الكتاب: إملاء ما من به الرحمن
المؤلف: أبو البقاء العكبري
الجزء: ١
الوفاة: ٦١٦
المجموعة: مصادر التفسير عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٩٩ - ١٩٧٩ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

إملاء ما من به الرحمن
من
وجوه الإعراب والقراءات
في جميع
القرآن
تأليف
أبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
(538 - 616 ه‍)
الجزء الأول
دار الكتب العلمية
بيروت لبنان
1

الطبعة الأولى
1399 ه‍ - 1979 م‍
2

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام العالم محب الدين أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
رحمه الله تعالى، ورحم أسلافه بمحمد وآله وأصحابه وأنصاره:
الحمد لله الذي وفقنا لحفظ كتابه، وأوقفنا على الجليل من حكمه وأحكامه وآدابه،
وألهمنا تدبر معانيه ووجوه إعرابه، وعرفنا تفنن أساليبه من حقيقته ومجازه وإيجازه
وإسهابه. أحمده على الاعتصام بأمتن أسبابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
شهادة مؤمن بيوم حسابه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبرز في لسنه وفصل خطابه،
ناظم حبل الحق بعد انقضابه، وجامع شمل الدين بعد انشعابه، صلى الله عليه وآله
وأصحابه، ما استطار برق في أرجاء سحابه، واضطرب بحر بآذيه وعبابه.
أما بعد: فإن أولى ما عنى باغي العلم بمراعاته، وأحق ما صرف العناية إلى معاناته.
ما كان من العلوم أصلا لغيره منها، وحاكما عليها ولها فيما ينشأ من الاختلاف عنها،
وذلك هو القرآن المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من
حكيم حميد، وهو المعجز الباقي على الأبد، والمودع أسرار المعاني التي لا تنفد، وحبل
الله المتين، وحجته على الخلق أجمعين.
فأول مبدوء به من ذلك تلقف ألفاظه عن حفاظه، ثم تلقى معانيه ممن يعانيه،
وأقوم طريق يسلك في الوقوف على معناه، ويتوصل به إلى تبيين أغراضه ومغزاه،
معرفة إعرابه واشتقاق مقاصده من أنحاء خطابه، والنظر في وجوه القرآن المنقولة عن
الأئمة الأثبات.
والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا، مختلفة ترتيبا وحدا، فمنها المختصر حجما
وعلما، ومنها المطول بكثرة إعراب الظواهر، وخلط الإعراب بالمعاني، وقلما تجد فيها
مختصر الحجم كثير العلم، فلما وجدتها على ما وصفت، أحببت أن أملى كتابا يصغر
حجمه ويكثر علمه، اقتصر فيه على ذكر الإعراب ووجوه القراءات، فأتيت به على ذلك، والله أسأل أن يوفقني فيه لإصابة الصواب، وحسن القصد به بمنه وكرمه.
3

إعراب الاستعاذة
(أعوذ) أصله أعوذ بسكون العين وضم الواو مثل أقتل، فاستثقلت الضمة على الواو
فنقلت إلى العين وبقيت ساكنة، ومصدره عوذ وعياذ ومعاذ، وهذا تعليم، والتقدير
فيه: قل أعوذ. (والشيطان) فيعال من شطن يشطن إذا بعد، ويقال فيه شاطن وتشطين،
وسمى بذلك كل متمرد لبعد غوره في الشر، وقيل هو فعلان من شاط يشيط إذا هلك
فالتمرد هالك بتمرده، ويجوز أن يكون سمى بفعلان لمبالغته في إهلاك غيره، و (الرجيم)
فعيل بمعنى مفعول: أي مرجوم بالطرد واللعن، وقيل هو فعيل بمعنى فاعل: أي
يرجم غيره بالإغواء.
إعراب التسمية
الباء في (بسم) متعلقة بمحذوف، فعند البصريين المحذوف مبتدأ والجار
والمجرور خبره، والتقدير ابتدائي بسم الله، أي كائن باسم الله فالباء متعلقة بالكون
والاستقرار. وقال الكوفيون: المحذوف فعل تقديره ابتدأت أو أبدأ فالجار والمجرور
في موضع نصب بالمحذوف وحذفت الألف من الخط لكثرة الاستعمال، فلو قلت
لاسم الله بركة أو باسم ربك أثبت الألف في الخط، وقيل حذفوا الألف لأنهم حملوه
على سم وهي لغة في اسم، ولغاته خمس: سم بكسر السين وضمها، واسم بكسر الهمزة
وضمها، وسمى مثل ضحى، والأصل في اسم سمو، فالمحذوف منه لامه، يدل على ذلك
قولهم في جمعه أسماء وأسامي، وفى تصغيره سمى، وبنوا منه فعيلا فقالوا: فلان سميك أي
اسمه كاسمك، والفعل منه سميت وأسميت، فقد رأيت كيف رجع المحذوف إلى آخره.
وقال الكوفيون: أصله وسم لأنه من الوسم وهو العلامة، وهذا صحيح في المعنى
فاسد اشتقاقا.
فإن قيل: كيف أضيف الاسم إلى الله، والله هو الاسم؟
قيل: في ذلك ثلاثة أوجه: أحدهما أن الاسم هنا بمعنى التسمية، والتسمية غير
الاسم، لأن الاسم هو اللازم للمسمى، والتسمية هو التلفظ بالاسم، والثاني أن في الكلام
حذف مضاف تقديره باسم مسمى الله، والثالث أن اسم زيادة، ومن ذلك قوله:
* إلى الحول ثم اسم السلام عليكما *
وقول الآخر: * داع يناديه باسم الماء * أي السلام عليكما ونناديه بالماء
4

والأصل في الله الإلاه، فألقيت حركة الهمزة على لام المعرفة، ثم سكنت وأدغمت
في اللام الثانية ثم فخمت إذا لم يكن قبلها كسرة، ورققت إذا كانت قبلها كسرة،
ومنهم من يرققها في كل حال، والتفخيم في هذا الاسم من خواصه. وقال أبو علي:
همزة إلاه حذفت حذفا من غير إلقاء، وهمزة إلاه أصل وهو من أله يأله إذا عبد،
فالإله مصدر في موضع المفعول أي المألوه وهو المعبود، وقيل أصل الهمزة واو لأنه
من الوله فالإله تتوله إليه القلوب: أي تتحير، وقيل أصله لاه على فعل، وأصل
الألف ياء لأنهم قالوا في مقلوبه لهى أبوك، ثم أدخلت عليه الألف واللام (الرحمن
الرحيم) صفتان مشتقتان من الرحمة والرحمن من أبنية المبالغة، وفى الرحيم مبالغة أيضا
إلا أن فعلانا أبلغ من فعيل، وجرهما على الصفة، والعامل في الصفة هو العامل
في الموصوف، وقال الأخفش: العامل فيها معنوي وهو كونها تبعا، ويجوز نصبهما على
إضمار أعنى ورفعهما على تقدير هو.
سورة الفاتحة
الجمهور على رفع (الحمد) بالابتداء و (لله) الخبر واللام متعلقة بمحذوف
أي واجب أو ثابت، ويقرأ الحمد بالنصب على أنه مصدر فعل محذوف: أي أحمد
الحمد، والرفع أجود لأن فيه عموما في المعنى، ويقرأ بكسر الدال اتباعا لكسرة اللام
كما قالوا المعيرة ورغيف وهو ضعيف في الآية لأن فيه اتباع الإعراب البناء، وفى ذلك
إبطال للإعراب، ويقرأ بضم الدال واللام على اتباع اللام الدال، وهو ضعيف أيضا
لأن لام الجر متصل بما بعده منفصل عن الدال، ولا نظير له في حروف الجر المفردة
إلا أن من قرأ به فر من الخروج من الضم إلى الكسر وأجراه مجرى المتصل، لأنه
لا يكاد يستعمل الحمد منفردا عما بعده، والرب مصدر رب يرب، ثم جعل صفة
كعدل وخصم، وأصله راب وجره على الصفة أو البدل، وقرئ بالنصب على إضمار
أعنى، وقيل على النداء، وقرئ بالرفع على إضمار هو (العالمين) جمع تصحيح
واحده عالم، والعالم اسم موضوع للجمع ولا واحد له في اللفظ، واشتقاقه من العلم
عند من خص العالم بمن يعقل، أو من العلامة عند من جعله لجميع المخلوقات، وفى
(الرحمن الرحيم) الجر والنصب والرفع، وبكل قرئ على ما ذكرناه في رب.
قوله تعالى (ملك يوم الدين) يقرأ بكسر اللام من غير ألف، وهو من
عمر ملكه، يقال ملك بين الملك بالضم، وقرئ بإسكان اللام وهو من تخفيف
5

المكسور مثل فخذ وكتف، وإضافته على هذا محضة وهو معرفة، فيكون جره على
الصفة أو البدل من الله، ولا حذف فيه على هذا، ويقرأ بالألف والجر، وهو على
هذا نكرة، لأن اسم الفاعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال لا يتعرف بالإضافة، فعلى
هذا يكون جره على البدل لا على الصفة، لأن المعرفة لا توصف بالنكرة، وفى الكلام
حذف مفعول تقديره: مالك أمر يوم الدين، أو مالك يوم الدين الأمر، وبالإضافة
لي يوم خرج عن الظرفية، لأنه لا يصح فيه تقدير في، لأنها تفصل بين المضاف
والمضاف إليه، ويقرأ مالك بالنصب على أن يكون بإضمار أعنى أو حالا، وأجاز
قوم أن يكون نداء، ويقرأ بالرفع على إضمار هو أو يكون خبرا للرحمن الرحيم على
قراءة من رفع الرحمن، ويقرأ مليك يوم الدين رفعا ونصبا وجرا، ويقرأ ملك يوم
الدين على أنه فعل ويوم مفعول أو ظرف، والدين مصدر دان يدين.
قوله تعالى (إياك) الجمهور على كسرة الهمزة وتشديد الياء، وقرئ شاذا بفتح
الهمزة، والأشبه أن يكون لغة مسموعة، وقرئ بكسر الهمزة وتخفيف الياء،
والوجه فيه أنه حذف إحدى الياءين لاستثقال التكرير في حرف العلة، وقد جاء ذلك
في الشعر، قال الفرزدق:
تنظرت نصرا والسماكين أيهما * علي مع الغيث استهلت مواطره
وقالوا في أما: أيما، فقلبوا الميم ياء كراهية التضعيف، وإيا عند الخليل وسيبويه
اسم مضمر، فأما الكاف فحرف خطاب عند سيبويه لا موضع لها، ولا تكون اسما
لأنها لو كانت اسما لكانت إيا مضافة إليها والمضمرات لا تضاف، وعند الخليل هي
اسم مضمر أضيفت إيا إليه، لأن إيا تشبه المظهر لتقدمها على الفعل والفاعل ولطولها
بكثرة حروفها، وحكى عن العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب. وقال
الكوفيون: إياك بكمالها اسم وهذا بعيد، لأن هذا الاسم يختلف آخره بحسب اختلاف
المتكلم والمخاطب والغائب فيقال: إياي وإياك وإياه. وقال قوم: الكاف اسم وإيا
عماد له وهو حرف، وموضع إياك نصب بنعبد.
فإن قيل: إياك خطاب والحمد لله على لفظ الغيبة، فكان الأشبه أن يكون إياه.
قيل: عادة العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة.
وسيمر بك من ذلك مقدار صالح من القرآن.
قوله تعالى (نستعين) الجمهور على فتح النون، وقرئ بكسرها وهي لغة،
6

وأصله نستعون نستفعل من العون فاستقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى العين ثم
قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
قوله تعالى (اهدنا) لفظه أمر والأمر مبنى على السكون عند البصريين، ومعرب
عند الكوفيين، فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذي هو بناء، وعند
الكوفيين، هو علامة الجزم، وهدى يتعدى إلى مفعول بنفسه فأما تعديه إلى مفعول
آخر فقد جاء متعديا إليه بنفسه ومنه هذه الآية، وقد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى:
" هداني ربي إلى صراط مستقيم "، وجاء متعديا باللام، ومنه قوله تعالى: (الذي
هدانا لهذا).
و (السراط) بالسين هو الأصل لأنه من سرط الشئ إذا بلعه، وسمى الطريق
سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشئ المبتلع، فمن قرأه بالسين جاء به على الأصل،
ومن قرأه بالصاد قلب السين صادا لتجانس الطاء في الإطباق، والسين تشارك الصاد
في الصفير والهمس، فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها، فكانت مقاربتها لها
مجوزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الإطباق، ومن قرأ بالزاي قلب السين زايا، لأن
الزاي والسين من حروف الصفير، والزاي أشبه بالطاء لأنهما مجهورتان، ومن أشم
الصاد زايا قصد أن يجعلها بين الجهر والإطباق، وأصل (المستقيم) مستقوم ثم عمل
فيه ما ذكرنا في نستعين، ومستفعل هنا بمعنى فعيل: أي السراط القويم، ويجوز أن يكون
بمعنى القائم، أي الثابت، وسراط الثاني بدلا من الأول، وهو بدل الشئ وهما بمعنى
واحد وكلاهما معرفة، والذين اسم موصول وصلته أنعمت، والعائد عليه الهاء والميم،
والغرض من وضع الذي وصف المعارف بالجمل، لأن الجمل تفسر بالنكرات والنكرة
لا توصف بها المعرفة، والألف واللام في الذي زائدتان وتعريفها بالصلة، ألا ترى أن " من "
و " ما " معرفتان ولا لام فيهما فدل أن تعرفهما بالصلة. والأصل في الذين اللذيون، لأن
واحده الذي، إلا أن ياء الجمع حذفت ياء الأصل لئلا يجتمع ساكنان، والذين بالياء
في كل حال لأنه اسم مبنى، ومن العرب من يجعله في الرفع بالواو، وفى الجر والنصب
بالياء كما جعلوا تثنيته بالألف في الرفع وبالياء في الجر والنصب. وفى الذي خمس لغات:
إحداها الذي بلام مفتوحة من غير لام التعريف، وقد قرئ به شاذا، والثانية الذي
بسكون الياء، والثالثة بحذفها وإبقاء كسرة الذال، والرابعة حذف الياء وإسكان الذال،
والخامسة بياء مشددة.
7

قوله تعالى (غير المغضوب) يقرأ بالجر، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه بدل
من الذين. والثاني أنه بدل من الهاء والميم في عليهم. والثالث أنه صفة للذين.
فإن قلت: الذين معرفة وغير لا يتعرف بالإضافة فلا يصح أن يكون صفة له.
ففيه جوابان: أحدهما أن غير إذا وقعت بين متضادين وكانا معرفتين تعرفت بالإضافة
كقولك: عجبت من الحركة غير السكون، وكذلك الأمر هنا لأن المنعم عليه والمغضوب
عليه متضادان. والجواب الثاني أن الذين قريب من النكرة لأنه لم يقصد به قصد قوم
بأعيانهم وغير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالإضافة فكل واحد
منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه. ويقرأ غير بالنصب، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدهما أنه حال من الهاء والميم والعامل فيها أنعمت، ويضعف أن يكون حالا من الذين لأنه
مضاف إليه، والصراط لا يصح أن يعمل بنفسه في الحال، وقد قيل إنه ينتصب على
الحال من الذين ويعمل فيها معنى الإضافة. والوجه الثاني أنه ينتصب على الاستثناء من
الذين أو من الهاء والميم. والثالث أنه ينتصب بإضمار أعنى والمغضوب مفعول من
غضب عليه، وهو لازم والقائم مقام الفاعل عليهم، والتقدير غير الفريق المغضوب،
ولا ضمير في المغضوب لقيام الجار والمجرور مقام الفاعل، ولذلك لم يجمع فيقال الفريق
المغضوبين عليهم، لأن اسم الفاعل والمفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة
(ولا الضالين) " لا " زائدة عند البصريين للتوكيد، وعند الكوفيين هي بمعنى غير،
كما قالوا: جئت بلا شئ فأدخلوا عليها حرف الجر فيكون لها حكم غير. وأجاب
البصريون عن هذا بأن " لا " دخلت للمعنى فتخطاها العامل كما يتخطى الألف
واللام والجمهور على ترك الهمز في الضالين: وقرأ أيوب السختياني بهمزة مفتوحة
وهي لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدد نحو: ضال ودابة
وجان، والعلة في ذلك أنه قلب الألف همزة لتصح حركتها لئلا يجمع بين ساكنين.
فصل
وأما آمين فاسم للفعل ومعناها اللهم استجب، وهو مبنى لوقوعه موقع المبنى،
وحرك بالفتح لأجل الياء قبل آخره كما فتحت أين، والفتح فيها أقوى لأن قبل الياء
كسرة، فلو كسرت النون على الأصل لوقعت الياء بين كسرتين. وقيل (آمين): اسم
من أسماء الله تعالى، وتقديره: يا آمين، وهذا خطأ لوجهين: أحدهما أن أسماء الله
لا تعرف إلا تلقيا ولم يرد بذلك سمع. والثاني أنه لو كان كذلك لبنى على الضم لأنه
منادى معرفة أو مقصود، وفيه لغتان: القصر وهو الأصل، والمد وليس من الأبنية
8

العربية، بل هو من الأبنية الأعجمية كهابيل وقابيل والوجه فيه أن يكون أشبع فتحة
الهمزة فنشأت الألف، فعلى هذا لا تخرج عن الأبنية العربية.
فصل: في هاء الضمير نحو: عليهم وعليه وفيه وفيهم
وإنما أفردناه لتكرره في القرآن. الأصل في هذه الهاء الضم لأنها تضم بعد الفتحة
والضمة والسكون نحو: إنه وله وغلامه ويسمعه ومنه، وإنما يجوز كسرها بعد الياء
نحو: عليهم وأيديهم، وبعد الكسر نحو: به وبداره، وضمها في الموضعين جائز
لأنه الأصل، وإنما كسرت لتجانس ما قبلها من الياء والكسرة، وبكل قد قرئ.
فأما عليهم ففيها عشر لغات، وكلها قد قرئ به: خمس مع ضم الهاء، وخمس
مع كسرها، فالتي مع الضم: إسكان الميم وضمها من غير إشباع، وضمها مع واو،
وكسر الميم من غير ياء، وكسرها مع الياء. وأما التي مع كسر الهاء: فإسكان الميم
وكسرها من غير ياء وكسرها مع الياء، وضمها من غير واو، وضمها مع الواو،
والأصل في ميم الجمع أن يكون بعدها واو كما قرأ ابن كثير، فالميم لمجاوزة الواحد،
والألف دليل التثنية نحو: عليهما، والواو للجمع نظير الألف، ويدل على ذلك أن
علامة الجماعة في المؤنث نون مشددة نحو: عليهن، فكذلك يجب أن يكون علامة
الجمع للمذكر حرفين، إلا أنهم حذفوا الواو تخفيفا، ولا لبس في ذلك لأن الواحد
لاميم فيه، والتثنية بعد ميمها ألف، وإذا حذفت الواو سكنت الميم لئلا تتوالى
الحركات في أكثر المواضع نحو: ضربهم ويضربهم، فمن أثبت الواو أو حذفها وسكن
الميم فلما ذكرنا، ومن ضم الميم دل بذلك على أن أصلها الضم وجعل الضمة دليل الواو
المحذوفة، ومن كسر الميم وأتبعها ياء فإنه حرك الميم بحركة الهاء المكسورة قبلها ثم قلب
الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ومن حذف الياء جعل الكسرة دليلا عليها، ومن
كسر الميم بعد ضمة الهاء فإنه أراد أن يجانس بها الياء التي قبل الهاء، ومن ضم الهاء قال:
إن الياء في عليه حقها أن تكون ألفا كما ثبتت الألف مع المظهر وليست الياء أصل
الألف، فكما أن الهاء تضم بعد الألف فكذلك تضم بعد الياء المبدلة منها، ومن كسر
الهاء اعتبر اللفظ، فأما كسر الهاء واتباعها بياء ساكنة فجائز على ضعف، أما جوازه
فلخفاء الهاء بينت بالإشباع، وأما ضعفه فلأن الهاء خفية والخفي قريب من الساكن
والساكن غير حصين، فكأن الياء وليت الياء، وإذا لقى الميم ساكن بعدها جاز
ضمها نحو: عليهم الذلة، لأن أصلها الضم، وإنما أسكنت تخفيفا، فإذا احتيج إلى
حركتها كان الضم الذي هو حقها في الأصل أولى ويجوز كسرها اتباعا لما قبلها.
9

وأما: فيه ويليه، ففيه الكسر من غير إشباع، وبالإشباع، وفيه الضم من غير
إشباع وبالإشباع، وأما إذا سكن ما قبل الهاء نحو: منه وعنه وتجدوه، فمن ضم من
غير إشباع فعلى الأصل، ومن أشبع أراد تبيين الهاء لخفائها.
سورة البقرة
قوله تعالى (ألم) هذه الحروف المقطعة كل واحد منها اسم، فألف اسم يعبر به
عن مثل الحرف الذي في قال، ولام يعبر بها عن الحرف الأخير من قال، وكذلك
ما أشبهها، والدليل على أنها أسماء أن كلا منها يدل على معنى في نفسه، وهي مبنية
لأنك لا تريد أن تخبر عنها بشئ، وإنما يحكى بها ألفاظ الحروف التي جعلت أسماء لها
فهي كالأصوات نحو: غاق، في حكاية صوت الغراب.
وفى موضع ألم ثلاثة أوجه: أحدها الجر على القسم، وحرف القسم محذوف وبقى
عمله بعد الحذف لأنه مراد، فهو كالملفوظ به كما قالوا الله ليفعلن في لغة من جر،
والثاني: موضعها نصب، وفيه وجهان: أحدهما هو على تقدير حذف القسم كما
تقول الله لأفعلن والناصب فعل محذوف تقديره: التزمت الله، أي اليمين به، والثاني
هي مفعول بها تقديره أتل ألم. والوجه الثالث: موضع رفع بأنها مبتدأ وما
بعدها الخبر.
قوله عز وجل (ذلك) ذا اسم إشارة والألف من جملة الاسم. وقال الكوفيون
الذال وحدها هي الاسم، والألف زيدت لتكثير الكلمة، واستدلوا على ذلك بقولهم
ذه أمة الله، وليس ذلك بشئ لأن هذا الاسم اسم ظاهر، وليس في الكلام اسم
ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه، ويدل على ذلك قولهم في التصغير: ذيا
فردوه إلى الثلاثي والهاء في ذه بدل من الياء في ذي. وأما اللام فحرف زيد ليدل على
بعد المشار إليه، وقيل هي بدل من ها، ألا تراك تقول: هذا وهذاك ولا يجوز
هذلك، وحركت اللام لئلا يجتمع ساكنان وكسرت على أصل التقاء الساكنين،
وقيل كسرت للفرق بين هذه اللام ولام الجر، إذ لو فتحتها فقلت ذلك لالتبس بمعنى
الملك، وقيل ذلك هاهنا بمعنى هذا، وموضعه رفع إما على أنه خبر ألم والكتاب
عطف بيان ولا ريب في موضع نصب على الحال أي هذا الكتاب حقا أو غير ذي شك
وإما أن يكون ذلك مبتدأ والكتاب خبره ولا ريب حال، ويجوز أن يكون الكتاب
عطف بيان ولا ريب فيه الخبر، وريب مبنى على الأكثرين لأنه ركب مع لاوصير
10

بمنزلة خمسة عشر، وعلة بنائه تضمنه معنى من، إذ التقدير لا من ريب، واحتيج إلى
تقدير من لتدل لا على نفى الجنس. ألا ترى أنك تقول: لا رجل في الدار، فتنفى
الواحد وما زاد عليه، فإن قلت لا رجل في الدار فرفعت ونونت نفيت الواحد ولم تنف
ما زاد عليه، إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر.
وقوله (فيه) فيه وجهان: أحدهما هو في موضع خبر لا ويتعلق بمحذوف
تقريره: لا ريب كائن فيه، فيقف حينئذ على فيه. والوجه الثاني: أن يكون لا ريب
آخر الكلام وخبره محذوف للعلم به، ثم تستأنف فتقول فيه هدى فيكون هدى مبتدأ
وفيه الخبر، وإن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ويتعلق " في " على الوجهين بفعل
محذوف، وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء لقولك هديت والهدى، وفى موضعه
وجهان: أحدهما رفع إما مبتدأ أو فاعل على ما ذكرنا، وإما أن يكون خبر مبتدإ
محذوف: أي هو هدى، وإما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر. والوجه الثاني: أن
يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه: أي لا ريب فيه هاديا فالمصدر
في معنى اسم الفاعل، والعامل في الحال معنى الجملة تقديره: أحققه هاديا، ويجوز أن
يكون العامل فيه معنى التنبيه والإشارة الحاصل من قوله ذلك.
قوله تعالى (للمتقين) اللام متعلقة بمحذوف تقديره كائن أو كائنا على ما ذكرناه
من الوجهين في الهدى، ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى لأنه مصدر والمصدر
يعمل عمل الفعل، وواحد المتقين متقي، وأصل الكلمة من وقى فعل، ففاؤها واو
ولامها ياء، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء وأدغمتها في التاء الأخرى فقلت
اتقى، وكذلك في اسم الفاعل وما تصرف منه نحو متقى ومتقي ومتقى اسم ناقص،
وياؤه التي هي لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها كقولك:
متقون ومتقين، ووزنه في الأصل مفتعلون، لأن أصله موتقيون فحذفت اللام لما
ذكرنا فوزنه الآن مفتعون ومفتعين، وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع لأن علامة
الجمع دالة على معنى إذا حذفت لا يبقى على ذلك المعنى دليل، فكان إبقاؤها أولى.
قوله تعالى (الذين يؤمنون) هو في موضع جر صفة المتقين، ويجوز أن
يكون في موضع نصب إما على موضع للمتقين أو بإضمار أعنى، ويجوز أن يكون
في موضع رفع على إضمارهم أو مبتدأ وخبره أولئك على هدى وأصل يؤمنون يؤمنون،
لأنه من الأمن والماضي منه آمن فالألف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع
همزتين، ولم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها وانفتاح ما قبلها، ونظيره في الأسماء
11

آدم آخر، فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الأصل، لأن ذلك يفضى
بك في المتكلم إلى ثلاث همزات: الأولى همزة المضارعة، والثانية همزة أفعل التي
في آمن، والثالثة الهمزة التي هي فاء الكلمة، فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم لئلا
تجتمع الهمزات، وكان حذف الوسطى أولى من حذف الأولى لأنها حرف معنى، ومن
حذف الثالثة لأن الثالثة فاء الكلمة والوسطى زائدة، وإذا أردت تبين ذلك فقل:
إن آمن أربعة أحرف فهو مثل دحرج، فلو قلت أدحرج لأتيت بجميع ما كان في الماضي
وزدت عليه همزة المتكلم، فمثله يجب أن يكون في أو من، فالباقي من الهمزات الأولى
والواو التي بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التي هي فاء الكلمة والهمزة الوسطى هي
المحذوفة وإنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها وانضمام ما قبلها، فإذا قلت نؤمن
وتؤمن ويؤمن جاز لك فيه وجهان: أحدهما الهمز على الأصل، والثاني قلب الهمزة
واوا تخفيفا، وحذفت الهمزة الوسطى حملا على أو من والأصل يؤمن، فأما أؤمن فلا يجوز
همز الثانية بحال لما ذكرناه، والغيب هنا مصدر بمعنى الفاعل: أي يؤمنون بالغائب عنهم،
ويجوز أن يكون بمعنى المفعول: أي المغيب كقوله: هذا خلق الله: أي مخلوقه،
ودرهم ضرب الأمير: أي مضروبه.
قوله عز وجل (ويقيمون) أصله يؤقومون: وماضيه أقام، وعينه واو
لقولك فيه يقوم، فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين، وكذلك جميع
ما فيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة، وأما الواو فعمل فيها ما عمل
في نستعين، وقد ذكرناه، وألف الصلاة منقلبة عن واو لقولك: صلوات، والصلاة
مصدر صلى ويراد بها هاهنا الأفعال والأقوال المخصوصة فلذلك جرت مجرى الأسماء
غير المصادر.
قوله تعالى (ومما رزقناهم) من متعلقة بينفقون، والتقدير: وينفقون مما
رزقناهم، فيكون الفعل قبل المفعول كما كان قوله يؤمنون ويقيمون كذلك، وإنما
أخر الفعل عن المفعول لتتوافق رؤوس الآي، وما بمعنى الذي، ورزقنا يتعدى إلى
مفعولين، وقد حذف الثاني منهما هنا وهو العائد على " ما " تقديره: رزقناهموه أو
رزقناهم إياه، ويجوز أن تكون ما نكرة موصولة بمعنى شئ، أي ومن مال رزقناهم
فيكون رزقناهم في موضع جر صفة لما. وعلى القول الأول لا يكون له موضع، لأن
الصلة لا موضع لها، ولا يجوز أن تكون ما مصدرية لأن الفعل لا ينفق، ومن
12

للتبعيض، ويجوز أن تكون لابتداء غاية الإنفاق، وأصل ينفقون: يؤنفقون لأن
ماضيه أنفق، وقد تقدم نظيره.
قوله تعالى (بما أنزل إليك) " ما " هاهنا بمعنى الذي، ولا يجوز أن تكون
نكرة موصوفة أي بشئ أنزل إليك، لأنه لا عموم فيه على هذا، ولا يكمل الإيمان
إلا أن يكون بجميع ما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما للعموم، وبذلك
يتحقق الإيمان. والقراءة الجيدة بأنزل إليك، بتحقيق الهمزة، وقد قرئ في الشاذ أنزل
إليك بتشديد اللام والوجه فيه أنه سكن لام أنزل وألقى عليها حركة الهمزة فانكسرت
اللام وحذفت الهمزة فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما أنزل إليك فسكنت اللام الأولى
وأدغمت في اللام الثانية، والكاف هنا ضمير المخاطب وهو النبي صلى الله عليه وسلم،
ويجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب ويكون في معنى الجمع، وقد صرح به في آي
أخر كقوله " لقد أنزلنا إليك كتابا فيه ذكركم ".
قوله تعالى (وبالآخرة) الباء متعلقة بيوقنون، ولا يمتنع أن يعمل الخبر فيما
قبل المبتدأ، وهذا يدل على أن تقديم الخبر على المبتدأ جائز إذ المعمول لا يقع في موضع
لا يقع فيه العامل، والآخر صفة والموصوف محذوف تقديره: وبالساعة الآخرة
أو بالدار الآخرة كما قال " وللدار الآخرة خير " وقال " واليوم الآخر ".
قوله تعالى (هم يوقنون) هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد، ولو قال:
وبالآخرة يوقنون لصح المعنى والإعراب، ووجه التوكيد في هم تحقيق عود الضمير
إلى المذكورين لا إلى غيرهم، ويوقنون الخبر، وأصله يؤيقنون، لأن ماضيه أيقن،
والأصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضي، إلا أن الهمزة حذفت لما ذكرنا
في يؤمنون وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها.
قوله تعالى (أولئك) هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده، وواحده ذا،
ويكون أولئك للمؤنث والمذكر، والكاف فيه حرف للخطاب وليست اسما إذ لو كانت
اسما لكانت إما مرفوعة أو منصوبة، ولا يصح شئ منهما إذ لا رافع هنا ولا ناصب،
وإما أن تكون مجرورة بالإضافة، وأولاء لا تصح إضافته لأنه مبهم، والمبهمات
لا تضاف، فبقي أن تكون حرفا مجردا للخطاب، ويجوز مد أولاء وقصره في غير
القرآن، وموضعه هنا رفع بالابتداء، و (على هدى) الخبر، وحرف الجر متعلق
بمحذوف: أي أولئك ثابتون على هدى، ويجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون
بالغيب، وقد ذكر.
13

فإن قيل: أصل " على " الاستعلاء، والهدى لا يستعلى عليه فكيف يصح
معناها هاهنا؟.
قيل: معنى الاستعلاء حاصل، لأن منزلتهم علت باتباع الهدى، ويجوز أن
يكون لما كانت أفعالهم كلها على مقتضى الهدى كان تصرفهم بالهدى كتصرف الراكب
بما يركبه.
قوله تعالى (من ربهم) في موضع جر صفة لهدى، ويتعلق الجار بمحذوف
تقديره هدى كائن وفى الجار والمجرور ضمير يعود على الهدى، ويجوز كسر الهاء
وضمها على ما ذكرنا في عليهم في الفاتحة.
قوله تعالى (وأولئك) مبتدأ و (هم) مبتدأ ثان و (المفلحون) خبر المبتدأ
الثاني، والثاني خبره خبر الأول، ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من
الإعراب، والمفلحون خبر أولئك، والأصل في مفلح مؤفلح، ثم عمل فيه ما ذكرناه
في يؤمنون.
قوله تعالى (سواء عليهم) رفع بالابتداء، أأنذرتهم أم لم تنذرهم جملة
في موضع الفاعل وسدت هذه الجملة مسد الخبر، والتقدير يستوى عندهم الإنذار
وتركه، وهو كلام محمول على المعنى، ويجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدإ
وسواء خبر مقدم، والجملة على القولين خبر أن، ولا يؤمنون لا موضع له على هذا
ويجوز أن يكون سواء خبر أن وما بعده معمول له، ويجوز أن يكون لا يؤمنون خبر
أن، وسواء عليهم وما بعده معترض بينهما، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وسواء
مصدر واقع موقع اسم الفاعل وهو مستو، ومستو يعمل عمل يستوى، ومن أجل
أنه مصدر لا يثني ولا يجمع، والهمزة في سواء مبدلة من ياء لأن باب طويت وشويت
أكثر من باب قوة وحوة فحمل على الأكثر.
قوله تعالى (أأنذرتهم) قرأ بن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر، وهمزة
الاستفهام مرادة ولكن حذفوها تخفيفا، وفى الكلام ما يدل عليها وهو قوله: أم لم،
لأن أم تعادل الهمزة، وقرأ الأكثرون على لفظ الاستفهام ثم اختلفوا في كيفية النطق
به، فحقق قوم الهمزتين ولم يفصلوا بينهما وهذا هو الأصل، إلا أن الجمع بين
الهمزتين مستثقل لأن الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة فالنطق بها يشبه التهوع، فإذا
اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم، فمن هنا لا يحققهما أكثر العرب، ومنهم من
يحقق الأولى ويجعل الثانية بين بين: أي بين الهمزة والألف، وهذه في الحقيقة همزة
14

ملينة وليست ألفا، ومنهم من يجعل الثانية ألفا صحيحا كما فعل ذلك في آدم وآمن،
ومنهم من يلين الثانية ويفصل بينها وبين الأولى بالألف، ومنهم من يحقق الهمزتين
ويفصل بينهما بألف، ومن العرب من يبدل الأولى هاء ويحقق الثانية، ومنهم من يلين
الثانية مع ذلك، ولا يجوز أن يحقق الأولى ويجعل الثانية ألف صحيحا ويفصل بينهما بألف،
لأن ذلك جمع بين ألفين، ودخلت همزة الاستفهام هنا للتسوية، وذلك شبيه بالاستفهام
لأن المستفهم يستوى عنده الوجود والعدم، فكذلك يفعل من يريد التسوية، ويقع
ذلك بعد سواء كهذه الآية، وبعد ليت شعري كقولك: ليت شعري أقام أم قعد،
وبعد: لا أبالي، ولا أدري، وأم هذه هي المعادلة لهمزة الاستفهام، ولم ترد المستقبل
إلى معنى المضي حتى يحسن معه أمس، فإن دخلت عليها إن الشرطية عاد الفعل إلى
أصله من الاستقبال.
قوله تعالى (وعلى سمعهم) السمع في الأصل مصدر سمع، وفى تقديره هنا
وجهان: أحدهما أنه استعمل مصدرا على أصله، وفى الكلام حذف تقديره على مواضع
سمعهم لأن نفس السمع لا يختم عليه. والثاني أن السمع هنا استعمل بمعنى السامعة وهي
الأذن، كما قالوا الغيب بمعنى الغائب، والنجم بمعنى الناجم، واكتفى بالواحد هنا عن
الجمع كما قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها * فبيض وأما جلدها فصليب
يريد جلودها.
قوله تعالى (وعلى أبصارهم غشاوة) يقرأ بالرفع على أنه مبتدأ، وعلى
أبصارهم خبره، وفى الجار على هذا ضمير، وعلى قول الأخفش غشاوة مرفوع
بالجار كارتفاع الفاعل بالفعل، ولا ضمير في الجار على هذا لارتفاع الظاهرية،
والوقف على هذه القراءة على " وعلى سمعهم "، ويقرأ بالنصب بفعل مضمر تقديره
وجعل على أبصارهم غشاوة، ولا يجوز أن ينتصب بختم لأنه لا يتعدى بنفسه، ويجوز
كسر الغين وفتحها وفيها ثلاث لغات أخر، غشوة بغير ألف بفتح الغين وضمها
وكسرها.
قوله تعالى (ولهم عذاب) مبتدأ وخبر أو فاعل عمل فيه الجار على ما ذكرنا
قبل، وفى (عظيم) ضمير يرجع على العذاب لأنه صفته.
قوله تعالى (ومن الناس) الواو دخلت هنا للعطف على قوله " الذين يؤمنون
15

بالغيب " وذلك أن هذه الآيات استوعبت أقسام الناس، فالآيات الأول تضمنت
ذكر المخلصين في الإيمان، وقوله (إن الذين كفروا) تضمن ذكر من أظهر الكفر
وأبطنه، وهذه الآية تضمنت ذكر من أظهر الإيمان وأبطن الكفر، فمن هنا دخلت
الواو لتبين أن المذكورين من تتمة الكلام الأول، ومن هنا للتبعيض، وفتحت نونها
ولم تكسر لئلا تتوالى الكسرتان، وأصل الناس عند سيبويه أناس حذفت همزته وهي
فاء الكلمة، وجعلت الألف واللام كالعوض منها، فلا يكاد يستعمل الناس إلا بالألف
واللام، ولا يكاد يستعمل أناس بالألف واللام، فالألف في الناس على هذا زائدة
واشتقاقه من الإنس. وقال غيره ليس في الكلمة حذف، والألف منقلبة
عن واو وهي عين الكلمة، واشتقاقه من ناس ينوس نوسا إذا تحرك، وقالوا
في تصغيره: نويس.
قوله (من يقول) من: في موضع رفع بالابتداء وما قبله الخبر، أو هو مرتفع
بالجار قبله على ما تقدم، ومن هنا نكرة موصوفة، ويقول: صفة لها، ويضعف
أن تكون بمعنى الذي، لأن الذي يتناول قوما بأعيانهم، والمعنى هاهنا على الإبهام
والتقدير: ومن الناس فريق يقول، ومن موحدة للفظ، وتستعمل في التثنية والجمع
والتأنيث بلفظ واحد، والضمير الراجع إليها يجوز أن يفرد حملا على لفظها، وأن يثنى
ويجمع ويؤنث حملا على معناها، وقد جاء في هذه الآية على الوجهين، فالضمير
في يقول مفرد، وفى آمنا وما هم جمع، والأصل في يقول: يقول بسكون القاف وضم
الواو لأنه نظير يقعد ويقتل، ولم يأت إلا على ذلك، فنقلت ضمة الواو إلى القاف
ليخف اللفظ بالواو، ومن هاهنا إذا أمرت لم تحتج إلى الهمزة بل تقول قل، لأن فاء
الكلمة قد تحركت فلم تحتج إلى همزة الوصل.
قوله تعالى (آمنا) أصل الألف همزة ساكنة، فقلبت ألفا لئلا تجتمع همزتان،
وكان قلبها ألفا من أجل الفتحة قبلها، ووزن آمن أفعل من الأمن، و (الآخر) فاعل
فالألف فيه غير مبدلة من شئ.
قوله (وما هم) " هم " ضمير منفصل مرفوع بما عند أهل الحجاز، ومبتدأ عند تميم
والباء في الخبر زائدة للتوكيد غير متعلقة بشئ، وهكذا كل حرف جر زيد في المبتدأ
أو الخبر أو الفاعل، وما تنفى " ما " في الحال، وقد تستعمل لنفى المستقبل.
قوله تعالى (يخادعون الله) في الجملة وجهان: أحدهما لا موضع لها، والثاني
موضعها نصب على الحال، وفى صاحب الحال والعامل فيها وجهان: أحدهما هي من
16

الضمير في يقول، فيكون العامل فيها يقول، والتقدير: يقول آمنا مخادعين: والثاني
هي حال من الضمير في قوله بمؤمنين، والعامل فيها اسم الفاعل، والتقدير: وما هم
بمؤمنين في حال خداعهم، ولا يجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لمؤمنين،
لأن ذلك يوجب نفى خداعهم، والمعنى على إثبات الخداع: ولا يجوز أن تكون
الجملة حالا من الضمير في آمنا، لأن آمنا محكى عنهم بيقول، فلو كان يخادعون حالا
من الضمير في آمنا لكانت محكية أيضا، وهذا محال لوجهين: أحدهما أنهم ما قالوا
آمنا وخادعنا. والثاني أنه أخبر عنهم بقوله يخادعون، ولو كان منهم لكان نخادع
بالنون، وفى الكلام حذف تقديره: يخادعون نبي الله، وقيل هو على ظاهره من
غير حذف.
قوله عز وجل (وما يخادعون) وأكثر القراءة بالألف، وأصل المفاعلة أن
تكون من اثنين، وهي على ذلك هنا لأنهم في خداعهم ينزلون أنفسهم منزلة أجنبي
يدور الخداع بينهما، فهم يخدعون أنفسهم وأنفسهم تخدعهم، وقيل المفاعلة هنا من
واحد كقولك: سافر الرجل، وعاقبت اللص، ويقرأ، يخدعون بغير ألف مع فتح
الياء، ويقرأ بضمها على أن يكون الفاعل للخدع الشيطان فكأنه قال: وما يخدعهم
الشيطان (إلا أنفسهم) أي عن أنفسهم، وأنفسهم نصب بأنه مفعول وليس نصبه
على الاستثناء، لأن الفعل لم يستوف مفعوله قبل إلا.
قوله تعالى (فزادهم الله) زاد يستعمل لازما كقولك: زاد الماء، ويستعمل
متعديا إلى مفعولين كقولك زدته درهما، وعلى هذا جاء في الآية، ويجوز إمالة الزاي
لأنها تكسر في قولك زدته، وهذا يجوز فيما عينه واو مثل خاف، إلا أنه أحسن فيما
عينه ياء.
قوله تعالى (أليم) هو فعيل بمعنى مفعل لأنه من قولك آلم فهو مؤلم وجمعه الماء
وألام مثل شريف وشرفاء وشراف.
قوله تعالى (بما كانوا يكذبون) هو في موضع رفع صفة لأليم، وتتعلق
الباء بمحذوف تقديره أليم كائن بتكذيبهم أو مستحق وما هنا مصدرية، وصلتها
يكذبون، وليست كان صلتها لأنها الناقصة، ولا تستعمل منها مصدر، ويكذبون
في موضع نصب خبر كان، وما المصدرية حرف عند سيبويه واسم عند الأخفش:
وعلى كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شئ.
17

قوله عز وجل (وإذا قيل لهم) إذا في موضع نصب على الظرف، والعامل فيها
جوابها وهو قوله قالوا، وقال قوم: العامل فيها قيل، وهو خطأ لأنه في موضع جر
بإضافة إذا إليه، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف وأصل قيل قول، فاستثقلت
الكسرة على الواو فحذفت وكسرت القاف لتنقلب الواو ياء كما فعلوا في أدل وأحق،
ومنهم من يقول: نقلوا كسرة الواو إلى القاف وهذا ضعيف، لأنك لا تنقل إليها
الحركة إلا بعد تقدير سكونها فيحتاج في هذا إلى حذف ضمة القاف وهذا عمل كثير،
ويجوز إشمام القاف بالضمة مع بقاء الياء ساكنة تنبيها على الأصل، ومن العرب من
يقول في مثل قيل وبيع: قول وبوع، ويسوى بين ذوات الواو والياء، قالوا:
وتخرج على أصلها وما هو من الياء تقلب الياء فيه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها،
ولا يقرأ بذلك ما لم تثبت به رواية والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر وهو القول
وأضمر لأن الجملة بعده تفسره، والتقدير: وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا
ونظيره - ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه - أي بدا لهم بداء ورأي، وقيل لهم
هو القائم مقام الفاعل وهو بعيد، لأن الكلام لا يتم به، وما هو مما تفسره الجملة
بعده، ولا يجوز أن يكون قوله: لا تفسدوا قائما مقام الفاعل، لأن الجملة لا تكون
فاعلا فلا تقوم مقام الفاعل، ولهم في موضع نصب مفعول قيل.
قوله (في الأرض) الهمزة في الأرض أصل، وأصل الكلمة من الاتساع ومنه قولهم:
أرضت القرحة إذا اتسعت، وقول من قال: سميت أرضا لأن الأقدام ترضها ليس
بشئ، لأن الهمزة فيها أصل والرض ليس من هذا، ولا يجوز أن يكون في الأرض
حالا من الضمير في تفسدوا، لأن ذلك لا يفيد شيئا وإنما هو ظرف متعلق بتفسدوا.
قوله (إنما نحن) " ما " ههنا كافة لأن عن العمل لأنها هيأتها للدخول على
الاسم تارة وعلى الفعل أخرى، وهي إنما عملت لاختصاصها بالاسم، وتفيد " إنما "
حصر الخبر فيما أسند إليه الخبر كقوله: إنما الله إله واحد، وتفيد في بعض المواضع
اختصاص المذكور بالوصف المذكور دون غيره، كقولك: إنما زيد كريم، أي ليس
فيه من الأوصاف التي تنسب إليه سوى الكرم، ومنه قوله تعالى (إنما أنا بشر مثلكم)
لأنهم طلبوا منه ما لا يقدر عليه البشر، فأثبت لنفسه صفة البشر ونفى عنه ما عداها.
قوله: نحن: هو اسم مضمر منفصل مبنى على الضم، وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى
الظواهر التي ترجع إليها، فهي كالحروف في افتقارها إلى الأسماء، وحرك آخرها
لئلا يجتمع ساكنان، وضمت النون لأن الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء
18

في قمت، وقيل ضمت لأن موضعها رفع، وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس
الواو، ونحن ضمير المتكلم ومن معه، وتكون للاثنين والجماعة، ويستعمله المتكلم
الواحد العظيم، وهو في موضع رفع بالابتداء و (مصلحون) خبره.
قوله تعالى (ألا) هي حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب، وقيل معناها حقا،
وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا، وهذا في غاية البعد.
قوله (هم المفسدون) هم مبتدأ والمفسدون خبره والجملة خبر إن، ويجوز
أن تكون هم في موضع نصب توكيد لاسم إن، ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها،
لأن الخبر هنا معرفة، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة، فيعين ما بعده
للخبر.
قوله تعالى (وإذا قيل لهم آمنوا) القائم مقام المفعول هو القول، ويفسره
آمنوا لأن الأمر والنهى قول.
قوله (كما آمن الناس) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف:
أي إيمانا مثل إيمان الناس، ومثله - كما آمن السفهاء -.
قوله (السفهاء ألا إنهم) في هاتين الهمزتين أربعة أوجه: أحدها تحقيقهما
وهو الأصل، والثاني تحقيق الأولى وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالي الهمزتين
وجعلت الثانية واوا لانضمام الأولى، والثالث تليين الأولى، وهو جعلها بين الهمزة
وبين الواو وتحقيق الثانية، والرابع كذلك إلا أن الثانية واو، ولا يجوز جعل الثانية
بين الهمزة والواو لأن ذلك تقريب من الألف، والألف لا يقع بعد الضمة
والكسرة، وأجازه قوم.
قوله تعالى (لقوا الذين آمنوا) أصله لقيوا فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها
ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها، وحركت القاف بالضم تبعا للواو،
وقيل نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ثم حذفت، وقرأ ابن السميقع: لاقوا
بألف وفتح القاف وضم الواو، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله
" اشتروا الضلالة ".
قوله (خلوا إلى) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الأصل، ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة
على الواو وحذف الهمزة فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة، وأصل خلوا خلووا
فقلبت الواو الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الألف لئلا يلتقى
19

ساكنان، وبقيت الفتحة تدل على الألف المحذوفة.
قوله (إنا معكم) الأصل: إننا، فحذفت النون الوسطى على القول
الصحيح، كما حذفت في إن إذا خففت، كقوله تعالى " وإن كل لما جميع " ومعكم
ظرف قائم مقام الخبر، أي كائنون معكم.
قوله تعالى (مستهزءون) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الأصل، وبقلبها ياء
مضمومة لانكسار ما قبلها، ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الأصلية في مثل
قولك: يرمون، ويضم الزاي، وكذلك الخلاف في تليين همزة " يستهزئ بهم ".
قوله تعالى (يعمهون) هو حال من الهاء والميم في يمدهم وفى طغيانهم
متعلق بيمدهم أيضا، وإن شئت بيعمهون، ولا يجوز أن تجعلهما حالين من يمدهم
لأن العامل الواحد لا يعمل في حالين.
قوله تعالى (اشتروا الضلالة) الأصل اشتريوا فقلبت الياء ألفا ثم حذفت
الألف لئلا يلتقى ساكنان الألف والواو.
فإن قلت: فالواو هنا متحركة. قيل: حركتها عارضة فلم يعتد بها وفتحة الراء
دليل على الألف المحذوفة، وقيل سكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لئلا يلتقى
ساكنان، وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ليفرق بين واو الجمع والواو الأصلية
في نحو قوله: لو استطعنا، وقيل ضمت لأن الضمة هنا أخف من الكسرة لأنها من
جنس الواو، وقيل حركت بحركة الياء المحذوفة، وقيل ضمت لأنها ضمير فاعل،
فهي مثل التاء في قمت، وقيل هي للجمع فهي مثل نحن، وقد همزها قوم شبهوها
بالواو المضمومة ضما لازما نحو: أثؤب، ومنهم من يفتحها إيثارا للتخفيف، ومنهم
من يكسرها على الأصل في التقاء الساكنين، ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء
الساكنين، وهو ضعيف لأن قبلها فتحة، والفتحة لا تدل عليها.
قوله تعالى (مثلهم كمثل) ابتداء وخبر، والكاف يجوز أن يكون حرف
جر فيتعلق بمحذوف، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل فلا يتعلق بشئ.
قوله (الذي استوقد) الذي هاهنا مفرد في اللفظ، والمعنى على الجمع بدليل
قوله " ذهب الله بنوركم " وما بعده، وفى وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان:
أحدهما هو جنس مثل: من وما: فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد، وتارة بلفظ
الجمع، والثاني أنه أراد الذين، فحذفت النون لطول الكلام بالصلة، ومثله:
20

" والذي جاء بالصدق وصدق به " ثم قال: أولئك هم المتقون، واستوقد بمعنى أوقد، مثل
استقر بمعنى قر، وقيل استوقد استدعى الإيقاد.
قوله تعالى (فلما أضاءت) لما هنا اسم، وهي ظرف زمان، وكذا في كل
موضع وقع بعدها الماضي، وكان لها جواب والعامل فيها جوابها مثل: إذا،
وأضاءت متعد فيكون " ما " على هذا مفعولا به، وقيل أضاء لازم، يقال: ضاءت
النار وأضاءت بمعنى، فعلى هذا يكون " ما " ظرفا، وفى " ما " ثلاثة أوجه: أحدها
هي بمعنى الذي، والثاني هي نكرة موصوفة، أي مكانا حوله، والثالث
هي زائدة.
قوله (ذهب الله بنورهم) الباء هنا معدية للفعل كتعدية الهمزة له، والتقدير
أذهب الله نورهم، ومثله في القرآن كثير، وقد تأتى الباء في مثل هذا للحال كقولك
ذهبت بزيد، أي ذهبت ومعي زيد.
قوله تعالى (وتركهم في ظلمات) تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين لأن المعنى
صيرهم، وليس المراد به الترك هو الإهمال، فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول
الثاني في ظلمات، فلا يتعلق الجار بمحذوف ويكون لا يبصرون حالا، ويجوز أن
يكون لا يبصرون هو المفعول الثاني، وفى ظلمات ظرف يتعلق بتركهم أو بيبصرون،
ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون، أو من المفعول الأول.
قوله تعالى (صم بكم) الجمهور على الرفع على أنه خبر ابتداء محذوف: أي
هم صم، وقرئ شاذا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون.
قوله تعالى (فهم لا يرجعون) جملة مستأنفة، وقيل موضعها حال وهو خطأ،
لأن ما بعد الفاء لا يكون حالا، لأن الفاء ترتب، والأحوال لا ترتيب فيها،
ويرجعون فعل لازم، أي لا ينتهون عن باطلهم، أو لا يرجعون إلى الحق، وقيل هو
متعد ومفعوله محذوف تقديره: فهم لا يردون جوابا، مثل قوله: " إنه على
رجعه لقادر "
قوله تعالى (أو كصيب) في " أو " أربعة أوجه: أحدها أنها للشك، وهو راجع
إلى الناظر في حال المنافقين، فلا يدرى أيشبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب، كقوله:
" إلى مائة ألف أو يزيدون ": أي يشك الرائي لهم في مقدار عددهم، والثاني أنها للتخيير:
أي شبهوهم بأي القبيلتين شئتم، والثالث أنها للإباحة، والرابع أنها للإبهام، أي بعض
الناس يشبههم بالمستوقد، وبعضهم بأصحاب الصيب، ومثله قوله تعالى " كونوا هودا
21

أو نصارى " أي قالت اليهود كونوا هودا، وقالت النصارى كونوا نصارى، ولا يجوز
عند أكثر البصريين أن تحمل " أو " على الواو، ولا على بل ما وجدن ذلك مندوحة
والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله " كمثل الذي " ويجوز أن يكون
خبر ابتداء محذوف تقديره: أو مثلهم كمثل صيب، وفى الكلام حذف تقديره:
أو كأصحاب صيب، وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله يجعلون، والمعنى على
ذلك، لأن تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لا بنفس المطر،
وأصل صيب: صيوب على فيعل، فأبدلت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها، ومثله:
مين وهين، وقال الكوفيون: أصله صويب على فعيل، وهو خطأ، لأنه لو كان
كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل (من السماء) في موضع نصب
" ومن " متعلقة بصيب، لأن التقدير: كمطر صيب من السماء، وهذا الوصف يعمل
عمل الفعل، ومن لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب
فيتعلق من بمحذوف: أي كصيب كائن من السماء، والهمزة في السماء بدل من واو
قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة، ونظائره تقاس عليه (فيه ظلمات)
الهاء تعود على صيب، وظلمات رفع بالجار والمجرور لأنه قد قوى بكونه صفة لصيب،
ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم، وفيه على هذا ضمير، والجملة
في موضع جر صفة لصيب، والجمهور على ضم اللام، وقد قرئ بإسكانها تخفيفا،
وفيه لغة أخرى بفتح اللام، والرعد مصدر رعد يرعد، والبرق مصدر أيضا، وهما
على ذلك موحدتان هنا، ويجوز أن يكون الرعد والبرق بمعنى الراعد والبارق كقولهم:
رجل عدل وصوم (يجعلون) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لأصحاب صيب،
وأن يكون مستأنفا، وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه، والراجع على الهاء
محذوف تقديره من صواعقه وهو بعيد، لأن حذف الراجع على ذي الحال كحذفها
من خبر المبتدأ، وسيبويه يعده من الشذوذ (من الصواعق) أي من صوت
الصواعق (حذر الموت) مفعول له، وقيل مصدر: أي يحذرون حذرا مثل حذر
الموت، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به (محيط) أصله محوط لأنه من حاط
يحوط فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء.
قوله تعالى (يكاد) فعل يدل على مقاربة وقوع الفعل بعدها، ولذلك لم تدخل
عليه أن لأن أن تخلص الفعل للاستقبال وعينها واو، والأصل: يكود، مثل خاف
يخاف، وقد سمع فيه، كدت بضم الكاف، وإذا دخل عليها حرف نفى دل على أن
الفعل الذي بعدها وقع، وإذا لم يكن حرف نفى لم يكن الفعل بعدها واقعا، ولكنه
22

قارب الوقوع، وموضع (يخطف) نصب لأنه خبر كاد، والمعنى: قارب البرق
خطف الأبصار، والجمهور على فتح الياء والطاء وسكون الخاء وماضيه خطف
كقوله تعالى (إلا من خطف الخطفة) وفيه قراءات شاذة: إحداها كسر الطاء على أن
ماضيه خطف بفتح الطاء، والثانية بفتح الياء والخاء والطاء وتشديد الطاء، والأصل:
يختطف، فأبدل من التاء طاء وحركت بحركة التاء، والثالثة كذلك، إلا أنها بكسر
الطاء على ما يستحقه في الأصل، والرابعة كذلك، إلا أنها بكسر الخاء أيضا على
الاتباع، والخامسة بكسر الياء أيضا اتباعا أيضا، والسادسة بفتح الياء وسكون الخاء
وتشديد الطاء، وهو ضعيف لما فيه من الجمع بين الساكنين (كلما) هي هنا
ظرف، وكذلك كل موضع كان لها جواب، و " ما " مصدرية، والزمان محذوف
أي كل وقت إضاءة، وقيل " ما " هنا نكرة موصوفة ومعناها الوقت، والعائد
محذوف: أي كل وقت أضاء لهم فيه، والعامل في كل جوابها، و (فيه) أي
في ضوئه والمعنى بضوئه، ويجوز أن يكون ظرفا على أصلها، والمعنى: إنهم يحيط
بهم الضوء (شاء) ألفا منقلبة عن ياء لقولهم في مصدره: شئت شيئا، وقالوا: أشأته
أي حملته على أن يشاء (لذهب بسمعهم) أي أعدم المعنى الذي يسمعون به،
وعلى كل متعلق ب‍ (قدير) في موضع نصب.
قوله تعالى (يا أيها الناس) أي اسم مبهم لوقوعه على كل شئ أتى به في النداء
توصلا إلى نداء ما فيه الألف واللام إذا كانت " يا " لا تباشر الألف واللام، وبنيت
لأنها اسم مفرد مقصود وها مقحمة للتنبيه، لأن الأصل أن تباشر " يا " الناس، فلما
حيل بينهما بأي عوض من ذلك " ها " والناس وصف لأي لابد منه، لأنه المنادى
في المعنى، ومن هاهنا رفع، ورفعه أن يجعل بدلا من ضمة البناء، وأجاز المازني
نصبه كما يجيز: يا زيد الظريف، وهو ضعيف لما قدمنا من لزوم ذكره، والصفة
لا يلزم ذكرها (من قبلكم) من هنا لابتداء الغاية في الزمان، والتقدير:
والذين خلقهم من قبل خلقكم، فحذف الخلق وأقام الضمير مقامه (لعلكم)
متعلق في المعنى باعبدوا، أي اعبدوه ليصح منكم رجاء التقوى، والأصل توتقيون،
فأبدل من الواو تاء وأدغمت في التاء الأخرى وسكنت الياء ثم حذفت، وقد تقدمت
نظائره، فوزنه الآن تفتعون.
قوله تعالى (الذي جعل) هو في موضع نصب بتتقون أو بدل من ربكم،
أو صفة مكررة، أو بإضمار أعنى، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو
23

الذي، وجعل هنا متعد إلى مفعول واحد وهو الأرض، وفراشا حال، ومثله:
والسماء بناء، ويجوز أن يكون جعل بمعنى صير فيتعدى إلى مفعولين وهما الأرض وفراشا
ومثله: والسماء بناء، ولكم متعلق بجعل، أي لأجلكم (من السماء) متعلق بأنزل، وهي
لابتداء غاية المكان، ويجوز أن يكون حالا، والتقدير: ماء كائنا من السماء، فلما
قدم الجار صار حالا وتعلق بمحذوف، والأصل في ماء موه لقولهم: ماهت الركية
تموه، وفى الجمع أمواه، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ثم أبدلوا من
الهاء همزة وليس بقياس (من الثمرات) متعلق بأخرج فيكون من لابتداء الغاية
ويجوز أن يكون في موضع الحال تقديره رزقا كائنا من الثمرات و (لكم) أي من
أجلكم والرزق هنا بمعنى المرزوق وليس بمصدر (فلا تجعلوا) أي لا تصيروا أو
لا تسمعوا فيكون متعديا إلى مفعولين، والأنداد جمع ند ونديد (وأنتم تعلمون)
مبتدأ وخبر في موضع الحال، ومفعول تعلمون محذوف: أي تعلمون بطلان ذلك
والاسم من أنتم أن، والتاء للخطاب، والميم للجمع، وهما حرفا معنى.
قوله تعالى (وإن كنتم) جواب للشرط " فأتوا بسورة " و " إن كنتم صادقين "
شرط أيضا جوابه محذوف أغنى عنه جواب الشرط الأول: أي إن كنتم صادقين
فافعلوا ذلك، ولا تدخل إن الشرطية على فعل ماض في المعنى، إلا على كان لكثرة
استعمالها، وأنها لا تدل على حدث (مما نزلنا) في موضع جر صفة لريب: أي
ريب كائن مما نزلنا، والعائد على " ما " محذوف: أي نزلناه و " ما " بمعنى الذي أو
نكرة موصوفة، ويجوز أن يتعلق " من " بريب: أي إن ارتبتم من أجل ما نزلنا
(فأتوا) أصله: ائتيوا، وماضيه أتى، ففاء الكلمة همزة، فإذا أمرت زدت عليها
همزة الوصل مكسورة فاجتمعت همزتان والثانية ساكنة، فأبدلت الثانية ياء لئلا يجمع
بين همزتين، وكانت الياء الأولى للكسرة قبلها، فإذا اتصل بها شئ حذفت همزة
الوصل استغناء عنها ثم همزة الياء لأنك أعدتها إلى أصلها لزوال الموجب لقلبها!
ويجوز قلب هذه الهمزة ألفا إذا انفتح ما قبلها مثل هذه الآية، وياء إذا انكسر ما قبلها
كقوله: الذي ايتمن، فتصيرها ياء في اللفظ، وواوا إذا انضم ما قبلها كقوله:
يا صالح أوتنا، ومنهم من يقول: ذن لي (من مثله) الهاء تعود على النبي صلى الله
عليه وسلم، فيكون من للابتداء، ويجوز أن تعود على القرآن فتكون من زائدة،
ويجوز أن تعود على الأنداد بلفظ المفرد كقوله تعالى " وان لكم في الأنعام لعبرة
نسقيكم مما في بطونه " (وادعوا) لام الكلمة محذوف، لأنه حذف في الواحد دليلا
24

على السكون الذي هو جزم في المعرب، وهذه الواو ضمير الجماعة (من دون الله)
في موضع الحال من الشهداء والعامل فيه محذوف تقديره شهداءكم منفردين عن الله
أو عن أنصار الله.
قوله تعالى (فإن لم تفعلوا) الجزم بلم لا بأن لأن لم عامل شديد الاتصال بمعموله
ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ، وإن قد دخلت على الماضي في اللفظ وقد وليها
الاسم كقوله تعالى " وان أحد من المشركين " (وقودها الناس) الجمهور على فتح
الواو وهو الحطب، وقرئ بالضم وهو لغة في الحطب، والجيد أن يكون مصدرا بمعنى
التوقد ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره توقدها واحتراق للناس، أو تلهب
الناس أوذو وقودها الناس (أعدت) جملة في موضع الحال من النار، والعامل فيها فاتقوا
ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير في وقودها لثلاثة أشياء: أحدها أنها مضاف إليها
والثاني أن الحطب لا يعمل في الحال، والثالث أنك تفصل بين المصدر أو ما عمل عمله
وبين ما يعمل فيه بالخبر وهو الناس.
قوله تعالى (أن لهم جنات) فتحت أن هاهنا لأن التقدير لهم، وموضع أن
وما عملت فيه نصب ببشر، لأن حرف الجر إذا حذف وصل الفعل بنفسه هذا مذهب
سيبويه، وأجاز الخليل أن يكون في موضع جر بالباء المحذوفة لأنه موضع تزاد فيه، فكأنها
ملفوظ بها، ولا يجوز ذلك مع غير أن لو قلت بشره بأنه مخلد في الجنة جاز حذف الباء
لطول الكلام، ولو قلت بشره الخلود لم يجز وهذا أصل يتكرر في القرآن كثيرا فتأمله
واطلبه هاهنا (تجرى من تحتها الأنهار) الجملة في موضع نصب صفة للجنات،
والأنهار مرفوعة بتجري لا بالابتداء وأن، من تحتها الخبر ولا بتحتها لأن تجرى لا ضمير
فيه إذا كانت الجنات لا تجرى وإنما تجرى أنهارها، والتقدير من تحت شجرها لامن
تحت أرضها فحذف المضاف، ولو قيل إن الجنة هي الشجر فلا يكون في الكلام حذف
لكان وجها (كلما رزقوا منها) إلى قوله من قبل في موضع نصب على الحال من
الذين آمنوا تقديره مرزوقين على الدوام، ويجوز أن يكون حالا من الجنات لأنها قد وصفت
وفى الجملة ضمير يعود إليها وهو قوله منها (رزقنا من قبل) أي رزقناه فحذف
العائد، وبنيت قبل لقطعها عن الإضافة لأن التقدير من قبل هذا (وأتوا به) يجوز
أن يكون حالا وقد معه مرادة تقديره قالوا ذلك وقد أتوا به ويجوز أن يكون مستأنفا
و (متشابها) حال من الهاء في به (ولهم فيها أزواج) أزواج مبتدأ ولهم الخبر، وفيها
ظرف للاستقرار، ولا يكون فيها الخبر لأن الفائدة تقل إذ الفائدة في جعل الأزواج لهم
25

و (فيها) الثانية تتعلق ب‍ (خالدون) وهاتان الجملتان مستأنفتان ويجوز أن تكون
الثانية حالا من الهاء والميم في لهم والعامل فيها معنى الاستقرار.
قوله تعالى (لا يستحيى) وزنه يستفعل ولم يستعمل منه فعل بغير السين،
وليس معناه الاستدعاء وعينه ولامه ياءان، وأصله الحياء وهمزة الحياء بدل من
الياء، وقرئ في الشاذ يستحى بياء واحدة والمحذوفة هي اللام كما تحذف في الجزم،
ووزنه على هذا يستفع، إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين وسكنت، وقيل المحذوف
هي العين وهو بعيد (أن يضرب) أي من أن يضرب، فموضعه نصب عند سيبويه
وجر عند الخليل (ما) حرف زائد للتوكيد و (بعوضة) بدل من مثلا، وقيل
ما نكرة موصوفة، وبعوضة بدل من " ما " ويقرأ شاذا بعوضة بالرفع على أن تجعل
ما بمعنى الذي، ويحذف المبتدأ: أي الذي هو بعوضة، ويجوز أن يكون ما حرفا ويضمر
المبتدأ تقديره: مثلا هو بعوضة (فما فوقها) الفاء للعطف، وما نكرة موصوفة،
أو بمنزلة الذي، والعامل في فوق على الوجهين الاستقرار، والمعطوف عليه بعوضة
(أما) حرف ناب عن حرف الشرط وفعل الشرط، ويذكر لتفصيل ما أجمل،
ويقع الاسم بعده مبتدأ وتلزم الفاء خبره، والأصل مهما يكن من شئ فالذين آمنوا
يعلمون، لكن لما نابت أما عن حرف الشرط كرهوا أن يولوها الفاء فأخروها إلى
الخبر، وصار ذكر المبتدأ بعدها عوضا من اللفظ بفعل الشرط (من ربهم)
في موضع نصب على الحال: والتقدير: أنه ثابت أو مستقر من ربهم، والعامل
معنى الحق، وصاحب الحال الضمير المستتر فيه (ماذا) فيه قولان: أحدهما أن
" ما " اسم للاستفهام موضعها رفع بالابتداء وذا بمعنى الذي و (أراد) صلة له،
والعائد محذوف، والذي وصلته خبر المبتدأ، والثاني أن " ما وذا " اسم واحد
للاستفهام، وموضعه نصب بأراد، ولا ضمير في الفعل، والتقدير أي شئ
أراد الله (مثلا) تمييز: أي من مثل، ويجوز أن يكون حالا من هذا: أي متمثلا
أو متمثلا به، فيكون حالا من اسم الله (يضل) يجوز أن يكون في موضع نصب
صفة للمثل، ويجوز أن يكون حالا من اسم الله، ويجوز أن يكون مستأنفا
(إلا الفاسقين) مفعول يضل وليس بمنصوب على الاستثناء لأن يضل لم يستوف
مفعوله قبل إلا.
قوله تعالى (الذين ينقضون) في موضع نصب صفة للفاسقين، ويجوز أن
يكون نصبا بإضمار أعنى، وأن يكون رفعا على الخبر، أي هم الذين، ويجوز أن
26

يكون مبتدأ والخبر قوله " أولئك هم الخاسرون " (من بعد) من لابتداء غاية الزمان
على رأى من أجاز ذلك، وزائدة على رأى من لم يجزه، وهو مشكل على أصله،
لأنه لا يجيز زيادة من في الواجب (ميثاقه) مصدر بمعنى الإيثاق، والهاء تعود على
اسم الله أو على العهد، فإن أعدتها إلى اسم الله كان المصدر مضافا إلى الفاعل، وإن
أعدتها إلى العهد كان مضافا إلى المفعول (ما أمر) ما بمعنى الذي، ويجوز أن يكون
نكرة موصوفة، و (أن يوصل) في موضع جر بدلا من الهاء، أي يوصله،
ويجوز أن يكون بدلا من ما بدل الاشتمال تقديره: ويقطعون وصل ما أمر الله به،
ويجوز أن يكون في موضع رفع: أي هو أن يوصل (أولئك) مبتدأ و (هم)
مبتدأ ثان أو فصل، و (الخاسرون) الخبر.
قوله تعالى (كيف تكفرون بالله) كيف في موضع نصب على الحال،
والعامل فيه تكفرون، وصاحب الحال الضمير في تكفرون، والتقدير: أمعاندين
تكفرون، ونحو ذلك، وتكفرون يتعدى بحرف الجر، وقد عدى بنفسه في قوله
" ألا إن عادا كفروا ربهم " وذلك حمل على المعنى إذ المعنى جحدوا (وكنتم) قد
معه مضمرة والجملة حال (ثم إليه) الهاء ضمير اسم الله، ويجوز أن يكون ضمير
الإحياء المدلول عليه بقوله " فأحياكم "
قوله تعالى (جميعا) حال في معنى مجتمعا (فسواهن) إنما جمع الضمير لأن
السماء جمع سماوة أبدلت الواو فيها همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة (سبع
سماوات) سبع منصوب على البدل من الضمير، وقيل التقدير: فسوى منهن سبع
سماوات، كقوله: - واختار موسى قومه - فيكون مفعولا به، وقيل سوى بمعنى صير
فيكون مفعولا ثانيا (وهو) يقرأ بإسكان الهاء وأصلها الضم، وإنما أسكنت لأنها
صارت كعضد فخففت، وكذلك حالها مع الفاء واللام نحو فهو لهو، ويقرأ بالضم
على الأصل.
قوله تعالى (وإذ قال) هو مفعول به تقديره: واذكر إذ قال: وقيل هو خبر
مبتدإ محذوف تقديره وابتداء خلقي إذ قال ربك، وقيل إذ زائدة و (للملائكة)
مختلف في واحدها وأصلها. فقال قوم أحدهم في الأصل مألك على مفعل، لأنه
مشتق من الألوكة وهي الرسالة ومنه قول الشاعر:
وغلام أرسلته أمه * بألوك فبذلنا ما سأل
فالهمزة فاء الكلمة، ثم أخرت فجعلت بعد اللام فقالوا: ملاك. قال الشاعر:
27

فلست لإنسي ولكن لملاك * تنزل من جو السماء يصوب
فوزنه الآن معفل والجمع ملائكة على معافلة. وقال آخرون أصل الكلمة لأك
فعين الكلمة همزة، وأصل ملك: ملاك من غير نقل، وعلى كلا القولين ألقيت
حركة الهمزة على اللام وحذفت فلما جمعت ردت، فوزنه الآن مفاعلة، وقال آخرون
عين الكلمة واو، وهو من لاك يلوك إذا أدار الشئ في فيه، فكأن صاحب الرسالة
يديرها في فيه فيكون أصل ملك: ملاك مثل معاذ، ثم حذفت عينه تخفيفا، فيكون
أصل ملائكة: ملاوكة، مثل مقاولة، فأبدلت الواو همزة، كما أبدلت واو مصائب.
وقال آخرون: ملك فعل من الملك، وهي القوة، فالميم أصل، ولا حذف فيه،
لكنه جمع على فعائلة شاذا (جاعل) يراد به الاستقبال فلذلك عمل، ويجوز أن يكون
بمعنى خالق، فيتعدى إلى مفعول واحد، وأن يكون بمعنى مصير فيتعدى إلى مفعولين
ويكون (في الأرض) هو الثاني (خليفة) فعيلة بمعنى فاعل، أي يخلف غيره،
وزيدت الهاء للمبالغة (أتجعل) الهمزة للاسترشاد، أي تجعل فيها من يفسد
كمن كان فيها من قبل، وقيل استفهموا عن أحوال أنفسهم، أي أتجعل فيها مفسدا
ونحن على طاعتك أو نتغير (يسفك) الجمهور على التخفيف وكسر الفاء، وقد
قرئ بضمها وهي لغتان، ويقرأ بالتشديد للتكثير، وهمزة (الدماء) منقلبة عن ياء
لأن الأصل دمى، لأنهم قالوا دميان (بحمدك) في موضع الحال تقديره: نسبح
مشتملين بحمدك أو متعبدين بحمدك (ونقدس لك) أي لأجلك، ويجوز أن
تكون اللام زائدة: أي نقدسك، ويجوز أن تكون معدية للفعل كتعدية الباء مثل
سجدت لله (إني أعلم) الأصل إنني، فحذفت النون الوسطى لا نون الوقاية،
هذا هو الصحيح، وأعلم: يجوز أن يكون فعلا ويكون " ما " مفعولا، إما بمعنى
الذي أو نكرة موصوفة، والعائد محذوف، ويجوز أن يكون اسما مثل أفضل،
فيكون " ما " في موضع جر بالإضافة، ويجوز أن يكون في موضع نصب بأعلم كقولهم:
هؤلاء حواج بيت الله، بالنصب والجر، وسقط التنوين لأن هذا الاسم لا ينصرف،
فإن قلت: أفعل لا ينصب مفعولا. قيل: إن كانت من معه مرادة لم ينصب، وأعلم هنا
بمعنى عالم، ويجوز أن يريد بأعلم: أعلم منكم، فيكون " ما " في موضع نصب بفعل
محذوف دل عليه الاسم، ومثله قوله " هو أعلم من يضل عن سبيله ".
قوله تعالى (وعلم) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون معطوفا على " قال ربك "
وموضعه جر كموضع قال، وقوى ذلك إضمار الفاعل، وقرئ " وعلم آدم " على
28

ما لم يسم فاعله، وآدم أفعل، والألف فيه مبدلة من همزة هي فاء الفعل، لأنه مشتق
من أديم الأرض أو من الأدمة، ولا يجوز أن يكون وزنه فاعلا، إذ لو كان كذلك
لانصرف مثل عالم وخاتم، والتعريف وحده لا يمنع وليس بأعجمي (ثم عرضهم)
بعني أصحاب الأسماء فلذلك ذكر الضمير (هؤلاء إن كنتم) يقرأ بتحقيق الهمزتين
على الأصل، ويقرأ بهمزة واحدة، قيل المحذوفة هي الأولى، لأنها لام الكلمة
والأخرى أول الكلمة الأخرى وحذف الآخر أولى، وقيل المحذوفة الثانية لأن الثقل
بها حصل، ويقرأ بتليين الهمزة الأولى وتحقيق الثانية وبالعكس، ومنهم من يبدل
الثانية ياء ساكنة كأنه قدرهما في كلمة واحدة طلبا للتخفيف.
قوله تعالى (سبحانك) سبحان اسم واقع موقع المصدر، وقد اشتق منه سبحت
والتسبيح، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا، لأن الإضافة تبين من المعظم، فإن أفرد
عن الإضافة كان اسما علما للتسبيح لا ينصرف للتعريف، والألف والنون في آخره مثل
عثمان، وقد جاء في الشعر منونا على نحو تنوين العلم إذا نكر وما يضاف إليه مفعول به
لأنه المسبح، ويجوز أن يكون فاعلا، لأن المعنى تنزهت، وانتصابه على المصدر
بفعل محذوف تقديره: سبحت الله تسبيحا (إلا ما علمتنا) ما مصدرية أي إلا علما
علمتناه، وموضعه رفع على البدل من موضع لا علم، كقولك لا إله إلا الله، ويجوز
أن تكون " ما " بمعنى الذي، ويكون علم بمعنى معلوم: أي لا معلوم لنا إلا الذي
علمتناه، ولا يجوز أن تكون " ما " في موضع نصب بالعلم، لأن اسم " لا " إذا عمل
فيما بعده لا يبنى (إنك أنت العليم) أنت مبتدأ والعليم خبره، والجملة خبر إن،
ويجوز أن يكون أنت توكيد للمنصوب، ووقع بلفظ المرفوع لأنه هو الكاف في المعنى
ولا يقع هاهنا إياك للتوكيد، لأنها لو وقعت لكانت بدلا، وإياك لم يؤكد بها،
ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها من الإعراب، و (الحكيم) خبر ثان أو صفة
للعليم على قول من أجاز صفة الصفة، وهو صحيح لأن هذه الصفة هي الموصوف
في المعنى، والعليم بمعنى العالم، وأما الحكيم فيجوز أن يكون بمعنى الحاكم، وأن يكون
بمعنى المحكم.
قوله تعالى (أنبئهم) يقرأ بتحقيق الهمزة على الأصل، وبالياء على تليين
الهمزة، ولم نقلبها قلبا قياسيا، لأنه لو كان كذلك لحذفت الياء كما تحذف من قولك
أبقهم كما بقيت، وقد قرئ " آنبهم " بكسر الباء من غير همزة ولا ياء، على أن يكون
إبدال الهمزة ياء إبدالا قياسيا، وأنبأ يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد، وإلى الثاني
29

بحرف الجر، وهو قوله (بأسمائهم) وقد يتعدى بعن كقولك: أنبأته عن حال زيد
وأما قوله تعالى " قد نبأنا الله من أخباركم " فيذكر في موضعه (وأعلم ما تبدون)
مستأنف وليس بمحكى بقوله (ألم أقل لكم) ويجوز أن يكون محكيا أيضا،
فيكون في موضع نصب، وتبدون وزنه تفعون، والمحذوف منه لامه وهي واو،
لأنه من بدا يبدو، والأصل في الياء التي في (إني) أن تحرك بالفتح لأنها اسم مضمر
على حرف واحد، فتحرك مثل الكاف في إنك، فمن حركها أخرجها على الأصل،
ومن سكنها استثقل حركة الياء بعد الكسرة.
قوله تعالى (للملائكة اسجدوا) الجمهور على كسر التاء، وقرئ بضمها
وهي قراءة ضعيفة جدا، وأحسن ما تحمل عليه أن يكون الراوي لم يضبط على
القارئ وذلك أن يكون القارئ أشار إلى الضم تنبيها على أن الهمزة المحذوفة مضمومة
في الابتداء، ولم يدرك الراوي هذه الإشارة، وقيل إنه نوى الوقف على التاء الساكنة
ثم حركها بالضم اتباعا لضمة الجيم، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف، ومثله
ما حكى عن امرأة رأت نساء معهن رجل فقالت: أفي سوأة أنتنه، بفتح التاء، وكأنها
نوت الوقف على التاء، ثم ألقت عليها حركة الهمزة فصارت مفتوحة (إلا إبليس)
استثناء منقطع، لأنه لم يكن من الملائكة، وقيل هو متصل، لأنه كان في الابتداء
ملكا وهو اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والتعريف، وقيل هو عربي واشتقاقه من
الإبلاس ولم ينصرف للتعريف، وأنه لا نظير له في الأسماء، وهذا بعيد، على أن
في الأسماء مثله نحو: إخريط وإجفيل وإصليت ونحوه، وأبى في موضع نصب على الحال
من إبليس تقديره: ترك السجود كارها له ومستكبرا (وكان من الكافرين)
مستأنف، ويجوز أن يكون في موضع حال أيضا.
قوله (اسكن أنت وزوجك) أنت توكيد للضمير في الفعل أتى به ليصح
العطف عليه والأصل في (كل) أأكل مثل أقتل إلا أن العرب حذفت الهمزة الثانية
تخفيفا، ومثله خذ، ولا يقاس عليه، فلا تقول في الأمر من أجر يأجر جر، وحكى
سيبويه أو كل شاذا (منها) أي من ثمرتها، فحذف المضاف، وموضعه نصب
بالفعل قبله، ومن لابتداء الغاية و (رغدا) صفة مصدر محذوف: أي أكلا رغدا
أي طيبا هنيئا، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره: كلا مستطيبين
متهنئين (حيث) ظرف مكان، والعامل فيه كلا، ويجوز أن يكون بدلا من الجنة
فيكون حيث مفعولا به، لأن الجنة مفعول وليس بظرف، لأنك تقول سكنت
30

البصرة وسكنت الدار، بمعنى نزلت، فهو كقولك انزل من الدار حيث شئت
(هذه الشجرة) الهاء بدل من الياء في هذى، لأنك تقول في المؤنث هذى
وهاتا وهاتي، والياء للمؤنث مع الذال لاغير، والهاء بدل منها لأنها تشبهها في الخفاء
والشجرة نعت لهذه، وقرئ في الشاذ " هذه الشيرة " وهي لغة أبدلت الجيم فيها ياء
لقربها منها في المخرج (فتكونا) جواب النهى، لأن التقدير: إن تقربا تكونا،
وحذف النون هنا علامة النصب لأن جواب النهى إذا كان بالفاء فهو منصوب،
ويجوز أن يكون مجزوما بالعطف.
قوله تعالى (فأزلهما) يقرأ بتشديد اللام من غير ألف: أي حملها على الزلة،
ويقرأ (فأزلهما) أي نحاهما، وهو من قولك: زال الشئ يزول إذا فارق موضعه
وأزلته نحيته، وألفه منقلبة عن واو (مما كانا فيه) ما بمعنى الذي، ويجوز أن
تكون نكرة موصوفة: أي من نعيم أو عيش (اهبطوا) الجمهور على كسر الباء
وهي اللغة الفصيحة، وقرئ بضمها، وهي لغة (بعضكم لبعض عدو) جملة
في موضع الحال من الواو في اهبطوا أي اهبطوا متعادين، واللام متعلقة
بعدو، لأن التقدير بعضكم عدو لبعض، ويعمل عدو عمل الفعل لكن
بحذف الجر، ويجوز أن يكون صفة لعدو، فلما تقدم عليه صار حالا، ويجوز أن
تكون الجملة مستأنفة، وأما إفراد عدو فيحتمل أن يكون لما كان بعضكم مفردا
في اللفظ أفرد عدو، ويحتمل أن يكون وضع الواحد موضع الجمع كما قال: " فإنهم
عدو لي " (ولكم في الأرض مستقر) يجوز أن يكون مستأنفا، ويجوز أن يكون
حالا أيضا، وتقديره: اهبطوا متعادين مستحقين الاستقرار، ومستقر يجوز أن
يكون مصدرا بمعنى الاستقرار، ويجوز أن يكون مكان الاستقرار، و (إلى حين)
يجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمتاع فيتعلق بمحذوف ويجوز أن يكون في موضع
نصب بمتاع لأنه في حكم المصدر والتقدير وأن تمتعوا إلى حين.
قوله تعالى (فتلقى آدم) يقرأ برفع آدم ونصب كلمات، وبالعكس لأن كل
ما تلقاك فقد تلقيته، و (من ربه) يجوز أن يكون في موضع نصب بتلقي، ويكون
لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون في الأصل صفة لكلمات تقديره: كلمات كائنة
من ربه، فلما قدمها انتصبت على الحال (إنه هو التواب) هو هاهنا مثل أنت
في " إنك أنت العليم الحكيم " وقد ذكر قوله (منها جميعا) حال: أي مجتمعين إما في
زمن واحد أو في أزمنة، بحيث يشتركون في الهبوط (فإما) إن حرف شرط،
31

وما حرف مؤكد له، و (يأتينكم) فعل الشرط مؤكد بالنون الثقلية، والفعل يصير
بها مبنيا أبدا، وما جاء في القرآن من أفعال الشرط عقيب إما كله مؤكد بالنون وهو
القياس، لأن زيادة " ما " تؤذن بإرادة شدة التوكيد، وقد جاء في الشعر غير مؤكد
بالنون، وجواب الشرط (فمن تبع) وجوابه، ومن في موضع رفع بالابتداء،
والخبر تبع، وفيه ضمير فاعل يرجع على من، وموضع تبع جزم بمن. والجواب
(فلا خوف عليهم) وكذلك كل اسم شرطت به وكان مبتدأ فخبره فعل الشرط
لا جواب الشرط، ولهذا يجب أن يكون فيه ضمير يعود على المبتدأ، ولا يلزم ذلك
الضمير في الجواب حتى لو قلت: من يقم أكرم زيدا جاز، ولو قلت: من يقم
زيدا أكرمه، وأنت تعيد الهاء إلى من لم يجز. وذهب قوم إلى أن الخبر هو فعل الشرط
والجواب، وقيل الخبر منهما ما كان فيه ضمير يعود على من، وخوف مبتدأ،
وعليهم الخبر، وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى العموم بالنفي الذي فيه، والرفع
والتنوين هنا أوجه من البناء على الفتح لوجهين: أحدهما أنه عطف عليه ما لا يجوز فيه
إلا الرفع، وهو قوله (ولاهم) لأنه معرفة، ولا لا تعمل في المعارف، فالأولى
أن يجعل المعطوف عليه كذلك ليتشاكل الجملتان، كما قالوا في الفعل المشغول بضمير
الفاعل نحو: قام زيد وعمرا كلمته، فإن النصب في عمرو أولى ليكون منصوبا
بفعل، كما أن المعطوف عليه عمل فيه الفعل. والوجه الثاني من جهة المعنى، وذلك
بأن البناء يدل على نفى الخوف عنهم بالكلية. وليس المراد ذلك، بل المراد نفيه
عنهم في الآخرة.
فإن قيل: لم لا يكون وجه الرفع أن هذا الكلام مذكور في جزاء من اتبع الهدى.
ولا يليق أن ينفى عنهم الخوف اليسير، ويتوهم ثبوت الخوف الكثير.
قيل: الرفع يجوز أن يضمر معه نفى الكثير تقديره: لا خوف كثير عليهم.
فيتوهم ثبوت الياء القليل، وهو عكس ما قدر في السؤال. فبان أن الوجه في الرفع
ما ذكرنا (هداي) المشهور إثبات الألف قبل على لفظ المفرد قبل الإضافة، ويقرأ
هدى بياء مشددة، ووجهها أن ياء المتكلم يكسر ما قبلها في الاسم الصحيح والألف
لا يمكن كسرها فقلبت ياء من جنس الكسرة ثم أدغمت.
قوله (بآياتنا) الأصل في آية: أية، لأن فاءها همزة وعينها ولامها ياء ان لأنها
من تأيا القوم إذا اجتمعوا وقالوا في الجمع آياء، فظهرت الياء الأولى والهمزة الأخيرة
يدل من ياء ووزنه أفعال، والألف الثانية مبدلة من همزة هي فاء الكلمة، ولو كانت
32

عينها واوا لقالوا: آواء، ثم إنهم أبدلوا الياء الساكنة في أية ألفا على خلاف القياس.
ومثله غاية وثاية، وقيل أصلها أييه ثم قلبت الياء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها،
وقبل أصلها أيية بفتح الأولى والثانية، ثم فعل في الياء ما ذكرنا. وكلا الوجهين فيه
نظر، لأن حكم الياءين إذا اجتمعتا في مثل هذا أن تقلب الثانية لقربها من الطرف،
وقيل أصلها أيية على فاعلة، وكان القياس أن تدغم فيقال آية مثل دابة، إلا أنها
خففت كتخفيف كينونة في كينونة، وهذا ضعيف لأن التخفيف في ذلك البناء كان
لطول الكلمة (أولئك) مبتدأ و (أصحاب النار) خبره، و (هم فيها خالدون)
مبتدأ وخبر في موضع الحال من أصحاب، وقيل يجوز أن يكون حالا من النار،
لأن في الجملة ضميرا يعود عليها، ويكون العامل في الحال معنى الإضافة، أو
اللام المقدرة.
قوله تعالى (يا بني إسرائيل) إسرائيل لا ينصرف لأنه علم أعجمي، وقد
تكلمت به العرب بلغات مختلفة، فمنهم من يقول إسرائيل بهمزة بعدها ياء بعدها لام،
ومنهم من يقول كذلك، لا أنه يقلب الهمزة ياء. ومنهم من يبقى الهمزة ويحذف الياء.
ومنهم من يحذفها فيقول إسرال، ومنهم من يقول إسرائين بالنون، وبنى جمع ابن
جمع جمع السلامة، وليس بسالم في الحقيقة لأنه لم يسلم لفظ واحده في جمعه، وأصل
الواحد بنو على فعل بتحريك العين، لقولهم في الجمع أبناء كجبل وأجبال ولامه واو.
وقال قوم: لامه ياء ولا حجة في البنوة لأنهم قد قالوا الفتوة وهي من الياء
(أنعمت عليكم) الأصل أنعمت بها، ليكون الضمير عائدا على الموصول،
فحذفت حرف الجر فصار أنعمتها، ثم حذف الضمير كما حذف في قوله " أهذا الذي
بعث الله رسولا " (وأوفوا) يقال في الماضي وفى ووفى وأوفى، ومن هنا قرئ
(أوف بعهدكم) وأوف بالتخفيف والتشديد (وإياي) منصوب بفعل محذوف
دل عليه (فارهبون) تقديره: وارهبوا إياي فارهبون، ولا يجوز أن يكون
منصوبا بارهبون لأنه قد تعدى إلى مفعوله.
قوله (مصدقا) حال مؤكدة من الهاء المحذوفة في أنزلت، و (معكم)
منصوب على الظرف، والعامل فيه الاستقرار (أول) هي أفعل وفاؤها وعينها واوان
عند سيبويه، ولم ينصرف منها فعل لاعتلال الفاء والعين وتأنيثها أولى، وأصلها
وول فأبدلت الواو همزة لانضمامها ضما لازما، ولم تخرج على الأصل كما خرج وقتت
ووجوه كراهية اجتماع الواوين. وقال بعض الكوفيين: أصل الكلمة من وأل: يأل
33

إذا نجا فأصلها أوأل، ثم خففت الهمزة بأن أبدلت واوا ثم أدغمت الأولى فيها.
وهذا ليس بقياس، بل القياس في تخفيف مثل هذه الهمزة أن تلقى حركتها على
الساكن قبلها وتحذف، وقال بعضهم من آل يؤول، فأصل الكلمة أول. ثم أخرت
الهمزة الثانية فجعلت بعد الواو، ثم عمل فيها ما عمل في الوجه الذي قبله فوزنه الآن
أعفل (كافر) لفظه واحد. وهو في معنى الجمع: أي أول الكفار. كما يقول هو
أحسن رجل، وقيل التقدير: أول فريق كافر.
قوله تعالى (وتكتموا الحق) هو مجزوم بالعطف على: ولا تلبسوا. ويجوز
أن يكون نصبا على الجواب بالواو أي لا تجمعوا بينهما كقولك لا تأكل السمك
وتشرب اللبن (وأنتم تعلمون) في موضع نصب على الحال، والعامل
لا تلبسوا وتكتموا.
قوله تعالى (وأقيموا الصلاة) أصل أقيموا أقوموا. فعمل فيه ما ذكرناه
في قوله " ويقيمون الصلاة " في أول السورة (وآتوا الزكاة) أصله آتيوا.
فاستثقلت الضمة على الياء فسكنت وحذفت لالتقاء الساكنين. ثم حركت التاء بحركة
الياء المحذوفة، وقيل ضمت تبعا للواو كما ضمت في اضربوا ونحوه، وألف الزكاة
منقلبة عن واو لقولهم: زكا الشئ يزكو، وقالوا في الجمع زكوات (مع
الراكعين) ظرف.
قوله تعالى (وتنسون) أصله تنسيون، ثم عمل فيه ما ذكرناه في قوله تعالى
" اشتروا الضلالة " (أفلا تعقلون) استفهام في معنى التوبيخ ولا موضع له.
قوله تعالى (واستعينوا) أصله استعونوا، وقد ذكر في الفاتحة (وإنها)
الضمير للصلاة، وقيل للاستعانة لأن استعينوا يدل عليها، وقيل على القبلة لدلالة
الصلاة عليها، وكان التحول إلى الكعبة شديدا على اليهود (إلا على الخاشعين)
في موضع نصب بكبيرة، وإلا دخلت للمعنى ولم تعمل. لأنه ليس قبلها ما يتعلق
بكبيرة ليستثني منه. فهو كقولك هو كبير على زيد.
قوله تعالى (الذين يظنون) صفة للخاشعين، ويجوز أن يكون في موضع
نصب بإضمار أعنى، ورفع بإضمارهم (أنهم) أن واسمها وخبرها ساد مسد
المفعولين لتضمنه ما يتعلق به الظن وهو اللقاء. وذكر من أسند إليه اللقاء. وقال
الأخفش: أن وما عملت فيه مفعول واحد، وهو مصدر، والمفعول الثاني محذوف
34

تقديره: يظنون لقاء الله واقعا (ملاقوا) أصله ملاقيوا ثم عمل فيه ما ذكرنا في غير
موضع. وحذفت النون تخفيفا، لأنه نكرة إذا كان مستقبلا. ولما حذفها أضاف
(إليه) الهاء ترجع إلى الله، وقيل إلى اللقاء الذي دل عليه ملاقوا.
قوله تعالى (وأنى فضلتكم) في موضع نصب تقديره: واذكروا تفضيلي إياكم:
قوله تعالى (واتقوا يوما) يوما هنا مفعول به، لأن الأمر بالتقوى لا يقع في يوم
القيامة، والتقدير: واتقوا عذاب يوم أو نحو ذلك (لا تجزى نفس) الجملة
في موضع نصب صفة اليوم. والعائد محذوف تقديره: تجزى فيه. ثم حذف الجار
والمجرور عند سيبويه، لأن الظروف يتسع فيها، ويجوز فيها ما لا يجوز في غيرها،
وقال غيره تحذف " في " فتصير تجزيه. فإن وصل الفعل بنفسه حذف المفعول به بعد
ذلك (عن نفس) في موضع نصب بتجزى. ويجوز أن يكون في موضع نصب
على الحال، على أن يكون التقدير: شيئا عن نفس و (شيئا) هنا في حكم المصدر
لأنه وقع موقع جزاء. وهو كثير في القرآن. لأن الجزاء شئ فوضع العام موضع
الخاص (ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) أي فيه وكذلك
(ولاهم ينصرون) ومنها في الموضعين يجوز أن يكون متعلقا بيقبل ويؤخذ،
ويجوز أن يكون صفة لشفاعة وعدل، فلما قدم انتصب على الحال، ويقبل يقرأ
بالتاء لتأنيث الشفاعة، وبالياء لأنه غير حقيقي، وحسن ذلك للفصل.
قوله تعالى (وإذ نجيناكم) إذ في موضع نصب معطوفا على اذكروا نعمتي،
وكذلك: وإذ فرقنا، وإذ واعدنا، وإذ قلتم يا موسى، وما كان مثله من العطوف
(من آل فرعون) أصل آل: أهل، فأبدلت الهاء همزة لقربها منها في المخرج،
ثم أبدلت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح الهمزة قبلها مثل: آدم وآمن، وتصغيره
أهيل، لأن التصغير يرد إلى الأصل، وقال بعضهم: أويل، فأبدل الألف واوا،
ولم يرده إلى الأصل، كما لم يردوا عيدا في التصغير إلى أصله، وقيل أصل آل: أول،
من آل يؤول، لأن الإنسان: يؤول إلى أهله، وفرعون أعجمي معرفة (يسومونكم)
في موضع نصب على الحال من آل (سوء العذاب) مفعول به، لأن يسومونكم
متعد إلى مفعولين، يقال: سمته الخسف: أي ألزمته الذل (يذبحون) في موضع
حال إن شئت من آل على أن يكون بدلا من الحال الأولى، لأن حالين فصاعدا
لا تكون عن شئ واحد، إذ كانت الحال مشبهة بالمفعول، والعامل لا يعمل في
مفعولين على هذا الوصف، وإن شئت جعلته حالا من الفاعل في يسومونكم، والجمهور
35

على تشديد الباء للتكثير، وقرئ بالتخفيف (بلاء) الهمزة بدل من واو، لأن الفعل
منه بلوته، ومنه قوله " ولنبلونكم (من ربكم) في موضع رفع صفة لبلاء فيتعلق
بمحذوف.
قوله تعالى (فرقنا بكم البحر) بكم في موضع نصب مفعول ثان، والبحر
مفعول أول، والباء هنا في معنى اللام، ويجوز أن يكون التقدير، بسببكم، ويجوز أن
تكون المعدية كقولك: ذهبت بزيد، فيكون التقدير: أفرقناكم البحر، ويكون
في المعنى كقوله تعالى " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر " ويجوز أن تكون الباء للحال:
أي فرقنا البحر وأنتم به، فيكون إما حالا مقدرة أو مقارنة (وأنتم تنظرون)
في موضع الحال. والعامل أغرقنا.
قوله تعالى (وعدنا موسى) وعد يتعدى إلى مفعولين تقول: وعدت زيدا
مكان كذا ويوم كذا. فالمفعول الأول موسى. و (أربعين) المفعول الثاني، وفى
الكلام حذف تقديره تمام أربعين. وليس أربعين ظرفا إذ ليس المعنى وعده في
أربعين، ويقرأ واعدنا بألف. وليس من باب المفاعلة الواقعة من اثنين، بل مثل
قولك: عافاه الله. وعاقبت اللص، وقيل هو من ذلك لأن الوعد من الله والقبول
من موسى. فصار كالوعد منه، وقيل إن الله أمر موسى أن يعد بالوفاء ففعل.
وموسى مفعل من أوسيت رأسه إذا حلقته. فهو مثل أعطى فهو معطى، وقيل هو
فعلى من ماس يميس إذا تبختر في مشيه، فموسى الحديد من هذا المعنى لكثرة
اضطرابها وتحركها وقت الحلق. فالواو في موسى على هذا بدل من الياء لسكونها
وانضمام ما قبلها، وموسى اسم النبي لا يقضى عليه بالاشتقاق لأنه أعجمي، وإنما
يشتق موسى الحديد (ثم اتخذتم العجل) أي إلها فحذف المفعول الثاني ومثله
" باتخاذكم العجل " وقد تأتى اتخذت متعدية إلى مفعول واحد إذا كانت بمعنى جعل
وعمل، كقوله تعالى " وقالوا اتخذ الله ولدا " وكقولك: اتخذت دارا وثوبا وما أشبه
ذلك، ويجوز إدغام الذال في التاء لقرب مخرجيهما، ويجوز الإظهار على الأصل
(من بعده) أي من بعد انطلاقه فحذف المضاف.
قوله تعالى (لعلكم) اللام الأولى أصل عند جماعة، وإنما تحذف تخفيفا في
قولك علك، وقيل هي زائدة والأصل علك، ولعل حرف والحذف تصرف
والحرف بعيد منه.
36

قوله تعالى (والفرقان) هو في الأصل مصدر مثل الرجحان، والغفران، وقد
جعل اسما للقرآن.
قوله تعالى (لقومه) اللغة الجيدة أن تكسر الهاء إذا انكسر ما قبلها وتزاد عليها
ياء في اللفظ لأنها خفية لا تبين كل البيان بالكسر وحده، فإن كان قبلها ياء مثل عليه
فالجيد أن تكسر الهاء من غير ياء لأن الهاء خفية ضعيفة، فإذا كان قبلها ياء وبعدها
ياء لم يقو الحاجز بين الساكنين، فإن كان قبل الهاء فتحة أو ضمة ضمت ولحقتها
واو في اللفظ، نحو: إنه وغلامه لما ذكرنا (يا قوم) حذف ياء المتكلم اكتفاء
بالكسرة، وهذا يجوز في النداء خاصة، لأنه لا يلبس، ومنهم من يثبت الياء ساكنة
ومنهم من يفتحها، ومنهم من يقلبها ألفا بعد فتح ما قبلها، ومنهم من يقول: يا قوم
بضم الميم (إلى بارئكم) القراءة بكسر الهمزة، لأن كسرها إعراب، وروى
عن أبي عمرو تسكينها فرار من توالي الحركات، وسيبويه لا يثبت هذه الرواية،
وكان يقول: إن الراوي لم يضبط عن أبي عمرو، لأن أبا عمرو اختلس الحركة فظن
السامع أنه سكن (ذلكم) قال بعضهم: الأصل ذانكم، لأن المقدم ذكره التوبة
والقتل، فأوقع المفرد موقع التثنية، لأن ذا يحتمل الجميع، وهذا ليس بشئ لأن
قوله فاقتلوا تفسير التوبة فهو واحد (فتاب عليكم) في الكلام حذف تقديره:
ففعلتم فتاب عليكم.
قوله تعالى (لن نؤمن لك) إنما قال: نؤمن لك لا بك، لأن المعنى لن
نؤمن لأجل قولك، أو يكون محمولا على: لن نقر لك بما ادعتيه (جهرة) مصدر
في موضع الحال من اسم الله: أي نراه ظاهرا غير مستور، وقيل حال من التاء،
والميم في قلتم: أي قلتم ذلك مجاهرين، وقيل هو مصدر منصوب بفعل محذوف.
أي جهرتم جهرة، و (الصاعقة) فاعلة بمعنى مفعلة، يقال: أصعقتهم الصاعقة
فهو كقولهم: أورس النبت فهو وارس، وأعشب فهو عاشب.
قوله تعالى (وظللنا عليكم الغمام) أي جعلناه ظلا، وليس كقولك: ظللت
زيدا بظل لأن ذلك يؤدى إلى أن يكون الغمام مستورا بظل آخر، ويجوز أن يكون
التقدير بالغمام، والغمام جمع غمامة، والصحيح أن يقال هو جنس، فإذا أردت
الواحد زدت عليه التاء.
قوله تعالى (المن والسلوى) جنسان (كلوا من طيبات) " من " هنا
للتبعيض أو لبيان الجنس، والمفعول محذوف، والتقدير: كلوا شيئا من طيبات
37

(أنفسهم) مفعول (يظلمون) وقد أوقع أفعلا، وهو من جموع القلة
موضع جمع الكثرة.
قوله تعالى (هذه القرية) القرية نعت لهذه (سجدا) حال وهو جمع ساجد
وهو أبلغ من السجود (حطة) خبر مبتدإ محذوف أي سؤالنا حطة، وموضع الجملة
نصب بالقول، وقرئ حطة بالنصب على المصدر: أي حط عنا حطة (نغفر
لكم) جواب الأمر وهو مجزوم في الحقيقة بشرط محذوف تقديره: إن تقولوا ذلك
نغفر لكم، والجمهور على إظهار الراء عند اللام، وقد أدغمها قوم، وهو ضعيف
لأن الراء مكررة فهي في تقدير حرفين، فإذا أدغمت ذهب أحدهما، واللام المشددة
لا تكرير فيها، فعند ذلك يذهب التكير القائم مقام حرف، ويقرأ " تغفر لكم " بالتاء
على ما لم يسم فاعله، وبالياء كذلك لأنه فصل بين الفعل والفاعل، ولأن تأنيث الخطايا
غير حقيقي (خطاياكم) هو جمع خطيئة، وأصله عند الخليل: خطائئ بهمزتين،
الأولى منهما مكسورة، وهي المنقلبة عن الياء الزائدة في خطيئة فهو مثل صحيفة
وصحائف، فاستثقل الجمع بين الهمزتين، فنقلوا الهمزة الأولى إلى موضع الثانية،
فصار وزنه فعالئ، وإنما فعلوا ذلك لتصير المكسورة طرفا فتنقلب ياء فتصير فعالى
ثم أبدلوا من كسرة الهمزة الأولى فتحة فانقلبت الياء بعدها ألفا، كما قالوا في: يا لهفي
ويا أسفى، فصارت الهمزة بين ألفين، فأبدل منها ياء لأن الهمزة قريبة من الألف،
فاستكرهوا اجتماع ثلاث ألفات، فخطايا فعالى، ففيها على هذا خمس تغييرات:
تقديم اللام عن موضعها، وإبدال الكسرة فتحة، وإبدال الهمزة الأخيرة ياء، ثم
إبدالها ألفا، ثم إبدال الهمزة التي هي لام ياء، وقال سيبويه: أصلها خطائئ،
كقول الخليل، إلا أنه أبدل الهمزة الثانية لانكسار ما قبلها، ثم أبدل من الكسرة
فتحة فانقلبت الياء ألفا، ثم أبدل الهمزة ياء، فلا تحويل على مذهبه. وقال الفراء:
الواحدة خطية، بتخفيف الهمزة والإدغام، فهو مثل مطية ومطايا.
قوله تعالى (فبدل الذين ظلموا) في الكلام حذف تقديره: فبدل الذين
ظلموا بالذي قيل لهم قولا غير الذي قيل لهم، فبدل يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه،
وإلى آخر بالباء، والذي مع الباء هو المتروك، والذي بغير باء هو الموجود كقول
أبى النجم:
وبدلت والدهر ذو تبدل * هيفا دبورا بالصبا والشمأل
فالذي انقطع عنها الصبا، والذي صار لها الهيف، فكذلك هاهنا، ويجوز أن يكون
38

بدل محمولا على المعنى تقديره: فقال الذين ظلموا قولا غير الذي، لأن تبديل القول
كان بقول (من السماء) في موضوع نصب متعلق بأنزلنا، ويجوز أن يكون صفة
لرجز، فيتعلق بمحذوف، والرجز بكسر الراء وضمها لغتان (بما كانوا) الباء
بمعنى السبب: أي عاقبناهم بسبب فسقهم.
قوله (استسقى) الألف منقلبة عن ياء لأنه من السقي. وألف العصا من واو،
لأن تثنيتها عصوان، وتقول: عصوت بالعصا: أي ضربت بها، والتقدير:
فضرب (فانفجرت اثنتا عشرة) من العرب من يسكن الشين، ومنهم من
يكسرها، وقد قرئ بهما، ومنهم من يفتحها (مفسدين) حال مؤكدة لأن
قوله " لا تعثوا " لا تفسدوا:
قوله تعالى (يخرج لنا مما تنبت الأرض) مفعول يخرج محذوف تقديره:
شيئا مما تنبت الأرض، و " ما " بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، ولا تكون مصدرية لأن
المفعول المقدر لا يوصف بالإنبات، لأن الإنبات مصدر والمحذوف جوهر
(من بقلها) من هنا لبيان الجنس ووضعها نصب على الحال من الضمير المحذوف
تقديره: مما تنبته الأرض كائنا من بقلها، ويجوز أن يكون بدلا من " ما " الأولى
بإعادة حرف الجر، والقثاء بكسر القاف وضمها لغتان، وقد قرئ بهما، والهمزة
أصل لقولهم: أقثأت الأرض، واحدته قثاءة (أدنى) ألفه منقلبة عن واو لأنه
من دنا يدنو إذا قرب، وله معنيان: أحدهما أن يكون المعنى ما تقرب قيمته بخساسته
ويسهل تحصيله، والثاني أن يكون بمعنى القريب منكم لكونه في الدنيا و " الذي هو خير "
ما كان من امتثال أمر الله، لأنه نفعه متأخر إلى الآخرة. وقيل الألف مبدلة من
همزة لأنه مأخوذ من دنؤ يدنؤ فهو دنئ، والمصدر الدناءة، وهو من الشئ
الخسيس، فأبدل الهمزة ألفا كما قال: * لأهناك المرتع * وقيل أصله أدون، من الشئ
الدون، فأخر الواو فانقلبت ألفا، فوزنه الآن أفلع (اهبطوا) الجيد كسر الباء
والضم لغة وقد قرئ به (مصرا) نكرة، فلذلك انصرف، والمعنى: اهبطوا بلدا
من البلدان، وقيل هو معرفة وانصرف لسكونه أوسطه، وترك الصرف جائز،
وقد قرئ به، وهو مثل هند ودعد، والمصر في الأصل: هو الحد بين الشيئين
(ما سألتم) " ما " في موضع نصب اسم إن، وهي بمعنى الذي، ويضعف أن تكون
نكرة موصوفة (وباءوا) الألف في باءوا منقلبة عن واو، لقولك في المستقبل يبوء
(بغضب) في موضع الحال: أي رجعوا مغضوبا عليهم (من الله) في موضع جر
39

صفة لغضب (ذلك بأنهم) ذلك مبتدأ، وبأنهم (كانوا يكفرون) الخبر،
والتقدير: ذلك الغضب مستحق بكفرهم (النبيين) أصل النبي الهمزة، لأنه من
النبأ، وهو الخبر، لأنه يخبر عن الله، لكنه خفف بأن قلبت الهمزة ياء، ثم أدغمت
الياء الزائدة فيها، وقيل من لم يهمز أخذه من النبوة وهو الارتفاع، لأن رتبة النبي
ارتفعت عن رتب سائر الخلق، وقيل النبي الطريق، فالمبلغ عن الله طريق الخلق إلى
الله وطريقه إلى الخلق، وقد قرئ بالهمز على الأصل (بغير الحق) في موضع
نصب على الحال من الضمير في يقتلون، والتقدير: يقتلونهم مبطلين، ويجوز أن
يكون صفة لمصدر محذوف تقديره قتلا بغير الحق، وعلى كلا الوجهين هو توكيد
(عصوا) أصله عصيوا، فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، ثم حذفت
الألف لالتقاء الساكنين وبقيت الفتحة تدل عليها، والواو هنا تدغم في الواو التي
بعدها لأنها مفتوح ما قبلها، فلم يكن فيها مد يمنع من الإدغام، وله في القرآن نظائر
كقوله " فقد اهتدوا وإن تولوا " فإن انضم ما قبل هذه الواو نحو: آمنوا وعملوا لم
يجز إدغامها، لأن الواو المضموم ما قبلها يطول مدها فيجرى مجرى الحاجز
بين الحرفين.
قوله تعالى (والصابئين) يقرأ بالهمز على الأصل، وهو من صبأ يصبأ إذا مال
ويقرأ بغير همز وذلك على قلب الهمزة ألفا في صبا، وعلى قلبها ياء في صابئ،
ولما قلبها ياء حذفها من أجل ياء الجمع. والألف في هادوا منقلبة عن واو، لأنه
من هاد يهود إذا تاب، ومنه قوله تعالى " إنا هدنا إليك " ويقال هو من الهوادة،
وهو الخضوع، ويقال أصلها ياء، من هاد يهيد، إذا تحرك (من آمن) من هنا
شرطية في موضع مبتدإ، والخبر آمن، والجواب (فلهم أجرهم) والجملة خبر
إن الذين، والعائد محذوف تقديره: من آمن منهم، ويجوز أن يكون من بمعنى الذي
غير جازمة، ويكون بدلا من اسم إن، والعائد محذوف أيضا، وخبر إن " فلهم
أجرهم " وقد حمل على لفظ من آمن وعمل، فوجد الضمير وحمل على معناها " فلهم
أجرهم " فجمع وأجرهم مبتدأ، ولهم خبره، وعند الأخفش أن أجرهم مرفوع بالجار
و (عند) ظرف، والعامل فيه معنى الاستقرار، ويجوز أن يكون عند في موضع
الحال من الأجر تقديره. فلهم أجرهم عند (ربهم) والأجر في الأصل مصدر
يقال: أجره الله يأجره أجرا، ويكون بمعنى المفعول به لأن الأجر هو الشئ الذي
يجازى به المطيع فهو مأجور به.
40

قوله تعالى (فوقكم) ظرف لرفعنا، ويضعف أن يكون حالا من الطور،
لأن التقدير يصير رفعنا الطور عاليا، وقد استفيد هذا من رفعنا، ولأن الجبل لم يكن
فوقهم وقت الرفع، وإنما صار فوقهم بالرفع (خذوا ما آتيناكم) التقدير:
وقلنا خذوا، ويجوز أن يكون القول المحذوف حالا والتقدير: رفعنا فوقكم الطور
قائلين خذوا (بقوة) في موضع نصب على الحال المقدرة، والتقدير: خذوا الذي
آتيناكموه عازمين على الجد في العمل به، وصاحب الحال الواو في خذوا، ويجوز أن
يكون حالا من الضمير المحذوف، والتقدير: خذوا ما آتيناكموه، وفيه الشدة والتشدد
في الوصية بالعمل به.
قوله تعالى (فلولا) هي مركبة من لو ولا، ولو قبل التركيب يمتنع بها الشئ
لامتناع غيره، ولا للنفي، والامتناع نفى في المعنى، فقد دخل النفي بلا على أحد امتناعي
" لو " والامتناع نفى في المعنى، والنفي إذا دخل على النفي صار إيجابا، فمن هنا صار
معنى لولا هذه يمتنع بها الشئ لوجود غيره، و (فضل الله) مبتدأ، والخبر
محذوف تقديره: لولا فضل الله حاضر، ولزم حذف الخبر لقيام العلم به، وطول
الكلام بجواب لولا، فإن وقعت أن بعد لولا ظهر الخبر كقوله تعالى " فلولا أنه كان
من المسبحين " فالخبر في اللفظ لأن. وذهب الكوفيون إلى أن الاسم الواقع بعد لولا
هذه فاعل لولا.
قوله (علمتم الذين اعتدوا) علمتم هاهنا بمعنى عرفتم، فيتعدى إلى مفعول
واحد، و (منكم) في موضع نصب حالا من الذين اعتدوا: أي المعتدين كائنين
منكم، و (في السبت) متعلق باعتدوا، وأصل السبت مصدر، يقال: سبت يسبت
سبتا، إذا قطع، ثم سمى اليوم سبتا، وقد يقال يوم السبت فيخرج مصدرا على أصله،
وقد قالوا: اليوم السبت، فجعلوا اليوم خبرا عن السبت، كما يقال: اليوم القتال،
فعلى ما ذكرنا يكون في الكلام حذف تقديره يوم السبت (خاسئين) الفعل منه
خسأ إذا ذل، فهو لازم مطاوع خسأته، فاللازم منه والمتعدي بلفظ واحد مثل: زاد
الشئ وزدته، وغاض الماء وغضته، وهو صفة لقردة، ويجوز أن يكون خبرا ثانيا
وأن يكون حالا من فاعل كان، والعامل فيها كان.
قوله تعالى (فجعلناها) الضمير للعقوبة أو المسخة أو الأمة، و (نكالا)
مفعول ثان.
41

قوله تعالى (يأمركم) الجمهور على ضم الراء، وقرئ بإسكانها، لان
الكاف متحركة وقبل الراء حركة، فسكنوا الأوسط تشبيها له بعضد، وأجروا المنفصل
مجرى المتصل، ومنهم من يختلس ولا يسكن، والجيد همزه، وقرئ بالألف على إبدال
الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها، ومثله: الرأس والباس (أن تذبحوا) في موضع
نصب على تقدير إسقاط حرف الجر، وتقديره: بأن تذبحوا، وعلى قول الخليل هو
في موضع جر بالباء ويجوز أن يقول الخليل هو هنا في موضع نصب فتعدى أمرت
بنفسه، كما قال: * أمرتك الخير فافعل * (هزوا) مصدر وفيه ثلاث لغات:
الهمز وضم الزاي، والهمز وسكون الزاي، وقلب الهمزة واوا مع ضم الزاي، وربما
سكنت الزاي أيضا وهو مفعول ثان لاتخذ، وفيه مضاف محذوف تقدير: أتتخذنا
ذوي هزؤ، ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى المفعول تقديره: مهزوءا بهم، وجواب
الاستفهام معنى (أعوذ بالله أن أكون) لأن المعنى أن الهازئ جاهل كأنه قال:
لا أهزأ.
قوله تعالى (ادع لنا) اللغة الجيدة ضم العين، والواو محذوفة علامة للبناء عند
البصريين وللجزم عند الكوفيين، ومن العرب من يكسر العين، ووجهها أنه قدر
العين ساكنة كأنها آخر الفعل، ثم كسرها لسكونها وسكون الدال قبلها (ما لونها)
ما اسم للاستفهام في موضع رفع بالابتداء، ولونها الخبر، والجملة في موضع نصب
بيبين، ولو قرئ لونها بالنصب لكان له وجه، وهو أن تجعل ما زائدة كهى في قوله
" أيما الأجلين قضيت " ويكون التقدير: يبين لنا لونها. " وأما " ما هي " فابتداء وخبر
لاغير، إذ لا يمكن جعل ما زائدة، لأن هي لا يصلح أن يكون مفعول يبين (لا فارض)
صفة لبقرة، " ولا " لا تمنع ذلك لأنها دخلت لمعنى النفي، فهو كقولك: مررت برجل
لا طويل ولا قصير، وإن شئت جعلته خبر مبتدإ: أي لا هي فارض (ولا بكر)
مثله، وكذلك (عوان بين ذلك) أي بينهما، وذلك لما صلح للتثنية والجمع جاز
دخول بين عليه واكتفى به (ما تؤمرون) أي به، أو تؤمرونه، وما بمعنى الذي،
ويضعف أن يكون نكرة موصوفة، لأن المعنى على العموم، وهو بالذي أشبه.
قوله تعالى (فاقع لونها) إن شئت جعلت فاقع صفة، ولونها مرفوعا به،
وإن شئت كان خبرا مقدما والجملة صفة (تسر) صفة أيضا، وقيل فاقع صفة
للبقرة، ولونها مبتدأ، وتسر خبره، وأنث اللون لوجهين: أحدهما أن اللون صفرة
هاهنا فحمل على المعنى. والثاني أن اللون مضاف إلى المؤنث فأنث، كما قال: ذهبت
بعض أصابعه، و " يلتقطه بعض السيارة ".
42

قوله تعالى (إن البقر) الجمهور على قراءة البقر بغير ألف، وهو جنس
للبقرة، وقرئ شاذا " إن الباقر " وهو اسم بقرة، ومثله الجامل (تشابه) الجمهور
على تخفيف الشين وفتح الهاء لأن البقر تذكر والفعل ماض، ويقرأ بضم الهاء مع
التخفيف على تأنيث البقر إذ كانت كالجمع، ويقرأ بضم الهاء وتشديد الشين وأصله،
تتشابه، فأبدلت التاء الثانية شينا ثم أدغمت، ويقرأ كذلك، إلا أنه بالياء على التذكير
(إن شاء الله) جواب الشرط إن وما عملت فيه عند سيبويه، وجاز ذلك لما كان
الشرط متوسطا، وخبر إن هو جواب الشرط في المعنى، وقد وقع بعده فصار
التقدير: إن شاء الله هدايتنا اهتدينا، والمفعول محذوف وهو هدايتنا، وقال المبرد:
الجواب محذوف دلت عليه الجملة، لأن الشرط معترض، فالنية به التأخير، فيصير
كقولك أنت ظالم إن فعلت.
قوله تعالى (لا ذلول) إذا وقع فعول صفة لم يدخله الهاء للتأنيث، تقول: امرأة
صبور وكشور، وهو بناء للمبالغة، وذلول رفع صفة للبقرة، أو خبر ابتداء محذوف
وتكون الجملة صفة (تثير) في موضع نصب حالا من الضمير في ذلول وتقديره
لا تذل في حال إثارتها، ويجوز أن يكون رفعا اتباعا لذلول، وقيل هو مستأنف
أي هي تثير، وهذا قول من قال: إن البقرة كانت تثير الأرض، ولم تكن تسقى
الزرع. وهو قول بعيد من الصحة لوجهين: أحدهما أنه عطف عليه " ولا تسقى
الحرث " فنفى المعطوف، فيجب أن يكون المعطوف عليه كذلك لأنه في المعنى واحد.
ألا ترى أنك لا تقول: مررت برجل قائم ولا قاعد، بل تقول: لا قاعد، بغير
واو كذلك يجب أن يكون هنا. والثاني أنها لو أثارت الأرض لكانت ذلولا، وقد
نفى ذلك، ويجوز على قول من أثبت هذا الوجه أن تكون تثير في موضع رفع صفة
للبقرة (ولا تسقى الحرث) يجوز أن يكون صفة أيضا، وأن يكون خبر ابتداء
محذوف، وكذلك (مسلمة) و (لاشية فيها) والأحسن أن يكون صفة،
والأصل في شية وشية، لأنه من وشا يشي، فلما حذفت الواو في الفعل حذفت
في المصدر وعوضت التاء من المحذوف، ووزنها الآن علة، وفيها خبر لا في موضع رفع
(قالوا الآن) الألف واللام في الآن زائدة وهو مبنى، قال الزجاج، بنى لتضمنه
معنى حرف الإشارة، كأنك قلت هذا الوقت، وقال أبو علي: بنى لتضمنه معنى
لام التعريف، لأن الألف واللام الملفوظ بهما لم تعرفه، ولا هو علم ولا مضمر،
ولا شئ من أقسام المعارف، فيلزم أن يكون تعريفه باللام المقدرة، واللام هنا
زائدة زيادة لازمة كما لزمت في الذي وفى اسم الله. وفى " الآن " أربعة أوجه:
43

أحدها تحقيق الهمزة وهو الأصل، والثاني إلقاء حركة الهمزة على اللام وحذفها
وحذف ألف اللام (1) في هذين الوجهين لسكونها وسكون اللام في الأصل، لأن حركة
اللام هاهنا عارضة، والثالث كذلك، إلا أنهم حذفوا ألف اللام لما تحركت اللام
فظهرت الواو في قالوا، والرابع إثبات الواو في اللفظ وقطع ألف اللام وهو بعيد
(بالحق) يجوز أن يكون مفعولا به، والتقدير: أجأت الحق، أو ذكرت الحق،
ويجوز أن يكون حالا من التاء تقديره: جئت ومعك الحق (وإذ قتلتم) تقديره:
اذكروا إذ (فادارأتم) أصل الكلمة تدارأتم، ووزنه تفاعلتم، ثم أرادوا التخفيف
فقلبوا التاء دالا لتصير من جنس الدال التي هي فاء الكلمة لتمكن الادغام ثم سكنوا
الدال، إذ شرط الإدغام أن يكون الأول ساكنا فلم يمكن الابتداء بالساكن فاجتلبت
له همرة الوصل، فوزنه الآن افاعلتم بتشديد الفاء مقلوب من اتفاعلتم، والفاء الأولى
زائدة ولكنها صارت من جنس الأصل فينطق بها مشددة لا لأنهما أصلان،
بل لأن الزائد من جنس الأصلي، فهو نظير قولك ضرب بالتشديد، فإن إحدى
الراءين زائدة، ووزنه فعل بتشديد العين كما كانت الراء كذلك ولم نقل في الوزن فعول
ولا فوعل، فيؤتى بالراء الزائدة في المثال، بل زيدت العين في المثال كما زيدت
في الأصل. وكانت من جنسه، فكذلك التاء في تدارأتم صارت بالإبدال دالا من
جنس فاء الكلمة.
فإن سئل عن الوزن ليبين الأصل من الزائد بلفظه الأول أو الثاني. كان الجواب
أن يقال: وزن أصله الأول تفاعلتم، والثاني اتفاعلتم، والثالث افاعلتم، ومثل هذه
المسألة " اثاقلتم إلى الأرض " و " حتى إذا اداركوا فيها ".
قوله تعالى (مخرج ما كنتم تكتمون) " ما " في موضع نصب بمخرج
وهي بمعنى الذي، والعائد محذوف، ويجوز أن تكون مصدرية ويكون المصدر بمعنى
المفعول: أي يخرج كتمكم أي مكتومكم.
قوله تعالى (كذلك يحيى الله) الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف
تقديره يحيى الله الموتى إحياء مثل ذلك، وفى الكلام حذف تقديره: فضربوها فحييت،
قوله تعالى (فهي كالحجارة) الكاف حرف جر متعلقة بمحذوف تقديره:
فهي مستقرة كالحجارة، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل في موضع رفع، ولا تتعلق
بشئ (أو أشد) أو هاهنا كأو في قوله " أو كصيب " وأشد معطوف على الكاف

(1) (قوله وحذف ألف اللام الخ) الصواب أن يقال: وحذف واو قالوا الخ كما يؤخذ من السفاقسي
44

تقديره أو هي أشد، وقرئ بفتح الدال على أنه مجرور عطفا على الحجارة، تقديره:
أو كأشد من الحجارة و (قسوة) تمييز وهي مصدر (لما يتفجر) ما بمعنى الذي
في موضع نصب اسم إن واللام للتوكيد، ولو قرئ بالتاء جاز، ولو كان في غير
القرآن لجاز منها على المعنى (يشقق) أصله يتشقق، فقلبت التاء شينا وأدغمت
وفاعله ضمير ما، ويجوز أن يكون فاعله ضمير الماء، لأنه (يشقق) يجوز أن يجعل للماء
على المعنى، فيكون معك فعلان فيعمل الثاني منهما في الماء، وفاعل الأول مضمر على
شريطة التفسير، وعند الكوفيين يعمل الأول فيكون في الثاني ضميره (من خشية
الله) من في موضع نصب بيهبط، كما تقول: يهبط بخشية الله (عما يعملون)
ما بمعنى الذي، ويجوز أن تكون مصدرية.
قوله تعالى (أن يؤمنوا لكم) حرف الجر محذوف، أي في أن يؤمنوا، وقد
تقدم ذكر موضع مثل هذا من الإعراب (وقد كان) الواو واو الحال، والتقدير:
أفتطمعون في إيمانهم وشأنهم الكذب والتحريف (منهم) في موضع رفع صفة
لفريق، و (يسمعون) خبر كان، وأجاز قوم أن يكون يسمعون صفة لفريق، ومنهم
الخبر وهو ضعيف (ما عقلوه) " ما " مصدرية (وهم يعلمون) حال، والعامل
فيها يحرفونه، ويجوز أن يكون العامل عقلوه، ويكون حالا مؤكدة.
قوله تعالى (بما فتح الله) يجوز أن تكون " ما " بمعنى الذي، وأن تكون
مصدرية، وأن تكون نكرة موصوفة (ليحاجوكم) اللام بمعنى كي، والناصب
للفعل أن مضمرة، لأن اللام في الحقيقة حرف جر، ولا تدخل إلا على الاسم، وأكثر
العرب يكسر هذه اللام، ومنهم من يفتحها.
قوله تعالى (أميون) مبتدأ وما قبله الخبر، ويجور على مذهب الأخفش أن
يرتفع بالظرف (لا يعلمون) في موضع رفع صفة لأميين (إلا أماني) استثناء
منقطع، لأن الأماني ليست من جنس العلم، وتقدير إلا في مثل هذا بلكن، أي لكن
يتمنونه أماني، وواحد الأماني: أمنية، والياء مشددة في الواحد والجمع، ويجوز
تخفيفها فيهما (وإن هم) إن بمعنى ما، ولكن لا تعمل عملها، وأكثر ما تأتى
بمعناها إذا انتقض النفي بإلا، وقد جاءت وليس معها إلا، وسيذكر في موضعه،
والتقدير: وإن هم (إلا) قوم (يظنون).
قوله تعالى (فويل للذين يكتبون) ابتداء وخبر، ولو نصب لكان له وجه
45

على أن يكون التقدير: ألزمهم الله ويلا، واللام للتبيين لأن الاسم لم يذكر قبل المصدر
والويل مصدر لم يستعمل منه فعل، لأن فاءه وعينه معتلتان.
قوله تعالى (الكتاب) مفعول به: أي المكتوب، ويضعف أن يكون مصدرا،
وذكر الإيدى توكيد، وواحدها يد، وأصلها يدي كفلس، وهذا الجمع جمع قلة،
وأصله أيدي بضم الدال، والضمة قبل الياء، مستثقلة لا سيما مع الياء المتحركة،
فلذلك صيرت الضمة كسرة ولحق بالمنقوص (ليشتروا) اللام متعلقة بيقولون
(مما كتبت أيديهم) ما بمعنى الذي أو نكرة موصوفة أو مصدرية، وكذلك
(مما يكسبون).
قوله تعالى (إلا أياما) منصوب على الظرف، وليس للا فيه عمل، لان الفعل
لم يتعد إلى ظرف قبل هذا الظرف، وأصل أيام، أيوام، فلما اجتمعت الياء والواو
وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء تخفيفا (أتخذتم)
الهمزة للاستفهام، وهمزة الوصل محذوفة استغناء عنها بهمزة الاستفهام، وهو بمعنى
جعلتم المتعدية إلى مفعول واحد (فلن يخلف) التقدير: فيقولوا لن يخلف
(مالا تعلمون) " ما " بمعنى الذي، أو نكرة، ولا تكون مصدرية هنا.
قوله تعالى (بلى) حرف يثبت به المجيب المنفى قبله تقول: ما جاء زيد، فيقول
المجيب بلى: أي قد جاء ولهذا يصح أن تأتى بالخبر المثبت بعد بلى، فتقول: بلى قد
جاء. فإن قلت في جواب النفي نعم كان اعترافا بالنفي، وصح أن تأتى بالنفي بعده
كقوله: ما جاء زيد، فنقول نعم ما جاء، والياء من نفس الحرف. وقال الكوفيون:
هي بل زيدت عليها الياء، وهو ضعيف (من كسب) في " من " وجهان أحدهما: هي معنى الذي، والثاني شرطية، وعلى كلا الوجهين هي مبتدأة إلا أن " كسب "
لا موضع لها إن كانت من موصولة ولها موضع إن كانت شرطية، والجواب
(فأولئك) وهو مبتدأ، و (أصحاب النار) خبره، والجملة جواب الشرط
أو خبر من. والسيئة على فيعلة مثل: سيد وهين، وقد ذكرناه في قوله " أو كصيب "
وعين الكلمة واو لأنه من ساءه يسوءه (به) يرجع إلى لفظ من، وما بعده من
الجمع يرجع إلى معناها، ويدل على أن من بمعنى الذي المعطوف، وهو قوله
(والذين آمنوا).
قوله تعالى (لا تعبدون إلا الله) يقرأ بالتاء على تقدير: قلنا لهم لا تعبدون.
وبالياء لأن بني إسرائيل اسم ظاهر، فيكون الضمير وحرف المضارعة بلفظ الغيبة،
46

لأن الأسماء الظاهرة كلها غيب. وفيها من الإعراب أربعة أوجه: أحدها أنه جواب
قسم دل عليه المعنى وهو قوله، " أخذنا ميثاق " لأن معناه أحلفناهم، أو قلنا لهم بالله
لا تعبدون. والثاني أن " أن " مرادة، والتقدير أخذنا ميثاق بني إسرائيل على أن
لا تعبدوا إلا الله، فحذف حرف الجر ثم حذف أن فارتفع الفعل، ونظيره:
* ألا أيهذا الزاجرى أحضر الوغى * بالرفع والتقدير عن أن أحضر.
والثالث أنه في موضع نصب على الحال تقديره: أخذنا ميثاقهم موحدين، وهي حال
مصاحبة ومقدرة، لأنهم كانوا وقد أخذ العهد موحدين، والتزموا الدوام على
التوحيد، ولو جعلتها حالا مصاحبة فقط على أن يكون التقدير: أخذنا ميثاقهم
ملتزمين الإقامة على التوحيد جاز، ولو جعلتها حالا مقدرة فقط جاز ويكون التقدير
أخذنا ميثاقهم مقدرين التوحيد أبدا ما عاشوا، والوجه الرابع أن يكون لفظه لفظ
الخبر، ومعناه النهى، والتقدير: قلنا لهم لا تعبدوا، وفيه وجه خامس وهو أن
يكون الحال محذوفة، والتقدير: أخذنا ميثاقهم قائلين كذا وكذا، وحذف القول
كثير ومثل ذلك قوله تعالى " وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون " (إلا الله) مفعول
تعبدون، ولا عمل للا في نصبه، إلا أن الفعل قبله لم يستوف مفعوله (وبالوالدين
إحسانا) إحسانا مصدر، أي وقلنا أحسنوا بالوالدين إحسانا، ويجوز أن يكون
مفعولا به، والتقدير: وقلنا استوصوا بالوالدين إحسانا، ويجوز أن يكون مفعولا
له: أي ووصيناهم بالوالدين لأجل الإحسان إليهم (وذي القربى) إنما أفرد ذي
هاهنا لأنه أراد الجنس، أو يكون وضع الواحد موضع الجمع، وقد تقدم نظيره
(واليتامى) جمع يتيم، وجمع فعيل على فعالى قليل، والميم في (والمساكين) زائدة
لأنه من السكون (وقولوا) أي وقلنا لهم قولوا (حسنا) يقرأ بضم الحاء وسكون
السين وبفتحهما، وهما لغتان مثل: العرب والعرب والحزن والحزن، وفرق قوم بينهما
فقالوا الفتح صفة لمصدر محذوف: أي قولا حسنا. والضم على تقدير حذف مضاف
أي قولا ذا حسن، وقرئ بضم الحاء من غير تنوين على أن الألف للتأنيث (إلا
قليلا منكم) النصب على الاستثناء المتصل وهو الوجه، وقرئ بالرفع شاذا،
ووجهه أن يكون بفعل محذوف كأنه قال: امتنع قليل، ولا يجوز أن يكون بدلا،
لأن المعنى يصير ثم تولى قليل، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف: أي إلا قليل
منكم لم يتول، كما قالوا: ما مررت بأحد إلا ورجل من بنى تميم خير منه، ويجوز
47

أن يكون توكيدا للضمير المرفوع المستثنى منه، وسيبويه وأصحابه يسمونه نعتا ووصفا،
وأنشد أبو علي في مثل رفع هذه الآية:
وبالصريمة منهم منزل خلق * عاف تغير إلا النؤى والوتد
(وأنتم معرضون) جملة في موضع الحال المؤكدة، لأن توليتم يغنى عنه،
وقيل المعنى توليتم بأبدانكم وأنتم معرضون بقلوبكم، فعلى هذا هي حال منتقلة، وقيل
توليتم يعنى آباءهم وأنتم معرضون، يعنى أنفسهم كما قال: " وإذ نجيناكم من آل فرعون "
يعنى آباءهم.
قوله تعالى (من دياركم) الياء منقلبة عن واو لأنه جمع دار، والألف في دار
واو في الأصل، لأنها من دار يدور، وإنما قلبت ياء في الجمع لانكسار ما قبلها
واعتلالها في الواحد.
فإن قلت: فكيف صحت في لو إذا؟ قيل: لما صحت في الفعل صحت في المصدر،
والفعل لاوذت.
فإن قلت: فكيف في ديار؟ قيل الأصل فيه ديوار فقلبت الواو وأدغمت،
(ثم أقررتم) فيه وجهان: أحدهما أن ثم على بابها في إفادة العطف والتراخي،
والمعطوف عليه محذوف تقديره: فقبلتم ثم أقررتم، والثاني أن تكون " ثم " جاءت
لترتيب الخبر لا لترتيب المخبر عنه، كقوله تعالى " ثم الله شهيد ".
قوله تعالى (ثم أنتم هؤلاء) أنتم مبتدأ، وفى خبره ثلاثة أوجه: أحدها
تقتلون، فعلى هذا في هؤلاء وجهان: أحدهما في موضع نصب بإضمار أعنى، والثاني
هو منادى: أي يا هؤلاء، إلا أن هذا لا يجوز عند سيبويه، لأن أولاء مبهم،
ولا يحذف حرف النداء مع المبهم، والوجه الثاني أن الخبر هؤلاء على أن يكون بمعنى
الذين، وتقتلون صلته، وهذا ضعيف أيضا، لأن مذهب البصريين أن أولاء هذا
لا يكون بمنزلة الذين، وأجازه الكوفيون. والوجه الثالث أن الخبر هؤلاء على تقدير
حذف مضاف تقديره: ثم أنتم مثل هؤلاء كقولك: أبو يوسف أبو حنيفة، فعلى هذا
تقتلون حال يعمل فيها معنى التشبيه.
قوله (تظاهرون عليهم) في موضع نصب على الحال، والعامل فيها
تخرجون، وصاحب الحال الواو، ويقرأ بتشديد الظاء، والأصل تتظاهرون،
فقلبت التاء الثانية ظاء وأدغمت، ويقرأ بالتخفيف على حذف التاء الثانية، لأن الثقل
والتكرر حصل بها، ولأن الأولى حرف يدل على معنى، وقيل المحذوفة هي الأولى،
ويقرأ بضم التاء وكسر الهاء والتخفيف، وماضيه ظاهر (والعدوان) مصدر مثل
48

الكفران، والكسر لغة ضعيفة، أسارى حال وهو جمع أسير، ويقرأ بضم الهمزة
وبفتحها، مثل سكارى وسكارى، ويقرأ أسرى، مثل جريح وجرحى، ويجوز
في الكلام أسراء، مثل شهيد وشهداء (تفدوهم) بغير ألف " وتفادوهم " بالألف،
وهو من باب المفاعلة، فيجوز أن يكون بمعنى القراءة الأولى، ويجوز أن يكون من
المفاعلة التي تقع من اثنين، لأن المفاداة كذلك تقع (وهو محرم عليكم) هو
مبتدأ، وهو ضمير الشأن، ومحرم خبره، و (إخراجهم) مرفوع بمحرم، ويجوز
أن يكون إخراجهم مبتدأ، ومحرم خبر مقدم، والجملة خبر هو، ويجوز أن يكون
هو ضمير الإخراج المدلول عليه بقوله " وتخرجون فريقا منكم " ويكون محرم الخبر.
وإخراجهم بدل من الضمير في محرم، أو من هو (فما جزاء) ما نفى والخبر (خزى)
ويجوز أن تكون استفهاما مبتدأ، وجزاء خبره، وإلا خزى بدل من جزاء " يفعل
ذلك منكم " في موضع نصب على الحال من الضمير في يفعل (في الحياة الدنيا)
صفة للخزي، ويجوز أن يكون ظرفا تقديره: إلا أن يخزى في الحياة الدنيا (يردون)
بالياء على الغيبة لان قبله مثله، ويقرأ بالتاء على الخطاب ردا على قوله " تقتلون " ومثله
(عما تعملون) بالتاء والياء.
قوله عز وجل (وقفينا) الياء بدل من الواو لقولك: قفوته، وهو يقفوه إذا
اتبعه، فلما وقعت رابعة قلبت ياء (الرسل) بالضم وهو الأصل، والتسكين جائز
تخفيفا، ومنهم من يسكن إذا أضاف إلى الضمير هربا من توالي الحركات، ويضم
في غير ذلك (عيسى) فعلى من العيس، وهو بياض يخالطه شقرة، وقيل هو أعجمي
لا اشتقاق له و (مريم) علم أعجمي، ولو كان مشتقا من رام يريم لكان مريما
بسكون الياء، وقد جاء في الاعلام بفتح الياء نحو مزيد، وهو على خلاف القياس
(وأيدناه) وزنه فعلناه، وهو من الأيد، وهو القوة، ويقرأ " آيدناه " بمد الألف
وتخفيف الياء، ووزنه أفعلناه.
فإن قلت: فلم لم تحذف الياء التي هي عين كما حذفت في مثل أسلناه من سال يسيل؟
قيل: لو فعلوا ذلك لتوالي إعلالان: أحدهما قلب الهمزة الثانية ألفا، ثم حذف
الإلف المبدلة من الياء لسكونها وسكون الألف قبلها، فكان يصير اللفظ أدناه فكانت
تحذف الفاء والعين، وليس كذلك أسلناه، لأن هناك حذفت العين وحدها (القدس)
بضم الدال وسكونها لغتان، مثل المعسر والعسر (أفكلما) دخلت الفاء ها هنا
لربط ما بعدها بما قبلها، والهمزة للاستفهام الذي بمعنى التوبيخ و (جاءكم) يتعدى
49

بنفسه وبحرف الجر تقول: جئته وجئت إليه (تهوى) ألفه منقلبة عن ياء لأن عينه
واو، وباب طويت وشويت أكثر من باب جوة وقوة، ولا دليل في هوى لانكسار
العين وهو مثل شقى، فإن أصله واو، ويدل على أن هوى من اليائى أيضا قولهم في التثنية
هويان (استكبرتم) جواب كلما (ففريقا كذبتم) أي فكذبتم فريقا،
فالفاء عطفت كذبتم على استكبرتم، ولكن قدم المفعول ليتفق رؤوس الآي،
وفى الكلام حذف: أي ففريقا منهم كذبتم.
قوله تعالى (غلف) يقرأ بضم اللام، وهو جمع غلاف، ويقرأ بسكونها. وفيه
وجهان: أحدهما هو تسكين المضموم، مثل كتب وكتب والثاني هو جمع أغلف،
مثل أحمر وحمر، وعلى هذا لا يجوز ضمه، و (بل) ههنا إضراب عن دعواهم،
وإثبات أن سبب جحودهم لعن الله إياهم عقوبة لهم.
قوله (بكفرهم) الباء متعلقة بلعن، وقال أبو علي: النية به التقديم: أي
وقالوا قلوبنا غلف بسبب كفرهم، بل لعنهم الله معترض، ويجوز أن يكون في موضع
الحال من المفعول في لعنهم أي كافرين كما قال - وقد دخلوا بالكفر - (فقليلا)
منصوب صفة لمصدر محذوف، و (ما) زائدة أي فإيمانا قليلا (يؤمنون) وقيل
صفة لظرف: أي فزمانا قليلا يؤمنون، ولا يجوز أن تكون ما مصدرية، لأن قليلا
لا يبقى له ناصب، وقيل " ما " نافية: أي فما يؤمنون قليلا ولا كثيرا، ومثله " قليلا ما تشكرون "
و " قليلا ما تذكرون " وهذا أقوى في المعنى وإنما يضعف شيئا من جهة تقدم معمول
ما في حيز ما عليها.
قوله تعالى (من عند الله) يجوز أن يكون في موضع نصب لابتداء غاية المجئ،
ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لكتاب (مصدق) بالرفع صفة لكتاب،
وقرئ شاذا بالنصب على الحال، وفى صاحب الحال وجهان: أحدهما الكتاب، لأنه
قد وصف فقرب من المعرفة. والثاني أن يكون حالا من الضمير في الظرف، ويكون
العامل الظرف أو ما يتعلق به الظرف، ومثله " رسول من عند الله مصدق ".
قوله (من قبل) بنيت ههنا لقطعها عن الإضافة والتقدير، من قبل ذلك
(فلما جاءهم) أتى بلما بعد لما من قبل جواب الأولى. وفى جواب الأولى وجهان:
أحدهما جوابها لما الثانية وجوابها، وهذا ضعيف لأن الفاء مع لما الثانية، ولما لا تجاب
بالفاء إلا أن يعتقد زيادة الفاء على ما يجيزه الأخفش، والثاني أن كفروا جواب الأولى
50

والثانية لأن مقتضاهما واحد، وقيل الثانية تكرير فلم تحتج إلى جواب، وقيل جواب
الأولى محذوف تقديره أنكروه، أو نحو ذلك (فلعنة الله) هو مصدر مضاف
إلى الفاعل.
قوله تعالى (بئس ما اشتروا) فيه أوجه: أحدها أن تكون " ما " نكرة غير
موصوفة منصوبة على التمييز قاله الأخفش، واشتروا على هذا صفة محذوف تقديره
شئ أو كفر، وهذا المحذوف هو المخصوص، وفاعل بئس مضمر فيها ونظيره:
* لنعم الفتى أضحى بأكناف حايل * أي فتى أضحى.
وقوله (أن يكفروا) خبر مبتدإ محذوف: أي هو أن يكفروا، وقيل أن
يكفروا في موضع جر بدلا من الهاء في به، وقيل هو مبتدأ، وبئس وما بعدها خبر
عنه. والوجه الثاني أن تكون " ما " نكرة موصوفة، واشتروا صفتها، وأن يكفروا
على الوجوه المذكورة، ويزيد هاهنا أن يكون هو المخصوص بالذم. والوجه الثالث
أن تكون " ما " بمنزلة الذي، وهو اسم بئس، وأن يكفروا المخصوص بالذم، وقيل
اسم بئس مضمر فيها، والذي وصلته المخصوص بالذم. والوجه الرابع أن تكون " ما "
مصدرية أي بئس شراؤهم، وفاعل بئس على هذا مضمر، لأن المصدر هنا مخصوص
ليس بجنس.
قوله (بغيا) مفعول له، ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر، لأن ما تقدم
يدل على أنهم بغوا بغيا (أن ينزل الله) مفعول من أجله: أي بغوا، لأن أنزل الله،
وقيل التقدير: بغيا على ما إنزال الله: أي حسدا على ما خص الله به نبيه من الوحي
ومفعول ينزل محذوف: أي ينزل الله شيئا (من فضله) ويجوز أن تكون من زائدة
على قول الأخفش، و (من) نكرة موصوفة: أي على رجل (يشاء) ويجوز أن تكون
بمعنى الذي، ومفعول يشاء محذوف: أي يشاء نزوله عليه، ويجوز أن يكون يشاء
يختار ويصطفى، و (من عباده) حال من الهاء المحذوفة، ويجوز أن يكون في موضع
جر صفة أخرى لمن (فباءوا بغضب) أي مغضوبا عليهم فهو حال (على غضب)
صفة لغضب الأول (مهين) الياء بدل من الواو، لأنه من الهوان.
قوله تعالى (ويكفرون) أي وهم يكفرون، والجملة حال، والعامل فيها قالوا
من قوله " قالوا نؤمن "، ولا يجوز أن يكون العامل نؤمن، إذ لو كان كذلك لوجب
أن يكون لفظ الحال ونكفر: أي ونحن نكفر، والهاء في (وراءه) تعود على
" ما " والهمزة في وراء بدل من ياء لأن ما فاؤه واو لا يكون لامه واوا، ويدل عليه
أنها ياء في تواريت لا همزة، وقال ابن جنى: هي عندنا همزة لقولهم، وريئة بالهمز
51

في التصغير (وهو الحق) جملة في موضع الحال. والعامل فيها يكفرون. ويجوز
أن يكون العامل معنى الاستقرار الذي دلت عليه " ما " إذ التقدير: بالذي استقر
وراءه (مصدقا) حال مؤكدة، والعامل فيها ما في الحق من معنى الفعل، إذ المعنى
وهو ثابت مصدقا، وصاحب الحال الضمير المستتر في الحق عند قوم، وعند آخرين
صاحب الحال ضمير دل عليه الكلام، والحق مصدر لا يتحمل الضمير على حسب
تحمل اسم الفاعل له عندهم، فأما المصدر الذي ينوب عن الفعل كذلك: ضربا زيدا
فيتحمل الضمير عند قوم (فلم) ما هنا استفهام، وحذفت ألفها مع حرف الجر
للفرق بين الاستفهامية والخبرية، وقد جاءت في الشعر غير محذوفة، ومثله " فيم أنت
من ذكراها - وعم يتساءلون - ومم خلق " (تقتلون) أي قتلتم، والمعنى أن آباءهم
قتلوا، فلما رضوا بفعلهم أضاف القتل إليهم (إن كنتم) جوابها محذوف دل
عليه ما تقدم.
قوله تعالى (بالبينات) يجوز أن تكون في موضع الحال من موسى، تقديره:
جاءكم ذا بينات وحجة، أو جاء ومعه البينات، ويجوز أن يكون مفعولا به: أي
بسبب إقامة البينات.
قوله تعالى (في قلوبهم العجل) أي حب العجل فحذف المضاف، لأن الذي
يشربه القلب المحبة لا نفس العجل (بكفرهم) أي بسبب كفرهم، ويجوز أن يكون
حالا من المحذوف: أي مختلطا بكفرهم، وأشربوا في موضع الحال، والعامل فيه قالوا:
أي قالوا ذلك وقد أشربوا، وقد مرادة، لأن الفعل الماضي لا يكون حالا إلا مع قد.
وقال الكوفيون: لا يحتاج إليها، ويجوز أن يكون وأشربوا مستأنفا والأول أقوى،
لأنه قد قال بعد ذلك " قل بئس ما يأمركم " فهو جواب قولهم " سمعنا وعصينا " فالأولى
أن لا يكون بينهما أجنبي.
قوله تعالى (إن كانت لكم الدار) الدار اسم كان، وفى الخبر ثلاثة أوجه:
أحدها هو (خالصة) وعند ظرف لخالصة أو للاستقرار الذي في لكم، ويجوز أن
تكون عند حالا من الدار، والعامل فيها كان أو الاستقرار، وأما لكم فتكون على هذا
متعلقة بكان لأنها تعمل في حروف الجر، ويجوز أن تكون للتبيين فيكون موضعها بعد
خالصة أي خالصة لكم، فيتعلق بنفس خالصة، ويجوز أن يكون صفة لخالصة قدمت
عليها فيتعلق حينئذ بمحذوف، والوجه الثاني أن يكون خبر كان لكم، وعند الله ظرف،
وخالصة حال، والعامل كان أو الاستقرار. والثالث أن يكون عند الله هو الخبر،
52

وخالصة حال، والعامل فيها إما عند أو ما يتعلق به، أو كان أولكم، وسوغ أن
يكون عند خبر كان لكم إذ كان فيه تخصيص وتبيين، ونظيره قوله " ولم يكن له
كفوا أحد " لولا له لم يصح أن يكون كفوا خبرا (من دون) في موضع نصب بخالصة
لأنك تقول خلص كذا من كذا.
قوله تعالى (أبدا) ظرف (بما قدمت) أي بسبب ما قدمت فهو مفعول به،
ويقرب معناه من معنى المفعول له، و " ما " بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة، أو
مصدرية، فيكون مفعول قدمت محذوفا: أي بتقديم أيديهم الشر.
قوله تعالى (ولتجدنهم) هي المتعدية إلى مفعولين، والثاني (أحرص) و (على)
متعلقة بأحرص (ومن الذين أشركوا) فيه وجهان: أحدهما هي معطوفة
على الناس في المعنى، والتقدير: أحرص من الناس: أي الذين في زمانهم، وأحرص
من الذين أشركوا، يعنى به المجوس، لأنهم كانوا إذا دعوا بطول العمر قالوا: عشت
ألف نيروز. فعلى هذا في (يود) وجهان: أحدهما هو حال من الذين أشركوا،
تقديره: ود أحدهم، ويدلك على ذلك أنك لو قلت: ومن الذين أشركوا الذين
يود أحدهم صح أن يكون وصفا، ومن هنا قال الكوفيون: هذا يكون على
حذف الموصول وإبقاء الصلة. والوجه الثاني أن تجعل يود أحدهم حالا من الهاء والميم
في ولتجدنهم، أي لتجدنهم أحرص الناس وادا أحدهم. والوجه الثاني من
وجهي " من الذين " أن يكون مستأنفا، والتقدير: ومن الذين أشركوا قوم يود
أحدهم، أو من يود أحدهم وماضي يود وددت بكسر العين، فلذلك صحت الواو لأنها لم
يكسر ما بعدها في المستقبل (لو يعمر) لو هنا بمعنى أن الناصبة للفعل، ولكن لا تنصب،
وليست التي يمتنع بها الشئ لامتناع غيره، ويدلك على ذلك شيئان: أحدهما أن هذه
يلزمها المستقبل، والأخرى معناها في الماضي، والثاني أن يود يتعدى إلى مفعول واحد،
وليس مما يعلق عن العمل، فمن هنا لزم أن يكون لو بمعنى أن، وقد جاءت بعد يود
في قوله تعالى " أيود أحدكم أن تكون له جنة " وهو كثير في القرآن والشعر، و " يعمر "
يتعدى إلى مفعول واحد، وقد أقيم مقام الفاعل، و (ألف سنة) ظرف (وما هو
بمزحزحه). في هو وجهان: أحدهما هو ضمير أحد: أي وما ذلك التمني بمزحزحه
خبر ما، و (من العذاب) متعلق بمزحزحه و (أن يعمر) في موضع رفع
بمزحزحه: أي وما الرجل بمزحزحه تعميره، والوجه الآخر أن يكون هو ضمير
التعمير، وقد دل عليه قوله " لو يعمر " وقوله " أن يعمر " بدل من هو، ولا يجوز أن
53

يكون هو ضمير الشأن، لأن المفسر لضمير الشأن مبتدأ وخبر، ودخول الباء
في بمزحزحه يمنع من ذلك.
قوله تعالى (من كان عدوا لجبريل) من شرطية، وجوابها محذوف تقديره
فليمت غيظا أو نحوه (فإنه نزله) ونظيره في المعنى " من كان يظن أن لن ينصره
الله " ثم قال " فليمدد " (بإذن الله) في موضع الحال من ضمير الفاعل في نزل،
وهو ضمير جبريل، وهو العائد على اسم إن، والتقدير نزوله ومعه الإذن، أو
مأذونا به (مصدقا) حال من الهاء في نزله (و) كذلك (هدى وبشرى) أي
هاديا ومبشرا.
قوله تعالى (عدو للكافرين) وضع الظاهر موضع المضمر، لأن الأصل:
من كان عدوا لله وملائكته فإن الله عدو له أو لهم، وله في القرآن نظائر كثيرة
ستمر بك إن شاء الله.
قوله تعالى (أو كلما) الواو للعطف، والهمزة قبلها للاستفهام على معنى
الانكار، والعطف هنا على معنى الكلام المتقدم في قوله " أفكلما جاءكم رسول "
وما بعده، وقيل الواو زائدة، وقيل هي أو التي لأحد الشيئين حركت بالفتح،
وقد قرئ شاذا بسكونها (عهدا) مصدر من غير لفظ الفعل المذكور، ويجوز أن
يكون مفعولا به: أي أعطوا عهدا، وهنا مفعول آخر محذوف تقديره: عاهدوا
الله أو عاهدوكم.
قوله تعالى (رسول من عند الله مصدق) هو مثل قوله " كتاب من عند الله
مصدق " وقد ذكر (الكتاب) مفعول أوتوا، و (كتاب الله) مفعول نبذ
(كأنهم) هي وما عملت فيه في موضع الحال، والعامل نبذ، وصاحب الحال فريق
تقديره شبهين للجهال.
قوله تعالى (واتبعوا) هو معطوف على وأشربوا أو على نبذة فريق (تتلو)
بمعنى تلت (على ملك) أي على زمن ملك، فحذف المضاف، والمعنى في زمن
و (سليمان) لا ينصرف، وفيه ثلاثة أسباب: العجمة، والتعريف، والألف
والنون، وأعاد ذكره ظاهرا تفخيما، وكذلك تفعل في الأعلام والأجناس أيضا
كقول الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شئ * يغص الموت ذا الغنى والفقيرا
(ولكن الشياطين) يقرأ بتشديد النون ونصب الاسم، ويقرأ بتخفيفها ورفع
54

الاسم بالابتداء، لأنها صارت من حروف الابتداء، وقرأ الحسن " الشياطون " وهو
كالغلط شبه فيه الياء قبل النون بياء جمع التصحيح (يعلمون الناس) في موضع
نصب على الحال من الضمير في كفروا، وأجاز قوم أن يكون حالا من الشياطين،
وليس بشئ لأن لكن لا يعمل في الحال (وما أنزل) " ما " بمعنى الذي، وهو
في موضع نصب عطفا على السحر: أي ويعلمون الذي أنزل، وقيل هو معطوف
على ما تتلو، وقيل " ما " في موضع جر عطفا على ملك سليمان: أي وعلى عهد الذي
أنزل على الملكين، وقيل " ما " نافية: أي وما أنزل السحر على الملكين، أو
وما أنزل إباحة السحر، والجمهور على فتح اللام من (الملكين) وقرئ بكسرها
و (هاروت وماروت) بدلان من الملكين، وقيل هما قبيلتان من الشياطين، فعلى
هذا لا يكونان بدلين من الملكين، وإنما يجئ هذا على قراءة من كسر اللام في أحد
الوجهين " ببابل " يجور أن يكون ظرفا لأنزل، ويجوز أن يكون حالا من الملكين أو
من الضمير في أنزل (حتى يقولا) أي إلى أن يقولا، والمعنى أنهما كانا يتركان تعليم
السحر إلى أن يقولا (إنما نحن فتنة)، وقيل حتى بمعنى إلا: أي وما يعلمان من أحد
إلا أن يقولا، وأحد هاهنا يجوز أن تكون المستعملة في العموم كقولك: ما بالدار
من أحد، ويجوز أن تكون ها هنا بمعنى واحد أو إنسان (فيتعلمون منهما)
هو معطوف على يعلمان، وليس بداخل في النفي، لأن النفي هناك راجع إلى الإثبات،
لأن المعنى يعلمان الناس السحر بعد قولهما " نحن فتنة فيتعلمون " وقيل: التقدير:
فيأتون فيتعلمون، ومنهما ضمير الملكين، ويجوز أن يكون ضمير السحر والمنزل
على الملكين، وقيل هو معطوف على يعلمون الناس السحر، فيكون منهما على هذا
السحر، والمنزل على الملكين، أو يكون ضمير قبيلتين من الشياطين، وقيل هو
مستأنف، ولم يجز أن ينصب على جواب النهى: لأنه ليس المعنى إن تكفر يتعلموا
(ما يفرقون) يجوز أن تكون " ما " بمعنى الذي، وأن تكون نكرة موصوفة،
ولا يجوز أن تكون مصدرية لعود الضمير من (به) إلى " ما " المصدرية لا يعود
عليها ضمير (بين المرء) الجمهور على إثبات الهمزة بعد الراء، وقرئ بتشديد
الراء من غير همز، ووجهه أن يكون ألقى حركة الهمزة على الراء، ثم نوى الوقف
عليه مشددا كما قالوا: هذا خالد، ثم أجروا الوصل مجرى الوقف.
قوله تعالى (إلا بإذن الله) الجار والمجرور في موضع نصب على الحال إن شئت
من الفاعل وإن شئت من المفعول، والتقدير: وما يضرون أحدا بالسحر إلا والله
55

عالم به، أو يكون التقدير: إلا مقرونا بإذن الله (ولا ينفعهم) هو معطوف على
الفعل قبله، ودخلت لا للنفي، ويجوز أن يكون مستأنفا أي وهو لا ينفعهم فيكون حالا
ولا يصح عطفه على ما، لأن الفعل لا يعطف على الاسم (لمن اشتراه) اللام هنا
هي التي يوطأ بها للقسم مثل التي في قوله، " لئن لم ينته المنافقون " و " من " في موضع
رفع بالابتداء، وهي شرط، وجواب القسم (ماله في الآخرة من خلاق) وقيل
" من " بمعنى الذي، وعلى كلا الوجهين موضع الجملة نصب بعلموا، ولا يعمل علموا
في لفظ من لأن الشرط ولام الابتداء لهما صدر الكلام (ولبئس ما) جواب قسم
محذوف (ولو كانوا) جواب لو محذوف تقديره لو كانوا ينتفعون بعلمهم لامتنعوا
من شراء السحر.
قوله تعالى (ولو أنهم آمنوا) أن وما عملت فيه مصدر في موضع رفع بفعل
محذوف، لأن لو تقتضي الفعل وتقديره: لو وقع منهم أنهم آمنوا: أي إيمانهم، ولم
يجزم بلو لأنها تعلق الفعل الماضي بالفعل الماضي، والشرط خلاف ذلك (لمثوبة)
جواب لو، ومثوبة مبتدأ و (من عند الله) صفته و (خير) خبره، وقرئ مثوبة
بسكون الثاء وفتح الواو قاسوه على الصحيح من نظائره نحو مقتلة.
قوله تعالى (راعنا) فعل أمر، وموضع الجملة نصب بتقولوا قرئ شاذا
" راعنا " بالتنوين: أي لا تقولوا قولا راعنا.
قوله تعالى (ولا المشركين) في موضع جر عطفا على أهل، وإن كان قد قرى
" ولا المشركون " بالرفع فهو معطوف على الفاعل (أن ينزل) في موضع نصب
بيود (من خير) من زائدة، و (من ربكم) لابتداء غاية الإنزال، ويجوز أن
يكون صفة لخبر، إما جرا على لفظ خير، أو رفعا على موضع " من خير " (يختص
برحمته من يشاء) أي من يشاء اختصاصه، فحذف المضاف فبقي من يشاؤه، ثم
حذف الضمير، ويجوز أن يكون يشاؤه يختاره فلا يكون فيه حذف مضاف.
قوله (ما ننسخ) ما شرطية جازمة لننسخ منصوبة الموضع بننسخ مثل قوله
" أياما تدعوا " وجواب الشرط " نأت بخير منها " و (من آية) في موضع نصب على
التمييز، والمميز " ما " والتقدير: أي شئ ننسخ من آية، ولا يحسن أن يقدر: أي آية
ننسخ لأنك لا تجمع بين هذا وبين التمييز بآية، ويجوز أن تكون زائدة وآية حالا،
والمعنى: أي شئ ننسخ قليلا أو كثيرا، وقد جاءت الآية حالا في قوله تعالى " هذه
ناقة الله لكم آية " وقيل " ما " هنا مصدرية، وآية مفعول به، والتقدير: أي نسخ
56

ننسخ آية، ويقرأ " ننسخ " بفتح النون وماضيه نسخ، ويقرأ بضم النون وكسر السين
ماضيه أنسخت، يقال: أنسخت الكتاب: أي عرضته للنسخ (أو ننسأها)
معطوف على ننسخ، ويقرأ بغير همز على إبدال الهمزة ألفا، ويقرأ ننسها بغير ألف
ولا همز، وننسها بضم النون وكسر السين، وكلاهما من نسي إذا ترك، ويجوز أن
يكون من نسأ إذا أخر إلا أنه أبدل الهمزة ألفا، ومن قرأ بضم النون حمله على معنى
نأمرك بتركها أو بتأخيرها، وفيه مفعول محذوف، والتقدير ننسكها.
قوله تعالى (له ملك السماوات) مبتدأ وخبر في موضع خبر أن، ويجوز أن
يرتفع ملك بالظرف عند الأخفش، والملك بمعنى الشئ المملوك، يقال لفلان ملك
عظيم: أي مملوكه كثير، والملك أيضا بالكسر: المملوك، إلا أنه لا يستعمل بضم
الميم في كل موضع، بل في مواضع الكثرة وسعة السلطان (من ولى) من زائدة
وولى في موضع رفع مبتدأ، ولكم خبره، و (نصير) معطوف على لفظ ولى،
ويجوز في الكلام رفعه على موضع ولى. ومن دون في موضع نصب على الحال من
ولى، أو من نصير، والتقدير: من ولى دون الله، فلما تقدم وصف النكرة عليها
انتصب على الحال.
قوله تعالى (أم تريدون) أم هنا منقطعة إذ ليس في الكلام همزة تقع موقعها،
وموقع أم أيهما، والهمزة في قوله " ألم تعلم " ليست من أم في شئ، والتقدير: بل
أتريدون (أن تسألوا) فخرج بأم من كلام إلى كلام آخر، والأصل في تريدون
ترودون، لأنه من راد يرود (كما) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف
أي سؤالا كما، وما مصدرية. والجمهور على همز (سئل) وقد قرئ سيل بالياء،
وهو على لغة من قال: أسلت تسال بغير همزة، مثل خفت تخاف، والياء منقلبة عن
واو لقولهم سوال وساولته، ويقرأ سيل بجعل الهمزة بين بين أي بين الهمزة وبين
الياء، لأن منها حركتها (بالإيمان) الباء في موضع نصب على الحال من الكفر تقديره:
مقابلا بالإيمان، ويجوز أن يكون مفعولا بيتبدل وتكون الياء للسبب كقولك: اشتريت
الثوب بدرهم (سواء السبيل) سواء ظرف بمعنى وسط السبيل وأعدله، والسبيل
يذكر ويؤنث.
قوله تعالى (لو يردونكم) لو بمعنى أن المصدرية وقد تقدم ذكرها،
و (كفارا) حال من الكاف والميم، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا لأن يرد بمعنى يصير
(حسدا) مصدر وهو مفعول له، والعامل فيه ود أو يردونكم (من عند
57

أنفسهم) من متعلقة بحسدا. أي ابتداء الحسد من عندهم، ويجوز أن يتعلق بود
أو بيردونكم (حتى يأتي الله بأمره) أي اعفوا إلى هذه الغاية.
قوله تعالى (وما تقدموا) ما شرطية في موضع نصب بتقدموا و (من خير)
مثل قوله " من آية " في " ما ننسخ " (تجدوه) أي تجدوا ثوابه فحذف المضاف و (عند
الله) ظرف لتجدوا أو حال من المفعول به.
قوله تعالى (إلا من كان) في موضع رفع بيدخل، لأن الفعل مفرغ لما بعد
إلا وكان محمولا على لفظ من في الإفراد، و (هودا) جمع هايد مثل عايذ وعوذ،
وهو من هاد يهود إذا تاب، ومنه قوله تعالى " إنا هدنا إليك " وقال الفراء. أصله
يهود، فحذفت الياء وهو بعيد جدا، وجمع على معنى من، و (أو) هنا لتفصيل
ما أجمل، وذلك أن اليهود قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقالت النصارى
لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، ولم يقل كل فريق منهم لن يدخل الجنة إلا من
كان هودا أو نصارى، فلما لم يفصل في قوله وقالوا جاء بأو للتفصيل إذ كانت
موضوعة لأحد الشيئين. و (نصارى) جمع نصران مثل سكران وسكارى (هاتوا)
فعل معتل اللام تقول في الماضي هاتي يهاتى مهاتاة، مثل رامى يرامى مراماة، وهاتوا
مثل راموا وأصله: هاتيوا ثم سكنت الياء وحذفت لما ذكرنا في قوله اشتروا
ونظائره، وتقول للرجل في الامر. هات مثل رام، وللمرأة هاتي مثل رامى، وعليه
فقس بقية تصاريف هذه الكلمة، وهاتوا فعل متعد إلى مفعول واحد تقديره
أحضروا (برهانكم) والنون في برهان أصل عند قوم لقولهم برهنت، فثبتت
النون في الفعل، وزائدة عند آخرين لأنه من البره، وهو القطع، والبرهان
الدليل القاطع.
قوله تعالى (بلى) جواب النفي على ما ذكرنا في قوله " بلى من كسب "،
و (أسلم) و (وجهه. وهو) كله محمول على لفظ من وكذلك " فله أجره عند
ربه " وقوله (ولا خوف عليهم) محمول على معناها.
قوله تعالى (وهم يتلون الكتاب) في موضع نصب على الحال، والعامل
فيها قالت، وأصل يتلون يتلوون، فسكنت الواو ثم حذفت لالتقاء الساكنين
(كذلك قال) الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف منصوب، بقال
وهو مصدر مقدم على الفعل، التقدير: قولا مثل قول اليهود والنصارى قال الذين
لا يعلمون، فعلى هذا الوجه يكون (مثل قولهم) منصوبا بيعلمون، أو بقال
58

على أنه مفعول به، ويجوز أن يكون الكاف في موضع رفع بالابتداء، والجملة بعده
خبر عنه والعائد على المبتدأ محذوف تقديره قاله فعلى هذا يكون قوله مثل قولهم صفة
لمصدر محذوف، أو مفعولا ليعلمون، والمعنى: مثل قول اليهود والنصارى قال الذين
لا يعلمون اعتقاد اليهود والنصارى، ولا يجوز أن يكون مثل قولهم مفعول قال، لأنه
قد استوفى مفعوله وهو الضمير المحذوف، و (فيه) متعلق ب‍ (يختلفون).
قوله تعالى (ومن أظلم) من استفهام في معنى النفي، وهو رفع بالابتداء،
وأظلم خبره، والمعنى: لا أحد أظلم (ممن منع) من نكرة موصوفة أو بمعنى الذي
(أن يذكر) فيه ثلاثة أوجه: أحدها هو في موضع نصب على البدل من مساجد
بدل الاشتمال تقديره: ذكر اسمه فيها، والثاني أن يكون في موضع نصب على المفعول
له تقديره: كراهية أن يذكر، والثالث أن يكون في موضع جر تقديره: من أن
يذكر، وتتعلق من إذا ظهرت بمنع كقولك، منعته من كذا، وإذا حذف حرف
الجر مع أن بقي الجر، وقيل يصير في موضع نصب، وقد ذكرنا ذلك في قوله
" لا يستحيى أن يضرب " (وسعى في خرابها) خراب اسم للتخريب، مثل السلام
اسم للتسليم، وليسم باسم للجثة، وقد أضيف اسم المصدر إلى المفعول لأنه يعمل عمل
المصدر (إلا خائفين) حال من الضمير في يدخلوها (لهم في الدنيا) جملة مستأنفة
وليست حالا مثل خائفين، لأن استحقاقهم الخزي ثابت في كل حال، لا في حال
دخولهم المساجد خاصة.
قوله تعالى، (ولله المشرق والمغرب) هما موضع الشروق والغروب (فأينما)
شرطية، و (تولوا) مجزوم به، وهو الناصب لأين، والجواب (فثم) وقرئ
في الشاذ " تولوا " بفتح التاء، وفيه وجهان: أحدهما هو مستقبل أيضا، وتقديره:
تتولوا، فحذف التاء الثانية، والثاني أنه ماض والضمير للغائبين، والتقدير: أينما
يتولون، وقيل يجوز أن يكون ماضيا قد وقع، ولا يكون أين شرطا في اللفظ بل
في المعنى، كما تقول: ما صنعت صنعت، إذا أردت الماضي، وهذا ضعيف لأن
" أين " إما استفهام وإما شرط، وليس لها معنى ثالث. وثم اسم للمكان البعيد عنك،
وبنى لتضمنه معنى حرف الإشارة، وقيل بنى لتضمنه معنى حرف الخطاب، لأنك
تقول في الحاضر هنا وفى الغائب هناك، وثم ناب عن هناك.
قوله تعالى (وقالوا اتخذ الله ولدا) يقرأ بالواو عطفا على قوله " وقالوا لن
يدخل الجنة " ويقرأ بغير واو على الاستئناف (كل له) تقديره: كل أحد منهم
59

أو كلهم، لأن الأصل في كل أن تستعمل مضافة، ومن هنا ذهب جمهور النحويين
إلى منع دخول الألف واللام على كل، لأن تخصيصها بالمضاف إليه، فإذا لم يكن
ملفوظا به كان في حكم الملفوظ به، وحمل الخبر على معنى كل، فجمعه في قوله
(قانتون) ولو قال قانت جاز على لفظ كل.
قوله تعالى (بديع السماوات) أي مبدعها، كقولهم سميع بمعنى مسمع، والإضافة
هنا محضة لأن الإبداع لهما ماض (وإذا قضى) إذا ظرف، والعامل فيها ما دل عليه
الجواب تقديره: وإذا قضى أمرا يكون.
قوله تعالى (فيكون) الجمهور على الرفع عطفا على يقول، أو على الاستئناف
أي فهو يكون، وقرئ بالنصب على جواب لفظ الأمر، وهو ضعيف لوجهين:
أحدهما أن كن ليس بأمر على الحقيقة، إذ ليس هناك مخاطب به، وإنما المعنى على
سرعة التكون، يدل على ذلك أن الخطاب بالتكون لا يرد على الموجود، لأن
الموجود متكون، ولا يرد على المعدوم لأنه ليس بشئ، لا يبقى إلا لفظ الأمر،
ولفظ الأمر يرد ولا يراد به حقيقة الأمر كقوله " أسمع بهم وأبصر " وكقوله " فليمدد
له الرحمن ". والوجه الثاني أن جواب الأمر لابد أن يخالف الأمر إما في الفعل
أو في الفاعل أو فيهما، فمثال ذلك قولك: اذهب ينفعك زيد، فالفعل والفاعل في الجواب
غيرهما في الأمر، وتقول: اذهب يذهب زيد، فالفعلان متفقان والفاعلان مختلفان
وتقول، اذهب تنتفع، فالفاعلان متفقان والفعلان مختلفان، فأما أن يتفق الفعلان
والفاعلان فغير جائز كقولك: اذهب تذهب، والعلة فيه أن الشئ لا يكون
شرطا لنفسه.
قوله تعالى (لولا يكلمنا الله) لولا هذه إذا وقع بعدها المستقبل كانت تحضيضا
وإن وقع بعدها الماضي كانت توبيخا، وعلى كلا قسميها هي مختصة بالفعل، لأن
التحضيض والتوبيخ لا يردان إلا على الفعل (كذلك قال الذين من قبلهم
مثل قولهم) ينقل من إعراب الموضع الأول إلى هنا ما يحتمله هذا الموضع.
قوله تعالى (إنا أرسلناك بالحق) الجار والمجرور في موضع نصب على الحال من
المفعول تقديره: أرسلناك، ومعك الحق، ويجوز أن يكون حالا من الفاعل، أي
ومعنا الحق، ويجوز أن يكون مفعولا به أي بسبب إقامة الحق (بشيرا ونذيرا)
حالان (ولا تسئل) من قرأ بالرفع وضم التاء فموضعه حال أيضا: أي وغير مسؤول
60

ويجوز أن يكون مستأنفا، ويقرأ بفتح التاء وضم اللام وحكمها حكم القراءة التي قبلها
ويقرأ بفتح التاء والجزم على النهى.
قوله تعالى (هو الهدى) هو يجوز أن يكون توكيدا لاسم إن وفصلا ومبتدأ،
وقد سبق نظيره (من العلم) في موضع نصب على الحال من ضمير الفاعل
في جاءك.
قوله تعالى (الذين آتيناهم) الذين مبتدأ، وآتيناهم صلته، و (يتلونه)
حال مقدرة من هم أو من الكتاب، لأنهم لم يكونوا وقت إتيانه تالين له، و (حق)
منصوب على المصدر، لأنها صفة للتلاوة في الأصل، لأن التقدير، تلاوة حقا، وإذا
قدم وصف المصدر وأضيف إليه انتصب نصب المصدر، ويجوز أن يكون وصفا
لمصدر محذوف، و (أولئك) مبتدأ، و (يؤمنون به) خبره، والجملة خبر
الذين، ولا يجوز أن يكون يتلونه خبر الذين، لأنه ليس كل من أوتى الكتاب تلاه
حق تلاوته، لأن معنى حق تلاوته العمل به، وقيل يتلونه الخبر، والذين آتيناهم
لفظه عام، والمراد به الخصوص، وهو كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من
أهل الكتاب، أو يراد بالكتاب القرآن.
قوله تعالى (وإذ ابتلى إبراهيم) إذ في موضع نصب على المفعول به: أي
اذكر، والألف في ابتلى منقلبة عن واو، وأصله من بلى يبلو إذا اختبر. وفى إبراهيم
لغات: إحداها إبراهيم بالألف والياء، وهو المشهور، وإبراهم كذلك، إلا أنه
تحذف الياء، وإبراهام، بألفين، وإبراهم بألف واحدة وضم الهاء، وبكل قرئ،
وهو اسم أعجمي معرفة، وجمعه أباره عند قوم، وعند آخرين براهم، وقيل فيه
أبارهة وبراهمة.
قوله تعالى (جاعلك) يتعدى إلى مفعولين، لأنه من جعل التي بمعنى صير،
و (للناس) يجوز أن يتعلق بجاعل: أي لأجل الناس، ويجوز أن يكون في موضع
نصب على الحال، والتقدير: إماما للناس، فلما قدمه نصبه على ما ذكرنا (قال
ومن ذريتي) المفعولان محذوفان، والتقدير: اجعل فريقا من ذريتي إماما
(لا ينال عهدي الظالمين) هذا هو المشهور على جعل العهد هو الفاعل، ويقرأ
الظالمون على العكس، والمعنيان متقاربان، لأن كل ما نلته فقد نالك.
قوله تعالى (وإذ جعلنا) مثل وإذ ابتلى، وجعل هاهنا يجوز أن يكون بمعنى
صير، ويجوز أن يكون بمعنى خلق أو وضع، فيكون (مثابة) حالا، وأصل مثابة
61

مثوبة، لأنه من ثاب يثوب إذا رجع، و (للناس) صفة لمثابة، ويجوز أن يتعلق
بجعلنا ويكون التقدير: لأجل نفع الناس (واتخذوا) يقرأ على لفظ الخبر،
والمعطوف عليه محذوف تقديره: فثابوا واتخذوا، ويقرأ على لفظ الأمر فيكون على
هذا مستأنفا، و (من مقام) يجوز أن يكون من للتبعيض: أي بعض مقام إبراهيم
مصلى، ويجوز أن تكون من بمعنى في، ويجوز أن تكون زائدة على قول الأخفش،
و (مصلى) مفعول اتخذوا، وألفه منقلبة عن واو، ووزنه مفعل وهو مكان
لا مصدر، ويجوز أن يكون مصدرا وفيه حذف مضاف تقديره: مكان مصلى،
أي مكان صلاة، والمقام موضع القيام، وليس بمصدر هنا لأن قيام إبراهيم لا يتخذ
مصلى (أن طهرا) يجوز أن تكون أن هنا بمعنى أي المفسرة، لأن " عهدنا " بمعنى قلنا
والمفسرة: ترد بعد القول، وما كان في معناه فلا موضع لها على هذا، ويجوز أن
تكون مصدرية، وصلتها الأمر، وهذا مما يجوز أن يكون صلة في أن دون غيرها،
فعلى هذا يكون التقدير بأن طهرا فيكون موضعها جرا أو نصبا على الاختلاف بين
الخليل وسيبويه، و (السجود) جمع ساجد، وقيل هو مصدر، وفيه حذف
مضاف: أي الركع ذوي السجود.
قوله تعالى (اجعل هذا بلدا) اجعل بمعنى صير، وهذا المفعول الأول،
وبلدا المفعول الثاني، و (آمنا) صفة المفعول الثاني، وأما التي في إبراهيم فتذكر هناك
(من آمن) " من " بدل من أهله، وهو بدل بعض من كل (ومن كفر) في من
وجهان: أحدهما هي بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة وموضعها نصب، والتقدير
قال وأرزق من كفر، وحذف الفعل لدلالة الكلام عليه (فأمتعه) عطف على الفعل
المحذوف، ولا يجوز أن يكون من على هذا مبتدأ وفأمتعه خبره، لأن الذي لا تدخل
الفاء في خبرها إلا إذا كان الخبر مستحقا بصلتها، كقولك: الذي يأتيني فله درهم،
والكفر لا يستحق به التمتيع، فإن جعلت الفاء زائدة على قول الأخفش جاز، وإن
جعلت الخبر محذوفا وفأمتعه دليلا عليه جاز تقديره: ومن كفر أرزقه فأمتعه. والوجه
الثاني أن تكون من شرطية والفاء جوابها، وقيل الجواب محذوف تقديره: ومن كفر
أرزقه ومن على هذا رفع بالابتداء، ولا يجوز أن تكون منصوبة لأن أداة الشرط لا يعمل
فيها جوابها بل الشرط، وكفر على الوجهين بمعنى يكفر، والمشهور فأمتعه بالتشديد وضم
العين لما ذكرناه من أنه معطوف أو خبر، وقرئ شاذا بكسر العين، وفيه وجهان: أحدهما
أنه حذف الحركة تخفيفا لتوالي الحركات، والثاني أنه تكون الفاء زائدة وأمتعه
جواب الشرط: ويقرأ بتخفيف التاء وضم العين وإسكانها على ما ذكرناه، ويقرأ
62

فأمتعه على لفظ الأمر، وعلى هذا يكون من تمام الحكاية عن إبراهيم (قليلا)
نعت لمصدر محذوف أو لظرف محذوف (ثم أضطره) الجمهور على رفع الراء،
وقرئ بفتحها، ووصل الهمزة على الأمر كما تقدم (وبئس المصير) المصير فاعل
بئس والمخصوص بالذم محذوف تقديره وبئس المصير النار.
قوله تعالى (من البيت) في موضع نصب على الحال من القواعد: أي كائنة
من البيت، ويجوز أن يكون في موضع نصب مفعولا به بمعنى رفعها عن أرض البيت
والقواعد جمع قاعدة، وواحد قواعد النساء قاعد (وإسماعيل) معطوف على إبراهيم
والتقدير يقولان (ربنا) ويقولان هذه في موضع الحال، وقيل إسماعيل مبتدأ والخبر
محذوف تقديره: يقول ربنا، لأن الباني كان إبراهيم والداعي كان إسماعيل.
قوله تعالى (مسلمين لك) مفعول ثان، ولك متعلق بمسلمين، لأنه بمعنى
نسلم لك: أي نخلص، ويجوز أن يكون نعتا: أي مسلمين عاملين لك (ومن ذريتنا)
يجوز أن تكون " من " لابتداء غاية الجعل، فيكون مفعولا ثانيا، و (أمة) مفعول
أول، و (مسلمة) نعت لأمة، و (لك) على ما تقدم في مسلمين، ويجوز أن تكون
أمة مفعولا أول، ومن ذريتنا نعتا لأمة تقدم عليها فانتصب على الحال، ومسلمة
مفعولا ثانيا، والواو داخلة في الأصل على أمة، وقد فصل بينهما بقوله " ومن ذريتنا "
وهو جائز لأنه من جملة الكلام المعطوف (وأرنا) الأصل أرئنا، فحذفت الهمزة التي
هي عين الكلمة في جميع تصاريف الفعل المستقبل تخفيفا، وصارت الراء متحركة
بحركة الهمزة، والجمهور على كسر الراء، وقرئ بإسكانها وهو ضعيف، لأن
الكسرة هنا تدل على الياء المحذوفة، ووجه الإسكان أن يكون شبه المنفصل بالمتصل،
فسكن كما سكن فخذ وكتف، وقيل لم يضبط الراوي عن القارئ لأن القارئ اختلس
فظن أنه سكن، وواحد المناسك منسك ومنسك، بفتح السين وكسرها.
قوله تعالى (وابعث فيهم) ذكر على معنى الأمة، ولو قال فيها لرجع إلى
لفظ الأمة (يتلو عليهم) في موضع نصب صفة لرسول، ويجوز أن يكون حالا
من الضمير في منهم والعامل في الاستقرار.
قوله تعالى (ومن يرغب) من استفهام بمعنى الإنكار، ولذلك جاءت إلا بعدها
لأن المنكر منفى، وهي في موضع رفع بالابتداء، ويرغب الخبر، وفيه ضمير يعود
على من (إلا من) " من " في موضع نصب على الاستثناء، ويجوز أن يكون رفعا
بدلا من الضمير في يرغب، ومن نكرة موصوفة أو بمعنى الذي، و (نفسه)
63

مفعول سفه، لأن معناه جهل، تقديره: إلا من جهل خلق نفسه أو مصيرها، وقيل
التقدير: سفه بالتشديد، وقيل التقدير في نفسه. وقال الفراء: هو تمييز، وهو
ضعيف لكونه معرفة (في الآخرة) متعلق بالصالحين: أي وإنه من الصالحين
في الآخرة، والألف واللام على هذا للتعريف لا بمعنى الذي، لأنك لو جعلتها بمعنى
الذي لقدمت الصلة على الموصول، وقيل هي بمعنى الذي، وفى متعلق بفعل محذوف
يبينه الصالحين، تقديره: إنه لصالح في الآخرة، وهذا يسمى التبيين، ونظيره:
ربيته حتى إذا تمعددا * كان جزائي بالعصا أن أجلدا
تقديره: كان جزائي الجلد بالعصا، وهذا كثير في القرآن والشعر.
قوله تعالى (إذ قال له) إذ ظرف لاصطفيناه، ويجوز أن يكون بدلا من قوله
في الدنيا، ويجوز أن يكون التقدير: اذكر إذ قال (لرب العالمين) مقتضى هذا
اللفظ أن يقول: أسلمت لك، لتقدم ذكر الرب، إلا أنه أوقع المظهر موقع المضمر
تعظيما، لأن فيه ما ليس في اللفظ الأول، لأن اللفظ الأول يتضمن أنه ربه، وفى اللفظ
الثاني اعترافه بأنه رب الجميع.
قوله تعالى (ووصى بها) يقرأ بالتشديد من غير ألف، وأوصى بالألف وهما
بمعنى واحد، والضمير في بها يعود إلى الملة (ويعقوب) معطوف على إبراهيم،
ومفعوله محذوف تقديره: وأوصى يعقوب بنيه، لأن يعقوب أوصى بنيه أيضا،
كما أوصى إبراهيم بنيه، ودليل ذلك قوله " إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي "
والتقدير: قال يا بنى، فيجوز أن يكون إبراهيم قال يا بنى، ويجوز أن يكون
يعقوب، والألف في (اصطفى) بدل من ياء بدل من واو، وأصله من الصفوة،
والواو إذا وقعت رابعا فصاعدا قلبت ياء، ولهذا تمال الألف في مثل ذلك
(فلا تموتن) النهى في اللفظ عن الموت، وهو في المعنى على غير ذلك: والتقدير:
لا تفارقوا الإسلام حتى تموتوا (وأنتم مسلمون) في موضع الحال، والعامل
الفعل قبل إلا.
قوله تعالى (أم كنتم) هي المنقطعة: أي بل أكنتم (شهداء) على جهة التوبيخ
(إذ حضر) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الأصل وتليين الثانية وجعلها بين بين،
ومنهم من يخلصها ياء لانكسارها والجمهور على نصب (يعقوب) ورفع (الموت)
وقرئ بالعكس والمعنيان متقاربان، وإذ الثانية بدل من الأولى، والعامل في الأولى
64

شهداء فيكون عاملا في الثانية، ويجوز أن تكون الثانية ظرفا لحضر فلا يكون على هذا بدلا، و (ما) استفهام في موضع نصب ب‍ (تعبدون) و " ما " هنا بمعنى من
ولهذا جاء في الجواب إلهك، ويجوز أن تكون " ما " على بابها، ويكون ذلك امتحانا
لهم من يعقوب، و (من بعدي) أي من بعد موتى فحذف المضاف (وإله آبائك)
أعاد ذكر الإله لئلا يعطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، والجمهور
على آبائك على جمع التكسير، و (إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) بدل منهم،
ويقرأ " وإله أبيك " وفيه وجهان: أحدهما هو جمع تصحيح حذفت منه النون للإضافة،
وقد قالوا: أب وأبون وأبين، فعلى هذه القراءة تكون الأسماء بعدها بدلا أيضا.
والوجه الثاني أن يكون منفردا، وفيه على هذا وجهان: أحدهما أن يكون مفردا في اللفظ
مرادا به الجمع. والثاني أن يكون مفردا في اللفظ والمعنى، فعلى هذا يكون إبراهيم
بدلا منه، وإسماعيل وإسحاق عطفا على أبيك، تقديره: وإله إسماعيل وإسحاق (إلها
واحدا) بدل من إله الأول، ويجوز أن يكون حالا موطئة كقولك: رأيت زيدا
رجلا صالحا. وإسماعيل يجمع على سماعلة وسماعيل وأساميع.
قوله تعالى (تلك أمة) الاسم منها " تى " وهي من أسماء الإشارة للمؤنث،
والياء من جملة الاسم، وقال الكوفيون: التاء وحدها الاسم، والياء زائدة، وحذفت
الياء مع اللام لسكونها وسكون اللام بعدها.
فإن قيل: لم لم تكسر اللام وتقرأ الياء كما فعل في ذلك؟ قيل ذلك يؤدى إلى الثقل
لوقوع الياء بين كسرتين، وموضعها رفع بالابتداء، وأمة خبرها، و (قد خلت)
صفة لأمة، و (لها ما كسبت) في موضع الصفة أيضا، ويجوز أن يكون حالا
من الضمير في خلت، ويجوز أن يكون مستأنفا (ولا تسئلون) مستأنف لاغير،
وفى الكلام حذف تقديره: ولا يسئلون عما كنتم تعملون، ودل على المحذوف قوله
" لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ".
قوله تعالى (أو نصارى) الكلام في " أو " هاهنا كالكلام فيها في قوله " وقالوا لن
يدخل الجنة " لأن التقدير: قالت اليهود كونوا هودا، وقالت النصارى كونوا
نصارى (ملة إبراهيم) تقديره: بل نتبع ملة إبراهيم، أو قل اتبعوا ملة،
و (حنيفا) حال من إبراهيم، والحال من المضاف إليه ضعيف في القياس قليل
في الاستعمال، وسبب ذلك أن الحال لابد لها من عامل فيها، والعامل فيها هو العامل
في صاحبها، ولا يصح أن يعمل المضاف في مثل هذا في الحال، ووجه قول من
65

نصبه على الحال أنه قدر العامل معنى اللام أو معنى الإضافة وهو المصاحبة والملاصقة،
وقيل حسن جعل حنيفا حالا، لأن المعنى نتبع إبراهيم حنيفا، وهذا جيد لأن الملة
هي الدين والمتبع إبراهيم، وقيل هو منصوب بإضمار أعنى.
قوله تعالى (من ربهم) الهاء والميم تعود على النبيين خاصة، فعلى هذا يتعلق
من بأوتي الثانية، وقيل تعود إلى موسى وعيسى أيضا، ويكون " وما أوتى " الثانية
تكريرا، وهو في المعنى مثل التي في آل عمران. فعلى هذا يتعلق من بأوتي الأولى
وموضع من نصب على أنها لابتداء غاية الإيتاء، ويجوز أن يكون موضعها حالا من
العائد المحذوف تقديره: وما أوتيه النبيون كائنا من ربهم، ويجوز أن يكون ما أوتى
الثانية في موضع رفع بالابتداء، ومن ربهم خبره (بين أحد) أحد هنا هو المستعمل
في النفي، لأن بين لا تضاف إلا إلى جمع أو إلى واحد معطوف عليه، وقيل أحد هاهنا
بمعنى فريق.
قوله تعالى (بمثل ما آمنتم به) الباء زائدة، ومثل صفة لمصدر محذوف
تقديره: إيمانا مثل إيمانكم، والهاء ترجع إلى الله أو القرآن أو محمد، وما مصدرية
ونظير زيادة الباء هنا زيادتها في قوله " جزاء سيئة بمثلها " وقيل مثل هنا زائدة،
وما بمعنى الذي، وقرأ ابن عباس " بما آمنتم به " بإسقاط مثل.
قوله تعالى (صبغة الله) الصبغة هنا الدين، وانتصابه بفعل محذوف: أي
اتبعوا دين الله، وقيل هو إغراء، أي عليكم دين الله، وقيل هو بدل من ملة إبراهيم
(ومن أحسن) مبتدأ وخبر، و (من الله) في موضع نصب، و (صبغة) تمييز.
قوله تعالى (أم يقولون) يقرأ بالياء ردا على قوله " فسيكفيكهم الله " وبالتاء
ردا على قوله " أتحاجوننا " (هودا أو نصارى) أو هاهنا مثلها في قوله " وقالوا
كونوا هودا أو نصارى " أي قالت اليهود كان هؤلاء الأنبياء هودا، وقالت النصارى
كانوا نصارى (أم الله) مبتدأ والخبر محذوف: أي أم الله أعلم، وأم هاهنا المتصلة،
أي أيكم أعلم، وهو استفهام بمعنى الإنكار (كتم شهادة) كتم يتعدى إلى مفعولين
وقد حذف الأول منهما هنا تقديره: كتم الناس الشهادة، فعلى هذا يكون (عنده)
صفة لشهادة، وكذلك (من الله) ولا يجوز أن تعلق من بشهادة لئلا يفصل بين
الصلة والموصول بالصفة، ويجوز أن يجعل عنده (1) ومن الله صفتين لشهادة، ويجوز
أن تجعل من ظرفا للعامل في الظرف الأول، وأن تجعلها حالا من الضمير في عنده،

(1) قوله (ويجوز أن يجمع عنده الخ) لا يخفى أن هذا الوجه هو ما صدر به في قوله: فعلى هذا يكون
عنده الخ، فلعل المناسب حذفه وتأمل.
66

قوله تعالى (السفهاء من الناس) من الناس في موضع نصب على الحال،
والعامل فيه يقول (ما ولاهم) ابتداء وخبر في موضع نصب بالقول (كانوا عليها)
فيه حذف مضاف تقديره: على توجهها أو على اعتقادها.
قوله تعالى (وكذلك) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف تقديره:
ومثل هدايتنا من نشاء (جعلناكم) وجعلنا بمنزلة صيرنا، و (على الناس) يتعلق
بشهداء (القبلة) هي المفعول الأول والمفعول الثاني محذوف، و (التي) صفة
ذلك المحذوف، والتقدير: وما جعلنا القبلة القبلة التي، وقيل التي صفة للقبلة المذكورة،
والمفعول الثاني محذوف تقديره: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة (من يتبع)
من بمعنى الذي في موضع نصب بنعلم، و (ممن ينقلب) متعلق بنعلم، والمعنى
ليفصل المتبع من المنقلب، ولا يجوز أن يكون من استفهاما، لأن ذلك يوجب أن تعلق
نعلم عن العمل، وإذا علقت عنه لم يبق لمن ما يتعلق به، لأن ما بعد الاستفهام لا يتعلق
بما قبله، ولا يصح تعلقها بيتبع لأنها في المعنى متعلقة بنعلم، وليس المعنى: أي فريق
يتبع ممن ينقلب (على عقبيه) في موضع نصب على الحال: أي راجعا (وإن
كانت) إن المخففة من الثقيلة، واسمها محذوف، واللام في قوله (لكبيرة) عوض
من المحذوف، وقيل فصل باللام بين إن المخففة من الثقيلة وبين غيرها من أقسام إن.
وقال الكوفيون: إن بمعنى ما، واللام بمعنى إلا، وهو ضعيف جدا من جهة أن
وقوع اللام بمعنى إلا لا يشهد له سماع ولا قياس، واسم كان مضمر دل عليه الكلام
تقديره: وإن كانت التولية أو الصلاة أو القبلة (إلا على الذين) على متعلقة
بكبيرة، ودخلت إلا للمعنى، ولم يغير الإعراب (وما كان الله ليضيع) خبر كان
محذوف، واللام متعلقة بذلك المحذوف تقديره: وما كان الله مريدا لأن يضيع
إيمانكم، وهذا متكرر في القرآن، ومثله " لم يكن الله ليغفر لهم " وقال الكوفيون:
ليضيع هو الخبر. واللام داخلة للتوكيد، وهو بعيد، لأن اللام لام الجر، وأن
بعدها مرادة فيصير التقدير على قولهم: ما كان لله إضاعة إيمانكم (رؤوف) يقرأ
بواو بعد الهمزة مثل شكور، ويقرأ بغير واو مثل يقظ وفطن، وقد جاء في الشعر:
* بالرؤوف الرحيم *
قوله تعالى (قد نرى) لفظه مستقبل، والمراد به المضي، و (في السماء) متعلق
بالمصدر، ولو جعل حالا من الوجه لجاز (فول) يتعدى إلى مفعولين، فالأول
(وجهك) والثاني (شطر المسجد) وقد يتعدى إلى الثاني بإلى كقولك: ولى
67

وجهه إلى القبلة، وقال النحاس: شطر هنا ظرف لأنه بمعنى الناحية (وحيث)
ظرف لولوا، وإن جعلتها شرطا انتصب ب‍ (كنتم) لأنه مجزوم بها وهي منصوبة به
(أنه الحق من ربهم) في موضع الحال، وفى أول السورة مثله.
قوله تعالى (ولئن أتيت) اللام موطئة للقسم: وليست لازمة بدليل قوله
" وإن لم ينتهوا عما يقولون " (ما تبعوا) أي لا يتبعوا، فهو ماض في معنى المستقبل
ودخلت " ما " حملا على لفظ الماضي، وحذفت الفاء في الجواب لأن فعل الشرط
ماض، وقال الفراء: إن هنا بمعنى لو، فلذلك كانت " ما " في الجواب وهو بعيد،
لأن إن للمستقبل ولو للماضي (إذن) حرف، والنون فيه أصل، ولا تستعمل إلا
في الجواب، ولا تعمل هنا شيئا لأن عملها في الفعل ولافعل.
قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب) مبتدأ، و (يعرفونه) الخبر،
ويجوز أن يكون الذين بدلا من الذين أوتوا الكتاب في الآية قبلها، ويجوز أن يكون
بدلا من الظالمين، فيكون يعرفونه حالا من الكتاب أو من الذين، لأن فيه ضميرين
راجعين عليهما، ويجوز أن يكون نصبا على تقدير أعنى ورفعا على تقديرهم (كما)
صفة لمصدر محذوف، وما مصدرية.
قوله تعالى (الحق من ربك) ابتداء وخبر، وقيل الحق خبر مبتدأ محذوف
تقديره: ما كتموه الحق أو ما عرفوه، وقيل هو مبتدأ والخبر محذوف تقديره:
يعرفونه أن يتلونه، ومن ربك على الوجهين حال، وقرأ علي عليه السلام " الحق "
بالنصب بيعلمون.
قوله تعالى (ولكل وجهة) وجهة مبتدأ ولكل خبره، والتقدير: لكل
فريق وجهة، جاء على الأصل، والقياس جهة مثل عدة وزنة، والوجهة مصدر
في معنى المتوجه إليه، كالخلق بمعنى المخلوق، وهي مصدر محذوف الزوائد، لأن
الفعل توجه أو اتجه، والمصدر التوجه أو الاتجاه، ولم يستعمل منه وجه كوعد (هو
موليها) يقرأ بكسر اللام، وفى هو وجهان: أحدهما هو ضمير اسم الله، والمفعول
الثاني محذوف: أي الله مولى تلك الجهة ذات الفريق أي يأمره بها. والثاني هو ضمير
كل: أي ذلك الفريق مولى الوجهة نفسه، ويقرأ مولاها بفتح اللام، وهو على هذا
هو ضمير الفريق، ومولى لما لم يسم فاعله، والمفعول الأول هو الضمير المرفوع
فيه، وها ضمير المفعول الثاني، وهو ضمير الوجهة، وقيل للتولية، ولا يجوز أن
68

يكون هو على هذه القراءة ضمير اسم الله لاستحالة ذلك في المعنى، والجملة صفة
لوجهة، وقرئ في الشاذ " ولكل وجهة " بإضافة كل لوجهة، فعلى هذا تكون اللام
زائدة، والتقدير: كل وجهة الله موليها أهلها، وحسن زيادة اللام تقدم المفعول
وكون العامل اسم فاعل (أينما) ظرف ل‍ (تكونوا).
قوله تعالى (ومن حيث خرجت) حيث هنا لا تكون شرطا لأنه ليس معها
ما، وإنما يشترط بها مع ما، فعلى هذا يتعلق من بقوله (فول)، و (إنه للحق)
الهاء ضمير التولي.
قوله تعالى (وحيثما كنتم) يجوز أن يكون شرطا وغير شرط كما ذكرنا
في الموضع الأول (لئلا) اللام متعلقة بمحذوف تقديره: فعلنا ذلك لئلا، و (حجة)
اسم كان، والخبر للناس، وعليكم صفة الحجة في الأصل قدمت فانتصبت على الحال
ولا يجوز أن يتعلق بالحجة لئلا تتقدم صلة المصدر عليه (إلا الذين ظلموا منهم)
استثناء من غير الأول، لأنه لم يكن لأحد ما عليهم حجة (ولأتم) هذه اللام
معطوفة على اللام الأولى (عليكم) متعلق بأتم، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أن
يكون حالا من نعمتي.
قوله تعالى (كما) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف تقديره: تهتدون
هداية كإرسالنا أو إتماما كإرسالنا أو نعمة كإرسالنا، وقال جماعة من المحققين التقدير
فاذكروني كما أرسلنا، فعلى هذا يكون منصوبا صفة للذكر: أي ذكرا مثل إرسالي
ولم تمنع الفاء من ذلك كما لم تمنع في باب الشرط، وما مصدرية.
قوله تعالى (أموات) جمع على معنى من، وأفرد يقتل على لفظ من ولو جاء
ميت كان فصيحا، وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هم أموات (بل
أحياء) أي بل قولوا هم أحياء، ولن يقتل في سبيل الله أموات في موضع نصب
بقوله: ولا تقولوا لأنه محكى، وبل لا تدخل في الحكاية هنا (ولكن لا تشعرون) المفعول هنا محذوف تقديره
، لا تشعرون بحياتها.
قوله تعالى (ولنبلونكم) جواب قسم محذوف، والفعل المضارع يبنى مع
نوني التوكيد، وحركت الواو بالفتحة لخفتها (من الخوف) في موضع جر صفة
لشئ (من الأموال) في موضع نصب صفة لمحذوف تقديره: ونقص شيئا من
الأموال، لأن النقص مصدر نقصت، وهو متعد إلى مفعول، وقد حذف المفعول،
69

ويجوز عند الأخفش أن تكون من زائدة، ويجوز أن تكون من صفة لنقص،
وتكون لابتداء الغاية: أي نقص ناشئ من الأموال.
قوله تعالى (الذين إذا أصابتهم) في موضع نصب صفة للصابرين،
أو بإضمار أعنى، ويجوز أن يكون مبتدأ، و " أولئك عليهم صلوات " خبره، وإذا
وجوابها صلة الذين (إنا لله) الجمهور على تفخيم الألف في إنا، وقد أمالها بعضهم
لكثرة ما ينطق بهذا الكلام، وليس بقياس لأن الألف من الضمير الذي هو " نا "
وليست منقلبة ولا في حكم المنقلبة.
قوله تعالى (أولئك) مبتدأ، و (صلوات) مبتدأ ثان، و (عليهم) خبر
المبتدأ الثاني، والجملة خبر أولئك، ويجوز أن ترفع صلوات بالجار لأنه قد قوى
بوقوعه خبرا، ومثله " أولئك عليهم لعنة الله " (وأولئك هم المهتدون)
هم مبتدأ أو توكيد أو فصل.
قوله تعالى (إن الصفا) ألف الصفا مبدلة من واو لقولهم في تثنيته صفوان،
و (من شعائر) خبر إن، وفى الكلام حذف مضاف تقديره: إن طواف الصفا
أو سعى الصفا، والشعائر جمع شعيرة مثل صحيفة وصحائف، والجيد همزها لأن الياء
زائدة (فمن) في موضع رفع بالابتداء، وهي شرطية والجواب (فلا جناح)
واختلفوا في تمام الكلام هنا فقيل: تمام الكلام فلا جناح، ثم يبتدئ فيقول
(عليه أن يطوف) لأن الطواف واجب، وعلى هذا خبر لا محذوف: أي لا جناح
في الحج، والجيد أن يكون عليه في هذا الوجه خبرا، وأن يطوف مبتدأ، ويضعف
أن يجعل إغراء لأن الإغراء إنما جاء مع الخطاب، وحكى سيبويه عن بعضهم
* عليه رجلا ليسنى * قال: وهو شاذ لا يقاس عليه والأصل أن يتطوف فأبدلت
التاء طاء، وقرأ ابن عباس أن يطاف، والأصل أن يتطاف، وهو يفتعل من الطواف.
وقال آخرون: الوقف على (بهما) وعليه خبر لا، والتقدير: على هذا فلا جناح
عليه في أن يطوف فلما حذف في جعلت إن في موضع نصب، وعند الخليل في موضع
جر، وقبل التقدير: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، لأن الصحابة كانوا يمتنعون
من الطواف بهما لما كان عليهما من الأصنام، فمن قال هذا لم يحتج إلى تقدير لا
(ومن تطوع) يقرأ على لفظ الماضي، فمن على هذا يجوز أن تكون بمعنى الذي
والخبر (فإن الله) والعائد محذوف تقديره له: ويجوز أن يكون من شرطا،
والماضي بمعنى المستقبل، وقرئ يطوع على لفظ المستقبل، فمن على هذا شرط لاغير،
70

لأنه جزم بها وأدغم التاء في الطاء، وخيرا منصوب بأنه مفعول به، والتقدير: بخير،
فلما حذف الحرف وصل الفعل، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف: أي تطوعا
خيرا، وإذا جعلت من شرطا لم يكن في الكلام حذف (1) ضمير، لأن ضمير من
في يطوع.
قوله تعالى (من البينات) من يتعلق بمحذوف لأنها حال من ما، أو من العائد
المحذوف، إذ الأصل ما أنزلناه، ويجوز أن يتعلق بأنزلنا على أن يكون مفعولا به
(من بعد) من يتعلق بيكتمون) ولا يتعلق بأنزلنا لفساد المعنى، لأن الإنزال
لم يكن بعد التبيين إنما الكتمان بعد التبيين (في الكتاب) في متعلقة ببينا، وكذلك اللام
ولم يمتنع تعلق الجارين به لاختلاف معناهما، ويجوز أن يكون " في " حالا أي كائنا
في الكتاب (أولئك يلعنهم الله) مبتدأ وخبر في موضع خبر إن (ويلعنهم)
يجوز أن يكون معطوفا على يلعنهم الأولى، وأن يكون مستأنفا.
قوله تعالى (إلا الذين تابوا) استثناء متصل في موضع نصب، والمستثنى منه
الضمير في يلعنهم، وقيل هو منقطع لأن الذين كتموا لعنوا قبل أن يتوبوا، وإنما جاء
الاستثناء لبيان قبول التوبة، لا لأن قوما من الكاتمين لم يلعنوا.
قوله تعالى (أولئك عليهم لعنة الله) قد ذكرناه في قوله " أولئك عليهم
صلوات " وقرأ الحسن (والملائكة والناس أجمعون) بالرفع وهو معطوف على
موضع اسم الله، لأنه في موضع رفع، لأن التقدير: أولئك عليهم أن يعلنهم الله،
لأنه مصدر أضيف إلى الفاعل.
قوله تعالى (خالدين فيها) هو حال من الهاء والميم في عليهم (لا يخفف)
حال من الضمير في خالدين، وليست حالا ثانية من الهاء، والميم لما ذكرنا في غير
موضع، لأن الاسم الواحد لا ينتصب عنه حالان، ويجوز أن يكون مستأنفا
لا موضع له.
قوله تعالى (إله واحد) إله خبر المبتدأ، وواحد صفة له، والغرض هنا هو
الصفة، إذ لو قال وإلهكم واحد لكان هو المقصود، إلا أن في ذكره زيادة توكيد،
وهذا يشبه الحال الموطئة كقولك: مررت بزيد رجلا صالحا، وكقولك في الخبر
زيد شخص صالح (إلا هو) المستثنى في موضع رفع بدلا من موضع لا إله، لأن

(1) (قوله لم يكن في الكلام حذف إلخ) فيه نظر ظاهر، لأن ضمير " يطوع " موجود على كلا
التقديرين، والرابط في قوله " فإن الله " محذوف على كل حال كما في السفاقسي فلا بد من تقديره، وتأمل اه‍.
71

موضع لا وما عملت فيه رفع بالابتداء، ولو كان موضع المستثنى نصبا لكان إلا إياه
و (الرحمن) بدل من هو، أو خبر مبتدأ، ولا يجوز أن يكون صفة لهو، لأن
الضمير لا يوصف، ولا يكون خبر لهو لأن المستثنى هنا ليس بجملة.
قوله تعالى (والفلك) يكون واحدا وجمعا بلفظ واحد، فمن الجمع هذا
الموضع، وقوله " حتى إذا كنتم في الفلك، وجرين بهم " ومن المفرد الفلك المشحون
ومذهب المحققين أن ضمة الفاء فيه إذا كان جمعا غير الضمة التي في الواحد، ودليل
ذلك أن ضمة الجمع تكون فيما واحده غير مضموم نحو: أسد وكتب، والواحد
أسد وكتاب، ونظير ذلك الضمة في صاد منصور إذا رخمته على لغة من قال يا حار،
فإنها ضمة حادثة، وعلى من قال يا حار تكون الضمة في يا منص هي الضمة
في منصور (من السماء من ماء) من الأولى لابتداء الغاية، والثانية لبيان الجنس،
إذ كان ينزل من السماء ماء وغيره (وبث فيها من كل دابة) مفعول بث
محذوف تقديره: وبث فيها دواب، من كل دابة، ويجوز على مذهب الأخفش
أن تكون من زائدة لأنه يجيزه في الواجب (وتصريف الرياح) هو مصدر مضاف
إلى المفعول، ويجوز أن يكون أضيف إلى الفاعل، ويكون المفعول محذوفا، والتقدير:
وتصريف الرياح السحاب، لأن الرياح تسوق السحاب وتصرفه، ويقرأ الرياح
بالجمع لاختلاف أنواع الريح، وبالإفراد على الجنس أو على إقامة المفرد مقام
الجمع، وياء الريح مبدلة من واو، لأنه من راح يروح وروحته والجمع أرواح،
وأما الرياح فالياء فيه مبدلة من واو، لأنه جمع أوله مكسور، وبعد حرف العلة فيه
ألف زائدة، والواحد عينه ساكنة، فهو مثل سوط وسياط، إلا أن واو الريح
قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها (بين السماء) يجوز أن يكون ظرفا للمسخر،
وأن يكون حالا من الضمير في المسخر، وليس في هذه الآية وقف تام لأن اسم إن
التي في أولها خاتمتها.
قوله تعالى (من يتخذ) من نكرة موصوفة، ويجوز أن تكون بمعنى الذي
(يحبونهم) في موضع نصب صفة للأنداد، ويجوز أن يكون في موضع رفع
صفة لمن إذا جعلتها نكرة، وجاز الوجهان: لأن في الجملة ضميرين أحدهما لمن
والآخر للأنداد، وكنى عن الأنداد بهم كما يكنى بها عمن يعقل، لأنهم نزلوها منزلة
من يعقل، والكاف في موضع نصب صفة للمصدر المحذوف: أي حبا كحب الله،
والمصدر مضاف إلى المفعول تقديره كحبهم الله أو كحب المؤمنين الله (والذين
72

آمنوا أشد حبا لله) ما يتعلق به أشد محذوف تقديره: أشد حبا لله من حب
هؤلاء للأنداد (ولو يرى) جواب لو محذوف، وهو أبلغ في الوعد والوعيد، لأن
الموعود والمتوعد إذا عرف قدر النعمة والعقوبة وقف ذهنه مع ذلك المعين، وإذا لم
يعرف ذهب وهمه إلى ما هو الأعلى من ذلك، وتقدير الجواب، لعلموا أن القوة،
أو لعلموا أن الأنداد لا تضر ولا تنفع، والجمهور على يرى بالياء، ويرى هنا من
رؤية القلب فيفتقر إلى مفعولين، و (أن القوة) ساد مسدهما، وقيل المفعولان
محذوفان، وأن القوة معمول جواب لو: أي لو علم الكفار أندادهم لا تنفع لعلموا
أن القوة لله في النفع والضر، ويجوز أن يكون يرى بمعنى علم المتعدية إلى مفعول
واحد، فيكون التقدير: لو عرف الذين ظلموا بطلان عبادتهم الأصنام، أو لو عرفوا
مقدار العذاب لعلموا أن القوة أو لو عرفوا أن القوة لله لما عبدوا الأصنام، وقيل
يرى هنا من رؤية البصر: أي لو شاهدوا آثار قوة الله، فتكون أن وما عملت فيه مفعول
يرى، ويجوز أن يكون مفعول يرى محذوفا تقديره: لو شاهدوا العذاب لعلموا أن
القوة، ودل على هذا المحذوف قوله تعالى " إذ يرون العذاب " ويرون العذاب من
رؤية البصر، لأن التي بمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين، وإذا ذكر أحدهما لزم ذكر
الآخر، ويجوز أن يكون بمعنى العرفان: أي إذ يعرفون شدة العذاب، وقد حصل
مما ذكرنا أن جواب لو يجوز أن يقدر قبل: إن القوة لله جميعا، وأن يقدر بعده
ولو يليها الماضي، ولكن وضع لفظ المستقبل موضعه إما على حكاية الحال،
وإما لأن خبر الله تعالى صدق، فما لم يقع بخبره في حكم ما وقع، وأما إذ فظرف،
وقد وقعت هنا بمعنى المستقبل، ووضعها أن تدل على الماضي إلا أنه جاز ذلك لما
ذكرنا أن خبر الله عن المستقبل كالماضي، أو على حكاية الحال بإذ، كما يحكى بالفعل
وقيل إنه وضع إذ موضع إذا كما يوضع الفعل الماضي موضع المستقبل لقرب ما بينهما
وقيل إن زمن الآخرة موصول بزمن الدنيا، فجعل المستقبل منه كالماضي، إذ كان
المجاور للشئ يقوم مقامه، وهذا يتكرر في القرآن كثيرا كقوله " ولو ترى إذ وقفوا
على النار - ولو ترى إذ وقفوا على ربهم - و - إذ الأغلال في أعناقهم " (وإذ يرون)
ظرف ليرى الأولى، وقرئ ولو ترى الذين ظلموا بالتاء، وهي من رؤية العين:
أي لو رأيتهم وقت تعذيبهم، ويقرأ يرون بفتح الياء وضمها وهو ظاهر الإعراب
والمعنى، والجمهور على فتح الهمزة من أن القوة، وأن الله شديد العذاب، ويقرأ
73

بكسرها فيهما على الاستئناف أو على تقدير لقالوا: إن القوة لله، و (جميعا) حال
من الضمير في الجار، والعامل معنى الاستقرار.
قوله تعالى (إذ تبرأ) إذ هذه بدل من إذ الأولى، أو ظرف لقوله شديد العذاب،
أو مفعول اذكر، وتبرأ بمعنى يتبرأ (ورأوا العذاب) معطوف على تبرأ، ويجوز أن
يكون حالا، وقد معه مرادة، والعامل تبرأ، أي تبرءوا وقد رأوا العذاب (وتقطعت
بهم) الباء هنا للسببية: والتقدير: وتقطعت بسبب كفرهم (الأسباب) التي كانوا
يرجون بها النجاة، ويجوز أن تكون الباء للحال: أي تقطعت موصولة بهم الأسباب
كقولك: خرج زيد بثيابه، وقيل بهم بمعنى عنهم، وقيل الباء للتعدية، والتقدير:
قطعتهم الأسباب، كما تقول تفرقت بهم الطرق: أي فرقتهم، ومنه قوله تعالى
" فتفرق بكم عن سبيله " (كرة) مصدر كر يكر إذا رجع (فنتبرأ) منصوب
بإضمار أن تقديره: لو أن لنا أن نرجع، فأن نتبرأ، وجواب لو على هذا محذوف
تقديره: لتبرأنا أو نحو ذلك، وقيل لو هنا تمن فنتبرأ منصوب على جواب التمني.
والمعنى: ليت لنا كرة فنتبرأ (كذلك) الكاف في موضع رفع: أي الأمر كذلك
ويجوز أن يكون نصبا صفة لمصدر محذوف، أي يريهم روية كذلك، أو يحشرهم كذلك
أو يجزيهم ونحو ذلك، و (يريهم) من رؤية العين فهو متعد إلى مفعولين هنا بهمزة
النقل، و (حسرات) على هذا حال، وقيل يريهم: أي يعلمهم، فيكون حسرات
مفعولا ثالثا، و (عليهم) صفة لحسرات: أي كائنة عليهم، ويجوز أن يتعلق
بنفس حسرات على أن يكون في الكلام حذف مضاف تقديره على تفريطهم، كما
تقول: تحسر على تفريطهم.
قوله تعالى (كلوا مما في الأرض) الأصل في كل أأكل، فالهمزة الأولى
همزة وصل، والثانية فاء الكلمة إلا أنهم حذفوا الفاء فاستغنوا عن همزة الوصل
لتحرك ما بعدها، والحذف هنا ليس بقياس، ولم يأت إلا في كل وخذ ومر (حلالا)
مفعول كلوا فتكون من متعلقة بكلوا، وهي لابتداء الغاية، ويجوز أن تكون من
متعلقة بمحذوف، ويكون حالا من حلالا، والتقدير كلوا حلالا مما في الأرض،
فلما قدمت الصفة صارت حالا، فأما (طيبا) فهي صفة لحلال على الوجه الأول،
وأما على الوجه الثاني فيكون صفة لحلال، ولكن موضعها بعد الجار والمجرور لئلا
يفصل بالصفة بين الحال وذى الحال، ويجوز أن يكون مما حالا موضعها بعد طيب
لأنها في الأصل صفات، وأنها قدمت على النكرة، ويجوز أن يكون طيبا على هذا
74

القول صفة لمصدر محذوف تقديره: كلوا الحلال مما في الأرض أكلا طيبا، ويجوز
أن ينتصت حلالا على الحال من ما، وهي بمعنى الذي، وطيبا صفة الحال، ويجوز
أن يكون حلالا صفة لمصدر محذوف: أي أكلا حلالا فعلى هذا مفعول كلوا محذوف
أي كلوا شيئا أو رزقا، ويكون " من " صفة للمحذوف، ويجوز على مذهب الأخفش
أن تكون من زائدة (خطوات) يقرأ بضم الطاء على اتباع الضم الضم، وبإسكانها
للتخفيف، ويجوز في غير القرآن فتحها، وقرئ في الشاذ بهمز الواو لمجاورتها
الضمة، وهو ضعيف، ويقرأ شاذا بفتح الخاء والطاء على أن يكون الواحد خطوة،
والخطوة بالفتح مصدر خطوت، وبالضم ما بين القدمين، وقيل هما لغتان بمعنى
واحد (إنه لكم) إنما كسر الهمزة لأنه أراد الإعلام بحاله، وهو أبلغ من الفتح،
لأنه إذا فتح الهمزة صار التقدير: لاتتبعوه لأنه لكم واتباعه ممنوع، وإن لم يكن
عدوا لنا، ومثله: لبيك إن الحمد لك، كسر الهمزة أجود لدلالة الكسر على
استحقاقه الحمد في كل حال، وكذلك التلبية، والشيطان هنا جنس، وليس المراد
به واحدا.
قوله تعالى (وأن تقولوا) في موضع جر عطفا على بالسوء: أي
وبأن تقولوا.
قوله تعالى (بل نتبع) بل هاهنا للإضراب عن الأول: أي لا نتبع ما أنزل
الله، وليس بخروج من قصة إلى قصة، و (ألفينا) وجدنا المتعدية إلى مفعول
واحد، وقد تكون متعدية إلى مفعولين مثل وجدت، وهي هاهنا تحتمل الأمرين
والمفعول الأول (آباءنا) وعليه إما حال أو مفعول ثان، ولام ألفينا واو، لأن الأصل
فيما لو جهل من اللامات أن يكون واوا (أولو) الواو للعطف، والهمزة للاستفهام
بمعنى التوبيخ، وجواب لو محذوف تقديره أفكانوا يتبعونهم.
قوله تعالى (ومثل الذين كفروا) مثل مبتدأ، و (كمثل الذي ينعق)
خبره، وفى الكلام حذف مضاف تقديره: داعى الذين كفروا: أي مثل داعيهم
إلى الهدى كمثلي الناعق بالغنم، وإنما قدر ذلك ليصح التشبيه، فداعى الذين كفروا
كالناعق بالغنم، ومثل الذين كفروا بالغنم المنعوق بها، وقال سيبويه لما أراد تشبيه
الكفار وداعيهم بالغنم وداعيها، قابل أحد الشيئين بالآخر من غير تفصيل اعتمادا على
فهم المعنى، وقيل التقدير: مثل الذين كفروا في دعائك إياهم، وقيل التقدير: مثل
الكافرين في دعائهم الأصنام كمثل الناعق بالغنم (إلا دعاء) منصوب بيسمع
75

وإلا قد فرغ قبلها العامل من المفعول، وقيل إلا زائدة لأن المعنى لا يسمع دعاء وهو
ضعيف، والمعنى بما لا يسمع إلا صوتا (صم) أي هم صم.
قوله تعالى (كلوا من طيبات) المفعول محذوف: أي كلوا رزقكم، وعند
الأخفش من زائدة.
قوله تعالى (إنما حرم عليكم الميتة) تقرأ الميتة بالنصب، فتكون ما هاهنا
كافة، والفاعل هو الله، ويقرأ بالرفع على أن تكون ما بمعنى الذي، والميتة خبر إن
والعائد محذوف تقديره: حرمه الله، ويقرأ حرم على ما لم يسم فاعله، فعلى هذا
يجوز أن تكون " ما " بمعنى الذي، والميتة خبر إن، ويجوز أن تكون كافة، والميتة
المفعول القائم مقام الفاعل، والأصل الميتة بالتشديد لأن بناءه فيعلة، والأصل ميوتة
فلما اجتمعت الياء والواو وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت، فمن قرأ
بالتشديد أخرجه على الأصل، ومن خفف حذف الواو التي هي عين، ومثله سيد
وهين في سيد وهين، ولام الدم ياء محذوفة حذفت لغير علة. والنون في خنزير
أصل، وهو على مثال غربيب، وقيل هي زائدة، وهو مأخوذ من الخزر (فمن
اضطر) من في موضع رفع، وهي شرط، واضطر في موضع جزم بها، والجواب
(فلا إثم عليه) ويجوز أن تكون من بمعنى الذي، ويقرأ بكسر النون على أصل
التقاء الساكنين، وبضمها اتباعا لضمة الطاء، والحاجز غير حصين لسكونه،
وضمت الطاء على الأصل لأن الأصل اضطرر، ويقرأ بكسر الطاء، ووجهها أنه
نقل كسرة الراء الأولى إليها (غير باغ) نصب على الحال (ولا عاد) معطوف على
باغ، ولو جاء في غير القرآن منصوبا عطفا على موضع غير جاز.
قوله تعالى (من الكتاب) في موضع نصب على الحال من العائد المحذوف:
أي ما أنزله الله كائنا من الكتاب، و (إلا النار) مفعول " يأكلون في بطونهم " في موضع
نصب على الحال من النار تقديره ما يأكلون إلا النار ثابتة أو كائنة في بطونهم،
والأولى أن تكون الحال مقدرة لأنها وقت الأكل ليست في بطونهم، وإنما يؤول إلى
ذلك، والجيد أن تكون ظرفا ليأكلون، وفيه تقدير حذف مضاف: أي في طريق
بطونهم، والقول الأول يلزم منه تقديم الحال على حرف الاستثناء، وهو ضعيف،
إلا أن يجعل المفعول محذوفا، وفى بطونهم حالا منه أو صفة له: أي في بطونهم شيئا،
وهذا الكلام في المعنى على المجاز، وللإعراب حكم اللفظ.
قوله تعالى (فما أصبرهم) " ما " في موضع رفع، والكلام تعجب عجب
76

الله به المؤمنين، وأصبر فعل فيه ضمير الفاعل، وهو العائد على ما، ويجوز أن
تكون ما استفهاما هنا وحكمها في الإعراب كحكمها إذا كانت تعجبا، وهي نكرة
غير موصوفة تامة بنفسها، وقيل هي نفى: أي فما أصبرهم الله على النار.
قوله تعالى (ذلك) مبتدأ و (بأن الله) الخبر، والتقدير: ذلك العذاب مستحق
بما نزل الله في القرآن من استحقاق عقوبة الكافر، فالباء متعلقة بمحذوف.
قوله تعالى (ليس البر) يقرأ برفع الراء فيكون (أن تولوا) خبر ليس،
وقوى ذلك لأن الأصل تقديم الفاعل على المفعول، ويقرأ بالنصب على أنه خبر ليس،
وأن تولوا اسمها، وقوى ذلك عند من قرأ به لأن أن تولوا أعرف من البر، إذ كان
كالمضمر في أنه لا يوصف، والبر يوصف، ومن هنا قويت القراءة بالنصب في قوله
" فما كان جواب قومه " (قبل المشرق) ظرف (ولكن البر) يقرأ بتشديد
النون ونصب البر وبتخفيف النون، ورفع البر على الابتداء، وفى التقدير ثلاثة أوجه:
أحدها أن البر هنا اسم فاعل من بر يبر، وأصله برر مثل فطن، فنقلت كسرة الراء
إلى الباء، ويجوز أن يكون مصدرا وصف به مثل عدل فصار كالجثة، والوجه
الثاني أن يكون التقدير: ولكن ذا البر من آمن، والوجه الثالث أن يكون التقدير:
ولكن البر بر من آمن، فحذف المضاف على التقديرين، وإنما احتيج إلى ذلك لأن
البر مصدر، ومن آمن جثة، فالخبر غير المبتدأ في المعنى، فيقدر ما يصير به الثاني
هو الأول (والكتاب) هنا مفرد اللفظ، فيجوز أن يكون جنسا، ويقوى ذلك أنه
في الأصل مصدر، ويجوز أن يكون اكتفى الواحد عن الجمع وهو يريده، ويجوز
أن يراد به القرآن، لان من آمن به فقد آمن بكل الكتب، لأنه شاهد لها بالصدق
(على حبه) في موضع نصب على الحال: أي آتى المال محبا والحب مصدر حببت،
وهي لغة في أحببت، ويجوز أن يكون مصدر أحببت على حذف الزيادة، ويجوز
أن يكون اسما للمصدر الذي هو الإحباب، والهاء ضمير المال، أو ضمير اسم الله،
أو ضمير الإيتاء، فعلى هذه الأوجه الثلاثة يكون المصدر مضافا إلى المفعول
و (ذوي القربى) منصوب بآتى لا بالمصدر، لأن المصدر يتعدى إلى مفعول واحد
وقد استوفاه، ويجوز أن تكون الهاء ضمير من فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل،
فعلى هذا يجوز أن يكون ذوي القربى مفعول المصدر، ويجوز أن يكون مفعول آتى،
ويكون مفعول المصدر محذوفا تقديره: وآتى المال على حبه إياه ذوي القربى
(وابن السبيل) مفرد في اللفظ، وهو جنس أو واحد في اللفظ موضع الجمع
77

(وفى الرقاب) أي في تخليص الرقاب أو عتق الرقاب، وفى متعلقة بآتى (والموفون)
في رفعه ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون معطوفا على من آمن، والتقدير: ولكن البر
المؤمنون الموفون: والثاني هو خبر مبتدإ محذوف تقديره، وهم الموفون، وعلى
هذين الوجهين ينتصب (الصابرين) على إضمار أعنى، وهو في المعنى معطوف على
من، ولكن جاز النصب لما تكررت الصفات، ولا يجوز أن يكون معطوفا على
ذوي القربى، لئلا يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه الذي هو في حكم الصلة بالأجنبي
وهم الموفون، والوجه الثالث أن يعطف الموفون على الضمير في آمن، وجرى طول
الكلام مجرى توكيد الضمير، فعلى هذا يجوز أن ينتصب الصابرين على إضمار أعنى،
وبالعطف على ذوي القربى، لأن الموفون على هذا الوجه داخل في الصلة (وحين
البأس) ظرف للصابرين.
قوله تعالى (الحر بالحر) مبتدأ وخبر التقدير، الحر مأخوذ بالحر (فمن عفى
له) من في موضع رفع بالابتداء، ويجوز أن تكون شرطية، وأن تكون بمعنى الذي
والخبر (فاتباع بالمعروف) والتقدير: فعليه اتباع، و (من أخيه) أي من دم
أخيه، و " من " كناية عن ولى القاتل: أي من جعل له من دم أخيه بدل وهو القصاص
أو الدية، و (شئ) كناية عن ذلك المستحق، وقيل " من " كناية عن القاتل، والمعنى:
إذا عفى عن القاتل فقبلت منه الدية، وقيل شئ بمعنى المصدر: أي من عفى له من
أخيه عفو، كما قال " لا يضركم كيدهم شيئا " أي ضيرا (وأداء إليه) أي إلى ولي
المقتول (بإحسان) في موضع نصب بأداء، ويجوز أن يكون صفة للمصدر، وكذلك
بالمعروف، ويجوز أن يكون حالا من الهاء أي فعليه اتباعه عادلا ومحسنا، والعامل
في الحال معنى الاستقرار (فمن اعتدى) شرط (فله) جوابه، ويجوز أن يكون
بمعنى الذي.
قوله تعالى (يا أولى الألباب) يقال في الرفع أولوا بالواو، وأولى بالياء في الجر
والنصب، مثل ذوو، وأولو جمع واحدة ذو من غير لفظه، وليس له واحد
من لفظه.
قوله تعالى (كتب عليكم إذا حضر) العامل في إذا كتب، والمراد بحضور
الموت حضور أسبابه ومقدماته، وذلك هو الوقت الذي فرضت الوصية فيه وليس
المراد بالكتب حقيقة الخط في اللوح، بل هو كقوله " كتب عليكم القصاص في القتلى "
ونحوه، ويجوز أن يكون العامل في إذا معنى الإيصاء، وقد دل عليه قوله الوصية،
78

ولا يجوز أن يكون العامل فيه لفظ الوصية المذكورة في الآية لأنها مصدر، والمصدر
لا يتقدم عليه معموله، وهذا الذي يسمى التبيين، وأما قوله (إن ترك خيرا)
فجوابه عند الأخفش (الوصية) وتحذف الفاء، أي فالوصية للوالدين، واحتج
بقول الشاعر:
من يفعل الحسنات الله يشكرها * والشر بالشر عند الله مثلان
فالوصية على هذا مبتدأ، و (وللوالدين) خبره، وقال غيره: جواب
الشرط في المعنى ما تقدم من معنى كتب الوصية، كما تقول: أنت ظالم إن فعلت،
ويجوز أن يكون جواب الشرط معنى الإيصاء لا معنى الكتب، وهذا مستقيم على
قول من رفع الوصية بكتب وهو الوجه، وقيل المرفوع بكتب الجار والمجرور وهو
عليكم، وليس بشئ (بالمعروف) في موضع نصب على الحال: أي ملتبسة
بالمعروف لا جور فيها (حقا) منصوب على المصدر: أي حق ذلك حقا، ويجوز
أن يكون صفة لمصدر محذوف: أي كتبا حقا أو إيصاء حقا، ويجوز في غير القرآن
الرفع بمعنى ذلك حق، و (على المتقين) صفة لحق، وقيل هو متعلق بنفس المصدر
وهو ضعيف، لأن المصدر المؤكد لا يعمل، وإنما يعمل المصدر المنتصب بالفعل
المحذوف إذا ناب عنه كقولك: ضربا زيدا: أي اضرب.
قوله تعالى (فمن بدله) من شرط في موضع رفع مبتدأ، والهاء ضمير
الإيصاء لأنه بمعنى الوصية، وقيل هو ضمير الكتب، وقيل هو ضمير الأمر بالوصية
أو الحكم المأمور به، وقيل هو ضمير المعروف، وقيل ضمير الحق (بعد
ما سمعه) " ما " مصدرية، وقيل هي بمعنى الذي: أي بعد الذي سمعه من النهى عن
التبديل، والهاء في (إثمه) ضمير التبديل الذي دل عليه بدل.
قوله تعالى (من موص) يقرأ بسكون الواو وتخفيف الصاد، وهو من أوصى
وبفتح الواو وتشديد الصاد وهو من وصى وكلتاهما بمعنى واحد، ولا يراد بالتشديد
هنا التكثير، لأن ذلك إنما يكون في الفعل الثلاثي إذا شدد، فأما إذا كان التشديد
نظير الهمزة فلا يدل على التكثير، ومثله نزل وأنزل، ومن متعلقة بخاف، ويجوز
أن تتعلق بمحذوف على أن تجعل صفة لجنف في الأصل، ويكون التقدير: فمن خاف
جنفا كائنا من موص، فإذا قدم انتصب على الحال، ومثله أخذت من زيد مالا.
إن شئت علقت " من " بأخذت وإن شئت كان التقدير: مالا كائنا من زيد.
79

قوله تعالى (كتب عليكم الصيام) المفعول القائم مقام الفاعل، وفى موضع
الكاف أربعة أوجه: أحدها هي في موضع نصب صفة للكتب: أي كتبا كما كتب
فما على هذا الوجه مصدرية. والثاني أنه صفة الصوم: أي صوما مثل ما كتب،
فما على هذا بمعنى الذي: أي صوما مماثلا للصوم المكتوب على من قبلكم، وصوم هنا
مصدر مؤكد في المعنى، لأن الصيام بمعنى أن تصوموا صوما. والثالث أن تكون
الكاف في موضع حال من الصيام: أي مشبها للذي كتب على من قبلكم. والرابع
أن يكون في موضع رفع صفة للصيام.
فإن قيل: الجار والمجرور نكرة، والصيام معرفة، والنكرة لا تكون صفة
للمعرفة.
قيل: لما لم يرد بالصيام صياما معينا كان كالمنكر، وقد ذكرنا نحو ذلك
في الفاتحة، ويقوى ذلك أن الصيام مصدر، والمصدر جنس، وتعريف الجنس
قريب من تنكيره.
قوله تعالى (أياما معدودات) لا يجوز أن ينتصب بمصدر كتب الأولى، لا على
الظرف ولا على أنه مفعول به على السعة لأن الكاف في كما وصف لمصدر محذوف،
والمصدر إذا وصف لم يعمل، وكذلك اسم الفاعل، ولا يجوز أن ينتصب بالصيام
المذكور في الآية، لأنه مصدر، وقد فرق بينه وبين أيام بقوله " كما كتب "، ويعمل
فيه المصدر كالصلة، ولا يفرق بين الصلة والموصول بأجنبي، وإن جعلت صفة
الصيام لم يجز أيضا، لأن المصدر إذا وصف لا يعمل. والوجه أن يكون العامل في أيام
محذوفا تقديره: صوموا أياما، فعلى هذا يكون أياما ظرفا، لأن الظرف يعمل فيه
المعنى، ويجوز أن ينتصب أياما بكتب، لأن الصيام مرفوع به وكما إما مصدر لكتب
أو نعت للصيام، وكلاهما لا يمنع عمل الفعل، وعلى هذا يجوز أن يكون ظرفا ومفعولا
به على السعة.
قوله تعالى (أو على سفر) في موضع نصب معطوفا على خبر كان تقديره:
أو كان مسافرا، وإنما دخلت على هاهنا لأن المسافر عازم على إتمام سفره، فينبغي
أن يكون التقدير: أو كان عازما على إتمام سفر، وسفر هنا نكرة يراد به سفر
معين، وهو السفر إلى المسافة المقدرة في الشرع (فعدة) مبتدأ، والخبر محذوف:
أي فعليه عدة، وفيه حذف مضاف: أي صوم عدة، ولو قرئ بالنصب لكان
مستقيما، ويكون التقدير: فليصم عدة، وفي الكلام حذف تقديره: فأفطر فعليه:
80

و (من أيام) نعت لعدة و (أخر) لا ينصرف للوصف والعدل عن الألف واللام
لأن الأصل في فعلى صفة أن تستعمل في الجمع بالألف واللام كالكبرى والكبر،
والصغرى والصغر (يطيقونه) الجمهور على القراءة بالياء، وقرئ " يطوقونه "
بواو مشددة مفتوحة، وهو من الطوق الذي هو قدر الوسع، والمعنى يكلفونه (فدية)
يقرأ بالتنوين، و (طعام) بالرفع بدلا منها، أو على إضمار مبتدأ: أي هي طعام
و (مسكين) بالإفراد، والمعنى أن ما يلزم بإفطار كل يوم إطعام مسكين واحد.
ويقرأ بغير تنوين وطعام بالجر ومساكين بالجمع، وإضافة الفدية إلى الطعام إضافة الشئ
إلى جنسه، كقولك، خاتم فضة، لأن طعام المسكين يكون فدية وغير فدية، وإنما جمع
المساكين لأنه جمع في قوله " وعلى الذين يطيقونه " فقابل الجمع بالجمع، ولم يجمع
فدية لأمرين: أحدهما أنها مصدر، والهاء فيها لا تدل على المرة الواحدة بل هي
للتأنيث فقط. والثاني أنه لما أضافها إلى مضاف إلى الجمع فهم منها الجمع، والطعام
هنا بمعنى الإطعام كالعطاء بمعنى الإعطاء، ويضعف أن يكون الطعام هو المطعوم،
لأنه أضافه إلى المسكين، وليس الطعام للمسكين قبل تمليكه إياه، فلو حمل على ذلك
لكان مجازا، لأنه يكون تقديره فعليه إخراج طعام يصير للمساكين، ولو حملت الآية
عليه لم يمتنع، لأن حذف المضاف جائز، وتسمية الشئ بما يؤول إليه جائز (فهو
خير له) الضمير يرجع إلى التطوع ولم يذكر لفظه، بل هو مدلول عليه بالفعل
(وأن تصوموا) في موضع رفع مبتدأ، و (خير) خبره، و (لكم) نعت
لخير، و (إن كنتم) شرط محذوف الجواب، والدال على المحذوف
أن تصوموا.
قوله تعالى (شهر رمضان) في رفعه وجهان: أحدهما هو خبر مبتدإ محذوف
تقديره: هي شهر، يعنى الأيام المعدودات، فعلى هذا يكون (الذي أنزل) نعتا
للشهر أو لرمضان. والثاني هو مبتدأ، ثم في الخبر وجهان: أحدهما الذي أنزل،
والثاني أن الذي أنزل صفة، والخبر هو الجملة التي هو قوله (فمن شهد).
فإن قيل: لو كان خبرا لم يكن فيه الفاء، لأن شهر رمضان لا يشبه الشرط.
قيل: الفاء على قول الأخفش زائدة، وعلى قول غيره ليست زائدة، وإنما دخلت
لأنك وصفت الشهر بالذي فدخلت الفاء كما تدخل في خبر نفس الذي، ومثله
" قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ".
81

فإن قيل: فأين الضمير العائد على المبتدأ من الجملة. قيل: وضع الظاهر
موضعه تفخما: أي فمن شهده منكم كما قال الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شئ * بغض الموت ذا الغنى والفقيرا
أي لا يسبقه شئ، ومن هنا شرطية مبتدأة، وما بعدها الخبر، ويجوز أن
تكون بمعنى الذي، فيكون الخبر فليصمه، و (منكم) حال من ضمير الفاعل،
ومفعول شهد محذوف أي شهد المصر، و (الشهر) ظرف أو مفعول به على السعة
ولا يجوز أن يكون التقدير: فمن شهد هلال الشهر لأن ذلك يكون في حق المريض
والمسافر والمقيم الصحيح، والذي يلزمه الصوم الحاضر بالمصر إذا كان صحيحا، وقيل
التقدير: هلال الشهر، فعلى هذا يكون الشهر مفعولا به صريحا لقيامه مقام الهلال،
وهذا ضعيف لوجهين: أحدهما ما قدمنا من لزوم الصوم على العموم وليس كذلك،
والثاني أن شهد بمعنى حضر، ولا يقال حضرت هلال الشهر، وإنما يقال شاهدت
الهلال، والهاء في (فليصمه) ضمير الشهر، وهي مفعول به على السعة، وليست
ظرفا، إذ لو كانت ظرفا لكانت معها في، لأن ضمير الظرف لا يكون ظرفا بنفسه،
ويقرأ " شهر رمضان " بالنصب، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه بدل من أياما
معدودات، والثاني على إضمار أعنى شهر، والثالث أن يكون منصوبا بتعلمون: أي
إن كنتم تعلمون شرف شهر رمضان فحذف المضاف، ويقرأ في الشاذ شهري رمضان
على الابتداء والخبر، وأما قوله " أنزل فيه القرآن " فالمعنى في فضله كما تقول أنزل
في الشئ آية، وقيل هو ظرف: أي أنزل القرآن كله في هذا الشهر إلى السماء الدنيا
" وهدى، وبينات " حالان من القرآن.
قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر) الباء هنا للالصاق، والمعنى: يريد أن
يلصق بكم اليسر فيما شرعه لكم، والتقدير: يريد الله بفطركم في حال العذر اليسر
(ولتكملوا العدة) هو معطوف على اليسر، والتقدير: لأن تكملوا واللام على
هذا زائدة كقوله تعالى " ولكن يريد ليطهركم " وقيل التقدير: ليسهل عليكم ولتكملوا
وقيل " ولتكملوا العدة " فعل ذلك.
قوله تعالى (فإني قريب) أي فقل لهم إني، لأنه جواب " إذا سألك "
(وأجيب) خبر ثان، و (فليستجيبوا) بمعنى فليجيبوا كما تقول قر واستقر
بمعنى، وقالوا استجابه بمعنى جابه (لعلهم يرشدون) الجمهور على فتح الياء
82

وضم الشين، وماضيه رشد بالفتح، ويقرأ بفتح الشين، وماضيه رشد بكسرها،
وهي لغة، ويقرأ بكسر الشين وماضيه أرشد: أي غيرهم.
قوله تعالى (أحل لكم ليلة الصيام) ليلة ظرف لأحل، ولا يجوز أن تكون
ظرفا للرفث من جهة الإعراب، لأنه مصدر والمصدر لا يتقدم عليه معموله، ويجوز
أن تكون الليلة ظرفا للرفث على التبيين، والتقدير: أحل لكم أن ترفثوا ليلة الصيام
فحذف وجعل المذكور مبينا له، والمستعمل الشائع رفث بالمرأة بالباء، وإنما جاء
هنا بإلى لأن معنى الرفث الإفضاء، وكأنه قال الإفضاء (إلى نسائكم) والهمزة
في نساء مبدلة من واو لقولك في معناه نسوة، وهو جمع لا واحد له من لفظه، بل
واحدته امرأة، وأما نساء فجمع نسوة، وقيل لا واحد له (كنتم تختانون) كنتم
هنا لفظها لفظ الماضي، ومعناها على المضي أيضا، والمعنى: أن الاختيان كان يقع
منهم فتاب عليهم منه، وقيل إنه أراد الاختيان في المستقبل، وذكر كان ليحكى بها
الحال كما تقول: إن فعلت كنت ظالما، وألف تختانون مبدلة من واو لأنه من
خان يخون، وتقول في الجمع خونة (فالآن) حقيقة الآن الوقت الذي أنت فيه،
وقد يقع على الماضي القريب منك، وعلى المستقبل القريب وقوعه، تنزيلا للقريب
منزلة الحاضر، وهو المراد هنا، لأن قوله " فالآن باشروهن " أي فالوقت الذي كان
يحرم عليكم الجماع فيه من الليل قد أبحناه لكم فيه، فعلى هذا الآن ظرف
ل‍ (باشروهن) وقيل الكلام محمول على المعنى، والتقدير: فالآن قد أبحنا لكم أن
تباشروهن، ودل على المحذوف لفظ الأمر الذي يراد به الإباحة، فعلى هذا الآن
على حقيقته (حتى يتبين) يقال تبين الشئ وبان وأبان واستبان كله لازم، وقد
يستعمل أبان واستبان وتبين متعدية، وحتى بمعنى إلى، و (من الخيط الأسود)
في موضع نصب، لأن المعنى حتى يباين الخيط الأبيض الخيط الأسود، كما تقول:
بانت اليد من زندها أي فارقته، وأما (من الفجر) فيجوز أن يكون حالا من
الضمير في الأبيض، ويجوز أن يكون تمييزا، والفجر في الأصل مصدر فجر
يفجر إذا شق (إلى الليل) إلى هاهنا لانتهاء غاية الإتمام، ويجوز أن يكون حالا
من الصيام ليتعلق بمحذوف (وأنتم عاكفون) مبتدأ وخبر في موضع الحال،
والمعنى: لا تباشروهن وقد نويتم الاعتكاف في المسجد، وليس المراد النهى عن
مباشرتهن في المسجد، لأن ذلك ممنوع منه في غير الاعتكاف (تلك حدود الله
فلا تقربوها) دخول الفاء هنا عاطفة على شئ محذوف تقديره: تنبهوا فلا تقربوها
83

(كذلك) في موضع نصب صفة لمصدر محذوف أي بيانا مثل هذا البيان يبين.
قوله تعالى (بينكم) يجوز أن يكون ظرفا لتأكلوا لأن المعنى لا تتناقلوها فيما
بينكم، ويجوز أن يكون حالا من الأموال: أي كائنة بينكم أو دائرة بينكم، وهو
في المعنى كقوله " إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم " و (بالباطل) في موضع
نصب بتأكلوا: أي لا تأخذوها بالسبب الباطل، ويجوز أن يكون حالا من الأموال
أيضا، وأن يكون حالا من الفاعل في تأكلوا، أي مبطلين (وتدلوا) مجزوم عطفا
على تأكلوا، واللام في (لتأكلوا) متعلقة بتدلوا، ويجوز أن يكون تدلوا منصوبا
بمعنى الجمع: أي لا تجمعوا بين أن تأكلوا وتدلوا، و (بالإثم) مثل بالباطل.
قوله تعالى (عن الأهلة) الجمهور على تحريك النون وإثبات الهمزة بعد اللام
على الأصل، ويقرأ في الشذوذ بإدغام النون في اللام وحذف الهمزة، والأصل الأهلة،
فألقيت حركة الهمزة على اللام فتحركت، ثم حذفت همزة الوصل لتحرك اللام فصارت
لهلة (1) فلما لقيت النون اللام قلبت النون لاما وأدغمت في اللام الأخرى ومثله لحمر في الأحمر
وهي لغة (والحج) معطوف على الناس، ولا اختلاف في رفع (البر) هنا. لأن
خبر ليس (بأن تأتوا) ولزم ذلك بدخول الباء فيه، وليس كذلك " ليس البر أن
تولوا " إذ لم يقترن بأحدهما ما يعينه اسما أو خبرا، و (البيوت) يقرأ بضم الباء،
وهو الأصل في الجمع على فعول، والمعتل كالصحيح، وإنما ضم أول هذا الجمع
ليشاكل ضمة الثاني والواو بعده، ويقرأ بكسر الباء بعده لأن بعده ياء، والكسرة من
جنس الياء، ولا يحتفل بالخروج من كسر إلى ضم، لأن الضمة هنا في الياء والياء
مقدرة بكسرتين فكانت الكسرة في الباء كأنها وليت كسرة، هكذا الخلاف في العيون
والجيوب والشيوخ، ومن هاهنا جاز في التصغير الضم والكسر فيقال: بييت وبييت
(ولكن البر من اتقى) مثل " ولكن البر من آمن " وقد تقدم.
قوله تعالى (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم
فيه فإن قاتلوكم) يقرأ ثلاثتها بالألف، وهو نهى عن مقدمات القتل، فيدل
على النهى عن القتل من طريق الأولى، وهو مشاكل لقوله: وقاتلوا في سبيل الله،
ويقرأ ثلاثتها بغير ألف، وهو منع من نفس القتل وهو مشاكل لقوله " واقتلوهم
حيث ثقفتموهم " ولقوله " فاقتلوهم " والتقدير في قوله: فإن قاتلوكم: أي فيه
(كذلك) مبتدأ: و (جزاء) خبره، والجزاء مصدر مضاف إلى المفعول،

(1) قوله (فصارت لهلة) كذا بالأصل، وقد ترك عمل إدغام اللام في اللام ولعله لوضوحه، فتأمل
اه‍ مصححه.
84

ويجوز أن يكون في معنى المنصوب، ويكون التقدير كذلك جزاء الله الكافرين،
ويجوز أن يكون في معنى المرفوع على ما لم يسم فاعله، والتقدير: كذلك يجزى
الكافرون، وهكذا في كل مصدر يشاكل هذا.
قوله تعالى (فإن الله غفور) أي لهم.
قوله تعالى (حتى لا تكون) يجوز أن تكون بمعنى كي، ويجوز أن تكون
بمعنى إلى أن، وكان هنا تامة، وقوله (ويكون الدين) يجوز أن تكون كان تامة
وأن تكون ناقصة، ويكون (لله) الخبر (إلا على الظالمين) في موضع رفع
خبر لا، ودخلت إلا للمعنى، ففي الإثبات تقول: العدوان على الظالمين، فإذا جئت
بالنفي وإلا بقي الإعراب على ما كان عليه.
قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم) يجوز أن تكون من شرطية، وأن
تكون بمعنى الذي (بمثل) الباء غير زائدة، والتقدير: بعقوبة مماثلة لعدوانهم،
ويجوز أن تكون زائدة، وتكون مثل صفة لمصدر محذوف: أي عدوانا
مثل عدوانهم.
قوله تعالى (بأيديكم) الباء زائدة، يقال: ألقى يده وألقى بيده. وقال
المبرد ليست زائدة، بل هي متعلقة بالفعل كمررت بزيد (والتهلكة) تفعلة
من الهلاك.
قوله تعالى (والعمرة لله) الجمهور على النصب، واللام متعلقة بأتموا،
وهي لام المفعول له، ويجوز أن تكون في موضع الحال تقديره، كائنين لله، ويقرأ
بالرفع على الابتداء والخبر (فما استيسر) " ما " في موضع رفع بالابتداء، والخبر
محذوف: أي فعليكم، ويجوز أن تكون خبرا والمبتدأ محذوف: أي فالواجب
ما استيسر، ويجوز أن تكون " ما " في موضع نصب تقديره: فأهدوا أو فأدوا واستيسر
بمعنى تيسر، والسين ليست للاستدعاء هنا، و (الهدى) بتخفيف الياء مصدر
في الأصل، وهو بمعنى المهدى، ويقرأ بتشديد الياء وهو جمع هدية، وقيل هو
فعيل بمعنى مفعول، والمحل يجوز أن يكون مكانا، وأن يكون زمانا (ففدية)
في الكلام حذف تقديره فحلق فعليه فدية (من صيام) في موضع رفع صفة
للفدية، و (أو) هاهنا للتخيير على أصلها. والنسك في الأصل مصدر بمعنى المفعول
لأنه من نسك ينسك، والمراد به هاهنا المنسوك، ويجوز أن يكون اسما لا مصدرا،
ويجوز تسكين السين (فإذا أمنتم) إذا في موضع نصب (فمن تمتع)
85

شرط في موضع مبتدإ (فما استيسر) جواب فمن، ومن جوابها جواب إذا،
والعامل في إذا معنى الاستقرار، لأن التقدير: فعليه ما استيسر: أي يستقر عليه
الهدى في ذلك الوقت، ويجوز أن تكون من بمعنى الذي، ودخلت الفاء في خبرها إيذانا
بأن ما بعدها مستحق بالتمتع (فمن لم يجد) من في موضع رفع بالابتداء، ويجوز
أن تكون شرطا، وأن تكون بمعنى الذي، والتقدير: فعليه صيام وقرئ صياما
بالنصب على تقدير فليصم، والمصدر مضاف إلى ظرفه في المعنى، وهو في اللفظ
مفعول به على السعة (وسبعة) معطوفة على ثلاثة، وقرئ وسبعة بالنصب
تقديره: ولتصوموا سبعة، أو وصوموا سبعة (ذلك لمن) اللام على أصلها:
أي ذلك جائز لمن، وقيل اللام بمعنى على: أي الهدى على من لم يكن أهله كقوله
" أولئك لهم اللعنة ".
قوله تعالى (الحج) مبتدأ و (أشهر) الخبر: والتقدير الحج حج أشهر، وقيل
جعل الأشهر الحج على السعة، ويجوز أن يكون التقدير: أشهر الحج أشهر، وعلى
كلا الوجهين لابد من حذف مضاف (فمن فرض) من مبتدأ، ويجور أن تكون
شرطا بمعنى الذي، والخبر: فلا رفث وما بعده، والعائد محذوف تقديره: فلا رفث
منه، ويقرأ (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال) بالفتح فيهن على أن الجميع اسم
لا الأولى، و " لا " مكررة للتوكيد في المعنى، والخبر (في الحج) ويجوز أن تكون
لا المكررة مستأنفة فيكون في الحج خبر ولا جدال وخبر لا الأولى والثانية محذوف:
أي فلا رفث في الحج ولا فسوق في الحج، واستغنى عن ذلك بخبر الأخيرة، ونظير
ذلك قولهم زيد وعمرو وبشر قائم، فقائم خبر بشر وخبر الأولين محذوف، وهذا في الظرف
أحسن، وتقرأ بالرفع فيهن على أن تكون " لا " غير عاملة، ويكون ما بعدها مبتدأ وخبرا
ويجوز أن تكون لا عاملة عمل ليس، فيكون في الحج في موضع نصب، وقرئ
برفع الأولين وتنوينهما وفتح الأخير، وإنما فرق بينهما لأن معنى فلا رفث ولا فسوق:
لا ترفثوا ولا تفسقوا، ومعنى ولا جدال: أي لاشك في فرض الحج، وقيل لا جدال
أي لا تجادلوا وأنتم محرمون، والفتح في الجميع أقوى لما فيه من نفى العموم (وما تفعلوا
من خير) من خير فيه أوجه قد ذكرنا ذلك في قوله " ما ننسخ من آية " ونزيد هاهنا
وجها آخر، وهو أن يكون من خير في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف تقديره،
ما تفعلوا فعلا من خير.
قوله تعالى (أن تبتغوا) في موضع نصب على تقدير في أن تبتغوا، وعلى قول
86

غير سيبويه هو في موضع جر على ما بيناه في غير موضع، فلو ظهرت في اللفظ لجاز
أن تتعلق بنفس الجناح لما فيه من معنى الجنوح والميل، أو لأنه في معنى الإثم،
ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لجناح، وأجاز قوم أن يتعلق حرف الجر بليس
وفيه ضعف من ربكم) يجوز أن يكون متعلقا بتبتغوا فيكون مفعولا به أيضا ويجوز
أن يكون صفة لفضل فيتعلق بمن بمحذوف (فإذا أفضتم) ظرف، والعامل فيه
فاذكروا، ولا تمنع الفاء هنا من عمل ما بعدها فيما قبلها لأنه شرط، و (عرفات)
جمع سمى به موضع واحد، ولولا ذلك لكان نكرة وهو معرفة، وقد نصبوا عنه على
الحال فقالوا: هذه عرفات مباركا فيها لأن المراد بها بقعة بعينها، ومثله أبانان اسم
جبل أو بقعة، والتنوين في عرفات، وجمع جمع التأنيث نظير النون في مسلمون،
وليست دليل الصرف، ومن العرب من يحذف التنوين وبكسر التاء، ومنهم من
يفتحها ويجعل التاء في الجمع كالتاء في الواحد، ولا يصرف للتعريف والتأنيث، وأصل
أفضتم أفضيتم، لأنه من فاض يفيض إذا سال، وإذا كثر الناس في الطريق كان مشيهم
كجريان السيل (عند المشعر الحرام) يجوز أن يكون ظرفا وأن يكون حالا من
ضمير الفاعل (كما هداكم) الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف، ويجوز
أن تكون حالا من الفاعل تقديره: فاذكروه مشبهين لكم حين هداكم، ولابد من
تقدير حذف مضاف لأن الجثة لا تشبه الحدث، ومثله " كذكركم آباءكم " الكاف نعت
لمصدر محذوف أو حال تقديره: فاذكروا الله مبالغين، ويجوز أن تكون الكاف
في الأولى بمعنى على تقديره: فاذكروا الله على ما هداكم، كما قال تعالى " ولتكبروا الله
على ما هداكم " (وإن كنتم) إن هاهنا مخففة من الثقيلة، والتقدير: إنه كنتم من
قبله ضالين، وقد ذكرنا ذلك في قوله " وإن كانت لكبيرة ".
قوله تعالى (أفاض الناس) الجمهور على رفع السين وهو جمع وقرئ الناسي
يريد آدم وهي صفة غلبت عليه كالعباس والحرث، ودل عليه قوله: فنسي ولم نجد
له عزما.
قوله تعالى (مناسككم) واحدها منسك بفتح السين وكسرها، والجمهور على
إظهار الكاف الأولى، وأدغمها بعضهم شبه حركة الإعراب بحركة البناء فحذفها
(أو أشد) أو هاهنا للتخيير والإباحة، وأشد يجوز أن يكون مجرورا عطفا على
ذكركم، تقديره أو كأشد: أي أو كذكر أشد، ويجوز أن يكون منصوبا عطفا على
الكاف، أي أو ذكرا أشد، و (ذكرا) تمييز وهو في موضع مشكل، وذلك أن
87

أفعل تضاف إلى ما بعدها إذا كان من جنس ما قبلها، كقولك ذكرك أشد ذكر
ووجهك أحسن وجه: أي أشد الأذكار وأحسن الوجوه، وإذا نصبت ما بعدها
كان غير الذي قبلها كقولك: زيد أفره عبدا، فالفراهة للعبد لا لزيد، والمذكور
قبل أشد هاهنا هو الذكر، والذكر لا يذكر حتى يقال الذكر أشد ذكرا، وإنما يقال
الذكر أشد ذكر بالإضافة، لأن الثاني هو الأول، والذي قاله أبو علي وابن جنى
وغيرهما أنه جعل الذكر ذاكرا على المجاز، كما تقول: زيد أشد ذكرا من عمرو،
وعندي أن الكلام محمول على المعنى، والتقدير: أو كونوا أشد ذكرا لله منكم لآبائكم
ودل على هذا المعنى قوله تعالى " فاذكروا الله " أي كونوا ذاكريه، وهذا أسهل من
حمله على المجاز.
قوله تعالى (في الدنيا حسنة) يجوز أن تكون " في " متعلقة بآتنا، وأن تكون
صفة لحسنة قدمت فصارت حالا (وقنا) حذفت منه الفاء كما حذفت في المضارع إذا
قلت يقى وحذفت لامها للجزم، واستغنى عن همزة الوصل لتحرك الحرف المبدوء به.
قوله تعالى (في أيام معدودات) إن قيل: الأيام واحدها يوم، والمعدودات
واحدها معدودة، واليوم لا يوصف بمعدودة لأن الصفة هنا مؤنثة والموصوف
مذكر، وإنما الوجه أن يقال أيام معدودة فتصف الجمع بالمؤنث. والجواب أنه
أجرى معدودات على لفظ أيام، وقابل الجمع بالجمع مجازا، والأصل معدودة كما
قال " لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ". ولو قيل: إن الأيام تشتمل على الساعات
والساعة مؤنثة فجاز الجمع على معنى ساعات الأيام، وفيه تنبيه على الأمر بالذكر
في كل ساعات هذه الأيام أو في معظمها لكان جوابا سديدا، ونظير ذلك الشهر
والصيف والشتاء، فإنها يجاب بها عن كم، وكم إنما يجاب عنها بالعدد، وألفاظ هذه
الأشياء ليست عددا، وإنما هي أسماء لمعدودات، فكانت جوابا من هذا الوجه
(فلا إثم عليه) الجمهور على إثبات الهمزة، وقرئ " فلثم " ووجهها أنه لما
خلط لا بالاسم حذف الهمزة لشبهها بالألف، ثم حذف ألف لا لسكونها وسكون
الثاء بعدها (لمن اتقى) خبر مبتدإ محذوف تقديره: جواز التعجيل والتأخير
لمن اتقى.
قوله تعالى (من يعجبك) من نكرة موصوفة، و (في الحياة الدنيا)
متعلق بالقول، والتقدير: في أمور الدنيا، ويجوز أن يتعلق بيعجبك (ويشهد
الله) يجوز أن يكون معطوفا على يعجبك، ويجوز أن يكون جملة في موضع الحال
88

من الضمير في يعجبك، أي يعجبك وهو يشهد الله، ويجوز أن يكون حالا من الهاء
في قوله، والعامل فيه القول، والتقدير: يعجبك أن يقول في أمر الدنيا مقسما على
ذلك، والجمهور على ضم الياء وكسر الهاء ونصب اسم الله، وقرئ بفتح الياء والهاء
ورفع اسم الله وهو ظاهر (وهو ألد) يجوز أن تكون الجملة صفة معطوفة على
يعجبك، ويجوز أن تكون حالا معطوفة على ويشهد، ويجوز أن تكون حالا من
الضمير في يشهد، و (الخصام) هنا جمع خصم نحو كعب وكعاب، ويجوز أن
يكون مصدرا، وفى الكلام حذف مضاف: أي أشد ذوي الخصام، ويجوز أن
يكون الخصام هنا مصدرا في معنى اسم الفاعل كما يوصف بالمصدر في قولك: رجل
عدل وخصم، ويجوز أن يكون أفعل هاهنا لا للمفاضلة، فيصح أن يضاف إلى المصدر
تقديره: وهو شديد الخصومة، ويجوز أن يكون هو ضمير المصدر الذي هو قوله،
وقوله خصام والتقدير: خصامه ألد الخصام.
قوله تعالى (ليفسد) اللام متعلقة بسعي (ويهلك) بضم الياء وكسر اللام
وفتح الكاف معطوف على يفسد، هذا هو المشهور، وقرئ بضم الكاف أيضا على
الاستئناف أو على إضمار مبتدإ: أي وهو يهلك، وقيل هو معطوف على يعجبك،
وقيل هو معطوف على معنى سعى، لأن التقدير: وإذا تولى يسعى، ويقرأ بفتح الياء
وكسر اللام وضم الكاف ورفع الحرث، والتقدير: ويهلك الحرث بسعيه، وقرئ
بفتح الياء واللام وهي لغة ضعيفة جدا، و (الحرث) مصدر حرث يحرث وهو
هاهنا بمعنى المحروث (و) كذلك (النسل) بمعنى المنسول.
قوله تعالى (العزة بالإثم) في موضع نصب على الحال من العزة، والتقدير:
أخذته العزة ملتبسة بالإثم، ويجوز أن تكون حالا من الهاء: أي أخذته العزة آثما.
ويجوز أن تكون الباء للسببية فيكون مفعولا به. أي أخذته العزة بسبب الإثم
(فحسبه) مبتدأ، و (جهنم) خبره، وقيل جهنم فاعل حسبه لأنه حسبه في معنى
اسم الفاعل: أي كافيه، وقد قرئ بالفاء الرابطة للجملة بما قبلها وسد الفاعل مسد
الخبر، وحسب مصدر في موضع اسم الفاعل (ولبئس المهاد) المخصوص بالذم
محذوف: أي ولبئس المهاد جهنم.
قوله تعالى (ابتغاء مرضاة الله) الجمهور على تفخيم مرضاة، وقرئ بالإمالة
لتجانس كسرة التاء، وإذا اضطر حمزة هنا إلى الوقف وقف بالتاء، وفيه وجهان:
89

أحدهما هو لغة في الوقف على تاء التأنيث حيث كانت، والثاني أنه دل بالوقف على
التاء على إرادة المضاف إليه فهو في تقدير الوصل.
قوله تعالى (في السلم) يقرأ بكسر السين وفتحها مع إسكان اللام وبفتح السين
واللام: وهو الصلح، ويذكر ويؤنث، ومنه قوله تعالى (وإن جنحوا للسلم
فاجنح لها " ومنهم من قال الكسر بمعنى الإسلام، والفتح بمعنى الصلح (كافة)
حال من الفاعل في ادخلوا، وقيل هو حال من السلم: أي في السلم من جميع وجوهه.
قوله تعالى (هل ينظرون) لفظه لفظ الاستفهام ومعناه النفي، ولهذا جاءت
بعده إلا (في ظلل) يجوز أن يكون ظرفا وأن يكون حالا، والظلل جمع ظلة،
ويقرأ في ظلال، قيل هو جمع ظل، وقيل جمع ظلة أيضا، مثل خلة وخلال وقلة
وقلال (من الغمام) يجوز أن يكون وصفا لظلل، ويجوز أن يتعلق من بيأتيهم:
أي يأتيهم من ناحية الغمام، والغمام جمع غمامة (والملائكة) يقرأ بالرفع عطفا على
اسم الله، وبالجر عطفا على ظلل، ويجوز أن يعطف على الغمام.
قوله تعالى (سل) فيه لغتان سل واسأل، فماضي اسأل سأل بالهمزة، فاحتيج
في الأمر إلى همزة الوصل لسكون السين، وفى سل وجهان: أحدهما أن الهمزة ألقيت
حركتها على السين، فاستغنى عن همزة الوصل لتحرك السين. والثاني أنه من سال
يسال مثل خاف يخاف وهي لغة فيه، وفيه لغتان ثالثة وهي اسل حكاها الأخفش،
ووجهها أنه ألقى حركة الهمزة على السين وحذفها، ولم يعتد بالحركة لكونها عارضة،
فلذلك جاء بهمزة الوصل كما قالوا الحمر (كم آتيناهم) الجملة في موضع نصب،
لأنها المفعول الثاني لسل، ولا تعمل سل في كم لأنها استفهام، وموضع كم فيه
وجهان: أحدهما نصب لأنها المفعول الثاني لآتيناهم، والتقدير: أعشرين آية أعطيناهم،
والثاني هي في موضع رفع بالابتداء، وآتيناهم خبرها، والعائد محذوف، والتقدير:
آتيناهموها أو آتيناهم إياها، وهو ضعيف عند سيبويه، و (من آية) تمييز لكم
والأحسن إذا فصل بين كم وبين مميزها أن يؤتى بمن (ومن يبدل) في موضع
رفع بالابتداء، والعائد الضمير في يبدل، وقيل العائد محذوف تقديره شديد
العقاب له 7.
قوله تعالى (زين) إنما حذفت التاء لأجل الفصل بين الفعل وبين ما أسند إليه،
ولأن تأنيث الحياة غير حقيقي، وذلك يحسن مع الفصل والوقف على آمنوا (والذين
اتقوا) مبتدأ، و (فوقهم) خبره.
90

قوله تعالى (مبشرين ومنذرين) حالان (وأنزل معهم) معهم في موضع
الحال من (الكتاب) أي وأنزل الكتاب شاهدا لهم ومؤيدا، والكتاب جنس أو مفرد
في موضع الجمع (وبالحق) في موضع الحال من الكتاب: أي مشتملا على الحق
وممتزجا بالحق (ليحكم) اللام متعلقة بأنزل وفاعل " يحكم " الله، ويجوز أن يكون
الكتاب (من بعد ما جاءتهم) من تتعلق باختلف، ولا يمنع إلا من ذلك
كما تقول: ما قام إلا زيد يوم الجمعة، و (بغيا) مفعول من أجله، والعامل فيه
اختلف (من الحق) في موضع الحال من الهاء في فيه، ويجوز أن تكون حالا من
ما، و (باذنه) حال من الذين آمنوا: أي مأذونا لهم، ويجوز أن يكون مفعولا هدى
أي هداهم بأمره.
قوله تعالى (أم حسبتم) أم بمنزلة بل والهمزة فهي منقطعة، و (أن تدخلوا)
أن وما عملت فيه تسد مسد المفعولين عند سيبويه، وعند الأخفش المفعول الثاني
محذوف (ولما) هنا " لم " دخلت عليها " ما " وبقى جزمها (مستهم) جملة
مستأنفة لا موضع لها، وهي شارحة لأحوالهم، ويجوز أن تضمر معها قد فتكون
حالا (حتى يقول الرسول) يقرأ بالنصب، والتقدير: إلى أن يقول الرسول
فهو غاية، والفعل هنا مستقبل حكيت به حالهم والمعنى على المضي والتقدير: إلى
أن قال الرسول، ويقرأ بالرفع على أن يكون التقدير: وزلزلوا فقال الرسول:
فالزلزلة سبب القول، وكلا الفعلين ماض فلم تعمل فيه حتى (متى نصر الله)
الجملة وما بعدها في موضع نصب بالقول، وفى هذا الكلام إجمال، وتفصيله أن أتباع
الرسول قالوا متى نصر الله فقال الرسول ألا إن نصر الله قريب، وموضع متى رفع
لأنه خبر المصدر، وعلى قول الأخفش موضعه نصب على الظرف، ونصر
مرفوع به.
قوله تعالى (يسئلونك) يجوز أن تلقى حركة الهمزة على السين وتحذفها، ومن
قال سأل فجعلها ألفا مبدلة من ولو قال يسألونك مثل يحافونك (ماذا ينفقون)
في ماذا مذهبان للعرب أحدهما أن تجعل ما استفهاما بمعنى أي شئ وذا بمعنى الذي
وينفقون صلته، والعائد محذوف فتكون ما مبتدأ وذا وصلته خبرا، ولا نجعل ذا بمعنى
الذي إلا مع " ما " عند البصريين، وأجاز الكوفيون ذلك مع غير ما. والمذهب
الثاني أن تجعل ما وذا بمنزلة اسم واحد للاستفهام، وموضعه هنا نصب بينفقون،
وموضع الجملة نصب بيسألون على المذهبين (ما أنفقتم) ما شرط في موضع
91

نصب بالفعل الذي بعدها، و (من خير) قد تقدم إعرابه (فللوالدين)
جواب الشرط، ويجوز أن تكون ما بمعنى الذي فتكون مبتدأ والعائد محذوف ومن
خير حال من المحذوف فللوالدين الخبر، فأما " وما تفعلوا من خير " فشرط البتة.
قوله تعالى (وهو كره لكم) الجملة في موضع الحال، وقيل في موضع الصفة
ويقرأ بضم الكاف وفتحها وهما لغتان بمعنى، وقيل الفتح بمعنى الكراهية فهو مصدر
والضم اسم المصدر، وقيل الضم بمعنى المشقة أو إذا كان مصدرا احتمل أن يكون المعنى
فرض القتال إكراه لكم، فيكون هو كناية عن الفرض والكتب، ويجوز أن يكون
كناية عن القتال، فيكون الكره بمعنى المكروه (وعسى أن تكرهوا) أن
والفعل في موضع رفع فاعل عسى، وليس في عسى ضمير (وهو خير لكم)
جملة في موضع نصب، فيجوز أن يكون صفة لشئ، وساغ دخول الواو لما كانت
صورة الجملة هنا كصورتها إذا كانت حالا، ويجوز أن تكون حالا من النكرة،
لأن المعنى يقتضيه.
قوله تعالى (قتال فيه) هو بدل من الشهر بدل الاشتمال، لأن القتال يقع
في الشهر. وقال الكسائي: هو مخفوض على التكرير، يريد أن التقدير عن قتال فيه
وهو معنى قول الفراء، لأنه قال هو مخفوض بعن مضمرة، وهذا ضعيف جدا لأن
حرف الجر لا يبقى عمله بعد حذفه في الاختيار. وقال أبو عبيدة: هو مجرور على الجوار،
وهو أبعد من قولهما، لأن الجوار من مواضع الضرورة والشذوذ، ولا يحمل عليه
ما وجدت عنه مندوحة، وفيه يجوز أن يكون نعتا لقتال، ويجوز أن يكون متعلقا به
كما يتعلق بقاتل، وقد قرئ بالرفع في الشاذ، ووجهه على أن يكون خبر مبتدإ محذوف
معه همزة الاستفهام تقديره: أجائز قتال فيه (قل قتال فيه كبير) مبتدأ وخبر،
وجاز الابتداء بالنكرة لأنها قد وصفت بقوله " فيه ".
فإن قيل: النكرة إذا أعيدت أعيدت بالألف واللام كقوله " فعصى فرعون
الرسول " قيل: ليس المراد تعظيم القتال المذكور المسؤول عنه حتى يعاد بالألف
واللام، بل المراد تعظيم أي قتال كان في الشهر الحرام، فعلى هذا القتال الثاني غير
القتال الأول (وصد) مبتدأ، و (عن سبيل الله) صفة له أو متعلق به
(وكفر) معطوف على صد (وإخراج أهله) معطوف أيضا، وخبر الأسماء،
الثلاثة (أكبر) وقيل خبر صد وكفر محذوف أيضا أغنى عنه خبر إخراج أهله،
ويجب أن يكون المحذوف على هذا أكبر لا كبير كما قدره بعضهم، لأن ذلك يوجب
92

أن يكون إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر وليس كذلك، وأما جر المسجد
الحرام فقيل هو معطوف على الشهر الحرام، وقد ضعف ذلك بأن القوم لم يسألوا
عن المسجد الحرام إذ لم يشكوا في تعظيمه، وإنما سألوا عن القتال في الشهر الحرام
لأنه وقع منهم ولم يشعروا بدخوله فخافوا من الإثم، وكان المشركون عيروهم بذلك،
وقيل هو معطوف على الهاء في به، وهذا لا يجوز عند البصريين إلا أن يعاد الجار،
وقيل هو معطوف على السبيل، وهذا لا يجوز لأنه معمول المصدر والعطف بقوله
" وكفر به " يفرق بين الصلة والموصول، والجيد أن يكون متعلقا بفعل محذوف دل عليه
الصد، تقديره: ويصدون عن المسجد كما قال تعالى " هم الذين كفروا وصدوكم
عن المسجد الحرام " (حتى يردوكم) يجوز أن تكون حتى بمعنى كي، وأن تكون
بمعنى إلى، وهي في الوجهين متعلقة بيقاتلونكم، وجواب (إن استطاعوا)
محذوف قام مقامه " ولا يزالون " (فيمت) معطوف على يرتدد ويرتدد مظهرا لما
سكنت الدال الثانية لم يمكن تسكين الأولى لئلا يجتمع ساكنان ويجوز أن يكون في العربية
يرتد، وقد قرئ في المائدة بالوجهين، وهناك تعلل القراءتان إن شاء الله، ومنكم
في موضع الحال من الفاعل المضمر، ومن في موضع مبتدأ، والخبر هو الجملة التي
هي قوله (فأولئك حبطت)
قوله تعالى (فيهما إثم كبير) الأحسن القراءة بالباء لأنه يقال إثم كبير وصغير
ويقال في الفواحش العظام الكبائر وفيما دون ذلك الصغائر، وقد قرئ بالثاء وهو
جيد في المعنى، لأن الكثرة كبر والكثير كبير، كما أن الصغير يسير حقير (وإثمهما)
و (نفعهما) مصدران مضافان إلى الخمر والميسر، فيجوز أن تكون إضافة
المصدر إلى الفاعل، لأن الخمر هو الذي يؤثم، ويجوز أن تكون الإضافة إليهما لأنهما
سبب الإثم أو محله (قل العفو) يقرأ بالرفع على أنه خبر، والمبتدأ محذوف تقديره:
قل المنفق، وهذا إذا جعلت ماذا مبتدأ وخبرا، ويقرأ بالنصب بفعل محذوف تقديره
ينفقون العفو، وهذا إذا جعلت ما وذا اسما واحدا، لأن العفو جواب وإعراب
الجواب كإعراب السؤال (كذلك) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف
أي تبيينا مثل هذا التبيين يبين لكم.
قوله تعالى (في الدنيا والآخرة) وفى متعلقة بيتفكرون، ويجوز أن تتعلق
بيبين (إصلاح لهم خير) إصلاح مبتدأ ولهم نعت له وخير خبره، فيجوز أن
يكون التقدير خير لهم، ويجوز أن يكون خير لكم: أي إصلاحهم نافع لكم، ويجوز
93

أن يكون لهم نعتا لخير قدم عليه فيكون في موضع الحال، وجاز الابتداء بالنكرة وإن
لم توصف لأن الاسم هنا في معنى الفعل تقديره: أصلحوهم، ويجوز أن تكون
النكرة والمعرفة هنا سواء، لأنه جنس (فإخوانكم) أي فهم إخوانكم، ويجوز
في الكلام النصب تقديره: فقد خالطتم إخوانكم، و (المفسد) و (المصلح)
هنا جنسان، وليس الألف واللام لتعريف المعهود (ولو شاء الله) المفعول محذوف
تقديره: ولو شاء الله إعناتكم (لأعنتكم).
قوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات) ماضي هذا الفعل ثلاثة أحرف، يقال:
نكحت المرأة إذا تزوجتها (ولا تنكحوا المشركين) بضم التاء لأنه من أنكحت
الرجل إذا زوجته (ولو أعجبكم) لو ها هنا بمعنى إن، وكذا في كل موضع وقع
بعد لو الفعل الماضي، ولو كان جوابها متقدما عليها (والمغفرة بإذنه) يقرأ بالجر
عطفا على الجنة، والرفع على الابتداء.
قوله تعالى (على المحيض) يجوز أن يكون المحيض موضع الحيض، وأن يكون
نفس الحيض، والتقدير: يسألونك عن الوطئ في زمن الحيض أو في مكان الحيض
مع وجود الحيض (فاعتزلوا النساء) أي وطء النساء، وهو كناية عن الوطء
الممنوع، ويجوز أن يكون كناية عن المحيض، ويكون التقدير: هو سبب أذى
(حتى يطهرن) يقرأ بالتخفيف وماضيه طهرن: أي انقطع دمهن وبالتشديد،
والأصل يتطهرن: أي يغتسلن فسكن التاء وقلبها طاء وأدغمها (من حيث أمركم
الله) من هنا لابتداء الغاية على أصلها: أي من الناحية التي تنتهى إلى موضع الحيض،
ويجوز أن تكون بمعنى في ليكون ملائما لقوله في المحيض، وفى الكلام حذف تقديره:
أمركم الله بالإتيان منه.
قوله تعالى (حرث لكم) إنما أفرد الخبر والمبتدأ جمع، لأن الحرث مصدر
وصف به وهو في معنى المفعول: أي محروثات (أنى شئتم) أي كيف شئتم،
وقيل متى شئتم، وقيل من أين شئتم بعد أن يكون في الموضع المأذون فيه والمفعول
محذوف: أي شئتم الإتيان، ومفعول (قدموا) محذوف تقديره: نية الولد أو نية
الإعفاف (وبشر) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لجرى ذكره في قوله يسألونك.
قوله تعالى (أن تبروا) في موضع نصب مفعول من أجله: أي مخافة أن تبروا،
وعند الكوفيين لئلا تبروا. وقال أبو إسحاق: هو في موضع رفع بالابتداء، والخبر
94

محذوف: أي أن تبروا وتتقوا خير لكم، وقيل التقدير: في أن تبروا فلما حذف
حرف الجر نصب، وقيل هو في موضع جر بالحرف المحذوف.
قوله تعالى (في أيمانكم) يجوز أن تتعلق " في " بالمصدر كما تقول لغا في يمينه،
ويجوز أن يكون حالا منه تقديره: باللغو كائنا في أيمانكم ويقرب عليك هذا المعنى
أنك لو أتيت بالذي لكان المعنى مستقيما، وكان صفة كقولك باللغو الذي في أيمانكم
(بما كسبت) يجوز أن تكون ما مصدرية فلا تحتاج إلى ضمير، وأن تكون بمعنى
الذي أو نكرة موصوفة، فيكون العائد محذوفا.
قوله تعالى (للذين يؤلون) اللام متعلقة بمحذوف وهو الاستقرار، وهو
خبر والمبتدأ (تربص) وعلى قول الأخفش هو فعل وفاعل. وأما من فقيل يتعلق
بيؤلون، يقال: آلى من امرأته وعلى امرأته، وقيل الأصل على، ولا يجوز أن يقام
من مقام على، فعند ذلك تتعلق من بمعنى الاستقرار. وإضافة التربص إلى الأشهر
إضافة المصدر إلى المفعول فيه في المعنى، وهو مفعول به على السعة، والألف
في (فاءوا) منقلبة عن ياء لقولك فاء يفي فيئة.
قوله تعالى (وإن عزموا الطلاق) أي على الطلاق، فلما حذف الحرف
نصب، ويجوز أن يكون حمل عزم على نوى، فعداه بغير حرف، والطلاق اسم
للمصدر، والمصدر التطليق.
قوله تعالى (والمطلقات يتربصن) قيل لفظه خبر، ومعناه الأمر: أي
ليتربصن: وقيل هو على بابه، والمعنى: وحكم المطلقات أن يتربصن (ثلاثة قروء)
وانتصاب ثلاثة هنا على الظرف، وكذلك كل عدد أضيف إلى زمان أو مكان،
وقروء جمع كثرة، والموضع موضع قلة فكان الوجه ثلاثة أقراء، واختلف في تأويله
فقيل: وضع جمع الكثرة في موضع جمع القلة، وقيل لما جمع في المطلقات أتى بلفظ
جمع الكثرة، لأن كل مطلقة تتربص ثلاثة، وقيل التقدير: ثلاثة أقراء من قروء،
واحد القروء قرء وقرئ بالفتح والضم (ما خلق الله) يجوز أن تكون بمعنى الذي،
وأن تكون نكرة موصوفة، والعائد محذوف: أي خلقه الله (في أرحامهن)
يتعلق بخلق، ويجوز أن يكون حالا من المحذوف وهي حال مقدرة، لأن وقت خلقه
ليس بشئ حتى يتم خلقه (وبعولتهن) الجمهور على ضم التاء، وأسكنها بعض
الشذاذ، ووجهها أنه حذف الإعراب لأنه شبهه بالمتصل نحو عضد وعجز (في ذلك)
قيل ذلك كناية عن العدة، فعلى هذا يتعلق بأحق: أي يستحق رجعتها ما دامت
95

في العدة، وليس المعنى أنه أحق أن يردها في العدة، وإنما يردها في النكاح أو إلى
النكاح، وقيل ذلك كناية عن النكاح، فتكون " في " متعلقة بالرد (بالمعروف) يجوز
أن تتعلق الباء بالاستقرار في قوله " ولهن " أي استقر ذلك بالحق، ويجوز أن يكون
في موضع رفع صفة لمثل لأنه لم يتعرف بالإضافة (وللرجال عليهن درجة)
درجة مبتدأ، وللرجال الخبر، عليهن يجوز أن يكون متعلقا بالاستقرار في اللام،
ويجوز أن يكون في موضع نصب حالا من الدرجة والتقدير: درجة كائنة عليهن،
فلما قدم وصف النكرة عليها صار حالا، ويضعف أن يكون عليهن الخبر ولهن حال
من درجة، لأن العامل حينئذ معنوي، والحال لا يتقدم عليه.
قوله تعالى (الطلاق مرتان) تقديره: عدد الطلاق الذي يجوز معه الرجعة
مرتان (فإمساك) أي فعليكم إمساك، و (بمعروف) يجوز أن يكون صفة لإمساك
وأن يكون في موضع نصب بإمساك (أن تأخذوا) مفعوله (شيئا) ومما وصف له
قدم عليه فصار حالا، ومن للتبعيض وما بمعنى الذي، وآتيتم تتعدى إلى مفعولين،
وقد حذف أحدهما وهو العائد على ما، تقديره: آتيتموهن إياه (إلا أن يخافا) أن
والفعل في موضع نصب على الحال، والتقدير: إلا خائفين، وفيه حذف مضاف
تقديره: ولا يحل لكم أن تأخذوا على كل حال، أو في كل حال إلا في حال الخوف
وقد قرئ يخافا بضم الياء: أي يعلم منهما ذلك أو يخشى (أن لا يقيما) في موضع
نصب بيخافا تقديره: إلا أن يخافا ترك حدود الله (عليهما) خبر لا (وفيما)
متعلق بالاستقرار، ولا يجوز أن يكون عليهما في موضع نصب بجناح، وفيما افتدت
الخبر لأن اسم لا إذا عمل ينون (تلك حدود الله) مبتدأ وخبره، و (تعتدوها)
بمعنى تتعدوها.
قوله تعالى (فلا جناح عليهما أن يتراجعا) أي في أن يتراجعا (يبينها)
يقرأ بالياء والنون، والجملة في موضع نصب من الحدود، والعامل فيها معنى الإشارة.
قوله تعالى (ضرارا) مفعول من أجله، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع
الحال: أي مضارين كقولك: جاء زيد ركضا، و (لتعتدوا) اللام متعلقة بالضرار
ويجوز أن تكون اللام لام العاقبة (نعمة الله عليكم) يجوز أن يكون عليكم
في موضع نصب بنعمة لأنها مصدر: أي أن أنعم الله عليكم، ويجوز أن يكون حالا
منها فيتعلق بمحذوف (وما أنزل) يجوز أن يكون " ما " في موضع نصب عطفا
على النعمة، فعلى هذا يكون " يعظكم " حالا إن شئت من ما والعائد إليها الهاء في به
96

وإن شئت من اسم الله، ويجوز أن تكون ما مبتدأ، ويعظكم خبره، و (من الكتاب)
حالا من الهاء المحذوفة تقديره وما أنزله عليكم.
قوله تعالى (أن ينكحن) تقديره من أن ينكحن، أو عن أن ينكحن فلما
حذف الحرف صار في موضع نصب عند سيبويه، وعند الخليل هو في موضع جر
(إذا تراضوا) ظرف لأن ينكحن، وإن شئت جعلته ظرفا لتعضلوهن (بالمعروف)
يجوز أن يكون حالا من الفاعل، وأن يكون صفة لمصدر محذوف: أي تراضيا كائنا
بالمعروف، وأن يتعلق بنفس الفعل (ذلك) ظاهر اللفظ يقتضى أن يكون ذلكم،
لأن الخطاب في الآية كلها للجمع، فأما الإفراد فيجوز أن يكون للنبي صلى الله عليه
وسلم وحده، وأن يكون لكل إنسان، وأن يكون اكتفى بالواحد عن الجمع (أزكى
لكم) الألف في أزكى مبدلة من وا، ولأنه من زكى يزكو، ولكم صفة له (وأطهر)
أي لكم.
قوله عز وجل (والوالدات) الوالدات والوالد صفتان غالبتان، فلذلك
لا يذكر الموصوف معهما لجريهما مجرى الأسماء، و (يرضعن) مثل يتربصن وقد
ذكروا (حولين) ظرف و (كاملين) صفة له، وفائدة هذه الصفة اعتبار الحولين
من غير نقص، ولولا ذكر الصفة لجاز أن يحمل على ما دون الحولين بالشهر والشهرين
(لمن أراد) تقديره ذلك لمن أراد (أن يتم) الجمهور على ضم الياء وتسمية
الفاعل، ونصب (الرضاعة) وتقرأ بالتاء مفتوحة ورفع الرضاعة، والجيد فتح
الراء في الرضاعة وكسرها جائز، وقد قرئ به (وعلى المولود) الألف واللام
بمعنى الذي، والعائد عليها الهاء في (له) وله القائم مقام الفاعل (بالمعروف)
حال من الرزق والكسوة، والعامل فيها معنى الاستقرار في علي (إلا وسعها)
مفعول ثان وليس بمنصوب على الاستثناء، لأن كلفت تتعدى إلى مفعولين، ولو رفع
الوسع هنا لم يجز لأنه ليس ببدل (لا تضار) يقرأ بضم الراء وتشديدها. وفيها
وجهان: أحدهما: أنه على تسمية الفاعل وتقديره لا تضارر بكسر الراء الأولى،
والمفعول على هذا محذوف تقديره: لا تضار والدة والدا بسبب ولدها. والثاني أن تكون
الراء الأولى مفتوحة على ما لم يسم فاعله، وأدغم لأن الحرفين مثلان، ورفع لأن
لفظه لفظ الخبر، ومعناه النهى، ويقرأ بفتح الراء وتشديدها على أنه نهى، وحرك
لالتقاء الساكنين، وكان الفتح أولى لتجانس الألف والفتحة قبلها، وعلى هذه القراءة
يجوز أو يكون أصله تضارر، وتضارر على تسمية الفاعل وترك تسميته على ما ذكرنا
97

في قراءة الرفع، وقرئ شاذا بسكون الراء. والوجه فيه أن يكون حذف الراء
الثانية فرارا من التشديد في الحرف المكرر وهو الراء، وجاز الجمع بين الساكنين
إما لأنه أجرى الوصل مجرى الوقف، أو لان مدة الألف تجرى مجرى الحركة (عن
تراض) في موضع نصب صفة لفصال، ويجوز أن يتعلق بأرادا (وتشاور) أي
منهما (تسترضعوا) مفعوله محذوف تقديره أجنبية أو غير الأم (أولادكم)
مفعول حذف منه حرف الجر تقديره: لأولادكم، فتعدى الفعل إليه كقوله: أمرتك
الخير (فلا جناح) الفاء جواب الشرط، و (إذا سلمتم) شرط أيضا، وجوابه
ما يدل عليه الشرط الأول وجوابه، وذلك المعنى هو العامل في إذا (ما آتيتم) يقرأ
بالمد، والمفعولان محذوفان تقديره: ما أعطيتموهن إياه، ويقرأ بالقصر تقديره
ما جئتم به فحذف. وقال أبو علي تقديره: ما جئتم نقده أو تعجيله، كما تقول أتيت
الأمر: أي فعلته.
قوله تعالى (والذين يتوفون منكم) في هذه الآية أقوال: أحدها أن
الذين مبتدأ، والخبر محذوف تقديره وفيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون منكم،
ومثله " السارق والسارقة " والزانية والزاني " وقوله (يتربصن) بيان الحكم المتلو
وهذا قول سيبويه. والثاني أن المبتدأ محذوف، والذين قام مقامه تقديره: وأزواج
الذين يتوفون منكم، والخبر يتربصن، ودل على المحذوف قوله " ويذرون أزواجا ".
والثالث أن الذين مبتدأ ويتربصن الخبر، والعائد محذوف تقديره: يتربصن بعدهم
أو بعد موتهم. والرابع أن الذين مبتدأ، وتقدير الخبر: أزواجهم يتربصن، فأزواجهم
مبتدأ، ويتربصن الخبر، فحذف المبتدأ لدلالة الكلام عليه. والخامس أنه ترك
الإخبار عن الذين، وأخبر عن الزوجات المتصل ذكرهن بالذين، لأن الحديث معهن
في الاعتداد بالأشهر، فجاء الإخبار عما هو المقصود، وهذا قول الفراء. والجمهور
على ضم الياء في يتوفون على ما لم يسم فاعله، ويقرأ بفتح الياء على تسمية الفاعل،
والمعنى: يستوفون آجالهم. و (منكم) في موضع الحال من الفاعل المضمر،
(وعشرا) أي عشر ليال، لأن التاريخ يكون بالليلة إذا كانت هي أول الشهر
واليوم تبع لها (بالمعروف) حال من الضمير المؤنث في الفعل، أو مفعول به، أو
نعت لمصدر محذوف، وقد تقدم مثله.
قوله تعالى (من خطبة النساء) الجار والمجرور في موضع الحال من الهاء
المجرورة فيكون العامل فيه عرضتم، ويجوز أن يكون حالا من ما فيكون العامل فيه
98

الاستقرار. والخطبة: بالكسر، خطاب المرأة في التزويج، وهي مصدر مضاف إلى
المفعول، والتقدير: من خطبتكم النساء، و (أو) للإباحة والمفعول محذوف تقديره
أو أكننتموه، يقال أكننت الشئ في نفسي إذا كتمته، وكننته إذا سترته بثوب أو
نحوه (ولكن) هذا الاستدراك من قوله " فيما عرضتم به " و (سرا) مفعول به
لأنه بمعنى النكاح: أي لا تواعدوهن نكاحا، وقيل هو مصدر في موضع الحال
تقديره: مستخفين بذلك، والمفعول محذوف تقديره: لا تواعدوهن النكاح سرا،
ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف: أي مواعدة سرا، وقيل التقدير في سر
فيكون ظرفا (إلا أن تقولوا) في موضع نصب على الاستثناء من المفعول، وهو
منقطع، وقيل متصل (ولا تعزموا عقده) أي غلى عقدة (النكاح) وقيل
تعزموا بمعنى تنووا، وهذا يتعدى بنفسه فيعمل عمله، وقيل تعزموا بمعنى تعقدوا،
فتكون عقدة النكاح مصدرا، والعقدة بمعنى العقد فيكون المصدر مضافا
إلى المفعول.
قوله تعالى (ما لم تمسوهن) ما مصدرية، والزمان معها محذوف تقديره:
في زمن ترك مسهن، وقيل ما شرطية: أي إن لم تمسوهن، ويقرأ " تمسوهن " بفتح
التاء من غير ألف، على أن الفعل للرجال، ويقرأ " تماسوهن " بضم التاء والألف
بعد الميم، وهو من باب المفاعلة، فيجوز أن يكون في معنى القراءة الأولى، يجوز
أن يكون على نسبة الفعل إلى الرجال والنساء كالمجامعة والمباشرة، لأن الفعل من
الرجل والتمكين من المرأة والاستدعاء منها أيضا، ومن هنا سميت زانية (فريضة)
يجوز أن تكون مصدرا، وأن تكون مفعولا به، وهو الجيد، وفعيلة هنا بمعنى
مفعولة، والموصوف محذوف تقديره: متعة مفروضة (ومتعوهن) معطوف
على فعل محذوف تقديره: فطلقوهن ومتعوهن (على الموسع قدره) الجمهور
على الرفع، والجملة في موضع الحال من الفاعل تقديره: بقدر الوسع، وفى الجملة
محذوف تقديره، على الموسع منكم، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة لا موضع لها،
ويقرأ قدره بالنصب، وهو مفعول على المعنى، لأن معنى متعوهن أي ليؤد كل منكم،
قدر وسعه، وأجود من هذا أن يكون التقدير: فأوجبوا على الموسع قدره، والقدر
والقدر لغتان وقد قرئ بهما، وقيل القدر بالتسكين الطاقة وبالتحريك المقدار
(متاعا) اسم للمصدر والمصدر التمتيع، واسم المصدر يجرى مجراه (حقا) مصدر
حق ذلك حقا، و (على) متعلقة بالناصب للمصدر.
99

قوله تعالى (وقد فرضتم) في موضع الحال (فنصف) أي فعليكم نصف
أو فالواجب نصف، ولو قرئ بالنصب لكان وجهه: فأدوا نصف ما فرضتم
(إلا أن يعفون) أن والفعل في موضع نصب، والتقدير: فعليكم نصف ما فرضتم
إلا في حال العفو، وقد سبق مثله في قوله " إلا أن يخافا " بأبسط من هذا، والنون
في يعفون ضمير جماعة النساء، والواو قبلها لام الكلمة لأن الفعل هنا مبنى، فهو
مثل يخرجن ويقعدن، فأما قولك الرجال يعفون، فهو مثل النساء يعفون في اللفظ،
وهو مخالف له في التقدير، فالرجال يعفون أصله يعفوون مثل يخرجون، فحذفت
الواو التي هي لام وبقيت واو الضمير، والنون علامة الرفع، وفى قولك النساء
يعفون لم يحذف منه شئ على ما بينا (وأن تعفوا) مبتدأ، و (أقرب) خبره،
و (للتقوى) متعلق بأقرب، ويجوز في غير القرآن أقرب من التقوى، وأقرب
إلى التقوى، إلا أن اللام هنا تدل على معنى غير معنى إلى وغير معنى من، فمعنى
اللام العفو أقرب من أجل التقوى، فاللام تدل على علة قرب العفو، وإذا قلت
أقرب إلى التقوى كان المعنى مقارب التقوى، كما تقول: أنت أقرب إلي، وأقرب
من التقوى يقتضى أن يكون العفو والتقوى قريبين، ولكن العفو أشد قربا من
التقوى، وليس معنى الآية على هذا بل على معنى اللام، وتاء التقوى مبدلة من واو
وواوها مبدلة من ياء لأنه من وقيت (ولا تنسوا الفضل) في " ولو تنسوا " من القراءات
ووجهها ما ذكرناه في اشتروا الضلالة (بينكم) ظرف لتنسوا أو حال من الفضل،
وقرئ " ولا تناسوا الفضل " على باب المفاعلة، وهو بمعنى المتاركة لا بمعنى السهو.
قوله تعالى (حافظوا) يجوز أن يكون من المفاعلة الواقعة من واحد، كعاقبت
اللص وعافاه الله، وأن يكون من المفاعلة الواقعة من اثنين، ويكون وجوب تكرير
الحفظ جاريا مجرى الفاعلين، إذ كان الوجوب حاثا على الفعل، فكأنه شريك
الفاعل الحافظ، كما قالوا في قوله " وإذ واعدنا موسى " فالوعد كان من الله والقبول
من موسى، وجعل القبول كالوعد، وفى حافظوا معنى لا يوجد في احفظوا، وهو
تكرير الحفظ (الصلاة الوسطى) خصت بالذكر وإن دخلت في الصلوات تفضيلا
لها والوسطى فعلى من الوسط (لله) يجوز أن تتعلق اللام بقوموا، وإن شئت
(بقانتين).
قوله تعالى (فرجالا) حال من المحذوف تقديره: فصلوا رجالا أو فقوموا
رجالا، ورجالا جمع راجل كصاحب وصحاب، وفيه جموع كثيرة ليس هذا موضع
100

ذكرها (كما علمكم) في موضع نصب: أي ذكرا مثل ما علمكم، وقد سبق
مثله في قوله " كما أرسلنا " وفى قوله " واذكروه كما هداكم ".
قوله تعالى (والذين يتوفون منكم) الذين مبتدأ، والخبر محذوف
تقديره: يوصون وصية، هذا على قراءة من نصب (وصية) ومن رفع الوصية
فالتقدير: وعليهم وصية، وعليهم المقدرة خبر لوصية، و (لأزواجهم) نعت
للوصية وقيل هو خبر الوصية، وعليهم خبر ثان أو تبيين، وقيل الذين فاعل فعل
محذوف تقديره: ليوص الذين يتوفون وصية، وهذا على قراءة من نصب وصية
(متاعا إلى الحول) مصدر، لأن الوصية دلت على يوصون، ويوصون بمعنى
يمتعون، ويجوز أن يكون بدلا من الوصية على قراءة من نصبها أو صفة لوصية،
وإلى الحول متعلق بمتاع أو صفة له، وقيل متاعا حال: أي متمتعين أو ذوي متاع
(غير إخراج) غير هنا تنتصب انتصاب المصدر عند الأخفش تقديره: لا إخراجا.
وقال غيره: هو حال. وقيل هو صفة متاع، وقيل التقدير: من غير إخراج.
قوله تعالى (وللمطلقات متاع) ابتداء وخبر و (حقا) مصدر وقد ذكر
مثله قبل.
قوله تعالى (كذلك يبين الله) قد ذكر في آية الصيام.
قوله تعالى (ألم تر إلى الذين) الأصل في ترى ترأى، مثل ترعى، إلا أن
العرب اتفقوا على حذف الهمزة في المستقبل تخفيفا، ولا يقاس عليه، وربما جاء
في ضرورة الشعر على أصله، ولما حذفت الهمزة بقي آخر الفعل ألفا فحذفت في الجزم
والألف منقلبة عن ياء، فأما في الماضي فلا تحذف الهمزة، وإنما عداه هنا بإلى، لأن
معناه ألم ينته علمك إلى كذا، والرؤية هنا بمعنى العلم، والهمزة في ألم استفهام،
والاستفهام إذا دخل على النفي صار إيجابا، وتقريرا ولا يبقى الاستفهام ولا النفي في المعنى
(ثم أحياهم) معطوف على فعل محذوف تقديره: فماتوا ثم أحياهم، وقيل معنى
الأمر هنا الخبر، لأن قوله " فقال لهم الله موتوا " أي فأماتهم فكان العطف على المعنى،
وألف أحيا منقلبة عن ياء.
قوله تعالى (وقاتلوا) المعطوف عليه محذوف تقديره: فأطيعوا وقاتلوا،
أو فلا تحذروا الموت كما حذره من قبلهم ولم ينفعهم الحذر.
قوله تعالى (من ذا الذي) من استفهام في موضع رفع بالابتداء، وذا خبره
والذي نعت لذا أو بدل منه، و (يقرض) صلة الذي، ولا يجوز أن تكون من
101

وذا بمنزلة اسم واحد، كما كانت " ماذا " لأن " ما " أشد إبهاما من " من " إذا كانت
من لم يعقل، ومثله " من ذا الذي يشفع عنده " والقرض اسم للمصدر، والمصدر
على الحقيقة الإقراض، ويجوز أن يكون القرض هنا بمعنى المقرض، كالخلق بمعنى
المخلوق، فيكون مفعولا به، و (حسنا) يجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف
تقديره: من ذا الذي يقرض الله مالا إقراضا حسنا، ويجوز أن يكون صفة للمال،
ويكون بمعنى الطيب أو الكثير (فيضاعفه) يقرأ بالرفع عطفا على يقرض،
أو على الاستئناف: أي فالله يضاعفه، ويقرأ بالنصب. وفيه وجهان: أحدهما أن
يكون معطوفا على مصدر يقرض في المعنى، ولا يصح ذلك إلا بإضمار أن ليصير مصدرا
معطوفا على مصدر تقديره: من ذا الذي يكون منه قرض فمضاعفة من الله. والوجه
الثاني أن يكون جواب الاستفهام على المعنى، لأن المستفهم عنه وإن كان المقرض
في اللفظ فهو عن الإقراض في المعنى، فكأنه قال: أيقرض الله أحد فيضاعفه،
ولا يجوز أن يكون جواب الاستفهام على اللفظ، لأن المستفهم عنه في اللفظ المقرض
لا القرض.
فإن قيل: لم لا يعطف على المصدر الذي هو قرضا كما يعطف الفعل على المصدر
بإضمار أن مثل قول الشاعر: * للبس عباءة وتقر عيني *
قيل لا يصح هذا لوجهين: أحدهما أن قرضا هنا مصدر مؤكد، والمصدر المؤكد
لا يقدر بأن والفعل، والثاني أن عطفه عليه يوجب أن يكون معمولا ليقرض،
ولا يصح هذا في المعنى لأن المضاعفة ليست مقرضة، وإنما هي فعل من الله، ويقرأ
يضعفه بالتشديد من غير ألف وبالتخفيف مع الألف، ومعناهما واحد، ويمكن أن
يكون التشديد للتكثير، ويضاعف من باب المفاعلة الواقعة من واحد كما ذكرنا
في حافظوا، و (أضعافا) جمع ضعف، والضعف هو العين وليس بالمصدر،
والمصدر الإضعاف أو المضاعفة، فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الهاء، في يضاعفه
ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا على المعنى، لأن معنى يضاعفه يصيره أضعافا، ويجوز
أن يكون جمع ضعف، والضعف اسم وقع موقع المصدر كالعطاء، فإنه اسم للمعطى،
وقد استعمل بمعنى الإعطاء، قال القطامي:
أكفرا بعد رد الموت عنى * وبعد عطائك المائة الرتاعا
فيكون انتصاب أضعافا على المصدر، فإن قيل: فكيف جمع؟ قيل: لاختلاف
جهات التضعيف بحسب اختلاف الإخلاص، ومقدار المقرض، واختلاف أنواع
102

الجزاء (ويبسط) يقرأ بالسين وهو الأصل، وبالصاد على إبدالها من السين
لتجانس الطاء في الاستعلاء
قوله تعالى (من بني إسرائيل) من تتعلق بمحذوف لأنها حال: أي كائنا
من بني إسرائيل، و (من بعد) متعلق بالجار الأول، أو بما يتعلق به الأول،
والتقدير: من بعد موت موسى، و (إذ) بدل من بعد لأنهما زمانان (نقاتل)
الجمهور على النون، والجزم على جواب الأمر، وقد قرئ بالرفع في الشاذ على
الاستئناف، وقرئ بالياء والرفع على أنه صفة لملك، وقرئ بالياء والجزم أيضا
على الجواب، ومثله " فهب لي من لدنك وليا يرثني " بالرفع والجزم (عسيتم)
الجمهور على فتح السين، لأنه على فعل، تقول عسى مثل رمى، ويقرأ بكسرها وهي
لغة، والفعل منها عسى مثل خشي، واسم الفاعل عسى مثل عم، حكاه ابن الأعرابي
وخبر عسى (أن لا تقاتلوا) والشرط معترض بينهما (ومالنا) ما استفهام في
موضع رفع بالابتداء، ولنا الخبر، ودخلت الواو لتدل على ربط هذا الكلام بما قبله
ولو حذفت لجاز أن يكون منقطعا عنه، وهو استفهام في اللفظ وإنكار في المعنى
(أن لا نقاتل) تقديره: في أن لا نقاتل، أي في ترك القتال، فتتعلق " في " بالاستقرار
أو بنفس الجار، فيكون أن لا نقاتل في موضع نصب عند سيبويه وجر عند الخليل.
وقال الأخفش: أن زائدة، والجملة حال تقديره: ومالنا غير مقاتلين مثل قوله
" مالك لا تأمنا " وقد أعمل إن وهي زائدة (وقد أخرجنا) جملة في موضع
الحال، والعامل نقاتل (وأبنائنا) معطوف على ديارنا، وفيه حذف مضاف تقديره
ومن بين أبنائنا.
قوله تعالى (طالوت) هو اسم أعجمي معرفة، فلذلك لم ينصرف وليس بمشتق
من الطول، كما أن إسحاق ليس بمشتق من السحق، وإنما هي ألفاظ تقارب
ألفاظ العربية، و (ملكا) حال، و (أنى) بمعنى أين أو بمعنى
كيف، وموضعها نصب على الحال من الملك، والعامل فيها (يكون)
ولا يعمل فيها واحد من الظرفين لأنه عامل معنوي، فلا يتقدم الحال عليه،
ويكون يجوز أن تكون الناقصة فيكون الخبر (له) و (علينا) حال من الملك،
والعامل فيه يكون أو الخبر، ويجوز أن يكون الخبر علينا وله حال، ويجوز
أن تكون التامة فيكون له متعلقا بيكون وعلينا حال، والعامل فيه فيكون
(ونحن أحق) في موضع الحال، والباء ومن يتعلقان بأحق. وأصل السعة وسعة
بفتح الواو، وحقها في الأصل الكسر، وإنما حذفت في المصدر لما حذفت
103

في المستقبل، وأصلها في المستقبل الكسر، وهو قولك يسع، ولولا ذلك لم تحذف
كما لم تحذف في يوجل ويوجل، وإنما فتحت من أجل حرف الحلق، فالفتحة
عارضة فأجرى عليها حكم الكسرة، ثم جعلت في المصدر مفتوحة لتوافق الفعل،
ويدلك على ذلك أن قولك وعد يعد مصدره عدة بالكسر لما خرج على أصله،
و (من المال) نعت للسعة (في العلم) يجوز أن يكون نعتا للبسطة، وأن يكون
متعلقا بها، و (واسع) قيل هو على معنى النسب: أي هو ذو سعة، وقيل جاء على
حذف الزائد، والأصل أوسع فهو موسع، وقيل هو فاعل وسع، فالتقدير على هذا
واسع الحلم، لأنك تقول: وسعنا حلمه.
قوله تعالى (أن يأتيكم) خبر إن والتاء في (التابوت) أصل ووزنه فاعول
ولا يعرف له اشتقاق، وفيه لغة أخرى التابوه بالهاء، وقد قرئ به شاذا، فيجوز
أن يكونا لغتين، وأن تكون الهاء بدلا من التاء.
فإن قيل: لم لا يكون فعلوتا من تاب يتوب؟ قيل المعنى لا يساعده، وإنما
يشتق إذا صح المعنى (فيه سكينة) الجملة في موضع الحال، وكذلك " تحمله
الملائكة " و (من ربكم) نعت للسكينة، و (مما ترك) نعت لبقية وأصل بقية
بقيية ولام الكلمة ياء ولا حجة في بقي لانكسار ما قبلها، ألا ترى أن شقى أصلها واو.
قوله تعالى (بالجنود): في موضع الحال أي فصل، ومعه الجنود والياء
في (مبتليكم) بدل من واو لأنه من بلاه يبلوه، و (بنهر) بفتح الهاء
وإسكانها لغتان، والمشهور في القراءة فتحها. وقرأ حميد بن قيس بإسكانها، وأصل
النهر والنهار الاتساع، ومنه أنهر الدم (إلا من اغترف) استثناء من الجنس
وموضعه نصب، وأنت بالخيار إن شئت جعلته استثناء من " من " الأولى، وإن
شئت من " من " الثانية، واغترف متعد، و (غرفة) بفتح الغين وضمها وقد
قرئ بهما وهما لغتان، وعلى هذا يحتمل أن تكون الغرفة مصدرا وأن تكون
المغروف، وقيل الغرفة بالفتح المرة الواحدة، وبالضم قدر ما تحمله اليد،
و (بيده) يتعلق باغترف، ويجوز أن يكون نعتا للغرفة فيتعلق بالمحذوف (إلا
قليلا) منصوب على الاستثناء من الموجب، وقد قرئ في الشاذ بالرفع، وقد
ذكرنا وجهه في قوله تعالى " ثم توليتم إلا قليلا منكم " وعين الطاقة واو، لأنه من
الطوق وهو القدرة، تقول طوقته الأمر، وخبر لا (لنا) ولا يجوز أن تعمل في
(اليوم) ولا في (بجالوت) الطاقة، إذ لو كان كذلك لنونت، بل العامل فيهما
104

الاستقرار، ويجوز أن يكون الخبر بجالوت فيتعلق بمحذوف، ولنا تبيين أو صفة
لطاقة، واليوم يعمل فيه الاستقرار، وجالوت مثل طالوت (كم من فئة)
كم هنا خبر، وموضعها رفع بالابتداء، و (غلبت) خبرها ومن زائدة، ويجوز أن
تكون في موضع رفع صفة لكم، كما تقول: عندي مائة من درهم ودينار، وأصل فئة
فيئة لأنه من فاء يفئ إذا رجع، فالمحذوف عينها، وقيل أصلها فيوة، لأنها من
فأوت رأسه إذا كسرته، فالفئة قطعة من الناس (بإذن الله) في موضع نصب على
الحال، والتقدير: بإذن الله لهم، وإن شئت جعلتها مفعولا به.
قوله تعالى (لجالوت) تتعلق اللام ببرزوا، ويجوز أن تكون حالا: أي برزوا
قاصدين لجالوت.
قوله تعالى (فهزموهم بإذن الله) هو حال أو مفعول به.
قوله تعالى (ولولا دفع الله) يقرأ بفتح الدال من غير ألف، وهو مصدر
مضاف إلى الفاعل و (الناس) مفعوله، و (بعضهم) بدل من الناس بدل بعض
من كل، ويقرأ دفاع بكسر الدال وبالألف، فيحتمل أن يكون مصدر دفعت أيضا،
ويجوز أن يكون مصدر دافعت (ببعض) هو المفعول الثاني يتعدى إليه الفعل
بحرف الجر.
قوله تعالى (تلك آيات الله) تلك مبتدأ، وآيات الله الخبر، و (نتلوها)
يجوز أن يكون حالا من الآيات، والعامل فيها معنى الإشارة، ويجوز أن يكون
مستأنفا، و (بالحق) يجوز أن يكون مفعولا به، وأن يكون حالا من ضمير
الآيات المنصوب: أي ملتبسة بالحق، ويجوز أن يكون حالا من الفاعل: أي ومعنا
الحق، ويجوز أن يكون حالا من الكاف: أي ومعك الحق.
قوله تعالى (تلك الرسل) مبتدأ وخبر، و (فضلنا) حال من الرسل،
ويجوز أن يكون الرسل نعتا أو عطف بيان، وفضلنا الخبر (منهم من كلم الله)
يجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له، ويجوز أن يكون بدلا من موضع فضلنا، ويقرأ
" كلم الله " بالنصب، ويقرأ " كالم الله " و (درجات) حال من بعضهم: أي ذا درجات،
وقيل درجات مصدر في موضع الحال، وقيل انتصابه على المصدر لأن الدرجة بمعنى
الرفعة، فكأنه قال: ورفعنا بعضهم رفعات، وقيل التقدير: على درجات أو
في درجات أو إلى درجات، فلما حذف حرف الجر وصل الفعل بنفسه (من بعد
ما جاءتهم) يجوز أن تكون بدلا من بعدهم بإعادة حرف الجر، ويجوز أن تكون
105

من الثانية تتعلق باقتتل، والضمير الأول يرجع إلى الرسل، والضمير في جاءتهم
يرجع إلى الأمم (ولكن) استدراك لما دل الكلام عليه، لأن اقتتالهم كان عن
اختلافهم. ثم بين الاختلاف بقوله (فمنهم من آمن ومنهم من كفر)
والتقدير فاقتتلوا (ولكن الله يفعل ما يريد) استدراك على المعنى أيضا، لأن
المعنى: ولو شاء الله لمنعهم، ولكن الله يفعل ما يريد، وقد أراد أن لا يمنعهم،
أو أراد اختلافهم واقتتالهم.
قوله تعالى (أنفقوا) مفعول محذوف: أي شيئا (مما) و " ما " بمعنى الذي،
والعائد محذوف: أي رزقناكموه (لا بيع فيه) في موضع رفع صفة ليوم (ولا خلة)
أي فيه (ولا شفاعة) أي فيه، ويقرأ بالرفع والتنوين، وقد مضى تعليله في قوله
" فلا رفث ".
قوله تعالى (الله لا إله إلا هو) مبتدأ وخبر، وقد ذكرنا موضع هو في قوله
" وإلهكم إله واحد " (الحي القيوم) يجوز أن يكون خبرا ثانيا، وأن يكون خبر
مبتدأ محذوف: أي هو، وأن يكون مبتدأ والخبر لا تأخذه، وأن يكون بدلا من
هو، وأن يكون بدلا من لا إله، والقيوم فيعول من قام يقوم، فلما اجتمعت
الواو والياء وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمتا، ولا يجوز أن يكون فعولا
من هذا، لأنه لو كان كذلك لكان قووما بالواو، لأن العين المضاعفة أبدا من
جنس العين الأصلية مثل: سبوح وقدوس، ومثل: ضراب وقتال، فالزائد من
جنس العين، فلما جاءت الياء دل أنه فيعول، ويقرأ القيم على فيعل، مثل سيد
وميت، ويقرأ القيام على فيعال، مثل بيطار، وقد قرئ في الشاذ القائم مثل قوله
" قائما بالقسط " وقرئ في الشاذ أيضا " الحي القيوم " بالنصب على إضمار أعنى،
وعين الحي ولامه ياءان، وله موضع يشبع القول فيه (لا تأخذه) يجوز أن يكون
مستأنفا، ويجوز أن يكون له موضع، وفى ذلك وجوه: أحدها أن يكون خبرا
آخر لله أو خبرا للحى، ويجوز أن يكون في موضع الحال من الضمير في القيوم:
أي يقوم بأمر الخلق غير غافل. وأصل السنة وسنة، والفعل منه وسن يسن، مثل
وعد يعد، فلما حذفت الواو في الفعل حذفت في المصدر (ولا نوم) لا زائدة
للتوكيد، وفائدتها أنها لو حذفت لاحتمل الكلام أن يكون لا تأخذه سنة ولا نوم
في حال واحدة، فإذا قال ولا نوم نفاهما على كل حال (له ما في السماوات) يجوز
أن يكون خبرا آخر لما تقدم، وأن يكون مستأنفا (من ذا الذي) قد ذكر
106

في قوله تعالى " من ذا الذي يقرض الله "، و (عنده) ظرف ليشفع، وقيل يجوز
أن يكون حالا من الضمير في يشفع، وهو ضعيف في المعنى لأن المعنى يشفع إليه، وقيل
بل الحال أقوى، لأنه إذا لم يشفع من هو عنده وقريب منه فشفاعة غيره أبعد (إلا
بإذنه) في موضع الحال، والتقدير: لا أحد يشفع عنده إلا مأذونا له، أو إلا
ومعه إذن، أو إلا في حال الإذن. ويجوز أن يكون مفعولا به: أي بإذنه يشفعون
كما تقول: ضرب بسيفه: أي هو آلة الضرب، و (يعلم) يجوز أن يكون خبرا
آخر، وأن يكون مستأنفا (من علمه) أي معلومه لأنه قال. إلا بما شاء،
وعلمه الذي هو صفة له لا يحاط به ولا بشئ منه، ولهذا قال " ولا يحيطون به علما "
(إلا بما شاء) بدل من شئ، كما تقول: ما مررت بأحد إلا بزيد (وسع
كرسيه) الجمهور على فتح الواو وكسر السين على أنه فعل والكرسي فاعله،
ويقرأ بسكون السين على تخفيف الكسرة كعلم في علم، ويقرأ بفتح الواو وسكون
السين ورفع العين وكرسيه بالجر (السماوات والأرض) بالرفع على أنه مبتدأ
وخبر، والكرسي فعل من الكرس وهو الجمع، والفصيح فيه ضم الكاف، ويجوز
كسرها للاتباع (ولا يؤده) الجمهور على تحقيق الهمزة على الأصل، ويقرأ
بحذف الهمزة كما حذفت همزة أناس، ويقرأ بواو مضمومة مكان الهمزة على الإبدال
و (العلى) فعيل وأصله عليو، لأنه من علا يعلو.
قوله تعالى (قد تبين الرشد) الجمهور على إدغام الدال في التاء لأنها من
مخرجها، وتحويل الدال إلى التاء أولى لأن الدال شديدة والتاء مهموسة، والمهموس
أخف، ويقرأ بالإظهار وهو ضعيف لما ذكرنا، والرشد بضم الراء وسكون
الشين هو المشهور، وهو مصدر من رشد بفتح الشين يرشد بضمها، ويقرأ بفتح
الراء والشين، وفعله رشد يرشد مثل علم يعلم (من الغى) في موضع نصب على أنه
مفعول، وأصل الغى غوى، لأنه من غوى يغوى، فقلبت الواو ياء لسكونها
وسبقها ثم أدغمت، و (الطاغوت) يذكر ويؤنث، ويستعمل بلفظ واحد في الجمع
والتوحيد والتذكير والتأنيث، ومنه قوله " والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها "
وأصله طغيوت لأنه من طغيت تطغى، ويجوز أن يكون من الواو، لأنه يقال فيه
يطغو أيضا، والياء أكثر. وعليه جاء الطغيان، ثم قدمت اللام فجعلت قبل الغين
فصار طيغوتا أو طوغوتا، فلما تحرك الحرف وانفتح ما قبله قلب ألفا، فوزنه الآن
فلعوت، وهو مصدر في الأصل مثل الملكوت والرهبوت، (الوثقى) تأنيث
الأوثق مثل الوسطى والأوسط، وجمعه الوثق مثل الصغر والكبر، وأما الوثق
107

بضمتين فجمع وثيق (لا انفصام لها) في موضع نصب على الحال من العروة،
ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الوثقى.
قوله تعالى (والذين كفروا) مبتدأ (أولياؤهم) مبتدأ ثان، (الطاغوت)
خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول. وقد قرئ الطواغيت على الجمع، وإنما جمع
وهو مصدر لأنه صار اسما لما يعبد من دون الله (يخرجونهم) مستأنف لا موضع
له، ويجوز أن يكون حالا، والعامل فيه معنى الطاغوت، وهو نظير ما قال أبو علي
في قوله " إنها لظى نزاعة " وسنذكره في موضعه، فأما (يخرجهم) فيجوز أن
يكون خبرا ثانيا، وأن يكون حالا من الضمير في ولى.
قوله تعالى (أن آتاه الله) في موضع نصب عند سيبويه وجر عند الخليل، لأن
تقديره: لأن آتاه الله فهو مفعول من أجله: والعامل في " حاج "، والهاء ضمير
إبراهيم، ويجوز أن تكون ضمير الذي، و (إذ) يجوز أن تكون ظرفا لحاج، وأن
تكون لآتاه، وذكر بعضهم أنه بدل من أن آتاه، وليس بشئ لأن الظرف غير
المصدر، فلو كان بدلا لكان غلطا، إلا أن تجعل إذ بمعنى أن المصدرية، وقد جاء
ذلك وسيمر بك في القرآن مثله (أنا أحيى) الاسم الهمزة والنون، وإنما زيدت
الألف عليها في الوقف لبيان حركة النون، فإذا وصلته بما بعده حذفت الألف للغنية
عنها، وقد قرأ نافع بإثبات الألف في الوصل، وذلك على إجراء الوصل مجرى
الوقف، وقد جاء ذلك في الشعر.
قوله تعالى (فإن الله يأتي) دخلت الفاء إيذانا بتعلق هذا الكلام بما قبله،
والمعنى إذا ادعيت الإحياء والإماتة ولم تفهم فالحجة أن الله يأتي بالشمس هذا هو
المعنى، و (من المشرق)، و (من المغرب) متعلقان بالفعل المذكور وليسا
حالين، وإنما هما لابتداء غاية الإتيان، ويجوز أن يكونا حالين، ويكون التقدير:
مسخرة أو منقادة (فبهت) على ما لم يسم فاعله، ويقرأ بفتح الباء وضم الهاء، وبفتح
الباء وكسر الهاء وهما لغتان، والفعل فيهما لازم، ويقرأ بفتحهما فيجوز أن يكون
الفاعل ضمير إبراهيم، و (الذي) مفعول، ويجوز أن يكون الذي فاعلا، ويكون
الفعل لازما،
قوله تعالى (أو كالذي) في الكاف وجهان: أحدهما أنها زائدة، والتقدير:
ألم تر إلى الذي حاج أو الذي مر على قرية، وهو مثل قوله " ليس كمثله ". والثاني
108

هي غير زائدة وموضعها نصب، والتقدير: أو رأيت مثل الذي، ودل على هذا
المحذوف قوله " ألم تر إلى الذي حاج " أو للتفصيل أو للتخيير في التعجب بحال أي
القبيلتين شاء، وقد ذكر ذلك في قوله " أو كصيب " وغيره، وأصل القرية من قريت
الماء إذا جمعته، فالقرية مجتمع الناس (وهي خاوية) في موضع جر صفة لقرية
(على عروشها) يتعلق بخاوية، لأن معناه واقعة على سقوفها، وقيل هو بدل من
القرية تقديره: مر على قرية على عروشها: أي مر على عروش القرية، وأعاد حرف
الجر مع البدل، ويجوز أن يكون على عروشها على هذا القول صفة للقرية، لا بدلا
تقديره: على قرية ساقطة على عروشها، فعلى هذا يجوز أن يكون وهي خاوية حالا
من العروش، وأن يكون حالا من القرية لأنها قد وصفت، وأن يكون حالا من هاء
المضاف إليه، والعامل معنى الإضافة، وهو ضعيف مع جوازه (أنى) في موضع
نصب ييحيى، وهي بمعنى متى، فعلى هذا يكون ظرفا، ويجوز أن يكون بمعنى
كيف فيكون موضعها حالا من هذه، وقد تقدم لما فيه من الاستفهام (مائة عام)
ظرف لأماته على المعنى، لأن المعنى ألبثه ميتا مائة عام، ولا يجوز أن يكون ظرفا
على الظاهر لأن الإماتة تقع في أدنى زمان: ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف
تقديره: فأماته فلبث مائة عام، ويدل على ذلك قوله (كم لبثت) ثم قال " بل لبثت
مائة عام " (كم) ظرف للبثت (لم يتسنه) الهاء زائدة في الوقف، وأصل
الفعل على هذا فيه وجهان: أحدهما هو يتسنن من قوله " حمأ مسنون " فلما اجتمعت
ثلاث نونات قلبت الأخيرة ياء كما قلبت في تظنيت ثم أبدلت الياء ألفا ثم حذفت
للجزم. والثاني أن يكون أصل الألف واوا من قولك: أسنى يسنى إذا مضت عليه
السنون، وأصل سنة سنوة لقولهم سنوات، ويجوز أن تكون الهاء أصلا، ويكون
اشتقاقه من السنة، وأصلها سنهة لقولهم سنها، وعاملته مسانهة، فعلى هذا تثبت الهاء
وصلا ووقفا، وعلى الأول تثبت في الوقف دون الوصل، ومن أثبتها في الوصل أجراه
مجرى الوقف.
فإن قيل: ما فاعل يتسنى؟ قيل: يحتمل أن يكون ضمير الطعام والشراب
لاحتياج كل واحد منهما إلى الآخر بمنزلة شئ واحد، فلذلك أفرد الضمير في الفعل،
ويحتمل أن يكون جعل الضمير لذلك، وذلك يكنى به عن الواحد والاثنين والجمع
بلفظ واحد، ويحتمل أن يكون الضمير للشراب لأنه أقرب إليه، وإذا لم يتغير
109

الشراب مع سرعة التغير إليه فإن لا يتغير الطعام أولى، ويجوز أن يكون أفرد في موضع
التثنية، كما قال الشاعر:
فكأن في العينين حب قرنفل * أو سنبل كحلت به فانهلت
(ولنجعلك) معطوف على فعل محذوف تقديره، أريناك ذلك لتعلم قدر
قدرتنا ولنجعلك، وقيل الواو زائدة، وقيل التقدير: ولنجعلك فعلنا ذلك (كيف
ننشرها) في موضع الحال من العظام والعامل في كيف ننشرها، ولا يجوز أن
تعمل فيها انظر، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، ولكن كيف وننشرها جميعا
حال من العظام، والعامل فيها انظر، تقديره: انظر إلى العظام محياة. وننشرها يقرأ
بفتح النون وضم الشين وماضيه نشر. وفيه وجهان: أحدهما أن يكون مطاوع أنشر
الله الميت فنشر، ويكون نشر على هذا بمعنى أنشر، فاللازم والمتعدي بلفظ واحد
والثاني أن يكون من النشر الذي هو ضد الطي: أي يبسطها بالإحياء، ويقرأ بضم
النون وكسر الشين: أي نحييها، وهو مثل قوله " إذا شاء أنشره ". ويقرأ بالزاي
أي نرفعها، وهو من النشز، وهو المرتفع من الأرض، وفيها على هذا قراءتان: ضم
النون وكسر الشين من أنشزته، وفتح النون وضم الشين وماضيه نشزته، وهما لغتان
و (لحما) مفعول ثان (قال أعلم) يقرأ بفتح الهمزة واللام على أنه أخبر عن
نفسه، ويقرأ بوصل الهمزة على الأمر وفاعل قال " الله " وقيل فاعله عزيز، وأمر
نفسه كما يأمر المخاطب كما تقول لنفسك: اعلم يا عبد الله، وهذا يسمى التجريد،
وقرئ بقطع الهمزة وفتحها وكسر اللام، والمعنى: أعلم الناس.
قوله تعالى (وإذ قال) العامل في إذ محذوف تقديره: اذكر فهو مفعول به
لا ظرف، و (أرني) يقرأ بسكون الراء، وقد ذكر في قوله " وأرنا مناسكنا "
(كيف تحيى) الجملة في موضع نصب بأرنى: أي أرني كيفية إحياء الموتى،
فكيف في موضع نصب بتحيى (ليطمئن) اللام متعلقة بمحذوف تقديره. سألتك
ليطمئن، والهمزة في يطمئن أصل، ووزنه يفعلل، ولذلك جاء " فإذا اطمأننتم " مثل
اقشعررتم (من الطير) صفة لأربعة، وإن شئت علقتها بخذ، وأصل الطير
مصدر طار يطير طيرا مثل باع يبيع بيعا، ثم سمى الجنس بالمصدر، ويجوز أن يكون
أصله طيرا مثل سيد، ثم خففت كما خفف سيد، ويجوز أن يكن جمعا مثل تاجر
وتجر، والطير واقع على الجنس والواحد طائر (فصرهن) يقرأ بضم الصاد
وتخفيف الراء وبكسر الصاد وتخفيف الراء. ولهما معنيان: أحدهما أملهن، يقال
110

صار يصوره ويصيره إذا أماله، فعلى هذا تتعلق إلى بالفعل، وفى الكلام محذوف
تقديره: أملهن إليك ثم قطعهن. والمعنى الثاني أن يصوره ويصيره بمعنى يقطعه،
فعلى هذا في الكلام محذوف يتعلق به إلى: أي فقطعهن بعد أن تميلهن إليك، والأجود
عندي أن تكون إليك حالا من المفعول المضمر تقديره فقطعهن مقربة إليك أو ممالة
ونحو ذلك، ويقرأ بضم الصاد وتشديد الراء، ثم منهم من يضمها، ومنهم من يفتحها،
ومنهم من يكسرها مثل مدهن، فالضم على الاتباع، والفتح للتخفيف، والكسر
على أصل التقاء الساكنين، والمعنى في الجميع من صره يصره إذا جمعه (منهن)
في موضع نصب على الحال من (جزءا) وأصله صفة للنكرة قدم عليها فصار حالا،
ويجوز أن يكون مفعولا لاجعل، وفى الجزء لغتان: ضم الزاي، وتسكينها، وقد
قرئ بهما، وفيه لغة ثالثة كسر الجيم، ولم أعلم أحدا قرأ به، وقرئ بتشديد الزاي
من غير همزة. والوجه فيه أنه نوى الوقف عليه، فحذف الهمزة بعد أن ألقى حركتها
على الزاي ثم شدد الزاي، كما تقول في الوقف: هذا فرح، ثم أجرى الوصل مجرى
الوقف، و (يأتينك) جواب الأمر و (سعيا) مصدر في موضع الحال: أي
ساعيات، ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا، لأن السعي والإتيان متقاربان، فكأنه
قال: يأتينك إتيانا.
قوله تعالى (مثل الذين ينفقون أموالهم) في الكلام حذف مضاف
تقديره: مثل إنفاق الذين ينفقون، أو مثل نفقة الذين ينفقون، ومثل مبتدأ،
و (كمثل حبة) خبره، وإنما قدر المحذوف لأن الذين ينفقون لا يشبهون بالحبة:
بل إنفاقهم أو نفقتهم (أنبتت سبع سنابل) الجملة في موضع جر صفة لحبة
(في كل سنبلة مائة حبة) ابتداء وخبر في موضع جر صفة لسنا بل، ويجوز
أن يرفع مائة حبة بالجار، لأنه قد اعتمد لما وقع صفة، ويجوز أن تكون الجملة
صفة لسبع كقولك: رأيت سبعة رجال أحرار وأحرارا، ويقرأ في الشاذ مائة بالنصب
بدلا من سبع، أو بفعل محذوف تقديره: أخرجت. والنون في سنبلة زائدة، وأصله
من أسبل، وقيل هي أصل، والأصل في مائة مئية، يقال: أمأت الدراهم إذا صارت
مائة ثم حذفت اللام تخفيفا كما حذفت لام يد.
قوله تعالى (الذين ينفقون أموالهم) مبتدأ، والخبر (لهم أجرهم)
ولام الأذى ياء، يقال: أذى ياذى أذى مثل نصب ينصب نصبا.
111

قوله تعالى (قول معروف) مبتدأ (ومغفرة) معطوف عليه، والتقدير:
وسبب مغفرة، لأن المغفرة من الله فلا تفاضل بينها وبين فعل عبده، ويجوز أن تكون
المغفرة مجاوزة المزكى واحتماله للفقير، فلا يكون فيه حذف مضاف، والخبر (خير
من صدقة) و (يتبعها) صفة لصدقة، وقيل قول معروف مبتدأ خبره محذوف
أي أمثل من غيره، ومغفرة مبتدأ، وخير خبره.
قوله تعالى (كالذي ينفق) الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف،
وفى الكلام حذف مضاف تقديره: إبطالا كإبطال الذي ينفق، ويجوز أن يكون
في موضع الحال من ضمير الفاعلين: أي لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذي ينفق
ماله: أي مشبهين الذي يبطل إنفاقه بالرياء، و (رئاء الناس) مفعول من أجله،
ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال: أي ينفق مرائيا، والهمزة الأولى في رئاء
عين الكلمة لأنه من راءى، والأخيرة بدل من الياء لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة
كالقضاء والدماء، ويجوز تخفيف الهمزة الأولى بأن تقلب ياء فرارا من ثقل الهمزة
بعد الكسرة، وقد قرئ به، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول. ودخلت الفاء
في قوله (فمثله) لربط الجملة بما قبلها. والصفوان جمع صفوانة، والجيد أن يقال
هو جنس لا جمع. ولذلك عاد الضمير إليه بلفظ الإفراد في قوله " عليه تراب " وقيل
هو مفرد، وقيل واحده صفا وجمع فعل على فعلان قليل، وحكى صفوان بكسر
الصاد، وهو أكثر الجموع، ويقرأ بفتح الفاء وهو شاذ، لأن فعلانا شاذ في الأسماء
وإنما يجئ في المصادر مثل الغليان والصفات مثل يوم صحوان، و (عليه تراب)
في موضع جر صفة لصفوان، ولك أن ترفع ترابا بالجر لأنه قد اعتمد على ما قبله،
وأن ترفعه بالابتداء، والفاء في (فأصابه) عاطفة على الجار، لأن تقديره: استقر
عليه تراب فأصابه، وهذا أحد ما يقوى شبه الظرف بالفعل، والألف في أصاب
منقلبة عن واو، لأنه من صاب يصوب (فتركه صلدا) هو مثل قوله " وتركهم
في ظلمات " وقد ذكر في أول السورة (لا يقدرون) مستأنف لا موضع له، وإنما
جمع هنا بعد ما أفرد في قوله كالذي وما بعده، لأن الذي هنا جنس، فيجوز أن يعود
الضمير إليه مفردا وجمعا، ولا يجوز أن يكون من الذي، لأنه قد فصل بينهما بقوله
" فمثله " وما بعده.
قوله تعالى (ابتغاء) مفعول من أجله (وتثبيتا) معطوف عليه، ويجوز أن
يكونا حالين: أي مبتغين ومتثبتين (من أنفسهم) يجوز أن يكون من بمعنى اللام:
112

أي تثبيتا لأنفسهم كما تقول: فعلت ذلك كسرا من شهوتي، ويجوز أن تكون على
أصلها أي تثبيتا صادرا من أنفسهم، والتثبيت مصدر فعل متعد، فعلى الوجه الأول
يكون من أنفسهم مفعول المصدر، وعلى الوجه الثاني يكون المفعول محذوفا تقديره:
ويثبتون أعمالهم بإخلاص النية، ويجوز أن يكون تثبيتا بمعنى تثبت فيكون لازما،
والمصادر قد تختلف ويقع بعضها موقع بعض: ومثله قوله تعالى " وتبتل إليه تبتيلا "
أي تبتلا. وفى قوله " ومثل الذين ينفقون " حذف تقديره: ومثل نفقة الذين ينفقون
لأن المنفق لا يشبه بالجنة، وإنما تشبه النفقة التي تزكو بالجنة التي تثمر. والربوة بضم
الراء وفتحها وكسرها ثلاث لغات، وفيها لغة أخرى رباوة، وقد قرئ بذلك كله
(أصابها) صفة للجنة، ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال من الجنة، لأنها
قد وصفت، ويجوز أن تكون حالا من الضمير في الجار، وقد مع الفعل مقدرة،
ويجوز أن تكون الجملة صفة لربوة، لأن الجنة بعض الربوة. والوابل من وبل، ويقال
أوبل فهو موبل، وهي صفة غالبة لا يحتاج معها إلى ذكر الموصوف. وآتت متعد
إلى مفعولين، وقد حذف أحدهما: أي أعطت صاحبها، ويجوز أن يكون متعديا
إلى واحد، لأن معنى آتت أخرجت، وهو من الإتاء وهو الريع. والأكل بسكون
الكاف وضمها لغتان، وقد قرئ جمعا والواحد منه أكلة وهو المأكول. وأضاف
الأكل إليها لأنها محله أو سببه، و (ضعفين) حال: أي مضاعفا (فطل) خبر
مبتدإ محذوف تقديره: فالذي يصيبها طل، أو فالمصيب لها، أو فمصيبها. ويجوز أن
يكون فاعلا تقديره: فيصيبها طل، وحذف الفعل لدلالة فعل الشرط عليه. والجزم
في يصيبها بلم لا بأن، لأن لم عامل يختص بالمستقبل، وإن قد وليها الماضي، وقد يحذف
معها الفعل، فجاز أن يبطل عملها.
قوله تعالى (من نخيل) صفة لجنة، ونخيل جمع وهو نادر، وقيل هو جنس
و (تجرى) صفة أخرى (له فيها من الثمرات) في الكلام حذف تقديره
له فيها رزق من كل أو ثمرات من كل أنواع الثمرات، ولا يجوز أن يكون من مبتدإ
وما قبله الخبر، لأن المبتدأ لا يكون جارا ومجرورا إلا إذا كان حرف الجر زائدا،
ولا فاعلا، لأن حرف الجر لا يكون فاعلا ولكن يجوز أن يكون صفة لمحذوف،
ولا يجوز أن تكون من زائدة على قول سيبويه، ولا على قول الأخفش، لأن المعنى
يصير له فيها كل الثمرات، وليس الأمر على هذا إلا أن يراد به هاهنا الكثرة
لا الاستيعاب، فيجوز أن الأخفش، لأنه يجوز زيادة " من " في الواجب وإضافة
113

" كل " إلى ما بعدها بمعنى اللام، لأن المضاف إليه غير المضاف (وأصابه) الجملة
حال من أحد، وقد مرادة تقديره: وقد أصابه، وقيل وضع الماضي موضع المضارع،
وقيل حمل في العطف على المعنى، لأن المعنى أيود أحدكم أن لو كانت له جنة فأصابها
وهو ضعيف، إذ لا حاجة إلى تغيير اللفظ مع صحة معناه (وله ذرية) جملة في موضع
الحال من الهاء في أصابه. واختلف في أصل الذرية على أربعة أوجه: أحدها أن
أصلها ذرورة من ذر يذر إذا نشر، فأبدلت الراء الثانية ياء لاجتماع الراءات، ثم
أبدلت الواو ياء ثم أدغمت، ثم كسرت الراء اتباعا، ومنهم من يكسر الذال اتباعا
أيضا، وقد قرئ به. والثاني أنه من ذر أيضا إلا أنه زاد الياءين، فوزنه فعلية.
والثالث أنه من ذرأ بالهمز فأصله على هذا ذروءة فعولة، ثم أبدلت الهمزة ياء وأبدلت
الواو ياء فرارا من ثقل الهمزة الواو والضمة. والرابع أنه من ذرا يذرو لقوله
" وتذروه الرياح " فأصله ذرورة ثم أبدلت الواو ياء ثم عمل ما تقدم، ويجوز أن يكون
فعلية على الوجهين (فأصابها) معطوف على صفة الجنة.
قوله تعالى (أنفقوا من طيبات) المفعول محذوف: أي شيئا من طيبات،
وقد ذكر مستوفى فيما تقدم (ولا تيمموا) الجمهور على تخفيف التاء وماضيه
تيمم والأصل تتيمموا فحذف التاء الثانية كما ذكر في قوله " تظاهرون " ويقرأ بتشديد
التاء وقبله ألف، وهو جمع بين ساكنين، وإنما سوغ ذلك المد الذي في الألف،
وقرئ بضم التاء وكسر الميم الأولى على أنه لم يحذف شيئا ووزنه تفعلوا (منه) متعلقة
ب‍ (تنفقون) والجملة في موضع الحال من الفاعل في تيمموا، وهي حال مقدرة لأن
الإنفاق منه يقع بعد القصد إليه، ويجوز أن يكون حالا من الخبيث لأن في الكلام
ضميرا يعود إليه: أي منفقا منه، والخبيث صفة غالبة فلذلك لا يذكر معها الموصوف
(ولستم بآخذيه) مستأنف لا موضع له (إلا أن تغمضوا) في موضع
الحال: أي إلا في حال الإغماض، والجمهور على ضم التاء وإسكان الغين وكسر الميم
وماضيه أغمض وهو متعد، وقد حذف مفعوله أي تغمضوا أبصاركم أو بصائركم،
ويجوز أن يكون لازما مثل أغضى عن كذا، ويقرأ كذلك إلا إنه بتشديد الميم وفتح
الغين والتقدير: أبصاركم، ويقرأ تغمضوا بضم التاء والتخفيف وفتح الميم على ما لم
يسم فاعله: والمعنى: إلا أن تحملوا على التفاعل عنه والمسامحة فيه، ويجوز أن يكون
من أغمض إذا صودف على تلك الحال، كقولك: أحمد الرجل: أي وجد محمودا
114

ويقرأ بفتح الفاء وإسكان الغين وكسر الميم من غمض يغمض، وهي لغة في غمض،
ويقرأ كذلك إلا أنه بضم الميم وهو من غمض كظرف، أي خفى عليكم رأيكم فيه،
قوله تعالى (يعدكم) أصله يوعدكم فحذفت الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة
وكسرة، وهو يتعدى إلى مفعولين، وقد يجئ بالباء يقال وعدته بكذا (مغفرة
منه) يجوز أن يكون صفة وأن يكون مفعولا متعلقا بيعد: أي يعدكم من تلقاء نفسه
(وفضلا) تقديره: منه استغنى بالأولى عن إعادتها.
قوله تعالى (ومن يؤت) يقرأ بضم الياء وفتح التاء، ومن على هذا مبتدأ
وما بعدها الخبر، ويقرأ بكسر التاء، فمن على هذا في موضع نصب بيؤت، ويؤت
مجزوم بها، فقد عمل فيما عمل فيه، والفاعل ضمير اسم الله، والأصل في (يذكر)
يتذكر، فأبدلت التاء ذالا لتقرب منها فتدغم.
قوله تعالى (ما أنفقتم) ما شرط وموضعها نصب بالفعل الذي يليها، وقد
ذكرنا مثله في قوله " وما تفعلوا من خير يعلمه الله ".
قوله تعالى (فنعما) نعم فعل جامد لا يكون فيه مستقبل وأصله نعم كعلم، وقد
جاء على ذلك في الشعر إلا أنهم سكنوا العين ونقلوا حركتها إلى النون ليكون دليلا
على الأصل، ومنهم من يترك النون مفتوحة على الأصل، ومنهم من يكسر النون
والعين اتباعا، وبكل قد قرئ، وفيه قراءة أخرى هنا وهي إسكان العين والميم مع
الإدغام، وهو بعيد لما فيه من الجمع بين الساكنين، وقيل إن الراوي لم يضبط
القراءة، لأن القارئ اختلس كسرة العين فظنه إسكانا وفاعل نعم مضمر، وما بمعنى
شئ وهو المخصوص بالمدح: أي نعم الشئ شيئا (هي) خبر مبتدإ محذوف، كأن
قائلا قال، ما الشئ الممدوح، فيقال، هي أي الممدوح الصدقة. وفيه وجه آخر
وهو أن يكون هي مبتدأ مؤخرا، ونعم وفاعلها الخبر: أي الصدقة نعم الشئ،
واستغنى عن ضمير يعود على المبتدأ لاشتمال الجنس على المبتدأ (فهو خير لكم)
الجملة جواب الشرط، وموضعها جزم، وهو ضمير مصدر لم يذكر، ولكن ذكر
فعله، والتقدير: فالإخفاء خير لكم، أو فدفعها إلى الفقراء في خفية خير (ونكفر
عنكم) يقرأ بالنون على إسناد الفعل إلى الله عز وجل، ويقرأ بالياء على هذا
التقدير أيضا، وعلى تقدير آخر وهو أن يكون الفاعل ضمير الاخفاء، ويقرأ
وتكفر بالتاء على أن الفعل مسند إلى ضمير الصدقة، ويقرأ بجزم الراء عطفا على
موضع فهو، وبالرفع على إضمار مبتدأ: أي ونحن أو وهي، و (من) هنا زائدة
115

عند الأخفش، فيكون (سيئاتكم) المفعول، وعند سيبويه المفعول محذوف:
أي شيئا من سيئاتكم، والسيئة فعيلة، وعينها واو لأنها من ساء يسوء فأصلها سيوئة،
ثم عمل فيها ما ذكرنا في صيب.
قوله تعالى (للفقراء) في موضع رفع خبر ابتداء محذوف تقديره: الصدقات
المذكورة للفقراء، وقيل التقدير: اعجبوا للفقراء (في سبيل الله) " في " متعلقة
بأحصروا على أنها ظرف له، ويجوز أن تكون حالا: أي أحصروا مجاهدين
(لا يستطيعون) في موضع الحال، والعامل فيه أحصروا: أي أحصروا عاجزين
ويجوز أن يكون مستأنفا (يحسبهم) حال أيضا، ويجوز أن يكون مستأنفا لا موضع
له، وفيه لغتان كسر السين وفتحها، وقد قرئ بهما، و (الجاهل) جنس فلذلك
لم يجمع ولا يراد به واحد (من التعفف) يجوز أن يتعلق " من " بيحسب: أي
يحسبهم من أجل التعفف، ولا يجوز أن يتعلق بمعنى أغنياء، لأن المعنى يصير إلى ضد
المقصود، وذلك أن معنى الآية أن حالهم يخفى على الجاهل بهم فيظنهم أغنياء، ولو علقت
" من " بأغنياء صار المعنى أن الجاهل يظن أنهم أغنياء ولكن بالتعفف، والغنى
بالتعفف فقير من المال (تعرفهم) يجوز أن يكون حالا وأن يكون مستأنفا،
و (لا يسئلون) مثله و (إلحافا) مفعول من أجله، ويجوز أن يكون مصدرا لفعل
محذوف دل عليه يسئلون، فكأنه قال: لا يلحفون، ويجوز أن يكون مصدرا
في موضع الحال تقديره: ولا يسألون ملحفين.
قوله تعالى (الذين ينفقون) الموصول وصلته مبتدأ، وقوله (فلهم
أجرهم) جملة في موضع الخبر، ودخلت الفاء هنا لشبه الذي بالشرط في إبهامه
ووصله بالفعل (بالليل) ظرفا والباء فيه بمعنى في، و (سرا وعلانية) مصدران
في موضع الحال.
قوله تعالى (الذين يأكلون الربا) مبتدأ (لا يقومون) خبره، والكاف
في موضع نصب وصفا لمصدر محذوف تقديره: إلا قياما مثل قيام الذي يتخبطه ولام
الربا واو لأنه من ربا يربو وتثنيته ربوان، ويكتب بالألف. وأجاز الكوفيون كتبه
وتثنيته بالياء قالوا لأجل الكسرة التي في أوله وهو خطأ عندنا، و (من المس)
يتعلق بيتخبطه: أي من جهة الجنون فيكون في موضع نصب (ذلك) مبتدأ،
و (بأنهم قالوا) الخبر: أي مستحق بقولهم (جاءه موعظة) إنما لم تثبت التاء
لأن تأنيث الموعظة غير حقيقي، فالموعظة بمعنى.
116

قوله تعالى (يمحق الله الربا) روى أبو زيد الأنصاري أن بعضهم قرأ بكسر
الراء وضم الباء وواو ساكنة، وهي قراءة بعيدة إذ ليس في الكلام اسم في آخره واو
قبلها ضمة لا سيما وقبل الضمة كسرة، وقد يؤول على أنه وقف على مذهب من قال
هذه افعوا فتقلب الألف في الوقف واوا، فإما أن يكون لم يضبط الراوي حركة
الباء أو يكون سمى قربها من الضمة ضما.
قوله تعالى (ما بقي) الجمهور على فتح الباء، وقد قرئ شاذا بسكونها،
ووجهه أنه خفف بحذف الحركة عن الياء بعد الكسرة، وقد قال المبرد: تسكين
ياء المنقوص في النصب من أحسن الضرورة هذا مع أنه معرب فهو في الفعل الماضي
أحسن.
قوله تعالى (فأذنوا) يقرأ بوصل الهمزة وفتح الذال وماضيه أذن، والمعنى:
فأيقنوا بحرب، ويقرأ بقطع الهمزة والمد وكسر الذال وماضيه آذن: أي أعلم،
والمفعول محذوف: أي فأعلموا غيركم، وقيل المعنى: صيروا عالمين بالحرب
(لا تظلمون ولا تظلمون) يقرأ بتسمية الفاعل في الأول، وترك التسمية
في الثاني ووجهه أن منعهم من الظلم أهم فبدئ به، ويقرأ بالعكس. والوجه فيه أنه
قدم ما تطمئن به نفوسهم من نفى الظلم عنهم ثم منعهم من الظلم، ويجوز أن تكون
القراءتان بمعنى واحد، لأن الواو لا ترتب.
قوله تعالى (وإن كان ذو عسرة) كان هنا التامة: أي إن حدث ذو عسرة،
وقيل هي الناقصة، والخبر محذوف تقديره: وإن كان ذو عسرة لكم عليه حق
أو نحو ذلك، ولو نصب فقال ذا عسرة لكان الذي عليه الحق معينا بالذكر السابق،
وليس ذلك في اللفظ إلا أن يتحمل لتقديره، والعسرة والعسر بمعنى، والنظرة بكسر
الظاء مصدر بمعنى التأخير، والجمهور على الكسر، ويقرأ بالإسكان إيثارا للتخفيف
كفخذ وفخذ وكتف وكتف، ويقرأ فناظرة بالألف وهي مصدر كالعاقبة والعافية،
ويقرأ فناظره على الأمر كما تقول ساهله بالتأخير (إلى ميسرة) أي إلى وقت
ميسرة أو وجود ميسرة، والجمهور على فتح السين والتأنيث، وقرئ بضم السين
وجعل الهاء ضميرا، وهو بناء شاذ لم يأت منه إلا مكرم ومعون، على أن ذلك قد تؤول
على أنه جمع مكرمة ومعونة، وتحتمل القراءة بعد ذلك أمرين: أحدهما أن يكون جمع
ميسرة كما قالوا في البناءين. والثاني أن يكون أراد ميسورة فحذف الواو اكتفاء بدلالة
الضمة عليها وارتفاع نظرة على الابتداء والخبر محذوف: أي فعليكم نظرة.
117

وإلى يتعلق بنظرة (وأن تصدقوا) يقرأ بالتشديد وأصله تتصدقوا، فقلب التاء
الثانية صادا وأدغمها، ويقرأ بالتخفيف على أنه حذف التاء حذفا.
قوله تعالى (ترجعون فيه) الجملة صفة يوم، ويقرأ بفتح التاء على تسمية
الفاعل، وبضمها على ترك التسمية على أنه من ترجعته: أي رددته، وهو متعد على
هذا الوجه، ولولا ذلك لما بنى لما لم يسم فاعله، ويقرأ بالياء على الغيبة (وهم
لا يظلمون) يجوز أن يكون حالا من " كل " لأنها في معنى الجمع، ويجوز أن
يكون حالا من الضمير في يرجعون على القراءة بالياء على أنه خرج من الخطاب إلى
الغيبة كقوله " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ".
قوله تعالى (إلى أجل) هو متعلق بتداينتم، ويجوز أن يكون صفة لدين: أي
مؤخر ومؤجل، وألف (مسمى) منقلبة عن ياء، وكذا كل ألف وقعت رابعة
فصاعدا إذا كانت منقلبة فإنها تكون منقلبة عن ياء، ثم ينظر في أصل الياء (بالعدل)
متعلق بقوله " وليكتب " أي ليكتب بالحق، فيجوز أن يكون أي وليكتب عادلا،
ويجوز أن يكون مفعولا به، أي بسبب العدل، وقيل الباء زائدة، والتقدير:
وليكتب العدل، وقيل هو متعلق بكاتب: أي كاتب موصوف بالعدل أو محضار
(كما علمه الله) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف، وهو من تمام أن
يكتب، وقيل هو متعلق بقوله (فليكتب) ويكون الكلام قد تم عند قوله: أن
يكتب، والتقدير: فليكتب كما علمه الله (وليملل) ماضي هذا الفعل أمل، وفيه
لغة أخرى أملى، ومنه قوله " فهي تملى عليه " وفيه كلام يأتي في موضعه إن شاء الله
(منه شيئا) يجوز أن يتعلق من بيبخس، ويكون لابتداء غاية البخس، ويجوز
أن يكون التقدير شيئا منه، فلما قدمه صار حالا والهاء للحق (أن يمل هو) هو هنا
توكيد والفاعل مضمر، والجمهور على ضم الهاء، لأنها كلمة منفصلة عما قبلها فهي
مبدوء بها وقرئ بإسكانها على أن يكون أجرى المنفصل مجرى المتصل بالواو أو الفاء
أو اللام نحو وهو فهو لهو (بالعدل) مثل الأولى (من رجالكم) يجوز أن يكون
صفة لشهيدين، ويجوز أن يتعلق باستشهدوا (فإن لم يكونا) الألف ضمير
الشاهدين (فرجل) خبر مبتدأ محذوف: أي فالمستشهد رجل (وامرأتان) وقيل
هو فاعل: أي فليستشهد رجل، وقيل الخبر محذوف تقديره: رجل وامرأتان
يشهدون، ولو كان قد قرئ بالنصب لكان التقدير فاستشهدوا، وقرئ في الشاذ
وامرأتان بهمزة ساكنة، ووجهه أنه خفف الهمزة فقربت من الألف، والمقربة من
118

الألف في حكمها ولهذا لا يبتدأ بها، فلما صارت كالألف قلبها همزة ساكنة كما قالوا
خأتم وعألم، قال ابن جنى: ولا يجوز أن يكون سكن الهمزة لأن المفتوح لا يسكن لخفة
الفتحة، ولو قيل إنه سكن الهمزة لتوالي الحركات وتوالي الحركات يجتنب وإن
كانت الحركة فتحة كما سكنوا باء ضربت لكان حسنا (ممن ترضون) هو
في موضع رفع صفة لرجل وامرأتين تقديره: مرضيون، وقيل هو صفة لشهيدين
وهو ضعيف للفصل الواقع بينهما، وقيل هو بدل من " من رجالكم " وأصل ترضون
ترضوون، لأن لام الرضا واو لقولك الرضوان (من الشهداء) يجوز أن يكون
حالا من الضمير المحذوف: أي ترضونه كائنا من الشهداء، ويجوز أن يكون بدلا
من " من " (أن تضل) يقرأ بفتح الهمزة على أنها المصدرية الناصية للفعل وهو
مفعول له وتقديره: لأن تضل إحداهما (فتذكر) بالنصب معطوف عليه.
فإن قلت. ليس الغرض من استشهاد المرأتين مع الرجل أن تضل إحداهما فكيف
يقدر باللام. فالجواب ما قاله سيبويه: إن هذا كلام محمول على المعنى، وعادة
العرب أن تقدم ما فيه السبب فيجعل في موضع المسبب لأنه يصير إليه، ومثله قولك
أعددت هذه الخشبة أن تميل الحائط فأدعمه بها، ومعلوم أنك لم تقصد بإعداد الخشبة
ميل الحائط، وإنما المعنى لادعم بها الحائط إذا مال، فكذلك الآية تقديرها: لأن
تذكر إحداهما الأخرى إذا ضلت أو لضلالها، ولا يجوز أن يكون التقدير: مخافة
أن تضل، لأنه عطف عليه فتذكر، فيصير المعنى مخافة أن تذكر إحداهما الأخرى
إذا ضلت، وهذا عكس المراد، ويقرأ فتذكر بالرفع على الاستئناف. ويقرأ إن
بكسر الهمزة على أنها شرط، وفتحة اللام على هذا حركة بناء لالتقاء الساكنين،
فتذكر جواب الشرط، ورفع الفعل لدخول الفاء الجواب، ويقرأ بتشديد الكاف
وتخفيفها، يقال: ذكرته وأذكرته، و (إحداهما) للفاعل، و (الأخرى) المفعول
ويصح في المعنى العكس إلا أنه يمتنع في الإعراب على ظاهر قول النحويين، لأن
الفاعل والمفعول إذا لم يظهر فيهما علامة الإعراب أوجبوا تقديم الفاعل في كل موضع
يخاف فيه اللبس، فعلى هذا أمن اللبس جاز تقديم المفعول كقولك: كسر عيسى
العصا، وهذه الآية من هذا القبيل، لأن النسيان والإذكار لا يتعين في واحدة منهما،
بل ذلك على الإبهام، وقد علم بقوله " فتذكر " أن التي تذكر هي الذاكرة، والتي
تذكر هي الناسية، كما علم لفظ كسر من يصح منه الكسر، فعلى هذا يجوز أن يجعل
إحداهما فاعلا، والأخرى مفعولا، وأن يعكس.
119

فإن قيل: لم لم يقل فتذكرها الأخرى. قيل فيه وجهان: أحدهما أنه أعاد
الظاهر ليدل على الإبهام في الذكر والنسيان، ولو أضمر لتعين عوده إلى المذكور،
والثاني أنه وضع الظاهر موضع المضمر تقديره فتذكرها، وهذا يدل على أن إحداهما
الثانية مفعول مقدم، ولا يجوز أن يكون فاعلا في هذا الوجه، لأن الضمير هو المظهر
بعينه، والمظهر الأول فاعل تضل، فلو جعل الضمير لذلك المظهر لكانت الناسية
هي المذكرة وذا محال، والمفعول الثاني لتذكر محذوف تقديره: الشهادة ونحو ذلك
وكذلك مفعول (يأب) وتقديره: ولا يأب الشهداء إقامة الشهادة وتحمل الشهادة،
و (إذا) ظرف ليأب ويجوز أن يكون ظرفا للمفعول المحذوف، و (أن تكتبوه)
في موضع نصب بتسأموا وتسأموا يتعدى بنفسه، وقيل بحرف الجر، و (صغيرا أو كبيرا)
حالان من الهاء، و (إلى) متعلقة بتكتبوه، ويجوز أن تكون حالا من الهاء أيضا،
و (عند الله) ظرف لأقسط، واللام في قوله (للشهادة) يتعلق بأقوم، وأفعل
يعمل في الظروف وحروف الجر، وصحت الواو في أقوم كما صحت في فعل التعجب،
وذلك لجموده وإجرائه مجرى الأسماء الجامدة، وأقوم يجوز أن يكون من أقام المتعدية
لكنه حذف الهمزة الزائدة ثم أتى بهمزة أفعل كقوله تعالى " أي الحزبين أحصى "
فيكون المعنى: أثبت لإقامتكم الشهادة، ويجوز أن يكون من قام اللازم، ويكون
المعنى: ذلك أثبت لقيام الشهادة، وقامت الشهادة ثبتت وألف (أدنى) منقلبة عن واو
لأنه من دنا يدنو، و (أن لا ترتابوا) في موضع نصب، وتقديره. وأدنى لئلا
ترتابوا، أو إلى أن لا ترتابوا (تجارة) يقرأ بالرفع على أن تكون التامة، و (حاضرة)
صفتها، ويجوز أن تكون الناقصة، واسمها تجارة، وحاضرة صفتها، و (تديرونها)
الخبر، و (بينكم) ظرف لتديرونها، وقرئ بالنصب على أن يكون اسم الفاعل
مضمرا فيه تقديره، إلا أن تكون المبايعة تجارة، والجملة المستثناة في موضع نصب
لأنه استثناء من الجنس، لأنه أمر بالاستشهاد في كل معاملة، واستثنى منه التجارة
الحاضرة، والتقدير: إلا في حال حضور التجارة، ودخلت الفاء في (فليس)
إيذانا بتعلق ما بعدها بما قبلها، و (أن لا تكتموها) تقديره في ألا تكتبوها، وقد
تقدم الخلاف في موضعه من الإعراب في غير موضع (ولا يضار كاتب) فيه وجوه
من القراءات قد ذكرت في قوله " لا تضار والدة " وقرئ هنا بإسكان الراء مع التشديد
وهي ضعيفة، لأنه في التقدير جمع بين ثلاث سواكن إلا أن لها وجها وهو أن الألف
لمدها تجرى مجرى المتحرك فيبقى ساكنان، والوقف عليه ممكن، ثم أجرى الوصل
120

مجرى الوقف، أو يكون وقف عليه وقيفة يسيرة، وقد جاء ذلك في القوافي. والهاء
في (فإنه) تعود على الإباء أو الإضرار، و (بكم) متعلق بمحذوف تقديره
لاحق بكم (ويعلمكم الله) مستأنف لا موضع له، وقيل موضعه حال من الفاعل
في اتقوا تقديره: واتقوا الله مضمونا التعليم أو الهداية، ويجوز أن يكون
حالا مقدرة.
قوله تعالى (فرهن) خبر مبتدإ محذوف تقديره: فالوثيقة أو التوثق، ويقرأ
بضم الهاء وسكونها وهو جمع رهن مثل سقف وسقف وأسد وأسد، والتسكين لثقل
الضمة بعد الضمة، وقيل رهن جمع رهان ورهان جمع رهن، وقد قرئ به مثل
كلب وكلاب، والرهن مصدر في الأصل وهو هنا بمعنى مرهون (الذي اؤتمن)
إذا وقفت على الذي ابتدأت أو تمن، فالهمزة للوصل والواو بدل من الهمزة التي
هي فاء الفعل، فإذا وصلت حذفت همزة الوصل وأعدت الواو إلى أصلها وهو
الهمزة، وحذفت ياء الذي لالتقاء الساكنين، وقد أبدلت الهمزة ياء ساكنة، وياء
الذي محذوفة لما ذكرنا، وقد قرئ به (أمانته) مفعول يؤد لا مصدر اؤتمن،
والأمانة بمعنى المؤتمن (ولا تكتموا) الجمهور على التاء للخطاب كصدر الآية
وقرئ بالياء على الغيبة لأن قبله غيبا، إلا أن الذي قبله مفرد في اللفظ وهو جنس،
فلذلك جاء الضمير مجموعا على المعنى (فإنه) الهاء ضمير من، ويجوز أن تكون
ضمير الشأن، و (آثم) فيه أوجه: أحدها أنه خبر إن، و (قلبه) مرفوع به،
والثاني كذلك إلا أن قلبه بدل من آثم لا على نية طرح الأول، والثالث أن قلبه بدل
من الضمير في آثم، والرابع أن قلبه مبتدأ وآثم خبر مقدم، والجملة خبر إن، وأجاز
قوم قلبه بالنصب على التمييز وهو بعيد لأنه معرفة.
قوله تعالى (فيغفر لمن يشاء ويعذب) يقرآن بالرفع على الاستئناف:
أي فهو يغفر، وبالجزم عطفا على جواب الشرط، وبالنصب عطفا على المعنى
بإضمار أن تقديره: فإن يغفر، وهذا يسمى الصرف، والتقدير: يكن منه حساب
فغفران، وقرئ في الشاذ بحذف الفاء، والجزم على أنه بدل من يحاسبكم.
قوله تعالى (والمؤمنون) معطوف على الرسول فيكون الكلام تاما عنده،
وقيل المؤمنون مبتدأ، و (كل) مبتدأ ثان والتقدير: كل منهم، و (آمن)
خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر الأول، وأفرد الضمير في آمن ردا على لفظ كل
(وكتبه) يقرأ بغير ألف على الجمع، لأن الذي معه جمع، ويقرأ و " كتابه "
121

على الإفراد وهو جنس، ويجوز أن يراد به القرآن وحده (ورسله) يقرأ بالضم
والإسكان، وقد ذكر وجهه (لا نفرق) تقديره: يقولون وهو في موضع الحال
وأضاف (بين) إلى أحد، لأن أحدا في معنى الجمع (وقالوا) معطوف على آمن
(غفرانك) أي اغفر غفرانك فهو منصوب على المصدر، وقيل التقدير: نسألك
غفرانك.
قوله تعالى (كسبت) وفى الثانية (اكتسبت) قال قوم: لافرق بينهما،
واحتجوا بقوله " ولا تكسب كل نفس إلا عليها " وقال " ذوقوا ما كنتم تكسبون "
فجعل الكسب في السيئات كما جعله في الحسنات: وقال آخرون: اكتسب افتعل
بدل على شدة الكلفة، وفعل السيئة شديد لما يؤول إليه (ولا تؤاخذنا) يقرأ بالهمزة
والتخفيف، والماضي آخذته، وهو من الأخذ بالذنب وحكى وأخذته بالواو.
سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم
(ألم) قد تقدم الكلام عليها في أول البقرة والميم من ميم حركت لالتقاء الساكنين
وهو الميم، ولام التعريف في اسم الله، ولم تحرك لسكونها وسكون الياء قبلها، لأن
جميع هذه الحروف التي على هذا المثال تسكن إذا لم يلقها ساكن بعدها كقوله لام ميم
ذلك الكتاب، وحم، وطس، وق وك. وفتحت لوجهين: أحدهما كثرة استعمال
اسم الله بعدها، والثاني ثقل الكسرة بعد الياء والكسرة، وأجاز الأخفش كسرها،
وفيه من القبح ما ذكرنا، وقيل فتحت لأن حركة همزة الله ألقيت عليها، وهذا بعيد
لأن همزة الوصل لاحظ لها في الثبوت في الوصل حتى تلقى حركتها على غيرها، وقيل
الهمزة في الله همزة قطع، وإنما حذفت لكثرة الاستعمال، فلذلك ألقيت حركتها على
الميم لأنها تستحق الثبوت، وهذا يصح على قول من جعل أداة التعريف أل (الله
لا إله إلا هو الحي القيوم) قد ذكر إعرابه في آية الكرسي (نزل عليك)
هو خبر آخر، وما ذكرناه في قوله " لا تأخذه " فمثله هاهنا، وقرئ نزل عليك بالتخفيف
و (الكتاب) بالرفع، وفى الجملة وجهان: أحدهما هي منقطعة، والثاني هي متصلة
بما قبلها، والضمير محذوف تقديره: من عنده، و (بالحق) حال من الكتاب،
و (مصدقا) إن شئت جعلته حالا ثانيا، وإن شئت جعلته بدلا من موضع قوله بالحق،
وإن شئت جعلته حالا من الضمير في المجرور (التوراة) فوعلة من ورى الزنديرى
122

إذا ظهر منه النار، فكان التوراة ضياء من الضلال، فأصلها وورية فأبدلت الواو
الأولى تاء كما قالوا تولج وأصله وولج وأبدلت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
وقال الفراء: أصلها تورية على تفعلة كتوصية، ثم أبدل من الكسرة الفتحة فانقلبت
الياء ألفا، كما قالوا في ناصية ناصاة، ويجوز إمالتها لأن أصل ألفها ياء (والإنجيل)
إفعيل من النجل وهو الأصل الذي يتفرع عنه غيره، ومنه سمى الولد نجلا، واستنجل
الوادي إذا نز ماؤه، وقيل هو من السعة من قولهم: نجلت الإهاب إذا شققته، ومنه
عين نجلاء واسعة الشق، فالإنجيل الذي هو كتاب عيسى تضمن سعة لم تكن لليهود،
وقرأ الحسن " الإنجيل " بفتح الهمزة، ولا يعرف له نظير، إذ ليس في الكلام أفعيل،
إلا أن الحسن ثقة، فيجوز أن يكون سمعها، و (من قبل) يتعلق بأنزل، وبنيت
قبل لقطعها عن الإضافة، والأصل من قبل ذلك، فقبل في حكم بعض الاسم وبعض
الاسم لا يستحق إعرابا (هدى) حال من الإنجيل والتوراة، ولم يئن لأنه مصدر،
ويجوز أن يكون حالا من الإنجيل، ودل على حال للتوراة محذوفة كما يدل أحد الخبرين
على الآخر (للناس) يجوز أن يكون صفة لهدى، وأن يكون متعلقا به، و (الفرقان)
فعلال من الفرق، وهو مصدر في الأصل، فيجوز أن يكون بمعنى الفارق أو المفروق
ويجوز أن يكون التقدير ذا الفرقان.
قوله تعالى (لهم عذاب) ابتداء وخبر في موضع خبر إن، ويجوز أن يرتفع
العذاب بالظرف.
قوله تعالى (في الأرض) يجوز أن يكون صفة لشئ، وأن يكون متعلقا بيخفى
قوله تعالى (في الأرحام) في متعلقة بيصور، ويجوز أن يكون حالا من الكاف
والميم: أي يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ (كيف يشاء) كيف في موضع
نصب بيشاء وهو حال، والمفعول: محذوف تقديره: يشاء تصويركم، وقيل كيف
ظرف ليشاء، وموضع الجملة حال تقديره: يصوركم على مشيئته أي مريدا، فعلى
هذا يكون حالا من ضمير اسم الله، ويجوز أن تكون حالا من الكاف والميم: أي
يصوركم متقلبين على مشيئته (لا إله إلا هو العزيز الحكيم) هو مثل قوله لا إله
إلا هو الرحمن الرحيم.
قوله تعالى (منه آيات) الجملة في موضع نصب على الحال من الكتاب، ولك
أن ترفع آيات بالظرف لأنه قد اعتمد، ولك أن ترفعه بالابتداء والظرف خبره
(هن أم الكتاب) في موضع رفع صفة لآيات وإنما أفرد أم وهو خبر عن جمع،
123

لأن المعنى أن جميع الآيات بمنزلة آية واحدة فأفرد على المعنى، ويجوز أن يكون أفرد
في موضع الجمع على ما ذكرنا في قوله " وعلى سمعهم " ويجوز أن يكون المعنى كل
منهن أم الكتاب، كما قال الله تعالى " فاجلدوهم ثمانين " أي فاجلدوا كل واحد منهم
(وأخر) معطوف على آيات، و (متشابهات) نعت لأخر.
فإن قيل: واحدة متشابهات متشابهة، وواحدة أخر أخرى، والواحد هنا
لا يصح أن يوصف بهذا الواحد فلا يقال أخرى متشابهة إلا أن يكون بعض الواحدة
يشبه بعضا، وليس المعنى على ذلك، وإنما المعنى أن كل آية تشبه آية أخرى فكيف
صح وصف هذا الجمع بهذا الجمع، ولم يوصف مفرده بمفرده.
قيل: التشابه لا يكون إلا بين اثنين فصاعدا، فإذا اجتمعت الأشياء المتشابهة كان
كل منهما مشابها للآخر، فلما لم يصح التشابه إلا في حالة الاجتماع وصف الجمع
بالجمع، لأن كل واحد من مفرداته يشابه باقيها، فأما الواحد فلا يصح فيه هذا
المعنى، ونظيره قوله تعالى " فوجد فيها رجلين يقتتلان " فثنى الضمير وإن كان
لا يقال في الواحد يقتتل (ما تشابه منه) ما بمعنى الذي، ومنه حال من ضمير
الفاعل: والهاء تعود على الكتاب (ابتغاء) مفعول له، والتأويل مصدر أول
يؤول، وأصله من آل يؤول إذا انتهى نهايته، و (الراسخون) معطوف على اسم
الله، والمعنى أنهم يعلمون تأويله أيضا، و (يقولون) في موضع نصب على الحال
وقيل الراسخون مبتدأ، ويقولون الخبر، والمعنى: أن الراسخين لا يعلمون تأويله
بل يؤمنون به (كل) مبتدأ: أي كله أو كل منه، و (من عند) الخبر وموضع
آمنا وكل من عند ربنا نصب بيقولون.
قوله تعالى (لا تزغ قلوبنا) الجمهور على ضم التاء ونصب القلوب، يقال:
زاغ القلب وأزاغه الله، وقرئ بفتح التاء ورفع القلوب على نسبة الفعل إليها،
و (إذ هديتنا) ليس بظرف لأنه أضيف إليه بعد (من لدنك) لدن مبنية على
السكون، وهي مضافة لأن علة بنائها موجودة بعد الإضافة، والحكم يتبع العلة،
وتلك العلة أن لدن بمعنى عند الملاصقة للشئ، فعند إذا ذكرت لم تختص بالمقارنة،
ولدن عند مخصوص فقد صار فيها معنى لا يدل عليه الظرف بل هو من قبيل ما يفيده
الحرف، فصارت كأنها متضمنة للحرف الذي كان ينبغي أن يوضع دليلا على القرب
ومثله ثم وهنا لأنهما بنيا لما تضمنا حرف الإشارة. وفيها لغات هذه إحداها، وهي
فتح اللام وضم الدال وسكون النون. والثانية كذلك إلا أن الدال ساكنة، وذلك
124

تخفيف كما خفف عضد، والثالثة بضم اللام وسكون الدال، والرابعة لدى (1)،
والخامسة لد بفتح اللام وضم الدال من غير نون، والسادسة بفتح اللام وإسكان
الدال ولا شئ بعد الدال.
قوله تعالى (جامع الناس) الإضافة غير محضة لأنه مستقبل، والتقدير: جامع
الناس (ليوم) تقديره: لعرض يوم أو حساب يوم، وقيل اللام بمعنى في: أي
في يوم، والهاء في (فيه) تعود على اليوم، وإن شئت على الجمع، وإن شئت على
الحساب أو العرض، ولا ريب في موضع جر صفة ليوم (إن الله لا يخلف) أعاد
ذكر الله مظهرا تفخيما، ولو قال إنك لا تخلف كان مستقيما، ويجوز أن يكون مستأنفا
وليس محكيا عمن تقدم، و (الميعاد) مفعال من الوعد قلبت واوه ياء لسكونها
وانكسار ما قبلها.
قوله تعالى (لن تغنى) الجمهور على التاء لتأنيث الفاعل، ويقرأ بالياء لأن
تأنيث الفاعل غير حقيقي، وقد فصل بينهما أيضا (من الله) في موضع نصب لأن
التقدير: من عذاب الله، والمعنى: لن تدفع الأموال عنهم عذاب الله، و (شيئا)
على هذا في موضع المصدر تقديره: غنى ويجوز أن يكون شيئا مفعولا به على
المعنى، لأن معنى تغنى عنهم تدفع، ويكون من الله صفة لشئ في الأصل قدم فصار
حالا، والتقدير لن تدفع عنهم الأموال شيئا من عذاب الله. والوقود بالفتح الحطب
وبالضم التوقد، وقيل هما لغتان بمعنى.
قوله تعالى (كدأب) الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف، وفى ذلك
المحذوف أقوال: أحدها تقديره: كفروا كفرا كعادة آل فرعون، وليس الفعل
المقدر هاهنا هو الذي في صلة الذين، لأن الفعل قد انقطع تعلقه بالكاف لأجل
استيفاء الذين خبره، ولكن بفعل دل عليه " كفروا " التي هي صلة. والثاني تقديره
عذبوا عذابا كدأب آل فرعون، ودل عليه أولئك هم وقود النار. والثالث تقديره
بطل انتفاعهم بالأموال والأولاد كعادة آل فرعون. والرابع تقديره: كذبوا تكذيبا
كدأب آل فرعون، فعلى هذا يكون الضمير في كذبوا لهم، وفي ذلك تخويف لهم
لعلمهم بما حل بآل فرعون، وفى أخذه لآل فرعون (والذين من قبلهم)
على هذا في موضع جر عطفا على آل فرعون، وقيل الكاف في موضع رفع خبر
ابتداء محذوف تقديره: دأبهم في ذلك مثل دأب آل فرعون، فعلى هذا يجوز في
والذين من قبلهم وجهان: أحدهما هو جر بالعطف أيضا، وكذبوا في موضع الحال

(1) (قوله والرابعة لدى) يقرأ بالتنوين كقفا كما في القاموس اه‍ مصححة.
125

وقد معه مرادة، ويجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له ذكر لشرح حالهم، والوجه.
الآخر أن يكون الكلام تم على فرعون والذين من قبلهم مبتدأ، و (كذبوا) خبره،
و (شديد العقاب) تقديره: شديد عقابه فالإضافة غير محضة، وقيل شديد هنا
بمعنى مشدد، فيكون على هذا من إضافة اسم الفاعل إلى المفعول، وقد جاء فعيل
بمعنى مفعل ومفعل.
قوله تعالى (ستغلبون وتحشرون) يقرآن بالتاء على الخطاب: أي واجههم
بذلك وبالياء تقديره: أخبرهم بأحوالهم فإنهم سيغلبون ويحشرون (وبئس المهاد)
أي جهنم فحذف المخصوص بالذم.
قوله تعالى (قد كان لكم آية) آية اسم كان، ولم يؤنث لأن التأنيث غير
حقيقي، ولأنه فصل، ولأن الآية والدليل بمعنى، وفى الخبر وجهان: أحدهما لكم
و (في فئتين) نعت لآية. والثاني أن الخبر في فئتين، ولكم متعلق بكان، ويجوز
أن يكون لكم في موضع نصب على الحال على أن يكون صفة لآية: أي آية كائنة
لكم فيتعلق بمحذوف، و (التقتا) في موضع جر نعتا لفئتين، و (فئة) خبر
مبتدأ محذوف: أي إحداهما فئة (وأخرى) نعت لمبتدأ محذوف تقديره: وفئة
أخرى (كافرة) فإن قيل: إذا قررت في الأول إحداهما مبتدأ كان القياس أن يكون
والأخرى: أي والأخرى فئة كافرة، قيل، لما علم أن التفريق هنا لنفس المثنى
المقدم ذكره كان التعريف والتنكير واحدا، ويقرأ في الشاذ " فئة تقاتل وأخرى كافرة "
بالجر فيهما على أنه بدل من فئتين، ويقرأ أيضا بالنصب فيهما على أن يكون حالا
من الضمير في التقتا تقديره: التقتا مؤمنة وكافرة، وفئة أخرى على هذا للحال،
وقيل فئة، وما عطف عليها على قراءة من رفع بدل من الضمير في التقتا (ترونهم)
يقرأ بالتاء مفتوحة، وهو من رؤية العين، و (مثليهم) حال، و (رأى العين)
مصدر مؤكد، ويقرأ في الشاذ " ترونهم " بضم التاء على ما لم يسم فاعله، وهو من
أورى إذا دله غيره عليه كقولك، أريتك هذا الثوب، ويقرأ في المشهور بالياء على
الغيبة، فأما القراءة بالتاء فلان أول الآية خطاب، وموضع الجملة على هذا يجوز أن
يكون نعتا صفة لفئتين، لأن فيها ضميرا يرجع عليهما، ويجوز أن يكون حالا من
الكاف في لكم، وأما القراءة بالياء فيجوز أن يكون في معنى التاء، إلا أنه رجع من
الخطاب إلى الغيبة، والمعنى واحد وقد ذكر نحوه، ويجوز أن يكون مستأنفا، ولا
يجوز أن يكون من رؤية القلب على كل الأقوال لوجهين: أحدهما قوله رأى العين،
126

والثاني أن رؤية القلب علم، ومحال أن يعلم الشئ شيئين. (يؤيد) يقرأ بالهمز على
الأصل وبالتخفيف، وتخفيف الهمزة هنا جعلها واوا خالصة لأجل الضمة قبلها،
ولا يصح أن تجعل بين بين لقربها من الألف، ولا يكون ما قبل الألف إلا مفتوحا،
ولذلك لم تجعل الهمزة المبدوء بها بين بين لاستحالة الابتداء بالألف.
قوله تعالى (زين) الجمهور على ضم الزاي، ورفع (حب) ويقرأ بالفتح
ونصب حب تقديره: زين للناس الشيطان على ما جاء صريحا في الآية الأخرى،
وحركت الهاء بفى (الشهوات) لأنها اسم غير صفة (من النساء) في موضع الحال
من الشهوات، والنون في القنطار أصل، ووزنه فعلال مثل حملاق، وقيل هي زائدة
واشتقاقه من قطر يقطر إذا جرى، والذهب والفضة يشبهان بالماء في الكثرة وسرعة
التقلب، و (من الذهب) في موضع الحال من المقنطرة (والخيل) معطوف
على النساء لا على الذهب والفضة لأنها لا تسمى قنطارا، وواحد الخيل خائل، وهو مشتق
من الخيلاء مثل طير وطائر، وقال قوم: لا واحد له من لفظه بل هو اسم للجمع
والواحد فرس، ولفظه لفظ المصدر، ويجوز أن يكون مخففا من خيل ولم يجمع
(الحرث) لأنه مصدر بمعنى المفعول، وأكثر الناس على أنه لا يجوز إدغام الثاء
في الذال هنا لئلا يجمع بين ساكنين لأن الراء ساكنة، فأما الادغام في قوله يلهث
ذلك فجائز، و (المآب) مفعل من آب يئوب، والأصل مأوب، فلما تحركت
الواو وانفتح ما قبلها في الأصل وهو آب قلبت ألفا.
قوله تعالى (قل أؤنبئكم) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الأصل، وتقلب الثانية
واوا خالصة لانضمامها وتليينها وهو جعلها بين الواو والهمزة، وسوغ ذلك انفتاح
ما قبلها (بخير من ذلكم) " من " في موضع نصب بخير تقديره: بما يفضل ذلك،
ولا يجوز أن يكون صفة لخير، لأن ذلك يوجب أن تكون الجنة وما فيها مما رغبوا فيه
بعضا لما زهدوا فيه من الأموال ونحوها (للذين اتقوا) خبر المبتدأ الذي هو
(جنات) و (تجرى) صفة لها. وعند ربهم يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون
ظرفا للاستقرار. والثاني أن يكون صفة للجنات في الأصل قدم فانتصب على الحال
ويجوز أن يكون العامل تجرى، و (من تحتها) متعلق بتجري، ويجوز أن يكون
حالا من (الأنهار) أي تجرى الأنهار كائنة تحتها. ويقرأ جنات بكسر التاء وفيه
وجهان: أحدهما هو مجرور بدلا من خير، فيكون للذين اتقوا على هذا صفة لخير،
والثاني أن يكون منصوبا على إضمار أعنى، أو بدلا من موضع بخير، ويجوز أن يكون
127

الرفع على خبر مبتدأ محذوف: أي هو جنات، ومثله " بشر من ذلكم النار " ويذكر
في موضعه إن شاء الله تعالى، و (خالدين فيها) حال إن شئت من الهاء في تحتها،
وإن شئت من الضمير في اتقوا، والعامل الاستقرار، وهي حال مقدرة (وأزواج)
معطوف على جنات بالرفع، فأما على القراءة الأخرى فيكون مبتدأ وخبره محذوف
تقديره: ولهم أزواج (ورضوان) يقرأ بكسر الراء وضمها وهما لغتان، وهو مصدر
ونظير الكسر الإتيان والقربات، ونظير الضم الشكران والكفران.
قوله تعالى (الذين يقولون) يجوز أن يكون في موضع جر صفة للذين اتقوا
أو بدل منه، ويضعف أن يكون صفة للعباد، لأن فيه تخصيصا لعلم الله وهو جائز
على ضعفه، ويكون الوجه فيه إعلامهم بأنه عالم بمقدار مشقتهم في العبادة فهو يجازيهم
عليها، كما قال: والله أعلم بإيمانكم، ويجوز أن يكون في موضع نصب على تقدير
أعنى، وأن يكون في موضع رفع على إضمارهم.
قوله تعالى (الصابرين) وما بعده يجوز أن يكون مجرورا، وأن يكون منصوبا
صفة للذين إذا جعلته في موضع جر أو نصب، وإن جعلت الذين رفعا نصبت
الصابرين بأعني.
فإن قيل: لم دخلت الواو في هذه وكلها لقبيل واحد؟ ففيه جوابان: أحدهما أن
الصفات إذا تكررت جاز أن يعطف بعضها على بعض بالواو، وإن كان الموصوف
بها واحدا، ودخول الواو في مثل هذا الضرب تفخيم، لأنه يؤذن بأن كل صفة مستقلة
بالمدح، والجواب الثاني أن هذه الصفات متفرقة فيهم، فبعضهم صابر وبعضهم
صادق، فالموصوف بها متعدد.
قوله تعالى (شهد الله) الجمهور على أنه فعل وفاعل، ويقرأ " شهداء لله " جمع
شهيدا أو شاهد بفتح الهمزة وزيادة لام مع اسم الله، وهو حال من يستغفرون، ويقرأ
كذلك إلا أنه مرفوع على تقدير: هم شهداء، ويقرأ " شهداء الله " بالرفع والإضافة،
و (أنه) أي بأنه في موضع نصب أو جر على ما ذكرنا من الخلاف في غير موضع
(قائما) حال من هو، والعامل فيه معنى الجملة: أي يفرد قائما، وقيل هو حال
من اسم الله: أي شهد لنفسه بالوحدانية، وهي حال مؤكدة على الوجهين، وقرأ
ابن مسعود القائم على أنه بدل أو خبر مبتدأ محذوف (العزيز الحكيم) مثل الرحمن
الرحيم في قوله " وإلهكم إله واحد " وقد ذكر.
قوله تعالى (إن الذين) الجمهور على كسر الهمزة على الاستئناف، ويقرأ
128

بالفتح على أن الجملة مصدر، وموضعه جر بدلا من أنه لا إله إلا هو: أي شهد الله
بوحدانيته بأن الدين، وقيل هو بدل من القسط، وقيل هو في موضع نصب بدلا من
الموضع، والبدل على الوجوه كلها بدل الشئ من الشئ وهو هو، ويجوز بدل
الاشتمال (عند الله) ظرف العامل فيه الدين، وليس بحال منه لأن أن تعمل في الحال
(بغيا) مفعول من أجله، والتقدير: اختلفوا بعد ما جاءهم العلم للبغي، ويجوز أن
يكون مصدرا في موضع الحال (ومن يكفر) " من " مبتدأ، والخبر يكفر،
وقيل الجملة من الشرط والجزاء هي الخبر، وقيل الخبر هو الجواب، والتقدير:
سريع الحساب له.
قوله تعالى (ومن اتبعني) " من " في موضع رفع عطفا على التاء في أسلمت:
أي وأسلم من اتبعني وجوههم لله، وقيل هو مبتدأ والخبر محذوف: أي كذلك،
ويجوز إثبات الياء على الأصل وحذفها تشبيها له برؤوس الآي والقوافي، كقول الأعشى:
فهل يمنعني ارتيادي البلا * دمن حذر الموت أن يأتين
وهو كثير في كلامهم (أأسلمتم) هو في معنى الأمر: أي أسلموا كقوله " فهل
أنتم منتهون " أي انتهوا.
قوله تعالى (فبشرهم) هو خبر إن، ودخلت الفاء فيه حيث كانت صلة الذي
فعلا، وذلك مؤذن باستحقاق البشارة بالعذاب جزاء على الكفر، ولا تمنع إن من
دخول الفاء في الخبر لأنها لم تغير معنى الابتداء بل أكدته، فلو دخلت على الذي كان
أو ليت لم يجز دخول الفاء في الخبر. ويقرأ " ويقاتلون النبيين " ويقتلون هو المشهور،
ومعناهما متقارب.
قوله تعالى (يدعون) في موضع حال من الذين (وهم معرضون) في موضع
رفع صفة لفريق، أو حالا من الضمير في الجار، وقد ذكرنا ذلك في قوله " أن
تكرهوا شيئا وهو خير لكم ".
قوله تعالى (ذلك) هو خبر مبتدإ محذوف. أي ذلك الأمر ذلك، فعلى هذا
يكون قوله (بأنهم قالوا) في موضع نصب على الحال مما في ذا من معنى الإشارة:
أي ذلك الأمر مستحقا بقولهم وهذا ضعيف، والجيد أن يكون ذلك مبتدأ وبأنهم
خبره: أي ذلك العذاب مستحق بقولهم.
قوله تعالى (فكيف إذا جمعناهم) كيف في موضع نصب على الحال،
129

والعامل فيه محذوف تقديره: كيف يصنعون أو كيف يكونون، وقيل كيف ظرف
لهذا المحذوف وإذا ظرف للمحذوف أيضا.
قوله تعالى (قل اللهم) الميم المشددة عوض من ياء، وقال الفراء: الأصل
يا الله أمنا بخير، وهو مذهب ضعيف، وموضع بيان ضعفه غير هذا الموضع (مالك
الملك) هو نداء ثان: أي يا مالك الملك، ولا يجوز أن يكون صفة عند سيبويه على
الموضع، لأن الميم في آخر المنادى تمنع من ذلك عنده، وأجاز المبرد والزجاج أن يكون
صفة (تؤتى الملك) هو وما بعده من المعطوفات خبر مبتدإ محذوف: أي أنت،
وقيل هو مستأنف، وقيل الجملة في موضع الحال من المنادى، وانتصاب الحال على
المنادى مختلف فيه، والتقدير: من يشاء إتيانه إياه، ومن يشاء انتزاعه منه (بيدك
الخير) مستأنف، وقيل حكمه حكم ما قبله من الجمل.
قوله تعالى (الميت من الحي) يقرأ بالتخفيف والتشديد، وقد ذكرناه في قوله
" إنما حرم عليكم الميتة " (بغير حساب) يجوز أن يكون حالا من المفعول المحذوف:
أي ترزق من تشاؤه غير محاسب، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل: أي تشاء
غير محاسب له أو غير مضيق له، ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف أو مفعول
محذوف: أي رزقا غير قليل.
قوله تعالى (لا يتخذ المؤمنون) هو نهى، وأجاز الكسائي فيه الرفع على
الخبر، والمعنى لا يبتغى (من دون) في موضع نصب صفة لأولياء (فليس من
الله في شئ) التقدير فليس في شئ من دين الله، فمن الله في موضع نصب على
الحال لأنه صفة للنكرة قدمت عليه (إلا أن تتقوا) هذا رجوع من الغيبة إلى
الخطاب، وموضع أن تتقوا نصب لأنه مفعول من أجله، وأصل (تقاة) وقية،
فأبدلت الواو تاء لانضمامها ضما لازما مثل نحاة، وأبدلت الياء ألفا لتحركها وانفتاح
ما قبلها وانتصابها على الحال، ويقرأ تقية ووزنها فعيلة، والياء بدل من الواو أيضا
(ويحذركم الله نفسه) أي عقاب نفسه، كذا قال الزجاج، وقال غيره:
لا حذف هنا.
قوله تعالى (ويعلم ما في السماوات) هو مستأنف، وليس من جواب الشرط
لأنه يعلم ما فيها على الإطلاق.
قوله تعالى (يوم تجد) يوم هنا مفعول به: أي اذكر، وقيل هو ظرف
والعامل فيه " قدير " وقيل العامل فيه " وإلى الله المصير " وقيل العامل فيه: ويحذركم
130

الله عقابه يوم تجد فالعامل فيه العقاب لا التحذير، (وما عملت) ما فيه بمعنى الذي،
والعائد محذوف وموضعه نصب مفعول أول، و (محضرا) المفعول الثاني هكذا ذكروا،
والأشبه أن يكون محضرا حالا، وتجد المتعدية إلى مفعول واحد (وما عملت من
سوء) فيه وجهان: أحدهما هي بمعنى الذي أيضا معطوفة على الأولى، والتقدير:
وما عملت من سوء محضرا أيضا، و (تود) على هذا في موضع نصب على الحال
والعامل تجد. والثاني: أنها شرط وارتفع تود على أنه أراد ألفاه أي فهي تود، ويجوز
أن يرتفع من غير تقدير حذف لأن الشرط هنا ماض. وإذا لم يظهر في الشرط لفظ
الجزم جاز في الجزاء الجزم والرفع.
قوله تعالى (فإن تولوا) يجوز أن يكون خطابا فتكون التاء محذوفة:
أي فإن تتولوا وهو خطاب كالذي قبله، ويجوز أن يكون للغيبة فيكون لفظه
لفظ الماضي.
قوله تعالى (ذرية) قد ذكرنا وزنها وما فيها من القراءات، فأما نصبها فعلى
البدل من نوح وما عطف عليه من الأسماء، ولا يجوز أن يكون بدلا من آدم لأنه ليس
بذرية، ويجوز أن يكون حالا منهم أيضا والعامل فيها اصطفى (بعضها من بعض)
مبتدأ وخبر في موضع نصب صفة لذرية.
قوله تعالى (إذ قالت) قيل تقديره اذكر، وقيل هو ظرف لعليم، وقيل العامل
فيه اصطفى المقدرة مع آل عمران (محررا) حال من ما وهي بمعنى الذي لأنه لم يصر
ممن يعقل بعد، وقيل هو صفة لموصوف محذوف، أي غلاما محررا، وإنما قدروا
غلاما لأنهم كانوا لا يجعلون لبيت المقدس إلا الرجال.
قوله تعالى (وضعتها أنثى) أنثى حال من الهاء أو بدل منها (بما وضعت)
يقرأ بفتح العين وسكون التاء على أنه ليس من كلامها بل معترض وجاز ذلك لما فيه من
تعظيم الرب تعالى، ويقرأ بسكون العين وضم التاء على أنه من كلامها والأولى أقوى،
لأن الوجه في مثل هذا أن يقال وأنت أعلم بما وضعت. ووجه جوازه أنها وضعت
الظاهر موضع المضمر تفخيما، ويقرأ بسكون العين وكسر التاء كأن قائلا قال لها ذلك
(سميتها مريم) هذا الفعل مما يتعدى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه وتارة بحرف
الجر تقول العرب سميتك زيدا وبزيد.
قوله تعالى (وأنبتها نباتا حسنا) هو هنا مصدر على غير لفظ الفعل المذكور
131

وهو نائب عن إنبات، وقيل التقدير فنبتت نباتا، والنبت والنبات بمعنى، وقد يعبر بهما
عن النابت، وتقبلها: أي قبلها، ويقرأ على لفظ الدعاء في تقبلها وأنبتها وكفلها وربها
بالنصب: أي ياربها، و (زكريا) المفعول الثاني، ويقرأ في المشهور كفلها بفتح
الفاء، وقرئ أيضا بكسرها وهي لغة، يقال كفل يكفل مثل علم يعلم، ويقرأ بتشديد
الفاء والفاعل الله وزكريا المفعول، وهمزة زكريا للتأنيث إذ ليست منقلبة ولا زائدة
للتكثير ولا للإلحاق، وفيه أربع لغات: هذه إحداها، والثانية القصر، والثالثة
زكرى بياء مشدد من غير ألف، والرابعة زكر بغير ياء (كلما) قد ذكرنا إعرابه
أول البقرة، و (المحراب) مفعول دخل، وحق " دخل " أي يتعدى بفى أو بإلى
لكنه اتسع فيه فأوصل بنفسه إلى المفعول، و (عندها) يجوز أن يكون ظرفا لوجد
وأن يكون حالا من الرزق وهو صفة له في الأصل: أي رزقا كائنا عندها ووجد
المتعدى إلى مفعول واحد وهو جواب كلما. وأما (قال يا مريم أنى لك) فهو
مستأنف فلذلك لم يعطفه بالفاء ولذلك (قالت هو من عند الله) ولا يجوز أن يكون قال
بدلا من وجد، لأنه ليس في معناه، ويجوز أن يكون التقدير فقال فحذف الفاء كما
حذفت في جواب الشرط كقوله " وإن أطعتموهم إنكم " وكذلك قول الشاعر:
* من يفعل الحسنات الله يشكرها *
وهذا الموضع يشبه جواب الشرط، لأن كلما تشبه الشرط في اقتضائها الجواب
(هذا) مبتدأ وأنى خبره، والتقدير من أين ولك تبيين؟ ويجوز أن يرتفع هذا بلك
وأنى ظرف للاستقرار.
قوله تعالى (هنا لك) أكثر ما يقع هنا ظرف مكان وهو أصلها، وقد وقعت هنا
زمانا فهي في ذلك كعند فإنك تجعلها زمانا وأصلها المكان كقولك أتيتك عند طلوع
الشمس، وقيل هنا مكان: أي في ذلك المكان دعا زكريا والكاف حرف للخطاب
وبها تصير هنا للمكان البعيد عنك، ودخلت اللام لزيادة البعد وكسرت على أصل
التقاء الساكنين هي والألف قبلها، وقيل كسرت لئلا تلتبس بلام الملك، وإذا حذفت
الكاف فقلت هنا للمكان والحاضر في هنا دعا (قال) مثل قال أنى لك
(من لدنك) يجوز أن يتعلق بهب لي فيكون من لابتداء غاية الهبة، ويجوز أن
يكون في الأصل صفة ل‍ (ذرية) قدمت فانتصبت على الحال، و (سميع)
بمعنى سامع.
132

قوله تعالى (فنادته) الجمهور على إثبات تاء التأنيث، لأن الملائكة جماعة،
وكره (1) قوم التاء لأنها للتأنيث، وقد زعمت الجاهلية أن الملائكة إناث فلذلك قرأ من
قرأ فناداه بغير تاء والقراءة به جيدة، لأن الملائكة جمع وما اعتلوا به ليس بشئ،
لأن الإجماع على إثبات التاء في قوله " وإذ قالت الملائكة يا مريم " (وهو قائم) حال
من الهاء في نادته (يصلى) حال من الضمير في قائم، ويجوز أن يكون في موضع
رفع صفة لقائم (إن الله) يقرأ بفتح الهمزة: أي بأن الله، وبكسرها: أي قالت إن الله
لأن النداء قول (يبشرك) الجمهور على التشديد، ويقرأ بفتح الياء وضم الشين
مخففا، وبضم الياء وكسر الشين مخففا أيضا، يقال بشرته وبشرته وأبشرته. ومنه
قوله " وأبشروا بالجنة " (يحيى) اسم أعجمي، وقيل سمى بالفعل الذي ماضيه حيى
(مصدقا) حال منه (وسيدا وحصورا ونبيا) كذلك.
قوله تعالى (غلاما) اسم يكون ولى خبره، ويجوز أن يكون فاعل يكون على
أنها تامة فيكون لي متعلقا بها أو حالا من غلام أي أنى يحدث غلام لي؟ وأنى بمعنى
كيف أو من أين (بلغني الكبر) وفى موضع آخر " بلغت من الكبر " والمعنى واحد
لأن ما بلغك فقد بلغته (عاقر) أي ذات عقر فهو على النسب وهو في المعنى مفعول
أي معقورة ولذلك لم يلحق تاء التأنيث (كذلك) في موضع نصب: أي يفعل
ما يشاء فعلا كذلك.
قوله تعالى (اجعل لي آية) أي صير لي، فآية مفعول أول ولى مفعول ثان
(آيتك) مبتدأ، و (ألا تكلم) خبره، وإن كان قد قرئ تكلم بالرفع فهو جائز
على تقدير: إنك لاتكلم كقوله " ألا يرجع إليهم قولا " (إلا رمزا) استثناء من غير
الجنس، لأن الإشارة ليست كلاما، والجمهور على فتح الراء وإسكان الميم وهو
مصدر رمز ويقرأ بضمها وهو جمع رمزة بضمتين وأقر ذلك في الجمع، ويجوز أن
يكون مسكن الميم في الأصل، وإنما أتبع الضم الضم، ويجوز أن يكون مصدرا غير
جمع، وضم اتباعا كاليسر واليسر (كثيرا) أي ذكرا كثيرا، و (العشى) مفرد
وقيل جمع عشية (والإبكار) مصدر، والتقدير: ووقت الإبكار، يقال أبكر إذا
دخل في البكرة.
قوله تعالى (وإذ قالت) تقديره، واذكر إذ قالت: وإن شئت كان معطوفا
على " إذ قالت امرأة عمران " والأصل في اصطفى اصتفى ثم أبدلت التاء طاء لتوافق
الصاد في الإطباق، وكرر اصطفى إما توكيدا وإما ليبين من اصطفاها عليهم.

(1) القراءتان جيدتان صحيحتان فلا عبرة بكراهة قوم لحوق تاء التأنيث في قوله (فنادته) اه‍ مصحح.
133

قوله تعالى (ذلك من أنباء الغيب) يجوز أن يكون التقدير الأمر ذلك فعلى
هذا من أنباء الغيب حال من ذا، ويجوز أن يكون ذلك مبتدأ ومن أنباء خبره، ويجوز
أن يكون (نوحيه) خبر ذلك، ومن أنباء حالا من الهاء في نوحيه، ويجوز أن يكون
متعلقا بنوحيه أي الإيحاء مبدوء به من أنباء الغيب (إذ يلقون) ظرف لكان.
ويجوز أن يكون ظرفا للاستقرار الذي تعلق به لديهم، والأقلام جمع قلم، والقلم بمعنى
المقلوم، أي المقطوع كالنقض بمعنى المنقوض والقبض بمعنى المقبوض (أيهم يكفل
مريم) مبتدأ وخبر في موضع نصب: أي يقترعون أيهم، فالعامل فيه ما دل عليه
يلقون، و (إذ يختصمون) مثل " إذ يلقون " ويختصمون بمعنى اختصموا وكذلك
يلقون: أي ألقوا، ويجوز أن يكون حكى الحال.
قوله تعالى (إذ قالت الملائكة) إذ بدل من إذا التي قبلها، ويجوز أن يكون
ظرفا ليختصمون، ويجوز أن يكون التقدير اذكر (منه) في موضع جر صفة
للكلمة، ومن هنا لابتداء الغاية (اسمه) مبتدأ، و (المسيح) خبره، و (عيسى)
بدل منه أو عطف بيان، ولا يجوز أن يكون خبرا آخر، لأن تعدد الأخبار يوجب
تعدد المبتدأ، والمبتدأ هنا مفرد وهو قوله اسمه، ولو كان عيسى خبرا آخر لكان
أسماؤه أو أسماؤها على تأنيث الكلمة، والجملة صفة لكلمة، و (ابن مريم)
خبر مبتدأ محذوف، أي هو ابن، ولا يجوز أن يكون بدلا مما قبله ولا صفة لان
ابن مريم ليس باسم، ألا ترى أنك لا تقول اسم هذا الرجل ابن عمرو إلا إذا كان قد
علق علما عليه، وإنما ذكر الضمير في اسمه على معنى الكلمة، لأن المراد بيبشرك
بمكون أو مخلوق (وجيها - ومن المقربين. ويكلم) أحوال مقدرة، وصاحبها
معنى الكلمة، وهو مكون أو مخلوق، وجاز أن ينتصب الحال عنه وهو نكرة لأنه
قد وصف، ولا يجوز أن تكون أحوالا من المسيح، ولا من عيسى، ولا من
ابن مريم لأنها أخبار، والعامل فيها الابتداء أو المبتدأ أو هما، وليس شئ من ذلك
يعمل في الحال، ولا يجوز أن تكون أحوالا من الهاء في اسمه للفصل الواقع بينهما
ولعدم العامل في الحال.
قوله تعالى (في المهد) يجوز أن يكون حالا من الضمير في يكلم: أي يكلمهم
صغيرا، ويجوز أن يكون ظرفا (وكهلا) يجوز أن يكون حالا معطوفة على وجيها،
وأن يكون معطوفا على موضع في المهد إذا جعلته حالا (ومن الصالحين) حال
معطوفة على وجيها.
134

قوله تعالى (كذلك الله يخلق) قد ذكر في قوله " كذلك الله يفعل ما يشاء "
قصة زكريا، و (إذا قضى أمرا) مشروح في البقرة.
قوله تعالى (ونعلمه) يقرأ بالنون حملا على قوله " ذلك من أنباء الغيب نوحيه
إليك " ويقرأ بالياء حملا على يبشرك، وموضعه حال معطوفة على وجيها (ورسولا)
فيه وجهان: أحدهما هو صفة مثل صبور وشكور، فيكون حالا أيضا، أو مفعولا
به على تقدير: ويجعله رسولا، وفعول هنا بمعنى مفعل: أي مرسلا، والثاني أن
يكون مصدرا كما قال الشاعر: * أبلغ أبا سلمى رسولا تروعه * فعلى هذا
يجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال، وأن يكون مفعولا معطوفا على الكتاب:
أي ونعلمه رسالة، فإلى على الوجهين تتعلق برسول لأنهما يعملان عمل الفعل، ويجوز
أن يكون إلى نعتا لرسول فيتعلق بمحذوف (أنى) في موضع الجملة ثلاثة أوجه:
أحدها جر: أي بأنى وذلك مذهب الخليل، ولو ظهرت الباء لتعلقت برسول
أو بمحذوف يكون صفة لرسول: أي ناطقا بأنى أو مخبرا، والثاني موضعها نصب
على الموضع، وهو مذهب سيبويه، أو على تقدير: يذكر أنى، ويجوز أن يكون
بدلا من رسول إذا جعلته مصدرا تقديره ونعلمه أنى قد جئتكم، والثالث موضعها
رفع: أي هو أنى قد جئتكم إذا جعلت رسولا مصدرا أيضا (بآية) في موضع
الحال: أي محتجا بآية (من ربكم) يجوز أن يكون صفة لآية، وأن يكون
متعلقا بجئت (أنى أخلق) يقرأ بفتح الهمزة، وفى موضعه ثلاثة أوجه: أحدها
جر بدلا من آية، والثاني رفع: أي هي أنى، والثالث أن يكون بدلا من أنى الأولى،
ويقرأ بكسر الهمزة على الاستئناف أو على إضمار القول (كهيئة) الكاف في موضع
نصب نعتا لمفعول محذوف: أي هيئة كهيئة الطير، والهيئة مصدر في معنى المهيأ
كالحلق بمعنى المخلوق، وقيل الهيئة اسم لحال الشئ وليست مصدرا، والمصدر
التهيؤ والتهيؤ والتهيئة، ويقرأ كهيئة الطير على إلقاء حركة الهمزة على الياء وحذفها،
وقد ذكر في البقرة اشتقاق الطير وأحكامه، والهاء في (فيه) تعود على معنى الهيئة
لأنها معنى المهيأ، ويجوز أن تعود على الكاف لأنها اسم بمعنى مثل، وأن تعود على
الطير، وأن تعود على المفعول المحذوف (فيكون) أي فيصير، فيجوز أن تكون
كان هنا التامة، لأن معناها صار، وصار بمعنى انتقل، ويجوز أن تكون الناقصة،
و (طائرا) على الأول حال، وعلى الثاني خبر، و (بإذن الله) يتعلق بيكون
(بما تأكلون) يجوز أن تكون بمعنى الذي ونكرة موصوفة ومصدرية، وكذلك
135

ما الأخرى، والأصل في (تدخرون) تذتخرون إلا أن الذال مجهورة والتاء
مهموسة فلم يجتمعا، فأبدلت التاء دالا لأنها من مخرجها لتقرب من الذال ثم أبدلت
الذال دالا وأدغمت، ومن العرب من يقلب التاء ذالا، ويدغم ويقرأ بتخفيف الذال
وفتح الخاء وماضيه ذخر.
قوله تعالى (ومصدقا) حال معطوفة على قوله بآية: أي جئتكم بآية ومصدقا
(لما بين يدي) ولا يجوز أن يكون معطوفا على وجيها، لأن ذلك يوجب أن يكون
ومصدقا لما بين يديه على لفظ الغيبة (من التوراة) في موضع نصب على الحال من
الضمير المستتر في الظرف وهو بين، والعامل فيها الاستقرار أن نفس الظرف، ويجوز
أن يكون حالا من " ما " فيكون العامل فيها مصدقا (ولاحل) هو معطوف على
محذوف تقديره: لأخفف عنكم أو نحو ذلك (وجئتكم بآية) هذا تكرير
للتوكيد، لأنه قد سبق هذا المعنى في الآية التي قبلها.
قوله تعالى (منهم الكفر) يجوز أن يتعلق " من " بأحس، وأن يكون حالا
من الكفر (أنصاري) هو جمع نصير كشريف وأشراف، وقال قوم: هو جمع نصر
وهو ضعيف، إلا أن تقدر فيه حذف مضاف: أي من صاحب نصرى، أو تجعله
مصدرا وصف به، و (إلى) في موضع الحال متعلقة بمحذوف وتقديره: من
أنصاري مضافا إلى الله أو إلى أنصار الله، وقيل هي بمعنى مع وليس بشئ، فإن
إلى لا تصلح أن تكون بمعنى مع، ولا قياس يعضده (الحواريون) الجمهور على
تشديد الياء وهو الأصل، لأنها ياء النسبة، ويقرأ بتخفيفها لأنه فر من تضعيف الياء
وجعل ضمة الياء الباقية دليلا على أصل، كما قرءوا " يستهزئون " مع أن ضمة الياء
بعد الكسرة مستثقل، واشتقاق الكلمة من الحور وهو البياض، وكان الحواريون
يقصرون الثياب، وقيل اشتقاقه من حار يحور إذا رجع فكأنهم الراجعون إلى الله
وقيل هو مشتق من نقاء القلب وخلوصه وصدقه.
قوله تعالى (فاكتبنا مع الشاهدين) في الكلام حذف تقديره: مع
الشاهدين لك بالوحدانية.
قوله تعالى (والله خير الماكرين) وضع الظاهر موضع المضمر تفخيما،
والأصل وهو خير الماكرين.
قوله تعالى (متوفيك ورافعك إلي) كلاهما للمستقبل ولا يتعرفان
136

بالإضافة والتقدير، رافعك إلي ومتوفيك، لأنه رفع إلى السماء ثم يتوفى بعد ذلك،
وقيل الواو للجمع فلا فرق بين التقديم والتأخير، وقيل متوفيك من بينهم ورافعك
إلى السماء فلا تقديم فيه ولا تأخير (وجاعل الذين اتبعوك) قيل هو خطاب
لنبينا عليه الصلاة والسلام فيكون الكلام تاما على ما قبله، وقيل هو لعيسى.
والمعنى: أن الذين اتبعوه ظاهرون على اليهود وغيرهم من الكفار إلى قبل يوم القيامة
بالملك والغلبة، فأما يوم القيامة فيحكم بينهم فيجازى كلا على عمله.
قوله تعالى (فأما الذين كفروا) يجوز أن يكون الذين مبتدأ (فأعذبهم)
خبره ويجوز أن يكون الذين في موضع نصب بفعل محذوف يفسره فأعذبهم تقديره
فأعذب بغير ضمير مفعول لعمله في الظاهر قبله فحذف، وجعل الفعل المشغول
بضمير الفاعل مفسرا له، وموضع الفعل المحذوف بعد الصلة، ولا يجوز أن يقدر
الفعل قبل الذين لأن أما لا يليها الفعل، ومله (وأما الذين آمنوا وعملوا
الصالحات فيوفيهم) " وأما ثمود فهديناهم " فيمن نصب.
قوله تعالى (ذلك نتلوه) فيه ثلاثة أوجه: أحدها ذلك مبتدأ ونتلوه خبره.
والثاني المبتدأ محذوف وذلك خبره: أي الأمر ذلك، ونتلوه في موضع الحال: أي
الأمر المشار إليه متلوا، و (من الآيات) حال من الهاء، والثالث ذلك مبتدأ،
ومن الآيات خبره، ونتلوه حال، والعامل فيه معنى الإشارة، ويجور أن يكون ذلك
في موضع نصب بفعل دل عليه نتلوه، تقديره: نتلو ذلك فيكون من الآيات حالا من
الهاء أيضا، و (الحكيم) هنا بمعنى المحكم.
قوله تعالى (خلقه من تراب) هذه الجملة تفسير للمثل فلا موضع لها،
وقيل موضعها حال من آدم، وقد معه مقدرة، والعامل فيها معنى التشبيه، والهاء
لآدم ومن متعلقة بخلق، ويضعف أن يكون حالا لأنه يصير تقديره: خلقه كائنا من
تراب، وليس المعنى عليه (ثم قال له) ثم هاهنا لترتيب الخبر لا لترتيب المخبر
عنه لأن قوله (كن) لم يتأخر عن خلقه، وإنما هو في المعنى تفسير لمعنى الخلق،
وقد جاءت ثم غير مقيدة بترتيب المخبر عنه كقوله " فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد "
وتقول: زيد عالم ثم هو كريم، ويجوز أن تكون لترتيب المخبر عنه على أن يكون
المعنى صوره طينا، ثم قال له كن لحما ودما.
قوله تعالى (فمن حاجك فيه) الهاء ضمير عيسى، ومن شرطية، والماضي
بمعنى المستقبل و (ما) بمعنى الذي، و (من العلم) حال من ضمير الفاعل. ولا
137

يجوز أن تكون ما مصدرية على قول سيبويه والجمهور، لأن ما المصدرية لا يعود إليها
ضمير، وفى حاجك ضمير فاعل، إذ ليس بعده ما يصح أن يكون فاعلا، والعلم
لا يصح أن يكون فاعلا، لان من لا تزاد في الواجب، ويخرج على قول الأخفش أن
تكون مصدرية ومن زائدة، والتقدير: من بعد مجئ العلم إياك والأصل
في (تعالوا) تعاليوا، لأن الأصل في الماضي تعالى، والياء منقلبة عن واو لأنه من
العلو فأبدلت الواو ياء لوقوعها رابعة، ثم أبدلت الياء ألفا، فإذا جاءت واو الجمع
حذفت لالتقاء الساكنين وبقيت الفتحة تدل عليها، و (ندع) جواب لشرط
محذوف، و (نبتهل) و (نجعل) معطوفان عليه، ونجعل المتعدية إلى مفعولين
أي نصير، والمفعول الثاني (على الكاذبين).
قوله تعالى (لهو القصص) مبتدأ وخبر في موضع خبر إن (إلا الله) خبر من
إله تقديره: وما إله إلا الله.
قوله تعالى (فإن تولوا) يجوز أن يكون اللفظ ماضيا، ويجوز أن يكون مستقبلا
تقديره: يتولوا، ذكره النحاس وهو ضعيف، لأن حرف المضارعة لا يحذف.
قوله تعالى (سواء) الجمهور على الجر وهو صفة لكلمة، ويقرأ " سواء "
بالنصب على المصدر، ويقرأ " كلمة " بكسر الكاف وإسكان اللام على التخفيف
والنقل مثل فخذ وكبد (بيننا وبينكم) ظرف لسواء: أي لتستوي الكلمة
بيننا ولم تؤنث سواء، وهو صفة مؤنث، لأنه مصدر وصف به، فأما قوله (ألا نعبد)
ففي موضعه وجهان: أحدهما جر بدلا من سواء أو من كلمة، تقديره: تعالوا إلى
ترك عبادة غير الله، والثاني هو رفع تقديره: هي أن لا نعبد إلا الله، وأن هي
المصدرية، وقيل تم الكلام على سواء ثم استأنف فقال بيننا وبينكم أن لا نعبد: أي
بيننا وبينكم التوحيد، فعلى هذا يجوز أن يكون أن لا نعبد مبتدأ والظرف خبره،
والجملة صفة لكلمة، ويجوز أن يرتفع ألا نعبد بالظرف (فإن تولوا) هو ماض،
ولا يجوز أن يكون التقدير: يتولوا لفساد المعنى، لأن قوله (فقولوا اشهدوا)
خطاب للمؤمنين، ويتولوا للمشركين، وعند ذلك لا يبقى في الكلام جواب الشرط،
والتقدير: فقولوا لهم.
قوله تعالى (لم تحاجون) الأصل لما، فحذفت الألف لما ذكرنا في قوله
" فلم تقتلون " واللام متعلقة بتحاجون (إلا من بعده) من يتعلق بأنزلت،
والتقدير من بعد موته.
138

قوله تعالى (ها أنتم) ها للتنبيه، وقيل هي بدل من همزة الاستفهام، ويقرأ
بتحقيق الهمزة والمد، وبتليين الهمزة والمد، وبالقصر والهمز، وقد ذكرنا إعراب
هذا الكلام في قوله " ثم أنتم هؤلاء تقتلون " (فيما) هي بمعنى الذي أو نكرة موصوفة،
و (علم) مبتدأ ولكم خبره، وبه في موضع نصب على الحال لأنه صفة لعلم
في الأصل قدمت عليه، ولا يجوز أن تتعلق الباء بعلم إذ فيه تقديم الصلة على الموصول،
فإن علقتها بمحذوف يفسره المصدر جاز، وهو الذي يسمى تبيينا.
قوله تعالى (بإبراهيم) الباء تتعلق بأولى، وخبر إن (للذين اتبعوه) وأولى
أفعل من ولى يلي، وألفه منقلبة عن ياء لأن فاءه واو، فلا تكون لامه واو، إذ ليس
في الكلام ما فاؤه ولامه واوان إلا واو (1) (وهذا النبي) معطوف على خبر إن،
ويقرأ النبي بالنصب: أي واتبعوا هذا النبي.
قوله تعالى (وجهه النهار) وجه ظرف لآمنوا بدليل قوله (واكفروا آخره)
ويجوز أن يكون ظرفا لأنزل.
قوله تعالى (إلا لمن تبع) فيه وجهان: أحدهما أنه استثناء مما قبله، والتقدير:
ولا تقروا إلا لمن تبع، فعلى هذا اللام غير زائدة، ويجوز أن تكون زائدة، ويكون
محمولا على المعنى: أي اجحدوا كل أحد إلا من تبع، والثاني أن النية التأخير، والتقدير
ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم، فاللام على هذا زائدة، ومن
في موضع نصب على الاستثناء من أحد، فأما قوله (قل إن الهدى) فمعترض بين
الكلامين لأنه مشدد، وهذا الوجه بعيد لأن فيه تقديم المستثنى على المستثنى منه، وعلى
العامل فيه وتقديم ما في صلة أن عليها. فعلى هذا في موضع أن يؤتى ثلاثة أوجه:
أحدها جر تقديره: ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد. والثاني أن يكون نصبا على تقدير
حذف حرف الجر. والثالث أن يكون مفعولا من أجله تقديره: ولا تؤمنوا إلا لمن
تبع دينكم مخافة أن يؤتى أحد، وقيل أن يؤتى متصل بقوله " قل إن الهدى هدى الله "
والتقدير: أن يؤتى: أي هو أن لا يؤتي، فهو في موضع رفع (أو يحاجوكم)
معطوف على يؤتى، وجمع الضمير لأحد لأنه في مذهب الجمع، كما قالوا " لا نفرق بين
أحد منهم " ويقرأ: أن يؤتى على الاستئناف، وموضعه رفع على أنه مبتدأ تقديره:
إتيان أحد مثل ما أوتيتم يمكن أو يصدق، ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل
محذوف تقديره: أتصدقون أن يؤتى أو أتشيعون، ويقرأ شاذا أن يؤتى على تسمية
الفاعل وأحد فاعله والمفعول محذوف: أي أن يؤتى أحد أحدا (يؤتيه من يشاء)

(1) إلا واو التهجي قاله السمين.
139

يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون خبر مبتدإ محذوف: أي هو يؤتيه، وأن
يكون خبرا ثانيا.
قوله تعالى (من إن تأمنه) من مبتدأ، ومن أهل الكتاب خبره، والشرط
وجوابه صفة لمن لأنها نكرة، وكما يقع الشرط خبرا يقع صلة وصفة وحالا، وقرأ
أبو الأشهب العقيلي " تأمنه " بكسر حرف المضارعة، و (بقنطار) الباء بمعنى في
أي في حفظ قنطار، وقيل الباء بمعنى على (يؤده) فيه خمس قراءات: إحداها كسر
الهاء وصلتها بياء في اللفظ وقد ذكرنا علة هذا في أول الكتاب. والثانية كسر الهاء
من غير ياء اكتفى بالكسرة عن الياء لدلالتها عليها، ولأن الأصل أن لا يزاد على الهاء
شئ كبقية الضمائر. والثالثة إسكان الهاء، وذلك أنه أجرى الوصل مجرى الوقف
وهو ضعيف، وحق هاء الضمير الحركة، وإنما تسكن هاء السكت. والرابعة ضم
الهاء وصلتها بواو في اللفظ على تبيين الهاء المضمومة بالواو، لأنها من جنس الضمة
كما بينت المكسورة بالياء. والخامسة ضم الهاء من غير واو لدلالة الضمة عليها،
ولأنه الأصل، ويجوز تحقيق الهمزة وإبدالها واوا للضمة قبلها (إلا ما دمت) " ما "
في موضع نصب على الظرف: أي إلا مدة دوامك، ويجوز أن يكون حالا لأن
ما مصدرية، والمصدر قد يقع حالا، والتقدير: إلا في حال ملازمتك، والجمهور
على ضم الدال، وماضيه دام يدوم مثل قال يقول: ويقرأ بكسر الدال وماضيه
دمت تدام مثل خفت تخاف وهي لغة (ذلك بأنهم) أي ذلك مستحق بأنهم
(في الأميين) صفة ل‍ (سبيل) قدمت عليه فصارت حالا، ويجوز أن يكون ظرفا
للاستقرار في علينا. وذهب قوم إلى عمل ليس في الحال، فيجوز على هذا أن يتعلق
بها، وسبيل اسم ليس وعلينا الخبر، ويجوز أن يرتفع سبيل بعلينا فيكون في ليس
ضمير الشأن (ويقولون على الله) يجوز أن يتعلق على بيقولون لأنه بمعنى يفترون
ويجوز أن يكون حالا من الكذب مقدما عليه، ولا يجوز أن يتعلق بالكذب لأن
الصلة لا تتقدم على الموصول، ويجوز ذلك على التبيين (وهم يعلمون) جملة
في موضع الحال.
قوله تعالى (بلى) في الكلام حذف تقديره: بلى عليهم سبيل، ثم ابتدأ فقال
(من أوفى) وهي شرط (فإن الله) جوابه، والمعنى: فإن الله يحبهم، فوضع
الظاهر موضع المضمر.
قوله تعالى (يلوون) هو في موضع نصب صفة لفريق وجمع على المعنى، ولو
140

أفرد جاز على اللفظ، والجمهور على إسكان اللام وإثبات واوين بعدها، ويقرأ
بفتح اللام وتشديد الواو وضم الياء على التكثير، ويقرأ بضم اللام وواو واحدة ساكنة
والأصل يلوون كقراءة الجمهور إلا أنه همز الواو لانضمامها، ثم ألقى حركتها على
اللام. والألسنة جمع لسان، وهو على لغة من ذكر اللسان، وأما من أنثه فإنه يجمعه
على ألسن، و (بالكتاب) في موضع الحال من الألسنة: أي ملتبسة بالكتاب أو ناطقة
بالكتاب، و (من الكتاب) هو المفعول الثاني لحسب.
قوله تعالى (ثم يقول) هو معطوف على يؤتيه، ويقرأ بالرفع على الاستئناف
(بما كنتم) في موضع الصفة لربانيين، ويجوز أن تكون الباء بمعنى السبب فتتعلق
بكان وما مصدرية: أي يعلمكم الكتاب، ويجوز أن تكون الباء متعلقة بربانيين
(تعلمون) يقرأ بالتخفيف: أي تعرفون، وبالتشديد: أي تعلمونه غيركم
(تدرسون) يقرأ بالتخفيف: أي تدرسون الكتاب فالمفعول محذوف، ويقرأ
بالتشديد وضم التاء: أي تدرسون الناس الكتاب.
قوله تعالى (ولا يأمركم) يقرأ بالرفع: أي ولا يأمركم الله أو النبي فهو مستأنف
ويقرأ بالنصب عطفا على يقول فيكون الفاعل ضمير النبي أو البشر، ويقرأ بإسكان
الراء فرارا من توالي الحركات، وقد ذكر في البقرة (إذ) في موضع جر بإضافة
بعد إليها (وأنتم مسلمون) في موضع جر بإضافة إذا إليها.
قوله تعالى (لما آتيتكم) يقرأ بكسر اللام، وفيما يتعلق به وجهان: أحدهما
أخذ: أي لهذا المعنى، وفيه حذف مضاف تقديره: لرعاية ما آتيتكم، والثاني أن يتعلق
بالميثاق لأنه مصدر: أي توثقنا عليهم لذلك، وما بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة،
والعائد محذوف و (من كتاب) حال من المحذوف أو من الذي. ويقرأ بالفتح
وتخفيف " ما " وفيها وجهان: أحدهما أن ما بمعنى الذي، وموضعها رفع بالابتداء،
واللام لام الابتداء دخلت لتوكيد معنى القسم. وفى الخبر وجهان: أحدهما من
كتاب وحكمة: أي الذي أوتيتموه من الكتاب، والنكرة هنا كالمعرفة، والثاني
الخبر لتؤمنن به والهاء عائدة على المبتدأ واللام جواب القسم، لأن أخذ الميثاق قسم
في المعنى، فأما قوله (ثم جاءكم) فهو معطوف على ما آتيتكم، والعائد على " ما "
من هذا المعطوف فيه وجهان: أحدهما تقديره: ثم جاءكم به، واستغنى عن إظهاره
بقوله به فيما بعد، والثاني أن قوله (لما معكم) في موضع الضمير تقديره: مصدق
له، لأن الذي معهم هو الذي آتاهم، ويجوز أن يكون العائد ضمير الاستقرار العامل
141

في مع، ويجوز أن تكون الهاء في (به) تعود على الرسول، والعائد على المبتدأ
محذوف وسوغ ذلك طول الكلام، وأن تصديق الرسول تصديق للذي أوتيه. والقول
الثاني أن " ما " شرط واللام قبله لتلقى القسم كالتي في قوله " لئن لم ينته المنافقون "
وليست لازمة بدليل قوله " وإن لم ينتهوا عما يقولون " فعلى هذا تكون " ما " في موضع
نصب بآتيت، والمفعول الثاني ضمير المخاطب، ومن كتاب مثل من آية في قوله
" ما ننسخ من آية " وباقي الكلام على هذا الوجه ظاهر. ويقرأ " لما " بفتح اللام
وتشديد الميم. وفيها وجهان: أحدهما أنها الزمانية: أي أخذنا ميثاقهم لما آتيناهم
شيئا من كتاب وحكمة، ورجع من الغيبة إلى الخطاب على المألوف من طريقتهم.
والثاني أنه أراد لمن ماثم أبدل من النون ميما لمشابهتها إياها فتوالت ثلاث ميمات
فحذف الثانية لضعفها بكونها بدلا وحصول التكرير بها، ذكر هذا المعنى ابن جنى
في المحتسب، ويقرأ آتيتكم على لفظ واحد، وهو موافق لقوله " وإذ أخذ الله "
ولقوله " إصري " ويقرأ آتيناكم على لفظ الجمع للتعظيم (أأقررتم) فيه حذف
أي بذلك و (إصري) بالكسر والضم لغتان قرئ بهما.
قوله تعالى (فمن تولى) من مبتدأ يجوز أن تكون بمعنى الذي، وأن تكون
شرطا (فأولئك) مبتدأ ثان، و (هم الفاسقون) مبتدأ وخبره، ويجوز أن
يكون هم فصلا.
قوله تعالى (أفغير) منصوب ب‍ (يبغون) ويقرأ بالياء على الغيبة كالذي قبله
وبالتاء على الخطاب، والتقدير: قل لهم (طوعا وكرها) مصدران في موضع الحال،
ويجوز أن يكونا مصدرين على غير الصدر، لأن أسلم بمعنى انقاد وأطاع (ترجعون)
بالتاء على الخطاب، وبالياء على الغيبة.
قوله تعالى (قل آمنا) تقديره: قل يا محمد آمنا: أي أنا ومن معي، أو أنا
والأنبياء، وقيل التقدير: قل لهم قولوا آمنا.
قوله تعالى (ومن يبتغ) الجمهور على إظهار الغينين، وروى عن أبي عمرو
الإدغام وهو ضعيف، لأن كسرة الغين الأولى تدل على الياء المحذوفة، و (دينا)
تمييز، ويجوز أن يكون مفعول يبتغ، و (غير) صفة قدمت عليه فصارت حالا
(وهو في الآخرة من الخاسرين) هو في الإعراب مثل قوله " وإنه في الآخرة
لمن الصالحين " وقد ذكر.
142

قوله تعالى (كيف يهدى الله) حال أو ظرف، والعامل فيها يهدى، وقد
تقدم نظيره (وشهدوا) فيه ثلاثة أوجه: أحدها هو حال من الضمير في كفروا
وقد معه مقدرة، ولا يجوز أن يكون العامل يهدى، لأن يهدى من " شهد أن الرسول
حق " والثاني أن يكون معطوفا على كفروا: أي كيف يهديهم بعد اجتماع الأمرين.
والثالث أن يكون التقدير: وأن شهدوا: أي بعد أن آمنوا، وأن شهدوا فيكون
في موضع جر.
قوله تعالى (أولئك) مبتدأ، و (جزاؤهم) مبتدأ ثان و (أن عليهم
لعنة الله) أن واسمها وخبرها خبر جزاء: أي جزاؤهم اللعنة، ويجوز أن يكون
جزاؤهم بدلا من أولئك بدل الاشتمال.
قوله تعالى (خالدين فيها) حال من الهاء والميم في عليهم، والعامل فيها الجار
أو ما يتعلق به، وفيها يعنى اللعنة.
قوله تعالى (ذهبا) تمييزه والهاء في به تعود على المل ء أو على ذهب.
قوله تعالى (مما تحبون) " ما " بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، ولا يجوز أن
تكون مصدرية، لأن المحبة لا تتفق، فإن جعلت المصدر بمعنى المفعول فهو جائز على
رأى أبي علي (وما تنفقوا من شئ) قد ذكر نظيره في البقرة، والهاء في (به)
تعود على ما أو على شئ.
قوله تعالى (حلا) أي حلالا، والمعنى كان كله حلا (إلا ما حرم) في موضع
نصب لأنه استثناء من اسم كان، والعامل فيه كان، ويجوز أن يعمل فيه حلا ويكون
فيه ضمير يكون الاستثناء منه، لأنه حلا وحلالا في موضع اسم الفاعل بمعنى الجائز
والمباح (من قبل) متعلق بحرم.
قوله تعالى (من بعد ذلك) يجوز أن يتعلق بافترى وأن يتعلق بالكذب.
قوله تعالى (قل صدق الله) الجمهور على إظهار اللام وهو الأصل، ويقرأ
بالإدغام لأن الصاد فيها انبساط، وفى اللام انبساط بحيث يتلاقى طرفاهما فصارا
متقاربين، والتقدير: قل لهم صدق الله، (حنيفا) يجوز أن يكون حالا من إبراهيم
ومن الملة، وذكر لأن الملة والدين واحد.
قوله تعالى (وضع للناس) الجملة في موضع جر صفة لبيت، والخبر
143

(للذي ببكة)، و (مباركا وهدى) حالان من الضمير في موضع، وإن شئت
في الجار والعامل فيهما الاستقرار.
قوله تعالى (فيه آيات بينات) يجوز أن تكون الجملة مستأنفة مضمرة لمعنى
البركة والهدى، ويجوز أن يكون موضعها حالا أخرى، ويجوز أن تكون حالا من
الضمير في قوله للعالمين، والعامل فيه هدى، ويجوز أن تكون حالا من الضمير
في مباركا وهو العامل فيها، ويجوز أن تكون صفة لهدى كما أن للعالمين كذلك،
و (مقام إبراهيم) مبتدأ والخبر محذوف: أي منها مقام إبراهيم (ومن دخله)
معطوف عليه: أي ومنها أمن من دخله، وقيل هو خبر تقديره: هي مقام، وقيل
بدل، وعلى هذين الوجهين قد عبر عن الآيات بالمقام وبأمن الداخل، وقيل " ومن
دخله " مستأنف، ومن شرطية، و (حج البيت) مصدر يقرأ بالفتح والكسر وهما
لغتان، وقيل الكسر اسم للمصدر، وهو مبتدأ وخبره (على الناس) ولله يتعلق
بالاستقرار في علي تقديره: استقر لله على الناس، ويجوز أن يكون الخبر لله وعلى
الناس متعلق به إما حالا وإما مفعولا، ولا يجوز أن يكون لله حالا لأن العامل في الحال
على هذا يكون معنى، والحال لا يتقدم على العامل المعنوي، ويجوز أن يرتفع الحج
بالجار الأول أو الثاني والحج مصدر أضيف إلى المفعول (من استطاع) بدل من
الناس بدل بعض من كل، وقيل هو في موضع رفع تقديره: هم من استطاع
والواجب عليه من استطاع، والجملة بدل أيضا، وقيل هو مرفوع بالحج تقديره:
ولله على الناس أن يحج البيت من استطاع، فعلى هذا في الكلام حذف تقديره: من
استطاع منهم ليكون في الجملة ضمير يرجع على الأول، وقيل من مبتدأ شرط،
والجواب محذوف تقديره: من استطاع فليحج، ودل على ذلك قوله (ومن
كفر) وجوابها.
قوله تعالى (لم تصدون) اللام متعلقة بالفعل، و (من) مفعوله،
و (تبغونها) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون حالا من الضمير في تصدون أو
من السبيل، لأن فيها ضميرين راجعين إليهما، فلذلك صح أن تجعل حالا من كل واحد
منهما، و (عوجا) حال.
قوله تعالى (بعد إيمانكم) يجوز أن يكون ظرفا ليردوكم، وأن يكون ظرفا
ل‍ (كافرين) وهو في المعنى مثل قوله " كفروا بعد إيمانهم ".
144

قوله تعالى (ولا تفرقوا) الأصل تتفرقوا، فحذف التاء الثانية وقد ذكر
وجهه في البقرة ويقرأ بتشديد التاء: والوجه فيه أنه سكن التاء الأولى حين نزلها
متصلة بالألف ثم أدغم (نعمة الله) هو مصدر مضاف إلى الفاعل، و (عليكم)
يجوز أن يتعلق به كما تقول أنعمت عليك، ويجوز أن يكون حالا من النعمة فيتعلق
بمحذوف (إذ كنتم) يجوز أن يكون ظرفا للنعمة، وأن يكون ظرفا للاستقرار
في عليكم إذا جعلته حالا (فأصبحتم) يجوز أن تكون الناقصة فعلى هذا يجوز أن
يكون الخبر (بنعمته) فيكون المعنى فأصبحتم في نعمته، أو متلبسين بنعمته:
أو مشمولين، و (إخوانا) على هذا حال يعمل فيها أصبح أو ما يتعلق به الجار،
ويجوز أن يكون إخوانا خبر أصبح، ويكون الجار حالا يعمل فيه أصبح، أو حالا
من إخوان لأنه صفة له قدمت عليه، وأن يكون متعلقا بأصبح لأن الناقصة تعمل
في الجار، ويجوز أن يتعلق بإخوانا لأن التقدير: تآخيتم بنعمته، ويجوز أن تكون
أصبح تامة، ويكون الكلام في بنعمته إخوانا قريبا من الكلام في الناقصة،
والإخوان جمع أخ من الصداقة لا من النسب. والشفا يكتب بالألف وهي من الواو
تثنية شفوان، و (من النار) صفة لحفرة، ومن للتبعيض، والضمير في (منها)
للنار أو للحفرة (ولتكن منكم) يجوز أن تكون كان هنا التامة فتكون (أمة)
فاعلا، و (يدعون) صفته، ومنكم متعلقة بتكن أو بمحذوف على أن تكون
صفة لأمة قدم عليها فصار حالا، ويجوز أن تكون الناقصة، وأمة اسمها، ويدعون
لخبر، ومنكم إما حال من أمة أو متعلق بكان الناقصة، ويجوز أن يكون يدعون
صفة، ومنكم الخبر.
قوله تعالى (جاءهم البينات) إنما حذف التاء لأن تأنيث البينة غير حقيقي:
ولأنها بمعنى الدليل.
قوله تعالى (يوم تبيض) هو ظرف لعظيم أو للاستقرار في لهم، وفى تبيض
أربع لغات فتح التاء وكسرها من غير ألف، وتبياض بالألف مع فتح التاء وكسرها
وكذلك تسود (أكفرتم) تقديره: فقال لهم أكفرتم، والمحذوف هو الخبر.
قوله تعالى (تلك آيات الله) قد ذكر في البقرة.
قوله تعالى (كنتم خير أمة) قيل كنتم في علمي، وقيل هو بمعنى صرتم،
وقيل كان زائدة، والتقدير: أنتم خير، وهذا خطأ لأن كان لا تزاد في أول الجملة
ولا تعمل في خير (تأمرون) خبر ثان، أو تفسير لخبر أو مستأنف (لكان خيرا
145

لهم) أي لكان الإيمان، لفظ الفعل على إرادة المصدر (منهم المؤمنون)
هو مستأنف.
قوله تعالى (إلا أذى) أذى مصدر من معنى يضروكم، لأن الأذى والضرر
متقاربان في المعنى، فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا، وقيل هو منقطع لأن المعنى:
لن يضروكم بالهزيمة، لكن يؤذونكم بتصديكم لقتالهم (يولوكم الأدبار) الإدبار
مفعول ثان، والمعنى: يجعلون ظهورهم تليكم (ثم لا تنصرون) مستأنف،
ولا يجوز الجزم عند بعضهم عطفا على جواب الشرط، لأن جواب الشرط يقع عقيب
المشروط، وثم للتراخي، فلذلك لم تصلح في جواب الشرط، والمعطوف على الجواب
كالجواب، وهذا خطأ لأن الجزم في مثله قد جاء في قوله " ثم لا يكونوا أمثالكم "
وإنما استؤنف هنا ليدل على أن الله لا ينصرهم قاتلوا أو لم يقاتلوا.
قوله تعالى (إلا بحبل) في موضع نصب على الحال تقديره: ضربت عليهم
الذلة في كل حال إلا في حال عقد العهد لهم، فالباء متعلقة بمحذوف تقديره إلا
متمسكين بحبل.
قوله تعالى (ليسوا) الواو اسم ليس، وهي راجعة على المذكورين قبلها
و (سواء) خبرها: أي ليسوا مستوين، ثم استأنف فقال (من أهل الكتاب
أمة قائمة) فأمة مبتدأ وقائمة نعت له، والجار قبله خبره، ويجوز أن تكون أمة
فاعل الجار، وقد وضع الظاهر هنا موضع المضمر والأصل منهم أمة، وقيل أمة
رفع بسواء، وهذا ضعيف في المعنى والإعراب، لأنه منقطع مما قبله، ولا يصح أن
تكون الجملة خبر ليس، وقيل أمة اسم ليس، والواو فيها حرف يدل على الجمع
كما قالوا: أكلوني البراغيث، وسواء الخبر، وهذا ضعيف إذ ليس الغرض بيان
تفاوت الأمة القائمة التالية لآيات الله، بل الغرض أن من أهل الكتاب مؤمنا وكافرا
(يتلون) صفة أخرى لأمة، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في قائمة أو من
الأمة لأنها قد وصفت، والعامل على هذا الاستقرار، و (آناء الليل) ظرف
ليتلون لا لقائمة، لأن قائمة قد وصفت فلا تعمل فيما بعد الصفة، وواحد الآناء إني
مثل معي، ومنهم من يفتح الهمزة فيصير على وزن عصا، ومنهم من يقول إني بالياء
وكسر الهمزة، (وهم يسجدون) حال من الضمير في يتلون أو في قائمة، ويجوز
أن يكون مستأنفا، وكذلك (يؤمنون. ويأمرون. وينهون) إن شئت جعلتها
أحوالا، وإن شئت استأنفتها.
146

قوله تعالى، و (ما يفعلوا) يقرأ بالتاء على الخطاب، وبالياء حملا على
الذي قبله.
قوله تعالى (كمثل الريح) فيه حذف مضاف تقديره: كمثل مهلك ريح: أي
ما ينفقون هالك كالذي تهلكه (فيها صر) مبتدأ وخبر في موضع صفة الريح،
ويجوز أن ترفع صرا بالظرف لأنه قد اعتمد على ما قبله، و (أصابت) في موضع
جر أيضا صفة لريح، ولا يجوز أن تكون صفة لصر لأن الصر مذكر والضمير في أصابت
مؤنث، وقيل ليس في الكلام حذف مضاف بل تشبيه ما أنفقوا بمعنى الكلام، وذلك
أن قوله " كمثل ريح " إلى قوله " فأهلكته " متصل بعضه ببعض، فامتزجت المعاني
فيه وفهم المعنى (ظلموا) صفة لقوم.
قوله تعالى (من دونكم) صفة لبطانة، قيل من زائدة لأن المعنى بطانة دونكم
في العمل والإيمان (لا يألونكم) في موضع نعت لبطانة أو حال مما تعلقت به من،
ويألوا يتعدى إلى مفعول واحد، و (خبالا) على التمييز، ويجوز أن يكون انتصب
لحذف صرف لجزء تقديره: لا يألونكم في تخبيلكم، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع
الحال (ودوا) مستأنف، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يألونكم، وقد معه
مرادة، وما مصدرية، أي عنتكم (قد بدت البغضاء) حال أيضا، ويجوز أن
يكون مستأنفا (من أفواههم) مفعول بدت، ومن لابتداء الغاية، ويجوز أن
يكون حالا: أي ظهرت خارجة من أفواههم.
قوله تعالى (ها أنتم أولاء تحبونهم) قد ذكر إعرابه في قوله " ثم أنتم
هؤلاء تقتلون أنفسكم " (بالكتاب كله) الكتاب هنا جنس: أي بالكتب كلها،
وقيل هو واحد (عضوا عليكم) عليكم مفعول عضوا، ويجوز أن يكون حالا
أي حنقين عليكم (من الغيظ) متعلق بعضوا أيضا، ومن لابتداء الغاية: أي من
أجل الغيظ، ويجوز أن يكون حالا: أي مغتاظين (بغيظكم) يجوز أن يكون
مفعولا به كما تقول: مات بالسم: أي بسببه، ويجوز أن يكون حالا: أي
موتوا مغتاظين.
قوله تعالى (لا يضركم) يقرأ بكسر الضاد وإسكان الراء على أنه جواب الشرط
وهو من ضار يضير ضيرا بمعنى ضر ويقال فيه ضاره يضوره بالواو، ويقرأ بضم
الضاد وتشديد الراء وضمها، وهو من ضر يضر، وفى رفعه ثلاثة أوجه: أحدها أنه
فيه نية التقديم: أي لا يضركم كيدهم شيئا إن تتقوا، وهو قول سيبويه. والثاني أنه
حذف الفاء، وهو قول المبرد، وعلى هذين القولين الضمة إعراب. والثالث أنها
147

ليست إعرابا بل لما اضطر إلى التحريك حرك بالضم اتباعا لضمة الضاد، وقيل
حركها بحركتها الإعرابية المستحقة لها في الأصل، ويقرأ بفتح الراء على أنه مجزوم
حر ك بالفتح لالتقاء الساكنين إذ كان أخف من الضم والكسر (شيئا) مصدر:
أي ضررا
قوله تعالى (وإذ غدوت) أي واذكر (من أهلك) من لابتداء الغاية،
والتقدير: من بين أهلك، وموضعه نصب تقديره: فارقت أهلك، و (تبوئ)
حال وهو يتعدى إلى مفعول بنفسه، وإلى آخر تارة بنفسه وتارة بحرف الجر، فمن
الأول هذه الآية، فالأول (المؤمنين) والثاني (مقاعد) ومن الثاني " وإذ بوأنا
لإبراهيم مكان البيت " وقيل اللام فيه زائدة (للقتال) يتعلق بتبوئ، ويجوز أن
يتعلق بمحذوف على أن يكون صفة لمقاعد، ولا يجوز أن يتعلق بمقاعد لأن المقعد
هنا المكان، وذلك لا يعمل.
قوله تعالى (إذ همت) إذ ظرف لعليم، ويجوز أن يكون ظرفا لتبوئ وأن
يكون لغدوت (أن تفشلا) تقديره: بأن تفشلا، فموضعه نصب أو جر على ما ذكرنا
من الخلاف (وعلى) يتعلق بيتوكل دخلت الفاء لمعنى الشرط، والمعنى: إن فشلوا
فتوكلوا أنتم، وإن صعب الأمر فتوكلوا.
قوله تعالى (ببدر) ظرف، والباء بمعنى في، ويجوز أن يكون حالا،
و (أذلة) جمع ذليل، وإنما مجئ هذا البناء فرارا من تكرير اللام الذي يكون
في ذللا.
قوله تعالى (إذ تقول) يجوز أن يكون التقدير: اذكر، ويجوز أن يكون
بدلا من " إذ همت " ويجوز أن يكون ظرفا لنصركم (ألن يكفيكم) همزة الاستفهام
إذا دخلت على النفي نقلته إلى الاثبات، ويبقى زمان الفعل على ما كان عليه، و (أن
يمدكم) فاعل يكفيكم (بثلاثة آلاف) الجمهور على كسر الفاء، وقد أسكنت
في الشواذ على أنه أجرى الوصل مجرى الوقف وهذه التاء إذا وقف عليها كانت بدلا
من الهاء التي يوقف عليها، ومنهم من يقول إن تاء التأنيث هي الموقوف عليها وهي
لغة، وقرئ شاذا بهاء ساكنة، وهو إجراء الوصل مجرى الوقف أيضا، وكلاهما
ضعيف، لأن المضاف والمضاف إليه كالشئ الواحد (مسومين) بكسر الواو:
أي مسومين خيلهم أو أنفسهم، وبفتحها على ما لم يسم فاعله.
148

قوله تعالى (إلا بشرى) مفعول ثان لجعل، ويجوز أن يكون مفعولا له،
ويكون جعل المتعدية إلى واحد، والهاء في جعله تعود على إمداد أو على التسويم أو
على النصر أو على التنزيل (ولتطمئن) معطوف على بشرى إذا جعلتها مفعولا
له تقديره: ليبشركم ولتطمئن، ويجوز أن يتعلق بفعل محذوف تقديره: ولتطمئن
قلوبكم بشركم.
قوله تعالى (ليقطع طرفا) اللام متعلقة بمحذوف تقديره: ليقطع طرفا أمدكم
بالملائكة أو نصركم (أو يكبتهم) قيل أو بمعنى الواو، وقيل هي للتفصيل أي
كان القطع لبعضهم والكبت لبعضهم، والتاء في يكبتهم أصل، وقيل هي بدل من الدال،
وهو من كبدته أصبت كبده (فتنقلبوا) معطوف على يقطع أو يكبتهم.
قوله تعالى (ليس لك) اسم ليس (شئ) ولك الخبر ومن الأمر حال من
شئ لأنها صفة مقدمة (أو يتوب، أو يعذبهم) معطوفان على يقطع، وقيل
أو بمعنى إلا أن.
قوله تعالى (أضعافا) مصدر في موضع الحال من الربا تقديره مضاعفا.
قوله تعالى (وسارعوا) يقرأ بالواو وحذفها، فمن أثبتها عطفه على ما قبله من
الأوامر، ومن لم يثبتها استأنف، ويجوز إمالة الألف هنا لكسرة الراء (عرضها
السماوات) الجملة في موضع جر، وفى الكلام حذف تقديره عرضها مثل عرض
السماوات (أعدت) يجوز أن يكون في موضع جر صفة للجنة، وأن يكون حالا
منها لأنها قد وصفت، وأن يكون مستأنفا ولا يجوز أن يكون حالا من المضاف إليه
لثلاثة أشياء: أحدها أنه لا عامل، وما جاء من ذلك متأول على ضعفه. والثاني أن
العرض هنا لايراد به المصدر الحقيقي، بل يراد به المسافة. والثالث أن ذلك يلزم منه
الفصل بين الحال وبين صاحب الحال بالخبر.
قوله تعالى (الذين ينفقون) يجوز أن يكون صفة للمتقين، وأن يكون
نصبا على إضمار أعنى، وأن يكون رفعا على إضمارهم، وأما (الكاظمين) فعلى
الجر والنصب.
قوله تعالى (والذين إذا فعلوا) يجوز أن يكون معطوفا على الذين ينفقون
في أوجهه الثلاثة، ويجوز أن يكون مبتدأ، ويكون أولئك مبتدأ ثانيا، وجزاؤهم
ثالثا، ومغفرة خبر الثالث، والجميع خبر الذين، و (ذكروا) جواب إذا (ومن)
مبتدأ، و (يغفر) خبره (إلا الله) فاعل يغفر، أو بدل من المضمر فيه وهو
149

الوجه، لأنك إذا جعلت الله فاعلا احتجت إلى تقدير ضمير: أي ومن يغفر الذنوب
له غير الله (وهم يعلمون) في موضع الحال من الضمير في يصروا، أو من
الضمير في استغفروا، ومفعول يعلمون محذوف: أي يعلمون المؤاخذة بها أو عفوا
الله عنها.
قوله تعالى (ونعم أجر) المخصوص بالمدح محذوف: أي ونعم الأجر الجنة.
قوله تعالى (من قبلكم سنن) يجوز أن يتعلق بخلت، وأن يكون حالا
من سنن، ودخلت الفاء في (سيروا) لان المعنى على الشرط: أي إن شككتم
فسيروا (كيف) خبر (كان) و (عاقبة) اسمها.
قوله تعالى (ولا تهنوا) الماضي وهن وحذفت الواو في المضارع لوقوعها بين
ياء وكسرة و (الأعلون) واحدها أعلى، وحذفت منه الألف لالتقاء الساكنين
وبقيت الفتحة تدل عليها.
قوله تعالى (قرح) يقرأ بفتح القاف وسكون الراء، وهو مصدر قرحته إذا
جرحته، ويقرأ بضم القاف وسكون الراء، وهو بمعنى الجرح أيضا. وقال الفراء:
بالضم ألم الجراح، ويقرأ بضمها على الاتباع كاليسر واليسر، والطنب والطنب،
ويقرأ بفتحها، وهو مصدر قرح يقرح إذا صار له قرحة، وهو بمعنى دمى (وتلك)
مبتدأ، و (الأيام) خبره، و (نداولها) جملة في موضع الحال، والعامل فيها
معنى الإشارة، ويجوز أن تكون الأيام بدلا أو عطف بيان، ونداولها الخبر، ويقرأ
يداولها بالياء، والمعنى مفهوم، و (بين الناس) ظرف، ويجوز أن يكون حالا
من الهاء (وليعلم) اللام متعلقة بمحذوف تقديره: وليعلم الله دوالها، وقيل
التقدير: ليتعظوا وليعلم الله، وقيل الواو زائدة، و (منكم) يجوز أن يتعلق
بيتخذ، ويجوز أن يكون حالا من (شهداء). (وليمحص) معطوف
على وليعلم.
قوله تعالى (أم حسبتم) أم هنا منقطعة: أي بل أحسبتم، و (أن تدخلوا)
أن والفعل يسد مسد المفعولين. وقال الأخفش المفعول الثاني محذوف (ويعلم
الصابرين) يقرأ بكسر الميم عطفا على الأولى، وبضمها على تقدير: وهو يعلم،
والأكثر في القراءة الفتح وفيه وجهان: أحدهما أنه مجزوم أيضا لكن الميم لما حركت
لالتقاء الساكنين حركت بالفتح اتباعا للفتحة قبلها، والوجه الثاني أنه منصوب على
إضمار أن، والواو هاهنا بمعنى الجمع كالتي في قولهم: لا تأكل السمك وتشرب اللبن
150

والتقدير: أظننتم أن تدخلوا الجنة قبل أن يعلم الله المجاهدين وأن يعلم الصابرين،
ويقرب عليك هذا المعنى أنك لو قدرت الواو بمع صح المعنى والإعراب.
قوله تعالى (من قبل أن تلقوه) الجمهور على الجر بمن وإضافته إلى الجملة،
وقرئ بضم اللام والتقدير: ولقد كنتم تمنون الموت أن تلقوه من قبل، فأن تلقوه
بدل من الموت بدل الاشتمال والمراد لقاء أسباب الموت لأنه قال (فقد رأيتموه
وأنتم تنظرون) وإذا رأى الموت لم تبق بعده حياة. ويقرأ " تلاقوه " وهو من
المفاعلة التي تكون بين اثنين لأن ما لقيك فقد لقيته، ويجوز أن تكون من واحد
مثل سافرت.
قوله تعالى (قد خلت من قبله الرسل) في موضع رفع صفة لرسول،
ويجوز أن يكون حالا من الضمير في رسول، وقرأ ابن عباس " رسل " نكرة، وهو
قريب من معنى المعرفة، ومن متعلقة بخلت، ويجوز أن يكون حالا من الرسل (أفإن
مات) الهمزة عند سيبويه في موضعها، والفاء تدل على تعلق الشرط بما قبله. وقال
يونس: الهمزة في مثل هذا حقها أن تدخل على جواب الشرط تقديره: أتنقلبون
على أعقابكم إن مات، لأن الغرض التنبيه أو التوبيخ على هذا الفعل المشروط. ومذهب
سيبويه الحق لوجهين: أحدهما أنك لو قد مت الجواب لم يكن للفاء وجه، إذ لا يصح
أن تقول أتزورني فإن زرتك، ومنه قوله " أفإن مت فهم الخالدون " والثاني أن
الهمزة لها صدر الكلام، وإن لها صدر الكلام وقد وقعا في موضعها، والمعنى يتم
بدخول الهمزة على جملة الشرط، والجواب لأنهما كالشئ الواحد (على أعقابكم)
حال: أي راجعين.
قوله تعالى (وما كان لنفس أن تموت) أي تموت اسم كان، و (إلا بإذن
الله) الخبر واللام للتبيين متعلقة بكان، وقيل هي متعلقة بمحذوف تقديره: الموت
لنفس، وأن تموت تبيين للمحذوف، ولا يجوز أن تتعلق اللام بتموت لما فيه من
تقديم الصلة على الموصول، قال الزجاج التقدير: وما كان نفس لتموت، ثم قدمت
اللام (كتابا) مصدر: أي كتب ذلك كتابا (ومن يرد ثواب الدنيا) بالإظهار
على الأصل وبالإدغام لتقاربهما (نؤته منها) مثل " يؤده إليك " (وسنجزي)
بالنون والياء، والمعنى مفهوم.
قوله تعالى (وكأين) الأصل فيه أي التي هي بعض من كل أدخلت عليها كاف
التشبيه وصارا في معنى كم التي للتكثير، كما جعلت الكاف مع ذا في قولهم كذا لمعنى
151

لم يكن لكل واحد منهما، وكما أن معنى لولا بعد التركيب لم يكن لهما قبله، وفيها خمسة
أوجه كلها قد قرئ به، فالمشهور " كأين " بهمزة بعدها ياء مشددة وهو الأصل. والثاني
" كائن " بألف بعدها همزة مكسورة من غير ياء، وفيه وجهان: أحدهما هو فاعل
من كان يكون حكى عن المبرد، وهو بعيد الصحة، لأنه لو كان ذلك لكان معربا
ولم يكن فيه معنى التكثير. والثاني أن أصله كأين، قدمت الياء المشددة على الهمزة
فصار كيئن، فوزنه الآن كعلف، لأنك قدمت العين واللام، ثم حذفت الياء الثانية
لثقلها بالحركة والتضعيف كما قالوا في أيها أيهما ثم أبدلت الياء الساكنة ألفا كما
أبدلت في آية وطائى، وقيل حذفت الياء الساكنة وقدمت المتحركة فانقلبت ألفا،
وقيل لم يحذف منه شئ ولكن قدمت المتحركة وبقيت الأخرى ساكنة وحذفت بالتنوين
مثل قاض. والوجه الثالث " كأن " على وزن كعن، وفيه وجهان: أحدهما أنه حذف
إحدى الياءين على ما تقدم، ثم حذفت الأخرى لأجل التنوين. والثاني أنه حذف
الياءين دفعة واحدة، واحتمل ذلك لما امتزج الحرفان، والوجه الرابع " كأي " بياء
خفيفة بعد الهمزة، ووجهه أنه حذف الياء الثانية وسكن الهمزة لاختلاط الكلمتين
وجعلهما كالكلمة الواحدة كما سكنوا الهاء في لهو وفهو، وحرك الياء لسكون
ما قبلها. والخامس " كيئن " بياء ساكنة قبل الهمزة، وهو الأصل في كائن، وقد
ذكر، فأما التنوين فأبقى في الكلمة على ما يجب لها في الأصل، فمنهم من يحذفه
في الوقف لأنه تنوين، ومنهم من يثبته فيه لأن الحكم تغير بامتزاج الكلمتين، وأما
أي فقال ابن جنى هي مصدر أوى يأوى: إذا انضم واجتمع، وأصله أوى فاجتمعت
الواو والياء وسبقت الأولى بالسكون فقلبت وأدغمت مثل جئ وشئ، وأما موضع
كأين فرفع بالابتداء، ولا تكاد تستعمل إلا وبعدها من. وفى الخبر ثلاثة أوجه:
أحدها (قتل) وفى قتل الضمير للنبي، وهو عائد على كأين لأن كأين في معنى نبي،
والجيد أن يعود الضمير على لفظ كأين كما تقول: مائة نبي قتل، والضمير للمائة إذ
هي المبتدأ.
فإن قلت: لو كان كذلك لأنثت فقلت قتلت، قيل هذا محمول على المعنى لأن التقدير
كثير من الرجال قتل، فعلى هذا يكون (معه ربيون) في موضع الحال من الضمير
في قتل. والثاني أن يكون قتل في موضع جر صفة لنبي، ومعه ربيون الخبر كقولك:
كم من رجل صالح معه مال. والوجه الثالث أن يكون الخبر محذوفا: أي في الدنيا
أو صائر ونحو تلك، فعلى هذا يجوز أن يكون قتل صفة لنبي، ومعه ربيون حال على
152

ما تقدم، ويجوز أن يكون قتل مسندا لربيين فلا ضمير فيه على هذا، والجملة صفة
نبي، ويجوز أن يكون خبرا فيصير في الخبر أربعة أوجه، ويجوز أن يكون صفة لنبي
والخبر محذوف على ما ذكرنا، ويقرأ " قاتل " فعلى هذا يجوز أن يكون الفاعل مضمرا
وما بعده حال، وأن يكون الفاعل ربيون، ويقرأ " قتل " بالتشديد، فعلى هذا لا ضمير
في الفعل لأجل التكثير، والواحد لا تكثير فيه كذا ذكر ابن جنى، ولا يمتنع فيه أن
يكون فيه ضمير الأول لأنه في معنى الجماعة، وربيون بكسر الراء منسوب إلى الربة
وهي الجماعة، ويجوز ضم الراء في الربة أيضا، وعليه قرئ ربيون بالضم، وقيل من
كسر أتبع، والفتح هو الأصل وهو منسوب إلى الرب، وقد قرئ به (فما وهنوا)
الجمهور على فتح الهاء، وقرئ بكسرها وهي لغة، والفتح أشهر، وقرئ بإسكانها
على تخفيف المكسور و (استكانوا) استفعلوا من الكون وهو الذل، وحكى عن
الفراء أن أصلها استكنوا أشبعت الفتحة فنشأت الألف وهذا خطأ لأن الكلمة في جميع
تصاريفها ثبتت عينها تقول: استكان يستكين استكانة فهو مستكين ومستكان له،
والإشباع لا يكون على هذا الحد.
قوله تعالى (وما كان قولهم) الجمهور على فتح اللام على أن اسم كان ما بعد
(إلا) وهو أقوى من أن يجعل خبرا. والأول اسم لوجهين: أحدها أن (أن قالوا)
يشبه المضمر في أنه لا يضمر فهو أعرف. والثاني أن ما بعد إلا مثبت، والمعنى: كان
قولهم ربنا اغفر لنا دأبهم في الدعاء، ويقرأ برفع الأول على أنه اسم كان، وما بعد
إلا الخبر (في أمرنا) يتعلق بالمصدر وهو إسرافنا، ويجوز أن يكون حالا منه:
أي إسرافا واقعا في أمرنا.
قوله تعالى (بل الله مولاكم) مبتدأ وخبر، وأجاز الفراء النصب وهي قراءة
والتقدير: بل أطيعوا الله.
قوله تعالى (الرعب) يقرأ بسكون العين وضمها وهما لغتان (بما أشركوا)
الباء تتعلق بنلقى، ولا يمنع ذلك لتعلق " في " به أيضا، لأن في ظرف والباء بمعنى
السبب فهما مختلفان، وما مصدرية. والثانية نكرة موصوفة، أو بمعنى الذي وليست
مصدرية (وبئس مثوى الظالمين) أي النار، فالمخصوص بالذم محذوف،
والمثوى مفعل من ثويت ولامه ياء.
قوله تعالى (صدقكم الله وعده) صدق يتعدى إلى مفعولين في مثل هذا
النحو، وقد يتعدى إلى الثاني بحرف الجر فيقال: صدقت زيدا في الحديث (إذ)
153

ظرف لصدق، ويجوز أن يكون ظرفا للوعد (حتى) يتعلق بفعل محذوف تقديره:
دام ذلك إلى وقت فشلكم. والصحيح أنها لا تتعلق في مثل هذا بشئ، وأنها ليست
حرف جر بل هي حرف تدخل على الجملة بمعنى الغاية كما تدخل الفاء والواو على الجمل،
وجواب (إذا) محذوف تقديره: بأن أمركم ونحو ذلك ودل على المحذوف.
قوله تعالى (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم
صرفكم) معطوف على الفعل المحذوف.
قوله تعالى (تصعدون) تقديره: اذكروا إذ، ويجوز أن يكون ظرفا
لعصيتم أو تنازعتم أو فشلتم (ولا تلوون) الجمهور على فتح التاء، وقد ذكرناه
في قوله " يلوون ألسنتهم " ويقرأ بضم التاء وماضيه ألوى وهي لغة، ويقرأ (على أحد)
بضمتين وهو الجبل.
قوله تعالى (والرسول يدعوكم) جملة في موضع الحال (بغم) التقدير بعد
غم، فعلى هذا يكون في موضع نصب صفة لغم، وقيل المعنى: بسبب الغم، فيكون
مفعولا به، وقيل التقدير: بدل غم، فيكون صفة لغم أيضا (لكيلا تحزنوا)
قيل " لا " زائدة، لأن المعنى أنه غمهم ليحزنهم عقوبة لهم على تركهم مواقفهم،
وقيل ليست زائدة، والمعنى على نفى الحزن عنهم بالتوبة، وكى هاهنا هي العاملة بنفسها
لأجل اللام قبلها.
قوله تعالى (أمنة) المشهور في القراءة فتح الميم وهو اسم للأمن ويقرأ بسكونها
وهو مصدر مثل الأمر، و (نعاسا) بدل، ويجوز أن يكون عط ف بيان، ويجوز
أن يكون نعاسا هو المفعول وأمنه حال منه، والأصل أنزل عليكم نعاسا ذا أمنة،
لأن النعاس ليس هو الأمن بل هو الذي حصل الأمن به، ويجوز أن يكون أمنة مفعولا
(يغشى) يقرأ بالياء على أنه النعاس، وبالتاء للأمنة، وهو في موضع نصب صفة
لما قبله، و (طائفة) مبتدأ، و (قد أهمتهم) خبره (يظنون) حال من
الضمير في أهمتهم، ويجوز أن يكون أهمتهم صفة، ويظنون الخبر، والجملة حال،
والعامل يغشى: وتسمى هذه الواو واو الحال، وقيل الواو بمعنى إذ وليس بشئ،
و (غير الحق) المفعول الأول: أي أمرا غير الحق، وبالله الثاني، و (ظن
الجاهلية) مصدر تقديره: ظنا مثل ظن الجاهلية (من شئ) من زائدة،
وموضعه رفع بالابتداء، وفى الخبر وجهان: أحدهما لنا، فمن الأمر على هذا حال،
154

إذ الأصل هل شئ من الأمر. والثاني أن يكون من الأمر هو الخبر ولنا تبيين وتتم
الفائدة كقوله " ولم يكن له كفوا أحد " (كله لله) يقرأ بالنصب على التوكيد أو
البدل ولله الخبر، وبالرفع على الابتداء ولله الخبر، والجملة خبر إن (يقولون)
حال من الضمير في يخفون، و (شئ) اسم كان والخبر لنا أو من الأمر مثل " هل
لنا " (لبرز الذين) بالفتح والتخفيف، ويقرأ بالتشديد على ما لم يسم فاعله:
أي أخرجوا بأمر الله.
قوله تعالى (إذا ضربوا في الأرض) يجوز أن تكون إذا هنا تحكى بها حالهم،
فلا يراد بها المستقبل لا محالة، فعلى هذا يجوز أن يعمل فيها قالوا وهو للماضي،
ويجوز أن يكون كفروا وقالوا ماضيين، ويراد بها المستقبل المحكى به الحال، فعلى
هذا يكون التقدير: يكفرون ويقولون لإخوانهم (أو كانوا غزى) الجمهور على
تشديد الزاي وهو جمع غاز، والقياس غزاة كقاض وقضاة، لكنه جاء على فعل حملا
على الصحيح نحو شاهد وشهد وصائم وصوم. ويقرأ بتخفيف الزاي وفيه وجهان:
أحدهما أن أصله غزاة، فحذفت الهاء تخفيفا لأن التاء دليل الجمع، وقد حصل
ذلك من نفس الصفة. والثاني أنه أراد قراءة الجماعة، فحذف إحدى الزايين
كراهية التضعيف (ليجعل الله) اللام تتعلق بمحذوف: أي ندمهم أو أوقع
في قلوبهم ذلك ليجعله حسرة، وجعل هنا بمعنى صير، وقيل اللام هنا لام العاقبة:
أي صار أمرهم إلى ذلك كقوله " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا ".
قوله تعالى (أو متم) الجمهور على ضم الميم وهو الأصل، لأن الفعل منه
يموت، ويقرأ بالكسر وهو لغة، يقال مات يمات مثل خاف يخاف، فكما تقول
خفت تقول مت (لمغفرة) مبتدأ، و (من الله) صفته (ورحمة) معطوف
عليه، والتقدير: ورحمة لهم، و (خير) الخبر، وما بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة
والعائد محذوف، ويجوز أن تكون مصدرية ويكون المفعول محذوفا: أي من
جمعهم المال.
قوله تعالى (لإلى الله) اللام جواب قسم محذوف، ولدخولها على حرف الجر
جاز أن يأتي (يحشرون) غير مؤكد بالنون، والأصل لتحشرون إلى الله.
قوله تعالى (فبما رحمة) ما زائدة، وقال الأخفش وغيره: يجوز أن تكون
نكرة بمعنى شئ، ورحمة بدل منه، والباء تتعلق بلنت (وشاورهم في الأمر)
الأمر هنا جنس، وهو عام يراد به الخاص، لأنه لم يؤمر بمشاورتهم في الفرائض،
155

ولذلك قرأ ابن عباس " في بعض الأمر " (فإذا عزمت) الجمهور على فتح الزاي: أي
إذا تخيرت أمرا بالمشاورة وعزمت على فعله (فتوكل على الله) ويقرأ بضم التاء:
أي إذا أمرتك بفعل شئ فتوكل على فوضع الظاهر موضع المضمر.
قوله تعالى (فمن ذا الذي) هو مثل " من ذا الذي يقرض " وقد ذكر (من
بعده) أي من بعد خذلانه فحذف المضاف، ويجوز أن تكون الهاء ضمير
الخذلان: أي بعد الخذلان.
قوله تعالى (أن يغل) يقرأ بفتح الياء وضم الغين على نسبة الفعل إلى النبي:
أي ذلك غير جائز عليه، ويدل على ذلك قوله (يأت بما غل) ومفعول يغل
محذوف: أي يغل الغنيمة أو المال، ويقرأ بضم الياء وفتح الغين على ما لم يسم فاعله،
وفى المعنى ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون ماضيه أغللته: أي نسبته إلى الغلول،
كما تقول: أكذبته إذا نسبته إلى الكذب: أي لا يقال عنه إنه يغل: أي يخون. الثاني
هو من أغللته إذا وجدته غالا كقولك: أحمدت الرجل إذا أصبته محمودا. والثالث
معناه أن يغله غيره: أي ما كان لنبي أن يخان (ومن يغلل) مستأنفة، ويجوز
أن تكون حالا ويكون التقدير: في حال علم الغال بعقوبة الغلول.
هو تعالى (أفمن اتبع) من بمعنى الذي في موضع رفع بالابتداء، و (كمن)
الخبر، ولا يكون شرطا لأن كمن لا يصلح أن يكون جوابا، و (بسخط) حال.
قوله تعالى (هم درجات) مبتدأ وخبر، والتقدير: ذو درجات فحذف
المضاف، و (عند الله) ظرف لمعنى درجات كأنه قال هم متفاضلون عند الله،
ويجوز أن يكون صفة لدرجات.
قوله تعالى (من أنفسهم) في موضع نصب صفة لرسول، ويجوز أن يتعلق
ببعث، وما في هذه الآية قد ذكر مثله في قوله " وابعث فيهم رسولا منهم ".
قوله تعالى (قد أصبتهم مثليها) في موضع رفع صفة لمصيبة.
قوله تعالى (وما أصابكم) ما بمعنى الذي وهو مبتدأ، والخبر (فبإذن الله)
أي واقع بإذن الله (وليعلم) اللام متعلقة بمحذوف: أي وليعلم الله أصابكم هذا،
ويجوز أن يكون معطوفا على معنى فبإذن الله تقديره: فبإذن الله ولأن يعلم الله (تعالوا
قاتلوا) إنما لم يأت بحرف العطف لأنه أراد أن يجعل كل واحدة من الجملتين
مقصودة بنفسها، ويجوز أن يقال: إن المقصود هو الأمر بالقتال، وتعالوا ذكر
156

ما لو سكت عنه لكان في الكلام دليل عليه، وقيل الأمر الثاني حال (هم للكفر)
اللام في قوله للكفر و (للإيمان) متعلقة بأقرب، وجاز أن يعمل أقرب فيهما لأنهما
يشبهان الظرف، وكما عمل أطيب في قولهم هذا بسرا أطيب منه رطبا في الظرفين
المقدرين لأن أفعل يدل على معنيين على أصل الفعل وزيادته فيعمل في كل واحد
منهما بمعنى غير الآخر، فتقديره: تزيد قربهم إلى الكفر على قربهم على الإيمان،
واللام هنا على بابها، وقيل هي بمعنى إلى (يقولون) مستأنف، ويجوز أن يكون
حالا من الضمير في أقرب: أي قربوا إلى الكفر قائلين.
قوله تعالى (الذين قاتلوا) يجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار أعنى،
أو صفة للذين نافقوا أو بدلا منه، وفى موضع جر بدلا من المجرور في أفواههم
أو قلوبهم، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر " قل فادرءوا " والتقدير: قل لهم (وقعدوا)
ويجوز أن يكون معطوفا على الصلة معترضا بين قالوا ومعمولها وهو (لو أطاعونا)
وأن يكون حالا، وقد مرادة.
قوله تعالى (بل أحياء) أي بل هم أحياء، ويقرأ بالنصب عطفا على أمواتا كما تقول:
ظننت زيدا قائما بل قاعدا، وقيل أضمر الفعل تقديره: بل أحسبوهم أحياء،
وحذف ذلك لتقدم ما يدل عليه، و (عند ربهم) صفة لاحياء، ويجوز أن يكون
ظرفا لأحياء لأن المعنى يحيون عند الله، ويجوز أن يكون ظرفا ل‍ (يرزقون) ويرزقون
صفة لأحياء، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في أحياء: أي يحيون مرزوقين،
ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الظرف إذا جعلته صفة.
قوله تعالى (فرحين) يجوز أن يكون حالا من الضمير في يرزقون، ويجوز أن
يكون صفة لأحياء إذا نصب، ويجوز أن ينتصب على المدح، ويجوز أن يكون من
الضمير في أحياء أو من الضمير في الظرف (من فضله) حال من العائد المحذوف
في الظرف تقديره: بما آتاهموه كائنا من فضله (ويستبشرون) معطوف على
فرحين، لأن اسم الفاعل هنا يشبه الفعل المضارع، ويجوز أن يكون التقدير: وهم
يستبشرون فتكون الجملة حالا من الضمير في فرحين، أو من ضمير المفعول في آتاهم
(من خلفهم) متعلق بيلحقوا، ويجوز أن يكون حالا تقديره: متخلفين عنهم
(ألا خوف عليهم) أي بأن لا خوف عليهم، فأن مصدرية، وموضع الجملة
بدل من الذين بدل الاشتمال: أي ويستبشرون بسلامة الذين لم يلحقوا بهم، ويجوز
أن يكون التقدير: لأنهم لا خوف عليهم فيكون مفعولا من أجله.
157

قوله تعالى (يستبشرون) هو مستأنف مكرر التوكيد (وأن الله) بالفتح
عطفا على بنعمة من الله: أي وبأن الله، وبالكسر على الاستئناف.
قوله تعالى (الذين استجابوا) في موضع جر صفة للمؤمنين أو نصب على
إضمار أعنى، أو رفع على إضمارهم، أو مبتدأ وخبره (للذين أحسنوا منهم
واتقوا) ومنهم حال من الضمير في أحسنوا، و (الذين قال لهم الناس)
بدل من الذين استجابوا أو صفة.
قوله تعالى (فزادهم إيمانا) الفاعل مضمر تقديره: زادهم القول (حسبنا الله)
مبتدأ وخبر، وحسب مصدر في موضع اسم الفاعل تقديره: فحسبنا الله: أي
كافينا، يقال: أحسبني الشئ أي كفاني.
قوله تعالى (بنعمة من الله) في موضع الحال، ويجوز أن يكون مفعولا
به (لم يمسسهم) حال أيضا من الضمير في انقلبوا، ويجوز أن يكون العامل
فيها بنعمة، وصاحب الحال الضمير في الحال تقديره: فانقلبوا منعمين بريئين من
سوء (واتبعوا) معطوف على انقلبوا، ويجوز أن يكون حالا: أي وقد اتبعوا.
قوله تعالى (ذلكم) مبتدأ، والشيطان) خبره، و (يخوف) يجوز
أن يكون حالا من الشيطان، والعامل الإشارة، ويجوز أن يكون الشيطان بدلا أو
عطف بيان، ويخوف الخبر، والتقدير: يخوفكم بأوليائه، وقرئ في الشذوذ
" يخوفكم أولياؤه " وقيل لا حذف فيه، والمعنى يخوف من يتبعه، فأما من توكل
على الله فلا يخافه (فلا تخافوهم) إنما جمع الضمير لان الشيطان جنس، ويجوز
أن يكون الضمير للأولياء.
قوله تعالى (لا يحزنك) الجمهور على فتح الياء وضم الزاي والماضي حزنه،
ويقرأ بضم الياء وكسر الزاي والماضي أحزن وهي لغة قليلة، وقيل حزن حدث له
الحزن، وحزنته أحدثت له الحزن، وأحزنته عرضته للحزن (يسارعون) يقرأ
بالإمالة والتفخيم، ويقرأ يسرعون بغير ألف من أسرع (شيئا) في موضع المصدر
أي ضررا.
قوله تعالى (ولا يحسبن الذين كفروا) يقرأ بالياء، وفاعله الذين كفروا،
وأما المفعولان فالقائم مقامهما قوله (إنما نملي لهم خير لأنفسهم) فإن وما
عملت فيه تسد مسد المفعولين عند سيبويه، وعند الأخفش المفعول الثاني محذوف
158

تقديره: نافعا أو نحو ذلك، وفى " ما " وجهان: أحدهما هي بمعنى الذي، والثاني
مصدرية، ولا يجوز أن تكون كافة ولا زائدة، إذ لو كان كذلك لانتصب خير
بنملى، واحتاجت أن إلى خبر إذا كانت ما زائدة أو قدر الفعل يليها، وكلاهما ممتنع
وقد قرئ شاذا بالنصب على أن يكون لأنفسهم خبر إن، ولهم تبيين أو حال من
خير، وقد قرئ في الشاذ بكسر إن وهو جواب قسم محذوف، والقسم وجوابه
يسدان مسد المفعولين، وقرأ حمزة " تحسبن " بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله
عليه وسلم الذين كفروا المفعول الأول، وفي المفعول الثاني وجهان: أحدهما الجملة
من أن وما عملت فيه، والثاني أن المفعول الأول محذوف أقيم المضاف إليه مقامه،
والتقدير: ولا تحسبن إملاء الذين كفروا، وقوله " أنما نملي لهم " بدل من المضاف
المحذوف، والجملة سدت مسد المفعولين، والتقدير: ولا تحسبن أن إملاء الذين
كفروا خير لأنفسهم، ويجوز أن تجعل أن وما عملت فيه بدلا من الذين كفروا بدل
الاشتمال، والجملة سدت مسد المفعولين (أنما نملي لهم ليزدادوا) مستأنف
وقيل أنما نملي لهم تكرير للأول، وليزدادوا هو المفعول الثاني لتحسب على قراءة
التاء، والتقدير: ولا تحسبن يا محمد إملاء الذين كفروا خيرا ليزدادوا إيمانا بل
ليزدادوا إثما، ويروى عن بعض الصحابة أنه قرأه كذلك.
قوله تعالى (ما كان الله ليذر) خبر كان محذوف تقديره ما كان الله مريدا
لأن يذر، ولا يجوز أن يكون الخبر ليذر لأن الفعل بعد اللام ينتصب بأن فيصير
التقدير: ما كان الله ليترك المؤمنين على ما أنتم عليه، وخبر كان هو اسمها في المعنى،
وليس الترك هو الله تعالى، وقال الكوفيون اللام زائدة والخبر هو الفعل وهذا
ضعيف لأن ما بعدها قد انتصب، فإن كان النصب باللام نفسها فليست زائدة، وإن
كان النصب بأن فسد لما ذكرنا، وأصل يذر يوذر، فحذفت الواو تشبيها لها
بيدع لأنها في معناها، وليس لحذف الواو في يذر علة إذا لم تقع بين ياء وكسرة
ولا ما هو في تقديره الكسرة، بخلاف يدع فإن الأصل يودع، فحذفت الواو لوقوعها
بين الياء وبين ما هو في تقدير الكسرة، إذ الأصل يودع مثل يوعد، وإنما فتحت
الدال من يدع، لأن لامه حرف حلقي فيفتح له ما قبله، ومثله يسع ويطأ ويقع ونحو
ذلك، ولم يستعمل من يذر ماضيا اكتفاء بترك (يميز) يقرأ بسكون الياء وماضيه
ماز، وبتشديدها وماضيه ميز، وهما بمعنى واحد، وليس التشديد لتعدى الفعل مثل
فرح وفرحته، لأن ماز وميز يتعديان إلى مفعول واحد.
159

قوله تعالى (ولا يحسبن) يقرأ بالياء على الغيبة، و (الذين يبخلون)
الفاعل، وفى المفعول الأول وجهان: أحدهما (هو) وهو ضمير البخل الذي دل
عليه يبخلون. والثاني هو محذوف تقديره البخل، وهو على هذا فصل، ويقرأ
" تحسبن " بالتاء على الخطاب، والتقدير: ولا تحسبن يا محمد بخل الذين يبخلون،
فحذف المضاف وهو ضعيف لأن فيه إضمار البخل قبل ذكر ما يدل عليه، وهو
على هذا فصل أو توكيد، والأصل في (ميراث) موراث فقلبت الواو ياء لانكسار
ما قبلها والميراث مصدر كالميعاد.
قوله تعالى (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير) العامل
في موضع إن وما عملت فيه، قالوا وهي المحكية به، ويجوز أن يكون معمولا لقول
المضاف لأنه مصدر، وهذا يخرج على قول الكوفيين في إعمال الأول وهو أصل
ضعيف، ويزداد هنا ضعفا لأن الثاني فعل والأول مصدر، وإعمال الفعل أقوى
(سنكتب ما قالوا) يقرأ بالنون، وما قالوا منصوب به (وقتلهم) معطوف
عليه، وما مصدرية أو بمعنى الذي، ويقرأ بالياء وتسمية الفاعل، ويقرأ بالياء على
ما لم يسم فاعله، وقتلهم بالرفع وهو ظاهر (ونقول) بالنون والياء.
قوله تعالى (ذلك) مبتدأ (بما) خبره، والتقدير: مستحق بما قدمت و (ظلام)
فعال من الظلم.
فإن قيل: بناء فعال للتكثير، ولا يلزم من نفى الظلم الكثير نفى الظلم القليل، فلو قال
بظالم لكان أدل على نفى الظلم قليله وكثيره.
فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: أحدها أن فعالا قد جاء لا يراد به الكثرة
كقول طرفة:
ولست بحلال التلاع مخافة * ولكن متى يسترفد القوم أرفد
لا يريد هاهنا أنه قد يحل التلاع قليلا، لان ذلك يدفعه قوله: متى يسترفد القوم
أرفد، وهذا يدل على نفى البخل في كل حال، ولأن تمام المدح لا يحصل بإرادته
الكثرة. والثاني أن ظلام هنا للكثرة لأنه مقابل للعباد وفى العباد كثرة، وإذا قوبل
بهم الظلم كان كثيرا. والثالث أنه إذا نفى الظلم الكثير انتفى الظلم القليل ضرورة، لأن
الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من
يجوز عليه النفع والضر كان للظلم القليل المنفعة أترك، وفيه وجه رابع، وهو أن يكون
على النسب: أي لا ينسب إلى الظلم فيكون من بزاز وعطار.
160

قوله تعالى (الذين قالوا) هو في موضع جر بدلا من قوله " الذين قالوا "
ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعنى ورفعا على إضمارهم (ألا نؤمن) يجوز أن
يكون في موضع جر على تقدير: بأن لا نؤمن، لأن معنى عهد وصى، ويجوز أن
يكون في موضع نصب على تقدير حرف الجر وإفضاء الفعل إليه، ويجوز أن ينتصب
بنفسي عهد، لأنك تقول: عهدت إليه عهدا، لا على أنه مصدر لأنه معناه ألزمته،
ويجوز أن تكتب أن مفصولة وموصولة، ومنهم من يحذفها في الخط اكتفاء بالتشديد
(حتى يأتينا بقربان) في حذف مضاف تقديره: بتقريب قربان: أي يشرع
لنا ذلك.
قوله تعالى (والزبر) يقرأ بغير باء اكتفاء بحرف العطف، وبالباء على إعادة
الجار، والزبر جمع زبور مثل رسول ورسل (والكتاب) جنس.
قوله تعالى (كل نفس) مبتدأ، وجاز ذلك وإن كان نكرة لنا فيه من العموم
و (ذائقة الموت) الخبر وأنث على معنى كل، لأن كل نفس نفوس، ولو ذكر
على لفظ كل جاز، وإضافة ذائقة غير محضة لأنها نكرة يحكى بها الحال، وقرئ شاذا
" ذائقة الموت " بالتنوين والإعمال، ويقرأ شاذا أيضا " ذائقه الموت " على جعل الهاء
ضمير كل على اللفظ، وهو مبتدأ وخبر (وإنما) " ما " هاهنا كافة فلذلك نصب
(أجوركم) بالفعل، ولو كانت بمعنى الذي أو مصدرية لرفع أجوركم.
قوله تعالى (لتبلون) الواو فيه ليست لام الكلمة، بل واو الجمع حركت
لالتقاء الساكنين وضمة الواو دليل على المحذوف، ولم تقلب الواو ألفا مع تحركها
وانفتاح ما قبلها، لأن ذلك عارض، ولذلك لا يجوز همزها مع انضمامها، ولو كانت
لازمة لجاز ذلك.
قوله تعالى (لتبيننه، ولا تكتمونه) يقرءان بالياء على الغيبة، لأن الراجع
إليه الضمير اسم ظاهر، وكل ظاهر يكنى عنه بضمير الغيبة، ويقرآن بالتاء على
الخطاب وتقديره: وقلنا لهم لتبيننه، ولما كان أخذ الميثاق في معنى القسم جاء باللام
والنون في الفعل ولم يأت بها في يكتمون اكتفاء بالتوكيد في الفعل الأول لأن
تكتمونه توكيد.
قوله تعالى (لا يحسبن الذين يفرحون) يقرأ بالياء على الغيبة، وكذلك
(فلا يحسبنهم) بالياء وضم الباء، وفاعل الأول الذين يفرحون، وأما مفعولاه
فمحذوفان اكتفاء بمفعولي يحسبانهم، لأن الفاعل فيهما واحد، فالفعل الثاني تكرير
161

للأول وحسن لما طال الكلام المتصل بالأول، والفاء زائدة فليست للعطف
ولا للجواب. وقال بعضهم (بمفازة) هو مفعول حسب الأول، ومفعوله الثاني
محذوف دل عليه مفعول حسب الثاني، لأن التقدير: لا يحسبن الذين يفرحون أنفسهم
بمفازة وهم في فلا يحسبنهم هو أنفسهم: أي فلا يحسبن أنفسهم، وأغنى بمفازة الذي
هو مفعول الأول عن ذكره ثانيا لحسب الثاني، وهذا وجه ضعيف متعسف عنه
مندوحة بما ذكرنا في الوجه الأول. ويقرأ بالتاء فيهما على الخطاب، وبفتح الباء
منهما والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والقول فيه أن الذين يفرحون هو المفعول
الأول، والثاني محذوف لدلالة مفعول حسب الثاني عليه، وقيل التقدير: لا تحسبن
الذين يفرحون بمفازة، وأغنى المفعول الثاني هنا عن ذكره لحسب الثاني. وحسب
الثاني مكرر أو بدل لما ذكرنا في القراءة بالياء فيهما، لأن الفاعل فيهما واحد أيضا
وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ويقرأ بالياء في الأول، وبالتاء في الثاني، ثم في التاء
في الفعل الثاني وجهان: أحدهما الفتح على أنه خطاب لواحد، والضم على أنه لجماعة،
وعلى هذا يكون مفعولا الفعل الأول محذوفين لدلالة مفعولي الثاني عليهما، والفاء
زائدة أيضا، والفعل الثاني ليس ببدل ولا مكرر، لأن فاعله غير فاعل الأول والمفازة
مفعلة من الفوز، و (من العذاب) متعلق بمحذوف لأنه صفة للمفازة، لأن
المفازة مكان والمكان لا يعمل، ويجوز أن تكون المفازة مصدرا فتتعلق من به،
ويكون التقدير: فلا تحسبنهم فائزين، فالمصدر في موضع اسم الفاعل.
قوله تعالى (الذين يذكرون الله) في موضع جر نعتا لأولى، أو في موضع
نصب بإضمار أعنى أو رفع على إضمارهم، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف
تقديره: يقولون ربنا (قياما وقعودا) حالان من ضمير الفاعل في يذكرون
(وعلى جنوبهم) حال أيضا، وحرف الجر يتعلق بمحذوف هو الحال في الأصل
تقديره: ومضطجعين على جنوبهم (ويتفكرون) معطوف على يذكرون، ويجوز
أن يكون حالا أيضا: أي يذكرون الله متفكرين (باطلا) مفعول من أجله،
والباطل هنا فاعل بمعنى المصدر مثل العاقبة والعافية، والمعنى ما خلقتهما عبثا، ويجوز
أن يكون حالا تقديره ما خلقت هذا خاليا عن حكمة، ويجوز أن يكون نعتا لمصدر
محذوف: أي خلقا باطلا.
فإن قيل: كيف قال هذا والسابق ذكر السماوات والأرض والإشارة إليها بهذه؟
ففي ذلك ثلاثة أوجه: أحدها أن الإشارة إلى الخلق المذكور في قوله " خلق السماوات "
162

وعلى هذا يجوز أن يكون الخلق مصدرا، وأن يكون بمعنى المخلوق، ويكون من
إضافة الشئ إلى ما هو هو في المعنى. والثاني أن السماوات والأرض بمعنى الجمع،
فعادت الإشارة إليه. والثالث أن يكون المعنى ما خلقت هذا المذكور أو المخلوق
(فقنا) دخلت الفاء لمعنى الجزاء فالتقدير إذا نزهناك أو وحدناك فقنا (من تدخل
النار) في موضع نصب بتدخل، وأجاز قوم أن يكون منصوبا بفعل دل عليه جواب
الشرط، وهو (فقد أخزيته) وأجاز قوم أن يكون من مبتدأ والشرط وجوابه
الخبر، وعلى جميع الأوجه الكلام كله في موضع رفع خبر إن.
قوله تعالى (ينادى) صفة لمناديا أو حال من الضمير في مناديا.
فإن قيل: ما الفائدة في ذكر الفعل مع دلالة الاسم الذي هو مناد عليه؟ قيل:
فيه ثلاثة أوجه: أحدها هو توكيد كما تقول قم قائما، والثاني أنه وصل به ما حسن
التكرير، وهو قوله (للأيمان) والثالث أنه لو اقتصر على الاسم لجاز أن يكون
سمع معروفا بالنداء يذكر ما ليس بنداء، فلما قال ينادى ثبت أنهم سمعوا نداءه في تلك
الحال، ومفعول ينادى محذوف: أي ينادى الناس (أن آمنوا) أن هنا بمعنى أي،
فيكون النداء قوله آمنوا، ويجوز أن تكون أن المصدرية وصلت بالأمر فيكون التقدير:
على هذا ينادى للإيمان بأن آمنوا (مع الأبرار) صفة للمفعول المحذوف تقديره:
أبرارا مع الأبرار، وأبرارا على هذا حال، والأبرار جمع بر وأصله برر ككتف
وأكتاف، ويجوز الإمالة في الإبرار تغليبا لكسرة الراء الثانية.
قوله تعالى (على رسلك) أي على ألسنة رسلك، وعلى متعلقة بوعدتنا، ويجوز
أن يكون بآتنا و (الميعاد) مصدر بمعنى الوعد.
قوله تعالى (عامل منكم) منكم صفة لعامل و (من ذكر أو أنثى) بدل
من منكم، وهو بدل الشئ من الشئ وهما لعين واحدة، ويجوز أن يكون من ذكر
أو أنثى صفة أخرى لعامل يقصد بها الإيضاح، ويجوز أن يكون من ذكر حالا من
الضمير في منكم تقديره: استقر منكم كائنا من ذكر أو أنثى، و (بعضكم من
بعض) مستأنف، ويجوز أن يكون حالا أو صفة (فالذين هاجروا) مبتدأ،
و (لأكفرن) وما اتصل به الخبر وهو جواب قسم محذوف (ثوابا) مصدر،
وفعله دل عليه الكلام المتقدم، لأن تكفير السيئات إثابة فكأنه قال: لأثيبنكم ثوابا،
وقيل هو حال، وقيل تمييز، وكلا القولين كوفي، والثواب بمعنى الإثابة، وقد
يقع بمعنى الشئ المثاب به كقولك: هذا الدرهم ثوابك، فعلى هذا يجوز أن يكون
163

حالا من الجنات: أي مثابا بها أو حالا من ضمير المفعول في لأدخلنهم أي مثابين،
ويجوز أن يكون مفعولا به لأن معنى أدخلنهم أعطينهم، فيكون على هذا بدلا من
جنات، ويجوز أن يكون مستأنفا: أي يعطيهم ثوابا.
قوله تعالى (متاع قليل) أي تقلبهم متاع فالمبتدأ محذوف.
قوله تعالى (لكن الذين اتقوا) الجمهور على تخفيف النون. وقرئ
بتشديدها والإعراب ظاهر (خالدين فيها) حال من الضمير في لهم، والعامل معنى
الاستقرار، وارتفاع جنات بالابتداء وبالجار (نزلا) مصدر، وانتصابه بالمعنى
لأن معنى لهم جنات: أي ننزلهم، وعند الكوفيين هو حال أو تمييز، ويجوز أن
يكون جمع نازل كما قال الأعشى * أو ينزلون فإنا معشر نزل * وقد ذكر ذلك
أبو علي في التذكرة، فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الضمير في خالدين، ويجوز
إذا جعلته مصدرا أن يكون بمعنى المفعول، فيكون حالا من الضمير المجرور في فيها
أي منزولة (من عند الله) إن جعلت نزلا مصدرا كان من عند الله صفة له،
وإن جعلته جمعا ففيه وجهان: أحدهما هو حال من المفعول المحذوف لأن التقدير:
نزلا إياها. والثاني أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي ذلك من عند الله: أي بفضله
(وما عند الله) ما بمعنى الذي، وهو مبتدأ، وفى الخبر وجهان: أحدهما هو
(خير) و (للأبرار) نعت لخير. والثاني أن يكون الخبر للأبرار، والنية به
التقديم: أي والذي عند الله مستقر للأبرار، وخير على هذا خبر ثان. وقال بعضهم
للإبرار حال من الضمير في الظرف، وخبر خير المبتدأ، وهذا بعيد لأن فيه الفصل
بين المبتدأ والخبر بحال لغيره، والفصل بين الحال وصاحب الحال بخير المبتدأ وذلك
لا يجوز في الاختيار.
قوله تعالى (لمن يؤمن) من في موضع نصب اسم إن، ومن نكرة موصوفة
أو موصولة، و (خاشعين) حال من الضمير في يؤمن، وجاء جمعا على معنى من.
ويجوز أن يكون حالا من الهاء والميم في إليهم، فيكون العامل أنزل، و (لله)
متعلق بخاشعين، وقيل هو متعلق بقوله (لا يشترون) وهو في نية التأخير: أي
لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا لأجل الله (أولئك) مبتدأ، و (لهم أجرهم)
فيه أوجه: أحدها أن قوله لهم خبر أجر، وبالجملة خبر الأول، و (عند ربهم)
ظرف للأجر لأن التقدير: لهم أن يؤجروا عند ربهم، ويجوز أن يكون حالا من
الضمير في لهم وهو ضمير الاجر. والآخر أن يكون الأجر مرتفعا بالظرف ارتفاع
164

الفاعل بفعله، فعلى هذا يجوز أن يكون عند ظرفا للأجر وحالا منه. والوجه الثالث
أن يكون أجرهم مبتدأ، وعند ربهم خبره، ويكون لهم يتعلق بما دل عليه الكلام
من الاستقرار والثبوت لأنه في حكم الظرف.
سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم
قد مضى القول في قوله تعالى (يا أيها الناس) في أوائل البقرة (من نفس
واحدة) في موضع نصب بخلقكم ومن لابتداء الغاية، وكذلك (منها زوجها)
و (منهما رجالا كثيرا) نعت لرجال، ولم يؤنثه لأنه حمله على المعنى لأن رجالا
بمعنى عدد أو جنس أو جمع كما ذكر الفعل المسند إلى جماعة المؤنث كقوله: وقال
نسوة، وقيل كثيرا نعت لمصدر محذوف: أي بثا كثيرا (تساءلون) يقرأ بتشديد
السين، والأصل تتساءلون فأبدلت التاء الثانية سينا فرارا من تكرير المثل، والتاء
تشبه السين في الهمس، ويقرأ بالتخفيف على حذف التاء الثانية لأن الباقية تدل عليها
ودخل حرف الجر في المفعول لأن المعنى تتحالفون به (والأرحام) يقرأ بالنصب،
وفيه وجهان: أحدهما معطوف على اسم الله: أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها،
والثاني هو محمول على موضع الجار والمجرور كما تقول مررت بزيد وعمرا، والتقدير
الذي تعظمونه والأرحام، لأن الحلف به تعظيم له. ويقرأ بالجر قيل هو معطوف
على المجرور، وهذا لا يجوز عند البصريين، وإنما جاء في الشعر على قبحه، وأجازه
الكوفيون على ضعف، وقيل الجر على القسم، وهو ضعيف أيضا لأن الأخبار
وردت بالنهي عن الحلف بالآباء، ولأن التقدير في القسم: وبرب الأرحام، هذا
قد أغنى عنه ما قبله، وقد قرئ شاذا بالرفع وهو مبتدأ، والخبر محذوف تقديره:
والأرحام محترمة أو واجب حرمتها.
قوله تعالى (بالطيب) هو المفعول الثاني لتتبدلوا (إلى أموالكم) إلى متعلقة
بمحذوف وهو في موضع الحال: أي مضافة إلى أموالكم، وقيل هو مفعول به على
المعنى، لأن معنى لا تأكلوا أموالهم: لا تضيعوها (إنه) الهاء ضمير المصدر الذي
دل عليه تأكلوا: أي أن الأكل والأخذ. والجمهور على ضم الحاء من (حوبا)
وهو اسم للمصدر، وقيل مصدر، ويقرأ بفتحها وهو مصدر حاب يحوب:
إذا أثم.
165

قوله تعالى (وإن خفتم) في جواب هذا الشرط وجهان: أحدهما هو قوله
فانكحوا ما طاب لكم " وإنما جعل جوابا لأنهم كانوا يتحرجون من الولاية
في أموال اليتامى، ولا يتحرجون من الاستكثار من النساء، مع أن الجور يقع بينهن
إذا كثرن، فكأنه قال: إذا تحرجتم من هذا فتحرجوا من ذاك. والوجه الثاني أن
جواب الشرط قوله " فواحدة " لأن المعنى إن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح اليتامى
فانكحوا منهن واحدة، ثم أعاد هذا المعنى في قوله " فإن خفتم أن لا تعدلوا " لما
طال الفصل بين الأول وجوابه، ذكر هذا الوجه أبو علي (أن لا تقسطوا)
الجمهور على ضم التاء وهو من أقسط إذا عدل، وقرئ شاذا بفتحها وهو من قسط
إذا جار، وتكون لا زائدة (ما طاب) " ما " هنا بمعنى من، ولها نظائر في القرآن
ستمر بك إن شاء الله تعالى، وقيل " ما " تكون لصفات من يعقل، وهي هنا كذلك،
لأن ما طاب يدل على الطيب منهن، وقيل هي نكرة موصوفة تقديره: فانكحوا
جنسا طيبا لكم، أو عددا يطيب لكم، وقيل هي مصدرية والمصدر المقدر
بها وبالفعل مقدر باسم الفاعل: أي انكحوا الطيب (من النساء) حال من ضمير
الفاعل في طاب (مثنى وثلاث ورباع) نكرات لا تنصرف للعدل والوصف،
وهي بدل من ما، وقيل هي حال من النساء، ويقرأ شاذا " وربع " بغير ألف،
ووجهها أنه حذف الألف كما حذفت في خيم والأصل خيام، وكما حذفت في قولهم
أم والله، والواو في " وثلاث ورباع " ليست للعطف الموجب للجمع في زمن واحد،
لأنه لو كان كذلك لكان عبثا، إذ من أدرك الكلام يفصل التسعة هذا التفصيل،
ولأن المعنى غير صحيح أيضا لأن مثنى ليس عبارة عن ثنتين فقط، بل عن ثنتين ثنتين
وثلاث عن ثلاث ثلاث وهذا المعنى يدل على أن المراد التخيير لا الجمع (فواحدة)
أن فانكحوا واحدة، ويقرأ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي فالمنكوحة واحدة
ويجوز أن يكون التقدير: فواحدة تكفى (أو ما ملكت) أو للتخيير على بابها،
ويجوز أن تكون للإباحة، و " ما " هنا بمنزلة ما في قوله: ما طاب (أن لا تعولوا)
أي إلى أن لا تعولوا، وقد ذكرنا مثله في آية الدين.
قوله تعالى (نحلة) لأن معنى آتوهن أنحلوهن، وقيل هو مصدر
في موضع الحال، فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الفاعلين: أي ناحلين، وأن
يكون من الصدقات، وأن يكون من النساء: أي منحولات (نفسا) تمييز،
والعامل فيه طبن، والمفرد هنا في موضع الجمع لأن المعنى مفهوم، وحسن ذلك أن
166

نفسا هنا في معنى الجنس، فصار كدرهما في قولك: عندي عشرون درهما (فكلوه)
الهاء تعود على شئ، والهاء منه تعود على المال لأن الصدقات مال (هنيئا)
مصدر جاء على فعيل، وهو نعت لمصدر محذوف: أي أكلا هنيئا، وقيل هو مصدر
في موضع الحال من الهاء، والتقدير: مهنأ أو طيبا و (مريئا) مثله والمرئ فعيل
بمعنى مفعل، لأنك تقول: أمرأني الشئ إذا لم تستعمله مع هناني فإن قلت هناني
ومرأني لم تأت بالهمزة في مرأني لتكون تابعة لهناني.
قوله تعالى (أموالكم التي) الجمهور على إفراد التي لأن الواحد من الأموال
مذكر، فلو قال اللواتي لكان جمعا كما أن الأموال جمع، والصفة إذا جمعت من أجل
أن الموصوف جمع كان واحدها كواحد الموصوف في التذكير والتأنيث، وقرئ
في الشاذ اللواتي جمعا اعتبارا بلفظ الأموال (جعل الله) أي صيرها فهو متعد إلى
مفعولين والأول محذوف وهو العائد، ويجوز أن يكون بمعنى خلق فيكون قياما حالا
(قياما) يقرأ بالياء والألف وهو مصدر قام والياء بدل من الواو، وأبدلت منها
لما أعلت في الفعل وكانت قبلها كسرة، والتقدير: التي جعل الله لكم سبب قيام
أبدانكم: أي بقائها ويقرأ قيما بغير ألف وفيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه مصدر مثل
الحول والعوض، وكان القياس أن تثبت الواو لتحصنها بتوسطها كما صحت في الحول
والعوض، ولكن أبدلوها ياء حملا على قيام على اعتلالها في الفعل. والثاني أنها جمع
قيمة كديمة وديم. والمعنى: أن الأموال كالقيم للنفوس إذ كان بقاؤها بها. وقال
أبو علي: هذا لا يصح لأنه قد قرئ في قوله " دينا قيما ملة إبراهيم " وفى قوله
" الكعبة البيت الحرام قيما " ولا يصح معنى القيمة فيهما. والوجه الثالث أن يكون
الأصل قياما، فحذفت الألف كما حذفت في خيم. ويقرأ " قواما " بكسر القاف
وبواو وألف، وفيه وجهان: أحدهما هو مصدر قاومت قواما مثل لاوذت لواذا،
فصحت في المصدر لما صحت في الفعل، والثاني أنها اسم لما يقوم به الأمر وليس بمصدر
ويقرأ كذلك إلا أنه بغير ألف، وهو مصدر صحت عينه وجاءت على الأصل كالعوض
ويقرأ بفتح القاف وواو وألف. وفيه وجهان: أحدهما هو اسم للمصدر مثل السلام
والكلام والدوام، والثاني هو لغة في القوم الذي هو بمعنى القامة، يقال: جارية
حسنة القوام والقوام، والتقدير التي جعلها الله سبب بقاء قاماتكم (وارزقوهم فيها)
فيه وجهان: أحدهما أن " في " على أصلها، والمعنى اجعلوا لهم فيها رزقا، والثاني
أنها بمعنى من.
167

قوله تعالى (حتى إذا بلغوا) حتى هاهنا غير عاملة، وإنما دخلت على الكلام
لمعنى الغاية كما تدخل على المبتدأ، وجواب إذا (فإن آنستم) وجواب إن
(فادفعوا) فالعامل في " إذا " ما يتلخص من معنى جوابها، فالتقدير: إذا بلغوا
راشدين فادفعوا (إسرافا وبدارا) مصدران مفعول لهما، وقيل هما مصدران
في موضع الحال: أي مسرفين ومبادرين، والبدار مصدر بادرت وهو من باب
المفاعلة التي تكون بين اثنين، لأن اليتيم مار إلى الكبر والولي مار إلى أخذ ماله،
فكأنهما يستبقان، ويجوز أن يكون من واحد (أن يكبروا) مفعول بدارا: أي
بدارا كبرهم (وكفى بالله) في فاعل كفى وجهان: أحدهما هو اسم الله، والباء زائدة
دخلت لتدل على معنى الأمر، إذ التقدير: اكتف بالله، والثاني أن الفاعل مضمر،
والتقدير: كفى الاكتفاء بالله، فبالله على هذا في موضع نصب مفعول به، و (شهيدا)
حال، وقيل تمييز، وكفى يتعدى إلى مفعولين وقد حذفا هنا: والتقدير: كفاك الله
شرهم، ونحو ذلك، والدليل على ذلك قوله " فسيكفيكهم الله ".
قوله تعالى (قل منه) يجوز أن يكون بدلا " مما ترك " ويجوز أن يكون حالا
من الضمير المحذوف في ترك: أي مما تركه قليلا أو كثيرا أو مستقرا مما قل (نصيبا)
قيل هو واقع موقع المصدر، والعامل فيه معنى ما تقدم، إذ التقدير: عطاء أو
استحقاقا، وقيل هو حال مؤكدة، والعامل فيها معنى الاستقرار في قوله " للرجال
نصيب " ولهذا حسنت الحال عنها، وقيل هو حال من الفاعل في قل أو كثر،
وقيل هو مفعول لفعل محذوف تقديره: أوجب لهم نصيبا، وقيل هو منصوب على
إضمار أعنى.
قوله تعالى (فارزقوهم منه) الضمير يرجع إلى المقسوم، لأن ذكر القسمة
يدل عليه.
قوله تعالى (من خلفهم) يجوز أن يكون ظرفا لتركوا، وأن يكون حالا
(من ذرية ضعافا) يقرأ بالتفخيم على الأصل، وبالإمالة لأجل الكسرة،
وجاز ذلك مع حرف الاستعلاء لأنه مكسور مقدم ففيه انحدار (خافوا) يقرأ
بالتفخيم على الأصل، وبالإمالة لأن الخاء تنكسر في بعض الأحوال وهو خفت،
وهو جواب لو ومعناها إن.
قوله تعالى (ظلما) مفعول له، أو مصدر في موضع الحال (في بطونهم نارا)
قد ذكر في البقرة فيه شئ، والذي يخص هذا الموضع أن في بطونهم حال من نارا:
168

أي نارا كائنة في بطونهم وليس بظرف ليأكلون، ذكره في التذكرة (وسيصلون)
يقرأ بفتح الياء، وماضيه صلى النار يصلاها، ومنه قوله " لا يصلاها إلا الأشقى "
ويقرأ بضمها على ما لم يسم فاعله، ويقرأ بتشديد اللام على التكثير.
قوله تعالى (للذكر مثل حظ الأنثيين) الجملة في موضع نصب بيوصى:
لأن المعنى: يقرض لكم أو يشرع في أولادكم، والتقدير: في أمر أولادكم (فإن كن)
الضمير للمتروكات: أي فإن كانت المتروكات، ودل ذكر الأولاد عليه (فوق
اثنتين) صفة النساء: أي أكثر من اثنتين (وإن كانت واحدة) بالنصب: أي
كانت الوارثة واحدة، وبالرفع على أن كان تامة، و (النصف) بالضم والكسر،
لغتان وقد قرئ بهما (فلامه) بضم الهمزة، وهو الأصل، وبكسرها اتباعا
لكسرة اللام قبلها وكسر الميم بعدها (وإن كانوا إخوة) الجمع هنا للاثنين،
لأن الاثنين يحجبان عند الجمهور، وعند ابن عباس هو على بابه والاثنان لا يحجبان
والسدس والثلث والربع والثمن بضم أوساطها وهي اللغة الجيدة، وإسكانها لغة
وقد قرئ بها (من بعد وصية) يجوز أن يكون حالا من السدس، تقديره:
مستحقا من بعد وصية، والعامل الظرف، ويجوز أن يكون ظرفا: أي يستقر لهم
ذلك بعد إخراج الوصية، ولابد من تقدير حذف المضاف لأن الوصية هنا المال
الموصى به، وقيل تكون الوصية مصدرا مثل الفريضة (أو دين) أو لأحد الشيئين
ولا تدل على الترتيب، إذ لافرق بين قولك: جاءني زيد أو عمرو، وبين قولك
جاء عمرو أو زيد، لأن أو لأحد الشيئين، والواحد لا ترتيب فيه، وبهذا يفسر قول
من قال التقدير: من بعد دين أو وصية، وإنما يقع الترتيب فيما إذا اجتمعا فيقدم
الدين على الوصية (آباؤكم وأبناؤكم) مبتدأ (لا تدرون أيهم أقرب لكم
نفعا) الجملة خبر المبتدأ، وأيهم مبتدأ، وأقرب خبره، والجملة في موضع نصب
بتدرون، وهي معلقة عن العمل لفظا لأنها من أفعال القلوب، ونفعا تمييز،
و (فريضة) مصدر لفعل محذوف: أي فرض ذلك فريضة.
قوله تعالى (وإن كان رجل) في كان وجهان: أحدهما هي تامة ورجل فاعلها
و (يورث) صفة له، و (كلالة) حال من الضمير في يورث، والكلالة
على هذا اسم للميت الذي لم يترك ولدا ولا والدا، ولو قرئ كلالة بالرفع على أنه
صفة أو بدل من الضمير في يورث لجاز، غير أنى لم أعرف أحدا قرئ به، فلا يقرءان
إلا بما نقل. والوجه الثاني أن كان هي الناقصة، ورجل اسمها، ويورث خبرها،
169

وكلالة حال أيضا، وقيل الكلالة اسم للمال الموروث، فعلى هذا ينتصب كلالة على
المفعول الثاني ليورث، كما تقول: ورث زيد مالا، وقيل الكلالة اسم للورثة
الذين ليس فيهم ولد ولا والد، فعلى هذا لا وجه لهذا الكلام على القراءة المشهورة
لأنه لا ناصب له، ألا ترى أنك لو قلت زيد يورث إخوة لم يستقم، وإنما يصح على
قراءة من قرأ بكسر الراء مخففة ومثقلة، وقد قرئ بهما، وقيل يصح هذا المذهب
على تقدير حذف مضاف تقديره: وإن كان رجل يورث ذا كلالة، فذا حال أو خبر
كان، ومن كسر الراء جعل كلالة مفعولا به إما الورثة وإما المال، وعلى كلا الأمرين
أحد المفعولين محذوف، والتقدير يورث أهله مالا (وله أخ أو أخت) إن قيل
قد تقدم ذكر الرجل والمرأة فلم أفرد الضمير وذكره؟ قيل أما إفراده فلان " أو "
لأحد الشيئين، وقد قال أو امرأة فأفرد الضمير لذلك، وأما تذكيره ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها يرجع إلى الرجل لأنه مذكر مبدوء به، والثاني أنه يرجع إلى أحدهما ولفظ
أحد مذكر. والثالث أنه راجع إلى الميت أو الموروث لتقدم ما يدل عليه (فإن كانوا)
الواو ضمير الإخوة من الأم المدلول عليهم بقوله أخ أو أخت، و (ذلك) كناية
عن الواحد (يوصى بها) يقرأ بكسر الصاد: أي يوصى بها المحتضر، وبفتحها
على ما لم يسم فاعله، وهو في معنى القراءة الأولى، ويقرأ بالتشديد على التكثير
(غير مضار) حال من ضمير الفاعل في يوصى، والجمهور على تنوين مضار،
والتقدير غير مضار بورثته، و (وصية) مصدر لفعل محذوف: أي وصى الله
بذلك ودل على المحذوف قوله غير مضار. وقرأ الحسن غير مضار وصية بالإضافة.
وفيه وجهان: أحدهما تقديره: غير مضار أهل وصية أو ذي وصية فحذف المضاف.
والثاني تقديره: غير مضار وقت وصية فحذف، وهو من إضافة الصفة إلى الزمان
ويقرب من ذلك قولهم هو فارس حرب: أي فارس في الحرب، ويقال: هو فارس
زمانه: أي في زمانه كذلك التقدير للقراءة غير مضار في وقت الوصية.
قوله تعالى (يدخله) في الآيتين بالياء والنون ومعناهما واحد (نارا خالدا فيها)
نارا مفعول ثان ليدخل، وخالدا حال من المفعول الأول، ويجوز أن يكون صفة
لنار، لأنه لو كان كذلك لبرز ضمير الفاعل لجريانه على غير من هوله، ويخرج على
قول الكوفيين جواز جعله صفة لأنهم لا يشترطون إبراز الضمير في هذا النحو.
قوله تعالى (واللاتي) هو جمع التي على غير قياس، وقيل هي صيغة موضوعة
للجمع وموضوعها رفع بالابتداء، والخبر (فاستشهدوا عليهن) وجاز ذلك وإن
170

كان أمرا، لأنه صار في حكم الشرط حيث وصلت التي بالفعل، وإذا كان كذلك
لم يحسن النصب، لأن تقدير الفعل قبل أداة الشرط لا يجوز، وتقديره بعد الصلة
يحتاج إلى إضمار فعل غير قوله " فاستشهدوا " لان استشهدوا لا يصح أن يعمل النصب
في اللاتي، وذلك لا يحتاج إليه مع صحة الابتداء، وأجاز قوم النصب بفعل محذوف
تقديره: اقصدوا اللاتي أو تعمدوا، وقيل الخبر محذوف: تقديره وفيما يتلى عليكم
حكم اللاتي ففيما يتلى هو الخبر، وحكم هو المبتدأ، فحذفا لدلالة قوله " فاستشهدوا "
لأنه الحكم المتلو عليهم (أو يجعل الله) أو عاطفة، والتقدير: أو إلى أن يجعل
الله، وقيل هي بمعنى إلا أن، وكلاهما مستقيم (لهن) يجوز أن يتعلق بيجعل، وأن
يكون حالا من (سبيلا)
قوله تعالى (واللذان يأتيانها) الكلام في اللذان كالكلام في اللاتي، إلا أن
من أجاز النصب يصح أن يقدر فعلا من جنس المذكور تقديره: آذوا اللذين،
ولا يجوز أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها هاهنا ولو عرا من ضمير المفعول، لأن الفاء
هنا في حكم الفاء الواقعة في جواب الشرط، وتلك تقطع ما بعدها عما قبلها، ويقرأ
اللذان بتخفيف النون على أصل التثنية، وبتشديدها على أن إحدى النونين عوض
من اللام المحذوفة، لأن الأصل اللذيان مثل العميان والشجيان، فحذفت الياء لأن
الاسم مبهم، والمبهمات لا تثنى التثنية الصناعية، والحذف مؤذن بأن التثنية هنا مخالفة
للقياس، وقيل حذفت لطول الكلام بالصلة، فأما هذان وهاتين، وفذانك فنذكرها
في مواضعها.
قوله تعالى (إنما التوبة) مبتدأ، وفى الخبر وجهان: أحدهما هو (على الله)
أي ثابتة على الله، فعلى هذا يكون (للذين يعملون السوء) حالا من الضمير
في الظرف، وهو قوله " على الله " والعامل فيها الظرف أو الاستقرار: أي كائنة
للذين، ولا يجوز أن يكون العامل في الحال التوبة لأنه قد فصل بينهما بالجار. والوجه
الثاني أن يكون الخبر " للذين يعملون "، وأما " على الله " فيكون حالا من شئ
محذوف تقديره: إنما التوبة إذ كانت على الله أو إذا كانت على الله، فإذ أو إذا ظرفان
العامل فيهما الذين يعملون السوء، لأن الظرف يعمل فيه المعنى وإن تقدم عليه، وكان
التامة وصاحب الحال ضمير الفاعل في كان، ولا يجوز أن يكون على الله حالا يعمل
فيها الذين لأنه عامل معنوي، والحال لا يتقدم على المعنوي، ونظيره هذه المسألة قولهم
هذا بسرا أطيب منه رطبا.
171

قوله تعالى (ولا الذين يموتون) في موضعه وجهان: أحدهما هو جر عطفا
على الذين يعملون السيئات: أي ولا الذين يموتون. والوجه الثاني أن يكون مبتدأ،
وخبره (أولئك اعتدنا لهم) واللام لام الابتداء وليست لا النافية.
قوله تعالى (أن ترثوا) في موضع رفع فاعل يحل، و (النساء) فيه وجهان:
أحدهما هو المفعول الأول، والنساء على هذا هن الموروثات، وكانت الجاهلية ترث نساء
آبائها وتقول: نحن أحق بنكاحهن. والثاني أنه المفعول الثاني: والتقدير: أن يرثوا
من النساء المال، و (كرها) مصدر في موضع الحال من المفعول، وفيه الضم
والفتح، وقد ذكر في البقرة (ولا تعضلوهن) فيه وجهان: أحدهما هو منصوب
عطفا على ترثوا: أي ولا أن تعضلوهن، والثاني هو جزم بالنهي فهو مستأنف
(لتذهبوا) اللام متعلقة بتعضلوا، وفى الكلام حذف تقديره: ولا تعضلوهن
من النكاح أو من الطلاق على اختلافهم في المخاطب به هل هم الأولياء أو الأزواج
(ما آتيتموهن) العائد على ما محذوف تقديره: ما آتيتموهن إياه، وهو المفعول
الثاني (إلا أن يأتين بفاحشة) فيه وجهان: أحدهما هو في موضع نصب على
الاستثناء المنقطع. والثاني هو في موضع الحال تقديره: إلا في حال إتيانهن الفاحشة،
وقيل هو استثناء متصل تقديره: ولا تعضلوهن في حال إلا في حال إتيان الفاحشة
(مبينة) يقرأ بفتح الياء على ما لم يسم فاعله: أي أظهرها صاحبها، وبكسر الياء
والتشديد. وفيه وجهان: أحدهما أنها هي الفاعلة أي تبين حال مرتكبها. والثاني أنه
من اللازم، يقال: بان الشئ وأبان وتبين واستبان وبين بمعنى واحد، ويقرأ بكسر
الباء وسكون الياء، وهو على الوجهين في المشددة المكسورة (بالمعروف) مفعول
أو حال (أن تكرهوا) فاعل عسى، ولا خبر لها هاهنا، لأن المصدر إذا تقدم
صارت عسى بمعنى أقرب، فاستغنت عن تقدير المفعول المسمى خبرا.
قوله تعالى (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) ظرف للاستبدال.
وفى قوله (وآتيتم إحداهن قنطارا) إشكالان: أحدهما أنه جمع الضمير
والمتقدم زوجان. والثاني أن التي يريد أن يستبدل بها هي التي تكون قد أعطاها مالا
فينهاه عن أخذه، فأما التي يريد أن يستحدثها فلم يكن أعطاها شيئا حتى ينهى عن أخذه،
ويتأيد ذلك بقوله " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض " والجواب عن
الأول أن المراد بالزوج الجمع، لأن الخطاب لجماعة الرجال وكل منهم قد يريد
الاستبدال، ويجوز أن يكون جمعا، لأن التي يريد أن يستحدثها، يفضى حالها إلى أن
172

تكون زوجا، وأن يريد أن يستبدل بها كما استبدل بالأولى، فجمع على هذا المعنى.
وأما الإشكال الثاني ففيه جوابان: أحدهما أنه وضع الظاهر موضع المضمر،
والأصل آتيتموهن، والثاني أن المستبدل بها مبهمة فقال " إحداهن " إذ لم تتعين حتى
يرجع الضمير إليها، وقد ذكرنا نحوا من هذا في قوله " فتذكر إحداهما الأخرى "
(بهتانا) فعلان من البهت، وهو مصدر في موضع الحال، ويجوز أن يكون
مفعولا له.
قوله تعالى (وكيف تأخذونه؟) كيف في موضع نصب على الحال، والتقدير:
أتأخذونه جائرين؟ وهذا يتبين لك بجواب كيف. ألا ترى أنك إذا قلت كيف
أخذت مال زيد؟ كان الجواب حالا تقديره: أخذته ظالما أو عادلا ونحو ذلك،
وأبدا يكون موضع كيف مثل موضع جوابها (وقد أفضى) في موضع الحال أيضا
(وأخذن) أي وقد أخذن لأنها حال معطوفة والفعل ماض فتقدر معه قد ليصبح
حالا، وأغنى عن ذكرها تقدم ذكرها (منكم) متعلق بأخذن، ويجوز أن يكون
حالا من ميثاق.
قوله تعالى (ما نكح) مثل قوله " فانكحوا ما طاب لكم " وكذلك " إلا ما ملكت
أيمانكم " وهو يتكرر في القرآن (من النساء) في موضع الحال من " ما " أو من
العائد إليها (إلا ما قد سلف). في " ما " وجهان: أحدهما هي بمعنى من وقد
ذكر. والثاني هي مصدرية والاستثناء منقطع، لأن النهى للمستقبل، وما سلف ماض
فلا يكون من جنسه وهو في موضع نصب، ومعنى المنقطع أنه لا يكون داخلا في الأول
بل يكون في حكم المستأنف وتقدر إلا فيه بلكن، والتقدير هنا: ولا تتزوجوا من
تزوجه آباؤكم، ولا تطئوا من وطئه اباؤكم لكن ما سلف من ذلك فمعفو عنه، كما تقول:
ما مررت برجل إلا بامرأة: أي لكن مررت بامرأة، والغرض منه بيان معنى زائد،
ألا ترى أن قولك ما مررت برجل صريح في نفى المرور برجل ما غير متعرض بإثبات
المرور بامرأة أو نفيه، فإذا قلت إلا بامرأة كان إثباتا لمعنى مسكوت عنه غير معلوم
بالكلام الأول نفيه ولا إثباته (إنه) الهاء ضمير النكاح (ومقتا) تمام الكلام ثم
يستأنف (وساء سبيلا) أي وساء هذا السبيل من نكاح من نكحهن الآباء، وسبيلا
تمييزه، ويجوز أن يكون قوله " وساء سبيلا " معطوفا على خبر كان، ويكون التقدير:
مقولا فيه ساء سبيلا.
قوله تعالى (أمهاتكم) الهاء زائدة، وإنما جاء ذلك فيمن يعقل، فأما
ما لا يعقل فيقال: أمهات البهائم، وقد جاء في كل واحد منهما ما جاء في الآخر قليلا، فيقال:
173

أمات الرجال، وأمهات البهائم (وبناتكم) لام الكلمة محذوفة، ووزنه فعاتكم،
والمحذوف واو أو ياء، وقد ذكرناه، فأما بنت فالتاء فيها بدل من اللام المحذوفة
وليست تاء التأنيث لأن تاء التأنيث لا يسكن ما قبلها، وتقلب هاء في الوقف،
فبنات ليس بجمع بنت بل بنه، وكسرت الباء تنبيها على المحذوف هذا عند الفراء.
وقال غيره: أصلها الفتح، وعلى ذلك جاء جمعها ومذكرها وهو بنون. وهو
مذهب البصريين، وأما أخت فالتاء فيها بدل من الواو لأنها من الاخوة، فأما
جمعها فأخوات.
فإن قيل: لم رد المحذوف في أخوات ولم يرد في بنات؟ قيل: حمل كل واحد
من الجمعين على مذكره فمذكر بنات لم يرد فيه المحذوف بل جاء ناقصا في الجمع
فقالوا بنون، وقالوا في جمع أخ إخوة وإخوان فرد المحذوف. والعمة تأنيث العم
والخالة تأنيث الخال، وألفه منقلبة عن واو لقولك في الجمع أخوال (من الرضاعة)
في موضع الحال من أخواتكم: أي وحرمت عليكم أخواتكم كائنات من الرضاعة
(اللاتي دخلتم بهن) نعت لنسائكم التي تليها، وليست صفة لنسائكم التي
في قوله " وأمهات نسائكم " لوجهين: أحدهما أن نساءكم الأولى مجرورة بالإضافة،
ونساءكم الثانية مجرورة بمن فالجران مختلفان، وما هذا سبيله لا تجرى عليه الصفة كما إذا
اختلف العمل، والثاني أن أم المرأة تحرم بنفس العقد عند الجمهور، وبنتها لا تحرم
إلا بالدخول، فالمعنى مختلف، ومن نسائكم في موضع الحال من ربائبكم، وإن شئت
من الضمير في الجار الذي هو صلة تقديره: اللاتي استقررن في حجوركم كائنات من
نسائكم (وأن تجمعوا) في موضع رفع عطفا على أمهاتكم، و (إلا ما قد سلف)
استثناء منقطع في موضع نصب.
قوله تعالى (والمحصنات) هو معطوف على أمهاتكم، و (من النساء) حال
منه، والجمهور على فتح الصاد هنا لأن المراد بهن ذوات الأزواج، وذات الزوج
محصنة بالفتح لأن زوجها أحصنها: أي أعفها، فأما المحصنات في غير هذا الموضع
فيقرأ بالفتح والكسر وكلاهما مشهور، فالكسر على أن النساء أحصن فروجهن أو
أزواجهن، والفتح على أنهن أحصن بالأزواج أو بالإسلام، واشتقاق الكلمة من
التحصين وهو المنع (إلا ما ملكت) استثناء متصل في موضع نصب، والمعنى:
حرمت عليكم ذوات الأزواج إلا السبايا فإنهن حلال وإن كن ذوات أزواج
(كتاب الله) هو منصوب على المصدر بكتب محذوفة دل عليه قوله حرمت: لأن
174

التحريم كتب، وقيل انتصابه بفعل محذوف تقديره: الزموا كتاب الله، و (عليكم)
إغراء. وقال الكوفيون هو إغراء والمفعول مقدم، وهذا عندنا غير جائز لان عليكم
وبابه عامل ضعيف، فليس له في التقديم تصرف، وقرئ " كتب عليكم " أي كتب
الله ذلك عليكم، وعليكم على القول الأول متعلق بالفعل الناصب للمصدر لا بالمصدر
لأن المصدر هنا فضلة، وقيل هو متعلق بنفس المصدر لأنه ناب عن الفعل حيث لم
يذكر معه، فهو كقولك مرورا بزيد أي أمر، (وأحل لكم) يقرأ بالفتح على
تسمية الفاعل، وهو معطوف على الفعل الناصب لكتاب وبالضم عطفا على حرمت
(ما وراء ذلكم) في ما وجهان: أحدهما هي بمعنى من، فعلى هذا يكون قوله
(أن تبتغوا) في موضع جر أو نصب على تقدير: بأن تبتغوا أو لأن تبتغوا: أي
أبيح لكم غير ما ذكرنا من النساء بالمهور. والثاني أن ما بمعنى الذي، والذي كناية
عن الفعل: أي وأحل لكم تحصيل ما وراء ذلك الفعل المحرم، وأن تبتغوا بدل منه
ويجوز أن يكون أن تبتغوا في هذا الوجه مثله في الوجه الأول، و (محصنين) حال
من الفاعل في تبتغوا (فما استمتعتم) في " ما " وجهان: أحدهما هي بمعنى من
والهاء في (به) تعود على لفظها، والثاني هي بمعنى الذي، والخبر (فآتوهن)
والعائد منه محذوف، أي لأجله فعلى الوجه الأول يجوز أن تكون شرطا، وجوابها
فآتوهن والخبر فعل الشرط وجوابه أو جوابه فقط على ما ذكرناه في غير موضع،
ويجوز على الوجه الأول أن تكون بمنى الذي، ولا تكون شرطا بل في موضع رفع
بالابتداء، واستمتعتم صلة لها، والخبر فآتوهن، ولا يجوز أن تكون مصدرية
لفساد المعنى، ولأن الهاء في به تعود على ما، والمصدرية لا يعود عليها ضمير (منهن)
حال من الهاء في به (فريضة) مصدر لفعل محذوف، أو في موضع الحال على
ما ذكرنا في آية الوصية،
قوله تعالى (ومن لم يستطع) شرط وجوابه " فما ملكت " و (منكم) حال
من الضمير في يستطع (طولا) مفعول يستطع، وقيل هو مفعول له وفيه حذف
مضاف: أي لعدم الطول، وأما (أن ينكح) ففيه وجهان: أحدهما هو بدل من
طول وهو بدل الشئ من الشئ وهما لشئ واحد لأن الطول هو القدرة أو الفضل،
والنكاح قوة وفضل. والثاني أن لا يكون بدلا بل هو معمول طول، وفيه على
هذا وجهان: أحدهما هو منصوب بطول، لأن التقدير: ومن لم يستطع أن ينال
175

نكاح المحصنات، وهو من قولك طلته: أي نلته، ومنه قول الفرزدق:
إن الفرزدق صخرة عادية * طالت فليس ينالها الأوعالا
أي طالت الأوعالا. والثاني أن يكون على تقدير حذف حرف الجر: أي إلى
أن ينكح، والتقدير: ومن لم يستطع وصلة إلى نكاح المحصنات، وقيل المحذوف
اللام، فعلى هذا يكون في موضع صفة طول، والطول المهر: أي مهرا كائنا لأن
ينكح، وقيل هو مع تقدير اللام مفعول الطول: أي طولا لأجل نكاحهن (فمن ما)
في من وجهان: أحدهما هي زائدة، والتقدير: فلينكح ما ملكت. والثاني ليست
زائدة، والفعل المقدر محذوف تقديره: فلينكح امرأة مما ملكت، ومن على هذا
صفة للمحذوف، وقيل مفعول الفعل المحذوف (فتياتكم) ومن الثانية زائدة،
و (والمؤمنات) على هذه الأوجه صفة الفتيات، وقيل مفعول الفعل المحذوف
المؤمنات، والتقدير: من فتياتكم الفتيات المؤمنات، وموضع من فتياتكم إذا لم
تكن من زائدة حال من الهاء المحذوفة في ملكت، وقيل في الكلام تقديم وتأخير
تقديره: فلينكح بعضكم من بعض الفتيات، فعلى هذا يكون قوله (والله أعلم
بإيمانكم) معترضا بين الفعل والفاعل، و (بعضكم) فاعل الفعل المحذوف،
والجيد أن يكون بعضكم مبتدأ، و (من بعض) خبره أي بعضكم من جنس بعض
في النسب والدين، فلا يترفع الحر عن الأمة عند الحاجة، وقيل " فمما ملكت " خبر
مبتدأ محذوف: أي فالمنكوحة مما ملكت (محصنات) حال من المفعول في " وآتوهن "
(ولا متخذات) معطوف على محصنات والإضافة غير محضة. والأخدان جمع
خدن مثل عدل وأعدال (فإذا أحصن) يقرأ بضم الهمزة: أي بالأزواج وبفتحها
أي فروجهن (فإن أتين) الفاء جواب إذا (فعليهن) جواب إن (من العذاب)
في موضع الحال من الضمير في الجار، والعامل فيها العامل في صاحبها، ولا يجوز
أن تكون حالا من ما لأنها مجرورة بالإضافة فلا يكون لها عامل (ذلك) مبتدأ
(لمن خشي) الخبر: أي جائز للخائف من الزنا (وأن تصبروا) مبتدأ،
و (خير لكم) خبره.
قوله تعالى (يريد الله ليبين لكم) مفعول يريد محذوف تقديره: يريد الله
ذلك: أي تحريم ما حرم وتحليل ما حلل ليبين، واللام في ليبين متعلقة بيريد، وقيل
اللام زائدة والتقدير: يريد الله أن يبين فالنصب بأن.
قوله تعالى (ويريد الذين يتبعون الشهوات) معطوف على قوله " والله
176

يريد أن يتوب عليكم " إلا أنه صدر الجملة الأولى بالاسم " الثانية " بالفعل، ولا يجوز
أن يقرأ بالنصب، لأن المعنى يصير: والله يريد أن يتوب عليكم، ويريد أن يريد الذين
يتبعون الشهوات، وليس المعنى على ذلك.
قوله تعالى (وخلق الإنسان ضعيفا) ضعيفا حال، وقيل تمييز لأنه يجوز
أن يقدر بمن وليس بشئ، وقيل التقدير: وخلق الإنسان من شئ ضعيف: أي
من طين أو من نطفة وعلقة ومضغة، كما قال " الله الذي خلقكم من ضعف " فلما حذف
الجار والموصوف انتصبت الصفة بالفعل نفسه.
قوله تعالى (إلا أن تكون تجارة) الاستثناء منقطع ليس من جنس الأول،
وقيل هو متصل والتقدير: لا تأكلوها بسبب إلا أن تكون تجارة وهذا ضعيف،
لأنه قال بالباطل والتجارة ليست من جنس الباطل، وفى الكلام حذف مضاف:
أي إلا في حال كونها تجارة، أو في وقت كونها تجارة، وتجارة بالرفع على أن كان
تامة، وبالنصب على أنها الناقصة، التقدير إلا أن تكون المعاملة أو التجارة تجارة،
وقيل تقديره: إلا أن تكون الأموال تجارة (عن تراض) في موضع صفة تجارة
(ومنكم) صفة تراض.
قوله تعالى (ومن يفعل) من في موضع رفع بالابتداء، والخبر (فسوف
نصليه) وعدوانا وظلما مصدران في موضع الحال، أو مفعول من أجله، والجمهور
على ضم النون من نصليه، ويقرأ بفتحها وهما لغتان يقال أصليته النار وصليته.
قوله تعالى (مدخلا) يقرأ بفتح الميم وهو مصدر دخل، والتقدير: وندخله
فيدخل مدخلا: أي دخولا، ومفعل إذا وقع مصدرا كان مصدر فعل، فأما أفعل
فمصدره مفعل بضم الميم كما ضمت الهمزة، وقيل مدخل هنا المفتوح الميم مكان فيكون
مفعولا به مثل أدخلته بيتا.
قوله تعالى (ما فضل الله) " ما " بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، والعائد الهاء
في (به) والمفعول (بعضكم - واسئلوا الله) يقرأ سلوا بغير همز واسئلوا
بالهمز وقد ذكر في قوله " سل بني إسرائيل " ومفعول اسئلوا محذوف: أي شيئا
(من فضله)
قوله تعالى (ولكل جعلنا) المضاف إليه محذوف وفيه وجهان: أحدهما تقديره:
ولكل أحد جعلنا موالي يرثونه، والثاني ولكل مال، والمفعول الأول لجعل (موالي)
والثاني لكل، والتقدير: وجعلنا وراثا لكل ميت أو لكل مال (مما ترك) فيه
177

وجهان: هو صفة مال المحذوف: أي من مال تركه (الوالدان) والثاني هو يتعلق
بفعل محذوف دل عليه الموالي تقديره: يرثون ما ترك، وقيل " ما " بمعنى من: أي
لكل أحد ممن ترك الولدان (والذين عقدت) في موضعها ثلاثة أوجه: أحدها
هو معطوف على موالي: أي وجعلنا الذين عاقدت وارثا، وكان ذلك ونسخ،
فيكون قوله (فآتوهم نصيبهم) توكيدا. والثاني موضعه نصب بفعل محذوف
فسره المذكور: أي وآتوا الذين عاقدت. والثالث هو رفع بالابتداء وفآتوهم الخبر،
ويقرأ عاقدت بالألف والمفعول محذوف: أي عاقدتهم، ويقرأ بغير ألف والمفعول
محذوف أيضا هو، والعائد تقديره: عقدت حلفهم أيمانكم، وقيل التقدير: عقدت
حلفهم ذو أيمانكم، فحذف المضاف لأن العاقد لليمين الحالفون لا الأيمان نفسها.
قوله تعالى (قوامون على النساء) على متعلقة بقوامون، و (بما) متعلقة به
أيضا، ولما كان الحرفان بمعنيين جاز تعلقهما بشئ واحد، فعلى على هذا لها معنى
غير معنى الباء، ويجوز أن تكون الباء في موضع الحال فتتعلق بمحذوف تقديره:
مستحقين بتفضيل الله إياهم، وصاحب الحال الضمير في قوامون وما مصدرية، فأما
" ما " في قوله (وبما أنفقوا) فيجوز أن تكون مصدرية، فتتعلق من بأنفقوا،
ولا حذف في الكلام، ويجوز أن تكون بمعنى الذي والعائد محذوف: أي وبالذي
أنفقوه، فعلى هذا يكون (من أموالهم) حالا (فالصالحات) مبتدأ (قانتات
حافظات) خبران عنه، وقرئ " فالصوالح قوانت حوافظ " وهو جمع تكثير دال
على الكثرة، وجمع التصحيح لا يدل على الكثرة بوضعه، وقد استعمل فيها كقوله
تعالى " وهم في الغرفات آمنون " (بما حفظ الله) في " ما " ثلاثة أوجه بمعنى الذي
ونكرة موصوفة، والعائد محذوف على الوجهين ومصدرية، وقرئ " بما حفظ الله "
بنصب اسم الله وما على هذه القراءة بمعنى الذي أو نكرة، والمضاف محذوف والتقدير:
بما حفظ أمر الله أو دين الله. وقال قوم: هي مصدرية، والتقدير: حفظهن الله،
وهذا خطأ لأنه إذا كان كذلك خلا الفعل عن ضمير الفاعل، لأن الفاعل هنا جمع
المؤنث وذلك يظهر ضميره، فكان يجب أن يكون بما حفظهن الله، وقد صوب
هذا القول وجعل الفاعل فيه للجنس، وهو مفرد مذكر فلا يظهر له ضمير " واللاتي
تخافون) مثل قوله " واللاتي يأتين الفاحشة " ومثل " واللذان يأتيانها " وقد ذكرا
(واهجروهن في المضاجع) في " في " وجهان: أحدهما هي ظرف للهجران:
أي اهجروهن في مواضع الاضطجاع: أي اتركوا مضاجعهن دون ترك مكالمتهن:
178

والثاني هي بمعنى السبب: أي واهجروهن بسبب المضاجع كما تقول في هذه الجناية
عقوبة (فلا تبغوا عليهن) في تبغوا وجهان: أحدهما هو من البغي الذي هو
الظلم، فعلى هذا هو غير متعد، و (سبيلا) على هذا منصوب على تقدير
حذف حرف الجر: أي بسبيل ما والثاني هو من قولك: بغيت الأمر أي طلبته،
فعلى هذا يكون متعديا، وسبيلا مفعوله، وعليهن من نعت السبيل فيكون حالا
لتقدمه عليه.
قوله تعالى (شقاق بينهما) الشقاق الخلاف، فلذلك حسن إضافته إلى بين،
وبين هنا الوصل الكائن بين الزوجين (حكما من أهله) يجوز أن يتعلق من
بابعثوا فيكون الابتداء غاية البعث، ويجوز أن يكون صفة للحكم فيتعلق بمحذوف
(إن يريدا) ضمير الاثنين يعود على الحكمين، وقيل على الزوجين، فعلى الأول
والثاني يكون قوله (يوفق الله بينهما) للزوجين.
قوله تعالى (وبالوالدين إحسانا) في نصب إحسانا أوجه قد ذكرناها في البقرة
عند قوله " وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل " و (الجنب) يقرأ بضمتين، وهو
وصف مثل ناقة أجد ويد سجح (1)، ويقرأ بفتح الجيم وسكون النون، وهو وصف
أيضا، وهو المجانب، وهو مثل قولك: رجل عدل (والصاحب بالجنب)
يجوز أن تكون الباء بمعنى في، وأن تكون على بابها، وعلى كلا الوجهين هو حال
من الصاحب، والعامل فيها المحذوف.
قوله تعالى (الذين يبخلون) فيه وجهان أحدهما هو منصوب بدل من " من "
في قوله " من كان مختالا فخورا " وجمع على معنى من، ويجوز أن يكون محمولا على
قوله مختالا فخورا، وهو خبر كان، وجمع على المعنى أيضا أو على إضمار أذم. والثاني
أن يكون مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: مبغضون، ودل عليه ما تقدم من قوله
لا يحب، ويجوز أن يكون الخبر معذبون لقوله " وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا "
ويجوز أن يكون التقدير، هم الذين، ويجوز أن يكون مبتدأ، والذين ينفقون معطوف
عليه، والخبر: إن الله لا يظلم: أي يظلمهم، والبخل والبخل لغتان وقد قرئ بهما،
وفيه لغتان أخريان البخل بضم الخاء والباء والبخل بفتح الباء وسكون الخاء، و (من
فضله) حال من " ما " أو من العائد المحذوف.
قوله تعالى (والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس) رئاء مفعول من أجله
والمصدر مضاف إلى المفعول، فعلى هذا يكون قوله (ولا يؤمنون بالله) معطوفا

(1) قوله أجد، في القاموس وناقة أجد بضمتين قوية، وقوله وسجح: بضمتين أيضا أي لينة سهلة اه‍.
179

على ينفقون داخلا في الصلة، ويجوز أن يكون مستأنفا، ويجوز أن يكون رئاء الناس
مصدرا في موضع الحال: أي ينفقون مرائين (فساء قرينا) أي فساء هو والضمير
عائد على من أو على الشيطان، وقرينا تمييز، وساء هنا منقولة إلى باب نعم وبئس،
ففاعلها والمخصوص بعدها بالذم مثل فاعل بئس ومخصوصها، والتقدير: فساء
الشيطان والقرين، فأما قوله " والذين ينفقون " ففي موضعه ثلاثة أوجه: أحدها هو
جر عطفا على الكافرين في قوله " وأعتدنا للكافرين " والثاني نصب على ما انتصب
عليه الذين يبخلون، والثالث رفع على ما ارتفع عليه الذين يبخلون، وقد ذكرا.
فأما رئاى الناس فقد ذكرنا أنه مفعول له أو حال من فاعل ينفقون، ويجوز أن يكون
حالا من الذين ينفقون: أي الموصول، فعلى هذا يكون قوله " ولا يؤمنون " مستأنفا
لئلا يفرق بين بعض الصلة وبعض بحال الموصول.
قوله تعالى (وماذا عليهم) فيه وجهان: أحدهما " ما " مبتدأ و " ذا " بمعنى
الذي، وعليهم صلتها، والذي وصلتها خبر ما، وأجاز قوم أن تكون الذي وصلتها
مبتدأ، وما خبرا مقدما، وقدم الخبر لأنه استفهام. والثاني أن ما وذا اسم واحد
مبتدأ، وعليهم الخبر، وقد ذكرنا هذا في البقرة بأبسط من هذا، و (لو) فيها
وجهان: أحدهما هي على بابها، والكلام محمول على المعنى: أي لو آمنوا لم يضرهم
والثاني أنها بمعنى أن الناصبة للفعل كما ذكرنا في قوله " لو يعمر ألف سنة " وغيره.
ويجوز أن تكون بمعنى إن الشرطية كما جاء في قوله " ولو أعجبتكم " أي وأي شئ
عليهم إن آمنوا، وتقديره: على الوجه الآخر: أي شئ عليهم في الإيمان.
قوله تعالى (مثقال ذرة) فيه وجهان: أحدهما هو مفعول ليظلم، والتقدير:
لا يظلمهم، أو لا يظلم أحدا، ويظلم بمعنى ينتقص: أي ينقص وهو متعد إلى مفعولين
والثاني هو صفة مصدر محذوف تقديره: ظلما قدر مثقال ذرة، فحذف المصدر
وصفته وأقام المضاف إليه مقامهما (وإن تك حسنة) حذفت نون تكن لكثرة
استعمال هذه الكلمة، وشبه النون لغنتها وسكونها بالواو، فإن تحركت لم تحذف نحو
" ومن يكن الشيطان - و - لم يكن الذين " وحسنة بالرفع على أن كان التامة، وبالنصب
على أنها الناقصة، و (من لدنه) متعلق بيؤت أو حال من الأجر.
قوله تعالى (فكيف إذا) الناصب لها محذوف: أي كيف تصنعون أو تكونون
وإذا ظرف لذلك المحذوف (من كل أمة) متعلق بجئنا أو حال من شهيد على
قول من أجاز تقديم حال المجرور عليه (وجئنا بك) معطوف على جئنا الأولى،
180

ويجوز أن يكون حالا وتكون قد مرادة، ويجوز أن يكون مستأنفا، ويكون الماضي
بمعنى المستقبل، و (شهيدا) حال وعلى يتعلق به، ويجوز أن يكون حالا منه.
قوله تعالى (يومئذ) فيه وجهان: أحدهما هو ظرف ل‍ (يود) فيعمل فيه.
والثاني يعمل فيه شهيدا، فعلى هذا يكون يود صفة ليوم، والعائد محذوف: أي فيه
وقد ذكر ذلك في قوله " واتقوا يوما لا تجزى " والأصل في " إذا " إذ، وهي ظرف
زمان ماض، فقد استعملت هنا للمستقبل وهو كثير في القرآن، فزادوا عليها التنوين
عوضا من الجملة المحذوفة تقديره: يوم إذ تأتى بالشهداء، وحركت الذال بالكسر
لسكونها وسكون التنوين بعدها (وعصوا الرسول) في موضع الحال، وقد مرادة
وهي معترضة بين يود وبين مفعولها، وهو (لو تسوى) ولو بمعنى أن المصدرية
وتسوى على ما لم يسم فاعله. ويقرأ تسوى بالفتح والتشديد: أي تتسوى فقلبت الثانية
سينا وأدغم. ويقرأ بالتخفيف أيضا على حذف الثانية (ولا يكتمون) فيه وجهان:
أحدهما هو حال، والتقدير: يودون أن يعذبوا في الدنيا دون الآخرة، أو يكونوا
كالأرض (ولا يكتمون الله) في ذلك اليوم (حديثا).
قوله تعالى (لا تقربوا الصلاة) قيل المراد مواضع الصلاة، فحذف المضاف
وقيل لا حذف فيه (وأنتم سكارى) حال من ضمير الفاعل في تقربوا، وسكارى
جمع سكران، ويجوز ضم السين وفتحها، وقد قرئ بهما، وقرئ أيضا " سكرى "
بضم السين من غير ألف، وبفتحها كذلك، وهي صفة مفردة في موضع الجمع،
فسكرى مثل حبلى وسكرى مثل عطشى (حتى تعلموا) أي إلى أن، وهي
متعلقة بتقربوا، و (ما) بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، والعائد محذوف، ويجوز
أن تكون مصدرية ولا حذف (ولا جنبا) حال، والتقدير. لا تصلوا جنبا، أو
لا تقربوا مواضع الصلاة جنبا، والجنب يفرد مع التثنية والجمع في اللغة الفصحى
يذهب به مذهب الوصف بالمصادر، ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول جنبان
وأجناب، واشتقاقه من المجانية وهي المباعدة (إلا عابري سبيل) هو حال أيضا
والتقدير: لا تقربوها في حال الجنابة إلى في حال السفر أو عبور المسجد على اختلاف
الناس في المراد بذلك (حتى تغتسلوا) متعلق بالعامل في جنب (منكم) صفة
لأحد، و (من الغائط) مفعول جاء، والجمهور يقرءون الغائط على فاعل، والفعل
منه غاط المكان يغوط إذا اطمأن. وقرأ ابن مسعود بياء ساكنة من غير ألف وفيه
وجهان: أحدهما هو مصدر يغوط، وكان القياس غوطا فقلب الواو ياء وأسكنت
181

وانفتح ما قبلها لخفتها. والثاني أنه أراد الغيط فخففت مثل سيد وميت، (أو لمستم)
يقرأ بغير ألف وبألف، وهما بمعنى، وقيل لامستم ما دون الجماع، أو لمستم الجماع
(فلم تجدوا) الفاء عطفت ما بعدها على جاء، وجواب الشرط (فتيمموا)
وجاء معطوف على كنتم: أي وإن جاء أحد (صعيدا) مفعول تيمموا أي اقصدوا
صعيدا، وقيل هو على تقدير حذف الباء: أي بصعيد (بوجوهكم) الباء زائدة
أي امسحوا وجوهكم، وفى الكلام حذف أي فامسحوا وجوهكم به أو منه، وقد ظهر
ذلك في آية المائدة.
قوله تعالى (من الكتاب) صفة لنصيب (يشترون) حال من الفاعل في أوتوا
(ويريدون) مثله وإن شئت جعلتهما حالين من الموصول، وهو قوله " من الذين
أوتوا " وهي حال مقدرة، ويقال ضللت (السبيل) وعن السبيل، وهو مفعول به
وليس بظرف، وهو كقولك أخطأ الطريق (وليا) و (نصيرا) منصوبان على
التمييز، وقيل على الحال.
قوله تعالى (من الذين هادوا) فيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه خبر مبتدإ
محذوف، وفى ذلك تقديران: أحدهما تقديره، هم من الذين ف‍ (يحرفون) على
هذا حال من الفاعل في هادوا، والثاني تقديره: من الذين هادوا قوم، فقوم هو
المبتدأ وما قبله الخبر، ويحرفون نعت لقوم، وقيل التقدير: من الذين هادوا من
يحرفون، كما قال: " وما منا إلا له ": أي من له، ومن هذه عندنا نكرة موصوفة
مثل قوم، وليست بمعنى الذي لأن الموصول لا يحذف دون صلته. والوجه الثاني أن
من الذين متعلق بنصير، فهو في موضع نصب به كما قال " فمن ينصرنا من بأس الله "
أي يمنعنا. والثالث أنه حال من الفاعل في يريدون، ولا يجوز أن يكون حالا من
الضمير في أوتوا لأن شيئا واحدا لا يكون له أكثر من حال واحدة، إلا أن يعطف
بعض الأحوال على بعض، ولا يكون حالا من الذين لهذا المعنى، وقيل هو حال من
أعدائكم: أي والله أعلم بأعدائكم كائنين من الذين، والفصل المعترض بينهما مسدد
فلم يمنع من الحال، وفى كل موضع جعلت فيه من الذين هادوا حالا، فيحرفون فيه
حال من الفاعل في هادوا و (الكلم) جمع كلمة، ويقرأ " الكلام " والمعنى متقارب
و (عن مواضعه) متعلق بيحرفون، وذكر الضمير المضاف إليه حملا على معنى
الكلم لأنها جنس (ويقولون) عطف على يحرفون، و (غير مسمع) حال
والمفعول الثاني محذوف، أي لا أسمعت مكروها هذا ظاهر قولهم، فأما ما أرادوا
182

فهو لا أسمعت خيرا، وقيل أرادوا غير مسموع منك (وراعنا) قد ذكر في البقرة
و (ليا. وطعنا) مفعول له، وقيل مصدر في موضع الحال، والأصل في لي
لوى فقلبت الواو ياء وأدغمت، و (في الدين) متعلق بطعن (خيرا لهم) يجوز
أن يكون بمعنى أفعل كما قال (وأقوم) ومن محذوفة: أي من غيره، ويجوز أن
يكون بمعنى فاضل وجيد فلا يفتقر إلى من (إلا قليلا) صفة مصدر محذوف:
أي إيمانا قليلا.
قوله تعالى (من قبل) متعلق بآمنوا و (على أدبارها) حال من ضمير
الوجوه وهي مقدرة.
قوله تعالى (ويغفر ما دون ذلك) هو مستأنف غير معطوف على يغفر الأولى
لأنه لو عطف عليه لصار منفيا.
قوله تعالى (بل الله يزكى من يشاء) تقديره: أخطئوا بل الله يزكى
(ولا يظلمون) ضمير الجمع يرجع إلى معنى من، ويجوز أن يكون مستأنفا أي
من زكى نفسه ومن زكاه الله، و (فتيلا) مثل مثقال ذرة في الإعراب وقد ذكر.
قوله تعالى (كيف يفترون) كيف منصوب بيفترون وموضع الكلام نصب
بانظروا، و (على الله) متعلق بيفترون، ويجوز أن يكون حالا من (الكذب) ولا يجوز
أن يتعلق بالكذب، لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه فإن جعل على التبيين جاز.
قوله تعالى (هؤلاء أهدى) مبتدأ وخبر في موضع نصب بيقولون. وللذين
كفروا تخصيص وتبيين متعلق بيقولون أيضا. ويؤمنون بالجبت ويقولون مثل يشترون
الضلالة ويريدون وقد ذكر.
قوله تعالى (أم لهم نصيب) أم منقطعة أي بل ألهم وكذلك أم يحسدون (فإذن)
حرف ينصب الفعل إذا اعتمد عليه وله مواضع يلغى فيها وهو مشبه في عوامل الأفعال
بظننت في عوامل الأسماء، والنون أصل فيه وليس بتنوين، فلهذا يكتب بالنون
وأجاز الفراء أن يكتب بالألف، ولم يعمل هنا من أجل حرف العطف وهي الفاء، ويجوز
في غير القرآن أن يعمل مع الفاء وليس المبطل لعمله لا لأن لا يتخطاها العامل.
قوله تعالى (من آمن به) الهاء تعود على الكتاب، وقيل على إبراهيم، وقيل
على محمد صلى الله عليه وسلم، و (سعيرا) بمعنى مستعر (نضجت جلودهم)
183

يقرأ بالإدغام لأنهما من حروف وسط الفم، والإظهار هو الأصل (بدلناهم
جلودا) أي بجلود، وقيل يتعدى إلى الثاني بنفسه.
قوله تعالى (والذين آمنوا) يجوز أن يكون في موضع نصب عطفا على الذين
كفروا، وأن يكون رفعا على الموضع أو على الاستئناف والخبر (سندخلهم.
خالدين فيها) حال من المفعول في ندخلهم أو من جنات لأن فيهما ضمير الكل واحد
منهما، ويجوز أن يكون صفة لجنات على رأى الكوفيين و (لهم فيها أزواج)
حال أو صفة.
قوله تعالى (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) العامل في إذا
وجهان: أحدهما فعل محذوف تقديره: يأمركم أن تحكموا إذا حكمتم، وجعل أن
تحكموا المذكورة مفسرة للمحذوف فلا موضع لأن تحكموا لأنه مفسر للمحذوف،
والمحذوف مفعول يأمركم ولا يجوز أن يعمل في إذا أن تحكموا لأن معمول المصدر
لا يتقدم عليه. والوجه الثاني أن تنصب إذا بيأمركم وأن تحكموا به أيضا، والتقدير:
أن يكون حرف العطف مع أن تحكموا لكن فصل بينهما بالظرف كقول الأعشى:
يوم يراها كشبه أردية الغضب ويوما أديمها ثفلا
وبالعدل يجوز أن يكون مفعولا به، ويجوز أن يكون حالا (نعما يعظكم به)
الجملة خبر إن، وفى " ما " ثلاثة أوجه: أحدها أنها بمعنى الشئ معرفة تامة، ويعظكم
صفة موصوف محذوف هو المخصوص بالمدح تقديره نعم الشئ شئ يعظكم به،
ويجوز أن يكون يعظكم صفة لمنصوب محذوف: أي نعم الشئ الشئ شيئا يعظكم به كقولك:
نعم الرجل رجلا صالحا زيد، وهذا جائز عند بعض النحويين، والمخصوص بالمدح
هنا محذوف. والثاني أن " ما " بمعنى الذي، وما بعدها صلتها وموضعها رفع فاعل
نعم والمخصوص محذوف: أي نعم الذي يعظكم به بتأدية الأمانة والحكم بالعدل.
والثالث أن تكون " ما " نكرة موصوفة، والفاعل مضمر، والمخصوص محذوف
كقوله تعالى " بئس للظالمين بدلا ".
قوله تعالى (وأولي الأمر منكم) حال من أولى، و (تأويلا) تمييز.
قوله تعالى (يريدون) حال من الذين يزعمون أو من الضمير في يزعمون،
ويزعمون من أخوات ظننت في اقتضائها مفعولين، وإن وما عملت فيه تسد مسدهما
(وقد أمروا) في موضع الحال من الفاعل في يريدون، والطاغوت يؤنث ويذكر،
184

وقد ذكر ضميره هنا، وقد تكلمنا عليه في البقرة (أن يضلهم ضلالا) أي
فيضلوا ضلالا، ويجوز أن يكون ضلالا بمعنى إضلالا، فوضع أحد المصدرين
موضع الآخر.
قوله تعالى (تعالوا) الأصل تعاليوا، وقد ذكرنا ذلك في آل عمران، ويقرأ
شاذا بضم اللام، ووجهه أنه حذف الألف من تعالى اعتباطا ثم ضم اللام من أجل
واو الضمير (يصدون) في موضع الحال و (صدودا) اسم للمصدر والمصدر
صد، وقيل هو مصدر.
قوله تعالى (فكيف إذا أصابتهم مصيبة) أي كيف يصنعون؟
(ويحلفون) حال.
قوله تعالى (في أنفسهم) يتعلق بقل لهم، وقيل يتعلق ب‍ (بليغا) أي يبلغ
في نفوسهم وهو ضعيف، لأن الصفة لا تعمل فيما قبلها.
قوله تعالى (إلا ليطاع) ليطاع في موضع نصب مفعول له، واللام تتعلق بأرسلنا،
و (بإذن الله) حال من الضمير في يطاع، وقيل هو مفعول به: أي بسبب أمر الله
و (ظلموا) ظرف والعامل فيه خبر إن، وهو (جاءوك). (واستغفر لهم
الرسول) ولم يقل فاستغفرت لهم، لأنه رجع من الخطاب إلى الغيبة لما في الاسم
الظاهر من الدلالة على أنه الرسول و (وجدوا) يتعدى إلى مفعولين، وقيل هي
المتعدية إلى واحد، و (توابا) حال، و (رحيما) بدل أو حال من الضمير
في تواب.
قوله تعالى (فلا وربك) فيه وجهان: أحدهما أن " لا " الأولى زائدة.
والتقدير: فوربك (لا يؤمنون) وقيل الثانية: زائدة، والقسم معترض بين النفي
والمنفى. والوجه الآخر أن لا نفى لشئ محذوف تقديره: فلا يفعلون، ثم قال:
وربك لا يؤمنون، و (بينهم) ظرف لشجر أو حال من " ما " أو من فاعل شجر،
و (ثم لا يجدوا) معطوف على يحكموك، و (في أنفسهم) يتعلق بيجدوا تعلق
الظرف بالفعل، و (حرجا) مفعول يجدوا، ويجوز أن يكون في أنفسهم حالا من
حرج، وكلاهما على أن يجدوا المتعدية إلى مفعول واحد، ويجوز أن تكون المتعدية
إلى اثنين، وفى أنفسهم أحدهما، و (مما قضيت) صفة لحرج فيتعلق بمحذوف،
ويجوز أن يتعلق بحرج، لأنك تقول: حرجت من هذا الأمر، و " ما " يجوز أن تكون
بمعنى الذي ونكرة موصوفة ومصدرية.
185

قوله تعالى (أن اقتلوا) فيه وجهان: أحدهما هي أن المصدرية والأمر صلتها،
وموضعهما نصب بكتبنا. والثاني أن أن بمعنى أي المفسرة للقول، وكتبنا قريب من
معنى أمرنا أو قلنا (أو اخرجوا) يقرأ بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين،
وبالضم اتباعا لضمة الراء، ولأن الواو من جنس الضمة (ما فعلوه) الهاء ضمير
أحد مصدري الفعلين وهو القتل أو الخروج، ويجوز أن يكون ضمير المكتوب
ودل عليه كتبنا (إلا قليل) يقرأ بالرفع بدلا من الضمير المرفوع وعليه المعنى،
لأن المعنى فعله قليل منهم، وبالنصب على أصل باب الاستثناء والأولى أقوى،
و (منهم) صفة قليل، و (تثبيتا) تمييز (وإذن) جواب ملغاة، و (من
لدنا) يتعلق بآتيناهم، ويجوز أن يكون يكون حالا من أجرا)، و (صراطا)
مفعول ثان.
قوله تعالى (من النبيين) حال من الذين أو من المجرور في عليهم (وحسن)
الجمهور على ضم السين، وقرئ بإسكانها مع فتح الحاء على التخفيف كما قالوا
في عضد عضد، و (أولئك) فاعله، و (رفيقا) تمييز، وقيل هو حال وهو
واحد في موضع الجمع: أي رفقاء.
قوله تعالى (ذلك) مبتدأ، وفى الخبر وجهان: أحدهما (الفضل) و (من الله)
حال والعامل فيها معنى ذلك، والثاني أن الفضل صفة ومن الله الخبر.
قوله تعالى (ثبات) جمع ثبة وهي للجماعة، وأصلها ثبوت تصغيرها ثبية.
فأما ثبة الحوض وهي وسطه فأصلها ثوبة من ثاب يثوب إذا رجع وتصغيرها ثويبة،
وثبات حال وكذلك (جميعا).
قوله تعالى (لمن) اسم إن، وهي بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، و (ليبطئن)
صلة أو صفة، ومنكم خبر إن، و (إذ لم) ظرف لأنعم.
قوله تعالى (ليقولن) بفتح اللام على لفظ من، وقرئ بضمها حملا على معنى
من وهو الجمع (كأن لم) هي مخففة من الثقيلة واسمها محذوف: أي كأنه لم يكن
بالياء لأن المودة والود بمعنى، ولأنه قد فصل بينهما، ويقرأ بالتاء على لفظ المودة،
وهو كلام معترض بين يقول وبين المحكى بها، وهو قوله (يا ليتني) والتقدير:
يقول يا ليتني، وقيل ليس بمعترض بل هو محكى أيضا بيقول، أي يقول: كأن لم تكن
ويا ليتني، وقيل كأن لم وما يتصل بها حال من ضمير الفاعل في ليقولن، يا ليتني المنادى
محذوف تقديره: يا قوم ليتني، وأبو علي يقول في نحو هذا، ليس في الكلام منادى
186

محذوف بل يدخل " يا " على المحذوف والحروف للتنبيه (فأفوز) بالنصب على جواب التمني،
وبالرفع على تقدير: فأنا أفوز.
قوله تعالى (أو يغلب فسوف) أدغمت الباء في الفاء لأنهما من الشفتين،
وقد أظهرها بعضهم.
قوله تعالى (ومالكم) ما استفهام مبتدأ، ولكم خبره، و (لا تقاتلون)
في موضع الحال، والعامل فيها الاستقرار كما تقول: مالك قائما، و (المستضعفين)
عطف على اسم الله: أي وفى سبيل المستضعفين. وقال المبرد: هو معطوف على
السبيل وليس بشئ (الذين يقولون) في موضع جر صفة لمن عقل من المذكورين،
ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعنى (الظالم أهلها) الألف واللام بمعنى التي،
ولم يؤنث اسم الفاعل وإن كان نعتا للقرية في اللفظ، لأنه قد عمل في الاسم الظاهر
المذكر وهو أهل، وكل اسم فاعل إذا جرى على غير من هو له فتذكيره وتأنيثه على
حسب الاسم الظاهر الذي عمل فيه.
قوله تعالى (إذا فريق منهم) إذا هنا للمفاجأة، والتي للمفاجأة ظرف مكان،
وظرف المكان في مثل هذا يجوز أن يكون خبرا للاسم الذي بعده وهو فريق هاهنا،
ومنهم صفة فريق، و (يخشون) حال، والعامل في الظرف على هذا الاستقرار،
ويجوز أن تكون إذا غير خبر، فيكون فريق مبتدأ، ومنهم صفته، ويخشون الخبر
وهو العامل في إذا، وقيل إذا هنا الزمانية، وليس بشئ لأن إذا الزمانية يعمل فيها
إما ما قبلها أو ما بعدها، وإذا عمل فيها ما قبلها كانت " من " صلته، وهذا فاسد هاهنا لأنه
يصير التقدير: فلما كتب عليهم القتال في وقت الخشية فريق منهم، وهذا يفتقر إلى
جواب لما ولا جواب لها، وإذا عمل فيها ما بعدها كان العامل فيها جوابا لها، وإذا
هنا ليس لها جواب بل هي جواب لما (كخشية الله) أي خشية كخشية الله،
والمصدر مضاف إلى المفعول (أو أشد) معطوف على الخشية وهو مجرور، ويجوز
أن يكون منصوبا عطفا على موضع الكاف، والقول في قوله أشد خشية كالقول
في قوله " أو أشد ذكرا " وقد ذكر.
قوله تعالى (أينما) هي شرط هاهنا، وما زائدة ويكثر دخولها على
أين الشرطية لتقوى معناها في الشرط، ويجوز حذفها، و (يدرككم)
الجواب، وقد قرئ " يدرككم " بالرفع وهو شاذ، ووجهه أنه حذف الفاء
(ولو كنتم) بمعنى وإن كنتم وقد ذكر مرارا (قل كل) مبتدأ،
والمضاف إليه محذوف: أي كل ذلك، و (من عند الله) الخبر (لا يكادون)
187

حال، ومن القراء من يقف على اللام من قوله ما لهؤلاء، وليس موضع وقف،
واللام في التحقيق متصلة بهؤلاء وهي خبر المبتدأ.
قوله تعالى (ما أصابك من حسنة) " ما " شرطية " وأصابك " بمعنى يصيبك،
والجواب (فمن الله) ولا يحسن أن تكون بمعنى الذي، لأن ذلك يقتضى أن يكون
المصيب لهم ماضيا مخصصا، والمعنى على العموم والشرط أشبه، والتقدير: فهو
من الله، والمراد بالآية الخصب والجدب، ولذلك لم يقل أصبت (رسولا) حال
مؤكدة: أي ذا رسالة، ويجوز أن يكون مصدرا: أي إرسالا. وللناس يتعلق
بأرسلنا، ويجوز أن يكون حالا من رسول.
قوله تعالى (حفيظا) حال من الكاف. وعليهم يتعلق بحفيظ، ويجوز أن يكون
حالا منه فيتعلق بمحذوف.
قوله تعالى (طاعة) خبر مبتدإ محذوف: أي أمرنا طاعة، ويجوز أن يكون
مبتدأ: أي عندنا أو منا طاعة (بيت) الأصل أن تفتح التاء لأنه فعل ماض، ولم
تلحقه تاء التأنيث لأن الطائفة بمعنى النفر، وقد قرئ بإدغام التاء في الطاء على أنه
سكن التاء لتمكن إدغامها إذ كانت من مخرج الطاء، والطاء أقوى منها لاستعلائها
وإطباقها وجهرها، و (تقول) يجوز أن يكون خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم،
وأن يكون للطائفة (ما يبيتون) يجوز أن تكون " ما " بمعنى الذي وموصوفة
ومصدرية.
قوله تعالى (أذاعوا به) الألف في أذاعوا بدل من ياء، يقال: ذاع الأمر
يذيع، والباء زائدة: أي أذاعوه، وقيل حمل على معنى تحدثوا به (يستنبطونه
منهم) حال من الذين أو من الضمير في يستنبطونه (إلا قليلا) مستثنى من فاعل
اتبعتم، والمعنى: لولا أن من الله عليكم لضللتم باتباع الشيطان إلا قليلا منكم، وهو
من مات في الفترة أو من كان غير مكلف، وقيل هو مستثنى من قوله أذاعوا به:
أي أظهروا ذلك الأمر أو الخوف إلا قليلا منهم، وقيل هو مستثنى من قوله " لوجدوا
فيه اختلافا كثيرا " أي لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه التناقض إلا القليل منهم،
وهو من لا يمعن النظر.
قوله تعالى (فقاتل) الفاء عاطفة لهذا الفعل على قوله " فليقاتل في سبيل الله "
وقيل على " ومالكم لا تقاتلون " وقيل على قوله " فقاتلوا أولياء الشيطان "
188

(لا تكلف) في موضع نصب على الحال (إلا نفسك) المفعول الثاني (بأسا)
و (تنكيلا) تمييز.
قوله تعالى (مقيتا) الياء بدل من الواو وهو مفعل من القوت.
قوله تعالى (بتحية) أصلها تحية وهي تفعلة من حييت، فنقلت حركة الياء
إلى الحاء ثم أدغمت، و (حيوا) أصلها حييوا ثم حذفت الياء على ما ذكر في مواضع
(بأحسن) أي بتحية أحسن (أو ردوها) أي ردوا مثلها فحذف المضاف.
قوله تعالى (الله لا إله إلا هو) قد ذكر في آية الكرسي (ليجمعنكم)
جواب قسم محذوف، فيجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له، ويجوز أن يكون خبرا
آخر للمبتدأ (إلى يوم القيامة) قيل التقدير: في يوم القيامة، وقيل هي على
بابها: أي ليجمعنكم في القبور أو من القبور، فعلى هذا يجوز أن يكون مفعولا به،
ويجوز أن يكون حالا: أي يجمعنكم مفضين إلى حساب يوم القيامة (لا ريب فيه)
يجوز أن يكون حالا من يوم القيامة، والهاء تعود على اليوم، ويجوز أن
يكون صفة لمصدر محذوف: أي جمعا لا ريب فيه والهاء تعود على الجمع،
و (حديثا) تمييز.
قوله تعالى (فما لكم) مبتدأ وخبر، و (فئتين) حال والعامل فيها الظرف
الذي هو لكم، أو العامل في الظرف. وفى المنافقين يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون
متعلقا بمعنى فئتين. والمعنى: ومالكم تفترقون في أمور المنافقين فحذف المضاف.
والثاني أن يكون حالا من فئتين: أي فئتين مفترقتين في المنافقين، فلما قدمه نصبه
على الحال.
قوله تعالى (كما كفروا) الكاف نعت لمصدر محذوف وما مصدرية
(فتكونون) عطف على تكفرون، و (سواء) بمعنى مستوين، وهو مصدر
في موضع اسم الفاعل.
قوله تعالى (إلا الذين يصلون) في موضع نصب استثناء من ضمير المفعول
في فاقتلوهم (بينكم وبينهم ميثاق) يجوز أن ترفع ميثاق بالظرف لأنه قد
وقع صفة، وأن ترفعه بالابتداء والجملة في موضع جر (حصرت) فيه وجهان:
أحدهما لا موضع لهذه الجملة، وهي دعاء عليهم بضيق صدورهم عن القتال. والثاني
لها موضع وفيه وجهان: أحدهما هو جر صفة لقوم وما بينهما صفة أيضا، وجاءوكم
معترض، وقد قرأ بعض الصحابة " بينكم وبينهم ميثاق حصرت صدورهم " بحذف
189

أو جاؤكم، والثاني موضعها نصب وفيه وجهان: أحدهما موضع حال، وقد مرادة
تقديره: أو جاءوكم قد حصرت، والثاني هو صفة لموصوف محذوف: أي جاءوكم
قوما حصرت، والمحذوف حال موطئة، ويقرأ حصرت بالنصب على الحال، وبالجر
صفة لقوم، وإن كان قد قرئ حصرت بالرفع فعلى أنه خبر، وصدورهم مبتدأ،
والجملة حال (أن يقاتلوكم) أي عن أن يقاتلوكم فهو في موضع نصب أو جر على
ما ذكرنا من الخلاف (لكم عليهم سبيلا) لكم يتعلق بجعل، وعليهم حال
من السبيل لان التقدير: سبيلا كائنا عليهم.
قوله تعالى (أركسوا) الجمهور على إثبات الهمزة وهو متعد إلى مفعول واحد،
وقرئ " ركسوا " والتشديد للنقل والتكثير معا، وفيها لغة أخرى وهي ركسه الله بغير
همزة ولا تشديد، ولم أعلم أحدا قرأ به.
قوله تعالى (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا) أن يقتل في موضع رفع
اسم كان، ولمؤمن خبره (إلا خطأ) استثناء ليس من الأول لأن الخطأ لا يدخل
تحت التكليف. والمعنى لكن إن قتل خطأ فحكمه كذا (فتحرير رقبة) فتحرير
مبتدأ، والخبر محذوف: أي فعليه تحرير رقبة، ويجوز أن يكون خبرا والمبتدأ
محذوف: أي فالواجب عليه تحرير، والجملة خبر من. وقرئ خطا بغير همز وفيه
وجهان: أحدهما أنه خفف الهمزة فقلبها ألفا فصار كالمقصور، والثاني أنه حذفها
حذفا فبقي مثل دم، ومن قتل مؤمنا خطأ صفة مصدر محذوف أي قتل خطأ، ويجوز
أن يكون مصدرا في موضع الحال: أي مخطئا. وأصل دية ودية مثل عدة وزنة،
وهذا المصدر اسم للمؤدى به مثل الهبة في معنى الموهوب، ولذلك قال (مسلمة
إلى أهله) والفعل لا يسلم (إلا أن يصدقوا) قيل هو استثناء منقطع، وقيل هو
متصل، والمعنى: فعليه دية في كل حال إلا في حال التصدق عليه بها (فإن كان)
أي المقتول، و (من قوم) خبر كان، و (لكم) صفة عدو، وقيل يتعلق به لأن
عدوا في معنى معاد، وفعول يعمل عمل فاعل (فتحرير رقبة) أي فعلى القاتل
(فصيام) أي فعليه صيام، ويجوز في غير القرآن النصب على تقدير فليصم شهرين
(توبة) مفعول من أجله، والتقدير: شرع ذلك لكم توبة منه، ولا يجوز أن
يكون العامل فيه صوم إلا على تقدير حذف مضاف تقديره: لوقوع توبة
أو لحصول توبة من الله، وقيل هو مصدر منصوب بفعل محذوف تقديره: تاب
عليكم توبة منه، ولا يجوز أن يكون في موضع الحال لأنك لو قلت فعليه صيام شهرين
190

تائبا من الله لم يجز، فإن قدرت حذف مضاف جاز: أي صاحب توبة من الله،
و (من الله) صفة توبة، ويجوز في غير القرآن توبة بالرفع: أي ذلك توبة.
قوله تعالى (ومن يقتل) من مبتدأ، و (متعمدا) حال من ضمير القاتل
(فجزاؤه) مبتدأ، و (جهنم) خبره والجملة خبر من، و (خالدا) حال من
محذوف تقديره: يجزاها خالدا فيها، فإن شئت جعلته من الضمير المرفوع، وإن
شئت من المنصوب، وقيل التقدير: جازاه بدليل قوله (وغضب الله عليه
ولعنه) فعطف عليه الماضي فعلى هذا يكون خالدا حالا من المنصوب لاغير،
ولا يجوز أن يكون حالا من الهاء في جزاؤه لوجهين: أحدهما أنه حال من المضاف
إليه، والثاني أنه فصل بين صاحب الحال والحال بخبر المبتدأ.
قوله تعالى (فتبينوا) يقرأ بالباء والياء والنون من التبيين، وبالثاء والباء والتاء
من التثبت، وهما متقاربان في المعنى (لمن ألقى) من بمعنى الذي أو نكرة
موصوفة، وألقى بمعنى يلقى لأن النهى لا يصح إلا في المستقبل، والذي نزلت فيه الآية
قال لمن ألقى إليه السلام لست مؤمنا وقتله، و (السلام) بالألف التحية، ويقرأ
بفتح اللام من غير ألف، وبإسكانها مع كسرة السين وفتحها، وهو الاستسلام
والصلح (لست مؤمنا) في موضع نصب بالقول والجمهور على ضم الميم الأولى
وكسر الثانية.، وهو مشتق من الإيمان، ويقرأ بفتح الميم الثانية، وهو اسم المفعول
من أمنته (تبتغون) حال من ضمير الفاعل في يقولوا (كذلك) الكاف خبر
كان، وقد تقدم عليها وعلى اسمها (إن الله كان) الجمهور على كسر إن على
الاستئناف، وقرئ بفتحها وهو معمول تبينوا.
قوله تعالى (من المؤمنين) في موضع الحال، وصاحب الحال القاعدون،
والعامل يستوى، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في القاعدين فيكون العامل فيه
القاعدون لأن الألف واللام بمعنى الذي (غير أولى الضرر) بالرفع على أنه صفة
القاعدون لأنه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم، وقيل هو بدل من القاعدين. ويقرأ
بالنصب على الاستثناء من القاعدين أو من المؤمنين أو حالا، وبالجر على الصفة
للمؤمنين (والمجاهدون) معطوف على القاعدين (بأموالهم) يتعلق بالمجاهدين
(درجة) قيل هو مصدر في معنى تفضيلا، وقيل حال: أي ذوي درجة، وقيل
هو على تقدير حذف الجار. أي بدرجة: وقيل هو واقع موقع الظرف: أي في درجة
ومنزلة (وكلا) المفعول الأول ل‍ (وعد)، و (الحسنى) هو الثاني، وقرئ
191

ركل: أي وكلهم، والعائد محذوف: أي وعده الله (أجرا) قيل هو مصدر من
غير لفظ الفعل، لأن معنى فضلهم أجرهم، وقيل هو مفعول به لأن فضلهم أعطاهم
وقيل التقدير بأجر.
قوله تعالى (درجات) قيل هو بدل من أجرا، وقيل التقدير: ذوي درجات
وقيل في درجات (ومغفرة) قيل هو معطوف على ما قبله، وقيل هو مصدر:
أي وغفر لهم مغفرة، و (رحمة) مثله.
قوله تعالى (توفاهم) الأصل تتوفاهم، ويجوز أن يكون ماضيا، ويقرأ
بالإمالة (ظالمي) حال من ضمير الفاعل في تتوفاهم، والإضافة غير محضة، أي
ظالمين أنفسهم (قالوا) فيه وجهان: أحدهما هو حال من الملائكة وقد معه مقدرة،
وخبر إن (فأولئك) ودخلت الفاء لما في الذي من الإبهام المشابه به الشرط،
وأن لا تمنع من ذلك لأنها لا تغير معنى الابتداء، والثاني أن قالوا خبر إن، والعائد
محذوف: أي قالوا لهم (فيم كنتم) حذفت الألف من " ما " في الاستفهام مع
حرف الجر لما ذكرنا في قوله " فلم تقتلون أنبياء الله " والجار والمجرور خبر كنتم،
و (في الأرض) يتعلق بمستضعفين (ألم تكن) استفهام بمعنى التوبيخ
(فتهاجروا) منصوب على جواب الاستفهام، لأن النفي صار إثباتا بالاستفهام
(وساءت) في حكم بئست.
قوله تعالى (إلا المستضعفين) استثناء ليس من الأول، لأن الأول قوله
" تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " وإليه يعود الضمير من مأواهم، وهؤلاء عصاة
بالتخلف عن الهجرة مع القدرة، وإلا المستضعفين من الرجال هم العاجزون، فمن
هنا كان منقطعا و (من الرجال) حال من الضمير في المستضعفين، أو من نفس
المستضعفين (ولا يستطيعون) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون حال مبينة عن
معنى الاستضعاف.
قوله تعالى (مهاجرا) حال من الضمير في يخرج (ثم يدركه) مجزوم عطفا
على يخرج، ويقرأ بالرفع على الاستئناف، أي ثم هو يدركه، وقرئ بالنصب على
إضمار أن لأنه لم يعطفه على الشرط لفظا، فعطفه عليه معنى كما جاء في الواو والفاء.
قوله تعالى (أن تقصروا) أي في أن تقصروا، وقد تقدم نظائره، ومن زائدة
عند الأخفش، وعند سيبويه هي صفة المحذوف: أي شيئا من الصلاة (عدوا)
192

في موضع أعداء، وقيل عدو مصدر على فعول مثل القبول والولوع فلذلك لم يجمع.
و (لكم) حال من عدو أو متعلق بكان.
قوله تعالى (لم يصلوا) في موضع رفع صفة لطائفة وجاء الضمير على معنى
الطائفة، ولو قال لم تصل لكان على لفظها، و (لو تغفلون) بمعنى أن تغفلوا
و (أن تضعوا) أي في أن تضعوا.
قوله تعالى (قياما وقعودا وعلى جنوبكم) أحوال كلها (اطمأننتم)
الهمزة أصل، ووزن الكلمة افعلل، والمصدر الطمأنينة على فعليلة، وأما قولهم طامن
رأسه فأصل آخر، و (موقوتا) مفعول من وقت التخفيف.
قوله تعالى (إن تكونوا تألمون) الجمهور على كسر إن وهي شرط.
وقرئ " أن تكونوا " بفتحها: أي لأن تكونوا، ويقرأ " تيلمون " بكسر التاء وقلب
الهمزة ياء وهي لغة.
قوله تعالى (بالحق) هو حال من الكتاب، وقد مر نظائره (أراك) الهمزة
هاهنا معدية، والفعل من رأيت الشئ إذا ذهبت إليه، وهو من الرأي، وهو متعد
إلى مفعول واحد، وبعد الهمزة يتعدى إلى مفعولين أحدهما الكاف والآخر محذوف
أي أراكه، وقيل المعنى علمك، وهو متعد إلى مفعولين أيضا، وهو قبل التشديد
متعد إلى واحد كقوله " لا تعلمونهم " (خصيما) بمعنى مخاصم، واللام على بابها:
أي لأجل الخائنين، وقيل هي بمعنى عن.
قوله تعالى (يستخفون) بمعنى يطلبون الخفاء وهو مستأنف لا موضع له
(إذ يبيتون) ظرف للعامل في معهم.
قوله تعالى (ها أنتم هؤلاء جادلتم) قد ذكرناه في قوله " ثم أنتم هؤلاء تقتلون
أنفسكم " (أم من) هنا منقطعة.
قوله تعالى (أو يظلم نفسه) أو لتفصيل ما أبهم، وقد ذكرنا مثله
في غير موضع.
قوله تعالى (ثم يرم به بريئا) الهاء تعود على الإثم، وفى عودها عليه دليل
على أن الخطيئة في حكم الإثم، وقيل تعود على أحد الشيئين المدلول عليه بأو، وقيل
تعود على الكسب المدلول عليه بقوله " ومن يكسب " وقيل تعود على المكسوب
والفعل يدل عليه.
193

قوله تعالى (ولولا فضل الله) في جواب لولا وجهان: أحدهما قوله (لهمت)
وعلى هذا لا يكون قد وجد من الطائفة المشار إليها هم بإضلاله. والثاني أن الجواب
محذوف تقديره: لأضلوك، ثم استأنف فقال: لهمت: أي لقد همت تلك، ومثل
حذف الجواب هنا حذفه في قوله " ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب
حكيم " (وما يضرونك من شئ) من زائدة، وشئ في معنى ضرر فهو
في موضع المصدر.
قوله تعالى (من نجواهم) في موضع جر صفة لكثير. وفى النجوى وجهان:
أحدهما هي التناجي، فعلى هذا يكون في قوله (إلا من أمر) وجهان: أحدهما
هو استثناء منقطع في موضع نصب، لأن من للأشخاص وليست من جنس التناجي.
والثاني أن في الكلام حذف مضاف تقديره: إلا نجوى من أمر، فعلى هذا يجوز أن
يكون في موضع جر بدلا من نجواهم، وأن يكون في موضع نصب على أصل باب
الاستثناء ويكون متصلا. والوجه الآخر أن النجوى القوم الذين يتناجون، ومنه قوله
" وإذ هم نجوى " فعلى هذا الاستثناء متصل، فيكون أيضا في موضع جر أو نصب
على ما تقدم (بين الناس) يجوز أن يكون ظرفا لاصلاح، وأن يكون صفة له
فيتعلق بمحذوف، و (ابتغاء) مفعول له وألف (مرضات) من واو (فسوف
نؤتيه) بالنون والياء وهو ظاهر.
قوله تعالى (ومن يشاقق) إنما جاز إظهار القاف لأن الثانية سكنت بالجزم،
وحركتها عارضة لالتقاء الساكنين والهاء في قوله (ونصله) مثل الهاء في " يؤده إليك "
وقد تكلمنا عليها.
قوله تعالى (لمن يشاء) اللام تتعلق بيغفر.
قوله تعالى (إلا إناثا) هو جمع أنثى على فعال، ويراد به كل مالا روح فيه من
صخرة وشمس ونحوهما، ويقرأ أنثى على الأفراد، ودل الواحد على الجمع، ويقرأ
" إنثا " مثل رسل فيجوز أن تكون صفة مفردة مثل امرأة جنب، ويجوز أن يكون
جمع أنيث كقليب وقلب، وقد قالوا حديد أنيث من هذا المعنى، ويقرأ " اثنا "
والواحد وثن وهو الصنم، وأصله وثن في الجمع كما في الواحد، إلا أن الواو قلبت همزة
لما انضمت ضما لازما، وهو مثل أسد وأسد، ويقرأ بالواو على الأصل جمعا، ويقرأ
بسكون الثاء مع الهمزة والواو، و (مريدا) فعيل من التمرد.
194

قوله تعالى (لعنة الله) يجوز أن يكون صفة أخرى لشيطان، وأن يكون مستأنفا
على الدعاء (وقال) يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها أن تكون الواو عاطفة لقال " على
لعنة الله " وفاعل قال ضمير الشيطان، والثاني أن تكون للحال: أي وقد قال. والثالث
أن تكون الجملة مستأنفة.
قوله تعالى (ولأضلنهم) مفعول هذه الأفعال محذوف: أي لأضلنهم عن الهدى
(ولأمنينهم) الباطل (ولآمرنهم) بالضلال.
قوله تعالى (يعدهم) المفعول الثاني محذوف: أي يعدهم النصر والسلامة،
وقرأ الأعمش بسكون الدال، وذلك تخفيف لكثرة الحركات.
قوله تعالى (عنها) هو حال من (محيصا) والتقدير محيصا عنها، والمحيص
مصدر، فلا يصح أن يعمل فيما قبله، ويجوز أن يتعلق عنها بفعل محذوف وهو الذي
يسمى تبيينا، أي أعنى عنها، ولا يجوز أن يتعلق بيجدون لأنه لا يتعدى بعن، والميم
في المحيص زائدة، وهو من حاص يحيص إذا تخلص.
قوله تعالى (والذين آمنوا) مبتدأ والخبر (سندخلهم) ويجوز أن يكون
في موضع نصب بفعل محذوف يفسره ما بعده: أي وندخل الذين و (وعد الله)
نصب على المصدر، لأن قوله سندخلهم بمنزلة وعدهم، و (حقا) حال من المصدر،
ويجوز أن يكون مصدر الفعل محذوف: أي حق ذلك حقا.
قوله تعالى (ليس بأمانيكم) اسم ليس مضمر فيها ولم يتقدم له ذكر، وإنما
دل عليه سبب الآية. وذلك أن اليهود قالوا نحن أصحاب الجنة، وقالت النصارى ذلك.
وقال المشركون لانبعث، فقال: ليس بأمانيكم: أي ليس ما ادعيتموه.
قوله تعالى (من ذكر أو أنثى) في موضع الحال وفى صاحبها وجهان:
أحدهما ضمير الفاعل في يعمل. والثاني من الصالحات أي كائنة من ذكر أو أنثى،
أو واقعة ومن الأولى زائدة عند الأخفش، وصفة عند سيبويه: أي شيئا من الصالحات
(وهو مؤمن) حال أيضا.
قوله تعالى (ممن أسلم) يعمل فيه أحسن، وهو مثل قولك: زيد أفضل من
عمرو: أي يفضل عمرا، و (لله) يتعلق بأسلم، ويجوز أن يكون حالا من " وجهه "
(واتبع) معطوف على أسلم، و (حنيفا) حال، وقد ذكر في البقرة، ويجوز
أن يكون هاهنا حالا من الضمير في اتبع (واتخذ الله) مستأنف.
195

قوله تعالى (وما يتلى) في " ما " وجوه: أحدها موضعها جر عطفا على الضمير
المجرور بفي، وعلى هذا قول الكوفيين لأنهم يجيزون العطف على الضمير المجرور
من غير إعادة الجار. والثاني أن يكون في موضع نصب على معنى: ونبين لكم ما يتلى
لأن يفتيكم يبين لكم. والثالث هو في موضع رفع، وهو المختار. وفى ذلك ثلاثة
أوجه: أحدها هو معطوف على ضمير الفاعل في يفتيكم، وجرى الجار والمجرور
مجرى التوكيد، والثاني هو معطوف على اسم الله وهو قل الله، والثالث أنه مبتدأ،
والخبر محذوف تقديره: وما يتلى عليكم في الكتاب يبين لكم، وفى تتعلق بيتلى،
ويجوز أن تكون حالا من الضمير في يتلى، و (في يتامى) تقديره: حكم يتامى،
ففي الثانية بما تعلقت به الأولى لأن معناها مختلف، فالأولى ظرف والثانية بمعنى
الباء: أي بسبب اليتامى كما تقول: جئتك في يوم الجمعة في أمر زيد، وقيل الثانية
بدل من الأولى، ويجوز أن تكون الثانية تتعلق بالكتاب: أي ما كتب في حكم
اليتامى، ويجوز أن تكون الأولى ظرفا والثانية حالا فتتعلق بمحذوف، ويتامى
(النساء) أي في اليتامى منهن. وقال الكوفيون التقدير: في النساء اليتامى، فأضاف
الصفة إلى الموصوف، ويقرأ في " ييامى " بياءين والأصل أيامى، فأبدلت الهمزة
ياء كما قالوا: فلان ابن أعسر ويعصر، وفى الأيامى كلام نذكره في موضعه إن شاء
الله. (وترغبون) فيه وجهان: أحدهما هو معطوف على تؤتون، والتقدير:
ولا ترغبون، والثاني هو حال: أي وأنتم ترغبون في أن تنكحوهن (والمستضعفين)
في موضع جر عطفا على المجرور في يفتيكم فيهن، وكذلك (وأن تقوموا) وهذا
أيضا عطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، وقد ذكره الكوفيون، ويجوز
أن يكون في موضع نصب عطفا على موضع فيهن، والتقدير: ويبين لكم حال
المستضعفين وبهذا التقدير يدخل في مذهب البصريين من غير كلفة، والجيد أن
يكون معطوفا على يتامى النساء، وأن تقوموا معطوف عليه أيضا: أي وفى
أن تقوموا.
قوله تعالى (وإن امرأة) امرأة مرفوع بفعل محذوف: أي وإن خافت امرأة،
واستغنى عنه بخافت المذكور. وقال الكوفيون: هو مبتدأ وما بعده الخبر، وهذا
عندنا خطأ لأن حرف الشرط لا معنى له في الاسم فهو مناقض للفعل، ولذلك جاء
الفعل بعد الاسم مجزوما في قول عدى:
ومتى واغل ينبهم يحيوه * ويعطف عليه كأس الساقي
196

(من بعلها) يجوز أن يكون متعلقا بخافت، وأن يكون حالا من (نشوزا)
و (صلحا) على هذا مصدر واقع موقع تصالح، ويجوز أن يكون التقدير: أن
يصالحا فيصلحا صلحا، ويقرأ بتشديد الصاد من غير ألف وأصله يصطلحا، فأبدلت
التاء صادا وأدغمت فيها الأولى، وقرئ " يصطلحا " بإبدال التاء طاء وصلحا عليهما
في موضع اصطلاح، وقرئ بضم الياء وإسكان الصاد وماضيه أصلح. وصلحا على
هذا فيه وجهان: أحدهما هو مصدر في موضع إصلاح والمفعول به بينهما، ويجوز
أن يكون ظرفا والمفعول محذوف. والثاني أن يكون صلحا مفعولا به وبينهما ظرف
أو حال من صلح (وأحضرت الأنفس الشح) أحضرت يتعدى إلى مفعولين،
تقول: أحضرت زيدا الطعام، والمفعول الأول الأنفس وهو القائم مقام الفاعل،
وهذا الفعل منقول بالهمزة من حضر، وحضر يتعدى إلى مفعول واحد كقولهم حضر
القاضي اليوم امرأة.
قوله تعالى (كل الميل) انتصاب كل على المصدر لأن لها حكم ما تضاف إليه،
فإن أضيفت إلى مصدر كانت مصدرا، وإن أضيفت إلى ظرف كانت ظرفا (فتذروها)
جواب النهى فهو منصوب، ويجوز أن يكون معطوفا على تميلوا فيكون مجزوما
(كالمعلقة) الكاف في موضع نصب على الحال.
قوله تعالى (وإياكم) معطوف على الذين، وحكم الضمير المعطوف أن يكون
منفصلا، و (أن اتقوا الله) في موضع نصب عند سيبويه وجر عند الخليل،
والتقدير: بأن اتقوا الله، وأن على هذا مصدرية، ويجوز أن تكون بمعنى أي، لأن
وصينا في معنى القول فيصح أن يفسر بأن التفسيرية.
قوله تعالى (شهداء) خير ثان، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في قوامين
(على أنفسكم) يتعلق بفعل دل عليه شهداء: أي ولو شهدتم، ويجوز أن يتعلق
بقوامين (إن يكن غنيا) اسم كان مضمر فيها دل عليه تقدم ذكر الشهادة:
أي إن كان الخصم، أو أن كان كل واحد من المشهود عليه والمشهود له، وفى (أو)
وجهان أحدهما هي بمعنى الواو، وحكى عن الأخفش، فعلى هذا يكون الضمير
في (بهما) عائدا على لفظ غنى وفقير. والوجه الثاني أن أو على بابها، وهي هنا
لتفصيل ما أبهم من الكلام، وذلك أن كل واحد من المشهود عليه والمشهود له يجوز
أن يكون غنيا وأن يكون فقيرا، فقد يكونان غنيين، وقد يكونان فقيرين، وقد يكون
أحدهما غنيا والآخر فقيرا، فلما كانت الأقسام عند التفصيل على ذلك ولم تذكر
197

أتى بأو لتدل على هذا التفصيل، فعلى هذا يكون الضمير في بهما عائدا على المشهود له
والمشهود عليه على أي وصف كانا عليه لاعلى الصفة، وقيل الضمير عائد إلى ما دل
عليه الكلام، والتقدير: فالله أولى بالغنى والفقير، وقيل يعود على الغنى والفقير
لدلالة الاسمين عليه (أن تعدلوا) فيه ثلاثة أوجه: أحدها تقديره: في أن لا تعدلوا،
فحذف لا: أي لا تتبعوا الهوى في ترك العدل. والثاني تقديره: ابتغاء أن تعدلوا
عن الحق. والثالث تقديره: مخافة أن تعدلوا عن الحق، وعلى الوجهين هو مفعول له
(وإن تلووا) يقرأ بواوين الأولى منهما مضمومة وهو من لوى يلوى. ويقرأ بواو
واحدة ساكنة. وفيه وجهان أحدهما أصله تلووا كالقراءة الأولى إلا أنه أبدل الواو
المضمومة همزة، ثم ألقى حركتها على اللام: وقد ذكر مثله في آل عمران. والثاني
أنه من ولى الشئ: أي وإن تتولوا الحكم أو تعرضوا عنه أو إن تتولوا الحق
في الحكم.
قوله تعالى (لم يكن الله ليغفر لهم) قد ذكر في قوله " ما كان الله
ليذر المؤمنين ".
قوله تعالى (جميعا) هو حال من الضمير في الجار وهو قوله " لله ".
قوله تعالى (وقد نزل) يقرأ على ما لم يسم فاعله، والقائم مقام الفاعل (أن)
وما هو تمام لها، وأن هي المخففة من الثقيلة: أي أنه (إذا سمعتم آيات الله).
ويقرأ نزل على تسمية الفاعل، وأن في موضع نصب. وتلخيص المعنى: وقد نزل
عليكم المنع من مجالستهم عند سماع الكفر منهم، و (يكفر بها) في موضع
الحال من الآيات، وفى الكلام حذف تقديره: يكفر بها أحد، فحذف الفاعل وأقام
الجار مقامه، والضمير في (معهم) عائد على المحذوف. فلا تفعلوا محمول على
المعنى أيضا، لأن معنى وقد نزل عليكم، وقد قيل والفاء جواب إذا (إنكم إذا
مثلهم) إذا هاهنا ملغاة لوقوعها بين الاسم والخبر، ولذلك لم يذكر بعدها الفعل.
وأفرد مثلا لأنها في معنى المصدر، ومثله " أنؤمن لبشرين مثلنا " وقد جمع في قوله " ثم
لا يكونوا أمثالكم " وقرئ شاذا " مثلهم " بالفتح، وهو مبنى لإضافته إلى المبهم،
كما بنى في قوله " مثل ما أنكم تنطقون " ويذكر في موضعه إن شاء الله تعالى، وقيل
نصب على الظرف كما قيل في بيت الفرزدق: * وإذ ما مثلهم بشر *
أي أنكم في مثل حالهم.
198

قوله تعالى (الذين يتربصون) في موضع جر صفة للمنافقين والكافرين،
ويجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف: أي هم، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر
(فإن كان لكم فتح من الله) وما يتصل به، ويجوز أن يكون في موضع نصب
عن إضمار أعنى (نستحوذ) هو شاذ في القياس، والقياس نستحذ (على المؤمنين)
يجوز أن يتعلق بيجعل، وأن يكون حالا من سبيل.
قوله تعالى (وهو خادعهم)، و (كسالى) حالان (يراءون) يقرأ بالمد
وتخفيف الهمزة، ويقرأ بحذف الألف وتشديد الهمزة: أي يحملون غيرهم على الرياء
وموضعه نصب على الحال من الضمير في كسالى، ويجوز أن يكون بدلا من كسالى،
ويجوز أن يكون مستأنفا (إلا قليلا) نعت لمصدر محذوف أو زمان محذوف.
قوله تعالى (مذبذبين) هو منصوب على الذم، وقيل هو حال من الضمير
في يذكرون، والجمهور على فتح الذال على ما لم يسم فاعله: أي أن نفاقهم حملهم
على التقلب، ويقرأ بكسر الذال الثانية: أي متقلبين، وليست الذال الثانية بدلا عند
البصريين بل ذبذب أصل بنفسه. وقال الكوفيون: الأصل ذبب، فأبدل من الباء
الأولى ذالا وذلك في موضع بينهما: أي بين الإيمان والكفر، أو بين المسلمين
واليهود (لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) وإلى يتعلق بفعل محذوف: أي لا ينتسبون
إلى هؤلاء بالكلية ولا إلى هؤلاء بالكلية، وموضع لا إلى هؤلاء نصب على الحال
من الضمير في مذبذبين: أي يتذبذبون متلونين.
قوله تعالى (في الدرك) يقرأ بفتح الراء وإسكانها وهما لغتان، و (من النار)
في موضع الحال من الدرك، والعامل فيه معنى الاستقرار، ويجوز أن يكون حالا
من الضمير في الأسفل.
قوله تعالى (إلا الذين تابوا) في موضع نصب استثناء من الضمير المجرور
في قوله " ولن تجد لهم " ويجوز أن يكون من قوله " في الدرك " وقيل هو في موضع
رفع بالابتداء، والخبر (فأولئك مع المؤمنين).
قوله تعالى (ما يفعل الله) في ما وجهان: أصحهما أنهما استفهام في موضع
نصب بيفعل، و (بعذابكم) متعلق بيفعل، والثاني أنها نفى، والتقدير: ما يفعل
الله بعذابكم، والمعنى لا يعذبكم.
قوله تعالى (بالسوء) الباء تتعلق بالمصدر. وفى موضعها وجهان: أحدهما نصب
199

تقديره: لا يحب أن تجهروا بالسوء، والثاني رفع تقديره: أن يجهر بالسوء
و (من القول) حال من السوء (إلا من ظلم) استثناء منقطع في موضع نصب،
وقيل هو متصل. والمعنى: لا يحب أن يجهر أحد بالسوء إلا من يظلم فيجهر: أي
يدعوا الله بكشف السوء الذي أصابه أو يشكو ذلك إلى إمام أو حاكم، فعلى هذا يجوز
أن يكون في موضع نصب، وأن يكون في موضع رفع بدلا من المحذوف إذ التقدير
أن يجهر أحد. وقرئ " ظلم " بفتح الظاء على تسمية الفاعل وهو منقطع، والتقدير:
لكن الظالم فإنه مفسوح لمن ظلمه أن ينتصف منه، وهي قراءة ضعيفة.
قوله تعالى (بين ذلك سبيلا) ذلك يقع بمعنى المفرد والتثنية والجمع، وهو
هنا بمعنى التثنية: أي بينهما.
قوله تعالى (حقا) مصدر: أي حق ذلك حقا، ويجوز أن يكون حالا: أي
أولئك هم الكافرون غير شك.
قوله تعالى (أكبر من ذلك) أي شيئا أو سؤالا أكبر (جهرة) مصدر
في موضع الحال: أي مجاهرين، وقيل التقدير: قولا جهرة، وقيل رؤية جهرة،
قوله تعالى (ورفعنا فوقهم) فوقهم يجوز أن يكون ظرفا لرفعنا، وأن يكون
حالا من (الطور بميثاقهم) في موضع نصب متعلق برفعنا تقديره: بنقض ميثاقهم.
والمعنى: ورفعنا فوقهم الجبل تخويفا لهم بسبب نقضهم الميثاق، و (سجدا) حال
(لا تعدوا) يقرأ بتخفيف الدال وإسكان العين، يقال: عدا يعدو إذا تجاوز الحد،
ويقرأ بتشديد الدال وسكون العين وأصله تعتدوا، فقلب التاء دالا وأدغم، وهي
قراءة ضعيفة لأنه جمع بين ساكنين، وليس الثاني حرف مد.
قوله تعالى (فيما نقضهم) ما زائدة، وقيل هي نكرة تامة، ونقضهم بدل
منها. وفيما تتعلق به الباء وجهان: أحدهما هو مظهر، وهو قوله بعد ثلاث آيات
" حرمنا عليهم " وقوله " فبظلم " بدل من قوله " فيما نقضهم " وأعاد الفاء في البدل
لما طال الفصل، والثاني أن ما يتعلق به محذوف، وفى الآية دليل عليه، والتقدير:
فبنقضهم ميثاقهم طبع على قلوبهم أو لعنوا، وقيل التقدير: فيما نقضهم ميثاقهم
لا يؤمنون، والفاء زائدة (بل طبع الله عليها) أي ليس كما ادعوا من أن قلوبهم
أوعية للعلم، و (بكفرهم) أي بسبب كفرهم، ويجوز أن يكون المعنى أن
كفرهم صار مغطيا على قلوبهم، كما تقول: طبعت على الكيس بالطين: أي جعلته
الطابع (إلا قليلا) أي إيمانا أو زمانا قليلا.
200

قوله تعالى (وبكفرهم) معطوف على وبكفرهم الأول، و (بهتانا)
مصدر يعمل فيه القول لأنه ضرب منه، فهو كقولهم: قعد القرفصاء، فهو على هذا
بمثابة القول في الانتصاب، وقال قوم تقديره: قولا بهتانا، وقيل التقدير: بهتوا
بهتانا، وقيل هو مصدر في موضع الحال: مباهتين.
قوله تعالى (وقولهم إنا قتلنا) هو معطوف على وكفرهم، و (عيسى)
بدل أو عطف بيان من المسيح، و (رسول الله) كذلك، ويجوز أن يكون رسول
الله صفة لعيسى، وأن يكون على إضمار أعنى (لفي شك منه) منه في موضع
جر صفة لشك، ولا يجوز أن يتعلق بشك، وإنما المعنى: لفي شك حادث منه: أي
من جهته، ولا يقال: شككت منه، فإن ادعى أن من بمعنى في فليس بمستقيم
عندنا (مالهم به من علم) يجوز أن يكون موضع الجملة المنفية جرا صفة
مؤكدة لشك تقديره: لفي شك منه غير علم، ويجوز أن تكون مستأنفة ومن
زائدة. وفى موضع من علم وجهان: أحدهما هو رفع بالابتداء وما قبله الخبر، وفيه
وجهان: أحدهما هو به ولهم فضلة مبينة مخصصة كالتي في قوله " ولم يكن له كفوا
أحد " فعلى هذا يتعلق به الاستقرار، والثاني أن لهم هو الخبر، وفي به على هذا عدة
أوجه: أحدها أن يكون حالا من الضمير المستكن في الخبر، والعامل فيه الاستقرار.
والثاني أن يكون حالا من العلم لأن من زائدة فلم تمنع من تقديم الحال، على أن كثيرا
من البصريين يجيز تقديم حال المجرور عليه. والثالث أنه على التبيين: أي مالهم أعنى
به، ولا يتعلق بنفس علم لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه. والوجه الآخر أن يكون
موضع من علم رفعا بأنه فاعل، والعامل فيه الظرف إما لهم أو به (إلا اتباع الظن)
استثناء من غير الجنس (وما قتلوه) الهاء ضمير عيسى، وقيل ضمير العلم: أي
وما قتلوا العلم يقينا كما يقال قتلته علما، و (يقينا) صفة مصدر محذوف: أي قتلا
يقينا أو علما يقينا، ويجوز أن يكون مصدرا من غير لفظ الفعل بل من معناه،
لأن معنى ما قتلوه ما عملوا، وقيل التقدير: تيقنوا ذلك يقينا (بل رفعه الله)
الجيد إدغام اللام في الراء لأن مخرجهما واحد، وفى الراء تكرير فهي أقوى من اللام،
وليس كذلك الراء إذا تقدمت لأن إدغامها يذهب التكرير الذي فيها، وقد قرئ
بالإظهار هنا.
قوله تعالى (وإن من أهل الكتاب) إن بمعنى " ما " والجار والمجرور في موضع
رفع بأنه خبر المبتدأ، والمبتدأ محذوف تقديره: وما من أهل الكتاب أحد، وقيل
المحذوف من: وقد مر نظيره، إلا أن تقدير من هاهنا بعيد لأن الاستثناء يكون بعد
201

تمام الاسم، ومن الموصولة والموصوفة غير تامة (ليؤمنن) جواب قسم محذوف،
وقيل أكد بها في غير القسم كما جاء في النفي والاستفهام، والهاء في (موته) تعود
على أحد المقدر، وقيل تعود على عيسى (ويوم القيامة) ظرف لشهيد، ويجوز
أن يكون العامل فيه يكون.
قوله تعالى (فبظلم) الباء تتعلق بحرمنا، وقد ذكرنا حكم الفاء قبل (كثيرا)
أي صدا كثيرا أو زمانا كثيرا.
قوله تعالى (وأخذهم - وأكلهم) معطوف على صدهم والجميع متعلق
بحرمنا، والمصادر المضافة إلى الفاعل، (وقد نهوا عنه) حال.
قوله تعالى (لكن الراسخون) الراسخون مبتدأ و (في العلم) متعلق به.
و (منهم) في موضع الحال من الضمير في الراسخون (والمؤمنون) معطوف على
الراسخون، وفى خبر الراسخون وجهان: أحدهما (يؤمنون) وهو الصحيح.
والثاني هو قوله " أولئك سنؤتيهم " (والمقيمين) قراءة الجمهور بالياء، وفيه عدة
أوجه: أحدها أنه منصوب على المدح: أي وأعنى المقيمين وهو مذهب البصريين،
وإنما يأتي ذلك بعد تمام الكلام، والثاني أنه معطوف على ما: أي يؤمنون بما أنزل
إليك وبالمقيمين، والمراد بهم الملائكة، وقيل التقدير: وبدين المقيمين فيكون
المراد بهم المسلمين، والثالث أنه معطوف على قبل، تقديره: ومن قبل المقيمين،
فحذف قبل وأقيم المضاف إليه مقامه، والرابع أنه معطوف على الكاف في قبلك،
والخامس أنه معطوف على الكاف في إليك، والسادس أنه معطوف على الهاء والميم
في منهم، وهذه الأوجه الثلاثة عندنا خطأ، لأن فيها عطف الظاهر على المضمر من
غير إعادة الجار، وأما (المؤتون الزكاة) ففي رفعه أوجه: أحدها هو معطوف
على الراسخون، والثاني أنه معطوف على الضمير في الراسخون، والثالث هو معطوف
على الضمير في المؤمنون، والرابع هو معطوف على الضمير في يؤمنون، والخامس
هو خبر مبتدأ محذوف: أي وهم المؤتون، والسادس هو مبتدأ، والخبر (أولئك
سنؤتيهم) وأولئك مبتدأ، وما بعده الخبر، ويجوز أن يكون في موضع نصب
بفعل محذوف: أي ونؤتى أولئك.
قوله تعالى (كما أوحينا) الكاف نعت لمصدر محذوف وما مصدرية، ويجوز
أن تكون ما بمعنى الذي، فيكون مفعولا به تقديره: أوحينا إليك مثل الذي أوحينا
202

إلى نوح من التوحيد وغيره، و (من بعده) في موضع نصب متعلق بأوحينا،
ولا يجوز أن يكون حالا من النبيين، لأن ظروف الزمان لا تكون أحوالا للجثث،
ويجوز أن يتعلق من النبيين، وفى (يونس) لغات أفصحها ضم النون من غير همز
ويجوز فتحها وكسرها مع الهمز وتركه، وكل هذه الأسماء أعجمية إلا الأسباط وهو
جمع سبط. والزبور فعول من الزبر وهو الكتابة، والأشبه أن يكون فعول بمعنى
مفعول كالركوب والحلوب. ويقرأ بضم الزاي وفيه وجهان: أحدهما هو جمع زبور
على حذف الزائد مثل فلس وفلوس، والثاني أنه مصدر مثل القعود والجلوس، وقد
سمى به الكتاب المنزل على داود.
قوله تعالى (ورسلا) منصوب بفعل محذوف تقديره: وقصصنا رسلا، ويجوز
أن يكون منصوبا بفعل دل عليه أوحينا: أي وأمرنا رسلا، ولا موضع لقوله (قد
قصصناهم)، و (لم نقصصهم) على الوجه الأول لأنه مفسر للعامل، وعلى
الوجه الثاني هما صفتان، و (تكليما) مصدر مؤكد رافع للمجاز.
قوله تعالى (رسلا) يجوز أن يكون بدلا من الأول وأن يكون مفعولا: أي
أرسلنا رسلا، ويجوز أن يكون حالا موطئة لما بعدها كما تقول: مررت بزيد رجلا
صالحا، ويجوز أن يكون على المدح: أي أعنى رسلا، واللام في (لئلا) يتعلق بما
دل عليه الرسل: أي أرسلناهم لذلك، ويجوز أن تتعلق بمنذرين أو مبشرين أو بما
يدلان عليه، و (حجة) اسم كان وخبرها للناس. وعلى الله حال من حجة،
والتقدير: للناس حجة كائنة على الله، ويجوز أن يكون الخبر على الله، وللناس
حال، ولا يجوز أن يتعلق على الله بحجة لأنها مصدر، و (بعد) ظرف لحجة،
ويجوز أن يكون صفة لها، لان ظرف الزمان يوصف به المصادر كما يخبر
به عنها.
قوله تعالى (أنزله) لا موضع له، و (بعلمه) حال من الهاء: أي أنزله
معلوما أو أنزله وفيه علمه، أي معلومه، ويجوز أن يكون حالا من الفاعل: أي
أنزله عالما به (والملائكة يشهدون) يجوز أن يكون لا موضع له، ويكون
حكمه كحكم لكن الله يشهد، ويجوز أن يكون حالا: أي أنزله والملائكة
شاهدون بصدقه.
قوله تعالى (لم يكن الله ليغفر لهم) قد ذكر مثله في قوله " وما كان الله
ليضيع - و - ما كان الله ليذر ".
203

قوله تعالى (إلا طريق جهنم) استثناء من جنس الأول، لأن الأول في معنى
العموم إذ كان في سياق النفي و (خالدين) حال مقدرة.
قوله تعالى (قد جاءكم الرسول بالحق) بالحق في موضع الحال: أي
ومعه الحق أو متكلما بالحق، ويجوز أن يكون متعلقا بجاء أي جاء بسبب إقامة الحق
و (من) حال من الحال، ويجوز أن تكون متعلقة بجاء: أي جاء الرسول من عند
الله (فآمنوا خيرا) تقديره عند الخليل وسيبويه: وأتوا خيرا فهو مفعول به،
لأنه لما أمرهم بالإيمان فهو يريد إخراجهم من أمر وإدخالهم فيما هو خير منه،
وقيل التقدير، إيمانا خيرا، فهو نعت لمصدر محذوف، وقيل هو خبر كان المحذوفة:
أي يكن الإيمان خيرا، وهو غير جائز عند البصريين لأن كان لا تحذف هي واسمها
ويبقى خبرها إلا فيما لابد منه، ويزيد ذلك ضعفا أن يكون المقدرة جواب شرط
محذوف فيصير المحذوف للشرط وجوابه، وقيل هو حال ومثله " انتهوا خيرا "
في جميع وجوهه.
قوله تعالى (ولا تقولوا على الله إلا الحق) الحق مفعول تقولوا: أي ولا
تقولوا إلا القول الحق، لأنه بمعنى لا تذكروا ولا تعتقدوا، والقول هنا هو الذي
تعبر عنه الجملة في قولك قلت زيد منطلق، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف
و (المسيح) مبتدأ، و (عيسى) بدل أو عطف بيان، و (رسول الله) خبره
و (كلمته) عطف على رسول، و (ألقاها) في موضع الحال وقد معه مقدرة
وفى العامل في الحال ثلاثة أوجه: أحدها معنى كلمته لأن معنى وصف عيسى بالكلمة
المكون بالكلمة من غير أب، فكأنه قال ومنشؤه ومبتدعه. والثاني أن
يكون التقدير: إذ كان ألقاها، فإذ ظرف للكلمة، وكان تامة، وألقاها حال من
فاعل كان، وهو مثل قولهم: ضربي زيدا قائما. والثالث أن يكون حالا من الهاء
المجرورة، والعامل فيها معنى الإضافة تقديره: وكلمة الله ملقيا إياها (وروح منه)
معطوف على الخبر أيضا، و (ثلاثة) خبر مبتدإ محذوف: أي إلهنا ثلاثة أو الإله
ثلاثة (إنما الله) مبتدأ، و (إله) خبره، و (واحد) توكيد (أن يكون)
أي من أن يكون، أو عن أن يكون، وقد مر نظائره، ومثله (لن يستنكف
المسيح أن يكون). (ولا الملائكة) معطوف على المسيح، وفى الكلام
حذف: أي أن يكونوا عبيدا.
قوله تعالى (برهان من ربكم) إن شئت جعلت من ربكم نعتا لبرهان
أو متعلقا بجاء.
204

قوله تعالى (صراطا مستقيما) هو مفعول ثان ليهدى، وقيل هو مفعول ليهدى
على المعنى، لأن المعنى يعرفهم.
قوله تعالى (في الكلالة) في يتعلق بيفتيكم وقال الكوفيون: بيستفتونك،
وهذا ضعيف، لأنه لو كان كذلك لقال: يفتيكم فيها في الكلالة كما لو تقدمت (إن
امرؤ هلك) هو مثل " وإن امرأة خافت " (ليس له ولد) الجملة في موضع
الحال من الضمير في هلك (وله أخت) جملة حالية أيضا، وجواب الشرط
(فلها) (وهو يرثها) مستأنف لا موضع له، وقد سدت هذه الجملة مسد جواب
الشرط الذي هو قوله (إن لم يكن لها ولد). (فإن كانتا اثنتين) الألف
في كانتا ضمير الأختين، ودل على ذلك قوله " وله أخت " وقيل هو ضمير من (1)،
والتقدير: فإن كان من يرث ثنتين، وحمل ضمير من على المعنى لأنها تستعمل
في الإفراد والتثنية والجمع بلفظ واحد.
فإن قيل: من شرط الخبر أن يفيد مالا يفيده المبتدأ والألف قد دلت على الاثنين.
قيل: الفائدة في قوله اثنتين بيان أن الميراث وهو الثلثان هاهنا مستحق بالعدد مجردا
عن الصغر والكبر وغيرهما. فلهذا كان مفيدا (مما ترك) في موضع الحال من
الثلثان (فإن كانوا) الضمير للورثة، وقد دل عليه ما تقدم (فللذكر) أي منهم
(أن تضلوا) فيه ثلاثة أوجه، أحدها هو مفعول يبين: أي يبين لكم ضلالكم
لتعرفوا الهدى، والثاني هو مفعول له تقديره: مخافة أن تضلوا، والثالث تقديره:
لئلا تضلوا وهو قول الكوفيين، ومفعول يبين على الوجهين محذوف: أي يبين
لكم الحق.
سورة المائدة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى (إلا ما يتلى عليكم) في موضع نصب على الاستثناء من بهيمة
الأنعام، والاستثناء متصل، والتقدير: أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا الميتة وما أهل
لغير الله به وغيره مما ذكر في الآية الثالثة من السورة (غير) حال من الضمير المجرور
عليكم أو لكم، وقيل هو حال من ضمير الفاعل في أوفوا، و (محلى) اسم فاعل
مضاف إلى المفعول، وحذفت النون للإضافة، و (الصيد) مصدر بمعنى المفعول:
أي المصدر، ويجوز أن يكون على بابه هاهنا: أي غير محلين الاصطياد في حال الإحرام

(1) قوله (هو ضمير من الخ) أي المقدرة في الكلام ولا يخفى أن تقديرها يندفع به الإشكال الآتي فليتأمل اه‍.
205

قوله تعالى (ولا القلائد) أي ولا ذوات القلائد لأنها جمع قلادة، والمراد
تحريم المقلدة لا القلادة (ولا آمين) أي ولا قتال آمين أو أذى آمين. وقرئ في الشاذ
" ولا آمي البيت " بحذف النون والإضافة (يبتغون) في موضع الحال من الضمير
في آمين، ولا يجوز أن يكون صفة لآمين لان اسم الفاعل إذا وصف لم يعمل في الاختيار
(فاصطادوا) قرئ في الشاذ بكسر الفاء، وهي بعيدة من الصواب، وكأنه حركها
بحركة همزة الوصل (ولا يجرمنكم) الجمهور على فتح الياء، وقرئ بضمها وهما
لغتان: يقال، جرم وأجرم، وقيل جرم متعد إلى مفعول واحد وأجرم متعد إلى
اثنين، والهمزة للنقل، فأما فاعل هذا الفعل فهو (شنآن) ومفعوله الأول الكاف
والميم، و (أن تعتدوا) هو المفعول الثاني على قول من عداه إلى مفعولين، ومن
عداه إلى واحد كأنه قدر حرف الجر مرادا مع أن تعتدوا، والمعنى: لا يحملنكم
بغض قوم على الاعتداء، والجمهور على فتح النون الأولى من شنآن، وهو مصدر
كالغليان والنزوان. ويقرأ بسكونها وهو صفة مثل عطشان وسكران، والتقدير: على
هذا لا يحملنكم بغيض قوم: أي عداوة بغيض قوم، وقيل من سكن أراد المصدر
أيضا، لكنه خفف لكثرة الحركات وإذا حركت النون كان مصدرا مضافا إلى
المفعول: أي لا يحملنكم بغضكم لقوم، ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل: أي
بغض قوم إياكم (أن صدوكم) يقرأ بفتح الهمزة وهي مصدرية، والتقدير: لأن
صدوكم، وموضعه نصب أو جر على الاختلاف في نظائره. ويقرأ بكسرها على
أنها شرط، والمعنى: أن يصدوكم مثل ذلك الصد الذي وقع منهم، أو يستديموا
الصد، وإنما قدر بذلك لأن الصد كان قد وقع من الكفار للمسلمين (ولا تعاونوا)
يقرأ بتخفيف التاءين على أنه حذف التاء الثانية تخفيفا، أو بتشديدها إذا وصلتها بلا
على إدغام إحدى التاءين في الأخرى، وساغ الجمع بين ساكنين لأن الأول منهما
حرف مد.
قوله تعالى (الميتة) أصلها الميتة (والدم) أصله دمى (وما أهل لغير
الله به) قد ذكر ذلك كله في البقرة (والنطيحة) بمعنى المنطوحة، ودخلت فيها
الهاء لأنها لم تذكر الموصوفة معها فصارت كالاسم، فإن قلت شاة نطيح لم تدخل الهاء
(وما أكل السبع) " ما " بمعنى الذي وموضعه رفع عطفا على الميتة، والأكثر ضم
الباء من السبع وتسكينها لغة، وقد قرئ به (إلا ما ذكيتم) في موضع نصب
استثناء من الموجب قبله، والاستثناء راجع إلى المتردية والنطيحة وأكيلة السبع
206

(وما ذبح) مثل " وما أكل السبع " (على النصب) فيه وجهان: أحدهما هو
متعلق بذبح تعلق المفعول بالفعل: أي ذبح على الحجارة التي تسمى نصبا، أي ذبحت
في ذلك الموضع. والثاني أن النصب الأصنام، فعلى هذا في " على " وجهان: أحدهما
هي بمعنى اللام: أي لأجل الأصنام، فتكون مفعولا له، والثاني أنها على أصلها
وموضعه حال: أي وما ذبح مسمى على الأصنام، وقيل نصب بضمتين، ونصب
بضم النون وإسكان الصاد، ونصب بفتح النون وإسكان الصاد، وهو مصدر بمعنى
المفعول، وقيل يجوز فتح النون والصاد أيضا، وهو اسم بمعنى المنصوب كالقبض
والنقض بمعنى المقبوض والمنقوض (وأن تستقسموا) في موضع رفع عطفا على
الميتة، و (الأزلام) جمع زلم: وهو القدح الذي كانوا يضربون به على أيسار الجزور
(ذلكم فسق) مبتدأ وخبر، ولكم إشارة إلى جميع المحرمات في الآية، ويجوز
أن يرجع إلى الاستقسام (اليوم) ظرف ل‍ (يئس) و (اليوم) الثاني ظرف
ل‍ (أكملت) و (عليكم) يتعلق بأتممت ولا يتعلق ب‍ (نعمتي) فإن شئت
جعلته على التبيين: أي أتممت أعنى عليكم، و (رضيت) يتعدى إلى مفعول واحد،
وهو هنا (الإسلام) و (دينا) حال، وقيل يتعدى إلى مفعولين لأن معنى رضيت
هنا جعلت وصيرت. ولكم يتعلق برضيت وهي للتخصيص، ويجوز أن يكون حالا
من الإسلام: أي رضيت الإسلام لكم (فمن اضطر) شرط في موضع رفع
بالابتداء، و (غير) حال، والجمهور على (متجانف) بالألف والتخفيف،
وقرئ " متجنف " بالتشديد من غير ألف يقال تجانف وتجنف (لإثم) متعلق
بمتجانف، وقيل اللام بمعنى إلى، أي ماثل إلى إثم (فإن الله غفور رحيم) أي
له، فحذف العائد على المبتدأ.
قوله تعالى (ماذا أحل لهم) قد ذكر في البقرة (وما علمتم) " ما " بمعنى
الذي، والتقدير: صيد ما علمتم، أو تعليم ما علمتم، و (من الجوارح) حال من
الهاء المحذوفة أو من " ما " والجوارح جمع جارحة، والهاء فيها للمبالغة وهي صفة غالبة،
إذا لا يكاد يذكر معها الموصوف (مكلبين) يقرأ بالتشديد والتخفيف، يقال:
كلبت الكلب وأكلبته فكلب: أي أغريته على الصيد وأسدته فاستأسد، وهو حال
من الضمير في علمتم (تعلمونهن) فيه وجهان: أحدهما هو مستأنف لا موضع
له، والثاني هو حال من الضمير في مكليين، ولا يجوز أن يكون حالا ثانية لأن
207

العامل الواحد لا يعمل في حالين، ولا يحسن أن يجعل حالا من الجوارح لأنك قد فصلت
بينهما بحال لغير الجوارح (مما) أي شيئا مما (علمكم الله).
قوله تعالى (وطعام الذين) مبتدأ، (وحل لكم) خبره، ويجوز أن يكون
معطوفا على الطيبات، وحل لكم خبر مبتدأ محذوف (وطعامكم حل لهم)
مبتدأ وخبر (والمحصنات) معطوف على الطيبات، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر
محذوف: أي والمحصنات من المؤمنات حل لكم أيضا، وحل مصدر بمعنى الحلال
فلا يثنى ولا يجمع، و (من المؤمنات) حال من الضمير في المحصنات، أو من نفس
المحصنات إذا عطفتها على الطيبات (إذا آتيتموهن) ظرف لاحل أو لحل المحذوفة
(محصنين) حال من الضمير المرفوع في آتيتموهن، فيكون العامل آتيتم، ويجوز
أن يكون العامل أحل أو حل المحذوفة (غير) صفة لمحصنين أو حال من الضمير الذي
فيها (ولا متخذي) معطوف على غير فيكون منصوبا، ويجوز أن يعطف على
مسافحين وتكون لا لتأكيد النفي (ومن يكفر بالايمان) أي بالمؤمن به فهو مصدر
في موضع المفعول كالخلق بمعنى المخلوق، وقيل التقدير بموجب الإيمان وهو الله
(وهو في الآخرة من الخاسرين) إعرابه مثل إعراب " وإنه في الآخرة لمن
الصالحين " وقد ذكر في البقرة.
قوله تعالى (إلى المرافق) قيل إلى بمعنى مع كقوله " ويزدكم قوة إلى قوتكم " وليس
هذا المختار، والصحيح أنها على بابها وأنها لانتهاء الغاية، وإنما وجب غسل المرافق
بالسنة وليس بينهما تناقض، لأن إلى تدل على انتهاء الفعل، ولا يتعرض بنفي المحدود إليه
ولا بإثباته، ألا ترى أنك إذا قلت: سرت إلى الكوفة، فغير ممتنع أن تكون بلغت
أول حدودها ولم تدخلها وأن تكون دخلتها، فلو قام الدليل على أنك دخلتها لم يكن
مناقضا لقولك: سرت إلى الكوفة، فعلى هذا تكون إلى متعلقة باغسلوا، ويجوز أن
تكون في موضع الحال وتتعلق بمحذوف، والتقدير: وأيديكم مضافة إلى المرافق
(برءوسكم) الباء زائدة، وقال من لا خبرة له بالعربية: الباء في مثل هذا
للتبعيض، وليس بشئ يعرفه أهل النحو، ووجه دخولها أنها تدل على إلصاق المسح
بالرأس (وأرجلكم) يقرأ بالنصب وفيه وجهان: أحدهما هو معطوف على الوجوه
والأيدي: أي فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم، وذلك جائز في العربية بلا خلاف،
والسنة الدلالة على وجوب غسل الرجلين تقوى ذلك. والثاني أنه معطوف على موضع
برءوسكم، والأول أقوى لأن العطف على اللفظ أقوى من العطف على الموضع.
208

ويقرأ في الشذوذ بالرفع على الابتداء: أي وأرجلكم مغسولة أو كذلك. ويقرأ بالجر
وهو مشهور أيضا كشهرة النصب. وفيها وجهان: أحدهما أنها معطوفة على الرؤوس
في الإعراب والحكم مختلف، فالرؤوس ممسوحة والأرجل مغسولة، وهو الإعراب
الذي يقال هو على الجوار، وليس بممتنع أن يقع في القرآن لكثرته، فقد جاء
في القرآن والشعر، فمن القرآن قوله تعالى " وحور عين " على قراءة من جر، وهو
معطوف على قوله " بأكواب وأباريق " والمعنى مختلف، إذ ليس المعنى يطوف عليهم
ولدان مخلدون بحور عين، قال الشاعر وهو النابغة:
لم يبق إلا أسير غير منفلت * أو موثق في حبال القد مجنوب
والقول في مجرورة والجوار مشهور عندهم في الإعراب، وقلب الحروف ببعضها
إلى بعض والتأنيث وغير ذلك. فمن الإعراب ما ذكرنا في العطف، ومن الصفات
قوله " عذاب يوم محيط " واليوم ليس بمحيط، وإنما المحيط العذاب، وكذلك قوله
" في يوم عاصف " واليوم ليس بعاصف وإنما العاصف الريح، ومن قلب الحروف
قوله على الصلاة والسلام " ارجعن مأزورات غير مأجورات " والأصل موزورات
ولكن أريد التآخي، وكذلك قولهم: إنه لا يأتينا بالغدايا والعشايا. ومن التأنيث
قوله " فله عشر أمثالها " فحذفت التاء من عشر وهي مضافة إلى الأمثال وهي
مذكرة، ولكن لما جاورت الأمثال الضمير المؤنث أجرى عليها حكمه، وكذلك
قول الشاعر:
لما أتى خبر الزبير تضعضعت * سور المدينة والجبال الخشع
وقولهم: ذهبت بعض أصابعه. ومما راعت العرب فيه الجوار قولهم: قامت
هند، فلم يجيزوا حذف التاء إذا لم يفصل بينهما، فإن فصلوا بينهما أجازوا حذفها،
ولا فرق بينهما إلا المجاورة وعدم المجاورة، ومن ذلك قولهم: قام زيد وعمرا كلمته
استحسنوا النصب بفعل محذوف لمجاورة الجملة اسما قد عمل فيه الفعل، ومن ذلك
قلبهم الواو المجاورة للطرف همزة في قولهم أوائل، كما لو وقعت طرفا، وكذلك إذا
بعدت عن الطرف لا تقلب طواويس، وهذا موضع يحتمل أن يكتب فيه أوراق
من الشواهد، وقد جعل النحويون له بابا ورتبوا عليه مسائل ثم أصلوه بقولهم: جحر
ضب خرب، حتى اختلفوا في جواز جر التثنية والجمع، فأجاز الاتباع فيهما جماعة
من حذاقهم قياسا على المفرد المسموع، ولو كان لا وجه في القياس بحال لاقتصروا
فيه على المسموع فقط، ويؤيد ما ذكرناه أن الجر في الآية قد أجيز غيره، وهو
209

النصب والرفع، والرفع والنصب غير قاطعين ولا ظاهرين على أن حكم الرجلين المسح،
وكذلك الجر يجب أن يكون كالنصب والرفع في الحكم دون الإعراب. والوجه الثاني
أن يكون جر الأرجل بجار محذوف تقديره: وافعلوا بأرجلكم غسلا وحذف الجار
وإبقاء الجر جائز، قال الشاعر:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة * ولا ناعب إلا ببين غرابها
وقال زهير:
بدا لي أنى لست مدرك ما مضى * ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
فجر بتقدير الباء وليس بموضع ضرورة، وقد أفردت لهذه المسألة كتابا (إلى
الكعبين) مثل إلى المرافق. وفيه دليل على وجوب غسل الرجلين لأن الممسوح ليس
بمحدود، والتحديد في المغسول الذي أريد بعضه وهو قوله " وأيديكم إلى المرافق "
ولم يحدد الوجه لأن المراد جميعه (وأيديكم منه) منه في موضع نصب بامسحوا
(ليجعل) اللام غير زائدة، ومفعول يريد محذوف تقديره: ما يريد الله الرخصة
في التيمم ليجعل عليكم حرجا، وقيل اللام زائدة وهذا ضعيف لأن أن غير ملفوظ
بها، وإنما يصح أن يكون الفعل مفعولا ليريد بأن، ومثله (ولكن يريد
ليطهركم) أي يريد ذلك ليطهركم (عليكم) يتعلق بيتم، ويجوز أن يتعلق
بالنعمة، ويجوز أن يكون حالا من النعمة.
قوله تعالى (إذ) ظرف لواثقكم، ويجوز أن يكون حالا من الهاء المجرورة،
وأن يكون حالا من الميثاق.
قوله تعالى (شهداء بالقسط) مثل قوله تعالى " شهداء لله " وقد ذكرناه
في النساء (هو أقرب) هو ضمير العدل، وقد دل عليه اعدلوا، وأقرب للتقوى
قد ذكر في البقرة.
قوله تعالى (وعد الله) وعد يتعدى إلى مفعولين يجوز الاقتصار على أحدهما
والمفعول الأول هنا " الذين آمنوا " والثاني محذوف استغنى عنه بالجملة التي هي قوله
(لهم مغفرة) ولا موضع لها من الإعراب، لأن وعد لا يعلق عن العمل كما تعلق
ظننت وأخواتها.
قوله تعالى (نعمت الله عليكم) يتعلق بنعمة. ويجوز أن يكون حالا منها
210

فيتعلق بمحذوف، و (إذ) ظرف للنعمة أيضا، وإذا جعلت عليكم حالا جاز أن
يعمل في إذ (أن يبسطوا) أي بأن يبسطوا، وقد ذكرنا الخلاف في موضعه.
قوله تعالى (منهم اثنى عشر) يجوز أن يتعلق منهم ببعثنا، وأن يكون صفة
لاثنى عشر تقدمت فصارت حالا (وعزرتموهم) يقرأ بالتشديد والتخفيف والمعنى
واحد (قرضا) يجوز أن يكون مصدرا محذوف الزوائد، والعامل فيه أقرضتم:
أي إقراضا. ويجوز أن يكون القرض بمعنى المقرض فيكون مفعولا به (لأكفرن)
جواب الشرط (فمن كفر بعد ذلك منكم) في موضع الحال من الضمير
في لأكفرن، و (سواء السبيل) قد ذكر في البقرة.
قوله تعالى (فيما نقضهم) الباء تتعلق ب‍ (لعناهم) ولو تقدم الفعل لدخلت
الفاء عليه، وما زائدة أو بمعنى شئ، وقد ذكر في النساء (وجعلنا) يتعدى إلى
مفعولين بمعنى صيرنا و (قاسية) المفعول الثاني وياؤه واو في الأصل، لأنه من
القسوة، ويقرأ " قسية " على فعيلة، قلبت الواو ياء وأدغمت فيها ياء فعيل وفعيلة
في لعناهم، وأن يكون حالا من الضمير في قاسية، ولا يجوز أن يكون حالا من
هنا للمبالغة بمعنى فاعلة (يحرفون) مستأنف، ويجوز أن يكون حالا من المفعول
في لعناهم، وأن يكون حالا من الضمير في قاسية ولا يجوز أن يكون حالا من
القلوب، لأن الضمير في يحرفون لا يرجع إلى القلوب، ويضعف أن يجعل حالا من
الهاء والميم في قلوبهم (عن مواضعه) قد ذكر في النساء (على خائنة) أي على
طائفة خائنة، ويجوز أن تكون فاعلة هنا مصدرا كالعاقبة والعافية، و (منهم)
صفة لخائنة، ويقرأ " خيانة " وهي مصدر والياء منقلبة عن واو لقولهم يخون، وفلان
أخون من فلان، وهو خوان (إلا قليلا منهم) استثناء من خائنة، ولو قرئ
بالجر على البدل لكان مستقيما.
قوله تعالى (ومن الذين قالوا) من تتعلق بأخذنا تقديره: وأخذنا من الذين
قالوا إنا نصارى ميثاقهم، والكلام معطوف على قوله " ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل "
والتقدير: وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم، ولا يجوز أن يكون التقدير:
وأخذنا ميثاقهم، من الذين قالوا إنا نصارى لأن فيه إضمار قبل الذكر لفظا وتقديرا،
والياء في (وأغرينا) من واو، واشتقاقه من الغراء: وهو الذي يلصق به، ويقال
سهم مغرو، و (بينهم) ظرف لأغرينا أو حال من (العداوة) ولا يكون ظرفا
للعداوة، لأن المصدر لا يعمل فيما قبله (إلى يوم القيامة) يتعلق بأغرينا أو بالبغضاء
أو بالعداوة: أي تباغضوا إلى يوم القيامة.
211

قوله تعالى (يبين لكم) حال من رسولنا، و (من الكتاب) حال من
الهاء محذوفة في يخفون (قد جاءكم) لا موضع له (من الله) يتعلق بجاءكم أو حال
من نور.
قوله تعالى (يهدى به الله) يجوز أن يكون حالا من رسولنا بدلا من يبين، وأن
يكون حالا من الضمير في يبين، ويجوز أن يكون صفة لنور أو لكتاب، والهاء في به
تعود على من جعل يهدى حالا منه أو صفة له فلذلك أفرد، و (من) بمعنى الذي
أو نكرة موصوفة، و (سبل السلام) المفعول الثاني ليهدى، ويجوز أن يكون
بدلا من رضوانه، والرضوان بكسر الراء وضمها لغتان، وقد قرئ بهما، وسبلى
بضم الباء والتسكين لغة وقد قرئ به (بإذنه) أي بسبب أمره المنزل على رسوله.
قوله تعالى (فمن يملك) أي قل لهم، ومن استفهام تقرير، و (من الله) يجوز
أن يكون حالا متعلقا بيملك، وأن يكون حالا من و (شيئا) و (جميعا) حال من
المسيح وأمه ومن في الأرض، ويجوز أن يكون حالا من من وحدها، ومن هاهنا
عام سبقه خاص من جنسه، وهو المسيح وأمه (يخلق) مستأنف.
قوله تعالى (قل فلم يعذبكم) أي قل لهم (بل أنتم) رد لقولهم " نحن
أبناء الله " وهو محكى بقل.
قوله تعالى (على فترة) في موضع الحال من الضمير في يبين، ويجوز أن يكون
حالا من الضمير المجرور في لكم، و (من الرسل) نعت لفترة (أن تقولوا)
أي مخافة أن تقولوا (ولا نذير) معطوف على لفظ بشير، ويجوز في الكلام الرفع
على موضع من بشير.
قوله تعالى (نعمت الله عليكم إذ جعل) هو مثل قوله " نعمة الله عليكم
إذ هم قوم " وقد ذكر.
قوله تعالى (على أدباركم) حال من الفاعل في ترتدوا (فتنقلبوا) يجوز أن
يكون مجزوما عطفا على ترتدوا، وأن يكون منصوبا على جواب النهى.
قوله تعالى (فإنا داخلون) أي داخلوها، فحذف المفعول لدلالة
الكلام عليه.
قوله تعالى (من الذين يخافون) في موضع رفع صفة لرجلين، ويخافون
صلة الذين والواو العائد. ويقرأ بضم الياء على ما لم يسم فاعله. وله معنيان: أحدهما
212

هو من قولك، خيف الرجل: أي خوف، والثاني أن يكون المعنى يخافهم غيرهم
كقولك: فلان مخوف: أي يخافه الناس (أنعم الله) صفة أخرى لرجلين،
ويجوز أن يكون حالا، وقد معه مقدرة، وصاحب الحال رجلان أو الضمير
في الذين.
قوله تعالى (ما داموا) هو بدل من أبدا، لأن ما مصدرية تنوب عن الزمان،
وهو بدل بعض، و (هاهنا) ظرف ل‍ (قاعدون) والاسم هنا وها للتنبيه مثل التي
في قولك هذا وهؤلاء.
قوله تعالى (وأخي) في موضعه وجهان: أحدهما نصب عطفا على نفسي أو على
اسم إن، والثاني رفع عطفا على الضمير في أملك: أي ولا يملك أخي إلا نفسه، ويجوز
أن يكون مبتدأ والخبر محذوف، أي وأخي كذلك (وبين القوم الفاسقين) الأصل
أن لا تكرر بين، وقد تكرر توكيدا كقولك: المال بين زيد وبين عمرو، وكررت
هنا لئلا يعطف على الضمير من غير إعادة الجار.
قوله تعالى (أربعين سنة) ظرف لمحرمة، فالتحريم على هذا مقدر، و (يتيهون)
حال من الضمير المجرور، وقيل هي ظرف ليتيهون، فالتحريم على هذا غير مؤقت
(فلا تأس) ألف تأسا بدل من واو، لأنه من الأسى الذي هو الحزن، وتثنيته
أسوان، ولا حجة في أسيت عليه لانكسار السين، ويقال: رجل أسوان بالواو،
وقيل هي من الياء يقال: رجل أسيان أيضا.
قوله تعالى (نبأ ابني آدم) الهمزة في ابني همزة وصل كما هي في الواحد، فأما
همزة أبناء في الجمع فهمزة قطع لأنها حادثة للجمع (إذ قربا) ظرف لنبأ أو حال
منه، ولا يكون ظرفا لاتل. وبالحق حال من الضمير في أتل: أي محقا أو صادقا
(قربانا) هو في الأصل مصدر، وقد وقع هنا موضع المفعول به، والأصل إذ قربا
قربانين، لكنه لم يثن لأن المصدر لا يثنى. وقال أبو علي: تقديره إذ قرب كل واحد
منهما قربانا كقوله " فاجلدوهم ثمانين جلدة " أي كل واحد منهم (قال لأقتلنك)
أي قال المردود عليه للمقبول منه ومفعول (يتقبل) محذوف: أي يتقبل من
المتقين قرابينهم وأعمالهم.
قوله تعالى (بإثمي وإثمك) في موضع الحال: أي ترجع حاملا للإثمين.
قوله تعالى (فطوعت) الجمهور على تشديد الواو، ويقرأ " طاوعت " بالألف
213

والتخفيف وهما لغتان، والمعنى: زينت وقال قوم: طاوعت تتعدى بغير لام، وهذا
خطأ لأن التي تتعدى بغير اللام تتعدى إلى مفعول واحد وقد عداه هاهنا إلى (قتل
أخيه) وقيل التقدير طاوعته نفسه على قتل أخيه فزاد اللام وحذف على.
قوله تعالى (كيف يوارى) كيف في موضع الحال من الضمير في يوارى،
والجملة في موضع نصب بيرى. والسوأة يجوز تخفيف همزتها بإلقاء حركتها على الواو
فتبقى سوأة أخيه، ولا تقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها لأن حركتها عارضة
والألف في (ويلتي) بدل من ياء المتكلم، والمعنى: يا ويله احضري فهذا وقتك
(فأواري) معطوف على أكون، وذكر بعضهم أنه يجوز أن ينتصب على جواب
الاستفهام وليس بشئ، إذ ليس المعنى أيكون منى عجز فمواراة، ألا ترى أن
قولك أين بيتك فأزورك، معناه: لو عرفت لزرت، وليس المعنى هنا
لو عجزت لواريت.
قوله تعالى (من أجل) من تتعلق ب‍ (كتبنا) ولا تتعلق بالنادمين، لأنه يحسن
الابتداء بكتبنا هنا، والهاء في (إنه) للشان، و (من) شرطية، و (بغير) حال
من الضمير في قتل: أي من قتل نفسا ظالما (أو فساد) معطوف على نفس،
وقرئ في الشاذ بالنصب: أي أو عمل فسادا، أو أفسد فسادا: أي إفساد فوضعه
موضع المصدر مثل العطاء، و (بعد ذلك) ظرف ل‍ (مسرفون) ولا تمنع لام
التوكيد ذلك.
قوله تعالى (يحاربون الله) أي أولياء الله فحذف المضاف، و (أن يقتلوا)
خبر جزاء، وكذلك المعطوف عليه، وقد ترى فيهن بالتخفيف، و (من خلاف)
حال من الأيدي والأرجل: أي مختلفة (أو ينفوا من الأرض) أي من الأرض
التي يريدون الإقامة بها فحذف الصفة، و (ذلك) مبتدأ، و (لهم خزي) مبتدأ
وخبر في موضع خبر ذلك، و (في الدنيا) صفة خزى، ويجوز أن يكون ظرفا له
ويجوز أن يكون خزى خبر ذلك ولهم صفة مقدمة فتكون حالا، ويجوز أن يكون
في الدنيا ظرفا للاستقرار.
قوله تعالى (إلا الذين) استثناء من الذين يحاربون في موضع نصب، وقيل يجوز
أن يكون في موضع رفع بالابتداء، والعائد عليه من الخبر محذوف: أي (فإن الله
غفور) لهم أو (رحيم) بهم.
قوله تعالى (إليه الوسيلة) يجوز أن يتعلق إلى بابتغوا، وأن يتعلق بالوسيلة
214

لأن الوسيلة بمعنى المتوسل به فيعمل فيما قبله، ويجوز أن يكون حالا، أي الوسيلة
كائنة إليه.
قوله تعالى (من عذاب يوم القيامة) العذاب اسم للتعذيب، وله حكمه
في العمل، وأخرجت إضافته إلى يوم يوما عن الظرفية.
قوله تعالى (والسارق والسارقة) مبتدأ. وفى الخبر وجهان: أحدهما هو
محذوف تقديره عند سيبويه: وفيما يتلى عليكم، ولا يجوز أن يكون عنده (فاقطعوا)
هو الخبر من أجل الفاء، وإنما يجوز ذلك فيما إذا كان المبتدأ الذي وصلته بالفعل أو
الظرف لأنه يشبه الشرط والسارق ليس كذلك. والثاني الخبر فاقطعوا أيديهما لأن
الألف واللام في السارق بمنزلة الذي إذ لايراد به سارق بعينه (وأيديهما) بمعنى
يديهما لأن المقطوع من السارق والسارقة يميناهما فوضع الجمع موضع الاثنين، لأنه
ليس في الإنسان سوى يمين واحدة، وما هذا سبيله يجعل الجمع فيه مكان الاثنين،
ويجوز أن يخرج على الأصل، وقد جاء في بيت واحد، قال الشاعر:
ومهمهين فدفدين مرتين * ظهراهما مثل ظهور الترسين
(جزاء) مفعول من أجله أو مصدر لفعل محذوف: أي جازاهما جزاء،
وكذلك (نكالا).
قوله تعالى (لا يحزنك) نهى، والجيد فتح الياء وضم الزاي، ويقرأ بضم الياء
وكسر الزاي من أحزنني وهي لغة (من الذين قالوا) في موضع نصب على الحال
من الضمير في يسارعون، أو من الذين يسارعون (بأفواههم) يتعلق بقالوا: أي
قالوا بأفواههم آمنا (ولم تؤمن قلوبهم) الجملة حال (ومن الذين هادوا)
معطوف على قوله " من الذين قالوا آمنا " و (سماعون) خبر مبتدإ محذوف: أي
هم سماعون، وقيل سماعون مبتدأ، ومن الذين هادوا خبره (للكذب) فيه وجهان:
أحدهما اللام زائدة تقديره سماعون الكذب. والثاني ليست زائدة، والمفعول محذوف،
والتقدير: سماعون أخباركم للكذب. أي ليكذبوا عليكم فيها، و (سماعون) الثانية
تكريرا للأولى، و (لقوم) متعلق به: أي لأجل قوم، ويجوز أن تتعلق اللام
في لقوم بالكذب، لأن سماعون الثانية مكررة، والتقدير: ليكذبوا لقوم آخرين،
و (لم يأتوك) في موضع جر صفة أخرى لقوم (يحرفون) فيه وجهان: أحدهما
هو مستأنف لا موضع له، أو في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف: أي هم يحرفون.
والثاني ليست بمستأنف بل هو صفة لسماعون: أي سماعون محرفون، ويجوز أن يكون
215

حالا من الضمير في سماعون، ويجوز أن يكون صفة أخرى لقوم: أي محرفين
و (من بعد مواضعه) مذكور في النساء (يقولون) مثل يحرفون، ويجوز
أن يكون حالا من الضمير في يحرفون (من الله شيئا) في موضع الحال التقدير:
شيئا كائنا من أمر الله.
قوله تعالى (سماعون للكذب) أي هم سماعون، ومثله (أكالون للسحت)
والسحت والسحت لغتان وقد قرئ بهما (فلن يضروك شيئا) في موضع
المصدر: أي ضررا.
قوله تعالى (وكيف يحكمونك) كيف في موضع نصب عل الحال من
الضمير الفاعل في يحكمونك (وعندهم التوراة) جملة في موضع الحال، والتوراة
مبتدأ، وعندهم الخبر، ويجوز أن ترفع التوراة بالظرف (فيها حكم الله) في موضع
الحال، والعامل فيها ما في عند من معنى الفعل، وحكم الله مبتدأ أو معمول الظرف.
قوله تعالى (فيها هدى ونور) في موضع الحال من التوراة (يحكم بها
النبيون) جملة في الحال من الضمير المجرور فيها (للذين هادوا) اللام تتعلق بيحكم
(والربانيون والأحبار) عطف على النبيون (بما استحفظوا) يجوز أن يكون
بدلا من قوله بها في قوله " يحكم بها " وقد أعاد الجار لطول الكلام وهو جائز أيضا
وإن لم يطل، وقيل الربانيون مرفوع بفعل محذوف، والتقدير: ويحكم الربانيون
والأحبار بما استحفظوا، وقيل هو مفعول به: أي يحكمون بالتوراة بسبب استحفاظهم
ذلك، و " ما " بمعنى الذي: أي بما استحفظوه (من كتاب الله) حال من المحذوف
أو من " ما "، و (عليه) يتعلق ب‍ (شهداء).
قوله تعالى (النفس بالنفس) بالنفس في موضع رفع خبر أن، وفيه ضمير
وأما (العين) إلى قوله (والسن) فيقرأ بالنصب عطفا على ما عملت فيه أن، وبالرفع
وفيه ثلاثة أوجه: أحدها هو مبتدأ والمجرور خبره، وقد عطف جملا على جملة.
والثاني أن المرفوع منها معطوف على الضمير في قوله بالنفس، والمجررات على هذا
أحوال مبينة للمعنى، لأن المرفوع على هذا فاعل للجار، وجاز العطف من غير
توكيد كقوله تعالى " ما أشركنا ولا آباؤنا ". والثالث أنها معطوفة على المعنى، لأن
معنى كتبنا عليهم قلنا لهم النفس بالنفس ولا يجوز أن يكون معطوفا على أن وما عملت
فيه لأنها وما عملت فيه في موضع نصب. وأما قوله (والجروح) فيقرأ بالنصب حملا
على النفس، وبالرفع وفيه الأوجه الثلاثة، ويجوز أن يكون مستأنفا: أي والجروح
216

قصاص في شريعة محمد، والهاء في (به) للقصاص، و (فهو) كناية عن التصدق
والهاء في (له) للمتصدق.
قوله تعالى (مصدقا) الأول حال من عيسى، و (من التوراة) حال من
" ما " أو من الضمير في الظرف، و (فيه هدى) جملة في موضع الحال من الإنجيل
و (مصدقا) الثاني حال أخرى من الإنجيل، وقيل من عيسى أيضا (وهدى
وموعظة) حال من الإنجيل أيضا، ويجوز أن يكون من عيسى: أي هاديا وواعظا
أو ذا هدى وذا موعظة، ويجوز أن يكون مفعولا من أجله: أي قفينا للهدى، أو
وآتيناه الإنجيل للهدى. وقد قرئ في الشاذ بالرفع: أي وفى الإنجيل هدى وموعظة
وكرر الهدى توكيدا.
قوله تعالى (وليحكم) يقرأ بسكون اللام والميم على الأمر، ويقرأ بكسر
اللام وفتح الميم على أنها لام كي: أي وقفينا ليؤمنوا وليحكم.
قوله تعالى (بالحق) حال من الكتاب (مصدقا) حال من الضمير في قوله
بالحق، ولا يكون حالا من الكتاب إذ لا يكون حالان لعامل واحد (ومهيمنا)
حال أيضا، ومن الكتاب حال من " ما " أو من الضمير في الظرف، والكتاب الثاني
جنس، وأصل مهيمن ميمن لأنه مشتق من الأمانة لأن المهيمن الشاهد، وليس
في الكلام همن حتى تكون الهاء أصلا (عما جاءك) في موضع الحال: أي عادلا
عما جاءك، و (من الحق) حال من الضمير في " جاءك " أو من " ما " (لكل
جعلنا منكم) لا يجوز أن يكون منكم صفة لكل لأن ذلك يوجب الفصل بين
الصفة والموصوف بالأجنبي الذي لا تشديد فيه للكلام، ويوجب أيضا أن يفصل بين
جعلنا وبين معمولها، وهو (شرعة) وإنما يتعلق بمحذوف تقديره: أعنى،
وجعلنا هاهنا إن شئت جعلتها المتعدية إلى مفعول واحد، وإن شئت جعلتها بمعنى
صيرنا (ولكن ليبلوكم) اللام تتعلق بمحذوف تقديره: ولكن فرقكم ليبلوكم
(مرجعكم جميعا) حال من الضمير المجرور. وفى العامل وجهان: أحدهما
المصدر المضاف لأنه في تقدير: إليه ترجعون جميعا، والضمير المجرور فاعل في المعنى
أو قائم مقام الفاعل. والثاني أن يعمل فيه الاستقرار الذي ارتفع به مرجعكم أو الضمير
الذي في الجار.
قوله تعالى (وأن احكم بينهم) في أن وجهان: أحدهما هي مصدرية،
والأمر صلة لها. وفى موضعها ثلاثة أوجه: أحدها نصب عطفا على الكتاب
217

في قوله " وأنزلنا إليك الكتاب " أي وأنزلنا إليك الحكم. والثاني جر عطفا على الحق:
أي أنزلنا إليك بالحق وبالحكم، ويجوز على هذا الوجه أن يكون نصبا لما حذف
الجار. والثالث أن يكون في موضع رفع تقديره: وأن احكم بينهم بما نزل الله
أمرنا أو قولنا، وقيل أن بمعنى: أي، وهو بعيد لأن الواو تمنع من ذلك والمعنى
يفسد ذلك، لأن أن التفسيرية ينبغي أن يسبقها قول يفسر بها، ويمكن تصحيح هذا
القول على أن يكون التقدير: وأمرناك، ثم فسر هذا الأمر بأحكم (أن يفتنوك)
فيه وجهان: أحدهما هو بدل من ضمير المفعول بدل الاشتمال: أي احذرهم فتنتهم.
والثاني أن يكون مفعولا من أجله: أي مخافة أن يفتنوك.
قوله تعالى (أفحكم الجاهلية) يقرأ بضم الحاء وسكون الكاف وفتح الميم
والناصب له يبغون، ويقرأ بفتح الجميع، وهو أيضا منصوب بيبغون: أي احكم
حكم الجاهلية، ويقرأ تبغون بالتاء على الخطاب لأن قبله خطابا، ويقرأ بضم الحاء
وسكون الكاف وضم الميم على أنه مبتدأ، والخبر يبغون، والعائد محذوف: أي
يبغونه وهو ضعيف، وإنما جاء في الشعر إلا أنه ليس بضرورة في الشعر، والمستشهد
به على ذلك قول أبى النجم:
قد أصبحت أم الخيار تدعى * على ذنبا كله لم أصنع
فرفع كله، ولو نصب لم يفسد الوزن (ومن أحسن) مبتدأ وخبر، وهو
استفهام في معنى النفي، و (حكما) تمييز، و (لقوم) هو في المعنى عند قوم
(يوقنون) وليس المعنى أن الحكم لهم، وإنما المعنى أن الموقن يتدبر حكم الله فيحسن
عنده، ومثله " إن في ذلك لآية للمؤمنين - ولقوم يوقنون " ونحو ذلك، وقيل هي على
أصلها، والمعنى: إن حكم الله للمؤمنين على الكافرين، وكذلك الآية لهم: أي
الحجة لهم.
قوله تعالى (بعضهم أولياء بعض) مبتدأ وخبر لا موضع له.
قوله تعالى (فترى الذين) يجوز أن يكون من رؤية العين فيكون (يسارعون)
في موضع الحال، ويجوز أن يكون بمعنى تعرف فيكون يسارعون حالا أيضا،
ويجوز أن يكون من رؤية القلب المتعدية إلى مفعولين فيكون يسارعون المفعول الثاني،
وقرئ في الشاذ بالياء والفاعل الله تعالى، و (يقولون) حال من ضمير الفاعل
في يسارعون، و (دائرة) صفة غالبة لا يذكر معها الموصوف (أن يأتي) في موضع
218

نصب خبر عسى، وقيل هو في موضع رفع بدلا من اسم الله (فيصبحوا) معطوف
على يأتي.
قوله تعالى (ويقول) يقرأ بالرفع من غير واو العطف وهو مستأنف، ويقرأ
بالواو كذلك، ويقرأ بالواو والنصب، وفى النصب أربعة أوجه: أحدها أنه معطوف
على يأتي حملا على المعنى، لأن معنى عسى الله أن يأتي وعسى أن يأتي الله واحد،
ولا يجوز أن يكون معطوفا على لفظ أن يأتي، لأن أن يأتي خبر عسى، والمعطوف
عليه في حكمه، فيفتقر إلى ضمير يرجع إلى اسم عسى، ولا ضمير في قوله " ويقول
الذين آمنوا " فيصير كقولك: عسى الله أن يقول الذين آمنوا. والثاني أنه معطوف
على لفظ يأتي على الوجه الذي جعل فيه بدلا، فيكون داخلا في اسم عسى، واستغنى
عن خبرها بما تضمنه اسمها من الحدث. والوجه الثالث أن يعطف على لفظ يأتي وهو خبر،
ويقدر مع المعطوف ضمير محذوف تقديره: ويقول الذين آمنوا به، والرابع أن
يكون معطوفا على الفتح تقديره: فعسى الله أن يأتي بالفتح، وبأن يقول الذين آمنوا
(جهد أيمانهم) فيه وجهان: أحدهما أنه حال وهو هنا معرفة، والتقدير:
وأقسموا بالله يجهدون جهد أيمانهم، فالحال في الحقيقة مجتهدين، ثم أقيم الفعل المضارع
مقامه، ثم أقيم المصدر مقام الفعل لدلالته عليه. والثاني أنه مصدر يعمل فيه أقسموا،
وهو من معناه لامن لفظه.
قوله تعالى (من يرتد منكم) يقرأ بفتح الدال وتشديدها على الإدغام،
وحرك الدال بالفتح لالتقاء الساكنين، ويقرأ " يرتدد " بفك الإدغام والجزم على الأصل،
ومنكم في موضع الحال من ضمير الفاعل (يحبهم) في موضع جر صفة لقوم
(ويحبونه) معطوف عليه، ويجوز أن يكون حالا من الضمير المنصوب تقديره:
وهم يحبونه (أذلة) و (أعزة) صفتان أيضا (يجاهدون) يجوز أن يكون صفة
لقوم أيضا، وجاء بغير واو كما جاء أذلة: وأعزة، ويجوز أن يكون حالا من الضمير
في أعزة: أي يعزون مجاهدين، ويجوز أن يكون مستأنفا.
قوله تعالى (الذين يقيمون الصلاة) صفة للذين آمنوا (وهم راكعون)
حال من الضمير في يؤتون.
قوله تعالى (فإن حزب الله هم الغالبون) قيل هو خبر المبتدأ الذي هو
من ولم يعد منه ضمير إليه، لأن الحزب هو من في المعنى فكأنه قال: فإنهم
هم الغالبون
219

قوله تعالى (من الذين أوتوا لكتاب) في موضع الحال من الذين الأولى،
أو من الفاعل في اتخذوا (والكفار) يقرأ بالجر عطفا على الذين المجرورة، وبالنصب
عطفا على الذين المنصوبة، والمعنيان صحيحان.
قوله تعالى (ذلك بأنهم) ذلك مبتدأ وما بعده الخبر: أي ذلك بسبب جهلهم:
أي واقع بسبب جهلهم.
قوله تعالى (هل تنقمون) يقرأ بإظهار اللام على الأصل، وبإدغامها في التاء
لقربها منها في المخرج، ويقرأ " تنقمون " بكسر القاف وفتحها وهو مبنى على الماضي.
وفيه لغتان: نقم ينقم ونقم ينقم، و (منا) مفعول تنقمون الثاني، وما بعد
إلا هو المفعول الأول، ولا يجوز أن يكون منا حالا من أن والفعل لأمرين: أحدهما
تقدم الحال على إلا، والثاني تقدم الصلة على الموصول، والتقدير: هل تكرهون
منا إلا إيماننا.
وأما قوله (وأن أكثركم فاسقون) ففي موضعه وجهان: أحدهما أنه معطوف
على أن آمنا، والمعنى على هذا: إنكم كرهتم إيماننا وامتناعكم: أي كرهتم مخالفتنا
إياكم، وهذا كقولك للرجل: ما كرهت منى إلا أنني محبب إلى الناس وأنت مبغض
وإن كان قد لا يعترف بأنه مبغض، والوجه الثاني أنه معطوف على " ما " والتقدير:
إلا أن آمنا بالله، وبأن أكثركم فاسقون.
قوله تعالى (مثوبة) منصوب على التمييز والمميز بشر. ويقرأ " مثوبة " بسكون
الثاء وفتح الواو، وقد ذكر في البقرة، و (عند الله) صفة لمثوبة (من لعنه)
في موضع من ثلاثة أوجه: أحدها هو في موضع جر بدلا من شر. والثاني هو في
موضع نصب بفعل دل عليه أنبئكم: أي أعرفكم من لعنه الله. والثالث هو في موضع
رفع: أي هو من لعنه الله (وعبد الطاغوت) يقرأ بفتح العين والباء، ونصب
الطاغوت على أنه فعل معطوف على لعن، ويقرأ بفتح العين وضم الباء، وجر الطاغوت
وعبد هنا اسم مثل يقظ وحدث، وهو في معنى الجمع، وما بعده مجرور بإضافته
إليه، وهو منصوب بجعل، ويقرأ بضم العين والباء ونصب الدال وجر ما بعده،
وهو جمع عبد مثل سقف وسقف، أو عبيد مثل قتيل وقتل، أو عابد مثل نازل
ونزل، أو عباد مثل كتاب وكتب، فيكون جمع جمع مثل ثمار وثمر، ويقرأ " عبد
الطاغوت " بضم العين وفتح الباء وتشديدها مثل ضارب وضرب، ويقرأ " عباد
الطاغوت " مثل صائم وصوام: ويقرأ " عباد الطاغوت " وهو ظاهر مثل صائم
220

وصيام، ويقرأ " وعابد الطاغوت " و " عبد الطاغوت " على أنه صفة مثل حطم،
ويقرأ " وعبد الطاغوت " على أنه فعل ما لم يسم فاعله، والطاغوت مرفوع، ويقرأ
" وعبد " مثل ظرف: أي صار ذلك للطاغوت كالغريزي، ويقرأ " وعبدوا " على أنه
فعل والواو فاعل، والطاغوت نصب، ويقرأ " وعبدة الطاغوت " وهو جمع عابد
مثل قاتل وقتلة.
قوله تعالى (وقد دخلوا) في موضع الحال من الفاعل في قالوا، أو من الفاعل
في آمنا، و (بالكفر) في موضع الحال من الفاعل في دخلوا: أي دخلوا كفارا
(وهم قد خرجوا) حال أخرى، ويجوز أن يكون التقدير: وقد كانوا
خرجوا به.
قوله تعالى (وأكلهم) المصدر مضاف إلى الفاعل، و (السحت) مفعوله،
ومثله عن قولهم الإثم.
قوله تعالى (ينفق) مستأنف، ولا يجوز أن يكون حالا من الهاء لشيئين:
أحدهما أن الهاء مضاف إليها، والثاني أن الخبر يفصل بينهما، ولا يجوز أن يكون
حالا من اليدين إذ ليس فيها ضمير يعود إليهما (للحرب) يجوز أن يكون صفة لنار
فيتعلق بمحذوف، وأن يكون متعلقا بأوقدوا، و (فسادا) مفعول من أجله.
قوله تعالى (لأكلوا من فوقهم) مفعول أكلوا محذوف، ومن فوقهم
نعت له تقديره: رزقا كائنا من فوقهم، أو مأخوذا من فوقهم (ساء ما يعملون)
ساء هنا بمعنى بئس، وقد ذكر فيما تقدم.
قوله تعالى (فما بلغت رسالته) يقرأ على الإفراد، وهو جنس في معنى
الجمع وبالجمع، لأن جنس الرسالة مختلف.
قوله تعالى (والصابئون) يقرأ بتحقيق الهمزة على الأصل، وبحذفها وضم الباء
والأصل على هذا صبا بالألف المبدلة من الهمزة، ويقرأ بياء مضمومة، ووجهه أنه
أبدل الهمزة ياء لانكسار ما قبلها، ولم يحذفها لتدل على أن أصلها حرف يثبت،
ويقرأ بالهمز والنصب عطفا على الذين، وهو شاذ في الرواية صحيح في القياس، وهو
مثل الذي في البقرة، والمشهور في القراءة الرفع. وفيها أقوال: أحدها قول سيبويه:
وهو أن النية به التأخير بعد خبر إن، وتقديره: ولا هم يحزنون "، والصابئون
كذلك، فهو مبتدأ والخبر محذوف، ومثله: * فإني وقيار بها لغريب *.
221

أي فإني لغريب وقيار بها كذلك. والثاني أنه معطوف على موضع إن كقولك: إن
زيدا وعمرو قائمان، وهذا خطأ لأن خبر إن لم يتم، وقائمان إن جعلته خبر إن لم يبق
لعمرو وخبر، وإن جعلته خبر عمرو لم يبق لأن خبر، ثم هو ممتنع من جهة المعنى
لأنك تخبر بالمثنى عن المفرد. فأما قوله تعالى " إن الله وملائكته يصلون على النبي "
على قراءة من رفع ملائكته فخبر إن محذوف تقديره: إن الله يصلى، وأغنى عنه
خبر الثاني، وكذلك لو قلت: إن عمرا وزيد قائم، فرفعت زيدا جاز على أن يكون
مبتدأ وقائم خبره أو خبر إن. والقول الثالث أن الصابئون معطوف على الفاعل
في هادوا. وهذا فاسد لوجهين: أحدهما أنه يوجب كون الصابئين هودا وليس كذلك.
والثاني أن الضمير لم يؤكد. والقول الرابع أن يكون خبر الصابئين محذوفا من غير أن
ينوى به التأخير، وهو ضعيف أيضا لما فيه من لزوم الحذف والفصل. والقول
الخامس أن إن بمعنى نعم، فما بعدها في موضع رفع، فالصابئون كذلك. والسادس
أن الصابئون في موضع نصب، ولكنه جاء على لغة بلحرث الذين يجعلون التثنية
بالألف على كل حال، والجمع بالواو على كل حال وهو بعيد. والقول السابع أن
بجعل النون حرف الإعراب. فإن قيل: فأبو على إنما أجاز ذلك مع الياء لا مع الواو.
قيل: قد أجازه غيره والقياس لا يدفعه، فأما (النصارى) فالجيد أن يكون في موضع
نصب على القياس المطرد ولا ضرورة تدعو إلى غيره.
قوله تعالى (فريقا كذبوا) فريقا الأول مفعول كذبوا، والثاني مفعول
(يقتلون) وكذبوا جواب كلما، ويقتلون بمعنى قتلوا، وإنما جاء كذلك لتتوافق
رؤوس الآي.
قوله تعالى (أن لا تكون) يقرأ بالنصب على أن أن الناصبة للفعل، وحسبوا
بمعنى الشك، ويقرأ بالرفع على أن أن المخففة من الثقيلة وخبرها محذوف (1) وجاز ذلك
لما فصلت " لا " بينها وبين الفعل، وحسبوا على هذا بمعنى علموا، وقد جاء الوجهان
فيها، ولا يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة مع أفعال الشك والطبع، ولا الناصبة
للفعل مع علمت وما كان في معناها، وكان هنا التامة (فعموا وصموا) هذا
هو المشهور، ويقرأ بضم العين والصاد وهو من باب زكم وأزكمه الله، ولا يقال عميته
وصممته، وإنما جاء بغير همزة فيما لم يسم فاعله وهو قليل، واللغة الفاشية أعمى وأصم
(كثير منهم) هو خبر مبتدإ محذوف:: أي العمى والصم كثير، وقيل هو بدل
من ضمير الفاعل في صموا، وقيل هو مبتدأ والجملة قبله خبر عنه: أي كثير منهم

(1) (قوله وخبرها محذوف) كذا بالنسخ التي بأيدينا، وصوابه أن يقول: واسمها محذوف كما لا يخفى اه‍ مصححه.
222

عموا وهو ضعيف، لأن الفعل قد وقع في موضعه فلا ينوى به غيره، وقيل الواو
علامة جمع لا اسم، وكثير فاعل صموا.
قوله تعالى (ثالث ثلاثة) أي أحد ثلاثة، ولا يجوز في مثل هذا إلا الإضافة
(وما من إله) من زائدة وإله في موضع مبتدأ، والخبر محذوف: أي وما للخلق
إله (إلا الله) بدل من إله، ولو قرئ بالجر بدلا من لفظ إله كان جائزا في العربية
(ليمسن) جواب قسم محذوف وسد مسد جواب الشرط الذي هو وإن لم ينتهوا
و (منهم) في موضع الحال، إما من الذين، أو من ضمير الفاعل في كفروا.
قوله تعالى (قد خلت من قبله الرسل) في موضع رفع صفة لرسول
(كانا يأكلان الطعام) لا موضع له من الإعراب (أنى) بمعنى كيف في موضع
الحال، والعامل فيها (يؤفكون) ولا يعمل فيها نظرا لأن الاستفهام لا يعمل فيه
ما قبله.
قوله تعالى (مالا يملك) يجوز أن تكون " ما " نكرة موصوفة، وأن تكون
بمعنى الذي.
قوله تعالى (تغلوا) فعل لازم (وغير الحق) صفة لمصدر محذوف: أي
غلوا غير الحق، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل: أي لا تغلوا مجاوزين الحق.
قوله تعالى (من بني إسرائيل) في موضع الحال من الذين كفروا أو من
ضمير الفاعل في كفروا (على لسان داود) متعلق بلعن كقولك: جاء زيد على
الفرس (ذلك بما عصوا) قد تقدم ذكره في غير موضع، وكذلك و (لبئس
ما كانوا) و (لبئس ما قدمت لهم).
قوله تعالى (أن سخط الله عليهم) أن والفعل في تقدير مصدر مرفوع خبر
ابتداء محذوف: أي هو سخط الله، وقيل في موضع نصب بدلا من " ما " أي بئس
شيئا سخط الله عليهم، وقيل هو في موضع جر بلام محذوفة، أي لأن سخط.
قوله تعالى (عداوة) تمييز، والعامل فيه أشد، و (للذين آمنوا) متعلق
بالمصدر أو نعت له (اليهود) المفعول الثاني لتجد (ذلك) مبتدأ، و (بأن منهم)
الخبر: أي ذلك كائن بهذه الصفة.
قوله تعالى (وإذا سمعوا) الواو هاهنا عطفت إذا على خبر أن، وهو قوله
" لا يستكبرون " فصار الكلام داخلا في صلة أن وإذا في موضع نصب ب‍ (ترى) وإذا
223

وجوابها في موضع رفع عطفا على خبر أن الثانية، ويجوز أن يكون مستأنفا في اللفظ،
وإن كان له تعلق بما قبله في المعنى، و (تفيض) في موضع نصب على الحال، لأن
ترى من رؤية العين، و (من الدمع) فيه وجهان: أحدهما أن من لابتداء الغاية:
أي فيضها من كثرة الدمع. والثاني أن يكون حالا، والتقدير: تفيض مملوءة من
الدمع، وأما (مما عرفوا) فمن لابتداء الغاية ومعناها: من أجل الذي عرفوه،
و (من الحق) حال من العائد المحذوف (يقولون) حال من ضمير الفاعل
في عرفوا.
قوله تعالى (وما لنا) ما في موضع رفع بالابتداء، ولنا الخبر، و (لا نؤمن)
حال من الضمير في الخبر، والعامل فيه الجار: أي مالنا غير مؤمنين، كما تقول:
مالك قائما (وما جاءنا) يجوز أن يكون في موضع جر: أي وبما جاءنا (من
الحق) حال من ضمير الفاعل، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية: أي ولما جاءنا
من عند الله، ويجوز أن يكون مبتدأ ومن الحق الخبر، والجملة في موضع الحال
(ونطمع) يجوز أن يكون معطوفا على نؤمن: أي وما لنا لا نطمع، ويجوز أن
يكون التقدير: ونحن نطمع، فتكون الجملة حالا من ضمير الفاعل في نؤمن،
و (أن يدخلنا) أي في أن يدخلنا، فهو في موضع نصب أو جر على الخلاف بين
الخليل وسيبويه.
قوله تعالى (حلالا) فيه ثلاثة أوجه: أحدها هو مفعول كلوا، فعلى هذا
يكون مما في موضع الحال لأنه صفة للنكرة قدمت عليها، ويجوز أن تكون " من "
لابتداء غاية الأكل، فتكون متعلقة بكلوا كقولك: أكلت من الخبز رغيفا إذا لم ترد
الصفة. والوجه الثاني أن يكون حالا من " ما " لأنها بمعنى الذي، ويجوز أن يكون
حالا من العائد المحذوف فيكون العامل رزق. والثالث أن يكون صفة لمصدر محذوف:
أي أكلا حلالا، ولا يجوز أن ينصب حلالا برزق على أنه مفعوله، لأن ذلك يمنع
من أن يعود إلى " ما " ضمير.
قوله تعالى (باللغو في أيمانكم) فيه ثلاثة أوجه: أحدها أن تكون متعلقة
بنفس اللغو لأنك تقول: لغا في يمينه، وهذا مصدر بالألف واللام يعمل ولكن
معدى بحرف الجر. والثاني أن تكون حالا من اللغو: أي باللغو كائنا أو واقعا في
أيمانكم. والثالث أن يتعلق في بيؤاخذكم (عقدتم) يقرأ بتخفيف القاف وهو
الأصل، وعقد اليمين هو قصد الالتزام بها، ويقرأ بتشديدها وذلك لتوكيد اليمين
224

كقوله: " والله الذي لا إله إلا هو " ونحوه، وقيل التشديد يدل على تأكيد العزم
بالالتزام بها، وقيل إنما شدد لكثرة الحالفين وكثرة الأيمان، وقيل التشديد عوض
من الألف في عاقد، ولا يجوز أن يكون التشديد لتكرير اليمين لأن الكفارة تجب
وإن لم تكرر، ويقرأ " عاقدتم " بالألف، وهي بمعنى عقدتم كقولك: قاطعته
وقطعته من الهجران (فكفارته) الهاء ضمير العقد، وقد تقدم الفعل الدال
عليه، وقيل تعود على اليمين بالمعنى لأن الحالف واليمين بمعنى واحد، و (إطعام)
مصدر مضاف إلى المفعول به، والجيد أن يقدر بفعل قد سمى فاعله، لأن ما قبله
وما بعده خطاب، ف‍ (عشرة) على هذا في موضع نصب (من أوسط) صفة
لمفعول محذوف تقديره: إن تطعموا عشرة مساكين طعاما أو قوتا من أوسط: أي
متوسطا (ما تطعمون) أي الذي تطعمون منه أو تطعمونه (أو كسوتهم)
معطوف على إطعام، ويقرأ شاذا " أو كاسوتهم " فالكاف في موضع رفع: أي
أو مثل أسوة أهليكم في الكسوة (أو تحرير) معطوف على إطعام وهو مصدر مضاف
إلى المفعول أيضا (إذا حلفتم) العامل في إذا كفارة إيمانكم، لأن المعنى ذلك
يكفر أيمانكم وقت حلفكم (كذلك) الكاف صفة مصدر محذوف أي يبين لكم
آياته تبيينا مثل ذلك.
قوله تعالى (رجس) إنما أفرد لأن التقدير إنما عمل هذه الأشياء رجس، ويجوز
أن يكون خبرا عن الخمر وإخبار المعطوفات محذوف لدلالة خبر الأول عليها،
و (من عمل) صفة لرجس أن خبر ثان، والهاء في (اجتنبوه) ترجع إلى الفعل
أو إلى الرجس والتقدير رجس من جنس عمل الشيطان.
قوله تعالى (في الخمر والميسر) في متعلقة بيوقع، وهي بمعنى السبب: أي
بسبب شرب الخمر وفعل الميسر، ويجور أن تتعلق في بالعداوة، أو بالبغضاء: أي أن
تتعادوا، وأن تتباغضوا بسبب الشرب، وهو على هذا مصدر بالألف واللام معمل،
والهمزة في البغضاء للتأنيث وليس مؤنث أفعل، إذ ليس مذكر البغضاء أبغض وهو
مثل البأساء والضراء (فهل أنتم منتهون) لفظه استفهام، ومعناه الأمر:
أي انتهوا، لكن الاستفهام عقيب ذكر هذه المعايب أبلغ من الأمر.
قوله تعالى (إذا ما اتقوا) العامل في إذا معنى: ليس على الذين آمنوا وعملوا
الصالحات جناح: أي لا يأثمون إذا ما اتقوا.
قوله تعالى (من الصيد) في موضع جر صفة لشئ، ومن لبيان الجنس،
225

وقيل للتبعيض إذ لا يحرم إلا الصيد في حال الإحرام، وفى الحرم وفى البر والصيد
في الأصل مصدر، وهو هاهنا بمعنى المصيد، وسمى مصيدا وصيدا لمآله إلى ذلك
وتوفر الدواعي إلى صيده، فكأنه لما أعد للصيد صار كأنه مصيد (تناله) صفة
لشئ، ويجوز أن يكون حالا من شئ لأنه قد وصف، وأن يكون حالا من الصيد
(ليعلم) اللام متعلقة بليبلونكم (بالغيب) يجوز أن يكون في موضع الحال من
" من " أو من ضمير الفاعل في يخافه: أي يخافه غائبا عن الخلق، ويجوز أن يكون
بمعنى في: أي في الموضع الغائب عن الخلق، والغيب مصدر في موضع فاعل.
قوله تعالى (وأنتم حرم) في موضع الحال من ضمير الفاعل في تقتلوا،
و (متعمدا) حال من الضمير الفاعل في قتله (فجزاء) مبتدأ والخبر محذوف،
وقيل التقدير. فالواجب جزاء، ويقرأ بالتنوين، فعلى هذا يكون (مثل) صفة له
أو بدلا، ومثل هنا بمعنى مماثل، ولا يجوز على هذه القراءة أن يعلق من النعم
بجزاء، لأنه مصدر وما يتعلق به من صلته، والفصل بين الصلة والموصول بالصفة أو البدل
غير جائز، لأن الموصول لم يتم فلا يوصف ولا يبدل منه، ويقرأ شاذا " جزاء "
بالتنوين، ومثل بالنصب، وانتصابه بجزاء، ويجوز أن ينتصب بفعل دل عليه
جزاء: أي يخرج أو يؤدى مثل، وهذا أولى فإن الجزاء يتعدى بحرف الجر، ويقرأ
في المشهور بإضافة جزاء إلى المثل، وإعراب الجزاء على ما تقدم، ومثل في هذه
القراءة في حكم الزائدة، وهو كقولهم: مثلي لا يقول ذلك: أي أنا لا أقول،
وإنما دعا إلى هذا التقدير أن الذي يجب به الجزاء المقتول لا مثله، وأما (من النعم)
ففيه أوجه: أحدها أن تجعله حالا من الضمير في قتل لأن المقتول يكون من النعم،
والثاني أن يكون صفة لجزاء إذا نونته: أي جزاء كائن من النعم، والثالث أن تعلقها
بنفس الجزاء إذا أضفته، لأن المضاف إليه داخل في المضاف فلا يعد فصلا بين الصلة
والموصول، وكذلك إن نونت الجزاء ونصبت مثلا لأنه عامل فيهما فهما من صلته،
كما تقول: يعجبني ضربك زيدا بالسوط (يحكم به) في موضع رفع صفة لجزاء
إذا نونته، وأما على الإضافة فهو في موضع الحال، والعامل فيه معنى الاستقرار
المقدر في الخبر المحذوف (ذوا عدل) الألف للتثنية، ويقرأ شاذا " ذو " على
الإفراد، والمراد به الجنس، كما تكون " من " محمولة على المعنى، فتقديره: على
هذا فريق ذو عدل أو حاكم ذو عدل، و (منكم) صفة لذوا، ولا يجوز أن يكون
صفة العدل لأن عدلا هنا مصدر غير وصف (هديا) حال من الهاء في به وهو بمعنى
226

مهدى، وقيل هو مصدر، أي يهديه هديا، وقيل على التمييز، و (بالغ الكعبة)
صفة لهدى، والتنوين مقدر: أي بالغا الكعبة (أو كفارة) معطوف على جزاء:
أي أو عليه كفارة إذا لم يجد المثل، و (طعام) بدل من كفارة أو خبر مبتدإ محذوف
أي هي طعام، ويقرأ بالإضافة، والإضافة هنا لتبيين المضاف، و (صياما) تمييز
(ليذوق) اللام متعلقة بالاستقرار: أي عليه الجزاء ليذوق، ويجوز أن تتعلق
بصيام وبطعام (فينتقم الله) جواب الشرط، وحسن ذلك لما كان فعل الشرط
ماضيا في اللفظ.
قوله تعالى (وطعامه) الهاء ضمير البحر، وقيل ضمير الصيد، والتقدير:
وإطعام الصيد أنفسكم، والمعنى أنه أباح لهم صيد البحر وأكل صيده بخلاف صيده
البر (متاعا) مفعول من أجله، وقيل مصدر: أي متعتم بذلك تمتيعا (ما دمتم)
يقرأ بضم الدال وهو الأصل، وبكسرها وهي لغة، يقال دمت تدام (حرما) جمع
حرام ككتاب وكتب، وقرئ في الشاذ حرما بفتح الحاء والراء: أي ذوي حرم،
أي إحرام، وقيل جعلهم بمنزلة المكان الممنوع منه.
قوله تعالى (جعل الله) هي بمعنى صبر فيكون (قياما) مفعولا ثانيا، وقيل
هي بمعنى خلق فيكون قياما حالا، و (البيت) بدل من الكعبة. ويقرأ " قياما "
بالألف: أي سببا لقيام دينهم ومعاشهم، ويقرأ " قيما " بغير ألف، وهو محذوف
من قيام كخيم في خيام (ذلك) في موضع رفع خبر مبتدإ محذوف: أي الحكم الذي
ذكرناه ذلك: أي لا غيره، ويجوز أن يكون المحذوف هو الخبر، ويجوز أن يكون
في موضع نصب: أي فعلنا ذلك أو شرعنا، واللام في (لتعلموا) متعلقة بالمحذوف.
قوله تعالى (عن أشياء) الأصل فيها عند الخليل وسيبويه شيئاء بهمزتين بينهما
ألف وهي فعلاء من لفظ شئ، وهمزتها الثانية للتأنيث، وهي مفردة في اللفظ
ومعناها الجمع، مثل قصباء وطرفاء، ولأجل همزة التأنيث لم تنصرف، ثم إن الهمزة
الأولى التي هي لام الكلمة قدمت فجعلت قبل الشين كراهية الهمزتين بينهما ألف
خصوصا بعد الياء فصار وزنها لفعاء، وهذا قول صحيح لا يرد عليه إشكال. وقال
الأخفش والفراء: أصل الكلمة شئ مثل هين على فعل، ثم خففت ياؤه كما خففت
ياء هين فقيل شئ كما قيل هين، ثم جمع على أفعلاء وكان الأصل أشياء. كما قالوا
هين وأهوناء ثم حذفت الهمزة الأولى فصار وزنها أفعاء فلامها محذوفة. ومثل آخرون
الأصل في شئ شئ مثل صديق، ثم جمع على أفعلاء كأصدقاء وأنبياء، ثم حذفت
227

الهمزة الأولى، وقيل هو جمع شئ من غير تغيير كبيت وأبيات وهو غلط، لأن مثل
هذا الجمع ينصرف، وعلى الأقوال الأول يمتنع صرفه لأجل همزة التأنيث، ولو كان
أفعالا لانصرف، ولم يسمع أشياء منصرفة البتة، وفى هذا المسألة كلام طويل فموضعه
التصريف (إن تبد لكم تسؤكم) الشرط وجوابه في موضع جر صفة لأشياء
(عفا الله عنها) قيل هو مستأنف، وقيل هو في موضع جر أيضا، والنية به التقديم:
أي عن أشياء قد عفا الله لكم عنها.
قوله تعالى (من قبلكم) هو متعلق بسألها، ولا يجوز أن يكون صفة لقوم
ولا حالا، لأن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثة ولا حالا منها ولا خبرا عنها.
قوله تعالى (ما جعل الله من بحيرة) " من " زائدة. وجعل هاهنا بمعنى سمى
فعلى هذا يكون بحيرة أحد المفعولين والآخر محذوف: أي ما سمى الله حيوانا بحيرة
ويجوز أن تكون جعل متعدية إلى مفعول واحد بمعنى ما شرع، ولا وضع، وبحيرة
فعيلة بمعنى مفعولة. والسائبة فاعلة من ساب يسيب إذا جرى، وهو مطاوع سيبه
فساب، وقيل هي فاعلة بمعنى مفعولة: أي مسيبة. والوصيلة بمعنى الواصلة، والحامي
فاعل من حمى ظهره يحميه.
قوله تعالى (حسبنا) هو مبتدأ وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، و (ما وجدنا)
هو الخبر " ما " بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، والتقدير: كافينا الذي وجدناه
ووجدنا هنا يجوز أن تكون بمعنى علمنا، فيكون (عليه) المفعول الثاني، ويجوز
أن تكون بمعنى صادفنا فتتعدى إلى مفعول واحد بنفسها. وفى عليه على هذا وجهان:
أحدهما هي متعلقة بالفعل معدية له كما تتعدى ضربت زيدا بالسوط. والثاني أن تكون
حالا من الآباء، وجواب (أو لو كان) محذوف، تقديره: أو لو كانوا يتبعونهم.
قوله تعالى (عليكم أنفسكم) عليكم هو اسم للفعل هاهنا، وبه انتصب
أنفسكم، والتقدير: احفظوا أنفسكم، والكاف والميم في عليكم في موضع جر لأن اسم
الفعل هو الجار والمجرور، وعلى وحدها لم تستعمل اسما للفعل، بخلاف رويدكم فإن
الكاف والميم هناك للخطاب فقط ولا موضع لهما لأن رويدا قد استعملت اسما للأمر
للمواجه من غير كاف الخطاب، وهكذا قوله: " مكانكم أنتم وشركاؤكم "،
الكاف والميم في موضع جر أيضا، ويذكر في موضعه إن شاء الله تعالى (لا يضركم)
يقرأ بالتشديد والضم على أنه مستأنف، وقيل حقه الجزم على جواب الأمر ولكنه
حرك بالضم اتباعا لضمة الضاد، ويقرأ بفتح الراء على أن حقه الجزم وحرك بالفتح
228

ويقرأ بتخفيف الراء وسكونها وكسر الضاد وهو من ضاره يضيره، ويقرأ كذلك
إلا أنه بضم الضاد وهو من ضاره يضوره، وكل ذلك لغات فيه، و (إذا) ظرف
ليضر، ويبعد أن يكون ظرفا لضل لأن المعنى لا يصح معه.
قوله تعالى (شهادة بينكم) يقرأ برفع الشهادة وإضافتها إلى بينكم، والرفع
على الابتداء، والإضافة هنا إلى بين على أن تجعل بين مفعولا به على السعة، والخبر
اثنان، والتقدير: شهادة اثنين، وقيل التقدير: ذوا شهادة بينكم اثنان، فحذف
المضاف الأول، فعلى هذا يكون (إذا حضر) ظرفا للشهادة، وأما (حين
الوصية) ففيه على هذا ثلاثة أوجه: أحدها هو ظرف للموت. والثاني ظرف
لحضر، وجاز ذلك إذ كان المعنى حضر أسباب الموت. والثالث أن يكون بدلا
من إذا، وقيل شهادة بينكم مبتدأ وخبره إذا حضر، وحين على الوجوه الثلاثة
في الإعراب، وقيل خبر الشهادة حين، وإذا ظرف للشهادة، ولا يجوز أن يكون
إذا خبرا للشهادة وحين ظرفا لها، إذ في ذلك الفصل بين المصدر وصلته بخبره،
ولا يجوز أن تعمل الوصية في إذا لأن المصدر لا يعمل فيما قبله، ولا المضاف إليه
في الإعراب يعمل فيما قبله. وإذا جعلت الظرف خبرا عن الشهادة فاثنان خبر مبتدإ
محذوف: أي الشاهدان اثنان، وقيل الشهادة مبتدأ، وإذا وحين غير خبرين، بل هما
على ما ذكرنا من الظرفية، واثنان فاعل شهادة، وأغنى الفاعل عن خبر المبتدأ،
و (ذوا عدل) صفة لاثنين، وكذلك (منكم أو آخران) معطوف على
اثنان، و (من غيركم) صفة لآخران، و (إن أنتم ضربتم في الأرض)
معترض بين آخران وبين صفته، وهو (تحبسونهما) أي أو آخران من غيركم
محبوسان، و (من بعد) متعلق بتحبسون، وأنتم مرفوع بأنه فاعل فعل محذوف
لأنه واقع بعد إن الشرطية فلا يرتفع بالابتداء، والتقدير: إن ضربتم، فلما حذف
الفعل وجب أن يفصل الضمير فيصير أنتم ليقوم بنفسه، وضربتم تفسير للفعل
المحذوف لا موضع له (فيقسمان) جملة معطوفة على تحبسونهما، و (إن ارتبتم)
معترض بين يقسمان وجوابه، وهو (لا نشتري) وجواب الشرط محذوف
في الموضعين أغنى عنه معنى الكلام، والتقدير: إن ارتبتم فاحبسوهما أو فحلفوهما،
وإن ضربتم في الأرض فأشهدوا اثنين، ولا نشتري جواب يقسمان لأنه يقوم مقام
اليمين، والهاء في (به) تعود إلى الله تعالى أو على القسم أو اليمين أو الحلف أو على تحريف
الشهادة أو على الشهادة لأنها قول، و (ثمنا) مفعول نشتري، ولا حذف فيه لأن
229

الثمن يشترى كما يشترى به، وقيل التقدير: ذا ثمن (ولو كان ذا قربى) أي
ولو كان المشهود له لم يشتر (ولا نكتم) معطوف على لا نشتري. وأضاف الشهادة
إلى الله لأنه أمر بها فصارت له، ويقرأ شهادة بالتنوين، وألله بقطع الهمزة من غير مد
وبكسر الهاء على أنه جره بحرف القسم محذوفا، وقطع الهمزة تنبيها على ذلك، وقيل
قطعها عوض من حرف القسم، ويقرأ كذلك إلا أنه بوصل الهمزة والجر على القسم
من غير تعويض ولا تنبيه، ويقرأ كذلك إلا أنه بقطع الهمزة ومدها، والهمزة على
هذا عوض من حرف القسم، ويقرأ بتنوين الشهادة ووصل الهمزة ونصب اسم الله
من غير مد على أنه منصوب بفعل القسم محذوفا.
قوله تعالى (فإن عثر) مصدره العثور، ومعناه اطلع، فأما مصدر عثر
في مشيه ومنطقه ورأيه فالعثار، و (على أنهما) في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل
(فآخران) خبر مبتدإ محذوف: أي فالشاهدان آخران، وقيل فاعل فعل محذوف:
أي فليشهد آخران، وقيل هو مبتدأ والخبر (يقومان) وجاز الابتداء هنا بالنكرة
لحصول الفائدة، وقيل الخبر الأوليان، وقيل المبتدأ الأوليان، وآخران خبر
مقدم، ويقومان صفة آخران إذا لم تجعله خبرا، و (مقامهما) مصدر، و (من
الذين) صفة أخرى لآخران، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل في يقومان
(استحق) يقرأ بفتح التاء على تسمية الفاعل، والفاعل الأوليان، والمفعول
محذوف: أي وصيتهما، ويقرأ بضمها على ما لم يسم فاعله، وفى الفاعل وجهان:
أحدهما ضمير الإثم لتقدم ذكره في قوله " استحقا إثما " أي استحق عليهم الإثم،
والثاني الأوليان: إي إثم الأولين، وفى (عليهم) ثلاثة أوجه: أحدها هي على
بابها كقولك: وجب عليه الإثم. والثاني هي بمعنى في: أي استحق فيهم الوصية
ونحوها. والثالث هي بمعنى من: أي استحق منهم الأوليان، ومثله " اكتالوا على
الناس يستوفون " أي من الناس (الأوليان) يقرأ بالألف على تثنية أولى. وفى رفعه
خمسة أوجه: أحدها هو خبر مبتدإ محذوف: أي هما الأوليان، والثاني هو مبتدأ وخبره
آخران، وقد ذكر، والثالث هو فاعل استحق وقد ذكر أيضا، والرابع هو بدل من
الضمير في يقومان، والخامس أن يكون صفة لآخران لأنه وإن كان نكرة فقد وصف
والأوليان لم يقصد بهما قصد اثنين بأعيانهما وهذا محكى عن الأخفش. ويقرأ الأولين،
وهو جمع أول، وهو صفة للذين استحق أو بدل من الضمير في عليهم، ويقرأ الأولين
وهو جمع أولى، وإعرابه كإعراب الأولين، ويقرأ الأولان تثنية الأول، وإعرابه
230

كإعراب الأوليان (فيقسمان) عطف على يقومان (لشهادتنا أحق) مبتدأ وخبر،
وهو جواب يقسمان.
قوله تعالى (ذلك أدنى أن يأتوا): أي من أن يأتوا أو إلى أن يأتوا، وقد
ذكر نظائره، و (على وجهها) في موضع الحال من الشهادة: أي محققة أو صحيحة
(أو يخافوا) معطوف على يأتوا، و (بعد أيمانهم) ظرف لترد أو
صفة الأيمان.
قوله تعالى (يوم يجمع الله) العامل في يوم يهدى: أي لا يهديهم في ذلك
اليوم إلى حجة أو إلى طريق الجنة، وقيل هو مفعول به، والتقدير: واسمعوا خبر
" يوم يجمع الله " فحذف المضاف (ماذا) في موضع نصب ب‍ (أجبتم) وحرف
الجر محذوف: أي بماذا أجبتم، وما وذا هنا بمنزلة اسم واحد، ويضعف أن يجعل ذا
بمعنى الذي هاهنا لأنه لا عائد هنا، وحذف العائد مع حرف الجر ضعيف (إنك
أنت علام الغيوب) و " إنك أنت العزيز الحكيم " مثل " إنك أنت العليم الحكيم "
وقد ذكر في البقرة.
قوله تعالى (إذ قال الله) يجوز أن يكون بدلا من يوم، والتقدير: إذ يقول،
ووقعت هنا إذ هي للماضي على حكاية الحال، ويجوز أن يكون التقدير: اذكر
إذ يقول (يا عيسى ابن) يجوز أن يكون على الألف من عيسى فتحة، لأنه قد وصف
بابن وهو بين علمين، وأن يكون عليها ضمة، وهي مثل قولك: يا زيد بن عمرو
بفتح الدال وضمها، فإذا قدرت الضم جاز أن تجعل ابن مريم صفة وبيانا وبدلا
(إذ أيدتك) العامل في إذ " نعمتي " ويجوز أن يكون حالا من نعمتي، وأن
يكون مفعولا به على السعة، وأيدتك وآيدتك قد قرئ بهما، وقد ذكر في البقرة
(تكلم الناس) في موضع الحال من الكاف في أيدتك، و (في المهد) ظرف لتكلم
أو حال من ضمير الفاعل في تكلم (وكهلا) حال منه أيضا، ويجوز أن يكون من
الكاف في أيدتك وهي حال مقدرة. " وإذ علمتك " وإذ تخلق، وإذ تخرج " معطوفات
على إذ أيدتك (من الطين) يجوز أن يتعلق بتخلق فتكون من لابتداء غاية الخلق
وأن يكون حالا (من هيئة الطير) على قول من أجاز تقديم حال المجرور عليه،
والكاف مفعول تخلق، وقد تكلمنا على قوله " هيئة الطير " في آل عمران (فتكون
طيرا) يقرأ بياء ساكنة من غير ألف. وفيه وجهان: أحدهما أنه مصدر في معنى
الفاعل. والثاني أن يكون أصله طيرا مثل سيد، ثم خفف إلا أن ذلك يقل فيما عينه
231

ياء وهو جائز، ويقرأ طائرا وهي صفة غالبة، وقيل هو اسم للجمع مثل الحامل
والباقر، و (تبرئ) معطوف على تخلق (إذ جئتهم) ظرف لكففت (سحر
مبين) يقرأ بغير ألف على أنه مصدر، ويشار به إلى ما جاء به من الآيات، ويقرأ
ساحر بالألف والإشارة به إلى عيسى، وقيل هو فاعل في معنى المصدر كما قالوا عائذا
بالله منك: أي عوذا أو عياذا.
قوله تعالى (وإذ أو حيت) معطوف على " إذ أيدتك " (أن آمنوا) يجوز أن
تكون أن مصدرية فتكون في موضع نصب بأوحيت، وأن تكون بمعنى أي، وقد
ذكرت نظائره.
قوله تعالى (إذ قال الحواريون) أي اذكر إذ قال، ويجوز أن يكون ظرفا
لمسلمون (هل يستطيع ربك) يقرأ بالياء على أنه فعل وفاعل، والمعنى: هل
يقدر ربك أو يفعل، وقيل التقدير: هل يطيع ربك، وهما بمعنى واحد مثل
استجاب وأجاب وأستجب وأجب، ويقرأ بالتاء، وربك نصب، والتقدير: هل
يستطيع سؤال ربك فحذف المضاف، فأما قوله (أن ينزل) فعلى القراءة الأولى
هو مفعول يستطيع، والتقدير: على أن ينزل، أو في أن ينزل، ويجوز أن لا يحتاج
إلى حرف جر على أن يكون يستطيع بمعنى يطيق، وعلى القراءة الأخرى يكون مفعولا
لسؤال المحذوف.
قوله تعالى (أن قد صدقتنا) أن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف وقد عوض
منه وقيل أن مصدرية وقد لا تمنع من ذلك (نكون) صفة لمائدة، و (لنا)
يجوز أن يكون خبر كان، ويكون (عيدا) حالا من الضمير في الظرف أو حالا
من الضمير في كان على قول من ينصب عنها الحال، ويجوز أن يكون عيدا الخبر،
وفى لنا على هذا وجهان: أحدهما أن يكون حالا من الضمير في تكون. والثاني أن
تكون حالا من عيد لأنه صفة له قدمت عليه، فأما (لأولنا وآخرنا) فإذا جعلت لنا خبرا
أو حالا من فاعل تكون فهو صفة لعيد، وإن جعلت لنا صفة لعيد كان لأولنا وآخرنا
بدل من الضمير المجرور بإعادة الجار، ويقرأ لأولانا وأخرانا على تأنيث الطائفة
أو الفرقة. وأما من السماء فيجوز أن يكون صفة لمائدة، وأن يتعلق بينزل (وآية)
عطف على عيد، و (منك) صفة لها.
قوله تعالى (منكم) في موضع الحال من ضمير الفاعل في يكفر (عذابا)
اسم للمصدر الذي هو التعذيب فيقع موقعه، ويجوز أن يجعل مفعولا به على السعة،
232

وأما قوله (لا أعذبه) يجوز أن تكون الهاء للعذاب. وفيه على هذا وجهان:
أحدهما أن يكون حذف حرف الجر: أي لا أعذب به أحدا. والثاني أن يكون مفعولا
به على السعة، ويجوز أن يكون ضمير المصدر المؤكد كقولك ظننته زيدا منطلقا،
ولا تكون هذه الهاء عائدة على العذاب الأول.
فإن قلت: لا أعذبه صفة لعذاب، فعلى هذا التقدير لا يعود من الصفة إلى الموصوف
شئ. قيل إن الثاني لما كان واقعا موقع المصدر والمصدر جنس وعذابا نكرة كان
الأول داخلا في الثاني، والثاني مشتملا على الأول، وهو مثل: زيد نعم الرجل،
ويجوز أن تكون الهاء ضمير من، وفى الكلام حذف: أي لا أعذب الكافر: أي
مثل الكافر: أي مثل عذاب الكافر.
قوله تعالى (اتخذوني) هذه تتعدى إلى مفعولين لأنهما بمعنى صيروني،
و (من دون الله) في موضع صفة إلهين، ويجوز أن تكون متعلقة باتخذوا
(أن أقول) في موضع رفع فاعل يكون، ولى الخبر، و (ما ليس) بمعنى الذي
أو نكرة موصوفة وهو مفعول أقول، لأن التقدير: أن أدعى أو أذكر، واسم ليس
مضمر فيها، وخبرها (لي) و (بحق) في موضع الحال من الضمير في الجار،
والعامل فيه الجار، ويجوز أن يكون بحق مفعولا به تقديره: ما ليس يثبت لي بسبب
حق، فالباء تتعلق بالفعل المحذوف لا بنفس الجار، لأن المعاني لا تعمل في المفعول به،
ويجوز أن يجعل بحق خبر ليس، ولى تبيين كما في قولهم: سقيا له ورعيا، ويجوز أن
يكون بحق خبر ليس، ولى صفة بحق قدم عليه فصار حالا، وهذا يخرج على قول
من أجاز تقديم حال المجرور عليه (إن كنت قلته) كنت لفظها ماض، والمراد
المستقبل، والتقدير: إن يصح دعواي لي، وإنما دعا هذا لأن إن الشرطية لا معنى
لها إلا في المستقبل، فآل حاصل المعنى إلى ما ذكرناه.
قوله تعالى (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به) " ما " في موضع نصب بقلت
أي ذكرت أو أديت الذي أمرتني به فيكون مفعولا به، ويجوز أن تكون " ما "
نكرة موصوفة. وهو مفعول به أيضا (أن اعبدوا الله) يجوز أن تكون أن
مصدرية والأمر صلة لها. وفى الموضع ثلاثة أوجه: الجر على البدل من الهاء، والرفع
على إضمار هو، والنصب على إضمار أعنى أو بدلا من موضع به، ولا يجوز أن تكون
بمعنى أن المفسرة، لأن القول قد صرح به، وأي لا تكون مع التصريح بالقول (ربى)
صفة لله أو بدل منه، و (عليهم) يتعلق ب‍ (شهيدا). (ما دمت) " ما "
هنا مصدرية، والزمان معها محذوف: أي مدة ما دمت، ودمت هنا يجوز أن تكون
233

الناقصة، و (فيهم) خبرها، ويجور أن تكون التامة: أي ما أقمت فيهم، فيكون
فيهم ظرفا للفعل، و (الرقيب) خبر كان (وأنت) فصل أو توكيد للفاعل ويقرأ
بالرفع على أن يكون مبتدأ وخبرا في موضع نصب.
قوله تعالى (إن تعذبهم فإنهم عبادك) الفاء جواب الشرط، وهو
محمول على المعنى: أي إن تعذبهم تعدل وإن تغفر لهم تتفضل.
قوله تعالى (هذا يوم) هذا مبتدأ ويوم خبره، وهو معرب لأنه مضاف إلى
معرب فبقي على حقه من الإعراب، ويقرأ " يوم " بالفتح وهو منصوب على الظرف.
وهذا فيه وجهان: أحدهما هو مفعول قال: أي قال الله هذا القول في يوم. والثاني
أن هذا مبتدأ ويوم ظرف للخبر المحذوف: أي هذا يقع أو يكون يوم ينفع. وقال
الكوفيون: يوم في موضع رفع خبر هذا، ولكنه بنى على الفتح لإضافته إلى الفعل،
وعندهم يجوز بناؤه، وإن أضيف إلى معرب، وذلك عندنا لا يجوز إلا إذا أضيف
إلى مبنى، و (صدقهم) فاعل ينفع، وقد قرئ شاذا صدقهم بالنصب على أن
يكون الفاعل ضمير اسم الله، وصدقهم بالنصب على أربعة أوجه: أحدها أن يكون
مفعولا له: أي لصدقهم. والثاني أن يكون حذف حرف الجر: أي بصدقهم.
والثالث أن يكون مصدرا مؤكدا: أي الذين يصدقون صدقهم. كما تقول: تصدق
الصدق. والرابع أن يكون مفعولا به، والفاعل مضمر في الصادقين: أي يصدقون
الصدق كقوله: صدقته القتال، والمعنى: يحققون الصدق.
سورة الأنعام
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى (بربهم) الباء تتعلق ب‍ (يعدلون) أي الذين كفروا يعدلون بربهم
غيره، والذين كفروا مبتدأ، ويعدلون الخبر، والمفعول محذوف. ويجوز على هذا
أن تكون الباء بمعنى عن، فلا يكون في الكلام مفعول محذوف، بل يكون يعدلون
لازما: أي يعدلون عنه إلى غيره، ويجوز أن تتعلق الباء بكفروا فيكون المعنى:
الذين جحدوا ربهم مائلون عن الهدى.
قوله تعالى (خلقكم من طين) في الكلام حذف مضاف: أي خلق أصلكم
ومن طين متعلق بخلق، ومن هنا لابتداء الغاية، ويجوز أن تكون حالا: أي خلق
أصلكم كائنا من طين (وأجل مسمى) مبتدأ موصوف، و (عنده) الخبر.
234

قوله تعالى (وهو الله) وهو مبتدأ والله الخبر. و (في السماوات) فيه وجهان:
أحدهما يتعلق ب‍ (يعلم) أي يعلم سركم وجهركم في السماوات والأرض، فهما ظرفان
للعلم فيعلم على هذا خبر ثان، ويجوز أن يكون الله بدلا من هو ويعلم الخبر. والثاني
أن يتعلق " في " باسم الله لأنه بمعنى المعبود: أي وهو المعبود في السماوات والأرض.
ويعلم على هذا خبر ثان أو حال من الضمير في المعبود أو مستأنف. وقال أبو علي:
لا يجوز أن تتعلق " في " باسم الله لأنه صار بدخول الألف واللام والتغيير الذي دخله كالعلم
ولهذا قال تعالى " هل تعلم له سميا " وقيل قد تم الكلام على قوله " في السماوات وفى
الأرض " يتعلق بيعلم، وهذا ضعيف لأنه سبحانه معبود في السماوات وفى الأرض
ويعلم ما في السماء والأرض فلا اختصاص لإحدى الصفتين بأحد الظرفين، و (سركم
وجهركم) مصدران بمعنى المفعولين: أي مسركم ومجهوركم، ودل على ذلك قوله
" يعلم ما تسرون وما تعلنون " أي الذي، ويجوز أن يكونا على بابهما.
قوله تعالى (من آية) موضعه رفع بتأتى، ومن زائدة، و (من آيات)
في موضع جر صفة لآية، ويجوز أن تكون في موضع رفع على موضع آية.
قوله تعالى (لما جاءهم) لما ظرف لكذبوا، وهذا قد عمل فيها وهو قبلها،
ومثله إذا، و (به) متعلق ب‍ (يستهزئون).
قوله تعالى (كم أهلكنا) كم استفهام بمعنى التعظيم. فلذلك لا يعمل فيها يروا
وهي في موضع نصب بأهلكنا، فيجوز أن تكون كم مفعولا به، ويكون (من
قرن) تبيينا لكم، ويجوز أن يكون ظرفا، ومن قرن مفعول أهلكنا، ومن زائدة
أي كم أزمنة أهلكنا فيها من قبلهم قرونا، ويجوز أن يكون كم مصدرا: أي كم مرة وكم
إهلاكا وهذا يتكرر في القرآن كثيرا (مكناهم) في موضع جر صفة القرن،
وجمع على المعنى (ما لم نمكن لكم) رجع من الغيبة في قوله " ألم يروا " إلى
الخطاب في لكم، ولو قال لهم لكان جائزا و " ما " نكرة موصوفة، والعائد
محذوف: أي شيئا لم نمكنه لكم، ويجوز أن تكون " ما " مصدرية والزمان محذوف
أي مدة ما لم نمكن لكم: أي مدة تمكنهم أطول من مدتكم، ويجوز أن تكون " ما "
مفعول نمكن على المعنى، لأن المعنى أعطيناهم ما لم نعطكم، و (مدرارا) حال من
السماء، و (تجرى) المفعول الثاني لجعلنا أو حال من الأنهار إذا جعلت جعل متعدية
إلى واحد، و (من تحتهم) يتعلق بتجرى، ويجوز أن يكون حالا من الضمير
في تجرى: أي وهي من تحتهم، ويجوز أن يكون من تحتهم مفعولا ثانيا لجعل أو حالا
235

من الأنهار. وتجرى في موضع الحال من الضمير في الجار: أي وجعلنا الأنهار من
تحتهم جارية: أي استقرت جارية، و (من بعدهم) يتعلق بأنشأنا، ولا يجوز
أن يكون حالا من قرن لأنه ظرف زمان.
قوله تعالى (في قرطاس) نعت لكتاب، ويجوز أ يتعلق بكتاب على أنه
ظرف له، والكتاب هنا المكتوب في الصحيفة لا نفس الصحيفة، والقرطاس بكسر
القاف وفتحها لغتان وقد قرئ بهما، والهاء في (لمسوه) يجوز أن ترجع على قرطاس،
وأن ترجع على كتاب.
قوله تعالى (ما يلبسون) " ما " بمعنى الذي وهو مفعول " لبسنا ".
قوله تعالى (ولقد استهزئ) يقرأ بكسر الدال على أصل التقاء الساكنين،
وبضمها على أنه أتبع حركتها حركة التاء لضعف الحاجز بينهما، و (ما) بمعنى
الذي، وهو فاعل حاق، و (به) يتعلق ب‍ (يستهزءون) ومنهم الضمير للرسل
فيكون منهم متعلقا بسخروا لقوله " فيسخرون منهم " ويجوز في الكلام سخرت به،
ويجوز أن يكون الضمير راجعا إلى المستهزئين فيكون منهم حالا من ضمير الفاعل
في سخروا.
قوله تعالى (كيف كان) كيف خبر كان، و (عاقبة) اسمها، ولم يؤنث الفعل
لأن العاقبة بمعنى المعاد فهو في معنى المذكر، ولأن التأنيث غير حقيقي.
قوله تعالى (لمن) من استفهام، و (ما) بمعنى الذي في موضع مبتدإ، ولمن
خبره (قل لله) أي قل هو لله (ليجمعنكم) قيل موضعه نصب بدلا من
للرحمة وقيل لا موضع له بل هو مستأنف واللام فيه جواب قسم محذوف وقع كتب
موقعه (لا ريب فيه) قد ذكر في آل عمران والنساء (الذين خسروا) مبتدأ
(فهم) مبتدأ ثان، و (لا يؤمنون) خبره، والثاني وخبره خبر الأول،
ودخلت الفاء لما في الذين من معنى الشرط. وقال الأخفش: للذين خسروا: بدل
من المنصوب في ليجمعنكم، وهو بعيد لأن ضمير المتكلم والمخاطب لا يبدل منهما
لوضوحهما غاية الوضوح، وغيرهما دونهما في ذلك.
قوله تعالى (أغير الله) مفعول أول (أتخذ) و (وليا) الثاني، ويجوز أن
يكون أتخذ متعديا إلى واحد وهو ولى، وغير الله صفة له قدمت عليه فصارت حالا
ولا يجوز أن تكون غير هنا استثناء (فاطر السماوات) يقرأ بالجر وهو المشهور،
وجره على البدل من اسم الله، وقرئ شاذا بالنصب وهو بدل من ولى، والمعنى
236

على هذا: أجعل فاطر السماوات والأرض غير الله، ويجوز أن يكون صفة لولى،
والتنوين مراد، وهو على الحكاية: أي فاطر السماوات (وهو يطعم) بضم الياء
وكسر العين (ولا يطعم) بضم الياء وفتح العين وهو المشهور، ويقرأ " ولا يطعم "
بفتح الياء والعين، والمعنى على القراءتين يرجع إلى الله، وقرئ في الشاذ " وهو يطعم "
يفتح الياء والعين، ولا يطعم بضم الياء وكسر العين، وهذا يرجع إلى الولي الذي هو
غير الله (من أسلم) أي أول فريق أسلم (ولا تكونن) أي وقيل لي لا تكونن،
ولو كان معطوفا على ما قبله لقال وأن لا أكون.
قوله تعالى (من يصرف عنه) يقرأ بضم الياء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله،
وفى القائم مقام الفاعل وجهان: أحدهما (يومئذ) أي من يصرف عنه عذاب
يومئذ فحذف المضاف، ويومئذ مبنى على الفتح. والثاني أن يكون مضمرا في يصرف
يرجع إلى العذاب فيكون يومئذ ظرفا ليصرف أو للعذاب أو حالا من الضمير،
ويقرأ بفتح الياء وكسر الراء على تسمية الفاعل: أي من يصرف الله عنه العذاب،
فمن على هذا مبتدأ، والعائد عليه الهاء في عنه، وفى (رحمه) والمفعول محذوف
وهو العذاب، ويجوز أن يكون المفعول يومئذ: أي عذاب يومئذ، ويجوز أن تجعل
" من " في موضع نصب بفعل محذوف تقديره: من يكرم يصرف الله عنه العذاب،
فجعلت يصرف تفسيرا للمحذوف، ومثله " فإياي فارهبون " ويجوز أن ينصب من
يصرف، وتجعل الهاء في عنه للعذاب: أي أي إنسان يصرف الله عنه العذاب فقد
رحمه، فأما " من " على القراءة الأولى فليس فيها إلا الرفع على الابتداء، والهاء في عنه
يجوز أن ترجع على " من " وأن ترجع على العذاب.
قوله تعالى (فلا كاشف له) له خبر كاشف (إلا هو) بدل من موضع
لا كاشف، أو من الضمير في الظرف، ولا يجوز أن يكون مرفوعا بكاشف، ولا بدلا
من الضمير فيه لأنك في الحالتين اسم " لا " ومتى أعملته ظاهرا نونته.
قوله تعالى (وهو القاهر فوق عباده) هو مبتدأ، والقاهر خبره، وفى فوق
وجهان: أحدهما هو أنه في موضع نصب على الحال من الضمير في القاهر: أي وهو
القاهر مستعليا أو غالبا. والثاني هو في موضع رفع على أنه بدل من القاهر أو خبر ثان.
قوله تعالى (أي شئ) مبتدأ و (أكبر) خبره، (شهادة) تمييز، وأي بعض
ما تضاف إليه، فإذا كانت استفهاما اقتضى الظاهر أن يكون جوابها مسمى باسم
ما أضيف إليه: أي وهذا يوجب أن يسمى الله شيئا، فعلى هذا يكون قوله (قل الله)
237

جوابا والله مبتدأ والخبر محذوف: أي أكبر شهادة، وقوله (شهيد) خبر
مبتدإ محذوف، ويجوز أن يكون الله مبتدأ وشهيد خبره، ودلت هذه الجملة على
جواب أي من طريق المعنى، و (بينكم) تكرير للتأكيد، والأصل شهيد بيننا،
ولك أن تجعل بين ظرفا يعمل فيه شهيد، وأن تجعله صفة لشهيد فيتعلق بمحذوف
(ومن بلغ) في موضع نصب عطفا على المفعول في أنذركم وهو بمعنى الذي،
والعائد محذوف، والفاعل ضمير القرآن: أي وأنذر من بلغه القرآن (قل إنما
هو إله واحد) في ما وجهان: أحدهما هي كافة لأن عن العمل فعلى هذا هو
مبتدأ وإله خبره، وواحد صفة مبينة. وقد ذكر مشروحا في البقرة. والثاني أنها
بمعنى الذي في موضع نصب بأن وهو مبتدأ وإله خبره، والجملة صلة الذي، وواحد
خبر إن وهذا أليق بما قبله.
قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب) في موضع رفع بالابتداء، و (يعرفونه)
الخبر والهاء ضمير الكتاب، وقيل ضمير النبي صلى الله عليه وسلم (الذين خسروا
أنفسهم) مثل الأولى.
قوله تعالى (ويوم نحشرهم) هو مفعول به، والتقدير: واذكر يوم نحشرهم
و (جميعا) حال من ضمير المفعول ومفعولا (تزعمون) محذوفان: أي تزعمونهم
شركاءكم، ودل على المحذوف ما تقدم.
قوله تعالى (ثم لم تكن) يقرأ بالتاء، ورفع الفتنة على أنها اسم كان،
و (أن قالوا) الخبر، ويقرأ كذلك إلا أنه بالياء لأن تأنيث الفتنة غير حقيقي، ولأن
الفتنة هنا بمعنى القول، ويقرأ بالياء، ونصب الفتنة على أن اسم كان أن قالوا وفتنتهم
الخبر، ويقرأ كذلك إلا أنه بالتاء على معنى أن قالوا، لأن أن قالوا بمعنى القول
والمقالة والفتنة (ربنا) يقرأ بالجر صفة لاسم الله، وبالنصب على النداء أو على إضمار
أعنى وهو معترض بين القسم والمقسم عليه، والجواب (ما كنا).
قوله تعالى (من يستمع) وحد الضمير في الفعل حملا على لفظ " من " وما جاء
منه على لفظ الجمع، فعلى معنى " من " نحو: " من يستمعون " و " من يغوصون له "
(أن يفقهوه) مفعول من أجله: أي كراهة أن يفقهوه، و (وقرا) معطوف
على أكنة، ولا يعد الفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف فصلا لأن الظرف
أحد المفاعيل، فيجوز تقديمه وتأخيره، ووحد الوقر هنا لأنه مصدر، وقد استوفى
القول فيه في أول البقرة (حتى إذا) إذا في موضع نصب بجوابها، وهو يقول:
238

وليس لحتى هنا عمل وإنما أفادت معنى الغاية كما لا تعمل في الجمل، و (يجادلونك)
حال من ضمير الفاعل في جاءوك. والأساطير جمع. واختلف في واحده، فقيل
هو أسطورة، وقيل واحدها إسطار، والأسطار جمع سطر بتحريك الطاء، فيكون
أساطير جمع الجمع، فأما سطر بسكون الطاء فجمعه سطور وأسطر.
قوله تعالى (وينأون) يقرأ بسكون النون، وتحقيق الهمزة وبإلقاء حركة الهمزة
على النون وحذفها فيصير اللفظ بها ينون بفتح النون وواو ساكنة بعدها، و (أنفسهم)
مفعول يهلكون.
قوله تعالى (ولو ترى) جواب " لو " محذوف تقديره: لشاهدت أمرا عظيما
ووقف متعد، وأوقف لغة ضعيفة، والقرآن جاء بحذف الألف، ومنه وقفوا فبناؤه
لما لم يسم فاعله ومنه وقفوهم (ولا نكذب، ونكون) يقرءان بالرفع. وفيه
وجهان: أحدهما هو معطوف على نرد، فيكون عدم التكذيب والكون من المؤمنين
متمنين أيضا كالرد، والثاني أن يكون خبر مبتدإ محذوف: أي ونحن لا نكذب،
وفى المعنى وجهان: أحدهما أنه متمنى أيضا، فيكون في موضع نصب على الحال من
الضمير في نرد. والثاني أن يكون المعنى أنهم ضمنوا أن لا يكذبوا بعد الرد، فلا يكون
للجملة موضع. ويقرآن بالنصب على أنه جواب التمني، فلا يكون داخلا في التمني،
والواو في هذا كالفاء. ومن القراء من رفع الأول ونصب الثاني، ومنهم من عكس،
ووجه كل واحدة منهما على ما تقدم.
قوله تعالى (إن هي إلا) هي كناية عن الحياة، ويجوز أن يكون ضمير القصة.
قوله تعالى (وقفوا على ربهم) أي على سؤال ربهم، أو على ملك ربهم.
قوله تعالى (بغتة) مصدر في موضع الحال: أي باغتة، وقيل هو مصدر
لفعل محذوف، أي تبغتهم بغتة وقيل هو مصدر بجاءتهم من غير لفظه (يا حسرتنا)
نداء الحسرة والويل على المجاز، والتقدير: يا حسرة احضري فهذا أوانك، والمعنى
تنبيه أنفسهم لتذكر أسباب الحسرة، و (على) متعلقة بالحسرة، والضمير في (فيها)
يعود على الساعة، والتقدير: في عمل الساعة، وقيل يعود على الأعمال، ولم يجر لها
صريح ذكر، ولكن في الكلام دليل عليها (ألا ساء ما يزرون) ساء بمعنى بئس،
وقد تقدم إعرابه في مواضع. ويجوز أن تكون ساء على بابها ويكون المفعول محذوفا،
وما مصدرية أو بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، وهي في كل ذلك فاعل ساء،
والتقدير: ألا ساءهم وزرهم.
239

قوله تعالى (وللدار الآخرة) يقرأ بالألف واللام، ورفع الآخرة على الصفة
والخبر (خير) ويقرأ " ولدار الآخرة " على الإضافة: إي دار الساعة الآخرة،
وليست الدار مضافة إلى صفتها لأن الصفة هي الموصوف في المعنى، والشئ لا يضاف
إلى نفسه، وقد أجازه الكوفيون.
قوله تعالى (قد نعلم) أي قد علمنا، فالمستقبل بمعنى الماضي (لا يكذبونك)
يقرأ بالتشديد على معنى لا ينسبونك إلى الكذب، أي قبل دعواك النبوة، بل كانوا
يعرفونه بالأمانة والصدق، ويقرأ بالتخفيف وفيه وجهان: أحدهما هو في معنى
المشدد، يقال أكذبته وكذبته إذا نسبته إلى الكذب. والثاني لا يجدونك كذبا يقال:
أكذبته إذا أصبته، كذلك كقولك: أحمدته إذا أصبته محمودا (بآيات الله) الباء
تتعلق ب‍ (يجحدون) وقيل تتعلق بالظالمين كقوله تعالى " وآيتنا ثمود الناقة مبصرة
فظلموا بها ".
قوله تعالى (من قبلك) لا يجوز أن يكون صفة لرسل لأنه زمان، والجثة
لا توصف بالزمان وإنما هي متعلقة بكذبت (وأوذوا) يجوز أن يكون معطوفا على
كذبوا، فتكون (حتى) متعلقة بصبروا، ويجوز أن يكون الوقف تم على كذبوا،
ثم أستأنف فقال: وأوذوا، فتتعلق حتى به، والأول أقوى (ولقد جاءك) فاعل
جاءك مضمر فيه، قيل المضمر المجئ، وقيل المضمر النبأء، ودل عليه ذكر الرسل
لأن من ضرورة الرسل الرسالة وهي نبأء، وعلى كلا الوجهين يكون (من نبأ
المرسلين) حالا من ضمير الفاعل، والتقدير: من جنس نبأ المرسلين، وأجاز
الأخفش أن تكون من زائدة والفاعل نبأ المرسلين وسيبويه لا يجيز زيادتها في الواجب
ولا يجوز عند الجميع أن تكون من صفة لمحذوف لأن الفاعل لا يحذف، وحرف
الجر إذا لم يكن زائدا لم يصح أن يكون فاعلا لأن حرف الجر يعدى، وكل فعل
يعمل في الفاعل بغير معد، ونبأ المرسلين بمعنى إنبائهم، ويدل على ذلك قوله تعالى
" نقص عليك من أنباء الرسل ".
قوله تعالى (وإن كان كبر عليك) جواب إن هذه (فإن استطعت)
فالشرط الثاني جواب الأول. وجواب الشرط الثاني محذوف تقديره: فافعل،
وحذف لظهور معناه وطول الكلام (في الأرض) صفة لنفق، ويجوز أن يتعلق
بتبتغى، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل: أي وأنت في الأرض، ومثله
(في السماء).
240

قوله تعالى (والموتى يبعثهم الله) في الموتى وجهان: أحدهما هو في موضع
نصب بفعل محذوف: أي ويبعث الله الموتى، وهذا أقوى لأنه اسم قد عطف على
اسم عمل فيه الفعل. والثاني أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر. ويستجيب بمعنى يجيب.
قوله تعالى (من ربه) يجوز أن يكون صفة لآية، وأن يتعلق بنزل.
قوله تعالى (في الأرض) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لدابة، وفى موضع
رفع صفة لها أيضا على الموضع، لأن من زائدة (ولا طائر) معطوف على لفظ دابة
وقرئ بالرفع على الموضع (بجناحيه) يجور أن تتعلق الباء بيطير، وأن تكون
حالا وهو توكيد، وفيه رفع مجاز، لأن غير الطائر قد يقال فيه طار إذا أسرع (من
شئ) " من " زائدة " وشئ " هنا واقع موقع المصدر: أي تفريطا، وعلى هذا
التأويل لا يبقى في الآية حجة لمن ظن أن الكتاب يحتوي على ذكر كل شئ صريحا.
ونظير ذلك " لا يضركم كيدهم شيئا ": أي ضررا، وقد ذكرنا له نظائر، ولا يجوز
أن يكون شيئا مفعولا به، لأن فرطنا لا تتعدى بنفسها بل بحرف الجر، وقد عديت
بفي إلى الكتاب فلا تتعدى بحرف اخر، ولا يصح أن يكون المعنى ما تركنا في الكتاب
من شئ، لأن المعنى على خلافه، فبان أن التأويل ما ذكرنا.
قوله تعالى (والذين كذبوا) مبتدأ، و (صم بكم) الخبر مثل حلو حامض
والواو لا تمنع ذلك، ويجوز أن يكون صم خبر مبتدأ: محذوف تقديره: بعضهم
صم وبعضهم بكم (في الظلمات) يجوز أن يكون خبرا ثانيا، وأن يكون حالا من
الضمير المقدر في الخبر، والتقدير: أي هم في الظلمات، ويجوز أن يكون في
الظلمات خبر مبتدإ محذوف: أي هم في الظلمات، ويجوز أن يكون صفة لبكم:
أي كائنون في الظلمات، ويجوز أن يكون ظرفا لصم أو بكم أو لما ينوب عنهما من
الفعل (من يشأ الله) من في موضع مبتدإ، والجواب الخبر، ويجوز أن يكون
في موضع نصب بفعل محذوف، لأن التقدير: من يشأ الله إضلاله أو عذابه،
فالمنصوب بيشأ من سبب " من " فيكون التقدير: من يعذب أو من يضلل.
ومثله ما بعده.
قوله تعالى (قل أرأيتكم) يقرأ بإلقاء حركة الهمزة على اللام فتنفتح اللام
وتحذف الهمزة، وهو قياس مطرد في القرآن وغيره، والغرض منه التخفيف.
ويقرأ بالتحقيق وهو الأصل، وأما الهمزة التي بعد الراء فتحقق على الأصل، وتلين
للتخفيف وتحذف، وطريق ذلك أن تقلب ياء وتسكن ثم تحذف لالتقاء الساكنين
241

قرب ذلك فيها حذفها في مستقبل هذا الفعل، فأما التاء فضمير الفاعل فإذا اتصلت
بها الكاف التي للخطاب كانت بلفظ واحد في التثنية والجمع والتأنيث، وتختلف هذه
المعاني على الكاف فتقول في الواحد أرأيتك، ومنه قوله تعالى " أرأيتك هذا الذي
كرمت على " وفى التثنية أرأيتكما، وفى الجمع المذكر أرأيتكم، وفى المؤنث أرأيتكن
والتاء في جميع ذلك مفتوحة، والكاف حرف للخطاب وليست اسما، والدليل على
ذلك أنها لو كانت اسما لكانت إما مجرورة وهو باطل إذ لا جار هنا، أو مرفوعة،
وهو باطل أيضا لأمرين: أحدهما أن الكاف ليست من ضمائر المرفوع. والثاني أنه
لا رافع لها، إذ ليست فاعلا لأن التاء فاعل، ولا يكون لفعل واحد فاعلان، وإما
أن تكون منصوبة، وذلك باطل لثلاثة أوجه: أحدها أن هذا الفعل يتعدى إلى
مفعولين كقولك: أرأيت زيدا ما فعل، فلو جعلت الكاف مفعولا لكان ثالثا،
والثاني أنه لو كان مفعولا لكان هو الفاعل في المعنى، وليس المعنى على ذلك إذ ليس
الغرض أرأيت نفسك بل أرأيت غيرك، ولذلك قلت أرأيتك زيدا، وزيد غير
المخاطب، ولا هو بدل منه، والثالث أنه لو كان منصوبا على أنه مفعول لظهرت علامة
التثنية والجمع والتأنيث في التاء، فكنت تقول: أرأيتما كما وأرأيتموكم وأرأيتكن.
وقد ذهب الفراء إلى أن الكاف اسم مضمر منصوب في معنى المرفوع، وفيما ذكرناه
إبطال لمذهبه. فأما مفعول أرأيتكم في هذه الآية، فقال قوم هو محذوف دل الكلام
عليه تقديره: أرأيتكم عبادتكم الأصنام هل تنفعكم عند مجئ الساعة، ودل عليه
قوله " أغير الله تدعون " وقال آخرون: لا يحتاج هذا إلى مفعول لأن الشرط وجوابه
قد حصل معنى المفعول، وأما جواب الشرط الذي هو قوله (إن أتاكم عذاب
الله) فما دل عليه الاستفهام في قوله (أغير الله) تقديره: إن أتتكم الساعة دعوتم
الله، وغير منصوب ب‍ (تدعون).
قوله تعالى (بل إياه) هو مفعول (تدعون) الذي بعده (إليه) يجوز أن
يتعلق بتدعون، وأن يتعلق بيكشف: أي يرفعه إليه، و " ما " بمعنى الذي،
أو نكرة موصوفة، وليست مصدرية إلا أن تجعلها مصدرا بمعنى المفعول.
قوله تعالى (بالبأساء والضراء) فعلاء فيهما مؤنث لم يستعمل منه مذكر لم يقولوا
بأس وبأساء وضر وضراء كما قالوا أحمر وحمراء.
قوله تعالى (فلولا إذ) " إذ " في موضع نصب ظرف ل‍ (تضرعوا) أي فلولا
تضرعوا إذ (ولكن) استدراك على المعنى: أي ما تضرعوا ولكن.
242

قوله تعالى (بغتة) مصدرية في موضع الحال من الفاعل: أي مباغتين أو من
المفعولين: أي مبغوتين، ويجوز أن يكون مصدرا على المعنى لأن أخذناهم بمعنى
بغتناهم (فإذا هم) إذا هنا للمفاجأة، وهي ظرف مكان وهم مبتدأ، و (مبلسون)
خبره، وهو العامل في إذا.
قوله تعالى (إن أخذ الله سمعكم) قد ذكرنا الوجه في إفراد السمع مع جمع
الأبصار والقلوب في أول البقرة (من) استفهام في موضع رفع بالابتداء، و (إله)
خبره و (غير الله) صفة الخبر، و (يأتيكم) في موضع الصفة أيضا، والاستفهام
هنا بمعنى الإنكار، والهاء في (به) تعود على السمع لأنه المذكور أولا، وقيل
تعود على معنى المأخوذ والمحتوم عليه، فلذلك أفرد (كيف) حال، والعامل فيها
(نصرف).
قوله تعالى (هل يهلك) الاستفهام هنا بمعنى التقرير، فلذلك ناب عن جواب
الشرط: أي إن أتاكم هلكتم.
قوله تعالى (مبشرين ومنذرين) حالان من المرسلين (فمن آمن) يجوز أن يكون
شرطا وأن يكون بمعنى الذي وهي مبتدأ في الحالين، وقد سبق القول على نظائره.
قوله تعالى (بما كانوا يفسقون) ما مصدرية: أي بفسقهم، وقد ذكر
في أوائل البقرة، ويقرأ بضم السين وكسرها وهما لغتان.
قوله تعالى (بالغداة) أصلها غدوة، فقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وهي
نكرة. ويقرأ " بالغدوة " بضم الغين وسكون الدال وواو بعدها، وقد عرفها بالألف
واللام وأكثر ما تستعمل معرفة علما، وقد عرفها هنا بالألف واللام. وأما (العشى)
فقيل هو مفرد، وقيل هو جمع عشية و (يريدون) حال (من شئ) " من "
زائدة وموضعها رفع بالابتداء، وعليك الخبر. ومن حسابهم صفة لشئ قدم عليه
فصار حالا، وكذلك الذي بعده إلا أنه قدم من حسابك على عليهم، ويجوز أن يكون
الخبر من حسابهم، وعليك صفة لشئ مقدمة عليه (فتطردهم) جواب لما
النافية فلذلك نصب (فتكون) جواب النهى وهو " لا تطرد ".
قوله تعالى (ليقولوا) اللام متعلقة بفتنا: أي اختبرناهم ليقولوا فنعاقبهم
بقولهم، ويجوز أن تكون لام العاقبة، و (هؤلاء) مبتدأ، و (من الله عليهم)
الخبر، والجملة في موضع نصب بالقول، ويجوز أن يكون هؤلاء في موضع نصب
بفعل محذوف فسره ما بعده تقديره: أخص هؤلاء أو فضل، و (من) متعلقة بمن:
243

أي ميزهم علينا، ويجوز أن تكون حالا: أي من عليهم منفردين، (بالشاكرين)
يتعلق بأعلم لأنه ظرف، والظرف يعمل فيه معنى الفعل بخلاف المفعول، فإن أفعل
لا يعمل فيه.
قوله تعالى (وإذا جاءك) العامل في إذا معنى الجواب: أي إذا جاءك سلم عليهم،
و (سلام) مبتدأ، وجاز ذلك وإن كان نكرة لما فيه من معنى الفعل (كتب
ربكم) الجملة محكية بعد القول أيضا (أنه من عمل) يقرأ بكسر إن وفتحها،
ففي الكسر وجهان: أحدهما هي مستأنفة والكلام تام قبلها. والثاني أنه حمل " كتب "
على قال فكسرت إن بعده، وأما الفتح ففيه وجهان: أحدهما هو بدل من الرحمة:
أي كتب أنه من عمل. والثاني أنه مبتدأ وخبره محذوف: أي عليه أنه من عمل، ودل
على ذلك ما قبله، والهاء ضمير الشأن، ومن بمعنى الذي أو شرط، وموضعها مبتدأ،
و (منكم) في موضع الحال من ضمير الفاعل و (بجهالة) حال أيضا: أي
جاهلا ويجوز أن يكون مفعولا به: أي بسبب الجهل، والهاء في (بعده) تعود
على العمل أو على السوء (فإنه) يقرأ بالكسر وهو معطوف على أن الأولى،
أو تكرير للأولى عند قوم، وعلى هذا خبر من محذوف دل عليه الكلام، ويجوز أن
يكون العائد محذوفا: أي فإنه غفور له، وإذا جعلت " من " شرطا فالأمر كذلك،
ويقرأ بالفتح وهو تكرير للأولى على قراءة من فتح الأولى أو بدل منها عند قوم.
وكلاهما ضعيف لوجهين: أحدهما أن البدل لا يصحبه حرف معنى إلا أن تجعل الفاء
زائدة وهو ضعيف. والثاني أن ذلك يؤدى إلى أن لا يبقى لمن خبر ولا جواب إن جعلتها
شرطا. والوجه أن تكون أن خبر مبتدأ محذوف: أي فشأنه أنه غفور له، أو يكون
المحذوف ظرفا: أي فعليه أنه فتكون أأن إما مبتدأ وإما فاعلا.
قوله تعالى (وكذلك) الكاف وصف لمصدر محذوف: أي نفصل الآيات
تفصيلا مثل الذي (وليستبين) يقرأ بالياء، و (سبيل) فاعل: أي يتبين،
وذكر السبيل وهو لغة فيه، ومنه قوله تعالى " وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا "
ويجوز أن تكون القراءة بالياء على أن تأنيث السبيل غير حقيقي، ويقرأ بالتاء والسبيل
فاعل مؤنث وهو لغة فيه، ومنه " قل هذه سبيلي " ويقرأ بنصب السبيل، والفاعل
المخاطب، واللام تتعلق بمحذوف: أي لتستبين فصلنا.
قوله تعالى (وكذبتم) يجوز أن يكون مستأنفا وأن يكون حالا، وقد معه
مزادة، والهاء في (به) يعود على ربى، ويجوز أن تعود على معنى البينة لأنها في معنى
244

البرهان والدليل (يقضى الحق) يقرأ بالضاد من القضاء، وبالصاد من القصص،
والأول أشبه بخاتمة الآية.
قوله تعالى (مفاتح) هو جمع مفتح، والمفتح الخزانة، فأما ما يفتح به فهو مفتاح
وجمعه مفاتيح، وقد قيل مفتح أيضا (لا يعلمها) حال من مفاتح، والعامل فيها ما تعلق
به الظرف، أو نفس الظرف إن رفعت به مفاتح، و (من ورقة) فاعل (ولا حبة)
معطوف على لفظ ورقة، ولو رفع على الموضع جاز (ولا رطب ولا يابس)
مثله، وقد قرئ بالرفع على الموضع (إلا في كتاب) أي إلا هو في كتاب، ولا يجوز
أن يكون استثناء يعمل فيه (يعلمها) لأن المعنى يصير: وما تسقط من ورقة إلا يعلمها
إلا في كتاب فينقلب معناه (1) إلى الاثبات: أي لا يعلمها في كتاب، وإذا لم يكن إلا في كتاب
وجب أن يعلمها في الكتاب، فإذا يكون الاستثناء الثاني بدلا من الأول: أي
وما تسقط من ورقة إلا هي في كتاب وما يعلمها.
قوله تعالى (بالليل) الباء هنا بمعنى في، وجاز ذلك لأن الباء للالصاق، والملاصق
للزمان والمكان حاصل فيهما (ليقضى أجل) على ما لم يسم فاعله، ويقرأ على تسمية
الفاعل، وأجلا نصب.
قوله تعالى (ويرسل عليكم) يحتمل أربعة أوجه: أحدها أن يكون مستأنفا،
والثاني أن يكون معطوفا على قوله يتوفاكم، وما بعده من الأفعال المضارعة. والثالث أن
يكون معطوفا على القاهر، لأن اسم الفاعل في معنى يفعل، وهو نظير قولهم الطائر
فيغضب زيد الذباب. والرابع أن يكون التقدير وهو يرسل، وتكون الجملة حالا
إما من الضمير في القاهر، أو من الضمير في الظرف. وعليكم فيه وجهان: أحدهما هو
متعلق بيرسل، والثاني أن يكون في نية التأخير. وفيه وجهان: أحدهما أن يتعلق
بنفس (حفظة) والمفعول محذوف: أي يرسل من يحفظ عليكم أعمالكم. والثاني
أن يكون صفة لحفظة قدمت فصار حالا (توفته) يقرأ بالتاء على تأنيث الجماعة،
وبألف ممالة على إرادة الجمع، ويقرأ شاذا " تتوفاه " على الاستقبال (يفرطون)
بالتشديد: أي ينقصون مما أمروا، ويقرأ شاذا بالتخفيف: أي يزيدون على ما أمروا،
قوله تعالى (ثم ردوا) الجمهور على ضم الراء وكسرة الدال الأولى محذوفة
ليصلح الإدغام، ويقرأ بكسر الراء على نقل كسرة الدال الأولى إلى الراء (مولاهم
الحق) صفتان، وقرئ الحق بالنصب على أنه صفة مصدر محذوف: أي الرد الحق
أو على إضمار أعنى.

(1) (قوله فينقلب معناه إلخ) كذا في جميع النسخ التي بأيدينا، ولا يخفى ما فيه، فليتأمل اه‍.
245

قوله تعالى (ينجيكم) يقرأ بالتشديد والتخفيف، والماضي أنجا ونجى، والهمزة
والتشديد للتعدية (تدعونه) في موضع الحال من ضمير المفعول في ينجيكم (تضرعا)
مصدر والعامل فيه تدعون من غير لفظه بل معناه، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع
الحال، وكذلك (خفية) ويقرأ بضم الخاء وكسرها وهما لغتان، وقرئ " وخيفة "
من الخوف وهو مثل قوله تعالى " واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية " (لئن
أنجيتنا) على الخطاب: أي يقولون لئن أنجيتنا ويقرأ لئن أنجانا على الغيبة وهو موافق
لقوله يدعونه (من هذه) أي من هذه الظلمة والكربة.
قوله تعالى (من فوقكم) يجوز أن يكون وصفا للعذاب وأن يتعلق بيبعث
وكذلك (من تحت)، (أو يلبسكم) الجمهور على فتح الياء: أي يلبس
عليكم أموركم. فحذف حرف الجر والمفعول. والجيد أن يكون التقدير. يلبس
أموركم، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ويقرأ بضم الياء: أي يعمكم
بالاختلاف، و (شيعا) جمع شيعة وهو حال، وقيل هو مصدر والعامل فيه يلبسكم
من غير لفظه، ويجوز على هذا أن يكون حالا أيضا: أي مختلفين.
قوله تعالى (لست عليكم) على متعلق ب‍ (وكيل) ويجوز على هذا أن
يكون حالا من وكيل على قول من أجاز تقديم الحال على حرف الجر.
قوله تعالى (مستقر) مبتدأ والخبر الظرف قبله أو فاعل، والعامل فيه الظرف
وهو مصدر بمعنى الاستقرار، ويجوز أن يكون بمعنى المكان.
قوله تعالى (غيره) إنما ذكر الهاء لأنه أعادها على معنى الآيات لأنها حديث
وقرآن (ينسينك) يقرأ بالتخفيف والتشديد وماضيه نسي وأنسى والهمزة والتشديد
لتعدية الفعل إلى المفعول الثاني وهو محذوف: أي ينسينك الذكر أو الحق.
قوله تعالى (من شئ) من زائدة، ومن حسابهم حال، والتقدير: شئ من
حسابهم (ولكن ذكرى) أي ولكن نذكرهم ذكرى فيكون في موضع نصب،
ويجوز أن يكون في موضع رفع: أي هذا ذكرى، أو عليهم ذكرى.
قوله تعالى (أن تبسل) مفعول له: أي مخافة أن تبسل (ليس لها) يجوز
أن تكون الجملة في موضع رفع صفة لنفس، وأن تكون في موضع حال من الضمير
في كسبت، وأن تكون مستأنفة (من دون الله) في موضع الحال: أي ليس لها
ولى من دون الله، ويجوز أن يكون من دون الله خبر ليس ولها تبيين. وقد ذكرنا
246

مثاله (كل عدل) انتصاب كل على المصدر، لأنها في حكم ما تضاف إليه (أولئك
الذين) جمع على المعنى، وأولئك مبتدأ. وفى الخبر وجهان: أحدهما الذين أبسلوا،
فعلى هذا يكون قوله (لهم شراب) فيه وجهان: أحدهما هو حال من الضمير
في أبسلوا، والثاني هو مستأنف. والوجه الآخر أن يكون الخبر لهم شراب، والذين
أبسلوا بدل من أولئك أو نعت، أو يكون خبرا أيضا، ولهم شراب خبرا ثانيا.
قوله تعالى (أندعوا) الاستفهام بمعنى التوبيخ، " وما " بمعنى الذي أو نكرة
موصوفة، و (من دون الله) متعلق بندعو، ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير
في (ينفعنا) ولا مفعولا لينفعنا لتقدمه على " ما " والصلة والصفة لا تعمل فيما قبل
الموصول والموصوف (ونرد) معطوف على ندعو، ويجوز أن يكون جملة
في موضع الحال: أي ونحن نرد، و (على أعقابنا) حال من الضمير في نرد: أي
ترد منقلبين أو متأخرين (كالذي) في الكاف وجهان: أحدهما هي حال من الضمير
في نرد، أو بدل من على أعقابنا: أي مشبهين للذي (استهوته) والثاني أن تكون
صفة لمصدر محذوف: أي ردا مثل رد الذي استهوته، يقرأ استهوته واستهواه مثل
توفته وتوفاه وقد ذكر، والذي يجوز أن يكون هنا مفردا: أي كالرجل الذي أو
كالفريق الذي، ويجوز أن يكون جنسا، والمراد الذين (في الأرض) يجوز أن
يكون متعلقا باستهوته، وأن يكون حالا من (حيران) أي حيران كائنا في الأرض
ويجوز أن يكون حالا من الضمير في حيران، وأن يكون حالا من الهاء في استهوته
وحيران حال من الهاء أو الضمير في الظرف، ولم ينصرف لأن مؤنثه حيرى
(له أصحاب) يجوز أن تكون الجملة مستأنفة، وأن تكون حالا من الضمير
في حيران، أو من الضمير في الظرف، أو بدلا من الحال التي قبلها (ائتنا) أي
يقولون ائتنا (لنسلم) أي أمرنا بذلك لنسلم، وقيل اللام بمعنى الباء، وقيل هي
زائدة: أي أن نسلم.
قوله تعالى (وأن أقيموا الصلاة) أن مصدرية، وهي معطوفة على لنسلم،
وقيل هو معطوف على قوله " إن الهدى هدى الله " والتقدير: وقل أن أقيموا، وقيل
هو محمول على المعنى: أي قيل لنا أسلموا، وأن أقيموا.
قوله تعالى (ويوم يقول) فيه جملة أوجه: أحدها هو معطوف على الهاء
في اتقوه: أي واتقوا عذاب يوم يقول. والثاني هو معطوف على السماوات: أي
خلق يوم يقول. والثالث هو خبر (قوله الحق) أي وقوله الحق يوم يقول، والواو
247

داخلة على الجملة المقدم فيها الخبر، والحق صفة لقوله. والرابع هو ظرف لمعنى
الجملة التي هي قوله الحق: أي يحق قوله في يوم يقول كن. والخامس هو منصوب
على تقدير واذكر. وأما فاعل " فيكون " ففيه أوجه: أحدها هو جميع ما يخلقه الله في يوم
القيامة. والثاني هو ضمير المنفوخ فيه من الصور دل عليه قوله " يوم ينفخ في الصور "
والثالث هو ضمير اليوم: والرابع هو قوله الحق: أي فيوجد قوله الحق، وعلى هذا
يكون قوله بمعنى مقوله: أي فيوجد ما قال له كن، فخرج مما ذكرنا أن قوله يجوز
أن يكون فاعلا، والحق صفته أو مبتدأ، واليوم خبره والحق صفته، وأن يكون مبتدأ،
والحق صفته، ويوم ينفخ خبره أو مبتدأ، والحق خبره.
قوله تعالى (يوم ينفخ) يجوز أن يكون خبر قوله على ما ذكرنا، وأن يكون
ظرفا للملك أو حالا منه، والعامل له أو ظرفا لتحشرون أو ليقول، أو لقوله الحق
أو لقوله عالم الغيب (عالم الغيب) الجمهور على الرفع، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ
محذوف، وأن يكون فاعل يقول كن، وأن يكون صفة للذي، وقرئ بالجر بدلا
من رب العالمين، أو من الهاء في له.
قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم) إذ في موضع نصب على فعل محذوف: أي
واذكروا وهو معطوف على أقيموا، و (آزر) يقرأ بالمد ووزنه أفعل، ولم
ينصرف للعجمة والتعريف على قول من لم يشتقه من الآزر أو الوزر، ومن اشتقه
من واحد منهما قال هو عربي ولم يصرفه للتعريف ووزن الفعل، ويقرأ بفتح الراء
على أنه بدل من أبيه، وبالضم على النداء. وقرئ في الشاذ بهمزتين مفتوحتين وتنوين
الراء وسكون الزاي، والأزر الخلق مثل الأسر، ويقرأ بفتح الأولى وكسر الثانية،
وفيه وجهان: أحدهما أن الهمزة الثانية فاء الكلمة وليست بدلا، ومعناها النقل، والثاني
هي بدل من الواو، وأصلها وزر كما قالوا وعاء وإعاء ووسادة وإسادة والهمزة
الأولى على هاتين القراءتين للاستفهام بمعنى الإنكار، ولا همزة في تتخذ. وفى انتصابه
على هذا وجهان: أحدهما هو مفعول من أجله: أي لتحيرك واعوجاج دينك تتخذ.
والثاني هو صفة لأصنام قدمت عليها وعلى العامل فيها فصارت حالا: أي أتتخذ
أصناما ملعونة أو معوجة، و (أصناما) مفعول أول، و (آلهة) ثان، وجاز أن
يجعل المفعول الأول نكرة لحصول الفائدة من الجملة، وذلك يسهل في المفاعيل مالا
يسهل من المبتدأ.
قوله تعالى (وكذلك) في موضعه وجهان: أحدهما هو نصب على إضمار وأريناه.
248

تقديره: وكما رأى أباه وقومه في ضلال مبين أريناه ذلك: أي ما رآه صوابا باطلاعنا
إياه عليه، ويجوز أن يكون منصوبا ب‍ (نرى) التي بعده على أنه صفة لمصدر
محذوف تقديره: نريه ملكوت السماوات والأرض رؤية كرؤيته ضلال أبيه، وقيل
الكاف بمعنى اللام: أي ولذلك نريه. والوجه الثاني أن تكون الكاف في موضع رفع
خبر مبتدأ محذوف: أي والأمر كذلك: أي كما رآه من ضلالتهم.
قوله تعالى (وليكون) أي وليكون (من الموقنين) أريناه. وقيل التقدير:
ليستدل وليكون.
قوله تعالى (رأى كوكبا) يقرأ بفتح الراء والهمزة والتفخيم على الأصل،
وبالإمالة لأن الألف منقلبة عن ياء كقولك: رأيت رؤية، ويقرأ بجعل الهمزتين بين
بين، وهو نوع من الإمالة، ويقرأ بجعل الراء كذلك اتباعا للهمزة، ويقرأ بكسرهما.
وفيه وجهان: أحدهما أنه كسر الهمزة للإمالة ثم أتبعها الراء. والثاني أن أصل
الهمزة الكسر بدليل قولك في المستقبل يرى، أي يرأى، وإنما فتحت من أجل
حرف الحلق كما تقول وسع يسع، ثم كسرت الحرف الأول في الماضي اتباعا لكسرة
الهمزة، فإن لقى الألف ساكن مثل رأى الشمس فقد قرئ بفتحهما على الأصل
وبكسرهما على ما تقدم، وبكسر الراء وفتح الهمزة، لأن الألف سقطت من اللفظ
لأجل الساكن بعدها، والمحذوف هنا في تقدير الثابت، وكان كسر الراء تنبيها
على أن الأصل كسر الهمزة، وأن فتحها دليل على الألف المحذوفة (هذا ربى) مبتدأ
وخبر، تقديره: أهذا ربى، وقيل هو على الخبر: أي هو غير استفهام.
قوله تعالى (بازغة) هو حال من الشمس، وإنما قال للشمس هذا على التذكير،
لأنه أراد هذا الكوكب أو الطالع أو الشخص أو الضوء أو الشئ أو لأن التأنيث
غير حقيقي.
قوله تعالى (للذي فطر السماوات) أو لعبادته أو لرضاه.
قوله تعالى (أتحاجوني) يقرأ بتشديد النون على إدغام نون الرفع في نون الوقاية
والأصل تحاجونني، ويقرأ بالتخفيف على حذف إحدى النونين. وفي المحذوفة وجهان:
أحدهما هي نون الوقاية لأنها الزائدة التي حصل بها الاستثقال، وقد جاء ذلك في الشعر.
والثاني المحذوفة نون الرفع، لأن الحاجة دعت إلى نون مكسورة من أجل الياء ونون
الرفع لا تكسر، وقد جاء ذلك في الشعر كثيرا قال الشاعر:
كل له نية في بغض صاحبه * بنعمة الله نقليكم وتقلونا
249

أي تقلوننا، والنون الثانية هنا ليست وقاية بل هي من الضمير، وحذف بعض
الضمير لا يجوز وهو ضعيف أيضا، لأن علامة الرفع لا تحذف إلا بعامل (ما تشركون
به) " ما " بمعنى الذي: أي ولا أخاف الصنم الذي تشركونه به: أي بالله، فالهاء
في به ضمير اسم الله تعالى، ويجوز أن تكون الهاء عائدة على ما: أي ولا أخاف الذي
تشركون بسببه ولا تعود على الله، ويجوز أن تكون " ما " نكرة موصوفة، وأن
تكون مصدرية (إلا أن يشاء) يجوز أن يكون استثناء من جنس الأول تقديره:
إلا في حال مشيئة ربى: أي لا أخافها في كل حال إلا في هذه الحال، ويجوز أن يكون
من غير الأول: أي لكن أخاف أن يشاء ربى خوفي ما أشركتم، و (شيئا)
نائب
عن المصدر: أي مشيئة، ويجوز أن يكون مفعولا به: أي إلا أن يشاء ربى أمرا غير
ما قلت، و (علما) تمييز. وكل شئ مفعول وسع: أي علم كل شئ، ويجوز
أن يكون علما على هذا التقدير مصدرا لمعنى وسع، لأن ما يسع الشئ فقد أحاط به،
والعامل بالشئ محيط بعلمه:
قوله تعالى (وكيف أخاف) كيف حال، والعامل فيها أخاف وقد ذكر،
و (ما أشركتم) يجوز أن تكون " ما " بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، والعائد
محذوف، وأن تكون مصدرية (ما لم) " ما " بمعنى الذي أو نكرة موصوفة، وهي
في موضع نصب بأشركتم، و (عليكم) متعلق بينزل، ويجوز أن يكون حالا
من (سلطان) أي ما لم ينزل به حجة عليكم، والسلطان مثل الرضوان والكفران،
وقد قرئ بضم اللام وهي لغة أتبع فيها الضم.
قوله تعالى (الذين آمنوا) فيه وجهان: أحدهما هو خبر مبتدإ محذوف: أي
هم الذين. والثاني هو مبتدأ، و (أولئك) بدل منه أو مبتدأ ثان، (لهم الأمن)
مبتدأ وخبر الجملة خبر لما قبلها، ويجوز أن يكون الأمن مرفوعا بالجار لأنه معتمد
على ما قبله.
قوله تعالى (وتلك) هو مبتدأ، وفى (حجتنا) وجهان: أحدهما هو بدل
من تلك، وفي (آتيناها) وجهان: أحدهما هو خبر عن المبتدأ، و (على قومه)
متعلق بمحذوف: أي آتيناها إبراهيم حجة على قومه أو دليلا. والثاني أن تكون
حجتنا خبر تلك، وآتيناها في موضع الحال من الحجة، والعامل معنى الإشارة،
ولا يجوز أن يتعلق على بحجتنا لأنها مصدر وآتيناها خبر أو حال، وكلاهما لا يفصل
بين الموصول والصلة (نرفع) يجوز أن يكون في موضع الحال من آتيناها،
250

ويجوز أن يكون مستأنفا، ويقرأ بالنون والياء، وكذلك في نشاء والمعنى ظاهر،
(درجات) يقرأ بالإضافة وهو مفعول نرفع، ورفع درجة الإنسان رفع له،
ويقرأ بالتنوين، و (من) على هذا مفعول نرفع، ودرجات ظرف أو حرف الجر
محذوف منها: أي إلى درجات.
قوله تعالى (كلا هدينا) كلا منصوب بهدينا، والتقدير: كلا منهما (ونوحا
هدينا) أي وهدينا نوحا، والهاء في (ذريته) تعود على نوح والمذكورون بعده
من الأنبياء ذرية نوح، والتقدير: وهدينا من ذريته هؤلاء، وقيل تعود على إبراهيم:
وهذا ضعيف لأن من جملتهم لوطا وليس من ذرية إبراهيم (وكذلك نجزى)
الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف: أي ونجزى المحسنين جزاء مثل ذلك،
وأما (عيسى) فقيل هو أعجمي لا يعرف له اشتقاق، وقيل هو مشتق من التعيش
وهو البياض، وقيل من العيس وهو ماء الفحل، وقيل هو من عاس يعوس إذا
صلح، فعلى هذا تكون الياء منقلبة عن واو، وأما (اليسع) فيقرأ بلام ساكنة
خفيفة وياء مفتوحة. وفيه وجهان: أحدهما هو اسم أعجمي علم، والألف واللام فيه
زائدة كما زيدت في النسر وهو الصنم لأنه صنم بعينه، وكذلك قالوا في عمر والعمر،
وكذلك اللات والعزى. والثاني أنه عربي، وهو فعل مضارع سمى به ولا ضمير فيه،
فأعرب ثم نكر ثم عرف بالألف واللام، وقيل اللام على هذا زائدة أيضا، ويسع
أصله يوسع بكسر السين ثم حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ثم فتحت السين من
أجل حرف الحلق ولم ترد الواو لأن الفتحة عارضة، ومثله يطأ ويقع ويدع (وكلا)
منصوب بفضلنا.
قوله تعالى (ومن آبائهم) هو معطوف على وكلا: أي وفضلنا كلا من آبائهم،
أو وهدينا كلا من آبائهم.
قوله تعالى (ذلك) مبتدأ، و (هدى الله) خبره، و (يهدى به) حال
من الهدى، والعامل فيه الإشارة، ويجوز أن يكون حالا من اسم الله تعالى، ويجوز
أن يكون هدى الله بدلا من ذلك، ويهدى به الخبر، و (من عباده) حال من
" من " أو من العائد المحذوف، والباء في (بها) الأخيرة تتعلق ب‍ (كافرين) والباء
في بكافرين زائدة: أي ليسوا كافرين بها.
قوله تعالى (اقتده) يقرأ بسكون الهاء وإثباتها في الوقف دون الوصل، وهي
على هذا هاء السكت، ومنهم من يثبتها في الوصل أيضا لشبهها بهاء الإضمار، ومنهم
251

من يكسرها. وفيه وجهان: أحدهما هي هاء السكت أيضا شبهت بهاء الضمير وليس
بشئ، والثاني هي هاء الضمير والمضمر المصدر: أي اقتد الاقتداء ومثله:
هذا سراقة للقرآن يدرسه * والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب
فالهاء ضمير الدرس لا مفعول، لأن يدرس قد تعدى إلى القرآن، وقيل من
سكن الهاء جعلها هاء الضمير وأجرى الوصل مجرى الوقف، والهاء في (عليه)
ضمير القرآن والتبليغ.
قوله تعالى (حق قدره) حق منصوب نصب المصدر وهو في الأصل وصف:
أي قدره الحق، ووصف المصدر إذا أضيف إليه ينتصب نصب المصدر، ويقرأ
" قدره " بسكون الدال وفتحها، و (إذ) ظرف لقدروا، و (من شئ)
مفعول أنزل، ومن زائدة (نورا) حال من الهاء في به أو من الكتاب. وبه يجوز
أن تكون مفعولا به، وأن تكون حالا، و (تجعلونه) مستأنف لا موضع له،
وقراطيس) أي في قراطيس، وقيل ذا قراطيس، وقيل ليس فيه تقدير محذوف،
والمعنى: أنزلوه منزلة القراطيس التي لا شئ فيها في ترك العمل به، و (تبدونها)
وصف للقراطيس (وتخفون) كذلك، والتقدير: وتخفون كثيرا منها، ويقرأ
في المواضع الثلاثة بالياء على الغيبة حملا على ما قبلها في أول الآية، وبالتاء على الخطاب
وهو مناسب لقوله (وعلمتم) أي وقد علمتم، والجملة في موضع الحال من ضمير
الفاعل في تجعلونه على قراءة التاء، وعلى قراءة الياء يجوز أن يكون وعلمتم مستأنفا،
وأن يكون رجع من الغيبة إلى الخطاب، و (قل الله) جواب " قل من أنزل الكتاب
وارتفاعه بفعل محذوف: أي أنزله الله، ويجوز أن يكون التقدير: هو الله، أو المنزل
الله، أو الله أنزله (في خوضهم) يجوز أن يتعلق بذرهم على أنه ظرف له " وأن
يكون حالا من ضمير المفعول: أي ذرهم خائضين، وأن يكون متعلقا (يلعبون)
ويلعبون في موضع الحال، وصاحب الحال ضمير المفعول في ذرهم إذا لم يجعل
في خوضهم حالا منه، وإن جعلته حالا منه كان الحال الثانية من ضمير الاستقرار
في الحال الأولى، ويجوز أن يكون حالا من الضمير المجرور في خوضهم، ويكون
العامل المصدر، والمجرور فاعل في المعنى.
قوله تعالى (أنزلناه) في موضع رفع صفة لكتاب، و (مبارك) صفة أخرى،
وقد قدم الوصف بالجملة على الوصف بالمفرد، ويجوز النصب في غير القرآن على الحال
من ضمير المفعول أو على الحال من النكرة الموصوفة، و (مصدق الذي) التنوين
252

في تقدير الثبوت لأن الإضافة غير محضة (ولتنذر) بالتاء على خطاب النبي صلى الله
عليه وسلم، وبالياء على أن الفاعل الكتاب، وفى الكلام حذف تقديره: ليؤمنوا
ولتنذر أو نحو ذلك، أو ولتنذر (أم القرى) أنزلناه (ومن) في موضع نصب
عطفا على أم، والتقدير ولتنذر أهل أم (والذين يؤمنون) مبتدأ، و (يؤمنون
به) الخبر، ويجوز أن يكون الذين في موضع نصب عطفا على أم القرى، فيكون
يؤمنون به حالا. و (على) متعلقة ب‍ (يحافظون).
قوله تعالى (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) ويجوز أن يكون كذبا
مفعول افترى، وأن يكون مصدرا على المعنى: أي افتراء، وأن يكون مفعولا من
أجله، وأن يكون مصدرا في موضع الحال (أو قال) عطف على افترى و (إلى)
في موضع رفع على أنه قام مقام الفاعل، ويجوز أن يكون في موضع نصب، والتقدير:
أوحى الوحي أو الإيحاء (ولم يوح إليه شئ) في موضع الحال من ضمير الفاعل
في قال أو الياء في إلى (ومن قال) في موضع جر عطفا على من افترى: أي وممن
قال، و (مثل ما) يجوز أن يكون مفعول سأنزل، و " ما " بمعنى الذي أو نكرة
موصوفة، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف، وتكون " ما " مصدرية و (إذ)
ظرف لترى والمفعول محذوف: أي ولو ترى الكفار أو نحو ذلك و (الظالمون)
مبتدأ، والظرف بعده خبر عنه (والملائكة) مبتدأ وما بعده الخبر، والجملة حال
من الضمير في الخبر قبله، و (باسطوا أيديهم) في تقدير التنوين: أي باسطون
أيديهم (أخرجوا) أي يقولون أخرجوا، والمحذوف حال من الضمير في باسطوا.
و (اليوم) ظرف لأخرجوا فيتم الوقف عليه، ويجوز أن يكون ظرفا ل‍ (تجزون)
فيتم الوقف على أنفسكم (غير الحق) مفعول تقولون: ويجوز أن يكون وصفا
لمصدر محذوف: أي قولا غير الحق (وكنتم) يجوز أن يكون معطوفا على كنتم
الأولى: أي وبما كنتم، وأن يكون مستأنفا.
قوله تعالى (فرادى) هو جمع مفرد، والألف للتأنيث مثل كسالى، وقرئ
في الشاذ بالتنوين على أنه اسم صحيح، ويقال في الرفع فراد مثل نوام ورجال وهو جمع
قليل، ومنهم من لا يصرفه يجعله معدولا مثل ثلاث ورباع، وهو حال من ضمير
الفاعل (كما خلقناكم) الكاف في موضع الحال، وهو بدل من فرادى، وقيل
هي صفة مصدر محذوف: أي مجيئا كمجيئكم يوم خلقناكم، ويجوز أن يكون حالا
من الضمير في فرادى: أي مشبهين ابتداء خلقكم، و (أول) ظرف لخلقناكم.
253

والمرة في الأصل مصدر مر يمر، ثم استعمل ظرفا اتساعا، وهذا يدل على قوة شبه
الزمان بالفعل (وتركتم) يجوز أن يكون حالا، أي وقد تركتم، وأن يكون
مستأنفا (وما نرى) لفظه لفظ المستقبل، وهي حكاية حال، و (معكم) معمول
نرى، وهي من رؤية العين، ولا يجوز أن يكون حالا من الشفعاء إذ المعنى يصير أن
شفعاءهم معهم ولا نراهم: وإن جعلتها بمعنى نعلم المتعدية إلى اثنين جاز أن يكون
معكم مفعولا ثانيا، وهو ضعيف في المعنى (بينكم) يقرأ بالنصب وفيه ثلاثة
أوجه: أحدها هو ظرف لتقطع والفاعل مضمر: أي تقطع الوصل بينكم، ودل عليه
شركاء، والثاني هو وصف محذوف: أي لقد تقطع شئ بينكم أو وصل، والثالث
أن هذا المنصوب في موضع رفع وهو معرب، وجاز ذلك حملا على أكثر أحوال
الظرف، وهو قول الأخفش، ومثله: منا الصالحون ومنا دون ذلك، ويقرأ بالرفع
على أنه فاعل، والبين هنا: الوصل وهو من الأضداد.
قوله تعالى (فالق الحب) يجوز أن يكون معرفة لأنه ماض، وأن يكون نكرة
على أنه حكاية حال، وقرئ في الشاذ " فلق " و (الإصباح) مصدر أصبح،
ويقرأ بفتح الهمزة على أنه جمع صبح كقفل وأقفال و (جاعل الليل) مثل فالق
الإصباح في الوجهين و (سكنا) مفعول جاعل إذا لم تعرفه، وإن عرفته كان
منصوبا بفعل محذوف: أي جعله سكنا، والسكن ما سكنت إليه من أهل ونحوهم،
فجعل الليل بمنزلة الأهل، وقيل التقدير: مسكونا فيه، أو ذا سكن، و (الشمس)
منصوب بفعل محذوف أو بجاعل إذا لم تعرفه، وقرئ في الشاذ بالجر عطفا على الإصباح
أو على الليل، و (حسبانا) فيه وجهان: أحدهما هو جمع حسبانة، والثاني هو مصدر
مثل الحسب والحساب، وانتصابه كانتصاب سكنا.
قوله تعالى (فمستقر) يقرأ بفتح القاف. وفيه وجهان: أحدهما هو مصدر
ورفعه بالابتداء: أي فلكم استقرار. والثاني أنه اسم مفعول ويراد به المكان: أي
فلكم مكان تستقرون فيه إما في البطون، وإما في القبور، ويقرأ بكسر القاف فيكون
مكانا يستقر لكم، وقيل تقديره، فمنكم مستقر، وأما (مستودع) فبفتح الدال
لا غير، ويجوز أن يكون مكانا يودعون فيه، وهو إما الصلب أو القبر، ويجوز أن
يكون مصدرا بمعنى الاستيداع.
قوله تعالى (فأخرجنا منه خضرا) أي بسببه، والخضر بمعنى الأخضر،
ويجوز أن تكون الهاء في منه راجعة على النبات وهو الأشبه، وعلى الأول يكون
254

فأخرجنا بدلا من أخرجنا الأولى (نخرج) في موضع نصب لخضرا، ويجوز
أن يكون مستأنفا، والهاء في (منه) تعود على الخضر، و (قنوان) بكسر
القاف وضمها وهما لغتان، وقد قرئ بهما والواحد قنو مثل صنو وصنوان. وفى
رفعه وجهان: أحدهما هو مبتدأ. وفى خبره وجهان: أحدهما هو، ومن النخل ومن
طلعها بدل بإعادة الخافض. والثاني أن الخير من طلعها، وفي من النخل ضمير
تقديره: ونبت من النخل شئ أو ثمر فيكون من طلعها بدلا منه، والوجه الآخر
أن يرتفع قنوان على أنه فاعل من طلعها، فيكون في من النخل ضمير تفسيره قنوان،
وإن رفعت قنوان بقوله " ومن النخل " على قول من أعمل أول الفعلين جاز، وكان
في من طلعها ضمير مرفوع، وقرئ في الشاذ " قنوان " بفتح القاف، وليس بجمع
قنو لأن فعلانا لا يكون جمعا، وإنما هو اسم للجمع كالباقر (وجنات) بالنصب
عطفا على قوله " نبات كل شئ ": أي وأخرجنا به جنات، ومثله (والزيتون
والرمان) ويقرأ بضم التاء على أنه مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: من الكرم
جنات، ولا يجوز أن يكون معطوفا على قنوان لأن العنب لا يخرج من النخل. ومن
أعناب صفة لجنات و (مشتبها) حال من الرمان، أو من الجميع، و (إذا)
ظرف لانظروا، و (ثمره) يقرأ بفتح الثاء والميم جمع ثمرة مثل تمرة وتمر، وهو
جنس التحقيق لا جمع، ويقرأ بضم الثاء والميم وهو جمع ثمرة مثل خشبة وخشب،
وقيل هو جمع ثمار مثل كتاب وكتب فهو جمع جمع، فأما الثمار فواحدها ثمرة مثل
خيمة وخيام، وقيل هو جمع ثمر، ويقرأ بضم الثاء وسكون الميم وهو مخفف من
المضموم (وينعه) يقرأ بفتح الياء وضمها وهما لغتان، وكلاهما مصدر ينعت
الثمرة، وقيل هو اسم للمصدر والفعل أينعت إيناعا، ويقرأ في الشاذ " يانعه " على أنه
أسم فاعل.
قوله تعالى (وجعلوا) هي بمعنى صبروا ومفعولها الأول (الجن) والثاني
شركاء. ولله يتعلق بشركاء، ويجوز أن يكون نعتا لشركاء قدم عليه فصار حالا،
ويجوز أن يكون المفعول الأول شركاء، والجن بدلا منه، ولله المفعول الثاني (وخلقهم)
أي وقد خلقهم، فتكون الجملة حالا، وقيل هو مستأنف، وقرئ في الشاذ
و " خلقهم " بإسكان اللام وفتح القاف، والتقدير: وجعلوا لله وخلقهم شركاء
(وخرقوا) بالتخفيف والتشديد للتكثير (بغير علم) في موضع الحال من
الفاعل في خرقوا، ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف: أي خرقا بغير علم.
255

قوله تعالى (بديع السماوات) في رفعه ثلاثة أوجه: أحدهما هو فاعل تعالى،
والثاني هو خبر مبتدأ محذوف: أي هو بديع، والثالث هو مبتدأ وخبره (أنى يكون
له) وما يتصل به، وأنى بمعنى كيف أو من أين، وموضعه حال، وصاحب الحال
(ولد) والعامل يكون، ويجوز أن تكون تامة، وأن تكون ناقصة (ولم تكن)
يقرأ بالتاء على تأنيث الصاحبة، ويقرأ بالياء وفيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه للصاحبة
ولكن جاز التذكير لما فصل بينهما. والثاني أن اسم كان ضمير اسم الله، والجملة
خبر عنه: أي ولم يكون الله له صاحبته. والثالث أن اسم كان ضمير الشأن والجملة
مفسرة له.
قوله تعالى (ذلكم) مبتدأ، وفى الخبر أوجه: أحدها هو (الله) و (ربكم)
خبر ثان، و (لا إله إلا هو) ثالث، و (خالق كل) رابع. والثاني أن الخبر
الله، وما بعده إبدال منه. والثالث أن الله بدل من ذلكم، والخبر ما بعده.
قوله تعالى (قد جاءكم بصائر) لم يلحق الفعل تاء التأنيث للفصل بين
المفعول،. ولأن تأنيث الفاعل غير حقيقي، و (من) متعلقة بجاء، ويجوز أن تكون
صفة للبصائر فتتعلق بمحذوف (فمن أبصر) من مبتدأ فيجوز أن تكون شرطا،
فيكون الخبر أبصر والجواب من كلاهما، ويجوز أن تكون بمعنى الذي، وما بعد
الفاء الخبر، والمبتدأ فيه محذوف تقديره: فإبصاره لنفسه، وكذلك قوله (ومن
عمى فعليها).
قوله تعالى (وكذلك) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف: أي
(نصرف الآيات) تصريفا مثل ما تلوناها عليك (وليقولوا) أي وليقولوا
درست صرفنا، واللام لام العاقبة: أي أن أمرهم يصير إلى هذا، وقيل إنه قصد
بالتصريف أن يقولوا درست عقوبة لهم (دارست) يقرأ بالألف وفتح الياء: أي
دارست أهل الكتاب، ويقرأ كذلك إلا أنه بغير ألف: أي درست الكتب المتقدمة،
ويقرأ كذلك إلا أنه بالتشديد، والمعنى كالمعنى الأول، ويقرأ بضم الدال مشددا على
ما لم يسم فاعله، ويقرأ " دورست " بالتخفيف والواو على ما لم يسم فاعله، والواو
مبدلة من الألف في دارست، ويقرأ بفتح الدال والراء والسين وسكون التاء: أي
انقطعت الآيات وانمحت، ويقرأ كذلك إلا أنه على ما لم يسم فاعله، ويقرأ
درس من غير تاء، والفاعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل الكتاب لقوله
(ولنبينه).
256

قوله تعالى (من ربك) يجوز أن تكون متعلقة بأوحى، وأن تكون حالا
من الضمير المفعول المرفوع في أوحى، وأن تكون حالا من ما (لا إله إلا هو)
يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون حالا من ربك: أي من ربك منفردا، وهي
حال مؤكدة.
قوله تعالى (ولو شاء الله) المفعول محذوف: أي ولو شاء الله إيمانهم،
و (جعلناك) متعدية إلى مفعولين، و (حفيظا) الثاني. وعليهم يتعلق بحفيظا،
ومفعوله محذوف: أي وما صيرناك تحفظ عليهم أعمالهم، وهذا يؤيد قول سيبويه
في إعمال فعيل.
قوله تعالى (من دون الله) حال من " ما " أو من العائد عليها (فيسبوا)
منصوب على جواب النهى، وقيل هو مجزوم على العطف كقولهم لا تمددها فتثقفها،
و (عدوا) بفتح العين وتخفيف الدال، وهو مصدر. وفى انتصابه ثلاثة أوجه:
أحدها هو مفعول له. والثاني مصدر من غير لفظ الفعل لأن السب عدوان في المعنى.
والثالث هو مصدر في موضع الحال، وهي حال مؤكدة، ويقرأ بضم العين والدال
وتشديد الواو وهو مصدر على فعول كالجلوس والقعود، ويقرأ بفتح العين والتشديد
وهو واحد في معنى الجمع: أي أعداء، وهو حال (بغير علم) حال أيضا
مؤكدة (كذلك) في موضع نصب صفة لمصدر محذوف: أي كما (زينا لكل
أمة عملهم) زينا لهؤلاء عملهم.
قوله تعالى (جهد أيمانهم) قد ذكر في المائدة (وما يشعركم) " ما "
استفهام في موضع رفع بالابتداء، ويشعركم الخبر، وهو يتعدى إلى مفعولين (أنها)
يقرأ بالكسر على الاستئناف، والمفعول الثاني محذوف تقديره: وما يشعركم إيمانهم
ويقرأ بالفتح. وفيه ثلاثة أوجه: أحدها أن " أن " بمعنى لعل، حكاه الخليل عن
العرب، وعلى هذا يكون المفعول الثاني أيضا محذوفا، والثاني أن " لا " زائدة،
فتكون " أن " وما عملت فيه في موضع المفعول الثاني، والثالث أن " أن " على بابها
ولاغير زائدة، والمعنى: وما يدريكم عدم إيمانهم، وهذا جواب لمن حكم عليهم
بالكفر أبدا ويئس من إيمانهم، والتقدير: لا يؤمنون بها فحذف المفعول.
قوله تعالى (كما لم يؤمنوا) " ما " مصدرية والكاف نعت لمصدر محذوف
أي تقليبا ككفرهم: أي عقوبة مساوية لمعصيتهم، و (أول مرة) ظرف زمان،
257

وقد ذكر (ونذرهم) يقرأ بالنون وضم الراء وبالياء كذلك، والمعنى مفهوم
ويقرأ بسكون الراء. وفيه وجهان: أحدهما أنه سكن لثقل توالي الحركات، والثاني
أنه مجزوم عطفا على يؤمنوا، والمعنى: جزاء على كفرهم، وأنه لم يذرهم في طغيانهم
يعمهون بل بين لهم.
قوله تعالى (قبلا) يقرأ بضم القاف والباء وفيه وجهان: أحدهما هو جمع قبيل
مثل قليب وقلب، والثاني أنه مفرد كقبل الإنسان ودبره، وعلى كلا الوجهين هو
حال من كل، وجاز ذلك وإن كان نكرة لما فيه من العلوم، ويقرأ بالضم وسكون
الباء على تخفيف الضمة، ويقرأ بكسر القاف وفتح الباء. وفيه وجهان أيضا: أحدهما
هو ظرف كقولك: لي قبله حق، والثاني مصدر في موضع الحال: أي عيانا أو
معاينة (إلا أن يشاء الله) في موضع نصب على الاستثناء المنقطع، وقيل هو متصل.
والمعنى: ما كانوا ليؤمنوا في كل حال إلا في حال مشيئة الله تعالى.
قوله تعالى (وكذلك) هو نعت لمصدر محذوف كما ذكرنا في غير موضع،
و (جعلنا) متعدية إلى مفعولين. وفى المفعول الأول وجهان: أحدهما هو عدوا
والثاني (لكل نبي)، و (شياطين) بدل من عدو. والثاني المفعول الأول
شياطين. وعدوا المفعول الثاني مقدم، ولكل نبي صفة لعدو قدمت فصارت حالا
(يوحى) يجوز أن يكون حالا من شياطين وأن يكون صلة لعدو، وعدو في موضع
أعداء (غرورا) مفعول له، وقيل مصدر في موضع الحال، والهاء في (فعلوه)
يجوز أن تكون ضمير الإيحاء، وقد دل عليه يوحى، وأن تكون ضمير الزخرف
أو القول أو الغرور (وما يفترون) " ما " بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة،
أو مصدرية، وهي في موضع نصب عطفا على المفعول قبلها، ويجوز أن تكون الواو
بمعنى مع.
قوله تعالى (ولتصغى) الجمهور على كسر اللام وهو معطوف على غرور:
أي ليغروا ولتصغى، وقيل هي لام القسم كسرت لما لم يؤكد الفعل بالنون، وقرئ
بإسكان اللام وهي مخففة لتوالي الحركات، وليست لام الأمر لأنه لم يجزم الفعل،
وكذلك القول في (وليرضوه وليقترفوا) و " ما " بمعنى الذي، والعائد
محذوف: أي وليقترفوا الذي هم مقترفوه، وأثبت النون لما حذف الهاء.
قوله تعالى (أفغير الله) فيه وجهان: أحدهما هو مفعول أبتغي و (حكما)
258

حال منه. والثاني أن حكما مفعول أبتغي، وغير حال من حكما مقدم عليه، وقيل
حكما تمييز، و (مفصلا) حال من الكتاب، و (بالحق) حال من الضمير المرفوع
في منزل.
قوله تعالى (صدقا وعدلا) منصوبان على التمييز، ويجوز أن يكون مفعولا
من أجله، وأن يكون مصدرا في موضع الحال (لا مبدل) مستأنف، ولا يجوز
أن يكون حالا من ربك لئلا يفصل بين الحال وصاحبها بالأجنبي، وهو قوله " صدقا
وعدلا " إلا أن يجعل صدقا وعدلا حالين من ربك لا من الكلمات.
قوله تعالى (أعلم من يضل) في " من " وجهان: أحدهما هي بمعنى الذي،
أو نكرة موصوفة بمعنى فريق، فعلى هذا يكون في موضع نصب بفعل دل عليه أعلم
لا بنفس أعلم، لأن أفعل لا يعمل في الاسم الظاهر النصب، والتقدير: يعلم من يضل.
ولا يجوز أن يكون " من " في موضع جر بالإضافة على قراءة من فتح الياء لئلا يصير
التقدير: هو أعلم الضالين، فيلزم أن يكون سبحانه ضالا، تعالى عن ذلك، ومن قرأ
بضم الياء فمن في موضع نصب أيضا على ما بينا: أي يعلم المضلين، ويجوز أن يكون
في موضع جر، إما على معنى هو أعلم المضلين: أي من يجد الضلال وهو من أظللته
أي وجدته ضالا مثل أحمدته وجدته محمودا، أو بمعنى أن يضل عن الهدى. والوجه
الثاني أن " من " استفهام في موضع مبتدإ، ويضل الخبر، وموضع الجملة نصب بيعلم
المقدرة، ومثله " لنعلم أي الحزبين أحصى ".
قوله تعالى (ومالكم) " ما " استفهام في موضع رفع بالابتداء، ولكم الخبر،
و (أن لا تأكلوا) فيه وجهان: أحدهما حرف الجر مراد معه: أي في أن لا تأكلوا
ولما حذف حرف الجر كان في موضع نصب، أو في موضع جر على اختلافهم
في ذلك، وقد ذكر في غير موضع. والثاني أنه في موضع الحال: أي وأي شئ لكم
تاركين الأكل، وهو ضعيف لأن " أن " تمحض الفعل للاستقبال وتجعله مصدرا
فيمتنع الحال، إلا أن تقدر حذف مضاف تقديره: ومالكم ذوي أن لا تأكلوا،
والمفعول محذوف: أي شيئا مما ذكر اسم الله عليه (وقد فصل) الجملة حال،
ويقرأ بالضم على ما لم يسم فاعله، وبالفتح في تسمية الفاعل، وبتشديد الصاد
وتخفيفها، وكل ذلك ظاهر (إلا ما اضطررتم) " ما " في موضع نصب على الاستثناء
من الجنس من طريق المعنى، لأنه وبخهم بترك الأكل مما سمى عليه، وذلك يتضمن
259

إباحة الأكل مطلقا، وقوله " وقد فصل لكم ما حرم عليكم " أي في حال الاختيار،
وذلك حلال في حال الاضطرار.
قوله تعالى (إنكم لمشركون) حذف الفاء من جواب الشرط وهو حسن
إذا كان الشرط بلفظ الماضي، وهو هنا كذلك وهو قوله " وإن أطعتموهم ".
قوله تعالى (أو من كان) " من " بمعنى الذي في موضع رفع بالابتداء
و (يمشى به) في موضع نصب صفة لنور، و (كمن) خبر الابتداء، و (مثله)
مبتدأ، و (في الظلمات) خبره، و (ليس بخارج) في موضع الحال من
الضمير في الجار، ولا يجوز أن يكون حالا من الهاء في مثله للفصل بينه وبين الحال
بالخبر (كذلك زين - وكذلك جعلنا) قد سبق إعرابهما، وجعلنا بمعنى صيرنا،
و (أكابر) المفعول الأول، وفى كل قرية الثاني، و (مجرميها) بدل من أكابر،
ويجوز أن تكون " في " ظرفا، ومجرميها المفعول الأول، وأكابر مفعول ثان، ويجوز
أن يكون أكابر مضافا إلى مجرميها، وفى كل المفعول الثاني، والمعنى على هذا مكنا ونحو
ذلك (ليمكروا) اللام لام كي أو لام الصيرورة.
قوله تعالى (حيث يجعل) حيث هنا مفعول به، والعامل محذوف، والتقدير:
يعلم موضع رسالاته، وليس ظرفا لأنه يصير التقدير يعلم في هذا المكان كذا وكذا،
وليس المعنى عليه، وقد روى " حيث " بفتح الثاء، وهو بناء عند الأكثرين، وقيل
هي فتحة إعراب (عند الله) ظرف ليصيب أو صفة لصغار.
قوله تعالى (فمن يرد الله) هو مثل " من يشأ الله يضلله "، وقد ذكر (ضيقا)
مفعول ثان ليجعل، فمن شدد الياء جعله وصفا، ومن خففها جاز أن يكون وصفا
كميت وميت، وأن يكون مصدرا: أي ذا ضيق (حرجا) بكسر الراء صفة لضيق،
أو مفعول ثالث كما جاز في المبتدأ أن تخبر عنه بعده أخبارا، ويكون الجميع في موضع
خبر واحد: كحلو حامض، وعلى كل تقدير هو مؤكد للمعنى، ويقرأ بفتح الراء على أنه
مصدر: أي ذا حرج، وقيل هو جمع حرجة مثل قصبة وقصب، والهاء فيه للمبالغة
(كأنما) في موضع نصب خبر آخر، أو حال من الضمير في حرج أو ضيق (يصعد)
ويصاعد بتشديد الصاد فيهما أي يتصعد، ويقرأ " يصعد " بالتخفيف.
قوله تعالى (مستقيما) حال من صراط ربك، والعامل فيها التنبيه أو الإشارة.
قوله تعالى (لهم دار السلام) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون في موضع
260

جر صفة لقوم، وأن يكون نصبا على الحال من الضمير في يذكرون، (عند ربهم)
حال من دار السلام، أو ظرف للاستقرار في لهم.
قوله تعالى (ويوم نحشرهم) أي واذكر يوم، أو ونقول يوم نحشرهم
(يا معشر الجن)، و (من الإنس) حال من (أولياؤهم) وقرئ (آجالنا)
على الجمع (الذي) على التذكير والإفراد. وقال أبو علي: هو جنس أوقع الذي
موقع التي (خالدين فيها) حال، وفى العامل فيها وجهان: أحدهما المثوى على أنه
مصدر بمعنى الثواء، والتقدير: النار ذات ثوائكم. والثاني العامل فيه معنى الإضافة
ومثواكم مكان والمكان لا يعمل (إلا ما شاء الله) هو استثناء من غير الجنس، ويجوز
أن يكون من الجنس على وجهين: أحدهما أن يكون استثناء من الزمان، والمعنى يدل
عليه لأن الخلود يدل على الأبد، فكأنه قال: خالدين فيها في كل زمان إلا ما شاء الله
إلا زمن مشيئة الله. والثاني أن تكون " من " بمعنى " ما " (1).
قوله تعالى (يقصون) في موضع رفع صفة لرسل، ويجوز أن يكون حالا من
الضمير في منكم.
قوله تعالى (ذلك) هو خبر مبتدإ محذوف: أي الأمر ذلك (أن لم) أن مصدرية
أو مخففة من الثقيلة، واللام محذوفة: أي لأن لم (يكن ربك) وموضعه نصب
أو جر على الخلاف (بظلم) في موضع الحال أو مفعول به يتعلق بمهلك.
قوله تعالى (ولكل) أي ولكل أحد (مما) في موضع رفع صفة لدرجات.
قوله تعالى (كما أنشأكم) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف:
أي استخلافا كما، و (من ذرية) لابتداء الغاية، وقيل هي بمعنى البدل: أي كما
أنشأكم بدلا من ذرية (قوم).
قوله تعالى (إنما توعدون) ما بمعنى الذي، و (لآت) خبر إن ولا يجوز أن
تكون " ما " ها هنا كافة، لأن قوله لآت يمنع ذلك.
قوله تعالى (من تكون) يجوز أن تكون " من " بمعنى الذي، وأن تكون
استفهاما مثل قوله: أعلم من يضل.
قوله تعالى (مما ذرأ) يجوز أن يتعلق بجعل، وأن يكون حالا من نصيب،
و (من الحرث) يجوز أن يكون متعلقا بذرأ، وأن يكون حالا من " ما " أو من
العائد المحذوف.

(1) قوله " أن تكون بمعنى ما " كذا بالنسخ التي بأيدينا، وصوابه: أن يقول " أن تكون
ما بمعنى من " كما لا يخفى ليكون استثناء من الجنس تأمل اه‍.
261

قوله تعالى (وكذلك زين) يقرأ بفتح الزاي، والياء على تسمية الفاعل، وهو
(شركاؤهم) والمفعول قتل، وهو مصدر مضاف إلى المفعول، ويقرأ بضم الزاي
وكسر الياء على ما لم يسم فاعله، وقتل بالرفع على أنه القائم مقام الفاعل، وأولادهم
بالنصب على أنه مفعول القتل، شركائهم بالجر على الإضافة، وقد فصل بينهما بالمفعول
وهو بعيد، وإنما يجئ في ضرورة الشعر، ويقرأ كذلك إلا أنه بجر أولادهم على
الإضافة وشركائهم بالجر أيضا على البدل من الأولاد، لأن أولادهم شركاؤهم في دينهم
وعيشهم وغيرهما، ويقرأ كذلك إلا أنه برفع الشركاء. وفيه وجهان: أحدهما أنه
مرفوع بفعل محذوف كأنه قال: من زينه؟ فقال شركاءهم: أي زينه شركاؤهم،
والقتل في هذا كله مضاف إلى المفعول. والثاني أن يرتفع شركاؤهم بالقتل، لأن الشركاء
تثير بينهم القتل قبله، ويمكن أن يكون القتل يقع منهم حقيقة (وليلبسوا)
بكسر الباء من لبست الأمر بفتح الباء في الماضي إذا شبهته، ويقرأ في الشاذ بفتح الباء،
قيل إنها لغة، وقيل جعل الدين لهم كاللباس عليهم.
قوله تعالى (لا يطعمها) في موضع رفع كالذي قبله، والجمهور على كسر الحاء
في " حجر " وسكون الجيم ويقرأ بضمهما، وضم الحاء وسكون الجيم، ومعناه محرم،
والقراءات لغات فيها، ويقرأ " حرج " بكسر الحاء وتقديم الراء على الجيم وأصله
حرج بفتح الحاء وكسر الراء ولكنه خفف ونقل مثل فخذ وفخذ، وقيل هو من
المقلوب مثل عميق ومعيق (بزعمهم) متعلق بقالوا، ويجوز فتح الزاي وكسرها
وضمها وهي لغات (افتراء) منصوب على المصدر، لأن قولهم المحكى بمعنى افتروا،
وقيل هو مفعول من أجله، فإن نصبته على المصدر كان قوله (عليه) متعلقا بقالوا
لا بنفس المصدر، وإن جعلته مفعولا من أجله علقته بنفس المصدر، ويجوز أن يتعلق
بمحذوف على أن يكون صفة لافتراء.
قوله تعالى (ما في بطون) " ما " بمعنى الذي في موضع رفع بالابتداء،
و (خالصة) خبره وأنث على المعنى لأن ما في البطون أنعام، وقيل التأنيث على
المبالغة كعلامة ونسابة، و (لذكورنا) متعلق بخالصة أو بمحذوف على أن يكون
صفة لخالصة (ومحرم) جاء على التذكير حملا على لفظ " ما " ويقرأ " خالص " بغير
تاء على الأصل، ويقرأ " خالصة " بالتأنيث والنصب على الحال، والعامل فيها ما في
بطونها من معنى الاستقرار، والخبر لذكورنا، ولا يعمل في الحال لأنه لا يتصرف،
وأجازه الأخفش، ويقرأ " خالصة " بالرفع والإضافة إلى هاء الضمير وهو مبتدأ،
262

وللذكور خبره، والجملة خبر " ما " (تكن ميتة) يقرأ بالتاء ونصب ميتة:
أي إن تكن الأنعام ميتة، ويقرأ بالياء حملا على لفظ " ما " ويقرأ بالياء ورفع ميتة
على أن كان هي التامة (فهم فيه) ذكر الضمير حملا على " ما ".
قوله تعالى (قتلوا أولادهم) يقرأ بالتخفيف والتشديد على التكثير.
و (سفها) مفعول له أو على المصدر لفعل محذوف دل عليه الكلام (بغير علم)
في موضع الحال، و (افتراء) مثل الأول.
قوله تعالى (مختلفا أكله) مختلفا حال مقدرة، لأن النخل والزرع وقت
خروجه لا أكل فيه حتى يكون مختلفا أو متفقا، وهو مثل قولهم: مررت برجل معه
صقر صائدا به غدا، ويجوز أن يكون في الكلام حذف مضاف تقديره: ثمر النخل
وحب الزرع فعلى هذا تكون الحال مقارنة، و (متشابها) حال أيضا، و (حصاده)
يقرأ بالفتح والكسر وهما لغتان.
قوله تعالى (حمولة وفرشا) هو معطوف على جنات: أي وأنشأ من
الأنعام حمولة.
قوله تعالى (ثمانية أزواج) في نصبه خمسة أوجه: أحدها هو معطوف على
جنات: أي وأنشأ ثمانية أزواج، وحذف الفعل وحرف العطف وهو ضعيف.
والثاني أن تقديره: كلوا ثمانية أزواج. والثالث هو منصوب بكلوا تقديره: كلوا مما
رزقكم ثمانية أزواج، ولا تسرفوا معترض بينهما. والرابع هو بدل من حمولة وفرشا.
والخامس أنه حال تقديره: مختلفة أو متعددة (من الضأن) يقرأ بسكون الهمزة
وفتحها وهما لغتان، و (اثنين) بدل من ثمانية، وقد عطف عليه بقية الثمانية،
و (المعز) بفتح العين وسكونها لغتان قد قرئ بهما (آلذكرين) هو منصوب
ب‍ (حرم) وكذلك (أم الأنثيين) أي أم حرم الأنثيين (أم ما اشتملت)
أي أم حرم ما اشتملت.
قوله تعالى (أم كنتم شهداء) أم منقطعة: أي بل أكنتم، و (إذ) معمول شهداء.
قوله تعالى (يطعمه) في موضع جر صفة لطاعم، ويقرأ " يطعمه " بالتشديد
وكسر العين، والأصل يتطعمه، فأبدلت التاء طاء وأدغمت فيها الأولى (إلا أن
تكون) استثناء من الجنس وموضعه نصب: أي لا أجد محرما إلا الميتة، ويقرأ
يكون بالياء و (ميتة) بالنصب: أي إلا أن يكون المأكول ميتة أو ذلك، ويقرأ
263

بالتاء إلا أن تكون المأكولة ميتة، ويقرأ برفع الميتة على أن تكون تامة، إلا أنه
ضعيف لأن المعطوف منصوب (أو فسقا) عطف على لحم الخنزير، وقيل هو معطوف
على موضع إلا أن يكون، وقد فصل بينهما بقوله " فإنه رجس ".
قوله تعالى (كل ذي ظفر) الجمهور على ضم الظاء والفاء، ويقرأ بإسكان
الفاء، ويقرأ بكسر الظاء والإسكان (ومن البقر) معطوف على كل، وجعل
(حرمنا عليهم شحومهما) تبيينا للمحرم من البقر، ويجوز أن يكون من
البقر، متعلقا بحرمنا الثانية (إلا ما حملت) في موضع نصب استثناء من الشحوم
(أو الحوايا) في موضع نصب عطفا على " ما " وقيل هو معطوف على الشحوم فتكون
محرمة أيضا، وواحدة الحوايا حوية أو حاوية أو حاويا، وأوهنا بمعنى الواو لتفصيل
مذاهبهم لاختلاف أماكنها، وقد ذكرناه في قوله " كونوا هودا أو نصارى " (ذلك)
في موضع نصب ب‍ (جزيناهم) وقيل مبتدأ، والتقدير: جزيناهموه، وقيل هو
خبر المحذوف: أي الأمر ذلك.
قوله تعالى (فإن كذبوك) شرط وجوابه (فقل ربكم ذو رحمة)
والتقدير: فقل يصفح عنكم بتأخير العقوبة.
قوله تعالى (ولا آباؤنا) عطف على الضمير في أشركنا، وأغنت زيادة " لا " عن
تأكيد الضمير، وقيل ذلك لا يغنى لأن المؤكد يجب أن يكون قبل حرف العطف ولابعد
حرف العطف (من شئ) من زائدة.
قوله تعالى (قل هلم) للعرب فيها لغتان: إحداهما تكون بلفظ واحد في الواحد
والتثنية والجمع والمذكر والمؤنث، فعلى هذا هي اسم للفعل، وبنيت لوقوعها موقع
الأمر المبنى، ومعناها أحضروا شهداءكم. واللغة الثانية تختلف فتقول: هلما وهلموا
وهلمي وهلممن، فعلى هذا هي فعل. واختلفوا في أصلها فقال البصريون: أصلها
ها ألمم: أي أقصد، فأدغمت الميم في الميم وتحركت اللام فاستغنى عن همزة الوصل
فبقي لم ثم حذفت ألف ها التي هي للتنبيه لأن اللام في لم في تقدير الساكنة إذ كانت
حركتها عارضة، ولحق حرف التنبيه مثال الأمر كما يلحق غيره من المثل. فأما فتحة
الميم ففيها وجهان: أحدهما أنها حركت بها لالتقاء الساكنين ولم يجز الضم ولا الكسر
كما جاز في رد ورد ورد لطول الكلمة بوصل " ها " بها، وأنها لا تستعمل إلا معها،
والثاني أنها فتحت من أجل التركيب كما فتحت خمسة عشر وبابها. وقال الفراء.
أصلها هل أم، فألقيت حركة الهمزة على اللام وحذفت، وهذا بعيد لأن لفظه أمر،
264

وهل إن كانت استفهاما فلا معنى لدخوله على الأمر، وإن كانت بمعنى قد فلا تدخل
على الأمر، وإن كانت هل اسما للزجر فتلك مبنية على الفتح، ثم لا معنى لها هاهنا.
قوله تعالى (ما حرم) في " ما " وجهان: أحدهما هي بمعنى الذي والعائد
محذوف: أي حرمه، والثاني هي مصدرية (أن لا تشركوا) في أن وجهان:
أحدهما هي بمعنى أي، فتكون لا على هذا نهيا، والثاني هي مصدرية وفي موضعها وجهان:
أحدهما هي بدل (1) من الهاء المحذوفة أو من " ما " ولا زائدة: أي حرم ربكم أن تشركوا،
والثاني أنها منصوبة على الإغراء، والعامل فيها عليكم، والوقف على ما قبل على:
أي ألزموا ترك الشرك. والوجه الثاني أنها مرفوعة. والتقدير المتلو: أن لا تشركوا
أو المحرم أن تشركوا، ولا زائدة على هذا التقدير، و (شيئا) مفعول تشركوا،
وقد ذكرناه في موضع آخر. ويجوز أن يكون شيئا في موضع المصدر: أي إشراكا
و (وبالوالدين إحسانا) قد ذكر في البقرة (من إملاق) أي من أجل الفقر
(ما ظهر منها وما بطن) بدلان من الفواحش، بدل الاشتمال، ومنها في موضع
الحال من ضمير الفاعل، و (بالحق) في موضع الحال (ذلكم) مبتدأ،
و (وصاكم به) الخبر، ويجوز أن يكون في موضع نصب على تقدير: ألزمكم
ذلكم، ووصاكم تفسير له.
قوله تعالى (إلا بالتي هي أحسن) أي إلا بالخصلة، و (بالقسط) في موضع
الحال: أي مقسطين، ويجوز أن يكون حالا من المفعول: أي أوفوا الكيل تاما،
والكيل هاهنا مصدر في معنى المكيل والميزان كذلك، ويجوز أن يكون فيه حذف مضاف
تقديره: مكيل الكيل وموزون الميزان (لا نكلف) مستأنف (ولو كان
ذا قربى) أي ولو كان المقول له أو فيه.
قوله تعالى (وأن هذا) يقرأ بفتح الهمزة والتشديد، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها
تقديره: ولأن هذا، واللام متعلقة بقوله (فاتبعوه) أي ولأجل استقامته اتبعوه،
وقد ذكرنا نحو هذا في قوله " كما أرسلنا " والثاني أنه معطوف على ما حرم: أي وأتلو
عليكم أن هذا صراطي. والثالث هو معطوف على الهاء في وصاكم به، وهذا فاسد
لوجهين: أحدهما أنه عطف على الضمير من غير إعادة الجار، والثاني أنه يصير
المعنى وصاكم باستقامة الصراط، وهو فاسد، ويقرأ بفتح الهمزة وتخفيف النون
وهي كالمشددة، ويقرأ بكسر الهمزة على الاستئناف ومستقيما حال، والعامل فيه هذا

(1) قوله " أحدهما هي بدل الخ " كذا بالنسخ، وكان المناسب أن يقول أحدهما أنها منصوبة وفيه
وجهان: أحدهما... الخ لتستقيم بقية الأقسام بعد اه‍.
265

(فتفرق) جواب النهى، والأصل فتتفرق، و (بكم) في موضع المفعول: أي
فتفرقكم، ويجوز أن يكون حالا. أي فتتفرق وأنتم معها.
قوله تعالى (تماما) مفعول له أو مصدر: أي أتممناه إتماما، ويجوز أن يكون
في موضع الحال من الكتاب (على الذي أحسن) يقرأ بفتح النون وعلى أنه فعل
ماض، وفى فاعله وجهان: أحدهما ضمير اسم الله والهاء محذوفة: أي على الذي
أحسنه الله: أي أحسن إليه وهو موسى، والثاني هو ضمير موسى لأنه أحسن في فعله
ويقرأ بضم النون على أنه اسم، والمبتدأ محذوف، وهو العائد على الذي. أي على
الذي هو أحسن، وهو ضعيف. وقال قوم: أحسن بفتح النون في موضع جر
صفة للذي، وليس بشئ لأن الموصول لابد له من صلة، وقيل تقديره: على
الذين أحسنوا.
قوله تعالى (وهذا) مبتدأ، و (كتاب) خبره، و (أنزلناه) صفة أو خبر
ثان. و (مبارك) صفة ثانية أو خبر ثالث، ولو كان قرئ مباركا بالنصب على
الحال جاز.
قوله تعالى (أن تقولوا) أي أنزلناه كراهة أن تقولوا (أو تقولوا) معطوف
عليه، وإن كنا إن مخففة من الثقيلة، واللام في لغافلين عوض أو فارقة بين
إن وما.
قوله تعالى (ممن كذب) الجمهور على التشديد، وقرئ بالتخفيف وهو في معنى
المشدد، فيكون (بآيات الله) مفعولا، ويجوز أن يكون حالا، أي كذب ومعه
آيات الله (يصدقون) يقرأ بالصاد الخالصة على الأصل، وبإشمام الصاد زايا
وبإخلاصها زايا لتقرب من الدال، وسوغ ذلك فيها سكونها.
قوله تعالى (يوم يأتي) الجمهور على النصب، والعامل في الظرف (لا ينفع)
وقرئ بالرفع، والخبر لا ينفع، والعائد محذوف: أي لا ينفع (نفسا إيمانها) فيه
والجمهور على الياء في ينفع، وقرئ بالتاء وفيه وجهان: أحدهما أنه أنث المصدر
على المعنى، لأن الإيمان والعقيدة بمعنى، فهو مثل قولهم: جاءته كتابي فاحتقرها:
أي صحيفتي أو رسالتي، والثاني أنه حسن التأنيث لأجل الإضافة إلى المؤنث (لم
تكن) فيه وجهان: أحدهما هي مستأنفة، والثاني هي في موضع الحال من الضمير
المجرور، أو على الصفة لنفس وهو ضعيف.
266

قوله تعالى (فرقوا دينهم) يقرأ بالتشديد من غير ألف، وبالتخفيف وهو
في معنى المشدد، ويجوز أن يكون المعنى: فصلوه عن الدين الحق، ويقرأ فارقوا
أي تركوا (لست منهم في شئ) أي لست في شئ كائن منه.
قوله تعالى (عشر أمثالها) يقرأ بالإضافة: أي فله عشر حسنات أمثالها،
فاكتفى بالصفة، ويقرأ بالرفع والتنوين على تقدير: فله حسنات عشر أمثالها، وحذف
التاء من عشر لأن الأمثال في المعنى مؤنثة، لأن مثل الحسنة حسنة، وقيل أنث لأنه
أضافة إلى المؤنث.
قوله تعالى (دينا) في نصبه ثلاثة أوجه: هو بدل من الصراط على الموضع، لأن
معنى هداني وعرفني واحد، وقيل منصوب بفعل مضمر: أي عرفني دينا، والثالث
أنه مفعول هداني، وهدى يتعدى إلى مفعولين، و (قيما) بالتشديد صفة لدين،
ويقرأ بالتخفيف، وقد ذكر في النساء والمائدة، و (ملة) بدل من دين، أو على
إضمار أعنى، و (حنيفا) حال، أو على إضمار أعنى.
قوله تعالى (ومحياي) الجمهور على فتح الياء، وأصلها الفتح لأنها حرف مضمر
فهي كالكاف في رأيتك والتاء في قمت وقرئ بإسكانها كما تسكن في أنى ونحوه،
وجاز ذلك وإن كان قبلها ساكن لأن المدة تفصل بينهما، وقد قرئ في الشاذ بكسر
الياء على أنه اسم مضمر كسر لالتقاء الساكنين (لله) أي ذلك كله لله.
قوله تعالى (قل أغير الله) هو مثل قوله " ومن يبتغ غير الإسلام " وقد ذكر.
قوله تعالى (درجات) قد ذكر في قوله تعالى " نرفع درجات من نشاء ".
سورة الأعراف
بسم الله الرحمن الرحيم
(المص) قد ذكرنا في أول البقرة ما يصلح أن يكون هاهنا ويجوز أن تكون هذه
الحروف في موضع مبتدأ، و (كتاب) خبره، وأن تكون خبر مبتدإ محذوف:
أي المدعو به المص. وكتاب خبر مبتدإ محذوف: أي هذا أو هو، و (أنزل)
صفة له (فلا يكن) النهى في اللفظ للحرج، وفي المعنى المخاطب: أي لا تحرج
به، و (منه) نعت للحرج، وهي لابتداء الغاية، أي لا تحرج من أجله و (لتنذر)
يجوز أن يتعلق اللام بأنزل، وأن يتعلق بقوله " فلا يكن " أي لا تحرج به لتتمكن من
267

الإنزال، فالهاء في منه للكتاب أو للإنزال، والهاء في (به) للكتاب (وذكرى)
فيه ثلاثة أوجه: أحدها منصوب، وفيه وجهان: أحدهما هو حال من الضمير في أنزل
وما بينهما معترض، والثاني أن يكون معطوفا على موضع لتنذر: أي لتنذر وتذكر:
أي ولذكري. والثاني أن يكون في موضع رفع، وفيه وجهان: أحدهما هو معطوف
على كتاب، والثاني خبر ابتداء محذوف: أي وهو ذكرى. والوجه الثالث أن يكون
في موضع جر عطفا على موضع تنذر. وأجاز قوم أن يعطف على الهاء به، وهذا
ضعيف لأن الجار لم يعد.
قوله تعالى (من ربكم) بجوز أن يتعلق بأنزل، ويكون لابتداء الغاية، وأن
يتعلق بمحذوف، ويكون حالا: أي أنزل إليكم كائنا من ربكم، و (من دونه)
حال من أولياء، و (قليلا ما تذكرون) مثل " فقليلا ما يؤمنون " وقد ذكر
في البقرة، وتذكرون بالتخفيف على حذف إحدى التاءين، وبالتشديد على الإدغام.
قوله تعالى (وكم من قرية) في كم وجهان: أحدهما هي مبتدأ، ومن قرية
تبيين، ومن زائدة، والخبر (أهلكناها) وجاز تأنيث الضمير العائد على " كم " لأن
كم في المعنى قرى، وذكر بعضهم أن أهلكناها صفة لقرية، والخبر (فجاءها بأسنا)
وهو سهو، لأن الفاء تمنع ذلك، والثاني أن " كم " في موضع نصب بفعل محذوف دل
عليه أهلكناها، والتقدير: كثيرا من القرى أهلكنا، ولا يجوز تقديم الفعل على
" كم " إن كانت خبرا، لأن لها صدر الكلام إذ أشبهت رب، والمعنى: وكم من قرية
أردنا إهلاكها، كقوله " فإذا قرأت القرآن " أي أردت قراءته، وقال قوم: هو على
القلب: أي وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها، والقلب هنا لا حاجة إليه فيبقى محض
ضرورة، والتقدير: أهلكنا أهلها فجاء أهلها " بياتا " البيات اسم للمصدر وهو
في موضع الحال، ويجوز أن يكون مفعولا له ويجوز أن يكون في حكم الظرف (أو هم
قائلون) الجملة حال، وأو لتفصيل الجمل: أي جاء بعضهم بأسنا ليلا وبعضهم
نهارا، والواو هنا واو أو، وليست حرف العطف سكنت تخفيفا. وقد ذكرنا ذلك
في قوله " أو كلما عاهدوا عهدا ".
قوله تعالى (دعواهم) يجوز أن يكون اسم كان، و (إلا أن قالوا) الخبر،
ويجوز العكس.
قوله تعالى (بعلم) هو في موضع الحال: أي عالمين.
268

قوله تعالى (والوزن) فيه وجهان: أحدهما هو مبتدأ، و (يومئذ) خبره.
والعامل في الظرف محذوف: أي والوزن كائن يومئذ، و (الحق) صفة للوزن أو
خبر مبتدإ محذوف، والثاني أن يكون الوزن خبر مبتدإ محذوف: أي هذا الوزن،
ويومئذ ظرف، ولا يجوز على هذا أن يكون الحق صفة لئلا يفصل بين الموصول
وصلته (1).
قوله تعالى (بما كانوا) " ما " مصدرية: أي بظلمهم، والباء متعلقة بخسروا.
قوله تعالى (معايش) الصحيح أن الياء لا تهمز هنا لأنها أصلية، وحركت لأنها
في الأصل محركة، ووزنها معيشة كمحبسة، وأجاز قوم أن يكون أصلها الفتح،
وأعلت بالتسكين في الواحد كما أعلت في يعيش، وهمزها قوم وهو بعيد جدا.
ووجهه أنه شبه الأصلية بالزائدة نحو سفينة وسفائن (قليلا ما تشكرون) مثل
الذي تقدم.
قوله تعالى (ولقد خلقناكم) أي إياكم، وقيل الكاف للجنس المخاطب.
وهنا مواضع كثيرة قد تقدمت (لم يكن) في موضع الحال.
قوله تعالى (أن لا) في موضع الحال، و (إذ) ظرف لتسجد.
قوله تعالى (خلقتني من نار) الجار في موضع الحال: أي خلقتني كائنا من
نار، ويجوز أن يكون لابتداء الغاية فيتعلق بخلقتني، ولا زائدة. أي وما منعك
أن تسجد.
قوله تعالى (فيها) يجوز أن يكون حالا، ويجوز أن يكون ظرفا.
قوله تعالى (فبما) الباء تتعلق ب‍ (لاقعدن) وقيل الباء بمعنى اللام (صراطك)
ظرف، وقيل التقدير: على صراطك.
قوله تعالى (وعن شمائلهم) هو جمع شمال، ولو جمع أشملة وشملاء جاز.
قوله تعالى (مذءوما) يقرأ بالهمز، وهو من ذأمته إذا عبته. ويقرأ " مذوما "
بالواو من غير همز فيه وجهان: أحدهما أنه ألقى حركة الهمزة على الذال وحذفها.
والثاني أن يكون أصله مذيما لان الفعل منه ذامه يذيمه ذيما، فأبدلت الياء واوا كما
قالوا في مكيل مكول وفى مشيب مشوب، وهو وما بعده حالان. ويجوز أن يكون
(مدحورا) حالا من الضمير في مذءوما (لمن) في موضع رفع بالابتداء، وسد
القسم المقدر وجوابه مسد الخبر، وهو قوله (لأملأن)، و (منكم) خطاب

(1) قوله (لئلا يفصل بين الموصول وصلته) قال السفاقسي: قلت: ولا أدرى أين الصلة والموصول
هنا، لعله بين الصفة والموصوف وصحفه الناسخ، وهو على هذا غير مستقيم اه‍.
269

لجماعة، ولم يتقدم إلا خطاب واحد، ولكن نزلة منزلة الجماعة لأنه رئيسهم، أو
لأنه رجع من الغيبة إلى الخطاب، والمعنى واحد.
قوله تعالى (هذه الشجرة) يقرأ هذى بغير هاء، والأصل في " ذا " أذيى
لقولهم في التصغير " ذيا " فحذفت الياء الثانية تخفيفا وقلبت الياء الأولى ألفا لئلا تبقى
مثل كي، فإذا خاطبت المؤنث رددت الياء وكسرت الذال لئلا يجتمع عليه التأنيث
والتغيير، وأما الهاء فجعلت عوضا من المحذوف حين رد إلى الأصل، ووصلت بياء
لأنها مثل هاء الضمير في اللفظ.
قوله تعالى (من سوآتهما) الجمهور على تحقيق الهمزة، ويقرأ بواو مفتوحة وحذف
الهمزة، ووجهه أنه ألقى حركة الهمزة على الواو، ويقرأ بتشديد الواو من غير همز،
وذلك على إبدال الهمزة واوا، ويقرأ " سوأتهما " على التوحيد وهو جنس (إلا أن
تكونا) أي إلا مخافة أن تكونا فهو مفعول من أجله (ملكين) بفتح اللام
وكسرها، والمعنى مفهوم.
قوله تعالى (لكما لمن الناصحين) هو مثل قوله " وإنه في الآخرة لمن الصالحين "
وقد ذكر في البقرة (فدلاهما بغرور) الألف بدل من ياء مبدلة من لام،
والأصل دللهما من الدلالة لا من الدلال، وجاز إبدال اللام لما صار في الكلمة ثلاث
لامات. بغرور يجوز أن تتعلق الباء بهذا الفعل، ويجوز أن تكون في موضع الحال
من الضمير المنصوب: أي وهما مغترين.
قوله تعالى (وطفقا) في حكم كاد، ومعناها الأخذ في الفعل، و (يخصفان)
ماضيه خصف، وهو متعد إلى مفعول واحد، والتقدير: شيئا (من ورق الجنة)
وقرئ بضم الياء وكسر الصاد مخففا، وماضيه أخصف، وبالهمزة يتعدى إلى اثنين،
والتقدير: يخصفان أنفسهما، ويقرأ بفتح الياء وتشديد الصاد وكسرها مع فتح الخاء
وكسرها مع فتح الياء وكسرها، وقد ذكر تعليل ذلك في قوله " يخطف أبصارهم "
(عن تلكما) وقد ذكرنا أصل تلك، والإشارة إلى الشجرة، وهي واحدة
والمخاطب اثنان، فلذلك ثنى حرف الخطاب.
قوله تعالى (ومنها تخرجون) الواو في الأصل تعطف هذه الأفعال بعضها
على بعض، ولكن فصل بينهما بالظرف لأنه عطف جملة على جملة، وتخرجون بضم
التاء وفتحها، والمعنى فيها مفهوم.
270

قوله تعالى (وريشا) هو جمع ريشة، ويقرأ " رياشا " وفيه وجهان: أحدهما
هو جمع واحده ريش مثل ريح ورياح، والثاني أنه اسم للجمع مثل اللباس (ولباس
التقوى) يقرأ بالنصب عطفا على ريشا. فإن قيل: كيف ينزل اللباس والريش؟
قيل: لما كان الريش واللباس ينبتان بالمطر والمطر ينزل، جعل ما هو المسبب بمنزلة
السبب، ويقرأ بالرفع على الابتداء، و (ذلك) مبتدأ، و (خير) خبره، والجملة
خبر لباس، ويجوز أن يكون ذلك نعتا للباس: أي المذكور والمشار إليه، وأن يكون
بدلا منه أو عطف بيان، وخير الخبر، وقيل لباس التقوى خبر مبتدإ محذوف تقديره:
وساتر عوراتكم لباس التقوى، أو على العكس: أي ولباس التقوى ساتر عوراتكم،
وفي الكلام حذف مضاف: أي ولباس أهل التقوى، وقيل المعنى: ولباس الاتقاء
الذي يتقى به النظر، فلا حذف إذا.
قوله تعالى (لا يفتننكم) النهى في اللفظ للشيطان، والمعنى: لا تتبعوا الشيطان
فيفتنكم (كما أخرج) أي فتنة كفتنة أبويكم بالإخراج (ينزع عنهما) الجملة
في موضع الحال إن شئت من ضمير الفاعل في أخرج، وإن شئت من الأبوين لأن فيه
ضميرين لهما، وينزع حكاية أمر قد وقع، لأن نزع اللباس عنهما كان قبل الإخراج.
فإن قيل الشيطان لم ينزع عنهما اللباس. قيل: لكنه تسبب فنسب الإخراج والنزع
إليه (هو وقبيله) هو توكيد لضمير الفاعل ليحسن العطف عليه.
قوله تعالى (وأقيموا) في تقدير الكلام وجهان: أحدهما هو معطوف على
موضع القسط على المعنى: أي أمر ربى فقال اقسطوا وأقيموا، والثاني في الكلام
حذف تقديره: فأقبلوا وأقيموا، و (الدين) منصوب بمخلصين، ولا يجوز هنا
فتح اللام في مخلصين لأن ذكر المفعول يمنع من أن لا يسمى الفاعل (كما) الكاف نعت
لمصدر محذوف: أي (تعودون) عودا كبدئكم (فريقا هدى) فيه وجهان:
أحدهما هو منصوب بهدى (وفريقا) الثاني منصوب بفعل محذوف تقديره: وأضل
فريقا، وما بعده تفسير للمحذوف، والكلام كله حال من الضمير في تعودون،
وقد مع الفعل مرادة تقديره: تعودون قد هدى فريقا وأضل فريقا. والوجه الثاني
أن فريقا في الموضعين حال وهدى وصف للأول، و (حق عليهم) وصف للثاني،
والتقدير: تعودون فريقين، وقرأ به أبى، ولم تلحق تاء التأنيث لحق للفصل، أو لأن
التأنيث غير حقيقي.
271

قوله تعالى (عند كل مسجد) ظرف لخذوا، وليس بحال للزينة لأن أحدها
يكون قبل ذلك، وفى الكلام حذف تقديره: عند قصد كل مسجد.
قوله تعالى (قل هي) هي مبتدأ، وفى الخبر ستة أوجه: أحدها (خالصة)
على قراءة من رفع، فعلى هذا تكون اللام متعلقة بخالصة: أي هي خالصة لمن آمن
في الدنيا، و (يوم القيامة) ظرف لخالصة، ولم يمتنع تعلق الظرفين بها لأن اللام
للتبيين، والثاني ظرف محض، وفى متعلقة بآمنوا، والثاني أن يكون الخبر للذين،
وخالصة خبر ثان، وفى متعلقة بآمنوا، والثالث أن يكون الخبر للذين، وفى الحياة
الدنيا معمول الظرف الذي هو اللام: أي يستقر للذين آمنوا في الحياة الدنيا وخالصة
خبر ثان، والرابع أن يكون الخبر في الحياة الدنيا، وللذين متعلقة بخالصة، والخامس
أن تكون اللام حالا من الظرف الذي بعدها على قول الأخفش، والسادس أن تكون
خالصة نصبا على الحال على قراءة من نصب، والعامل فيها للذين، أو في الحياة الدنيا
إذا جعلته خبرا، أو حالا، والتقدير: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها
له يوم القيامة: أي إن الزينة يشاركون فيها في الدنيا وتخلص لهم في الآخرة، ولا يجوز
أن تعمل في خالصة زينة الله لأنه قد وصفها بقوله التي، والمصدر إذا وصف لا يعمل،
ولا قوله أخرج لأجل الفصل الذي بينهما وهو قوله قل، وأجاز أبو علي أن يعمل
فيها حرم وهو بعيد لأجل الفصل أيضا (كذلك نفصل) قد ذكرنا إعراب نظيره
في البقرة والأنعام.
قوله تعالى (ما ظهر منها وما بطن) بدلان من الفواحش و (بغير الحق)
متعلق بالبغي، وقيل هو من الضمير الذي في المصدر إذ التقدير: وإن تبغوا بغير
الحق، وعند هؤلاء يكون في المصدر ضمير.
قوله تعالى (جاء أجلهم) هو مفرد في موضع الجمع، وقرأ ابن سيرين آجالهم
على الأصل لأن لكل واحد منهم أجلا.
قوله تعالى (يقصون عليكم) يجوز أن يكون في موضع رفع صفة لرسل،
وأن يكون حالا من رسل أو من الضمير في الظرف.
قوله تعالى (من الكتاب) حال من نصيبهم.
قوله تعالى (من قبلكم) يجوز أن يكون ظرفا لخلت، وأن يكون صفة لأمم،
و (من الجن) حال من الضمير في خلت، أو صفة أخرى لأمم (في النار) متعلق
بادخلوا، ويجوز أن يكون صفة لأمم أو ظرفا لخلت (اداركوا) يقرأ بتشديد
272

الدال وألف بعدها، وأصلها تداركوا فأبدلت التاء دالا وأسكنت ليصح إدغامها.
ثم أجلبت لها همزة الوصل ليصح النطق بالساكن، ويقرأ كذلك إلا أنه بغير ألف
بعد الدال، ووزنه على هذا افتعلوا، فالتاء هنا بعد الدال مثل اقتتلوا، وقرئ
في الشاذ " تداركوا " على الأصل: أي أدرك بعضهم بعضا، وقرئ " إذا إداركوا "
بقطع الهمزة عما قبلها وكسرها على نية الوقف على ما قبلها والابتداء بها، وقرئ " إذا
داركوا " بألف واحدة ساكنة والدال بعدها مشددة، وهو جمع بين ساكنين، وجاز
ذلك لما كان الثاني مدغما كما قالوا دابة وشابة، وجاز في المنفصل كما جاز في المتصل،
وقد قال بعضهم اثنا عشر بإثبات الألف وسكون العين، وستري في موضعه إن شاء الله
تعالى، و (جميعا) حال (ضعفا) صفة لعذاب، وهو بمعنى مضعف أو مضاعف،
و (من النار) صفة أخرى، ويجوز أن يكون حالا.
قوله تعالى (لكل ضعف) أي لكل عذاب ضعف من النار، فحذف لدلالة
الأول عليه، (ولكن لا تعلمون) بالتاء على الخطاب، وبالياء على الغيبة.
قوله تعالى (لا تفتح) يقرأ بالتاء، ويجوز في التاء الثانية التخفيف والتشديد
التكثير، ويقرأ بالياء لأن تأنيث الأبواب غير حقيقي، وللفصل أيضا (الجمل)
يقرأ بفتح الجيم وهو الجمل المعروف، ويقرأ في الشاذ بسكون الميم، والأحسن أن
يكون لغة لأن تخفيف المفتوح ضعيف، ويقرأ بضم الجيم وفتح الميم وتشديدها،
وهو الحبل الغليظ، وهو جمع مثل صوم وقوم، ويقرأ بضم الجيم والميم مع التخفيف
وهو جمع مثل أسد وأسد، ويقرأ كذلك إلا أن الميم ساكنة وذلك على تخفيف المضموم
(سم الخياط) بفتح السين وضمها لغتان (وكذلك) في موضع نصب (نجزى)
على أنه وصف لمصدر محذوف.
قوله تعالى (غواش) هو جمع غاشية، وفى التنوين هنا ثلاثة أوجه: أحدها
أنه تنوين الصرف، وذلك أنهم حذفوا الياء من غواشي فنقص بناؤها عن بناء مساجد
وصارت مثل سلام، فلذلك صرفت. والثاني أنه عوض من الياء المحذوفة. والثالث
أنه عوض من حركة الياء المستحقة، ولما حذفت الحركة وعوض عنها التنوين حذفت
الياء لالتقاء الساكنين. وفى هذه المسألة كلام طويل يضيق هذا الكتاب عنه.
قوله تعالى (والذين آمنوا) مبتدأ، وفى الخبر وجهان: أحدهما (لا نكلف
نفسا إلا وسعها) والتقدير: منهم، فحذف العائد كما حذف في قوله " ولمن صبر
273

وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " والثاني أن الخبر (أولئك أصحاب الجنة)
ولا مكلف معترض بينهما.
قوله تعالى (من غل) هو حال من " ما " (تجرى من تحتهم) الجملة
في موضع الحال من الضمير المجرور بالإضافة، والعامل فيها معنى الإضافة.
قوله تعالى (هدانا لهذا) قد ذكرناه في الفاتحة (وما كنا) الواو للحال،
ويجوز أن تكون مستأنفة، ويقرأ بحذف الواو على الاستئناف، و (لنهتدي)
قد ذكرنا إعراب مثله في قوله تعالى " ما كان الله ليذر المؤمنين " (أن هدانا) هما
في تأويل المصدر، وموضعه رفع بالابتداء لأن الاسم الواقع بعد " لولا " هذه كذلك
وجواب " لولا " محذوف دل عليه ما قبله تقديره: لولا أن هدانا الله ما كنا لنهتدي.
وبهذا حسنت القراءة بحذف الواو (أن تلكم) في أن وجهان: أحدهما هي بمعنى
أي ولا موضع لها، وهي تفسير للنداء. والثاني أنها مخففة من الثقيلة واسمها محذوف
والجملة بعدها خبرها: أي ونودوا أنه تلكم الجنة، والهاء ضمير الشأن، وموضع
الكلام كله نصب بنودوا، وجر على تقديره بأنه (أورثتموها) يقرأ بالإظهار
على الأصل، وبالإدغام لمشاركة التاء في الهمس وقربها منها في المخرج وموضع الجملة
نصب على الحال من الجنة، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة، ولا يجوز أن
يكون حالا من تلك لوجهين: أحدهما أنه فصل بينهما بالخبر. والثاني أن تلك مبتدأ
والابتداء لا يعمل في الحال، ويجوز أن تكون الجنة نعتا لتلكم أو بدلا، وأورثتموها
الخبر، ولا يجوز أن تكون الجملة حالا من الكاف والميم، لأن الكاف حرف
للخطاب، وصاحب الحال لا يكون حرفا، ولأن الحال تكون بعد تمام الكلام،
والكلام لا يتم بتلكم.
قوله تعالى (أن قد وجدنا) أن يجوز أن تكون بمعنى أي، وأن تكون مخففة
(حقا) يجوز أن تكون حالا، وأن تكون مفعولا ثانيا، ويكون وجدنا بمعنى علمنا
(ما وعد ربكم) حذف المفعول من وعد الثانية، فيجوز أن يكون التقدير:
وعدكم، وحذفه لدلالة الأول عليه، ويجوز أن يكون التقدير: ما وعد الفريقين،
يعنى نعيمنا وعذابكم، ويجوز أن يكون التقدير: ما وعدنا، ويقوى ذلك أن ما عليه
أصحاب النار شر، والمستعمل فيه أوعد، ووعد يستعمل في الخير أكثر (نعم)
حرف يجاب به عن الاستفهام في إثبات المستفهم عنه، ونونها وعينها مفتوحتان،
ويقرأ بكسر العين وهي لغة، ويجوز كسرهما جميعا على الاتباع (بينهم) يجوز
274

أن يكون ظرفا لأذن، وأن يكون صفة لمؤذن (أن لعنة الله) يقرأ بفتح الهمزة
وتخفيف النون وهي مخففة: أي بأنه لعنة الله، ويجوز أن تكون بمعنى أي، لأن الأذان
قول، ويقرأ بتشديد النون ونصب اللعنة وهو ظاهر، وقرئ في الشاذ بكسر الهمزة:
أي فقال أن لعنة الله.
قوله تعالى (الذين يصدون) يجوز أن يكون جرا ونصبا ورفعا.
قوله تعالى (ونادوا) الضمير يعود على رجال (أن سلام) أي أنه سلام،
ويجوز أن تكون بمعنى أي (لم يدخلوها) أي لم يدخل أصحاب الجنة الجنة بعد
(وهم يطمعون) في دخولها: أي نادوهم في هذه الحال، ولا موضع لقوله:
وهم يطمعون على هذا، وقيل المعنى: إنهم نادوهم بعد أن دخلوا، ولكنهم دخلوها
وهم لا يطمعون فيها، فتكون الجملة على هذا حالا.
قوله تعالى (تلقاء) هو في الأصل مصدر، وليس في المصادر تفعال بكسر
التاء إلا تلقاء وتبيان، وإنما يجئ ذلك في الأسماء نحو التمثال والتمساح والتقصار،
وانتصاب تلقاء هاهنا على الظرف: أي ناحية أصحاب النار.
قوله تعالى (ما أغنى) ويجوز أن تكون " ما " نافية، وأن تكون استفهاما.
قوله تعالى (لا ينالهم) تقديره: أقسمتم عليه بأن لا ينالهم، فلا ينالهم هو
المحلوف عليه (ادخلوا) تقديره: فالتفتوا إلى أصحاب الجنة فقالوا ادخلوا، ويقرأ
في الشاذ " وادخلوا " على الاستئناف، وذلك يقال بعد دخولهم (لا خوف عليكم)
إذا قرئ " ادخلوا " على الأمر كانت الجملة حالا: أي ادخلوا آمنين، وإذا قرئ
على الخبر كان رجوعا من الغيبة إلى الخطاب.
قوله تعالى (أن أفيضوا) يجوز أن تكون أن مصدرية وتفسيرية، و (من
الماء) تقديره شيئا من الماء (أو مما) قيل أو بمعنى الواو، واحتج لذلك بقوله
(حرمهما) وقيل هي على بابها، وحرمهما على المعنى فيكون فيه حذف: أي كلا
منهما أو كليهما.
قوله تعالى (الذين اتخذوا دينهم) يجوز أن يكون جرا ونصبا، ورفعا
و (لهوا) مفعول ثان، والتفسير ملهوا به وملعوبا به، ويجوز أن يكون صيروا
عادتهم، لأن الدين قد جاء بمعنى العادة.
قوله تعالى (على علم) يجوز أن يكون فصلناه مشتملا على علم، فيكون حالا
275

من الهاء، ويجوز أن يكون حالا من الفاعل: أي فصلناه عالمين: أي على علم منا
(هدى ورحمة) حالان: أي ذا هدى وذا رحمة، وقرئ بالرفع على أنه خبر
مبتدإ محذوف.
قوله تعالى (يوم يأتي) هو ظرف ل‍ (يقول)، (فيشفعوا لنا) هو
منصوب على جواب الاستفهام (أو نرد) المشهور الرفع، وهو معطوف على موضع
من شفعاء تقديره: أو هل نرد (فنعمل) على جواب الاستفهام أيضا، ويقرأ
برفعهما: أي فهل نعمل، وهو داخل في الاستفهام، ويقرآن بالنصب على
جواب الاستفهام.
قوله تعالى (يغشى الليل) في موضعه وجهان: أحدهما هو حال من الضمير
في خلق، وخبر إن على هذا " الله الذي خلق ". والثاني أنه مستأنف ويغشى بالتخفيف
وضم الياء، وهو من أغشى ويتعدى إلى مفعولين: أي يغشى الله الليل النهار، ويقرأ
" يغشى " بالتشديد، والمعنى واحد، ويقرأ " يغشى " بفتح الياء والتخفيف، والليل
فاعله (يطلبه) حال من الليل أو من النهار، و (حثيثا) حال من الليل لأنه
الفاعل، ويجوز أن يكون من النهار فيكون التقدير: يطلب الليل النهار محثوثا، وأن
يكون صفة لمصدر محذوف: أي طلبا حثيثا (والشمس) يقرأ بالنصب، والتقدير
وخلق الشمس، ومن رفع استأنف.
قوله تعالى (وخفية) يقرأ بضم الخاء وكسرها وهما لغتان، والمصدران حالان،
ويجوز أن يكون مفعولا له، ومثله خوفا وطمعا.
قوله تعالى (قريب) إنما لم تؤنث لأنه أراد المطر، وقيل إن الرحمة والترحم
بمعنى، وقيل هو على النسب: أي ذات قرب كما يقال امرأة طالق، وقيل هو فعيل
بمعنى مفعول كما قالوا لحية دهين وكف خضيب، وقيل أرادوا المكان: أي أن
مكان رحمة الله قريب، وقيل فرق بالحذف بين القريب من النسب وبين القريب
من غيره.
قوله تعالى (نشرا) يقرأ بالنون والشين مضمومتين وهو جمع. وفي واحده
وجهان: أحدهما نشور مثل صبور وصبر، فعلى هذا يجوز أن يكون فعول بمعنى
فاعل: أي ينشر الأرض، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول كركوب بمعنى مركوب
أي منشورة بعد الطي، أو منشرة: أي محياة من قولك: أنشر الله الميت فهو منشر
ويجوز أن يكون جمع ناشر مثل نازل ونزل، ويقرأ بضم النون وإسكان الشين على
276

تخفيف المضموم، ويقرأ " نشرا " بفتح النون وإسكان الشين، وهو مصدر نشر
بعد الطي، أو من قولك: أنشر الله الميت فنشر: أي عاش، ونصبه على الحال:
أي ناشرة أو ذات نشر، كما تقول جاء ركضا: أي راكضا، ويقرأ " بشرا " بالباء
وضمتين وهو جمع بشير مثل قليب وقلب، ويقرأ كذلك إلا أنه بسكون الشين على
التخفيف، ومثله في المعنى " أرسل الرياح مبشرات " ويقرأ " بشرى " مثل حبلى
أي ذات بشارة، ويقرأ " بشرا " بفتح الباء وسكون الشين وهو مصدر بشرته إذا
بشرته (سحابا) جمع سحابة، وكذلك وصفها بالجمع (لبلد) أي لإحياء بلد (به
الماء) الهاء ضمير الباء أو ضمير السحاب أو ضمير الريح، وكذلك الهاء في
(به) الثانية.
قوله تعالى (يخرج نباته) يقرأ بفتح الياء وضم الراء ورفع النبات، ويقرأ
كذلك إلا أنه يضم الياء على ما لم يسم فاعله، ويقرأ بضم الياء وكسر الراء ونصب
النبات: أي فيخرج الله أو الماء (بإذن ربه) متعلق بيخرج (إلا نكدا) بفتح
النون وكسر الكاف وهو حال، ويقرأ بفتحهما على أنه مصدر: أي ذا نكد،
ويقرأ بفتح النون وسكون الكاف، وهو مصدر أيضا وهو لغة، ويقرأ " يخرج "
بضم الياء وكسر الراء، ونكدا مفعوله.
قوله تعالى (من إله غيره) من زائدة، وإله مبتدأ، ولكم الخبر، وقيل الخبر
محذوف: أي مالكم من إله في الوجود، ولكم تخصيص، وتبيين. وغيره بالرفع فيه
وجهان: أحدهما هو صفة " لإله " على الموضع، والثاني هو بدل من الموضع مثل:
لا إله إلا الله، ويقرأ بالنصب على الاستثناء، وبالجر صفة على اللفظ (عذاب يوم
عظيم) وصف اليوم بالعظم، والمراد عظم ما فيه.
قوله تعالى (من قومه) حال من الملا، و (نراك) من رؤية العين، فيكون
(في ضلال) حالا، ويجوز أن تكون من رؤية القلب فيكون مفعولا ثانيا.
قوله تعالى (أبلغكم) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون صفة لرسول
على المعنى، لأن الرسول هو الضمير في " لكني " ولو كان يبلغكم لجاز لأنه يعود على
لفظ رسول، ويجوز أن يكون حالا، والعامل فيه الجار من قوله من رب (وأعلم
من الله) بمعنى أعرف، فيتعدى إلى مفعول واحد، وهو " ما " وهي بمعنى الذي
أو نكرة موصوفة. ومن الله فيه وجهان: أحدهما هو متعلق بأعلم: أي ابتداء علمي
من عند الله. والثاني أن يكون حالا من " ما " أو من العائد المحذوف.
277

قوله تعالى (من ربكم) يجوز أن يكون صفة لذكر، وأن تتعلق بجاءكم
(على رجل) يجوز أن يكون حالا من: أي نازلا على رجل، وأن يكون متعلقا
بجاءكم على المعنى لأنه في معنى نزل إليكم، وفى الكلام حذف مضاف: أي على قلب
رجل أو لسان رجل.
قوله تعالى (في الفلك) هو حال من " من " أو من الضمير المرفوع في معه،
والأصل في (عمين) عميين فسكنت الأولى وحذفت.
قوله تعالى (هودا) بدل من أخاهم، وأخاهم منصوب بفعل محذوف: أي
وأرسلنا إلى عاد، وكذلك أوائل القصص التي بعدها.
قوله تعالى (ناصح أمين) هو فعيل بمعنى مفعول.
قوله تعالى (في الخلق) يجوز أن يكون حالا من (بسطة) وأن يكون متعلقا
بزادكم. والآلاء جمع، وفى واحدها ثلاث لغات: إلى بكسر الهمزة وألف واحد
بعد اللام، وبفتح الهمزة كذلك، وبكسر الهمزة وسكون اللام وياء بعدها.
قوله تعالى (وحده) هو مصدر محذوف الزوائد. وفى موضعه وجهان: أحدهما
هو مصدر في موضع الحال من الله: أي لنعبد الله مفردا وموحدا، وقال بعضهم:
هو حال من الفاعلين: أي موحدين له. والثاني أنه ظرف: أي لنعبد الله على حياله
قاله يونس، وأصل هذا المصدر الإيجاد من قولك أوحدته، فحذفت الهمزة والألف
وهما الزائدان.
قوله تعالى (من ربكم) يجوز أن يكون حالا من (رجس) وأن يتعلق
بوقع (في أسماء) أي ذوي أسماء أو مسميات.
قوله تعالى (آية) حال من الناقة، والعامل فيها معنى ما في هذه من التنبيه
والإشارة، ويجوز أن يعمل في آية لكم، ويجوز أن يكون لكم حالا من آية،
ويجوز أن يكون ناقة الله بدلا من هذه أو عطف بيان ولكم الخبر، وجاز أن يكون
آية حالا لأنها بمعنى علامة ودليلا (تأكل) جواب الأمر (فيأخذكم) جواب
النهى، وقرئ بالرفع وموضعه حال.
قوله تعالى (من سهولها) يجوز أن يكون حالا من (قصورا) ومفعولا ثانيا
لتتخذون، وأن تتعلق بتتخذون لا على أن تتخذون يتعدى إلى مفعولين بل إلى واحد،
و " من " لابتداء غاية الاتخاذ (وتنحتون الجبال) فيه وجهان: أحدهما أنه بمعنى
278

تتخذون فيكون (بيوتا) مفعولا ثانيا. والثاني أن يكون التقدير من الجبال على
ما جاء في الآية الأخرى، فيكون بيوتا المفعول، ومن الجبال على ما ذكرنا في قوله
من سهولها.
قوله تعالى (لمن آمن) هو بدل من قوله " للذين استضعفوا " بإعادة الجار
كقولك: مررت بزيد بأخيك.
قوله تعالى (فأصبحوا) يجوز أن تكون التامة، ويكون (جاثمين) حالا،
وأن تكون الناقصة، وجاثمين الخبر، وفي دارهم متعلق بجاثمين.
قوله تعالى (ولوطا) أي وأرسلنا لوطا، أو واذكر لوطا، و (إذ) على التقدير
الأول ظرف، وعلى الثاني يكون ظرفا لمحذوف تقديره: واذكر رسالة لوط إذ
(ما سبقكم بها) في موضع الحال من الفاحشة أو من الفاعل في أتأتون تقديره
مبتدئين (أئنكم) يقرأ بهمزتين على الاستفهام، ويجوز تخفيف الثانية وتليينها،
وهو جعلها بين الياء والألف، ويقرأ بهمزة واحدة على الخبر (شهوة) مفعول من
أجله، أو مصدر في موضع الحال (من دون النساء) صفة لرجال: أي منفردين
عن النساء (بل أنتم) بل هنا للخروج من قصة إلى قصة، وقيل هو إضراب عن
محذوف تقديره: ما عدلتم بل أنتم مسرفون.
قوله تعالى (وما كان جواب قومه) يقرأ بالنصب والرفع، وقد ذكر
في آل عمران وفي الأنعام.
قوله تعالى (مطرا) هو مفعول أمطرنا، والمطر هنا الحجارة كما جاء في الآية
الأخرى " وأمطرنا عليهم حجارة ".
قوله تعالى (ولا تبخسوا) هو متعد إلى مفعولين وهما (الناس) و (أشياءهم)
وتقول: بخست زيدا حقه: أي نقصته إياه.
قوله تعالى (توعدون) حال من الضمير في تقعدوا (من آمن) مفعول تصدون
لا مفعول توعدون، إذ لو كان مفعول الأول لكان تصدونهم (وتبغونها) حالا،
وقد ذكرناها في قوله تعالى " يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله " في آل عمران.
قوله تعالى (أو لو كنا كارهين) أي ولو كرهنا تعيدوننا " ولو " هنا بمعنى
إن لأنه المستقبل، ويجوز أن تكون على أصلها، ويكون المعنى إن كنا كارهين
في هذه الحال.
279

قوله تعالى (قد افترينا) هو بمعنى المستقبل لأنه لم يقع، وإنما سد مسد جواب
(إن عدنا) وساغ دخول قد هاهنا لأنهم قد نزلوا الافتراء عند العود منزلة الواقع
فقرنوه بقد، وكأن المعنى قد افترينا الآن إن هممنا بالعود (إلا أن يشاء) المصدر
في موضع نصب على الاستثناء، والتقدير: إلا وقت أن يشاء الله، وقيل هو استثناء
منقطع، وقيل إلا في حال مشيئة الله، و (علما) قد ذكر في الأنعام.
قوله تعالى (إذا لخاسرون) إذا هنا متوسطة بين اسم إن وخبرها، وهي حرف
معناه الجواب، ويعمل في الفعل بشروط مخصوصة وليس " ذا " موضعها.
قوله تعالى (الذين كذبوا شعيبا) لك فيه ثلاثة أوجه: أحدها هو مبتدأ.
وفى الخبر وجهان: أحدهما (كأن لم يغنوا فيها) وما بعده جملة أخرى، أو بدل
من الضمير في يغنوا، أو نصب بإضمار أعنى. والثاني أن الخبر (الذين كذبوا
شعيبا كانوا) و " كأن لم يغنوا " على هذا حال من الضمير في كذبوا، والوجه الثاني
أن يكون صفة لقوله " الذين كفروا من قومه " والثالث أن يكون بدلا منه، وعلى
الوجهين يكون كأن لم حالا.
قوله تعالى (حتى عفوا) أي إلى أن عفوا: أي كثروا (فأخذناهم)
هو معطوف على عفوا.
قوله تعالى (أو أمن أهل القرى) يقرأ بفتح الواو على أنها واو العطف دخلت
عليه همزة الاستفهام، ويقرأ بسكونها وهي لأحد الشيئين، والمعنى: أفأمنوا إتيان
العذاب ضحى، أو أمنوا بأن يأتيهم ليلا؟ وبياتا الحال من بأسنا، أي مستخفيا
باغتيالهم ليلا.
قوله تعالى (فلا يأمن مكر الله) الفاء هنا للتنبيه على تعقيب العذاب
أمن مكر الله.
قوله تعالى (أو لم يهد للذين) يقرأ بالياء، وفاعله (أن لو نشاء) وأن
مخففة من الثقيلة: أي أو لم يبين لهم علمهم بمشيئتنا، ويقرأ بالنون وأن لو نشاء مفعوله
وقيل فاعل يهدى ضمير اسم الله تعالى (فهم لا يسمعون) الفاء لتعقيب عدم
السمع بعد الطبع على القلب من غير فصل.
قوله تعالى (نقص عليك من أنبائها) هو مثل قوله " ذلك من أنباء الغيب
نوحيه " وقد ذكر في آل عمران، ومثل قوله تعالى " تلك آيات الله نتلوها " وقد
ذكر في البقرة.
280

قوله تعالى (لأكثرهم) هو حال من (عهد) ومن زائدة: أي ما وجدنا
عهدا لأكثرهم (وإن وجدنا) مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف: أي وإنا وجدنا
واللام في (لفاسقين) لازمة لها لتفصل بين أن المخففة وبين إن بمعنى " ما " وقال
الكوفيون: من الثقيلة " إن " بمعنى " ما " وقد ذكر في البقرة عند قوله " وإن
كانت لكبيرة ".
قوله تعالى (كيف كان) كيف في موضع نصب خبر كان، (عاقبة)
اسمها، والجملة في موضع نصب بفانظر.
قوله تعالى (حقيق) وخبره (أن لا أقول) على قراءة من شدد الياء،
في علي، وعلى متعلق بحقيق، والجيد أن يكون " أن لا " فاعل حقيق لأنه ناب عن
بحق على، ويقرأ على ألا، والمعنى واجب بأن لا أقول، وحقيق هاهنا على الصحيح
صفة لرسول، أو خبر ثان، كما تقول: أنا حقيق بكذا: أي أحق، وقيل المعنى
على قراءة من شدد الياء أن يكون حقيق صفة لرسول، وما بعده مبتدأ وخبر: أي
على قول الحق.
قوله تعالى (فإذا هي) " إذا " للمفاجأة، وهي مكان، وما بعدها مبتدأ.
و (ثعبان) خبره، وقيل هي ظرف زمان، وقد أشبعنا القول فيها فيما تقدم.
قوله تعالى (فماذا تأمرون) هو مثل قوله " ماذا ينفقون " وقد ذكر في البقرة.
وفي المعنى وجهان: أحدهما أنه من تمام الحكاية عن قول الملا. والثاني أنه مستأنف
من قول فرعون، تقديره: فقال ماذا تأمرون، ويدل على ما بعده، وهو قوله
(قالوا أرجه وأخاه) وأرجئه يقرأ بالهمزة وضم الهاء من غير إشباع وهو الجيد،
وبالإشباع وهو ضعيف لأن الهاء خفية، فكأن الواو التي بعدها تتلو الهمزة، وهو
قريب من الجمع بين ساكنين، ومن هنا ضعف قولهم عليه مال بالإشباع، ويقرأ
بكسر الهاء مع الهمز وهو ضعيف، لأن الهمز حرف صحيح ساكن، فليس قبل الهاء
ما يقتضى الكسر. ووجهه أنه أتبع الهاء كسرة الجيم، والحاجز غير حصين، ويقرأ
من غير همز من أرجيت بالياء، ثم منهم من يكسر الهاء ويشبعها، ومنهم من لا يشبعها،
ومنهم من يسكنها، وقد بينا ذلك في " يؤده إليك ".
قوله تعالى (بكل ساحر) يقرأ بألف بعد السين وألف بعد الحاء مع التشديد
وهو الكثير.
281

قوله تعالى (أئن لنا) يقرأ بهمزتين على الاستفهام والتحقيق والتليين على ما تقدم
وبهمزة واحدة على الخبر.
قوله تعالى (إما أن تلقى) في موضع أن والفعل وجهان: أحدهما رفع:
أي أمرنا إما الإلقاء، والثاني نصب: أي إما أن تفعل الإلقاء.
قوله تعالى (واسترهبوهم) أي طلبوا إرهابهم، وقيل هو بمعنى أرهبوهم مثل
قر واستقر.
قوله تعالى (أن ألق) يجوز أن تكون أن المصدرية، وأن تكون بمعنى: أي
(فإذا هي تلقف) يقرأ بفتح اللام وتشديد القاف مع تخفيف التاء مثل تكلم،
ويقرأ " أتلقف " بتشديد التاء أيضا، والأصل تتلقف فأدغمت الأولى في الثانية ووصلت
بما قبلها فأغنى عن همزة الوصل، ويقرأ بسكون اللام وفتح القاف، وماضيه
لقف مثل علم.
قوله تعالى (قالوا آمنا) يجوز أن يكون حالا: أي فانقلبوا صاغرين قد قالوا،
ويجوز أن يكون مستأنفا (رب موسى) بدل مما قبله.
قوله تعالى (قال فرعون آمنتم) يقرأ بهمزتين على الاستفهام، ومنهم من
يحقق الثانية، ومنهم من يخففها، والفصل بينهما بألف بعيد لأنه يصير في التقدير
كأربع ألفات، ويقرأ بهمزة واحدة على لفظ الخبر، فيجوز أن يكون خبرا في المعنى
وأن يكون حذف همزة الاستفهام، وقرئ " فرعون وآمنتم " بجعل الهمزة الأولى
واوا لانضمام ما قبلها.
قوله تعالى (وما تنقم) يقرأ بكسر القاف وفتحها، وقد ذكر في المائدة.
قوله تعالى (ويذرك) الجمهور على فتح الراء عطفا على ليفسدوا، وسكنها
بعضهم على التخفيف، وضمها بعضهم: أي وهو يذرك، ويقرأ (وآلهتك)
مثل العبادة والزيادة، وهي العبادة.
قوله تعالى (يورثها) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون حالا من الله.
قوله تعالى (بالسنين) الأصل في سنة سنهة، فلامها هاء لقولهم: عاملته مسانهة
وقيل لامها واو لقولهم سنوات، وأكثر العرب تجعلها كالزيدون، ومنهم من يجعل
النون حرف الإعراب، وكسرت سنيها إيذانا بأنها جمعت على غير القياس (من
لثمرات) متعلق بنقص، والمعنى وبتنقص الثمرات.
282

قوله تعالى (يطيروا) أي يتطيروا، وقرئ شاذا " تطيروا " على لفظ الماضي
(طائرهم) على لفظ الواحد، ويقرأ طيرهم، وقد ذكر مثله في آل عمران.
قوله تعالى (مهما) فيها ثلاثة أقوال: أحدها أن " مه " بمعنى اكفف، و " ما "
اسم للشرط كقوله " ما يفتح الله للناس من رحمة " والثاني أن أصل " مه " ما الشرطية
زيدت عليها ما كما زيدت في قوله " إما يأتينكم " ثم أبدلت الألف الأولى هاء لئلا
تتوالى كلمتان بلفظ واحد. والثالث أنها بأسرها كلمة واحدة غير مركبة، وموضع
الاسم على الأقوال كلها نصب ب‍ (تأتنا) والهاء في " به " تعود على ذلك الاسم.
قوله تعالى (الطوفان) قيل هو مصدر، وقيل هو جمع طوفانة، وهو الماء
المغرق الكثير (والجراد) جمع جرادة الذكر والأنثى. سواء (والقمل) يقرأ
بالتشديد والتخفيف مع فتح القاف وسكون الميم، قيل هما لغتان، وقيل هما
القمل المعروف في الثياب ونحوها، والمشدد يكون في الطعام (آيات) حال من
الأشياء المذكورة.
قوله تعالى (بما عهد عندك) يجوز أن تتعلق الباء بادع: أي بالشئ الذي
علمك الله الدعاء به. ويجوز أن تكون الباء للقسم (إذا هم ينكثون) هم مبتدأ
وينكثون الخبر، وإذا للمفاجأة وقد تقدم ذكرها.
قوله تعالى (وأورثنا) يتعدى إلى مفعولين، فالأول (القوم). و (الذين
كانوا) نعت. وفى المفعول الثاني ثلاثة أوجه: أحدها (مشارق الأرض ومغاربها)
والمراد أرض الشام أو مصر، و (التي باركنا) على هذا فيه وجهان: أحدهما هو
صفة المشارق والمغارب. والثاني صفة الأرض، وفيه ضعف لأن فيه العطف على
الموصوف قبل الصفة. والقول الثاني أن المفعول الثاني لأورثنا التي باركنا: أي
الأرض التي باركنا، فعلى هذا في المشارق والمغارب وجهان: أحدهما هو ظرف
ليستضعفون. والثاني أن تقديره: يستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها، فلما
حذف الحرف وصل الفعل بنفسه فنصب. والقول الثالث أن التي باركنا صفة على
ما تقدم، والمفعول الثاني محذوف تقديره: الأرض أو الملك (ما كان يصنع)
" ما " بمعنى الذي. وفى اسم كان وجهان: أحدهما هو ضمير " ما " وخبرها يصنع
فرعون، والعائد محذوف، أي يصنعه. والثاني أن اسم كان فرعون. وفى يصنع ضمير
فاعل، وهذا ضعيف لأن يصنع يصلح أن يعمل في فرعون فلا يقدر تأخيره كما لا يقدر
تأخير الفعل في قولك: قام زيد، وقيل " ما " مصدرية وكان زائدة، وقيل ليست
283

زائدة، ولكن كان الناقصة لا تفصل بين " ما " وبين صلتها. وقد ذكرنا ذلك في قوله
" بما كانوا يكذبون " وعلى هذا القول تحتاج كان إلى اسم، ويضعف أن يكون اسمها
ضمير الشأن لأن الجملة التي بعدها صلة " ما " فلا تصلح للتفسير فلا يصلح بها الإيضاح،
وتمام الاسم لأن المفسر يجب أن يكون مستقبلا فتدعو الحاجة إلى أن نجعل فرعون اسم
كان وفي يصنع ضمير يعود عليه، و (يعرشون) بضم الراء وكسرها لغتان،
وكذلك يعكفون، وقد قرئ بهما فيهما.
قوله تعالى (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) الباء هنا معدية كالهمزة والتشديد،
أي أجزنا ببني إسرائيل البحر وجوزنا.
قوله تعالى (كما لهم آلهة) في " ما " ثلاثة أوجه: أحدها هي مصدرية،
والجملة بعدها صلة لها، وحسن ذلك أن الظرف مقدر بالفعل. والثاني أن " ما "
بمعنى الذي، والعائد محذوف، وآلهة بدل منه تقديره: كالذي هو لهم، والكاف
وما عملت فيه صفة لإله: أي إلها مماثلا للذي لهم. والوجه الثالث أن تكون " ما "
كافة للكاف، إذ من حكم الكاف أن تدخل على المفرد، فلما أريد دخولها على
الجملة كفت بما.
قوله تعالى (ما هم فيه) يجوز أن تكون " ما " مرفوعة بمتبر، لأنه قوى
بوقوعه خبرا، وأن تكون " ما " مبتدأ ومتبر خبر مقدم.
قوله تعالى (أغير الله) فيه وجهان: أحدهما هو مفعول أبغيكم، والتقدير:
أبغى لكم فحذف اللام، و (إلها) تمييز. والثاني أن إلها مفعول أبغيكم غير الله
صفة له قدمت عليه فصارت حالا (وهو فضلكم) يجوز أن يكون حالا، وأن
يكون مستأنفا.
قوله تعالى (ثلاثين ليلة) هو مفعول ثان لواعدنا، وفيه حذف مضاف
تقديره: إتيان ثلاثين أو تمام ثلاثين، و (أربعين ليلة) حال تقديرها: فتم
ميقات ربه كاملا، وقيل هو مفعول تم، لأن معناه بلغ، فهو كقولهم: بلغت أرضك
جريبين، و (هارون) بدل أو عطف بيان، ولو قرئ بالرفع لكان نداء أو خبر
مبتدإ محذوف.
قوله تعالى (جعله دكا) أي صيره، فهو متعد إلى اثنين، فمن قرأ " دكا "
جعله مصدرا بمعنى المدكوك: وقيل تقديره: ذا دك، ومن قرأ بالمد جعله مثل أرض
دكاء أو ناقة دكاء، وهي التي لا سنام لها، و (صعقا) حال مقارنة.
284

قوله تعالى (سأريكم) قرئ في الشاذ بواو بعد الهمزة، وهي ناشئة عن الإشباع
وفيها بعد.
قوله تعالى (سبيل الرشد) يقرأ بضم الراء وسكون الشين وبفتحهما: وسبيل
الرشاد بالألف والمعنى واحد.
قوله تعالى (والذين كذبوا) مبتدأ وخبره (حبطت) ويجوز أن يكون
الخبر (هل يجزون) وحبطت حال من ضمير الفاعل في كذبوا، وقد مرادة.
قوله تعالى (من حليهم) يقرأ بفتح الحاء وسكون اللام وتخفيف الياء وهو
واحد، ويقرأ بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء وهو جمع أصله حلوى، فقلبت
الواو ياء وأدغمت في الياء الأخرى ثم كسرت اللام اتباعا لها ويقرأ بكسر الحاء واللام
والتشديد على أن يكون أتبع الكسر الكسر (عجلا) مفعول اتخذه و (جسدا)
نعت أو بدل أن بيان من حليهم، ويجوز أن يكون صفة لعجل قدم فصار حالا، وأن
يكون متعلقا باتخذ، والمفعول الثاني محذوف أي إلها.
قوله تعالى (سقط في أيديهم) الجار والمجرور قائم مقام الفاعل، والتقدير:
سقط الندم في أيديهم.
قوله تعالى (غضبان) حال من موسى، و (أسفا) حال آخر بدل من التي
قبلها، ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في غضبان.
قوله تعالى (يجره إليه) يجوز أن يكون حالا من موسى، وأن يكون حالا
من الرأس، ويضعف أن يكون حالا من أخيه (قال ابن أم) يقرأ بكسر الميم،
والكسرة تدل على الياء المحذوفة، وبفتحها. وفيه وجهان: أحدهما أن الألف
محذوفة، وأصل الألف الياء، وفتحت الميم قبلها فانقلبت ألفا وبقيت الفتحة تدل
عليها، كما قالوا: يا بنت عما. والوجه الثاني أن يكون جعل ابن والأم بمنزلة
خمسة عشر، وبناهما على الفتح (فلا تشمت) الجمهور على ضم التاء وكسر الميم،
و (الأعداء) مفعوله، وقرئ بفتح التاء والميم، والأعداء فاعله، والنهى في اللفظ
للأعداء وفي المعنى لغيرهم وهو موسى، كما تقول: لا أرينك هاهنا، وقرئ بفتح
التاء والميم ونصب الأعداء والتقدير: لا تشمت أنت بي فتشمت بي الأعداء،
فحذف الفعل.
قوله تعالى (والذين عملوا السيئات) مبتدأ والخبر (إن ربك من
بعدها لغفور رحيم) والعائد محذوف: أي غفور لهم أو رحيم بهم.
285

قوله تعالى (وفى نسختها) الجملة حال من الألواح (لربهم يرهبون)
في اللام ثلاثة أوجه: أحدها هي بمعنى من أجل ربهم، فمفعول يرهبون على هذا
محذوف: أي يرهبون عقابه. والثاني هي متعلقة بفعل محذوف تقديره: والذين هم (1)
يخشعون لربهم. والثالث هي زائدة، وحسن ذلك لما تأخر الفعل.
قوله تعالى (واختار موسى قومه) اختار يتعدى إلى مفعولين: أحدهما بحرف
الجر وقد حذف هاهنا، والتقدير: من قومه، ولا يجوز أن يكون (سبعين) بدلا
عند الأكثرين، لأن المبدل منه في نية الطرح، والاختيار لابد له من مختار ومختار منه،
والبدل يسقط المختار منه، وأرى أن البدل جائز على ضعف، ويكون التقدير سبعين
رجلا منهم (أتهلكنا) قيل هو استفهام: أي أتعمنا بالإهلاك، وقيل معناه النفي:
أي ما نهلك من لم يذنب، و (منا) حال من السفهاء (تضل بها) يجوز أن يكون
مستأنفا، ويجوز أن يكون حالا من الكاف في فتنتك إذ ليس هنا ما تصلح أن يعمل
في الحال.
قوله تعالى (هدنا) المشهور ضم الهاء، وهو من هاد يهود إذا تاب، وقرئ
بكسرها، وهو من هاد يهيد إذا تحرك أو حرك: أي حركنا إليك نفوسنا (من
أشاء) المشهور في القراءة الشين، وقرئ بالسين والفتح، وهو فعل ماض: أي
أعاقب المسئ.
قوله تعالى (الذين يتبعون) في الذين ثلاثة أوجه: أحدها هو جر على أنه
صفة للذين يتقون أو بدل منه. والثاني نصب على إضمار أعنى. والثالث رفع: أي هم
الذين يتبعون، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر " يأمرهم، وأولئك هم المفلحون " (الأمي)
المشهور ضم الهمزة، وهو منسوب إلى الأم، وقد ذكر في البقرة، وقرئ بفتحها.
وفيه وجهان: أحدهما أنه من تغيير النسبة كما قالوا أموي. والثاني هو منسوب إلى
الأم وهو القصد: أي الذي هو على القصد والسداد (يجدونه) أي يجدون اسمه
و (مكتوبا) حال و (عندهم) ظرف لمكتوب أو ليجدون (يأمرهم) يجوز أن
يكون خبرا للذين. وقد ذكر، ويجوز أن يكون مستأنفا، أو أن يكون حالا من النبي
أو من الضمير في مكتوب (إصرهم) الجمهور على الافراد وهو جنس، ويقرأ

(1) (قوله تقديره والذين هم) كذا بالنسخ التي بأيدينا، والمناسب أن يقول للذين هم ليوافق نظم
لتلاوة كما لا يخفى اه‍.
286

آصارهم على الجمع لاختلاف أنواع الثقل الذي كان عليهم، ولذلك جمع الأغلال.
(وعزروه) بالتشديد والتخفيف وقد ذكر في المائدة.
قوله تعالى (الذي له ملك السماوات) موضع نصب بإضمار أعنى،
أي في موضع رفع على إضمار هو، ويبعد أن يكون صفة لله أو بدلا منه لما فيه من الفصل
بينهما بإليكم وحاله وهو متعلق برسول.
قوله تعالى (وقطعناهم اثنتي) فيه وجهان: أحدهما أن قطعنا بمعنى صيرنا
فيكون اثنتي عشرة مفعولا ثانيا. والثاني أن يكون حالا: أي فرقناهم فرقا، و (عشرة)
بسكون الشين وكسرها وفتحها لغات قد قرئ بها، و (أسباطا) بدل من اثنتي عشرة
لا تمييز لأنه جمع، و (أمما) نعت لأسباط، أو بدل بعد بدل، وأنث اثنتي عشرة،
لأن التقدير: اثنتي عشرة أمة (أن اضرب) يجوز أن تكون مصدرية، وأن تكون
بمعنى أي.
قوله تعالى (حطة) هو مثل الذي في البقرة، و (نغفر لكم) قد ذكر
في البقرة ما يدل على ما هاهنا.
قوله تعالى (عن القرية) أي عن خبر القرية، وهذا المحذوف هو الناصب
للظرف الذي هو قوله (إذ يعدون) وقيل هو ظرف لحاضرة، وجوز ذلك أنها
كانت موجودة في ذلك الوقت ثم خربت، ويعدون، خفيف، ويقرأ بالتشديد والفتح
والأصل يعتدون، وقد ذكر نظيره في يخطف (إذ تأتيهم) ظرف ليصعدون
و (حيتانهم) جمع حوت أبدلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، (شرعا)
حال من الحيتان (ويوم لا يسبتون) ظرف لقوله (لا تأتيهم).
قوله تعالى (معذرة) يقرأ بالرفع: أي موعظتنا معذرة، وبالنصب على
المفعول له: أي وعظنا للمعذرة، وقيل هو مصدر: أي نعتذر معذرة.
قوله تعالى (بعذاب بئيس) يقرأ بفتح الباء وكسر الهمزة وياء ساكنة بعدها.
وفيه وجهان: أحدهما هو نعت للعذاب مثل شديد. والثاني هو مصدر مثل النذير،
والتقدير: بعذاب ذي بأس: أي ذي شدة، ويقرأ كذلك إلا أنه بتخفيف الهمزة
وتقريبها من الياء، ويقرأ بفتح الباء وهمزة مكسورة لا ياء بعدها. وفيه وجهان: أحدهما
هو صفة مثل قلق وحنق. والثاني هو منقول من بئس الموضوعة للذم إلى الوصف،
ويقرأ كذلك إلا أنه بكسر الباء اتباعا، ويقرأ بكسر الباء وسكون الهمزة، وأصلها
287

فتح الباء وكسر الهمزة، فتكسر الباء اتباعا، وسكن الهمزة تخفيفا، ويقرأ كذلك
إلا أن مكان الهمزة ياء ساكنة، وذلك تخفيف كما تقول في ذئب ذيب، ويقرأ بفتح
الباء وكسر الياء وأصلها همزة مكسورة أبدلت ياء، ويقرأ بياءين على فيعال، ويقرأ
" بيس " بفتح الباء والياء من غير همز وأصله باء ساكنة وهمزة مفتوحة، إلا أن
حركة الهمزة ألقيت على الياء ولم تقلب الياء ألفا لأن حركتها عارضة، ويقرأ " بيأس "
مثل ضيغم، ويقرأ بفتح الباء وكسر الياء وتشديدها مثل سيد وميت وهو ضعيف،
إذ ليس في الكلام مثله من الهمز، ويقرأ " بأيس " بفتح الباء وسكون الهمزة وفتح
الياء، وهو بعيد إذ ليس في الكلام فعيل، ويقرأ كذلك إلا أنه بكسر الباء مثل
عثير وحديم.
قوله تعالى (تأذن) هو بمعنى أذن: أي أعلم (إلى يوم القيامة) يتعلق بتأذن
أو بيبعث وهو الأوجه، ولا يتعلق ب‍ (يسومهم) لأن الصلة أو الصفة لا تعمل
فيما قبلها.
قوله تعالى (وقطعناهم في الأرض أمما) مفعول ثان أو حال (منهم
الصالحون) صفة لأمم أو بدل منه، و (دون ذلك) ظرف أو خبر على ما ذكرنا
في قوله " لقد تقطع بينكم ".
قوله تعالى (ورثوا الكتاب) نعت لخلف (يأخذون) حال من الضمير
في ورثوا (ودرسوا) معطوف على ورثوا، وقوله " ألم يؤخذ " معترض بينهما،
ويقرأ ادارسوا وهو مثل اداركوا فيها وقد ذكر.
قوله تعالى (والذين يمسكون) مبتدأ، والخبر (إنا لا نضيع أجر
المصلحين) والتقدير منهم، وإن شئت قلت إنه وضع الظاهر موضع المضمر:
أي لا نضيع أجرهم، وإن شئت قلت لما كان الصالحون جنسا والمبتدأ واحدا منه
استغنيت عن ضمير، ويمسكون بالتشديد والماضي منه مسك، ويقرأ بالتخفيف من
أمسك، ومعنى القراءتين تمسك بالكتاب: أي عمل به، والكتاب جنس.
قوله تعالى (وإذ نتقنا) أي اذكر إذ، و (فوقهم) ظرف لنتقنا أو حال
من الجبل غير مؤكدة، لأن رفع الجبل فوقهم تخصيص له ببعض جهات العلو (كأنه)
الجملة حال من الجبل أيضا (وظنوا) مستأنف، ويجوز أن يكون معطوفا على نتقنا
فيكون موضعه جرا، ويجوز أن يكون حالا، وقد معه مرادة (خذوا ما آتيناكم)
قد ذكر في البقرة.
288

قوله تعالى (وإذ أخذ) أي واذكر (من ظهورهم) بدل من بني آدم:
أي من ظهور بني آدم، وأعاد حرف الجر مع البدل وهو بدل الاشتمال (أن تقولوا)
بالياء والتاء وهو مفعول له: أي مخافة أن تقولوا، وكذلك (أو تقولوا).
قوله تعالى (إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) الكلام كله
حال من الكلب تقديره يشبه الكلب لاهثا في كل حال.
قوله تعالى (ساء) هو بمعنى بئس، وفاعله مضمر: أي ساء المثل، و (مثلا)
مفسر (القوم) أي مثل القوم، لابد من هذا التقدير لأن المخصوص بالذم من جنس
فاعل بئس، والفاعل المثل، والقوم ليس من جنس المثل، فلزم أن يكون التقدير
مثل القوم فحذفه وأقام القوم مقامه.
قوله تعالى (لجهنم) يجوز أن يتعلق بذرأنا، وأن يتعلق بمحذوف على أن يكون
حالا من (كثيرا) أي كثيرا لجهنم، و (من الجن) نعت لكثير (لهم قلوب)
نعت لكثير أيضا.
قوله تعالى (الأسماء الحسنى) الحسنى صفة مفردة لموصوف مجموع، وأنث
لتأنيث الجمع (يلحدون) يقرأ بضم الياء وكسر الحاء، وماضيه ألحد، وبفتح
الياء والحاء وماضيه لحد، وهما لغتان.
قوله تعالى (وممن خلقنا) نكرة موصوفة أو بمعنى الذي.
قوله تعالى (والذين كذبوا) مبتدأ، و (سنستدرجهم) الخبر،
ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل محذوف فسره المذكور: أي
سنستدرج الذين.
قوله تعالى (وأملى) خبر مبتدإ محذوف: أي وأنا أملى، ويجوز أن يكون
معطوفا على نستدرج وأن يكون مستأنفا.
قوله تعالى (ما بصاحبهم) في " ما " وجهان: أحدهما نافية، وفي الكلام
حذف تقديره: أو لم يتفكروا في قولهم به جنة. والثاني أنها استفهام: أي أو لم يتفكروا
أي شئ بصاحبهم من الجنون مع انتظام أقواله وأفعاله، وقيل هي بمعنى الذي، وعلى
هذا يكون الكلام خرج عن زعمهم.
قوله تعالى (وأن عسى) يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة، وأن تكون مصدرية
وعلى كلا الوجهين هي في موضع جر عطفا على ملكوت، و (أن يكون) فاعل عسى
289

وأما اسم يكون فمضمر فيها وهو ضمير الشأن، و (قد اقترب أجلهم) في موضع
نصب خبر كان، والهاء في (بعده) ضمير القرآن.
قوله تعالى (فلا هادي) في موضع جزم على جواب الشرط (ويذرهم)
بالرفع على الاستئناف، وبالجزم عطفا على موضع " فلا هادي " وقيل سكنت لتوالي
الحركات.
قوله تعالى (أيان) اسم مبنى لتضمنه حرف الاستفهام بمعنى متى، وهو خبر
ل‍ (مرساها) والجملة في موضع جر بدلا من الساعة تقديره: يسألونك عن زمان
حلول الساعة، ومرساها مفعل من أرسى، وهو مصدر مثل المدخل والمخرج بمعنى
الإدخال والإخراج: أي متى أرساها (إنما علمها) المصدر مضاف إلى المفعول
وهو مبتدأ، و (عند) الخبر (ثقلت في السماوات) أي ثقلت على أهل
السماوات والأرض: أي تثقل عند وجودها، وقيل التقدير: ثقل علمها على أهل
السماوات (حفى عنها) فيه وجهان، أحدهما تقديره: يسألونك عنها كأنك حفى
أي معنى بطلبها فقدم وأخر. والثاني أن عن بمعنى الباء: أي حفى بها، وكأنك حال
من المفعول، وحفى بمعنى محفو، ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى فاعل.
قوله تعالى (لنفسي) يتعلق بأملك، أو حال من نفع (إلا ما شاء الله) استثناء
من الجنس (لقوم) يتعلق ببشير عند البصريين، وبنذير عند الكوفيين.
قوله تعالى (فمرت به) يقرأ بتشديد الراء من المرور، ومارت بالألف وتخفيف
الراء من المور، وهو الذهاب والمجئ.
قوله تعالى (جعلا له شركاء) يقرأ بالمد على الجمع، وشركا بكسر الشين
وسكون الراء والتنوين، وفيه وجهان: أحدهما تقديره: جعلا لغيره شركا أي
نصيبا. والثاني جعلا له ذا شرك، فحذف في الموضعين المضاف.
قوله تعالى (أدعوتموهم) قد ذكر في قوله " سواء عليهم أأنذرتهم "،
و (أم أنتم صامتون) جملة اسمية في موضع الفعلية، والتقدير: أدعوتموهم
أم صمتم.
قوله تعالى (إن الذين تدعون) الجمهور على تشديد النون، و (عباد)
خبر إن، و (أمثالكم) نعت له والعائد محذوف: أي تدعو بهم، ويقرأ عبادا،
وهو حال من العائد المحذوف، وأمثالكم الخبر، ويقرأ إن بالتخفيف وهي بمعنى " ما "
290

وعبادا خبرها، وأمثالكم يقرأ يالنصب نعتا لعبادا، وقد قرئ أيضا " أمثالكم "
بالرفع على أن يكون عبادا حالا من العائد المحذوف، وأمثالكم الخبر، وإن بمعنى
" ما " لا تعمل عند سيبويه وتعمل عند المبرد.
قوله تعالى (قل ادعوا) يقرأ بضم اللام وكسرها، وقد ذكرنا ذلك في قوله
" فمن اضطر ".
قوله تعالى (إن ولى الله) الجمهور على تشديد الياء الأولى وفتح الثانية وهو
الأصل، ويقرأ بحذف الثانية في اللفظ لسكونها وسكون ما بعدها، ويقرأ بفتح الياء
الأولى ولا ياء بعدها، وحذف الثانية من اللفظ تخفيفا.
قوله تعالى (طيف) يقرأ بتخفيف الياء. وفيه وجهان: أحدهما أصله طيف مثل
ميت فخفف. والثاني أنه مصدر طاف يطيف إذا أحاط بالشئ، وقيل هو مصدر
يطوف قلبت الواو ياء وإن كانت ساكنة كما قلبت في أيد وهو بعيد، ويقرأ طائف
على فاعل.
قوله تعالى (يمدونهم) بفتح الياء وضم الميم من مد يمد مثل قوله " ويمدهم
في طغيانهم " ويقرأ بضم الياء وكسر الميم من أمده إمدادا (في الغى) يجوز أن يتعلق
بالفعل المذكور، ويجوز أن يكون حالا من ضمير المفعول أو من ضمير الفاعل.
قوله تعالى (فاستمعوا له) يجوز أن تكون اللام بمعنى لله، أي لأجله، ويجوز
أن تكون زائدة: أي فاستمعوه، ويجوز أن تكون بمعنى إلى.
قوله تعالى (تضرعا وخفية) مصدران في موضع الحال، وقيل هو مصدر
لفعل من غير المذكور بل من معناه (ودون الجهر) معطوف على تضرع، والتقدير:
مقتصدين (بالغدو) متعلق بادعوا (والآصال) جمع الجمع، لأن الواحد أصيل،
وفعيل لا يجمع على أفعال بل على فعل ثم فعل على أفعال، والأصل أصيل وأصل ثم
آصال، ويقرأ شاذا، والإيصال بكسر الهمزة وياء بعدها، وهو مصدر أصلنا إذا
دخلنا في الأصيل.
تم الجزء الأول، ويليه الجزء الثاني
وأوله: سورة الأنفال وبتمامه يتم الكتاب.
291