه) فلما دعاهم (أطاعوه
انهم كانوا قوما فاسقين فلما آسفونا - إلى عصونا - انتقمنا منهم) لأنه لا يأسف عز وجل كأسف
الناس وقوله (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) قال فإنه حدثني
أبي عن وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن أبي الأعز عن
285

سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله جالس في أصحابه إذ
قال إنه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى بن مريم فخرج بعض من كان جالسا مع
رسول الله صلى الله عليه وآله ليكون هو الداخل، فدخل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال الرجل
لبعض أصحابه أما يرضى محمد ان فضل عليا علينا حتى يشبهه بعيسى بن مريم
والله لآلهتنا التي كنا نعبدها في الجاهلية أفضل منه، فأنزل الله في ذلك المجلس
" ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يضجون " فحرفوها يصدون (وقالوا
أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ان علي إلا عبد
أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) فمحي اسمه عن هذا الموضع (1)
ثم ذكر الله خطر أمير المؤمنين عليه السلام وعظم شأنه عنده تعالى فقال (هذا
صراط مستقيم) يعني أمير المؤمنين (ع) وقوله (فاستمسك بالذي أوحي إليك
انك على صراط مستقيم) حدثنا جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الكريم بن
عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر
عليه السلام قال: نزلت هاتان الآيتان هكذا، قول الله (حتى إذا جاءنا - يعني
فلانا وفلانا - يقول أحدهما لصاحبه حين يراه يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين
فبئس القرين) (2) فقال الله لنبيه قل لفلان وفلان واتباعهما (لن ينفعكم اليوم إذ
ظلمتم - آل محمد حقهم - انكم في العذاب مشتركون) ثم قال الله لنبيه (أفأنت تسمع
الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين فاما نذهبن بك فانا منهم منتقمون)
يعنى من فلان وفلان ثم أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله (فاستمسك بالذي أوحي إليك
في علي انك على صراط مستقيم) يعني انك على ولاية علي وعلي هو الصراط
المستقيم، حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا يحيى بن زكريا عن علي بن حسان عن
عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له قوله: (وانه لذكر لك
ولقومك وسوف تسئلون) فقال الذكر القرآن ونحن قومه ونحن المسؤولون

(1) وفى المصحف: ان هو الا عبد أنعمنا عليه
(2) الزخرف الآية 38
286

(ولا يصدنكم الشيطان) يعنى فلانا لا يصدنك عن أمير المؤمنين (انه لكم عدو
مبين) قوله (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) يعنى الأصدقاء يعادي
بعضهم بعضا، وقال الصادق (ع) ألا كل خلة كانت في الدنيا في غير الله فإنها
تصير عداوة يوم القيامة وقال أمير المؤمنين (ع): وللظالم غدا بكفه (يكفيه
عضة يديه ط) عضة وللرجل وشيك وللاخلاء ندامة إلا المتقين.
أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن
عيسى عن شعيب بن يعقوب عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي (ع) قال في
خليلين مؤمنين وخليلين كافرين ومؤمن غني ومؤمن فقير وكافر غني وكافر فقير،
فاما الخليلان المؤمنان فتخالا حياتهما في طاعة الله وتباذلا عليها وتوادا عليها فمات
أحدهما قبل صاحبه فأراه الله منزله في الجنة يشفع لصاحبه، فقال يا رب خليلي
فلان كان يأمرني بطاعتك ويعينني عليها وينهاني عن معصيتك فثبته على ما ثبتني
عليه من الهدى حتى تريه ما أريتني فيستجيب الله له حتى يلتقيا عند الله عز وجل
فيقول كل واحد منهما لصاحبه جزاك الله من خليل خيرا كنت تأمرني بطاعة
الله وتنهاني عن معصية الله، واما الكافران فتخالا بمعصية الله وتباذلا عليها
وتوادا عليها فمات أحدهما قبل صاحبه فأراه الله تبارك وتعالى منزله في النار فقال
يا رب فلان خليلي كان يأمرني بمعصيتك وينهاني عن طاعتك فثبته على ما ثبتني
عليه من المعاصي حتى تريه ما أريتني من العذاب فيلتقيان عند الله يوم القيامة
يقول كل واحد منهما لصاحبه جزاك الله من خليل شرا كنت تأمرني بمعصية الله
وتنهاني عن طاعة الله قال ثم قرأ (ع) " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا
المتقين " ويدعى بالمؤمن الغنى يوم القيامة إلى الحساب يقول الله تبارك وتعالى
عبدي! قال: لبيك يا رب قال ألم أجعلك سميعا وبصيرا وجعلت لك مالا كثيرا؟
قال: بلى يا رب، قال: فما أعددت للقائي؟ قال: آمنت بك وصدقت رسولك
287

وجاهدت في سبيلك، قال: فماذا فعلت فيما آتيتك؟ قال: أنفقت في طاعتك،
قال: ماذا أورثت في عقبك؟ قال: خلقتني وخلقتهم ورزقتني ورزقتهم وكنت
قادرا على أن ترزقهم كما رزقتني فوكلت عقبي إليك، فيقول الله عز وجل صدقت
اذهب فلو تعلم ما لك عندي لضحكت كثيرا.
ثم يدعى بالمؤمن الفقير فيقول يا عبدي! فيقول لبيك يا رب فيقول ماذا فعلت فيقول يا رب هديتني
لدينك وأنعمت علي وكففت عني ما لو بسطته لخشيت ان يشغلني عما خلقتني له،
فيقول الله عز وجل صدقت عبدي لو تعلم ما لك عندي لضحكت كثيرا، ثم
يدعى بالكافر الغني فيقول ما أعددت للقائي؟ فيعتل، فيقول: ماذا فعلت فيما
آتيتك؟ فيقول ورثته عقبي فيقول من خلقك؟ فيقول أنت فيقول من خلق عقبك؟
فيقول أنت، فيقول: ألم أك قادرا على أن ارزق عقبك كما رزقتك؟ فان قال
نسيت، هلك، وان قال لم أدر ما أنت هلك، فيقول الله عز وجل لو تعلم ما لك
عندي لبكيت كثيرا، قال ثم يدعى بالكافر الفقير فيقول يا بن آدم ما فعلت فيما
أمرتك؟ فيقول: ابتليتني ببلاء الدنيا حتى أنسيتني ذكرك وشغلتني عما خلقتني
له، فيقول له فهلا دعوتني فأرزقك وسألتني فأعطيك؟ فان قال يا رب نسيت
هلك، وان قال: لم أدر ما أنت هلك، فيقول له: لو تعلم ما لك عندي
لبكيت كثيرا.
قال علي بن إبراهيم في قوله (الذين آمنوا بآياتنا) يعني بالأئمة (وكانوا
مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) اي تكرمون (يطاف عليهم بصحاف
من ذهب وأكواب) أي قصاع وأواني (وفيها ما تشتهيه الأنفس - إلى قوله -
منها تأكلون) فإنه محكم، واخبرني أبي عن الحسن بن محبوب عن ابن يسار عن
أبي عبد الله (ع) قال: إن الرجل في الجنة يبقى على مائدته أيام الدنيا ويأكل
في اكلة واحدة بمقدار ما اكله في الدنيا، ثم ذكر الله ما أعده لأعداء آل محمد فقال:
288

(ان المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبسلون) اي آيسون
من الخير فذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام: " واما أهل المعصية فخلدوا في النار،
وأوثق منهم الاقدام، وغل منهم الأيدي إلى الأعناق، وألبس أجسادهم سرابيل
القطران وقطعت لهم مقطعات من النار، هم في عذاب قد اشتد حره ونار قد
أطبق على أهلها، فلا يفتح عنهم أبدا، ولا يدخل عليهم ريح أبدا، ولا ينقضي
منهم الغم أبدا والعذاب أبدا شديد والعقاب أبدا جديد، لا الدار زائلة فتفنى
ولا آجال القوم تقضى ".
ثم حكى نداء أهل النار فقال ونادوا (يا مالك ليقض علينا ربك) قال اي
نموت فيقول مالك (انكم ماكثون) ثم قال الله (لقد جئناكم بالحق) يعنى بولاية
أمير المؤمنين عليه السلام (ولكن أكثركم للحق كارهون) والدليل على أن الحق
ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قوله: " وقل الحق من ربكم - يعني ولاية علي - فمن
شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين - آل محمد حقهم - نارا " ثم
ذكر على أثر هذا خبرهم وما تعاهدوا عليه في الكعبة أن لا يردوا الامر في أهل بيت
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال (أم ابرموا امرا فانا مبرمون - إلى قوله - لديهم
يكتبون) وقوله (قل إن كان للرحمن ولد فانا أول العابدين) يعنى أول القائلين
لله أن يكون له ولد وقوله (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) قال هو إله
في السماء والأرض، حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن الحسين عن الحسن
ابن محبوب عن علي بن رياب عن منصور عن أبي اسامة قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قوله عز وجل " وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله " فنظرت والله
إليه وقد لزم الأرض وهو يقول: والله عز وجل الذي هو والله ربي في السماء إله
وفي الأرض إله وهو الله عز وجل.
وقال علي بن إبراهيم: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة) قال:
289

هم الذين قد عبدوا في الدنيا لا يملكون الشفاعة لمن عبدهم ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وآله (يا رب ان هؤلاء قوم لا يؤمنون) فقال الله: (فاصفح عنهم وقل سلام
فسوف يعلمون).
سورة الدخان مكية
آياتها تسع وخمسون
(بسم الله الرحمن الرحيم حم والكتاب المبين إنا أنزلناه) يعني القرآن
(في ليلة مباركة إنا كنا منذرين) وهي ليلة القدر انزل الله القرآن فيها إلى
البيت المعمور جملة واحدة ثم نزل من البيت المعمور على رسول الله صلى الله عليه وآله في
طول (ثلاث ط) عشرين سنة (فيها يفرق) في ليلة القدر (كل امر حكيم) أي يقدر الله
كل أمر من الحق ومن الباطل وما يكون في تلك السنة وله فيه البدا والمشية يقدم
ما يشاء ويؤخر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والاعراض والأمراض
ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء ويلقيه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام
ويلقيه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الأئمة عليهم السلام حتى ينتهي ذلك إلى صاحب
الزمان عليه السلام، ويشترط له ما فيه البدا والمشية والتقديم والتأخير.
قال: حدثني بذلك أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن مسكان عن
أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن عليهم السلام، قال. وحدثني أبي عن ابن
أبي عمير عن يونس عن داود بن فرقد عن أبي المهاجر عن أبي جعفر عليه السلام قال.
يا أبا المهاجر! لا تخفى علينا ليلة القدر ان الملائكة يطوفون بنا فيها ثم قال (بل هم
في شك يلعبون) يعني في شك مما ذكرناه مما يكون في ليلة القدر وقوله (فارتقب)
أي اصبر (يوم تأتي السماء بدخان مبين) قال: ذلك إذا خرجوا في الرجعة من
القبر (يغشى الناس كلهم) الظلمة فيقولون (هذا عذاب اليم ربنا اكشف عنا
290

العذاب إنا مؤمنون) فقال الله ردا عليهم (أنى لهم الذكرى) في ذلك اليوم (وقد
جاءهم رسول مبين) أي رسول قد تبين لهم (ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون)
قال قالوا ذلك لما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذه الغشي فقالوا هو مجنون
ثم قال (انا كاشفوا العذاب قليلا انكم عائدون) يعني إلى يوم القيامة، ولو كان
قوله " يوم تأتي السماء بدخان مبين " في القيامة لم يقل انكم عائدون لأنه ليس بعد
الآخرة والقيامة حالة يعودون إليها ثم قال (يوم نبطش البطشة الكبرى) يعنى في
القيامة (إنا منتقمون) وقوله (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون) أي اختبرناهم
(وجاءهم رسول كريم ان أدوا إلى عباد الله) أي ما فرض الله من الصلاة والزكاة
والصوم والحج والسنن والاحكام. فأوحى الله إليه (فاسر بعبادي ليلا انكم
متبعون) أي يتبعكم فرعون وجنوده (واترك البحر رهوا) أي جانبا وخذ على
الطرف (انهم جند مغرقون) وقوله (ومقام كريم) أي حسن (ونعمة كانوا
فيها فاكهين) قال: النعمة في الأبدان وقوله: " فاكهين " أي مفاكهين للنساء
(كذلك أورثناها قوما آخرين) يعني بني إسرائيل.
قوله: (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) قال: حدثني
أبي عن حنان بن سدير عن عبد الله بن الفضيل الهمداني عن أبيه عن جده عن
أمير المؤمنين عليه السلام قال: مر عليه رجل عدو لله ولرسوله، فقال: " وما بكت
عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين " ثم مر عليه الحسين بن علي عليهما السلام
فقال: لكن هذا ليبكين عليه السماء والأرض، وقال: وما بكت السماء والأرض
إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهما السلام، قال: حدثني أبي عن
الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي
ابن الحسين عليه السلام يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما السلام
دمعة حتى تسيل على خده بواه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا وأيما مؤمن
291

دمعت عيناه دمعا حتى تسيل على خده لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بواه الله
مبوء صدق في الجنة، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل دمعه
على خديه من مضاضة (1) ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم
القيامة من سخطه والنار، قال: وحدثني أبي عن بكر بن محمد عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة
غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
وقوله: (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين - إلى قوله - على
العالمين) فلفظه عام ومعناه خاص وإنما اختارهم وفضلهم على عالمي زمانهم قوله:
(يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا) قال: من والى غير أولياء الله لا يغني بعضهم
عن بعض، ثم استثنى من والى آل محمد فقال (إلا من رحم الله انه هو العزيز
الرحيم) ثم قال: (ان شجرة الزقوم طعام الأثيم) نزلت في أبي جهل وقوله:
(كالمهل) قال المهل الصفر المذاب (يغلي في البطون كغلي الحميم) وهو الذي قد
حمي وبلغ المنتهى ثم قال: (خذوه فاعتلوه) أي اضغطوه من كل جانب ثم
أنزلوا به (إلى سواء الجحيم) ثم يصب عليه ذلك الحميم ثم يقال له (ذق انك
أنت العزيز الكريم) فلفظه خبر ومعناه حكاية عمن يقول له ذلك وذلك أن
أبا جهل كان يقول: أنا العزيز الكريم، فتعير بذلك في النار ثم وصف ما أعده
الله للمتقين من شيعة أمير المؤمنين (ع) فقال: (إن المتقين في مقام امين - إلى
قوله - إلا الموتة الأولى) يعنى في الجنة غير الموتة التي في الدنيا (ووقاهم عذاب
الجحيم - إلى قوله - فارتقب انهم مرتقبون) أي انتظر انهم منتظرون.
حدثنا سعيد بن محمد قال: حدثنا بكر بن سهيل عن عبد الغنى بن سعيد

(1) أي الشدة.
292

عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس في قوله (فإنما
يسرناه بلسانك) يريد ما يسر من نعمة الجنة وعذاب النار يا محمد (لعلهم
يتذكرون) يريد لكي يتعظ المشركون (فارتقب انهم مرتقبون) تهديد من الله
ووعيد وانتظر انهم منتظرون.
سورة الجاثية مكية
آياتها سبع وثلاثون
(بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ان
في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين) وهي النجوم والشمس والقمر وفي الأرض
ما يخرج منها من أنواع النبات للناس والدواب (لآيات لقوم يعقلون) قوله:
(وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون) أي تجئ من كل جانب وربما كانت حارة
وربما كانت باردة ومنها ما يسير السحاب ومنها ما يبسط الرزق في الأرض ومنها
ما يلقح الشجرة وقوله: (ويل لكل أفاك أثيم) اي كذاب (يسمع آيات الله
تتلى عليه ثم يصر مستكبرا) أي يصر على أنه كذب ويستكبر على نفسه (كأن
لم يسمعها) وقوله: (وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا) يعنى إذا رأى
فوضع العلم مكان الرؤية وقوله: (هذا هدى) يعني القرآن هو تبيان قوله:
(والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز اليم) قال: الشدة والسوء ثم
قال: (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك) أي السفن فيه ثم قال: (وسخر
لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) يعني ما في السماوات من الشمس
والقمر والنجوم والمطر وقوله: " وانزل من السماء ماء " هو المطر الذي يأتينا
في وقته وحينه الذي ينفع به في الزروع وغيرها وقوله: (قل للذين آمنوا يغفروا
للذين لا يرجون أيام الله) قال يقول الأئمة الحق لا تدعوا على أئمة الجور حتى يكون الله
293

الذي يعاقبهم في قوله: (ليجزي قوما بما كانوا يكسبون).
حدثنا أبو القاسم قال: حدثنا محمد بن عباس قال: حدثنا عبيد الله بن
موسى قال: حدثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: حدثنا عمر بن رشيد
عن داود بن كثير عن أبي عبد الله (ع) في قوله الله عز وجل (قل للذين آمنوا
يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) قال قل للذين مننا عليهم بمعرفتنا ان يغفروا
للذين لا يعلمون فإذا عرفوهم فقد غفروا لهم، حدثنا سعيد بن محمد قال: حدثنا
بكر بن سهل قال: حدثنا عبد الغني بن سعيد قال: حدثنا موسى بن عبد الرحمن
عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس في قوله: (من عمل صالحا فلنفسه) يريد
المؤمنين (ومن أساء فعليها) يريد المنافقين والمشركين (ثم إلى ربكم ترجعون)
يريد إليه تصيرون.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها
- إلى قوله - لن يغنوا عنك من الله شيئا) فهذا تأديب لرسول الله صلى الله عليه وآله
والمعنى لامته وقوله (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال: نزلت في قريش كلما
هووا شيئا عبدوه (وأضله الله على علم) أي عذبه على علم منه فيما ارتكبوا من
من أمير المؤمنين عليه السلام وجرى ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لما فعلوه بأهوائهم
وآرائهم وأزالوهم واما لوا الخلافة والإمامة عن أمير المؤمنين بعد اخذ الميثاق عليهم مرتين لأمير المؤمنين
وقوله (اتخذ إلهه هواه) نزلت في قريش وجرت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في
الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام واتخذوا إماما بأهوائهم والدليل على ذلك قوله:
" ومن يقل منهم اني إله من دونه " قال من زعم أنه إمام وليس بامام فمن اتخذ
إماما ففضله على علي عليه السلام.
ثم عطف على الدهرية الذين قالوا لا نحيا بعد الموت فقال (وقالوا ما هي
إلا حيوتنا الدنيا نموت ونحيا) وهذا مقدم ومؤخر لان الدهرية لم يقروا بالبعث
294

ولا النشور بعد الموت وإنما قالوا نحيا ونموت (وما يهلكنا إلا الدهر - إلى
قوله - يظنون) فهذا ظن شك ونزلت هذه الآية في الدهرية وجرت في الذين
فعلوا ما فعلوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بأمير المؤمنين وأهل بيته عليهم السلام وإنما
كان إيمانهم إقرارا بلا تصديق خوفا من السيف ورغبة في المال، ثم حكى
عز وجل قول الدهرية فقال (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن
قالوا ائتوا بآبائنا ان كنتم صادقين) أي انكم تبعثون بعد الموت فقال الله (قل الله
يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيمة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس
لا يعلمون) وقوله (ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون) الذين أبطلوا دين
الله وقوله (وترى كل أمة جاثية) أي على ركبها (كل أمة تدعى إلى كتابها)
قال إلى ما يجب عليهم من أعمالهم ثم قال: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق)
الآيتان محكمتان.
حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد الفزاري عن الحسن بن
علي اللؤلؤي عن الحسن بن أيوب عن سليمان بن صالح عن رجل عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، قال له ان الكتاب
لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله هو الناطق بالكتاب قال الله هذا
بكتابنا ينطق عليكم بالحق، فقلت: إنا لا نقرأها هكذا فقال هكذا والله نزل بها
جبرئيل على محمد ولكنه فيما حرف من كتاب الله، وقال علي بن إبراهيم في قوله
(وقيل اليوم ننساكم) أي نترككم فهذا نسيان الترك (كما نسيتم لقاء يومكم هذا
ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا) وهم الأئمة
أي كذبتموهم واستهزأتم بهم (فاليوم لا يخرجون منها) يعني من النار (ولا هم
يستعتبون) أي لا يجاوبون ولا يقبلهم الله (فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض
رب العالمين وله الكبرياء) يعني القدرة (في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم).
295

الجزء (26) سورة الأحقاف مكية
آياتها خمس وثلاثون
(بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم - إلى
قوله - والذين كفروا عما أنذروا معرضون) يعني قريشا عما دعاهم إليه رسول الله
صلى الله عليه وآله وهو معطوف على قوله " فان أعرضوا فقل أنذرتكم - إلى قوله - عاد
وثمود " ثم احتج الله عليهم فقال: قل لهم - يا محمد - (أرأيتم ما تدعون من دون
الله) يعنى الأصنام التي كانوا يعبدونها (أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم
شرك في السماوات ايتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين)
ثم قال: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيمة
- إلى قوله - بعبادتهم كافرين) قال: من عبد الشمس والقمر والكواكب
والبهائم والشجر والحجر إذا حشر الناس كانت هذه الأشياء لهم أعداءا وكانوا
بعبادتهم كافرين ثم قال: (أم يقولون - يا محمد - افتراه) يعني القرآن أي
وضعه من عنده فقل لهم: (ان افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا) ان أثابني
أو عاقبني على ذلك هو (أعلم بما تفيضون فيه) أي تكذبون (كفى به شهيدا
بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم) ثم قال: (قل - لهم يا محمد - ما كنت بدعا
من الرسل) أي لم أكن واحدا من الرسل فقد كان قبلي أنبياء كثير وقوله (قل
أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به - إلى قوله - على مثله) قال قل إن كان
القرآن من عند الله (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم)
قال: الشاهد (1) أمير المؤمنين (ع) والدليل عليه في سورة هود أفمن كان على

(1) لعل مراده في غير هذه الآية والا لفظة " من بني إسرائيل " آبية
عن هذا المعنى. ج. ز
296

بينة من ربه ويتلوه شاهد منه يعنى أمير المؤمنين (ع) وقوله: (ان الذين قالوا
ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) قال استقاموا على ولاية
أمير المؤمنين (ع) وقوله (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا) قال: الاحسان
رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله (بوالديه) إنما عنى الحسن والحسين عليهما السلام ثم
عطف على الحسين (ع) فقال: (حملته أمه كرها ووضعته كرها) وذلك أن الله
اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وبشره بالحسين (ع) قبل حمله وان الإمامة تكون في ولده
إلى يوم القيامة ثم اخبره بما يصيبه من القتل والمصيبة في نفسه وولده ثم عوضه
بان جعل الإمامة في عقبه وأعلمه انه يقتل ثم يرده إلى الدنيا وينصره حتى يقتل
أعداءه ويملكه الأرض وهو قوله " ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في
الأرض " الآية، قوله: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها
عبادي الصالحون " فبشر الله نبيه صلى الله عليه وآله ان أهل بيتك يملكون الأرض ويرجعون
إلى الدنيا ويقتلون أعداءهم وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام بخبر
الحسين وقتله فحملته كرها، ثم قال أبو عبد الله (ع): فهل رأيتم أحدا يبشر
بولد ذكر فتحمله كرها أي انها اغتمت وكرهت لما أخبرها بقتله، ووضعته كرها
لما علمت من ذلك وكان بين الحسن والحسين عليهما السلام طهر واحد وكان الحسين
عليه السلام في بطن أمه ستة اشهر وفصاله أربعة وعشرون شهرا وهو قول الله:
وحمله وفصاله ثلاثون شهرا.
وقوله: (والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني ان اخرج - إلى قوله -
ما هذا إلا أساطير الأولين) قال نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر، حدثني العباس
ابن محمد قال حدثني الحسن بن سهل باسناد رفعه إلى جابر بن يزيد عن جابر بن
عبد الله قال: ثم اتبع الله جل ذكره مدح الحسين بن علي عليهما السلام بذم
عبد الرحمن بن أبي بكر قال جابر بن يزيد نقلت هذا الحديث لأبي جعفر (ع)
297

فقال أبو جعفر (ع) يا جابر والله لو سبقت الدعوة من الحسين " وأصلح لي ذريتي "
لكان ذريته كلهم أئمة ولكن سبقت الدعوة أصلح لي في ذريتي فمنهم الأئمة (ع)
واحد فواحد فثبت الله بهم حجته
قال علي بن إبراهيم في قوله (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم
طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها) قال أكلتم وشربتم ولبستم وركبتم وهي
في بني فلان (فاليون تجزون عذاب الهون) قال العطش (بما كنتم تستكبرون
في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) وقوله (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه
بالأحقاف) والأحقاف بلاد عاد من الشقوق إلى الاجفر وهي أربعة منازل.
قال: حدثني أبي قال أمر المعتصم ان يحفر بالبطائية (البطانية ط) بئر
فحفروا ثلاثمائة قامة فلم يظهر الماء فتركه ولم يحفره فلما ولى المتوكل أمر أن يحفر
ذلك البئر أبدا حتى يبلغ الماء، فحفروا حتى وضعوا في كل مائة قامة بكرة حتى
انتهوا إلى صخرة فضربوها بالمعول فانكسرت فخرج منها ريح باردة فمات من كان
بقربها. فأخبروا المتوكل بذلك فلم يعلم بذلك ما ذاك، فقالوا: سل ابن الرضا
عن ذلك وهو أبو الحسن علي بن محمد عليهما السلام فكتب إليه يسأل عن ذلك؟
فقال أبو الحسن عليه السلام تلك بلاد الأحقاف وهم قوم عاد الذين أهلكهم الله
بالريح الصرصر.
ثم حكى الله قوم عاد (قالوا أجئتنا لتأفكنا) أي تزيلنا بكذبك عما كان
يعبد آباؤنا (فاتنا بما تعدنا) من العذاب (إن كنت من الصادقين) وكان نبيهم
هود وكانت بلادهم كثيرة الخير خصبة. فحبس الله عنهم المطر سبع سنين حتى
اجدبوا وذهب خيرهم من بلادهم، وكان هود يقول لهم ما حكى الله في سورة
هود (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه - إلى قوله - ولا تتولوا مجرمين) فلم يؤمنوا
وعتوا فأوحى الله إلى هود انه يأتيهم العذاب في وقت كذا وكذا وريح فيها
298

عذاب اليم، فلما كان ذلك الوقت نظروا إلى سحاب قد أقبلت ففرحوا فقالوا: (هذا
عارض ممطرنا) الساعة يمطر فقال لهم هود (بل هو ما استعجلتم به) في قوله إئتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين
ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شئ بأمر ربها) فلفظه عام ومعناه خاص لأنها تركت
أشياء كثيرة لم تدمرها وإنما دمرت مالهم كله فكان كما قال الله (فأصبحوا لا يرى
إلا مساكنهم) وكل هذه الأخبار من هلاك الأمم تخويف وتحذير لامة محمد
صلى الله عليه وآله وقوله: (ولقد مكناهم فيما ان مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا
وأفئدة) أي قد أعطيناهم فكفروا فنزل بهم العذاب فاحذروا ان ينزل بكم ما نزل
بهم ثم خاطب الله قريشا فقال (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات)
أي بينا وهي بلاد عاد وقوم صالح وقوم لوط ثم قال احتجاجا عليهم (فلولا نصرهم
الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم) أي بطلوا (وذلك إفكهم)
أي كذبهم (وما كانوا يفترون).
وقوله: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون - إلى قوله - أولئك
في ضلال مبين) فهذا كله حكاية عن الجن وكان سبب نزول هذه الآية ان
رسول الله صلى الله عليه وآله خرج من مكة إلى سوق عكاظ ومعه يزيد بن حارثة يدعو
الناس إلى الاسلام فلم يجبه أحد ولم يجد من يقبله، ثم رجع إلى مكة فلما بلغ
موضعا يقال له وادي مجنة تهجد بالقرآن في جوف الليل فمر به نفر من الجن فلما
سمعوا قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله استمعوا له فلما سمعوا قراءته قال بعضهم لبعض
(انصتوا) يعني اسكتوا (فلما قضي) أي فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من القراءة
(ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى
مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله
وآمنوا به - إلى قوله - أولئك في ضلال مبين) فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فاسلموا وآمنوا وعلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله شرائع الاسلام، فأنزل الله على نبيه
299

" قل أوحي إلي انه استمع نفر من الجن " السورة كلها فحكى الله قولهم وولى
عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله منهم كانوا يعودون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في كل وقت
فامر رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام ان يعلمهم ويفقههم فمنهم مؤمنون ومنهم
كافرون وناصبون ويهود ونصارى ومجوس وهم ولد الجان، وسئل العالم عليه السلام عن
مؤمني الجن أيدخلون الجنة؟ فقال لا ولكن لله حظائر بين الجنة والنار يكون
فيها مؤمنو الجن وفساق الشيعة.
ثم احتج الله على الدهرية فقال: (أولم يروا ان الله الذي خلق السماوات
والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى أنه على كل شئ قدير)
ثم أدب الله نبيه صلى الله عليه وآله بالصبر فقال (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) وهو
نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم عليهم السلام ومحمد صلى الله عليه وآله، ومعنى اولي
العزم انهم سبقوا الأنبياء إلى الاقرار بالله والاقرار بكل نبي كان قبلهم وبعدهم
وعزموا على الصبر مع التكذيب والأذى (1) ثم قال (ولا تستعجل لهم) يعني العذاب
(كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ) قال يرون يوم
القيامة انهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار (بلاغ) أي ابلغهم ذلك (فهل
يهلك إلا القوم الفاسقون).
سورة محمد صلى الله عليه وآله مدنية
آياتها ثمان وثلاثون
(بسم الله الرحمن الرحيم الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم)
نزلت في الذين ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وغصبوا أهل بيته حقهم وصدوا
عن أمير المؤمنين عليه السلام وعن ولاية الأئمة عليهم السلام أضل اعمالهم أي أبطل ما كان
تقدم منهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله من الجهاد والنصرة.

(1) وقد مضى أيضا تفسير أولى العزم في هذا الكتاب فراجع ص 65 ج. ز
300

أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسن بن العباس الحريشي
عن أبي جعفر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في
المسجد والناس مجتمعون بصوت عال " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل
أعمالهم " فقال له ابن عباس: يا أبا الحسن لم قلت ما قلت؟ قال قرأت شيئا من
القرآن، قال لقد قلته لامر، قال نعم ان الله يقول في كتابه " وما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " أفتشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله انه استخلف فلانا؟
قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى إلا إليك، قال: فهلا بايعتني؟ قال:
اجتمع الناس عليه فكنت منهم، فقال أمير المؤمنين عليه السلام كما اجتمع أهل العجل
على العجل ها هنا فتنتم ومثلكم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله
ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون.
أخبرنا الحسين (الحسن ط) بن محمد عن العلا (معلى ط) بن محمد باسناده عن إسحاق بن عمار قال
قال أبو عبد الله عليه السلام: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد
- في علي - وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم) هكذا نزلت،
وقال علي بن إبراهيم في قوله " والذين آمنوا وعملوا الصالحات " نزلت في أبي ذر
وسلمان وعمار ومقداد لم ينقضوا العهد وآمنوا بما نزل على محمد أي ثبتوا على
الولاية التي أنزلها الله وهو الحق يعني أمير المؤمنين عليه السلام من ربهم كفر عنهم
سيئاتهم وأصلح بالهم أي حالهم ثم ذكر اعمالهم فقال: (ذلك بان الذين كفروا
اتبعوا الباطل) وهم الذين اتبعوا أعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام
(وان الذين اتبعوا الحق من ربهم) قال: وحدثني أبي عن بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله ص في سورة محمد آية فينا وآية في أعدائنا والدليل
على ذلك قوله كذلك يضرب الله للناس أمثالهم قوله (فإذا لقيتم الذين كفروا
فضرب الرقاب - إلى قوله - لانتصر منهم) فهذا السيف الذي على مشركي العجم
301

من الزنادقة ومن ليس معه كتاب من عبدة النيران والكواكب وقوله (فإذا
لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) والمخاطبة للجماعة والمعنى لرسول الله صلى الله عليه وآله
والامام بعده وقوله (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل اعمالهم سيهديهم ويصلح
بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم) أي وعدها إياهم وادخرها لهم (ليبلو بعضكم
ببعض) أي يختبر.
ثم خاطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال: (يا أيها الذين آمنوا ان تنصروا الله
ينصركم ويثبت أقدامكم) فقال (والذين كفروا فتعسا لهم وأضل اعمالهم ذلك
بأنهم كرهوا ما انزل الله - في علي - فأحبط اعمالهم) حدثنا جعفر بن أحمد قال
حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي بن محمد بن الفضيل عن
أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) قال نزل جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا
ذلك بأنهم كرهوا ما انزل الله في علي - الا انه كشط الاسم - فأحبط اعمالهم، قال علي بن إبراهيم في قوله
(أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) أي أو لم
ينظروا في أخبار الأمم الماضية قوله (دمر الله عليهم) اي أهلكهم وعذبهم ثم
قال (وللكافرين) يعني الذين كفروا وكرهوا ما انزل الله في علي (أمثالها) اي
لهم مثل ما كان للأمم الماضية من العذاب والهلاك، ثم ذكر المؤمنين الذين ثبتوا
على إمامة أمير المؤمنين (ع) فقال (ذلك بان الله مولى الذين آمنوا وان للكافرين
لا مولى لهم) ثم ذكر المؤمنين فقال: (ذلك بان الله يدخل الذين آمنوا وعملوا
الصالحات) يعني بولاية علي (ع) (جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا)
من أعدائه (يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام) يعنى اكلا كثيرا (والنار
مثوى لهم) قال (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم
فلا ناصر لهم) قال: إن الذين أهلكناهم من الأمم السالفة كانوا أشد قوة من
قريتك يعني أهل مكة الذين أخرجوك منها فلم يكن لهم ناصر (أفمن كان على بيتة
من ربه) يعني أمير المؤمنين (ع) (كمن زين له سوء عمله) يعنى الذين غصبوه
302

(واتبعوا أهواءهم).
ثم ضرب لأوليائه وأعدائه مثلا فقال لأوليائه (مثل الجنة التي وعد المتقون
فيها انهار من ماء غير آسن - إلى قوله - من خمر لذة للشاربين) ومعنى الخمر أي
خمرة إذا تناولها ولي الله وجد رائحة المسك فيها (وانهار من عسل مصفى ولهم
فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم) ثم ضرب لأعدائه مثلا فقال (كمن هو
خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع امعاءهم) فقال لنبيه: أفمن هو في هذه الجنة
الموصوفة كمن هو في هذه النار كما أن ليس عدو الله كوليه
وقوله: (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا الذين
أوتوا العلم ماذا قال آنفا) فإنها نزلت في المنافقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
ومن كان إذا سمع شيئا منه لم يؤمن به ولم يعه، فإذا خرجوا قالوا للمؤمنين ماذا
قال محمد آنفا فقال الله (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم)
حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال حدثنا الحسن بن محمد عن سماعة عن وهب بن
حفص عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال سمعته يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله
كان يدعو أصحابه فمن أراد الله به خير سمع وعرف ما يدعوه إليه ومن أراد الله
به شرا طبع على قلبه لا يسمع ولا يعقل وهو قول الله تعالى (حتى إذا خرجوا
من عندك - إلى قوله - ماذا قال آنفا) قال علي بن إبراهيم ثم ذكر المهتدين فقال
(والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) وهو رد على من زعم أن الايمان
لا يزيد ولا ينقص ثم قال (فهل ينظرون إلا الساعة) يعنى القيامة (ان تأتيهم
بغتة فقد جاء اشراطها) فإنه حدثني أبي عن سليمان بن مسلم الخشاب عن عبد الله
ابن جريح المكي عن عطا بن أبي رياح عن عبد الله بن عباس قال حججنا مع
رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الكعبة ثم أقبل علينا بوجهه
فقال: ألا أخبركم بأشراط الساعة؟ وكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان رحمة الله
303

عليه، فقال بلى يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وآله: إن من اشراط القيامة إضاعة
الصلوات واتباع الشهوات، والميل إلى الأهواء وتعظيم أصحاب المال، وبيع
الدين بالدنيا، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء مما يرى
من المنكر فلا يستطيع ان يغيره، قال سلمان وان هذا لكائن يا رسول الله؟ قال
إي والذي نفسي بيده يا سلمان! ان عندها يليهم أمراء جورة ووزراء فسقة،
وعرفاء ظلمة، وأمناء خونة، فقال سلمان وان هذا لكائن يا رسول الله! قال
صلى الله عليه وآله إي والذي نفسي بيده يا سلمان ان عندها يكون المنكر معروفا والمعروف
منكرا ويؤتمن الخائن ويخون الأمين ويصدق الكاذب ويكذب الصادق، قال
سلمان وان هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان! فعندها تكون امارة النساء ومشاورة الإماء وقعود الصبيان
على المنابر ويكون الكذب طرفا والزكاة مغرما والفئ مغنما ويجفو الرجل والديه
ويبر صديقه، ويطلع الكوكب المذنب، قال سلمان: وان هذا لكائن
يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها تشارك المرأة زوجها
في التجارة (1) ويكون المطر قيظا ويغيظ الكرام غيظا ويحتقر الرجل المعسر
فعندها تقارب الأسواق إذ فان هذا لم أبع شيئا وقال هذا لم أربح شيئا فلا ترى
إلا ذاما لله، قال سلمان: وان هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي
نفسي بيده.

(1) يمكن أن تكون الإشارة منه إلى ما هو متعارف في هذا الزمان من
بيع وشراء الحصص من الشركات التجارية فيشتري الرجل من تلك الحصص
لنفسه ولعياله كذا تشارك المرأة زوجها في التجارة، أو يكون المراد منه جلوس
المرأة المتزينة لبيع السلعة في المغازات مع الرجال جنبا لجنب كما هو رائج في البلاد
الاسلامية " المتمدنة ". ج. ز
304

يا سلمان! فعندها يليهم أقوام ان تكلموا قتلوهم وان سكتوا استباحوا
حقهم ليستأثرون أنفسهم بفيئهم وليطؤن حرمتهم وليسفكن دماءهم وليملأن قلوبهم
دغلا ورعبا، فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين، قال سلمان: وان
هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده، يا سلمان! ان عندها
يؤتى بشئ من المشرق وشئ من المغرب يلون أمتي، فالويل لضعفاء أمتي منهم
والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيرا ولا يوقرون كبيرا ولا يتجاوزون من
مسئ جثتهم جثة الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين، قال سلمان وان هذا لكائن
يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده، يا سلمان! وعندها يكتفي الرجال
بالرجال والنساء بالنساء ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها وتشبه
الرجال بالنساء والنساء بالرجال ولتركبن ذوات الفروج (1) السروج فعليهن من
أمتي لعنة الله، قال سلمان: وان هذا لكائن يا رسول الله؟ فقال: إي والذي
نفسي بيده يا سلمان! ان عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس
وتحلى المصاحف، وتطول المنارات وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة.
قال سلمان: وان هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده
وعندها تحلى ذكور أمتي بالذهب ويلبسون الحرير والديباج ويتخذون جلود
النمور صفافا (2) قال سلمان: وان هذا لكائن يا رسول الله! قال: إي والذي

(1) ليس " السروج " مختصا بالخيل فقط، فقد أطلق هذا اللفظ على
مطلق الدابة، فينطبق تماما على النساء المكشفات اللواتي يسقن سياراتهن إظهارا
للمال والجمال، الذي هو في الحقيقة وبال لهن ولجميع من مال.
(2) أي فرشا ج. ز
305

نفسي بيده يا سلمان! وعندها يظهر الربا ويتعاملون بالعينة (1) والرشى ويوضع الدين
وترفع الدنيا، قال سلمان: وان هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي
نفسي بيده يا سلمان! وعندها يكثر الطلاق، فلا يقام لله حد ولن يضروا الله
شيئا. قال سلمان: وان هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده
يا سلمان! وعندها تظهر القينات والعازف (2) ويليهم أشرار أمتي، قال سلمان
وان هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: إي والذي نفسي بيده يا سلمان!
وعندها تحج أغنياء أمتي للنزهة وتحج أوساطها للتجارة وتحج فقراؤهم للرياء
والسمعة فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله ويتخذونه مزامير،
ويكون أقوام يتفقهون لغير الله وتكثر أولاد الزنا، ويتغنون بالقرآن، ويتهافتون

(1) قال في مجمع البحرين: العينة بالكسر السلعة، وقد جاء ذكرها في
الحديث واختلف في تفسيرها فقال ابن إدريس في السرائر: العينة معناها في
الشريعة هو ان يشتري سلعه بثمن مؤجل ثم يبيعها بدون ذلك الثمن نقدا ليقضي
دينا عليه لمن قد حل له عليه، ويكون الدين الثاني وهو العينة من صاحب الدين
الأول مأخوذا ذلك العين وهو النقد الحاضر، وقال بعض الفقهاء: هي ان يشتري
السلعة ثم إذا جاء الأجل باعها على بايعها بثمن المثل أو أزيد (انتهى). أقول:
لعل المراد هنا بالمعاملة بالعينة (وهي السلعة) المعاملات التي هي رائجة الوقت بين
التجار والبنوك، فإنهم يستوردون السلعة بواسطة البنوك وتبقى في البنك رهينة
إلى أن يدفع ثمنها ثم يبيعونها وهي في البنك دفعة أو تدريجا، وبهذا الثمن يؤدون
دين البنك مع الربا.
(2) القينة: المغنية، المعازف. الملاهي كالعود والطنبور ويصدق على
الراديو للغناء في هذا الزمان. ج. ز
306

بالدنيا قال سلمان: وان هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: إي والذي
نفسي بيده.
يا سلمان ذاك إذا انتهكت المحارم، واكتسبت المآثم، وتسلط الأشرار
على الأخيار، ويفشو الكذب وتظهر اللجاجة، وتغشو الفاقة ويتباهون في اللباس
ويمطرون في غير أوان المطر، ويستحسنون الكوبة (1) والمعازف وينكرون
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان
أذل من الأمة ويظهر قراؤهم وعبادهم فيما بينهم التلاوم، فأولئك يدعون في
ملكوت السماوات والأرجاس والأنجاس، قال سلمان: وان هذا لكائن
يا رسول الله؟ فقال: إي والذي نفسي بيده، يا سلمان! فعندها لا يحض الغنى
على الفقير حتى أن السائل يسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحدا يضع في كفه شيئا
قال سلمان: وان هذا لكائن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: إي والذي نفسي بيده
يا سلمان! عندها يتكلم الروبيضة، فقال: وما الروبيضة يا رسول الله؟ فداك
أبي وأمي؟ قال صلى الله عليه وآله: يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلم فلم يلبثوا إلا قليلا
حتى تخور (2) الأرض خورة فلا يظن كل قوم إلا انها خارت في ناحيتهم
فيمكثون ما شاء الله ثم ينكتون في مكثهم فتلقى لهم الأرض أفلاذ كبدها ذهبا
وفضة ثم أومأ بيده إلى الأساطين فقال مثل هذا فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضة،
فهذا معنى قوله فقد جاء اشراطها.
وقوله (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة - إلى قوله - فأولى لهم)

(1) وفي الخبر ان الله حرم الخمر والكوبة واختلف في معناها فقيل: هي
النرد وقيل: الطبل وقيل: الشطرنج.
(2) خار الرجل: أي ضعف وانكسر، لعل المراد منه الخسف. ج. ز
307

فهم المنافقون ثم قال (فإذا عزم الامر) يعنى الحرب (فلو صدقوا الله لكان خيرا
لهم فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) نزلت في
بني أمية، حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد عن الحسن بن
علي الخزاز عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي العباس المكي
قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن عمر لقى عليا عليه السلام فقال: أنت الذي تقرأ
هذه الآية " بأيكم المفتون " تعرض بي وبصاحبي؟ قال: أفلا أخبرك بآية نزلت
في بني أمية " فهل عسيتم ان توليتم - إلى قوله - وتقطعوا أرحامكم " فقال عمر
بنو أمية أوصل للرحم منك ولكنك أثبت العداوة لبني أمية وبني عدي
وبني تيم حدثنا محمد بن القاسم بن عبيد الكندي قال حدثنا عبد الله بن عبد الفارس
عن محمد بن علي عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (ان الذين ارتدوا على أدبارهم)
عن الايمان بتركهم ولاية علي أمير المؤمنين عليه السلام (الشيطان - يعنى فلانا - سول لهم)
يعني بني فلان وبني فلان وبني أمية قوله (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل
الله) هو ما افترض الله على خلقه من ولاية أمير المؤمنين عليه السلام (سنطيعكم في بعض
الامر) قال دعوا بنى أمية إلى ميثاقهم ألا يصيرون لنا الامر بعد النبي صلى الله عليه وآله ولا
يعطونا من الخمس شيئا وقالوا ان أعطيناهم الخمس استغنما به فقال سنطيعكم
في بعض لامر أي لا تعطوهم من الخمس شيئا فأنزل الله على نبيه " أم أبرموا أمرا
فانا مبرمون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون "
وقال علي بن إبراهيم في قوله
(ان الذين ارتدوا على أدبارهم من بعدما تبين لهم الهدى) نزلت في الذين نقضوا
عهد الله في أمير المؤمنين (الشيطان سول لهم) أي هين لهم وهو فلان (وأملى
لهم) أي بسط لهم أن لا يكون مما قال محمد شيئا (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا
ما نزل الله) في أمير المؤمنين (سنطيعكم في بعض الامر) يعني في الخمس ان لا يردوه
في بني هاشم (والله يعلم إسرارهم) قال الله (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون
308

وجوههم وأدبارهم) بنكثهم وبغيهم وامساكهم الامر من بعد ان ابرم عليهم ابراما
يقول إذا ماتوا ساقتهم الملائكة إلى النار فيضربونهم من خلفهم ومن قدامهم
(ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله) يعني موالاة فلان وفلان ظالمي أمير المؤمنين
(فأحبط اعمالهم) يعني التي عملوها من الخيرات (ان الذين كفروا وصدوا عن
سبيل الله) قال عن أمير المؤمنين عليه السلام (وشاقوا الرسول) أي قاطعوه في أهل بيته
بعد اخذه الميثاق عليهم له (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله
معكم ولن يتركم اعمالكم) اي لم ينقصكم (ولا يسألكم أموالكم إن يسألكموها
فيحفكم تبخلوا) أي يجدكم تبخلوا (ويخرج اضغانكم) قال: العداوة التي في
صدوركم ثم قال (ها أنتم هؤلاء) معناه أنتم يا هؤلاء (تدعون لتنفقوا في سبيل
الله - إلى قوله - وان تتولوا) عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام (يستبدل قوما
غيركم) قال: يدخلهم في هذا الامر (ثم لا يكونوا أمثالكم) في معاداتكم وخلافكم
وظلمكم لآل محمد صلى الله عليه وآله، حدثني محمد بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن جعفر عن
السندي بن محمد عن يونس بن يعقوب عن يعقوب بن قيس قال قال أبو عبد الله
عليه السلام: يا بن قيس وان تتولوا يستبدل قوما غيركم لا يكونوا أمثالكم عنى أبناء
الموالي المعتقين.
سورة الفتح مدنية
آياتها تسع وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال: فإنه حدثني أبي
عن ابن أبي عمير عن ابن سنان (سياد ط) عن أبي عبد الله (ع) قال: كان سبب نزول هذه
السورة وهذا الفتح العظيم ان الله عز وجل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم أن
يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلقين، فأخبر أصحابه وأمرهم بالخروج
309

فخرجوا فلما نزل ذا الحليفة أحرموا بالعمرة وساقوا البدن وساق رسول الله
صلى الله عليه وآله ستا وستين بدنة وأشعرها عند إحرامه، وأحرموا من ذي الحليفة ملبين
بالعمرة قد ساق من ساق منهم الهدي مشعرات مجللات، فلما بلغ قريشا ذلك
بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا ليستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله، فكان
يعارضه على الجبال فلما كان في بعض الطريق حضرت صلاة الظهر فأذن بلال
وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس، فقال خالد بن الوليد: لو كنا حملنا عليهم وهم في
الصلاة لأصبناهم فإنهم لا يقطعون صلاتهم ولكن تجئ لهم الآن صلاة أخرى
أحب إليهم من ضياء أبصارهم فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم، فنزل جبرئيل
عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله بصلاة الخوف بقوله: " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم
الصلاة " الآية، وهذه الآية في سورة النساء وقد مضى ذكر خبر صلاة
الخوف فيها.
فلما كان في اليوم الثاني نزل رسول الله صلى الله عليه وآله الحديبية وهي على طرف
الحرم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يستنفر بالاعراب في طريقه معه فلم يتبعه أحد
ويقولون: أيطمع محمد وأصحابه ان يدخلوا الحرم وقد غزتهم قريش في عقر
ديارهم فقتلوهم انه لا يرجع محمد وأصحابه إلى المدينة أبدا فلما نزل رسول الله
صلى الله عليه وآله الحديبية خرجت قريش يحلفون باللات والعزى لا يدعون محمدا يدخل
مكة وفيهم عين تطرف، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله اني لم آت لحرب وإنما
جئت لأقضي نسكي وأنحر بدني وأخلي بينكم وبين لحماتها، فبعثوا عروة بن مسعود
الثقفي وكان عاقلا لبيبا وهو الذي انزل الله فيه " وقالوا لولا انزل هذا القرآن
على رجل من القريتين عظيم " فلما أقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله عظم ذلك وقال:
310

يا محمد تركت قومك وقد ضربوا الأبنية وأخرجوا العود المطافيل (1) يحلفون
باللات والعزى لا يدعوك تدخل مكة فان مكة حرمهم وفيها عين تطرف أفتريد ان
تبيد أهلك وقومك يا محمد! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما جئت لحرب وإنما جئت
لأقضي نسكي فانحر بدني وأخلي بينكم وبين لحماتها، فقال عروة: بالله ما رأيت
كاليوم أحدا صد كما صددت، فرجع إلى قريش وأخبرهم فقالت قريش والله لئن
دخل محمد مكة وتسامعت به العرب لنذلن ولتجترين علينا العرب.
فبعثوا حفص بن الأحنف وسهيل بن عمرو فلما نظر اليهما رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: ويح قريش قد نهكتهم الحرب ألا خلوا بيني وبين العرب فان أك صادقا فإنما
أجر الملك إليهم مع النبوة وان أك كاذبا كفتهم ذؤبان العرب لا يسألني اليوم
امرؤ من قريش خطة ليس لله فيها سخط إلا أجبتهم إليه، قال: فوافوا
رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا محمد ألا ترجع عنا عامك هذا إلى أن ننظر إلى ماذا
يصير أمرك وأمر العرب فان العرب قد تسامعت بمسيرك فان دخلت بلادنا وحرمنا
استذلتنا العرب واجترأت علينا ونخلي لك البيت في العام القابل في هذا الشهر
ثلاثة أيام حتى تقضي نسكك وتنصرف عنا فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ذلك
وقالوا له وترد الينا كل من جاءك من رجالنا ونرد إليك كل من جاءنا من رجالك
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من جاءكم من رجالنا فلا حاجة لنا فيه ولكن على أن
المسلمين بمكة لا يؤذون في إظهارهم الاسلام ولا يكرهون ولا ينكر عليهم شئ
يفعلونه من شرائع الاسلام، فقبلوا ذلك فلما أجابهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الصلح
أنكر عامة أصحابه وأشد ما كان إنكارا فلان فقال: يا رسول الله ألسنا على
الحق وعدونا على الباطل؟ فقال: نعم، قال: فنعطي الذلة (الدنية ح) في ديننا!

(1) عود كطود المسن. مطافيل ذوات أطفال. ج. ز
311

قال: إن الله قد وعدني ولن يخلفني قال: لو أن معي أربعين رجلا لخالفته.
ورجع سهيل بن عمرو وحفص بن الأحنف إلى قريش فأخبرهم بالصلح فقال
عمر يا رسول الله ألم تقل لنا ان ندخل المسجد الحرام ونحلق مع المحلقين؟ فقال
أمن عامنا هذا وعدتك؟ وقلت لك: إن الله عز وجل قد وعدني ان افتح مكة
وأطوف وأسعى مع المحلقين، فلما أكثروا عليه صلى الله عليه وآله قال لهم: إن لم تقبلوا
الصلح فحاربوهم، فمروا نحو قريش وهم مستعدون للحرب وحملوا عليهم فانهزم
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله هزيمة قبيحة ومروا برسول الله صلى الله عليه وآله فتبسم رسول الله
صلى الله عليه وآله ثم قال: يا علي! خذ السيف واستقبل قريشا، فاخذ أمير المؤمنين عليه السلام
سيفه وحمل على قريش فلما نظروا إلى أمير المؤمنين عليه السلام تراجعوا وقالوا: يا علي
بدا لمحمد فيما أعطانا فقال: لا وتراجع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله مستحيين
وأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: ألستم
أصحابي يوم بدر إذ أنزل الله فيكم إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم إني ممدكم
بألف من الملائكة مردفين، ألستم أصحابي يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على
أحد والرسول يدعوكم في اخراكم، ألستم أصحابي يوم كذا؟ ألستم أصحابي
يوم كذا فاعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وندموا على ما كان منهم وقالوا: الله
أعلم ورسوله فاصنع ما بدا لك.
ورجع حفص بن الأحنف وسهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقالا:
يا محمد قد أجابت قريش إلى ما اشترطت عليهم من إظهار الاسلام وان لا يكره
أحد على دينه فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بالكتب ودعا أمير المؤمنين عليه السلام وقال له
اكتب، فكتب أمير المؤمنين عليه السلام:
" بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل بن عمرو: لا نعرف الرحمن اكتب
كما كان يكتب آباؤك باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اكتب باسمك اللهم
312

فإنه اسم من أسماء الله، ثم كتب: " هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله
والملا من قريش، فقال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك
اكتب هذا ما تقاضى عليه محمد بن عبد الله أتأنف من نسبك يا محمد! فقال
رسول الله أنا رسول الله وان لم تقروا، ثم قال امح يا علي! واكتب محمد بن
عبد الله، فقال أمير المؤمنين عليه السلام، ما أمحو اسمك من النبوة ابدا، فمحاه
رسول الله صلى الله عليه وآله بيده، ثم كتب: " هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله والملأ
من قريش وسهيل بن عمرو واصطلحوا على وضع الحرب بينهم عشر سنين على أن
يكف بعض عن بعض وعلى انه لا إسلال ولا إغلال (1) وان بيننا وبينهم غيبة
مكفوفة، وانه من أحب ان يدخل في عهد محمد وعقده فعل، وان من أحب ان
يدخل في عهد قريش وعقدها فعل، وانه من أتى من قريش إلى أصحاب محمد
بغير إذن وليه يرده إليه وانه من اتى قريشا من أصحاب محمد لم يرده إليه،
وأن يكون الاسلام ظاهرا بمكة لا يكره أحد على دينه، ولا يؤذى ولا يعير،
وأن محمدا يرجع عنهم عامه هذا وأصحابه ثم يدخل علينا في العام القابل مكة فيقيم
فيها ثلاثة أيام، ولا يدخل عليها بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف في القراب "
وكتب علي بن أبي طالب وشهد على الكتاب المهاجرون والأنصار.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي! انك أبيت ان تمحو اسمي من النبوة
فوالذي بعثني بالحق نبيا لنجيبن أبناءهم إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد (2) فلما
كان يوم صفين ورضوا بالحكمين كتب: هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، فقال عمرو بن العاص: لو علمنا انك

(1) إسلال: سل السيف إغلال: الاسارة.
(2) مض مضيضا: ألم من وجع المصيبة، مضطهد: المقهور المظلوم. ج. ز
313

أمير المؤمنين ما حاربناك ولكن اكتب: هذا ما اصطلح عليه علي بن أبي طالب
ومعاوية بن أبي سفيان، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: صدق الله وصدق رسوله
صلى الله عليه وآله أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، ثم كتب الكتاب قال: فلما كتبوا
الكتاب قامت خزاعة فقالت: نحن في عهد محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وعقده،
وقامت بنو بكر فقالت: نحن في عهد قريش وعقدها، وكتبوا نسختين نسخة
عند رسول الله ونسخة عند سهيل بن عمرو ورجع سهيل بن عمرو وحفص بن
الأحنف إلى قريش فأخبراهم وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: انحروا بدنكم
واحلقوا رؤوسكم فامتنعوا وقالوا كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين
الصفا والمروة، فاغتم رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك وشكا ذلك إلى أم سلمة، فقالت
يا رسول الله انحر أنت واحلق فنحر رسول الله صلى الله عليه وآله وحلق ونحر القوم على
حيث يقين وشك وارتياب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله تعظيما للبدن رحم الله
المحلقين وقال قوم لم يسوقوا البدن: يا رسول الله والمقصرين؟ لان من لم يسق
هديا لم يجب عليه الحلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ثانيا رحم الله المحلقين الذين لم
يسوقوا الهدي، فقالوا يا رسول الله والمقصرين فقال رحم الله المقصرين، ثم
رحل رسول الله صلى الله عليه وآله نحو المدينة فرجع إلى التنعيم ونزل تحت الشجرة، فجاء
أصحابه الذين أنكروا عليه الصلح واعتذروا وأظهروا الندامة على ما كان منهم
وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يستغفر لهم فنزلت آية الرضوان نزل (بسم الله
الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر).
حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن أحمد عن محمد بن الحسين عن علي
ابن النعمان عن علي بن أيوب عن عمر بن يزيد بياع السابري، قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام قول الله في كتابه " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر "
قال: ما كان له من ذنب ولا هم بذنب ولكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له.
314

وقال علي بن إبراهيم في قوله (هو الذي انزل السكينة - إلى قوله - ولله
جنود السماوات والأرض) فهم الذين لم يخالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله ولم ينكروا عليه
الصلح ثم قال (ليدخل المؤمنين والمؤمنات - إلى قوله - الظانين بالله ظن السوء
عليهم دائرة السوء) وهم الذين أنكروا الصلح واتهموا رسول الله صلى الله عليه وآله (وغضب
الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ولله جنود السماوات والأرض
وكان الله عزيزا حكيما إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) ثم عطف بالمخاطبة
على أصحابه فقال (ليؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) ثم عطف على نفسه
عز وجل فقال: (وتسبحوه بكرة وأصيلا) معطوفا على قوله لتؤمنوا بالله،
ونزلت في بيعة الرضوان (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)
واشترط عليهم ان لا ينكروا بعد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا يفعله ولا
يخالفوه في شئ يأمرهم به، فقال الله عز وجل بعد نزول آية الرضوان (ان الذين
يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه
ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) وإنما رضي عنهم بهذا الشرط
أن يفوا بعد ذلك بعهد الله وميثاقه ولا ينقضوا عهده وعقده فبهذا العهد رضي
الله عنهم فقد قدموا في التأليف آية الشرط على بيعة الرضوان وإنما نزلت أولا
بيعة الرضوان ثم آية الشرط عليهم فيها، ثم ذكر الاعراب الذين تخلفوا عن
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا أموالنا
- إلى قوله - وكنتم قوما بورا) أي قوم سوء وهم الذين استنفرهم في الحديبية.
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة من الحديبية غزا خيبرا فاستأذنوه
المخلفون من الاعراب أن يخرجوا معه، فقال الله عز وجل (سيقول المخلفون إذا
انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها - إلى قوله - لا يفقهون إلا قليلا) ثم قال: (قل
للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم اولي بأس شديد - إلى قوله - وان تتولوا
315

كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما) ثم رخص عز وجل في الجهاد فقال (ليس
على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله
ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار) ثم قال: (ومن يتول يعذبه عذابا
أليما) ثم قال: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي
الناس عنكم يعني فتح خيبر (ولتكون آية للمؤمنين) ثم قال (وأخرى لم تقدروا
عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شئ قديرا) ثم قال: (وهو الذي كف
أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد ان أظفركم عليهم) أي من بعد ان
أممتم من المدينة إلى الحرم وطلبوا منكم الصلح بعد ان كانوا يغزونكم بالمدينة صاروا
يطلبون الصلح بعد إذ كنتم أنتم تطلبون الصلح منهم ثم اخبر الله عز وجل نبيه
بعلة الصلح وما أجاز الله لنبيه صلى الله عليه وآله فقال: (هم الذين كفروا وصدوكم عن
المسجد الحرام والهدي معكوفا ان يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات)
يعني بمكة (لم تعلموهم ان تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم) فأخبر الله نبيه ان
علة الصلح إنما كان للمؤمنين والمؤمنات الذين كانوا بمكة ولو لم يكن صلح وكانت
الحرب لقتلوا، فلما كان الصلح آمنوا وأظهروا الاسلام، ويقال ان ذلك الصلح
كان أعظم فتحا على المسلمين من غلبهم ثم قال: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا
منهم عذابا أليما) يعني هؤلاء الذين كانوا بمكة من المؤمنين والمؤمنات يعني
لو زالوا عنهم وخرجوا من بينهم (لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما).
حدثنا أحمد بن علي قال: حدثنا الحسين بن عبد الله السعدي قال: حدثنا
الحسن بن موسى الخشاب عن عبد الله بن الحسين عن بعض أصحابه عن فلان
الكرخي قال: قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام ألم يكن علي قويا في بدنه قويا في
أمر الله؟ قال له أبو عبد الله عليه السلام: بلى! قال له: فما منعه أن يدفع أو يمتنع؟
قال: قد سألت فافهم الجواب، منع عليا من ذلك آية من كتاب الله، فقال:
316

وأي آية؟ فقرأ " لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما " انه كان لله
ودايع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين فلم يكن علي عليه السلام ليقتل الآباء
حتى يخرج الودايع فلما خرج ظهر على من ظهر وقتله، وكذلك قائمنا أهل البيت
لم يظهر أبدا حتى تخرج ودايع الله فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله، قال
علي بن إبراهيم ثم قال (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية)
يعني قريشا وسهيل بن عمرو حين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله لا نعرف الرحمن والرحيم
وقولهم لو علمنا انك رسول الله ما حاربناك فاكتب محمد بن عبد الله (فأنزل الله
سكينته على رسوله وعلى المؤمنين والزمهم كلمة التقوى وكانوا حق بها وأهلها
وكان الله بكل شئ عليما) وأنزل في تطير (تطهير ك) الرؤيا التي رآها رسول الله
صلى الله عليه وآله (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله
آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك
فتحا قريبا) يعني فتح خيبر لان رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من الحديبية غزا
خيبر وقوله (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)
وهو الامام (1) الذي يظهره الله على الدين كله فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما
ملئت ظلما وجورا وهذا مما ذكرنا ان تأويله بعد تنزيله، وأعلم الله ان صفة نبيه
وأصحابه المؤمنين في التوراة والإنجيل مكتوب فقال (محمد رسول الله والذين
معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) يعني يقتلون الكفار وهم أشداء عليهم
وفيما بينهم رحماء.

(1) بتأويل أن فعل الامام هو فعل الرسول. ج. ز
317

سورة الحجرات مدنية
آياتها ثمان عشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله
واتقوا الله ان الله سميع عليم) نزلت في وفد بني تميم كانوا إذا قدموا على
رسول الله صلى الله عليه وآله وقفوا على باب حجرته فنادوا يا محمد! اخرج الينا، وكانوا إذا
خرج رسول الله صلى الله عليه وآله تقدموه في المشي، وكانوا إذا تكلموا رفعوا أصواتهم
فوق صوته ويقولون يا محمد يا محمد! ما تقول في كذا وكذا كما يكلمون بعضهم
بعضا فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) الآية
(يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول
كجهر بعضكم لبعض ان تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون - إلى قوله - ان الذين
ينادونك من وراء الحجرات) وهم بنو تميم (أكثرهم لا يعقلون) ثم قال: (ولو أنهم
صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم).
وقوله: (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما
بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فإنها نزلت في مارية القبطية أم إبراهيم عليه السلام
وكان سبب ذلك ان عايشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله ان إبراهيم ليس هو منك وإنما
هو من جريح القبطي فإنه يدخل إليها في كل يوم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال
لأمير المؤمنين عليه السلام: خذ السيف واتني برأس جريح فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام
السيف ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله انك إذا بعثتني في أمر أكون فيه
كالسفود (1) المحماة في الوبر فكيف تأمرني أثبت فيه أو امض على ذلك؟ فقال له

(1) سفود كيهود: حديدة يشوى عليها اللحم ج. ز
318

رسول الله صلى الله عليه وآله: بل تثبت، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى مشربة (1) أم إبراهيم
فتسلق عليها فلما نظر إليه جريح هرب منه وصعد النخلة فدنا منه أمير المؤمنين عليه السلام
وقال له انزل، فقال له يا علي! اتق الله ما ها هنا أناس، اني مجبوب ثم كشف
عن عورته، فإذا هو مجبوب، فاتي به إلى رسول صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله
صلى الله عليه وآله: ما شأنك يا جريح! فقال: يا رسول الله ان القبط يجبون حشمهم (2)
ومن يدخل إلى أهليهم والقبطيون لا يأنسون إلا بالقبطيين فبعثني أبوها لادخل
إليها وأخدمها وأؤنسها فأنزل الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق
بنبأ " الآية، وفي رواية عبد الله (عبيد الله ط) بن موسى عن أحمد بن رشيد (راشد ط) عن مروان بن
مسلم عن عبد الله بن بكير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك كان رسول الله
صلى الله عليه وآله امر بقتل القبطي وقد علم أنها قد كذبت عليه، أو لم يعلم وإنما دفع الله
عن القبطي القتل بتثبت علي عليه السلام؟ فقال بلى قد كان والله أعلم ولو كانت عزيمة
من رسول الله صلى الله عليه وآله القتل ما رجع علي عليه السلام حتى يقتله، ولكن إنما فعل
رسول الله صلى الله عليه وآله لترجع عن ذنبها، فما رجعت ولا اشتد عليها قتل رجل
مسلم بكذبها.
حدثنا محمد بن جعفر عن يحيى بن زكريا عن علي بن حسان عن عبد الرحمن
ابن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم)
يعني أمير المؤمنين (وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) فلان وفلان وفلان
واما قوله: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت
إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فان فاءت فأصلحوا

(1) أرض دائمة النبات.
(2) حشم كخدم لفظا ومعنى. ج. ز
319

بينهما بالعدل وأقسطوا ان الله يحب المقسطين) فإنه سيف على أهل البغي والتأويل
قال حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سأل رجل عن حروب أمير المؤمنين عليه السلام وكان السائل
من محبينا فقال أبو جعفر عليه السلام: بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله بخمسة أسياف، ثلاثة
منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها ولن تضع الحرب أوزارها حتى
تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك
اليوم، فيومئذ لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها
خيرا، وسيف منها ملفوف وسيف منها مغمود سله إلى غيرنا وحكمه الينا، فاما
السيوف الثلاثة الشاهرة.
فسيف على مشركي العرب قال الله تعالى: " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا - يعني آمنوا - فاخوانكم
في الدين " فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام وأموالهم
وذراريهم سبي على ما سبى رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه سبى وعفا وقبل الفداء صلى الله عليه وآله.
والسيف الثاني على أهل الذمة قال الله جل ثناؤه: " وقولوا للناس حسنا "
نزلت في أهل الذمة فنسخها قوله: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر
ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب
حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " فمن كان منهم في دار الاسلام فلن
يقبل منهم إلا الجزية أو القتل وما لهم وذراريهم سبي فإذا قبلوا الجزية حرم علينا
سبيهم وأموالهم وحلت مناكحتهم ولا يقبل منها إلا الجزية أو القتل.
والسيف الثالث على مشركي العجم يعني الترك والديلم والخزرج قال الله
جل ثناؤه في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم فقال: " فإذا
لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد
320

- يعني بعد السبي منهم - وما فداء " يعنى المفاداة بينهم وبين أهل الاسلام
فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام ولا يحل لنا نكاحهم ما داموا
في الحرب.
واما السيف الملفوف فسيف على أهل البغي والتأويل قال الله عز وجل:
" وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى
فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله " فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: إن منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل فسئل صلى الله عليه وآله
من هو؟ قال: هو خاصف النعل؟ - يعني أمير المؤمنين عليه السلام - وقال عمار بن ياسر
قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثا وهذه الرابعة والله لو ضربونا حتى
يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وانهم على الباطل، فكانت السيرة فيهم
من أمير المؤمنين عليه السلام على ما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل مكة يوم فتح
مكة فإنه لم يسب لهم ذرية، فقال: من أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه
فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وكذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام
فيهم: لا تسبوا لهم ذرية ولا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبرا، ومن أغلق
بابه فهو آمن.
واما السيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص قال الله تعالى " النفس
بالنفس والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له " فسلمه إلى أولياء المقتول
وحكمه الينا، فهذه السيوف بعث الله بها نبيه صلى الله عليه وآله فمن جحدها أو جحد واحدا
منها أو شيئا من سيرتها وأحكامها فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله.
واما قوله (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا
خير منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن) فإنها نزلت في صفية
بنت حي بن اخطب، وكانت زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك أن عائشة وحفصة
321

كانتا تؤذيانها وتشتمانها وتقولان لها يا بنت اليهودية: فشكت ذلك إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال لها: ألا تجيبنهما؟ فقالت بماذا يا رسول الله؟ قال قولي أبي هارون
نبي الله وعمي موسى كليم الله وزوجي محمد رسول الله فما تنكران مني؟ فقالت
لهما فقالتا هذا علمك رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله في ذلك (يا أيها الذين آمنوا
لا يسخر قوم من قوم - إلى قوله - ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد
الايمان) وقوله: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا
وقبائل لتعارفوا) قال الشعوب العجم والقبائل العرب وقوله (إن أكرمكم عند الله
أتقاكم) وهو رد على من يفتخر بالأحساب والأنساب، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله
يوم فتح مكة: يا أيها الناس ان الله قد اذهب عنكم بالاسلام نخوة الجاهلية
وتفاخرها بآبائها ان العربية ليست بأب ووالدة وإنما هو لسان ناطق، فمن تكلم
به فهو عربي، ألا انكم من آدم وآدم من تراب وأكرمكم عند الله أتقاكم قوله
(قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) أي استسلمتم بالسيف
(ولما يدخل الايمان في قلوبكم وقوله (لا يلتكم من اعمالكم شيئا) أي لا ينقصكم
قوله (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) أي لم يشكوا
(وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) الآية، قال نزلت في أمير المؤمنين
عليه السلام وقوله (قل أتعلمون الله بدينكم) أي أتعلمون الله دينكم وقوله (يمنون
عليك أن اسلموا) نزلت في عثكن يوم الخندق وذلك أنه مر بعمار بن ياسر وهو
يحفر الخندق وقد ارتفع الغبار من الحفر فوضع كمه على أنفه ومر، فقال عمار:
لا يستوي من يبني المساجد فيصلي فيها راكعا وساجدا كمن يمر بالغبار حائدا
يعرض عنه جاحدا معاندا، فالتفت إليه عثكن فقال: يا بن السوداء إياي تعنى، ثم
اتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له لم ندخل معك لتسب أعراضنا، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وآله. قد أقلتك إسلامك فاذهب فأنزل الله (يمنون عليك أن اسلموا قل
322

لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان إن كنتم صادقين)
أي لستم صادقين (إن الله يعل غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعلمون).
سورة ق مكية
آياتها خمس وأربعون
(بسم الله الرحمن الرحيم ق والقرآن المجيد) قال: ق جبل محيط بالدنيا
من وراء يأجوج ومأجوج وهو قسم (بل عجبوا) يعنى قريشا (ان جاءهم منذر
منهم) يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله (فقال الكافرون هذا شئ عجيب أإذا متنا وكنا
ترابا ذلك رجع بعيد) قال نزلت في أبي بن خلف، قال لأبي جهل تعال إلي
لاعجبك من محمد، ثم اخذ عظما ففته ثم قال يزعم محمد ان هذا يحيى فقال الله:
(بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج) يعنى مختلفا، ثم احتج عليهم
وضرب للبعث والنشور مثلا فقال (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها
وزيناها ومالها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها
من كل زوج بهيج) اي حسن (فأنبتنا به جنات وحب الحصيد) قال كل حب
يحصد (والنخل باسقات) اي مرتفعات (لها طلع نضيد) يعنى بعضه على بعض
رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج) جوابا لقولهم: أإذا متنا
وكنا ترابا ذلك رجع بعيد، فقال الله: كما أن الماء أنزلناه من السماء فتخرج
النبات من الأرض كذلك أنتم تخرجون من الأرض.
ثم ذكر عز وجل ما فسرناه من هلاك الأمم فقال (كذبت قبلهم قوم
نوح وأصحاب الرس) وهم الذين هلكوا لأنهم استغنوا الرجال بالرجال والنساء
بالنساء والرس نهر بناحية آذربيجان (أفعيينا بالخلق الأول) أي لم نعي بالخلق
الأول قوله (ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه
323

من حبل الوريد) قال حبل العنق قوله (وأصحاب الأيكة) قال أصحاب الغيضة (1)
(وجاءت سكرة الموت بالحق) قال نزلت جاءت سكرة الحق بالموت (ذلك
ما كنت منه تحيد) قال نزلت في زريق وقوله (وجاءت كل نفس معها سائق
وشهيد) يشهد عليها قال سائق يسوقها قوله (وقال قرينه) اي شيطانه وهو حبتر
(هذا ما لدي عتيد) وقوله (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد) مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله
وعلي عليه السلام، وذلك قول الصادق عليه السلام: علي قسيم الجنة والنار.
حدثنا أبو القاسم الحسيني (الحسنى ط) قال حدثنا فرات بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن
أحمد بن حسان قال حدثنا محمد بن مروان عن عبيد بن يحيى عن محمد بن الحسين
ابن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه وعليهم السلام
في قوله " ألقيا في جهنم كل كفار عنيد " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله
تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد كنت انا وأنت يومئذ
عن يمين العرش، ثم يقول الله تبارك وتعالى لي ولك قوما فألقيا من
أبغضكما وكذبكما في النار (2).
قال علي بن إبراهيم: حدثني أبي عن عبد الله بن المغيرة الخزاز (الجزار ط) عن ابن
سنان عن أبي عبد الله (ع) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إذا سألتم الله
فاسألوه الوسيلة فسألنا النبي صلى الله عليه وآله عن الوسيلة، فقال هي درجتي في الجنة وهي
الف مرقاة جوهرة إلى مرقاة زبرجد إلى مرقاة لؤلؤ إلى مرقاة ذهب إلى مرقاة
فضة، فيؤتى بها يوم القيامة حتى تنصب مع درجة النبيين وهي في درجة النبيين
كالقمر بين الكواكب، فلا يبقى يومئذ نبي ولا شهيد ولا صديق إلا قال طوبى

(1) مجتمع الشجر في مغيض الماء.
(2) كذا ورد في مسند أحمد بن حنبل فراجع. ج. ز
324

لمن كانت هذه درجته، فينادي المنادي ويسمع النداء جميع النبيين والصديقين
والشهداء والمؤمنين " هذه درجة محمد صلى الله عليه وآله " فقال لرسول الله: فأقبل يومئذ
متزرا بريطة من نور على رأسي تاج الملك، مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد
رسول الله علي ولي الله المفلحون هم الفائزون بالله، وإذا مررنا بالنبيين قالوا:
هذان ملكان مقربان وإذا مررنا بالملائكة قالوا هذان ملكان لم نعرفهما ولم نرهما
أو قال هذان نبيان مرسلان حتى أعلو الدرجة وعلي يتبعني، حتى إذا صرت في
أعلى الدرجة منها وعلي أسفل منى وبيده لوائي فلا يبقى يومئذ نبي ولا مؤمن إلا
رفعوا رؤسهم إلي يقولون: طوبى لهذين العبدين ما أكرمهما على الله فينادي
المنادي يسمع النبيين وجميع الخلائق: هذا حبيبي محمد وهذا وليي علي بن أبي طالب
طوبى لمن أحبه وويل لمن أبغضه وكذب عليه.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي فلا يبقى يومئذ في مشهد القيامة أحد
يحبك إلا استروح (1) إلى هذا الكلام وابيض وجهه وفرح قلبه ولا يبقى أحد
ممن عاداك ونصب لك حربا أو جحد لك حقا إلا اسود وجهه واضطربت قدماه،
فبينا أنا كذلك إذا بملكين قد أقبلا إلي اما أحدهما فرضوان خازن الجنة، واما
الآخر فمالك خازن النار فيدنو إلي رضوان ويسلم علي ويقول: السلام عليك
يا رسول الله؟ فأرد عليه السلام فأقول: أيها الملك الطيب الريح الحسن الوجه
الكريم على ربه من أنت؟ فيقول: أنا رضوان خازن الجنة امرني ربي ان
آتيك بمفاتيح الجنة فخذها يا محمد! فأقول قد قبلت ذلك من ربي فله الحمد على ما
أنعم به علي، إدفعها إلى أخي علي بن أبي طالب، فيدفعها إلى علي
ويرجع رضوان.

(1) أي وجد الراحة واللذة. ج. ز
325

ثم بدنو مالك خازن النار فيسلم علي ويقول: السلام عليك يا حبيب الله!
فأقول له: عليك السلام أيها الملك ما أنكر رؤيتك وأقبح وجهك من أنت؟
فيقول: أنا مالك خازن النار أمرني ربي أن آتيك بمفاتيح النار، فأقول: قد
قبلت ذلك من ربي فله الحمد على ما أنعم به علي وفضلني به إدفعها إلى أخي علي
ابن أبي طالب، فيدفعها إليه، ثم يرجع مالك فيقبل علي عليه السلام ومعه مفاتيح الجنة
ومقاليد النار حتى يقف على شفير جهنم ويأخذ زمامها بيده وقد علا زفيرها
واشتد حرها وكثر شررها، فتنادي جهنم يا علي! جزني قد أطفأ نورك لهبي،
فيقول لها علي عليه السلام قرى يا جهنم ذري هذا وليي وخذي هذا عدوي، فلجهنم يومئذ أشد
مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه، فان شاء يذهب به يمنة وإن شاء يذهب
به يسرة، ولجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع الخلائق،
وذلك أن عليا عليه السلام يومئذ قسيم الجنة والنار واما قوله (مناع للخير) قال المناع
الثاني والخير ولاية أمير المؤمنين وحقوق آل محمد ولما كتب الأول كتاب فدك
يردها على فاطمة شقه الثاني (فهو معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر) قال هو
ما قالوا نحن كافرون بمن جعل لكم الإمامة والخمس واما قوله (قال قرينه) أي
شيطانه وهو حبتر (ربنا ما أطغيته) يعني زريقا (ولكن كان في ضلال بعيد)
فيقول الله لهما (لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي)
أي ما فعلتم لا يبدل حسنات، ما وعدته لا اخلفه وقوله (يوم نقول لجهنم هل
امتلأت وتقول هل من مزيد) قال هو استفهام لان الله وعد النار أن يملاها
فتمتلي النار فيقول لها هل امتلأت؟ وتقول هل من مزيد؟ على حد الاستفهام
أي ليس في مزيد، قال فتقول الجنة يا رب وعدت النار ان تملأها ووعدتني ان
تملأني فلم لم تملأني وقد ملأت النار، قال فيخلق الله خلقا يومئذ يملا بهم
الجنة قال أبو عبد الله عليه السلام: طوبى لهم انهم لم يروا غموم الدنيا وهمومها قوله
326

(وأزلفت الجنة للمتقين) أي زينت (غير بعيد) قال بسرعة وقوله (لهم
ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد) قال النظر إلى رحمة الله وقوله (فنقبوا في البلاد)
أي مروا وقوله (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) أي ذاكر قوله (أو ألقى
السمع وهو شهيد) أي سمع وأطاع قوله (واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب)
قال ينادي المنادي باسم القائم عليه السلام واسم أبيه عليه السلام قوله (يوم يسمعون الصيحة
بالحق ذلك يوم الخروج) قال صيحة القائم من السماء، ذلك يوم الخروج قال هي
الرجعة، حدثنا أحمد بن إدريس قال حدثنا محمد بن أحمد عن عمر بن عبد العزيز عن
جميل عن أبي عبد الله (ع) في قوله (يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم
الخروج " قال هي الرجعة.
قال علي بن إبراهيم في قوله (يوم تشقق الأرض عنهم سراعا) قال في
الرجعة، أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن أبي بصير قال سألت
الرضا (ع) عن قول الله (ومن الليل فسبحه وأدبار السجود) قال أربع ركعات
بعد المغرب، وقال علي بن إبراهيم في قوله (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) قال
ذكر يا محمد ما وعدناه من العذاب.
سورة الذاريات مكية
آياتها ستون
(بسم الله الرحمن الرحيم والذاريات ذروا) قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير
عن جميل عن أبي عبد الله (ع) في قوله " والذاريات ذروا " فقال: إن ابن
الكوا سأل أمير المؤمنين (ع) عن الذاريات ذروا قال الريح وعن الحاملات وقرا
فقال هي السحاب وعن الجاريات يسرا قال هي السفن وعن المقسمات أمرا فقال
الملائكة وهو قسم كله وخبره (إنما توعدون لصادق وان الدين لواقع) يعني
327

المجازاة والمكافأة واما قوله (والسماء ذات الحبك) قال فإنه حدثني أبي عن الحسين
ابن خالد عن أبي الحسن الرضا (ع) قال قلت له: أخبرني عن قول الله والسماء
ذات الحبك، فقال: هي محبوكة (1) إلى الأرض وشبك بين أصابعه.
فقلت: كيف يكون محبوكة إلى الأرض والله يقول رفع السماء بغير عمد
ترونها فقال: سبحان الله! أليس الله يقول بغير عمد ترونها فقلت بلى فقال ثم
عمد ولكن لا ترونها قلت كيف ذلك جعلني الله فداك فبسط كفه اليسرى ثم

(1) معنى الحبك لغة شد شئ بشئ ومنه " الحبكة " وهي ما يشد به
الوسط، و " الحباك " وهي الحظيرة التي تشد بقصبات، فالمقصود من الآية
الشريفة كما بينه الإمام عليه السلام ان العرش وما بعده من السماوات إلى أرضنا هذه
كلمة مشدود بالقوة الجاذبة، بحيث لولاها لتصادمت السماوات والأرضون
فيما بينهن وهذه القوة كالأسطوانة لكننا لا نراها كما قال عز اسمه: ورفع السماء
بغير عمد ترونها.
وقبل مدة، كان من مذهب الفلاسفة خلو الجو بين السماء والأرض من كل
شئ وجودي وعبروه ب‍ " الخلاء " ولكن لما حان عصر الصاروخ أبطلت هذه
الفكرة عمليا، لان صعود الصاروخ لا يمكن بدون شئ موجود في الجو إذ هو
يرمي مادة نارية إلى تحته ومن أجل اصطكاكها بالفضاء توجد اهتزازات في
الصاروخ فتتصاعد إلى فوق وهذا دليل عملي على أن هناك اتصالات مادية من
كل السماء إلى الأرض ولا وجود للخلاء المحض كما فرضوه سابقا فهو مما نطق به
الإمام الرضا عليه السلام قبل الاستكشافات الجديدة بألف عام أو أزيد بقوله " فهي
محبوكة إلى الأرض " ثم لمزيد إيضاح هذا المعنى شبك بين أصابعه كما في الخبر. ج. ز
328

وضع اليمنى عليها فقال: هذه أرض الدنيا والسماء الدنيا عليها فوقها قبة والأرض
الثانية فوق السماء الدنيا والسماء الثانية فوقها قبة والأرض الثالثة فوق السماء الثانية
والسماء الثالثة فوقها قبة والأرض الرابعة فوق السماء الثالثة والسماء الرابعة فوقها
قبة والأرض الخامسة فوق السماء الرابعة والسماء الخامسة فوقها قبة الأرض
والسادسة فوق السماء الخامسة والسماء السادسة فوقها قبة والأرض السابعة فوق
السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة وعرش الرحمن تبارك الله فوق السماء
السابعة وهو قول الله " الذي خلق سبع سماوات طباقا ومن الأرض مثلهن يتنزل
الامر بينهن ".
فاما صاحب الامر فهو رسول الله صلى الله عليه وآله والوصي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
قائم هو على وجه الأرض فإنما يتنزل الامر إليه من فوق السماء من بين السماوات
والأرضين قلت: فما تحتنا إلا أرض واحدة فقال: ما تحتنا إلا أرض واحدة
وان الست لهن فوقنا.
حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد
ابن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في
قول الله عز وجل (إنما توعدون لصادق) يعني في علي عليه السلام (وان الدين لواقع)
يعني عليا وعلي هو الدين وقوله (والسماء ذات الحبك) قال: السماء رسول الله
صلى الله عليه وآله وعلي (ع) ذات الحبك وقوله (إنكم لفي قول مختلف) يعني مختلف في
علي يعني اختلفت هذه الأمة في ولايته فمن استقام على ولاية علي (ع) دخل الجنة
ومن خالف ولاية علي دخل النار وقوله (يؤفك عنه من أفك) فإنه يعني عليا
عليه السلام من أفك عن ولايته افك عن الجنة، وقال علي بن إبراهيم في قوله:
(قتل الخراصون) الذين يخرصون الدين بآرائهم من غير علم ولا يقين (الذين هم
في غمرة ساهون) أي في ضلال، والساهي الذي لا يذكر الله وقوله (يسئلون
329

- يا محمد - أيان يوم الدين) أي متى تكون المجازاة قال الله (يوم هم على النار
يفتنون) أي يعذبون (ذوقوا فتنتكم) أي عذابكم (هذا الذي كنتم به تستعجلون).
ثم ذكر المتقين (ان المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم - إلى
قوله - ما يهجعون) أي ما ينامون (وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق
معلوم للسائل والمحروم) قال السائل الذي يسأل والمحروم الذي قد منع كده قوله
(وفي الأرض آيات للمؤمنين) قال في كل شئ خلقه الله آية قال الشاعر:
وفي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد
وقوله (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) قال خلقك سميعا بصيرا تغضب مرة
وترضى مرة وتجوع وتشبع وذلك كله من آيات الله وقوله (وفي السماء رزقكم
وما توعدون) قال المطر ينزل من السماء فيخرج به أقوات العالم من الأرض،
وما توعدون، من أخبار الرجعة والقيامة والاخبار التي في السماء، ثم أقسم
عز وجل بنفسه فقال: (فورب السماء والأرض انه لحق مثل ما انكم تنطقون)
يعني ما وعدتكم.
ثم حكى الله عز وجل خبر إبراهيم (ع) وقد كتبناه في سورة هود وقوله
(وأقبلت امرأته في صرة) أي في جماعة (فصكت وجهها) اي غطته بما بشرها
الجزء (27) جبرئيل (ع) بإسحاق (ع) (وقالت عجوز عقيم) وهي التي لا تلد وقوله (وفي
عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) وهي التي لا تلقح الشجر ولا تنبت النبات وقوله
(وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين) قال قال: الحين ها هنا ثلاثة أيام وقوله
(والسماء بنيناها بأيد) قال بقوة وقوله: (ففروا إلى الله) قال حجوا وقوله:
(كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا
به) يعني قريشا بأسمائهم حتى قالوا لرسول الله ساحر أو مجنون وقوله: (فتول
عنهم - يا محمد - فما أنت بملوم) قال هم الله جل ذكره بهلاك أهل الأرض فأنزل الله
330

على رسوله (فتول عنهم - يا محمد - فما أنت بملوم) ثم بدا لله في ذلك فأنزل عليه
(وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين) وهذا رد على من انكر ان لله البدا والمشية
وقوله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) قال خلقهم للامر والنهي
والتكليف وليست خلقتهم جبرا أن يعبدوه ولكن خلقتهم اختيارا ليختبرهم
بالأمر والنهي ومن يطيع ومن يعصي، وفي حديث آخر قال: هي منسوخة بقوله
ولا يزالون مختلفين وقوله: (ما أريد منهم من رزق) واني لم أخلقهم لحاجة بي
إليهم قوله (فان للذين ظلموا - آل محمد حقهم - ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا
يستعجلون) ثم قال: (فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون).
سورة الطور مكية
آياتها تسع وأربعون
(بسم الله الرحمن الرحيم والطور وكتاب مسطور) قال: الطور جبل
بطور سينا (وكتاب مسطور) أي مكتوب (في رق منشور والبيت المعمور)
قال: هو في السماء الرابعة وهو الضراح (1) يدخله كل يوم سبعون الف ملك
ثم لا يعودون إليه أبدا (والسقف المرفوع) قال: السماء (والبحر المسجور)
قال: يسجر (2) يوم القيامة وهذا قسم كله وجوابه (ان عذاب ربك لواقع ماله

(1) وفي الحديث ان الله أمر ملكا من الملائكة ان يجعل له بيتا في السماء
يسمى " الضراح " وهو بالضم، قيل البيت المعمور في السماء الرابعة من المضارحة
وهي المقابلة، ومن رواها بالصاد فقد صحف. مجمع
(2) سجرت التنور: حميته وإذا البحار سجرت اي يقذف بالكواكب
فيها ثم تضرم فتصير نارا لتعذيب الفجار. ج. ز
331

من دافع) وقوله: (يوم تمور السماء مورا) تنفس (وتسير الجبال سيرا) أي
تسير مثل الريح إلى قوله (في خوض يلعبون) قال: يخوضون في المعاصي وقوله
(يوم يدعون إلى نار جهنم دعا) قال: يدفعون في النار، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله
لما مر بعمرو بن العاص وعقبة بن أبي معيط وهما في حائط يشربان ويغنيان بهذا
البيت في حمزة بن عبد المطلب حين قتل.
كم من حواري تلوح عظامه * وراء الحرب أن يجر فيقبرا
فقال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم العنهما واركسهما في الفتنة ركسا ودعهما في النار
دعا قوله: (اصلوها فاصبروا أولا تصبروا) اي اجترؤا أو لا تجترؤا لان أحدا
لا يصبر على النار والدليل على ذلك فما أصبرهم على النار يعني ما أجرأهم وقوله:
(والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم) فإنه حدثني أبي عن
سليمان الديلمي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: إن أطفال شيعتنا من
المؤمنين تربيهم فاطمة عليها السلام وقوله: (ألحقنا بهم ذريتهم) قال: يهدون
إلى آبائهم يوم القيامة حدثنا أبو العباس قال: حدثنا يحيى بن زكريا عن علي بن
حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (ع) في قوله: " والذين آمنوا
واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم " قال الذين آمنوا بالنبي وأمير المؤمنين
والذرية الأئمة والأوصياء عليهم السلام ألحقنا بهم ذريتهم ولم ننقص ذريتهم من
الحجة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وآله في علي وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وما التناهم من عملهم من شئ) اي
ما أنقصناهم وقوله: (لا لغو فيها ولا تأثيم) قال: ليس في الجنة غناء ولا فحش
ويشرب المؤمن ولا يأثم ثم حكى الله عز وجل قول أهل الجنة فقال: (وأقبل
بعضهم على بعض يتساءلون) قال في الجنة (قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين)
اي خائفين من العذاب (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) قال: السموم الحر
332

الشديد وقوله يحكي قول قريش (أم يقولون شاعر) يعنون رسول الله صلى الله عليه وآله
(نتربص به ريب المنون) فقال الله: قل لهم يا محمد (تربصوا فاني معكم من
المتربصين أم تأمرهم أحلامهم بهذا) قال: لم يكن في الدنيا احلم من قريش، ثم
عطف على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (أم يقولون - يا محمد - تقوله)
يعني أمير المؤمنين (ع) (1) (بل لا يؤمنون) انه لم يتقوله ولم يقمه برأيه ثم
قال: (فليأتوا بحديث مثله) اي برجل مثله من عند الله (إن كانوا صادقين)
وقوله: (أم له البنات ولكم البنون) قال: هو ما قالت قريش إن الملائكة بنات
الله ثم قال: (أم تسئلهم - يا محمد - أجرا) فيما أتيتهم به (فهم من مغرم مثقلون)
أي يقع عليهم الغرم الثقيل وقوله (وان للذين ظلموا - آل محمد حقهم - عذابا
دون ذلك) قال عذاب الرجعة بالسيف وقوله: (فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا)
أي بحفظنا وحرزنا ونعمتنا (وسبح بحمد ربك حين تقوم) قال: صلاة الليل
(فسبحه) قال قبل صلاة الليل (وإدبار النجوم) أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد
ابن محمد عن ابن أبي نصر (بصير ط) عن الرضا عليه السلام قال ادبار السجود قال: أربع ركعات
بعد المغرب وادبار النجوم ركعتان قبل صلاة الصبح.
سورة النجم مكية
آياتها اثنتان وستون
(بسم الله الرحمن الرحيم والنجم إذا هوى) قال: النجم رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا هوى (2) لما أسري به إلى السماء وهو في الهواء وهذا رد على ما أنكر

(1) يعني أقام رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام خليفة له برأيه.
(2) هوى الجبل: صعده وارتفع فهو من لغات الأضداد وقيل " الهوي "
بفتح الهاء للارتفاع و " الهوي " بضم الهاء للانحدار. ج. ز
333

المعراج وهو قسم برسول الله صلى الله عليه وآله وهو فضل له على الأنبياء وجواب القسم
(ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى) أي لا يتكلم بالهوى (إن هو)
يعني القرآن (إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) يعني الله عز وجل (ذو مرة
فاستوى) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: وحدثني ياسر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال ما بعث الله نبيا إلا صاحب مرة سوداء صافية وقوله (وهو بالأفق الاعلى)
يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (ثم دنا) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله من ربه عز وجل
(فتدلى) قال إنما نزلت هذه ثم دنا فتدانى (فكان قاب قوسين أو أدنى) قال
كان من الله كما بين مقبض القوس إلى رأس السية (1) (أو أدنى) أي من نعمته
ورحمته قال بل أدنى من ذلك (فأوحى إلى عبده ما أوحى) قال وحي مشافهة.
أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن العباس عن
أبي جعفر عليه السلام في قوله (ما ضل صاحبكم وما غوى) يقول ما ضل في علي عليه السلام
وما غوى وما ينطق فيه عن الهوى، وما كان ما قال فيه إلا بالوحي الذي أوحى
إليه ثم قال: (علمه شديد القوى) ثم أذن له فوفد إلى السماء فقال (ذو مرة
فاستوى وهو بالأفق الاعلى. ثم دنا فتدلى (فتدانى ط) فكان قاب قوسين أو أدنى) كان بين
لفظه وبين سماع محمد كما بين وتر القوس وعودها (فأوحى إلى عبده ما أوحى)
فسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك الوحي، فقال أوحى إلي ان عليا سيد الوصيين (المؤمنين ط)
وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وأول خليفة يستخلفه خاتم النبيين، فدخل القوم
في الكلام فقالوا: أمن الله ومن رسوله فقال الله جل ذكره لرسول الله صلى الله عليه وآله قل
لهم (ما كذب الفؤاد ما رأى) ثم رد عليهم فقال (أفتمارونه على ما يرى) ثم
قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمرت فيه بغير هذا أمرت ان أنصبه للناس وأقول

(1) سية القوس: ما عطف من طرفيها. ج. ز
334

لهم هذا وليكم من بعدي وهو بمنزلة السفينة يوم الغرق من دخل فيها نجا ومن
خرج منها غرق ثم قال (ولقد رآه نزلة أخرى) يقول: رأيت الوحي مرة أخرى
(عند سدرة المنتهى) التي يتحدث تحتها الشيعة في الجنان ثم قال الله قل لهم:
(إذ يغشى السدرة ما يغشى) يقول: إذ يغشى السدرة ما يغشى من حجب النور (وما
زاغ البصر) يقول: ما عمي البصر عن تلك الحجب (وما طغى) يقول: وما
طغى القلب بزيادة فيما أوحى إليه ولا نقصان (لقد رأى من آيات ربه الكبرى)
يقول: لقد سمع كلاما لولا أنه قوي ما قوي.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى)
قال في السماء السابعة، واما الرد على من انكر خلق الجنة والنار فقوله (عندها
جنة المأوى) اي عند سدرة المنتهى فسدرة المنتهى في السماء السابعة وجنة المأوى
عندها، قال: وحدثني أبي عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن أبان بن عثمان عن
أبي داود عن أبي بردة الأسلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام:
يا علي! ان الله أشهدك معي في سبعة مواطن: (اما أول ذلك) فليلة أسري بي
إلى السماء قال لي جبرئيل أين أخوك؟ فقلت خلفته ورائي قال ادع الله فليأتك به
فدعوت الله وإذا مثالك معي، وإذ الملائكة وقوف صفوف، فقلت: يا جبرئيل
من هؤلاء؟ قال: هم الذين يباهيهم الله بك يوم القيامة، فدنوت فنطقت بما كان
وبما يكون إلى يوم القيامة (والثاني) حين أسري بي في المرة الثانية فقال لي
جبرئيل أين أخوك؟ قلت خلفته ورائي! قال: ادع الله فليأتك به فدعوت فإذا
مثالك معي فكشط لي عن سبع سماوات حتى رأيت سكانها وعمارها وموضع كل
ملك منها (والثالث) حين بعثت إلى الجن فقال لي جبرئيل: أين أخوك؟ قلت
خلفته ورائي فقال ادع الله فليأتك به فدعوت الله فإذا أنت معي فما قلت لهم شيئا
ولا ردوا علي شيئا إلا سمعته (والرابع) خصصنا بليلة القدر وليست لاحد غيرنا
335

(والخامس) دعوت الله فيك وأعطاني فيك كل شئ إلا النبوة فإنه قال خصصتك
يا محمد بها وختمتها بك (واما السادس) لما أسري بي إلى السماء جمع الله لي النبيين
فصليت بهم ومثالك خلفي (معي ط) (السابع) هلاك الأحزاب بأيدينا، فهذا رد على من
أنكر المعراج.
ومن الرد على من أنكر خلق الجنة والنار أيضا ما حدثني أبي عن بعض
أصحابه رفعه قال كانت فاطمة عليها السلام لا يذكرها أحد لرسول الله صلى الله عليه وآله إلا
أعرض عنه حتى أيس الناس منها، فلما أراد ان يزوجها من علي أسر إليها، فقالت
يا رسول الله أنت أولى بما ترى غير أن نساء قريش تحدثني عنه انه رجل دحداح
البطن طويل الذراعين ضخم الكراديس انزع عظيم العينين لمنكبيه مشاشا كمشاش
البعير ضاحك السن لا مال له، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: يا فاطمة! أما علمت أن
الله اشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين نبيا ثم اطلع أخرى فاختار عليا على
رجال العالمين وصيا ثم اطلع فاختارك على نساء العالمين، يا فاطمة! انه لما أسري بي إلى
السماء وجدت مكتوبا على صخرة بيت المقدس " لا إله إلا الله محمد رسول الله
أيدته بوزيره ونصرته بوزيره " فقلت لجبرئيل ومن وزيري؟ فقال علي بن
أبي طالب، فلما انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت مكتوبا عليها " إني أنا الله
لا إله إلا أنا وحدي محمد (حبيبي ط) صفوتي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره "
فقلت لجبرئيل ومن وزيري؟ قال علي بن أبي طالب.
فلما جاوزت سدرة المنتهى انتهيت إلى عرش رب العالمين فوجدت مكتوبا
على كل قائمة من قوائم العرش " أنا الله لا إله إلا أنا محمد حبيبي أيدته بوزيره
ونصرته بوزيره " فلما دخلت الجنة رأيت في الجنة شجرة طوبى أصلها في دار
336

علي وما في الجنة قصر ولا منزل إلا وفيها فرع منها أعلاها اسفاط (1) حلل من
سندس وإستبرق يكون للعبد المؤمن الف الف سفط، في كل سفط مائة الف حلة
ما فرها حلة تشبه الأخرى على ألوان مختلفة، وهو ثياب أهل الجنة وسطها ظل
ممدود كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله يسير
الراكب في ذلك الظل مسيرة مائة عام فلا يقطعه وذلك قوله (وظل ممدود) أسفلها
ثمار أهل الجنة وطعامهم متدلل في بيوتهم يكون في القضيب منها مائة لون من
الفاكهة مما رأيتم في دار الدنيا ومما لم تروه وما سمعتم به وما لم تسمعوا مثلها،
وكلما يجتني منها شئ نبت مكانها أخرى لا مقطوعة ولا ممنوعة ويجري نهر في أصل
تلك الشجرة ينفجر منها الأنهار الأربعة، نهر من ماء غير آسن ونهر من لبن
لم يتغير طعمه ونهر من خمر لذة للشاربين ونهر من عسل مصفى.
يا فاطمة ان الله أعطاني في علي سبع خصال: هو أول من ينشق عنه القبر
معي، وأول من يقف معي على الصراط فيقول للنار خذي ذا وذري ذا، وأول
من يكسى إذا كسيت، وأول من يقف معي على يمين العرش وأول من يقرع
معي باب الجنة، وأول من يسكن معي عليين، وأول من يشرب معي من الرحيق
المختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
يا فاطمة هذا ما أعطاه الله عليا في الآخرة وأعد له في الجنة إذا كان في
الدنيا لا مال له، فاما ما قلت إنه بطين، فإنه مملو من العلم خصه الله به واكرمه من
بين أمتي، واما ما قلت إنه انزع عظيم العينين، فان الله خلقه بصفة آدم عليه السلام،
واما طول يديه، فان الله طولهما ليقتل بهما أعداءه وأعداء رسوله وبه يظهر الله

(1) جمع سفط وهو ظرف يعبأ فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء.
ج. ز
337

الدين ولو كره المشركون، وبه يفتح الله الفتوح ويقاتل المشركين على تنزيل
القرآن والمنافقين من أهل البغي والنكث والفسوق على تأويله ويخرج الله من
صلبه سيدي شباب أهل الجنة ويزين بهما عرشه.
يا فاطمة ما بعث الله نبيا إلا جعل له ذريته من صلبه وجعل ذريتي من صلب
علي، ولولا علي ما كانت لي ذرية، فقالت فاطمة يا رسول الله ما اختار عليه أحدا
من أهل الأرض، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال ابن عباس عند ذلك: والله
ما كان لفاطمة كفؤ غير علي عليه السلام.
قوله: (إذ يغشى السدرة ما يغشى) قال: لما رفع الحجاب بينه وبين
رسول الله صلى الله عليه وآله غشى نوره السدرة وقوله (ما زاغ البصر وما طغى) أي لم
ينكر (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال رأى جبرئيل على ساقه الدر مثل
القطر على البقل له ستمائة جناح قد ملا ما بين السماء والأرض وقوله (أفرأيتم
(اللات والعزى) قال اللات رجل والعزى امرأة وقوله (ومناة الثالثة الأخرى)
قال كان صنم بالمسلك (الشلل ط) خارج من المحرم على ستة أميال يسمى المناة قوله
(ألكم الذكر وله الأنثى) قال هو ما قالت قريش ان الملائكة هم بنات الرحمن فرد
الله عليهم فقال (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) أي ناقصة ثم قال
(إن هي) يعني اللات والعزى ومناة (إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما انزل
الله بها من سلطان) اي من حجة وقوله (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش
إلا اللمم) وهو ما يلم به العبد من ذنوب صغار بجهالة ثم يندم ويستغفر الله ويتوب
فيغفر الله له وقوله: (وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) اي مستقرين قوله:
(وإبراهيم الذي وفى) قال وفى بما امره الله من الأمر والنهي وذبح ابنه قوله:
(وان إلى ربك المنتهى) قال إذا انتهى الكلام إلى الله فامسكوا، وتكلموا فيما دون
العرش ولا تكلموا فيما فوق العرش فان قوما تكلموا فيما فوق العرش فتاهت عقولهم
338

حتى كان الرجل ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه وينادى من خلفه فيجيب
من بين يديه وهذا رد على من وصف الله وقوله (وانه هو أضحك وأبكى) قال
أبكى السماء بالمطر وأضحك الأرض بالنبات قال الشاعر:
كل يوم بأقحوان جديد * تضحك الأرض من بكاء السماء
قوله (من نطفة إذا تمنى) قال تتحول النطفة إلى الدم فتكون أولا دما
ثم تصير النطفة وتكون في الدماغ في عرق يقال له الوريد وتمر في فقار الظهر فلا
تزال تجوز فقرا فقرا حتى تصير في الحالبين (1) فتصير ابيض واما نطفة المرأة
فإنها تنزل من صدرها.
حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا إبراهيم بن هاشم عن
النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام في قول الله (وانه هو أغنى وأقنى) قال أغنى كل إنسان
بمعيشته وأرضاه بكسب يده، وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وانه هو رب
الشعرى) قال نجم في السماء يسمى الشعرى كانت قريش وقوم من العرب يعبدونه
وهو نجم يطلع في آخر الليل وقوله: (والمؤتفكة اهوى) قال المؤتفكة البصرة
والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام: يا أهل البصرة، ويا أهل المؤتفكة
يا جند المرأة وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر فهربتم، ماؤكم زعاق (2)،
وأحلامكم (أخلاقكم ط) رقاق، وفيكم ختم النفاق، ولعنتم على لسان سبعين نبيا، ان رسول الله

(1) حالبان: قناتان بين الكليتين والمثانة.
(2) ائتفك البلد بأهله انقلب، المؤتفكات: الرياح تختلف مهابها، رغا
البعير: صوت، زعاق: مالح وهذه حال البصرة في ذاك العصر وان كانت آثارها
الطبعية عامة في كل زمان. ج. ز
339

صلى الله عليه وآله أخبرني ان جبرئيل عليه السلام أخبره انه طوى له الأرض فرأى البصرة أقرب
الأرضين من الماء وأبعدها من السماء وفيها تسعة أعشار الشر والداء العضال، المقيم
فيها مذنب، والخارج منها (متدارك) برحمة، وقد ائتفكت بأهلها مرتين، وعلى
الله تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة.
وقوله (فبأي آلاء ربك تتمارى) اي بأي سلطان تخاصم (هذا نذير)
يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (من النذر الأولى) حدثنا علي بن الحسين عن أحمد بن
أبي عبد الله عن محمد بن علي عن علي بن أسباط عن علي بن معمر عن أبيه قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله " هذا نذير من النذر الأولى " قال إن الله
تبارك وتعالى لما ذرأ الخلق في الذر الأول فأقامهم صفوفا " وبعث الله محمدا فآمن
به قوم وأنكره قوم، فقال الله هذا نذير من النذر الأولى، يعني به محمدا صلى الله عليه وآله
حيث دعاهم إلى الله عز وجل في الذر الأول، قال علي بن إبراهيم في قوله:
(أزفت الآزفة) قال قربت القيامة (ليس لها من دون الله كاشفة) أي لا يكشفها
إلا الله (أفمن هذا الحديث تعجبون) يعني بما قد تقدم ذكره من الاخبار
(وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون) اي لاهون ساهون.
سورة القمر مكية
آياتها خمس وخمسون
(بسم الله الرحمن الرحيم اقتربت الساعة) قال قربت القيامة فلا يكون بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله إلا القيامة وقد انقضت النبوة والرسالة وقوله (وانشق القمر)
فان قريشا سألت رسول الله صلى الله عليه وآله ان يريهم آية، فدعا الله فانشق القمر بنصفين
حتى نظروا إليه ثم التأم فقالوا هذا سحر مستمر أي صحيح
وروي أيضا في قوله (اقتربت الساعة) قال خروج القائم عليه السلام، حدثنا
340

حبيب بن الحسن بن ابان الاجري قال حدثني محمد بن هشام عن محمد قال حدثني
يونس قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام: اجتمعوا أربعة عشر رجلا أصحاب العقبة
ليلة أربعة عشر من ذي الحجة، فقالوا للنبي صلى الله عليه وآله: ما من نبي إلا وله آية فما
آيتك في ليلتك هذه؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله ما الذي تريدون؟ فقالوا ان يكن لك
عند ربك قدر فامر القمر أن ينقطع قطعتين، فهبط جبرئيل عليه السلام وقال يا محمد ان
الله يقرؤك السلام ويقول لك: إني قد أمرت كل شئ بطاعتك، فرفع رأسه
فأمر القمر أن ينقطع قطعتين، فانقطع قطعتين فسجد النبي صلى الله عليه وآله شكرا لله وسجد
شيعتنا، رفع النبي صلى الله عليه وآله رأسه ورفعوا رؤسهم، ثم قالوا يعود كما كان فعاد
كما كان، ثم قالوا ينشق رأسه فأمره فانشق فسجد النبي صلى الله عليه وآله شكرا لله وسجد
شيعتنا، فقالوا يا محمد حين تقدم سفارنا من الشام واليمن فنسألهم ما رأوا في هذه
الليلة فان يكونوا رأوا مثل ما رأينا علمنا أنه من ربك وإن لم يروا مثل ما رأينا
علمنا أنه سحر سحرتنا به، فأنزل الله اقتربت الساعة إلى آخر السورة.
قال علي بن إبراهيم قوله (وكذبوا واتبعوا أهواءهم) اي كانوا يعملون
برأيهم ويكذبون أنبياءهم قوله (ولقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر) اي متعظ
وقوله (فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شئ نكر) قال الامام إذا خرج يدعوهم
إلى ما ينكرون قوله (مهطعين (1) إلى الداع) إذا رجع فيقول ارجعوا (يقول
الكافرون هذا يوم عسر) ثم حكى الله عز وجل هلاك الأمم الماضية فقال (كذبت
قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر) اي آذوه وأرادوا رجمه
وقوله (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) قال صب بلا قطر (وفجرنا الأرض عيونا
فالتقى الماء) قال ماء السماء وماء الأرض (على امر قد قدر وحملناه) يعني نوحا

(1) اهطع في السير: اقبل مسرعا خائفا. ج. ز
341

(على ذات ألواح ودسر) قال ذات ألواح السفينة والدسر المسامير، وقيل الدسر
ضرب من الحشيش شد به السفينة (تجري بأعيننا) أي بأمرنا وحفظنا قوله:
(ولقد يسرنا القرآن للذكر) اي يسرناه لمن تذكره وقوله (إنا أرسلنا عليهم
ريحا صرصرا) اي باردة وقوله (إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم) اي اختبارا وقوله
(فنادوا صاحبهم) قال قدار الذي عقر الناقة وقوله (كهشيم المحتضر) قال الحشيش
النبات وقوله (أكفاركم) مخاطبة لقريش (خير من أولئكم) يعني هذه الأمم
الهالكة (أم لكم براءة في الزبر) اي في الكتب لكم براءة ان لا تهلكوا كما
هلكوا، فقالوا قريش قد اجتمعنا لننتصر ونقتلك يا محمد! فأنزل الله (أم يقولون
- يا محمد - نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر) يعني يوم بدر حين
هزموا وأسروا وقتلوا ثم (قال بل الساعة موعدهم) يعني القيامة (والساعة أدهى
وأمر) اي أشد واغلظ وامر وقوله (إن المجرمين في ضلال وسعر) اي في عذاب،
وسعر واد في جهنم عظيم.
وقوله (إنا كل شئ خلقناه بقدر) قال له وقت وأجل ومدة حدثنا محمد
ابن أبي عبد الله قال حدثنا موسى بن عمران عن الحسين بن يزيد عن إسماعيل بن
مسلم قال قال أبو عبد الله عليه السلام: وجدت لأهل القدر اسما في كتاب الله قوله:
" ان المجرمين في ضلال وسعر - إلى قوله - خلقناه بقدر " فهم المجرمون
(وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) يعني نقول كن فيكون وقوله (ولقد
أهلكنا أشياعكم) اي اتباعكم وعباد الأصنام وقوله (وكل شئ فعلوه في الزبر)
اي مكتوب في الكتب (وكل صغير وكبير) يعنى من ذنب (مستطر) اي
مكتوب ثم ذكر ما أعده للمتقين فقال (إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق
عند مليك مقتدر).
342

سورة الرحمن مدنية (1)
ثمان وسبعون آية
(بسم الله الرحمن الرحيم الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان) قال
حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في قوله: الرحمن علم
القرآن قال عليه السلام: الله علم محمدا القرآن، قلت خلق الانسان؟ قال ذلك أمير المؤمنين عليه السلام
قلت علمه البيان؟ قال علمه تبيان كل شئ يحتاج الناس إليه، قلت الشمس والقمر
بحسبان؟ قال هما يعذبان، قلت الشمس والقمر يعذبان؟ قال سألت عن شئ
فأتقنه، إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مطيعان له، ضوؤهما
من نور عرشه وحرهما من جهنم فإذا كانت القيامة عاد إلى العرش نورهما وعاد إلى
النار حرهما فلا يكون شمس ولا قمر، وإنما عناهما لعنهما الله أوليس قد روى
الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الشمس والقمر نوران في النار؟ قلت بلى
قال أما سمعت قول الناس فلان وفلان شمسا هذه الأمة ونورها فهما في النار والله
ما عنى غيرهما.
قلت: والنجم والشجر يسجدان؟ قال النجم رسول الله صلى الله عليه وآله وقد سماه
الله في غير موضع فقال: والنجم إذا هوى، وقال: وعلامات وبالنجم هم يهتدون
فالعلامات الأوصياء والنجم رسول الله، قلت يسجدان؟ قال يعبدان قوله:
(والسماء رفعها ووضع الميزان) قال السماء رسول الله صلى الله عليه وآله رفعه الله إليه
والميزان أمير المؤمنين عليه السلام نصبه لخلقه، قلت: ألا تطغوا في الميزان؟ قال:
لا تعصوا الامام، قلت وأقيموا الوزن بالقسط؟ قال أقيموا الامام بالعدل قلت:
ولا تخسروا الميزان؟ قال: لا تبخسوا الامام حقه ولا تظلموه وقوله (والأرض
وضعها للأنام) قال للناس (فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام) قال يكبر ثمر النخل

(1) وفى ط انها مكية. ج - ز
343

في القمع ثم يطلع منه وقوله (والحب ذو العصف والريحان) قال الحب الحنطة
والشعير والحبوب والعصف التين والريحان ما يؤكل منه وقوله (فبأي آلاء
ربكما تكذبان) قال: في الظاهر مخاطبة الجن والإنس وفي الباطن فلان وفلان،
حدثنا أحمد بن علي قال حدثنا محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن أسلم
عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله: فبأي
آلاء ربكما تكذبان، قال قال الله تبارك وتعالى وتقدس فبأي النعمتين تكفران
بمحمد صلى الله عليه وآله أم بعلي عليه السلام.
قال علي بن إبراهيم في قوله (رب المشرقين ورب المغربين) قال مشرق
الشتاء ومشرق الصيف ومغرب الشتاء ومغرب الصيف، وفي رواية سيف بن عميرة
عن إسحاق بن عمار عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله: رب
المشرقين ورب المغربين، قال المشرقين رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام
والمغربين الحسن والحسين وفي أمثالهما تجري (فبأي آلاء ربكما تكذبان) قال
محمد وعلي عليهما السلام، حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا سعيد بن عبد الله
عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن يحيى بن سعيد القطان
(العطار خ ل) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله تبارك وتعالى
(مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان) قال علي وفاطمة بحران عميقان
لا يبغي أحدهما على صاحبه (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) قال الحسن والحسين
عليهما السلام، وقال علي بن إبراهيم في قوله: (مرج البحرين يلتقيان)
أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) الحسن والحسين
عليهما السلام وقوله: (وله الجوار المنشئات في البحر كالاعلام) قال كما قالت
الخنساء ترثي أخاها صخرا:
وإن صخرا لمولانا وسيدنا * وإن صخرا إذا يستوقد النار
344

وإن صخرا لتأتم الهداة به * كأنه علم في رأسه نار
وقوله (كل من عليها فان) قال من على وجه الأرض (ويبقى وجه ربك)
قال دين ربك، وقال علي بن الحسين عليه السلام: نحن الوجه الذي يؤتى الله منه وقوله
(يسئله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شان) قال يحيي ويميت ويرزق
ويزيد وينقص قوله (سنفرغ لكم أيها الثقلان) قال نحن وكتاب الله والدليل
على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي
وقوله (يا معشر الجن والإنس ان استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات
والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) فإذا كان يوم القيامة أحاطت سماء الدنيا
بالأرض وأحاطت السماء الثانية بسماء الدنيا وأحاطت السماء الثالثة بالسماء الثانية
وأحاطت كل سماء بالتي تليها ثم ينادى يا معشر الجن والإنس - إلى قوله - بسلطان اي
بحجة وقوله (فيومئذ لا يسئل عن ذنبه) قال منكم يعني من الشيعة (انس ولا
جان) قال: معناه انه من تولى أمير المؤمنين وتبرأ من أعدائه عليهم لعائن الله
وأحل حلاله وحرم حرامه ثم دخل في الذنوب ولم يتب في الدنيا عذب لها في البرزخ
ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسئل عنه يوم القيامة، وقرأ أبو عبد الله عليه السلام
" هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان تصليانها ولا تموتان فيها ولا تحييان " يعني
زريقا وحبتر قوله (يطوفون بينها وبين حميم آن) قال لها أنين من شدة حرها
قوله (هل جزاء الاحسان إلا الاحسان) قال ما جزاء من أنعمت عليه بالمعرفة
إلا الجنة.
أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن غالب عن
عثمان بن محمد بن عمران قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله جل ثناؤه:
(ومن دونهما جنتان) قال خضراوتان في الدنيا يأكل المؤمنون منها حتى يفرغوا
من الحساب وعنه عن محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد عن علي بن حماد الخزاز (الجزار ط)
345

عن الحسين بن أحمد المنقري عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله
(مدهامتان) قال يتصل ما بين مكة والمدينة نخلا، وقال علي بن إبراهيم في قوله
(فيهن قاصرات الطرف) قال الحور العين يقصر الطوف عنها من ضوء نورها وقوله
(لم يطمثهن) أي لم يمسسهن أحد وقوله (فيهما عينان نضاختان) أي تفوران
وقوله (فيهن خيرات حسان) قال جوار نابتات على شط الكوثر كلما أخذ منهم
واحدة نبت بمكانها الأخرى وقوله (حور مقصورات في الخيام) قال يقصر
الطرف عنها، حدثنا علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبد الله (أبى عبيد ط) عن أحمد بن محمد بن
أبي نصر (بصير) عن هشام بن سالم عن سعد بن ظريف عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله
تبارك وتعالى (تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام) فقال نحن جلال الله
وكرامته التي أكرم الله العباد بطاعتنا.
سورة الواقعة مكية
آياتها ستة وتسعون
(بسم الله الرحمن الرحيم إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة) قال القيامة
هي حق (خافضة) قال لأعداء الله (رافعة) قال لأولياء الله (إذا رجت الأرض
رجا) قال يدق بعضها على بعض (وبست الجبال بسا) قال قلعت الجبال قلعا
(فكانت هباء منبثا) قال: الهباء الذي يدخل في الكوة من شعاء الشمس قوله
(وكنتم أزواجا ثلاثة) قال يوم القيامة (فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة)
وهم المؤمنون من أصحاب التبعات يوقفون للحساب (وأصحاب المشئمة
ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون) الذين قد سبقوا إلى الجنة بلا حساب.
أخبرنا الحسن بن علي عن أبيه عن الحسن بن سعيد عن الحسين بن علوان
الكلبي عن علي بن الحسين العبدي عن أبي هارون العبدي عن ربيعة السعدي عن
346

حذيفة بن اليمان: ان رسول الله صلى الله عليه وآله أرسل إلى بلال فأمره فنادى بالصلاة
قبل وقت كل يوم في رجب لثلاث عشر خلت منه، قال: فلما نادى بلال بالصلاة
فزع الناس من ذلك فزعا شديدا وذعروا وقالوا رسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرنا
لم يغب عنا ولم يمت، فاجتمعوا وحشدوا فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله يمشي حتى
انتهى إلى باب من أبواب المسجد فأخذ بعضادته، في المسجد مكان يسمى
السدة فسلم ثم قال: هل تسمعون يا أهل السدة؟ فقالوا: سمعنا وأطعنا فقال هل
تبلغون؟ قالوا: ضمنا ذلك لك يا رسول الله! قال أخبركم إن الله خلق الخلق قسمين
فجعلني في خيرهما قسما وذلك قوله أصحاب اليمين وأصحاب الشمال فأنا من أصحاب
اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها أثلاثا
وذلك قوله: وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب
المشئمة والسابقون السابقون فأنا من السابقين وأنا خير السابقين.
ثم جعل الا ثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله: يا أيها الناس
إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله
أتقاكم فقبيلتي خير القبائل وأنا سيد ولد آدم وأكرمكم على الله ولا فخر، ثم
جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا وذلك قوله: إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، ألا وان إلهي اختارني في ثلاثة من أهل بيتي
وأنا سيد الثلاثة وأتقاهم لله ولا فخر، اختارني وعليا وجعفرا ابني أبي طالب
وحمزة بن عبد المطلب كنا رقودا بالأبطح ليس منا إلا مسجى بثوبه على وجهه
علي بن أبي طالب عن يميني وجعفر بن أبي طالب عن يساري وحمزة بن عبد المطلب
عند رجلي فما نبهني عن رقدتي غير خفيق أجنحة الملائكة وبرد ذراع علي بن
أبي طالب في صدري فانتبهت من رقدتي وجبرئيل في ثلاثة أملاك يقول له أحد
الاملاك الثلاثة إلى أي هؤلاء الأربعة أرسلت؟ فرفسني برجله فقال إلى هذا،
347

قال: ومن هذا؟ يستفهمه فقال: هذا محمد سيد النبيين صلى الله عليه وآله وهذا علي بن
أبي طالب سيد الوصيين وهذا جعفر بن أبي طالب له جناحان خضيبان يطير بهما
في الجنة وهذا حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء، أخبرنا أحمد بن إدريس قال
حدثنا أحمد بن محمد عن الحسن بن علي عن أسباط عن سالم بياع الزطي قال:
سمعت أبا سعيد المدائني يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن قوله عز وجل (ثلة من الأولين
وثلة من الآخرين) قال ثلة من الأولين حزقيل مؤمن آل فرعون وثلة من الآخرين
علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (ثلة من الأولين) هم أتباع الأنبياء (وقليل
من الآخرين) هم اتباع النبي صلى الله عليه وآله (على سرر موضونة) اي منصوبة (يطوف
عليهم ولدان مخلدون) اي مسرورون (1) (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما)
قال: الفحش والكذب والغناء قوله (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) قال
اليمين علي أمير المؤمنين (ع) وأصحابه شيعته وقوله (في سدر مخضود) قال
شجر لا يكون له ورق ولا شوك فيه، وقرأ أبو عبد الله (ع) (وطلع منضود)
قال بعضه إلى بعض وقوله (وظل ممدود) قال ظل ممدود وسط الجنة في عرض الجنة
وعرض الجنة كعرض السماء والأرض يسير الراكب في ذلك الظل مسيرة مائة عام
فلا يقطعه وقوله (وماء مسكوب) اي مرشوش قوله (لا مقطوعة ولا ممنوعة)
اي لا ينقطع ولا يمنع أحد من اخذها وقوله (إنا أنشأناهن إنشاء) قال الحور
العين في الجنة (فجعلناهن ابكارا عربا) قال: لا يتكلمون إلا بالعربية وقوله:
(أترابا) يعني مستويات السن (لأصحاب اليمين) أصحاب أمير المؤمنين (ع)

(1) هذا لازم المعنى وإلا فالمخلد لغة هو من أبطأ عنه المشيب أو من خلق
ليخلد شابا. ج. ز
348

(ثلة من الأولين) قال من الطبقة الأولى التي كانت مع النبي صلى الله عليه وآله (وثلة من
الآخرين) قال بعد النبي صلى الله عليه وآله من هذه الأمة (وأصحاب الشمال ما أصحاب
الشمال) قال: أصحاب الشمال أعداء محمد وأصحابهم الذين والوهم (في سموم
وحميم) قال: السموم اسم النار والحميم ماء قد حمي (وظل من يحموم) قال: ظل (ظلمة ط)
شديد الحر (لا بارد ولا كريم) قال ليس بطيب (فشاربون شرب الهيم) قال
من الزقوم والهيم الإبل، وقوله: (هذا نزلهم يوم الدين) قال هذا ثوابهم
يوم المجازاة وقوله: (أفرأيتم ما تمنون) يعني النطفة وقوله: (أفرأيتم النار
التي تورون) اي تورونها وتوقدونها وتنتفعون بها (أأنتم أنشأتم شجرتها أم
نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة) لنار يوم القيامة (ومتاعا للمقوين)
قال: المحتاجين.
وقوله: (فلا أقسم بمواقع النجوم) قال: معناه فأقسم بمواقع النجوم
حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة وأحمد بن
الحسن القزاز جميعا عن صالح بن خالد عن ثابت بن شريح قال: حدثني أبان بن
تغلب عن عبد الأعلى الثعلبي (التغلبي ط) ولا أراني قد سمعته الا من عبد الأعلى قال: حدثني
أبو عبد الرحمن السلمي ان عليا (ع) قرأ بهم الواقعة " وتجعلون شكركم انكم
تكذبون " فلما انصرف قال: إني قد عرفت انه سيقول قائل لم قرأ هكذا
قرأتها لأني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقرأها كذلك، وكانوا إذا أمطروا قالوا
أمطرنا بنوء (1) كذا وكذا فأنزل الله " وتجعلون شكركم انكم تكذبون " (2)
حدثنا علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن ابن أبي عمير عن
أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في قوله: (وتجعلون رزقكم انكم تكذبون) قال

(1) اسم نجمة زعموا ان الأمطار من سببها، ج الأنوار. ج. ز
(2) أي مجردا بدون الشدة. ج. ز
349

بل هي وتجعلون شكركم أنكم تكذبون.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (فلولا إذا بلغت الحلقوم) يعني النفس
قال: معناه فإذا بلغت الحلقوم (فلولا ان كنتم غير مدينين) قال: معناه فلو كنتم
غير مجازين على أفعالكم (ترجعونها) يعني به الروح إذا بلغت الحلقوم تردونها
في البدن (إن كنتم صادقين) وقوله: (فأما إن كان من أصحاب اليمين) يعني
من كان من أصحاب أمير المؤمنين (ع) (فسلام لك) يا محمد (من أصحاب اليمين)
ان لا يعذبوا (واما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم)
في أعداء آل محمد صلى الله عليه وآله (إن هذا لهو الحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم)
أخبرنا أحمد بن إدريس قد حدثنا أحمد بن محمد عن محمد بن أبي عمير عن إسحاق
ابن عبد العزيز عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: " فاما إن كان
من المقربين فروح وريحان " قال: في قبره وجنة نعيم قال: في الآخرة (واما
إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم) في قبره (وتصلية جحيم) في الآخرة.
سورة الحديد مدنية
آياتها تسع وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز
الحكيم) قال: هو قوله أعطيت جوامع الكلم وقوله: (هو الأول) قال قبل
كل شئ (والآخر) قال يبقى بعد كل شئ (وهو عليم بذات الصدور) قال
بالضمائر وقوله (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) اي في ستة أوقات
(ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض) الآية، والآية الثانية إلى قوله
(اجر كبير) فإنه محكم وقال الصادق عليه السلام على باب الجنة مكتوب القرض بثمانية
عشر والصدقة بعشرة، وذلك أن القرض لا يكون إلا لمحتاج والصدقة ربما وضعت
350

في يد غير محتاج وقوله (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم
وبأيمانهم) قال يقسم النور بين الناس يوم القيامة على قدر ايمانهم يقسم للمنافق
فيكون نوره في ابهام رجله اليسرى فينظر نوره ثم يقول للمؤمنين مكانكم حتى
اقتبس من نوركم فيقول المؤمنون لهم (ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا) فيرجعون
ويضرب بينهم بسور له باب فينادون من وراء السور المؤمنين (ألم نكن معكم
قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم) قال: بالمعاصي (وارتبتم) قال: اي شككتم
(وتربصتم) وقوله (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية) قال: والله ما عنى بذلك اليهود
ولا النصارى وإنما عنى بذلك أهل القبلة ثم قال (مأواكم النار هي مولاكم) قال
هي أولى بكم وقوله (ألم يأن للذين آمنوا) يعني ألم يجب (أن تخشع قلوبهم)
يعني الرهب (لذكر الله) أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدثنا أحمد بن محمد عن
علي بن الحكم عن أبي المعزا عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: سألته
عن قول الله (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله اجر كريم)
قال: نزلت في صلة الأرحام ك (الامام ط).
حدثنا محمد بن أبي عبد الله قال: حدثنا سهل بن زياد عن الحسن بن العباس
ابن الحريش عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في قوله: لكيلا تأسوا على ما فاتكم (قال
قال أبو عبد الله عليه السلام سأل رجل أبي عن ذلك فقال نزلت في... الخ كما سيجئ ك)
وحدثنا محمد بن جعفر الرزاز عن يحيى بن زكريا عن علي بن حسان عن عبد الرحمن
ابن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في
أنفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها) صدق الله وبلغت رسله، كتابه في
السماء علمه بها وكتابه في الأرض علومنا في ليلة القدر وفي غيرها وقال أبو جعفر
الثاني عليه السلام في قوله (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) قال قال أبو عبد الله عليه السلام سأل
الرجل أبي عليه السلام عن ذلك قال نزلت في زريق وأصحابه واحدة مقدمة وواحده
351

مؤخرة " لا تأسوا على ما فاتكم " مما خص به علي بن أبي طالب عليه السلام ولا تفرحوا
بما أتاكم من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال الرجل أشهد
انكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه، ثم قال الرجل فذهب فلم أره.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في
أنفسكم إلا في كتاب) الآية، فإنه قال الصادق عليه السلام: لما أدخل رأس الحسين بن
علي عليهما السلام على يزيد لعنه الله وأدخل عليه علي بن الحسين وبنات أمير المؤمنين
عليه السلام وكان علي بن الحسين عليه السلام مقيدا مغلولا، فقال يزيد: يا علي بن الحسين!
الحمد لله الذي قتل أباك، فقال علي بن الحسين: لعن الله من قتل أبي، قال فغضب
يزيد وأمر بضرب عنقه (ع)، فقال علي بن الحسين فإذا قتلتني فبنات رسول الله
صلى الله عليه وآله من يردهم إلى منازلهم وليس لهم محرم غيري، فقال أنت تردهم إلى منازلهم
ثم دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده ثم قال له: يا علي بن الحسين أتدري
ما الذي أريد بذلك؟ قال بلى تريد أن لا يكون لاحد علي منة غيرك، فقال يزيد
هذا والله ما أردت أفعله ثم قال يزيد يا علي بن الحسين " ما أصابكم من مصيبة فبما
كسبت أيديكم " فقال علي بن الحسين (ع) كلا، ما هذه فينا نزلت، إنما نزلت
فينا " ما أصاب من مصيبة في الأرض - إلى قوله - لا تفرحوا بما أتاكم " فنحن
الذين لا نأسا على ما فاتنا ولا نفرح بما أتانا منها قوله: (ولقد أرسلنا رسلنا
بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان) قال الميزان الامام وقوله (يا أيها الذين
آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته) قال نصيبين من رحمته
أحدهما أن لا يدخله النار والثانية ان يدخله الجنة وقوله: (ويجعل لكم نورا
تمشون به) يعني الايمان، أخبرنا الحسين بن علي عن أبيه عن الحسين بن سعيد
عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (ع)
في قوله (يؤتكم كفلين من رحمته) قال الحسن والحسين عليهما السلام (ويجعل
352

لكم نورا تمشون به) قال إمام تأتمون به وقوله: (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا
يقدرون على شئ من فضل الله وان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله
ذو الفضل العظيم).
سورة المجادلة مدنية الجزء (28)
آياتها اثنتان وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي
إلى الله والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير) قال كان سبب نزول هذه السورة
انه أول من ظاهر في الاسلام كان رجلا يقال له أوس بن الصامت من الأنصار
وكان شيخا كبيرا فغضب على أهله يوما فقال لها! أنت علي كظهر أمي،
ثم ندم على ذلك، قال وكان الرجل في الجاهلية إذا قال لأهله أنت علي كظهر أمي
حرمت عليه آخر الأبد، وقال أوس لأهله يا خولة! إنا كنا نحرم هذا في الجاهلية
وقد آتانا الله الاسلام فاذهبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسليه عن ذلك، فأتت خولة
رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ان أوس بن الصامت هو
زوجي وأبو ولدي وابن عمي فقال لي أنت علي كظهر أمي وكنا نحرم ذلك في
الجاهلية وقد أتانا الله بالاسلام بك.
حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله عن الحسن بن محبوب
عن أبي ولاد عن حمران عن أبي جعفر (ع) قال إن امرأة من المسلمات أتت النبي
صلى الله عليه وآله، فقالت يا رسول الله! ان فلانا زوجي وقد نثرت له بطني وأعنته على
دنياه وآخرته ولم ير مني مكروها أشكوه إليك، فقال: فيم تشكينه؟ قالت إنه
قال أنت علي حرام كظهر أمي وقد أخرجني من منزلي فانظر في أمري، فقال لها
رسول الله صلى الله عليه آله ما انزل الله تبارك وتعالى علي كتابا اقضي فيه بينك وبين
353

زوجك وأنا اكره ان أكون من المتكلفين، فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى الله
عز وجل وإلى رسول الله صلى الله عليه وآله وانصرفت، قال فسمع الله تبارك وتعالى مجادلتها
لرسول الله صلى الله عليه وآله في زوجها وما شكت إليه وانزل الله في ذلك قرآنا (بسم الله
الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع
تحاوركما - إلى قوله - وان الله لعفو غفور) قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى
المرأة فأتته فقال لها جئني بزوجك، فأتت به فقال له أقلت لامرأتك هذه أنت
علي حرام كظهر أمي؟ فقال قد قلت لها ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: قد
أنزل الله تبارك وتعالى فيك وفي امرأتك قرآنا وقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم
قد سمع الله قول التي تجادلك - إلى قوله - وإن الله لعفو غفور) فضم إليك
امرأتك فإنك قد قلت منكرا من القول وزورا وقد عفا الله عنك وغفر لك ولا
تعد قال: فانصرف الرجل وهو نادم على ما قال لامرأته وكره الله عز وجل ذلك
للمؤمنين بعد وأنزل الله (الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) يعني
(لما قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، قال: فمن قالها بعدما عفا الله وغفر
للرجل الأول فان ط) عليه (تحرير رقبة من قبل ان يتماسا) يعني مجامعتهما (ذلكم
توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) يعني من
قبل ان يتماسا (فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) قال: فجعل الله عقوبة من
ظاهر بعد النهي هذا قال (ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله) قال هذا
حد الظهار، قال حمران قال أبو جعفر (ع): ولا يكون ظهار في يمين ولا في
اضرار ولا في غضب ولا يكون ظهار إلا على طهر من غير جماع بشهادة
شاهدين مسلمين.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم
يعودون لما نهوا عنه) قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يأتون رسول الله
354

صلى الله عليه وآله فيسألونه ان يسأل الله لهم، وكانوا يسألون مالا يحل لهم، فأنزل الله
(ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول) وقولهم له إذا اتوه أنعم صباحا
وانعم مساءا وهي تحية أهل الجاهلية فأنزل الله (فإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به
الله) فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أبدلنا الله بخير من ذلك تحية أهل الجنة
" السلام عليكم " ثم قال عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا
بالاثم والعدوان ومعصية الرسول - إلى قوله - إليه تحشرون) وقوله: (إنما
النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى
الله فليتوكل المؤمنون) قال فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير
عن أبي عبد الله (ع) قال كان سبب نزول هذه الآية ان فاطمة عليها السلام رأت
في منامها ان رسول الله صلى الله عليه وآله هم ان يخرج هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين
صلوات الله عليهم من المدينة فخرجوا حتى جاوزوا من حيطان المدينة فعرض لهم
طريقان فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ذات اليمين حتى انتهى بهم إلى موضع فيه نخل
وماء فاشترى رسول الله صلى الله عليه وآله شاة كبراء (1) وهي التي في أحد أذنيها نقط بيض
فأمر بذبحها فلما اكلوا منها ماتوا في مكانهم، فانتبهت فاطمة باكية ذعرة فلم تخبر
رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، فلما أصبحت جاء رسول الله صلى الله عليه وآله بحمار فاركب عليه
فاطمة وامر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام من المدينة،
كما رأت فاطمة في نومها فلما خرجوا من حيطان المدينة عرض لهم طريقان فاخذ
رسول الله صلى الله عليه وآله ذات اليمين كما رأت فاطمة عليها السلام حتى انتهوا إلى موضع
فيه نخل وماء فاشترى رسول الله صلى الله عليه وآله شاة ذراء كما رأت فاطمة (ع) فامر
بذبحها فذبحت وشويت فلما أرادوا اكلها قامت فاطمة وتنحت ناحية منهم

(1) وفي تفسير الصافي " ذراء " مكان كبراء ج. ز
355

تبكي مخافة ان يموتوا، فطلبها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وقف عليها وهي تبكي فقال
ما شأنك يا بنية؟ قالت: يا رسول الله رأيت البارحة كذا وكذا في نومي وقد
فعلت أنت كما رأيته في نومي فتنحيت عنكم لان لا أراكم تموتون، فقام رسول الله
صلى الله عليه وآله فصلى ركعتين ثم ناجى ربه فنزل عليه جبرئيل (ع) فقال: يا محمد هذا
شيطان يقال له الزها (الرها ط)، وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا ويؤذي المؤمنين في نومهم
ما يغتمون به فامر جبرئيل (ع) ان يأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء به إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: أنت أريت فاطمة هذه الرؤيا؟ فقال: نعم يا محمد!
فبزق عليه ثلاث بزقات فشجه في ثلاث مواضع
ثم قال جبرئيل لمحمد صلى الله عليه وآله قل يا محمد إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه
أو رأى أحد من المؤمنين فليقل: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياء
الله المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت من رؤياي، ويقرأ الحمد
والمعوذتين وقل هو الله أحد ويتفل عن يساره ثلاث تفلات، فإنه لا يضره ما رأى
فأنزل الله على رسوله (إنما النجوى من الشيطان) الآية، أخبرنا أحمد بن إدريس
عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي بكر الحضرمي وبكر بن أبي بكر قال
قالا حدثنا سليمان بن خالد قال سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله: (إنما النجوى
من الشيطان) قال فلان قوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) فلان
وفلان وابن فلان أمينهم حين اجتمعوا فدخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتابا ان
مات محمد ان لا يرجع الامر فيهم ابدا.
قال علي بن إبراهيم في قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في
المجالس فافسحوا يفسح الله لكم) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل المسجد
يقوم له الناس فنهاهم الله ان يقوموا له فقال تفسحوا اي وسعوا له في المجلس (وإذا
قيل انشزوا فانشزوا) يعني إذا قال قوموا فقوموا وقوله: (يا أيها الذين آمنوا
356

إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) قال: إذا سألتم رسول الله ص
حاجة فتصدقوا بين يدي حاجتكم ليكون اقضي لحوائجكم، فلم يفعل ذلك أحد
إلا أمير المؤمنين (ع) فإنه تصدق بدينار وناجى رسول الله صلى الله عليه وآله عشر نجوات
حدثنا أحمد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن صفوان عن ابن مسكان عن
أبي بصير عن أبي عبد الله ع (أبى جعفر ط) قال: سألته عن قول الله عز وجل: (إذا ناجيتم
الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) قال: قدم علي بن أبي طالب (ع)
بين يدي نجواه صدقة ثم نسخها قوله: (أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم
صدقات) حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني (الحسنى ط) قال: حدثنا الحسين بن سعيد قال:
حدثنا محمد بن مروان قال حدثنا عبيد بن خنيس قال: حدثنا صباح عن ليث بن
أبي سليم عن مجاهد قال قال علي (ع): إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد
قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وهي آية النجوى كان عندي دينار فبعته بعشرة
دراهم، فجعلت أقدم بين يدي كل نجوى أناجيها النبي صلى الله عليه وآله درهما، قال:
فنسخها قوله: أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات - إلى قوله - والله
خبير بما تعملون، وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ألم تر إلى الذين تولوا قوما
غضب الله عليهم) قال: نزلت في الثاني لأنه مر به رسول الله صلى الله عليه وآله وهو جالس
عند رجل من اليهود ويكتب خبر رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله جل ثناؤه (ألم تر إلى
الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم) فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال
له النبي صلى الله عليه وآله رأيتك تكتب عن اليهود وقد نهى الله عن ذلك! فقال يا رسول الله
كتبت عنه ما في التوراة من صفتك وأقبل يقرأ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو
غضبان، فقال له رجل من الأنصار ويلك أما ترى غضب النبي صلى الله عليه وآله عليك؟
فقال أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله اني إنما كتبت ذلك لما وجدت فيه
من خبرك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله يا فلان! لو أن موسى بن عمران فيهم قائما
357

ثم أتيته رغبة عما جئت به لكنت كافرا بما جئت به وهو قوله (اتخذوا أيمانهم
جنة) أي حجابا بينهم وبين الكفار وايمانهم إقرار باللسان وخوفا من السيف
ورفع الجزية وقوله (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم) قال إذا
كان يوم القيامة جمع الله الذين غصبوا آل محمد حقهم فيعرض عليهم أعمالهم
فيحلفون له انهم لم يعملوا منها شيئا كما حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله في الدنيا حين
حلفوا أن لا يردوا الولاية في بني هاشم، وحين هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله في
العقبة، فلما أطلع الله نبيه وأخبره حلفوا له انهم لم يقولوا ذلك ولم يهموا به
حتى انزل الله على رسوله " يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا
بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله
فان يتوبوا يك خيرا لهم " قوله: (لا تجد قوما يؤمنون بالله - إلى قوله -
وإخوانهم أو عشيرتهم) الآية، اي من يؤمن بالله واليوم الآخر لا يؤاخي من
حاد الله ورسوله إلى قوله (أولئك كتب في قلوبهم الايمان) وهم الأئمة عليهم السلام
(وأيدهم بروح منه) قال: الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل وكان مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الأئمة عليهم السلام وقوله (أولئك حزب الله) يعني
الأئمة عليهم السلام أعوان الله (إلا أن حزب الله هم المفلحون).
سورة الحشر مدنية
آياتها اربع وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز
الحكيم هو الذي اخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر
ما ظننتم ان يخرجوا) قال: سبب نزول ذلك أنه كان بالمدينة ثلاثة ابطن من
اليهود بنو النضير وقريظة وقينقاع، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله عهد
358

ومدة فنقضوا عهدهم وكان سبب ذلك من بني النضير في نقض عهدهم انه أتاهم
رسول الله صلى الله عليه وآله يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة يعني
يستقرض، وكان قصد كعب بن الأشرف، فلما دخل على كعب قال: مرحبا
يا أبا القاسم وأهلا! وقام كأنه يضع له الطعام وحدث نفسه ان يقتل رسول الله
صلى الله عليه وآله ويتبع أصحابه، فنزل جبرئيل عليه السلام فأخبره بذلك، فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى المدينة وقال لمحمد بن مسلمة الأنصاري اذهب إلى بني النضير فأخبرهم ان الله
عز وجل قد أخبرني بما هممتم به من الغدر فاما ان تخرجوا من بلدنا واما ان
تأذنوا بحرب، فقالوا نخرج من بلادك فبعث إليهم عبد الله بن أبي ألا تخرجوا
وتقيموا وتنابذوا محمدا الحرب فاني أنصركم أنا وقومي وحلفاي، فان خرجتم
خرجت معكم وان قاتلتم قاتلت معكم، فأقاموا وأصلحوا حصونهم وتهيئوا للقتال
وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إنا لا نخرج فاصنع ما أنت صانع.
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وكبر وكبر أصحابه وقال لأمير المؤمنين عليه السلام تقدم
إلى بني النضير فاخذ أمير المؤمنين عليه السلام الراية وتقدم، وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله
وأحاط بحصنهم، وغدر بهم عبد الله بن أبي وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ظهر
بمقدم بيوتهم حصنوا ما يليهم وخربوا ما يليه وكان الرجل منهم ممن كان له بيت
حسن خربه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بقطع نخلهم فجزعوا من ذلك وقالوا
يا محمد ان الله يأمرك بالفساد؟ إن كان لك هذا فخذه وإن كان لنا فلا تقطعه،
فلما كان بعد ذلك قالوا يا محمد نخرج من بلادك وأعطنا ما لنا، فقال لا، ولكن
تخرجون ولكم ما حملت الإبل، فلم يقبلوا ذلك فبقوا أياما، ثم قالوا نخرج ولنا
ما حملت الإبل، فقال لا ولكن تخرجون ولا يحمل أحد منكم شيئا فمن وجدنا
معه شيئا من ذلك قتلناه، فخرجوا على ذلك ووقع قوم منهم إلى فدك ووادي
القرى وخرج منهم قوم إلى الشام فأنزل الله فيهم (هو الذي اخرج الذين كفروا
359

من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم ان يخرجوا وظنوا انهم مانعتهم
حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا - إلى قوله - فان الله شديد
العقاب) وانزل الله عليه فيما عابوه من قطع النخل (ما قطعتم من لينة أو تركتموها
قائمة على أصولها فباذن الله وليخزي الفاسقين - إلى قوله - ربنا انك رؤوف رحيم)
وانزل الله عليه في عبد الله بن أبي وأصحابه (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون
لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم - إلى قوله -
ثم لا ينصرون) ثم قال: (كمثل الذين من قبلهم) يعني بني قينقاع (قريبا ذاقوا
وبال أمرهم ولهم عذاب اليم) ثم ضرب في عبد الله بن أبي وبني النضير مثلا فقال
(كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك اني أخاف الله
رب العالمين فكان عاقبتهما انهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين) فيه زيادة
أحرف لم تكن في رواية علي بن إبراهيم، حدثنا به محمد بن أحمد بن ثابت عن
....... أحمد بن ميثم عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبان بن عثمان
عن أبي بصير في غزوة بني النضير وزاد فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للأنصار:
ان شئتم دفعت إليكم فئ المهاجرين منها وان شئتم قسمتها بينكم وبينهم وتركتهم
معكم؟ قالوا: قد شئنا ان تقسمها فيهم، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله بين
المهاجرين ودفعها عن الأنصار ولم يعط من الأنصار إلا رجلين سهيل بن حنيف
وأبو دجانة فإنهما ذكرا حاجة
وقال علي بن إبراهيم في قوله (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس)
قال: القدوس هو البرئ من شوائب الآفات الموجبات للجهل قوله: (السلام
المؤمن) قال: يؤمن أولياءه من العذاب قوله (المهيمن) أي الشاهد قوله:
(هو الله الخالق البارئ البارئ هو الذي يخلق الشئ لا من شئ (له الأسماء
الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) حدثنا محمد
360

ابن أبي عبد الله قال: حدثنا محمد بن إسماعيل عن علي بن العباس عن جعفر بن
محمد عن الحسن بن أسد (راشدك) عن يعقوب بن جعفر قال: سمعت موسى بن
جعفر عليه السلام يقول: إن الله تبارك وتعالى انزل على عبده محمد صلى الله عليه وآله انه لا إله
إلا هو الحي القيوم وسمى بهذه الأسماء الرحمن الرحيم العزيز الجبار العلي العظيم،
فتاهت هنالك عقولهم واستخف حلومهم فضربوا له الأمثال وجعلوا له أندادا
وشبهوه بالأمثال ومثلوه أشباها وجعلوه يزول ويحول فتاهوا في بحر عميق
لا يدرون ما غوره ولا يدركون كنه بعده.
سورة الممتحنة مدنية
آياتها ثلاث عشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم
أولياء تلقون إليهم بالمودة) نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، ولفظ الآية عام ومعناه
خاص، وكان سبب ذلك ان خاطب بن أبي بلتعة كان قد أسلم وهاجر إلى المدينة
وكان عياله بمكة وكانت قريش تخاف ان يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وآله، فصاروا إلى
عيال خاطب وسألوهم ان يكتبوا إلى خاطب يسألوه عن خبر محمد رسول الله صلى الله عليه وآله
وهل يريد ان يغزو مكة؟ فكتبوا إلى خاطب يسألونه عن ذلك فكتب إليهم خاطب
ان رسول الله صلى الله عليه وآله يريد ذلك، ودفع الكتاب إلى امرأة تسمى صفية،
فوضعته في قرنها ومرت، فنزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره بذلك
فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام والزبير بن العوام في طلبها فلحقوها،
فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: أين الكتاب؟ فقالت: ما معي، ففتشوها فلم
يجدوا معها شيئا، فقال الزبير: ما نرى معها شيئا فقال أمير المؤمنين: والله
ما كذبنا رسول الله صلى الله عليه وآله ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وآله على جبرئيل عليه السلام ولا
361

كذب جبرئيل على الله جل ثناؤه والله لتظهرن لي الكتاب أو لأوردن رأسك إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله، فقالت تنحيا حتى أخرجه فأخرجت الكتاب من قرنها فاخذه
أمير المؤمنين عليه السلام وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
يا حاطب! ما هذا؟ فقال حاطب: والله يا رسول الله ما نافقت ولا غيرت ولا بدلت
واني أشهد أن لا إله إلا الله وانك رسول الله صلى الله عليه وآله حقا ولكن أهلي وعيالي
كتبوا إلى بحسن صنيع قريش إليهم، فأحببت ان أجازي قريشا بحسن معاشرتهم
فأنزل الله جل ثناؤه على رسول الله صلى الله عليه وآله (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي
وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة - إلى قوله - لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم
يوم القيامة).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (عسى الله ان يجعل
بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم) فان الله أمر
نبيه صلى الله عليه وآله والمؤمنين بالبراءة من قومهم ما داموا كفارا فقال: (قد كانت لكم
أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون
من دون الله - إلى قوله - والله قدير والله غفور رحيم) الآية، قطع الله عز وجل
ولاية المؤمنين منهم وأظهروا لهم العداوة فقال (عسى الله ان يجعل بينكم وبين
الذين عاديتم منهم مودة) فلما أسلم أهل مكة خالطهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
وناكحوهم وتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله أم حبيب بنت أبي سفيان بن حرب ثم قال
" لا ينهاكم الله " إلى آخر الآيتين وقال علي بن إبراهيم في قوله (يا أيها الذين
آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله اعلم بايمانهن فان علمتموهن
مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) قال: إذا لحقت المرأة من المشركين بالمسلمين
تمتحن بان تحلف بالله انه لم يحملها على اللحوق بالمسلمين بغضها لزوجها الكافر ولا
حبها لاحد من المسلمين وإنما حملها على ذلك الاسلام، وإذا حلفت على ذلك
قبل إسلامها.
362

ثم قال الله عز وجل: (فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار
لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهن ما انفقوا) يعني يرد المسلم على زوجها
الكافر صداقها ثم يتزوجها المسلم وهو قوله: (ولا جناح عليكم ان تنكحوهن إذا
آتيتموهن أجورهن) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ولا
تمسكوا بعصم الكوافر) يقول: من كانت عنده امرأة كافرة يعني على غير ملة
الاسلام وهو على ملة الاسلام فليعرض عليها الاسلام فان قبلت فهي امرأته،
وإلا فهي بريئة منه فنهى الله ان يمسك بعصمتها (1) وقال علي بن إبراهيم في
قوله: (واسألوا ما أنفقتم) يعني إذا لحقت امرأة من المسلمين بالكفار فعلى
الكافر أن يرد على المسلم صداقها، فإن لم يفعل الكافر وغنم المسلمون غنيمة اخذ
منها قبل القسمة صداق المرأة اللاحقة بالكفار وفى رواية أبى الجارود عن أبي جعفر ع قال في قوله: (وان فاتكم شئ
من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم) يعني من يلحقن بالكفار من أهل عهدكم
فسألوهم صداقها وان لحقن بكم من نسائهم شئ فاعطوهم صداقها واما قوله: (وان
فاتكم شئ من أزواجكم) يقول وان لحقن بالكفار الذين لا عهد بينكم وبينهم
فأصبتم غنيمة (فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما انفقوا واتقوا الله الذي أنتم
به مؤمنون) قال: وكان سبب نزول ذلك ان عمر بن الخطاب كانت عنده فاطمة بنت
أبي أمية بن المغيرة فكرهت الهجرة معه، وأقامت مع المشركين فنكحها
معاوية بن أبي سفيان فامر الله رسوله ان يعطي عمر مثل صداقها.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وان فاتكم شئ من
أزواجكم) فلحقن بالكفار من أهل عهدكم فسألوهم صداقها وان لحقن بكم من
نسائهم شئ فاعطوهم صداقها (ذلكم حكم الله يحكم بينكم) وقال علي بن إبراهيم

(1) العصمة: ما يعتصم به من عقد وسبب. مجمع
363

في قوله: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا
ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن
وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله ان الله غفور رحيم)
فإنها نزلت يوم فتح مكة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قعد في المسجد يبايع الرجال
إلى صلاة الظهر والعصر ثم قعد لبيعة النساء وأخذ قدحا من ماء فادخل يده فيه
ثم قال للنساء: من أراد ان يبايع فليدخل يدها في القدح فاني لا أصافح النساء
ثم قرأ عليهن ما انزل الله من شروط البيعة عليهن فقال: على أن لا يشركن بالله
شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين
أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن، فقامت أم حكيم ابنة الحارث
ابن عبد المطلب فقالت يا رسول الله ما هذا المعروف الذي أمرنا الله به ان لا
نعصيك فيه؟ فقال: ان لا تخمشن وجها ولا تلطمن خدا ولا تنتفن شعرا ولا
تمزقن جيبا ولا تسودن ثوبا ولا تدعون بالويل والثبور ولا تقيمن عند قبر،
فبايعهن رسول الله صلى الله عليه وآله على هذه الشروط، أخبرنا أحمد بن إدريس قال:
حدثنا أحمد بن محمد عن علي عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن قول الله ولا يعصينك في معروف، قال: هو ما فرض الله عليهن من الصلاة
والزكاة وما أمرهن به من خير، وقال علي بن إبراهيم في قوله (يا أيها الذين
آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم) معطوف على قوله " يا أيها الذين آمنوا
لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ".
364

سورة الصف مدنية
آياتها اربع وعشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو
العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) مخاطبة لأصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله الذين وعدوه ان ينصروه ولا يخالفوا امره ولا ينقضوا عهده
في أمير المؤمنين عليه السلام، فعلم الله انهم لا يوفون بما يقولون فقال: (لم تقولون
ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله) الآية، وقد سماهم الله مؤمنين باقرارهم وإن لم
يصدقوا ثم ذكر المؤمنين الذين جاهدوا وقاتلوا في سبيل الله فقال: (إن الله يحب
الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) قال: يصطفون كالبنيان
الذي لا يزول قوله (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) أي شكك الله قلوبهم ثم حكى
قول عيسى عليه السلام لبنى إسرائيل (انى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من
التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا
سحر مبين) قال: وسأل بعض اليهود رسول الله صلى الله عليه وآله لم سميت محمدا واحمد
وبشيرا ونذيرا؟ قال: اما محمد فانى في الأرض محمود واما احمد فانى في السماء
احمد منه، واما البشير فأبشر من أطاع الله بالجنة واما النذير فأنذر من عصى الله
بالنار وقوله (يريدون ليطفؤا نور الله بأفواهم والله متم نوره) قال بالقائم
من ال محمد عليهم السلام حتى إذا خرج يظهره الله على الدين كله حتى لا يعبد
غير الله وهو قوله " يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا " وفي
رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم
على تجارة تنجيكم من عذاب اليم) فقالوا: لو نعلم ما هي لبذلنا فيها الأموال
والأنفس والأولاد فقال الله: (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله
365

بأموالكم وأنفسكم - إلى قوله - ذلك الفوز العظيم، وأخرى تحبونها نصر من
الله وفتح قريب) يعنى في الدنيا بفتح القائم وأيضا قال فتح مكة قوله: (يا أيها
الذين آمنوا كونوا أنصار الله - إلى قوله - فآمنت طائفة من بني إسرائيل
وكفرت طائفة) قال: التي كفرت هي التي قتلت شبيه عيسى (ع) وصلبته والتي
آمنت هي التي قلبت شبيه عيسى حتى لا يقتل (فقتلت الطائفة التي قتلته وصلبته
وهو قوله: فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ط).
سورة الجمعة مدنية (1)
آياتها احدى عشر
(بسم الله الرحمن الرحيم يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك
القدوس) القدوس البرئ من الآفات الموجبات للجهل قوله: (هو الذي بعث
في الأميين رسولا منهم) قال: الأميون الذين ليس معهم كتاب، قال: فحدثني
أبى عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) في قوله " هو
الذي بعث في الأميين رسولا منهم " قال: كانوا يكتبون ولكن لم يكن معهم
كتاب من عند الله ولا بعث إليهم رسولا فنسبهم الله إلى الأميين، وقوله:
(وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال: دخلوا في الاسلام بعدهم، ثم ضرب مثلا
في بني إسرائيل فقال: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل
أسفارا) قال: الحمار يحمل الكتب ولا يعلم ما فيها ولا يعمل بها كذلك
بنو إسرائيل قد حملوا مثل الحمار لا يعلمون ما فيه ولا يعملون به قوله: (يا أيها
الذين هادوا ان زعمتم انكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم
صادقين) قال: إن في التوراة مكتوب أولياء الله يتمنون الموت ثم قال: (قل
إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) وقال أمير المؤمنين (ع): يا أيها الناس

(1) وفى ط أنها مكية. ج. ز
366

كل امرئ ملاق في فراره ما منه يفر، والأجل مساق النفس إليه، والهرب منه
موافاته قوله: (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) السعي هو الاسراع في المشي.
وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله: (يا أيها الذين
آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) قال:
اسعوا أي امضوا، ويقال اسعوا اعملوا لها، وهو قص الشارب ونتف الإبط
وتقليم الأظفار والغسل ولبس أفضل ثيابك وتطيب للجمعة فهو السعي، ويقول
الله ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن، حدثنا جعفر بن أحمد قال
حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن (أبى حمزة عن ط)
أبي جعفر (ع) في قوله: (وذروا البيع ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون) قال
علي بن إبراهيم في قوله (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) قال: يوم السبت
قوله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يصلي بالناس يوم الجمعة ودخلت ميرة (1) وبين يديها قوم يضربون بالدفوف
والملاهي فترك الناس الصلاة ومروا ينظرون إليهم فأنزل الله (وإذا رأوا تجارة
أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله
خير الرازقين) أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدثنا محمد بن أحمد (أحمد بن محمد ط) عن الحسين بن
سعيد عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير انه سئل عن الجمعة كيف يخطب
الامام؟ قال: يخطب قائما فان الله يقول وتركوك قائما وعنه عن أحمد بن محمد عن
علي بن الحكم عن أبي أيوب عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال نزلت
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انصرفوا إليها وتركوك قائما (قل ما عند الله خير من
اللهو ومن التجارة) يعني للذين اتقوا (والله خير الرازقين)

(1) الميرة بالكسر: طعام يجلب من بلد إلى بلد. ج ز
367

سورة المنافقون مدنية
احدى عشر آية
(بسم الله الرحمن الرحيم إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله
والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون) قال: نزلت في غزوة
المريسع (المتسع ك) وهي غزوة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة، وكان
رسول الله صلى الله عليه وآله خرج إليها فلما رجع منها نزل على بئر، وكان الماء قليلا فيها
وكان أنس بن سيار حليف الأنصار، وكان جهجاه بن سعيد الغفاري أجيرا
لعمر بن الخطاب فاجتمعوا على البئر فتعلق دلو ابن سيار بدلو جهجاه، فقال سيار
دلوي وقال جهجاه دلوي، فضرب جهجاه يده على وجه ابن سيار فسال منه الدم،
فنادى سيار بالخزرج ونادى جهجاه بقريش وأخذ الناس السلام وكاد ان تقع
الفتنة، فسمع عبد الله بن أبي النداء فقال: ما هذا؟ فأخبروه بالخبر فغضب غضبا
شديدا ثم قال قد كنت كارها لهذا المسير اني لاذل العرب، ما ظننت انى أبقى
إلى أن اسمع مثل هذا فلا يكن عندي تعيير، ثم أقبل على أصحابه فقال: هذا
عملكم أنزلتموهم منازلكم وواسيتموهم بأموالكم ووقيتموهم بأنفسكم وأبرزتم نحوركم
للقتل فأرمل نساءكم وأيتم صبيانكم ولو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم، ثم
قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وكان في قوم زيد بن أرقم
وكان غلاما قد راهق وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في ظل شجرة في وقت الهاجرة
وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله
ابن أبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلك وهمت يا غلام فقال: لا والله ما وهمت فقال
لعلك غضبت عليه قال لا ما غضبت عليه قال فلعله سفه عليك، فقال لا والله فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله لشقران مولاه اخرج فأخرج (احدج فأحدج ك) راحلته
368

وركب، وتسامع الناس بذلك فقالوا ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليرحل في مثل هذا
الوقت فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة
الله وبركاته! فقال وعليك السلام! فقال ما كنت لترحل في هذا الوقت؟ فقال
أوما سمعت قولا قال صاحبكم، قالوا وأي صاحب لنا غيرك يا رسول الله؟ قال
عبد الله بن أبي زعم أنه ان رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال
يا رسول الله! فأنت وأصحابك الأعز وهو وأصحابه الأذل، فسار رسول الله
صلى الله عليه وآله يومه كله لا يكلمه أحد، فأقبلت الخزرج على عبد الله بن أبي يعذلونه،
فحلف عبد الله انه لم يقل شيئا من ذلك، فقالوا فقم بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى
نعتذر إليه، فلوى عنقه.
فلما جن الليل سار رسول الله صلى الله عليه وآله ليله كله والنهار فلم ينزلوا إلا للصلاة
فلما كان من الغد نزل رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل أصحابه، وقد أمهدهم الأرض
من السهر الذي أصابهم فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فحلف عبد الله
انه لم يقل ذلك وانه ليشهد انه لا إله إلا الله وانك لرسول الله وان زيدا قد
كذب علي، فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله منه، وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم
يشتمونه ويقولون له كذبت على عبد الله سيدنا، فلما رحل رسول الله صلى الله عليه وآله
كان زيد معه يقول اللهم انك لتعلم اني لم اكذب على عبد الله بن أبي فما سار
إلا قليلا حتى أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان يأخذه من البرحاء (1) عند نزول
الوحي عليه فثقل حتى كادت ناقته ان تبرك من ثقل الوحي، فسري عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وهو يسكب العرق عن جبهته ثم أخذ باذن زيد بن أرقم فرفعه من الرحل
ثم قال: يا غلام صدق قولك ووعى قلبك وأنزل الله فيما قلت قرآنا، فلما نزل

(1) برحاء كعلماء: الشدة.
369

جمع أصحابه وقرأ عليهم سورة المنافقين (بسم الله الرحمن الرحيم إذا جاءك المنافقون
قالوا نشهد انك لرسول الله - إلى قوله - ولكن المنافقين لا يعلمون) ففضح الله
عبد الله بن أبي.
حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال: حدثنا أحمد بن ميثم عن الحسن بن علي
ابن أبي حمزة عن أبان بن عثمان قال: سار رسول الله صلى الله عليه وآله يوما وليلة ومن الغد
حتى ارتفع الضحى فنزل ونزل الناس فرموا بأنفسهم نياما وإنما أراد رسول الله
صلى الله عليه وآله ان يكف الناس عن الكلام: قال: وان ولد عبد الله بن أبي اتى رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله إن كنت عزمت على قتله فمرني أكون أنا الذي أحمل
إليك رأسه، فوالله لقد علمت الأوس والخزرج اني أبرهم ولدا بوالدي فاني أخاف
أن تأمر غيري فيقتله فلا تطيب نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله، فأقتل مؤمنا
بكافر فأدخل النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل يحسن الله صحابته ما دام معنا
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (كأنهم خشب مسندة) يقول
لا يسمعون ولا يعقلون قوله (يحسبون كل صيحة عليهم) يعني كل صوت
(هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) فلما نعتهم الله لرسوله وعرفه مساءتهم
إليهم وإلى عشائرهم فقالوا لهم قد افتضحتم ويلكم! فأتوا نبي الله يستغفر لكم فلووا
رؤسهم وزهدوا في الاستغفار يقول الله: (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم
رسول الله لووا رؤسهم) وقال علي بن إبراهيم في قوله (وأنفقوا مما رزقناكم
من قبل ان يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق)
يعني بقوله أصدق أي أحج (واكن من الصالحين) يعني عند الموت فرد الله عليه
فقال (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) أخبرنا احمد
ابن إدريس قال: حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد
عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قول
370

الله ولن يؤخر الله نفسا إذا أجلها، قال إن عند الله كتبا مرقومة يقدم منها
ما يشاء ويؤخر ما يشاء فإذا كان ليلة القدر انزل الله فيها كل شئ يكون إلى
ليلة مثلها فذلك قوله " ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها " إذا أنزله وكتبه
كتاب السماوات وهو الذي لا يؤخره.
سورة التغابن مدنية (1)
آياتها ثماني عشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك
وله الحمد وهو على كل شئ قدير هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) قال
هذه الآية خاصة في المؤمنين والكافرين، حدثنا علي بن الحسين عن أحمد عن
أبي عبد الله عن ابن محبوب عن الحسين بن نعيم الصحاف قال: سألت الصادق عليه السلام
عن قوله: فمنكم كافر ومنكم مؤمن، فقال عرف الله ايمانهم بولايتنا وكفرهم
بتركها يوم اخذ عليهم الميثاق وهم في عالم الذر وفي صلب آدم عليه السلام.
قال علي بن إبراهيم ثم حكى الله سبحانه قول الدهرية فقال (زعم الذين
كفروا ان لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير
فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا) والنور أمير المؤمنين عليه السلام.
حدثنا علي بن الحسين عن جعفر بن أبي عبد الله (أحمد بن عبد الله ط) عن الحسن بن محبوب عن
أبي أيوب عن أبي خالد الكابلي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله: فآمنوا
بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا، فقال يا أبا خالد: النور والله الأئمة من آل محمد
صلوات الله عليهم إلى يوم القيامة، وهم والله نور الله الذي انزل وهم والله نور
الله في السماوات والأرض، يا أبا خالد! لنور الامام في قلوب المؤمنين أنور من
الشمس المضيئة بالنهار وهم والله ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمن

(1) وفى ط انها مكية. ج. ز
371

يشاء فتظلم قلوبهم، والله يا أبا خالد! لا يحبنا عبد ويتولانا حتى يطهر الله قلبه
ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا ويكون سلما لنا فإذا كان سلما لنا سلمه الله
من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) أي يصدق الله
في قلبه فإذا بين الله له اختار الهدى ويزيده الله كما قال (والذين اهتدوا زادهم
هدى) وقوله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) أي حب، أخبرنا أحمد بن إدريس
قال: حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سيعد عن بعض أصحابه عن حمزة بن
ربيع عن علي بن سويد الشيباني قال: سألت العبد الصالح عليه السلام عن قول الله
عز وجل (ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات) قال البينات هم الأئمة عليهم السلام
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ان من أزواجكم وأولادكم
عدوا لكم فاحذروهم) وذلك أن الرجل كان إذا أراد الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
تعلق به ابنه وامرأته وقالوا ننشدك الله ان تذهب عنا وتدعنا فنضبع (1) بعدك
فمنهم من يطيع أهله فيقيم فحذرهم الله أبناءهم ونساءهم ونهاهم عن طاعتهم ومنهم من
يمضي ويذرهم ويقول: أما والله لئن لم تهاجروا معي ثم يجمع الله بيني وبينكم في
دار الهجرة لا أنفعكم بشئ ابدا، فلما جمع الله بينه وبينهم أمره الله ان يوفي
ويحسن ويصلهم فقال (وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم)
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (فاتقوا الله ما استطعتم) ناسخة لقوله
اتقوا الله حق تقاته وقال في قوله (ومن يوق شح نفسه) قال يوق الشح إذا
اختار النفقة في طاعة الله، قال وحدثني أبي عن الفضل بن أبي قرة (مرة) قال: رأيت
أبا عبد الله عليه السلام يطوف من أول الليل إلى الصباح وهو يقول: اللهم قني شح

(1) ضبع الرجل: جبن ويمكن أن يكون اللفظ " نضيع ". ج. ز
372

نفسي، فقلت جعلت فداك ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء، قال وأي شئ أشد
من شح النفس ان الله يقول ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
سورة الطلاق مدنية
آياتها اثنتا عشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن
واحصوا العدة) قال: المخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى للناس، وهو ما قال الصادق
عليه السلام ان الله بعث نبيه بإياك أعني واسمعي يا جارة، وفي رواية أبى الجارود عن أبي
جعفر عليه السلام في قوله (فطلقوهن لعدتهن) والعدة الطهر من الحيض (وأحصوا
العدة) وذلك أن تدعها حتى تحيض فإذا حاضت ثم طهرت واغتسلت طلقها تطليقة
من غير أن يجامعها ويشهد على طلاقها إذا طلقها ثم إذا شاء راجعها ويشهد على
رجعتها إذا راجعها، فإذا أراد طلاقها الثانية فإذا حاضت وطهرت واغتسلت طلقها
الثانية، وأشهد على طلاقها من غير أن يجامعها ثم إن شاء راجعها (غير أنه ان
راجعها وأشهد على رجعتها ط) ويشهد على رجعتها ثم يدعها حتى تحيض ثم تطهر
فإذا اغتسلت طلقها الثالثة وهو فيما بين ذلك قبل ان يطلق الثالثة أملك بها إن شاء
راجعها غير أنه ان راجعها ثم بدا له ان يطلقها اعتدت بما طلق قبل ذلك وهكذا
السنة في الطلاق لا يكون الطلاق إلا عند طهرها من حيضها من غير جماع كما وصفت
وكلما راجع فليشهد فان طلقها ثم راجعها حبسها ما بدا له ثم إن طلقها الثانية ثم
راجعها حبسها بواحدة ما بدا له ثم إن طلقها تلك الواحدة الباقية بعدما كان
راجعها اعتدت ثلاثة قروء وهي ثلاث حيضات وان لم تكن تحيض فثلاثة اشهر وإن كان
بها حمل فإذا وضعت انقضى أحلها وهو قوله: (واللائي يئسن من المحيض من
نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر واللائي لم يحضن) فعدتهن أيضا ثلاثة اشهر
373

(وأولات الأحمال أجلهن ان يضعن حملهن) واما قوله (وان كن أولات حمل
فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وان تعاسرتم)
يقول إن ترضى المرأة فترضع الولد، وان لم يرض الرجل أن يكون ولدها عندها
يقول (فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق
مما آتاه الله) وقال علي بن إبراهيم في قوله (واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من
بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله) قال: لا يحل
لرجل ان يخرج امرأته إذا طلقها وكان له عليها رجعة من بيته وهي أيضا لا يحل
لها ان تخرج من بيته إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ومعنى الفاحشة ان تزني أو
تشرف على الرجال ومن الفاحشة أيضا السلاطة (1) على زوجها فان فعلت شيئا
من ذلك حل له ان يخرجها قوله (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) قال
لعله ان يبدو لزوجها في الطلاق فيراجعها قوله: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن
بمعروف أو فارقوهن بمعروف) يعني إذا انقضت عدتها اما ان يراجعها (2) واما
ان يفارقها يطلقها ويمتعها على الموسع قدره وعلى المقتر قدره قوله: (وأشهدوا
ذوي عدل منكم) معطوف على قوله: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن
وأشهدوا ذوي عدل منكم قوله: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)
قال: المطلقة الحامل أجلها ان تضع ما في بطنها ان وضعت يوم طلقها تتزوج إذا
طهرت وإن لم تضع ما في بطنها إلى تسعة اشهر لم تبرأ إلى أن تضع قوله:
(اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) قال: المطلقة التي للزوج عليها رجعة
لها عليه سكنى ونفقة ما دامت في العدة، فان كانت حاملا ينفق عليها حتى تضع حملها.

(1) طول اللسان.
(2) أي بعد انقضاء أكثر أيامها وقبل انتهاء العدة. ج. ز
374

حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال: حدثنا الحسن بن محمد عن محمد بن زياد
عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله (ومن
يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) قال في دنياه، أخبرنا احمد
ابن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عاصم
ابن حميد عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل (ومن قدر
عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله) قال إذا أنفق الرجل على امرأته ما يقيم ظهرها مع
الكسوة وإلا فرق بينهما، وقال علي بن إبراهيم في قوله (وكأين من قرية) قال
أهل القرية (عتت عن أمر ربها) قوله (قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا) قال
ذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا نحن أهل الذكر قوله (الله الذي خلق سبع
سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الامر بينهن) دليل على أن تحت كل سماء ارض
(لتعلموا ان الله على كل شئ قدير وان الله قد أحاط بكل شئ علما).
سورة التحريم مدنية
آياتها اثنتا عشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات
أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم والله مولاكم وهو العليم
الحكيم) أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد
عن ابن سيار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله
لك الآية، قال اطلعت عائشة وحفصة على النبي صلى الله عليه وآله وهو مع مارية، فقال النبي
صلى الله عليه وآله والله ما أقربها، فأمره الله ان يكفر يمينه.
قال علي بن إبراهيم كان سبب نزولها ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان في بعض
بيوت نسائه وكانت مارية القبطية تكون معه تخدمه وكان ذات يوم في بيت
375

حفصة فذهبت حفصة في حاجة لها فتناول رسول الله مارية، فعلمت حفصة بذلك
فغضبت وأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت يا رسول الله هذا في يومي وفي
داري وعلى فراشي فاستحيا رسول الله منها، فقال كفى فقد حرمت مارية على
نفسي ولا أطأها بعد هذا ابدا وأنا أفضي إليك سرا فان أنت أخبرت به فعليك
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فقالت نعم ما هو؟ فقال إن أبا بكر يلي الخلافة
بعدي ثم من بعده أبوك (1) فقالت من أخبرك بهذا قال الله أخبرني فأخبرت حفصة
عائشة من يومها ذلك وأخبرت عائشة أبا بكر، فجاء أبو بكر إلى عمر فقال له ان عائشة
أخبرتني عن حفصة بشئ ولا أثق بقولها فاسأل أنت حفصة، فجاء عمر إلى حفصة،
فقال لها ما هذا الذي أخبرت عنك عائشة، فأنكرت ذلك قالت ما قلت لها من ذلك
شيئا، فقال لها عمر إن كان هذا حقا فأخبرينا حتى نتقدم فيه، فقالت نعم قد قال
رسول الله ذلك فاجتمع..... على أن يسموا رسول الله فنزل جبرئيل على
رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه السورة (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك - إلى قوله -
تحلة ايمانكم) يعني قد أباح الله لك ان تكفر عن يمينك (والله مولاكم وهو العليم
الحكيم وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به) اي أخبرت به
(واظهره الله) يعني اظهر الله نبيه على ما أخبرت به وما هموا به (عرف بعضه)
اي أخبرها وقال لم أخبرت بما أخبرتك وقوله (وأعرض عن بعض) قال لم يخبرهم
بما علم مما هموا به (2) (قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير ان تنويا إلى
الله فقد صغت قلوبكما وان تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبريل وصالح
المؤمنين) يعني أمير المؤمنين عليه السلام (والملائكة بعد ذلك ظهير) يعني لأمير المؤمنين
عليه السلام.

(1) ذكره الكشاف
(2) هكذا الخبر من أوله إلى آخره في كلتا نسختي تفسير القمي المطبوعتين
في إيران المشار اليهما في أول الكتاب. ج. ز
376

ثم خاطبها فقال: (عسى ربه أن طلقكن ان يبدله أزواجا خيرا منكن
مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا) عرض عائشة
لأنه لم يتزوج ببكر غير عائشة، حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن عبد الله (عبد الله بن محمد ط)
عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما - إلى قوله - وصالح المؤمنين، قال
صالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أخبرني الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد
عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد (زيد ط) عن سليمان الكاتب عن بعض
أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) قال
هكذا نزلت فجاهد رسول الله صلى الله عليه وآله الكفار وجاهد علي عليه السلام المنافقين فجاهد علي عليه السلام
جهاد رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن
سعيد عن النضر بن سويد عن زرعة بن محمد عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قول الله (قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) قلت:
هذه نفسي أقيها فكيف أقي أهلي؟ قال: تأمرهم بما أمرهم الله وتنهاهم عما نهاهم
الله عنه فان أطاعوك كنت قد وقيتهم وان عصوك فكنت قد قضيت ما عليك،
قال الحسين وحدثني محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام في قوله (يا أيها الذين
آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) قال عليه السلام: يتوب العبد ثم لا يرجع فيه وان
أحب عباد الله إلى الله المتقي التائب قال علي بن إبراهيم في قوله (ضرب الله مثلا)
ثم ضرب الله فيهما مثلا فقال: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة
لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما) فقال والله ما عنى بقوله فخانتاهما
إلا الفاحشة وليقيمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق وكان فلان يحبها فلما
أرادت ان تخرج إلى... قال لها فلان لا يحل لك ان تخرجي من غير محرم
فزوجت نفسها من فلان قوله (ثم ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون
377

- إلى قوله - ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها) قال لم ينظر إليها (فنفخنا
فيه من روحنا) أي روح مخلوقة (وكانت من القانتين) أي من الداعين، وفي
رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (يوم لا يخزي الله النبي والذين
آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) فمن كان له نور يومئذ نجا وكل
مؤمن له نور، حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك قال حدثنا
محمد بن الحسين الصائغ عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن صالح بن سهل عن
أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، قال أئمة
المؤمنين نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حتى ينزلوا منازلهم.
الجزء (29) سورة الملك مكية
آياتها ثلاثون
(بسم الله الرحمن الرحيم تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير
الذي خلق الموت والحياة) قال: قدرهما ومعناه قدر الحياة ثم الموت (ليبلوكم
أيكم أحسن عملا) أي يختبركم بالأمر والنهي أيكم أحسن عملا (وهو العزيز
الغفور الذي خلق سبع سماوات طباقا) قال بعضها طبق لبعض (ما ترى في خلق
الرحمن من تفاوت) قال يعني من فساد (فارجع البصر هل ترى من فطور) أي
من عيب (ثم ارجع البصر) قال انظر في ملكوت السماوات والأرض (ينقلب
إليك البصر خاسئا وهو حسير) أي يقصر وهو حسير أي منقطع قوله (ولقد
زينا السماء الدنيا بمصابيح) قال بالنجوم قوله (إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا)
أي وقعا (وهي تفور) أي ترتفع (تكاد تميز من الغيظ) قال على أعداء الله
(كلما ألقي منها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير) وهم الملائكة الذين يعذبونهم
بالنار وقوله (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) قال قد سمعوا
378

وعقلوا ولكنهم لم يطيعوا ولم يقبلوا والدليل على أنهم قد سمعوا وعقلوا ولم يقبلوا
قوله (فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير) قوله (هو الذي جعل لكم الأرض
ذلولا) أي فراشا (فامشوا في مناكبها) أي في أطرافها قوله (فلما رأوه زلفة
سيئت وجوه الذين كفروا) قال إذا كان يوم القيامة ونظر أعداء أمير المؤمنين
ما أعطاه الله من المنزلة الشريفة العظيمة وبيده لواء الحمد وهو على الحوض يسقي
ويمنع تسود وجوه أعدائه فيقال لهم (هذا الذي كنتم به تدعون) أي هذا الذي
كنتم به تدعون منزلته وموضعه واسمه قوله (أرأيتم ان أصبح ماؤكم غورا فمن
يأتيكم بماء معين) قال أرأيتم ان أصبح إمامكم غائبا فمن يأتيكم بامام مثله.
حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن أحمد عن القاسم بن محمد (علا ط) قال حدثنا
إسماعيل بن علي الفزاري عن محمد بن جمهور عن فضالة بن أيوب قال سئل الرضا
عليه السلام عن قول الله عز وجل: قل أرأيتم ان أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء
معين، فقال عليه السلام: ماؤكم أبوابكم أي الأئمة عليهم السلام والأئمة أبواب الله بينه
وبين خلقه فمن يأتيكم بماء معين يعني بعلم الامام.
سورة القلم مكية
آياتها اثنتان وخمسون
(بسم الله الرحمن الرحيم ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون)
قال فحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن (عبد الرحيم ط) القصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال
سألته عن ن والقلم، قال: إن الله خلق القلم من شجرة في الجنة يقال لها الخلد ثم
قال لنهر في الجنة كن مدادا فجمد النهر وكان أشد بياضا من الثلج وأحلى من
الشهد ثم قال للقلم اكتب قال وما اكتب يا رب قال اكتب ما كان وما هو كأين
إلى يوم القيامة، فكتب القلم في رق أشد بياضا من الفضة وأصفى من الياقوت ثم
379

طواه فجعله في ركن العرش ثم ختم على فم القلم فلم ينطق بعد ولا ينطق ابدا،
فهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلها، أو لستم عربا فكيف لا تعرفون
معنى الكلام، وأحدكم يقول لصاحبه انسخ ذلك الكتاب أوليس إنما ينسخ
من كتاب اخذ من الأصل وهو قوله: إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون قوله (وما
يسطرون) أي ما يكتبون وهو قسم وجوابه (ما أنت بنعمة ربك بمجنون)
قوله (ان لك لأجرا غير ممنون) أي لا نمن عليك فيما نعطيك من عظيم الثواب
قوله (فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون) بأيكم تفتنون هكذا نزلت في بني أمية
بأيكم أي حبتر وزفر وعلي.
وقال الصادق عليه السلام: لقي فلان أمير المؤمنين (ع) فقال يا علي بلغني انك
تتأول هذه الآية في وفي صاحبي " فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون " قال:
أمير المؤمنين (ع) أفلا أخبرك يا أبا فلان! ما نزل في بني أمية " والشجرة الملعونة
في القرآن " قال: كذبت يا علي! بنو أمية خير منك وأوصل للرحم وقوله:
(فلا تطع المكذبين) قال في علي (ع) (ودوا لو تدهن فيدهنون) أي أحبوا
ان تغش في علي فيغشون معك (ولا تطع كل حلاف مهين) قال الحلاف فلان
حلف لرسول الله صلى الله عليه وآله انه لا ينكث عهدا (هماز مشاء بنميم) قال كان ينم على
رسول الله صلى الله عليه وآله وينم بين أصحابه قوله (مناع للخير معتد أثيم) قال: الخير
أمير المؤمنين (ع)، معتد أي اعتدى عليه وقوله (عتل بعد ذلك زنيم) قال:
العتل عظيم الكفر والزنيم الدعي وقال الشاعر:
زنيم تداعاه الرجال تداعيا * كما زيد في عرض الأديم الأكارع (1)

(1) الأديم الأرض، أكارع: جمع كرع وهو الماء الذي يكرع فيه الدواب
ج. ز
380

قوله: (وإذا تتلى عليه آياتنا) قال: كنى عن فلان (قال أساطير الأولين)
أي أكاذيب الأولين (سنسمه على الخرطوم) قال في الرجعة إذا رجع أمير المؤمنين
عليه السلام ورجع أعداؤه فيسمهم بميسم معه كما توسم البهائم على الخرطوم
والانف والشفتين قوله (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا) أي
حلفوا (ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون)
فإنه كان سببها ما حدثني أبي عن إسحاق بن الهيثم عن علي بن الحسين العبدي
عن سليمان الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قيل له ان قوما من هذه
الأمة يزعمون أن العبد قد يذنب فيحرم به الرزق، فقال ابن عباس: فوالذي
لا إله غيره لهذا أنور في كتاب الله من الشمس الضاحية ذكره الله في سورة ن
والقلم، انه كان شيخ كانت له جنة وكان لا يدخل بيته ثمرة منها ولا إلى منزله
حتى يعطي كل ذي حق حقه، فلما قبض الشيخ وورثه بنوه وكان له خمسة من
البنين فحملت جنتهم في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملته قبل ذلك
فراحوا الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر، فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل لم يعاينوا
مثله في حياة أبيهم فلما نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا وقال بعضهم لبعض ان ابانا
كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله وخرف فهلموا نتعاهد ونتعاقد فيما بيننا ان لا
نعطي أحدا من فقراء المسلمين في عامنا هذا شيئا حتى نستغني وتكثر أموالنا ثم
نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة، فرضي بذلك منهم أربعة وسخط
الخامس وهو الذي قال الله تعالى: " قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ".
فقال الرجل: يا بن عباس كان أوسطهم في السن؟ فقال: لا بل كان أصغر
القوم سنا وكان أكبرهم عقلا وأوسط القوم خير القوم، والدليل عليه في القرآن
انكم يا أمة محمد أصغر الأمم وخير الأمم قال الله: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا "
فقال لهم أوسطهم اتقوا الله وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا، فبطشوا
381

به فضربوه ضربا مبرحا فلما أيقن الأخ انهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم
كارها لأمرهم غير طائع فراحوا إلى منازلهم ثم حلفوا بالله ان يصرموه إذا أصبحوا
ولو يقولوا إن شاء الله، فابتلاهم الله بذلك الذنب وحال بينهم وبين ذلك الرزق
الذي كانوا أشرفوا عليه فأخبر عنهم في الكتاب فقال: (إنا بلوناهم - إلى قوله -
فأصبحت كالصريم) قال كالمحترق، فقال الرجل: يا بن عباس ما الصريم؟ قال:
الليل المظلم ثم قال: لا ضوء له ولا نور فلما أصبح القوم (تنادوا مصبحين ان
اغدوا على حرثكم ان كنتم صارمين) قال: (فانطلقوا وهم يتخافتون) قال الرجل
وما التخافت يا بن عباس؟ قال: يتسارون بعضهم بعضا لكي لا يسمع أحد غيرهم
فقالوا (لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين) وفي أنفسهم ان
يصرموها ولا يعلمون ما قد حل بهم من سطوات الله ونقمته (فلما رأوها)
وعاينوا ما قد حل بهم (قالوا أإنا لضالون بل نحن محرومون) فحرمهم الله ذلك
الرزق بذنب كان منهم ولم يظلمهم شيئا فقال أوسطهم: (ألم أقل لكم لولا تسبحون
قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) قال: يلومون
أنفسهم فيما عزموا عليه (قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا ان يبدلنا خيرا
منها إنا إلى ربنا راغبون) فقال الله: (كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر
لو كانوا يعلمون) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله (وانك
لعلى خلق عظيم) يقول على دين عظيم (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) ان
أهل مكة ابتلوا بالجوع كما ابتلى أصحاب الجنة وهي الجنة التي كانت في الدنيا
وكانت في اليمن يقال لها الرضوان على تسعة أميال من صنعاء قوله: (فطاف عليها
طائف من ربك وهم نائمون) وهو العذاب قوله: (إنا لضالون) قال: أخطأوا
الطريق قوله: (لولا تسبحون) يقول لولا تستغفرون.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (سلهم أيهم بذلك زعيم) أي كفيل قوله
382

(يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) قال: يوم يكشف عن الأمور
التي خفيت وما غصبوا آل محمد حقهم ويدعون إلى السجود قال يكشف
لأمير المؤمنين (ع) فتصير أعناقهم مثل صياصي البقر يعني قرونه (فلا يستطيعون)
ان يسجدوا وهي عقوبة لأنهم لم يطيعوا الله في الدنيا في امره وهو قوله: وقد
كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون قال إلى ولايته في الدنيا وهم يستطيعون
قوله (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) قال تجديدا لهم عند المعاصي ثم قال
لنبيه صلى الله عليه وآله (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت) يعني يونس (ع)
لما دعا على قومه ثم ذهب مغاضبا لله وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع)
في قوله: (إذ نادى وهو مكظوم) أي مغموم وقال علي بن إبراهيم في قوله
(لولا أن تداركه نعمة من ربه) قال: النعمة الرحمة (لنبذ بالعراء) قال: العراء
الموضع الذي لا سقف له قوله (وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما
سمعوا الذكر) قال: لما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بفضل أمير المؤمنين (ع) قالوا
هو مجنون فقال الله سبحانه (وما هو) يعني أمير المؤمنين (ع) (إلا ذكر للعالمين).
سورة الحاقة مكية
آياتها اثنتان وخمسون
(بسم الله الرحمن الرحيم الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة) قال الحاقة
الحذر لنزول العذاب والدليل على ذلك قوله: " وحاق بآل فرعون سوء
العذاب (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) قال: قرعهم بالعذاب قوله: (واما ثمود
فأهلكوا بالطاغية واما عاد فأهلكوا بريح صرصر) أي باردة (عاتية) قال خرجت
أكثر مما أمرت به وقوله (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) قال كان
القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية أيام حتى هلكوا وقوله (وجاء فرعون من
383

قبله والمؤتفكات بالخاطئة) المؤتفكات البصرة والخاطئة فلانة (إنا لما طغا الماء
حملناكم في الجارية) يعني أمير المؤمنين (ع) وأصحابه وقوله وحملت الأرض
والجبال قال وقعت فدك بعضها على بعض وقوله (فهي يومئذ واهية) قال باطلة
قوله: (والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) قال:
حملة العرش ثمانية أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين فاما الأربعة من الأولين
فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى، والأربعة من الآخرين محمد وعلي والحسن
والحسين عليهم السلام، ومعنى يحملون العرش يعني العلم،
واما قوله (فاما من أوتي كتابه بيمينه) فإنه قال الصادق (ع): كل أمة
يحاسبها إمام زمانها ويعرف الأئمة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم وهو قوله تعالى:
" وعلى الأعراف رجال " وهم الأئمة " يعرفون كلا بسيماهم " فيعطون أولياءهم
كتابهم بيمينهم فيمرون إلى الجنة بلا حساب، ويعطون أعداءهم كتابهم بشمالهم
فيمرون إلى النار بلا حساب فإذا نظر أولياؤهم في كتابهم يقولون لإخوانهم
(هاؤم اقرؤا كتابيه اني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية) أي
مرضية فوضع الفاعل مكان المفعول قوله: (واما من أوتي كتابه بشماله) قال
نزلت في معاوية فيقول: (يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها
كانت القاضية) يعني الموت (ما اغنى عني ماليه) يعني ماله الذي جمعه (هلك
عني سلطانيه) أي حجته فيقال (خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه) أي اسكنوه
(ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) قال معنى السلسلة السبعين ذراعا
في الباطن هم الجبابرة السبعون وقوله (انه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام
المسكين) حقوق آل محمد التي غصبوها قال الله (فليس له اليوم ههنا حميم)
أي قرابة.
(ولا طعام إلا من غسلين) قال عرق الكفار وقوله: (ولو تقول علينا بعض
الأقاويل) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (لاخذنا منه باليمين) قال: انتقمنا منه بقوة
(ثم لقطعنا منه الوتين) قال: عرق في الظهر يكون منه الولد قال: (فما منكم من
384

أحد عنه حاجزين) يعنى لا يحجز عن الله أحد ولا يمنعه من رسول الله أحد قوله (وانه لحسرة على الكافرين
وانه لحق اليقين) يعنى أمير المؤمنين (ع) (فسبح باسم ربك العظيم).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله: (فأخذهم أخذة
رابية) والرابية التي أربت (1) على ما صنعوا وقوله: (قطوفها دانية) يقول
مدلية ينالها القائم والقاعد، حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الكريم بن
عبد الرحيم قال: إني لأعرف ما في كتاب أصحاب اليمين وكتاب أصحاب الشمال
واما كتاب أصحاب اليمين بسم الله الرحمن الرحيم.
سورة المعارج مكية
آياتها اربع وأربعون
(بسم الله الرحمن الرحيم سأل سائل بعذاب واقع) قال: سئل أبو جعفر
عليه السلام عن معنى هذا، فقال: نار تخرج من المغرب وملك يسوقها من خلفها
حتى تأتى دار بني سعد بن همام عند مسجدهم فلا تدع دارا لبني أمية إلا أحرقتها
وأهلها ولا تدع دارا فيها وتر لآل محمد إلا أحرقتها، وذلك المهدي (ع)،
وفي حديث آخر لما اصطفت الخيلان يوم بدر رفع أبو جهل يده وقال: اللهم انه
قطعنا الرحم وآتانا بما لا نعرفه فاجئه بالعذاب، فأنزل الله سأل سائل بعذاب واقع
أخبرنا أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الله عن محمد بن علي عن علي بن حسان
عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي الحسن (ع) في قوله: سأل سائل بعذاب واقع
قال: سأل رجل عن الأوصياء وعن شأن ليلة القدر وما يلهمون فيها، فقال النبي

(1) من الربا وهو الزيادة، قال في المجمعين: أخذة رابية أي شديدة
زائدة في الشدة على الاخذات كما زادت قبائحهم في القبح. ج ز
385

صلى الله عليه وآله: سألت عن عذاب واقع ثم كفر بان ذلك لا يكون، فإذا وقع ف‍ (ليس
له من دافع من الله ذي المعارج) قال: (تعرج الملائكة والروح) في صبح ليلة
القدر إليه من عند النبي صلى الله عليه وآله والوصي قوله: (فاصبر صبرا جميلا) أي لتكذيب
من كذب ان ذلك لا يكون.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (في يوم كان مقداره خمسين الف سنة)
قال: في يوم القيامة خمسون موقفا كل موقف الف سنة قوله: (يوم تكون
السماء كالمهل) قال: الرصاص الذائب والنحاس كذلك تذوب السماء وقوله:
(ولا يسئل حميم حميما) أي لا ينفع، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام
في قوله (يبصرونهم) يقول: يعرفونهم ثم لا يتساءلون قوله (يود المجرم لو يفتدى
من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تأويه) وهي أمه التي ولدته،
وقال علي بن إبراهيم في قوله (كلا انها لظى) قال: تلتهب عليهم النار قوله:
(نزاعة للشوى) قال تنزع عينيه وتسود وجهه (تدعو من أدبر وتولى) قال:
تجره إليها قوله (فجمع فاوعى) أي جمع مالا ودفنه ووعاه ولم ينفقه في سبيل الله
وقوله (ان الانسان خلق هلوعا) أي حريصا (إذا مسه الشر جزوعا) قال:
الشر هو الفقر والفاقة (وإذا مسه الخير منوعا) قال الغناء والسعة، وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال ثم استثنى فقال (إلا المصلين) فوصفهم
بأحسن اعمالهم (الذين هم على صلاتهم دائمون) يقول إذا فرض على نفسه شيئا
من النوافل دام عليه، وقال علي بن إبراهيم في قوله (للسائل والمحروم) قال
السائل الذي يسأل والمحروم الذي قد منع كديده قوله (مهطعين) أي أذلاء
قوله (عن اليمين وعن الشمال عزين) أي قعود قوله (كلا إنا خلقناهم مما يعلمون)
قال من نطفة ثم من علقة قوله (فلا أقسم) أي أقسم (برب المشارق والمغارب)
قال مشارق الشتاء ومغارب الصيف ومغارب الشتاء ومشارق الصيف وهو قسم
386

وجوابه (إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم) قوله (يوم يخرجون من
الأجداث سراعا) قال من القبور (كأنهم إلى نصب يوفضون) قال إلى الداعي
ينادون قوله (ترهقهم ذلة) قال تصيبهم ذلة (ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون).
سورة نوح مكية
آياتها ثمان وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من
قبل أن يأتيهم عذاب اليم) وقد كتبنا خبر نوح قوله (واني كلما دعوتهم لتغفر
لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم) قال: استتروا بها (وأصروا
واستكبروا استكبارا) اي عزموا على أن لا يسمعوا شيئا قوله (ثم اني أعلنت
لهم وأسررت لهم اسرارا) قال دعوتهم سرا وعلانية، وفي رواية أبي الجارود
عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (لا ترجون لله وقارا) قال لا تخافون لله عظمة،
قال علي بن إبراهيم في قوله (وقد خلقكم أطوارا) قال على اختلاف الأهواء
والإرادات والمشيات قوله (والله أنبتكم من الأرض نباتا) أي على الأرض نباتا
قوله (رب انهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) قال اتبعوا
الأغنياء (ومكروا مكرا كبارا) أي كبيرا قوله (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا
تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) قال: كان قوم مؤمنين قبل
نوح فماتوا فحزن عليهم الناس فجاء إبليس فاتخذ لهم صورهم ليأنسوا بها فانسوا
بها فلما جاءهم الشتاء ادخلوها البيوت، فمضى ذلك القرن وجاء القرن الآخر فجاءهم
إبليس فقال لهم ان هؤلاء آلهة كانوا آباؤكم يعبدونها فعبدوهم وضل منهم بشر
كثير فدعا عليهم نوح حتى أهلكهم الله وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام
في قوله (سبع سماوات طباقا) يقول بعضها فوق بعض وقوله (ولا تذرن ودا
387

ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) قال: كانت ود صنما لكلب وكانت سواع
لهذيل وكانت يغوث لمراد وكانت يعوق لهمدان وكانت نسر لحصين.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) قال: هلاكا
وتدميرا (إنك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) فأهلكهم الله
حدثنا أحمد بن محمد بن موسى قال حدثنا محمد بن حماد عن علي بن إسماعيل التيمي
عن فضيل الرسام (التوسان ط) عن صالح بن ميثم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام ما كان علم نوح
حين دعا قومه انهم لا يلدون إلا فاجرا كفارا؟ فقال: أما سمعت قول الله لنوح
" انه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا
أحمد بن محمد عن الحسن بن علي بن فضال عن المفضل بن صالح عن محمد بن علي
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي
مؤمنا) إنما يعني الولاية من دخل فيها دخل في بيوت الأنبياء، وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ولا تزد الظالمين إلا تبارا) أي خسارا.
سورة الجن مكية
آياتها ثمان وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم قل - يا محمد لقريش - أوحي إلي أنه استمع نفر
من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد) وقد كتبنا خبرهم في سورة
الأحقاف قوله (وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبه ولا ولدا) قال: هو شئ
قالته الجن بجهالة فلم يرضه الله منهم ومعنى جد ربنا أي بخت ربنا وقوله (وانه
كان يقول سفيهنا على الله شططا) أي ظلما، حدثنا علي بن الحسين عن أحمد بن
أبي عبد الله عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان (سيار ط) عن
أبي عبد الله عليه السلام في قول الجن: وانه تعالى جد ربنا، فقال شئ كذبه الجن
388

فقصه الله كما قال، وعنه عن أحمد بن الحسين عن ابن فضال عن ابان عن زرارة
قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله: (انه كان رجال من الانس يعوذون
برجال من الجن فزادوهم رهقا) قال: الرجل ينطلق إلى الكاهن الذي كان يوحي
إليه الشيطان فيقول قل لشيطانك ان فلانا فقد عاذ بك.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (وانه كان رجال من الانس... الخ) قال
كان الجن ينزلون على قوم من الانس ويخبرونهم بالاخبار التي سمعوها في السماء
من قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وكان الناس يكهنون بما أخبروهم الجن، قوله
(فزادوهم رهقا) أي خسرانا قوله: (فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا)
قال: البخس النقصان والرهق العذاب وقوله: (وكنا طرائق قددا) أي على
مذاهب مختلفة، حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك قال:
حدثنا جعفر بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن عمر عن عباد بن صهيب عن جعفر
ابن محمد عن أبيه عليهم السلام في قول الله عز وجل (فمن أسلم فأولئك تحروا
رشدا) الذين أقروا بولايتنا فأولئك تحروا رشدا (واما القاسطون فكانوا لجهنم
حطبا) معاوية وأصحابه (وان لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا)
الطريقة الولاية لعلي (ع) (لنفتنهم فيه) قتل الحسين (ع) (فلا تدعوا مع الله أحدا) إلى الاحد مع آل محمد فلا تتخذوا من غيرهم وليا ط (وانه لما قام عبد الله
يدعوه) يعني محمدا صلى الله عليه وآله يدعوهم إلى ولاية علي (ع) (كادوا) قريش
(يكونون عليه لبدا) أي يتعادون عليه قال (قل إنما ادعوا ربي) قال: إنما
امرني ربي (فلا أملك لكم ضرا ولا رشدا) ان توليتم عن ولايته (قل اني لن
يجيرني من الله أحد) ان كتمت ما أمرت به (ولن أجد من دونه ملتحدا)
يعنى مأوى (إلا بلاغا من الله أبلغكم) ما امرني الله به من ولاية علي بن
أبي طالب عليه السلام (ومن يعص الله ورسوله) في ولاية علي عليه السلام (فان له نار جهنم
خالدين فيها ابدا) قال النبي صلى الله عليه وآله يا علي أنت قسيم النار تقول هذا لي وهذا لك
389

قالت قريش فمتى يكون ما تعدنا يا محمد من أمر علي والنار فأنزل الله (حتى إذا
رأوا ما يوعدون) يعني الموت والقيامة (فسيعلمون) يعني فلانا وفلانا وفلانا
ومعاوية وعمرو بن العاص وأصحاب الضغائن من قريش (من أضعف ناصرا وأقل
عددا) قالوا فمتى يكون هذا يا محمد؟ قال الله لمحمد: (قل إن أدري أقريب
ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا) قال أجلا (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا
إلا من ارتضى من رسول) يعني عليا المرتضى من الرسول صلى الله عليه وآله وهو منه قال
الله (فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) قال في قلبه العلم ومن خلفه الرصد
يعلمه علمه ويزقه العلم زقا ويعلمه الله إلهاما، والرصد التعليم من النبي صلى الله عليه وآله
(ليعلم) النبي (ان قد ابلغوا رسالات ربهم وأحاط) علي عليه السلام بما لدى الرسول من
العلم (واحصى كل شئ عددا) ما كان وما يكون منذ يوم خلق الله آدم إلى أن
تقوم الساعة من فتنة أو زلزلة أو خسف أو قذف أو أمة هلكت فيما مضى أو تهلك
فيما بقي، وكم من إمام جائر أو عادل يعرفه باسمه ونسبه ومن يموت موتا أو يقتل
قتلا، وكم من إمام مخذول لا يضره خذلان من خذله، وكم من إمام منصور
لا ينفعه نصرة من نصره.
وعنه عن جعفر قال: حدثني أحمد بن محمد بن أحمد المدائني قال: حدثني
هارون بن مسلم عن الحسين بن علوان عن علي بن عزاب عن الكلبي عن أبي صالح
عن ابن عباس في قوله (ومن يعرض عن ذكر ربه) قال ذكر ربه ولاية علي بن أبي طالب
وقوله (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) أي طلبوا الحق (واما القاسطون)
الآية، قال القاسط الحائد عن الطريق قوله (وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله
أحدا) قال المساجد السبعة التي يسجد عليها الكفان والركبتان (وعينا الركبتين ط) والابهامان
والجبهة، قال وحدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال
المساجد الأئمة عليهم السلام قوله (وانه لما قام عبد الله) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله
390

(يدعوه) كناية عن الله (كادوا) يعني قريشا (يكونون عليه لبدا) أي ايدا قوله
(حتى إذا رأوا ما يوعدون) قال القائم وأمير المؤمنين عليهم السلام في الرجعة
(فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا) قال هو قول أمير المؤمنين لزفر:
والله يا بن صهاك! لولا عهد من رسول الله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف
ناصرا وأقل عددا، قال فلما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما يكون من الرجعة قالوا
متى يكون هذا قال الله (قل - يا محمد - ان أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له
ربي أمدا).
وقوله (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا... الخ) قال يخبر الله رسوله
الذي يرتضيه بما كان قبله من الاخبار وما يكون بعده من اخبار القائم عليه السلام
والرجعة والقيامة، حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسى عن زياد عن
الحسن بن علي بن فضال عن ابن بكير عن الحسين بن زياد قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول في قوله (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا)
فقال لا بل والله شر أريد بهم حين بايعوا معاوية وتركوا الحسن بن علي صلوات
الله عليهما، أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد
عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن جابر قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول
في هذه الآية (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) يعنى من جرى
فيه شئ من شرك الشيطان، على الطريقة يعنى على الولاية في الأصل عند الأظلة
حين اخذ الله ميثاق ذرية آدم، أسقيناهم ماء غدقا لكنا وضعنا أظلتهم في ماء
الفرات العذب (1).

(1) كذا في ط وك وفي الصافي عن الباقر عليه السلام: يعنى لو استقاموا على
ولاية أمير المؤمنين والأوصياء من ولده عليهم السلام وقبلوا طاعتهم في أمرهم
ونهيهم لأسقيناهم ماء غدقا ج ز
391

سورة المزمل مكية
آياتها عشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص)
قال: هو النبي صلى الله عليه وآله كان يتزمل بثوبه وينام، فقال الله: يا أيها المزمل قم الليل
إلا قليلا نصفه أو انقص منه (قليلا) قال انقص من القليل (أو زد عليه) أي
على القليل قليلا (ورتل القرآن ترتيلا) قال بينه تبيانا ولا تنثره نثر الرمل ولا
تهزه هز الشعر ولكن أفزع به القلوب القاسية قوله (إنا سنلقي عليك قولا ثتيلا)
قال قيام الليل وهو قوله (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقول قيلا) قال أصدق
القول قوله (وتبتل إليه تبتيلا) قال رفع اليدين وتحريك السبابتين.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (إن لك في النهار
سبحا طويلا) يقول فراغا طويلا لنومك ولحاجتك (وتبتل إليه تبتيلا) يقول
اخلص إليه إخلاصا، وقال علي بن إبراهيم في قوله (وطعاما ذا غصة) أي لا يقدر
ان يبلغه قوله (يوم ترجف الأرض والجبال) اي تخسف وقوله (وكانت الجبال
كثيبا مهيلا) قال مثل الرمل ينحدر وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام
في قوله (ان ربك يعلم انك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه) ففعل النبي
صلى الله عليه وآله ذلك وبشر الناس به فاشتد ذلك عليهم وقوله (علم أن لن تحصوه) وكان
الرجل يقوم ولا يدري متى ينتصف الليل ومتى يكون الثلثان وكان الرجل يقوم
حتى يصبح مخافة ان لا يحفظه، فأنزل الله (ان ربك يعلم انك تقوم أدنى من
ثلثي الليل - إلى قوله - علم أن لن تحصوه) يقول متى يكون النصف والثلث
نسخت هذه الآية (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) واعلموا انه لم يأت نبي قط إلا
خلا بصلاة الليل ولا جاء نبي قط بصلاة الليل في أول الليل قوله (فكيف تتقون
392

ان كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا) يقول كيف ان كفرتم تتقون ذلك اليوم
الذي يجعل الولدان شيبا، وقال علي بن إبراهيم في قوله: فكيف تتقون الآية
قال تشيب الولدان من الفزع حيث يسمعون الصيحة، أخبرنا الحسن بن علي عن
أبيه عن الحسين بن سعيد عن زرعة عن سماعة قال: سألته عن قول الله (واقرضوا
الله قرضا حسنا) قال: هو غير الزكاة.
سورة المدثر مكية
آياتها ست وخمسون
(بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر)
قال: أنذر الرسول صلى الله عليه وآله، فالمدثر يعني المدثر بثوبه، " قم فأنذر " قال: هو
قيامه في الرجعة ينذر فيها قوله " وثيابك فطهر " قال: تطهيرها تقصيرها وقال:
شيعتنا يطهرون قوله (والرجز فاهجر) الرجز الخبيث قوله (ولا تمنن تستكثر)
وفي رواية أبي الجارود يقول لا تعطي العطية تلتمس أكثر منها، وقال علي بن
إبراهيم في قوله (فإذا نقر في الناقور - إلى قوله - ذرني ومن خلقت وحيدا)
فإنها نزلت في الوليد بن المغيرة وكان شيخا كبيرا مجربا من دهاة العرب، وكان
من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقعد في الحجرة ويقرأ
القرآن فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة، فقالوا: يا أبا عبد الشمس ما هذا
الذي يقول محمد أشعر هو أم كهانة أم خطب؟! فقال دعوني أسمع كلامه، فدنا
من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد أنشدني من شعرك، قال: ما هو شعر ولكنه
كلام الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه، فقال: أتل على منه شيئا، فقرأ
رسول الله صلى الله عليه وآله حم السجدة فلما بلغ قوله فان اعرضوا - يا محمد - أعني قريشا - فقل
لهم أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، قال: فاقشعر الوليد وقامت كل شعرة
393

في رأسه ولحيته ومر إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك، فمشوا إلى أبي جهل
فقالوا: يا أبا الحكم ان أبا عبد الشمس صبا إلى دين محمد أما تراه لم يرجع الينا،
فغدا أبو جهل فقال له: يا عم نكست رؤوسنا وفضحتنا وأشمت بنا عدونا وصبوت
إلى دين محمد، فقال ما صبوت إلى دينه ولكني سمعت منه كلاما صعبا تقشعر
منه الجلود، فقال له أبو جهل: أخطب هو؟ قال: لا ان الخطب كلام متصل
وهذا كلام منثور ولا يشبه بعضه بعضا قال أفشعر هو قال لا، اما اني قد سمعت
أشعار العرب بسيطها ومد يدها ورملها ورجزها وما هو بشعر، قال فما هو؟ قال
دعني أفكر فيه فلما كان من الغد قالوا يا أبا عبد شمس ما تقول فيما قلناه؟ قال:
قولوا هو سحر فإنه أخذ بقلوب الناس، فأنزل الله على رسوله في ذلك " ذرني
ومن خلقت وحيدا " وإنما سمي وحيدا (1) لأنه قال لقريش أنا أتوحد بكسوة
البيت سنة وعليكم في جماعتكم سنة، وكان له مال كثير وحدائق وكان له عشر بنين
بمكة وكان له عشرة عبيد عند كل عبد ألف دينار يتجر بها وتلك القنطار في
ذلك الزمان ويقال ان القنطار جلد ثور مملو ذهبا، فأنزل الله (ذرني ومن خلقت
- إلى قوله - صعودا) قال: جبل يسمى صعودا (ثم نظر ثم عبس وبسر) قال
عبس وجهه، وبسر قال ألقى شدقه (ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر
يؤثر إن هذا إلا قول البشر - إلى قوله - ما سقر) واد في النار (لا تبقي ولا
تذر) أي لا تبقيه ولا تذره (لواحة للبشر عليها تسعة عشر) قال تلوح عليه
فتحرقه، عليها تسعة عشر قال ملائكة يعذبونهم وهو قوله (وما جعلنا أصحاب
النار إلا ملائكة) وهم ملائكة في النار يعذبون الناس (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة

(1) أي الوليد بن المغير وفي مجمع البيان ان الوحيد، الذي لم يعلم أبوه
ج. ز
394

للذين كفروا) قال لكل رجل تسعة عشر من الملائكة يعذبونهم.
قال حدثنا أبو العباس قال حدثنا يحيى بن زكريا عن علي بن حسان عن عمه
عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (ذرني ومن خلقت وحيدا)
قال الوحيد ولد الزنا وهو زفر (وجعلت له مالا ممدودا) قال أجلا إلى مدة
(وبنين شهودا) قال أصحابه الذين شهدوا ان رسول الله لا يورث (ومهدت له تمهيدا) ملكه الذي ملكه
مهده له (ثم يطمع ان أزيد كلا انه كان لآياتنا عنيدا) قال لولاية أمير المؤمنين
عليه السلام جاحدا عاندا لرسول الله صلى الله عليه وآله فيها (سأرهقه صعودا انه فكر وقدر)
فكر فيما امر به من الولاية وقدر إن مضى رسول الله صلى الله عليه وآله ان لا يسلم
لأمير المؤمنين عليه السلام البيعة التي بايعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله (فقتل كيف قدر
ثم قتل كيف قدر) قال عذاب بعد عذاب يعذبه القائم عليه السلام ثم نظر إلى النبي
صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ف‍ (عبس وبسر) مما امر به ثم (ادبر واستكبر) فقال
إن هذا إلا سحر يؤثر، قال: زفر ان النبي صلى الله عليه وآله سحر الناس بعلي عليه السلام (ان
هذا إلا قول البشر) أي ليس هو وحيا من الله عز وجل (سأصليه سقر) إلى
آخر الآية فيه نزلت.
وقال علي بن إبراهيم في وقوله: (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب
اليمين) قال اليمين أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه شيعته فيقولون لأعداء آل محمد
(ما سلككم في سقر) فيقولون (لم نك من المصلين) اي لم نك من أتباع الأئمة
(ولم نك نطعم المسكين) قال: حقوق آل محمد من الخمس لذوي القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل وهم آل محمد عليهم السلام (وكنا نخوض مع الخائضين
وكنا نكذب بيوم الدين) اي يوم المجازاة (حتى أتانا اليقين) اي الموت وقوله
(فما تنفعهم شفاعة الشافعين) قال: لو أن كل ملك مقرب ونبي مرسل شفعوا في
ناصب آل محمد ما قبل منهم ما شفعوا فيه ثم قال (فما لهم عن التذكرة معرضين)
395

قال عما يذكر لهم من موالاة أمير المؤمنين عليه السلام (كأنهم حمر مستنفرة فرت من
قسورة) يعني من الأسد قوله (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) قال هو أهل ان
يتقى وأهل ان يغفر.
أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشا عن محمد
ابن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (انها لاحدى الكبر نذيرا
للبشر) قال يعني فاطمة عليها السلام، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام
في قوله (بل يريد كل امرئ منهم ان يؤتى صحفا منشرة) وذلك انهم قالوا
يا محمد قد بلغنا ان الرجل من بني إسرائيل كان يذنب الذنب فيصبح وذنبه مكتوب
عند رأسه وكفارته فنزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وقال يسألك قومك سنة
بني إسرائيل في الذنوب فان شاؤوا فعلنا ذلك بهم وأخذناهم بما كنا نأخذ به
بني إسرائيل فزعموا أن رسول الله كره ذلك لقومه.
سورة القيامة مكية
آياتها أربعون
(بسم الله الرحمن الرحيم لا أقسم بيوم القيمة) يعني أقسم بيوم القيامة
(ولا أقسم بالنفس اللوامة) قال: نفس آدم التي عصت فلامها الله عز وجل قوله
(أيحسب الانسان ان لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه) قال:
أطراف الأصابع لو شاء الله يسويها قوله (بل يريد الانسان ليفجر أمامه) قال
يقدم الذنب ويؤخر التوبة ويقول سوف أتوب قوله (يسئل أيان يوم القيامة)
أي متى يكون قال الله (فإذا برق البصر) قال: يبرق البصر فلا يقدر ان يطرف
قوله (كلا لا وزر) اي لا ملجأ قوله (ينبؤا الانسان يومئذ بما قدم وأخر)
قال: يخبر بما قدم وأخر (بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) قال
396

يعلم ما صنع وان اعتذر قوله (ان علينا جمعه وقرآنه) قال: على آل محمد جمع
القرآن وقرآنه (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) قال اتبعوا إذا ما قرأوه (ثم إن علينا
بيانه) اي تفسيره (كلا بل تحبون العاجلة) قال الدنيا الحاضرة (وتذرون الآخرة
قال تدعون (وجوه يومئذ ناضرة) اي مشرقة (إلى ربها ناظرة) قال ينظرون
إلى وجه الله اي إلى رحمة الله ونعمته (ووجوه يومئذ باسرة) اي ذليلة قوله (كلا إذا
بلغت التراقي) قال النفس إذا بلغت الترقوة (وقيل من راق) قال يقال له من
يرقيك قوله (وظن أنه الفراق) علم أنه الفراق (والتفت الساق بالساق) قال:
التفت الدنيا بالآخرة (إلى ربك يومئذ المساق) قال: يساقون إلى الله قوله
(فلا صدق ولا صلى) فإنه كان سبب نزولها ان رسول الله صلى الله عليه وآله دعا إلى بيعة
علي يوم غدير خم فلما بلغ الناس وأخبرهم في علي ما أراد الله ان يخبر، رجعوا
الناس، فاتكأ معاوية على المغيرة بن شعبة وأبي موسى الأشعري ثم اقبل يتمطى
نحو أهله ويقول ما نقر لعلي بالولاية (بالخلافة خ ل) ابدا ولا نصدق محمد مقالته
فيه فأنزل الله جل ذكره (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى
أهله يتمطى أولى لك فأولى) عبد الفاسق ك (وعيد الفاسق ط) فصعد رسول الله
صلى الله عليه وآله المنبر وهو يريد البراءة منه فأنزل الله (لا تحرك به لسانك لتعجل به)
فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يسمه قوله (أيحسب الانسان ان يترك سدى) قال
لا يحاسب ولا يعذب ولا يسئل عن شئ ثم قال (ألم يك نطفة من مني يمنى)
قال: إذا نكح امناه (ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى
- إلى قوله - أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) رد على من انكر البعث
والنشور.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ينبؤا الانسان يومئذ
بما قدم وأخر) بما قدم من خير وشر وما أخر مما سن من سنة ليستن بها من بعده
397

فإن كان شرا كان عليه مثل وزرهم ولا ينقص من وزرهم شئ، وإن كان خيرا
كان له مثل أجورهم ولا ينقص من أجورهم شئ.
سورة الدهر مدنية
آياتها احدى وثلاثون
(بسم الله الرحمن الرحيم هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا
مذكورا) قال: لم يكن في العلم ولا في الذكر، وفي حديث آخر كان في العلم ولم
يكن في الذكر قوله (إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه) أي نختبره
(فجعلناه سميعا بصيرا) ثم قال (إنا هديناه السبيل) اي بينا له طريق الخير والشر
(إما شاكرا واما كفورا) وهو رد على المجبرة انهم يزعمون أنهم لا فعل لهم
أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير قال: سألت
أبا جعفر (ع) عن قول الله (إنا هديناه السبيل إما شاكرا واما كفورا) قال:
اما آخذ فشاكر واما تارك فكافر، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع)
في قوله (أمشاج نبتليه) قال ماء الرجل وماء المرأة اختلطا جميعا.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (ان الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها
كافورا) يعني بردها وطيبها لان فيها الكافور (عينا يشرب بها عباد الله) يفجرونها اي
منها وقوله (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) قال: المستطير
العظيم قوله (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) فإنه حدثني أبي
عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (ع) قال: كان عند فاطمة عليها
السلام شعير فجعلوه عصيدة، فلما أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين،
فقال المسكين رحمكم الله أطعمونا مما رزقكم الله، فقام علي (ع) فأعطاه ثلثها،
فما لبث أن جاء يتيم فقال اليتيم رحمكم الله أطعمونا مما رزقكم الله، فقام علي (ع)
398

فأعطاه ثلثها الثاني، فما لبث ان جاء أسير فقال الأسير يرحمكم الله أطعمونا مما رزقكم
الله فقام علي (ع) فأعطاه الثلث الباقي، وما ذاقوها فأنزل الله فيهم هذه الآية
إلى قوله (وكان سعيكم مشكورا) في أمير المؤمنين (ع) وهي جارية في كل
مؤمن فعل مثل ذلك لله عز وجل، والقمطرير الشديد قوله (متكئين فيها على
الأرائك) يقول متكئين في الحجال على السرر قوله (ودانية عليهم ظلالها) يقول
قريب ظلالها منهم قوله (وذللت قطوفها تذليلا) دليت عليهم ثمارها ينالها القائم
والقاعد قوله (أكواب كانت قوارير قوارير من فضة) الأكواب الاكواز العظام
التي لا إذان لها ولا عرى، قوارير من فضة الجنة يشربون فيها (قدروها
تقديرا) يقول: صنعت لهم على قدر رتبتهم لا تحجير فيه ولا فصل قوله (من
سندس وإستبرق) الإستبرق الديباج.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب
كانت قوارير) قال: ينفذ البصر فيها كما ينفذ في الزجاج قوله (ولدان مخلدون)
قال: مستوون قوله (وملكا كبيرا) قال: لا يزال ولا يفنى (عاليهم ثياب
سندس خضر وإستبرق) قال: يعلوهم الثياب ويلبسونها ثم خاطب الله نبيه صلى الله عليه وآله
فقال: (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا - إلى قوله - بكرة وأصيلا) قال:
بالغدوة ونصف النهار (ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا) قال صلاة الليل
قوله (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم) يعني خلقهم قال الشاعر:
وضامرة شد المليك أسرها * يكاد ماذنها أسفلها وظهرها وبطنها (1)

(1) كذا في ط و م وليس في تفسير البرهان لفظ " ماذنها " ويحتمل
التصحيف في الشعر كما يظهر من شرح المصنف له في العبارة الآتية لأنه فيها لفظ
" شطوها " ويحتمل أن يكون هكذا يكاد ماذنها يكون شطرها ج. ز
399

قال: الضامرة يعني فرسه شد المليك أسرها أي خلقها يكاد ماذنها قال:
عنقها يكون شطرها أي نصفها.
سورة المرسلات مكية
آياتها خمسون
(بسم الله الرحمن الرحيم والمرسلات عرفا) قال: الآيات يتبع بعضها بعضا
(والعاصفات عصفا) قال: القبر (والناشرات نشرا) قال: نشر الأموات
فالفارقات فرقا) قال: الدابة (فالملقيات ذكرا) قال الملائكة (عذرا ونذرا)
أي أعذركم وأنذركم بما أقول وهو قسم وجوابه (إن ما توعدون لواقع)
قوله (فإذا النجوم طمست) قال: يذهب نورها وتسقط (وإذا السماء فرجت)
قال: تنفرج وتنشق (وإذا الجبال نسفت) اي تقلع (وإذا الرسل اقتت) قال
بعثت في أوقات مختلفة (لأي يوم أجلت) قال: أخرت (ليوم الفصل) قوله
(ألم نخلقكم من ماء مهين) قال: منتن (فجعلناه في قرار مكين) قال في الرحم
قوله (ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا) قال: الكفات المساكن.
وقال: نظر أمير المؤمنين (ع) في رجوعه من صفين إلى المقابر فقال:
هذه كفات الأموات أي مساكنهم ثم نظر إلى بيوت الكوفة فقال: هذه
كفات الاحياء ثم تلا قوله: ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا قوله:
(وجعلنا فيها رواسي شامخات) قال: جبال مرتفعة (وأسقيناكم ماء فراتا)
أي عذبا وكل عذب من الماء فهو الفرات قوله: (انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث
شعب) قال فيه ثلاث شعب من النار (انها ترمى بشرر كالقصر) قال: شرر
النار مثل القصور والجبال (كأنه جمالات صفر) أي سود قوله: (إن المتقين
في ظلال وعيون) قال: ظلال من نور أنور من الشمس قوله: (وإذا قيل لهم
400

اركعوا لا يركعون) قال: إذا قيل لهم تولوا الامام لم يتولوه، ثم قال لنبيه
صلى الله عليه وآله (فبأي حديث بعد) هذا الذي أحدثك به (يؤمنون) وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله (وإذا النجوم طمست) فطموسها ذهاب
ضوئها واما قوله (إلى قدر معلوم) يقول منتهى الأجل.
سورة النبأ مكية الجزء (30)
آياتها احدى وأربعون
(بسم الله الرحمن الرحيم عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون)
قال: حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (ع) في قوله " عم
يتساءلون.. الخ " قال قال أمير المؤمنين (ع) ما لله نبأ أعظم مني وما لله آية
أكبر مني، وقد عرض فضلي على الأمم الماضية على اختلاف ألسنتها فلم تقر بفضلي
وقوله (ألم نجعل الأرض مهادا) (1) قال يمهد فيها الانسان مهدا (والجبال
أوتادا) اي أوتاد الأرض (وجعلنا الليل لباسا) قال يلبس على النهار (وجعلنا
سراجا وهاجا) قال الشمس المضيئة (وأنزلنا من المعصرات) قال من السحاب
(ماء ثجاجا) قال صبا على صب (وجنات ألفافا) قال بساتين ملتفة الشجر
(وفتحت السماء فكانت أبوابا) قال: تفتح أبواب الجنان (وسيرت الجبال
فكانت سرابا) قال: تسير الجبال مثل السراب الذي يلمع في المفازة قوله (إن
جهنم كانت مرصادا) قال قائمة (للطاغين مآبا) اي منزلا (لابثين فيها أحقابا)

(1) أقول: هذه الآية فيها إشعار بحركة الأرض حيث سماها الله تعالى
" مهادا " و " المهد " و " المهاد " موضع يهيأ للصبي وهو متحرك غالبا ومنه
الحديث المعروف اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد. ج ز
401

قال: الأحقاب السنين والحقب ثمانون سنة والسنة ثلاثمائة وستون يوما واليوم
كألف سنة مما تعدون، أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن
سعيد بن النضر بن سويد عن درست بن أبي منصور عن الأحول عن حمران بن
أعين قال سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله (لابثين فيها أحقابا لا يذوقون
فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا) قال: هذه في الذين لا يخرجون من النار.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (لا يذوقون فيها بردا) قال: البرد النوم
وقوله (إن للمتقين مفازا) قال: يفوزون قوله (وكواعب أترابا) قال جوار
أتراب لأهل الجنة، وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله: إن
للمتقين مفازا، قال فهي الكرامات وقوله: وكواعب أترابا، اي الفتيات
الناهدات، وقال علي بن إبراهيم في قوله (كأسا دهاقا) اي ممتلية (يوم يقوم
الروح والملائكة صفا لا يتكلمون) قال الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل
وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الأئمة عليهم السلام قوله (إنا أنذرناكم
عذابا قريبا) قال في النار وقال (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر
يا ليتني كنت ترابا) قال ترابيا اي علويا، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
المكنى أمير المؤمنين أبو تراب.
سورة النازعات مكية
آياتها ست وأربعون
(بسم الله الرحمن الرحيم والنازعات غرقا) قال: نزع الروح (والناشطات
نشطا) قال: الكفار ينشطون في الدنيا (1) (والسابحات سبحا) قال المؤمنون

(1) مبنيا للمفعول من النشط وهو الازهاق يعني الملائكة التي تزهق
أرواح الكفار في الدنيا عند موتهم ج ز
402

الذين يسبحون الله، وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله:
(فالسابقات سبقا) يعنى أرواح المؤمنين تسبق أرواحهم إلى الجنة بمثل الدنيا
وارواح الكافرين إلى النار بمثل ذلك، وقال علي بن إبراهيم في قوله (يوم
ترجف الراجفة تتبعها الرادفة) قال تنشق الأرض بأهلها والرادفة الصيحة (قلوب
يومئذ واجفة) اي خائفة (أبصارها خاشعة يقولون أإنا لمردودون في الحافرة)
قال قالت قريش أنرجع بعد الموت (أإذا كنا عظاما نخرة) اي بالية (تلك إذا
كرة خاسرة) قال قالوا هذا على حد الاستهزاء قال الله (فإنما هي زجرة واحدة
فإذا هم بالساهرة) قال الزجرة النفخة الثانية في الصور والساهرة موضع بالشام عند
بيت المقدس، وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله: أإنا
لمردودون في الحافرة، يقول في الخلق الجديد واما قوله: فإذا هم بالساهرة،
والساهرة الأرض كانوا في القبور فلما سمعوا الزجرة خرجوا من قبورهم فاستووا
على الأرض قوله (بالواد المقدس) اي المطهر واما (طوى) فاسم الوادي.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (فحشر) يعنى فرعون (فنادى فقال أنا
ربكم الاعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى) والنكال العقوبة، والآخرة هو قوله:
أنا ربكم الاعلى والأولى قوله ما علمت لكم من إله غيري، فأهلكه الله بهذين
القولين قوله (واغطش ليلها) اي أظلم قال الأعشى:
وبهماء بالليل غطش الغداة (1) * مؤنسي فنون فناداها (2)
قوله: (واخرج ضحاها) اي الشمس قوله (والأرض بعد ذلك دحاها) اي
بسطها (والجبال أرساها) اي أثبتها قوله (يوم يتذكر الانسان ما سعى) قال
يذكر ما عمله كله (وبرزت الجحيم لمن يرى) قال: أحضرت قوله (واما من

(1) الفلاة ط.
(2) يؤنسني صوت فناداها (ط) ج ز
403

خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى) قال: هوى العبد
إذا وقف على معصية الله وقدر عليها ثم تركها مخافة الله ونهى النفس عنها فمكافأته
الجنة قوله (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) قال: متى تقوم قال الله: (إلى
ربك منتهاها) اي علمها عند الله قوله: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية
أو ضحاها) قال: بعض يوم.
سورة عبس مكية
(بسم الله الرحمن الرحيم عبس وتولى أن جاءه الأعمى) قال: نزلت في
عثكن (1) وابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم مؤذنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وكان

(1) قال فخر الدين الرازي: اجمع المفسرون على أن الذي عبس وتولى هو
الرسول صلى الله عليه وآله، وذكر في الدر المنثور: عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله
في مجلس في ناس من وجوه قريش منهم أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة فيقول
لهم: أليس حسنا إن جئت بكذا وكذا؟ فيقولون: بلى والله فجاء ابن مكتوم
وهو مشتغل بهم فسأله فاعرض عنه فأنزل الله: أما من استغنى فأنت له تصدى
وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى
قال شيخنا الطوسي في التبيان: وهذا فاسد، لان النبي صلى الله عليه وآله قد أجل
الله قدره عن هذه الصفات، وكيف يصفه بالعبوس والتقطيب وقد وصفه بأنه
" على خلق عظيم " وقال " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك "
وكيف يعرض عمن تقدم وصفه مع قوله تعالى " ولا تطرد الذين يدعون ربهم
بالغداة والعشي يريدون وجهه " ومن عرف النبي صلى الله عليه وآله وحسن أخلاقه وما
خصه الله تعالى به من مكارم الأخلاق وحسن الصحبة حتى قيل إنه لم يصافح
أحدا قط فينزع يده من يده حتى يكون ذلك الذي ينزع يده من يده.
فمن هذه صفته كيف يقطب في وجه أعمى جاء يطلب السلام، على أن
الأنبياء منزهون عن مثل هذه الأخلاق لما في ذلك من التنفير عن قبول قولهم،
وقال قوم: إن هذه الآيات نزلت في الرجل من بنى أمية كان واقفا مع النبي صلى الله عليه وآله
فلما اقبل ابن مكتوم تنفر منه، وجمع نفسه وعبس في وجهه فحكى الله تعالى ذلك
وانكره معاتبة على ذلك. ج. ز
404

أعمى، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده أصحابه وعثكن عنده، فقدمه
رسول الله صلى الله عليه وآله عليه فعبس وجهه وتولى عنه فأنزل الله عبس وتولى يعني عثكن
ان جاءه الأعمى (وما يدريك لعله يزكى) أي يكون طاهرا أزكى (أو يذكر)
قال يذكره رسول الله صلى الله عليه وآله ثم خاطب عثكن فقال: (أما من استغنى فأنت له
تصدى) قال أنت إذا جاءك غني تتصدى له وترفعه (وما عليك ألا يزكى) أي
لا تبالي زكيا كان أو غير زكي إذا كان غنيا (وأما من جاءك يسعى) يعنى ابن
أم مكتوم (وهو يخشى فأنت عنه تلهى) أي تلهو ولا تلتفت إليه قوله (كلا انها
تذكرة) قال القرآن (في صحف مكرمة مرفوعة) قال: عند الله (مطهرة بأيدي
سفرة) قال بأيدي الأئمة (كرام بررة قتل الانسان ما أكفره) قال هو أمير المؤمنين
قال ما أكفره اي ماذا فعل فأذنب حتى قتلوه ثم قال: (من أي شئ خلقه من
نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره) قال: يسر له طريق الخير (ثم أماته فأقبره ثم
إذا شاء أنشره) قال: في الرجعة (كلا لما يقض ما أمره) أي لم يقض علي
أمير المؤمنين عليه السلام ما قد أمره وسيرجع حتى يقضي ما أمره.
أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر (أبي بصير ط) عن جميل بن
405

دراج عن أبي اسامة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن قول الله " قتل الانسان
ما أكفره " قال: نعم نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام، ما أكفره، يعنى بقتلكم إياه
ثم نسب أمير المؤمنين عليه السلام فنسب خلقه وما أكرمه الله به فقال: (من أي شئ
خلقه) يقول من طينة الأنبياء خلقه (فقدره) للخير (ثم السبيل يسره) يعنى
سبيل الهدى (ثم أماته) ميتة الأنبياء (ثم إذا شاء أنشره) قلت ما قوله: ثم
إذا شاء أنشره قال: يمكث بعد قتله في الرجعة فيقضي ما امره (فلينظر الانسان
إلى طعامه إنا صببنا الماء صبا - إلى قوله - وقضبا) قال: القضب القت (1)
(وحدائق غلبا) اي بساتين ملتفة مجتمعة (وفاكهة وأبا) قال الأب الحشيش
للبهائم قوله (متاعا لكم ولأنعامكم فإذا جاءت الصاخة) أي القيامة قوله (لكل
امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) قال: شغل يشتغل به عن غيره.
ثم ذكر عز وجل الذين تولوا أمير المؤمنين عليه السلام وتبرأوا من أعدائه فقال
(وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة) ثم ذكر أعداء آل محمد (ووجوه
يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة) أي فقر من الخير والثواب (أولئك هم الكفرة
الفجرة) حدثنا سعيد بن محمد قال حدثنا بكر بن سهل قال حدثني عبد الغنى بن
سعيد قال حدثنا موسى بن عبد الرحمن عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن
عباس في قوله (متاعا لكم ولأنعامكم) يريد منافع لكم ولأنعامكم قوله (وجوه
يومئذ عليها غبرة) يريد " مسودة " (ترهقها قترة) يريد قتار (2) جهنم
(أولئك هم الكفرة الفجرة) أي الكافر الجاحد.

(1) القت بفتح القاف وهو الرطب من علف الدواب. مجمع
(2) القتار كالبخار لفظا ومعنى. ج. ز
406

سورة التكوير مكية
آياتها تسع وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم إذا الشمس كورت) قال: تصير سوداء مظلمة
(وإذا النجوم انكدرت) قال: يذهب ضوؤها (وإذا الجبال سيرت) قال:
تسير كما قال: تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب قوله (وإذا العشار عطلت)
قال: الإبل (1) تتعطل إذا مات الخلق فلا يكون من يحلبها وقوله (وإذا البحار
سجرت) قال: تتحول البحار التي حول الدنيا كلها نيرانا (وإذا النفوس زوجت)
قال: من الحور العين، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
(وإذا النفوس زوجت) قال: اما أهل الجنة فزوجوا الخيرات الحسان واما أهل
النار فمع كل إنسان منهم شيطان يعني قرنت نفوس الكافرين والمنافقين بالشياطين
فهم قرناؤهم.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت) قال
كانت العرب يقتلون البنات للغيرة، فإذا كان يوم القيامة سئلت الموؤودة بأي ذنب
قتلت وقطعت، أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدثنا أحمد بن محمد عن علي بن الحكم
عن أيمن بن محرز عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (وإذا الموؤودة سئلت
بأي ذنب قتلت) قال: من قتل في مودتنا والدليل على ذلك قوله لرسوله: قل لا
أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (وإذا الصحف نشرت) قال صحف الاعمال

(1) العشار كالقطار: نوق مضى لحملها عشرة اشهر أو ثمانية واحده
العشراء ج ز
407

وقوله (وإذا السماء كشطت) قال أبطلت، حدثنا سعيد بن محمد قال حدثنا بكر
ابن سهل عن عبد الغني بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريح عن
عطا عن ابن عباس في قوله (وإذا الجحيم سعرت) يريد أوقدت للكافرين والجحيم
النار الاعلى من جهنم والجحيم في كلام العرب ما عظم من النار كقوله عز وجل:
ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم، يريد النار العظيمة (وإذا الجنة أزلفت) يريد
قربت لأولياء الله من المتقين، وقال علي بن إبراهيم في قوله (فلا أقسم بالخنس)
وهو اسم النجوم (الجوار الكنس) قال النجوم تكنس بالنهار فلا تبين (والليل
إذا عسعس) قال إذا أظلم (والصبح إذا تنفس) قال إذا ارتفع وهذا كله قسم
وجوابه (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين) يعني ذا منزلة
عظيمة عند الله (مطاع ثم أمين) فهذا ما فضل الله به نبيه ولم يعط أحدا من
الأنبياء، حدثنا جعفر بن أحمد (محمد ط) قال حدثنا عبد الله (عبيد الله ط) بن موسى عن الحسن بن
علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في قوله ذي قوة
عند ذي العرش مكين، قال: يعنى جبرئيل قلت قوله مطاع ثم امين، قال يعنى
رسول الله صلى الله عليه وآله هو المطاع عند ربه الأمين يوم القيامة قلت قوله (وما صاحبكم
بمجنون) قال: يعنى النبي صلى الله عليه وآله ما هو بمجنون في نصبه أمير المؤمنين علما للناس
قلت قوله (وما هو على الغيب بضنين) قال ما هو تبارك وتعالى على نبيه بغيبه
بضنين عليه قلت قوله (وما هو بقول شيطان رجيم) قال: يعنى الكهنة الذين
كانوا في قريش فنسب كلامهم إلى كلام الشياطين الذين كانوا معهم يتكلمون على
ألسنتهم فقال: وما هو بقول شيطان رجيم مثل أولئك قلت قوله (فأين تذهبون
ان هو إلا ذكر للعالمين) قال أين تذهبون في علي يعنى ولايته أين تفرون منها
إن هو إلا ذكر للعالمين لمن اخذ الله ميثاقه على ولايته قلت قوله (لمن شاء منكم
ان يستقيم) قال: في طاعة علي عليه السلام والأئمة عليهم السلام من بعده قلت قوله:
408

(وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين) قال لان المشية إليه تبارك وتعالى لا
إلى الناس، حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن أحمد عن أحمد بن محمد السياري
عن فلان عن أبي الحسن عليه السلام قال: إن الله جعل قلوب الأئمة موردا لإرادته فإذا
شاء الله شيئا شاؤه وهو قوله وما تشاؤن إلا يشاء الله رب العالمين، قال حدثنا
سعيد بن محمد قال حدثنا بكر بن سهل عن عبد الغني بن سعيد عن موسى بن
عبد الرحمن عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس في قوله رب العالمين، قال إن الله
عز وجل خلق ثلاثمائة عالم وبضعة عشر عالما خلف قاف وخلف البحار السبعة لم
يعصوا الله طرفة عين قط ولم يعرفوا آدم ولا ولده، كل عالم منهم يزيد على ثلاثمائة
وثلاثة عشر مثل آدم وما ولد، فذلك قوله إلا أن يشاء الله رب العالمين.
سورة الانفطار مكية
وآياتها تسع عشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت
وإذا البحار فجرت) قال تتحول نيرانا (وإذا القبور بعثرت) قال تنشق
فيخرج الناس منها (علمت نفس ما قدمت وأخرت) أي ما عملت من خير وشر
ثم خاطب الناس (يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك
فعدلك) أي ليس فيك اعوجاج (في أي صورة ما شاء ركبك) قال: لو شاء
ركبك على غير هذه الصورة (كلا بل تكذبون بالدين) قال: برسول الله صلى الله عليه وآله
وأمير المؤمنين عليه السلام (وان عليكم لحافظين) قال الملكان الموكلان بالانسان (كراما
كاتبين) يكتبون الحسنات والسيئات (إن الأبرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم
- إلى قوله - يصلونها يوم الدين) يوم المجازاة ثم قال تعظيما ليوم القيامة (وما
أدراك - يا محمد - ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس
409

شيئا والامر يومئذ لله) حدثنا سعيد بن محمد قال حدثنا بكر بن سهل عن
عبد الغنى بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك
عن ابن عباس في قوله: والامر يومئذ لله قال: يريد الملك والقدرة والسلطان
والعزة والجبروت والجمال والبهاء والهيبة والإلهية وحده لله لا شريك له.
سورة المطففين مكية (1)
آياتها ست وثلاثون
(بسم الله الرحمن الرحيم ويل للمطففين) الذين يبخسون المكيال والميزان
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزلت على نبي الله صلى الله عليه وآله حين
قدم المدينة وهم يومئذ أسوأ الناس كيلا فأحسنوا الكيل واما الويل فبلغنا - والله
أعلم - انها بئر في جهنم، حدثنا سعيد بن محمد قال حدثنا بكر بن سهل عن
عبد الغني بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريح عن عطا عن ابن
عباس في قوله: (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم
يخسرون) قال كانوا إذا اشتروا يستوفون بكيل راجح وإذا باعوا يبخسوا
المكيال والميزان وكان هذا فيهم وانتهوا، قال علي بن إبراهيم في قوله الذين إذا
اكتالوا لأنفسهم على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون فقال الله
(ألا يظن أولئك) أي ألا يعلمون انهم يحاسبون على ذلك يوم القيامة (كلا
ان كتاب الفجار لفي سجين) قال ما كتب الله لهم من العذاب لفي سجين ثم قال
(وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم) أي مكتوب (يشهده المقربون) الملائكة
الذين كتبوا عليهم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال السجين الأرض
السابعة وعليون السماء السابعة حدثنا أبو القاسم الحسيني قال حدثنا فرات بن
إبراهيم عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن الحسين بن إبراهيم عن علوان بن محمد قال

(1) وفى ط انها مدنية. ج - ز
410

حدثنا محمد بن معروف عن السندي عن الكلبي عن جعفر بن محمد عليهما السلام في
قوله (كلا ان كتاب الفجار لفي سجين) قال هو فلان وفلان (وما أدراك ما سجين
- إلى قوله - الذين يكذبون بيوم الدين) زريق وحبتر (وما يكذب به إلا كل
معتد أثيم إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) وهما زريق وحبتر كانا يكذبان
رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قوله (انهم لصالوا الجحيم) هما (ثم يقال هذا الذي كنتم
به تكذبون) يعني هما ومن تبعهما (كلا ان كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك
ما عليون - إلى قوله - عينا يشرب بها المقربون) وهم رسول الله صلى الله عليه وآله
وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام (ان الذين أجرموا)
زريق وحبتر ومن تبعهما (كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم
يتغامزون) برسول الله صلى الله عليه وآله إلى آخر السورة فيهما.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (كلا ان كتاب الأبرار لفي عليين) أي
ما كتب لهم من الثواب، قال حدثني أبي عن محمد بن إسماعيل عن أبي حمزة عن
أبي جعفر عليه السلام قال إن الله خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه
وخلق أبدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوى الينا لأنها خلقت مما خلقنا منه ثم تلا
قوله: كلا ان كتاب الأبرار لفي عليين - إلى قوله - يشهده المقربون (يسقون
من رحيق مختوم ختامه مسك) قال ماء إذا شربه المؤمن وجد رائحة المسك فيه،
وقال أبو عبد الله عليه السلام: من ترك الخمر لغير الله سقاه الله من الرحيق المختوم،
قال يا بن رسول الله من ترك الخمر لغير الله؟ قال نعم والله صيانة لنفسه (وفي ذلك
فليتنافس المتنافسون) قال: فيما ذكرنا من الثواب الذي يطلبه المؤمن (ومزاجه
من تسنيم) وهو مصدر سنمه إذا رفعه، لأنه أرفع شراب أهل الجنة، أو لأنه
يأتيهم من فوق، قال: اشرف شراب أهل الجنة يأتيهم في عالي تسنيم وهي عين
يشرب بها المقربون، والمقربون آل محمد صلى الله عليه وآله يقول الله: السابقون السابقون
411

أولئك المقربون، رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وعلي بن أبي طالب وذرياتهم تلحق
بهم، يقول الله: ألحقنا بهم ذرياتهم، والمقربون يشربون من تسنيم بحتا صرفا
وسائر المؤمنين ممزوجا.
قال علي بن إبراهيم فمن ثم وصف المجرمين الذين كانوا يستهزئون بالمؤمنين
ويضحكون منهم ويتغامزون عليهم فقال (ان الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا
يضحكون - إلى قوله - فكهين) قال يسخرون (وإذا رأوهم) يعني المؤمنين
(قالوا إن هؤلاء لضالون) فقال الله (وما أرسلوا عليهم حافظين) ثم قال الله:
(فاليوم) يعني يوم القيامة (الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك
ينظرون هل ثوب الكفار) يعني هل جوزي الكفار (ما كانوا يفعلون).
سورة الانشقاق مكية
آياتها خمس وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم إذا السماء انشقت) قال: يوم القيامة (وأذنت
لربها وحقت) أي أطاعت ربها وحقت وحق لها ان تطيع ربها (وإذا الأرض
مدت وألقت ما فيها وتخلت) قال تمد الأرض فتنشق فيخرج الناس منها وتخلت
أي تخلت من الناس (يا أيها الانسان انك كادح إلى ربك كدحا) يعني تقدم
خيرا أو شرا (فملاقيه) ما قدم من خير وشر، وفي رواية أبي الجارود عن
أبي جعفر عليه السلام في قوله (فاما من أوتي كتابه بيمينه) فهو أبو سلمة عبد الله بن
عبد الأسود بن هلال المخزومي وهو من بني مخزوم (واما من أوتي كتابه وراء
ظهره) فهو الأسود بن عبد الأسود بن هلال المخزومي قتله حمزة بن عبد المطلب
يوم بدر قوله (فسوف يدعوا ثبورا) الثبور الويل (انه ظن أن لن يحور بلى)
يقول ظن أن لن يرجع بعدما يموت قوله (فلا أقسم بالشفق) والشفق الحمرة بعد
412

غروب الشمس (والليل وما وسق) يقول إذا ساق كل شئ من الخلق إلى حيث
يهلكون بها (والقمر إذا اتسق) إذا اجتمع (لتركبن طبقا عن طبق) يقول حالا
بعد حال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لتركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل
والقذة بالقذة ولا تخطئون طريقتهم شبر بشبر وذراع بذراع وباع بباع حتى أن
لو كان من قبلكم دخل جحر ضب لدخلتموه قالوا اليهود والنصارى تعني يا رسول الله؟
قال: فمن أعني لينقض عرى الاسلام عروة عروة فيكون أول ما تنقضون من
دينكم الإمامة (الأمانة خ ل) وآخره الصلاة.
حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا أحمد بن عبد الله عن ابن (أبى ط) محبوب عن جميل
ابن صالح عن زياد (بن أبي حفصة عن زرارة ط) عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " لتركبن طبقا عن طبق " قال
زرارة أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقا عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان
وقال علي بن إبراهيم في قوله (انه ظن أن لن يحور بلى) يرجع بعد الموت (فلا
أقسم بالشفق) وهو الذي يظهر بعد مغيب الشمس وهو قسم وجوابه (لتركبن
طبقا عن طبق) أي مذهبا بعد مذهب (والله أعلم بما يوعون) أي بما تعي (بغى ط)
صدورهم (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) أي لا يمن عليهم.
سورة البروج مكية
آياتها اثنتان وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم والسماء ذات البروج واليوم الموعود) أي يوم
القيامة (وشاهد ومشهود) قال الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم القيامة (قتل
أصحاب الأخدود) قال كان سببهم ان الذي هيج الحبشة على غزوة اليمن ذو نواس
وهو آخر من ملك من حمير تهود واجتمعت معه حمير على اليهودية وسمى نفسه
يوسف وأقام على ذلك حينا من الدهر، ثم اخبر ان بنجران بقايا قوم على دين
413

النصرانية وكانوا على دين عيسى وعلى حكم الإنجيل ورأس ذلك الدين عبد الله بن
بريا فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية ويدخلهم فيها، فسار
حتى قدم نجران فجمع من كان بها على دين النصرانية ثم عرض عليهم دين اليهودية
والدخول فيها فأبوا عليه، فجادلهم وعرض عليهم وحرص الحرص كله، فأبوا
عليه وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها واختاروا القتل، فخد لهم أخدودا
جمع فيه الحطب وأشعل فيه النار فمنهم من أحرق بالنار ومنهم من قتل بالسيف
ومثل بهم كل مثلة. فبلغ عدد من قتل وأحرق بالنار عشرين ألفا، وأفلت رجل
منهم يدعى دوس ذو ثعلبان على فرس له وركضه واتبعوه حتى أعجزهم في الرمل،
ورجع ذو نواس إلى ضيعته في جنوده فقال الله: (قتل أصحاب الأخدود النار
ذات الوقود - إلى قوله - عزيز الحميد) قوله (ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات)
أي أحرقوهم (ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق).
حدثنا سعد بن محمد قال: حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا عبد الغني بن
سعيد قال: أنبأنا موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس
(ان الذين آمنوا) يريد صدقوا، وآمنوا بالله عز وجل ووحدوه يريد لا إله
إلا الله (وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار) يريد ما لا عين
رأت ولا أذن سمعت (ذلك الفوز الكبير) يريد فازوا بالجنة وأمنوا العقاب
(ان بطش ربك - يا محمد - لشديد) إذا أخذ الجبابرة والظلمة من الكفار كقوله
في سورة هود ان أخذه أليم شديد (انه يبدئ ويعيد) يريد الخلق ثم أماتهم
ثم يعيدهم بعد الموت أيضا (وهو الغفور الودود) يريد لأوليائه وأهل طاعته
الودود كما يود أحدكم أخاه وصاحبه بالبشرى والمحبة، وفي رواية أبي الجارود
عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ذو العرش المجيد) فهو الله الكريم المجيد وقال علي
ابن إبراهيم في قوله (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) قال اللوح المحفوظ له
414

طرفان طرف على يمين العرش وطرف على جبهة إسرافيل، فإذا تكلم الرب جل ذكره بالوحي
ضرب اللوح جبين إسرافيل فينظر في اللوح فيوحى بما في اللوح إلى
جبرئيل عليه السلام.
سورة الطارق مكية
آياتها سبع عشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم والسماء والطارق) قال الطارق (النجم الثاقب)
وهو نجم العذاب ونجم القيامة وهو زحل في أعلى المنازل (ان كل نفس لما عليها
حافظ) قال الملائكة، حدثنا جعفر بن أحمد عن عبد الله بن موسى عن الحسين بن
علي عن ابن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله " والسماء
والطارق " قال قال السماء في هذا الموضع أمير المؤمنين عليه السلام والطارق الذي يطرق
الأئمة عليهم السلام من عند ربهم مما يحدث بالليل والنهار وهو الروح الذي مع
الأئمة عليهم السلام يسددهم، قلت: والنجم الثاقب؟ قال: ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله
قال علي بن إبراهيم في قوله: (فلينظر الانسان مم خلق خلق من ماء
دافق) قال: النطفة التي تخرج بقوة (يخرج من بين الصلب والترائب) قال:
الصلب الرجل والترائب المرأة وهي صدرها (انه على رجعه لقادر) كما خلقه من
نطفة يقدر أن يرده إلى الدنيا وإلى القيامة (يوم تبلى السرائر) قال يكشف عنها (1)

(1) ذهب إلى هذا المعنى أكثر المفسرين فحينئذ " تبلى " من بلى، يقال
بلي الثوب: رث فكما ان الثوب البالي يكشف عن الجسم كذا يوم القيامة السرائر
- أي الاعمال - تبلى فتنكشف حقيقة الانسان من تحتها، وقيل " تبلى " من
" الابلاء " وعليه يكون المعنى نختبر السرائر والمعنى الأول أولى، لان القيامة
ليست يوم الامتحان بل هي يوم المجازاة ج. ز
415

(والسماء ذات الرجع) قال: ذات المطر (1) (والأرض ذات الصدع) أي ذات
النبات وهو قسم وجوابه (انه لقول فصل) يعني ماض، أي قاطع (وما هو
بالهزل) أي ليس بالسخرية (انهم يكيدون كيدا) أي يحتالون الحيل (وأكيد
كيدا) فهو من الله العذاب (فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) قال: دعهم قليلا.
حدثنا جعفر بن أحمد بن عبيد الله بن موسى عن الحسن بن علي عن ابن
أبي حمزة عن أبي بصير في قوله (فماله من قوة ولا ناصر) قال ما له قوة يقوى
بها على خالقه ولا ناصر من الله ينصره ان أراد به سوءا، قلت: انهم يكيدون
كيدا؟ قال: كادوا رسول الله صلى الله عليه وآله وكادوا عليا عليه السلام وكادوا فاطمة عليها السلام
فقال الله: يا محمد انهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين يا محمد أمهلهم
رويدا لوقت بعث القائم (ع) فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش
وبني أمية وسائر الناس.
سورة الاعلى مكية
آياتها تسع عشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم سبح اسم ربك الاعلى) قال: قل سبحان ربي الأعلى
(الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) قال: قدر الأشياء بالتقدير
الأول ثم هدى إليها من يشاء قوله: (والذي أخرج المرعى) قال: أي النبات

(1) الرجع: المطر بعد المطر وذهب بعض المفسرين إلى حمل اللفظ على
معنى الدوران وهو بعيد بقرينة مقابلة الآية بعدها " والأرض ذات الصدع "
لترتب صدع الأرض المكنى به خروج نباتها، على المطر، مع أن دوران السماء
خلاف التحقيقات العصرية أيضا وان جاز إطلاقه مجازا. ج. ز
416

(فجعله) بعد إخراجه (غثاء أحوى) قال: يصير هشيما بعد بلوغه ويسود
(سنقرئك فلا تنسى) أي نعلمك فلا تنسى ثم استثنى فقال: (إلا ما شاء الله)
لأنه لا يؤمن النسيان اللغوي وهو الترك لان الذي لا ينسى هو الله (ونيسرك
لليسرى فذكر - يا محمد - إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى) قال: نذكرك
إياه، ثم قال (ويتجنبها) أي ما يذكر به (الأشقى الذي يصلى النار الكبرى)
قال: نار يوم القيامة (ثم لا يموت فيها ولا يحيى) يعنى في النار فيكون كما قال
الله ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت قوله: (قد أفلح من تزكى) قال
زكاة الفطرة فإذا أخرجها قبل صلاة العيد (وذكر اسم ربه فصلى) قال صلاة الفطر
والأضحى (ان هذا) يعني ما تلوته من القرآن (لفي الصحف الأولى صحف
إبراهيم وموسى) أخبرنا الحسين بن محمد (عن معلى بن محمد ط) عن بسطام بن مرة عن إسحاق بن
حسان عن الهيثم بن واقد عن علي بن الحسين العبدي عن سعد الإسكافي عن
الأصبغ انه سأل أمير المؤمنين (ع) عن قول الله عز وجل: سبح اسم ربك
الاعلى، فقال: مكتوب على قائمة العرش قبل أن يخلق الله السماوات والأرضين
بألفي عام " لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله فاشهدوا بهما
وان عليا وصي محمد صلى الله عليه وآله ".
حدثنا سعيد بن محمد قال: حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا عبد الغني
ابن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس في قوله:
(انه يعلم الجهر وما يخفى) يريد ما يكون إلى يوم القيامة في قلبك ونفسك
(ونيسرك) يا محمد في جميع أمورك (لليسرى).
417

سورة الغاشية مكية
آياتها ست وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم هل أتاك حديث الغاشية) يعني قد أتاك يا محمد
حديث القيامة ومعنى الغاشية اي تغشى الناس (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة)
وهم الذين خالفوا دين الله وصلوا وصاموا ونصبوا لأمير المؤمنين عليه السلام وهو قوله
" عاملة ناصبة " عملوا ونصبوا فلا يقبل منهم شئ من أفعالهم (تصلى) وجوههم
(نارا حامية تسقى من عين آنية) قال لها أنين من شدة حرها (ليس لهم طعام إلا
من ضريع) قال عرق أهل النار وما يخرج من فروج الزواني (لا يسمن ولا يغنى
من جوع) ثم ذكر اتباع أمير المؤمنين عليه السلام فقال (وجوه يومئذ ناعمة لسعيها
راضية) ترضى بما سعوا فيه (في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية) قال: الهزل
والكذب، حدثنا سعيد بن محمد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريح عن
عطا عن ابن عباس في قوله (فيها سرر مرفوعة) ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد
والدر والياقوت تجري من تحتها الأنهار (وأكواب موضوعة) يريد الأباريق
التي ليس لها آذان.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (ونمارق مصفوفة) قال البسط والوسائد
(وزرابي مبثوثة) قال كل شئ خلقه الله في الجنة له مثال في الدنيا إلا الزرابي
فإنه لا يدرى ما هي، ورجع إلى رواية عطا عن ابن عباس في قوله (أفلا ينظرون
إلى الإبل كيف خلقت) يريد الانعام قوله (وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال
كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) يقول الله عز وجل أيقدر أحد أن
يخلق مثل الإبل ويرفع مثل السماء وينصب مثل الجبال ويسطح مثل الأرض غيري؟
أو يفعل مثل هذا الفعل أحد سواي؟ قوله (فذكر إنما أنت مذكر) اي فعظ
418

يا محمد إنما أنت واعظ.
قال علي بن إبراهيم في قوله (لست عليهم بمسيطر) قال لست بحافظ ولا
كاتب عليهم، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (إلا من تولى
وكفر) يريد من لم يتعظ ولم يصدقك وجحد ربوبيتي وكفر نعمتي (فيعذبه
الله العذاب الأكبر) يريد الغليظ الشديد الدائم (ان الينا إيابهم) يريد مصيرهم
(ثم إن علينا حسابهم) يريد جزاءهم وقال علي بن إبراهيم في قوله: إن الينا
إيابهم أي مرجعهم ثم إن علينا حسابهم، حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا
عبد الكريم بن عبد الرحيم قال: حدثنا محمد بن علي بن محمد بن الفضيل عن
أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من خالفكم وان تعبد واجتهد
منسوب إلى هذه الآية " وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ".
سورة الفجر مكية
آياتها ثلاثون
(بسم الله الرحمن الرحيم والفجر) قال: ليس فيها واو إنما هو الفجر
(وليال عشر) قال: عشر ذي الحجة (والشفع) قال الشفع ركعتان (والوتر)
ركعة، وفي حديث آخر قال: الشفع الحسن والحسين والوتر أمير المؤمنين عليه السلام
ثم قال (هل في ذلك قسم لذي حجر) يقول الذي له عقل (والليل إذا يسر)
قال هي ليلة جمع (1).
قال علي بن إبراهيم ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله: (ألم تر) أي ألم تعلم (كيف

(1) وهي ليلة المزدلفة لاختصاصها باجتماع الناس فيها وفيها يفيض الحاج
من عرفات إلى المزدلفة. ج. ز
419

فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد) ثم مات عاد وأهلكه
الله وقومه بالريح الصرصر (1) وقوله (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد) حفروا
الجوية (2) في الجبال (وفرعون ذي الأوتاد) عمل الأوتاد التي أراد ان يصعد
بها إلى السماء قوله (إن ربك لبالمرصاد) اي قائم حافظ على كل ظالم قوله (فأما
الانسان إذا ما ابتلاه ربه) أي امتحنة بالنعمة (فيقول ربي اكرمن وما إذا
ما ابتلاه) أي امتحنه (فقدر عليه رزقه) أي افقره (فيقول ربي اهانن) وقال
الله (كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين) اي لا تدعوهم
وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم واكلوا أموال اليتامى وفقراءهم وأبناء سبيلهم ثم
قال (وتأكلون التراث أكلا لما) اي وحدكم (وتحبون المال حبا جما) تكنزونه
ولا تنفقونه في سبيل الله، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
(كلا إذا دكت الأرض دكا دكا) قال هي الزلزلة، قال ابن عباس فتت فتا.

(1) نقل انهم كانوا يسلخون العمد من الجبال فيجعلون طول العمد مثل طول
الجبل الذي يسلخون من أسفله إلى أعلاه ثم ينقلون تلك العمد فينصبونها ثم
يبنون القصور فوقها فسميت ذات العماد، وقيل أهل عمد لأنهم كانوا بدويين
أهل خيام.
و " عاد " اسم رجل من العرب الأولى وبه سميت قبيلة قوم هود النبي،
وعاد الأولى قوم هود وعاد الأخرى إرم، وعاد هو ابن عوص بن سام بن نوح عليه السلام
واختلف في " إرم " على أقوال فقيل إنه اسم بلد ثم قيل هو دمشق وقيل
هي الإسكندرية وقيل هي مدينة بناها عاد بن شداد فلما أتمها أهلكه الله بصيحة
وقيل إنه ليس بقبيلة ولا بلد بل هو لقد لعاد، وكان يعرف به.
(2) الجوية: الحفرة المستديرة الواسعة. مجمع ج. ز
420

وقال علي بن إبراهيم قي قوله: (وجاء ربك والملك صفا صفا) قال اسم
الملك واحد ومعناه جمع (وجآئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وانى له
الذكرى) قال حدثني أبي عن عمرو بن عثمان عن (جابر عن ط) أبي جعفر عليه السلام قال: لما نزلت
هذه الآية سئل رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال بذلك أخبرني الروح الأمين ان الله
لا إله غيره إذا ابرز الخلائق وجمع الأولين والآخرين اتي بجهنم تقاد بألف زمام
مع كل زمام مائة الف ملك من الغلاظ الشداد، لها هدة وغضب وزفير وشهيق
وانها لتزفر الزفرة فلولا ان الله أخرهم للحساب لأهلكت الجميع. ثم يخرج منها
عنق فيحيط بالخلائق البر منهم والفاجر فما خلق الله عبدا من عباد الله ملكا ولا
نبيا إلا ينادي نفسي نفسي وأنت يا نبي الله تنادي أمتي أمتي
ثم يوضع عليها الصراط أدق من حد السيف، عليها ثلاث قناطر فاما واحدة
فعليها الأمانة والرحم، والثانية فعليها الصلاة، واما الثالثة فعليها عدل رب العالمين (1)
لا إله غيره فيكلفون بالممر عليها فيحبسهم الرحم والأمانة فان نجوا منهما حبستهم الصلاة فان نجوا منها كان المنتهى
إلى رب العالمين وهو قوله: ان ربك لبالمرصاد، والناس على الصراط فمتعلق بيد
وتزول قدم ومستمسك بقدم والملائكة حولها ينادون يا حليم اعف واصفح وعد (2)
بفضلك وسلم وسلم، والناس يتهافتون في النار كالفراش فيها فإذا نجا ناج برحمة الله
مر بها فقال الحمد لله وبنعمته تتم الصالحات وتزكو الحسنات والحمد لله الذي نجاني
منك بعد اليأس بمنه وفضله ان ربنا لغفور شكور.
قوله (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) قال هو فلان

(1) أي هي تحت رقابته تعالى.
(2) وعدت الأرض رجا خيرها. وأيضا وعد فلانا بالامر: قال له انه
يجريه له أو ينيله إياه. ج. ز
421

قوله (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) قال إذا حضر
المؤمن الوفاة نادى مناد من عند الله يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي بولاية علي
مرضية بالثواب (فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) فلا يكون له همة إلا
اللحوق بالنداء.
حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن موسى عن الحسن بن علي
ابن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: يا أيتها النفس
المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي يعني
الحسين بن علي عليهما السلام.
سورة البلد مكية
آياتها عشرون
بسم الله الرحمن الرحيم لا أقسم بهذا البلد) والبلد مكة (وأنت حل بهذا
البلد) قال: كانت قريش لا يستحلون ان يظلموا أحدا في هذا البلد ويستحلون
ظلمك فيه (ووالد وما ولد) قال آدم وما ولد من الأنبياء والأوصياء (لقد خلقنا
الانسان في كبد) اي منتصبا ولم يخلق مثله شئ (يقول أهلكت مالا لبدا) قال اللبد
المجتمع، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: يقول أهلكت
مالا لبدا قال: هو عمرو بن عبد ود حين عرض عليه علي بن أبي طالب الاسلام
يوم الخندق وقال: فأين ما أنفقت فيكم مالا لبدا؟ وكان انفق مالا في الصد
عن سبيل الله فقتله علي عليه السلام.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (وهديناه النجدين) قال: بينا له طريق
الخير والشر قوله: (فلا اقتحم العقبة وما ادراك ما العقبة) قال العقبة الأئمة
من صعدها فك رقبته من النار (أو مسكينا ذا متربة) قال: لا يقيه من التراب
422

شئ قوله: (أصحاب الميمنة) قال: أصحاب أمير المؤمنين (والذين كفروا
بآياتنا) قال: الذين خالفوا أمير المؤمنين عليه السلام (هم أصحاب المشئمة) وقال المشئمة
أعداء آل محمد عليهم السلام (عليهم نار مؤصدة) اي مطبقة.
أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد
عن إسماعيل بن عباد عن الحسين بن أبي يعقوب عن بعض أصحابه عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله: (أيحسب أن لن يقدر عليه أحد) يعني يقتل في قتله بنت النبي
صلى الله عليه وآله (يقول أهلكت مالا لبدا) يعني الذي جهز به النبي صلى الله عليه وآله في جيش
العشيرة (العسرة ط) (أيحسب أن لم يره أحد) قال: فساد كان في نفسه (ألم نجعل له عينين)
يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (ولسانا) يعنى أمير المؤمنين (ع) (وشفتين) يعني الحسن
والحسين عليهما السلام (وهديناه النجدين) إلى ولايتهما (فلا اقتحم العقبة وما
أدراك ما العقبة) يقول ما أعلمك وكل شئ في القرآن ما أدراك ما فهو ما أعلمك
(ويتيما ذا مقربة) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله والمقربة قرباه (أو مسكينا
ذا متربة) يعني أمير المؤمنين (ع) متربا بالعلم حدثنا جعفر بن أحمد قال:
حدثنا عبد الله بن موسى عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير
عن أبي عبد الله (ع) في قوله: (فك رقبة) قال: بنا تفك الرقاب وبمعرفتنا ونحن
المطعمون في يوم الجوع وهو المسبغة.
حدثنا سعيد بن محمد قال: حدثنا بكر بن سهل عن عبد الغني عن موسى
ابن عبد الرحمن عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس في قوله (وتواصوا بالصبر)
على فرائض الله عز وجل (وتواصوا بالمرحمة) فيما بينهم ولا يقبل هذا إلا من مؤمن.
423

سورة الشمس مكية
آياتها خمس عشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم والشمس وضحاها) قال: أخبرني أبي عن سليمان
الديلمي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل
والشمس وضحاها، قال: الشمس رسول الله صلى الله عليه وآله أوضح الله به للناس دينهم
قلت: (والقمر إذا تلاها) قال ذلك أمير المؤمنين (ع) قلت: (والليل إذا
يغشاها) قال: ذلك أئمة الجور الذين استبدوا للامر دون آل رسول الله صلى الله عليه وآله
وجلسوا مجلسا كان آل رسول الله صلى الله عليه وآله أولى به منهم، فغشوا دين رسول الله
صلى الله عليه وآله بالظلم والجور وهو قوله: والليل إذا يغشاها، قال: يغشى ظلمهم ضوء
النهار، قلت: (والنهار إذا جلاها) قال: ذلك الامام من ذرية فاطمة عليها السلام
يسئل عن دين رسول الله فيجلى لمن يسأله، فحكى الله قوله: والنهار إذا جلاها
وقوله: (ونفس وما سواها) قال: خلقها وصورها وقوله: (فألهمها فجورها
وتقواها) أي عرفها وألهمها ثم خيرها فاختارت (قد أفلح من زكاها) يعنى
نفسه طهرها (وقد خاب من دساها) أي أغواها.
قال: حدثنا محمد بن القاسم بن عبيد الله قال: حدثنا الحسن بن جعفر قال
حدثنا عثمان بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن عبيد الفارسي قال: حدثنا محمد
ابن علي عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (قد أفلح من زكاها) قال أمير المؤمنين
عليه السلام زكاه ربه (وقد خاب من دساها) قال هو زريق وحبتر في بيعتهما إياه حيث مسحا
على كفه، وعن أبي جعفر (ع) في قوله (كذبت ثمود بطغواها) يقول الطغيان
حملها على التكذيب، وقال علي بن إبراهيم في قوله: (كذبت ثمود بطغواها
إذا انبعث أشقاها) قال: الذي عقر الناقة قوله: (فدمدم عليهم ربهم بذنبهم)
424

قال: أخذهم بغتة وغفلة بالليل (ولا يخاف عقباها) قال: من بعد هؤلاء الذين
أهلكناهم لا يخافون.
سورة الليل مكية
آياتها احدى وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم والليل إذا يغشى) قال: حين يغشى النهار وهو
قسم (والنهار إذا تجلى) إذا أضاء وأبرق (وما خلق الذكر والأنثى) وإنما يعني
والذي خلق الذكر والأنثى وجواب القسم (إن سعيكم لشتى) قال منكم من يسعى
في الخير ومن منكم من يسعى في الشر.
أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدثنا محمد بن عبد الجبار عن ابن أبي عمير
عن حماد بن عثمان عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل
(والليل إذا يغشى) قال الليل في هذا الموضع فلان غشي أمير المؤمنين في دولته
التي جرت له عليه وأمير المؤمنين عليه السلام يصبر في دولتهم حتى تنقضي، قال:
(والنهار إذا تجلى) قال النهار هو القائم عليه السلام منا أهل البيت، إذا قام غلب دولته
الباطل والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس وخاطب الله نبيه به ونحن، فليس يعلمه غيرنا
وقال علي بن إبراهيم في قوله تعالى (فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى
فسنيسره لليسرى) قال: نزلت في رجل من الأنصار (1) كانت له نخلة في دار
رجل آخر وكان يدخل عليه بغير إذن فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله لصاحب النخلة بعني نخلتك هذه بنخلة في الجنة فقال لا افعل
فقال: فبعها بحديقة في الجنة فقال: لا افعل وانصرف فمضى إليه ابن (أبى ط) الدحداح

(1) وهو سمرة بن جندب. ج. ز
425

واشتراها منه وأتى ابن الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا رسول الله خذها
واجعل لي في الجنة الحديقة التي قلت لهذا فلم يقبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لك
في الجنة حدائق وحدائق فأنزل في ذلك: فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى،
يعني ابن الدحداح (وما يغني عنه ماله إذا تردى) يعني إذا مات (ان علينا
للهدى) قال علينا ان نبين لهم (فأنذرتكم نارا تلظى) أي تتلهب عليهم (لا يصلاها
إلا الأشقى الذي كذب وتولى) يعني هذا الذي بخل على رسول الله صلى الله عليه وآله
(وسيجنبها الأتقى الذي) قال ابن الدحداح، قال الله تعالى: (وما لاحد عنده
من نعمة تجزى) قال: ليس لأحد عند الله يدعي ربه بما فعله لنفسه وان جازاه
فبفضله يفعل وهو قوله (إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى ولسوف يرضى) عن
أمير المؤمنين عليه السلام (ويرضى عنه ط)، حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا يحيى بن زكريا عن علي بن
حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (فأنذرتكم نارا
تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى) قال: في جهنم واد فيه نار
لا يصلاها إلا الأشقى (أي فلان ط) الذي كذب رسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام وتولى عن
ولايته ثم قال عليه السلام: النيران بعضها دون بعض فما كان من نار هذا الوادي فللنصاب
أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدثنا محمد بن أحمد (أحمد بن محمد ط) عن الحسين بن سعيد
عن محمد بن الحصيني عن خالد بن يزيد عن عبد الأعلى عن أبي الخطاب عن
أبي عبد الله (ع) في قوله (فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى) قال: بالولاية
(فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى) فقال: بالولاية
(فسنيسره للعسرى).
426

سورة الضحى مكية
آياتها احدى عشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم والضحى) قال: الضحى إذا ارتفعت الشمس
(والليل إذا سجى) قال: إذا أظلم وقوله (ما ودعك ربك وما قلى) أي لم
يبغضك يصف فضله عليه قوله (وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك
ربك فترضى) حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن موسى بن الحسن
ابن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في قوله:
وللآخرة خير لك من الأولى قال: يعني الكرة (1) هي الآخرة للنبي صلى الله عليه وآله
قلت قوله (ولسوف يعطيك ربك فترضى) قال: يعطيك من الجنة فترضى.
حدثنا علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن خالد بن يزيد
عن أبي الهيثم الواسطي عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام في قول الله: (ألم
يجدك يتيما فآوى) فأوى إليك الناس (ووجدك ضالا فهدى) أي هدى إليك
قوما لا يعرفونك حتى عرفوك (ووجدك عائلا فأغنى) اي وجدك تعول أقواما
فأغناهم بعلمك.
قال علي بن إبراهيم ثم قال: (ألم يجدك يتيما فآوى)، قال: اليتيم الذي
لا مثل له ولذلك سميت الدرة اليتيمة لأنه لا مثل لها (ووجدك عائلا فأغنى) بالوحي
فلا تسأل عن شئ أحدا (ووجدك ضالا فهدى) قال: وجدك في قوم لا يعرفون
فضل بنوتك فهداهم الله بك (فأما اليتيم فلا تقهر) اي لا تظلم والمخاطبة للنبي
والمعنى للناس (وأما السائل فلا تنهر) اي لا تطرد قوله (وأما بنعمة ربك فحدث)

(1) أي الرجعة. ج. ز
427

قال: بما انزل الله عليك وأمرك به من الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية
وبما فضلك الله به، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله:
(ما ودعك ربك وما قلى) وذلك أن جبرئيل أبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وانه
كانت أول سورة نزلت: إقرأ باسم ربك الذي خلق ثم أبطأ عليه، فقالت
خديجة لعل ربك قد تركك فلا يرسل إليك فأنزل الله تبارك وتعالى: ما ودعك
ربك وما قلى.
سورة الانشراح مكية
وهي ثمان آية
(بسم الله الرحمن الرحيم ألم نشرح لك صدرك) قال: بعلي فجعلناه وصيك
قال: وحين فتح مكة ودخلت قريش في الاسلام شرح الله صدره ويسره (ووضعنا
عنك وزرك) قال بعلي الحرب (الذي أنقض ظهرك) اي أثقل ظهرك (ورفعنا
لك ذكرك) قال تذكر إذا ذكرت، وهو قول الناس: أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال (إن مع العسر يسرا) قال ما كنت
فيه من العسر أتاك اليسر (فإذا فرغت فانصب) قال إذا فرغت من حجة الوداع
فانصب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) (1) (وإلى ربك فارغب) قال:

(1) قال في الصافي: المستفاد من هذه الأخبار انه بكسر الصاد من النصب
بالتسكين بمعنى الرفع والوضع، يعني إذا فرغت من امر تبليغ الرسالة وما يجب
عليك إنهاؤه من الشرائع والاحكام فانصب علمك (بفتح اللام) اي ارفع علم
هدايتك للناس وضع من يقوم خلافتك موضعك حتى يكون قائما مقامك من
بعدك لئلا ينقطع الهداية والرسالة بين الله وبين عباده، بل يكون ذلك
مستمرا بقيام إمام مقام إمام ابدا إلى يوم القيامة.
قال الزمخشري في كشافه: ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة انه قرأ
فانصب بكسر الصاد، اي فانصب عليا للإمامة، قال: ولو صح هذا لصح للناصبي
ان يقرأ هكذا (اي بفتح الصاد) ويجعله امرا بالنصب الذي هو بغض علي
وعداوته، أقول: نصب الإمام والخليفة بعد تبليغ الرسالة والفراغ من العبادة
امر معقول بل واجب لئلا يكون الناس بعده في حيرة وضلالة فيصح ان يترتب
عليه واما بغض علي عليه السلام وعداوته فما وجه ترتبه على تبليغ الرسالة أو العبادة
وما وجه معقوليته؟ على أن كتب العامة مشحونة بذكر محبة النبي صلى الله عليه وآله لعلي
عليه السلام وان حبه إيمان وبغضه كفر ونفاق.
فانظر إلى هذا " جار الله " كيف جار عن الله وحاد عن طريق الخير والسداد
في عصبية وعناد. ج. ز
428

حدثنا محمد بن جعفر عن يحيى بن زكريا عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن
كثير عن أبي عبد الله (ع) فإذا فرغت من نبوتك فانصب عليا (ع) وإلى ربك
فارغب في ذلك.
سورة التين مكية
وهي ثمان آية
(بسم الله الرحمن الرحيم والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين)
قال: التين رسول الله صلى الله عليه وآله والزيتون أمير المؤمنين (ع) وطور سينين الحسن
والحسين عليهما السلام والبلد الأمين الأئمة (ع) (لقد خلقنا الانسان في أحسن
تقويم قال: نزلت في زريق (ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا
429

الصالحات) قال: ذلك أمير المؤمنين (ع) (فلهم أجر غير ممنون) اي لا يمن
عليهم به ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (فما يكذبك بعد بالدين) قال: ذلك أمير المؤمنين
عليه السلام (أليس الله بأحكم الحاكمين). (قال بأمير المؤمنين ط)
سورة العلق مكية
آياتها تسع عشرة
(بسم الله الرحمن الرحيم إقرأ باسم ربك الذي خلق) حدثنا أحمد بن محمد
الشيباني قال: حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا إسحاق بن محمد قال: حدثنا
محمد بن علي قال: حدثنا عثمان بن يوسف عن عبد الله بن كيسان عن أبي جعفر
عليه السلام قال: نزل جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد إقرأ قال وما أقرأ؟
قال إقرأ باسم ربك الذي خلق يعني خلق نورك الأقدم قبل الأشياء خلق الانسان
من علق يعني خلقك من نطفة (علقة ط) وشق منك عليا (إقرأ وربك الأكرم الذي علم
بالقلم) يعني علم علي بن أبي طالب (علم الانسان ما لم يعلم) يعني علم عليا ما لم يعلم
قبل ذلك.
قال علي بن إبراهيم في قوله: اقرأ باسم ربك قال: اقرأ باسم الرحمن
الرحيم، الذي خلق خلق الانسان من علق، قال من دم، اقرأ وربك الأكرم
الذي علم بالقلم، قال علم الانسان الكتابة التي بها تتم أمور الدنيا في مشارق
الأرض ومغاربها ثم قال: (كلا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى) قال: إن
الانسان إذا استغنى يكفر ويطغى وينكر (ان إلى ربك الرجعى) قوله (أرأيت الذي
ينهى عبدا إذا صلى) كان الوليد بن المغيرة ينهى الناس عن الصلاة وان يطاع
الله ورسوله فقال أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى قال الله تعالى: (أرأيت ان
كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى) ثم قال (كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية)
430

أي لنأخذنه بالناصية فنلقيه في النار قوله (فليدع ناديه) قال لما مات أبو طالب
عليه السلام فنادى أبو جهل والوليد عليهما لعائن الله هلموا فاقتلوا محمدا فقد مات الذي
كان ناصر، فقال الله (فليدع ناديه سندع الزبانية) قال: كما دعا إلى قتل محمد
رسول الله صلى الله عليه وآله نحن أيضا ندع الزبانية ثم قال (كلا لا تطعه واسجد واقترب) (1)
أي لا يطيعون لما دعاهم إليه لان رسول الله صلى الله عليه وآله اجاره مطعم بن عدي بن نوفل
ابن عبد مناف ولم يجسر عليه أحد.
سورة القدر مكية *
آياتها خمس
(بسم الله الرحمن الرحيم إنا أنزلناه في ليلة القدر) فهو القرآن انزل إلى
البيت المعمور في ليلة القدر جملة واحدة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله في طول ثلاث وعشرين سنة (وما
أدراك ما ليلة القدر) ومعنى ليلة القدر ان الله يقدر فيها الآجال والأرزاق وكل
أمر يحدث من موت أو حياة أو خصب أو جدب أو خير أو شر كما قال الله فيها
يفرق كل أمر حكيم إلى سنة قوله (تنزل الملائكة والروح فيها) قال تنزل الملائكة
وروح القدس على إمام الزمان ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأمور قوله
(ليلة القدر خير من ألف شهر) قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله في نومه كأن
قرودا تصعد منبره فغمه ذلك فأنزل الله " إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك
ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر " تملكه بنو أمية ليس فيها ليلة قدر (2)
قوله: (من كل أمر سلام) قال: تحية يحيى بها الامام إلى أن يطلع الفجر قيل

(1) هنا سجدة واجبة.
(2) وكذا ورد في تفسير الدر المنثور فراجع 6 / 371 ط مصر. ج. ز
* وفى ط انها مدنية. ج. ز
431

لأبي جعفر عليه السلام تعرفون ليلة القدر؟ فقال وكيف لا نعرف ليلة القدر والملائكة
يطوفون بنا فيها.
سورة البينة مدنية
آياتها ثمان
(بسم الله الرحمن الرحيم لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين)
يعني قريشا (منفكين) قال: هم في كفرهم (حتى تأتيهم البينة) وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: البينة محمد رسول الله، وقال علي بن إبراهيم
في قوله (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعدما جاءتهم البينة) قال لما جاءهم
رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرآن خالفوه وتفرقوا بعده (حنفاء) قال طاهرين (وذلك
دين القيمة) أي دين قيم قوله (ان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في
نار جهنم خالدين) قال انزل الله عليهم القرآن فارتدوا فكفروا وعصوا أمير المؤمنين
عليه السلام (أولئك هم شر البرية) قوله (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك
هم خير البرية) قال نزلت في آل محمد صلى الله عليه وآله.
حدثنا سعيد بن محمد قال: حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا عبد الغنى بن
سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن مزاحم عن
ابن عباس في قوله: أولئك هم خير البرية، يريد به خير الخلق (جزاؤهم عند ربهم
جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ابدا) لا يصفه الواصفون
(رضي الله عنهم) يريد رضي اعمالهم (ورضوا عنه) رضوا بثواب الله (ذلك
لمن خشي ربه) يريد من خاف ربه وتناهى عن معاصي الله تعالى.
432

سورة الزلزال مدنية
آياتها ثمان
(بسم الله الرحمن الرحيم إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض
أثقالها) قال من الناس (وقال الانسان مالها) قال ذلك أمير المؤمنين عليه السلام (1)
(يومئذ تحدث أخبارها - إلى قوله - أشتاتا) قال يحيون اشتاتا مؤمنين وكافرين
ومنافقين (ليروا أعمالهم) قال يقفوا على ما فعلوه ثم قال (فمن يعمل مثقال ذرة
خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وهو رد على المجبرة الذين يزعمون أنه
لا فعل لهم، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله فمن يعمل مثقال
ذرة خيرا يره يقول إن كان من أهل النار وكان قد عمل في الدنيا مثقال ذرة

(1) في الصافي عن فاطمة عليها السلام قالت: أصاب الناس زلزلة على عهد
أبي بكر ففزع الناس إلى أبي بكر وعمر فوجدوهما قد خرجا فزعين إلى علي عليه السلام
فتبعهما الناس إلى أن انتهوا إلى باب علي عليه الله، فخرج إليهم غير مكترث لما هم فيه
فمضى واتبعه الناس حتى انتهوا إلى تلعة فقعد عليها وقعدوا حوله وهم ينظرون
إلى حيطان المدينة ترتج جائية وذاهبة، فقال لهم علي عليه السلام: كأنكم قد هالكم
ما ترون؟ قالوا أو كيف لا يهولنا ولم نر مثلها قط، فحرك شفتيه ثم ضرب الأرض
بيده الشريفة ثم قال مالك اسكني! فسكنت بإذن الله فتعجبوا من ذلك أكثر
من تعجبهم الأول حيث خرج إليهم: قال لهم فإنكم قد عجبتم من صنعي؟ قالوا:
نعم قال: أنا الرجل الذي قال الله: إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض
أثقالها وقال الانسان مالها، فأنا الانسان الذي يقول لها مالك؟ يومئذ تحدث
أخبارها، إياي تحدث. ج. ز
433

خيرا يره يوم القيامة حسرة انه كان عمله لغير الله، ومن يعمل مثقال ذرة شرا
يره يقول إذا كان من أهل الجنة رأى ذلك الشر يوم القيامة ثم غفر الله تعالى له.
سورة العاديات مكية (1)
(بسم الله الرحمن الرحيم والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا)
حدثنا جعفر بن أحمد عن عبد الله بن موسى قال: حدثنا الحسن بن علي بن
أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: والعاديات ضبحا
فالموريات قدحا، قال هذه السورة نزلت في أهل وادي اليابس قال قلت وما كان
حالهم وقصتهم؟ قال إن أهل وادي اليابس اجتمعوا اثني عشر الف فارس وتعاقدوا
وتعاهدوا وتواثقوا على أن لا يتخلف رجل عن رجل ولا يخذل أحد أحدا
ولا يفر رجل عن صاحبه حتى يموتوا كلهم على حلف واحد أو يقتلوا محمد صلى الله عليه وآله
وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فنزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وأخبره بقصتهم
وما تعاقدوا عليه وتواثقوا وأمره ان يبعث فلانا إليهم في أربعة آلاف فارس
من المهاجرين والأنصار، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
" يا معشر المهاجرين والأنصار ان جبرئيل أخبرني ان أهل وادي اليابس
اثني عشر الف فارس قد استعدوا وتعاقدوا وتعاهدوا ان لا يغدر رجل لصاحبه
ولا يفر عنه ولا يخذله حتى يقتلوني وأخي علي بن أبي طالب وقد أمرني ان أسير
إليهم فلانا في أربعة آلاف فارس فخذوا في أمركم واستعدوا لعدوكم وانهضوا
إليهم على اسم الله وبركته يوم الاثنين إن شاء الله تعالى " فأخذ المسلمون عدتهم
وتهيئوا وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فلانا بأمره وكان فيما أمره به انه إذا رآهم ان
يعرض عليهم السلام فان تابعوه وإلا واقعهم فيقتل مقاتليهم ويسبي ذراريهم

(1) وعن الآلوسي انها مدنية روح المعاني ص 214. ج. ز
434

ويستبيح أموالهم ويخرب ضياعهم وديارهم، فمضى فلان ومن معه من المهاجرين
والأنصار في أحسن عدة وأحسن هيئة يسير بهم سيرا رفيقا حتى انتهوا إلى أهل
وادي اليابس، فلما بلغ القوم نزول القوم عليهم ونزل فلان وأصحابه قريبا
منهم، خرج إليهم من أهل وادي اليابس مائتا رجل مدججين بالسلاح، فلما
صادفوهم قالوا لهم: من أنتم ومن أين أقبلتم وأين تريدون؟ ليخرج الينا صاحبكم
حتى نكلمه.
فخرج إليهم فلان في نفر من أصحابه المسلمين فقال لهم: أنا فلان صاحب
رسول الله، قالوا ما أقدمك علينا؟ قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن اعرض عليكم
الاسلام فان تدخلوا فيما دخل فيه المسلمون لكم مالهم وعليكم ما عليهم وإلا فالحرب
بيننا وبينكم، قالوا له: أما واللات والعزى لولا رحم بيننا وقرابة قريبة لقتلناك
وجميع أصحابك قتلة تكون حديثا لمن يكون بعدكم فارجع أنت ومن معك
واربحوا العافية فانا إنما نريد صاحبكم بعينه واخاه علي بن أبي طالب (ع).
فقال فلان لأصحابه: يا قوم! القوم أكثر منكم أضعافا وأعد منكم وقد
ناءت داركم عن اخوانكم من المسلمين فارجعوا نعلم رسول الله صلى الله عليه وآله بحال القوم،
فقالوا له جميعا خالفت يا فلان قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أمرك به فاتق الله وواقع
القوم ولا تخالف رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال إني اعلم مالا تعلمون الشاهد يرى
مالا يرى الغائب فانصرب وانصرف الناس أجمعون، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله
بمقالة القوم وما رد عليهم فلان فقال رسول الله: صلى الله عليه وآله يا فلان خالفت أمري
ولم تفعل ما أمرتك وكنت لي والله عاصيا فيما أمرتك فقام النبي صلى الله عليه وآله وصعد
المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال: يا معشر المسلمين اني أمرت فلانا ان يسير إلى
أهل وادي اليابس وان يعرض عليهم السلام ويدعوهم إلى الله فان أجابوه وإلا
واقعهم وانه سار إليهم وخرج إليه منهم مائتا رجل فإذا سمع كلامهم وما استقبلوه
435

به انتفخ صدره ودخله الرعب منهم وترك قولي ولم يطع أمري، وان جبرئيل
امرني عن الله ان أبعث إليهم فلانا مكانه في أصحابه في أربعة آلاف فارس فسر
يا فلانا على اسم الله ولا تعمل كما عمل أخوك فإنه قد عصى الله وعصاني وأمره
بما امر به الأول فخرج وخرج معه المهاجرون والأنصار الذين كانوا مع الأول
يقتصد بهم في سيرهم حتى شارف القوم وكان قريبا منهم بحيث يراهم ويرونه،
وخرج إليهم مائتا رجل فقالوا له ولأصحابه مثل مقالتهم للأول فانصرف وانصرف
الناس معه وكاد ان يطير قلبه مما رأى من عدة القوم وجمعهم ورجع يهرب منهم.
فنزل جبرئيل (ع) فأخبر محمدا صلى الله عليه وآله بما صنع هذا وانه قد انصرف
وانصرف المسلمون معه، فصعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأخبر
بما صنع هذا وما كان منه وانه قد انصرف وانصرف المسلمون معه مخالفا لامري
عاصيا لقولي، فقدم عليه فأخبره مثل ما اخبره به صاحبه فقال له يا فلان عصيت
الله في عرشه وعصيتني وخالفت قولي وعملت برأيك ألا قبح الله رأيك وان
جبرئيل (ع) قد أمرني ان أبعث علي بن أبي طالب في هؤلاء المسلمين واخبرني
ان الله يفتح عليه وعلى أصحابه، فدعا عليا (ع) وأوصاه بما أوصى به الأول
والثاني وأصحابه الأربعة آلاف فارس وأخبره ان الله سيفتح عليه وعلى أصحابه.
فخرج علي (ع) ومعه المهاجرون والأنصار فسار بهم سيرا غير سير فلان
وفلان وذلك أنه أعنف بهم في السير حتى خافوا ان ينقطعوا من التعب وتحفى (1)
دوابهم فقال لهم: لا تخافوا فان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمرني بأمر وأخبرني ان
الله سيفتح على وعليكم فأبشروا فإنكم على خير وإلى خير، فطابت نفوسهم وقلوبهم
وساروا على ذلك السير والتعب حتى إذا كانوا قريبا منهم حيث يرونهم ويراهم

(1) حفي الفرس: انقشر حافره من كثر السير. ج. ز
436

امر أصحابه ان ينزلوا وسمع أهل وادي اليابس بقدوم علي بن أبي طالب وأصحابه
فخرجوا إليه منهم مائتا رجل شاكين بالسلاح، فلما رآهم علي عليه السلام خرج إليهم في
نفر من أصحابه فقالوا له من أنتم ومن أين أنتم ومن أين أقبلتم وأين تريدون؟
قال: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأخوه ورسوله إليكم،
أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ولكم ان آمنتم
ما للمسلمين وعليكم ما عليهم من خير وشر، فقالوا له إياك أردنا وأنت طلبتنا قد
سمعنا مقالتك وما عرضت علينا هذا مالا يوافقنا فخذ حذرك واستعد للحرب العوان (1) واعلم إنا
قاتلوك وقاتلوا أصحابك والموعد فيما بيننا وبينك غدا ضحوة، وقد أعذرنا
فيما بيننا وبينكم.
فقال لهم علي عليه السلام: ويلكم! تهددوني بكثرتكم وجمعكم! فأنا أستعين بالله
وملائكته والمسلمين عليكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فانصرفوا إلى
مراكزهم وانصرف علي عليه السلام إلى مركزه فلما جنه الليل أمر أصحابه ان يحسنوا
إلى دوابهم ويقضموا ويسرجوا (2)
فلما انشق عمود الصبح صلى بالناس بغلس (3) ثم أغار عليهم بأصحابه فلم
يعلموا حتى وطأتهم الخيل فيما أدرك آخر أصحابه حتى قتل مقاتليهم وسبي ذراريهم
واستباح أموالهم وخرب ديارهم وأقبل بالأسارى والأموال معه ونزل جبرئيل

(1) الحرب العوان: الحرب التي قوتل فيها مرة بعد أخرى.
(2) القضم: الاكل بأطراف الأسنان شيئا يابسا، والمعنى ان يقضوا
ليلهم في رعاية الدواب وأكل الطعام اليابس ليكون له صوت عند الاكل لكي
لا يهجم عليهم العدو غيلة. ويسرجوا اي يسرجوا السراج.
(3) الغلس بالتحريك: ظلمة آخر الليل. ج. ز
437

عليه السلام فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بما فتح الله بعلي عليه السلام وجماعة المسلمين، فصعد
رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأخبر الناس بما فتح الله على المسلمين
وأعلمهم انه لم يصب منهم إلا رجلين ونزل فخرج يستقبل عليا في جميع أهل المدينة
من المسلمين حتى لقيه على ثلاثة أميال من المدينة، فلما رآه علي (ع) مقبلا
نزل عن دابته ونزل النبي صلى الله عليه وآله حتى التزمه وقبل ما بين عينيه، فنزل جماعة
المسلمين إلى علي (ع) حيث نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وأقبل بالغنيمة والأسارى
وما رزقهم الله به من أهل وادي اليابس، ثم قال جعفر بن محمد (ع): ما غنم
المسلمون مثلها قط إلا أن يكون من خيبر فإنها مثل ذلك، وأنزل الله تبارك وتعالى
في ذلك اليوم هذه السورة (1) (والعاديات ضبحا) يعني بالعاديات الخيل تعدو

(1) قيل نزلت السورة لما بعث النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام إلى ذات السلاسل
فأوقع بهم، وذلك بعد أن بعث عليهم مرارا غيره من الصحابة فرجع كل منهم
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو المروي عن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل، قال
وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل لأنه أسر منهم وقتل وسبي وشد أسراهم في
الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل، ولما نزلت السورة خرج رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى الناس فصلى بهم الغداة وقرأ فيها والعاديات، فلما فرغ من صلاته قال أصحابه
هذه سورة لم نعرفها، فقال رسول الله: نعم! ان عليا ظفر بأعداء الله وبشرني
بذلك جبرائيل في هذه الليلة (مجمع البيان)
ويرد عليه وعلى ما ذكره القمي (ره) ان الغزوة المذكورة كانت في المدينة
والسورة على ما بين مكية؟ قلنا: نقل الشيخ في التبيان عن الضحاك كون هذه
السورة مدنية، ويؤيده ما مضى في الرواية السابقة من أنه لما قرأها رسول الله
في صلاة الغداة قال أصحابه هذه سورة لم نعرفها. ج ز
438

بالرجال، والضبح صيحتها في أعنتها ولجمها " فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا "
فقد أخبرتك انها أغارت عليهم صبحا قلت قوله: " فأثرن به نقعا " قال: الخيل
يأثرن بالوادي نقعا " فوسطن به جمعا " قلت قوله " ان الانسان لربه لكنود "
قال لكفور " وانه على ذلك لشهيد " قال يعنيهما جميعا قد شهدا جميعا وادي
اليابس وكانا لحب الحياة لحريصين قلت قوله: " أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور
وحصل ما في الصدور ان ربهم بهم يومئذ لخبير " قال: نزلت الآيتان فيهما خاصة
كانا يضمران ضمير السوء ويعملان به، فأخبر الله خبرهما وفعالهما فهذه قصة أهل
وادي اليابس وتفسير العاديات
ثم قال علي بن إبراهيم في قوله: (والعاديات ضبحا) اي عدوا عليهم في
الضبح، ضباح الكلاب صوتها (فالموريات قدحا) كانت بلادهم فيها حجارة فإذا
وطأتها سنابك الخيل كان تنقدح منها النار (فالمغيرات صبحا) اي صبحتهم بالغارة
(فأثرن به نقعا) قال ثورة الغبرة من ركض الخيل (فوسطن به جمعا) قال توسط
المشركين بجمعهم (ان الانسان لربه لكنود) اي كفور وهما اللذان امرا وأشارا
على أمير المؤمنين (ع) ان يدع الطريق بما حسداه وكان علي (ع) اخذ بهم على
غير الطريق الذي اخذا فيه فعلما انه يظفر بالقوم فقال عمرو بن العاص لفلان ن عليا غلام
حدث لا علم له بالطريق وهذا طريق مسبع لا يؤمن فيه السباع، فمشيا إليه وقالا
له: يا أبا الحسن هذا الطريق الذي اخذت فيه طريق مسبع فلو رجعت إلى الطريق
فقال لهما أمير المؤمنين (ع): الزمار حالكما وكفا عما لا يعنيكما واسمعا وأطيعا
فاني أعلم بما أصنع فسكنا وقوله (وانه على ذلك لشهيد) اي على العداوة (وانه
لحب الخير لشديد) يعني حب الحياة حيث خافا السباع على أنفسهما فقال الله تعالى
(أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور) اي يجمع ويظهر (ان
ربهم بهم يومئذ لخبير).
439

سورة القارعة مكية
آياتها احدى عشر
(بسم الله الرحمن الرحيم القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة) يرددها
الله لهو لها وفزع الناس بها (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال
كالعهن المنفوش) قال العهن الصوف (فأما من ثقلت موازينه) بالحسنات (فهو
في عيشة راضية واما من خفت موازينه) قال: من الحسنات (فأمه هاوية)
قال: أم رأسه يقلب في النار على رأسه ثم قال (وما أدراك - يا محمد - ما هيه)
يعني الهاوية ثم قال: (نار حامية).
سورة التكاثر مكية
آياتها ثمان
(بسم الله الرحمن الرحيم ألهاكم التكاثر) اي أغفلكم كثرتكم (حتى زرتم
المقابر) ولم تذكروا الموتى (لترون الجحيم) اي لابد من أن ترونها (ثم لتسئلن
يومئذ عن النعيم) أي عن الولاية والدليل على ذلك قوله " وقفوهم انهم مسؤولون "
قال: عن الولاية، أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن سلمة بن عطا عن
جميل عن أبي عبد الله (ع) قال قلت قول الله: لتسئلن يومئذ عن النعيم قال:
قال تسئل هذه الأمة عما أنعم الله عليهم برسول الله صلى الله عليه وآله ثم بأهل بيته المعصومين
عليهم السلام.
440

سورة العصر مكية
آياتها ثلاث
(بسم الله الرحمن الرحيم والعصر إن الانسان لفي خسر) قال: هو قسم
وجوابه " ان الانسان " وقرأ أبو عبد الله عليه السلام والعصر ان الانسان لفي خسر
وانه فيه إلى آخر الدهر (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وأتمروا بالتقوى
وأتمروا بالصبر.
حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا يحيى بن زكريا عن علي بن حسان عن
عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (إلا الذين آمنوا وعملوا
الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فقال: استثنى أهل صفوته من خلقه
حيث قال: إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا بولاية علي أمير المؤمنين عليه السلام
وتواصوا بالحق ذرياتهم ومن خلفوا بالولاية وتواصوا بها وصبروا عليها.
سورة الهمزة مكية
آياتها تسع
(بسم الله الرحمن الرحيم ويل لكل همزة) قال: الذي يغمز الناس ويستحقر
الفقراء وقوله (لمزة) الذي يلوي عنقه ورأسه ويغضب إذا رأى فقيرا أو سائلا
(الذي جمع مالا وعدده) قال: أعده ووضعه (يحسب أن ماله أخلده) قال يحسب أن
ماله يخلده ويبقيه ثم قال: (كلا لينبذن في الحطمة) والحطمة النار التي تحطم
كل شئ ثم قال: (وما أدراك) يا محمد (ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على
على الأفئدة) قال تلتهب على الفواد، قال أبو ذر رضي الله عنه بشر المتكبرين بكي
441

في الصدور وسحب على الظهور (انها عليهم مؤصدة) قال مطبقة (في عمد (1)
ممدة) قال إذا مدت العمد أكلت والله الجلود (كان والله الخلود ك).
سورة الفيل مكية
آياتها خمس
(بسم الله الرحمن الرحيم ألم تر) ألم تعلم يا محمد (كيف فعل ربك بأصحاب
الفيل) قال نزلت في الحبشة حين جاؤوا بالفيل (2) ليهدموا به الكعبة، فلما أدنوه

(1) قرئ بضمتين وهي قراءة أهل الكوفة غير حفص، وقرأ الباقون
بفتحتين وكلاهما جمع عمود في الكثرة، اما جمعه في القلة فأعمدة والمعنى انه توصد
عليهم الأبواب ويمدد على الأبواب العمد استيثاقا في استيثاق وفيه تأكيد للباس
من الخروج وإيذان بحبس الأبد مجمع البحرين.
(2) الذي جاء بالفيل ليهدم الكعبة هو أبرهة ملك اليمن من قبل النجاشي
قال مقاتل بن سليمان السبب الذي جر أصحاب الفيل إلى مكة ان فئة من قريش
خرجوا تجارا إلى ارض النجاشي فساروا حتى دنوا من ساحل البحر وفي حقف
من أحقافها بيعة للنصارى تسميها قريش الهيكل ويسميها النجاشي وأهل ارضه
" ماسر خشان " فنزل القوم فجمعوا حطبا ثم أججوا نارا واشتروا لحما فلما ارتحلوا
تركوا النار كما هي في يوم عاصف فذهبت الرياح بالنار فاضطرم الهيكل نارا
فغضب النجاشي لذلك فبعث أبرهة لهدم الكعبة، وكان معهم فيل واحد
اسمه محمود وقيل ثمانية وقيل اثنا عشر فيلا وكان في العالم الذي ولد فيه رسول الله
صلى الله عليه وآله وكانت الحجارة أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة، وقال عبد الله بن
مسعود صاحت الطير فرمتهم بالحجارة فبعث الله ريحا فضربت الحجارة فزادتها
شدة فما وقع منها حجر على رجل إلا خرج من الجانب الآخر فان وقع على
رأسه خرج من دبره، وكان هذا من أعظم المعجزات القاهرات في ذلك الزمان
أظهره الله ليدل على وجوب معرفته وفيه حجة قاصمة لظهور الفلاسفة الملحدين
المنكرين للآيات الخارقة للعادات فإنه لا يمكن نسبة شئ مما ذكره الله تعالى من
امر أصحاب الفيل إلى طبيعة كما نسبوا الصيحة والريح العقيم وغيرهما مما أهلك الله
تعالى به الأمم، إذا لا يمكنهم ان يروا في اسرار الطبيعة إرسال جماعات من الطير
معها أحجار لهلاك أقوام معينين قاصدات إياهم دون سواهم، ولا يشك من له
مسكة من عقل ولب ان هذا لا يكون إلا من فعل الله مسبب الأسباب
ومذلل الصعاب.
وليس لاحد ان ينكر هذا لان نبينا صلى الله عليه وآله لما قرأ هذه السورة على أهل مكة
لم ينكروا ذلك بل أقروا به وصدقوه مع شدة حرصهم على تكذيبه وكانوا
قربي العهد بأصحاب الفيل فلو لم يكن لذلك عندهم حقيقة وأصل لأنكروه وجحدوه
كيف وانهم قد أرخوا بذلك كما أرخوا ببناء الكعبة وقد أكثر الشعراء ذكر
الفيل. (مجمع البيان) ج ز
442

من باب المسجد قال له عبد المطلب أتدري أين يؤم بك قال برأسه لا، فقال اتوا
بك لتهدم كعبة الله أتفعل ذلك؟ فقال برأسه لا، فجهدت به الحبشة ليدخل
المسجد فامتنع فحملوا عليه بالسيوف وقطعوه فأرسل الله عليهم (طيرا أبابيل) قال
بعضها على إثر بعض (ترميهم بحجارة من سجيل) قال كان مع كل طير ثلاثة
أحجار حجر في منقاره وحجران في مخاليبه، وكانت ترفرف على رؤسهم وترمي
في دماغهم فيدخل الحجر في دماغهم ويخرج من ادبارهم وتنتقض أبدانهم فكانوا
كما قال الله (فجعلهم كعصف مأكول) قال: العصف التين والمأكول هو الذي يبقى
443

من فضله، قال الصادق عليه السلام: وأهل الجدري من ذلك أصابهم الذي أصابهم في
زمانهم جدري.
سورة قريش مكية
آياتها اربع
(بسم الله الرحمن الرحيم لايلاف قريش إيلافهم) قال: نزلت في قريش
لأنه كان معاشهم من الرحلتين رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة في الصيف إلى الشام
وكانوا يحملون من مكة الادم واللباس وما يقع من ناحية البحر من الفلفل وغيره
فيشترون بالشام الثياب والدرمك والحبوب وكانوا يتألفون في طريقهم ويثبتون
في الخروج في كل خرجة رئيسا من رؤساء قريش وكان معاشهم من ذلك فلما بعث
الله نبيه صلى الله عليه وآله استغنوا عن ذلك لان الناس وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وحجوا
إلى البيت، فقال الله: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع)
فلا يحتاجون ان يذهبوا إلى الشام (وآمنهم من خوف) يعني خوف الطريق.
سورة الماعون مكية
آياتها سبع
(بسم الله الرحمن الرحيم أرأيت الذي يكذب بالدين) قال: نزلت في
أبي جهل وكفار قريش (فذلك الذي يدع اليتيم) اي يدفعه عن حقه (ولا يحض
على طعام المسكين) اي لا يرغب في إطعام المسكين، ثم قال: (فويل للمصلين
الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال: عنى به التاركين لان كل إنسان يسهو في
الصلاة. قال أبو عبد الله عليه السلام: تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر (الذين هم
يراؤن) فيما يفعلون (ويمنعون الماعون) مثل السراج والنار والخمير وأشباه ذلك
مما يحتاج إليه الناس وفي رواية أخرى الخمس والزكاة.
444

سورة الكوثر مكية
آياتها ثلاث
(بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر) قال: الكوثر نهر في الجنة
اعطى الله محمدا عوضا عن ابنه إبراهيم، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد
وفيه عمرو بن العاص والحكم بن أبي العاص قال عمرو: يا أبا الأبتر! وكان الرجل
في الجاهلية إذا لم يكن له ولد سمي أبتر، ثم قال عمرو: إني لاشنأ محمدا اي أبغضه
فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وآله (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر - إلى قوله -
إن شانئك) اي مبغضك عمرو بن العاص (هو الأبتر) يعني لا دين له ولا نسب.
سورة الكافرون مكية
آياتها ست
(بسم الله الرحمن الرحيم قل يا أيها الكافرون) قال: حدثني أبي عن محمد
ابن أبي عمير قال: سأل أبو شاكر أبا جعفر الأحول عن قول الله تعالى: (قل
يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم
ولا أنتم عابدون ما أعبد) فهل يتكلم الحكيم بمثل هذا القول ويكرره مرة بعد
مرة فلم يكن عند أبي جعفر الأحول في ذلك جواب، فدخل المدينة فسأل
أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال كان سبب نزولها وتكرارها ان قريشا قالت لرسول الله
صلى الله عليه وآله تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، وتعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة
فأجابهم الله بمثل ما قالوا فقال فيما قالوا تعبد آلهتنا سنة (قل يا أيها الكافرون
لا اعبد ما تعبدون) وفيما قالوا نعبد إلهك سنة (ولا أنتم عابدون ما اعبد) وفيما
قالوا تعبد آلهتنا سنة (ولا انا عابد ما عبدتم) وفيما قالوا نعبد إلهك سنة (ولا أنتم
445

عابدون ما اعبد لكم دينكم ولي دين) قال فرجع أبو جعفر الأحول إلى أبي شاكر
فأخبره بذلك فقال أبو شاكر: هذا ما حمله الإبل من الحجاز، وكان أبو عبد الله
عليه السلام إذا فرغ من قراءتها يقول: " ديني الاسلام " ثلاثا
سورة النصر مكية (مدنية ط)
آياتها ثلاث
(بسم الله الرحمن الرحيم إذا جاء نصر الله والفتح) قال: نزلت بمنى (1)

(1) وفي مجمع البيان وغيره انها نزلت بالمدينة وفيها بشارة من الله تعالى
لنبيه صلى الله عليه وآله بالنصر والفتح (اي فتح مكة) قبل وقوع الامر، (ورأيت الناس
يدخلون في دين الله أفواجا) اي جماعة بعد جماعة قال الحسن: لما فتح رسول الله
مكة قالت العرب: اما إذا ظفر محمد صلى الله عليه وآله بأهل الحرم وقد أجارهم الله من
أصحاب الفيل فليس لكم به يدان - اي طاقة - فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا
ولما نزلت هذه السورة وقرأها على أصحابه ففرحوا واستبشروا وسمعها
العباس فبكى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما يبكيك يا عم! فقال: أظن أنه قد
نعيت إليك نفسك يا رسول الله، فقال: إنه لكما تقول، فعاش بعدها سنتين،
ما رؤي فيهما ضاحكا مستبشرا (انتهى).
أقول: وهذا خلاف ما فسر به القمي (ره) في هذا التفسير لأنه قال
بنزولها في مكة في حجة الوداع فعليه تكون السورة مكية دون المدنية، ولا يكون
المراد حينئذ من النصر على ما ذهب إليه القمي (ره) هو فتح مكة بل المراد منه
هو ظهور الحجة عليه السلام والدليل على ما ذهب إليه المصنف أمران:
(الأول) ما رواه في الكافي والعيون عن أبي عبد الله عليه السلام: أن
أول ما نزل اقرأ باسم ربك وآخره إذا جاء نصر الله، وهذا يناسب نزولها
في حجة الوداع كما ذكره المصنف، لا في المدينة قبل وفاته بسنتين كما ذكره
الطبرسي (ره) إذ نزل في خلال هذه المدة الطويلة كثير من القرآن.
(الثاني) ما رواه غير واحد من الأصحاب كالطبرسي نفسه والقاشاني من أنها
لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وآله نعيت إلي نفسي، ولا دلالة فيها على النعي
إذا قلنا إن المراد من النصر هو فتح مكة، كما اعترف به الطبرسي (ره)، اما على
القول بنزولها في مكة وإرادة ظهور الحجة عليه السلام من " النصر والدخول في
دين الله أفواجا " تكون فيها جهة للنعي أيضا، إذ كان المعنى حينئذ انه يا محمد!
قد انقضت أيامكم وانتهت فتوحك كلها لأنه بعد هذا فتح كبير لولدك القائم الذي
وعدناه ج ز
446

في حجة الوداع إذا جاء نصر الله والفتح، فلما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
نعيت إلي نفسي فجاء إلى مسجد الخيف فجمع الناس ثم قال: نصر الله امرءا سمع
مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى
من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليه قلب امرئ مسلم اخلص العمل لله والنصيحة
لائمة المسلمين واللزوم لجماعتهم فان دعوتهم محيطة من ورائهم، أيها الناس! اني
تارك فيكم ثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ولن تزلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي،
فإنه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، كإصبعي هاتين
وجمع بين سبابتيه ولا أقول كهاتين وجمع بين سبابته والوسطى فيفضل هذه
على هذه.
447

سورة اللهب مكية
آياتها خمس
(بسم الله الرحمن الرحيم تبت يدا أبي لهب) قال: اي خسرت، لما اجتمع
مع قريش في دار الندوة وبايعهم على قتل محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وكان كثير المال
فقال الله: (ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب) عليه فتحرقه
(وامرأته حمالة الحطب) قال: كانت أم جميل بنت صخر، وكانت تنم على
رسول الله صلى الله عليه وآله وتنقل أحاديثه إلى الكفار، حمالة الحطب اي احتطبت على
رسول الله صلى الله عليه وآله (في جيدها) اي في عنقها (حبل من مسد) اي من نار،
وكان اسم أبي لهب عبد مناف فكناه الله لان منافا صنم يعبدونه.
سورة الاخلاص مكية
آياتها خمس ط
(بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد) اي هو الله الأحد وكان سبب
نزولها ان اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: ما نسب ربك؟ فأنزل الله
(قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) ومعنى قوله:
أحد أحدي النعت كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: نور لا ظلام فيه وعلم لا جهل فيه
وقوله: الصمد، اي الذي لا مدخل فيه وقوله: لم يلد، اي لم يحدث ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد، قال: لا له كفو ولا شبيه ولا شريك ولا ظهير ولا معين.
حدثنا أبو الحسن قال حدثنا الحسن بن علي بن حماد بن مهران، قال:
حدثنا محمد بن خالد بن إبراهيم السعدي قال: حدثني أبان بن عبد الله قال: حدثني
يحيى بن آدم عن الفزاري عن حريز عن الضحاك عن ابن عباس، قال قالت قريش
448

للنبي صلى الله عليه وآله بمكة صف لنا ربك لنعرفه فنعبده، فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي
صلى الله عليه وآله قل هو الله أحد، يعني غير مبعض ولا مجزى ولا مكيف، ولا يقع عليه
اسم العدد ولا الزيادة ولا النقصان، الله الصمد الذي قد انتهى إليه السؤدد والذي
يصمد أهل السماوات والأرض بحوائجهم إليه، لم يلد منه عزير كما قالت اليهود عليهم
لعائن الله وسخطه ولا المسيح كما قالت النصارى عليهم سخط الله، ولا الشمس
والقمر ولا النجوم كما قالت المجوس عليهم لعائن الله وسخطه ولا الملائكة كما قالت
كفار قريش لعنهم الله، ولم يولد لم يسكن الأصلاب ولم تضمه الأرحام لا من شئ
كان ولا من شئ خلق ما (مما ط) كان، ولم يكن له كفوا أحد، يقول ليس له
شبيه ولا مثل ولا عدل ولا يكافيه أحد من خلقه بما أنعم عليه من فضله.
سورة الفلق مكية
آياتها خمس
(بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق) قال: الفلق جب في جهنم
يتعوذ أهل النار من شدة حره فسأل الله أن يأذن له أن يتنفس، فأذن له
فتنفس فأحرق جهنم قال: وفي ذلك الجب صندوق من نار يتعوذ أهل الجب من
حر ذلك الصندوق، وهو التابوت وفي ذلك التابوت ستة من الأولين وستة من
الآخرين فاما الستة التي من الأولين، فابن آدم الذي قتل أخاه، ونمرود إبراهيم
الذي ألقى إبراهيم في النار، وفرعون موسى، والسامري الذي اتخذ العجل،
والذي هود اليهود، والذي نصر النصارى، واما الستة التي من الآخرين فهو
الأول والثاني والثالث والرابع وصاحب الخوارج وابن ملجم لعنهم الله
(ومن شر غاسق إذا وقب) قال: الذي يلقى في الجب فيه يقب (يغب فيه ط)
449

سورة الناس مكية (مدنية ط)
آياتها ست
(بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الناس) وإنما هو أعوذ برب الناس
(ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس) اسم الشيطان الذي هو في
صدور الناس يوسوس فيها ويؤيسهم من الخير ويعدهم الفقر ويحملهم على المعاصي
والفواحش وهو قول الله عز وجل الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، وقال
الصادق عليه السلام: ما من قلب إلا وله أذنان على أحدهما ملك مرشد وعلى الآخر
شيطان مغتر هذا يأمره وهذا يزجره وكذلك من الناس شيطان يحمل الناس على
المعاصي كما يحمل الشيطان من الجن.
قال: حدثني أبي عن بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان سبب
نزول المعوذتين انه وعد رسول الله صلى الله عليه وآله فنزل جبرئيل بهاتين السورتين فعوذه
بهما، حدثنا سعيد بن محمد قال: حدثنا بكر بن سهل عن عبد الغني بن سعيد
الثقفي عن موسى بن عبد الرحمن عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك بن مزاحم عن
ابن عباس في قوله (من شر الوسواس الخناس) يريد الشيطان لعنه الله على قلب
ابن آدم، له خرطوم مثل خرطوم الخنزير يوسوس لابن آدم إذا أقبل على الدنيا
ومالا يحب الله فإذا ذكر الله عز وجل انخنس يريد رجع، قال الله: (الذي يوسوس
في صدور الناس) ثم اخبر انه من الجن والإنس فقال عز وجل (من الجنة والناس)
يريد من الجن والإنس، حدثنا علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبد الله عن علي
ابن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي قال قالت لأبي جعفر عليه السلام:
إن ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف فقال عليه السلام: كان أبي يقول إنما
فعل ذلك ابن مسعود برأيه وهما من القرآن.
450

وعنه عن أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن
أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي:
يا علي القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا
تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة فانطلق علي عليه السلام فجمعه في ثوب أصفر ثم ختم
عليه في بيته وقال: لا أرتدي حتى أجمعه فإنه كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه بغير
رداء حتى جمعه، قال وقال رسول الله: لو أن الناس قرأوا القرآن كما أنزل الله
ما اختلف اثنان، حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم
قال: حدثنا محمد بن علي القرشي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن
أبي جعفر عليه السلام قال: ما أحد من هذه الأمة جمع القرآن إلا وصي محمد صلى الله عليه وآله،
حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة عن وهيب بن
حفص عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن القرآن زاجر
وآمر يأمر بالجنة ويزجر عن النار وفيه محكم ومتشابه فاما المحكم فيؤمن به ويعمل به
(ويدبر به ك) واما المتشابه فيؤمن به ولا يعمل به وهو قول الله: فاما الذين
في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله
إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وآل محمد عليهم
السلام الراسخون في العلم.
حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن علي
ابن حديد عن مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن القرآن تبيان كل شئ حتى
والله ما ترك الله شيئا يحتاج العباد إليه إلا بينه للناس حتى لا يستطيع عبد يقول
لو كان هذا نزل في القرآن إلا وقد أنزل الله تبارك وتعالى فيه (تم الكتاب).
451

قد وقع الفراغ من تصحيح هذا الكتاب المستطاب (تفسير علي
ابن إبراهيم القمي (ره) وتهذيبه والتعليق عليه في العاشر
من رجب المرجب سنة ثلاث مأة وسبع وثمانين بعد الألف
الهجرية على هاجرها آلاف التحية والسلام في
مدينة النجف الأشرف، بيد العبد المذنب
السيد طيب المفتي الموسوي الجزائري
ابن محمد علي بن محمد عباس بن
علي أكبر بن محمد جعفر بن
أبو طالب بن نور الدين
ابن السيد نعمة الله
الجزائري (ره)
452