الكتاب: الألباني وشذوذه وأخطاؤه
المؤلف: ارشد السلفي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٤
المطبعة: جمعية عمال المطابع التعاونية
الناشر: دار الفقه والحديث
ردمك:
ملاحظات:

الألباني
شذوذه وأخطاؤه
بقلم
أرشد السلفي
1404 ه‍
1984 م
الطبعة الثانية
1404 س - 1984 م
الطابعون
جمعية عمال المطابع التعاونية
عمان - تلفون 37771 - ص. ب 857
1

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
نداء وتحذير
الحمد لله العلي القدير والصلاة والسلام على سيدنا محمد
البشير النذير وعلى آله وصحبه وسلم.
لقد شاع وذاع بين أفراد هذه الأمة أن الشيخ ناصر
الألباني المقيم الآن في هذا البلد كثير الميل نحو التهجم على
العلماء العاملين وغيرهم ممن انتسبوا إلى العلم كثير الشغف
بالحط من كرامتهم بصفته أحد أدعياء العلم، إنه يتقصى
أخطاء العلماء المشهود لهم بالعلم والفضل وليس هو من أهل
الاعتراض والتقصي لكنه يبتغي من وراء ذلك أن تكون له
السمعة والشهرة فمن أهم أخطائه وعثراته أنه يعترض على
الصحيحين الجليلين البخاري ومسلم اللذين هما أصح الكتب
المصنفة بل يعترض على جميع أصحاب السنن بل على الكتب
الستة بأسرها ويتحامل عليها ليوهم الناس الأبرياء، إنه فريد
2

عصره ووحيد دهره في الحديث تحيط به ثلة من البسطاء
أصابها الدهش والعته وهذه الجماعة من أتباعه، ومأجوريه
وهم من أتيه وأبسط الناس في مقام السنة وتخريج أحاديث
رسول الله صلى عليه وسلم يعيبون هذه الأحاديث ولا
يعون منها الصحيح من الحسن من الموضوع كما قيل:
وكم من عائب قولا (صحيحا) وآفته من الفهم السقيم
وفي الأثر (أشد الناس ندامة يوم القيامة عالم لم ينفعه
الله بعلمه وطالب علم معجب بنفسه).
لقد تبين للعقلاء وذوي العلم والمعرفة بدرجات الحديث
الذين يفهمون صحة الحديث من ضعفه تبين لهم أخطاء هذا
الإنسان الذي أصبح لغزا (معطلا) غير مفهوم ولا واضح،
ومن أقواله وشطحاته يدان وقد ثبتت إدانته وتهمته بالتمويه
والتدليس. ومن غرائب الأمور وعجائبها بأن هذا الرجل
(الألباني) يدعي بأنه مجتهد عصره ووحيد دهره ونادرة
زمانه وأوانه.
ولقد قيض الله لهذه الأمة رجلا (عالما) فاهما واعيا
فتقصى خطاءه وعيوبه في الحديث وهو الرجل الفاضل
(أرشد السلفي وأصدر كتابا (قيما) يحاسبه على كل دعوى
وعلى كل كلمة فطبعه في المطبعة العلمية ماليكاؤن
إناسك).
3

فقد أدان هذا الكتاب (الألباني) وهو من أحد معارفه
الذين عرفوه وعجموا عوده وسبروا غوره وقضيته في
السعودية وسوريا مشهورة ومعلومة واطلعوا على عثراته وبين
المؤلف في إحدى صفحات هذا الكتاب إن (الألباني) هذا لم
يأخذ العلم من أفواه العلماء ولم يجث على ركبتيه أمام عالم
خبير مطلع من علماء المسلمين ومنذ شهور عديدة عرض هذا
الكتاب على دار الفقه والحديث فتصفحته ونظرت فيه مليا
فرأت الدار أن طبع هذا الكتاب وتوزيعه على عامة الناس
وخاصتهم أمر واجب فهم مشوقون إلى مثل هذه الأمور الغامضة
على كثير من الناس والذين خدعوا بالألباني وأعماله وبما
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الدين النصيحة).
فقد رأت دار الفقه والحديث التي أنيط بها الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر أن تسوق حديث النصيحة لأهميته
العظمى والحاجة الماسة إليه في مثل هذا المقام.
عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة إن الدين
النصيحة، قالوا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ورسوله
وأئمة المسلمين وعامتهم) رواه الخمسة.
إنما كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة إن الدين
النصيحة، قالوا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ورسوله
وأفضل أعماله وأظهرها في النصيحة ومن أجل النصيحة لله
4

ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين علمائهم وقادتهم وعامتهم
فلا محيص إذا ولا مناص من نشر هذا الكتاب وطبعه على
حساب دار الفقه والحديث والله عليم بذات الصدور وصلى
الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه.
الناشر
دار الفقه والحديث
5

بسم الله الرحمن الرحيم
مبلغ علم الألباني
يقول مؤلف الكتاب أرشد السلفي:
الشيخ ناصر الدين الألباني شديد الولوع بتحظئة الحذاق
من كبار علماء الإسلام ولا يحابي في ذلك أحدا كائنا من كان،
فتراه يوهم البخاري ومسلما، ومن دونهما، ويغلط ابن
عبد البر وابن حزم والذهبي وابن حجر والصنعاني، ويكثر
من ذلك حتى يظن الجهلة والسذج من العلماء أن الألباني نبغ
في هذا العصر نبوغا يندر مثله، وهذا الذي ينم عنه ما يتبجح
به الألباني في كثير من المواطن، ويلفت إليه أنظار قارئيه،
فتارة يقول: اغتنم هذا التحقيق فإنك لا تجده في غير هذا
الموضع (يعني عند غيره من المصنفين) وتارة يدعي أنه خصه
الله تعالى في هذا العصر بالوقوف على زيادات الحديث الواردة
في مختلف طرقه، المنتشرة في الكتب المبعثرة، وبذلك وصل
إلى ما لم يصل إليه غيره من المحققين السابقين ولا اللاحقين.
ولكن من كان يعرف الألباني ومن له إلمام بتاريخه يعرف
أنه لم يتلق العلم من أفواه العلماء وما جثا بين أيديهم
للاستفادة، وإنما العلم بالتعلم فما له وللعلم، ولم يتعلم،
وقد بلغني أن مبلغ علمه مختصر القدوري، وجل مهارته في
تصليح الساعات ويعترف بذلك هو ويتبجح به.
ولازم ذلك أنه والله لا يعرف ما يعرفه آحاد الطلبة الذين
يشتغلون بدراسة الحديث في عامة مدارسنا - ومن أمثلة ذلك:
7

1 - أنه يقرأ (تصدق بأتوار من الأقط)، ويفسره
هكذا (أتوار) جمع تور بالمثناة الفوقية: إناء من صفر،
(الصحيحة 2 / 161).
وآحاد الطلبة يعرفون أن الصواب (بأثوار من الأقط)،
والأثوار جمع الثور، وهو قطعة من الأقط كما في النهاية
(1 / 163).
2 - ومنها زعمه أن المباركفوري صاحب التحفة حنفي
كما في فهرس (المسح على الجوربين).
والواقع أن المباركفوري من مشاهير الشاذ ة المعاندين
للأئمة الأربعة - وإن كان الألباني في شك من هذا فليسأل
تلميذه: الشيخ تقي الدين المراكشي الهلالي.
3 - ومنها قوله: هذا تحقيق استفدناه من تحقيقات
الأئمة (الصحيحة 3 / 188).
فإن هذا كلام من لم تتسع أفاق علمه، ولو اتسعت لعلم
أن محدث الهند الشيخ النيموي سبقه إلى الظفر بهذا التحقيق
الدقيق، وقد ذكره في كتابه: التعليق الحسن، انظر (أبواب
المياه حديث وقوع الزنجي في زمزم).
4 - ومنها ادعاؤه إن ابن زيد الذي روى عنه ابن وهب
قي تفسير الطبري (5 / 399) هو عمر بن محمد بن زيد، من
رجال الشيخين.
وهذا من أشنع الأغلاط وأبين الجهل، ولم يقع فيه لو
أنه حفر دروس العلماء، وجلس في حلقات العلم، فإن
8

صبيان مدارسنا يعلمون أن ابن زيد الذي يروي الطبري
عنه في تفسيره أو يروي تفسيرا من جهته، هو عبد الرحمن
ابن زيد بن أسلم.
وقد زاد الألباني نغمة في الطنبور إذ بنى على زعمه هذا
أن رجال إسناد هذا الحديث ثقات كلهم، وأن هذا الطريق
خير طرق الحديث (الصحيحة 2 / 5 و 2 / 16).
والواقع أن عبد الرحمن ضعفه أحمد وابن المديني حكاه
عنه البخاري وأبو حاتم، وقال النسائي وأبو زرعة: ضعيف،
وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث... وكان في الحديث
واهيا، وقال ابن حبان: استحق الترك، وقال ابن سعد:
كان كثير الحديث ضعيفا جدا، وقال ابن خزيمة: ليس هو
ممن يحتج أهل العلم بحديثه لسوء حفظه، وقال الساجي:
هو منكر الحديث، وقال الحاكم وأبو نعيم: روى أحاديث
موضوعة، وقال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه، وقال
الطحاوي: حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من
الضعف.
فقارنوا بين دعوى هذا الشاذ الفارط أنه خير طرق
الحديث، وبين مفاد كلام هؤلاء النقاد من أنه في النهاية من
الضعف.
ولم يقع لي هذا إلا لتغلغله في الجهل.
5 - ومنها حمله حديث (إذا قلت للناس: انصتوا،
وهم يتكلمون فقد ألغيت على نفسك) (الصحيحة / 117)
على التحذير من أن لا يقطع الرجال، على الناس كلامهم بل
9

ينصت حتى ينتهي كلامهم، وظنه أنه فات السيوطي في الجامع
الكبير، والصواب أن هذا الحديث نفس حديث أبي هريرة
المروى من طريق ابن المسيب في الصحيحين، ومن طرق أخرى
عند مسلم، ولفضله (إذا قلت لصاحبك: انصت يوم الجمعة،
والإمام يخطب، فقد لغوت).
والدليل على ذلك أن الألباني أخرج الحديث برواية الإمام
أحمد عن عبد الرزاق عن معمر، الخ، والإمام أحمد اختصر
الحديث، وقد رواه عبد الرزاق في المصنف بتمامه فقال:
عن معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قلت للناس انصتوا يوم
الجمعة وهم ينطقون والإمام يخطب فقد لغوت على نفسك،
(3 / 223) ورواه أحمد بن يوسف السلمي عن عبد الرزاق
باللفظ الذي ذكره الألباني إلا أنه قال فقد (لغوت) وزاد في
آخره يعني يوم الجمعة (أنظر صحيفة همام بن منبه رقم
12) ولكن الألباني ظنه حديثا آخر لجهله، وزعم أنه فات
السيوطي فقال متبجحا، خذه فائدة عزيرة قد لا تجدها في مكان آخر (الصحيحة 2 / 118).
6 - ومنها قوله في المجمع عذرة بالذال ولعله الصواب -
قلت بل الصواب غدرة بالمعجمة في أولها والمهملة بعدها كما
في النهاية، قال ابن الأثير كأنها كانت لا تسمح بالنبات أو
تنبت ثم تسرع إليه الآفة فشبهت بالغادر لأنه لا يفي.
7 - ومنها قوله هذا إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون
من رجال البخاري غير الكناني (الصحيحة رقم 623) قاله
10

الألباني في إسناد حديث رواه ابن حبان وفيه عاصم بن عمر
وهو ضعيف جدا، لكن وقع في المطبوعة من الموارد (عاصم
ابن محمد) تحريفا من أحد النساخ ولم يتنبه له المعلمي،
ولا عبد الرزاق حمزة، ولا الألباني، والحديث أفرجه
البزار عن الزعفراني الذي رواه ابن حبان من جهته بعين
إسناد ابن حبان وفيه عاصم بن عمر كما في مجمع الزوائد،
وكذا في زوائد البزار، وعاصم بن عمر قال البخاري فيه:
منكر الحديث، وقال ابن حبان منكر الحديث جدا، وقال
الترمذي متروك وقال مرة ليس بثقة، وقد حاباه بعضهم
فخفف من ضعفه، والحال أن الذي يقول فيه البخاري:
منكر الحديث، لا تحل الرواية عنه حكاه الألباني نفسه عن
البخاري في (ضعيفته 5 / 118).
وتوثيق ابن حبان لا يعبأ به عند الألباني فقد لينه مرارا،
لا سيما وقد ذكر ابن حبان في الضعفاء أيضا، فأتساءل:
أهذا هي القاعدة المتبعة التي قعدها المحدثون، وهذا هو
نهجهم في التصحيح والتضعيف الذي يدعو إلى سلوكه واختياره
الألباني أم صنيع الألباني في تلعبه بالأحاديث يشبه صنيع
الولدان يتلاعبون بكرات القدم.
8 - ذكر في (حجاب المرأة المسلمة) حديثا لبريدة فقال:
شريك سئ الحفظ لكنه قد توبع فذكر حديثا لعلي بن أبي
طالب بمعناه - وهذا يدل على أنه لا يعرف الفرق بين المتابع
والشاهد - وكذلك لا يعرف الألباني الفرق بين الطريقين،
و (الحديثين، ولذا يقول (الحديث حسن بهذين الطريقين،
فأسألك هل حديث بريدة وعلى حديثان، أو هي! لا طريقان
11

لحديث واحد؟ ثم الألباني يحسن حديث شريك مع أن في
إسناده أبا ربيعة وقد قال فيه ابن حجر: مقبول، وحديثه
هذا من أفراده (أنظر ترجمته في التهذيب).
وقد حكى الألباني في أبي خالد عن ابن حجر أنه مقبول
وفسره بقوله: يعني لين الحديث، وقد تفرد بهذه الجملة،
ولهذا قال (هذا سند ضعيف) (الصحيحة رقم 376) فما
الذي ضعف هذا وحسن ذاك؟
وحسن الألباني حديث سلمة بن أبي الطفيل وهو مجهول.
قاله ابن خراش، ولم يوثقه إلا ابن حبان (ولا يعتمد على
توثيقه الألباني) وأما رد ابن حجر قول ابن خراش بأن
فطر بن خليفة أيضا روى عنه فهو مخدوش بأن فطرا لا
يروي عن سلمة بن أبي الطفيل بل عن سلمة بن الطفيل.
ولا يجوز القطع بأنهما واحد، وإن سلمنا لابن حجر قوله
فسلمة مستور لم يوثقه إلا ابن حبان وتوثيقه لين عند
الألباني.
9 - وذكر في (حجاب المرأة المسلمة) حديثا عزاه لابن
سعد في إسناد (ربعي خراش عن امرأة عن أخت حذيفة)
وذكر ذلك الحديث في (آداب الزفاف) معزوا للنسائي وأبي
داود، وفي إسنادهما (ربعي بن خراش عن امرأته،، فلم
يعرف الألباني أن المرأة في أسانيدهم جميعا هي امرأة ربعي،
وقد حرف ناشر ابن سعد فأثبت (امرأة) مكان (امرأته) وجهل
ذلك الألباني فقال في (حجاب المرأة) (ص 46): (في إسناده
المرأة التي لم تسم (، وقال في آداب الزفاف: (في سنده
امرأة ربعي) (ص 160).
12

10 - أن الألباني يحكي عن الصنعاني قوله: فإذا تشبه
بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر، وحكى
عنه أن تكفير هؤلاء هو ظاهر الحديث (حجاب المرأة ص 105).
أقول إن الألباني يحكي هذا، ويقره، فأخشى أن يكون
أقر على نفسه بالكفر، ورمى به أصحابه الذين تشبهوا
بالإفرنج والانكليز في أزيائهم، فلا يزال الناس يرونهم
لابسي، والبنطلونات، حاسري الرؤس ويشاهدونهم
والألباني جميعا يجلسون على الكراسي، ويكتبون وأوراقهم
وكتبهم على الطاولات، ولا تزال أرجلهم في أحذيتهم، ويطيفون
بالطاولة جالسين على الكراسي محتذين، ويأكلون كذلك،
قد تشبهوا في ذلك بكفار أوربا، ويستطيع كل ذي دين
ومعرفة أن يحلف أنهم لا يقصدون بذلك إلا أن يعتقدهم
الناس متمدنين راقين كالإفرنج ونحوهم ولا يعيروهم بالتأخر،
وعدم التنور.
أفلا يصدق على هؤلاء إنهم أحبوا أن يكونوا مثل كفار أوربا
تمدنا ورقيا، ومتطفلين على موائد عاداتهم، متظاهرين
بأزيائهم، مفضلين هيئات مقاعدهم ومجالسهم ومكاتبهم
ومطاعمهم على هيئات أهل الإسلام التي توارثوها عن أسلافهم،
ألا يدري الألباني وأضرابه ما قد صح عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه أكل على خوان قط، وقال قتادة: ما كانوا يأكلون
على هذه السفر.
11 - ومن الدلائل الواضحة على جهلة وقلة بضاعته في
العلم إصراره على أن صيغة الفعل المجهول تستعمل دائما
13

للتمريض فكل حديث أو قول يحكى - يصيغه (روى) أو
(يروى) أو (يذكر) فهو ضعيف لا محالة، وهل هذا إلا زعم
فاسد، واعتقاد ظاهر البطلان، فكم من حديت أو قول أشير
إليه بمثل هذه الصيغ وهو صحيح قوي لا يحول حوله شك ولا
ارتياب، وإليك بعض، الأمثلة: (1) قال الترمذي: قد روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ويل للأعقاب الخ، قال
المنذري الذي أشار إليه الترمذي رواه الطبراني في الكبير وابن
خزيمة في صحيحه. (2) وقال الترمذي: قد روي عن أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، فقال
المباركفوري: أخرجه ابن ماجة بسند لا بأس به (ص 1 / 52).
(3) وقال الترمذي: هذا أصح من حديث شريك لأنه قد روى
من غير وجه، الخ. (4) وقال الترمذي: حديث عمار حديث
حسن صحيح وقد روي عن عمار من غير وجه (1 / 133).
(5) وقد روي عن عمار أنه قال: تيممنا، الخ (1 / 136).
(6) قال الترمذي وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
كان يقول بعد التسليم لا إله إلا الله، الخ، قال المباركفوري:
أخرجه الشيخان (1 / 144). (7) قال الترمذي: قد روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الظهر قدر تنزيل السجدة،
قلت: والحديث أخرجه مسلم كما في التحفة (1 / 251).
(8) قال الترمذي: وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى
(1 / 251) قلت: ولا شك في ثبوته عن عمر. (9) قال
الترمذي: وروي عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يقرأ
في الفجر من ستين آية إلى مائة، قال المباركفوري: أخرجه
الشيخان (1 / 250) 25). (10) قال الترمذي: وروي - عنه أنه
14

قرأ إذا الشمس كورت، قال المباركفوري: أخرجه النسائي
(250). (11) قال الترمذي: وروي عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قرأ في المغرب بالطور، قال المباركفوري: رواه
الشيخان وغيرهما (1 / 51). (12) قال الترمذي: وروي
عن أبي بكر أنه قرأ في المغرب بقصار المفصل، قلت: أخرجه
مالك وابن أبي شيبة والبيهقي وعبد الرزاق (2 / 109) وهو
صحيح. (13) وقال الترمذي: قد روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال من تمام الصلاة الخ، وروي عن
علي وعثمان أنهما كانا يتعاهدان ذلك، الخ (1 / 193) وكل
ما ذكره ثابت. (14) وقال الترمذي: وقد روي من غير هذا
الوجه عن أنس، الخ، قال المباركفوري: رواه البخاري
ومسلم وغيرهما (3 / 2). (15) قال الترمذي: قد روي
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، قال
المباركفوري: أخرجه مسلم (2 / 193). (16) قال الترمذي
قد روي عن أبي كعب أنه كان يحلف، الخ، وقد أسنده
الترمذي بعد ذلك، وقال: هذا حديث حسن صحيح (2 لم 69). (17)
قال الترمذي وهذا أصح لأنه روي عن ابن جريح
(2 / 50). (18) قال الترمذي قال: وقد روي من غير. هذا الوجه
ثم أسنده وقال حديث حسن (3 / 40). (19) قال الترمذي:
قد روي من غير وجه عن أبي هريرة، قال المباركفوري:
أخرجه الشيخان. (389). (20) قال الترمذي: وقد روي
عن ابن عباس، قال - المباركفوري: رواه ابن خزيمة (في
صحيحه). (3 / 391). (21) قال البخاري: يذكر عن ابن
عباس... في، الرقي بفاتحة الكتاب - وقد أسنده في موضع
15

آخر قاله ابن حجر (المقدمة ص 17). (22) قال البخاري
ويذكر عن عبد الله بن السائب... قال ابن حجر: هو حديث
صحيح على شرط مسلم، أخرجه في صحيحه. (23) قال
البخاري: ويذكر عن عثمان... إذا بعت فكل الخ - قال
ابن حجر: فالحديث حسن لما عضده من ذلك.
والحق الحقيق بالقبول في هذا الباب أن صيغتي الجزم
والتمريض ينبغي اعتبارهما، فلا ينبغي إطلاق صيغة الجزم
في شئ ضعيف، ولا إطلاق كلمة التمريض في صحيح وقوي
لكن أهمل ذلك كثير من المصنفين من الفقهاء وغيرهم كما حكاه
ابن حجر عن النوري في مقدمة فتح الباري، ومعنى كون
صيغ الفعل المجهول للتمريض أنها قد تستعمل ويراد بها
التمريض لا أنها وضعت لذلك، ولا أنها تستعمل في هذا
المعنى دائما، إلا أن يكون التزمه أحد من المصنفين كالمنذري
في ترغيبه فإنه صرح أنه إذا ذكر حديثا مبدوءا بكلمة يروى
أو روى فهو ضعيف، وأما غيره من المصنفين فصيغة التمريض
عند البخاري مثلا لا يستفاد منها الصحة (يعني أن صيغته
لا تدل على كونه صحيحا عند البخاري) لكن منه ما هو صحيح،
ومنه ما هو حسن، ومنه ما هو ضعيف، صرح به ابن حجر
وبرهن عليه بإيراد أمثلته.
والحاصل أن ما يحكي أو يذكر بصيغة التمريض لا تستفاد
من هذه الصيغة صحته، ولكن لا يلزم من كونه مذكورا بصيغته
إن يكون ضعيفا لا محاله، ولذلك تجد ابن تيمية
يورد حديثا في الكلم الطيب بصيغة يذكر، وهو صحيح في
نفسه، وله شاهد صحيح فيتعقبه الألباني لجهله ويقول:
16

لا وجه عندي لتمريضه، (ص 75)، ويورد حديثا آخر بهذه
الصيغة وهو حسن، انظر (ص 51).
12 - ومن شواهد جنفه وجروه عن العدل والحق،
تعاميه عنه أنه لما حاول أن يضعف حديث الهيثم بن حنش
في قول ابن عمر يا محمد، حين خدرت رجله، حكى عنه
الخطيب البغدادي أنه قال: الهيثم هذا مجهول، واقتصر على
هذه الحكاية، فموه بذلك أن الهيثم لم يذكره إلا الخطيب،
ولا يعلم عنه شئ سوى هذا، والواقع أن الهيثم ذكره
البخاري في تاريخه، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل،
وكلاهما صرح أن سلمة بن كهيل أيضا روى عنه فزالت جهالة
الهيثم، وتحقق جهل الخطيب بذلك، وكلا المرجعين بمرأى
من الألباني لأنه لم يعرف ما قاله الخطيب إلا بدلالة الشيخ
المعلمي الذي نقل قول الخطيب في تعليقه على تاريخ البخاري،
فلم يقم هذا الكفور بواجب شكره، لأنه لو فعل هذا لظهر
ما هو بصدد إخفائه من ذكر البخاري الهيثم وارتفاع جهالته،
فإن كان هذا الصنيع هو الذي يدعو إليه الألباني من اتباع
السنة الصحيحة فعلى هذا الاتباع السلام.
13 - ومن جنفه أو جهله أيضا أنه أعل هذا الحديث
بدعوى اختلاط أبي إسحاق السبيعي، ولم يدر أو درى فكتم
أن الحديث رواه سفيان الثوري أيضا، وهو من الذين حملوا
العلم عن أبي إسحاق قبل الاختلاط، كما صرح به ابن حجر
في المقدمة، وأما دعوى الاضطراب فمردودة بأنه لا يستبعد
أن يكون أبو إسحاق سمعه من الهيثم وأبي شعبة وعبد الرحمن
17

جميعا فيروي تارة عن الأول وتارة عن الثاني وتارة عن
الثالث، وقد صحح الألباني عدة أحاديث بإبداء مفل هذا
الاحتمال.
14 - ومن أبين الدلائل على جهله أنه يقول في حديث
(برد أمرنا) لم يتيسر لي الوقوف عليه في شئ من الكتب
المعروفة اليوم من كتب السنة وقد ذكر المؤلف (ابن تيمية)
إنه في الصحاح.. وأخشى ما أخشاه أن يكون الحديث
اشتبه على المؤلف بحديث (قد سهل لكم من أمركم) (تعليق
الكلم الطيب من 125 و 127).
انظروا إلى وقاحته أنه يحاول أن يتفوق على ابن تيمية
وهو يجهل إن هذا الحديث أسنده ابن عبد البر في استيعابه
بسند صحيح أو حسن، وفي آخره (برد أمرنا وصلح) انظر
هامش الإصابة (1 / 174 و 1 / 175).
15 - ومن فضائحه وشواهد جهله، وتسارعه إلى الحكم
على شئ من غير تثبت، وحبه التفوق إنه ندد بالمؤلفين في
تراجم رجال الستة إنهم أغفلوا هلالا مولى عمر بن عبد العزيز
فلم يذكروه، ومر د، هذا التنديد إلى تماديه في الجهل، فإنهم
قد ذكروه ولم يغفلوه، وإنما الألباني هو الغافل السادر،
وذلك أنهم ذكروه في الكنى (ترجمة أبي طعمة) وقد دل
مصحح التهذيب في هامشه على مكان ترجمته نقلا عن هامش
الأصل.
18

ومن فضائحه أنه حكم على هلال أنه مجهول، وتجهيله جهل
منه، لأن هلالا روى عنه عمر بن عبد العزيز بن عمر، وابنا
يزيد بن جابر، وعبد الله بن لهيعة، فهل يكون مجهولا من
روى عنه أربعة؟
وقد وثقه ابن عمار الموصلي فليس هو بمستور أيضا،
وقال ابن يونس: كان يقرئ القرآن بمصر، وقال ابن حجر
في التقريب: إنه مقبول لم يثبت أن مكحولا كذبه.
ثم من فضائحه أيضا وتسارعه إلى التخطئة والتغليط قوله:
أما رواية (ثلاث) - والحال أن رواية السبع في عمل اليوم
والليلة للنسائي من حديث عمر بن عبد العزيز مرسلا.
16 - ومن أوضح البراهين على جهله بطرق الأحاديث،
وجرأته على القول بمجرد الظن الذي لا يغني من الحق شيئا،
أنه ادعى في حديث الدعاء عند إرادة دخول القرية الذي صححه
ابن حبان والحاكم ووافقهما الذهبي، وحسنه الحافظ ابن
حجر: أن فيما قالوه نظرا لأن مداره على أبي مروان، وقد
قال فيه النسائي: ليس بالمعروف فلعل الحافظ أراد حسن
المعنى، (التعليق على الكلم الطيب ص 98) - وهذه الدعوى
كاذبة لأن النسائي أخرجه في اليوم والليلة من طريق مالك
ابن أبي عامر أيضا، وإسناده لا ينحط عن درجة الحسن ولا
يستغرب لو ادعى أحد صحته، وكذلك اعتماده على ما حكي
عن النسائي جهل منه، فإن أبا مروان ذكره الحافظ في كنى
الإصابة (في القسم الأول) وفي " معتب " وقال: مشهور بكنيته
وما أنكر صحبته إنكارا باتا، بل قال: إن إسناده واه،
19

وذكره في التهذيب فقال: روي عن علي، وأبي ذر، وأم
المطاع الأسلمية (ولها صحبة) وكعب الأحبار، وعبد الرحمن
ابن مغيب، وأبي مغيث على خلاف فيه، وروى عنه ابنه وعطاء
(كذا) وعبد الرحمن بن مهران، قلت ومن روى عنه اثنان
ارتفعت جهالة عينه، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، ذكره
ابن حبان في ثقات التابعين، وذكره الطبري في أسماء من روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: وبأقل من هذا ترتفع
جهالة حال الراوي، فعلى هذا قول النسائي: إنه غير معروف
من أمثلة تعنته فإن من كان من الرواة بهذا الوصف لا يصح
أن يقال فيه إنه غير معروف
17 - ومن هذا القبيل قوله في الصحيحة (سنة الجمعة
والمغرب القبليتين) ولو أنه تحرى الصواب لقال (سنة الجمعة
وسنة المغرب القبليتان).
ونحوه قوله وقد استدل بالحديث (يعني حديث ما من
صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان) بعض المتأخرين على
مشروعية صلاة سنة الجمعة القبلية وهو استدلال باطل، لأنه
ثبت في البخاري وغيره أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه
وسلم سوى الأذان الأول والإقامة وبينهما الخطبة (الصحيحة
3 / 68).
أقول: لو كان الاستدلال بحديث عبد الله بن مغفل (بين
كل أذانين صلاة) لكان لما قاله الألباني وجه، وأما إذا كان
الاستدلال بحديث ابن الزبير (ما من صلاة مفروضة إلا وبين
يديها ركعتان) فلا وجه له، لأنه لا مانع إذا من كونها
20

مشروعة قبل الآذان الأول، وإن من صلى ركعتين قبل الآذان
الأول صدق عليه أنه بين يدي صلاة مفروضة.
ولذا قال الحافظ بن حجر في الفتح إنه أقوى ما يتمسك
به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة (2 / 291).
ومن مجازفاته وسلوكه سبيل من يتبع الهوى في تحقيق
الأحاديث، قوله: كل ما ورد من الأحاديث في صلاة سنة الجمعة
القبلية لا يصح منها شئ، قلت: ولم يسرد تلك الأحاديث
ولا تكلم عليها بالتفصيل وإلا لافتضح اعتسافه - وأنا أريد
أن أظهر للقارئ ما أخفاه - فأعلموا أن الزيلعي وابن حجر
ذكرا حديثين مرفوعين، أحدهما عن ابن مسعود، وليس في
إسناده من يكون متروك الحديث وشيخ الطبراني علي بن
سعيد الرازي حسن الحديث عند الألباني (الصحيحة رقم 236)
وفيه أبو عبيدة عن أبيه، وقد حسن غير واحد مثل هذا
الإسناد، ومنهم الترمذي وأما قول الحافظ في إسناده ضعف
وانقطاع (الفتح 2 / 91) ففيه نظر.
وثانيهما حديث علي، قال الأثرم إنه حديث واه، وقال
ابن حجر فيه محمد بن عبد الرحمن السهمي وهو ضعيف عند
البخاري وغيره، وفيما قاله نظر فإن البخاري ذكره في التاريخ
وليس فيه سوى أنه ذكر حديثا من روايته ثم قال: لا يتابع
عليه، وحكاه ابن حجر في اللسان فجعله لا يتابع على روايته
فصار موهما بخلاف ما قال البخاري، وأما التصريح بالضعف
فلم أجد له عينا ولا أثرا، وأما غير البخاري فقال أبو حاتم:
ليس بمشهور: وليس صريحا في التضعيف، نعم حكى ابن
21

حجر عن ابن معين ويحيى بن معين من أعاظم المحدثين ويوثق
بقوله أنه قال ضعيف ونقله ابن أبي حاتم، لكن كتاب ابن
أبي حاتم بين أيدينا وليس فيه ما ادعاه ابن حجر اللهم إلا أن
يكون نقله في كتاب آخر.
وقد قال ابن عدي: عندي لا بأس به، وذكره ابن حبان في
الثقات وذكر له هذا الحديث.
والحق عندي أنه حسن الحديث لأنه روى عنه ابن المثنى،
ونصر بن علي، وخليفة، وسفيان العصفري، فبطل قول
أبي حاتم أنه ليس بمشهور ووثقه ابن عدي وابن حبان،
فحديثه هذا حسن لذاته ولا شك في كونه حسنا لغيره لأن له
شواهد.
وذكرا حديثا ثالثا عن ابن عمر أنه كان يطيل الصلاة قبل
الجمعة ويصلي بعدها ركعتين ويحدث أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يفعل ذلك، استدل به الإمام النووي على
مشروعية السنة قبل الجمعة.
وأما ما أورد عليه الحافظ بأنه إن كان المراد بعد دخول
الوقت فلا يصح مرفوعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة، فمما لا دليل عليه،
فهل ورد في شئ من الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا
خرج جلس على المنبر من غير تخلل شئ، بينهما.
وكذلك قوله: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يفعل ذلك) عائد على صلاته في بيته ركعتين، تخصيص بلا
مخصص، والظاهر أنه يعود على ما سبقه جميعا.
22

وأما أن بعض الرواة اقتصر على رواية الشطر الثاني
فقط، فهو من تصرفات الراوي، اختصر لحديث لغرض ما،
وهذا الاختصار منه كما لا يدل على إطالة ابن عمر الصلاة
قبل الجمعة، كذلك لا يدل على أنه لو ذكر الحديث بتمامه لم
يعد عليه تماما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله.
وعلى التنزيل ان لم يثبت رفعه بقول ابن عمر هذا فمعلوم
ما كان عليه ابن عصر من شدة تحريه للسنة، وتحرزه قولا
وفعلا عما لا يثبت عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا
دليل آخر لثبوته عنه صلى الله عليه وسلم.
وذكر ابن حجر حديثا رابعا وهو عن أبي هريرة بلفظ
(كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعا) رواه
البزار، قال الحافظ في إسناده ضعف، الفتح 2 / 191)
وعزاه في التلخيص للطبراني ولفظه: وبعدها ركعتين،
وسكت عليه.
وذكرا حديثا خامسا وهو ما رواه ابن ماجة في سننه عن
أبي هريرة وجابر قالا: جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
أصليت ركعتين قبل أن تجئ؟ قال: لا، قال: فصل ركعتين
وتجوز فيهما، قال الحافظ في التخليص، وحكى ابن
تيمية أن قوله: " قبل أن تجئ " دليل على سنة الجمعة
القبلية، وحكى عن المزي أنه مصحف (أن تجلس) وهي
دعوى لا دليل عليها ولهذا لم يعرج عليها ابن تيمية،
23

ولا الزيلعي، ولم يعبأ به ابن حجر غير أنه حكى هذا
الكلام عنه.
وذكرا حديثا سادسا وهو حديث ابن عباس عند ابن ماجة،
قال الحافظ: إسناده ضعيف جدا.
فهذه ستة أحاديث بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها
ضعيف، وليس واحد منها شديد الضعف إلا السادس، ولو
فرض أن كلها ضعيف أن كلها ضعيف فهلا بعضها ببعض حتى يبلغ إلى
درجة الحسن، وقد سلك الألباني هذا المسلك في مواطن كثيرة،
(أنظر صحيحته 3 / 67) حيث يقول: نعم! الحديث حسن
لغيره فإن له شاهدا.
وقال في الصحيحة 1 / 42 كلها ضعيفة الأسانيد، ولكن
بعضها يشد بعضا.
وقال في الصحيحة 2 / 16 وجملة القول إن الحديث بهذه
الطرق صحيح.
وقال في الصحيحة 2 / 39: وبالجملة فالحديث بهذه الطرق
والشواهد يرتقى إلى درجة الصحة.
وقال في الصححية: الكديمي متهم لكنه قد توبع فالحديث
حسن إن شاء الله (5 / 171).
وقال في الصحيحة: وجملة القول إنا هذا الإسناد ضعيف
ولكن ليس شديد الضعف فيصلح شاهدا لحديث أبي إمامة
فيرتقى به إلى درجة الحسن (3 / 151).
24

وقال في الصحيحة: مرسل لكن له شاهد موصول يتقوى
به - ثم ذكر الشاهد، وفي إسناده عبد الله المعمري المعروف
بسوء الحفظ، فقال فمثله مما يصلح للاستشهاد به لأن
ضعفه لم يأت من تهمة في نفسه، بل من حفظة، فضعفه
يسير فهو شاهد قوي لمرسل الزهري وبذلك يصير الحديث
صحيحا كما تقتضيه قواعد هذا العلم الشريف (ولكن بشرط
أن تهوى نفسك صحة الحديث، وإلا فلا).
وقال في الصحيحة: وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات
جيد (5 / 253).
وذكر في آداب الزفاف حديثا من صحيح مسلم وضعف
إسناده ثم ذكر له شواهد وقال فالحديث بهذه الشواهد صحيح
أو حسن على الأقل (ص 63).
وقال في آداب الزفاف: هب أن إسناد الحديث ضعيف ولكنه
ضعف ليس بالشديد، فمثله ينجبر بمجيئه من طريق أخرى
أو بشاهد يشهد له كما هو مقرر في مصطلح الحديث
(ص 136).
وقال في الصحيحة: فإن شريكا... سئ الحفظ ومثله
متابعة قيس لكن الحديث حسن باقترانهما معا وهو صحيح
لغيره لوروده من طرق أخرى (5 / 164).
وقال في الصحيحة: والحديث وإن كان إسناده ضعيفا فإنه
لا يدل على ضعفه وعدم ثبوته في نفسه لاحتمال أن له إسنادا
حسنا أو صحيحا، أو أن له شواهد يدل مجموعها على ثبوته،
25

والواقع أن هذا الحديث كذلك فإن له شواهد تدل على أن له
أصلا (رقم 401).
وقال في الصحيحة: وجملة القول إن الحديث بمجموع
طريقيه وهذا الشاهد صحيح بلا ريب (رقم 381).
وذكر في الصحيحة حديثا مع شواهده وضعف كل واحد
منها، ثم قال: وجملة القول إن الحديث بمجموع طريقي
عمرو، وطريق عمر وطريق أبي سعيد يرتقي إلى درجة
الحسن لغيره على أقل الأحوال.
وذكر في آداب الزفاف حديثا أشار إلى ضعفه ثم قال: لكن
متن الطريق الأولى... له شاهدان أوردهما الهيثمي...
ولهذا حسنته (ص 38).
وقال في الصحيحة: وجملة القول: ان الحديث قد جاء من
طرق عمن ذكرنا من الصحابة وإن كانت مفرداتها لا تخلو من
ضعف فإن بعضها ليس ضعفها شديدا (هذا مشعر بشدة
ضعف بعضها) (1) ولذلك فإني أرى أنه يرتقى بمجموعها إلى
درجة الحسن على أقل الأحوال (رقم 343 - 4 / 66).
وقد أكثر الألباني من تحسين الأحاديث لشواهدها أو
متابعاتها الضعيفة، حتى لقد أعياني أن أنقلها برمتها، وقد
(1) والأمر كذلك فإن أوله حديت منكر قاله ابن أبي حاتم، والثاني فيه الوليد ضعفه ابن
معين والنسائي وغيره والثالث فيه كذاب، وآخرها هالك والحديث واه جدا، فيه أيضا
من يضع الحديث، وكذبه ابن المنذر، وفيه مجهول، والرابع قال العراقي إسناده
ضعيف، والخامس انفرد به واه (أنظر رقم 343)
26

يمل القارئ من قراءة ما نقلت منها مع أنه قليل جدا،
وتصرفاته في هذا الباب عجيبة فتراه ينقض في الضعيفة، ما
أبرمه في الصحيحة، ويهمل القواعد التي راعاها في الصحيحة
فلا يقيم لها وزنا في الضعيفة، وذلك لأن التصحيح والتضعيف
دائما يكونان بحكم شهوته، وطبق هواه فإذا اشتهى أن يصحح
حديثا يتقوى به في الخروج على أئمة الاجتهاد والفتوى، أو
جهابذة الحديث وصيارفة الفن، استعمل قاعدة من القواعد،
وإذا اشتهى أن يضعف حديثا كذلك نبذها وراء ظهره.
ومن أمثلتها الواضحة: سنة الجمعة القبلية فإنه لا يستطيع
أن ينكر ورود الأحاديث العديدة فيها فلم يجد بدا من الاعتراف
بذلك لكن يردها بحيلة أن بعضها أشد ضعفا من بعض،
ويتناسى أن كثيرا من الأحاديث التي بعضها أشد ضعفا من
بعض قد صححها أو حسنها حين اشتهى ذلك، وقد ذكرت أمثلتها
- وكذلك ضرب الذكر صفحا عن الموقوفات وآثار الصحابة
التي في هذا الباب، والتي لا مجال للارتياب في صحة أسانيد
بعضها، وهي من دلائل ثبوت السنة القبلية عن النبي صلى الله
عليه وسلم، ولكن الألباني يتعامى عنها لأن نفسه لا تشتهيها -
وكذلك يغمض عينيه حين يقع بصره على (باب الصلاة قبل
الجمعة وبعدها) في مصنف عبد الرزاق (المتوفى سنة 211)
و (الصلاة قبل الجمعة) في مصنف ابن أبي شيبة (المتوفى سنة
235) و (الصلاة بعد الجمعة وقبلها) في البخاري (المتوفى
سنة 256) و (الصلاة قبل الجمعة وبعدها)، في الترمذي
27

(المتوفى سنة 279)، لأن هؤلاء الأئمة قد ذكروا في هذه
الأبواب ما يفيد ثبوت تلك السنة، فروى عبد الرزاق: كان
عبد الله بن مسعود يأمرنا أن نصلي قبل الجمعة وبعدها أربعا،
وروى أنه كان يصلي قبلها أربع ركعات وبعدها أربع ركعات،
وروى ابن أبي شيبة فعله من وجه آخر، وروى عن ابن عمر
أنه كان يهجر يوم الجمعة فيطيل الصلاة قبل أن يخرج الإمام،
وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال صل قبل الجمعة عشر
ركعات، وروى عبد الرزاق عن عطاء أنه كان يصلي قبل
الجمعة اثنتي عشرة ركعة، وروى ابن أبي شيبة عن إبراهيم
قال: كانوا يصلون قبلها أربعا، وعن طاووس أنه كان لا
يأتي المسجد يوم الجمعة حتى يصلي في بيته ركعتين، وروي
عن أبي مجلز نحوه، وأخرج ابن سعد عن صفية بنت حيي
أنها صلت قبل الجمعة أربعا حكاه الحافظ في الدراية
(ص 143).
وأقول بعد هذا كله إن الألباني لو كان صادقا في ادعائه
خلع ربقة التقليد عن عنقه لوجد في الأحاديث الصحيحة التي
لا يحوم حولها شك ما يدل دلالة واضحة على مشروعية الصلاة
قبل الجمعة لمن شهدها في المسجد قبل خروج الإمام، لكن
منعه من الإيمان بهذه الأحاديث جموده على تقليد العلماء
الذين حملوها على مطلق النافلة، فمن ذلك حديث سلمان عند
البخاري ولفظه: ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما
كتب له ثم ينصت - ومن ذلك حديث أبي الدرداء عند أحمد
28

ولفظه ثم يركع ما قضى له - ومن ذلك حديث أبي ذر ولفظه:
فيركع إن بدا له، وكذا في حديث أبي أيوب وأبي سعيد عند
أحمد - وفي حديث نبيشة الهذلي عند أجمد (فإن لم يجد
الإمام خرج صلى ما بدا له) - وفي حديث أبي هريرة عند
البغوي (فصلى ما قدر له ثم ينصت) - وفي حديث أبي سعيد
وأبي هريرة عنده (ثم ركع ما شاء الله أن يركع وانصت إذا
خرج الإمام)، ففي هذه الأحاديث كلها ندب النبي صلى الله
عليه وسلم إلى الصلاة قبل الجمعة غير أنه صلى الله عليه وسلم
لم يعزمها عليهم ولم يعين عدد ركعاتها، في هذه الأحاديث.
18 - ومن قصور علمه وفضوح جهله إنه ذكر في الصحيحة
حديث عمران بن حصين برواية الرامهرمزي، وفي آخره بيان
يزيد بن هارون لمجمل الحديث ظنا منه لا رواية - فسمى
الألباني هذا البيان والتفسير من " زيادة " فقال (وإنما أوردته
من أجل هذه الزيادة) (3 / 138) وكذا يسميه زيادة في قوله
(بيد أن هذه الزيادة معروفة وثابتة. الخ) ولم يفطن المسكين
إن مثل هذا البيان من مزعومات الراوي لا يسمى زيادة وإنما
يسمى بالزيادة ما يزيده الراوي على غيره من الرواة في نفس
الحديث رواية لا رأيا.
وكذلك من دلائل جهله قوله: (عمران بن حصين عند
أحمد من طرق أخرى عن حماد بن سلمة به دون الزيادة).
أقول: لما كانت هذه (الزيادة) من قول يزيد نفسه، والذي
رواه أحمد هو من طرق أخرى (غير طريق يزيد) فأي حاجة
29

إلى التنصيص على أن أحمد رواه به دون الزيادة، وإنما
مست الحاجة إليه إذا كان أحمد رواه من طريق يزيد.
وكما أن من مخازي الألباني تسميته قولا أو رأيا بلا دليل
لراو زيادة في الحديث ليلبس بذلك على أمثاله من جهلة
(أهل الحديث) إن هذا القول كأنه من نفس الحديث، كذلك
من مخازيه أن يسر أسماء جماعة من الصحابة الذين استفاض
عنهم هذا الحديث من غير أن يذكر لفظ حديثهم ليتم له ما
أراد من التعمية عن الحق والتلبيس.
وبيان ذلك أن الألباني يحاول إقناع رجال حاشيته من
جهلة أهل الحديث إن الطائفة المنصورة هي طائفة أهل الحديث
مع أنه لم يرد ذلك في حديث مرفوع، ولا موقوف صحابي، أو
تابعي، بل هي خلعة خلعها عليهم ابن المبارك، وابن المديني،
وتلميذه البخاري، وقال يزيد بن هارون وأحمد: إن لم
يكونوا هم أصحاب الحديث فلا أدري من هم؟ فهما لا يقطعان
بذلك لكنه شئ يذهب إليه ولهم - وعليك أن لا يذهل أن
القائلين بذلك جزما أو على سبيل الاحتمال هم جميعا من
أصحاب الحديث، ومن الذين لا يستشرف إلى أن يكون مصداقا
لحديث فيه ذكر فضيلة أو مدح جماعة، والألباني حين يسرد
أسماء هؤلاء القائلين يعقبه بسرد نصوصهم ولكنه حين يسرد
أسماء الصحابة الذين رووا الحديث لا يسرد نصوص أحاديثهم
لأن في تلك النصوص ما يدحض أقوالهم ويخلع عنهم هذه
30

الخلعة، ويجعل أماني الألباني هباءا منثورا - فإليك بعض
نصوص الأحاديث التي أغمض الألباني عنها عينه، وطوى
ذكره.
1 - افتتح الألباني الكلام على هذه الطائفة بذكر حديث
عمران برواية الرامهرمزي، وقال بعد ذلك إن حديث عمران
أخرجه أحمد، وأبو داود والحاكم دون هذه الزيادة لكنه
تغاضى عن نص الحديث وتحامى نقله، لأن نصه عند الحاكم
(لا تزال طائفة من التي يقاتلون على الحق ظاهرين على من
ناواهم حتى يقاتل آخرهم الدجال) فهذا صريح في أن تلك
الطائفة الظاهرة هم المجاهدون الذين يقاتلون على الحق،
أنظر المستدرك 4 / 450، والمسند 4 / 437) وقد أخرجه
أبو داود تحت عنوان (باب في دوام الجهاد) فأشار بذلك إن
هذه الطائفة المنصورة هم المقاتلة المجاهدون.
2 - ومن الصحابة الذين سماهم الألباني أبو أمامة وعزا
حديثه للمسند (5 / 229) لكنه كتم نصه، وهو (لا تزال
طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا
يضرهم إلا ما أصابهم من لإوائه، حتى يأتيهم أمر الله، وهم
كذلك، قالوا: يا رسول الله! وأين هم؟ قال بيت المقدس
وأكناف بيت المقدس) تأمل في لفظ الحديث (على الدين
ظاهرين، لعدوهم قاهرين) ثم تأمل في دلالة النبي صلى الله
عليه وسلم على مكان وجود تلك الطائفة ومركز جولانهم، وهو
بيت المقدس - ولو كان أراد بهم أصحاب الحديث له كان الجواب
31

بخاري، وبغداد، وخراسان، وواسط، والشام، والبصرة،
والكوفة، والحجاز.
3 - ومن الصحابة الذين لم يسمهم الألباني جابر بن
عبد الله ولفظ حديثه (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على
الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) أخرجه مسلم (1 / 87 و
2 / 143) والحديث مذكور في كتاب الإمارة خلال أبواب الجهاد.
4 - ومن الصحابة الذين سماهم الألباني عمر بن الخطاب،
والمغيرة بن شعبة ولفظ حديث عمر عند الدارمي لا يزال
ناس من أمتي ظاهرين على الحق، ولفظ المغيرة عنده: لا يزال
قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتي أمر الله - والحديثان
أدخلهما الدارمي في كتاب الجهاد وترجم لهما (لا يزال طائفة
من هذه الأمة يقاتلون على الحق).
5 - قد عقد البيهقي بابا في سننه، عنوانه (باب إظهار
دين النبي صلى الله عليه وسلم الأديان)، واحتج لما ترجمه
بحديث جابر الذي سبق ذكره - وهذا الباب من أبواب كتاب
السير، انظر (9 / 177 و 180).
6 - وفي حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني:
يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت
المقدس وما حوله لا يضرهم من خذلهم ظاهرين إلى يوم القيامة
حكاه الحافظ في الفتح وقال يمكن الجمع بين الأخبار بأن
المراد قوم يكونون ببيت المقدس وهي شامية (13 / 231).
أنظر كيف يعرض بابن الهادي وابن تيمية، إنهما كانا
جاهلين بضعف هذا الحديث المكشوف ضعفه.
32

- قال ابن تيمية: ضعيف، قال الألباني: بل هو
ضعيف جدا، (ص 20).
2 - قال ابن تيمية: بل يقويها، قال الألباني: فيه
نظر (ص 21).
3 - قال ابن تيمية: ولم يتفقا إلا على حجامة المحرم،
قال الألباني: فيه أنظر (ص 71).
4 - فقول ابن القيم في زاد المعاد إنه لا يصح مردود عليه
بهذا التحقيق (ص 70).
5 - قال ابن تيمية: ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله
عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم، قال الألباني: ليس
الحديث بهذا اللفظ في أحد الصحيحين.
6 - قال ابن تيمية: وقال... (فضيقوا مجاريه بالجوع
والصوم) قال الألباني: لا أعلم لها أصلا قي شئ من كتب
السنة المطبوعة أو المخطوطة... ومن العجائب أن يخفى ذلك
على مثل المؤلف (ابن تيمية) (ص 56).
7 - قال ابن تيمية: هذا مستحب لما في السنن، قال
الألباني: هذا إسناد فيه ضعف (45).
8 - قال ابن تيمية: أمره بالوضوء من مس الذكر إنما
هو استحباب، قال الألباني: لا دليل على الاستحباب والأمر
للوجوب (ص 45).
33

9 - قال ابن تيمية: جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم بالتكبير بالعصر... قال الألباني: ضعيف بهذا السياق
(ص 32).
10 - ولم يذكر أحد مره بالقضاء، قال الألباني: فيه
نظر، فقد ذكره أكثر من واحد (ص 25).
11 - قال ابن تيمية: لكن هذا فيه إذا ذرعه القئ، قال
الألباني: لم أجد هذه الزيادة في شئ من الأصول التي عندي،
الخ (ص 22).
ويقول في حجة النبي صلى الله عليه وسلم:
12 - قال ابن تيمية: قيل إنها من قول الزهري لا من
قول عائشة، قال الألباني: الزهري جبل في الحفظ فكيف
يخطأ بمجرد قيل... فمن العجيب أن يعتمد على ذلك ابن
تيمية فيرد به حديث عائشة (حجة النبي 98).
ويقول في صحيحته:
13 - لا مانع من رمي الجمرات بحصيات قد رمي بها،
خلافا لابن تيمية (حجة النبي. 9).
14 - فذلك القول منه (2) غير مقبول، بل هو مرفوض بهذا
الحديث، وكم كنا نود أن لا يلج ابن تيمية رحمه الله هذا المولج
(صحيحة الألباني 38 / 2).
15 - قد وهم ابن تيمية حيث جعل الحديث من أوراد
الدخول إلى المسجد (صحية ألباني 3 / 51).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(2) أي قول ابن تيمية بقدم العالم مع حدوث أفراده أ ه‍.
34

16 - ويقول في صحيح الكلم الطيب:
أنصح لكل من وقف على هذا الكتاب (الكلم الطيب
لابن تيمية) وغيره أن لا يبادر إلى العمل بما فيه إلا بعد التأكد
من ثبوتها وقد سهلنا له السبيل إلى ذلك بما علقنا عليه، فما
كان ثابتا منها عمل... وإلا تركه (صحيح الكلم الطيب
ص 4).
وليس يعني الألباني بذلك إلا أنه يجب على الناس أن
يتخذوه إماما، ويقلدوه تقليدا أعمى، ولا يعتمدوا على
أحد من العلماء من الثقات الأثبات من المحدثين في ثبوت
الأحاديث حتى يسألوا الألباني ويرجعوا إلى تحقيقاته، وليس
هذا الأمر من الألباني مقصورا على كتب ابن تيمية بل هو عام
شامل لأكثر كتب الحديث، فقد صرح أن واقع حال أكثر كتب
الحديث فضلا عن غيرها أن فيها ما لا يثبت نسبته إلى النبي
صلى الله عليه وسلم بل وما هو موضوع (صحيح الكلم الطيب
ص 4).
ومن أجل ذلك اتفق هو مع المكتب الإسلامي (المكتب
التجاري العظيم. للكتب في بيروت) أن يقدم السنة إلى الناس
مصفاة مما لا يثبت، وجرى على ذلك في عديد من مؤلفاته
كصحيح أبي داود، وصحيح الترغيب والترهيب، وأخيرا
اختصر كتاب الكلم الطيب لابن تيمية باقتراح صاحب المكتب
الإسلامي معترفا بأنه رآه اقتراحا نافعا مباركا، وكيف لا يرى
ذلك وقد شاهد ما حصل له ولصاحبه من النفع المادي الضخم
الذي جرأه ببركة اتفاقيتهما.
35

17 - ذكر ابن تيمية في الكلم الطيب حديث ابن عمر أنه
خدرت رجله فقال له رجل: أذكر أحب الناس إليك، فقال:
يا محمد، وذكر نحوه عن ابن عباس، فقال الألباني في الأول
أنه ضعيف، وفي الثاني أنه موضوع، ثم قال: إني استقبحت
إيراد المؤلف إياه، ولكنه جرى على سنن من قبله من المؤلفين،
(ويستحي الألباني أن يقول إنه قلدهم تقليدا جامدا) ثم
تتابع المؤلفون على ذلك كابن القيم وابن الجزري وصديق
حسن خان وغيرهم (يعني أنهم أصبحوا مقلدة مع أن أكثرهم
من أعداء التقليد) بل لم استحسن إيراده للأثر الذي قبله..
لأنه موقوف.. فلا يحتج به لو صح لا سيما وبعض المبتدعة
يستدلون به على جواز الاستغاثة بغير الله (وكل ما تستدل به
المبتدعة على جواز الاستغاثة ترى لزاما عليك أن تقول إنه
موضوع!).
18 - ذكر ابن تيمية حديث (نعم البيت الحمام) ساكتا
عليه فقال الألباني: أنا أرى أن هذا الحديث موضوع.
19 - ذكر ابن تيمية حديثا وقال: خرجه مسلم، فتعقبه
الألباني أنه ليس عند مسلم (الكلم الطيب ص 28).
20 - وذكر حديثا فقال: قال الترمذي: حديث حسن،
وتعقبه الألباني فقال: الأول أن الترمذي لم يخرجه بهذا
اللفظ، والثاني أن الترمذي لم يحسنه بل ضعفه (34).
21 - ذكر ابن تيمية حديثا فأورد عليه الألباني أن الابن
تيمية جعل الحديث بلفظين وهو في الحقيقة بلفظ واحد -
36

وعزا الحديث للمتفق عليه، وتبعه ابن القيم، وليس
كذلك (ص 38).
22 - قال ابن تيمية: وقد بلغنا إنه من حافظ على هؤلاء
الكلمات لم يأخذه إعياء، فقال الألباني: ما عرفت وجه هذا
البلاغ ولا عمن هو ومثله مما لا ينبغي أن يلتفت إليه
(ص 39).
23 - حكى ابن تيمية عن الترمذي في حديث أنه قال:
حديث حسن غريب، فقال الألباني: فيه ضعف عندي
(ص 40).
24 - وذكر حديثا في ص 43، فقال الألباني: لا أعرفه
وما أخاله يصح.
25 - وقال الألباني في ص 44: فالعجب من المصنف كيف
سكت عليه مع تضعيف مخرجه الترمذي له.
26 - وقال في ص 45: يلاحظ القارئ أن سياق الحديث
لا يناسب الباب.
27 - ذكر ابن تيمية حديثا عن بي داود، فقال الألباني:
أقول إنه لا يجوز العمل بهذا الحديث اتفاقا (ص 55).
28 - وقال في الصحيحة: وفيه رد على من يقول بأن العرش
أول مخلوق، ولا نص في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وإنما يقول به من قاله كابن تيمية وغيره استنباطا واجتهادا
ولا اجتهاد في مورد النص... وكم كنا نود أن لا يلج ابن
تيمية رحمه الله هذا المولج (2 / 48 رقم 134).
37

مناقضات
1 - الألباني قد يناقض نفسه، فينقض شيئا بعد ما
يبرمه (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) ومن أمثلته:
أنه يقول في ضيعغته؟ (رقم 433): (وقد ثبت ما يخالفه ففي
سنن أبي داود... من حديث. أبي الدرداء مرفوعا (انتهى)
ثم يقول حديث أبي الدرداء ضعيف ليس بجيد (كما قاله
النووي) فلا يغتر بعد هذا بقول النووي).
فأنا أسأل الألباني هل يجوز أن يقال في الحديث الضعيف
إنه ثابت؟ إن كان الجواب نعم، فليتحفظ به القارئ، وإن
كان الجواب لا، فالألباني ناقض نفسه.
2 - صرح الألباني في مواضع من كتبه: أن قول الحافظ
(مقبول) بمعنى لين الحديث انظر صحيحته رقم 90 ورقم
376 و 168، وقال: لم يوثقه الحافظ في التقريب، وإنما
قال: فيه (مقبول) رقم 373، وقال في التقريب (مقبول)
أي لين الحديث (2 / 160) ثم حسن حديث من قال فيه الحافظ
(وهو أبو ربيعة الأيادي) (مقبول) والحديث من أفراده عند
الحافظ، انظر حجاب المرأة، ص 30.
وقال في الصحيحة: والمنذر هذ (مقبول) كما في التقريب
فالحديث صحيح رقم 372.
وقال في الصحيحة: وقال الحافظ في التقريب: (مقبول)
فحديثه يحتمل التحسين رقم 258.
وقال في الصحيحة: هذا سند حسن مع اعتراف. الألباني
بأن في رجاله من قال فيه الحافظ: (مقبول) رقم 227.
38

وقال في حجاب المرأة: إسماعيل هذا... لم يذكر فيه
(ابن أبي حاتم) جرحا ولا تعديلا، وفي التقريب: (مقبول)...
فمثله يستشهد به لا سيما وقد حسن إسناده الذهبي (ص 26).
3 - قال الألباني في الصحيحة (رقم 343): (ومن المعلوم
أن توثيقة (ابن حبان) غير معتمد عند المحققين من العلماء
والنقاد... ومنهم الذهبي).
ورد على المنذري حين حسن إسنادا فيه من وثقه ابن حبان
بقوله: وفي ذلك نظر عندي لما قررناه مرارا إن توثيق ابن
حبان فيه لين (الصحيحة رقم 105).
وقال في حجاب المرأة: فهو في عداد المجهولين وإن أورده ابن
حبان في الثقات على قاعدته ومنه تعلم أن قول البوصيري...
إسناده حسن، غير حسن (ص 110) ثم ناقض الألباني نفسه
فصحح حديث عبد الله بن يسار واحتال له إن عبد الله هذا وإن
لم يكن يذكرون توثيقه عن غير ابن حبان فقد روى عنه
جماعة من الثقات (حجاب ص 67) وحسن حديث المهاجر بن
عمرو وقال: وثقه ابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات
(حجاب ص 110).
وقال في يحيى بن مالك: فمثله حسن الحديث إن شاء الله
لتابعيته ورواية جماعة من الثقات عنه الخ (صحيحة
رقم 365).
وحسن حديث ابن سليط ولم يوثقه إلا ابن حبان، ولم
يرو عنه إلا واحد أو اثنان، كما في آداب الزفاف ص 64
و 88.
39

الألباني
شذوذه وأخطاؤه
- 2 -
بسم الله الرحمن الرحيم
بقية المناقضات
4 - قال الألباني في عدة مواطن من الصحيحة: قال
الترمذي: غريب يعني ضعيف.
وقال في تعليق الكلم الطيب (وضعفه الترمذي) بقوله
غريب ص 117.
وقال فيه: وإسناده ضعيف وأشار إلى ذلك الحافظ بقوله
(حديث غريب) (ص 100).
وقال فيه: حديث ضعيف ضعفه الترمذي بقوله غريب لا
نعرفه إلا من هذا الوجه (ص 89).
وقال فيه: قال (الترمذي) في كل منهما حديث غريب،
يعني ضعيف (ص 82).
وقال فيه: وضعفه (الترمذي) بقوله حديث غريب
(ص 55).
ثم إنه ناقض نفسه فقال: فهو حديث صحيح، ولا ينافيه
قوله (أي قول أبي نعيم) (غريب) لأن الغرابة قد تجامع
الصحة كما هو مقرر في مصطلح الحديث (صحيحة ج 1 ص 42)
ويؤيده ما في الصحيحة (ج 5 ص 231) من إطلاقه الغريب
على غير الضعيف.
40

تحريم الصور التي توطأ
قال الألباني: إن التحريم يشمل الصورة التي توطأ أيضا
إن تركت على حالها ولم تغير بالقطع وهو الذي مال إليه
الحافظ في الفتح.
قلت: قوله هذا مخالف للأحاديث الصحيحة، منها حديث
القاسم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نزع الستر
الذي فيه التصاوير فقطعه وسادتين فكان يرتفق عليهما،
وفي أخرى أن عائشة قطعته وجعلت منه وسادتين (رواه
البخاري وروى الأول مسلم).
فليس في هذا الحديث إلا ذكر قطع الستر وجعله وسادتين،
وظاهر أن هذا لا يكون إلا في الموضع الذي إذا أوقع القطع
فيه أمكن جعل الستر وسادتين، فالقطع حينئذ لا يستلزم تغيير
الصورة، وكانت فيه صورة عديدة للخيل ذوات الأجنحة،
وزد على ذلك أنه ليس في الحديث إلا ذكر القطع مطلقا من أي
موضع كان، والحديث ساكت تماما عن إيجاب تغيير الصورة
وغير متعرض له، فإن كان التغيير واجبا لم يجز لعائشة أن
تطوي ذكره وتقتصر على ذكر ما لا دخل له في تحليل استعمال
الستر، والأوضح دلالة على هذا قولها في طريق شعبة عن ابن
القاسم عن أبيه عند الدارمي (كان لنا ثوب فيه تصاوير
فجعلته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فنهاني
أو قالت فكرهه، قالت فجعلته وسائد) وهذا ظاهره أن مطلق
جعله وسائد يكفي لجواز استعماله، وأنه لا يتوقف على تغيير
صورة.
41

ومنها حديث أبي هريرة (ومر بالستر فليقطع ولتجعل
وسادتين تبتذلان وتوطئان) فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم
في هذا الحديث أيضا أن تغير الصورة التي الستر، بل
اكتفى بالأمر بقطع الستر مطلقا (من أي موضع كان) فلو
لم يكن جعل الستر وسادتين توطآن كافيا لحل استعمال الستر
لم يسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه في معنى تأخير
البيان عن وقت الحاجة، والألباني لا يجوزه - أو فيه إهمال
لما هو الضروري - واكتفاء بذكر ما ليس بالضروري، وبلاغة
كلام النبي صلى الله عليه وسلم تأبى ذلك.
وأوضع من هذا ما في حديث أبي هريرة عند أحمد وهو
(فلم يمنعني... إلا أنه كان في البيت تمثال رجل، وكان
في البيت قرام ستر فيه تماثيل، فمر برأس التمثال يقطع
فيصير كهيئة الشجرة. وأمر بالستر يقطع فيجمل منها
وسادتان توطآن (مسند أحمد ص 305).
ومنها ما جاء في حديث أبي هريرة من طريق أبي بكر بن
عياش عن أبي إسحاق (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فإما
أن تقطع رؤسها أو تجعل بساطا يوطأ) ففي هذا تبيين وإيضاح
لما هو المراد من ألفاظ الطرق الأخرى.
وتصريح بما تدل عليه تلك للطرق من غير صراحة، وهو
أن جعل الستر وسادتين يقطعه، وجعله بساطا يوطأ، يكفي
لجواز استعماله ولو لم تقطع رؤوس للصور، كما أنها لو
قطعت حل استعماله أيضا.
42

وأما ترجيح الألباني حديث معمر على حديث أبي بكر بن
عياش بناء على توهمه الفاسد إنهما متعارضان فجهل منه، ولا
تعارض بينهما كما ذكرنا، وأقول ثانيا إن ترجيحه معمرا على
أبي بكر بن عياش بدعوى سوء حفظه لما كبر مردود عليه،
لاحتمال أن يكون حدث به من كتابه وكتابه صحيح كما أقر به
الألباني - ولأن أبا بكر إن كان ساء، حفظه فمعمر أحاديثه عن
أهل العراق ضعيفة، قال ابن معين وهو يحيى بن معين
المعروف بحفظه ورعايته للأحاديث النبوية! إذا روى معمر
عن أهل العراق فخالفه.
وأقول بعد هذا كله أن قوله صلى الله عليه وسلم: (ولتجعل
منه وسادتين تبتذلان وتوطآن) أو قوله (منبوذتين توطآن)
دليل على إبقاء الصورة كما هي حتى تبتذل وتوطأ وتهان،
فإن الصور لو كانت قطعت رؤوسها، أو غيرت عن هيئاتها،
فلم تبق صورا تستحق الامتهان والإهانة.
وهذا الذي استنبطته من قوله: (منبوذتين توطآن)
منصوص عليه في رواية أحمد، ولفظة (فلقد رأيته متكئا على
إحداهما وفيها صورة) وإن تعجب فعجب نقل الألباني هذا
اللفظ في آداب الزفاف ثم اطراحه اتباعا لهواه، وتأويله
تأويلا بشعا بقوله: (لعل الصورة المذكورة في آخر الحديث كان
وقع القطع في وسطها بحيث إنها خرجت عن هيئتها) ولو كان
مثل هذا التأويل ارتكبه أحد المتمذهبين لرماهم بمخالفة الحديث
لأجل قول أمامه، وبترجيح الرأي على قول الرسول أو فعله
صلى الله عليه وسلم.
43

ولو كان عنده شئ من الفهم أو الحياء لما استجاز أن يرد
هذا الحديث بذلك التأويل الفاسد لأن تلك الصورة إن كانت
قطعت من وسطها لكان نصفها الأعلى في وسادة ونصفها الأسفل
في وسادة أخرى، ولم يصح أن يطلق على واحد منهما اسم
الصورة، ولأنها إذا لم تبق صورة محرمة لقطعها، فأي فائدة
في إضافة قولها (وفيها صورة) وإنما تكون هذه الإضافة
مفيدة إذا كانت الصورة كاملة، وهي إفادة جواز استعمال
الوسادة ولو كانت مصورة، لأجل امتهانها.
ولهذا صرح البيهقي بالرخصة فيما يوطأ من الصور، وهو
أعلم بالحديث وأفقه من ابن حجر، (أنظر البيهقي ج 7
ص 269).
وكذا ترجم ابن ماجة لهذا الحديث بقوله: باب الصور
فيما يوطأ، ويؤيد ما ذهبنا إليه أثر أبي طلحة (إنه دعا إنسانا
فنزع نمطا تحته، فقال له سهل بن حنيف: لم تنزعه؟ قال:
لأن فيه تصاوير) تأمل فيه، أن أبا طلحة، يستعمل نمطا فيه
تصاوير، وليس ذلك، إلا أن التصوير ممتهن في البساط
والنمط (وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ما قد
علمت - فقال سهل: ألم يقل إلا ما كان رقما في الثوب، قال
(أبو طلحة): بلى، ولكنه أطيب لنفسي) ولذلك قال الحافظ
ابن حجر في شرح حديث نافع عن القاسم عن عائشة: (وفي
رواية للنسائي إما أن تقطع رؤوسها، أو تجعل بسطا توطأ،
وفي هذا الحديث ترجيح قول من ذهب إلى أن الصورة التي
44

تمتنع الملائكة من دخول المكان التي تكون فيه باقية على هيئتها
مرتفعة غير ممتهنة - فإما لو كانت ممتهنة لكنها غيرت عن
هيئتها، إما بقطعها من نصفها، أو بقطع رأسها فلا امتناع)
(وذكر الحافظ بعد ذلك جمعا آخر عن القرطبي ثم قال) وهو
جمع حسن، ولكن الجمع الذي دل عليه حديث أبي هريرة أولى
منه (الفتح ج 10 ص 303).
وأما تقوية الألباني رأيه الفاسد بلفظ حديث أبي هريرة
من رواية يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد، عند أحمد،
فيدفعه لفظ أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن مجاهد عند
النسائي، وقد سبق منا ذكر مر حجاته، وإن احتال الألباني
لتضعيف حديث ابن عباس بادعاء سوء حفظه وباختلاط أبي
إسحاق، فيونس كانت فيه غفلة شديده، وكانت فيه سخنة،
قاله يحيى القطان، وقال أحمد: في حديثه زيادة على حديث
الناس، وقال أيضا حديثه مضطرب، وقال أبو أحمد الحاكم:
ربما وهم في روايته، فقوله في الحديث فاقطعوا رؤوسها
فاجعلوها بساطا، من أوهامه، والصواب ما رواه أبو إسحاق
(إما أن تقطع رؤوسها أو تجعل بسطا توطأ).
، ومما يؤيد ما ذهبنا إليه أن البخاري ترجم بابا في صحيحه
بقوله: باب ما وطئ من التصاوير، واستدل للترجمة بقول
عائشة: فجعلنا وسادة أو وسادتين، وظاهر أنه لا يعني
بالتصاوير إلا ما كانت باقية على هيئاتها، لأن الصور المقطوعة
مفروغ عن بيان حكمها.
45

هل خاتم الذهب محرم على النساء؟
ومن تجرئة البغيض على اقتحامه مضائق المسائل، وتسوره
الممقوت على منبر الاجتهاد مع عرائه عن مؤهلاته، قوله في
آداب الزفاف: (إن النساء يشتركن مع الرجال في تحريم
خاتم الذهب عليهن، ومثله السوار، والطوق، من الذهب)
واحتجاجه بحديث أبي هريرة المروي في أبي داود ومسند
أحمد من طريق أسيد بن أبي أسيد البراد، ولفظه من أحب
أن يحلق حبيبه بحلقه من نار فيحلقه حلقة من ذهب، الخ.
وادعاؤه إن هذا الحديث مما صح في هذا الباب (أنظر
ص 132).
وإني حين أقرأ ما كتبه الألباني في هذا المبحث وفي غيره
أتذكر دائما قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن مما أدرك
من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
وذلك أنه صحح هذا الحديث مع أن في إسناده أسيد بن
أبي أسيد البراد ولم يوثقه أحد من نقاد الرجال غير ابن حبان،
وقد صرح الألباني مرارا أن توثيقه غير معتمد (أنظر مثلا
الصحيحة رقم 343) وتوثيقه لين (الصحيحة ج 2 ص 6)
وأما قول الحافظ إنه صدوق، فالحافظ ليس من الذين يرجع
إليهم، ويحتج بقولهم في الجرح والتعديل، وإنما هو حاكي
كلام أئمة النقد ليس إلا، فليسم لنا الألباني أحدا من أئمة
النقد قال في أسيد إنه صدوق، فإن احتال لذلك أن الدارقطني
قال في حقه: يعتبر به، فليس هذا في معنى صدوق، بل
مفهومه أنه لا يحتج به.
46

وعلى العلات لو سلمنا أن أسيدا (صدوق) فلا يكفي
لتصحيح حديثه مجرد كونه صدوقا، حتى يثبت أنه كان
حافظا، ضابطا.
قال الألباني في ضعيفته (ومما لا شك عندنا أن أبا حنيفة
من أهل الصدق، ولكن ذلك لا يكفي ليحتج بحديثه حتى
ينضم إليه الضبط والحفظ، وذلك مما لم يثبت في حقه).
فكذلك هب أن أسيدا صدوق ولكن لا يكفي ذلك ليحتج
به - وأتساءل هل يمكن لمن يكون متسما بسمة الحياء أن
يطرح أبا حنيفة، ويحتج بأسيد مع اعتقاده أن كليهما صدوق،
لم يثبت حفظه.
وقال في صحيحته: مالك بن سعيد صدوق، كما قال أبو
زرعة وأبو حاتم، لكن البخاري لم يحتج به، وإنما أخرج
له متابعة.. فمثله يحتج به إذا تفرد ولم يخالف (رقم 109).
وأسيد هذا قد تفرد به وحديثه (إن حمل على ظاهره) مخالف
لحديث غيره.
وهذا هو السر في أن الألباني لم يستطع أن يحكي عن أحد
تصحيحه لهذا الحديث إلا أنه أوهم أن المنذري قال: إسناده
صحيح، ولم انشط الآن أن أرجع إلى المنذري فإن كان قد
صحح عين هذا الحديث فكم من حديث صححه المنذري أو
الذهبي أو ابن خزيمة أو الحاكم، فرده الألباني بحيلة ضعف
بعض رواته، فانظر مثلا في الصحيحة: قال (الحاكم) صحيح
الإسناد ووافقه الذهبي، قلت: وفيه نظر، لأن الصنعاني
فيه ضعف من قبل حفظه (4 / 7).
47

ويقول في الصحيحة: قال (الحاكم) صحيح الإسناد ووافقه
الذهبي وذلك من أوهامه، فإن دراجا عنده واه (2 / 4).
ويقول في الصحيحة: فقول الحاكم عقبة: صحيح الإسناد،
مردود وإن وافقه الذهبي لجهالة المذكور (2 / 77).
ويقول في الضعيفة: ومنه تعلم أن قول المنذري إسناده
لا بأس به ليس كما ينبغي (رقم 327).
ويقول فيها: ومنه تعلم أن قول الحافظ في الفتح (إسناده
حسن) غير حسن (340).
ويقول فيها: قال الترمذي: حديث حسن غريب، وقال
الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، قلت: وليس كما
قالوا، ثم احتال للرد عليهم بكون أحد الرواة مدلسا.
ويقول فيها: وقد ذهل المنذري عن علة الحديث الحقيقية
وهي الجهالة والضعف والاضطراب... إلى قوله... وأما
في الترغيب فقال... إسناده حسن... والحق أن الحديث
ضعيف (رقم 346).
ويقول فيها: موضوع، أخرجه الترمذي... وقال:
هذا حديث حسن غريب (رقم 351).
ويقول فيها: وأما قول المنذري رواه أحمد ورواته رواة
الصحيح... فوهم واضح... ثم بين ضعفه (رقم 364).
ويقول فيها: قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري،
ووافقه الذهبي... وهذا من أوهامهما الفاحشة... فأنى
للحديث الصحة، وفيه هذا الرجل المجهول (رقم 404).
48

ويقول فيها: قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه
الذهبي، وأقره المنذري وأقول: كلا، (ثم ادعى إن في الإسناد
مدلسين ومجهولا) فأنى له الصحة (407).
ويقول فيها: ثم إن المنذري كأنه نسي هذا، فقال: رواه
ابن ماجة بإسناد صحيح! فأنى له الصحة؟ (رقم 211).
وأما قول الألباني: إن الترمذي حسن له حديثا في الجنائز
فتحسينه لا يجدي نفعا لأنه لا يصح تحسين حديث فيه صدوق،
حتى يثبت حفظه وضبطه.
فكيف ولم يحسن هذا الحديث بل غيره فلعله حسنه لوجود
متابع لأسيد، أو لأجل ورود شاهد لحديثه.
وإني لكثير التعجب من الألباني أنه كيف ادعى صحة حديث
أسيد واضطرابه في رواية هذا الحديث واضح، فهو يجعل
الحديث تارة من مسند أبي هريرة، وتارة من مسند أبي
موسى أو أبي قتادة (يشك فيه)، وتارة من مسند أبي قتادة
بدون شك، وقد صرح بذلك كله الألباني نفسه.
وأما قوله إن هذا الحديث إن لم يكن صحيحا فلا يلزم أن
يكون ضعيفا بل بينهما مرتبة وسطى هي مرتبة الحسن.
فقوله هذا متعقب من وجهين، الأول أنه إن كان هذا
الحديث حسنا لا صحيحا: فلماذا غر قارئيه بقوله: وإليك
الآن ما صح من الأحاديث والثاني أنه لا يجوز أن يكون هذا
الحديث حسنا وفي إسناده من لم يثبت حفظه وضبطه، وقد
قلت إن من يكون بهذه المثابة لا يحتج بحديثه، فإذا لم يحتج
به لم يكن حسنا، لأن الحسن يحتج به كما يحتج بالصحيح.
49

وأما قول الألباني (هب أن إسناد الحديث ضعيف ولكنه
ضعف ليس بالشديد، فمثله ينجبر بمجيئه من طريق أخر أو
بشاهد يشهد له) فهذا مسلم، لكن ادعاؤه (إن الشاه وهو
حديث ثوبان... إسناده صحيح) ليس بصحيح، وإن ذهب
إليه ذاهبون - لأن مدار الحديث على يحيى بن أبي كثير وهو
مدلس، وقد اعترف أن حديثه عن أبي سلام كتاب، وقال
يحيى بن معين: إنه لم يسمع من زيد بن سلام، فمن قال في
روايته (حدثني زيد) فقد وهم، وأما تشبثه بتصحيح الحاكم،
وموافقة الذهبي له، وتصحيح المنذري، وقول العراقي...
بإسناد جيد - فكم من حديث قد أسمعناك أن الثلاثة الأول
صححوه فرده الألباني لعلة، أفليس الانقطاع علة تمنع صحه
الحديث وكذلك بين يدي عشرات الأحاديث جواد العراقي
أسانيدها وضعفها الألباني بل ادعى كون بعضها موضوعا -
ولا أنشط هذه الساعة للإطالة بإيراد الأمثلة، فارجع إلى
ضعيفة الألباني وصحيحته إن أردت المتعة.
هذه مرحلة أولى مما يتعلق بثبوت الحديث، ولا يلزم من
ثبوت الحديث أن يتم للألباني ما أراده حتى يقطع مرحلة ثانية،
وهي مرحلة دلالته على المدعى، فنقول: لو فرضنا صحه
الحديث أو حسنه، فلا تقوم به الحجة، حتى تتعين دلالته على
المدعى، بحيث لا يحتمل معنى سواه، وهو منتف هنا،
والحديث الأول أعني حديث أبي هريرة (من طريق أسيد بن
أبي أسيد) ليس بصريح الدلالة على حرمة الطوق والسوار
ونحوهما لعينها، بل يحتمل أن يكون الوعيد واردا على إظهار
الزينة، والفخر، والمباهاة، وهذا الاحتمال هو الذي يدل
50

على اختياره صنيع أب داود، فإنه ذكر أولا حديث إباحة
الذهب، ثم ذكر هذا الحديث، وعقبه بذكر تحريم إظهار
الزينة.
وأما (لحديث الرابع فهو أيضا يحتمل، ما يحتمل الثاني،
وقد رجح النسائي هذا الاحتمال بإدخاله في باب الكراهية
للنساء في إظهار الحلي والزينة في الكبرى والصغرى كليهما،
وأدخله الحاكم في (زهد فاطمة الكبرى).
وقال ابن حزم: أما ضرب رسول الله صلى الله عليه
وسلم.. الخ (10 / 84).
وتعقبه الألباني بأن ابن حزم رواه من طريق النسائي التي
ليس فيها زيادة (من ذهب) ولا قوله صلى الله عليه وسلم
لبنت هبيرة (أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار) -
الخ. فكلامه ساقط فالحديث بالزيادتين نص قاطع على أن
الضرب كان من أجل الخواتيم.
(قلت) إن كان كلام ابن حازم ساقطا فكلام الألباني أسقط
منه، لأنه إن لم يكن في حديث النسائي (أيسرك أن يجعل الله
في يدك خواتيم من نار) فلا شك أن فيه قولة لفاطمة: (أيسرك
أن يقول الناس فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار)
ومنصوص في الحديث بأن السلسلة كانت من ذهب - مع هذا
لم يقل ابن حزم بتحريم سلسلة الذهب، ولم ير قوله عليه
السلام هذا نصا قاطعا في تحريمها، فبان بذلك كذب الألباني
في قوله: (أنا أقطع بأن ابن حزم لو وقف على هاتين الزيادتين
لما تردد مطلقا في تحريم الخاتم على النساء) لأن ابن حزم قد
51

وقف على مثل الزيادتين وما يساويهما، فلم يتأثر بذلك
أصلا.
وأقول كذلك إنه إن كان نصا قاطعا لم يحمله النسائي
على تحريم إظهار الزينة مع أن النسائي أعلم بطرق الحديث،
وافقه لوجوه دلالته، واشتد حرصا على اتباع الحديث منك
ومن أمثالك من الحديثيين، وإلا لارتدت عليه جميع تلك
الحملات العنيفة التي تشنها على متبعي المذاهب، ثم أقول
بعد ذلك: إن زيادة (أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم
من نار) مما تفرد به بعض الرواة، فإن الحديث رواه عن
يحيى بن أبي كثير هشام الدستوائي، وهمام بن يحيى، فلم
يذكر هذه الزيادة أحد من أصحاب هشام عنه أصلا، وأما
همام فذكره من أصحابه عبد الصمد بن عبد الوهاب وحده
فيما نعلم، ولم يذكره الطيالسي (انظر مسنده ومستدرك
الحاكم) فترد لأنها زيادة منافية لباقي الحديث لادعائك أنها
نص قاطع في التحريم، والباقي ليس بنص، وقد خالف راويها
الأكثرون، ولا سيما إن هماما قال فيه الساجي إنه سئ
الحفظ، ما حدث من كتابة فهو صالح، وما حدث من حفظه
فليس بشئ، وقال البرديجي يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال عفان: إن هماما لما نظر في كتبه رجع عن كثير مما
حدث به: وقال: كنا نخطئ كثيرا، وقال يزيد بن زريع:
حفظه ردئ، وقال ابن سعد: كان ثقة ربما غلط في الحديث،
وقال أبو حاتم: في حفظه شئ، وأما هشام فقال ابن أبي
حاتم: سئل أبي عن هشام وهمام أيهما أحفظ؟ فقال:
52

هشام، وقال: سألت أبي وأبا زرعة من أحب إليكما من
أصحاب يحيى بن كثير؟ قالا: هشام.
وسئل أحمد عن الأوزاعي والدستوائي أيهما أثبت في
يحيى بن أبي كثير قال: الدستوائي، لا تسأل عنه أحدا، ما
أرى الناس يروون عن أثبت منه.
وأريد في الختام أن ألقي على الألباني سؤالا، وهو أن
ابن حزم وأنت كلاكما يرى اتباع الحديث ويدعو إليه،
ولكن كيف السبيل إليه؟ تقول في حديث إنه نص قاطع في باب
كذا، ويقول ابن حزم: أن قولك هذا كذب بلا شك، فتكرم
علي بإفادتي أولا من الكاذب منكما ثم بإفادتي ثانيا هل كلاكما
متبع للحديث أو واحد منكما؟ فإن كنتما جميعا متبعين
فلازم هذا أن النقيضين من السنة، وأن الحديث يأمر
بالنقيضين مما - وإن، كان واحد منكما، فكيف لنا أن نعرف
صدق أحدكما وكذب الآخر، وكيف نعرف الذي هو. أولاكما
بدعوى الاتباع.
ثم احتج الألباني بحديث عائشة المروي في سنن النسائي،
لكنه تحامى أن يذكره بلفظ النسائي، وقد أورده ابن حزم
بلفظه، ثم قال: إن هذا الخبر حجة لنا، لأنه ليس في هذا
الخبر أنه صلى الله عليه وسلم نهاها (أي عائشة) عن مسكتي
الذهب، وإنما فيه أنه عليه السلام اختار لها غيره، ونحن
نقول بهذا (10 / 83).
قلت: هذا لو كان الحديث ثابتا لكنه غير ثابت، لأن
النسائي قال فيه: إنه غير محفوظ، وهو من أهل الاختصاص
53

في هذا العلم، فلا بد أن يسلم له الألباني، وإن قال: إنا
لا نسلم له حتى يأتي ببرهان فما الفرق إذا بينه وبين غير
أهل الاختصاص، فغير أهل الاختصاص لو أتى بالبرهان
المطلوب لمثل هذه المسائل لوجب قبوله.
وبعد هذا كله يجب على الألباني أن يدفع أولا الاضطراب
الذي في متن الحديث، فإن اللفظ الذي نقله الألباني هو
(رأى في يد عائشة قلبين ملويين من ذهب) واللفظ الذي في
النسائي والذي نقله ابن حزم (رأى في يدها مسكتي ذهب)
وإن اللفظ الذي نقله الألباني هو (القيها عنك) ولفظ
النسائي (لو نزعت هذا وجعلت مسكتين من ورق... كانتا
حسنتين).
ولا أستبعد أنه إذا حاول أن يدفع - الاضطراب اضطر أن
يقول بما قال به ابن حزم.
5 - ثم احتج الألباني بحديث أم سلمة، وليس فيه إلا
إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن شبيرات الذهب،
والإعراض لا يدل على الحرمة بل على أنه لا يحبها، أو أنه
يفضل غيرها عليها، ألم ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ
خاتم الذهب الذي أهداه له النجاشي - بعود معرضا عنه، ثم
دعا بنت ابنته، وقال: (تحلي بهذا يا بنية) أخرجه أبو داود
وابن ماجة، فهل ترى أنه كان حراما؟ وأما قول: الألباني:
إن فيه أشار إلى تحريم الخرص الذهب، وإلا لما رغبهن في
خرص الفضة فلا يقول به إلا جاهل، فقد رغب النبي صلى، الله
54

عليه وسلم في الزهد في أشياء كثيرة كالاكتفاء باليسير البسيط
من المطعم، والخشن من الملبس، والذي يكن من المطر وغيره
من البيوت، فلم تقل بحرمه ما فوق ذلك.
ثم قال الألباني: له شاهد من حديث أبي هريرة - قلت
قال ابن حزم: فيه أبو زيد مجهول.
قلت، وأنكر ابن المديني (صاحب الاختصاص) أن يكون
مطرف روى عنه.
ثم استشهد الألباني بحديث أسماء بنت يزيد، لكن قال
ابن حزم: فيه عمرو بن ميمون، وهو ضعيف، أو فيه
لبث، وهو ضعيف عن شهر وهو مثله، أو أسقط منه.
وأقول بعد هذا كله إن الأحاديث الثلاثة، ليس في واحد
منها التنصيص على حرمة الذهب، ولذا أدخلها النسائي في
باب الكراهية للنساء في إظهار الحلي والذهب.
ولو كانت الأحاديث صريحة في تحريم نفس الذهب، لم
يجز للنسائي أن يعدل عنه، فإن قال الألباني: إن النسائي
أخطأ في فهم معنى الحديث وكذا ابن حزم، قلت فما الفائدة
في إيجاب الرجوع إلى نفس الحديث وترك اتباع الأئمة، لأنه
إذ لم يسلم النسائي ولا ابن حزم من مثل هذا الخطأ العظيم،
فمن الذي يا من أن يسلم منه، بل من أعظم من هذا الخطأ،
فإنه مستبعد جدا، أن يصل أحد إلى ما وصل إليه النسائي:
من العلم والحفظ، والاطلاع على طرق الحديث، والتفطن
لعلله.
55

خرق الاجماع
هذا وقد وقع الاجماع على تحليل الذهب للنساء والألباني
يعترف بأن البيهقي نقله، وكذا غيره، منهم الحافظ بن
حجر، لكنه يدعي أن الحافظ كأنه يشير لعدم ثبوته، ويستدل
على ذلك بصيغة (نقل) وقد أثبتنا فيما مضى أن مثل هذا
الاستدلال مردود، وأوضحنا فساد ما زعمه الألباني من دلالة
صيغة المجهول على الضعف.
وجدير بنا الآن أن ننبه الألباني على خطأين له، الأول
أن نسبة الاجماع إلى الحافظ خطأ، صدر منه لقصور فهمه،،
وإنما الناقل أو الحاكي للنقل هو الشيخ تقي الدين بن دقيق
العيد.
والثاني أن ابن حجر ذكر - بعد نقل كلام ابن دقيق
العيد - حديث عائشة المرفوع الدال على إباحة تحلى النساء
بالذهب، وهذا مما يدعم الاجماع المنقول، فدعوى الألباني
أن الحافظ كأنه يشير لعدم ثبوته خطأ، والصواب أنه يعضد
نقل الاجماع ويقويه.
ثم إن الألباني قد أزاح هنا الستار عن وجهه، فانكشف
بعض ما كان يخفيه من مسايرته المعتزلة، ومعاداته لأهل
السنة والجماعة، فإنه ادعى إن غير الاجماع المعلوم من الذين
بالضرورة مما لا يمكن تصوره فضلا عن وقوعه، والواقع أن
المسودة التي تتابع على تصنيفها ثلاثة من أئمة آل تيمية
56

تصرح: إن الاجماع متصور، وهو حجة قطعية، والمشهور
في النظام المعتزلي إنكار تصوره، ويحكى عن طائفة من
المرجئة، وبعض المتكلمين والرافضة إنكار حجيته، وتصرح:
إن أحمد قد نص في رواية عبد الله وأبي الحارث في الصحابة،
إذا اختلفوا لم يخرج من أقاويلهم، أرأيت إن أجمعوا له أن
يخرج من أقاويلهم، هذا قول خبيث، قول أهل البدع، الخ.
وتصرح: إن أحمد قد أطلق بصحة الاجماع في رواية
عبد الله وأبي الحارث وادعى (الإمام أحمد) الاجماع في رواية
الحسن بن ثواب، فقال: اذهب إلى التكبير من غداة يوم عرفة
إلى آخر أيام التشريق: فقيل له إلى أي شئ تذهب؟ فقال:
بالإجماع، عمر وعلي وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن
عباس (ص 316) قد بين - بهذا إن ما ادعاه الألباني هو قول
بعض المعتزلة، والرافضة.
وأما ما حكاه الألباني عن أحمد، أنه قال: من ادعى
الاجماع فهو كاذب (وما يدريه) لعلهم اختلفوا - فكم من
جاهل متشبع بما لم يعط من العلم، قد كذب على الإمام أحمد،
ورماه بالكذب حين حكى عنه هذا القول، وحمله على غير ما
أراده الإمام - أما رميه بالكذب فقد علمت آنفا، أن الإمام
نفسه ادعى الاجماع في مسألة التكبير من غداة عرفة إلى آخر
أيام التشريق، وقال ابن تيمية: أن الإمام أحمد، ادعى
الاجماع في نزول الآية، وفي عدم الوجوب في صلاة الجهر -
فهل يتجاسر الألباني أن يتفوه بأن الإمام كاذب، لأنه ادعى
الاجماع (فض الله فم من تفوه بهذا).
57

وما إنه كذب عليه فلأنه يحاول بحكايته هذا القول إن
يقنع الناس أن الإمام أحمد ينكر الاجماع، وهذه فرية بلا
مرية.
فقد قال القاضي أبو يعلى الحنبلي: ظاهر هذا الكلام
أنه قد منع صحة الاجماع، وليس هذا على ظاهره وإنما قال
هذا عن طريق الورع، لجواز أن يكون هناك خلاف لم
يبلغه، أو قال هذا في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف
(والدليل على ذلك أنه نفسه قد ادعى الاجماع).
ثم هذا منه نهى عن وعوى الاجماع العام
النطقى... وإنما فقهاء المتكلمين كالمريسي والأصم يدعون
الاجماع، ولا يعرفون إلا قول أبي حنيفة ومالك ونحوهما،
ولا يعلمون أقوال الصحابة والتابعين فالإمام أحمد ينكر على
هؤلاء)... وقد جاء الاعتماد على الكتاب والسنة والإجماع
في كلام عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود (ثم حكى كلامهما)
المسودة ص 386.
ثم قال الألباني: لو كان يمكن إثبات إجماع في الجملة لكان
ادعاؤه في خصوص هذه المسألة غير صحيح، لأنه مناقض للسنة
الصحيحة، (آداب ص 146) وهذا أيضا ينم عن وفور جهله،
وسخافة عقله، لأنه لم يوجد في هذه المسألة حديث صحيح،
كما أوضحناه سابقا، ولو سلمنا فما هو بالنص الصريح في
حرمة الذهب للنساء، وقد شرحناه أيضا، فأين المناقضة؟
ولو سلمنا فلما كان اجتماع الأمة على الضلال مستحيلا
58

فالإجماع معصوم، وخبر الآحاد غير معصوم، فوجود الاجماع
دليل على عدم صحة ما يناقضه من الحديث الفرد، ولا أقل
من أن الاجماع يقدم عليه وقد نص عليه الشافعي فقال:
الاجماع أكثر من الخبر المفرد، وسبقه بهذا القول عبد الله بن
المبارك، حيث قال: إجماع الناس على شئ أوثق في نفسي
من سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن
مسعود (المسودة ص 318) فانظر أن ابن المبارك يقدم الاجماع
على الحديث الذي إسناده من أصح الأسانيد، فما ظنك
بالصحيح.
وأما ما حكاه الألباني عن ابن القيم، فمحله حيث يقدم
توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، كما صرح به
ابن القيم، لا حيث يثبت النقل عن كثير من العلماء، ويتيقن
ثبوته عن الجم الغفير منهم، ولم يوجد نقل مخالف بعد التتبع
التام، تأمل في كلام ابن القيم، فإنه يصرح في إعلام الموقعين
(1 / 11) أنه ليس معنى كلام الإمام أحمد ما يظنه بعض
الناس أنه استبعاد لوجود الاجماع، ويصرح إن من أصل
فتاوى الإمام أحمد أنه إذا وجد لبعض الصحابة فتوى لا
يعرف له مخالف منهم فيها لم يعدها إلى غيرها، ولم يقل إن
ذلك إجماع بل من ورعه في العبارة يقول لا أعلم شيئا يدفعه
أو نحوه.
ويصرح في الأعلام (2 / 217) إن لم يخالف الصحابي
صحابيا آخر، فإما أن يشتهر، قوله في الصحابة أو لا يشتهر،
فإن اشتهر فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء، إنه إجماع
وحجة، فهذا الذي حكينا عن ابن القيم يدل على أن تزل بعض
59

الصحابة إذ اشتهر ولم يعرف له مخالف فهو إجماع عند
جماهير الطوائف، وإن أحمد لم يسمه إجماعا لتورعة في
العبارة، وقول البعض إذا لم يعرف له مخالف هو الذي لا
يقدمه على الحديث الصحيح، وأما إذا كان ذلك القول ثبت
نقله عن الجم الغفير، أو الكثيرين من أجلاء العلماء ولم يعرف
لهم مخالف في عصرهم فابن القيم ساكت عن الحكم عليه، غير
متعرض له.
ثم قال الألباني: قد ثبت ما ينفي الاجماع المزعوم وهو
ما روى ابن صاعد... وابن حزم بسند صحيح عن محمد بن
سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لابنته (لا تلبسي الذهب
إني أخشى عليك من اللهب الخ - فأقول إنه لا بد لمدعي
انتقاض الاجماع من أن يأتي بحجة صريحة تناقضه صريحا،
ويستحيل أن يجمع بينهما وبين الاجماع، والذي تشبث به
الألباني ليس كذلك، لأن قوله (أخشى عليك من اللهب)
لا يدل على تحريم نفس الذهب بل يحتمل أن يكون ذلك لإظهار
الزينة والكبر والبطر، وحب الترفع، وهذا الاحتمال هو
المتعين بدلالة ما بعده وهو قوله: ولا تلبسي الحرير إني
أخشى عليك الحريق (رواه أحمد في الزهد) فإن خشية الحريق
كخشية اللهب، فلما لم تدل على حرمة الحرير للنساء لم تدل
خشية اللهب على حرمة الذهب، ونظائره في الأحاديث كثيرة،
نحو: (1) حديث عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يمنع أهله الحلية والحرير ويقول: إن كنتم تحبون حلية
الجنة وحريرها فلا تلبسوها في الدنيا، رواه النسائي.
(2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم في رجل من أهل الصفة
60

مات وترك دينارا (كية) ثم توفي أخر وترك دينارين فقال:
كيتان، فهل تقول بحرمة ادخار دينار أو دينارين؟
ومحصل الكلام أنه ليس في قول أبي هريرة دلالة على حرمة
الذهب للنساء، وإنما هو زجر عن حب الترف البذخ.
ثم ذكر الألباني أثرا لعمر بن عبد العزيز، وهي غفلة
شديدة من الألباني فإن عمر هذا تابعي، فأثره المخالف لا ينفي
إجماع الصحابة، ثم إن أثر عمر هذا ليس فيه ذكر الذهب
أصلا، وإنما فيه ذكر (اللؤلؤتين) فلو دل على شئ لدل على
حرمة اللؤلؤ، وأما زعم الألباني أن اللؤلؤة لا تقوم بنفسها
ولا تتحلى عادة إلا بها فجهل منه وتحكم، فإن اللآلي لم تزل
تتحلى بها مثقوبة منتظمة في السموط غير محلاة بالذهب أصلا.
فقد تبين تبين الصبح لذي عينين خطأ الألباني، وجهله
حيث توهم دليلا ما ليس بدليل، وإنه ليس في - الآثار شئ
يتشبث به في إبطال دعوى الاجماع، وبهذه المناسبة أقول:
إن الألباني قد يحمله الاعجاب بعلمه والاعتداد بنفسه على
رمي الكبار من علماء الصحابة بالعظائم، فتراه لا يتحاشى
عن رمي عائشة الصديقة بالمخالفة الصريحة لحديثها.
والحقيقة أنها لم تخالف حديثها وإنما توهمها الألباني
مخالفة، لقصور علمه وفرط جهله، فإن عائشة حين لم تخرج
الزكاة من حلي بنات أخيها، فليس ذلك لإنكار وجوب الزكاة
في الحلي، ولا لمخالفة حديثها في الوجوب، بل لأن حليهن لم
تبلغ نصاب الزكاة، كما هو منصوص عليه، في رواية عبد
الرزاق، ولفظه (كانت تحلي بنات أخيها الذهب واللؤلؤ فلا
تزكيه، وكانت حليهم يومئذ يسيرا.
61

اختلاف العلماء
حكى الألباني عن ابن حزم: وأقره (إنما الفرض علينا
اتباع ما جاء به القرآن... وما صح عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم).
وحكى عنه (وقد نهى تعالى عن التفرق والاختلاف بقوله:
(ولا تنازعوا) فمن المحال أن يأمر رسوله باتباع كل قائل من
الصحابة وفيهم من يحلل الشئ وغيره يحرمه).
أقول إن ابن حزم والألباني كفرسي رهان في مضمار اتباع
السنة ولا يقولان إلا بما جاء عن الله وعن رسوله وكلاهما
يقول: إن الله تعالى نهى عن التفرق فكيف استحل ابن حزم
الغناء وسقاع الآلات، وحرمه الألباني؟ هل التحليل والتحريم
كلاهما ثابت عن الله وعن رسوله؟ فإن قيل: نعم، فأي اختلاف
يكون أشنع من هذا الاختلاف وكيف يلتئم هذا مع قول ابن
حزم وما كان من الله تعالى. فلا يختلف فيه لقوله تعالى: (ولو
كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا).
وكيف أجاز ابن حزم (المجلى في هذا البرهان) الطلاق
الثلاث، وقال بوقوعها ولو كان بكلمة واحدة، وحرم المرأة
على المطلق - ولم يقل بوقوعها الألباني (المصلي في هذا السياق)
ولم يحرم المطلقة على المطلق وأباح له الرجعة فهل هذا التحريم
من المجلي والإباحة من المصلي كلاهما عن الله ورسوله، فمن
أين جاء الاختلاف وليس واحد منها من عند، غير الله!!
62

وإن المجلي حين يرى التحريم عن الله ورسوله فلا جرم أنه
يوجب على المسلمين أن يأخذوا به حتى لا يصدق عليه (ومن
لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).
وإن المصلي حين يرى الإباحة عن الله ورسوله فلا يحل له
إلا أن يحتم على المسلمين أن يأخذوا. به كيلا يشاقوا الرسول
فتجب لهم جهنم وكيلا يكون الألباني مصداق قوله تعالى (ومن
لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون). -
والمجلي إن كان قد مات فالمصلي حي يرزق فأوجه إليه هذا
السؤال وأقول له إن كان عن هذا جواب فهو الجواب عن
اختلاف الصحابة، وهو الجواب عن ما أورده مجليك على
حديث (أصحابي كالنجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم)
وأقول له أيضا إن كان من المحال أن يأمر رسوله صلى الله
عليه وسلم باتباع كل. قائل من الصحابة وفيهم من يحلل
الشئ، وغيره يحرمه - فلماذا لا يكون من المحال أن يأمر
رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع أحاديثه وفيها ما يحلل شيئا
(كالغناء وسماع المزامير) وفيها ما يحرمه؟؟؟
ويرد مثل هذا على قول الألباني في رسالته (حجة النبي
صلى الله عليه وسلم) (ننصح لكل من أراد الحج أن يدرس
مناسك الحج على ضوء الكتاب والسنة... ولأن المناسك قد
وقع فيها من الخلاف - مع الأسف - ما وقع في سائر العبادات)
(ص 11).
فأقول: ماذا يغني هذا؟ أليس قد درست المناسك على
ضوء الكتاب والسنة، وكان قد درسها قبل وجودك شيخ
63

الإسلام ابن تيمية، فلم يغن هذا الدرس عنكما شيئا، لأنه
وقع مع ذلك بينكما خلاف منكر، أنظر تلك الرسالة ص 90
و ص 98 و ص 33.
وكذلك قد درس هو، وابن القيم، وابن حزم كثيرا من
أبواب العبادات، والمعاملات وغيرهما على ضوء الكتاب والسنة،
ودرست أيضا كذلك ولكن لم يمنع هذا الدرس من وقوع
الخلاف بينك وبين ابن تيمية أو ابن القيم، أو بينهما وبين
ابن حزم.
فيقولان مثلا، أن المرأة إن طلقت ثلاثا في مجلس حل
لزوجها أن يراجعها - ويقول ابن حزم: حرام عليه أن
يراجعها حتى تنكح المرأة زوجا غيره.
ويقول ابن. تيمية مثلا: إن الوضوء من مس الدكر
مستحب، وتقول أنت بل هو واجب.
ويورد ابن تيمية حديثا من سنن أبي داود للعمل به،
وتقول أنت لا يجوز العمل به.
ويقول ابن القيم، لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم
الجمع في حال نزوله، وتقول أنت: يجوز الجمع في حال نزوله
(الصحيحة رقم 164).
ويحتج ابن تيمية وابن القيم والقاسمي بالكتاب والسنة
إن الطلاق الثلاث مجموعة بدعة، واحتج ابن حزم بالكتاب
والسنة إنها سنة.
64

فوضح أن سبب الاختلاف ليس هو ترك الاستضاءة بضوء
الكتاب والسنة، وأن الذي يزعم أن مرجع الاختلاف إلى ترك
هذه الاستضاءة فهو من سخافة عقله وقصور فهمه.
وإنما السبب الوحيد لهذا الاختلاف هو عدم مساواة الناس
بعضهم بعضا في العقل والفهم: وتفاضلهم في تقرب النظر
وشحاذة الذهن، وتوفر مواد الاجتهاد وآلاته - وهذا من
(فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله)
والله أعلم بمصالح عباده.
وكذلك قولك في الصحيحة (وأعلم أن ورود مثل هذه
الأقوال المخالفة للسنة والقياس الصحيح معا في بعض المذاهب
مما يوجب على المسلم البصير في دينه الرحيم بنفسه، أن لا
يسلم قيادة عقله، وتفكيره، وعقيدته لغير معصوم مهما كان
شأنه في العلم، والتقوى، والصلاح، بل عليه أن يأخذ من
حيث أخذوا من الكتاب والسنة إن كان أهلا لذلك، وإلا سأل
المتأهلين لذلك) (1 / 143) متعقب، بقولي، إنك إذا اعترفت
أن الأئمة المتبوعين أخذوا من الكتاب والسنة مع ذلك صدرت
منهم أقوال مخالفة للسنة، فماذا الذي يؤمن ذلك المسلم
البصير من أن يصدر منه قول مخالف للسنة، مع تسليم
كذلك، فلما لم يسلم من مخالفة السنة مع عدم تسليم
قيادة تفكيره لغير معصوم، فكيف بالمسلم البصير المعاصر؟
الألباني - م ه
65

أنسيت أن ابن القيم قال: لم يكن من هدي النبي صلى الله
عليه وسلم الجمع بين الصلاتين في حالة النزول - فقلت: ما
معناه أن قوله هذا مخالف للسنة، فإنه قد ثبت عن النبي صلى
الله عليه وسلم الجمع في حالة النزول.
أنسيت عن ابن تيمية قال: الغسل يوم عرفة ثابت عن
النبي صلى الله عليه وسلم - وقلت أنت: إنه بدعة.
وكذلك ابن حزم لم يسلم قيادة تفكيره لغير معصوم مع
هذا لم يسلم من مخالفة السنة، فإن أباح المعازف والمزامير -
وقلت أنت: إنه قد جاءت أحاديث كثيرة بعضها صحيح في
تحريم أنواع من آلات العزف.. وإن ابن حزم أخطأ...
وإنه أتى من قصر باعه في الحديث - وإنه لما أعياك التفضي من
هذا الإشكال، قلت: إن ابن حزم رحمه الله مع علمه وفضله
وعقله، فهو ليس طويل الباع في الاطلاع على الأحاديث وطرقها
ورواتها، وإن ابن عبد الهادي قال، بعد ما وصفه (بقوة
الذكاء وكثرة الاطلاع) (لكن تبين لي منه أنه جهمي جلد)
لذلك قلت في مقدمة الكلم الطيب:
(أنصح لكل من وقف على الكتاب وغيره أن لا يبادر إلى
العمل بما فيه من الأحاديث إلا بعد التأكد من ثبوته، وقد
سهلنا له السبيل إلى ذلك بما علقنا عليه فما كان ثابتا منهما
(تعني إنك ما أثبته بعلمك الكبير) عمل به وعض عليه
بالنواجذ وإلا تركه) ص 16.
66

وقلت مثل هذه الكلمة في حق ابن حزم، وهي (فينبغي أن
لا يؤخذ على الأحاديث إلا بعد الثبت من صحته وعدم
شذوذه (الصحيحة 1 / 141) ولا مجال إذا للمسلم البصير في
هذا العصر إلا أن يقلدك ويسلم زيادة تفكيره لك، لأنه إن
اجتهد بنفسه فلا محالة يقع في مخالفة السنة ولا يسلم منها
إذ لم يسلم ابن تيمية، وابن القيم، وابن حزم، ومن هو
أجل من هؤلاء - وإن عمل بها حققوه في كتبهم مخالفا لنصيحتك
وقع في مخالفة السنة أيضا، فلم يبق إلا أن يرجع إليك، وهذا
هو المراد من قولك (وإلا سأل المتأهلين لذلك) لأنه لما يتأهل
ابن تيمية، وابن القيم لذلك فمن الذي يستطيع أن يتأهل
لذلك سواك أيها الإمام الألباني!
وقد ثبت لدينا - ثبوتا قطعيا إن الذين اغتروا بكلمتك هذه
قد ضلوا ضلالا بعيدا، وأنا ذاكر لك على سبيل التمثيل رجلا
منهم تحقق عندي أنه يفسر كلمة النبيذ بالخمر، وهذا التفسير
بهذا الاطلاق مما يؤدي إلى ما يقرب من الكفر لأنه ثبت ثبوتا
لا مرد له أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب النبيذ،
قال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينبذ له الزبيب
من الليل فيجعله في سقاء فيشربه يومه ذلك، والغد، وبعد
الغد، فإذا كان من آخر الثالثة سقاه أو شربه، فإن أصبح
منه شيئا إهراقه، رواه النسائي (2 / 287) ومسلم، وأبو
داود.
67

وقالت عائشة: كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم
في سقاء يوكأ أعلاه له عزلاء ننبذه غدوة ويشربه عشاء وننبذه
عشاء ويشربه غدوة (أخرجه مسلم والترمذي 3 / 107).
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشرب النبيذ، فقال
انبذوه على غداتكم واشربوه على عشائكم، وانبذوه على
عشائكم وا شربوه على غدائكم وانبذوه في الشنان ولا تنبذوه
في القلال (أخرجه النسائي 2 / 287).
فمن فسر النبيذ مطلقا بالخمر فقد افترى على النبي
صلى الله عليه وسلم أنه شربها (والعياذ بالله).
وليس الحامل على هذه الجرأة الوقحة إلا الاسراف في
بعض الكثيرين من أئمة الاجتهاد، والغلو في حب بعضهم.
فإن الكثيرين من أئمة الاجتهاد يقولون بحل النبيذ، فلم
يشف غيظ قلوب هؤلاء الاغرار حتى سموه خمرا لجهلهم
وعداوتهم.
وإنما قلت: لجهلهم لأن هؤلاء لا يعرفون ما هو مسمى
النبيذ عند من استحله، فأنا أعرفهم، أن نبيذ الزبيب هو
النقيع (الماء المنقوع فيه الزبيب) إذا لم بطبخ ولم يغل ولم
يشتد، فهو الذي لا بأس به كما صرح به الطحاوي في مختصرة
وقال: فإذا غلا واشتد فلا خير فيه (ص 277).
وأضاف قائلا إن كل شئ من الأنبذة سوى نبيذ الزبيب
النقيع، من العسل، والذرة، والزبيب، والتمر، وما
سواهن عتق أو لم يعتق، خلط بعضه ببعض، أو لم يخلط
68

بعد أن يطبخ فلا بأس به، وإنما المكروه نبيذ الزبيب المعتق إذا
علا، وهذا كله قولي أبي حنيفة... وقد روى هشام بن
عبيد الله أن أبا حنيفة كره نقيع الزبيب، ونقيع البسر،
ونقيع التمر، يعني إذا غلا.
فتبين بهذا أن مسمى النبيذ الحلال هو النقيع من هذه
الأشياء، ما لم يغل ولم يشتد، ومسمى الخمر هو عصير العنب
الذي إذا اشتد وغلا وقذف بالزبد، فإن لم يغل ولم يشتد
ولم يقذف بالزبد فليس بخمر، فإذا لم يجز أن يسمى عصير
العنب قبل الغليان والاشتداد خمرا، فمن الظلم البين أن
يسمى النقيع الذي لم يشتد ولم يغل خمرا؟
ألم يعلموا أن ابن حزم الذي هو أعدى أعداء أبي حنيفة
يقول في المحلى: (وحد الاسكار الذي يحرم الشراب وينتقل به
التحليل إلى التحريم هو أن يبدأ فيه الغليان ولو بجبابة واحدة
فأكثر، ويتولد من شربه والإكثار منه على المرء في الأغلب
أن يدخل الفساد في تمييزه الخ).
فكل شراب سواء كان عصيرا، ونقيعا لا يسمى عنده ولا
عند غيره خمرا حتى يبدأ فيه الغليان على الأقل، لأنه لو سمى
خمرا صار حراما، ولذا روى ابن حزم عن سعيد بن المسيب:
ليس بشرب العصير بأس ما لم يزيد، فإذا أزبد فاجتنبوه،
وعن عطاء والنخعي، اشربه حتى يغلي، وليس بشرب العصير
وبيعه بأس حتى يغلي.
فإذا غلا فهو مكروه عند أبي حنيفة كما قدمناه، والمكروه
هو الحرام حرمة ظنية، وقد صرحوا أيضا إن من شرب من
69

النبيذ فسكر حد في قولهم جميعا - هذا هو المذكور في مختصر
الطحاوي وأما من ذكر حل بعض الأنقعة في المذهب الحنفي
وإن غلا واشتد فذكر مع ذلك أنه لا يحل إلا إذا كان من غير
لهو وطرب، وأنه إن سكر منه يحد في الأصح.
وخلاصة القول أن النبيذ الحلال عند الحنفية هو النقيع
ما لم يغل، ولم يسكر، كعصير العنب ما لم يبدأ فيه الغليان،
وهو لا يجوز أن يسمى خمرا كما لا يسمى العصير المذكور
خمرا.
وزاد بعض الفقهاء بنبيذ التمر والزبيب إذا طبخ كل
واحد منهما أدنى طبخة، وإن اشتد بشرط أن يغلب على ظنه
أنه لا يسكر وبشرط أن يشربه من غير لهو ولا طرب، فإن
غلب عنده أنه يسكر فهو حرام (حرمة ظنية) وكذا إذا شربه
للهو والطرب، فلو أنصف المخالفون لما أقاموا القيامة على
الحنفية في مسألة النبيذ، لأنه ليس فيما ذهبوا إليه ما يخالف
شيثا من الأحاديث الصحيحة، فالنبيذ الغير المسكر قد
أحله النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق ذكره، والمسكر
حرمه أبو حنيفة لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم - إياه،
وأما حكاية ابن حزم عن أبي حنيفة القول بحل بعض إلا شربه
أسكر أو لم يسكر ففرية بلا مرية، فكل شراب أسكر شاربه
قال أبو حنيفة إنه يحد، اذكر مختصر الطحاوي، والهداية
وغيرهما.
وإنما نقطة الخلاف بينه وبين غيره من بعض الأئمة هو
المشروب الذي لا يسكر شاربه لكنه إذا أكثر منه أسكر فيقول
70

أبو حنيفة أن الذي لا يسكر حلال وأما ما أسكر فهو حرام يحد
شاربه، ووجه قوله هذا إن النبي صلى الله عليه وسلم أتى
بشراب فأدناه من فيه فقطب فرده، فقال رجل: يا رسول الله
أحرام هو؟ فرد الشراب ثم دعا بماء فصبه عليه مرتين أو
ثلاثا بالماء، وفي رواية عن عبد الملك بن نافع قال: سألت
ابن عمر فقلت: إن أهلنا ينبذون نبيذا في سقاء لو أنهكته
لأخذ في، فقال ابن عمر: إنما البغي على من أراد البغي
شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الركن وأتاه
رجل بقدح من نبيذ - ثم ذكر مثل الحديث السابق، إلا أنه
قال: فاكسروها بالماء - فهذا الحديث يلوح أن النبيذ المذكور
كان من الشدة بحيث لو أكثر منه لأسكر فلم يحرمه النبي صلى
الله عليه وسلم بل كسر شدتها بالماء مرتين أو ثلاثا.
ولو لم يكن يخاف من الاكثار منه الاسكار لما رده النبي
صلى الله عليه وسلم، ولو كان مسكرا بالفعل لما دعا به ثانيا،
ولما سكت عن تحريمه ولم يكسر شدته بالماء لأن المسكر لا يحل
بإلقاء الماء عليه.
فإن قيل إن الحديث ضعيف لأن في إسناده عبد الملك بن
نافع - ويقال فيه عبد الملك بن أخي القعقاع أيضا - وهو
مجهول كما في التقريب.
قلت في قول الحافظ هذا اعتساف عن طريق الإنصاف،
وعدول عن الحق والصواب، فإن الحافظ نفسه قد أقر في
تهذيبه إن عبد الملك روى عنه إسماعيل بن أبي خالد، وأبو
إسحاق الشيباني، والعوام بن حوشب، وحصين بن عبد
الرحمن، وقرة العجلي، وليث بن أبي سليم - فهؤلاء ستة،
71

أربعة منهم ثقات أثبات، وواحد أعني قرة العجلي ذكره ابن
حبان في الثقات وقال: يخطئ، وواحد صدوق كما في
التقريب، فكيف استنجاز الحافظ أن يقول في من روى عنه
ستة (لا سيما كهؤلاء) إنه مجهول، أليس هذا إسقاطا للراوي
لئلا ينهدم مذهبه، وكذلك كل من جرحه فقد جرحه كيلا
يسقط قوله - واستثنى منهم البخاري فقد صانه عن المجازفة
توقية، ومتانته في الكلام على الرجال إلا ما شاء الله، فلم
يزد على قوله روى عن ابن عمر في النبيذ لا يتابع عليه وقلده
العقيلي وهو جرح غير مفسر عند الألباني (الصحيحة
ه / 203).
وأعود فأقول إنه من روى عنه اثنان انتفت عنه جهالة
عينه فلا يسمى مجهولا بل مستورا، كما صرح به الحافظ
في شرح نخبة الفكر.
وقال الذهبي في الميزان: إن من كان من المشائخ روى
عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه فحديثه صحيح.
ومن هنا يتبين جهل ابن حزم حيث قال في عبد الملك إنه
مجهول، وقال روى من طريق أسباط وهو ضعيف، والحال
أن أسباط ثقة ولم يتفرد به، وقال في العوام إنه ضعيف -
وهو ثقة، ثبت، وقال في ليث: إنه ضعيف وكذب فإن الليث
صدوق، وانتفت شبهة تدليسه واختلاطه بمتابعة الشيباني
وغيره.
وأقول بعد ذلك: هب أن الحديث ضعيف فله شاهد من
حديث أبي مسعود أخرجه الطحاوي والنسائي - وأما تضعيف
72

ابن حزم إياه بيحيى بن يمان، وعبد العزيز بن أبان فمردود
عليه بأن يحيى من رجال مسلم وهو صدوق عابد يخطئ
كثيرا فهو إن لم يصلح للاحتجاج به فلا مانع من الاستشهاد به.
ونظيره حنظلة السدوسي، قال الألباني: إنهم ضعفوه
ولكنهم لم يتهموه بل ذكر القطان وغيره أنه اختلط فمثله
يستشهد به (الصحيحة رقم 160).
ونظيره يزيد الرقاشي، قال الألباني: إنه ضعيف، لكنه
ليس شديد الضعف فيصلح الاستشهاد به (رقم 124).
وله نظائر كثيرة، فتعليله بيحيى جهل وإسراف، نعم عبد
العزيز بن أبان متروك فلا نستشهد به، وإن كان الألباني
يستشهد بالمتروك.
وأما قول صاحب التنقيح إن يحيى سئ الحفظ ومنفرد
به فغير صحيح لأن زيد بن الحباب تابعه عن الثوري (أنظر
الدارقطني ص 536).
وقول الدارقطني: لا يصح هذا عن زيد بن الحباب عن
الثوري ولم يروه غير اليسع بن إسماعيل وهو ضعيف،
مدفوع بأن الضعيف يكفي للمتابعة وهذا لو سلمنا قول
الدارقطني إنه ضعيف، وإلا فقوله هذا مردود عليه، لأن
الخطيب ترجم لليسع في تاريخه وذكر أنه روى عنه إسحاق
الختلي، وأحمد بن زنجويه القطان، وأحمد بن محمد بن
يزيد الزعفراني، والقاضي أبو عبد الله المحاملي، ويعقوب
ابن محمد الدوري، ومحمد بن مخلد العطار، ولم يذكر عن
أحد منهم تضعيفه، وإنها تفرد الدارقطني بتضعيفه من غير
حجة، ولا بيان لسبب جرحه، والجرح المبهم مردود.
73

وأما قوله: هذا حديث معروف بيحيى بن يمان ويقال
إنه انقلب عليه الإسناد واختلط عليه بحديث الكلبي عن أبي
صالح، ففيه ما لا يخفي من التحكم، والتعصب لرأيه الذي
ارتأه - وليس نهج كلامه علميا فإنه إن كان حديثا معروفا
براو، فلا يلزم من هذا أن لا يكون ذلك الحديث مرويا من
جهة راو آخر، ولا أنه إن كان مرويا من جهة راو آخر فهو
كذب ومن ادعى اللزوم فعليه البيان بالحجة المسموعة.
ونظير قول الدارقطني، قول الإمام أحمد في حديث رواه
أبو نضرة عن أبي سعيد: ما خلق الله من ذا شيئا: هذا حديث
أبي هارون عن أبي سعيد، يعني أن الحديث معروف برواية
أبي هارون فلا يرى أحمد صحته برواية أبي نضرة - فرد
الألباني على أحمد بقوله: أما أن يكون سعيد الراوي عن عباد
عن الجريري عن أبي نضرة الواسطي... فتوهيمه في إسناده
إياه لا وجه له في نظري لثقته، وأما أن يكون عنى أحمد
أنه هو النشيطي الضعيف فهذا لا وجه له بعد ثبوت أنه
الواسطي.
فأقول كذلك إنه لما لم يوجد في إسناد حديث زيد بن الحباب
من يتهم بالكذب أو الوضع لم يصح أن يقال إن هذا الإسناد
موضوع، نعم إن كان الراوي عن زيد بن الحباب ضعيفا أمكن
أن يقال هذا الإسناد ضعيف، لاكن الضعف لا يرادف البطلان.
وأما الذي ذكره الدارقطني من الاختلاط والانقلاب،
فيكفي لرده حسب تحقيق الألباني أن الدارقطني برئ من
عهدته وأشار إلى ضعفه وسخافته حيث ذكره بصيغة
74

التمريض - وأقول إنه لو ربأ بالدار قطني بنفسه عن التفوه
بمثل هذا الكلام السخيف لكان أوفق وأحرى بمكانته العلمية،
فالدارقطني لو لم يكن مغلوبا على فهمه ومدفوعا إلى تدعيم
رأيه في النبيذ لاستطاع أن يفهم معنى الاختلاط هو أن يكون
عند راو حديثان عن سفيان الثوري مثلا أحدهما عن منصور،
وآخر عن الكلبي، فيروي حديث الكلبي عن الثوري عن منصور
وحديث منصور عن الثوري عن الكلبي - وأما إذا لم يعرف
قط أن عنده حديث الكلبي عن سفيان، وروى هو حديث
منصور برواية سفيان فلا يحل لأحد بخاريا كان أو دارقطنيا
أن يجازف ويقول إن هذا حديث الكلبي انقلب عليه
لاختلاطه، إنما هذا توهيم وتخطئة بلا دليل وقول من غير
حجة.
وإليك نظيرا آخر، إن في مسلم حديثا عن عاصم العمري
عن سعيد المقبري عن أبيه، رواه معاذ بن معاذ الثقة عن
عاصم عن عبد الله بن سعيد عن أبيه، فقال الحافظ أبو
الفضل بن عمار إن حديث مسلم منكر، وإنما رواه عاصم
عن عبد الله دون سعيد - فرد الألباني هذا بقوله لا أرى
استنكار حديث هذا برواية ذاك بدون حجة ظاهرة سوى
دعوى أن حديثه يشبه حديث أحاديث عبد الله الواهي الخ
(الصحيحة 3 / 272).
أقول: ومن هذا القبيل دعوى البيهقي إن اليسع بن
إسماعيل سرقه فرواه عن زيد بن الحباب، وهذه دعوى
فارغة ومجازفة بحتة، فإن اليسع لم يتهمه أحد من النقاد
بسرقة الحديث، وإنما رماه بها البيهقي من غير حجة ولا
75

برهان ولم يسبقه أحد بهذا الجرح، وليس عند البيهقي ما
يتمسك به إلا قول الدارقطني: إنه ضعيف الحديث، ولا
يخفى على من له أدنى إلمام بهذا العلم أنه جرح مردود لإبهامه،
والبيهقي لا يخفى عليه من هذا شئ، ولكن حمله جموده على
تقليد الشافعي ثم تعصبه للرأي الذي ارتأه أصحاب الحديث
من غير روية صادقة ولا تفكير بالغ، ولكونه ميدانا فسيحا
ومجالا واسعا للتهجم على أصحاب الرأي - ولولا ذلك، واتقى
الله لروعة التقوى عن رمي مسلم من أصحاب العلم بسرقة
الحديث بلا حجة - مع أن أستاذ أساتذته في كل شئ استحيى
عن ذلك، ولم يقدر إلا أن يجرحه جرحا مبهما.
والعلم مع التقوى هو الذي حمل البخاري على أنه لم يزد
في حديث يحيى بن اليمان على قوله: لم يصح عن النبي صلى الله
عليه وسلم هذا وهذا أيضا من جهله وإسرافه، فإن يزيد بن
أبي زياد حسن الحديث صرح به الهيثمي. وقال الترمذي
في حديث له: حسن صحيح.
وفي يد هذا اختلف النقاد فيه فضعفه ابن معين وقال
أحمد: ليس بالحافظ، ووثقه آخرون، فقال أحمد بن صالح
المصري: هو ثقة، ولا يعجبني قول من تكلف فيه، وقال
يعقوب بن سفيان: ويزيد وإن كان يتكلمون فيه لتغيره فهو
على العدالة والثقة، وإن لم يكن مثل الحكم ومنصور، وقال
ابن سعد كان ثقة في إلا أنه اختلط في آخر عمره فجاء
بالعجائب، وذكره مسلم فيمن يشمله اسم الستر والصدق
وتعاطي العلم. فمثله يحسن حديثه، وقال الألباني: إن
76

من طبيعة الحديث الحسن أن يكون في راوية اختلاف
(5 / 215).
وكم من راو كهذا حسن له الألباني، فإن خاصم أحد في
تحسين حديثه فلن يخاصم في صلوحه للاستشهاد به إلا كل
معتد مريب، ولهذا لم يستطع البيهقي أن يزيد على قوله إنه
ضعيف، لا يحتج به لسوء حفظه، قلت: فلا يلزم من عدم
الاحتجاج به أن لا يكون صالحا للاستشهاد به.
فهذه ثلاثة أحاديث (حديث ابن عمر، حديث ابن عباس،
وحديث أبي مسعود) فلئن لم تتسع قلوب أصحاب الحديث
لتسليم صحة واحد منها فلتسع لتسليم صلاحيتها للاحتجاج
بمجموعها.
كما أن حديث لا يرد القضاء إلا الدعاء يروى من حديث
سلمان، ومن حديث ثوبان، وكلاهما ضعيف من جميع
طرقه، في بعضها من هو ضعيف وفي بعضها من هو منكر الحديث
بين الضعف جدا، وكذبه الأزدي، وهو راوي موضوع. مع
هذا قال الألباني: والخلاصة أن الحديث حسن كما قال
الترمذي بالشاهد.
وكما أن حديثا آخر راوية حنظلة ضعفوه، وأنه اختلط،
تابعه شعيب وفي إسناده من كان تغير لما كبر، وآخر ضعفه
الدارقطني، وتابعه كثير بن عبد الله وهو أحد أركان الكذب
عند أحمد، وأحد الكذابين عند الشافعي، وأبي داود،
متروك الحديث، واهي الحديث، ليس بثقة، فإن قيل إنه
77

آخر، فالآخر أيضا منكر الحديث عند البخاري وأبي حاتم
والنسائي والحاكم ومتروك عند البخاري.
وتابعه المهلب، وفي إسناده متروك كذبه ابن معين، قال
الألباني: لا يستشهد بهذه المتابعة. ولكن ما قبلها من
المتابعات (ما قبلها متابعتان فقط) يكفي في تقوية الحديث،
وكأنه لذلك أقر الحافظ تحسين الترمذي (الصحيحة 2 / 90).
وكما أن حديثا رواه إسماعيل بن مسلم فقال الألباني:
لم أعرفه، وهذا سند ضعيف، ثم قال: تابعه يحيى بن يحيى
وسنده واه جدا، في رواته متروك قال وتابعه القاسم بن
محمد وهو مجهول، وفي إسناده ضعيفان آخران، ثم قال: له
طريقان آخران أحدهما سندا منقطع والآخر فيه راو، قال
فيه ابن سبان يروي المقلوبات والملزقات لا يجوز الاحتجاج
به إذا انفرد.
ثم قال أخيرا: وجملة القول إن الحديث بهذه الطرق
صحيح (الصحيحة 2 / 109).
فلا أدري أي ذنبه أذنب حديث النبيذ، حتى لم يحسنه
أصد من (أرباب) الحديث فضلا عن تصحيحه.
هذا أحد الوجوه، والوجه الثاني حديث ابن عباس حرمت
الخمر بعينها القليل منها والكثير، والسكر من كل شراب،
صححه ابن حزم، ورواه عن ابن عباس، عبد الله بن شداد،
وعكرمة، وعون بن أبي جحيفة 30 -
فهذا الحديث صريح في أن الخمر حكمها مغائر لغيرها من
الأشربة، لحرمتها لعينها أسكرت أو لم تسكر لأن القليل
78

منها لم يسكر فهر رجس نجس بخلاف غبرها فإن حرمته لعلة
الاسكار فما أسكر حرم وما لا فلا.
وأما محاولة بعض المخالفين لهذا الحديث إثبات أن الصحيح
(والمسكر من كل شراب) فلا يجديه نفعا، ولا يفرنا فإن
المعنى لا يختلف سواء كان الصحيح السكر أو المسكر لأنه لو
كان غيرها أيضا يحرم قليلها وكثيرها كما يزعمون لزم أن
يكون هو أيضا محرما لعينه فما وجه تخصيص الخمر بكونها
حرمت بعينها.
وهذا ظاهر جدا لكل من عنده نصيب من الفقه، ولا يكفي
للوصول إليه مجرد سماع الأحاديث والإكثار من طرقها،
والاشتغال بتصحيح الأسانيد وتضعيفها.
ثم أقال إن دون إثباته خرط القتاد لأن السكر من كل
شراب، رواه جعفر بن عون، وأبو نعيم عن مسعر، وتابع
مسعرا الثوري، وتابع عبد الله بن شداد عليه عكرمة وعون
ابن أبي جحيفة وهم ثلاثة، فإن خالف هؤلاء أحد من أصحاب
مسعر أو خالف بعض أصحاب عبد الله بن شداد فهو محجوج
بهؤلاء لكثرتهم وقوتهم.
وهذا مثال آخر لميلهم إلى رأيهم في تصحيح الأحاديث
وتضعيفها فكم من حديث رجحوه على ما يخالفه لكثرة رواته
وقوتهم وأما هنا فكأنهم نسوا هذه القاعدة.
ووجه آخر وهو أنه قد صح عن عمر أنه أراد أن يشرب
من نبيذ فوجده قد اشتد فقال اكسروه بالماء، وفي المصنف
79

لعبد الرزاق أن رجلا عب في شراب نبذ لعمر بطريق المدينة
فسكر فتركه عمر حتى أفاق فحده، ثم أرجعه عمر بالماء
فشرب منه، وفي رواية أن الشراب غدا طوره فدعا به عمر
فوجده شديدا فأوجعه بالماء ثم شرب وسقى الناس.
فالنبيذ الذي كسره عمر بالماء كان قد اشتد، وغدا طوره
وأولى احتمالاته بالصواب أنه صار بحيث لو أكثر منه أسكر
كما أكثر الرجل الذي شرب من نبيذ عمر فسكر، فحده.
وأما ما يتعلل به المخالفون لأثر عمر من أن الكسر كان
لحموضته وكان قد تخلل، أو لحلاوته، فهذا تأويل ممن لا
يحسنه لأنه لو كان قد تخلل فلا وجه للعدول عن التصريح
باشتداده الموهم لخلاف ما هو الواقع ولكن كأنهم تواصوا فيما
بينهم أن لا يصرح أحد بتخلله، بل يبهم اللفظ ويوهم خلاف
ا لمقصود.
وكذا لو كان الكسر بالماء للتخلل لما قال عمر: (إذا رابكم)
فإن التخلل ليس بمريب أصلا، بل هو حلال طلق، ولا داعي
لعمر أن يأمرهم بكسره بالماء فالناس لهم الحرية تماما في
استعمال الخل كيفما شاءوا إن شاءوا استعملوه صرفا، وإن
شاءوا استعملوا ممزوجا بالماء.
وأما قولهم إنه كان لحلاوته فهذا أبعد من الأول لأنه لا
يصح إذا أن يقال (عدا الشراب طوره) فإن النبيذ مهما بلغ
من الحلاوة فهو على طوره لم يعده.
وكذا إذا كان حلوا لم يكن مريبا فلا يصح أن يقال فيه
(إن رابكم).
80

ويبطل هذا التأويل السخيف أيضا ما جاء في بعض طرقه
من قوله (فوجده شديدا فقال: من رابه من هذا النبيذ شئ
فليكسر منته أي قوته) بالماء فلئن كان قد تخلل لقال فليكسر
حموضته، وأيضا فلا موجب للأمر بالكسر إن كان تخلل فمن
شاء فليكسر ومن لا فلا، ولأنه ليس في الخل ما يريب، كما
أسلفنا ذكره.
والذي حكاه البيهقي عن عتبة بن فرقد، وزيد بن أسلم
فقد حكاه بصيغة المجهول (أعني يذكر) وهذا دليل ضعفه عند
الألباني.
وما رواه عن نافع وعبيد الله فهو رأي منهما وظن من عند
أنفسهما، لأنهما لم يدركا القصة، ولم يروياه عمن أدركها.
وينفي تأويلهم ما قد صح عن عمر أنه قال: إن نبيذ
الطائف له عرام (وهو الحدة والشدة) قال الراوي فذكر شدة
لا أحفظها ثم دعا بماء فصب عليه ثم شرب.
وما رواه حبيب بن أبي ثابت عن نافع عن ابن علقمة عنه
أنه أتى بنبيذ قد أخلف (أي تغير رائحته وفسد) واشتد فشرب
منه ثم قال إن هذا لشديد ثم أمر بماء فصب ثم شرب.
ففي هذا ما لا يتفق مع تأويلهم بل ينفي أن يكون ذلك
النبيذ حلوا، أو خلا، وهذه الآثار كلها تعطي أن ذلك النبيذ
كان شديدا له عرام وقد أخلف والذي هذا صفته لا شك في
كونه مسكرا إن أكثر منه، مع هذا شرب عمر القليل منه.
ويشهد لما في هذه الوجوه قول النبي صلى الله عليه وسلم
لأبي موسى ومعاذ: الشربا ولا تسكرا، أو قوله اشربا ولا
81

تسكرا، ولا تشربا مسكرا، وذلك حين سألاه عن شرابين
يصنعان باليمن من البر والشعير، فهذا صريح في أن حكم
المقدار الذي يسكر من ذلك الشراب خلاف حكم ما لا يسكر
منه.
وقد تعللوا بأن فيه مشريكا وهو سئ الحفظ وهو مدفوع
بأن الفضيل بن مرزوق تابعه. ثم تعللوا بلن أبا إسحاق
مدلس وقد عنعن، والجواب أنه لا ينظر في الشواهد والمتابعات
مثل هذه الأمور: كما صرح به الألباني مرارا في صحيحته.
فقد ثبت ثبوتا لا شبهة فيه أن الأنبذة ليس حكمها حكم
لخمر التي حرمت بعينها فإن قليلها وكثيرها حرام سواء أسكر
أو لم يسكر، لأنها رجس بنص القرآن، وغيرها من الأنبذة
ليس كذلك فالكثير المسكر منها حرام والقليل الذي لا يسكر
حلال.
وقوله عليه السلام: كل مسكر حرام، معناه ما أسكر فعلا
لا القليل الذي لا يسكر لكن إذا أكثر منه أسكر فإن المسكر
بالفعل هو المتبادر من لفظ المسكر فهو الأولى أن يحمل عليه
الحديث، وهذا المعنى هو الذي يشهد له حديث شرب النبي
صلى الله عليه وسلم النبيذ الشديد ممزوجا بالماء، وأثر
عمر، وحديث أبي موسى ومعاذ.
وأما الذي يحتج به المخالفون من حديث عبد الله بن عمرو.
مرفوعا قال: ما أسكر قليله فكثيره حرام، ومن حديث عائشة
ما أسكر الفرق منه فملأ الكف منه حرام.
82

وروى عن جابر بن عبد الله وعن ابن عمرو أيضا نحو حديث
عبد الله بن عمرو.
ففي هذا الاحتجاج إن حديث عبد الله بن عمرو في إسناده
العمري الزاهد وهو ضعيف وحديث جابر.
وحديث ابن عمر في أسانيده أبو معشر وهو منكر الحديث
عند البخاري، وأمسك الشافعي عن روايته، وكان تغير قبل
موته بسنتين تغيرا شديدا.
فليس في هذه الأحاديث أن ذلك النبيذ القليل حرام لذاته
لأن ما حرم من الأنبذة إنما حرم لعلة الاسكار، فقد استفاض
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل مسكر حرام، فلما لم
يكن القليل مسكرا لا يصح أن يقال إنه حرم لأجل الاسكار.
ولما انعدمت علة الحرمة تعين أن القليل حرم سدا للذريعة،
ومخافة التدرج إلى الكثير المسكر، ونحن نقول به.
ونظيره ما روي عن ابن معقل ابن، معقل من كراهة نقيع الزبيب،
فقال ابن حجر: محمول على ما تغير، وكاد يبلغ حد الاسكار أو
أراد قائله حسم المادة (الفتح 10 / 50).
ومن أصول الشريعة الإسلامية أن المشتبهات ليست من
الحرام البين مع هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من
اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن يرع حول
الحمى يوشك أن يواقعه) أو كما قال، رواه البخاري
وقد يؤيد ما ذكرناه ورود الحديث بلفظ أنهاكم (رواه
سعد بن أبي وقاص) وهذا اللفظ ليس صريحا في التحريم،
83

أفهذا كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلط
التمر والزهر فقال البيهقي: في هذا الحديث ما دل... على
أنه يستحب ترك الخليطين وإن لم يسكر (8 / 308).
وكما ورد النهي عن الشرب في السقاء. فقال النووي:
اتفقوا أن النهي هذا للتنزيه لا للتحريم (وإن نوزع فيه
النووي)
وكما ورد النهي عن الشرب في نفس واحد، فقال ابن
حجر: إن النهي عنه للتنزيه (الفتح 75 / 10).
وكما ورد النهي عن الشرب قائما رواه مسلم، فقال
المازري ذهب الجمهور إلى الجواز (يعني أن النهي ليس
للتحريم) (الفتح 10 / 66).
وثمرة الخلاف تظهر إذا شرب أحد القليل غير المسكر
فنقول إنه لا يحد لأنه لم يشرب مسكرا، ويلزم المخالفين أن
يحدوه لأنه عندهم شرب مسكرا.
رقم الايداع لدى مديرية المكتبات والوثائق الوطنية (426) / 8 / 1983)
84