الكتاب: خصائص الوحي المبين
المؤلف: الحافظ ابن البطريق
الجزء:
الوفاة: ٦٠٠
المجموعة: مصادر التفسير عند الشيعة
تحقيق: الشيخ مالك المحمودي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٧
المطبعة: نگين - قم
الناشر: دار القرآن الكريم
ردمك:
ملاحظات:

خصائص الوحي المبين
1

خصائص
الوحي المبين
للحافظ ابن البطريق
شمس الدين يحيى بن الحسن الأسدي الربعي الحلي
(523 - 600 ه‍)
تحقيق
الشيخ مالك المحمودي
3

خصائص الوحي المبين للحافظ ابن البطريق
التحقيق: الشيخ مالك المحمودي
تنضيد الحروف والاخراج الفني: دار القرآن الكريم
الطبعة: الأولى
ليتوگرافى: حميد - قم
المطبعة: نگين - قم
تاريخ الطبع: 1417 ه‍
عدد النسخ: 1000
الناشر: دار القرآن الكريم
قم المقدسة صندوق البريد: 151
حقوق الطبع محفوظة للناشر
4

كلمة المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
يعد دعم العمل التحقيقي من الضرورات التي لا غنى عنها في عصرنا
الراهن، فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى إحياء تراثنا الدفين لتمكين الجيل المعاصر
من الاطلاع على تراثه الغني المعطاء، والتعرف على الاعلام والعظماء من أركان
الأمة الاسلامية التي كانت ولا تزال تقدم للعالم نماذج حية نابضة بالحياة في
جميع حقول المعرفة.
ونحن إذ نحاول تقديم هذا العمل لأبناء الأمة الاسلامية نبتغي من ذلك -
والله من وراء القصد - الإشادة بجهود العلماء الأبرار وإحياء آثارهم وأسمائهم
لأنهم لم يدخروا وسعا في سبيل الحفاظ على معالم الدين ونقلها إلى الأجيال
5

اللاحقة بأمانة وصدق، على الرغم من ضآلة الامكانات، وتواضع العدة،
وصعوبة العثور على المعلومات، ولكنهم صبروا وأدوا ما عليهم،
فجزاهم الله خير جزاء المحسنين.
ومن فضل الله الرؤوف اللطيف علي - ومنذ أمد - استهديت إلى التعرف
على السيرة العلمية للعلامة الحافظ شمس الدين يحيى بن الحسن الحلي
المعروف ب‍ " ابن البطريق " ومؤلفاته القيمة، فلله الحمد على مننه وآلائه.
والكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ أعني " خصائص الوحي المبين في
مناقب أمير المؤمنين " هو من أهم وأشهر كتب الحافظ " ابن البطريق " بعد كتابه
" عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار. "
وقد بحثنا كثيرا عن نسخ خطية لهذا الكتاب ولكننا مع الأسف الشديد لم
نعثر حتى الآن على اية نسخة خطية منه سوى نسخة مطبوعة في تبريز بالطبعة
الحجرية مؤرخة بسنة 1311 ه‍ وعلى ضوئها قمنا بتحقيق الكتاب وتصحيحه.
ولذا فإني أرجو من كافة القراء الكرام ممن يمتلكون نسخة خطية له ان يسعفونا
بصورتها مشكورين لغرض الاستعانة والاستفادة منها مستقبلا إن شاء الله.
ومن محاسن الصدف ان الكتاب يشترك في كثير من مباحثه مع كتب
المؤلف الأخرى، ولا سيما كتاب " العمدة "، ونسخ " العمدة " الخطية متوفرة
لدينا
- ولله الحمد - وبهذا تجاوزنا الكثير من صعوبات العمل في هذا المجال، وحسبك
الرجوع إليها عند الحاجة.
6

ونظرا لأهمية الكتاب وخصائصه التي امتاز بها عن غيره واحتياج المكتبة
الاسلامية إليه - حتى قال مؤلفه في حقه: وكتابنا هذا سيد كتاب صنف وشيد
وجمع والف، إذ هو من يراع الوحي المبين وبلاغ الروح الأمين - فقد اختارته
اللجنة التحضيرية للمؤتمر السادس لعلوم ومفاهيم القرآن الذي تعقده سنويا دار
القرآن الكريم ليكون ضمن منشوراتها لهذا العام - شكر الله مساعيها - هذا
ولا يفوتنا أن نتقدم بالشكر والثناء لكل من:
1 - الأستاذ العلامة الشيخ السبحاني الذي ما فتئ يشملني برعايته
ويحثني على الاستمرار في هذا العمل التحقيقي.
2 - العلامة المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي الذي منحني من وقته
وعلمه ما نفعني كثيرا، وفتح لي باب مكتبته الخاصة.
3 - العالم الجليل الشيخ محمود البغدادي على مراجعته لكثير من فصول
الكتاب ورفعه الاشكالات الواقعة فيه وحله المعضلات العلمية لي في مختلف
شؤون التحقيق في هذا الكتاب والكتب الأخرى. فجزاهم الله خير جزاء
المحسنين.
ومما يجدر ذكره أن هذا الكتاب القيم قد طبع مرتين:
مرة بالطبعة الحجرية في تبريز وهي النسخة التي اعتمدت عليها في تحقيقنا
هذا كما نوهنا آنفا.
ومرة أخرى بتحقيق العلامة الشيخ محمد باقر المحمودي دام بقاؤه.
وفي الختام نود التنويه إلى أننا اكتفينا - مع تصرف يسير - بإيراد جميع
7

ما كتبه العلامة الأستاذ السبحاني حول كتاب " العمدة " وحياة المؤلف،
لشموله ووفائه بكل ما أردنا ذكره.
نسأل الله الذي وفقنا لهذا العمل وما قبله أن يجزل الثواب لي ولوالدي
ولمن وجب حقه علينا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
مالك المحمودي
الحوزة العلمية - قم المقدسة
رجب المرجب 1414 ه‍
8

هذا كتاب
خصايص وحي المبين في
مناقب أمير المؤمنين من تصنيفات
يحيى بن الحسن ابن البطريق عليه
الرحمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نبه ذوي العقول على حسن معارفه واستنبه
ذوي العقول بحسن عوارفه فخسق سهم الغارف ونجق فهم الغايف
فنجح وفد العقول وجمح ورد الغفول وغدت أبكار الأفكار وارجع
بالبيان وبدت انكار الانكار رواجع عن التبيان فحضر قلب
العارف بالحضر وحصر لب العارف بالحصر وصلواته وسلامه
على ذي السبيل الأقوام والفخر الأقدم والمنار الأنجم وسيد العرب
والعجم محمد بن عبد الله المعصوم من كل فحش وذم وعلى الأئمة
من اله شادة الحكم وسادة الأمم ما طلع صباح ونجم وما عسعس
ليل وادلهم وبعد فانى لما صنفت كتاب العمدة من صحاح الاخبار
في مناقب امام الأبرار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي المختار
9

هذه المنازل عدم نظيره ووجب تفرده وثبت له من ولاء الأمة ما ثبت لرسول الله (ص) وفى هذا
عمدة لمستبصر وعدة لمستنصر قال يحيى بن الحسن قد وفينا بما وعدنا في صدر هذا الكتاب من ذكر أنواعه
وفنونه وابنا عن غرايب مضمونه ولنا فيه كلام حنكته تجارب التكرار وأحكمته ما رب السهار
يستعذب مستمعه الإعادة له وان مل ويستحلي قاريه الإطالة له إذا قل رتقه أبهر من الحجيج وفتقه
أزهر من الخليج باغراض الحكم أبصر ولأغراض الكلم استر ولذوي الاقتداء انصر ولذوي الاعتداء
أقهر ولوجوه الضلال وابصاره البر وأحسر من قدح الزناد أنور من نور الرياض انظر ومن نشر
الأذفر أعطر وانشر قد اتقد جر براعته وانتقد كسب بضاعته وافتقد مثل صناعته والتام
عازب شواهده وايتلف شارد مقاصده وابتكر فيزيده ونشر وديده وحذرف
وليده وطفق زنادا للمتقدين وزادا للمهتدين وقلت ارتجالا جاهدت فيك بقولي
واللسان له فضل على السيف في الغفران للحوب لا يهتدى السيف في طرق اليان إلى لهج اللسان
ولا سمر الأنابيب فالقول تخدمه الأسياف لامعة في الحرب ما بين معطوف ومضروب
لولا اللسان لما سل الحسام ولا التفت جموع على الجرد السلاهيب
فكن بها منقذي في يوم مطلعي والناس ما بين
محبوب ومجبوب والحمد لله رب
العالمين سنة 1311
10

تقديم جعفر السبحاني بسم الله الرحمن الرحيم
أهل البيت هم القدوة والأسوة
التقريب بين الطوائف الاسلامية من الأماني العزيزة التي يتمناها كل مسلم واع
بصير، خصوصا في الأوضاع الراهنة والأجواء السائدة على المسلمين، والظروف
المحيطة بهم في شتى النواحي والأقطار ولا يشك في ضرورته إلا اثنان: جاهل
مغفل، وجاحد معاند ماكر، إذ لا يمر على المسلمين يوم إلا وفيه مجازر رهيبة،
وحروب دامية طاحنة، فرضتها عليهم القوى الكافرة، التي تخاف من سيادة الاسلام
في ربوع العالم، وانتشاره فيها، فعادت تؤجج نار الحرب بين آونة وأخرى، فتضرب
المسلم بالمسلم تارة وبالكافر أخرى لتحقق أمنيتها الكبرى.
وليس ببعيد عنا المجازر التي يرتكبها اليوم الكفار " الأرمن " ضد المسلمين
الآذريين في آسيا الوسطى، والتي أبرزت ما تكنه صدورهم من العداء والبغض لهم
طوال القرون، فمن أجل السيطرة والتسلط يقتل الأرمن الرجال والنساء والأطفال،
ويمثلون بهم، ويجهزون على الجريح، وليس هناك دولة تحمي المسلمين ولا
مغيث يغيثهم، ولا قوة تدفع عنهم كارثة الحرب، وتجزي المسيئ بالجزاء الذي
يستحقه وغاية ما نسمعه من وسائل الاعلام هو الاستنكار والمفاوضات
والمذاكرات، إلى غير ذلك من الأساليب الدبلوماسية غير الناجعة، التي لا تفيد شيئا
سوى اعطاء الفرص للعدو وزيادة جرأته.
واعطف على ذلك المجازر الأخرى التي ترتكبها القوى الكافرة في
11

يوغوسلافيا ضد المسلمين في " البوسنة والهرسك " فقد أججت نارا ضد المواطنين
بحجة أنهم مسلمون، وراحت تقتلهم وتبعدهم عن أوطانهم وتذبحهم في عقر
دارهم وتدمر مشاريعهم إلى غير ذلك من الأعمال الاجرامية التي كانت ترتكبها
القوى الشريرة في القرون الوسطى، وليس هناك من يداوي جروحهم ولا من
يسعفهم بشئ سوى الاستنكارات والخطب الرنانة في وسائل الاعلام وفوق المنابر.
ولا نتكلم عن المجازر الدامية في فلسطين المحتلة التي يرتكبها الصهاينة، لأنها
بمرأى ومسمع من عامة المسلمين.
إن هذه الحوادث والوقائع الأليمة وعشرات من أمثالها، تدفع المسلم الحر الذي
يجري في عروقه دم الغيرة والحمية إلى التفكير في داء مجتمعة ودوائه، وفي
إعادة مجده التالد وكيانه السابق، فلا يجد دواء ناجعا سوى التمسك بالاسلام في
مجالي العقيدة والشريعة، ومن أبرز أصوله ما دعا إليه الذكر الحكيم في قوله
سبحانه: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * (1) وقوله تعالى: * (إنما
المؤمنون إخوة) * (2) إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على الوحدة والوئام،
والابتعاد عن التمزق والتفرق، وقد أكد الرسول الكريم ما دعا إليه القرآن بقوله:
" مثل المؤمنين في تراحمهم وتواددهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى
منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى " (3)
وقال الإمام علي - عليه السلام -: " والزموا السواد الأعظم فان يد الله مع
الجماعة وإياكم والفرقة، فان الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذ من الغنم للذئب
ألا من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه " (4)
وفي ضوء هذه الدراسة القصيرة نخاطب المسلمين وفي مقدمتهم الرؤساء
والمشايخ وقادة الفكر وأرباب القلم بقولنا: " قاربوا الخطى أيها المسلمون، وقللوا

(1) آل عمران / 103.
(2) الحجرات / 10.
(3) مسند أحمد 4 / 270.
(4) نهج البلاغة، طبعة عبده، ص 261.
12

الخلاف وأكثروا الوئام، وتمسكوا بالأصول المشتركة المتوفرة في مجالي العقيدة
والشريعة، وابتعدوا عن التنافر والتناكر حتى تكونوا صفا واحدا في وجه الأعداء
لا يزعزعكم مكر الشياطين وحيلة أعدائهم في المناطق كلها ".
ويطيب لي في المقام أن أركز على أمرين، ربما يكون لهما أثر بارز في حصول
التقريب، وهما:
1 - ما هو المراد من التقريب
ليس المراد من التقريب بين المذاهب والطوائف الاسلامية، هو ذوب طائفة في
أخرى أو جعل جميع المذاهب مذهبا واحدا حتى لا يبقى من المذاهب المختلفة عين
ولا أثر ويصبح المسلمون على مذهب واحدا، فإن ذلك أمر عسير جدا إن لم يكن محالا
عادة ولا يتفوه به ذو مسكة ولا يدعو إليه أحد من القادة أعني الذين يحملون لواء
التقريب فإن معنى ذلك أن يصير الأشعري معتزليا أو بالعكس ويصبح السني شيعيا أو
بالعكس. ومثله المذاهب الفقهية المتوفرة السائدة في العالم الاسلامي.
وإنما المراد هو التقريب بين القادة للمذاهب وبالتالي بين القادة واتباعهم وذلك
من خلال رسم الخطوط العريضة المشتركة التي تجمع المذاهب الاسلامية في
مجالي العقيدة والشريعة، وانه لو كان هناك خلاف فيهما فهو بالنسبة إلى الأمور
المتفق عليها قليل جدا. فالله سبحانه ربنا، والقرآن كتابنا، ومحمد نبينا، والكعبة
قبلتنا، وسنة الرسول قدوتنا، وأئمة أهل البيت خيارنا إلى غير ذلك من الخطوط
التي لا يحيد عنها أي مسلم قيد شعرة، ومن أنكر أحدها خرج من ريقة الاسلام
وهذا هو الذي يو حد المسلمين ويجمعهم تحت راية واحدة ويجعل شعار الجميع
قول الشاعر المخلص الداعي إلى تقريب الخطى الذي يقول:
إنا لتجمعنا العقيدة أمة * ويضمنا دين الهدى أتباعا
ويؤلف الاسلام بين قلوبنا * مهما ذهبنا في الهوى أشياعا
فإذا كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقبل إسلام من نطق بالشهادتين، وأقام الصلاة،
13

وآتى الزكاة، وصام شهر رمضان وحج البيت (1) ويتلقاه أخا لعامة المسلمين،
ويجعلهم صفا واحدا في مقابل المشركين والطغاة من اليهود والنصارى، فلماذا
لا نقبل إيمان من آمن بأزيد مما جاء في تلك الرواية. ولو كان هناك اختلاف فإنما هو
اختلافات كلامية أوجدها الجدل وصقلها البحث طوال القرون، مثلا الاختلاف في
كون التكلم والإرادة من صفات الذات أو من صفات الفعل. وإن كان اختلافا حقيقيا
وجديا لكنه اختلاف كلامي لا يتوقف عليه الاسلام والايمان ومثله سائر البحوث
الكلامية التي أوجدت الانشقاق بين علماء المسلمين من حدوث كلامه وقدمه،
وخلود مرتكب الكبيرة وعدمه.
ومثل ذلك الاختلاف في الفروع الفقهية من الطهارة إلى الديات فإنها
اختلافات أوجدها البحث والاجتهاد من خلال الاستنباط من الكتاب والسنة والغاية
هي الوصول إلى واقع الكتاب والسنة وإن كان المصيب واحدا والمخطئ متعددا.
فاللازم على المسلمين في هذه اللحظات الحاسمة التمسك بالعروة الوثقى
وبحبل الله المتين والانظواء تحت المشتركات وارجاع الاختلافات إلى المدارس
والمحافل العلمية التي يكثر فيها البحث والجدال وفي النهاية يخرجون منها أخوة
متحابين.
2 - الالتفات حول أهل البيت من أواصر الوحدة
إن من وسائل التقريب بل من أواصر الوحدة الاسلامية التمسك بأهل البيت،
والاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم، فإن المسلمين مهما اختلفوا في شئ لم
يختلفوا في طهارتهم وتنزيههم، وبالتالي حجية كلامهم لأنهم أحد الثقلين الذين أوصى
الرسول بالتمسك بهما في غير موقف من مواقف حياته، وقد تكلم الذكر الحكيم في
عدة مواضع عنهم وأشاد بفضلهم وكرامتهم، وإليك البيان بوجه موجز.

(1) لاحظ جامع الأصول لابن الأثير 1 / 158 - 159 فقد جمع ما رواه البخاري ومسلم في ذلك
المجال.
14

قد ورد لفظ " أهل البيت " في الذكر الحكيم مرتين قال سبحانه: * (إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (الأحزاب / 33)،
وقال سبحانه: * (قالوا أتعجبين من أمر الله * رحمة الله وبركاته عليكم أهل
البيت إنه حميد مجيد) * (هود / 73).
واللفظة مركبة من كلمتين وهما " الأهل " و " البيت ".
اما " الأهل " فلا يحتاج إلى مزيد تحقيق في تحديد معناه في الكتاب والسنة
واللغة، فإن تلك اللفظة تستعمل فيمن كان له علاقة قوية بما أضيف إليه ذلك اللفظ،
فأهل الأمر والنهي هم الذين يمارسون الحكم والبعث والزجر، وأهل الإنجيل هم
الذين لهم اعتقاد به ويصدرون عن حكمه، وأهل الاسلام لمن له علاقة به وعنه
يأخذون الحلال والحرام، وبذلك يعلم معنى أهل الرجل وأهل الماء وأهل الحل
والعقد وإنما المهم في المقام الذي يترتب عليه الأثر المهم، تحديد معنى البيت لغة
واستعمالا، وإليك البيان:
ما معنى " البيت " لغة واستعمالا؟
أجمعت المعاجم على أن البيت يطلق ويراد منه دار الرجل ومسكنه.
قال سبحانه: * (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة
فيها متاع لكم...) * (النور / 29)
فإذا كان البيت هو المأوى والمنزل، فله مراتب ودرجات، فالقصر الشاهق
بيت كما أن الخبأ المصنوع من الصوف والشعر أيضا بيت، إلى أن عد القرآن نسيج
العنكبوت بيتا له قال سبحانه: * (إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا
يعلمون) * (العنكبوت / 41).
هذا ما يركز عليه اللغة، ولكن له معنى آخر يستعمل فيه حقيقة أو مجازا، وهو أنه
يطلق البيت ويراد منه مكامن الشرف وجماعه، فيقال " بيت العرب " أي شرفها.
قال ابن منظور: وبيت العرب شرفها، والجمع: البيوت، ثم يجمع بيوتات،
15

جمع الجمع، وقال ابن سيدة: والبيت من بيوتات العرب الذي يضم شرف القبيلة
كآل حصن: القزاريين، وآل الجدين: الشيبانيين، وكان ابن الكلبي يزعم أن هذه
البيوتات أعلى بيوت العرب، ويقال بيت تميم في بني حنظلة أي شرفها.
وقال العباس يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
حتى احتوى بيتك المهيمن من * خندف علياء تحتها النطق
أراد ببيته شرفه العالي.
وعلى ذلك فالبيت يكون كناية عن الشرف والنسب والعائلة والأسرة.
قال الشاعر:
ألا يا بيت بالعلياء بيت * ولولا حب أهلك ما أتيت
ألا يا بيت أهلك أوعدوني * كأني كل ذنبهم جنيت (1)
فعلى ذلك فالبيت الوارد في الآية يحتمل وجهين:
1 - البيت: هو مأوى الرجل ومسكنه ومنزله وداره.
2 - البيت: مركز الشرف ومجمع السيادة والعز وما أشبه ذلك.
وعلى كل تقدير، فالآية لا تنطبق إلا على بيت خاص وبيت معين ولا تنطبق
على جميع البيوت المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإليك البيان:
أما الأول أعني ما إذا أريد منه المسكن والمأوى، فاللام لا تخلو عن
احتمالات ثلاث:
الف: أن يكون اللام للجنس، وهو غير مناسب في المقام وإنما يراد منه إذا
كان الحكم متعلقا بالطبيعة، يقال: التمرة خير من جرادة، وفي قوله تعالى: * (إن
الانسان خلق هلوعا) * (المعارج / 19).
ومن المعلوم أن الآية الكريمة ليست بصدد بيان حكم طبيعة أهل البيت.

(1) لاحظ: لسان العرب لابن منظور مادة " بيت " بتلخيص يسير.
16

ب: أن يحمل على العموم والاستغراق، وهو أيضا غير مناسب، سواء أريد
منه جميع البيوت في المدينة أو بيوت النبي، وإلا لكان اللازم الاتيان بصيغة الجمع
كما جاء بها في قوله سبحانه:
* (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية...) * (الأحزاب / 33).
ج: أن يراد منها البيت المعهود والمسكن المعين بيت المتكلم والمخاطب،
وعندئذ يقع الكلام في تعيين هذا البيت، فما هذا البيت الواحد والمسكن المعين،
لا سبيل إلى أن المراد بيت أزواجه لأنه لم يكن لأزواجه بيت واحد معهود، بل كان
لكل منها بيت خاص، كما أنه لا سبيل إلى القول بأن المراد بيت واحد من بيوتهن.
إذ لا قرينة على ذلك، على أنه خلاف ما اتفقت عليه الأمة، فتعين أن يكون بيت
خاص وهو ليس إلا بيت فاطمة (عليها السلام) إذ لم يكن في جانب بيوت أزواج النبي
بيت سوى بيتها وهو بيت علي - عليه السلام - صهر النبي.
إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة:
إذا كان المراد من البيت هو البيت المعين فلا سبيل إلى تطبيقه على جميع
بيوت أزواج النبي ولا على واحدة معينة منهن، إذ لم يكن للجميع بيت خاص كما
أنه لم يكن هناك بيت معين لزوجة من زوجاته فلم يبق من البيوت التي تمت إلى النبي
بصلة إلا بيت واحد وهو بيت فاطمة (سلام الله عليها) المتميز من بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ويؤيده نزول الآية في بيت فاطمة (سلام الله عليها) وجمع النبي إياها وزوجها وابنيها
تحت الكساء.
أما الثاني بأن يكون المراد منه هو مركز الشرف ومجمع السيادة والعز
وما يناسب ذلك اللفظ، وإن شئت قلت إذا أريد منه بيت النبوة وبيت الوحي ومركز
أنوارهما فلا يصح أن يراد منه إلا المنتمون إلى النبوة والوحي بوشائج معنوية خاصة
على وجه يصح مع ملاحظتها، عدهم أهلا لذلك البيت، وتلك الوشائج عبارة
عن النزاهة في الروح والفكر.
ولا يشمل كل من يرتبط ببيت النبوة عن طريق السبب أو النسب فحسب،
17

وفي الوقت نفسه يفتقد الأواصر المعنوية الخاصة، ولقد تفطن العلامة الزمخشري
صاحب التفسير لهذه النكتة، فهو يقول في تفسير قوله تعالى: * (أتعجبين من أمر الله
رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) * (هود / 70):
لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأمور الخارقة للعادات فكان
عليها أن تتوقر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء الناشئات في غير بيوت النبوة،
وأن تسبح الله وتمجده مكان التعجب، وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولها
* (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت...) * أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب
العزة ويخصكم بالانعام به يا أهل بيت النبوة (1).
وعلى ذلك لا يصح تفسير الآية بكل المنتمين عن طريق الأواصر الجسمانية
إلى بيت خاص حتى بيت فاطمة إلا أن تكون هناك الوشائج المشار إليها.
ولقد جرى بين قتادة ذلك المفسر المعروف وبين أبي جعفر محمد بن علي
الباقر - عليه السلام - محادثة لطيفة أرشده الامام فيها إلى هذا المعنى الذي أشرنا إليه
قال عندما جلس الإمام الباقر - عليه السلام -: لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام
ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك. قال له أبو جعفر
الباقر عليه السلام -: ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي * (بيوت أذن الله أن
ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع
عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) * (النور / 36 - 37) فأنت ثم ونحن أولئك.
فقال قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين (2).
وما جاء في كلام باقر الأمة - عليه السلام - يحض المفسر على التحقيق
عن الافراد الذين يرتبطون بالبيت الرفيع بأواصر معينة وبذلك يسقط القول بأن المراد
منه أزواج النبي صلى الله عليه وآله، لأنه لم تكن تلك الوشائج الخاصة - باتفاق المسلمين -
بينهن، وأقصى ما عندهن أنهن كن مسلمات مؤمنات.

(1) الكشاف 2 / 107.
(2) الكافي 6 / 256 - 257.
18

القرينة المتصلة في الآية
إن إمعان النظر في ضمائر الآية، والروايات الواردة حولها يعطي بأن المراد
من أهل البيت غير أزواجه (صلوات الله عليه)، وذلك لأنا نرى أنه سبحانه عندما يخاطب
أزواج النبي يخاطبهن حسب المعتاد، بضمائر التأنيث، ولكنه عندما يصل إلى قوله:
* (إنما يريد الله ليذهب...) * يغير الصيغة الخطابية إلى صيغة التذكير، فما هو السر
في تبديل الضمائر لو كان المراد أزواج النبي؟!
وإليك الآيات الثلاث الواردة حول أزواجه يقول:
* (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع
الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا) * (الأحزاب / 32).
* (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين
الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) *
* (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان
لطيفا خبيرا) * (الأحزاب / 34) نرى أنه سبحانه يخاطبهن في الآية الأولى بهذه
الخطابات:
1 - لستن 2 - اتقيتن 3 - فلا تخضعن 4 - وقلن.
ويخاطبهن في الآية الثانية بهذه الخطابات:
1 - قرن 2 - بيوتكن 3 - تبرجن 4 - أقمن 5 - آتين 6 - أطعن.
كما يخاطبهن في الآية الثالثة بقوله:
1 - واذكرن 2 - بيوتكن.
وفي الوقت نفسه يتخذ في ثنايا الآية الثانية موقفا خاصا في الخطاب ويقول:
1 - عنكم 2 - يطهركم.
فما وجه هذا العدول إذا كان المراد نساء النبي، أوليس هذا دليلا على
19

أن المراد ليس نساءه؟!
وروى السيوطي في تفسير قوله سبحانه: * (في بيوت اذن الله أن ترفع ويذكر
فيها اسمه) * قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول
الله؟ قال: بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها -
أي: بيت علي وفاطمة -؟ قال: نعم من أفاضلها (1).
قال الإمام الشافعي:
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له (2)
وقال أيضا:
ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم * مذاهبهم في أبحر الغي والجهل
ركبت على اسم الله في نفس النجا * وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم * كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل (3)
وقال أيضا:
يا راكبا قف بالمحصب من منى * واهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى * فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان اني رافضي
هذا كله يرجع إلى أهل البيت بصورة عامة ويطيب لنا البحث عن سيدهم
وعظيمهم الإمام علي بن أبي طالب - عليه السلام - بصورة خاصة.

(1) الدر المنثور 5 / 505.
(2) الصواعق المحرقة 157.
(3) رشفة الصادي للامام أبي بكر بن شهاب الدين - المراجعات 34.
20

الإمام علي ومكونات الشخصية
تعود شخصية كل انسان - حسب ما يرى علماء النفس - إلى ثلاثة عوامل هامة
لكل منها نصيب وافر في تكوين الشخصية وأثر عميق في بناء كيانها.
وكأن الشخصية الانسانية لدى كل انسان أشبه بمثلث يتألف من اتصال هذه
الأضلاع الثلاثة بعضها ببعض، وهذه العوامل الثلاثة هي:
1 - الوراثة
2 - التعليم والثقافة
3 - البيئة والمحيط
إن كل ما يتصف به المرء من صفات حسنة أو قبيحة، عالية أو وضيعة تنتقل
إلى الانسان عبر هذه القنوات الثلاث، وتنمو فيها من خلال هذه الطرق.
وان الأبناء لا يرثون منا المال والثروة والأوصاف الظاهرية فقط كما مح الوجه
ولون العيون وكيفيات الجسم، بل يرثون كل ما يتمتع به الآباء من خصائص روحية
وصفات أخلاقية عن طريق الوراثة كذلك.
فالأبوان - بانفصال جزئي " الحويمن " و " البويضة " المكونين للطفل منهما - انما
ينقلان - في الحقيقة - صفاتهما ملخصة إلى الخلية الأولى المكونة من ذينك
الجزأين تلك الخلية الجنينية التي تنمو مع ما تحمل من الصفات والخصوصيات
الموروثة.
ويشكل تأثير الثقافة والمحيط، الضلعين الآخرين في مثلث الشخصية
الانسانية، فإن لهذين الامرين أثرا مهما وعميقا في تنمية السجايا الرفيعة المودعة في
باطن كل إنسان بصورة فطرية جبلية والمتواجدة في كيانه بسبب الوراثة من الأبوين.
فإن في مقدور كل معلم أن يرسم مصير الطفل ومستقبله من خلال ما يلقي
إليه من تعليمات وتوصيات وما يعطيه من سيرة وسلوك ومن آراء وأفكار، فكم من بيئة
21

حولت أفرادا صالحين إلى فاسدين، أو فاسدين إلى الصالحين.
وإن تأثير هذين العاملين المهمين من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى المزيد من
البيان والتوضيح. على اننا يجب أن لا ننسى دور إرادة الانسان نفسه وراء هذه
العوامل الثلاثة.
الإمام علي - عليه السلام - والجانب الموروث في شخصيته
لم يكن الإمام علي - عليه السلام - كبشر بمستثنى من هذه القاعدة.
فقد ورث الامام أمير المؤمنين - عليه السلام - جانبا كبيرا من شخصيته النفسية
والروحية والأخلاقية من هذه العوامل والطرق الثلاثة وإليك تفصيل ذلك:
1 - الإمام علي - عليه السلام - والوراثة من الأبوين
لقد انحدر الإمام علي من صلب والد عظيم الشأن، رفيع الشخصية
هو أبو طالب، ولقد كان أبو طالب زعيم مكة، وسيد البطحاء، ورئيس بني هاشم،
وهو إلى جانب ذلك، كان معروفا بالسماحة والبذل والجود والعطاء
والعطف والمحبة والفداء والتضحية في سبيل الهدف المقدس، والعقيدة
التوحيدية المباركة.
فهو الذي تكفل رسول الله منذ توفي عنه جده وكفيله الأول عبد المطلب وهو
آنذاك في الثامنة من عمره، وتولى العناية به والقيام بشؤونه، وحفظه وحراسته في
السفر والحضر، بإخلاص كبير واندفاع وحرص لا نظير لهما، بل وبقي يدافع
عن رسالة التوحيد، والدين الحق الذي جاء به النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ويقوم في سبيل
ارساء قواعده ونشر تعاليمه بكل تضحية وفداء، ويتحمل لتحقيق هذه الأهداف العليا
كل تعب ونصب وعناء.
وقد انعكست هذه الحقيقة وتجلى موقفه هذا في كثير من أشعاره وأبياته
المجموعة في ديوانه بصورة كاملة مثل قوله:
22

ليعلم خيار الناس أن محمدا * نبي كموسى والمسيح ابن مريم
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * رسولا كموسى خط في أول الكتب (1)
إن من المستحيل أن تصدر أمثال هذه التضحيات التي كان أبرزها محاصرة بني
هاشم جميعا في الشعب ومقاطعتهم القاسية من دافع غير الايمان العميق بالهدف
والشغف الكبر بالمعنوية، الذي كان يتصف به أبو طالب، إذ لا تستطيع مجرد
الوشائج العشائرية، وروابط القربى، أن توجد في الانسان مثل هذه الروح
التضحوية.
إن الدلائل على إيمان أبي طالب بدين ابن أخيه تبلغ من الوفرة والكثرة بحيث
استقطبت اهتمام كل المحققين المنصفين والمحايدين، ولكن بعض المتعصبين
توقف في إيمان تلك الشخصية المتفانية العظيمة، بالدعوة المحمدية بينما تجاوز
فريق هذا الحد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث قالوا بأنه مات غير مؤمن.
ولو صحت عشر هذه الدلائل الدالة على إيمان أبي طالب الثابتة في كتب
التاريخ والحديث، في حق رجل آخر لما شك أحد في إيمانه فضلا عن إسلامه ولكن
لا يعلم الانسان لماذا لا تسطيع كل هذه الأدلة إقناع هذه الزمرة، وإنارة الحقيقة لهم؟!
هذا عن والد الامام أمير المؤمنين - عليه السلام -.
وأما أمه فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي من السابقات إلى الاسلام
والايمان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كانت قبل ذلك تتبع ملة إبراهيم.
إنها المرأة الطاهرة التي لجأت - عند المخاض - إلى المسجد الحرام،
وألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول:
" يا رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدقة
بكلام جدي إبراهيم وانه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت و (بحق)
المولود الذي في بطني الا ما يسرت علي ولادتي ".

(1) مجمع البيان 4 / 37.
23

فدخلت فاطمة بنت أسد في الكعبة ووضعت عليا هناك (1).
وتلك فضيلة نقلها قاطبة المؤرخين والمحدثين الشيعة، وكذا علماء الأنساب
في مصنفاتهم، كما نقلها ثلة كبيرة من علماء السنة وصرحوا بها في كتبهم واعتبروها
حادثة فريدة، وواقعة عظيمة لم يسبق لها مثيل (2).
وقال الحاكم النيشابوري: وقد تواترت الاخبار ان فاطمة بنت أسد ولدت
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، في جوف الكعبة (3).
وقال شهاب الدين أبو الثناء السيد محمود الآلوسي: " وكون الأمير كرم الله
وجهه، ولد في البيت، أمر مشهور في الدنيا ولم يشتهر وضع غيره كرم الله وجهه،
كما اشتهر وضعه " (4).
2 - الإمام علي والتربية في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وأما التربية الروحية والفكرية والأخلاقية فقد تلقاها علي - عليه السلام - في حجر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الضلع الثاني من أضلاع شخصيته الثلاثة.
ولو أننا قسمنا مجموعة سنوات عمر الامام - عليه السلام - إلى خمسة أقسام لوجدنا
القسم الأول من هذه الأقسام الخمسة من حياته الشريفة، يشكل السنوات التي
قضاها - عليه السلام - قبل بعثة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
وان هذا القسم من حياته الشريفة لا يتجاوز عشر سنوات، لان اللحظة التي
ولد فيها علي (عليه السلام) لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تجاوز الثلاثين من عمره المبارك، هذا
مع العلم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث بالرسالة في سن الأربعين.
وعلى هذا الأساس لم يكن الإمام علي - عليه السلام - قد تجاوز السنة العاشرة

(1) كشف الغمة 1 / 60.
(2) مروج الذهب 2 / 349، شرح الشفاء للقاضي عياض 1 / 151 وغيرهما، وقد أفرد العلامة
الأردوبادي رسالة في هذه المنقبة وسماها: علي وليد الكعبة.
(3) شرح عينية عبد الباقي أفندي العمري 15.
(4) الغدير 6 / 22.
24

من عمره يوم بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة، وتوج بالنبوة.
إن أبرز الحوادث في حياة الإمام علي - عليه السلام - هو تكوين الشخصية
العلوية، وتحقق الضلع الثاني من المثلث الذي أسلفناه بواسطة النبي الأكرم وفي ظل
ما أعطاه صلى الله عليه وآله وسلم لعلي - عليه السلام - من أخلاق وأفكار، لان هذا القسم في حياة كل
انسان وهذه الفترة من عمره هي من اللحظات الخطيرة، والقيمة جدا، فشخصية
الطفل في هذه الفترة تشبه صفحة بيضاء نقية تقبل كل لون وهي مستعدة لان ينطبع
عليها كل صورة مهما كانت، وهذه الفترة من العمر تعتبر - بالتالي - خير فرصة لان
ينمي المربون والمعلمون فيها كلما أودعت يد الخالق في كيان الطفل من سجايا
طيبة وصفات كريمة، وفضائل أخلاقية نبيلة، ويوقفوا الطفل - عن طريق التربية -
على القيم الأخلاقية والقواعد الانسانية وطريقة الحياة السعيدة، وتحقيقا لهذا الهدف
السامي تولى النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه تربية علي - عليه السلام - بعد ولادته، وذلك
عندما أتت فاطمة بنت أسد بوليدها علي - عليه السلام - إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلقيت من
رسول الله حبا شديدا لعلي حتى أنه قال لها:
اجعلي مهده بقرب فراشي وكان صلى الله عليه وآله وسلم يطهر عليا في وقت غسله، ويوجر اللبن
عند شربه، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويلاحظه ويقول: هذا
أخي، ووليي وناصري وصفيي وذخري وكهفي، وصهري، ووصيي وزوج كريمتي
وأميني على وصيتي وخليفتي (1).
ولقد كانت الغاية من هذه العناية هي أن يتم توفير الضلع الثاني في مثلث
الشخصية (وهو التربية) بواسطته صلى الله عليه وآله وسلم، وأن لا يكون لاحد غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل
في تكوين الشخصية العلوية الكريمة.
وقد ذكر الإمام علي - عليه السلام - ما أسداه الرسول الكريم إليه وما قام به
تجاهه في تلكم الفترة إذ قال: " وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة،
والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره، ويكنفني

(1) كشف الغمة 1 / 60.
25

في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه (1).
النبي يأخذ عليا إلى بيته
وإذ كان الله تعالى يريد لولي دينه أن ينشأ نشأة صالحة وأن يأخذ النبي عليا إلى
بيته وأن يقع منذ نعومة أظفاره تحت تربية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ألفت نظر نبيه إلى ذلك.
فقد ذكر المؤرخون أنه أصابت مكة - ذات سنة - أزمة مهلكة وسنة مجدبة
منهكة، وكان أبو طالب - رضي الله عنه - ذا مال يسير وعيال كثير فأصابه ما أصاب
قريشا من العدم والضائقة والجهد والفاقة: فعند ذلك دعا رسول الله عمه العباس إلى
أن يتكفل كل واحد منهما واحدا من أبناء أبي طالب وكان العباس ذا مال وثروة وجدة
فوافقه العباس على ذلك:
فأخذ النبي عليا، وأخذ العباس جعفرا وتكفل أمره، وتولى شؤونه (2).
وهكذا وللمرة الأخرى أصبح علي - عليه السلام - في حوزة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بصورة كاملة واستطاع بهذه المرافقة الكاملة أن يقتطف من ثمار أخلاقه العالية
وسجاياه النبيلة، الشئ الكثير، وأن يصل تحت رعاية النبي وعنايته وبتوجيهه
وقيادته، إلى أعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي.
وهذا هو الامام أمير المؤمنين - عليه السلام - يشير إلى تلك الأيام القيمة وإلى
تلك الرعاية النبوية المباركة المستمرة إذ يقول:
" ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل اثر أمه، يرفع لي كل يوم من أخلاقه علما
ويأمرني بالاقتداء به " (3).
.

(1) نهج البلاغة - شرح عبده - 2 / 182 الخطبة القاصعة.
(2) بحار الأنوار 35 / 44، وسيرة ابن هشام 1 / 246.
(3) نهج البلاغة شرح عبده 2 / 182
26

علي في غار حراء
كان النبي - حتى قبل أن يبعث بالرسالة والنبوة - يعتكف ويتعبد في غار حراء
شهرا من كل سنة، فإذا انقضى الشهر وقضى جواره من حراء انحدر من الجبل،
وتوجه إلى المسجد الحرام رأسا وطاف بالبيت سبعا، ثم عاد إلى منزله. وهنا يطرح
سؤال: وماذا كان شأن علي - عليه السلام - في تلك الأيام التي كان يتعبد ويعتكف
فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذك المكان مع ما عرفناه من حب الرسول الأكرم له؟ هل كان
يأخذ صلى الله عليه وآله وسلم عليا معه إلى ذلك المكان العجيب أم كان يتركه ويفارقه؟
إن القرائن الكثيرة تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ أن أخذ عليا لم يفارقه يوما أبدا
فهاهم المؤرخون يقولون:
كان علي يرافق النبي دائما ولا يفارقه أبدا حتى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا خرج
إلى الصحراء أو الجبل أخذ عليا معه (1).
يقول ابن أبي الحديد: وقد ذكر علي - عليه السلام - هذا الامر في الخطبة
القاصعة إذ قال: " ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري " (2).
إن هذه العبارة وإن كانت محتملة في مرافقته للنبي في حراء بعد البعثة الشريفة
إلا أن القرائن السابقة وكون مجاورة النبي بحراء كانت في الأغلب قبل البعثة، تؤيد
أن هذه الجملة، يمكن أن تكون إشارة إلى صحبة علي للنبي في حراء قبل البعثة.
إن طهارة النفسية العلوية، ونقاوة الروح التي كان علي - عليه السلام - يتحلى
بها، والتربية المستمرة التي كان يحظى بها في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كل ذلك كان
سببا في أن يتصف علي - عليه السلام - ومنذ نعومة أظفاره - ببصيرة نفاذة وقلب

(1) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد 13 / 208.
(2) نهج البلاغة: الخطبة القاصعة الرقم 187.
27

عقول، وأذن سميعة واعية تمكنه من أن يرى أشياء ويسمع أمواجا تخفى على الناس
العاديين ويتعذر عليهم سماعها ورؤيتها، كما يصرح نفسه بذلك إذ يقول: " أرى نور
الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة " (1)
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): " كان علي - عليه السلام - يرى مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل الرسالة، الضوء ويسمع الصوت ".
وقد قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لولا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة فإن لا تكن
نبيا فإنك وصي نبي ووارثه، بل أنت سيد الأوصياء وإمام الأتقياء (2).
ويقول الإمام علي - عليه السلام -: لقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي
عليه صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان أيس من عبادته.
ثم قال له: إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك
وزير " (3).
هذا هو الرافد الثاني الذي كان يرفد الشخصية العلوية بالأخلاق
والسجايا الرفيعة.
3 - البيئة الرسالية وشخصية الامام
ولو أضفنا ذينك الامرين (أي ما اكتسبه من والديه الطاهرين بالوراثة، وما تلقاه
في حجر النبي) إلى ما أخذه من بيئة الرسالة والاسلام من أفكار وآراء رفيعة، وتأثر
عنها أدركنا عظمة الشخصية العلوية من هذا الجانب.
ومن هنا يحظى الإمام علي - عليه السلام - بمكانة مرموقة لدى الجميع:
مسلمين وغير مسلمين، لما كان يتمتع به من شخصية سامقة، وخصوصيات
خاصة يتميز بها.

(1) نهج البلاغة: الخطبة القاصعة الرقم 187.
(2) شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 13 / 310.
(3) نهج البلاغة: الخطبة القاصعة الرقم 187.
28

وهذا هو ما دفع بالبعيد والقريب إلى أن يصف عليا بما لم يوصف به أحد من
البشر، ويخصه بنعوت، حرم منها غيره، فهذا الدكتور شبلي شميل المتوفى 1335
وهو من كبار الماديين في القرن الحاضر يقول: " الإمام علي بن أبي طالب عظيم
العظماء نسخة مفردة لم ير لها الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل لا قديما
ولا حديثا " (1).
وقال عمر بن الخطاب: " عقمت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب " (2).
ويقول جورج جرداق الكاتب المسيحي اللبناني المعروف: " وماذا عليك يا دنيا
لو حشدت قواك فأعطيت في كل زمن عليا بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره " (3).
هذه الابعاد التي ألمحنا إليها هي الابعاد الطبيعية للشخصية العلوية.
البعد الرابع لشخصية الامام - عليه السلام -
غير أن أبعاد شخصية الإمام علي - عليه السلام - لا تنحصر في هذه الابعاد
الثلاثة، فإن لأولياء الله سبحانه بعدا رابعا، داخلا في هوية ذاتهم، وحقيقة
شخصيتهم وهذا البعد هو الذي ميزهم عن سائر الشخصيات وأضفى عليهم بريقا
خاصا ولمعانا عظيما.
وهذا البعد هو البعد المعنوي الذي ميز هذه الصفوة عن الناس، وجعلهم نخبة
ممتازة وثلة مختارة من بين الناس وهو كونهم رسل الله وأنبيائه أو خلفاءه وأوصياء أنبيائه.
نرى أنه سبحانه يأمر رسوله أن يصف نفسه بقوله: * (قل سبحان ربى هل كنت
إلا بشرا رسولا) * (الاسراء / 93).

(1) الإمام علي صوت العدالة الانسانية 1 / 37.
(2) الغدير 6 / 38 طبعة النجف.
(3) الإمام علي صوت العدالة الانسانية 1 / 49.
29

فقوله: * (بشرا) * إشارة إلى الابعاد البشرية الموجودة في كل انسان طبيعي،
وإن كانوا يختلفون فيها في ما بينهم كمالا ولمعانا.
وقوله: * (رسولا) * إشارة إلى ذلك البعد المعنوي الذي ميزه صلى الله عليه وآله وسلم عن الناس
وجعله معلما وقدوة للبشر.
فلأجل ذلك يقف المرء في تحديد الشخصيات الإلهية على شخصية مركبة
من بعدين: طبيعي وإلهي ولا يقدر على توصيفها إلا بنفس ما وصفهم الله به سبحانه
مثل قوله في شأن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
* (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة
والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم
الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم) * (الأعراف / 157)
وقد نزلت في حق الامام أمير المؤمنين - عليه السلام - آيات ووردت روايات.
كيف وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب -
عليه السلام - " (1)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: " من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن
غرسها ربي فليوال عليا بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي
خلقوا من طينتي، رزقوا فهما وعلما، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين
فيهم صلتي، لا أنا لهم الله شفاعتي " (2).
وقال الإمام أحمد بن حنبل: ما لاحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد

(1) أخرجه الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخه 4 / 410.
(2) أخرجه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء 1 / 86.
30

الصحاح مثل ما لعلي - رضي الله عنه (1).
وقال الامام الفخر الرازي: من اتخذ عليا إماما لدينه فقد استمسك بالعروة
الوثقى في دينه ونفسه (2).
وقال أيضا: من اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى لقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار (3).
وهذا الكتاب الذي بين يديك ويزخر بهذه الآيات والروايات يتكفل -
في الحقيقة - تسليط الضوء على ذلك البعد المعنوي.
لا عتب على اليراع لو وقف عند تحديد شخصية كريمة معنوية خصها الله
تعالى بمواهب وفضائل، وكفى في ذلك ما رواه طارق بن شهاب، قال: كنت عند
عبد الله بن عباس فجاء أناس من أبناء المهاجرين فقالوا له: يا بن عباس أي رجل كان
علي بن أبي طالب؟
قال: ملئ جوفه حكما وعلما وبأسا ونجدة وقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4).
روى عكرمة عن ابن عباس قال: ما نزل في القرآن: * (يا أيها الذين آمنوا) *
إلا وعلي - عليه السلام - رأسها وأميرها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير
مكان، وما ذكر عليا إلا بخير (5).
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل

(1) مناقب أحمد لابن الجوزي الحنبلي 163.
(2) تفسير مفاتيح الغيب 1 / 205.
(3) المصدر نفسه 204.
(4) شواهد التنزيل 1 / 108 ح 153.
(5) مسند أحمد 1 / 190، تاريخ الخلفاء 171.
31

في علي (1).
وقال ابن عباس: نزلت في علي أكثر من ثلاثمائة آية في مدحه (2).
ونكتفي في ترجمة علي - عليه السلام - بكلمتين عن تلميذيه اللذين كانا معه
سرا وجهرا، ونحيل الباقي إلى الكتاب الذي بين يديك الآن:
1 - قال ابن عباس - عندما سئل عن علي فقال -: رحمة الله على أبي الحسن
كان والله علم الهدى وكهف التقى وطود النهى ومحل الحجى وغيث الندى،
ومنتهى العلم للورى، ونورا أسفر في الدجى، وداعيا إلى المحجة العظمى
ومستمسكا بالعروة الوثقى، أتقى من تقمص وارتدى، وأكرم من شهد النجوى بعد
محمد المصطفى، وصاحب القبلتين، وأبو السبطين، وزوجته خير النساء فما يفوقه
أحد، لم تر عيناي مثله، ولم أسمع بمثله، فعلى من أبغضه لعنة الله ولعنة العباد إلى
يوم التناد (3).
2 - إن معاوية سأل ضرارا بن جزء بعد موت علي عنه، فقال: صف لي عليا
فقال: أو تعفيني؟ قال: صفه، قال: أو تعفيني؟ قال: لا أعفيك، قال: أما إذ
لا بد فأقول ما أعلمه منه:
والله كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر
العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها،
ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفيه
ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب.
كان والله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا إذا أتيناه، ويأتينا إذا دعوناه،
ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة، ولا نبتدئه عظمة، إن تبسم فعن
مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي

(1) الصواعق المحرقة الباب التاسع الفصل الثالث 76.
(2) تاريخ الخلفاء 172.
(3) ميزان الاعتدال 1 / 484.
32

في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.
فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه
وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين
وكأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا أبي تعرضت؟ أم إلي تشوقت؟ هيهات، هيهات
غري غيري قد باينتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير، وخطرك
كثير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
قال: فذرفت دموع معاوية على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه
وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال معاوية: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف
حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن
حزنها. (1)
هذه شذرات من فضائله، وقبسات من مناقبه الكثيرة التي حفظها التاريخ
عن تلاعب الأيدي. غير أنه لا يعرف عليا غير خالقه، وبعده صاحب الرسالة الكبرى
ابن عمه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
المناقب في المكتبة الاسلامية
ولأجل ذلك قد قام لفيف من علماء الفريقين منذ العصور الأولى بتدوين
مناقب أهل البيت عامة ومناقب الامام أمير المؤمنين خاصة، ومن سبر المعاجم
وكتب التراجم يقف على أن موضوع مناقب أهل البيت وفضائلهم، من المواضيع
المهمة التي شغلت بال المفسرين أولا، والمحدثين ثانيا والمؤلفين ثالثا، في الأقطار
الاسلامية، باللغات المختلفة وأنه كان موضع اهتمام العلماء منذ الصدر الأول
وفي القرون التالية إلى القرن الحاضر ولو جمعت تلك الكتب المطبوعة وصورت
المخطوطة منها الموجودة في المكتبات لشكلت مكتبة كبرى واسعة.
ولئن قام أحد المتتبعين بتدوين أسمائها وأسماء مؤلفيها، لجاءت المذكرات

(1) شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 18 / 225 وغيره.
33

بصورة رسالة كبيرة. ومن حسن الحظ أن قام أحد المحققين في هذا الموضوع فألف
رسالة كبيرة في خصوص ما ألف في مناقب وفضائل آل البيت باللغة العربية وأسماها
ب‍ " أهل البيت في المكتبة العربية "، نشرت تباعا في مجلد (تراثنا) الصادرة
عن مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث في قم وقد توسط الآن حرف الميم
وتجاوز حتى الآن الستمائة كتاب.
الكتب المناقبية لابن البطريق
لقد قامت الامامية بتدوين مناقب أهل البيت من أقدم العصور إلى زماننا هذا
فألفوا في هذا المضمار كتبا حافلة ورسائل ذات أهمية بصور متنوعة.
ومن أحسن ما ألف في هذا الباب في أخريات القرن السادس، هم كتب ابن
البطريق وهو محدث عصره، وعلامة زمانه، الحافظ: يحيى بن الحسن بن البطريق
الأسدي الحلي (523 - 600) فقام بتدوين الفضائل والمناقب لوصي المختار،
بصورة بديعة لم يسبقه إليها أحد من أصحابنا الإمامية حتى شيخه العلامة
الحافظ: محمد بن علي بن شهرآشوب السروي (488 - 588) فقد دون جل ما رواه
أصحاب الصحاح والمسانيد بشكل ممتاز، موضحا لمشكلاته، ومبينا لمعضلاته،
معلقا عليها كلما استدعت الحاجة وهي العمدة ومستدرك المختار وخصائص
الوحي المبين.
ويقف الباحث على موقع المؤلف ومكانته العلمية، من خلال الثناء عليه من
أعلام الطائفة، وإليك بعض ما وقفنا عليه:
1 - قال العلامة في إجازته لبني زهرة: ومن ذلك جميع مصنفات الشيخ
أبي زكريا: يحيى بن علي البطريق، ورواياته عني عن والدي - قدس الله روحه
- عن السيد فخار عن المصنف (1).

(1) إجازة العلامة لبني زهرة المطبوعة في البحار 104 / 60 - 137 وهذه الإجازة الكبيرة من العلامة
لبني زهرة الحلبيين توصف بالإجازة الكبيرة كتبها عام 723 وهم عبارة عن علاء الملة والحق
والدين أبي الحسن علي بن أبي إبراهيم محمد بن أبي علي الحسن بن أبي المحاسن بن
زهرة، وولده المعظم شرف الملة والدين أبي عبد الله الحسين، وأخيه بدر الدين أبي عبد الله
محمد، ووالديه أبي طالب أحمد أمين الدين وأبي محمد عز الدين الحسن - رحمهم الله -.
34

وعلى ذلك فيروي العلامة (648 - 726) عن شيخنا المترجم بواسطتين: والده
والسيد فخار.
2 - قال الشيخ الحر العاملي: الشيخ أبو الحسين يحيى بن الحسن بن
الحسين بن علي بن محمد بن البطريق الحلي، كان عالما، فاضلا، محدثا،
محققا، ثقة، صدوقا، ثم ذكر كتبه (1).
3 - وقال المتتبع الخبير عبد الله الأفندي التبريزي: الشيخ الأجل شمس الدين
أبو الحسين يحيى بن (الحسن بن الحسين بن علي بن محمد بن) البطريق الحلي
الأسدي، المتكلم الفاضل، العالم، المحدث الجليل، المعروف بابن البطريق:
صاحب كتاب العمدة وغيره من الكتب العديدة في المناقب، وقد رأيت في بعض
المواضع في مدحه هكذا: الامام الاجل شمس الدين جمال الاسلام، العالم الفقيه،
نجم الاسلام، تاج الأنام مفتي آل الرسول (2).
4 - وقال العلامة المجلسي في أول البحار: وكتاب العمدة وكتاب المستدرك
كلاهما في اخبار المخالفين في الإمامة للشيخ أبي الحسين يحيى (بن الحسن بن
الحسين بن علي بن محمد) بن البطريق الأسدي (3).
ثم قال: وكتاب العمدة ومؤلفه مشهوران مذكوران في أسانيد الإجازات، وأما
المستدرك فعندنا منه نسخة قديمة نظن أنها بخط مؤلفها (4).
5 - وقال في الروضات بعد نقل ما ذكره الشيخ الحرفي أمله في حقه:
وفي بعض كتب الإجازات اكتناء الرجل بأبي زكريا وفي بعضها تلقبه بشمس الدين،
شرف الاسلام.
ثم قال: ويروى في الأغلب عن عماد الدين محمد بن القاسم الطبري،

(1) أمل الآمل 2 / 45.
(2) رياض العلماء 5 / 358.
(3) بحار الأنوار 1 / 10 و 29.
(4) بحار الأنوار 1 / 10 و 29.
35

وهو يروي عن الشيخ أبي علي، ولد شيخنا الطوسي (1).
6 - وقال الميرزا الأسترآبادي في رجاله الكبير: يحيى بن الحسن... كان عالما
فاضلا، محدثا، محققا، ثقة، صدوقا، له كتب... إلى آخر ما ذكره الشيخ الحر
العاملي في أمله (2).
7 - وقال المحدث النوري: الشيخ الأجل شمس الدين أبو الحسين أو
أبو زكريا كما في إجازة العلامة لبني زهرة: يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن
محمد بن البطريق الحلي الأسدي مؤلف كتاب العمدة الذي جمع فيه ما في
الصحاح الستة وتفسير الثعلبي ومناقب ابن المغازلي من مناقب أمير المؤمنين - عليه
السلام - بحيث لم يغادر شيئا من ذلك ولم يذكر فيه شيئا من غيرها، ولم يسبقه إلى
هذا التأليف البديع أحد من أصحابنا، ومؤلف كتاب المستدرك بعد العمدة، أخرج
فيه قريبا من ستمائة حديث من كتاب أخرى لهم، عثر عليها بعد تأليف العمدة،
كالحلية لأبي نعيم، والمغازي لابن إسحاق، والفردوس لابن شيرويه الديلمي،
ومناقب الصحابة للسهاني وغير ذلك من المؤلفات (3).
8 - قال السيد الصدر: أبو الحسين يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي
ابن محمد بن البطريق الأسدي، المتكلم الفاضل، المحدث الجليل،
المعروف بابن البطريق، يروي عن ابن شهرآشوب سنة خمس وتسعين (4)
وخمسمائة وهو صاحب كتاب العمدة في مناقب الأئمة والخصائص في مناقب
أمير المؤمنين - عليه السلام - وهو أشهر من أن تشرح أحواله، من كبار شيوخ الشيعة
رضي الله عنه (5).

(1) روضات الجنات 8 / 196.
(2) منهج المقال 513.
(3) المستدرك 3 / 476.
(4) هكذا في النسخة المطبوعة، والظاهر أنه مصحف سبعين، وقد توفي الشيخ ابن شهرآشوب
عام 588 فكيف يمكن أن يروي عنه المترجم عام 595؟ وقد نقل شيخنا الطهراني عام الرواية
كما ذكرناه.
(5) تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام 130.
36

9 - وقال شيخنا الطهراني: الشيخ شمس الدين أبو الحسين يحيى بن الحسن
ابن الحسين بن علي بن محمد الراوي عن محمد بن علي بن شهرآشوب في 575
وقد أرخ في كشف الحجب وفاته سنة 600 عن سبع وسبعين سنة، وهو
صاحب كتاب العمدة المعروف بعمدة ابن البطريق وله " رجال الشيعة " الذي نقل
عنه ابن حجر في " لسان الميزان " الذي كتبه في ما زاد على " ميزان الاعتدال "
للذهبي (1).
هذا ما ذكره أعلام الامامية في حق المترجم له، وترجمه من غيرهم، ابن حجر
العسقلاني.
10 - قال في لسان الميزان نقلا عن تاريخ ابن النجار (2): يحيى بن الحسن ابن
الحسين بن علي الأسدي الحلي الربعي المعروف بابن البطريق، قرأ على أخمص
الرازي الفقه والكلام على مذهب الإمامية وقرأ النحو واللغة وتعلم النظم والنثر، وجد
حتى صارت إليه الفتوى في مذهب الإمامية، وسكن بغداد مدة، ثم واسط وكان
يتزهد ويتنسك، وكان وفاته في شعبان سنة 600 وله سبع وسبعون سنة (3).
أقول: وعلى ذلك يكون المترجم له من مواليد عام 523 وقد نص بذلك
شيخنا المجيز الطهراني لذلك في الثقات العيون ص 338.
والقارئ الكريم يجد نظير هذه الكلمات من الثناء على المؤلف وكتبه في
المعاجم والتراجم مثل أعيان الشيعة ج 10 ص 289 والفوائد الرضوية ص 709 وهدية
العارفين ج 2 ص 522 وريحانة الأدب ج 7 ص 415.

(1) مصفى المقال 502.
(2) وهو غير ابن النجار الشيعي أعني أبا الحسن محمد بن جعفر بن محمد التميمي النحوي
المعروف بابن النجار المتوفى سنة 402 مؤلف تاريخ الكوفة، الموسوم بالمصنف، الذي ينقل
عنه السيد عبد الكريم بن طاووس المتوفى سنة 692 في كتابه فرحة الغري وهو يروي عن أبي بكر
الدارمي الذي أجاز التلعكبري سنة 330 وهذا الكتاب من أنفس الكتب، نسأل الله تعالى أن
يوفقنا للعثور عليه ونشره.
(3) لسان الميزان 6 / 247.
37

والكل متفقون على جلالة قدر الرجل في الأدب وغيره من الفنون الاسلامية
وفي ما ذكرناه ونقلناه من الكلمات حول الآثار العلمية التي خلفها أقوى شاهد عليه
وإليك هذه الآثار:
آثاره العلمية
إن حياة شيخنا المترجم له كانت مفعمة بالتأليف والتصنيف والتربية
والتدريس فخلف آثارا مشرقة تدل على نبوغ الرجل وتضلعه في فنون الحديث
والرجال، وإليك أسماء ما وقفنا عليه منها في المعاجم وكتب التراجم:
1 - اتفاق صحاح الأثر في إمامة الأئمة الاثني عشر
واسمه يحكي عن مسماه، وعنوانه يكشف عن محتواه.
2 - تصفح الصحيحين في تحليل المتعتين
والمراد من المتعتين متعة الحج ومتعة النساء اللتين دلت نصوص الكتاب
والسنة على جوازهما في العصر النبوي، وبعده إلى أن نهي عنهما نهيا سياسيا،
فبقيتا متروكتين بين أبناء السنة دون غيرهم:
3 - الرد على أهل النظر في تصفح أدلة القضاء والقدر
ولعل الكتاب حول إبطال استنتاج نظرية الجبر من القول بالقضاء والقدر.
4 - العمدة من عيون الأخبار في مناقب امام الأبرار أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب وصي المختار صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الأئمة من ذريته الأطهار
5 - عيون الأخبار
قال في الرياض: نسبه إليه المولى محمد طاهر القمي في مقدمة كتاب
الأربعين نقلا عن كتاب الصراط المستقيم.
38

6 - المستدرك المختار في مناقب وصي المختار
والكتاب استدراك لكتاب العمدة (1).
7 - نهج العلوم إلى نفي المعدوم المعروف بسؤال أهل حلب (2)
8 - رجال الشيعة
وينقل عنه ابن حجر في لسان الميزان كما مر.
9 - خصائص الوحي المبين في مناقب أمير المؤمنين -: عليه السلام -
وهذا الكتاب هو الذي يزفه الطبع إلى القراء الكرام، وقد ألفه بعد كتابي العمدة
والمستدرك.
قال في الرياض: " ورأيت منه نسخة عتيقة بتبريز وعندنا منه نسخة " قد أورد
فيه أخبار المخالفين في تفسير الآيات التي نزلت في شأن علي - عليه السلام -
طبع في إيران سنة 1311 ه‍ طبعة حجرية.
تعريف بالكتاب الحاضر
لقد قام المؤلف في هذا الكتاب بجمع وتدوين مناقب الامام أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب (عليه السلام) الواردة في الصحاح والسنن والمسانيد لأهل السنة
على نسق خاص وترتيب مبتكر.
وقد استخرج هذه المناقب من: صحيحي البخاري ومسلم، ومن الجمع بين
الصحيحين للحميدي، ومن كتاب الجمع بين الصحاح الستة لجامعه الشيخ
أبي الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري ومسند أحمد بن حنبل الشيباني،

(1) قال في البحار عندنا منه نسخة قديمة، وذكر الطهراني في الذريعة وجود نسخة في المكتبات.
(2) هذه الكتب ذكرها الشيخ الحر العاملي في أمل الآمل 2 / 345 ونقلها عنه صاحب رياض
العلماء 5 / 354، وغيره من المؤلفين.
39

وتفسير الثعلبي الموسوم بالكشف والبيان لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن نعيم
الثعلبي، ومناقب الفقيه أبي الحسن بن علي بن محمد الطيب المعروف بابن
المغازلي الواسطي، ومناقب أحمد بن حنبل المعروف بفضائل الصاحبة، إلى غير
ذلك من الكتب التي أشار إليها المؤلف في ديباجة الكتاب، وخلال فصوله.
وقد كان هذا الكتاب خير بداية لهذا النوع من التأليف والتصنيف أعني " جمع
المناقب من الصحاح والمسانيد أو السنن المعتبرة عند أهل السنة " وتوالت التآليف
والمصنفات على هذا النمط من بعد.
هذا والكتاب الحاضر يشتمل على مائتين واثنين حديثا في خمسة وعشرين
فصلا ثم ذيله بعدة أمور ترى تفصيلها في فهرس الكتاب ولم يخصها بالفصل وقد
ذكر عدد أحاديث كل فصل في مقدمته.
وقد ذكر المؤلف أسانيده وطرقه إلى مؤلفيها ورواتها في صدر الكتاب، وهو
يعرب عن مكانته في الحديث وتضلعه فيه وكثرة مشائخه وأساتذته، وبلوغه الذروة
في الإحاطة بالمناقب والفضائل.
مشايخه وأساتذته
قرأ شيخنا المترجم له على لفيف من علماء الفريقين وأخذ عنهم الحديث
والتفسير والفقه.
فمن الخاصة يروي عن عدة من الاعلام:
1 - الشيخ عماد الدين الطبري صاحب بشارة المصطفى، كما يظهر من إجازة
الشيخ محمد سبط الشهيد الثاني، للمولى محمد أمين الأسترآبادي
والشيخ عماد الدين الطبري هو العالم الجليل الواسع الرواية، يروي في
كتابه: " البشارة " عن عدة من مشايخه، من سنة 503 إلى سنة 517 منهم نجل
40

شيخنا الطوسي والفقيه " حسكا " الحسن بن الحسين بن بابويه (1).
2 - محمد بن شهرآشوب المولود عام 488 والمتوفى عام 588 صاحب
المناقب والمعالم وغيرهما من المؤلفات (2).
هؤلاء بعض مشايخه من أعلام الطائفة، وأما مشايخه من العامة فقد ذكر
أسماءهم عند ذكر طرقه إلى الصحاح الستة في مقدمة كتاب " العمدة "
و " الخصائص " واليك بعض من ذكرهم:
3 - أبو جعفر إقبال من المبارك بن محمد العكبري الواسطي، روى عنه في
جمادي الأولى من شهور عام 584.
4 - الشيخ الامام المقري أبو بكر عبد الله بن منصور بن عمران الباقلاني، روى
عنه في شهر رمضان سنة 579، وهو يروي صحيح البخاري عن طريقيهما معا كما
يروي صحيح مسلم عن طريق الأخير فقط.
5 - فخر الاسلام أبو عبد الله أحمد بن الطاهر وهو يروي مسند أحمد عن طريقه.
6 - السيد الاجل محمد بن يحيى بن محمد بن أبي السطلين العلوي الواعظ
البغدادي يروى عنه تفسير الثعلبي الموسوم بالكشف والبيان في سنة 585.
هؤلاء بعض مشائخه وأساتذة حديثه وقد أتى بأسمائهم وخصوصياتهم في
مقدمة كتابي " العمدة " و " الخصائص ".

(1) لاحظ رياض العلماء 5 / 358.
(2) الثقات العيون 278 و 338. 40
41

الراوون عنه
لقد تتلمذ على يد شيخنا المترجم له، وروى عنه لفيف من المشائخ
والعلماء في الحديث والرجال، وقد جاءت أسماؤهم في غضون المعاجم نأتي
بما وقفنا عليه:
1 - علي بن يحيى بن الحسن ولد المؤلف المكنى بأبي الحسن الكاتب.
قال الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " ما لفظه: أبو الحسن علي بن
يحيى ابن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد البطريق بن نصر بن حمدون بن
ثابت الأسدي الحلي، ثم الواسطي، ثم البغدادي، الكاتب الشاعر الشيعي، فقيه
الشيعة...
ثم قال: كان فاضلا ذكيا جيد النظم والنثر، لكنه مخذول محجوب
عن الحق، وقد أورد ابن الساعي قطعة جيدة من أشعاره الدالة على غزارة مادته
في العلم والذكاء رحمه الله (1).
والعجب من ابن كثير يصفه بأنه " مخذول محجوب عن الحق " وهو يعترف
بفضله وعلو كعبه في العلم والأدب!!
أفهل يكون حب أهل البيت الذين أمر الله بحبهم ومودتهم موجبا لخذلان
من يتولاهم؟
أفهل يكون المتبع لآثارهم بعيدا عن الحق وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطاعتهم.
نعم هكذا يرى ابن كثير، فمن تولى أعداء الرسالة هو العزيز، ومن أحب
خصوم أهل البيت هو الواقف على الحق؟!!
وقد قرأ الشيخ كمال الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم العفيف الموصلي

(1) البداية والنهاية 13 / 164
42

كتاب العمدة عليه، وكتب عليه إجارة، وهذه صورتها:
قرأ علي الاجل الأوحد العالم العامل الورع كمال الدين عز الاسلام كهف
الطائفة أبو العباس أحمد بن الاجل تاج الدين إبراهيم بن أحمد بن الاجل العفيف
الموصلي أدام الله سعادته وبلغه إرادته، ومن أول هذا الكتاب وهو كتاب العمدة
في عيون صحاح الاخبار تأليف والدي رحمه الله إلى فصل: " انه - عليه السلام - أول
من أسلم " وأذنت له أن يروي ذلك عني وعن والدي المصنف بالقراءة (1) وسيوافيك
ما نقله الشارح الحديدي منه.
2 - علي بن يحيى بن علي الخياط الشيخ الفقيه أبو الحسن السورآوي:
يروي عن ابن إدريس المتوفي عام 598 وعن يحيى بن البطريق (2).
3 - فخار بن معد بن فخار بن أحمد شرف الدين أبو علي العلوي الموسوي
الحائري المتوفى عام 630 وهو يروي عن جماعة منهم والده معد بن فخار
أبو المكارم حمزة بن زهرة ويحيى بن علي بن البطريق (3)
4 - السيد نجم الدين محمد بن أبي هاشم العلوي قرأ رجال الكشي على شيخنا
المترجم له وكتب شهادة القراءة له في عدة مواضع من النسخة وهي موجودة عند
العلامة الورع الشيخ حسن المصطفوي (4).
5 - محمد بن معد بن علي وهو صفي الدين أبو جعفر الموسوي من تلاميذ
ابن البطريق ومشايخ سديد الدين الحلي (والد العلامة الحلي) وابن طاووس كما
صرح به في كتاب اليقين عند روايته عند في العشر الأخير من صفر عام 616 ه‍ (5).

(1) الأنوار الساطعة في القرون السابعة 3.
(2) الأنوار الساطعة 118.
(3) الأنوار الساطعة 130.
(4) الثقات العيون 310.
(5) المصدر نفسه 338، الأنوار الساطعة 176.
43

6 - محمد بن عبد الله بن علي بن زهرة الكبير المعروف بابن زهرة وهو ابن أخ
أبي المكارم حمزة بن زهرة صاحب كتاب الغنية المتوفى عام 585 وهو يروي عن
شيخنا المترجم له.
قال في الرياض: ويروي عنه محمد بن عبد الله بن زهرة الحسين الحلبي كما
يظهر من إجازة الشيخ محمد سبط الشهيد الثاني، للمولى محمد أمين
الأسترآبادي (1).
7 - الفقيه مجد الدين أبو المكارم أحمد بن الحسين بن علي أبي الغنائم كما
يظهر من أسانيد بعض أحاديث كتبه (2).
هذا وفي أمل الآمل: ويروي الشهيد عن محمد بن جعفر المشهدي عن
ابن البطريق، وقد قرأ كتبه عليه (3)
أقول وما ذكره غير صحيح لان محمد بن المشهدي مؤلف المزار ولد حوالي
سنة 510 وابن البطريق تولد عام 533 وقراءة الأكبر على الأصغر، والرواية
عنه بعيدة.
أضف إلى ذلك أن شيخنا المجيز الطهراني استخرج مشايخ المشهدي الذين
يروي عنهم في كتاب " المزار " فبلغ خمسة عشر رجلا، ولم يذكر ابن البطريق فيهم،
بل ذكر من مشايخه نظراء أبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني الحلبي المتوفى عام
584 والشيخ الفقيه عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبري المتوفى عام 553
ومحمد بن علي بن شهرآشوب المتوفى 588 (4).

(1) رياض العلماء 5 / 358، ولاحظ الثقات العيون 338.
(2) رياض العلماء 5 / 358.
(3) أمل الآمل 2 / 345.
(4) راجع الذريعة 20 / 324.
44

ثم إن رواية الشهيد عن ابن المشهدي غير صحيحة قطعا، لان الشهيد بن
أعلام القرن الثامن، وقد تولد عام 734، وتوفي عام 786 فكيف يمكن له الرواية عن
ابن محمد المشهدي الذي هو من مواليد حوالي سنة 510 ه‍.
كما أن ما في الرياض ج 5 ص 49 من أن صاحب المزار يروي عن نصير الدين
الطوسي غير صحيح جدا، لان الطوسي توفي عام 672 فكيف يصح لابن المشهدي
أن يروي عنه.
وما في أعيان الشيعة من أن صاحب المزار توفي في 4 ذي الحجة سنة 336
بالحلة ونقل إلى مشهد الحسين - عليه السلام - ودفن فيه غير تام جدا.
هذا هو ما وقفنا عليه من تلاميذ المترجم له ومن يروون عنه.
أولاده
خلف المترجم له ولدين كريمين فاضلين هما:
1 - علي بن يحيى بن البطريق نجم الدين أبو الحسن الحلي الكاتب.
قال محمد شاكر في فوات الوفيات ما لفظه: علي بن يحيى بن بطريق:
نجم الدين أبو الحسن الحلي الكاتب، كتب بالديار المصرية أيام الدولة الكاملية،
ثم اختلف حاله فعاد إلى العراق ومات ببغداد سنة اثنين وأربعة وستمائة وكان
فاضلا أصوليا، ثم نقل طرفا من أشعاره (1).
ويظهر من الشارح الحديدي وجود الخلطة والصداقة بينهما حيث ينقل عنه
في شرحه ويقول: كان صديقنا علي بن يحيى البطريق رحمه الله يقول: لولا خاصة
النبوة وسرها، لما كان مثل أبي طالب - وهو شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها - يمدح
ابن أخيه محمدا وهو شاب قد ربى في حجره وهو يتيمه ومكفوله، وجار مجرى

(1) فوات الوفيات 3 / 112.
45

أولاده، بمثل قوله:
وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا * على ربوة في رأس عنقاء عيطل
وتأوى إليه هاشم، إن هاشما * عرانين كعب آخر بعد أول
ومثل قوله:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يطيف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
فإن هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع والذنابي من الناس، وإنما هو
من مديح الملوك والعظماء، فإذا تصورت انه شعر أبي طالب، ذاك الشيخ المبجل
العظيم في محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو شاب مستجير به، معتصم بظله من قريش، قد رباه
في حجره غلاما وعلى عاتقه طفلا، وبين يديه شابا، يأكل من زاده، ويأوى إلى داره
علمت موضع خاصية النبوة وسرها، وان أمره كان عظيما وان الله تعالى أوقع
في القلوب والأنفس له منزلة رفيعة ومكانا جليلا (1).
2 - محمد بن يحيى بن البطريق، انظر ترجمته في تأسيس الشيعة 130.
نكات يجب التنبيه عليها
1 - قد أطبقت كلمة المترجمين لشيخنا المؤلف على أن اسمه هو: يحيح بن
الحسن بن الحسين فما في تعليقات بعض الأعاظم بترجمته، بالحسن بن الحسين
محمول على سهو القلم ويصحح بسقوط لفظ " يحيى " قبل الحسن.

(1) شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 14 / 63 طبع مصر.
46

كما أن عد شيخنا المترجم له من علماء أهل السنة كما صدر عنه سهو آخر
حيث قال: وان كتاب العمدة من الكتب المعتبرة المعتمدة لديهم (1).
وكيف خفي على مثله أنه من أعيان الطائفة المحقة ومحدثيهم ومن المتفانين
في حب أهل البيت المقتفين آثارهم.
2 - قال السيد الصدر في تأسيس الشيعة: آل البطريق بيت جليل بالحلة من
الشيعة الإمامية، بيت علم وفضل وأدب، اشتهر منهم صاحب الترجمة وابناه:
علي ابن يحيى ومحمد بن يحيى (2).
3 - قال في القاموس: البطريق كالكبريت: القائد من قواد الروم، تحت يده
عشرة آلاف رجل، ثم الطرخان على خمسة آلاف، ثم الفومس على مائتين.
4 - قال شيخنا المجيز الطهراني: ولعل المؤلف من ولد البطريق الذي عده
ابن النديم مع ابنه بحيح بن بطريق من الربان المترجمين إلى العربية في عهد
المنصور العباسي وإليه تعزى ترجمة تيماوس لأفلاطون، فيكون انتماؤه إلى
بني أسد بالولاء (3).
5 - المشهور أن المترجم له توفي عام 600 عن عمر يبلغ 77 غير أن إسماعيل
پاشا في هدية العارفين ج 2 ص 522 نكر أن المترجم له توفي حدود 605
ولم يذكر مصدره.
6 - إن شيخنا الطهراني قد عنون المترجم له في الثقات العيون في سادس القرون
وذكر أنه تولد عام 523 وتوفي عام 600.

(1) لاحظ إحقاق الحق 2 / 406 و 509 و 3 / 6.
(2) تأسيس الشيعة 130.
الثقات العيون 337
47

ومع ذلك قد عنونه في الأنوار الساطعة في المائة السابعة وأرخ ميلاده
ووفاته 633 - 700.
والصحيح هو ما ذكره في الثقات العيون، ولعله تصحيف لتاريخه الصحيح
وهو 533 - 700 بتبديل خمسة إلى ستة في الميلاد وستة إلى سبعة في الوفاة ومع ذلك
لم يعلم وجه لتكراره في الأنوار الساطعة لأنه لم يكن من علماء القرن السابع بل كان
من علماء القرن السادس.
وقد قام بتحقيق الكتاب العلم الجليل والكوكب اللامع في سماء التحقيق
الشيخ مالك المحمودي دامت إفاضاته، فقد تحمل جهدا كبيرا وبذف أوقاتا ثمينة
في طريق تصحيح الكتاب وتحقيق نصه وعرضه على المصادر التي نقل عنها المؤلف
مع ايضاح بعض لغاته المشكلة.
فنتقدم إلى الجميع بالشكر والتقدير
قم المقدسة
مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
جعفر السبحاني
48

[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نبه ذوي العقول على حسن معارفه، واستنبه ذوي الغفول
بحسن عوارفه، فخسق سهم العارف (1) وبخق (2) فهم القائف (3) فنجح وفد
العقول (4) وجمح (5) ورد (6) الغفول، وغدت أبكار الأفكار رواجع بالبيان، وبدت
إنكار الانكار (7) رواجع عن التبيان.
فحضر قلب العارف بالحضر، وحصر لب العارف بالحصر.
وصلواته وسلامه على ذي السبيل الأقوم، والفخر الأقدم، والمنار الأنجم
وسيد العرب والعجم " محمد بن عبد الله " المعصوم من كل فحش وذم.

1 - خسق السهم: إذا أصاب الهدف ولم ينفذ نفاذا شديدا - ينظر أقرب الموارد وقاموس اللغة.
2 - البخق: العوار - قاموس اللغة.
3 - القائف: الذي يتتبع الآثار ويعرفها، ويعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود.
4 - نحج: غلب.
5 - جمح يجمح جماحا، الجماع: المنهزمون من الحرب فلا يمكن ردهم.
6 - الورد له معان، والمراد هنا الجيش، ينظر مادة " ورد " في كتب اللغة.
7 - الانكار جمع نكر: المنكر، ويمكن أن يكون " الأفكار ".
49

وعلى الأئمة من آله شادة الحكم (1) وسادة الأمم، ما طلع صباح ونجم
وما عسعس ليل وادلهم (2).
وبعد:
فإني لما صنفت كتاب " العمدة " من صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار
أمير المؤمنين " علي بن أبي طالب " وصي المختار - صلى الله عليه وعلى الأئمة من
ذريته الأطهار -.
وجعلته خدمة للمواقف المقدسة الشريفة الطاهرة النبوية الامامية، الناصرة
لدين الله زاده الله شرفا وعلاء.
وانتشر ذلك في الأمصار والأقطار، وظل خرير الأبرار (3) وحديث
السمار (4)، [كنت] (5) لم أزل متطلعا إلى تجريد كتاب مفرد في مناقبه - صلى الله
عليه - من وحي العزيز الجبار، موافقا لما ورد من صحاح لفظ المختار، إذا هو العلم
الأطول في الاستبصار، والسر (6) الأسبل (7) في الاستبصار، منير الزناد (8) مبير

1 - شادة الحكم: بناته.
2 - عسعس اليل: إذا أقبل بظلامه، أدلهم كثف واسود.
3 - في أصل المطبوع " الخدير " وهو تصحيف من الخرير، والخرير: صوت الماء والريح والعقاب
إذا حفت - أقرب الموارد.
4 - حديث السمار: الجماعة الذين يتحديون بالليل.
5 - الزيادة اقتضاها السياق.
6 - السر: الأرض الأكرم.
7 - الأسبل: الطويل السنبلة أي الأرض الكثيرة الثمر والبركة.
8 - الزناد جمع الزند: العود الاعلى الذي يقتدح به النار.
50

الأضداد في العلم أسبل نجاد (1)، وفي الدين أشمل بجاد (2)، وفي الكلم أصفى
إبراد (3)، وفي الحكم أصفى إيراد، وفي الانتجاع (4) أنجم، وفي الاتباع أسلم،
وفي الحجة ألزم، وللشبهة أحسم، وفي المدحة أعظم.
وقد وسمته ب‍ " خصائص الوحي المبين " في مناقب أمير
المؤمنين عليه السلام. إذ كانت الحاجة إليه أمس، والعناية به أخص.
فتطلعت على ما ورد في ذلك من طريق [أهل] السنة خاصة مما صح اتصالي
به، فأثبته في كتابنا هذا، كما تقدم منا تصنف مناقبه المذكورة أعني " العمدة "
وكتاب " المستدرك المختار " في مناقب وصي المختار من طريق [أهل] السنة خاصة،
ليس للشيعة فيه طريق لكون ذلك أنجم (5) في الدليل، وانهج (6) في السبيل،
وأبهج (7) في التأويل، وأحسم (8) في المقال، وأحسم (9) للضلال، إذ هو من خاص
طرقهم، واتحاد فرقهم.
لا يعتري (10) المتمسك به تقييد، ولا عن لزوم الحجة به محيد (11) إذا هو من

(1) النجاد جمع النجد: الطريق المرتفع.
2 - البجاد جمعه بجد: الثوب المخطط.
3 - الابراد: الاثبات.
4 - الانتجاع: الاتيان لطلب المعروف.
5 - أنجم أي أظهر.
6 - النهج: البين الواضح.
7 - البهجة: السرور.
8 - أي الأقطع.
9 - أشد قطعا.
10 - اي لا يصيب.
11 - أي معدل.
51

كلام الغفور الودود، ذي العرش المجيد فعال لما يريد (1) وكتابنا هذا سيد كتاب صنف
وشيد وجمع والف، إذ هو من براع (2) الوحي المبين، وبلاغ الروح الأمين. للذكر
معين، وللفكر معين، وفي الفصاحة متين، وفي النصاحة مبين، خبت (3) العلاء
وخوتع (4) الولاء، وابن نجدة الخصوص (5) وحذافي (6) النصوص، سديد
المقال (7)، شديد المحال (8). من كل مدحة أفخر ومن كل عون أنصر، وبكل منقبة
أبصر، وبوجه كل ضلالة وبصرها أبسر (9) وأحر.
يذر (10) الناقل إذا جنح عنه ناقلا، والقائل إذا نجح به قائلا.
فبرأ اوائد (11) الضلال، وسلس قياد الاستدلال، وقود زند الولاء،
وهمود (12) حصيد الأعداء، حجة الملتمس ومنار المقتبس.
يصدر الحال إلى الصواب (13) ويصد الحائر عن الذهاب، ادلمست (14)

1 - اقتباس من آيات 16 و 17 من سورة البروج. 2 - البريع: الذي يلمع من بعيد.
3 - الخبت: المتسع المطمئن من بطون الأرض.
4 - الخوتع: الحاذق بالدلالة الماهر بها.
5 - أي يراجع إليه الخاصة من العلماء.
6 - الحذافي، حفذ الصانع الشئ: سواه تسوية حسنة. و - شعره: طرره و - سواه وهو أن
يأخذ من نواحيه حتى يستوي، ومنه فلان محذف الكلام.
7 - اي صواب المقال.
8 - أي القدرة.
9 - بسر: عبس.
10 - ذرت الشمس: طلعت.
11 - البراء من العيب أو الدين: تخلص وسلم منه. الاوائد: الاعوجاج.
12 - همدت الأرض: لم يكن بها حياة ولا أود ولا نبت ولا مطر.
13 - يصدر الحال إلى الصواب: جعله في المقدمة وأول كل شئ: بعثه وأرسله إلى الامام.
14 - ادلمس: ادلمس الليل إذا اشتدت ظلمته، وهو ليل مدلمس - لسان العرب.
52

لسماعه أضواء العباد، وأقلعت (1) لاستماعه سحب أفاويق (2) الأضداد، وجرت
لمذاقه سيول وهاد (3) الأنداد، واستسمست (4) لمعرفة ذلك مطايا الاسترشاد.
من كل صوب يشرع الشارع إليه، ومن كل أوب (5) يشرع العابر عليه، فهو
للحاجة سداد، وللتبصرة سداد.
يستعذب عند العل (6) ويعل بعد النهل (7)، وكل نظم يأتي [في] اعجاز
الفصول فهو أيضا لنا حله (8).

1 - اقلعت: اقلعت السماء كفت وامتنعت.
2 - أفاويق: أفاويق السحاب: مطرها مرة بعد مرة.
3 - الوهد: المكان المنخفض كأنه حفرة.
4 - واستشمست الأرض بمعنى طلعت عليها الشمس.
5 - أوب: آب إلى الشئ يؤوب أوبا: رجع وعاد.
6 - العل: الشربة الثانية وقيل الشرب بعد الشرب اتباعا.
7 - النحل: الشرب أو أوله.
8 - الناحل: انتحل فلان شعر فلان إذا ادعاه انه قائله.
53

فصل
في ذكر طرق أسانيد هذا الكتاب
طريق رواية مناقب أبي عبد الرحمان عبد الله بن أحمد بن حنبل (1).
أخبرنا السيد الاجل العالم، نقيب النقباء، الطاهر الأوحد، ذو المناقب،
مجد الدين أبو عبد الله أحمد بن الطاهر الأوحد، أبي الحسن بن [علي بن] الطاهر
الأوحد أبي الغنائم المعمر بن محمد بن أحمد بن عبيد الله الحسيني " رضي الله عنه ".
قال: أخبرنا الشيخ الصالح أبو الخير (2) المبارك بن عبد الجبار بن أحمد
بن القاسم الصيرفي، عن الشيخ أبي طاهر بن علي بن يوسف المقرئ -
المعروف بابن العلاف - عن أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك
القطيعي (3) عن أبي عبد الرحمان عبد الله بن أحمد بن حنبل عن والده احمد.
وطريق رواية صحيح البخاري:
أخبرنا [به] الشيخ العدل أبو جعفر اقبال بن المبارك بن محمد العكبري (4)

1 - طبع هذا الكتاب في مكة المكرمة باسم فضائل الصحابة.
2 - في العمدة: أبو الحسين. 3 - القطيعة: محلة ببغداد.
4 - عكبرا: عكبرا بضم أوله وسكون ثانيه... بليدة من نواحي دجيل بينها وبين بغداد عشرة
فراسخ، والنسبة إليها عكبري - معجم البلدان.
55

الواسطي - في جمادى الأولى من سنة أربع وثمانين وخمسمائة - عن الشيخ
الحافظ المعمر يوسف بن محمد بن علي الهروي، عن أبي محمد عبد الله بن أحمد
بن حمويه السرخسي، عن أبي عبد الله الفربري (1)، عن الشيخ أبي عبد الله محمد
بن إسماعيل البخاري المصنف.
وأخبرنا به أيضا من طريق آخر: الشيخ الامام المقرئ، - صدر الجامع
للقراء - بواسط العراق - أبو بكر عبد الله بن منصور بن عمران الباقلاني - في
شهر رمضان من سنة تسع وسبعين وخمسمائة - قال: حدثنا الشيخ الامام الحافظ
أبو الوقت عبد الأول بن شعيب بن عيسى السجزي (2) - قراءة عليه في دار الوزارة
العونية بقصر الخلافة المعظمة في صفر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة فأقربه -
قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن الداودي، عن ابن حمويه السرخسي، عن
الفربري، عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المصنف.
واما طريق رواية صحيح مسلم:
فأخبرنا به أيضا الشيخ الامام المقرئ أبو بكر عبد الله بن منصور بن عمران
الباقلاني - صدر الجامع بواسط العراق المقدم ذكره - قال: أخبرنا الشيخ الامام
الشريف، - نقيب العباسيين (2) بمكة حرسها الله تعالى - أحمد بن محمد بن عبد
العزيز الهاشمي - في منزله ببغداد في قصر الخلافة المعظمة مما يلي باب العامة في

1 - الفربر: قرية ببخارى.
2 - سجز بكسر أوله وسكون ثانيه... اسم لسجستان البلد المعروف في أطراف خراسان،
والنسبة إليها سجزي وقد نسب إليها خلق كثير من الأئمة والرواة والأدباء.
3 - النقيب: عريف القوم، وهو شاهد القوم وضمينهم - لسان العرب.
56

سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة - قال: أخبرنا الفقيه أبو عبد الله الحسين بن
علي الطبري نزيل مكة - حرسها الله تعالى - عن أبي الحسين عبد المغافر (1) بن
محمد الفارسي، عن أبي احمد محمد بن عيسى الجلودي (2)، عن الفقيه إبراهيم
بن محمد بن سفيان، عن الفقيه مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري المصنف.
وطريق رواية الجمع بين الصحيحين:
لأبي عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي، فإني أرويه عن الأمير أبي الحسن
محمد بن الحسن بن علي بن الوزير أبي العلاء الواسطي - في شهر ربيع الأول من
سنة خمس وثمانين وخمس مائة، بحق (3) روايته عن الشريف الخطيب أبي يعلى
حيدرة بن بدر الرشيدي الهاشمي الواسطي، بحق روايته عن أبي عبد الله محمد
بن أبي نصر الحميدي المصنف.
ومن طريق آخر: أخبرنا به الشيخ الامام المقرئ أبو بكر عبد الله بن منصور
بن عمران الباقلاني - صدر الجامع بواسط العراق المقدم ذكره - قال: أخبرنا
الشيخ الامام الحافظ بن الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي السلامي
البغدادي، عن أبي عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي المصنف.
وطريق الرواية الجمع بين الصحاح الستة - وهي: موطأ مالك بن أنس
الأصبحي، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم النيسابوري، وصحيح
الترمذي، وصحيح أبي داود السجستاني - وهو كتاب السنن - وصحيح
النسائي الكبير - تصنيف الشيخ أبي الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدوي

1 - هكذا في العمدة وفي أصل المطبوع عبد المغافر.
2 - بحق اي بروايته.
3 - الجلود كقبول: بلد بالأندلس.
57

السرقسطي الأندلسي (1) المصنف.
أخبرنا به الشيخ الامام المقرئ أبو بكر عبد الله بن منصور بن عمران الباقلاني
الواسطي الشافعي - صدر الجامع بواسط المقدم ذكره في شهر رمضان من سنة
سبع وسبعين وخمسمائة - عن الشيخ الامام أبي الحسن رزين بن معاوية بن عمار
العبدري السرقسطي الأندلسي المصنف.
ومن طريق آخر: أخبرنا به أيضا الشيخ المقرئ أبو جعفر المبارك بن المبارك بن أحمد
بن زريق الحداد الواسطي - صدر الجامع للصلاة بواسط العراق في سلخ
صفر من سنة خمس وثمانين وخمسمائة، عن الشيخ أبي الحسن رزين بن معاوية
بن عمار المصنف.
وطريق رواية تفسير الثعلبي - وهو كتاب " الكشف والبيان " - أخبرنا السيد
محمد بن يحيى بن محمد بن أبي السطلين العلوي البغدادي - في صفر سنة
خمس وثمانين وخمسمائة - عن الشيخ أبي الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف
القزويني الشافعي - المدرس بالمدرسة النظامية ببغداد في شعبان من سنة سبعين
وخمسمائة - بروايته عن محمد بن أحمد الأرغباني الفقيه، عن القاضي الحافظ
حاكم بلخ أحمد بن محمد البلخي، عن يحيى بن محمد الأصفهاني، عن
الأستاذ [أبي] (2) إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي المصنف.
وطريق رواية كتاب " الفردوس " تأليف شهريار بن شيرويه الديلمي أخبرنا
به الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبيد الموصلي، عن الشيخ إسماعيل بن علي بن

1 - السرقسطي - بفتح السين والراء وضم القاف: بلد بالأندلس وفي معجم البلدان:
سرقسطة: بلدة مشهورة بالأندلس.
2 - اخذناه من كتاب العمدة.
58

عبيد المحدث الموصلي، عن محمد بن فنا خسرو الديلمي، عن شهريار [بن]
شيرويه المصنف.
وطريق رواية [كتاب] مناقب مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -
صلوات الله عليه وسلامه - تصنيف الفقيه أبي الحسن علي بن محمد الطيب
الخطيب الجلابي (1) الشافعي المعروف ب‍ " ابن المغازلي الواسطي - رحمه الله -.
أخبرنا به الامام المقرئ - صدر الجامع للقراء بواسط العراق المقدم ذكره -
أبو بكر عبد الله بن منصور بن عمران الباقلاني - في شهر رمضان من سنة تسع
وسبعين وخمسمائة - قال حدثني به العدل العالم المعمر أبو عبد الله محمد بن
علي بن محمد، عن والده الفقيه أبي الحسن [علي] الشافعي المصنف (2).
وطريق رواية أبي نعيم الحافظ أبي الفضل أحمد بن عبد الله بن إسحاق
الأصفهاني لكتاب " حلية الأولياء " ولما صنفه من المنتزع من القرآن العزيز فيما ورد
في مناقب مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - صلى الله عليه -:
أخبرنا به الشيخ العدل الحافظ أبو البركات علي بن الحسين بن علي بن
الحسن بن عمار المحدث الموصلي - في رجب من سنة خمس وتسعين وخمسمائة -
عن الشيخ أبي محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن عمر - المعروف ب‍ " ابن سويدة "
التكريتي - المحدث، عن الشيخ الحافظ أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك
الحسن بن أحمد الأنماطي (3) عن أبي الفضل أحمد بن أحمد بن الحسن الحداد

1 - الجلاب: قرية.
2 - هنا في أصل المطبوع سقط وأكملناه على ما في كتاب العمدة، الطبعة الثانية 65.
3 - الأنماطي: النمط من العلم والمتاع وكل شئ: نوع منه والجمع من ذلك كله أنماط ونماط،
والنسب إليه انماطي ونمطي - معجم البلدان.
59

الأصفهاني، عن الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى
بن مهران الأصفهاني (1).
ومن طريق آخر: أخبرنا به الشيخ محمد بن أحمد بن عبيد الموصلي، عن
الشيخ إسماعيل بن علي بن عبيد المحدث الموصلي، عن أبي الفضل بن ناصر، عن أحمد
الحداد الأصفهاني، عن أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق بن موسى بن
مهران الحافظ الأصفهاني المصنف.
ومن طريق آخر: أخبرنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب
السروي المازندراني، عن أبي علي حمد بن أحمد بن الحسن الحداد
الأصفهاني، عن الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق بن موسى بن مهران
الأصفهاني قال: حدثني به العدل العالم المعمر أبو عبد الله محمد بن علي، عن
والده الفقيه أبي الحسن علي الشافعي المصنف.
وسنتكلم على كل فصل بما يسنح به الخاطر (2) بديهة بما لم نعلم أن أحدا سبق
إليه.
بكر يظل لي التناضل راجعا * وتعوم في بحر الجدال وتسبح
وتطل في بحر الدليل قلادة * وتفت في عضد الجدال وتقدح
وقد فصلته خمسة وعشرين فصلا تشتمل على مائتي حديث وحديثين.
منها: من طريق ابن حنبل ستة عشر حديثا.
ومنها من طريق البخاري خمسة أحاديث.

1 - في أصل المطبوع: هنا وفي ما يأتي عن الحافظ أبي نعيم الفضل احمد...، وكلمة " الفضل "
اما لقب آخر أوانها زائدة.
2 - في لسان العرب: سنح لي رأي وشعر يسنح، عرض لي أو تيسر.
60

ومنها من طريق مسلم أربعة أحاديث.
ومنها من الجمع بين الصحيحين للحميدي حديث واحد.
ومنها من الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري أحد عشر حديثا.
ومنها من طريق أبي نعيم الحافظ الأصفهاني اثنان وثمانون حديثا.
ومنها من " تفسير الثعلبي " أحد وخمسون حديثا.
ومنها من طريق [ابن] المغازلي أحد وعشرون حديثا.
ومنها من طريق شيرويه الديلمي في كتاب " الفردوس " ستة أحاديث.
ومنها من كتاب " خصائص أمير المؤمنين " صلى الله عليه تصنيف النسائي
حديثان.
ومنها من كتاب " المغازي " لمحمد بن إسحاق حديثان.
ومنها من كتاب " الاستيعاب " لابن عبد البر النميري حديث واحد فذلك
مائتا طريق وطريقان.
61

الفصل الأول في قوله تعالى: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا
الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (1)
الفصل الثاني في قوله تعالى: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من
ربك) * (2).
وفي قوله تعالى: * (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم
اهتدى) * (3).
وفي قوله تعالى: * (سأل سائل بعذاب واقع) * (4).
الفصل الثالث في قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم
نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) * (5)
وفي قوله تعالى: * (والنجم إذا هوى) * (6).
الفصل الرابع في قوله تعالى: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا) * (7).
وفي قوله تعالى: * في بيوت أذن الله أن ترفع) * (8).
الفصل الخامس في قوله تعالى: * (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في

1 - سورة المائدة: 5 / 55.
2 - سورة المائدة: 5 / 67.
3 - سورة طه: 20 / 82.
4 - سورة المعارج: 70 / 1.
5 - سورة المائدة: 5 / 3.
6 - سورة النجم: 53 / 1.
7 - سورة الأحزاب: 33 / 33. 8 - سورة النور: 24 / 36.
62

القربى) * (1).
وفي قوله تعالى: * (إن الله اصطفى ادم ونوحا وأل إبراهيم وأل عمران
على العالمين) * (2).
الفصل السادس في قوله تعالى: * (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء
مرضات الله) * (3).
وفي قوله تعالى: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * (4).
الفصل السابع في قوله تعالى: * (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) * (5) الآية
وفي قوله تعالى: * (إهدنا الصراط المستقيم) * (6).
وفي قوله تعالى: * (فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه) * (7).
وفي قوله سبحانه وتعالى: * (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي) * (8).
وفي قوله تعالى: * (سيجعل لهم الرحمن ودا) * (9).
وفي قوله تعالى: * (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط
لناكبون) * (10).

1 - سورة الشورى: 42 / 23.
2 - سورة آل عمران: 3 / 33.
3 - سورة البقرة 2 / 207.
4 - سورة الشعراء: 26 / 214.
5 - سورة آل عمران: 3 / 61.
6 - سورة الحمد: 1 / 6.
7 - سورة البقرة: 2 / 37.
8 - سورة البقرة: 2 / 124.
9 - سورة مريم: 19 / 96.
10 - سورة المؤمنون: 23 / 74.
63

الفصل الثامن في قوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) (1).
وفي قوله تعالى: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) (2).
وفي قوله تعالى: (وقفوهم إنهم مسؤلون) (3).
وفي قوله تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول) (4).
الفصل التاسع في قوله سبحانه وتعالى: (والسابقون السابقون) (5).
وفي قوله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) (6) الآية.
وفي قوله تعالى: (كمشكاة فيها مصباح) (7)
الفصل العاشر في قوله تعالى: (ويهديكم صراطا مستقيما) (8).
وفي قوله: (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه) (9).
وفي قوله تعالى: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) (10).
وفي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي
نجواكم صدقة) (11).

(1) - سورة الرعد: 13 / 7.
(2) سورة هود: 11 / 17.
(3) سورة الصافات: 37 / 24.
(4) سورة محمد: 47 / 30.
(5) سورة الواقعة: 56 / 10.
(6) سورة التوبة: 9 / 19.
(7) سورة النور: 24 / 35.
(8) سورة الفتح: 48 / 20.
(9) سورة آل عمران: 3 / 143.
(10) سورة التوبة: 9 / 3.
(11) سورة المجادلة: 58 / 12.
64

وفي قوله تعالى: (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) (1).
وفي قوله تعالى: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من
فوقكم) (2) الآية.
الفصل الحادي عشر في قوله سبحانه وتعالى: (فإما نذهبن بك فإنا منهم
منتقمون) (3).
وفي قوله تعالى: (وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) (4).
وفي قوله تعالى: (وتعيها أذن واعية) (5).
الفصل الثاني عشر في قوله سبحانه وتعالى: (هل أتى على الانسان حين
من الدهر) (6).
وفي قوله تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) (7).
الفصل الثالث عشر في قوله تعالى: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك
منه يصدون) (8).
وفي قوله: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم
في الأرض) (9).

(1) سورة التكاثر: 102 / 8.
(2) سورة الأنعام: 6 / 65.
(3) سورة الزخرف: 43 / 41.
(4) سورة الزخرف: 43 / 45.
(5) سورة الحاقة: 69 / 12.
(6) سورة الانسان: 76 / 1.
(7) سورة السجدة: 32 / 18.
(8) سورة الزخرف: 43 / 57.
(9) سورة النور: 24 / 55.
65

الفصل الرابع عشر في قوله سبحانه وتعالى: (والذي جاء بالصدق
وصدق به) (1).
وفي قوله تعالى: (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) (2).
وفي قوله تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) (3).
الفصل الخامس عشر في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا
تفرقوا) (4).
وفي قوله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله) (5).
الفصل السادس عشر في قوله سبحانه وتعالى: (فسوف يأتي الله بقوم
يحبهم ويحبونه) (6).
وفي قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) (7).
الفصل السابع عشر في قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار
سرا وعلانية) (8).
الفصل الثامن عشر في قوله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا) (9).

(1) سورة الزمر: 39 / 33.
(2) سورة الأنفال: 8 / 62.
(3) سورة الأنفال: 8 / 64.
(4) سورة آل عمران: 3 / 103.
(5) سورة الرعد: 13 / 28.
(6) سورة المائدة: 5 / 54.
(7) سورة الحديد: 57 / 19.
(8) سورة البقرة: 2 / 274.
(9) ورد هذا المقطع (88) مرة في القرآن الكريم أولها في سورة البقرة آية (9) وآخرها في سورة
العصر آية 3.
66

وانه ما نزل في القرآن من آية (يا أيها الذين آمنوا) الا وعلي أميرها ورأسها
وشريفها.
وفي قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) (1).
الفصل التاسع عشر في قوله سبحانه وتعالى: (مرج البحرين يلتقيان) (2).
وفي قوله تعالى: (سلام على آل ياسين) (3).
وفي قوله: (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) (4).
وفي قوله: (ومن عنده علم الكتاب) (5).
وفي قوله تعالى: (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) (6).
وفي قوله تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) (7).
الفصل العشرون في قوله سبحانه وتعالى: (من جاء بالحسنة فله خير منها
وهم من فزع يومئذ آمنون) (8).
وفي قوله تعالى: (وكفى الله المؤمنين القتال) (9).
وفي قوله تعالى: (يوم ندعو كل أناس) (10).

(1) سورة الأحزاب: 33 / 56.
(2) سورة الرحمن: 55 / 19.
(3) سورة الصافات: 37 / 130.
(4) سورة الحجرات 49 / 3.
(5) سورة الرعد: 13 / 43.
(6) سورة المجادلة: 58 / 22.
(7) سورة الأنعام: 6 / 159.
(8) سورة النمل: 27 / 89.
(9) سورة الأحزاب: 33 / 25.
(10) سورة الإسراء: 17 / 71.
67

الفصل الحادي والعشرون في قوله سبحانه وتعالى: (يا أيها الناس علمنا
منطق الطير) (1).
وفي قوله سبحانه وتعالى: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا
معه) (2).
وفي قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير
البرية) (3).
الفصل الثاني والعشرون في قوله سبحانه وتعالى: (فسئلوا أهل الذكران
كنتم لا تعلمون) (4).
وفي قوله تعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) (5).
وفي قوله تعالى: (وتواصوا بالصبر) (6).
وفي قوله تعالى: (طوبى لهم وحسن مآب) (7).
وفي قوله تعالى: (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) (8).
الفصل الثالث والعشرون في قوله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (9).

(1) سورة النمل: 27 / 16.
(2) سورة التحريم: 66 / 8.
(3) سورة البينة: 96 / 7.
(4) سورة النحل: 16 / 43.
(5) سورة الفرقان: 25 / 54.
(6) سورة العصر: 103 / 3.
(7) سورة الرعد: 13 / 29.
(8) سورة المجادلة: 58 / 13.
(9) سورة التوبة: 9 / 119.
68

وفي قوله تعالى: (واركعوا مع الراكعين) (1).
الفصل الرابع والعشرون في قوله سبحانه وتعالى: (أولئك الذين امتحن
الله قلوبهم للتقوى) (2).
وفي قوله تعالى: (فاستغلظ فاستوى على سوقه) (3).
وفي قوله تعالى: (واجعل لي وزيرا من أهلي) (4).
وفي قوله تعالى: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان يسقى بماء
واحد) (5).
وفي قوله سبحانه وتعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على
سرر متقابلين) (6).
الفصل الخامس العشرون في قوله تعالى: (هذان خصمان اختصموا في
ربهم) (7).
وفي قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) (8).
وفي قوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني ادم من ظهورهم
ذريتهم) (9).

(1) سورة البقرة: 2 / 43.
(2) سورة الحجرات: 49 / 3.
(3) سورة الفتح: 48 / 29.
(4) سورة طه: 20 / 29.
(5) سورة الرعد: 13 / 4.
(6) سورة الحجر: 15 / 47.
(7) سورة الحج: 22 / 19.
(8) سورة النساء: 4 / 54.
(9) سورة الأعراف: 7 / 172.
69

وفي قوله تعالى: (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين) (1).
وفي قوله سبحانه وتعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما
اكتسبوا) (2).

(1) سورة التحريم: 66 / 4.
(2) سورة الأحزاب: 33 / 58.
70

الفصل الأول
في قوله سبحانه وتعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1).
(1) من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال أبو نعيم أحمد بن عبد الله
الحافظ: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبه،
قال: حدثنا عون بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه عن جده قال: دخلت على
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو نائم، إذ يوحى إليه وإذا حية في جانب البيت، فكرهت
أن اقتلها، فأوقظه فاضطجعت (2) بينه وبين الحية وقلت: إن كان منها شئ يكون

(1) سورة المائدة: 5 / 55 - ويقول الزمخشري في تفسير هذه الآية: "... وهم راكعون " الواو
فيه للحال: أي يعلمون ذلك في حال الركوع وهو الخشوع والاخبات والتواضع لله إذا صلوا وإذا
زكوا، وقيل هو حال من يؤتون الزكاة بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة، وأنها نزلت
في علي كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مرجا في
خنصره، فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته. فإن قلت: كيف صح أن يكون لعلى
رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة؟ قلت: جئ به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا
واحدا ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون
على هذه الغاية من الحرص على البر والاحسان وتفقد الفقراء، حتى إن لزهم أمر لا يقبل
التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفرغ منها.
(2) ضجع واضطجع: وضع جنبه بالأرض.
71

بي لا برسول الله، فاستيقظ وهو يتلو هذه الآية: (إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا) الآية.
قال: الحمد لله، فرآني (1) إلى جانبه، فقال: ما أضجعك هاهنا؟ قلت:
لمكان هذه الحية، قال: قم إليها فاقتلها، فقتلتها ثم أخذ بيدي وقال: يا أبا رافع
سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا، حق على الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم
بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه (2) ليس وراء ذلك [شئ] (3).
2 - وبالاسناد أيضا رواه مخول عن عبد الرحمان الأسود عن محمد
بن عبيد الله وقال: الحمد لله الذي أتم لعلي نعمه وهنيئا لعلي بتفضيل الله إياه (4).
3 - وبالاسناد أيضا قال أبو نعيم: حدثنا إبراهيم بن أحمد المقري، قال:
حدثنا أحمد بن نوح، قال: حدثنا أبو عمر الدوري، قال: حدثنا محمد بن
مروان (5)، [عن] الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباسا - رضي الله عنه - في قوله
تعالى: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون) قال: إن رهطا من مسلمي أهل الكتاب منهم عبد الله
بن سلام وأسد وأسيد وثعلبة لما أمرهم النبي صلى الله عليه وآله [وسلم] أن
يقطعوا مودة اليهود والنصارى، فعلوا، فقالت بنو قريظة والنضير: فما لنا نواد
أهل دين محمد صلى الله عليه وآله وقد تبرءوا من ديننا ومودتنا، فوالذي يحلف به لا يكلم رجل

(1) في أصل المطبوع: فإتى، وهو تصحيف.
(2) اي يجاهد بقلبه بالتبري عنهم.
(3) معرفة الصحابة 2 / 243، مجمع الزوائد 9 / 134، ينظر كنز العمال 15 / 102 الحديث / 40266 -
و 11 / 613 الحديث / 32971 - تفسير الدر المنثور 2 / 294 وما بين المعقوفتين منه.
(4) تفسير الدر المنثور 2 / 294 ويراجع النور المشتعل / 63.
(5) في أصل المطبوع: مروان الكلبي.
72

منا رجلا دخل في دين محمد، ولا نناجحهم ولا نبايعهم ولا نجالسهم ولا ندخل
عليهم ولا نأذن لهم في بيوتنا، ففعلوا
فبلغ ذلك عبد الله بن سلام وأصحابه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله عند الظهر،
فدخلوا عليه فقالوا: يا رسول الله إن بيوتنا قاصية (1) من المسجد، فلا نجد متحدثا
دون هذا المسجد وإن قومنا لما رأونا قد صدقنا الله ورسوله وتركناهم ودينهم،
أظهروا لنا العداوة، فأقسموا أن لا يناجحونا (2) ولا يواكلونا ولا يشاربونا،
ولا يجالسونا، ولا يدخلوا علينا ولا ندخل عليهم، ولا يخالطونا بشئ
ولا يكلمونا، فشق ذلك علينا ولا نستطيع أن نجالس أصحابك لبعد المنازل.
فبينما هم يشكون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم، إذ نزلت: (إنما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).
فقرأها عليهم فقالوا: قد رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين وليا (2).
وأذن بلال، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس في المسجد يصلون من بين قائم
في الصلاة وراكع وساجد، فإذا هو بمسكين يطوف ويسأل الناس، فدعاه رسول
الله صلى الله عليه وآله فقال: هل أعطاك أحد شيئا؟ قال: نعم، قال: ماذا أعطاك؟ فقال: خاتم
فضة قال: من أعطاكه؟ قال: ذاك الرجل القائم.
فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا هو علي بن أبي طالب.
فقال: على أي حال أعطاكه؟ قال: أعطانيه وهو راكع. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

(1) قاصية: بعيدة.
(2) في لسان العرب: وقد انجح وقد نجحت حاجتي وأنجحت وأنجحتها لك وأنجحها الله
تعالى: أسعفني بالادراك.
(3) التفسير الكبير 12 / 25.
73

(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين... * ومن يتولى الله ورسوله) (1).
إلى آخر الآية (2).
4 - وبالاسناد [المقدم] قال أبو نعيم: حدثنا أبو محمد بن حيان، قال:
حدثنا الحسن بن محمد بن أبي هريرة، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، قال:
حدثنا محمد بن الأسود، قال: حدثنا محمد بن مروان، عن محمد بن السائب،
عن أبي صالح، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: أقبل عبد الله بن سلام ومعه
نفس من قومه ممن آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله حين نزلت: (إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا) الآية.
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى المسجد والناس من بين قائم وراكع، فبصر
بسائل، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل أعطاك أحد شيئا؟ فقال: نعم خاتم، فقال له
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من أعطاكه؟ قال: ذلك القائم - وأومى إلى علي صلى الله عليه وآله وسلم - فقال النبي صلى الله عليه وآله:
على أي حال أعطاكه؟ قال: أعطانيه وهو راكع، فكبر النبي صلى الله عليه وآله ثم قرأ: (ومن
يتولى الله ورسوله هو الذين آمنوا...) الآية (3).
فاستأذن حسان بن ثابت النبي صلى الله عليه وآله أن يقول في ذلك شيئا [فأذن له]
فقال:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي
وكل بطئ في الهوى ومسارع

(1) سورة المائدة: 5 / 56.
(2) يراجع تفسير الدر المنثور 2 / 293 - شواهد التنزيل 1 / 185.
(3) أجمع أئمة الحديث على صحة هذا الحديث للتفصيل ينظر تفسير الطبري 6 / 165 تفسير
الرازي 3 / 431، البداية والنهاية 7 / 357، روح المعاني 2 / 329 أسباب النزول / 192.
74

ايذهب مدحي في المحبين ضائعا * وما المدح في جنب الاله بضائع
فأنت الذي أعطيت مذ كنت راكعا * زكاة فدتك النفس يا خير راكع
فأنزل فيك الله خير ولاية * وبينها في محكمات الشرائع (1)
قال: وقيل في ذلك:
أو في الصلاة مع الزكاة أقامها * والله يرحم عبده الصبارا
من ذا بخاتمه تصدق راكعا * وأسره في نفسه إسرارا
من كان بات على فراش محمد * ومحمد أسري يؤم الغارا
من كان جبريل يقوم يمينه * يوما وميكال يقوم يسارا
من كان في القرآن سمي مؤمنا * في تسع آيات جعلن كبارا
5 - وبالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا
عبد الرحمان بن سلم، قال حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس الفيدي (2). وحدثنا
أبو محمد بن حيان، قال: حدثني سعيد بن سلمة النوري، قال: حدثنا محمد بن
يحيى الفيد، قال: حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال
حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله قال: نزلت هذه الآية

(1) يراجع مناقب الخوارزمي / 264، ورواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 1 / 181،
تفسير الدر المنثور 2 / 293 رواه سبط بن جوزي في تذكرة الخواص / 15.
(2) فيد: منزل بطريق مكة... وفيد بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة عامرة إلى الان يودع
الحاج فيها أزوارهم... معجم البلدان.
75

على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وآله في بيته: (إنما وليكم الله ورسوله...) الآية.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل المسجد وجاء (1) الناس يصلون بين راكع
وساجد، فقام يصلى، فإذا بسائل، فقال: يا سائل هل أعطاك أحد شيئا؟ قال: لا
إلا ذلك الراكع لعلي أعطاني خاتمه (2).
6 - وبالاسناد قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن مسلم، قال: حدثنا أبو بكر
بن عبد الخالق، قال: حدثنا سليمان بن محمد السمرقندي، قال: حدثنا خالد بن
يزيد، قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله، عن الحسن، عن زيد، عن أبيه زيد بن
الحسن، عن جده قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: وقف لعلى سائل وهو راكع
في صلاة تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فأعلمه بذلك، فنزلت
هذه الآية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا...) الآية (3).
7 - وبالاسناد قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا بكر بن سهل،
قال: حدثنا عبد العزيز بن سعيد، قال: حدثنا موسى بن عبد الرحمان، عن ابن
جريج، عن عطا، عن ابن عباس - رضي الله عنه -.
وعن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس في قول الله عز وجل: (إنما
وليكم الله ورسوله والذين آمنوا...) يريد علي بن أبي طالب [من قوله]
(الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).
قال عبد الله بن سلام: يا رسول الله أنا رأيت علي بن أبي طالب قد تصدق

(1) كذا في أصل المطبوع، ولعل الصواب: ووجد الناس.
(2) يراجع مناقب الخوارزمي / 266، شواهد التنزيل 1 / 175 ورواه أيضا ابن عساكر في
ترجمة الامام أمير المؤمنين من تاريخ دمشق 2 / 409، ينظر تفسير الدر المنثور 2 / 293.
(3) يراجع مجمع الزوائد 7 / 17 وينظر تفسير الدر المنثور 2 / 293 شواهد التنزيل 1 / 173.
76

بخاتمه - وهو راكع - على محتاج فنحن نتولاه (1).
8 - وبالاسناد قال: حدثنا محمد بن المظفر، قال: حدثنا علي بن أحمد بن
سليمان، قال: حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي، قال: حدثنا الخطيب بن
ناصح، قال: حدثنا عكرمة بن إبراهيم، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وآله يتوضأ للصلاة، فنزلت عليه... (إنما
وليكم الله ورسوله...) الآية.
فتوجه النبي صلى الله عليه وآله إلى المسجد فاستقبل سائلا فقال له: من تركت في
المسجد؟ قال: رجلا تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المسجد فإذا
هو علي صلى الله عليه وآله وسلم (2).
9 - وبالاسناد قال: حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا محمد بن عبد الله
الحضرمي قال: حدثنا إبراهيم بن عيسى التنوخي قال: حدثنا يحيى بن يعلى عن
عبيد الله بن موسى عن أبي زبير عن جابر قال: جاء عبد الله بن سلام وأناس معه،
فشكوا مجانبة الناس إياهم منذ أسلموا فقال: ابغوني سائلا فدخلنا المسجد فدنا
سائل إليه فقال: أعطاك أحد شيئا؟ قال: نعم مررت برجل راكع فأعطاني خاتمه.
قال: فاذهب فاره هولي، فذهبنا وعلي قائم فقال: هذا، فنزلت: (إنما وليكم
الله ورسوله والذين...) (3).
10 - وبالاسناد قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا أحمد

(1) يراجع التفسير الكبير 12 / 26.
(2) ينظر أسباب النزول / 192 وفيه:... وزاد: بأن آخر الآية [نزل] في علي بن أبي طالب لأنه
اعطى خاتمه سائلا وهو راكع في الصلاة.
(3) شواهد التنزيل 1 / 174 - أسباب النزول / 192.
77

بن يحيى بن زهير وعبد الرحمان بن أحمد الزهري قالا: حدثنا أحمد بن منصور
قال: حدثنا عبد الرزاق عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه
[في قوله تعالى]: (إنما وليكم الله ورسوله...) قال: نزلت في علي بن
أبي طالب صلوات الله عليه (1).
11 - وبالاسناد قال: حدثنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا محمد بن
العباس بن أيوب قال: حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي قال: حدثنا أبو نعيم قال:
حدثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل قال: تصدق علي صلى الله عليه وآله وسلم بخاتمه
وهو راكع، فنزلت (إنما وليكم الله ورسوله...) الآية (2).
12 - ومن تفسير الثعلبي بالاسناد المقدم قال الثعلبي قال السدي وعتبة بن
أبي حكيم وغالب بن عبد الله: انما عنى بقوله سبحانه وتعالى: (إنما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)
علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله لأنه مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه (3).
13 - وبالاسناد المقدم قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم الفقيه
قال: حدثنا أبو عبد الله بن أحمد الشعراني، قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن علي بن
رزين قال: حدثنا المظفر بن الحسن الأنصاري قال: [حدثنا] السري بن علي
الوراق [قال:] حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن قيس بن الربيع، عن
الأعمش، عن عباية الربعي قال: بينا عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - جالس
على شفير زمزم يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله.

(1) شواهد التنزيل 1 / 161.
(2) تفسير الدر المنثور 2 / 293.
(3) تفسير الثعلبي المخطوط / 74.
78

إذا قبل رجل معتم بعمامة، فجعل ابن عباس - رضي الله عنه - لا يقول قال
رسول الله إلا وقال الرجل: قال رسول الله.
فقال له ابن عباس: سألتك بالله من أنت؟ قال: فكشف العمامة عن وجهه
وقال: يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة
البدري أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله - بهاتين وإلا فصمتا، ورأيته بهاتين
والا فعميتا - يقول: علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول
من خذله.
أما اني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوما من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل
في المسجد، فلم يعطه أحد شيئا، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد
اني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئا، وكان علي صلى الله عليه وآله وسلم راكعا،
فأومى إليه بخنصره اليمنى - وكان يتختم فيها - فأقبل السائل حتى [أخذ الخاتم من
خنصره] وذلك بعين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال:
اللهم [ان] موسى سألك [و] قال: (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري،
واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي
أشدد به أزري وأشركه في أمري) (1) فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: (سنشد عضدك
بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا). (2)
وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل
لي وزيرا من أهلي " عليا " أشدد به ظهري.
قال أبو ذر: فما استتم رسول الله صلى الله عليه وآله الكلمة حتى نزل عليه جبريل صلى الله عليه وآله وسلم

(1) سورة طه: 20 / 25 - 32.
(2) سورة القصص: 28 - 35.
79

من عند الله تعالى فقال: يا محمد اقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال: (إنما وليكم
الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1).
14 - قال: وسمعت أبا منصور الحمشادي يقول: سمعت محمد بن عبد
الله الحافظ يقول: سمعت أبا الحسن علي بن الحسن يقول: سمعت أبا حامد
محمد بن هارون الحضرمي يقول: ما جاء لاحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما
جاء لعلي بن أبي طالب من الفضائل (2).
15 - ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين من الجزء الثالث من أجزاء
ثلاثة في تفسير سورة المائدة [في تفسير] قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) من صحيح
النسائي عن ابن سلام قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت (3): ان قومنا حادونا لما
صدقنا الله ورسوله وأقسموا أن لا يكلمونا، فأنزل الله تعالى: (إنما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون) الآية.
ثم اذن بلال لصلاة الظهر، فقام الناس يصلون فمن بين ساجد وراكع إذا
سائل يسأل، فأعطى علي خاتمه وهو راكع، فأخبر السائل رسول الله صلى الله عليه وآله، فقرأ
علينا رسول الله: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب
الله هم الغالبون) (1).

(1) تفسير الثعلبي المخطوط / 74 - التفسير الكبير 12 / 26، نور الابصار؟ 158.
(2) تفسير الثعلبي المخطوط / 74 - التفسير الكبير 12 / 26، نور الابصار؟ 158.
(3) في أصل المطبوع: فقلنا.
80

16 - ومن مناقب الفقيه أبي الحسن علي بن المغازلي الواسطي الشافعي
بالاسناد المقدم قال:
أخبرنا محمد بن أحمد بن عثمان، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم
بن الحسن بن شاذان البزاز، - إذنا - قال: حدثنا الحسن بن علي العدوي،
قال: حدثنا سلمة بن شيب، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مجاهد،
عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) قال: نزلت في
علي عليه السلام (2).
17 - وبالاسناد المقدم قال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن موسى الطحان -
إجازة - عن القاضي أبي الفرج الخيوطي، حدثنا عبد الحميد بن موسى القناد،
حدثنا محمد بن إسحاق الخزاز، حدثنا عبد الله بن بكار، حدثنا عبيد بن [أبي] الفضل، عن محمد بن الحسن، عن أبيه عن جده، عن علي عليه السلام في قوله تعالى:
(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
وهم راكعون) قال: " الذين آمنوا ": علي بن أبي طالب عليه السلام (3).
18 - وبالاسناد المقدم قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان - إذنا - أن
أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب حدثهم، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا
إبراهيم بن عبد السلام، قال: حدثنا محمد بن عمر بن بسر العسقلاني قال:
حدثنا أبي، قال: حدثنا مطلب بن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن

(1) لم نعثر عليه في صحيح النسائي ويراجع تفسير الدر المنثور 2 / 293.
(2) مناقب ابن المغازلي / 311، ينظر تفسير الطبري 6 / 165 ويراجع تفسير ابن كثير 2 / 71.
(3) مناقب ابن المغازلي / 312.
81

عباس - رضي الله عنه - قال: مر سائل بالنبي صلى الله عليه وآله وفي يده خاتم، فقال: من أعطاك
هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع. وكان علي عليه السلام يصلي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الحمد لله
الذي جعلها في وفي أهل بيتي: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) الآية.
وكان على خاتمه الذي تصدق به " سبحان من فخري بأني له عبد " (1).
19 - وبالاسناد المقدم قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان، قال:
أخبرنا أبو أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب، قال: حدثنا محمد بن أحمد
العسكري الدقاق، قال: حدثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة، قال: حدثنا
عبادة، قال: حدثنا عمر بن ثابت، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن
ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان علي راكعا، فجاءه مسكين، فأعطاه
خاتمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أعطاك هذا؟ فقال: أعطاني هذا الراكع، فأنزل
الله تعالى هذه الآية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) إلى آخر الآية (2).
20 - وبالاسناد المقدم قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان - إذنا - ان ابا
أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد
العسكري قال: حدثنا محمد بن عثمان، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن
ميمون، قال: حدثنا علي بن عابس قال: دخلت أنا وأبو مريم على عبد الله بن
عطاء، قال: أبو مريم: حدث عليا بالحديث الذي حدثتني عن أبي جعفر.
قال: كنت عند أبي جعفر جالسا إذ مر عليه ابن عبد الله بن سلام، قلت:
جعلني الله فداك هذا ابن الذي عنده علم الكتاب؟ قال: لا ولكنه صاحبكم
علي بن أبي طالب الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله عز وجل [هو] الذي (عنده

(1) مناقب ابن المغازلي / 312.
(2) مناقب ابن المغازلي / 313، ينظر أسباب النزول / 192 ويراجع كفاية الطالب / 250.
82

علم الكتاب) * (1) [مثل قوله]: * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد
منه) * (2) [ومثل قوله] * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) * الآية (3).
قال يحيى بن الحسن المصنف: اعلم أن الله سبحانه وتعالى، قد ذكر في
هذه الآية فرض طاعته تعالى على خلقه، وثنى بذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثلث من غير
فاصلة بذكر أمير المؤمنين عليه السلام.
فلما ذكر أنه سبحانه وتعالى ولينا ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولينا كذلك، ثم ذكر أمير
المؤمنين عليه السلام في ثالث الذكر من غير فاصلة علم أنه قد وجب له من ولاء الأمة ما
وجب لله تعالى ولرسوله على حد واحد من حيث حصل الاخبار بوجوب ولا يتهم
جميعا في آية واحدة ولا تخصيص، وإنما ذكر القديم تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذكر
فرض طاعته تعالى ليعلم الأمة بأن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فرض الطاعة ما لله تعالى
وكذلك ذكر سبحانه وتعالى في ثالث الوجوب فرض ولاية مولانا أمير المؤمنين
صلى الله عليه وآله ليعلم الأمة اله من وجوب الطاعة ما لله سبحانه وتعالى
ولرسوله.
وإذا كان هذا هو المراد ثبت له ولاء الأمة بعد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالوحي العزيز
الذي * (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) * (4).
وزاده تعالى تأكيدا ووجوبا بقوله تعالى: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا) * ولفظة " انما " للتحقيق والاثبات، ومعنى ذلك انها محققة لما ثبت نافية لما

1 - اقتباس من الآية (43) من سورة الرعد.
2 - سورة هود: 11 / 17.
3 - مناقب ابن المغازلي / 314، وينظر تفسير القرطبي 9 / 336.
4 - سورة فصلت: 41 / 42.
83

لم يثبت بدليل قوله تعالى: * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) * (1) فأثبت له صلى الله عليه وآله وسلم
الانذار بلفظة " انما " لأنها للتحقيق والاثبات وهو المنذر صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام الهاد،
وسيجئ ذكر ذلك بطريقه، وثبت له في هذه الآية بلفظه " إنما " إنه هو الهاد بعد
الرسول صلى الله عليهما.
فإن قيل: إن هذه اللفظة أتت على سبيل العموم دون الخصوص بذكر
* (الذين آمنوا) * لان كلا من الذين آمنوا يقيم الصلاة ويؤت الزكاة فأي تخصيص
حصل لأمير المؤمنين دونهم؟
قيل: الجواب عن ذلك: انه ليس كل مؤمن أقام الصلاة أدى الزكاة في
ركوعه، ولم يعلم من لدن آدم إلى يومنا هذا أحدا تصدق بالخاتم في ركوعه (2)
ونزلت في حقه آية غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه، فقد أبان الله
تعالى الفرق بينه وبين غيره من المؤمنين، وخصص ما كان بلفظ العموم غاية
التخصيص بقوله تعالى: * (ويؤتون الزكاة وهم راكعون) *.
وذكره تعالى بلفظ الجمع كما ذكره سبحانه وتعالى وتقدس في آية المباهلة
بلفظ الجمع بقوله تعالى: * (وأنفسنا) * (3) وهو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية،
وكما ذكر سبحانه وتعالى الزهراء صلى الله عليها بلفظ الجمع وهي واحدة في آية
المباهلة أيضا [بقوله:] * (ونساءنا ونساءكم) * (4) وهي واحدة وكل ذلك للتعظيم،

1 - سورة الرعد: 13 / 7.
2 - في أصل المطبوع: الركعة.
3 و 4 - سورة آل عمران: 3 / 61.
84

ولله المنة والحمد (1).
يا من به وله الإمامة * أصبحت فرعا واصلا
يا من به وله * الفخار بدا محلى
يا من له فصل الخطاب * ومن له الشرف المعلى
يا من غدا الذكر الحكيم * بفضله يتلى ويملى
* * *

1 - نود الإشارة في نهاية هذا الفصل إلى ما قاله الفخر الرازي في تفسيره " الكبير " 12 / 28
قوله تعالى: * (انما وليكم الله...) * قال:
... فلو كانت هذه الآية دالة على إمامته لاحتج بها في محفل من المحافل....
ويلاحظ عليه:
أولا: لقد وردت بعض الروايات في هذا الفصل تتحدث عن الآية وقد رويت عن علي عليه السلام
وهذا بنفسه شاهد على أن أمير المؤمنين وظف الآية في اثبات حقه.
ثانيا: ليس الامر كما يقول الفخر الرازي، فان أمير المؤمنين قد احتج بها في المحافل ينظر مسند
ابن مردويه، كنز العمال، خصال الصدوق، الاحتجاج، تفسير الصافي و....
85

الفصل الثاني
في قوله تعالى: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * (1).
21 - من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا أبو بكر
بن خلاد، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا إبراهيم بن
محمد بن ميمون، قال: حدثنا علي بن عابس، عن أبي الحجاف، عن الأعمش،
عن عطية، [عن أبي سعيد الخدري] قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في
علي بن أبي طالب عليه السلام * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * (2).
22 - وفي تفسير الثعلبي بالاسناد المقدم في تفسير قوله تعالى: * (يا أيها
الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) *.
قال بالاسناد المقدم: قال الثعلبي: قال أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام معناه:
بلغ ما أنزل إليك من فضل علي بن أبي طالب صلى الله عليه (3).
وفي نسخة أخرى قال: انه عليه السلام قال: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من

1 - سورة المائدة 5 / 67.
2 - تفسير الدر المنثور 2 / 298، أسباب النزول / 195 وفيه: من أبي الحجاب بدلا عن أبي الجحاف.
3 - تفسير الثعلبي المخطوط / 78.
87

ربك) * في علي. وقال: هكذا أنزلت.
فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي وقال: من كنت مولاه
فعلي مولاه (1).
23 - وبالاسناد المقدم قال: أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد القاضي،
حدثنا أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين
[والحسين بن إبراهيم الجصاص، حدثنا حسين بن الحكم، حدثنا حسن بن
الحسين]، عن حبان عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس - رضي الله عنه
- في قوله تعالى: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * الآية نزلت في
علي بن أبي طالب عليه السلام، أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يبلغ فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد
علي عليه السلام، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (2).
24 - ومن تفسير الثعلبي أيضا في تفسير قوله تعالى: * (سأل سائل بعذاب
واقع) * (3) بالاسناد المقدم قال الثعلبي: سئل سفيان بن عيينة عن قول الله عز وجل:
* (سأل سائل بعذاب واقع) * في من نزلت؟
فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني جعفر بن
محمد، عن آبائه عليه السلام قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم نادى الناس
فاجتمعوا، فأخذ بيد علي عليه السلام فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ناقته حتى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته فأناخها (4) وعقلها، ثم

1 و 2 - تفسير الثعلبي المخطوط / 78.
2 - سورة المعارج: 70 / 1.
3 - أناخ الإبل: ابركه.
88

أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وهو في ملا من أصحابه - فقال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد
أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله فقبلنا منك.
وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك، وامرتنا أن نصوم شهرا فقبلناه منك،
وأمرتنا أن نحج البيت، فقبلناه، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي (1) ابن عمك
ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه.
فهذا شئ منك أم من الله؟ فقال: والذي لا إلا إلا هو إنه من أمر الله فولى
الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: * (اللهم إن كان...) * ما يقول محمد
حقا * (فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) * (2).
فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره
فقتله، وأنزل الله سبحانه وتعالى: * (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له
دافع من الله ذي المعارج) * (3).
وهذه الرواية بعينها ذكرها النقاش في تفسيره.
25 - وبالاسناد المقدم قال: أخبرنا أبو القاسم يعقوب بن أحمد بن السري
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد، حدثنا [أبو] مسلم الكجي حدثنا
ابن منهال، حدثنا حماد، عن علي بن زيد، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن
عازب قال: لما أقبلنا مع [رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة] الوداع بغدير خم فنادى [منادي
رسول الله] ان الصلاة جامعة، وكسح (4) للنبي تحت شجرة، فأخذ بيد علي فقال:

1 - الضبع: ما بين الإبط إلى نصف العضد.
2 - سورة الأنفال: 8 / 32.
3 - ينظر تفسير شواهد التنزيل 2 / 286.
4 - كسح: كنس - قاموس اللغة.
89

ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: ألست أولى بكل
مؤمن من نفسه؟ قالوا بلى، قال هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه،
وعاد من عاداه.
قال: فلقيه عمر فقال: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت مولى كل مؤمن
ومؤمنة (1).
في قوله تعالى: * (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * (2).
26 - بالاسناد [المقدم] قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا محمد بن عمر بن
سالم، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية، قال: حدثنا علي بن مروان، قال:
حدثنا إسماعيل بن مسافر، عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن علي عليه السلام في قوله تعالى: * (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * قال: إلى ولايتنا (3).
قال يحيى بن الحسن المصنف: اعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أبان في هذه
الآية عن فضل مولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه إبانة تؤذن بأن ولايته أفضل من
كل فرض افترضه الله تعالى، وتؤذن أنه أفضل من رتب المتقدمين والمتأخرين من
الأنبياء والصديقين بعد النبي صلى الله عليهم أجمعين.
فأما ما يدل على أن ولايته صلى الله عليه وآله وسلم أعظم من سائر الفروض وآكد من جميع
الواجبات فهو بدليل قوله تعالى: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن
لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * (4) فولايته قامت مقام النبوة

1 - فضائل الصحابة 2 / 596 و 610 ح 1042 - مسند أحمد 4 / 281.
2 - سورة طه: 20 / 82.
3 - ينظر الصواعق المحرقة فصل الآيات الآية الثامنة.
4 - سورة المائدة: 5 / 67.
90

لان بصحة تبليغها عن الله ينفع شهادة أن لا إله إلا الله، وعدم تبليغها يبطل تبليغ
الرسالة، فإذا حصلت، صح تبليغ الرسالة.
ومتى عدم التبليغ بهذا الامر لا يجدى تبليغ الرسالة، وما كان شرطا في
صحة وجود أمر من الأمور ما صح وجوده الا بوجوده ووجب كوجوبه.
يوضح ذلك ويزيده بيانا - ان ولايته عليه السلام قامت مقام ولاية رسول الله صلى عليه واله وسلم -
قوله سبحانه وتعالى: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (1) وقد تقدم اختصاصها به عليه السلام.
واما القسم الثاني وهو انه أفضل رتبة من المتقدمين والمتأخرين من الأنبياء
والصديقين هو: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الأنبياء ورسالته أفضل الرسالات، وقد أمر
القديم سبحانه وتعالى سيد رسله صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغ فرض ولاية أمير المؤمنين صلى الله
عليه وجعل في نفس وجوب أداء تبليغ ولايته سبب صحة تبليغ رسالته، وأنه لم
يصح تبليغ هذه الرسالة التي هي أفضل الرسالات إلا بتبليغ ولايته صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلى هذا حيث ثبتت الولاية كثبوت هذه الرسالة صارت شيئا واحدا.
وإذا كانت إمامته كرسالته صار نفس هذه كنفس هذه، وفضلها كفضلها إذ
ليس يوجد من خلق الله تعالى من نفسه كنفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواه بدليل قوله
تعالى في آية المباهلة: * (وأنفسنا وأنفسكم) * (2) فجعله تعالى نفس رسوله صلى الله عليه وآله وسلم،
فإذا كان نفس الرسول وولايته نفس ولايته كما قدمناه بطلت مما ثلته من كافة خلق
الله تعالى.

1 - سورة المائدة: 5 / 55.
2 - سورة آل عمران: 3 / 61.
91

ويزيد ذلك ما ذكرناه بيانا وايضاحا وانها قامت مقام النبوة ما تقدم ذكره في
تفسير قوله تعالى: * (سأل سائل بعذاب واقع) * (1) وان الحارث بن النعمان الفهري
أنكر فضل هذه الآية، فأرسل الله تعالى حجرا سقط على هامته فخرج من دبره،
فهذه معجزة كمعجزة النبوة على السواء.
ولم يفعل الله تعالى ذلك إلا لموضع التنبيه على وجوب ولاية علي وان
ولاءه من أمر الله تعالى لا من قبل الرسول على حدته صلى الله عليه وآله وسلم، بل من قبل الله تعالى
أولا ومن قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثانيا.
ويزيده ايضاحا وبيانا قوله سبحانه وتعالى: * (وإني لغفار لمن تاب وآمن
وعمل صالحا ثم اهتدى) * (2) يريد تعالى اهتدى إلى ولاية علي صلى الله عليه،
فثبت بذلك أن ولاية علي صلى الله عليه أفضل من النبوة والايمان والعمل الصالح
بدليل ان من أتى بذلك كله ولم يهتد إلى ولاية علي صلى الله عليه لا يحصل له
الغفران، فثبت بذلك انها أفضل الأعمال الصالحة.
فأنت أمير المؤمنين ومن غدا * وصي النبي المصطفى ووزيره
وأنت الذي رأس الأنام بفضله * وراش من الاسلام قسرا كسيره (3)
وأنت الذي ساد الأنام بمجده * وساد من الاسلام خيرا كثيره (4)

1 - سورة المعارج: 70 / 1.
2 - سورة طه: 20 / 82.
3 - راش: ريش.
4 - ساد: انتشر.
92

الفصل الثالث
في قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الاسلام دينا) * (1).
وفي قوله تعالى: * (والنجم إذا هوى) * (2).
27 - من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا
محمد بن أحمد بن علي بن مخلد، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة،
قال: حدثني يحيى الحماني، قال حدثنا قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي،
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا الناس إلى علي عليه السلام في
غدير خم وأمر بما تحت الشجر من الشوك فقم (3) وذلك يوم الخميس، فدعا عليا
فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لم
يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم
نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) * فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الله أكبر على إكمال
الدين واتمام النعمة ورضاء الرب برسالتي وبالولاية لعلي عليه السلام من بعدي ثم قال:

1 - سورة المائدة: 5 / 3.
2 - سورة النجم: 53 / 1.
3 - قم الشئ قما: كنسه - لسان العرب.
93

من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من
نصره، واخذل من خذله.
فقال حسان بن ثابت: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتا تسمعهن
فقال: قل على بركة الله. فقام حسان فقال: يا معشر مشيخة قريش اتبعها قولي
بشهادة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الولاية ماضية.
ثم قال:
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالغدير المناديا
يقول: فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا
الهك مولانا وأنت ولينا * ولن تجدن منالك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا
هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا (1)

1 - ينظر مناقب الخوارزمي / 135، ورواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 1 / 157 ح 211
ورواه أيضا الجوين في فرائد السمطين 1 / 72، تاريخ بغداد 8 / 290، البداية والنهاية
7 / 349.
94

في قوله: سبحانه وتعالى: * (والنجم إذا هوى) * (1).
28 - من مناقب الفقيه أبي الحسن علي بن [محمد] المغازلي الشافعي
الواسطي بالاسناد المقدم قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي
[رحمه الله قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن منصور الحلبي الاخباري] قال: أخبرنا
علي بن محمد العدوي السميساطي (2) قال: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا قال:
حدثنا أحمد بن المقدام العجلي قال: حدثنا الفضيل بن عياض، عن ثور بن يزيد،
عن خالد بن معدان، عن زاذان، عن سلمان الفارسي قال: سمعت حبيبي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم
يقول: كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل، يسبح الله ذلك النور ويقدسه
قبل أن يخلق الله آدم بألف عام، فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه، فلم يزل
في شئ واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففي النبوة وفي علي الخلافة (3).
29 - وبالاسناد المقدم قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان،
قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز - اذنا -، قال: حدثنا أبو
عبد الله الحسين بن علي الدهان - المعروف بأخي حماد - قال: حدثنا علي بن
محمد بن الخليل بن هارون البصري، قال: حدثنا محمد بن الخليل الجهني،
قال: حدثنا هشيم عن أبي بشر، عن سعيد، عن ابن عباس - رضي الله عنه -
قال: كنت جالسا مع فتية من بني هاشم عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ نقض (4) كوكب، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من انقض هذا الكوكب في منزله فهو الوصي من بعدي.

1 - سورة النجم: 53 / 1.
2 - السميساط: مدينة على شاطئ الفرات... على غربي الفرات.
3 - مناقب ابن المغازلي / 87.
4 - نقض: سقط.
95

فقام فتية من بني هاشم فنظروا، فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي بن
أبي طالب عليه السلام، قالوا يا رسول الله قد غويت في حب علي، فأنزل الله تعالى:
* (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى) * إلى قوله تعالى: * (بالأفق
الاعلى) * (1).
قال يحيى بن الحسن: اعلم أن الله سبحانه وتعالى قد ابان فضل مولانا أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه في هذه الآية بقوله تعالى: * (اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) * (2) وهذا
من طريق الحافظ الثقة وهكذا قد ورد من طرق الشيعة فقد حصل على ذلك إجماع
الاسلام فتلقيه بالقبول من الفروض الواجبة والأوامر اللازمة، إذ هو من
نصوص الوحي المخترع وخصوص النبي المتبع.
وإذا كان دين الأمة لم يكمل إلا بولايته، ونعمة الله تعالى لا تتم على خلقه
الا بها، ولا يرضى الله تعالى الاسلام دينا لخلقه إلا بها، فقد تضيق وجوبها على
كافة أهل الاسلام تضييقا عليه اجماع الاسلام وقامت مقام كل طاعة لله تعالى أن
لو كان المسلم عليها ولم يأت بولايته صلى الله عليه لم يرض الله تعالى إسلامه دينا
ولم يكمل دينه عند الله تعالى.
ومع عدم كمال الانسان وعدم رضى إسلامه عند الله تعالى لم يتم الله تعالى
نعمته عليه، ومن لم يكن بهذه الأمور فقد خسرت صفقته وظهرت خيبته.
يوضح ذلك ويزيده ثباتا وانه المعنى الذي أردنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عقيب ذلك:

1 - مناقب ابن المغازلي / 310.
2 - سورة المائدة: 5 / 3.
96

" من كنت مولاه فعلي مولاه " وإطلاق هذا اللفظ في سائر أهل الاسلام ولم
يخصص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك قوما دون قوم من الأمة.
وكذلك قول عمر بن الخطاب على ما في الروايات عند ذلك: بخ بخ (1) لك
يا علي، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة (2).
وفي رواية أخرى: " أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة " (3).
واطلاق ذلك في سائر المؤمنين والمؤمنات ولم يخصص قوما من المؤمنين
بذلك دون قوم بل كل من كان مؤمنا فعلي مولاه من نسيب أو صاحب لان لفظة
" الايمان " قد شملت الكافة، فمن كان مؤمنا منهم فعلي مولاه، ومن لم يكن علي
مولاه فليس بمؤمن.
وفي هذا غاية الايضاح ولم تجب له هذه المنزلة صلى الله عليه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
إلا بعد وجوبها له من الله تعالى أولا بدليل قوله سبحانه وتعالى: * (إنما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (4).
وقد تقدم اختصاصها به، فوجبت له صلى الله عليه وآله هذه المنزلة من الله
تعالى أولا وشركه تعالى فيما يجب له تعالى على الأمة ووجب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يشركه
فيما يجب له على الأمة ثانيا اقتداء بالوحي العزيز، فوجب على الأمة ثالثا اتباع
أوامر الله سبحانه وتعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم * (ان في ذلك لذكرى لمن كان له
قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) * (5).

1 - بخ: اسم فعل للمدح واظهار الرضي بالشئ، ويكرر للمبالغة.
2 - ينظر تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام علي عليه السلام 2 / 87.
3 - يراجع مناقب ابن المغازلي / 18. 19.
4 - سورة المائدة: 5 / 55.
5 - سورة ق: 50 / 37.
97

ويزيد أيضا بيانا وايضاحا قوله تعالى: * (والنجم إذا هوى) * وما ورد في
تفسيرها، ولك قد ورد بلفظ الخلافة والوصية بلا ارتياب فليتأمل ذلك، ففيه
كفاية لمن تأمله.
أنت الذي فرض الاله ولاءه * وولاؤه بعد النبي المرسل
أنت الذي ردت ببابل شمسه * وكذاك ردت في زمان المرسل
يا من به وله الولاء مع الهدى * أمر الرسول به بأمر المرسل
* * *
98

الفصل الرابع
في قوله تعالى: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا) * (1).
وفي قوله تعالى: * (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) * (2).
30 - ومن مسند أحمد بن حنبل بالاسناد المقدم قال حدثنا عبد الله بن أحمد
بن حنبل، قال: حدثنا محمد بن مصعب - وهو القافلاءى ويروى القفلائي -
قال: حدثنا الأوزاعي عن شداد بن [عبد الله أبي] عمار: عن واثلة بن الأسقع انه
حدثه قال: طلبت عليا في منزله فقالت فاطمة: ذهب يأتي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال:
فجاءا جميعا فدخلا ودخلت معهما، فأجلس عليا عن يساره وفاطمة عن يمينه
والحسن والحسين بين يديه ثم التفع (3) عليهم بثوبه وقال: * (إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * اللهم أن هؤلاء أهلي [اللهم أهلي]
أحق (4).
31 - وبالاسناد المقدم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني

1 - سورة الأحزاب: 33 / 33.
2 - سورة النور: 24 / 36.
3 - الالتفاع: الالتحاف.
4 - فضائل الصحابة 2 / 632 ح / 1077.
99

أبي قال حدثني ابن نمير قال: حدثنا عبد الملك قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح قال:
حدثني من سمع أم سلمة تذكر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في بيتها، فاتته فاطمة صلى الله
عليها ببرمة (1) فيها حريرة (2) فدخلت بها عليه فقال لها: ادعي لي زوجك وابنيك.
قالت: فجاء علي وحسن وحسين عليه السلام فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك
الحريرة وهو وهم على منام له على دكان تحته كساء خيبري، قالت: وأنا في
الحجرة أصلي، فأنزل الله تعالى هذه الآية: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * قالت: فأخذ فضل الكساء وكساهم به ثم أخرج
يده فألوى بها إلى السماء وقال: هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم فأذهب عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا، اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا، قالت: فأدخلت رأسي البيت وقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟
قال: انك إلى خير إنك إلى خير (3).
32 - قال عبد الملك: وحدثني بها أبو ليلى عن أم سلمة مثل حديث عطاء سواء.
33 - قال عبد الملك: وحدثني داود بن أبي عوف أبو الجحاف عن شهر بن
حوشب عن أم سلمة بمثله [سواء] (4).

1 - البرمة: القدر من الحجب.
2 - الحريرة: الحسا من الدسم والدقيق، وقيل: هو الدقيق الذي يطبخ بلبن - لسان العرب -
وفي أسباب النزول: خزيرة وفي هامشه: والخريزة: طعام لحم، كانوا يأخذون قطع اللحم
الصغيرة ويضعونها في القدر مع الماء والملح، فإذا ما نضجت ذروا عليها الدقيق وعصدوها به ثم
وضعوا عليها الادام ولا يسمون ذلك خريزة الا إذا كان فيها لحم، فإذا لم يكن فيها لحم سموها
عصيدة - لسان العرب.
3 - مسند أحمد 6 / 292.
4 - ينظر مسند أحمد 6 / 292.
100

34 - وبالاسناد أيضا قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال:
حدثني أبي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا علي بن زيد
عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة: ائتيني بزوجك
وابنيك، فجاءت بهم، فألقى عليهم كساء فدكيا، قالت: ثم وضع يده عليهم
وقال: اللهم ان هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل
محمد انك حميد مجيد.
قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لا دخل معهم، فجذبه من يدي وقال: انك
على خير (1).
35 - ومن صحيح البخاري ومن صحيح مسلم أيضا بالاسناد المقدم من
صحيح البخاري في الجزء الرابع منه، ومن صحيح مسلم في الجزاء الرابع منه
أيضا على حد كراسين من آخر الجزء، وأجزاء البخاري من ثمانية، واجزاء مسلم
من ستة، وهذا من المتفق عليه منهما.
بالاسناد المقدم قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير
- واللفظ لأبي بكر - قال: حدثنا محمد بن بشر، عن زكريا، عن مصعب بن
شيبة، عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط
مرجل (2) من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل
معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فادخله ثم قال: * (إنما يريد الله

1 - يراجع مسند أحمد 6 / 323.
2 - المرط - بالكسر - واحد المروط وهي أكيسة من صوف أو خز، والمرجل - هو الذي فيه خطط
اسود وابيض.
101

ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (1).
36 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم:
حدثنا أحمد بن علي بن الحارث المرهبي وزيد بن علي المقرئ قالا: حدثنا القاسم
بن محمد بن حماد الدلال قال: حدثنا مخول بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الجبار
بن العباس الشبامي عن عمار الدهني عن عمرة بنت أفعى عن أم سلمة رضي الله عنها
قالت: نزلت هذه الآية في بيتي: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا) * وفي البيت سبعة: جبرئيل وميكائيل عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وعلي والحسن والحسين وفاطمة عليه السلام وأنا على باب البيت فقلت: يا رسول الله
ألست من أهل البيت؟ قال: أنت على خير، انك من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما قال:
انك من أهل البيت (2).
37 - وبالاسناد أيضا قال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا
الحسين بن إسحاق، وقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير، عن
الأعمش، عن جعفر بن عبد الرحمن، عن حكيم بن سعد، عن أم سلمة رضي الله
عنه قالت: نزلت هذه الآية: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا) * في رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلى الله
عليهم أجمعين (3) حدثنا [ه] في المعجم الكبير.
38 - وبالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا
ابن زهير التستري قال: حدثنا عبد الرحمان بن محمد بن منصور بن أبي الأسود،

1 - صحيح مسلم 7 / 130.
2 - يراجع تفسير الدر المنثور 5 / 198.
3 - ينظر مناقب ابن المغازلي / 301.
102

قال: حدثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت عن شهر بن حوشب، عن أم
سلمة - رضي الله عنها -: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخذ ثوبا فجلله على علي وفاطمة
والحسن والحسين عليه السلام ثم قرأ هذه الآية: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (1).
39 - وبالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا أبو بكر بن خلاد، قال: حدثنا
محمد بن عثمان، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، قال: حدثنا علي بن
عابس [عن] أبي الجحاف [داود بن أبي عوف] عن عطية، عن أبي سعيد و [عن]
الأعمش عن عطية: عن أبي سعيد قال: نزلت هذه الآية: * (إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * في خمسة: في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلى الله عليهم (2).
40 - وبالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا صالح بن يوسف
الأنباري قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: حدثنا عبد الملك قال:
حدثنا عبد الرحيم بن هارون، قال: حدثنا هارون بن سعيد، قال: حدثنا عطية
قال: سألت أبو سعيد عن أهل البيت الذين قال الله عز وجل فيهم: * (إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * الآية.
فذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليا وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام (3).

1 - يراجع مناقب ابن المغازلي / 306 مع اختلاف.
2 - ينظر أسباب النزول / 373، تفسير الثعلبي المخطوط / 139 الصواعق المحرقة، فصل الآيات،
الآية الأولى وفيه: ثم هذه الآية منبع فضائل أهل البيت النبوي لاشتمالها على غرر من مآثرهم
والاعتناء بشأنهم حيث ابتدأت بإنما المفيدة لحصر ارادته تعالى في أمرهم على اذهاب الرجس
الذي هو الاثم أو الشك فيما يجب الايمان به عنهم وتطهيرهم من سائر الأخلاق والأحوال المذمومة.
3 - يراجع شواهد التنزيل 2 / 26.
103

41 - وبالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا صباح بن محمد بن علي وأبو ذر
بن محمد بن الحسين بن رومي قالا: حدثنا محمد بن الحسين بن حفص، قال:
حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا أبو عبد الرحمان المسعودي عن كثير النوا:
عن عطية عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: نزلت هذه الآية - في خمسة
فقرأها وسماهم -: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) * في رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلى الله عليهم (1).
42 - ومن الجمع بين الصحيحين لمحمد بن أبي نصر الحميدي بالاسناد
المقدم قال: الحديث الرابع والستون من المتفق عليه في الصحيحين من البخاري
ومسلم من مسند عائشة، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة
قالت: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن
بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين، فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء
علي فأدخله ثم قال: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) * (2).
43 - ومن الجمع بين الصحاح الستة - لرزين بن معاوية العبدري - امام
الحرمين - السرقصطي الأندلسي - وهي: موطأ مالك بن أنس الأصبحي
وصحيحي مسلم والبخاري وسنن أبي داود السجستاني وصحيح الترمذي
والنسخة الكبيرة من صحيح النسائي.
بالاسناد المقدم في الجزء الثاني من أجزاء ثلاثة في تفسير سورة " الأحزاب "
من صحيح أبي داود السجستاني وهو كتاب السنن في تفسير قوله تعالى: * (إنما

1 - ينظر شواهد التنزيل 2 / 24.
2 - يراجع صحيح مسلم 7 / 130.
104

يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * قال عن عايشة
قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه مرط من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم
جاء الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال:
* (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (1).
44 - قال: وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذه الآية نزلت في بيتها: * (إنها
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * قالت: وأنا جالسة
عند الباب فقلت: يا رسول الله الست من أهل البيت؟ فقال: إنك إلى خير، انك
من أزواج النبي (2).
45 - وبالاسناد المقدم أيضا من الجزء من الكتاب أيضا جمع رزين في باب
مناقب الحسن والحسين عليه السلام من صحيح أبي داود السجستاني أيضا بالاسناد
المقدم قال: عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غداة
وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي عليه السلام فأدخله، ثم جاء
الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: * (إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (3).
46 - ومن تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى: * (طه) * قال: قال جعفر بن
محمد الصادق عليه السلام: " طه " طهارة أهل بيت محمد عليه السلام ثم قرأ: * (إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (4).

(1) تفسير الطبري 22 / 5، مستدرك الصحيحين 3 / 147.
2 - ينظر شواهد التنزيل 2 / 55 - 88.
3 - صحيح أبي داود 4 / 44 ورواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 2 / 32.
4 - تفسير الثعلبي المخطوط / 41.
105

47 - ومن تفسير الثعلبي أيضا بالاسناد المقدم قال: أخبرني عقيل بن محمد
الجرجاني أخبرنا معافا بن زكريا البغدادي، أخبرنا محمد بن جرير، حدثني
[محمد] بن المثنى، حدثني بكر بن يحيى بن ريان العنزي (1) حدثنا مندل عن
الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نزلت هذه
الآية في خمسة: في وفي علي وفي حسن وحسين وفاطمة عليهم السلام: * (إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (2).
48 - ومن تفسير الثعلبي أيضا وبالاسناد المقدم قال: وأخبرني الحسين بن
محمد بن الحسين بن عبد الله الثقفي، حدثنا عمر بن الخطاب، حدثنا عبد الله بن
الفضل، حدثنا الحسين بن علي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوام بن
حوشب، [قال:] حدثني ابن عم لي من [بني الحارث] بن تيم الله - يقال له مجمع
- قال: دخلت مع أمي على عائشة فسألتها أمي قالت: رأيت خروجك يوم
الجمل؟ قالت: انه كان قدرا من الله تعالى فسألتها عن علي عليه السلام فقالت:
سألتني عن أحب الناس كان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقد رأيت عليا وفاطمة
وحسنا وحسينا وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعوف عليهم ثم قال: اللهم هؤلاء أهل
بيتي وخاصتي، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت: قلت: يا رسول الله
أنا من أهلك؟ فقال تنحي إنك إلى خير (3).

1 - في كتاب " العمدة ": الغنوي.
2 - تفسير الثعلبي المخطوط / 139، تفسير الطبري 22 / 5.
3 - رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 2 / 38 مع اختلاف يسير في المتن و " يعوف " اي يدور.
106

في قوله تعالى: * (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه...) * (1).
49 - ومن تفسير الثعلبي أيضا بالاسناد المقدم قال: حدثنا المنذر بن محمد
القابوسي، حدثني الحسين بن سعيد، حدثني أبي عن أبان بن تغلب، عن نفيع بن
الحارث عن أنس بن مالك وعن بريدة قالا: قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية: * (في
بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) * إلى قوله: * (والابصار) * فقام رجل
فقال اي بيوت اذن الله هذه يا رسول الله فقال بيوت الأنبياء قال فقام إليه أبو بكر
فقال: يا رسول الله هذا البيت منها - لبيت علي عليه السلام وفاطمة؟ - فقال: نعم من
أفاضلها (2).
قال يحيى بن الحسن: قد ثبتت عصمة أهل البيت عليه السلام بالوحي العزيز والمتفق
على رواية من الخاص والعام، وما كان كذلك صح التمسك به والاستدلال.
يوضح ذلك ويزيده ايضاحا وبيانا ما ذكره أحمد بن فارس اللغوي في كتاب
" المجمل في اللغة " قال: الطهر: خلاف الدنس، والتطهير هو التنزه عن الاثم وعن
كل قبيح.
وهذا معنى العصمة لان المعصوم هو الذي لا يواقع إثما ولا قبيحا، وليس
ذلك الا مع تطهير الله - عز وجل - له وإذهاب الرجس عنه بإرادته تعالى لا بإرادة
غيره جل وعلا.
ومن ثبت تطهيره بالوحي العزيز - * (الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه
ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) * (3) وبالصحاح من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على

1 - سورة النور: 24 / 36.
2 - يراجع شواهد التنزيل 1 / 410.
3 - سورة فصلت: 41 / 42.
107

إجماع من الشيعة والسنة ثبتت عصمته، ومن كانت هذه حاله امنا وقوع الخطأ منه
عاجلا وآجلا.
ومن يؤمن منه وقوع الخطأ عاجلا وآجلا وجب الاقتداء به - دون من لم
يؤمن منه وقوع الخطاء وتطرق الرجس عليه وترك التطهير له بإرادة الله تعالى.
ومن كانت هذه حاله ثبت انه يهدي إلى الحق لموضع الا من منه أن يواقع ما
يكره من غيره وقوعه بدليل قوله سبحانه وتعالى: * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن
يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) * (1) فأوجب سبحانه
وتعالى الاقتداء بمن كانت هذه حاله وجعل ذلك حكمه، ووبخ من لم يحكم
بذلك ومن لم يحكم به فهو من أهل هذه الآية: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله
فأولئك هم الكافرون) * (2).
وبيت يقصر الأوهام عنه * سما فوق الفراقد والنسور
غدا للوحي والشرف المعلى * نديا بالرواح وبالبكور

1 - سورة يونس: 10 / 35.
2 - سورة المائدة: 5 / 44.
108

الفصل الخامس
في قوله تعالى قال: * (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * (1).
[وفي قوله تعالى: * (ان الله اصطفى ادم ونوحا وآل ونوحا وآل إبراهيم وآل
عمران على العالمين) *] (2).
50 - من مسند ابن حنبل وبالاسناد المقدم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن
حنبل، عن أبيه قال: وفيما كتب إلينا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي يذكر
أن الحرب بن الحسن الطحان حدثه، قال: حدثنا حسين الأشقر، عن قيس، عن
الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما نزل: * (قل
لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * قالوا: يا رسول الله من قرابتك
[هؤلاء] الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام (3).
51 - ومن صحيح البخاري: بالاسناد المتقدم من الجزء السادس من
صحيح البخاري من اجزاء ثمانية على حد كراسين ونصف من أوله في تفسير
قوله تعالى: * (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * بالاسناد المقدم

1 - سورة الشورى: 42 / 23.
2 - سورة آل عمران: 3 / 33.
3 - فضائل الصحابة 2 / 669 ح / 41: 1.
109

قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن
عبد الملك بن ميسرة [قال]: سمعت طاووسا [يحدث] عن ابن عباس - رضي الله عنه
- انه سئل عن قوله تعال: * (إلا المودة في القربى) * قال سعيد بن جبير:
" قربى " آل محمد صلوات الله عليهم (1).
52 - ومن صحيح مسلم: بالاسناد المقدم من الجزء الخامس من اجزاء ستة
في أوله على حد كراسين في تفسير قوله تعالى: * (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا
المودة في القربى) * قال: وسئل ابن عباس - رضي الله عنه - عن هذه الآية:
فقال ابن جبير: هي [في] قربى آل محمد عليهم السلام (2).
53 - من تفسير الثعلبي في قوله تعالى: * (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا
المودة في القربى) * بالاسناد المقدم قال: اختلفوا في قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين أمر
الله تعالى بمودتهم؟
فأخبرني الحسين بن محمد الثقفي العدل، حدثنا برهان بن علي الصوفي،
حدثنا محمد بن عبد الله بن سليم الحضرمي، حدثنا حرب بن الحسن الطحان،
حدثنا حسين الأشقر، عن قيس، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس - رضي الله عنه - قال: لما نزلت: * (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى) *.

1 - صحيح البخاري 6 / 129 وما بين المعقوفتين من كتاب " العمدة " ويبدو ان السؤال طرح في
مجلس عام فسبق ابن جبير للجواب، ولهذا اعترض عليه ابن عباس قائلا: عجلت - ينظر
صحيح البخاري كتاب التفسير.
2 - لم نعثر عليه في صحيح مسلم ولكن وجدناه في صحيح البخاري 6 / 129 ونظيره في
شواهد التنزيل 2 / 130 ورواه مصنف غاية المرام / 306 نقلا عن جزء الخامس من صحيح مسلم.
110

قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال: علي
وفاطمة وابناهما صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (1).
54 - قال [الثعلبي]: ودليل هذا التأويل: ما حدثنا به أبو منصور
الحمشادي، حدثني أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر بن مالك، حدثنا محمد
بن يونس، حدثنا عبيد الله بن عائشة، حدثنا إسماعيل بن عمرو، عن عمر بن
موسى، عن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب
صلوات الله عليه قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسد الناس لي، فقال: أما
ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة: أنا وأنت والحسن والحسين،
وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا وشيعتنا من خلف ذريتنا (2).
55 - ومن تفسير الثعلبي أيضا وبالاسناد المقدم [روى الثعلبي في تفسير]
قوله سبحانه وتعالى من سورة آل عمران: * (إن الله اصطفى ادم ونوحا وآل
إبراهيم وآل عمران على العالمين) * (3).
[حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد القاضي] (4): قال: حدثنا محمد بن
عثمان بن الحسن النصيبي، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن صالح
السبيعي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، حدثنا أحمد بن ميثم بن نعيم
قال: حدثنا أبو عبادة السلولي، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: قرأت في

1 - رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 2 / 134، ينظر كفاية الطالب / 91 - تفسير
الكشاف 2 / 339 - مجمع الزوائد 7 / 103.
2 - ينظر تفسير الكشاف 3 / 81، فضائل الصحابة 2 / 624 ح / 1068.
3 - سورة آل عمران: 3 / 33.
4 - ما بين المعقوفتين من كتاب " العمدة ".
111

مصحف عبد الله بن مسعود: * (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم (وآل
محمد) على العالمين) * (1).
56 - ومن الجمع بين الصحاح الستة لأبي الحسن رزين بن معاوية العبدري
السرقصطي الأندلسي وبالاسناد المقدم من الجزء الثاني من أجزاء أربعة في تفسير
سورة " حم " (2) في قوله تعالى: * (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) *
قال: [قال] ابن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليهم (3).
57 - ومن طريق أبي نعيم المحدث: في قوله تعالى: * (قل لا أسئلكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) * قال أبو نعيم: حدثنا أبو محمد بن حيان، قال:
حدثنا أبو الجارود، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، قال: حدثنا يحيى
قال: حدثني حسين بن الحسن، عن قيس، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس قال: لما أنزلت: * (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) *
قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم؟ قال: علي وفاطمة
وابناهما (4).
58 - ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين بن معاوية عن عمار العبدري
من الجزء الثاني أيضا في ثاني كراس منه في تفسير قوله تعالى: * (إن الله اصطفى
آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) * بالاسناد المقدم قال عن
علي عليه السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: خير نسائها مريم بنت عمران وخير

1 - ينظر شواهد التنزيل 1 / 118.
2 - أي سورة الشورى.
3 - يراجع صحيح البخاري 6 / 129.
4 - ينظر شواهد التنزيل 2 / 134.
112

نسائها خديجة بنت خويلد (1).
59 - قال: وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: نساء قريش
خير نساء، ركبن الإبل أحناها على طفل في صغره وأرعاها على زوج في ذات
يده (2).
و [كان] أبو هريرة على اثر ذلك يقول: ولم تركب بنت عمران بعيرا قط (3)
ولو علمت أنها ركبت بعيرا ما فضلت عليها أحدا.
قال وقال ابن عباس رضي الله عنه: " آل إبراهيم " و " آل عمران ": المؤمنون
من آل إبراهيم وآل عمران، وآل يس وآل محمد عليه السلام، بقول الله تعالى: * (إن أولى
الناس بإبراهيم للذين اتبعوه (وهم المؤمنون) وهذا النبي والذين آمنوا [معه]
والله ولي المؤمنين) * (4).
وقال رزين: قال البخاري: ويقال: آل يعقوب إذا صغروا " آل " [ثم] ردوه
إلى الأصل وقالوا: أهيل (5).
قال يحيى بن الحسن: فقد ثبت مودتهم عليهم السلام إذ هي بأمر الله تعالى ولكونها
أجر التبليغ، وإذا أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلب من الأمة عوض بذله لنفسه

1 - صحيح مسلم 7 / 132.
2 - معرفة الصحابة 1 / 312 وجاء في شرح صحيح مسلم للنووي (15 - 16 / 313): فيه فضيلة
نساء قريش وفضل هذه الخصال وهي الحنوة على الأولاد والشفقة عليهم وحسن تربيتهم...
ونحو ذلك مراعاة حق الزوج في ماله وحفظه والأمانة فيه وحسن تدبيره في النفقة وغيرها
وصيانته ونحو ذلك ومعنى ركبن الإبل نساء العرب و....
3 - صحيح مسلم 7 / 182 باب فضائل قريش - صحيح البخاري 4 / 164.
4 - سورة آل عمران: 3 / 68.
5 - صحيح البخاري 4 / 164.
113

وتعزيره مهجته وأجر السفارة بينه تعالى وبين أمته المودة في أولى القربى.
وفسر " أولى القربى " من هم بقوله: " علي وفاطمة والحسن والحسين "
فوجبت مودتهم كوجوب مودة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقامت مقام مودة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وإذا وجبت كوجوب مودته وجب لهم من فرض الطاعة ما يجب له صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا
وجب لهم من فرض الطاعة ما وجب [له، وجب] الاقتداء بهم، ولم يجب ذلك
لهم الا من حيث كانت النفس واحدة بدليل قوله تعالى: * (فقل تعالوا ندع أبناءنا
وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) * (1) ونفسه: علي صلى الله عليهما
وآلهما، ونساؤه: فاطمة، وابناه: الحسن والحسين صلى الله عليهما وسيجئ
فيما بعد ذكر ذلك بطرقه إن شاء الله تعالى.
ويدل أيضا على وجوب الطاعة لهم قوله تعالى * (من يطع الرسول فقد
أطاع الله) * (2) وإذا كانت مودتهم كمودة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجب أن تكون طاعتهم
كطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم [و] صارت كطاعة الله تعالى لموضع قوله تعالى: * (من يطع
الرسول فقد أطاع الله) *.
وهذا من أدل دليل على وجوب الاقتداء بهم عليهم السلام ومعنى " الا " في هذه الآية
بمعنى " غير " ومعناه التفخيم لأمرهم والتعظيم لهم، وذلك مثل قول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب
أراد ب‍ " غير " المبالغة في المدح، إليه ذهب عمرو بن الجاحظ في كتابه الذي
صنف للمأمون في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

1 - سورة آل عمران: 3 / 61.
2 - سورة النساء: 4 / 80.
114

إذا أوجب الرحمان في الوحي ودهم * فأين عن الوحي العزيز ذهاب
وأين عن الذكر العزيز مذاهب * وأين إلى غير الاله إياب
[ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب]
115

الفصل السادس
في قوله: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله * (1).
وفي قوله تعالى: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * (2).
60 - من مسند ابن حنبل بالاسناد المقدم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد
بن حنبل، عن أبيه، قال: حدثنا يحيى بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة، قال
حدثنا أبو بلج، قال: حدثنا عمرو بن ميمون، قال: اني لجالس إلى ابن عباس
- رضي الله عنه - إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا بن عباس اما أن تقوم معنا أو تخلو
بنا عن هؤلاء.
قال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم - وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى -
قال: فابتدوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا، فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف (3)
وقعوا في رجل له عشرة خصال:

1 - سورة البقرة: 2 / 207.
2 - سورة الشعراء: 26 / 214.
3 - أف وتف: معناه الاستقذار لما شم. وقيل: معناه الاحتقار والاستقلال وهو صوت إذا
صوت به الانسان علم أنه متضجر منكرة - النهاية لابن الأثير.
وفي لسان العرب: أف وتف، آلاف: الوسخ الذي حول الظفر، وتف: وسخ الأظفار،
وقيل: ما يجتمع تحت الظفر من الوسخ، يقال ذلك عند كل شئ يتضجر منه ويتأذى به.
117

وقعوا في رجل قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب
الله ورسوله. قال: فاستشرف (1) لها من استشرف فقال: أين علي؟ قالوا: هو في
الرحي يطحن. قال: وما كان أحدكم ليطحن؟ فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر،
قال: فنفث في عينه ثم هز الراية ثلاثا فأعطاه إياها، فجا بصفية بنت حيى.
قال: ثم بعث فلانا بسورة التوبة فبعث عليا [خلفه] فأخذها منه وقال:
لا يذهب بها الا رجل مني وأنا منه.
قال: وقال لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ - قال: وعلي
جالس معهم [فأبوا] - فقال علي عليه السلام: أنا أو إليك في الدنيا والآخرة. قال:
فتركه، ثم أقبل على رجل [رجل] (2) منهم فقال: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة
[فأبوا قال: فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة فقال له: أنت وليي في
الدنيا والآخرة].
قال: وكان أول من آمن من الناس [بعد خديجة].
وأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة والحسن والحسين وقال:
* (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (3).
قال: وشرى علي نفسه، لبس ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نام مكانه.
قال: فكان المشركون يتوهمون (4) انه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء أبو بكر وعلي
نائم - قال [و] أبو بكر يحسب أنه نبي الله [قال:] فقال: يا نبي الله، قال: فقال له

1 - استشرف الشئ: رفع بصره لينظر إليه باسطا كله فوق حاجبه.
2 - أي كل رجل منهم.
3 - سورة الأحزاب: 33 / 33.
118

علي: إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون (1) فأدركه قال: فانطلق أبو بكر فدخل
معه الغار.
قال: وجعل علي يرمى بالحجارة كما [كان] يرمى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو
يتضور (2) قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ثم كشف [عن] رأسه
فقالوا: لو كان صاحبك نرميه فلا يتضور [وأنت تتضور] وقد استنكرنا ذلك (3).
قال: وخرج بالناس في غزوة تبوك فقال علي عليه السلام: اخرج معك؟ قال:
فقال له نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا. فبكى علي عليه السلام فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنك لست بنبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي.
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة.
قال: وسد أبواب المسجد غير باب علي عليه السلام قال: فكان يدخل المسجد جنبا
وهو طريقه ليس له طريق غيره.
قال وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه (4).
61 - وفي تفسير الثعلبي: في الجزء الأول في تفسير سورة البقرة قوله
تعالى: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) * (5).

(1) بئر ميمون: بمكة، منسوبة إلى ميمون بن خالد بن عامر الحضرمي حفرها بأعلى مكة في
الجاهلية - معجم البلدان.
2 - يتضور: اي يتلوى ويضج وينقلب ظهر لبطن من شدة الحمى وقيل: يتضور اي يظهر الضور
بمعنى الضر - النهاية وفي لسان العرب: التضور: التلوي والصياح من وجع الضرب.
3 - معرفة الصحابة 1 / 304.
4 - فضائل الصحابة 2 / 682 ح / 1168، كفاية الطالب / 241 - مناقب الخوارزمي / 125
مسند أحمد 1 / 331.
5 - سورة البقرة: 2 / 207.
119

بالاسناد المقدم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [لما] أراد الهجرة خلف علي بن أبي
طالب صلوات الله عليه بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده وأمره ليلة
خرج إلى الغار - وقد أحاط المشركون بالدار - أن ينام على فراشه صلى الله عليه وآله وسلم فقال له:
يا علي اتشح (1) ببردي الحضرمي الأخضر، ونم على فراشي فإنه لا يخلص (2)
إليك منهم مكروه إن شاء الله عز وجل، ففعل ذلك فأوحى الله عز وجل إلى
جبرئيل وميكائيل عليهما السلام اني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من
الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه الحياة؟ فاختار كلاهما الحياة.
فأوحى الله عز وجل إليهما: ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب عليه السلام، آخيت
بينه وبين محمد، فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض
فاحفظاه من عدوه، فنزلا، فكان جبرئيل عليه السلام عند رأسه وميكائيل عليه السلام عند
رجليه فقال جبرئيل: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب؟ يباهي الله بك الملائكة،
فأنزل الله تعالى على رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب
صلى الله عليه: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) * الآية (2).
62 - [ثم] قال [الثعلبي:] ودليل ذلك ما رواه محمد بن عبد الله بن محمد
بن عبد الله القائني قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن عثمان بن الحسن النصيبي
ببغداد قال: حدثني أبو بكر محمد بن الحسين بن صالح السبيعي بحلب، حدثنا
أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني محمد بن منصور، قال: حدثني أحمد

1 - يتوشح بثوبه اي يتغش به، والأصل فيه من الوشاح - لسان العرب.
2 - خلص إليه وبه الشئ: وصل - أقرب الموارد.
3 - أخرجه الجزري في أسد الغابة 4 / 25 وروى نظيره الحسكاني في شواهد التنزيل 1 / 96 -
مستدرك الحاكم 3 / 132 التفسير الكبير 5 / 204، مسند أحمد 1 / 331، تفسير الطبري 9 / 140.
120

بن عبد الرحمان، حدثني الحسن بن محمد بن فرقد، حدثني الحكم بن ظهير،
حدثنا السدي في قوله تعالى عز وجل: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء
مرضات الله) * قال: قال ابن عباس - رضي الله عنه -: نزلت في علي بن أبي طالب
صلى الله عليه وآله حين هرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المشركين إلى الغار ومعه أبو بكر، ونام
علي على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1).
63 - ومن طريق الحافظ [أبي نعيم الأصبهاني] بالاسناد المقدم قال
أبو نعيم: حدثنا الحسين بن عبد الرحمان الاذري، قال: حدثنا عبد الوارث عبد
الله بن المغيرة القرشي، عن إبراهيم بن عبد الله بن مغيرة، عن أبيه، عن ابن عباس
قال: بات علي بن أبي طالب عليه السلام ليلة خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المشركين على فراشه
فنزلت فيه: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) * (2).
64 - ومن طريق الحافظ [أبي نعيم] في قوله تعالى: * (وأنذر عشيرتك
الأقربين) * (3) قال أبو نعيم: حدثنا أبو بكر الطلحي قال: حدثنا أبو الحصين محمد
بن الحسين قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا أحمد بن بندار قال حدثنا
محمد بن أحمد بن سليمان قال حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا شريك عن الأعمش
عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لما نزلت:
* (وأنذر عشيرتك الأقربين) * قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علي يقضى ديني وينجز موعدي (4).
65 - ومن مناقب أبي عبد الرحمان عبد الله بن أحمد بن حنبل في قوله

1 - الحديث بطوله في شواهد التنزيل 1 / 100.
2 - يراجع تاريخ مدينة دمشق، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب 1 / 153.
3 - سورة الشعراء: 26 / 214.
4 - ينظر فضائل الصحابة 2 / 650 ح / 1108.
121

تعالى: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) *
بالاسناد المقدم قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا شريك
عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله [الأسدي] عن علي بن أبي طالب (ع).
وقال حدثنا أبو خثيمة، قال حدثنا اسود بن عامر قال حدثنا شريك، عن
الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي عليه السلام [قال:]
لما نزلت: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته فاجتمع
ثلاثون فأكلوا وشربوا ثلاثا ثم قال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون
معي في الجنة ويكون خليفتي؟ فقال رجل - لم يسمه شريك -: يا رسول الله أنت
كنت تجد من يقوم بهذا؟ قال: ثم قال الآخر: يعرض ذلك على أهل بيته، فقال
علي عليه السلام: أنا، فقال أنت (1).
66 - ومن تفسير الثعلبي: في تفسير قوله تعالى: * (وأنذر عشيرتك
الأقربين) * بالاسناد المقدم قال: أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين، حدثنا
موسى بن محمد بن [علي بن عبد الله] حدثنا الحسن بن علي بن شعيب المغربي،
حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا علي بن هاشم، عن صباح بن يحيى المزني، عن
زكريا بن ميسرة، عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما نزلت: * (وأنذر عشيرتك
الأقربين) * جمع رسول الله صلى الله عليه اله وسلم بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا، الرجل
منهم يأكل المسنة (2) ويشرب العس (3) مر عليا أن يدخل شاة (4) فأدمها، ثم قال:

1 - ينظر مسند أحمد 1 / 111 وفيه: أنت كنت بحرا، وفي فضائل الصحابة 2 / 700: أنت كنت
بحرا، وفي هامشه: كناية عن سعة يده وكثرة انفاقه حتى كان يتحمل الديون الكثيرة.
2 - في كتاب العين: أسن الرجل: كبر، وناقة مسنة والجمع مسان وفي تاريخ الطبري: جزعة.
3 - العس: القدح الصخم - لسان العرب. 4 - في كتاب " العمدة " أن يذبح شاة.
122

ادنوا بسم الله فدنا القوم عشرة عشرة، فأكلوا حتى صدروا (1) ثم دعا بقعب (2) من
لبن فجرع منه جرعة، ثم قال لهم: اشربوا بسم الله، فشربوا حتى رووا، فبدرهم
أبو لهب فقال: حبذا (3) ما سحركم به الرجل، فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ فلم يتكلم.
ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك الطعام والشراب، ثم أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فقال: يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير بما لم (4) يجئ
به أحد، جئتكم بالدنيا والآخرة، فاسلموا وأطيعوني تهتدوا، ومن يؤاخيني
ويوازرني ويكون وليي ووصيي من بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني؟
فسكت القوم وأعاد ذلك ثلاثا، كل ذلك يسكت القوم ويقول علي عليه السلام:
أنا، فقال: أنت.
فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمر عليك " (5).
قال يحيى بن الحسن: اعلم أن هذا الفصل قد جمع الأصلين الموجبين
لولاء الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهما: الوصية، والخلافة، والوصي أحق بمقام الوصي
عقلا وشرعا.
والخليفة أحق بمقام مستخلفه عقلا وشرعا.
وهذا بيان لا يدفع إلا بالعناد لما اجتمعت الرتبتان العليتان الموجبتان لمولانا
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه ولاء الأمة بدليل الوحي العزيز

1 - صدر الرجل - على المجهول -: شكا صدره - أقرب الموارد.
2 - القعب: الاناء الذي يشرب فيه.
3 - وفي تاريخ الطبري: لهد وفي هاشمه: لهد: كلمة يتعجب بها.
4 - صححناه على ما في كتاب " العمدة ".
5 - يراجع شواهد التنزيل 1 / 420 دلائل النبوة / 545 مع اختلاف خصائص النسائي / 83 مع
اختلاف.
123

والخبر الصحيح بكفاية من طرق السنة مع اتفاق طرق الشيعة على مثل هذه
الموهبة.
وهذا هو إجماع كافة أهل الاسلام لان إجماع السنة والشيعة هو إجماع
أهل الاسلام كافة، فعلى هذا حصل عليه الاجماع بالآية والخبر لا طريق إلى دفعه
فلينظر لنفسه ما أوجب نجاته.
قضى الله في الوحي إعظامه * وتعريضه دون قرب المرام
ولو أمكن الناس عينا عليه * لما أحجموا عن وقوع الكلام (1)
وعظمه الله عند الأنام * ونزهه الوحي من كل وأم (2)

1 - الاحجام ضد الاقدام.
2 - الويمة: التهمة - لسان العرب.
124

الفصل السابع
في قوله سبحانه وتعالى: * (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا
ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) * (1) الآية.
وفي قوله تعالى: * (اهدنا الصراط المستقيم) * (2).
وفي قوله تعالى: * (وتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه) * (3).
وفي قوله تعالى: * (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي) * (4).
وفي قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم
الرحمن ودا) * (5).
وفي قوله تعالى: * (ان الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لنا كبون) * (6).
67 - من صحيح مسلم: في الجزء الرابع من أجزاء الستة في قوله تعالى:
* (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) * الآية بالاسناد المقدم قال: حدثنا حاتم - وهو

1 - سورة آل عمران: 3 / 61.
2 - سورة الحمد: 1 / 6.
3 - سورة البقرة: 2 / 37.
4 - سورة البقرة: 2 / 124.
5 - سورة مريم: 19 / 96.
6 - سورة المؤمنون: 23 / 74.
125

ابن إسماعيل - عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه
قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا - أخزاه الله ولعنه - فقال: آمرك أن تسب أبا تراب
؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلن أسبه لان تكن لي
واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول له حين خلفه في بعض مغازيه فقال له علي: يا
رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما ترضى أن
تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي.
وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله
ورسوله. قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي عليا، فأتي به أرمد العين فبصق في
عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الآية: * (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) * (1) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي (2).
68 - ومن تفسير الثعلبي بالاسناد المقدم قال: قال مقاتل والكلبي: لما قرأ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة (3) فقالوا له: حتى
نرجع وننظر في أمرنا ونأتيك غدا، فخلا بعضهم ببعض وقالوا للعاقب - وكان
ديانهم (4) وذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى
أن محمدا نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم والله ما لا عن قوم

1 - سورة آل عمران: 2 / 61.
2 - صحيح مسلم 7 / 120.
3 - المباهلة: الملاعنة.
4 - ديانهم: عالمهم.
126

قط نبيا فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم ذلك لنهلكن وإن أبيتم إلا
إلف] (1) دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل
وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد غدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محتضنا الحسين (2) وآخذا بيد
الحسن (3) وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول لهم: إذا أنا دعوت فأمنوا.
فقال أسقف نجران (4): يا معشر النصارى اني لأرى وجوها لو سألوا الله
أن يزيل جبلا من مكانه لازاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض
نصراني إلى يوم القيامة قالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على
دينك، ونثبت على ديننا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فإن أبيتم المباهلة فأسلموا، يكن
لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم، فأبوا فقال: إني أنابذكم (5) فقالوا: ما لنا
بحرب العرب طاقة، ولكنا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا
عن ديننا على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة، ألف في صفر والف في رجب.
فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وقال: والذي نفسي بيده إن العذاب
قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم الوادي
عليهم نارا (6) ولاستأصل الله تعالى نجران وأهله حتى الطير على الشجر.

1 - الألف: - بكسر الهمزة - الصداقة والمؤانسة، وما بين المعقوفتين من العمدة.
2 - احتضن الصبي: جعله في حضنه وضمه إلى صدره.
3 - في أصل المطبوع وفي المخطوطات " العمدة ": محتضنا الحسن وآخذا بيد الحسين، والصحيح
ما أثبتناه.
4 - الأسقف: فوق القسيس ودون المطران - ونجران: من مخاليف اليمن.
5 - نابذ: بارز وقاتل.
6 - اضطرمت النار: اشتعلت.
127

ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا فقال الله تعالى: (1) * (إن
هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا) *
(اعرضوا عن الايمان) * (فإن الله عليم بالمفسدين) * (2).
69 - ومن مناقب الفقيه أبي الحسن علي بن المغازلي الشافعي الواسطي
بالاسناد المقدم قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن عثمان، قال: أخبرنا محمد بن
إسماعيل الوراق - إذنا - قال: حدثنا أبو بكر ابن أبي داود، قال حدثنا يحيى
بن حاتم العسكري، قال: حدثنا بشر بن مهران، قال: حدثنا محمد بن دينار،
عن داود بن أبي هند (3)، عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: قدم وفد نجران على
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: العاقب والطيب (4)، فدعاهما إلى الاسلام فقالا: أسلمنا يا محمد
قبلك، قال: كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الاسلام قالا: فهات أنبئنا
قال: حب الصليب وشرب الخمر وأكل [لحم] الخنزير.
فدعاهما إلى الملاعنة، فوعداه أن يغادياه بالغداة، فغدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ
بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما، فأبيا أن يجيباه وأقرا له
بالخراج.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والذي بعثني بالحق نبيا لو فعلا لا مطر الوادي عليهم نارا.
قال جابر: [و] فيهم نزلت هذه الآية: * (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) *
الآية.

1 - سورة آل عمران: 3 / 62 - 63.
2 - ينظر غاية المرام / 300 نقلا عن تفسير الثعلبي.
3 - في أصل المطبوع: سعيد.
4 - في دلائل النبوة: منهم السيد وهو الكبير، والعاقب: وهو الذي يكون بعده وصاحب رأيهم.
128

قال الشعبي: * (أبناءنا) *: الحسن والحسين * (ونساءنا) *: فاطمة،
و * (أنفسنا) *: علي بن أبي طالب عليهم السلام (1).
70 - ومن طريق أبي نعيم بالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن
أحمد قال: حدثنا أحمد بن داود المكي ومحمد بن زكريا الغلابي قالا: حدثنا بشر
بن مهران الخصاف، قال: حدثنا محمد بن دينار، عن داود بن أبي هند، عن
الشعبي عن جابر قال: قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم العاقب والطيب، فدعاهما إلى الاسلام
فقالا: أسلمنا يا محمد، فقال: كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من
الاسلام؟ قال: فهات أنبئنا، قال: حب الصليب وشرب الخمر واكل لحم الخنزير.
قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه أن يغادياه بالغداة، فغدا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأرسل إليهما، فأبيا
أن يجيباه وأقرا له بالخراج، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والذي بعثني بالحق لو فعلا
لأمطر الله عليهما الوادي نارا.
قال جابر: [و] فيهم نزلت: * (ندع أبناءنا وأبناءكم) *.
[و] قال الشعبي: قال جابر: * (أنفسنا وأنفسكم) *: رسول الله وعلي
و * (نسائنا) *: فاطمة عليها السلام و * (أبناءنا) * الحسن والحسين صلى الله عليهم (2).

1 - يراجع مناقب ابن المغازلي / 263 - أسباب النزول / 99 تفسير القرطبي 4 / 103، تفسير
الدر المنثور 1 / 39.
2 - يراجع أسباب النزول / 99 - دلائل النبوة / 456 - 457 تفسير الكشاف / 326 وفيه: فان
قلت: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختص به وبمن
يكاذبه فما معنى ضم الأبناء والنساء.
قلت: ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته
وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه
حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة.
وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب
دونهم حتى يقتل ومن ثمة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب
ويسمون الذادة عنهم بأرواحهم حماة الحقائق وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف
مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها.
وفيه دليل لا شئ أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام.
129

71 - ومن تفسير الثعلبي: في قوله تعالى: * (اهدنا الصراط المستقيم) * (1).
بالاسناد المقدم قال الثعلبي: قال مسلم بن حيان: سمعت أبا يزيد يقول:
صراط محمد وآله (2).
72 - في قوله سبحانه وتعالى: * (فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب
عليه) * (3).
من طريق الفقيه أبي الحسن علي بن المغازلي الشافعي الواسطي بالاسناد
المقدم قال أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب - إجازة - أخبرنا أبو أحمد عمر
بن عبيد الله بن شوذب حدثنا محمد بن عثمان، قال: حدثني محمد بن سليمان بن
الحارث، حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار، قال: حدثنا حسين الأشقر قال:
حدثنا عمر بن أبي المقدام، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله
عنه - قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه.
قال: سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي،
فتات عليه (4).

1 - سورة الحمد: 1 / 6.
2 - ينظر شواهد التنزيل 1 / 57 عن أبي بريدة.
3 - سورة البقرة: 2 / 37.
4 - مناقب ابن المغازلي / 63.
130

73 - وقال في قوله تعالى: * (إني جاعلك للناس إماما) * (1).
أخبرنا أبو أحمد بن موسى الغندجاني قال: أخبرنا أبو الفتح هلال بن
محمد الحفار، يقال: حدثنا إسماعيل بن علي بن رزين، قال: حدثني أبي
وإسحاق بن إبراهيم الدبري (2) قالا: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثني أبي عن
ميناء مولى عبد الرحمان بن عوف، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
أنا دعوة أبي إبراهيم، قلنا: يا رسول الله وكيف صرف دعوة أبيك إبراهيم؟ قال:
أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم: * (أني جاعلك للناس إماما) *.
فاستخف إبراهيم عليه السلام الفرح (3) قال: يا رب ومن ذريتي أئمة مثلي، فأوحى
الله تعالى إليه: أن يا إبراهيم إني لا أعطيك عهدا لا أفي لك به. قال يا رب ما العهد
الذي لا تف لي به؟ قال أعطيك للظالم من ذريتك عهدا. قال إبراهيم عندها:
* (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب أنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني
فإنه مني) * (4).
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فانتهت الدعوة إلي وإلي علي، لم يسجد أحد منا الصنم قط
فاتخذني نبيا واتخذ عليا وصيا (5).
74 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: * (سيجعل لهم الرحمن
ودا) * (6).

1 - سورة البقرة: 2 / 124.
2 - الدبر بالفتح ثم السكون: ذات الدبر: ثنية، ودبر أيضا جبل... مراصد الاطلاع.
3 - استخفه: اطربه.
4 - سورة إبراهيم: 14 / 35 - 36.
5 - مناقب ابن المغازلي / 276.
6 - سورة مريم: 19 / 96.
131

بالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا إبراهيم بن أحمد بن أبي
حصين، قال: حدثنا جدي أبو حصين، قال: حدثنا عون بن سلام، قال: حدثنا
بشر بن عمارة وحدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي
شيبة ومحمد بن عبد الله الحضرمي، قالا: حدثنا عون بن سلام، قال حدثنا بشر
بن عمارة الحنفي عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنه -
قال: نزلت في علي عليه السلام: * (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم
الرحمن ودا) *.
قال: محبة في قلوب المؤمنين (1).
75 - وبالاسناد قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي قال:
حدثنا محمد بن مسكان قال: حدثنا عبد السلام بن عبيد قال: حدثنا قطبة بن
العلاء عن الأعمش، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله
تعالى: * (سيجعل لهم الرحمن ودا) * قال: حب علي عليه السلام في قلب كل مؤمن (2).
76 - وبالاسناد المقدم أيضا قال أبو نعيم: حدثنا أبو محمد بن حيان قال:
حدثنا إسحاق بن أحمد الفارسي قال: حدثنا حفص بن عمر المهرقاني (3) قال:
حدثنا إسماعيل بن أبان، عن مندل بن علي عن إسماعيل عن سليمان عن أبي عمر
- مولى بشر بن أبي غالب - عن محمد بن علي بن الحنفية في قوله تعالى عز
وجل: * (سيجعل لهم الرحمن ودا) * قال: لا يبقى مؤمن إلا وفي قلبه ود
لعلي عليه السلام فصارت المحبة له من محبته علما لتحقيق إيمانهم وأمارة لتوكيد أديانهم،

1 - تفسير الكشاف 2 / 245، تفسير الدر المنثور 4 / 287 ذخائر العقبى / 89.
2 - ينظر شواهد التنزيل 1 / 64.
3 - مهرقان... من قرى الري - معجم البلدان.
132

فالسعيد من تمكنت مودة الهادي في قلبه وثبتت ولاية الداعي في عقله.
77 - ومن تفسير الثعلبي: في قوله تعالى: * (سيجعل لهم الرحمن ودا) *
بالاسناد المقدم قال الثعلبي: أخبرنا عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق، أخبرنا أبو
علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف ببغداد، حدثنا أبو جعفر الحسن بن علي
الفارسي، حدثنا إسحاق بن بشر الكوفي، حدثنا خالد بن يزيد، عن حمزة
[الزيات] عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لعلي بن أبي طالب صلى الله عليه: يا علي قل: اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل
لي في صدور المؤمنين مودة، فأنزل الله تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) * (1).
78 - في قوله سبحانه وتعالى: * (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن
الصراط لناكبون) * (2) من طريق أبي نعيم بالاسناد المقدم قال أبو نعيم: [حدثنا أبو
محمد بن حيان: عبد الله بن محمد بن جعفر قال:] حدثنا محمد بن علي بن خلف
العطار، قال: حدثنا حسين بن علوان، قال: حدثنا سعد بن طريف، عن الأصبغ
بن نباتة، عن علي بن أبي طالب في قوله تعالى: * (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة
عن الصراط لناكبون) * قال: عن ولايتنا (3).
قال يحيى بن الحسن: اعلم أن هذا الفصل قد جمع أشياء، كل واحدة تدل
على فضله وامامته:
منها أنه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

1 - يراجع شواهد التنزيل 1 / 360، تفسير الدر المنثور 4 / 287.
2 - سورة المؤمنون: 23 / 74.
3 - يراجع شواهد التنزيل / 402.
133

ومنها: انهم الصراط المستقيم.
ومنها: انهم الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه فتاب عليه تعالى بها.
ومنها: انه دعوة أبيه إبراهيم، وأن إبراهيم صلى الله عليه وآله سأل الإمامة
لبنيه الخلص.
ومنها أن الله تعالى جعل له مودة في صدور المؤمنين.
ومنها أنه صراط لا ينكب عنه إلا من لا يؤمن بالآخرة.
ويوضح ذلك أن القرآن العزيز هو المصدق لسائر الكتب من التوراة
والإنجيل والصحف والزبور وغيرها.
وهذه الكتب دالة على تصديق الرسل الذين أتت على أيديهم ولولا ما ورد
من تصديقهم وتصديق كتبهم في القرآن العزيز لما كان يلزمنا تصديق نبي
ولا تصديق كتاب.
فلما أمرنا الله تعالى بتصديقهم وتصديق كتبهم فعلنا ما أمرنا الله تعالى.
وإذا كانا لله تعالى قد جعلهم عليهم السلام دلالة على تصديق هذا الكتاب الذي هو
دليل على تصديق كل نبي وكل كتاب، فقد قاموا في هذه الرتبة مقام الأنبياء
جميعا ومقام كتبهم جميعا، ومقام معجزات نبينا جميعا صلى الله عليهم أجمعين
بدليل قوله تعالى: * (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم) * (1).
فلما رأى نصارى نجران المباهلة [بهم] أرهب في قلوبهم وأبلغ في الاعجاز
لهم من المباهلة بالكتاب العزيز أقروا وعجزوا عن المباهلة وأقروا بالخراج.

1 - سورة آل عمران: 3 / 61.
134

و [مما] يدل على أنهم أعظم آيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تصديق الكتاب العزيز في
حجاج أهل نجران أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما [كان] يلقى الجاحدين والأعداء إلا بأرهب
الآيات في قلوبهم وأبلغ [البينات] في الاعجاز لهم، ليتم دعوته وتعلوا كلمته،
فلو علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن باقي معجزاته تقوم مقامهم في الاعجاز لهم لاتى بها وترك
أهل البيت عليهم السلام.
ويزيده بيانا قوله تعالى: * (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) * (1) الآية
والداعي لا يدعو نفسه وإنما يدعو غيره، وجعله الله تعالى نفس نبيه صلى الله
عليهما وآلهما إعظاما لمحله ورفعة له على سائر خلق الله تعالى، لان نفس رسول صلى الله عليه وآله وسلم
أشرف الأنفس وأعظمها قدرا عند الله تعالى، فوجب له صلى الله عليه وآله وسلم من الشرف والاعظام
ما وجب لرسول الله كما وجب له من فرض الطاعة ما وجب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم
بدليل قوله تعالى: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (2) وقد تقدم اختصاصها به من عدة طرق.
وإذا كان نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونفسه أشرف الأنفس وله من وجوب
الطاعة ما وجب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم فما بعد ذلك دليل يستفاد، ولا علم
يستزاد، وفي هذا كفاية للمسترشد ونجدة للمستنجد.
وإذا كانوا الصراط المستقيم، والقديم تعالى قد أوجب على كافة أمة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم
من نسيب وصاحب أن يدعوا ربهم بالهداية إلى الصراط المستقيم ما بين الليل
والنهار في خمس صلوات، ولم يرفع هذا الوجوب عن أحد ممن قال بالاسلام
فأي وجوب ألزم من هذا السؤال.

1 - سورة آل عمران: 3 / 60.
2 - سورة المائدة: 5 / 67.
135

وإذا كان وجوب أتباعهم الزم كان الاقتداء بهم أسلم.
وإذا كانوا صلى الله عليهم وسلم هم الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب
عليه وذلك بعد أن أطلع الله تعالى آدم عليه السلام على أحوال من يخلق من ذريته وعلى
منازلهم عنده فلو علم آدم عليه السلام ان سؤاله بغيرهم يقوم مقام سؤاله بهم في قبول
توبته وإجابة دعاءه لما عدل عنهم، فلما رأينا الاقتصار من القديم تعالى عليهم
والاقتصار من أبيهم آدم عليه السلام [بهم]، علمنا أن سببهم أوثق سبب ورتبتهم أعلى
الرتب.
يؤيد ما قلناه ويزيده بيانا: انه الصراط المستقيم وان الناكب عنه لا يؤمن
بالآخرة ومن لم يؤمن بالآخرة لم تثبت عنده صحة النبوة لعدم تصديقه بما جاء به
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي هذا بيان لمن تأمله.
ويؤيده إيضاحا وبيانا: أنه دعوة أبيه إبراهيم عليهما السلام إذ قال
الله تعالى: * (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي
الظالمين) * (1).
وأراد ب‍ " عهده " الإمامة التي عهد إليه أن يجعلها له.
والظلم هاهنا: هي عبادة الأصنام بدليل قوله سبحانه وتعالى: * (وإذ قال
لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) * (2) وكذلك قد
ذكره البخاري في صحيحه (3) وذكره رزين العبدري في الجمع بين الصحاح الستة
وذكره الواحدي في تفسيره وقد ذكرناه في كتابنا كتاب العمدة المقدم ذكره، فمن

1 - سورة البقرة: 2 / 124.
2 - سورة لقمان: 31 / 13.
3 - يراجع صحيح البخاري 9 / 18 و 6 / 114.
136

أراده بذكر طرقه وقف عليه من هناك.
[و] يدل على صحة هذا التأويل قول إبراهيم عليه السلام عند ذلك * (واجنبني
وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني
ومن عصاني فإنك غفور رحيم) * (1) وفي بنيه ممن عبد الأصنام عدد لا يحصيه إلا
الله تعالى فنفى أن يكونوا من بنيه وان كانوا من بنيه وذلك اقتداء بأبيه نوح عليه السلام
حيث قال: * (رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق) * (2) فقال الله تعالى مجيبا
له: * (يا نوح إنه ليس من أهلك) * (3).
ثم أبان له تعالى من أي طريق خرج من أن يكون من أهله فقال تعالى: * (إنه
عمل غير صالح) * ويقرأ: * (إنه عمل غير صالح) * فلذلك خرج عن أن يكون من
أهلك، لا بطعن في نسبه.
وكذلك من عبد الأصنام من ولد إبراهيم عليه السلام لم ينف عنهم النسب وانما
نفى عنهم استحقاق الإمامة على مقتضى نفي الوحي العزيز للإمامة عمن عبد
الأصنام بدليل قوله تعالى: * (لا ينال عهدي الظالمين) * (4).
فعلي صلوات الله عليه يستحق الإمامة على طريق استحقاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم
للنبوة، لأنهما لم يسجدا قط لصنم، فثبت أنهما دعوة أبيهما إبراهيم صلى الله
عليهم أجمعين.
وإذا كان الوحي العزيز ينطق بأن الله تعالى قد جعل له عليه السلام مودة في صدور
المؤمنين، فقد اتضح لنا طريق معرفة المؤمن منا وغيره بدليل صادق لا يحتمل

1 - سورة إبراهيم: 14 / 36.
2 و 3 - سورة هود: 11 / 45 - 46.
4 - سورة البقرة: 2 / 124.
137

التوسع التجوز، وهو الوحي الصادق، فمن رأينا لعلي عليه السلام مودة في قلبه علمنا
إيمانه، ومن لم يكن كذلك علمنا نفاقه، وهذا ما لا يمكن لاحد دفعه بالعناد، لان
دفع ذلك يكون دفعا لكتاب الله تعالى " إن في هذا لبلاغا لقوم يعقلون " (1).
أنت الصراط المستقيم * بوحي ذي العرش العلي
وكذاك في يوم البهال * بوحيه نفس النبي
فلك الولاء بمحكم * التنزيل مع قول النبي
138

الفصل الثامن
في قوله سبحانه وتعالى: * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) * (1).
وفي قوله تعالى: * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) * (2).
وفي قوله تعالى: * (وقفوهم إنهم مسؤولون) * (3).
وفي قوله تعالى: * (ولتعرفنهم في لحن القول) * (4).
79 - من طريق الحافظ أبي نعيم [في قوله تعالى] * (إنما أنت منذر ولكل
قوم هاد) * الآية.
بالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا الحسين
بن إسحاق، قال: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، قال: حدثنا حسن بن حسين
العرني، قال: حدثنا معاذ بن مسلم بياع الهروي، عن عطاء بن السائب، عن سعيد
بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما نزلت * (إنما أنت منذر ولكل
قوم هاد) * اومأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده إلى منكب علي فقال: أنت الهادي، يا علي بك

1 - اقتباس من آية (106) من سورة الأنبياء.
1 - سورة الرعد: 13 / 7.
2 - سورة هود: 11 / 17.
3 - سورة الصافات: 37 / 24.
4 - سورة محمد: 47 / 30.
139

يهتدي المهتدون من بعدي (1).
80 - وبالاسناد المقدم قال: حدثنا محمد بن عمر بن سلام، قال: حدثني
محمد بن أحمد بن ثابت القيسي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن أبي عمار،
قال: حدثنا [حسن بن] حسين، عن معاذ بن مسلم، عن أبيه، عن عطاء بن
السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى:
* (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) * [قال:] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا المنذر والهادي
علي، يا علي بك يهتدي المهتدون (2).
81 - ومن الجزء الأول: من أجزاء اثنين من كتاب الفردوس في باب
" الألف " تأليف أبي شجاع شيرويه بن شهر دار بن شيرويه الديلمي بالاسناد المقدم
قال عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا المنذر وعلي
الهادي، وبك يا علي يهتدي المهتدون (3).
82 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: * (أفمن كان على بينة من
ربه ويتلوه شاهد منه) * (4).
قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد [الطبراني] قال: حدثنا
إبراهيم بن نائلة، قال: حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، قال: حدثنا أبو مريم
عبد الغفار بن القاسم قال: حدثني المنهال بن عمرو، قال حدثنا عباد بن عبد الله

1 - معرفة الصحابة 1 / 306، ينظر تفسير الدر المنثور 4 / 45 المستدرك 3 / 129، مسند أحمد
1 / 126 ينظر شواهد التنزيل 1 / 296.
2 - مستدرك الصحيحين 3 / 129 - تفسير الطبري 13 / 72، نور الابصار / 70، كفاية
الطالب / 233.
3 - فردوس الاخبار 1 / 75 ح / 103 وفيه: انا النذير.
4 - سورة هود: 11 / 17.
140

الأسدي، قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول: ما أحد من قريش
إلا وقد نزلت فيه آية أو آيتان.
فقال له رجل: وما نزل فيك يا أمير المؤمنين؟ قال: فغضب ثم قال: أما
والله (1) لو لم تسألني على رؤوس القوم ما حدثتك.
ثم قال: هل تقرأ سورة " هود " و " يونس "؟ ثم قرأ: * (أفمن كان على بينة
من ربه ويتلوه شاهد منه) * رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بينة من ربه، وأنا الشاهد (2).
3 - وبالاسناد أيضا قال: ورواه عيسى بن موسى غنجار، عن أبي مريم مثله.
84 - قال: ورواه المصباح بن يحيى وعبد الله بن عبد القدوس، عن
الأعمش عن المنهال بن عمرو (3).
85 - ومن طريق الفقيه ابن المغازلي الشافعي الواسطي بالاسناد المقدم
قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان - إذنا -: أن ابا أحمد عمر بن عبد الله بن
شوذب أخبره، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد العسكري، قال: حدثني
محمد بن عثمان، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، قال: حدثنا علي بن
عابس، قال: دخلت أنا وأبو مريم على عبد الله بن عطاء، قال أبو مريم: حدث عليا
بالحديث الذي حدثتني عن أبي جعفر.
قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام جالسا إذ مر عليه ابن عبد الله بن سلام،
قلت: جعلني الله فداك هذا بن الذي عنده علم الكتاب؟ قال: لا ولكنه صاحبكم

1 - في معرفة الصحابة 1 / 307: أم والله.
2 - ينظر معرفة الصحابة 1 / 307 مناقب ابن المغازلي / 270 مع اختلاف يسير، شواهد
التنزيل / 276 - تفسير الدر المنثور 3 / 324.
3 - شواهد التنزيل 1 / 275.
141

علي بن أبي طالب عليه السلام الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله تعالى * (ومن عنده علم
الكتاب) * (1) * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) * (2) * (إنما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا) * (3) الآية (4).
في قوله تعالى: * (وقفوهم إنهم مسؤولون) * (5).
86 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا محمد
بن المظفر، قال: حدثنا أبو الطيب محمد بن القاسم البزاز، قال: حدثني الحسين
بن الحكم، قال: حدثنا الحسين بن نصر بن مزاحم، قال: حدثنا القاسم بن عبد
الغفار، عن أبي الأحوص، عن مغيرة، عن الشعبي، عن ابن عباس في قوله عز
وجل: * (وقفوهم إنهم مسؤولون) * قال: عن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام (6).
87 - وبالاسناد المقدم أيضا قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد
قال: حدثنا الحسين بن أبي صالح، قال: حدثنا أحمد بن هارون البردعي، قال:
حدثنا الحسين بن الحكم مثله (7).

1 - سورة الرعد: 13 / 43.
2 - سورة هود: 11 / 17.
3 - سورة المائدة: 5 / 55.
4 - مناقب ابن المغازلي / 313، ينظر تفسير القرطبي 9 / 6 33.
5 - سورة الصافات: 37 / 24.
6 و 7 - شواهد التنزيل 2 / 108، يراجع الصواعق المحرقة فصل الآيات، الآية الرابعة، وفيه:
وكأن هذا هو مراد الواحدي بقوله روي في قوله * (وقفوهم إنهم مسؤلون) * أي علي وأهل
البيت، لان الله أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعرف الخلق أنه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجرا إلا المودة في
القربى.
والمعنى أنهم يسئلون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم أضاعوها وأهملوها
فتكون عليهم المطالبة والتبعة.
142

88 - ومن كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي في الجزء الثاني في قافية
الواو بالاسناد المقدم قال: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
* (وقفوهم إنهم مسؤولون) * عن ولاية علي بن أبي طالب صلى الله عليه (1).
في قوله تعالى: * (ولتعرفنهم في لحن القول) * (2).
89 - من طريق الحافظ أبي نعيم: بالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا
الحسين بن علان قال: حدثنا هيثم بن خلف، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد
بن سليم مولى بني هاشم قال: حدثنا الحسين بن الأشقر قال: حدثني علي بن
القاسم الكندي عن أبي الحسن المدائني عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري
في قوله عز وجل * (ولتعرفنهم في لحن القول) * قال: ببغضهم عليا عليه السلام (3).
قال يحيى بن الحسن: واعلم أن هذا الفصل قد جمع أشئ من الوحي
العزيز كل واحد منها يوجب لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله
عليه وسلامه ولاء الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
منها قوله سبحانه وتعالى: * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) * (4) فأثبت تعالى
للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الانذار بلفظة " إنما " وهي للتحقيق والاثبات بلا خلاف.
ثم عطف عليه تعالى بغير فاصلة فقال: * (ولكل قوم هاد) * فأثبت لعلي عليه السلام
الإمامة بطريق ثبوت النبوة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لان العطف يوجب للمعطوف حكم ما عطف

1 - ينظر شواهد التنزيل 2 / 106.
2 - سورة محمد: 47 / 30.
3 - ينظر تفسير الدر المنثور 6 / 66 - شواهد التنزيل 2 / 178.
4 - سورة الرعد: 13 / 7.
143

يزيده بيانا قوله تعالى: * (ولكل قوم هاد) * وهذا عام في كافة الناس، فثبت
له الانذار بالوحي العزيز ولذريته أيضا إلى آخر انقطاع التكليف بدليل قوله تعالى:
* (ولكل قوم هاد) *.
ومنها قوله تعالى: * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) * (1)
فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بينة من ربه، وعلي عليه السلام الشاهد.
فلو كان لفظ " الشاهد " في الذكر العزيز مطلقا على سبيل العموم لشرك
عليا عليه السلام غيره في كونه شاهدا، فلما أراد تعالى إفراد أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة،
خصص ذلك العموم بقوله تعالى: * (شاهد منه) * فهذا التخصيص أوجب له
الإمامة.
وأبان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان هذه الآية إنما أتت لتخصيصه بالإمامة بما قد نطق [به]
الخبر الصحيح.
فمن ذلك ما ذكره البخاري في الجزء الرابع من صحيحه من أجزاء الثمانية
قريبا من آخره في باب مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالاسناد المقدم
قال البخاري وقال عمر: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنه راض (2) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
أنت مني وأنا منك (3).
وقد ذكر أيضا ذلك أحمد بن حنبل في مسنده من رواية ابن آدم قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي (4).

1 - سورة هود: 11 / 17.
2 و 3 - يراجع صحيح البخاري 5 / 18 باب مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام.
4 - ينظر فضائل لصحابة 2 / 594، مسند أحمد 4 / 165، صحيح الترمذي 5 / 636، مناقب
ابن المغازلي / 221، مناقب الخوارزمي / 134.
144

وذكره رزين بن معاوية العبدري في الجمع بين الصحاح الستة من سنن أبي
داود السجستاني ومن صحيح الترمذي قال عن أبي جنادة: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال: علي مني وانا من علي، ولا يؤدي عني الا انا (1) أو علي.
90 - ومن كتاب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام تصنيف
النسائي قال: أخبرنا واصل بن عبد الأعلى الكوفي، عن ابن فضيل، عن
الأجلح، عن عبد الله بن بريده، عن أبيه قال، بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن مع
خالد بن الوليد، وبعث عليا على جيش آخر وقال: ان التقيتما فعلي على الناس
وإن تفرقتما، فكل واحد منكما على جنده، فلقينا بني زبيد من أهل اليمن فظهر
المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى على جارية
لنفسه من السبي، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمرني أن أنال منه،
قال: فدفعت الكتاب إليه ونلت من علي، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت:
هذا مكان العائذ بك، بعثتني مع رجل وأمرتني بطاعته فبلغت ما أرسلت به، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي: لا تقع يا بريدة في علي فإن عليا مني وأنا منه وهو وليكم بعدي (2).
ومما يؤيد ذلك ويزيده بيانا وان الذي أردناه هو الوجه المقصود قوله سبحانه
وتعالى: * (وقفوهم إنهم مسؤولون) * (3) ومن يوقف الأمة يوم القيامة وتسئل عن
ولايته وجب له استحقاق ولائهم من حيث إنه لا يسئل العبد بعد موته إلا عن
معرفة ربه ونبيه وإمامه الذي جعله الله تعالى وليا للأمة.
يدل على صحة ما قلناه قوله تعالى: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين

1 - صحيح الترمذي 5 / 632، يراجع مسند أحمد 4 / 165.
2 - ينظر مسند أحمد 5 / 356.
3 - سورة الصافات: 37 / 24.
145

آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (1) وقد تقدم ذكر
اختصاصها به صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنها قوله تعالى: * (ولتعرفنهم في لحن القول) * وأراد تعالى من [قوله]:
* (في لحن القول) * بغضهم عليا عليه السلام.
فلذلك قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ما يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " (2)،
لان الله تعالى قال: * (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في
لحن القول) * (3) وذلك وقع منه جل وعلا خطابا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في تعيين المنافقين، ومن
كان بغضه علامة للنفاق وحبه علامة للايمان، كانت حاجة الأمة إليه أدعى،
وعنايتها بولايته أرعى، وشاهد الحال أبين من شاهد الاستدلال * (إن في ذلك
لآيات للمتوسمين) * (4).
يا من أذاع الدين بعد كمونه * ومن النبي به غدا مستنصرا
يا من بقائم سيفه قام الهدى * وغدا الولي بنوره مستبصرا

1 - سورة المائدة: 5 / 55.
2 - ينظر فضائل الصحابة 2 / 619 ح / 1059، مسند أحمد 6 / 292 وهذا صحيح ثابت عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخرج في الصحاح والسنن والمسانيد بطرق كثيرة بألفاظ مختلفة منها ما في المتن.
وروي بألفاظ اخر أشهرها قوله عليه السلام: " لقد عهد إلي النبي الأمي انه لا يحبني الا مؤمن ولا
يبغضني الا منافق " ينظر تاريخ بغداد 4 / 41، مستدرك الصحيحين 3 / 127 - فضائل الصحابة
2 / 642 - مناقب ابن المغازلي / 103 و 382.
3 - سورة محمد: 47 / 30.
4 - سورة الحجر: 15 / 75.
146

الفصل التاسع
في قوله سبحانه تعالى: * (والسابقون السابقون) * (1).
وفي قوله تعالى: * (والسابقون الأولون) * (2).
وفي قوله [تعالى]: * (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) * (3).
وفي قوله تعالى: * (كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة) * (4).
91 - من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا مسلم
بن أحمد بن مسلم الدهان، قال: حدثنا [إبراهيم بن الحكم بن] ظهير، قال:
حدثني أبي عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله
تعالى: * (والسابقون السابقون) * إلى آخر القصة قال: سابق هذه الأمة علي بن
أبي طالب عليه السلام (5).
92 - ومن تفسير الثعلبي في قوله تعالى: * (والسابقون الأولون) * في
سورة " براءة " بالاسناد المقدم قال: اختلف أهل العلم في أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله

1 - سورة الواقعة: 56 / 10.
2 - سورة التوبة: 9 / 100.
3 - سورة التوبة: 9 / 19.
4 - سورة النور: 24 / 35.
5 - ينظر مناقب الخوارزمي / 55 ونظيره في تاريخ بغداد 14 / 155.
147

بعد امرأته خديجة بنت خويلد مع اتفاقهم على أنها أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
وصدقه.
فقال بعضهم: أول ذكر آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصدقه علي بن أبي طالب وهو قول
ابن عباس - رضي الله عنه - وجابر وزيد بن أرقم ومحمد بن المنكدر وربيعة الرأي
وأبي جبار والمزني (1).
93 - [ثم] قال [الثعلبي] وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح،
عن مجاهد قال: كان من نعم الله على علي بن أبي طالب عليه السلام وما صنع الله له
وأراده من الخير: أن قريشا أصابتهم أزمة (2) شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس عمه - وكان من أيسر بني هاشم -: يا عباس أخوك أبو
طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة: قال: فانطلق بنا
فلنخفف عليه من عياله، آخذ من بيته رجلا وتأخذ من بيته رجلا، فنكفهما عنه
فقال العباس رضي الله عنه: نعم، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا: إنا نريد أن
نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب:
إن تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا فضمه إليه، وأخذ
العباس جعفرا فضمه إليه، فلم يزل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بعثه نبيا، فأتبعه
علي عليه السلام فآمن به وصدقه ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه (3).
94 - ومن مناقب الفقيه أبي الحسن علي بن المغازلي الشافعي الواسطي في
قوله تعالى: * (والسابقون السابقون) * بالاسناد المقدم قال: أخبرنا أحمد بن محمد

1 - ينظر فضائل الصحابة 2 / 589، 590، 591 و ج 2 / 682 و....
2 - الأزمة: القحط.
3 - تفسير الثعلبي المخطوط / 210.
148

بن عبد الوهاب - إجازة - أخبرنا عمر بن عبد الله بن شوذب، قال: حدثنا محمد
بن أحمد بن منصور، قال: حدثنا أحمد بن الحسين، قال: حدثنا زكريا، قال:
حدثنا أبو صالح عن الضحاك، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي نجيح، عن
مجاهد، عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: * (والسابقون
السابقون) * قال: سبق يوشع بن نون إلى موسى، وسبق صاحب يس إلى عيسى (1)
وسبق علي إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم (2).
95 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: * (أجعلتم سقاية الحاج
وعمارة المسجد الحرام) * الآية.
قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا عبد الرحمن بن
مسلم الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان، قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي
زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر [الشعبي] قال نزلت: * (أجعلتم سقاية
الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل
الله) * في علي عليه السلام والعباس - رضي الله عنه - وطلحة بن شيبة (3).
96 - قال أبو نعيم الحافظ: حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا بكر بن
سهل قال: حدثان عبد الغني بن سعيد قال: حدثنا موسى بن عبد الرحمان عن ابن
جريج عن عطاء عن ابن عباس.

1 - سمي هذا الرجل " صاحب يس " لان قصته مذكورة في هذه السورة، قال تعالى: " واضرب
لهم مثلا أصحاب القرية... - سورة يس / 13 - واسمه كما في التفاسير " شمعون الصفا " فكان
رأس الحواريين وكان صاحب الكرامات.
2 - مناقب ابن المغازلي / 320.
3 - ينظر أسباب النزول / 241 - شواهد التنزيل 1 / 244.
149

وعن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى:
* (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر
وجاهد في سبيل الله) * نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام والعباس - رضي الله عنه
- وطلحة ابن أبي شيبة.
97 - ومن تفسير الثعلبي بالاسناد المقدم: قال الثعلبي: قال الحسن
والشعبي ومحمد بن كعب القرضي: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام
وعباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - وطلحة بن أبي شيبة، وذلك انهم
افتخروا.
فقال طلحة: أنا صاحب البيت وبيدي مفتاحه، ولو أشاء بت في المسجد.
وقال العباس رضي الله عنه: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، ولو أشاء
بت في المسجد.
وقال علي عليه السلام: ما أدري ما تقولان، لقد صليت ستة أشهر قبل الناس. وأنا
صاحب الجهاد، فأنزل الله تعالى هذه الآية: * (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة
المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون
عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين) * (1).
98 - ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين بن معاوية العبدري في الجزء
الثاني من أجزاء ثلاثة، من صحيح النسائي بالاسناد المقدم قال: حدثنا محمد بن
كعب القرضي قال: افتخر طلحة بن شيبة - من بني عبد الدار - وعباس بن عبد
المطلب - رضي الله عنه - وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال طلحة بن شيبة: معي

1 - رواه الحاكم الحسكا في شواهد التنزيل 1 / 244 - 251، ونظيره في تفسير الطبري 10 / 96.
150

مفتاح البيت ولو أشاء بت فيه.
وقال عباس - رضي الله عنه -: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، ولو
أشاء بت في المسجد.
وقال علي عليه السلام: ما أدري ما تقولان لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل
الناس، وأنا صاحب الجهاد، فأنزل الله تعالى * (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة
المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون
عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين) * (1).
في قوله سبحانه وتعالى: * (كمشكاة فيها مصباح) * (2).
99 - من مناقب الفقيه أبي الحسن علي بن المغازلي الشافعي الواسطي
بالاسناد المقدم قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب - إجازة - أن أبا أحمد
عمر بن عبد الله بن شوذب أخبره (3) قال: حدثنا محمد بن الحسن بن زياد، حدثنا
أحمد بن الخليل ببلخ، حدثني محمد بن أبي محمود، قال: حدثنا يحيى بن أبي
معروف قال: حدثنا محمد بن سهل البغدادي، عن موسى بن القاسم، عن
علي بن جعفر قال: سألت [ابا] (4) الحسن عن قول الله عز وجل: * (كمشكاة فيها
مصباح) * قال: " المشكاة " فاطمة عليها السلام و " المصباح " الحسن والحسين،
* (والزجاجة كأنها كوكب دري) * قال: كانت فاطمة صلى الله عليها كوكبا
دريا بين نساء العالمين * (توقد من شجرة مباركة) * " الشجرة المباركة ": إبراهيم

1 - ينظر تفسير الدر المنثور 3 / 218، أسباب النزول / 241.
2 - سورة النور: 24 / 35.
3 - في كتاب " العمدة ": اخبرهم.
4 - ما بين المعقوفتين من كتاب العمدة.
151

* (لا شرقية ولا غربية) * لا يهودية ولا نصرانية * (يكاد زيتها يضئ) * قال: يكاد
العلم أن ينطق منها * (ولو لم تمسه نار نور على نور) * قال: فيها إمام بعد إمام
* (يهدي الله لنوره من يشاء) * قال: يهدي الله عز وجل لولايتنا من يشاء (1).
قال يحيى بن الحسن: واعلم أن هذا الفصل قد جمع أشياء من الوحي
العزيز، كل شئ منها يوجب لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عدم المثل
والنظير.
منها: قوله سبحانه وتعالى: * (والسابقون السابقون) * * * (والسابقون
الأولون) * (2).
وإذا كان سابق هذه الأمة إلى الايمان بالله هو برسوله صلى الله عليه وآله وسلم عدم نظيره وإذا عدم
نظيره في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وجب الاقتداء به والاتباع له.
وفي لفظ الذكر العزيز من الإشارة والتنبيه ما يدل على وجوب الاقتداء به
دون غيره بدليل قوله سبحانه وتعالى: * (والسابقون السابقون أولئك
المقربون) *.
وفي هذا من الحث على اتباعه ما لا يخفى على ذي بصيرة من أن اتباع
المقرب عند الله تعالى وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الزم. ومنها قوله: * (أجعلتم سقاية الحاج) * (3) الآية، وإذا كان الوحي العزيز
قد نطق بتفضيله على عمه العباس - رضي الله عنه - والعباس له من القرب

1 - مناقب ابن المغازلي / 316.
2 - سورة الواقعة: 56 / 10.
3 - سورة التوبة: 9 / 19.
152

برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يخفى بيانه، وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم [فيه] من الأقوال ما لا يخفى مقامه
ولو ذكر معه في قرينة الافتخار من ذكر فضل العباس عليه لقربه اللصيق ونسبه
العريق (1) ولم يفضل مولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه على العباس رضي الله عنه
بنفس الايمان والجهاد فحسب، وإن كان في الايمان أسبق وفي الجهاد أعظم.
وإنما فضل بإضافة الايمان والجهاد إلى قوله تعالى: في حقه صلى الله عليه
وسلم: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون) * (2) وكونها خاصة بمولانا أمير المؤمنين علي صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقدم
ذكر ذلك.
وبإضافة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " من كنت مولاه فعلي مولاه " (3) إلى ذلك.
ولقول عمر بن الخطاب عند ذلك: بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي
ومولى كل مؤمن ومؤمنة (4).
فكل من كان مؤمنا فإن عليا مولاه، فلذلك فضل عليه السلام ومن يقدر على مثل
هذه المراتب السنية والمفاخر العلية غيره؟ وفي هذا كفاية لمتأمل أراد النجاة.
يا من به للمدح مفتخر * ومن به للولي معتصم
يا من علا حيث لا نظير له * وفوق هام العلى له قدم (5)
يا من به الوحي ينتشي جذلا * إذا تلي مدحه ويبتسم (6)

1 - العرق: أهل أشرف وأهل السلامة في الدين - لسان العرب.
2 - سورة المائدة: 5 / 55.
3 - مسند أحمد 1 / 152، فضائل الصحابة 2 / 597 و 682.
4 - ينظر مناقب ابن المغازلي / 18 - 19.
5 - الهام أو الهامة: الرأس.
6 - الجذلان: الفرحان.
153

الفصل العاشر
في قوله سبحانه وتعالى: * (ويهديكم صراطا مستقيما) * (1).
وفي قوله تعالى: * (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه) * (2).
وفي قوله تعالى: * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الج الأكبر) * (3).
وفي قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين
يدي نجويكم صدقة) * (4).
وفي قوله تعالى: * (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) * (5).
وفي قوله تعالى: * (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا) * (6).
100 - من تفسير الثعلبي بالاسناد المقدم في قوله تعالى: * (ويهديكم صراطا
مستقيما) * قال: وذلك في فتح خيبر، قال: حاصر رسول الله صلى الله عليه وله وسلم أهل خيبر،
فأصابتنا مخمصة شديدة، وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعطى اللواء عمر بن الخطاب
ونهض من نهض معه من الناس، فقلوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه

1 - سورة الفتح: 48 / 20.
2 - سورة آل عمران: 3 / 143.
3 - سورة التوبة: 9 / 3.
4 - سورة المجادلة: 58 / 12.
5 - سورة التكاثر: 102 / 8.
6 - سورة الأنعام: 6 / 65.
155

ورجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجبنه أصحابه ويجبنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد
أخذته الشقيقة (1) فلم يخرج إلى الناس، فأخذ أبو بكر راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهض
يقاتل ثم رجع، فأخذها عمر فقاتل ثم رجع، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقال: أما والله لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله
ورسوله يأخذها عنوة وليس ثم علي.
فلما كان الغد تطاول لها أبو بكر وعمر ورجال من قريش، رجا كل واحد أن
يكون صاحب ذلك.
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله ابن الأكوع إلى علي عليه السلام، فدعاه فجاء على بعير له،
أناخ (2) قريبا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو أرمد، قد عصب بشقة برد قطري (3) عينه.
قال سلمة: فجئت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
مالك؟ [قال:] قد رمدت، فقال: أدن مني، فدنا منه فتفل في عينيه فما شكى
وجعهما بعد حتى مضى لسبيله، ثم أعطاه الراية وعليه حلة ارجوان حمراء (4) قد
أخرج كميها فأتى مدينة خيبر فخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر مصفر (5)
وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب (6)

1 - الشقيقة: نوع من صداع يعرض في مقدم الرأس والى أحد جانبيه - النهاية 2 / 493.
2 - أناخ الجمل: أبركه. برك البعير: ناخ في موضع فلزمه - مجمع البحرين.
3 - البرود القطرية: حمر لها اعلام فيها بعض الخشونة - لسان العرب وعصب فلانا بالسيف
مثل عممه به.
4 - ارجوان معرب ارغوان: شديد الحمرة.
5 - اي صبغ بالعصفر، والعصفر: نبات بأرض العرب، منه ريفي ومنه بري.
6 - الشاكي في الأصل: الأسد، وفلان شاكي السلاح اي ذو شوكة وحدة في سلاحه.
156

أطعن أحيانا وحينا أصرب * إذا الحروف أقبلت ترهب (1)
كان حماي كالحمير لا يقرب (2)
فبرز إليه علي صلوات الله عليه فقال:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة * كليث غابات شديد القسورة
أكيلكم بالسيف كيل السندرة (3)
فاختلفا ضربتين، فبدره علي بضربة فقد الحجر والمغفر، وفلق رأسه حتى
أخذ السيف في الأضراس وأخذ المدينة وكان الفتح على يديه (4).
101 - ومن تفسير الثعلبي في قوله تعالى: * (ولقد كنتم تمنون الموت
من قبل أن تلقوه) * (5) بالاسناد المقدم قال الثعلبي: نزلت في يوم أحد، قال: فقتل
علي بن أبي طالب عليه السلام طلحة وهو يحمل لواء قريش، وأنزل الله تعالى
نصره على المؤمنين.
فقال الزبير بن العوام: فرأيت هندا وصواحبها هاربات مصعدات في
الجبل، باديات خدادهن (6) فكانوا يتمنون الموت من قبل أن يلقوا علي بن أبي
طالب عليه السلام (1).

1 - في كتاب " العمدة ": تلهب.
2 - في كتاب " العمدة ": كالحما لا يقرب.
3 - في أصل المطبوع: أكيلهم، والسندرة: مكيال واسع، اي أقتلكم قتلا واسعا ذريعا.
4 - ينظر غاية المرام / 300 نقلا عن تفسير الثعلبي.
5 - سورة آل عمران: 3 / 143.
6 - وفي أصل المطبوع خدارهن، والخداد ميسم في الحد.
7 - رواه الواقدي في المغازي 1 / 229 مع اختلاف يسير.
157

في قوله تعالى: * (وأذان من الله ورسوله يوم الحج الأكبر) * (1).
102 - من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا
محمد بن المظفر - إملاء - قال: حدثنا جعفر بن الصقر، قال: حدثنا حميد
ابن داود بن إسحاق بن إبراهيم الرملي، قلا: حدثنا عبد الله بن عثمان بن عطاء،
قال: حدثني الوليد بن محمد، عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: أرسل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر ببراءة يقرؤها على أهل مكة، فنزل جبرئيل عليه السلام على
محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد لا يبلغ عن الله إلا أنت أو رجل منك، فلحقه علي عليه السلام
فأخذها منه (2).
103 - ومن الجزء الثاني من أجزاء اثنين من المغازي لابن إسحاق في وسط
الجزء بالاسناد المقدم قال: حدثنا يونس، عن ابن إسحاق قال: خرج علي بن أبي
طالب عليه السلام على ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر بالطريق، فلما رآه
أبو بكر سلم " براءة " إليه، فقام علي بن أبي طالب عليه السلام يوم النحر عند الجمرة،
فأذن في الناس بالذي أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا أيها الناس انه لا يدخل الجنة كافر
ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو له إلى مدته، وأجل الناس أربعة أشهر (3).

1 - سورة التوبة: 9 / 3.
2 - ينظر شواهد التنزيل 1 / 231 وما بعده.
3 - كتاب المغازي لابن إسحاق لم يعثر عليه كاملا والكتاب الموجود فعلا والموسوم ب‍ " السيرة
والمغازي " لابن اسحق هو جزء من الكتاب وليس كله....
ولم نعثر على هذا الحديث في الكتاب المطبوع. والحديث رواه ابن هشام في سيرته 4 / 188
نقلا عن ابن إسحاق وروى نظيره الزمخشري في تفسير الكشاف 2 / 26، ونظيره أيضا في
شواهد التنزيل 1 / 238.
158

104 - [و] من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل في أخذ براءة بالاسناد
المقدم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا محمد بن سليمان لوين
قال: حدثنا محمد بن جابر، عن سماك، عن حنش، عن علي بن أبي طالب عليه السلام
قال: لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا النبي صلى الله عليه اله وسلم أبا بكر فبعثه بها
ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أدرك أبا بكر، فحيثما لحقته فخذ
الكتاب منه فاذهب به إلى أهل مكة وأقرأها عليهم [قال:] فلحقته بالجحفة
فأخذت الكتاب منه، فرجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله نزل في
شئ؟ فقال: لا ولكن جبرئيل جائني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل
منك (1).
105 - ومن الجزء الخامس من صحيح البخاري من أجزاء ثماني في باب
قوله سبحانه وتعالى: * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر إن الله
برئ من المشركين ورسوله) * (2) في نصف الجزء سواء.
بالاسناد المقدم قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثنا الليث، قال:
حدثنا عقيل، قال: [قال]: ابن شهاب: فأخبرني حميد بن عبد الرحمان: أن أبا
هريرة قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في المؤذنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون
بمنى: ألا تحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان (3).
قال حميد: ثم أردف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلي عليه السلام وأمره أن يؤذن ببراءة.
قال أبو هريرة: فأذن علي في أهل منى يوم النحر ببراءة: أن لا يحج بعد العام

(1) مسند أحمد 1 / 151.
2 - سورة التوبة: 9 / 3.
3 - صحيح البخاري 6 / 64.
159

مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان (1).
106 - ومن تفسير الثعلبي في تفسير سورة براءة [في تفسير] قوله تعالى:
* (براءة من الله ورسوله) * (2).
بالاسناد المقدم قال: حدثنا محمد بن إسحاق ومجاهد وغيرهما: [أنها]
نزلت في أهل مكة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاهد قريشا يوم الحديبية على أن
يضعوا الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، فدخلت
خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وكان مع ذلك
عهود بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين قبائل من العرب خصائص.
فغدت بنو بكر على خزاعة فقتلت منها ورفدتهم قريش بالسلاح، فلما
تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة ونقضا عهدهم خرج عمر بن سالم الخزاعي
حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
يا رب إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا (3)
كنت لنا ربا وكنا ولدا * ثمة أسلمنا ولم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرا أيدا * وادع عباد الله يأتوا مددا (4)

1 - صحيح البخاري 6 / 64.
2 - سورة التوبة: 9 / 1.
3 - التلاد: الصاحب القديم.
4 - أيدا: قويا، وفي كتاب " العمدة ": اعتدا - والعتيد: الحاضر المهيا - مجمع البحرين.
160

فيهم رسول الله قد تجردا * ابيض مثل السيف ينمى صعدا (1)
إن سيم خسفا وجهه تربدا * في فيلق كالبحر يجري مزبدا (2)
إن قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وزعموا أن لست تدعو أحدا * وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالحطيم هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا (3)
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا نصرت ان لم أنصركم، وخرج وتجهز إلى مكة
[وفتح مكة] (4) وهي سنة ثمان من الهجرة.
ثم لما خرج إلى غزوة تبوك وتخلف من تخلف من المنافقين وأرجفوا
الأراجيف، جعل المشركون ينقضون عهودهم، فأمره الله تعالى بإلغاء عهودهم
إليهم ليأذنوا بالحرب وذلك قوله عز وجل: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ
إليهم على سواء) * (5).

1 - تجرد: تهيأ للحرب.
2 - تربد: تغير إلى السواد - الفيلق: العسكر الكثير.
3 - في سيرة ابن هشام: بيتونا بالوتير هجدا، وفي هامشه: الوتير: اسم ماء بأسفل مكة
لخزاعة.
والهجد: النيام، وقد يكون الهجد أيضا المستيقظين وهو من الأضداد.
4 - ما بين المعقوفتين من العمدة.
5 - سورة الأنفال: 8 / 58.
161

فلما كانت سنة تسع أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحج ثم قال: [أكره] (1) أن يحضر
المشركون فيطوفون عراة، ولا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أبا بكر في تلك السنة على الموسم ليقيم للناس الحج وبعث معه أربعين آية من صدر
" براءة " ليقرأها على أهل الموسم.
فلما سار، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام فقال: اخرج بهذه القصة من صدر
" براءة " وأذن بذلك في الناس إذا اجتمعوا، فخرج علي عليه السلام على ناقة رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة وأخذها منه.
فرجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه والله وسلم فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أنزل في
شأني شئ؟ قال: لا ولكن لا يبلغ عني غيري أو رجل مني (2).
107 - ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين في الجزء الثاني من أجزاء
ثلاثة في تفسير سورة " براءة " من صحيح أبي داود وهو السنن ومن صحيح
الترمذي.
بالاسناد المقدم قال عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أبا بكر وأمر أن ينادي في الموسم ببراءة، ثم أردفه عليا، فبينا أبو بكر ببعض
الطريق إذ سمع رغاء (3) ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العضباء، فقام أبو بكر فزعا يظن أنه
حدث أمر، فدفع إليه علي عليه السلام كتابا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه، ان عليا ينادي بهؤلاء
الكلمات فإنه لا ينبغي ان يبلغ عني الأرجل من أهل بيتي، فانطلقا.
فقام علي عليه السلام أيام التشريق ينادي: ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك،

1 - ما بين المعقوفتين من العمدة.
2 - غاية المرام / 461 نقلا عن تفسير الثعلبي.
3 - رغاء: صوت ذوات الخف، رغا البعير إذا ضج - مجمع البحرين.
162

فسيحوا أربعة أشهر، ولا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت بعد العام
عريان، ولا يدخل الجنة إلى نفس مسلمة مؤمنة.
قال: وكان علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله ينادي بها، فذا أعيا (1) أمر
غيره فنادى (2).
108 - ومن كتاب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام تأليف
أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي الحافظ قال: بإسناده
في باب: " ذكر توجيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببراءة قال: أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا
عفان وعبد الصمد قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن أنس
قال: بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببراءة مع أبي بكر، ثم دعاه فقال: لا ينبغي أن يبلغ هذا عني إلا
رجل من أهلي، دعا عليا فأعطاه إياها (3).
في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي
نجويكم صدقة) * (4) الآية:
109 - من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا أحمد
بن فرج، قال: حدثنا أبو عمر الدوري، قال: حدثنا محمد بن مروان، عن محمد
بن السايب، عن أبي صالح، عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى:
* (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا) * الآية، قال: ان الله عز وجل
حرم كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [إلا أن يصدقوا قبل التكلم معه] وبخلوا أن يتصدقوا قبل

1 - عيى: عجز - النهاية.
2 - يراجع صحيح الترمذي 5 / 275.
3 - خصائص النسائي / 92، صحيح الترمذي 4 / 339، مسند أحمد 3 / 339، مسند أحمد 3 / 212 و 283.
4 - سورة المجادلة: 58 / 12.
163

كلامه، قال وتصدق علي ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره (1).
110 - ومن تفسير الثعلبي في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا
ناجيتم الرسول) * الآية بالاسناد المقدم قال الثعلبي قال مجاهد: نهى [الله
المسلمين] عن مناجاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب عليه السلام،
قدم دينارا فتصدق به، ثم نزلت الرخصة.
111 - وقال علي صلوات الله عليه وآله: ان في كتاب الله لاية ما عمل بها
أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول
فقدموا بين يدي نجويكم صدقة) * (2).
112 - وقال علي صلوات الله عليه، بي خفف الله عز وجل عن هذه الأمة
أمر هذه الآية، فلم تنزل في أحد قبلي ولم تنزل في أحد بعدي (3).
113 - قال: وقال ابن عمر: كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام ثلاثة، لو كان لي
واحدة منهن كانت أحب إلى من حمر النعم: تزويجه فاطمة صلى الله عليها،
وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوى (4).
114 - ومن مناقب الفقيه ابن المغازلي الشافعي الواسطي بالاسناد المقدم
[قال] أخبرنا أحمد بن محمد - إذنا - قال: أخبرنا عمر بن عبد الله بن شوذب،
قال: حدثنا أحمد بن إسحاق الطيبي، قال: حدثنا محمد بن أبي العوام، قال:
حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا أبو شهاب، عن ليث، عن مجاهد قال: قال

1 - ينظر النور المشتعل / 249.
2 و 3 - شواهد التنزيل 2 / 231 - أسباب النزول / 438 كفاية الطالب / 136، تفسير الطبري
28 / 15 - خصائص النسائي / 161.
4 - تفسير الكشاف 4 / 76 كفاية الطالب / 137.
164

علي بن أبي طالب عليه السلام: آية في كتاب الله تعالى، ما عمل بها أحد من الناس غيري:
آية النجوى، كان لي دينار بعته بعشرة دراهم، فكلما أردت أن أناجي النبي صلى الله عليه وآله وسلم
تصدقت بدرهم، ما عمل بها أحد قبلي ولا بعدي (1).
115 - ومن كتاب الجمع بين الصحاح الستة لرزين بن معاوية العبدري
في الجزء الثالث من أجزاء ثلاثة، في تفسير سورة " المجادلة ".
بالاسناد المقدم قال رزين، قال أبو عبد الله البخاري في قوله تعالى: * (يا أيها
الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجويكم صدقة) * نسختها:
* (فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم) * (2).
116 - قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ما عمل بهذه الآية غيري،
وبي خفف الله تعالى عن الأمة أمر هذه الآية (3).
في قوله سبحانه وتعالى: * (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) * (4).
117 - من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال: حدثنا محمد بن
عمر بن سالم، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد، قال: حدثنا جعفر بن علي
بن نجيح، قال حدثنا: حدثنا حسن بن حسين، عن أبي حفص الصائغ، عن جعفر
بن محمد عليه السلام في قوله عز وجل: * (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) * قال: عن ولاية
علي بن أبي طالب عليه السلام (5).

1 - مناقب ابن المغازلي / 326.
2 - سورة المجادلة: 58 / 13.
3 - صحيح الترمذي 5 / 406 مع اختلاف، والروايات في هذه الباب كثيرة، ذكرها السيوطي
في الدر المنثور 6 / 186 بعدة طرق.
4 - سورة التكاثر: 102 / 8.
5 - روى نظيره الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 2 / 368.
165

في قوله تعالى: * (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو
من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا) * (1).
1118 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم في الجزء الأول من كتاب " حلية الأولياء "
من أحاديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - بالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا
أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا وكيع،
عن أبي حفص، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب رضي الله عنه -
في قوله سبحانه، وتعالى: * (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا) * الآية،
قال: هن أربع وكلهن واقع لا محالة، فمضت اثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بخمس وعشرين سنة فألبسوا شيعا وذاق بعضهم بأس بعض، وبقي اثنتان واقعتان
لا محالة: الخسف والرجم (2).
قال يحيى بن الحسن: اعلم أن هذا الفصل قد جمع أشياء:
منها قوله تعالى: * (يهديكم صراطا مستقيما) * (3) وإذا كان علي عليه السلام عبارة
عن الصراط المستقيم فما بعده غاية ينتهي إليها.
وإذا ذكر في فضله انه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله (4) وأبان عنه بأنه
هو الذي فتح خيبر مع فرار غيره (5) فقد ثبت ميزته وظهر فضله بلا ارتياب والفرار
من الزحف فيه ما فيه (6).

1 - سورة الأنعام: 6 / 65.
2 - حلية الأولياء 1 / 253.
3 - سورة الفتح: 48 / 2.
4 - ينظر فضائل الصحابة " / 593 و 584 ومسند أحمد 2 / 384.
5 - فضائل الصحابة 2 / 604، مسند أحمد 5 / 333.
6 - ينظر الكبائر للذهبي / 33.
166

ومنها قوله تعالى: * (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقون فقد
رأيتموه، وأنتم تنظرون) * (1) وهذا أعظم بلاء في الاسلام من حيث يتمنى أعداء الله
الموت من قبل أن يلقوه، فلو لا اقدامه في الجهاد كما قال الله: * (أعزة على
الكافرين) * (2) لما وجب له ذلك.
وفي ذلك فقد النظير له والحث على وجوب اتباعه بأحسن الوجوه وأوجز
الألفاظ وهو معنى قوله تعالى: * (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة
على المؤمنين أعزة على الكافرين) * (3).
ومنها قوله تعالى: * (وأذان من الله ورسوله) * (4) الآية، واسترجاع سورة
براءة من غيره وتسليمها إليه بوحي الله تعالى لا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
يدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاها لغيره ونزل الوحي العزيز بتسليمها إليه
وعزل غيره، فقد دل ذلك على ولاية من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعزل من الله تعالى وولاية
من الله تعالى له بعد ذلك العزل.
ومما يدل على أن ذلك كان علامة على استحقاق الامر له بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جواب ذلك: انه قد أوحى [الله] إلى بأنه لا يؤدي عني إلا رجل مني (5)
فقد وجب ذلك بوحي الله تعالى وبقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبوحي الله تعالى جعل منه
صلى الله عليهما وآلهما وهو قوله: * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد

1 - سورة آل عمران: 3 / 143.
2 - سورة المائدة: 5 / 54
3 - سورة المائدة: 5 / 54.
4 - سورة التوبة: 9 / 3.
5 - ينظر فضائل الصحابة 2 / 562، مسند أحمد 1 / 151.
167

منه) * (1) * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) * (2).
فهبني أهملت الكلام لعلة فيا من له عقل ألا تتفهم
يولي له العرش بعد ولاية النبي فأي بولاية أقوم

1 - سورة هود: 11 / 17.
2 - سورة ق: 50 / 37.
168

الفصل الحادي عشر
في قوله سبحانه وتعالى: * (فإما نذهبن بك فإنا منه منتقمون) * (1).
وفي قوله تعالى: * (وسئل من أرسلنا قبلك من رسلنا) * (2).
وفي قوله: * (وتعيها أذن واعية) * (3).
119 - من طريق الحافظ أبي نعيم في وقوله تعالى: * (فإما نذهبن بك فإنا
منهم منتقمون) * بالاسناد المقدم: قال أبو نعيم: حدثنا سعيد بن محمد الناقد
ومحمد بن أحمد بن علي، قالا: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال حدثنا
يحيى بن حسن بن فرات قال: حدثنا مصبح بن هلقام، قال: حدثنا أبو مريم، عن
المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش، عن حذيفة [في قوله تعالى:] * (فإما نذهبن
بك فإنا منهم منتقمون) * قال بعلي بن أبي طالب عليه السلام (4).
120 - ومن مناقب الفقيه أبي الحسن علي بن المغازلي الواسطي الشافعي
بالاسناد المقدم قال ابن المغازلي [عند ذكره] قوله تعالى: * (فإما نذهبن بك فإنا
منهم منتقمون) * أخبرنا الحسن بن أحمد بن موسى الغندجاني، قال: حدثنا هلال

1 - سورة الزخرف: 43 / 41.
2 - سورة الزخرف: 43 / 45.
3 - سورة الحاقة: 69 / 12.
4 - ينظر شواهد التنزيل 2 / 53.
169

بن محمد الحفار، قال: حدثنا إسماعيل بن علي، قال: حدثنا أبي علي، قال:
حدثنا علي بن موسى الرضا عليه السلام، قال: حدثنا أبي موسى، قال: حدثنا أبي
جعفر، قال: حدثنا أبي محمد بن علي الباقر عليه السلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري
- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وإني لأدناهم في حجة الوداع بمنى
حين قال -: لا ألفينكم ترجعون بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم
الله لئن فعلتموها لتعرفني في الكتبية التي تضاربكم.
ثم التفت إلى خلفه فقال: أو علي، أو علي - ثلاثا - فرأينا أن جبرئيل غمزه
وأنزل الله سبحانه وتعالى على أثر ذلك: * (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) *
بعلي بن أبي طالب عليه السلام * (أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون) * (1).
ثم نزلت: * (قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم
الظالمين) * (2).
ثم نزلت: * (فاستمسك بالذي أوحي إليك (من أمر علي): انك على
صراط مستقيم) * (3) وإن عليا * (لعلما للساعة) * * ([وانه لذكر لك] ولقومك
وسوف تسئلون) * (4) عن ولاية علي بن أبي طالب (5).
في قوله: * (وسئل من أرسلنا قبلك من رسلنا) * (6).
121 - من كتاب الإستيعاب لابن عبد البر النمري المغربي الأندلسي وقد

1 - سورة الزخرف: 43 / 42.
2 - سورة المؤمنون: 23 / 93.
3 - سورة الزخرف: 43 / 43.
4 - سورة الزخرف: 43 / 44.
5 - مناقب ابن المغازلي / 274، شواهد التنزيل 2 / 152.
6 - سورة الزخرف: 43 / 45.
170

خرجه أيضا أبو نعيم قال: بإسناده في تفسير هذه الآية قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة أسري
به، جمع الله تعالى بينه وبين الأنبياء، ثم قال: سلهم يا محمد على ماذا بعثتم؟
فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله، وعلى الاقرار بنبوتك والولاية لعلي
بن أبي طالب عليه السلام (1).
في قوله تعالى: * (وتعيها أذن واعية) * (2).
122 - من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا
محمد بن عمر بن سالم، قال: حدثني أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر بن
محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي [قال: حدثني أبي، عن أبيه جعفر،
عن أبيه محمد بن عبد الله عن أبيه محمد عن أبيه عمر بن أبيه علي] (3) بن أبي
طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي إن الله عز وجل أمرني أن أدينك وأعلمك
لتعي، وأنزلت هذه الآية: * (وتعيها أذن واعية) * فأنت اذن واعية للعلم (4).
123 - وبالاسناد المقدم قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد [بن محمد]
المقدسي قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم العنزي القاضي، قال حدثنا أبو عمير،
قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن علي بن حوشب، عن مكحول، عن علي عليه السلام
[في قوله تعالى: * (وتعيها أذن واعية) *] قال علي قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: دعوت
الله أن يجعلها أذنك يا علي (5).

1 - ينظر شواهد التنزيل 2 / 157 مع اختلاف يسير.
2 - سورة الحاقة: 69 / 12.
3 - ما بين المعقوفتين من شواهد التنزيل.
4 - حلية الأولياء 1 / 67 وفيه: فأنت اذن واعية لعلمي أسباب النزول / 473 مع اختلاف.
5 - معرفة الصحابة 1 / 306 شواهد التنزيل 2 / 275 الدر المنثور 6 / 260 - مناقب ابن
المغازلي / 165.
171

124 - ومن تفسير الثعلبي بالاسناد المقدم قال: أخبرني ابن فنجويه قال:
حدثنا ابن حيان [قال:] حدثنا إسحاق بن مجه، حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم
بن عيسى، حدثنا علي بن علي، حدثني أبو حمزة الثمالي، حدثني عبد الله بن الحسن
قال: حين نزلت هذه الآية: * (وتعيها أذن واعية) * قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سألت
الله عز وجل أن يجعلها أذنك يا علي.
قال علي: فما نسيت [شيئا] بعد ذلك، وما كان لي أن أنساه (1).
قال يحيى بن الحسن: واعلم أن هذا الفصل قد جمع من الوحي العزيز
أشياء، كل واحد منها يوجب لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه
ولاء الأمة وفقد النظير.
منها قوله تعالى: * (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) * (2) ومن أخبر الله
سبحانه عنه انه مع ذهاب نبيه يقوم مقامه في استيفاء حقه تعالى ممن كفروا شرك
وانه قد شرك نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في الانتقام من أعدائه تعالى، وذلك هو السبب في إقامة دين
الله تعالى وما يشرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك ويقوم مقامه إلا من قام مقامه في ولاء الأمة
بعده بدليل لفظ القرآن العزيز.
ومنها قوله سبحانه وتعالى: * (وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) * (3)
وكان جواب الرسل صلى الله عليهم الاقرار بالله تعالى وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبولاية مولانا
أمير المؤمنين صلى الله عليه، فما بعد هذا بيان يلتمس لأنه تعالى قد كلف رسله
السابقين بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم الاقرار بولاية علي عليه السلام بعد الاقرار بنبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

1 - يراجع حلية الأولياء 1 / 67، شواهد التنزيل 2 / 270.
2 - سورة الزخرف: 43 / 41.
3 - سورة الزخرف: 43 / 45.
172

وذلك كله بعد معرفة الله سبحانه وتعالى فقد وجب له من الولاء ما وجب لله
تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا مثل قوله تعالى: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (1) وكونها خاصة به.
وقد تقدم اختصاصها به، وهذه أمر لا ينبغي أن يكون لاحد من البشر سوى
سيد البشر محمد فيجب أن يكون لعلي عليه السلام من أمر مثله بدليل ألفاظ القرآن
العزيز، فعدم في ذلك نظيره ووجب تفرده بالسيادة صلى الله عليه.
ومنها قوله تعالى: * (وتعيها أذن واعية) * (2) وإذا كان صلى الله عليه هو الاذن
الواعية لوحي الله تعالى، وذلك سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقوله: " ما نسيت وما كان لي أن
أنساه ".
وهذا نظارة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: * (سنقرئك فلا
تنسى) * (3) فجعل تعالى حاليهما في حفظ الوحي العزيز واحدة.
ولولا أنهما أولى بالاتباع من كل أحد لما اختصا بأن لا ينسيا شيئا من وحي الله
تعالى، وذلك من أدل دليل على وجوب اتباع من لا ينسى شيئا من وحي الله تعالى
لموضع علمه بأمر الله تعالى ونهيه، وهذا بين لمن تأمله.
بمديحه جعل الكتاب قلائدا في جيد كل مديحة غراء
وبفضله ورد الكتاب مترجما عن قدره في ليلة الاسراء
وبفضله وبنصله اتضح الهدى والشرك مثل الليلة الليلاء

1 - سورة المائدة: 5 / 55.
2 - سورة الحاقة: 69 / 12.
3 - سورة الاعلى: 87 / 6.
173

الفصل الثاني عشر
في قوله تعالى: * (هل أتى على الانسان حين من الدهر) * (1).
وفي قولي تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * (2).
125 - من تفسير الثعلبي: في قوله تعالى: * (هل أتى على الانسان حين
من الدهر) * قال الثعلبي: نزلت في علي بن أبي طالب وفاطمة صلى الله عليهما
والحسن والحسين عليهم السلام، قال: وكان القصة فيما [ما]:
أخبرنا به الشيخ أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن علي الشيباني
العدل - قراءة عليه في صفر سنة سبع وثمانين وثلاثمائة - قال: أخبرنا أبو حامد
أحمد بن محمد بن الحسن بن الشرقي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن
عبد الوهاب الخوارزمي ابن عمر بن الأحنف بن قيس - في سنة ثمان وخمسين
ومأتين - قال: حدثنا أحمد بن حماد المروزي، حدثنا محبوب بن حميد القصري
- وسأله عن هذا الحديث روح بن عبادة - قال: حدثنا القاسم بن بهرام، عن ليث،
عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنه -.
قال وأخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني،

1 - سورة الانسان: 76 / 1.
2 - سورة السجدة: 32 / 18.
175

حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن سهيل، عن علي بن مهران الباهلي بالبصرة،
حدثنا أبو مسعود عبد الرحمان بن فهر بن هلال، حدثني القاسم بن يحيى
الغنوي، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس - رضي الله عنه -
قال أبو الحسن بن مهران: وحدثني محمد بن زكريا البصري، حدثني
شعيب بن واقد المزني، حدثنا القاسم بن بهرام، عن ليث، عن مجاهد، عن
ابن عباس - رضي الله عنه - في قول الله عز وجل: * (يوفون بالندر ويخافون يوما
كان شره مستطيرا) * (1) قال: مرض الحسن والحسين عليه السلام فعادهما جدهما محمد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه أبو بكر وعمر، وعادهما عامة الرب فقالوا: يا أبا الحسن
لو نذرت على ولديك، فكل نذر لا يكون له وفاء، فليس بشئ.
فقال علي صلى الله عليه وآله: إن برأ ولداي مما بهما، صمت ثلاثة أيام
شكرا لله عز وجل.
وقالت فاطمة صلى الله عليها: ان برأ ولداي مما بهما صمت ثلاثة أيام شكرا لله.
وقالت جارية يقال لها فضة نوبية: ان برءا سيداي مما بهما، صمت ثلاثة أيام
شكرا لله عز وجل.
فألبس الغلامان العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فانطلق علي
صلوات الله عليه إلى شمعون بن حاريا اليهودي الخبيري، فاستقرض منه ثلاثة
أصوع من شعير.
وفي حديث المزني، عن ابن مهران الباهلي: فانطلق علي عليه السلام إلى
جار له من اليهود، يعالج الصوف ويقال له: شمعون بن حاريا، فقال له: هل لك

1 - سورة الدهر: 76 / 7
176

أن تعطيني جزة من الصوف تغزلها بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم أصوع من شعير؟
فقال: نعم، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير، فأخبر فاطمة صلى الله عليهما
بذلك فقبلته وأطاعت.
قالوا: فقامت فاطمة صلوات الله عليها إلى صاع فطحنته واختبزت منه
خمسة أقراص، لكل واحد منهم قرصا، وصلى علي عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم المغرب،
ثم أتى إلى المنزل فوضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب، فقال:
السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني
أطعمكم الله من موائد الجنة.
فسمعه علي صلوات الله عليه فأمر بإعطائه قال: فأعطوه الطعام ومكثوا
يومهم وليلتهم ولم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.
فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة صلوات الله عليها إلى صاع فطحنته
واختبزته وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، فأتاهم
يتيم فوقف بالباب وقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، يتيم من أولاد
المهاجرين، استشهد والدي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.
فسمعه علي عليه السلام فأمر بإعطائه قال: فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين
ولم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.
فلما كان اليوم الثلاث قامت فاطمة صلوات الله عليها إلى الصاع الثالث
فطحنته واختبزته، وصلى علي صلوات الله عليه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أتى المنزل
فوضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم أسير، فوقف بالباب، فقال: السلام عليكم أهل
بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا، وأطعموني فإني أسير محمد،
177

أطعمكم الله من موائد الجنة.
فسمعه علي صلوات الله عليه فأمر باعطائه قال: فأعطوه الطعام ومكثوا
ثلاثة أيام ولياليها، لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.
فلما كان اليوم الرابع وقد وفوا نذرهم، أخذ علي بيده اليمنى الحسن وبيده
اليسرى الحسين وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة
الجوع.
فلما بصر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا أبا الحسن ما أشد ما يسؤني ما أرى بكم،
انطلقوا بنا إلى ابنتي فاطمة. فانطلقوا إليها وهي في محرابها وقد لصق ظهرها
ببطنها من شدة الجوع، وغارا عيناها، فلما رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: وا غوثاه بالله،
أهل بيت محمد يموتون جوعا.
فهبط جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد خذ ما هنأك الله في أهل
بيتك، قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ فأقرأه: * (هل أتى على الانسان حين من
الدهر) * إلى قوله تعالى: * (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا
شكورا) * (1) إلى آخر السورة.
وزاد ابن مهران الباهلي في الحديث: فوثب (2) النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخل على
فاطمة و [لما] رأى ما بهم، انكب عليهم يبكي، ثم قال لهم: أنتم مذ ثلاث في
ما أرى وأنا غافل عنكم؟ فهبط جبرئيل عليه السلام بهذه الآيات.
وزاد محمد بن علي صاحب الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف
" البلغة ": أنهم عليهم السلام نزل عليهم مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيام.

1 - سورة الدهر: 76 / 9 - 10.
2 - وثب: نهض وقام.
178

وحديث " المائدة " ونزولها عليهم مذكورة في ساير الكتب.
126 - قال الثعلبي: قوله عز وجل: * (إن الأبرار يشربون من كأس كان
مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) * (1) قال هي عين في دار
النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفجر إلى دور الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين * (يوفون بالنذر) * يعني عليا وفاطمة
والحسن والحسين وجاريتهم فضة * (ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون
الطعام على حبه) * يقول: [على] شهوتهم للطعام وايثارهم مسكينا من مساكين
المسلمين، ويتيما من يتامى المسلمين، وأسيرا من أسارى المشركين.
ويقولون إذا أطعموهم: * (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء
ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) * قال: والله ما قالوا هذا
بألسنتهم ولكنهم أضمروه في صدورهم، فأخبر الله عز وجل بإضمارهم
يقولون: * (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) * فتمنون علينا به، ولكنا أعطيناكم
لوجه الله تعالى وطلب ثوابه.
قال الله عز وجل: * (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة) * في الوجوه
* (وسرورا) * في القلوب * (وجزاهم بما صبروا جنة) * يسكنونها * (وحريرا) *
يلبسونه ويفرشونه * (متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا
زمهريرا) *.
قال ابن عباس: فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا ضوء كضوء الشمس، وقد
أشرقت الجنان له، فيقول أهل الجنة: قال ربنا عز وجل: * (لا يرون فيها شمسا ولا
زمهريرا) *.

1 - سورة الدهر: 76 / 5 - 6.
179

فيقول لهم رضوان: ليست هذه شمسا ولا قمرا ولكن هذه فاطمة وعلي،
ضحكا ضحكا [ف‍] أشرقت الجنان من نور ضحكهما.
وفيهما أنزل الله تعالى: * (هل أتى على الانسان حين من الدهر) * إلى قوله:
* (وكان سعيكم مشكورا) *.
قال الثعلبي وأنشدت فيه:
أنا مولى لفتى * انزل فيه هل اتى (1)
في قوله تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * (2). 127 - من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم: قال [أبو نعيم]: حدثنا
عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: حدثنا إسحاق بن بنان، قال: حدثنا حبيش بن
مبشر، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم،
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، - رضي الله عنه - قال: قال الوليد بن
عقبة لعلي عليه السلام: أنا أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملا منك حشوا للكتيبة.
فقال له علي عليه السلام: اسكت فإنما أنت فاسق، فنزلت: * (أفمن كان مؤمنا
كمن كان فاسقا لا يستوون) * قال: يعني بالمؤمن: عليا عليه السلام، وبالفاسق: الوليد
بن عقبة (3).
128 - من تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى: * (أفمن كان مؤمنا
كمن كان فاسقا لا يستوون) * بالاسناد المقدم قال الثعلبي: نزلت هذه الآية في

1 - نقله ابن المغازلي في المناقب 272 - 274 باختصار.
2 - سورة السجدة: 32 / 18.
3 - ينظر أسباب النزول / 367، تفسير القرطبي 14 / 105، تفسير الطبري 21 / 68، تفسير
الدر المنثور 5 / 178.
180

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والوليد بن عقبة بن أبي معيط - أخي عثمان
لامه -، وذلك إنه كان بينهما تنازع وكلام في شئ، فقال الوليد لعلي عليه السلام:
اسكت فإنك صبي، وأنا والله أبسط منك لسانا وأحد منك سنانا وأشجع جنانا
وأملا منك حشوا في الكتيبة.
فقال له علي صلى الله عليه وآله: اسكت فإنك فاسق، فأنزل الله تبارك
وتعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * (1).
قال يحيى بن الحسن: واعلم أن هذا الفصل قد جمع أشياء في فقد النظير
لمولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله.
منها كونه من الأبرار وولديه وزوجته صلى الله عليهم، وجزاؤهم الجنة
والحرير، وجميع ما ذكر من أنواع النعيم.
وهذا في حقهم عليهم السلام بالوحي الصادق في جواب ليسير الصدقة، ولو أن
غيرهم أنفق مالا له القيم الوافية، لما نزل في حقه آية واحدة فثبت أن المحل
للمتصدق لا للصدقة، وفي ذلك فقد النظير.
ومنها قوله للوليد بن عقبة بن أبي معيط: اسكت فإنك فاسق، فأنزل الله
سبحانه وتعالى القرآن العزيز على مقتضى لفظه صلى الله عليه وآله.
وفي ذلك دليل على علمه بباطن أمره الوليد بن عقبة، وهذا من أبهر
الاعجاز، ويدل على أنه كان عالما بدخيلة أمره ورود الوحي الصادق بمقتضى لفظه
من غير عدول عنه.
ويزيد ما قلناه إيضاحا وبيانا: أن غيره لو قال للوليد بن عقبة إنك فاسق

1 - ينظر أنساب الأشراف 1 / 148 وفيه: اربط جنانا، شواهد التنزيل 1 / 452.
181

لوجب عليه حد الفرية، من حيث إنه قذف من ظاهره الاسلام، فلما أنزل الله
تعالى الوحي العزيز بفسق الوليد عقبة وتزكية مولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه،
علم أن الله تعالى راض بقوله ومثيب له على ما قال. وفي هذا فقد النظير له عليه السلام.
في هل أتى لك مدحة معلومة * تعنو لها مدح الأنام خضوعا
إطعامك المسكين ثم يتيمة * ثم الأسير وقد تضور جوعا (1)

1 - التضور: التلوي والصياح من وجع الضرب.
182

الفصل الثالث عشر
في قوله سبحانه وتعالى: * (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه
يصدون) * (1).
وفي قوله تعالى: * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض) * الآية (2).
129 - من طريق الحافظ أبي نعيم وبالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم:
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن سالم
السلولي، عن جده قال: حدثنا يحيى بن يعلى وحدثنا أبو محمد بن حيان، قال:
حدثنا إبراهيم بن محمد بن علي الرازي قال: حدثنا ابن أبي الثلج قال: حدثنا
الحسن بن حماد قال: حدثنا يحيى بن يعلي، عن صباح المزني، عن الحارث بن
حصيرة، عن أبي صادق قال: حدثنا ربيعه بن ناجد، قال سمعت عليا عليه السلام يقول:
في نزلت هذه الآية: * (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) * (3).
130 - ومن طريق أحمد بن حنبل في قوله تعالى: * (ولما ضرب ابن مريم

1 - سورة الزخرف: 43 / 57.
2 - سورة النور: 24 / 55.
3 - نظيره في شواهد التنزيل 2 / 162، ينظر مناقب الخوارزمي / 325.
183

مثلا إذا قومك منه يصدون) * الآية بالاسناد المقدم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد
بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثني يحيى بن آدم، قال: حدثنا مالك بن
مغول، عن أكيل، عن الشعبي قال: لقيت علقمة قال: أتدري ما مثل علي في هذه
الأمة؟ قال: قلت وما مثله؟ قال: مثل عيسى بن مريم، أحبه قوم حتى هلكوا في
حبه وأبغضه قوم حتى هلكوا في بغضه (1).
131 - وبالاسناد المقدم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن، حنبل، قال:
حدثنا سريج بن يونس والحسين بن عرفه، قالا: حدثنا أبو حفص الابار (2)، عن
الحكم بن عبد المالك، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد،
عن علي عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي ان فيك مثلا من عيسى، أبغضته
اليهود حتى بهتوا (3) أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزل الذي ليس له (4).
132 - [و] من طريق أبي نعيم: في قوله تعالى: * (وعد الله الذين آمنوا
منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) * الآية.
بالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا
محمد بن عبد الله الحضرمي، قال: حدثنا محمد بن مرزوق، قال: حدثنا حسين
بن حسن الأشقر، قال: حدثنا صباح بن يحيى المزني، عن الحارث بن حصيرة،

1 - فضائل الصحابة 2 / 575 ح / 974 وإذا سبرنا الناس وجدنا فيهم القالي والغالي والنمط
الأوسط، الأول: الخوارج الكفرة. والثاني: الغلاة القائلون بألوهية علي بن أبي طالب عليه السلام.
والثالث: الشيعة المتمسكون به وبأولاده الأحد عشر المعصومين، الخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
2 - الابار: بفتح الألف وتشديد الباء الموحدة: نسبة إلى عمل الابر جمع الإبرة التي يخاط بها
الثياب - اللباب 1 / 23.
3 - بهته بهتا وبهتانا: افترى عليه الكذب.
4 - فضائل الصحابة 2 / 639 ح / 1087، مسند أحمد 1 / 160.
184

عن أبي صادق، عن حنش: أن عليا عليه السلام قال: من أراد أن يسأل عن أمرنا وأمر
القوم، فإنا منذ خلق الله السماوات والأرض على سنة موسى عليه السلام وأشياعه، وإن
عدونا منذ خلق الله السماوات والأرض على سنة فرعون وأشياعه، وإني أقسم
بالذي فلق الحبة وبرئ النسمة وأنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وآله وسلم صدقا وعدلا لتعطفن
عليكم هذه الآية: * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات) * (1).
قال يحيى بن الحسن: واعلم أن هذا الفصل قد جمع أشياء كلها توجب
لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه الولاء بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
منها قوله سبحانه وتعالى: * (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه
يصدون) * (2) لأنه لما قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: " إن فيك مثلا من عيسى " عظم ذلك
على قوم من أصحابه وأقاربه، فقالوا: عيسى خير منه لان عيسى بالأمس كنا
نتخذه إلها.
فلما سمع الله تعالى مقالة القوم أكبرها سبحانه وتعالى وأنكرها بدليل قوله
تعالى: * (إذا قومك منه يصدون. وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا
جدلا بل هم قوم خصمون) * (3) فجعل قولهم جدلا وجعلهم خصمين أدل دليل
على انكار مقالتهم.
ثم أوضح تعالى عن حقيقة إنكار قولهم بقوله تعالى: * (إن هو الا عبد
أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) * (4).

1 - ينظر شواهد التنزيل 1 / 412.
2 - سورة الزخرف: 43 / 57.
3 - سورة الزخرف: 43 / 57 - 58.
4 - سورة الزخرف: 43 / 59.
185

ثم أوضح تعالى القصة بأن المماثلة حقيقية وأن منكرها جدل خصيم بقوله تعالى: * (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) * (1) لأنه لما قال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " (2)
لعلمه بأن عليا يعيش بعده صلى الله عليه وآله وسلم وأن هارون مات في حياة موسى.
ومتى لم يستثن النبوة في جملة المنازل تثبت له من منازل هارون من موسى
ما لم يستثنه في اللفظ، وما هو مستثنى في العرف وهو الاخوة من النسب،
ويثبت له الخلافة وفرض الطاعة.
وكذلك لفظ الكتاب العزيز لأنه لما أراد القديم تعالى المماثلة وإمضاء ما نطق
به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلم القديم تعالى انه ربما توهمت النبوة من حيث المماثلة فقال
تعالى مبينا حال الخلافة دون النبوة لينفي تعالى حال توهم النبوة وليثبت تعالى له
الخلافة فقال تعالى: * (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) * (3)
فحصصه تعالى بالخلافة دون النبوة إذ لا نبوة بعده.
وقوله تعالى: " ملائكة " تعظيما لامره لموضع توهم الأمة أن الملائكة أفضل
من بني آدم.
وفي قوله سبحانه وتعالى: * (منكم) * أدل دليل على اختصاصها بمولانا أمير
المؤمنين صلوات الله عليه لان عليا عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدليل قوله: (ويتلوه شاهد
منه) * (4).

1 - سورة الزخرف: 43 / 60.
2 - يراجع مسند أحمد 3 / 32 و 1 / 177 و 179 - 182 - 174.
3 - سورة الزخرف: 43 / 60.
4 - سورة هود: 11 / 17.
186

وبدليل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " علي مني وأنا من علي " (1) وقد تقدم بيان ذلك
مستوفى.
ومنها قوله سبحانه وتعالى: * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا
الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن
لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) * (2) واختصاص هذه
الآية بهم غير مختلف فيه.
ويدل على صحة ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام وقسمه بالله تعالى على ذلك
وقوله: " لتعطفن عليكم هذه الآية " بعد القسم.
يوضح ذلك ويزيده بيانا قوله عليه السلام: " من أراد أن يسأل عن أمرنا وأمر القوم
فإنا منذ خلق السماوات والأرض على سنة موسى وأشياعه وإن عدونا منذ خلق
الله السماوات والأرض على سنة فرعون وأشياعه ".
وسنة موسى وأشياعه لم تكن منذ خلق الله السماوات والأرض ولا سنة
فرعون وأشياعه أيضا، وإنما هذا القول منه صلى الله عليه وآله وسلم على سبيل المبالغة مثل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
" خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد قبل أن يخلق الله تعالى آدم بأربعة
عشرة الف عام، فلم يزل في شئ واحد، يسبح الله ذلك النور ويقدسه، فلما خلق
الله تعالى آدم أسكن ذلك النور في صلبه إلى أن افترقنا في صلب عبد المطلب،
فجزء في صلب عبد الله وجزء في صلب أبي طالب (3).
[هكذا] ذكره أحمد بن حنبل.

1 - ينظر مسند أحمد 4 / 165، 5 / 356، 4 / 437، فضائل الصحابة 2 / 594 و 656.
2 - سورة النور: 24 / 55.
3 - فضائل الصحابة 2 / 662 ونظيره في مناقب ابن المغازلي / 87.
187

وذكره [أيضا] صاحب كتاب الفردوس وهو ابن شيرويه الديلمي فقال:
" حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففي النبوة وفي علي الخلافة " (1).
وإنما معنى كلام أمير المؤمنين عليه السلام ومراده أن موسى على سنة إبراهيم.
وكل نبي وكل إمام على سنة إبراهيم عليه السلام ويدل على قوله تعالى: * (ملة أبيكم
إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) * (2) والمراد بذلك قوله تعالى لإبراهيم * (إني
جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي) * (3).
فقال تعالى مجيبا له: * (لا ينال عهدي الظالمين) * (4).
وأراد بالظلم هنا عبادة الأصنام وأن من عبد الأصنام لا يكون إماما " إن في
ذلك لبلاغا لقوم يعقلون " (5).
ضرب ابن مريم للوصي مماثلا * صدت لذلك قوم خير رسول
حسدا لما خص الاله وصيه * ووليه في محكم التنزيل

1 - فردوس الاخبار 2 / 305.
2 - سورة الحج: 22 / 78.
3 و 4 - سورة البقرة: 2 / 124.
5 - اقتباس من الآية 106 من سورة الأنبياء: 21.
188

الفصل الرابع عشر
في قوله سبحانه وتعالى: * (والذي جاء بالصدق وصدق به) * (1).
وفي قوله تعالى: * (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) * (2).
وفي قوله تعالى: * (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) * (3).
133 - من طريق الحافظ أبي نعيم: في قوله تعالى: * (والذي جاء بالصدق
وصدق به) * بالاسناد المقدم، قال الحافظ أبو نعيم: أخبرنا إبراهيم بن محمد
- إجازة - قال: حدثنا الحسين بن علي بن الحسين السلولي [قال: حدثنا محمد
بن الحسن السلولي] قال: حدثنا عمر بن سعد، عن ليث، عن مجاهد في قوله
تعالى: * (والذي جاء بالصدق وصدق به) * قال: [هو] علي بن أبي طالب عليه السلام (4).
134 - ومن طريق الفقيه أبي الحسن علي بن المغازلي الشافعي الواسطي
في تفسير قوله تعالى: * (والذي جاء بالصدق وصدق به) *.
بالاسناد المقدم قال أخبرنا علي بن الحسين - اذنا - قال: حدثنا عبد الله بن
محمد الحافظ قال: حدثنا الحسين بن علي قال: حدثنا محمد بن الحسن قال:

1 - سورة الزمر: 39 / 33.
2 - سورة الأنفال: 8 / 62.
3 - سورة الأنفال: 8 / 64.
4 - شواهد التنزيل 2 / 121.
189

حدثنا عمر بن سعد، عن ليث، عن مجاهد في قوله تعالى: * (والذي جاء بالصدق
وصدق به) * قال: جاء به: محمد صلى الله عليه وآله وسلم، * (وصدق به) *: علي عليه السلام (1).
في قوله تعالى: * (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) * (2).
135 - من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال: أبو نعيم: حدثنا
أبو بكر بن خلاد، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل المهري، قال: حدثنا عباس
بن بكار، قال: حدثنا خالد بن أبي عمرو الأسدي، عن محمد بن السائب الكلبي،
عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: مكتوب على العرش: لا إله الا الله وحده
لا شريك له، محمد عبدي ورسولي، أيدته بعلي بن أبي طالب، وذلك قوله في
كتابه: * (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) * يعني علي بن أبي طالب عليه السلام (3).
في قوله سبحانه وتعالى: * (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من
المؤمنين) * (4).
136 - من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم: قال الحافظ أبو نعيم:
حدثنا محمد بن عمر بن سالم قال: حدثنا علي بن الوليد بن جابر، قال: حدثنا
علي بن حفص بن عمر العبسي قال: حدثني محمد بن الحسين بن زيد، عن أبيه:
عن جعفر بن محمد قال: [في قوله تعالى:] * (يا أيها النبي حسبك الله ومن
اتبعك من المؤمنين) * قال: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام (5).

1 - مناقب ابن المغازلي / 269 - وفيه: عمر بن سعيد.
2 - سورة الأنفال: 8 / 62.
3 - يراجع شواهد التنزيل 1 / 223، تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام علي بن أبي طالب 2 / 419.
4 - سورة الأنفال: 8 / 64.
5 - شواهد التنزيل 1 / 230.
190

137 - وبالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا محمد بن عمر قال:
حدثنا القاسم وعبد الله، ابنا الحسين بن زيد، عن أبيهما، عن جعفر بن محمد،
عن أبيه مثله (1).
قال يحيى بن الحسن: واعلم أن هذا الفصل قد جمع أشياء من الوحي
العزيز كلها توجب لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام السيادة وعدم النظير.
منها قوله تعالى: * (والذي جاء بالصدق وصدق به) * (2) وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
هو الذي جاء بالصدق، وعلي هو المصدق، فقد استويا في درجة التصديق لان
الذي جاء بالصدق هو مصدق بلا خلاف، والذي صدق به بعد حجته فقد شاركه
في منزلة التصديق.
فهما في التصديق على حد واحد والتفاضل بينهما بمنزلة الرسالة، فلهذا
فضيلة الارسال ولهذا ميزة الاتباع، فوجب الاقتداء بهما على حد واحد كما
قدمناه من أنه يجب للتابع ما وجب من امتثال الامر للمتبوع بدليل تخصيصهما في
الوحي العزيز.
ومنها قوله تعالى: * (هو الذي أيدك بنصره بالمؤمنين) * (3) وإذا كان القديم
تعالى قد أمتن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن أيده بنصره، واتبع امتنانه تعالى في نصره بمنة
أخرى وهي تأييده له بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
ومن جعله الله تعالى نعمة من نعمه يمتن بها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد عدم نظيره
ووجب تفرده بعلو المنزلة، وفي هذا دليل على وجوب اتباعه.

1 - شواهد التنزيل 1 / 230.
2 - سورة الزمر: 39 / 33.
3 - سورة الأنفال: 8 / 62.
191

ومنها قوله تعالى: * (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) * (1)
وإذا كان الله تعالى قد جعل كفاية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ككفايته سبحانه
وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فقد وجب اتباعه والاقتداء به بعد نبيه.
وهذا أعظم تميزا أن يأتي سبحانه وتعالى بكفايته ونصره لنبيه على ظاهر
الامتنان ويقرن إلى ذلك نصر مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وكفايته لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي هذا فقد النظارة والمماثلة له عليه السلام:
مناقب منها للفخار مناقب * ومنها لجيد المكرمات قلائد
وفخر به للدين فخر ورفعة * عليه من الذكر الحكيم شواهد

1 - سورة الأنفال: 8 / 64.
192

الفصل الخامس عشر
في قوله تعالى: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * (1).
وفي قوله تعالى: * (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله) * (2).
138 - ومن تفسير الثعلبي: في تفسير قوله تعالى: * (واعتصموا بحبل الله
جميعا ولا تفرقوا) * بالاسناد المقدم قال:
أخبرني عبد الله بن محمد بن عبد الله، حدثنا عثمان بن الحسين (3) حدثنا
جعفر بن محمد بن أحمد، حدثنا حسن بن حسين، حدثنا يحيى بن علي الربعي،
عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: نحن حبل الله الذي قال الله
تعالى: * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * (4).
139 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم: قال أبو نعيم: حدثنا

1 - سورة آل عمران: 3 / 103.
2 - سورة الرعد: 13 / 28. 3 - في " العمدة ": عثمان بن الحسن.
4 - شواهد التنزيل 1 / 130، الصواعق المحرقة، فصل الآيات، الآية الخامسة وفيه:
وكن جده زين العابدين إذا تلا قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) *
يقول دعاء طويلا يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية وعلى وصف
الحن وما انتحلته المبتدعة المفارقون لائمة الدين والشجرة النبوية، ثم يقول: وذهب آخرون إلى
التقصير في أمرنا واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم واتهموا مأثور الخبر إلى أن قال: فإلى
من يفزع خلف هذه الأمة وقد درست أعلام هذه الملة، ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف يكفر
بعضهم بعضا والله تعالى يقول * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم
البينات) * فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكم إلى أهل الكتاب وأبناء أئمة الهدى
ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده ولم يدع الخلق سدى من غير حجة، هل
تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا، وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في الكتاب.
193

محمد بن عمر بن سالم، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن عجلان، قال: حدثنا جعفر
ابن علي بن نجيح، قال: حدثنا حسن بن حسين العرني، قال: حدثنا أبو حفص
الصائغ، قال: سمعت جعفر بن محمد يقول في قوله عز وجل: * (واعتصموا
بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * قال: نحن حبل الله (1).
140 - ومن تفسير الثعلبي في الجزء الأول في تفسير [سورة] " آل عمران "
في تفسير قوله تعالى: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) *.
بالاسناد المقدم قال الثعلبي: حدثنا الحسن بن محمد بن حبيب وقال:
وجت في كتاب جدي بخطه: حدثنا أحمد بن الأعجم القاضي المروزي، حدثنا
الفضل بن موسى السيناني (2) أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية
العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أيها الناس إني
قد تركت فيكم الثقلين خليفتين، إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من
الآخر: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض - أو قال: بين السماء إلى
الأرض -.

1 - ينظر شواهد التنزيل 1 / 131.
2 - في أصل المطبوع: الشيباني، وصححناه على ما في العمدة.
194

وعترتي أهل بيتي، ألا وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (1).
141 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: * (الذين آمنوا
وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * (2).
بالاسناد المقدم: قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن جعفر بن بشر بن زيد
المنقري قال: حدثنا علي ابن العباس قال: حدثنا جعفر بن مسلم السراج قال:
حدثنا محمد بن جبلة، عن حفص بن عاص، عن فضيل بن الزبير، عن أبي
داود، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: * (الذين آمنوا وتطمئن
قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * أتدري من هم يا ابن أم سليم؟
قلت: ومن هم يا رسول الله؟ قال نحن وشيعتنا (3).
قال يحيى بن الحسن: اعلم أن هذا الفصل قد جمع [لعلي] صلى الله عليه
وآله من السيادة وفقد النظير ما جمع الفصل الذي قبله.
فمن ذلك قوله تعالى: * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * (4) وهذا أمر
بوجوب اتباعه وإذا أمر الله تعالى بالاعتصام به وجعله حبله، فقد وجب الاقتداء
به ووكد ذلك بقوله تعالى: * (ولا تفرقوا) * وامر الله تقضى الوجوب كما اقتضى
امره تعالى وجوب اتباع رسوله (ص) في ذلك فقد النظير له عليه السلام ووجوب الاقتداء
به وهذا هو غاية الحث على اتباعه دون من عداه.
ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: * (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر

1 - ينظر مسند أحمد 3 / 26، فضائل الصحابة 2 / 585 - مسند أحمد 5 / 181.
2 - سورة الرعد: 13 / 28.
3 - نظيره في الدر المنثور 4 / 58.
4 - سورة آل عمران: 3 / 103.
195

الله) * وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك خاصة لشيعة أهل البيت عليهم السلام.
وفي هذا أعظم ميزة لان من وصف الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم شيعته بالايمان
فقد وجب اتباعه، لان متبعه قد ثبت عنده أنه من أهل الايمان بالوحي الصادق
الذي: * (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) * (1) وهذا أدل دليل لمن تأمله.
علوت عن المثابة والمداني * إذا يتلى مديحكم في المثاني
غد المختار منك وأنت منه * نظير في المناصب والمعاني

1 - سورة فصلت: 41 / 42.
196

الفصل السادس عشر
في قوله تعالى: * (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) * (1).
وفي قوله تعالى: * (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) * (2).
142 - من تفسير الثعلبي: في قوله تعالى: * (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم
ويحبونه) *.
قال الثعلبي: قوله تعالى: * (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) * قال:
نزلت في علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم (3).
في قوله تعالى: * (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) * (4).
143 - من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم: قال أبو نعيم: حدثنا
محمد بن الحسن بن كوثر، قال: حدثنا محمد بن سليمان، قال حدثنا عبيد الله
بن موسى، قال: حدثنا العلاء بن صالح، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد
الله، قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: أنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب،
ولقد صليت قبل الناس سبع سنين (5).

1 - سورة المائدة: 5 / 54.
2 - سورة الحديد: 19 / 57.
3 - ينظر التفسير الكبير 12 / 20 - مستدرك الحاكم 3 / 132.
4 - سورة الحديد: 57 / 19.
5 - معرفة الصحابة 1 / 30 فضائل الصحابة 2 / 586 ح / 993.
197

144 - وبالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا أبو بكر بن خلاد، قال: حدثنا
محمد بن يونس وحدثنا إبراهيم بن [أحمد بن] أبي حصين قالا: حدثنا عبيد
بن غنام، قال: حدثنا الحسن بن عبد الرحمان الأنصاري، قال: حدثنا عمرو بن
جميع، عن ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى بن عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن أبيه
[عبد الرحمان، عن أبيه أبي ليلى داود بن بلال] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين، وحزبيل (1) مؤمن آل فرعون
وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم (2).
145 - ومن مسند أحمد بن حنبل بالاسناد المقدم قال: حدثنا عبد الله
بن أحمد بن حنبل، قال: وفيما كتب إلينا عبد الله بن غنام الكوفي: يذكر أن
الحسن بن عبد الرحمان بن أبي ليلى المكفوف حدثهم، قال: أخبرنا عمرو بن
جميع البصري، عن محمد بن أبي ليلى، عن عيسى بن عبد الرحمان: عن عبد
الرحمان بن أبي ليلى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الصديقون ثلاثة: حبيب
بن موسى النجار مؤمن آل ياسين الذي قال: * (يا قوم اتبعوا المرسلين) * (3).
وحزبيل مؤمن آل فرعون الذين قال: * (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) * (4)
وعلي بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم (5).

1 - في ضبط اسمه خلاف، فقد جاء حربيل، خربيل، حزبيل، حزقيل، وذكر القرطبي في
تفسيره 15 / 306: ان اسمه حبيب وقيل شمعون، وفي تاريخ الطبري اسمه حبرك، ويقال انه
كان ابن عم فرعون. قاله السدى، قال وهو الذي نجا موسى عليه السلام.
2 - شواهد التنزيل 2 / 223.
3 - سورة يس: 36 / 20.
4 - سورة غافر: 40 / 28.
5 - فضائل الصحابة 2 / 655 ح / 1117.
198

146 - من الجزء الثاني من أجزاء اثنين من كتاب " الفردوس " تصنيف
ابن شيرويه الديلمي في باب " الصاد " بالاسناد المقدم قال: عن داود بن بلال،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس، وحزبيل
مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب عليه السلام وهو أفضلهم (1).
147 - ومن طريق الفقيه وأبي الحسن علي بن المغازلي الشافعي الواسطي
- رحمه الله تعالى - بالاسناد المقدم قال:
أخبرنا علي بن محمد بن عبد الوهاب - إذنا - قال: أخبرنا عمر بن عبد الله
بن شوذب، قال: حدثنا محمد بن [سمعان] (2) المعدل الواسطي الحافظ، قال:
حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة وأحمد بن عمار بن خالد قالا: حدثنا الحسن
بن عبد الرحمان بن أبي ليلى، قال: حدثنا عمرو بن جميع البصري، عن محمد
بن عبد الرحمان بن أبي ليلي [عن أخيه عيسى بن عبد الرحمان] (3) عن أبي عيسى
عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن أبيه [أبي ليلى] عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الصديقون
ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس الذي قال: * (يا قوم اتبعوا المرسلين) * (4).
وحزبيل مؤمن آل فرعون الذي قال: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) (5)
وعلي بن أبي طالب عليه السلام وهوا فضلهم (6).
قال يحيى بن الحسن: واعلم أن هذا الفصل قد جمع أشياء كلها توجب

1 - فردوس الاخبار 2 / 581.
2 و 3 - ما بين المعقوفتين من " العمدة " وفيه أيضا: العدل الواسطي.
4 - سورة يس: 36 / 20.
5 - سورة غافر: 40 / 28.
6 - مناقب ابن المغازلي / 246.
199

لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ولاء الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
منها قوله سبحانه وتعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) (1)
وإذا كان أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي يحبه الله وتعالى وهو يجب الله تعالى فقد وجب
الاقتداء به والولاء له زيادة على من لم ترد آية في حب الله تعالى له.
وفي ذلك غاية المدحة له ووجوب الاقتداء به وفقد النظير له عليه السلام.
ومنها قوله سبحانه وتعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم
الصديقون) (2).
وإذا كان عليه السلام صديقا بقول الله تعالى، وبقول رسول الله صلى الله عليه وآله فقد وجب
الاقتداء به والتميز له على ساير الخلق.
والصدق: خلاف الكذب، والصديق: هو الملازم للصدق الدائم عليه،
والصديق: من صدق عمله قوله.
ذكر ذلك أحمد بن فارس اللغوي في كتاب " المجمل في اللغة " وذكره
[أيضا] أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري في كتاب " الصحاح في اللغة ".
وإذا كان هذا هو معنى الصدق والصديق.
والصديق ينقسم ثلاثة أقسام: صديق يكون نبيا [وصديق يكون إماما
وصديق يكون عبدا صالحا لا نبي ولا إمام] [ومما يدل على كون الصديق نبيا] هو
قوله تعالى: (واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا) (3) وقوله تعالى:

1 - سورة المائدة: 5 / 54.
2 - سورة الحديد: 57 / 19.
3 - سورة مريم: 19 / 56.
200

(يوسف أيها الصديق) (1) وكل نبي صديق وليس كل صديق نبيا.
وما يدل على كون الصديق إماما قوله تعالى: (أولئك مع الذين أنعم الله
عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) (2) فذكر سبحانه وتعالى
النبيين، ثم ثنى بذكر الصديقين لأنه ليس بعد النبيين في الذكر أخص من الأئمة.
فدل هذا [الكلام من] الوحي العزيز والخبر الصحيح على وجوب إمامة مولانا أمير المؤمنين قول النبي صلى الله عليه وآله: " الصديقون ثلاثة: حبيب وحزبيل وعلي بن
أبي طالب عليه السلام وهو أفضلهم " (3) فلما شرحهما معه في لفظة " الصديق " أراد إفراده
عنهما بما لا يكون لهما وهي الإمامة فقال صلى الله عليه وآله: وهو أفضلهم تنبيها على وجوب
إمامته واتباعه.
إليك مصير الفضل والوحي ناطق
وأنت ولي الأمر والله شاهد
مشاهد من فعل الرسول شواهد
عليها ومن وحي العزيز شواهد

1 - سورة يوسف: 12 / 46.
2 - سورة النساء: 4 / 69.
3 - ينظر مناقب ابن المغازلي / 245، فضائل الصحابة 2 / 627 ح / 1072.
201

الفصل السابع عشر
في قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) (1).
148 - من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم: قال الحافظ أبو نعيم:
حدثنا أبو بكر بن خلاد، قال حدثنا أحمد بن علي الخزاز، قال: حدثنا محمود بن
الحسين المروزي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن
يحيى بن مالك الضبي، قال حدثنا محمد بن سهل الجرجاني وحدثنا محمد
بن إبراهيم بن علي قالا: حدثنا أبو عمرو، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال:
حدثنا عبد الرزاق، قال أخبرنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس -
- رضي الله عنه - في قوله عز وجل: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا
وعلانية) قال: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام، كانت معه أربعة دراهم فأنفق
بالليل درهما وبالنهار درهما وفي السر واحدا وفي العلانية واحدا (2).
وقال سلمة: وسرا درهما وعلانية درهما.
149 - ومن تفسير الثعلبي بالاسناد المقدم قال: وروى مجاهد، عن ابن
عباس - رضي الله عنه - قال: كان عند علي بن أبي طالب عليه السلام أربعة دراهم لا

1 - سورة البقرة: 2 / 274.
2 - أسباب النزول / 84، التفسير الكبير / 7 / 89 - تفسير الدر المنثور 1 / 363 تفسير الكشاف
1 / 164، أسد الغابة 4 / 25.
203

يملك سواها، فتصدق بدرهم سرا، وبدرهم علانية، ودرهم ليلا، ودرهم
نهارا، فنزلت هذه الآية.
قال يحيى بن الحسن: واعلم أن هذا الفصل قد جمع من فقد النظير لمولانا
أمير المؤمنين عليه السلام ما جمعه الفصل المتقدم وهو أنه سبحانه وتعالى قال: (الذين
ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) فأظهر سبحانه وتعالى ميزته بذكر
مدحه على اليسير من الصدقة ولم يرد في غيره ذكر ميزة لكبيرة من النفقة
ولا لقليل، وفيه فقد المناظرة والمشابهة له صلى الله عليه وآله.
أنت الذي نطق الكتاب بفضله * بشواهد في الذكر غير خواف
لما رآك الله أهلا للثنا * نطق الكتاب بكل شاف كاف
204

الفصل الثامن عشر
في قوله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا) (1) وانه ما انزل في القرآن
من آية: (يا أيها الذين آمنوا) الا وعلي رأسها وأميرها وشريفها.
وفي قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) (2).
150 - من طريق الحافظ أبي نعيم: من الجزء الأول من كتاب " حلية الأولياء "
بالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم حدثنا محمد بن عمرو بن غالب قال: حدثنا
محمد بن أحمد بن [أبي] خيثمة، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال حدثنا موسى
بن عثمان الحضرمي عن الأعمش عن مجاهد: عن ابن عباس - رضي الله عنه -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أنزل الله تعالى آية فيها: (يا أيها الذين آمنوا) إلا
وعلي رأسها وأميرها (3).
[قال أبو نعيم:] كذا حدثنا به مرفوعا.
151 - [ثم] قال [أبو نعيم]: وحدثنا محمد بن عمر بن سالم قال: حدثنا
علي بن العباس قال: حدثنا عباد بن يعقوب قال: وحدثنا محمد بن عمر قال حدثنا

1 - ينظر تعليقنا في صفحة....
2 - سورة الأحزاب: 33 / 56.
3 - حلية الأولياء 1 / 64.
205

عبد الله بن محمد البزار قال: حدثنا أحمد بن الحسين النسائي قال: حدثنا حفص
بن عمر العمري قال: حدثنا عصام بن طليق، عن ليث، عن مجاهد عن ابن عباس
- رضي الله عنه - قال: ما أنزل الله من آية: (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي سيدها
وشريفها (1).
152 - ومن مسند أحمد بن حنبل بالاسناد المقدم قال: حدثنا عبد الله
بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا إبراهيم بن شريك الكوفي قال: حدثنا زكريا بن
يحيى الكسائي، قال: حدثنا عيسى الراشد عن علي بن بذيمة، عن عكرمة، عن
ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعته يقول: ليس من آية في القرآن فيها: (يا أيها
الذين آمنوا) إلا وعلي رأسها وأميرها وشريفها ولقد عاتب الله عز وجل
أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن وما ذكر عليا إلا بخير (2).
153 - ومن تفسير الثعلبي: في قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون
على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (3) بالاسناد المقدم
قال: أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا المطيري، حدثنا علي بن حرب، حدثنا أبو
الحسن بن أبي الفضل العبدي، حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا الحسن
بن عرفة، حدثنا هشيم بن بشير، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن أبي ليلى
حدثني كعب بن عجرة قال: لما نزلت: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا
أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

1 - يراجع شواهد التنزيل 1 / 48 وما بعده.
2 - فضائل الصحابة 2 / 654، كفاية الطالب / 140 معرفة الصحابة 1 / 298 ومجمع
الزوائد 9 / 112.
3 - سورة الأحزاب: 33 / 56.
206

قلنا: يا رسول الله قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال:
قولوا: اللهم صل على محمد و [على] آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى
آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1).
154 - ومن صحيح البخاري: في الجزء الرابع من أجزاء ثمانية قريب من
أوله بالاسناد المقدم قال: حدثنا قيس بن حفص وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا
عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا أبو فروة مسلم بن سالم الهمداني، حدثني
عبد الله بن عيسى، انه سمع عبد الرحمان بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة
فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وآله؟ فقلت: بلى فاهدها [إلي]،
فقال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟
فإن الله قد علمنا كيف نسلم.

1 - الصواعق المحرقة فصل الآيات، الآية الثانية وفيه: صحح عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت
هذه الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك.
فقال. قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إلى آخره، فسؤالهم بعد نزول الآية
واجابتهم باللهم صلى على محمد وعلى آل محمد إلى آخره دليل ظاهر على أن الامر بالصلاة
على أهل بيته وبقية آله مراد من هذه الآية والألم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقب
نزولها ولم يجابوا بما ذكر، فلما أجيبوا به دل على أن الصلاة عليهم من جملة المأمور به وأنه صلى
الله عليه وسلم أقامهم في ذلك مقام نفسه لان القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه، ومنه
تعظيمهم ومن ثم لما أدخل من مر في الكساء قال: اللهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلاتك
ورحمتك ومغفرتك ورضوانك علي وعليهم، وقضية استجابة هذا الدعاء أن الله صلى عليهم
معه فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه.
ويروي: لا تصلوا على الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء قال تقولون: اللهم صل على
محمد وتمسكون، بل قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.
207

قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1).
155 - ومن صحيح مسلم: في الجزء الرابع من أجزاء ستة في نصف
المجلد بالاسناد المقدم قال بالطريق المتقدم في صحيح البخاري قال: قلنا يا رسول
الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟
فقال صلى الله عليه وآله: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على
إبراهيم وآل إبراهيم (2).
قال يحيى بن الحسن: واعلم أن هذا الفصل قد جمع من الوحي العزيز
أشياء كلها توجب السيادة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأن لا نظير له.
منها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا) وأنه ما من آية (يا أيها الذين
آمنوا) الا وعلي عليه السلام سيدها وأميرها ورأسها وشريفها.
وإذا كان سيد (الذين آمنوا) ورأسهم وشريفهم وأميرهم، فقد عدم
نظيره في " الذين آمنوا " لان السيد والأمير والرأس والشريف أولى بالقدمة ممن لم
يحصل له هذه المنازل.
ولأن هذه الخلال الحميدة الجميلة توجب القدمة والسيادة، فإذا اجتمعت
كلها فيه كان الاقتداء به أسلم والايتمام به أحزم.
ومنها قوله سبحانه وتعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها
الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (3) فأمر سبحانه وتعالى بالصلاة على

1 - صحيح البخاري كتاب بدء الخلق 4 / 146.
2 - صحيح مسلم 2 / 16.
3 - سورة الأحزاب: 33 / 56.
208

أمير المؤمنين وزوجته وولديه، فمن كان مؤمنا دخل تحت هذا الامر بدليل قوله
تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
و [مما] دل على أن الصلاة متوجهة إليهم عليه السلام ما قدمناه من الصحيحين
وغيرهما من سؤال الأمة للنبي صلى الله عليه وآله أما السلام عليك يا رسول الله فقد عرفناه
فكيف الصلاة عليك؟
وفي لفظ البخاري " فكيف الصلاة عليكم أهل البيت ".
فقال صلى الله عليه وآله: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد.
و [مما] يدل على أن ذلك بوحي الله تعالى قوله سبحانه وتعالى في حق
رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى) (1) فلما عرفنا تعالى
ان كلما أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله بوحيه سبحانه وتعالى قال موجبا لامتثال أمره: (وما
آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (2) وقد أمر صلى الله عليه وآله أن لا يصلي عليه
إلا ويتبع بالصلاة على أهل بيته وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين بدليل ما
تقدم من الوحي العزيز فيما ذكرناه في باب ذكر قوله تعالى: (انما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (3).
" ان في هذا لبلاغا لقوم يعقلون ".
نطقت بوحي الله فيك خصائص * خير الأنام نذيرها وسفيرها
ما عصبة الا وأنت وليها * وكذاك مولاها وأنت أميرها

1 - سورة النجم: 53 / 3.
2 - سورة الحشر: 59 / 7
3 - سورة الأحزاب: 33 / 33.
209

الفصل التاسع عشر
في قوله سبحانه وتعالى: (مرج البحرين يلتقيان) (1).
وفي قوله تعالى: (سلام على ال ياسين) (2)
وفي قوله تعالى: (ومن عنده علم الكتاب) (3).
وفي قوله سبحانه وتعالى: (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم لتقوى) (4).
وفي قوله تعالى: (أولئك حزب الله ألا ان حزب الله هم المفلحون) (5).
وفي قوله تعالى: (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) (6)
156 - من طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: (مرج البحرين

1 - سورة الرحمن: 55 / 19.
2 - سورة الصافات: 37 / 130 - ما تجدر الإشارة إليه، في هذا الصدد، أن كلا من ابن عامر
ونافع ورويس عن يعقوب قرأوا " آل يس " بفتح الألف وكسر اللام المقطوعة من ياسين،
والباقون " الياسين " بكسر الألف وسكون اللام موصولة بياسين... ينظر تفسير مجمع البيان.
وفي حجة القراءات 610:... قال ابن عباس: سلام على آل ياسين اي: على آل محمد صلى الله عليه وآله...
وما ذكر في المتن يناسب قراءة الأولى.
3 - سورة الرعد: 13 / 43.
4 - سورة الحجرات: 49 / 3.
5 - سورة المجادلة: 58 / 22.
6 - سورة الأنعام: 6 / 159.
211

يلتقيان) بالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم: أخبرني أبو إسحاق بن حمزة
- إجازة - قال: حدثنا القاسم بن خلف، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد،
قال: حدثنا حسين الأشقر، قال: حدثنا اللحم بن ظهير، عن السدي، عن
أبي مالك، عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله عز وجل: (مرج البحرين
يلتقيان) قال: علي وفاطمة (بينهما برزخ لا يبغيان) النبي صلى الله عليه وآله: (يخرج منهما
اللؤلؤ والمرجان) قال: الحسن والحسين عليهما السلام (1).
157 - ومن تفسير الثعلبي من سورة " الرحمن " [في تفسير] قوله تعالى:
(مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)
بالاسناد المقدم قال الثعلبي:
وأخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين [ابن فنجويه] الدينوري [قال:]
حدثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال: قرأ أبي على أبي محمد بن الحسن
بن علوية القطان من كتابه وأنا أسمع، حدثنا بعض أصحابنا، حدثني رجل من
أهل مصر يقال له " طسم "، حدثنا أبو حذيفة، عن أبيه، عن سفيان الثوري في
قوله الله عز وجل: (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان).
[قال: فاطمة وعلي، (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان] (2) قال: الحسن
والحسين عليهما السلام (3).
- قال الثعلبي وروي هذا القول أيضا عن سعيد بن جبير وقال: (بينهما

1 - ينظر شواهد التنزيل 2 / 208 وما بعده.
2 - ما بين المعقوفتين من كتاب " العمدة ".
3 - ينظر تفسير الدر المنثور 6 / 142 - شواهد التنزيل 2 / 209.
212

برزخ): محمد صلى الله عليه وآله (1).
158 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم: في قوله تعالى: (سلام على ال
ياسين) (2) بالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا محمد بن علي بن حبيش،
قال: حدثنا الهيثم بن خلف، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، وحدثنا صباح
بن محمد النهدي، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن حفص، قال: حدثنا عباد
بن يعقوب، قال: حدثنا موسى بن عثمان الحضرمي، عن الأعمش، عن مجاهد
عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: (سلام على ال ياسين) قال:
آل محمد صلى الله عليه وآله (3).
159 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: (ومن عنده علم
الكتاب) (4) بالاسناد المقدم قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن
مخلد، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شبية، قال: حدثنا زكريا بن يحيى،
قال: حدثنا إسماعيل بن سليمان، عن ابن الحنفية في قوله عز وجل: (قل
كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: هو علي بن أبي
طالب عليه السلام (5).
160 - ومن تفسير الثعلبي بالاسناد المقدم قال: أخبرني أبو محمد عبد الله
بن محمد القايني حدثنا القاضي أبو الحسن محمد بن عثمان النصيبي

1 - يراجع شواهد التنزيل 2 / 208، غاية المرام / 414 نقلا عن تفسير الثعلبي.
2 - سورة الصافات: 37 / 130.
3 - شواهد التنزيل: 2 / 110.
4 - سورة الرعد: 13 / 43.
5 - يراجع شواهد التنزيل 1 / 309.
213

ببغداد حدثنا أبو بكر السبيعي بحلب، حدثني الحسن بن إبراهيم بن الحسن
الجصاص أخبرنا حسين بن حكم، أخبرنا سعيد بن عثمان، عن أبي مريم،
حدثني عبد الله بن عطا قال: كنت جالسا مع أبي جعفر في المسجد فرأيت ابن
عبد الله بن سلام فقلت: هذا [ابن] الذي عنده علم الكتاب؟ فقال: إنما ذلك
علي بن أبي طالب عليه السلام (1).
161 - قال: وعن السبيعي: حدثنا عبد الله بن محمد بن منصور، عن الجنيد
الرازي، حدثنا محمد بن الحسين بن إشكاب، حدثنا أحمد بن مفضل، حدثنا
جندل بن علي، عن إسماعيل بن سمعان، عن أبي عمر زاذان عن ابن الحنفية [في
قوله تعالى:] (ومن عنده علم الكتاب) قال: هو علي بن أبي طالب عليه السلام.
162 - ومن طريق الفقيه أبي الحسن علي بن المغازلي الشافعي الواسطي
بالاسناد المقدم قال:
أخبرنا أحمد بن طاوان - إذنا - أن أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب
أخبرهم، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد العسكري، قال: حدثنا محمد
بن عثمان، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، قال: حدثنا علي بن عباس
قال [لما] دخلت انا وأبو مريم على عبد الله بن عطاء قال [له] أبو مريم: حدث عليا
بالحديث الذي حدثتني عن أبي جعفر عليه السلام.
قال: كنت عند أبي جعفر جالسا إذ مر عليه ابن عبد الله بن سلام، قلت:
جعلني الله فداك هذا بن الذي عنده علم الكتاب؟ قال: لا ولكنه صاحبكم علي بن
أبي طالب الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله عز وجل: (ومن عنده علم

1 - شواهد التنزيل 1 / 308.
214

الكتاب) (1) (أفمن كان بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) (2) (إنما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا) (3)، (4).
163 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم: في قوله تعالى: (أولئك الذين
امتحن الله قلوبهم للتقوى) (5) بالاسناد المقدم: قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا
محمد بن حميد قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، قال: حدثنا عبد
الرحمان بن عمر، قال: حدثنا عمي وأبو مالك الجنبي، عن الأجلح الكندي، عن
قيس الأشعري، عن ربعي بن حراش قال: خطبنا علي بن أبي طالب عليه السلام بالمدائن
فقال: جاء سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أردد علينا أبناءنا وأرقاءنا فإنما
خرجوا تعوذا بالاسلام.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: لا تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلا امتحن
الله قلبه للايمان، الحديث بتمامه (6).
164 - ومن طريق أبي نعيم أيضا: في قوله تعالى: (أولئك حزب الله ألا
ان حزب الله هم المفلحون) (7) بالاسناد المقدم قال: حدثنا محمد بن حميد،
قال: حدثنا علي بن الحسين بن حيان، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن ضريس،

1 - سورة الرعد: 13 / 43.
2 - سورة هود: 11 / 17.
3 - سورة المائدة: 5 / 55.
4 - مناقب ابن المغازلي / 313.
5 - سورة الحجرات: 49 / 3.
6 - صحيح الترمذي 5 / 634، كفاية الطالب / 97، خصائص النسائي / 54، مستدرك
الصحيحين 2 / 137 و 125، مسند أحمد 1 / 155، فضائل الصحابة 2 / 649.
7 - سورة المجادلة: 58 / 22.
215

قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: حدثني أبي،
عن جده، عن علي قال: قال لي سلمان: قلما اطلعت على رسول الله صلى الله عليه وآله يا أبا
الحسن إلا ضرب بين كتفي وقال: [يا سلمان] هذا وحزبه هم المفلحون (1).
65 - من تفسير الثعلبي: في قوله تعالى: (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا
شيعا) (2) بالاسناد المقدم قال الثعلبي: قال زاذان أبو عمر: قال لي علي عليه السلام:
أبا عمر أتدري [علي] كم افترقت اليهود؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: افترقت
علي إحدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة هي الناجية.
أتدري كم افترقت النصارى؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: افترقت على
اثنين وسبعين فرقة، كلها في الهاوية الا واحدة، هي الناجية.
أتدري [على] كم تفترق هذه الأمة؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: تفترق
على ثلاث وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة هي الناجية.
ثم قال: أتدري على كم تفترق في؟ قلت: وانه لتفرق فيك؟ قال: نعم
تفترق في اثنتا عشر فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة هي الناجية وأنت منهم يا [أ]
با عمر (3).
قال يحيى بن الحسن: اعلم أن هذا الفصل قد اشتمل على أشياء من
الوحي العزيز كلها توجب لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ولاء الأمة.
منها قوله تعالى: (سلام على ال يس) (4) ومن سلم الله تعالى عليه فقد

1 - شواهد التنزيل 1 / 68 وما بين المعقوفتين منه.
2 - سورة الأنعام: 6 / 159.
3 - يراجع تفسير الكشاف 1 / 537 مع اختلاف
4 - سورة الصافات: 37 / 130.
216

رفع قدره على كل قدر، وميزه بالاصطفاء والاجتباء، وفي ذلك [دليل على] فقد
النظير له ولزوجته ولولديه صلى الله عليهم.
منها قوله تعالى: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم
الكتاب) (1) وإذا كان القديم تعالى قد أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحاج أمته في تصديق
نبوته، ثم جعل على صدق دعواه شهادته لا يبقى بعدها التماس دليل ثان وهي
شهادته تعالى بصدق دعوى رسوله في نبوته وشرك تعالى مع شهادته في التصديق
شهادة مولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه.
ومن جعل قرينا في الشهادة مع شهادة الله سبحانه وتعالى فقد وجب تفرده
بعلو المنزلة، وهذا من أبلغ التنبيه على أنه مستحق ولاء الأمة، وليس ذلك ببعيد
من خصائص الله تعالى له، وذلك مضافا لقوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (2).
فأوجب له سبحانه وتعالى في تلك الآية من قبول الشهادة ونفوذ حكمها
ما أوجب لنفسه تعالى، وأوجب له عليه وآله السلام في هذه الآية ما أوجب لنفسه
تعالى من فرض الطاعة له ولرسوله صلى الله عليه وآله، وفي هذا كفاية لمن أراد النجاة.
ومن نطق الوحي العزيز بأن عنده علم الكتاب فقد ثبت انه من الراسخين
في العلم بقول الله تعالى، بدليل قوله سبحانه وتعالى: (ما يعلم تأويله الا الله
والراسخون في العلم) (3).
ومن تفرد بعلم الكتاب وكان من الراسخين في العلم وجب له فرض ولاء

1 - سورة الرعد: 13 / 43.
2 - سورة المائدة: 5 / 55.
3 - سورة آل عمران: 3 / 7.
217

الأمة دون من عداه وفقد نظيره.
ومنها قوله تعالى: (أولئك حزب الله إلا إن حزب الله هم المفلحون) (1).
ومن كان حزب الله تعالى وأخبر تعالى أن حزبه هم المفلحون، وجب
الاقتداء به والاتباع له ليكون المقتدي به من المفلحين.
وفي هذا أوفى تنبيه على وجوب اتباعه.
يا من به للدين فخر والهدى * نور وفي ليث العلوم تمائم
ومن الذي لولا شباة حسامه * ما قام للاسلام قط دعائم
يا من له فصل الخطاب وعنده * علم الكتاب ومن عنده القائم (2).

1 - سورة المجادلة: 58 / 22.
2 - البيت محرف والظاهر كونه بهذه الصورة يا من له الخطاب وعنده علم الكتاب ومن نبيه
القائم.
218

الفصل العشرون
في قوله سبحانه وتعالى: (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فرع
يومئذ آمنون) (1).
وفي قوله [تعالى]: (وكفى الله المؤمنين القتال) (2).
وفي قوله تعالى: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) (3).
166 - من طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله
خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في
النار) بالاسناد المقدم:
قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا ابن شريك، قال: حدثنا أحمد بن محمد
بن سعيد أبو العباس، قال: حدثنا محمد بن الحسين الجنيني، قال: حدثنا أرطأة
بن حبيب، قال: حدثنا فضيل بن الزبير، عن عبد الملك - يعني ابن زاذان - وأبي
داود، عن أبي عبد الله الجدلي قال: قال لي علي عليه السلام: الا أنبئك بالحسنة التي من
جاء بها ادخله الله الجنة، والسيئة التي من جاء بها أكبه الله في النار، ولم يقبل له

1 - سورة النمل: 27 / 89.
2 - سورة الأحزاب: 33 / 25.
3 - سورة الإسراء: 17 / 71.
219

عملا؟.
قلت بلى، ثم قرأ: (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ
آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار).
ثم قال: يا أبا عبد الله " الحسنة " حبنا، و " السيئة ": بغضنا (1).
167 - ومن تفسير الثعلبي بالاسناد المقدم قال: وأخبرني أبو عبد الله محمد
بن عبد الله بن محمد القايني، أخبرنا القاضي أبو الحسن محمد بن عثمان النصيبي
ببغداد، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين السبيعي بحلب، حدثنا الحسين
بن إبراهيم الجصاص، أخبرنا حسين بن الحكم، أخبرنا إسماعيل بن أبان، عن
فضيل بن الزبير، عن أبي داود السبيعي، عن أبي عبد الجدلي قال: دخلت على
علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله فقال: يا أبا عبد الله ألا أنبئك بالحسنة التي
من جاء بها أدخله الله الجنة؟ والسيئة التي من جاء بها أكبه الله في النار ولم يقبل منه
عملا؟ قلت: بلى قال: الحسنة: حبنا، والسيئة: بغضنا (2).
168 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: (وكفى الله المؤمنين
القتال) (3) بالاسناد المقدم قال: حدثنا أبو بكر بن القمص، قال: حدثنا محمد بن
الحسين بن حفص، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا أبو القاسم الفضل
[بن القاسم، عن سفيان الثوري، عن زبيد] عن مرة، عن عبد الله إنه كان يقرأ هذه
الآية: (وكفى الله المؤمنين القتال) بعلي بن أبي طالب عليه السلام (4).

1 - ينظر شواهد التنزيل 1 / 428.
2 - رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 1 / 426.
3 - سورة الأحزاب: 33 / 25.
4 - شواهد التنزيل 2 / 3 وما بين المعقوفتين منه، تفسير الدر المنثور 5 / 192 كفاية الطالب / 234.
220

169 - ومن تفسير الثعلبي: في قوله تعالى: (يوم ندعو كل أناس
بإمامهم) (1) بالاسناد المقدم قال: حدثنا أبو القاسم يعقوب بن أحمد الأرغياني،
قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله العماني، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله
بن أحمد بن عامر الطائي، حدثني أبي، حدثني علي بن موسى الرضا عليه السلام،
حدثني أبي موسى بن جعفر، حدثني [أبي جعفر بن محمد حدثني أبي] محمد بن
علي [حدثني أبي علي] بن الحسين، حدثني أبي الحسين بن علي، حدثني أبي علي
بن أبي طالب صلوات الله عليه قال: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله عز وجل:
(يوم ندعو كل أناس بإمامهم) بإمام زمانهم، وكتاب ربهم عز وجل وسنة
نبيهم (2).
قال يحيى بن الحسن: واعلم أن هذا الفصل قد جمع من فقد النظير لمولانا
أمير المؤمنين صلى الله عليه من وجوب ولاء الأمة أشياء:
من قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ
آمنون ومن جاب السيئة فكبت وجوههم في النار) (3) وإذا كانت الحسنة التي
من جاء بها أدخله الله الجنة هي حبه صلى الله عليه، والسيئة التي من جاء بها أكبه
الله على وجهه في النار هي بغضه، فقد وجب الامر [له] بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ووجب له ولاء الأمة لان الغرض من اتباع الأمة لإمامهم أن يدخلوا باتباعه الجنة،
وأن ينجوا باتباعه من النار، وليس ذلك إلا لمن وجب له من ولاء الأمة ما وجب لله
تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله بدليل قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا

1 - سورة الإسراء: 17 / 71.
2 - غاية المرام / 272 نقلا عن تفسير الثعلبي.
3 - سورة النمل: 27 / 89.
221

الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1) وهي خاصة به صلى الله
عليه آله وقد تقدم ذلك.
فقد ثبت لنا طريق معرفة دخول الجنة وهي حبه، ومعرفة طريق دخول النار
وهي بغضه صلى الله عليه وآله، كل ذلك بوحي الله (الذي لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) (2).
ومنها قوله تعالى: (وكفى الله المؤمنين القتال) وإذا كان الله تعالى قد كفى
المؤمنين القتال بعلي صلوات الله عليه، فقد قام قتاله صلى الله عليه مقام كل مؤمن
لموضع كفايته عن جميع المؤمنين.
ومن قام بأمر الله تعالى كافيا بجميع المؤمنين القتال، فقد وجب له القدمة
على جميع الأمة بدليل أنه قام مقامها في الكفاية بأمر الله تعالى بذلك، وهذا مالا
نظير له فيه من جميع خلق الله تعالى من الأمة.
وفي هذا نهاية التنبيه على وجوب اتباعه والاقتداء به صلى الله عليه وفي
هذا كفاية لمستنصر وهداية لمستبصر.
زهت المنابر والماثر باسمه * وبمدحه يزهو الكتاب المنزل
عدم النظير له فساد لما روى * من فضله التنزيل والمتزمل

1 - سورة المائدة: 5 / 55.
2 - سورة فصلت: 41 / 42.
222

الفصل الحادي والعشرون
في قوله تعالى: (يا أيها الناس علمنا منطق الطير) (1).
وفي قوله سبحانه وتعالى: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) (2).
وفي قوله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير
البرية) (3).
170 - من تفسير الثعلبي في قوله تعالى: (يا أيها الناس علمنا منطق
الطير) بالاسناد المقدم قال الثعلبي باسناده: (يا أيها الناس علمنا منطق الطير)
قال: يقول القنبرة في صياحه: اللهم العن باغضي آل محمد صلى الله عليهم (4).
171 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم:
حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الكندي وأحمد بن جعفر النسائي، قالا:
حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني، قال: حدثنا
محمد بن حسان، قال: حدثني أبو الأحوص، عن زبيد اليامي، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أول من يكسى

1 - سورة النمل: 27 / 16.
2 - سورة التحريم: 66 / 8.
3 - سورة البينة: 98 / 6.
4 - روي نظيره ابن المغازلي في مناقبه / 143.
223

يوم القيامة إبراهيم لخلته، ثم أنا لصفوتي، ثم يزف (1) علي بن أبي طالب عليه السلام بيني
وبين إبراهيم عليه السلام زفا إلى الجنة (2).
172 - وبالاسناد [المقدم] قال أبو نعيم: وفيما أخبرني به إبراهيم بن
محمد - إجازة - قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق بن دينار، قال: حدثنا حي بن
خالد الهاشمي قال: حدثنا سلام الطويل، عن زبيد اليامي، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: إن أول من يكسي من حلل الجنة إبراهيم
عليه السلام لخلته من الله، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه صفوة الله، ثم علي عليه السلام يزف بينهما إلى
الجنان، ثم قرأ ابن عباس: (3) (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) (4)
قال: علي وأصحابه.
173 - [و] من طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: (إن الذين آمنوا
وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) (5) بالاسناد المقدم قال أبو نعيم: حدثنا
أبو محمد بن حيان، قال: حدثنا إسحاق بن أحمد الفارسي، قال: حدثنا حفص
بن عمر المهرقاني، قال: حدثنا حيويه - يعني إسحاق بن إسماعيل - عن عمر بن
هارون، عن عمرو، عن جابر، عن محمد بن علي وتميم بن حذلم، عن ابن عباس
- رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه الآية: (إن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات أولئك هم خير البرية) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: هم أنت
وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين ومرضيين، ويأتي عدوك غضابا

1 - يزف: يسرع
2 - 4 - ينظر نظيره في كنز العمال 11 / 615 و 616، الرياض النضرة 2 / 171 و 185.
3 - سورة التحريم: 66 / 8.
5 - سورة البينة: 98 / 7.
224

مقحمين (1).
174 - وبالاسناد المقدم قال أبو نعيم: وفيما أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن
المروزي قال: حدثنا عبد الحكيم بن ميسرة، عن شريك بن عبد الله، عن أبي
إسحاق، عن الحارث قال: قال لي علي عليه السلام: نحن أهل بيت لا نقاس.
فقام رجل فأتى عبد الله بن عباس [فذكر له ما سمعه من علي] فقال ابن
عباس - رضي الله عنه -: صدق علي، أوليس كان النبي صلى الله عليه وآله لا يقاس بالناس؟ ثم
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في علي: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات
أولئك هم خير البرية) (2).
قال يحيى بن الحسن: اعلم أن هذا الفصل قد جمع أشياء كلها توجب
لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله ولاء الأمة.
منها ان المنزلة التي افتخر بها سليمان عليه السلام وقال: (يا أيها الناس علمنا منطق
الطير) (3) قد حصلت لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وإذا كان القنبر [وهو] طير لا يتعلق
به التكليف، قد كلف باللعنة لأعداء أمير المؤمنين، ومن أنطق الله الطير بلعنة
أعدائه وجب تفرده بعلو المنزلة وفقد النظارة.
ومنها كونه أول من يكسى يوم القيامة ويزف إلى الجنة بين خليل الله تعالى
وحبيبه، ومن أدرك ذلك بوحي الله تعالى، فقد عدم نظيره ووجب تفرده.
ومنها قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير

1 - شواهد التنزيل 2 / 357 وفيه: غضبانا مقحمين، الصواعق المحرقة، فصل الآيات الآية
الحادية عشرة وفيه: قال: ومن عدوي؟ قال: من تبرأ منك ولعنك
2 - نظيره في شواهد التنزيل 2 / 197.
3 - سورة النمل: 27 / 16.
225

البرية) وقد جعلت خاصة له وفي شيعته بقول من " لا ينطق عن الهوى إن هو إلا
وحي يوحى " (1) فوجب تفرده ووجب له ولاء الأمة من حيث إن وليه يكون من
خير البرية، فقد علا قدره، وتميز عن سائر الخليقة.
وفي هذا من الحث والتنبيه على وجوب اتباعه ما لا مزيد عليه " ان في ذلك
لايات للمتوسمين " (2).
يا من به للمحب ملتزم * ومن به للولي معتصم
ومن به للنبي منتصر * ومن به للاله منتقم

1 - اقتباس من آيات 3 و 4 من سوره النجم.
2 - سورة الحجر: 15 / 75.
226

الفصل الثاني والعشرون
في قوله سبحانه وتعالى: (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (1).
وفي قوله تعالى: (هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) (2).
وفي قوله تعالى: (وتواصوا بالصبر) (3).
وفي قوله تعالى: (طوبى لهم وحسن مآب) (4).
وفي قوله: (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجويكم صدقات) (5).
175 - من تفسير الثعلبي في قوله تعالى: (فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا
تعلمون) بالاسناد المقدم قال الثعلبي بإسناده، قال جابر الجعفي: لما نزلت هذه
الآية، قال علي عليه السلام: نحن أهل الذكر (6).
176 - ومن تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى: (وهو الذي خلق من
الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) بالاسناد المقدم قال:

1 - سورة النحل: 16 / 43.
2 - سورة الفرقان: 25 / 54.
3 - سورة العصر: 103 / 3.
4 - سورة الرعد: 13 / 29.
5 - سورة المجادلة 58 / 14.
6 - شواهد التنزيل 1 / 336، تفسير الطبري 14 / 108.
227

أخبرني أبو عبد الله القائني، أخبرنا أبو الحسن النصيبي القاضي، أخبرنا
أبو بكر السبيعي الحلبي، حدثنا علي بن العباس المقانعي، حدثنا جعفر بن محمد
بن الحسين، حدثنا محمد بن عمرو، حدثنا حسين الأشقر، حدثنا أبو قتيبة
التميمي قال: سمعت ابن سيرين في قوله تعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشرا
فجعله نسبا وصهرا) قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام، زوج
فاطمة عليا، (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك
قديرا) (1).
177 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم: في قوله تعالى: (وتواصوا
بالصبر) (2) بالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا أحمد بن محمد بن الصبيح،
قال: حدثنا حجاج بن يوسف، قال: حدثنا بشر بن الحسين، عن الزبير بن عدي،
عن الضحاك في قوله تعالى: (والعصر إن الانسان لفي خسر) (3) يعني أبا جهل
- لعنه الله - (الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا
بالصبر) قال: علي عليه السلام (4).
178 - ومن تفسير الثعلبي: في قوله تعالى: (الذين آمنوا وعملوا
الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) (5) من سورة " الرعد " بالاسناد المقدم قال:
روي معاوية بن قرة عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " طوبى " شجرة غرسها الله

1 - شواهد التنزيل 1 / 414.
2 - سورة العصر: 103 / 3.
3 - سورة العصر: 103 / 1.
4 - شواهد التنزيل: 2 / 373.
5 - سورة الرعد: 3 / 29.
228

تعالى بيده ونفخ فيها من روحه، وتنبت الحلي والحلل، وإن أغصانها لترى من
وراء ستور الجنة.
قال غندر بن عمير: هي شجرة في جنة عدن، أصلها في دار النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1).
179 - وبالاسناد المقدم قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله
بن محمد حدثنا محمد بن عثمان بن الحسن، حدثنا محمد بن الحسين بن صالح،
حدثنا علي بن محمد الدهان والحسين بن إبراهيم الجصاص قالا: حدثنا الحسين
بن الحكم، حدثنا حسن بن حسين، حدثنا حبان، عن الكلبي، عن أبي صالح،
عن ابن عباس رضي الله عنه [في قوله تعالى]: (طوبى لهم) قال رضي الله عنه:
[هي] شجرة أصلها في دار علي عليه السلام في الجنة، وفي دار كل مؤمن منها غصن
يقال له طوبى (وحسن مآب): حسن المرجع.
قال: وقيل: يا رسول الله سألناك عنها فقلت شجرة في الجنة أصلها في
داري وفرعها على أهل الجنة.
ثم سألناك عنها؟ فقلت: شجرة أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنة؟
فقال: إن داري ودار علي غدا واحدة في مكان واحد (2).
180 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: (أأشفقتم أن تقدموا
بين يدي نجويكم صدقة) (3) بالاسناد المقدم قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال:
حدثنا بكر بن سهل، قال: حدثنا عبد الغني بن سعيد، قال: حدثنا موسى بن عبد
الرحمان، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس.

1 - غاية المرام / 391 و 392 نقلا عن تفسير الثعلبي.
2 - شواهد التنزيل 1 / 305.
3 - سورة المجادلة: 58 / 14.
229

وعن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس - رضي الله عنه - [في] قوله عز
وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجويكم
صدقة) قال: فلم يكن أحد يقدر أن يناجي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يتصدق قبل ذلك،
فكان أول من تصدق علي بن أبي طالب عليه السلام، صرف دينارا بعشرة دراهم وتصدق
بها وناجى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعشر كلمات ثم نسخ ذلك (1).
قال يحيى بن الحسن: اعلم أن هذا الفصل قد جمع من الوحي العزيز
أشياء كلها توجب لمولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله السيادة وفقد النظير
ووجوب ولاء الأمة.
منها قوله تعالى: (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (2) وهذا لفظ
عام لسائر من شملته الاسلام.
ويزيد قوله صلى الله عليه وآله: نحن أهل الذكر، إيضاحا قول الله سبحانه
وتعالى: (وانه لذكر لك ولقومك) (3) ولم يقل تعالى غير قومه.
والذكر: هو القرآن العزيز بدليل قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وانا له
لحافظون) (4).
وبدليل قوله تعالى: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه
وهم يلعبون) (5).

1 - ينظر شواهد التنزيل 2 / 230.
2 - سورة النحل: 16 / 43.
3 - سورة الزخرف: 43 / 44.
4 - سورة الحجر: 15 / 9.
5 - سورة الأنبياء: 21 / 2.
230

ومن وجه آخر [مما يدل على] انهم عليهم السلام هم أهل الذكر قوله سبحانه
وتعالى: (فاتقوا الله يا اولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا *
رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات
من الظلمات إلى النور) (1).
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله هو الذكر في هذه الآية فهي أهله بلا خلاف.
ومما يوضح ما قلناه من أنهم عليهم السلام أهل الذكر وأنهم الأهل المراد به في لفظ
العزيز دون غيرهم قوله سبحانه وتعالى: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (2) وأن أهل البيت في هذا الوحي العزيز هم دون
من عداهم ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم [في جواب من سأله:] من أهل بيتك الذين
ذكرهم الله تعالى في هذه الآية قال: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
ومن يأمر الله تعالى الأمة كافة بسؤاله عما لا يعلمون، فقد أمر الله تعالى
الكافة بالاقتداء به في السؤال عما جهلوه.
ومن وجب امتثال قوله بالوحي العزيز في الحلال والحرام والشرائع والأحكام
وجب الاقتداء به في الإمامة لموضع قوله تعالى: (قل هل يستوي
الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب) (3).
ولقوله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي الا أن
يهدى فما لكم كيف تحكمون) (4) فوجب - على ما ترى - له ولاء الأمة بالوحي

1 - سورة الطلاق: 65 / 10 - 11.
2 - سورة الأحزاب: 33 / 33.
3 - سورة الزمر: 39 / 9.
4 - سورة يونس: 10 / 35.
231

العزيز.
ومنها قوله سبحانه وتعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا
وصهرا) (1) فقد ميزه الوحي على ساير الخلق وإن كان قد حصل لغيره من النسب
بالنبي صلى الله عليه وآله ومن المصاهرة مثل ما حصل له، فتنويه الوحي العزيز بذكره لموضع
ميزته على ساير الناس، وذلك علامة الحث على وجوب اتباعه.
وإذا كان صلى الله عليه وآله ممن وصفه الله تعالى ممن تواصا بالايمان والصبر
فقد ظهرت ميزته ووجب تفرده.
وإذا انفرد بكون " طوبى " في منزله صلى الله عليه وآله وبكونه صدق بصدقة
لم يعمل بها أحد قبله ولا معه، وورد النسخ عند فراغه منها، ففي ذلك أدل دليل
على أن الوحي العزيز إنما جعلها منقبة له دون غيره.
فضل التراب الماء حتى إذا غدا * سببا لحياة عيسى وآدم من تراب (2).
أنت من ماء فرات عذب * أردت بذكره التفضيل لا ماء الفرات

1 - سورة الفرقان: 25 / 54.
2 - هكذا قد ورد الشعر وهو مضطرب جدا.
232

الفصل الثالث والعشرون
في قوله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين) (1).
وفي قوله: (واركعوا مع الراكعين) (2).
181 - من طريق أبي نعيم: في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
وكونوا مع الصادقين) بالاسناد المقدم قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن
مخلد، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد
بن ميمون، قال: حدثنا محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح،
عن ابن عباس - رضي الله عنه - [في قوله تعالى]: (اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين) قال: هو علي بن أبي طالب عليه السلام (3).
182 - وبالاسناد المقدم قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا محمد
بن عثمان، قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، قال حدثنا محمد بن
الزبرقان، عن السدي، عن محمد السائب، عن الكلبي عن أبي صالح، عن ابن

1 - سورة التوبة: 9 / 119.
2 - سورة البقرة: 2 / 43.
3 - ينظر شواهد التنزيل 1 / 259، مناقب الخوارزمي / 280، تفسير الدر المنثور 3 / 290.
233

عباس مثله (1).
183 - وبالاسناد المقدم قال [أبو نعيم]: حدثنا محمد بن عمر بن سالم
قال: حدثنا محمد بن الحارث، قال: حدثنا أحمد بن الحجاج قال: حدثنا عمي
محمد بن الصلت قال حدثنا أبي، عن جعفر بن محمد في قوله الله عز وجل:
(اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) قال: محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما (2).
184 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: (واركعوا مع
الراكعين) بالاسناد المقدم قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي بن مخلد قال حدثنا
محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا منجاب بن الحارث قال: حدثنا [حدثنا
حسين بن أبي هاشم] عن حبان بن علي عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي
صالح عن ابن عباس رضي الله عنه [في قوله تعالى]: (واركعوا مع الراكعين)
انها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام خاصة، وهما أول من صلى وركع (3).
قال يحيى بن الحسن: اعلم أن هذا الفصل قد جمع من وجوب الحث على
اتباعه والاقتداء به بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لا مزيد عليه في الامر بوجوب الاقتداء
وهو امره تعالى بالكون معه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك بعد قوله تعالى: (يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) فقد أثبت تعالى لمن دخل في هذا
الامر الايمان وأمره بالتقوى.
ثم أبان تعالى أن الايمان والتقوى لا ينفعان إلا بعد الكون معه، فدل ذلك
على أن ولاءه هو المزكي للأعمال وإن كانت صالحة وأنها مع صلاحها لا تقبل إلا

1 - ينظر شواهد التنزيل 1 / 259 وما بعده، مناقب الخوارزمي / 280، تفسير الدر المنثور 3 / 290.
2 - شواهد التنزيل 1 / 259.
3 - شواهد التنزيل 1 / 85، مناقب الخوارزمي / 280.
234

بولاءه والكون معه.
ثم أبان تعالى بأن ولاءه والاقتداء به والكون معه على حد وجوب ذلك
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفرق الله تعالى بينهما في وجوب الامر بالاقتداء.
وذلك مضافا لقوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1).
وفي ذلك أدل دليل على وجوب اتباعه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حيث وجب له
من فرض الطاعة ما وجب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله " ان في هذا لبلاغا لقوم
يعقلون ".
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: (واركعوا مع الراكعين) وانها خاصة
بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعلي عليه السلام، وانه لم يصل معه أحد قبله.
فدل ذلك على وجوب الامر باتباعهما على السواء، وفي ذلك من وجوب
الاقتداء به والاتباع له بعد رسول الله صلى الله عليه وآله على قضية واحدة، مضافا لما تقدم من
القول في الآية التي قبلها.
وفي هذا كفاية لمن أراد النجاة من النار.
علوت عن المدايح حيث كانت * إذا كان القديم عليك يثني
وإن عنت الخلايق مدح شخص * فخالقك الذي يعني ويكني

1 - سورة المائدة: 5 / 55.
235

*
236

الفصل الرابع والعشرون
في قوله سبحانه وتعالى: (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) (1).
وفي قوله: (فاستغلظ فاستوى على سوقه) (2).
وفي قوله تعالى: (واجعل لي وزيرا من أهلي) (3).
وفي قوله: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى
بماء واحد) (4).
وفي قوله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر
متقابلين) (5).
185 - من طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: (أولئك الذين امتحن
الله قلوبهم للتقوى) بالاسناد المقدم قال: حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا
أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، قال: حدثنا عبد الرحمان بن عمر، قال: حدثنا
عمي وأبو مالك الجنبي، عن الأجلح الكندي، عن قيس الأشعري، عن ربعي

1 - سورة الحجرات: 49 / 3.
2 - سورة الفتح: 48 / 29.
3 - سورة طه: 20 / 29.
4 - سورة الرعد: 13 / 4.
5 - سورة الحجر: 15 / 47.
237

بن حراش، قال: خطبنا علي بن أبي طالب عليه السلام بالمدائن، قال: فجاء سهيل بن
عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أردد علينا أبناءنا وأرقاءنا، فإنما خرجوا تعوذا
بالاسلام.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلا امتحن
الله قلبه للايمان. الحديث بتمامه (1).
186 - ومن مسند أحمد بن حنبل بالاسناد المتقدم قال: حدثنا عبد الله بن
أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا يحيى ابن آدم، قال: حدثنا
يونس، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع [عن أبي ذر] قال: قال رسول الله:
لينتهين بنوا وليعة (2) أو لا بعثن إليهم رجلا، يمضي فيهم أمري، يقتل المقاتلة ويسبي
الذرية.
قال: فقال أبو ذر: فما راعني الا برد كف عمر في حجزتي من خلفي
قال: من تراه يعني؟ قلت: ما يعنيك ولكنه يعني خاصف النعل يعني
عليا عليه السلام (4).
187 - وبالاسناد المقدم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال:
حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، قال: حدثنا أحمد بن منصور،
قال: حدثنا الأحوص بن جواب، قال: حدثنا عمار بن زريق، عن الأعمش، عن

1 - كفاية الطالب / 96، صحيح الترمذي 5 / 297، خصائص النسائي / 55 و 89 مستدرك
الحاكم 4 / 298.
2 - بنو وليعة هم ملوك حضرموت حمده ومخوس ومشرح وابضعة - ينظر طبقات ابن سعد
(1 / 349).
3 - الحجزة: موضع شده الإزار.
4 - فضائل الصحابة 2 / 571 ح / 966.
238

إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:
كنا جلوسا في المسجد فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي في بيت فاطمة عليهم السلام
فانقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وآله فأعطاها عليا يصلحها، ثم جاء
فقام علينا فقال: ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.
قال أبو بكر: انا هو يا رسول الله؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله
فقال قال: لا ولكنه خاصف النعل (1).
188 - وبالاسناد المقدم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال:
حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا يحيى الحماني، قال: حدثنا شريك، قال:
حدثنا منصور - ولو أن غير منصور حدثني ما قبلته منه ولقد سألته أن يحدثني فأبى
أن يحدثني فلما جربت بيني وبينه المعرفة كان هو الذي دعاني إليه وما سألته ولكن
هو الذي ابتدأني به -.
فقال: حدثني ربعي بن حراش قال: حدثنا علي بن أبي طالب عليه السلام بالرحبة
قال: اجتمعت قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم سهيل بن عمرو
فقالوا: يا محمد إن قومنا لحقوا بك، فارددهم علينا فغضب حتى رئي الغضب في
وجهه، ثم قال لتنتهن يا معشر قريش، أو ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله
قلبه للايمان، يضرب رقابكم على الدين.
قيل: يا رسول الله [هو] أبو بكر؟ قال: لا، قيل: فعمر؟ قال لا، ولكنه
خاصف النعل في الحجرة (2).

1 - فضائل الصحابة 2 / 637 ح / 1083.
2 - فضائل الصحابة 2 / 649 ح / 1105.
239

189 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم: في قوله تعالى: (فاستغلظ فاستوى
على سوقه) بالاسناد المقدم قال: حدث أحمد بن منصور، حدثنا سلمة بن
سليمان عن المبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله تعالى ب‍ (فاستوى على
سوقه) قال: استوى الاسلام بسيف علي بن أبي طالب (1).
190 - ومن طريق الحافظ: أبي نعيم في قوله تعالى: (واجعل لي وزيرا
من أهلي) (2).
بالاسناد المقدم قال: حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا الهيثم بن خلف،
قال: حدثنا أحمد بن موسى، قال: حدثنا الحسن بن ثابت بن عمرو المدني، قال:
حدثني أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنه -
قال: أخذ النبي صلى الله عليه وآله بيد علي بن أبي طالب عليه السلام - ونحن بمكة - وبيدي وصلى أربع
ركعات ثم رفع يده إلى السماء فقال: اللهم إن موسى بن عمران سألك وأنا محمد
نبيك أسألك أن تشرح لي صدري، وتحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي واجعل
لي وزيرا من أهلي علي بن أبي طالب أخي اشدد به أزري وأشركه في أ مري.
قال ابن عباس: سمعت مناديا ينادي: يا أحمد قد أوتيت ما سألت (3).
191 - ومن تفسير الثعلبي مما رواه عن أبي ذر - رضي الله عنه - وقد ذكرنا
الخبر بتمامه في أول هذا الكتاب في باب: (إنما وليكم الله ورسوله) (4).
ونذكرها هنا لفظ قوله صلى الله عليه وآله: " واجعل لي وزيرا من أهلي " إذ هو موضع

1 - شواهد التنزيل 2 / 184.
2 - سورة طه: 20 / 29.
3 - يراجع تفسير الدر المنثور 4 / 295.
4 - سورة المائدة: 5 / 55.
240

الحاجة من الخبر هنا.
بالاسناد المقدم قال الثعلبي: فقال له ابن عباس سألتك بالله من أنت؟ قال
فكشف العمامة عن وجهه وقال: يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم
يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله بهاتين
وإلا فصمتا، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا يقول: علي قائد البررة، وقاتل الكفرة،
منصور من نصره، مخذول من خذله.
وذكر تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم [قال]: وأقبل السائل حتى أخذ
الخاتم من خنصره، وذلك بعين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى
السماء وقال: اللهم ان موسى سألك فقال: (رب اشرح لي صدري ويسر لي
أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون
أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري) فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: (سنشد
عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا).
اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري
واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري.
قال أبو ذر: فما استتم رسول الله الكلمة حتى نزل عليه جبرئيل عليه السلام من عند
الله تعالى فقال: يا محمد اقرأ، قال: وما أقرا؟ قال: إقرأ: (إنما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1).

1 - تفسير الثعلبي المخطوط / 74.
241

في قوله تعالى: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان
يسقى بماء واحد) (1).
192 - [و] من طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المتقدم قال: حدثنا أبو بكر
الطلحي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس السمناني، وحدثنا مخلد بن جعفر،
قال: حدثنا محمد بن جرير بن يزيد قالا: حدثنا هارون بن حاتم، قال: حدثنا عبد
الرحمان بن أبي حماد، عن إسحاق العطار، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن
جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: الناس
من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة، ثم قرأ: * (وجنات من أعناب وزرع
ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء وأحد) (2).
193 - وبالاسناد المقدم قال [أبو نعيم]: حدثنا محمد بن أحمد بن علي بن
مخلد، قال: حدثنا محمد بن يوسف بن الطباع، قال: حدثنا أبو نعيم، قال:
حدثنا عبد الله بن موسى، قال: حدثنا محمد بن علي السلمي، عن عبد الله بن
محمد بن عقيل، [عن جابر بن عبد الله] قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي
إن الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة (3).
194 - ومن الجزء الأول من كتاب الفردوس لأبي شجاع بن شيرويه
بن شهردار بن شيرويه الديلمي في باب " الألف " بالاسناد المقدم قال عن ابن عباس
- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من

1 - سورة الرعد: 13 / 4.
2 - شواهد التنزيل 1 / 288، مستدرك الحاكم 2 / 241، مجمع الزوائد 9 / 100.
3 - ينظر مناقب ابن المغازلي / 90.
242

أشجار شتى (1).
195 - ويليه من الباب أيضا بالاسناد المقدم قال: عن ابن عباس - رضي الله
عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا شجرة وفاطمة حملها وعلي لقاحها، والحسن
والحسين ثمرها، والمحبون لأهل البيت ورقها من الجنة حقا حقا (2).
196 - ومن مسند ابن حنبل في قوله تعالى: * (إخوانا على سرر
متقابلين) * (3).
بالاسناد المقدم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا حسين
بن محمد الذارع، قال: حدثنا عبد المؤمن بن عباد، قال: حدثنا يزيد بن معن، عن
عبد الله بن شرحبيل: عن زيد بن أبي أوفى قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
مسجده...
فذكر عنه قصة مواخاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه [إلى أن قال:]
فقال علي - يعني للنبي صلى الله عليه وآله -: لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين
رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخط علي، فلك
العتبى والكرامة؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي، فأنت
مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي وأنت معي
في قصري في الجنة مع ابنتي فاطمة وأنت أخي ورفيقي ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله:

1 - فردوس الاخبار 1 / 77 ح / 112.
2 - فردوس الاخبار 1 / 84 ح / 138.
3 - سورة الحجر: 15 / 47.
243

* (إخوانا على سرر متقابلين) * المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض (1).
197 - ومن طريق الفقيه أبي الحسن علي بن المغازلي الشافعي الواسطي
بالاسناد المقدم قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الله بن شوذب، قال:
حدثني أبي، قال: حدثني محمد بن الحسين الزعفراني، قال: حدثني أحمد بن
أبي خيثمة، حدثني نصر بن علي، حدثني عبد المؤمن بن عبادة، عن عمار بن
عمر، قال حدثني يزيد بن معن، حدثني عبد الله بن شرحبيل، عن رجل من قريش
عن زيد بن أرقم قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني مواخ بينكم كما آخا
الله بين الملائكة، ثم قال لعلي: أنت أخي ورفيقي، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه
الآية: * (إخوانا على سرر متقابلين) * الأخلاء في الله، ينظر بعضهم إلى بعض (2).
قال يحيى بن الحسن: اعلم أن هذا الفصل قد جمع من الوحي العزيز
أشياء كلها توجب فقد النظير لمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام والسيادة وولاء الأمة:
منها قوله سبحانه وتعالى: (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) (3).
وهو الذي بعثه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله لاستيفاء حق الله تعالى ممن كفر وهو الذي
يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل النبي صلى الله عليه وآله على تنزيله
فقد استوى القتالان لان منكر التنزيل جاحد لقبوله ومنكر التأويل جاحد
لقبول العمل به.
وهذه منزلة لا يستحقها بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا من هو مستحق للامر بعده، لان
استيفاء حق الله تعالى ممن عاند وجحد وكفر لا يكون إلا بيد رسوله أو من قام مقامه

1 - فضائل الصحابة 2 / 638.
2 - تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام علي بن أبي طالب 1 / 121.
3 - سورة الحجرات: 49 / 3.
244

في وجوب الاقتداء والاتباع.
ومنها [قوله]: (فاستوى على سوقه) (1) وإذا كان الاسلام به قد استوى
على سوقه، فقد قام مقام كل معجز للرسول ومقام كل مجاهد بين يديه،
لان طلب الاعجاز والجهاد لقيام الاسلام على سوقه، وإذا كان ذلك حاصلا
بسيفه صلى الله عليه وآله فقد قام مقام ذلك كله، ومن كان كذلك أحق بالاتباع.
ومن ذلك قوله تعالى: (واجعل لي وزيرا من أهلي) (2) وطلب النبي صلى الله عليه وآله
ذلك لعلي عليه السلام على حد طلب موسى عليه السلام لهارون عليه السلام ليدل بذلك على أنه
مستحق منه من المنازل ما كان يستحقه هارون من موسى.
وهارون كان أخا موسى لأبيه وأمه وكان نبيه، وكان خليفته بدليل قوله
تعالى: * (وإذ قال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي) * (3) فأمير المؤمنين عليه السلام
لم يكن أخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبيه وأمه، وإنما هي اخوة الدين والاصطفاء، وذلك
معلوم لا يحتاج إلى دليل.
والنبوة داخلة في جملة منازل هارون، وهارون مات قبل موسى،
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم علم أن عليا عليه السلام يعيش بعده، فاستثنى النبوة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع
عديدة: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا بني بعدي " (4) لأنه لو لم يستثن
النبوة لتوهمت في جملة المنازل، فصريح النسب مستثنى بالعرف والنبوة مستثناة
بلفظه صلى الله عليه وآله وسلم فبقي له منه صلى الله عليهما وآلهما ما نطق به الوحي العزيز، ولم يدخل

1 - سورة الفتح: 48 / 29.
2 - سورة طه: 20 / 29.
3 - سورة الأعراف: 7 / 142.
4 - ينظر كتاب " العمدة " الفصل السادس عشر.
245

تحت استثناء العرف النسبي ولا تحت استثناء العرف اللفظي، وهي الخلافة
مستحقة بلا ارتياب وهي التي بنى عليها صلى الله عليه وآله وسلم قوله وإليها أشار.
ومن ذلك انهما من شجرة واحدة والناس من شجر شتى، وإذا كانا صلى
الله عليهما وآلهما وسلم من شجرة واحدة، فقد استويا في الخلقة، إذ هما من
شئ واحد واستويا في وجوب الطاعة والولاء بدليل قوله تعالى: * (إنما وليكم
الله ورسوله والذين آمنوا) * (1) الآية.
وقد تقدم ذكر اختصاصها به عليه السلام، ومن كان مثله في وجوب ولاء الأمة،
ومثله في الخلقة من شئ واحد، وجب ان يكون مثله في كل شئ إلا فيما استثناء
من النبوة، وفي هذا فقد النظير له من سائر خلق الله تعالى.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: * (إخوانا على سرر متقابلين) * (2) وإذا كان عليه السلام
أخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا وهو أخوه في دار الآخرة ومنزلهما في الجنة واحد،
فقد ظهر فضله ووجب له من ولاء الأمة ما لمواخيه على حد سواء، إذ قد أوجب
الله تعالى له من فرض الطاعة ما أوجب لنفسه تعالى ولرسوله.
وفي هذا أدل دليل على وجوب الولاء له بعد رسول الله فلينظر في ذلك من
أراد النجاة.
أخو المصطفى في الوحي أنت وفي الهدى
شبيه ومن يبغي خلافك ما حل
وصاحبه الأدنى مدى العمر عاجل
وصاحبه يوم القيامة آجل

1 - سورة المائدة: 5 / 55.
2 - سورة الحجر: 15 / 47.
246

الفصل الخامس والعشرون
في قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * (1).
وفي قوله تعالى: * (وإذ أخذ ربك من بنى ادم من ظهورهم ذريتهم) * (2).
وفي قوله تعالى: * (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين) * (3).
وفي قوله تعالى: * (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا) * (4).
198 - من طريق أبي نعيم في قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا في
ربهم) * بالاسناد المقدم قال حدثنا أحمد بن محمد بن حبلة، قال: حدثنا محمد
بن إسحاق الثقفي، قال: حدثنا أحمد بن منيع، قال حدثنا هشيم، قال: حدثنا
أبو هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن علي عليه السلام قال: أنا أول من يجثو
للخصومة بين يدي الله عز وجل [و] فينا نزلت هذه الآية في مبارزتي يوم بدر:
* (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * (5) الآية (6).

1 - سورة الحج: 22 / 19.
2 - سورة الأعراف: 7 / 172.
3 - سورة التحريم: 66 / 4.
4 - سورة الأحزاب: 33 / 58.
5 - سورة الحج: 22 / 19.
6 - سورة التنزيل 1 / 386.
247

199 - ومن تفسير الثعلبي في قوله تعالى: ب * (هذان خصمان اختصموا
في ربهم) * بالاسناد المقدم قال الثعلبي: اختلف المفسرون في هذين الخصمين من
هما؟
فروى قيس بن عباد: أن أبا ذر الغفاري - رضي الله عنه - كان يقسم بالله تعالى
ان هذه الآية نزلت في ست نفر من قريش بارزوا يوم بدر: علي بن أبي طالب عليه السلام
وحمزة بن عبد المطلب عليه السلام وعبيدة بن الحارث - رضي الله عنه - وعتبة وشيبة ابنا
ربيعة والوليد بن عتبة (1).
قال: وقال علي عليه السلام: إني أول من يجثو للخصومة يوم القيامة بين يدي الله
عز وجل وإلى هذا القول ذهب هلال بن يساف وعطاء بن يسار (2).
200 - ومن الجزء الثاني من كتاب " الفردوس " لأب شيرويه الديلمي في
باب " اللام " بالاسناد [المتقدم] قال: عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال:
قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: لو يعلم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله.
سمى أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال الله عز وجل: * (وإذ أخذ
ربك من بنى ادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست
بربك) * (3) قالت الملائكة: بلى فقال تبارك وتعالى: أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلى
أميركم (4).
201 - ومن طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى: * (فإن تظاهرا عليه فإن

1 و 2 - رواه أيضا البخاري في صحيحه 6 / 98 مع اختلاف يسير.
3 - سورة الأعراف: 7 / 172.
4 - رواه نظيره الفقيه ابن المغازلي في مناقبه / 272.
248

الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين) * (1) الآية بالاسناد المقدم قال: حدثنا أحمد
بن جعفر النسائي، قال: حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثنا الحسين بن الحكم،
قال حدثنا حسين - يعني ابن حسن - قال: حدثنا حفص بن راشد، عن يونس
بن أرقم، عن إبراهيم بن حبان، عن أم جعفر بنت عبد الله بن جعفر، عن أسماء
بنت عميس قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ هذه الآية: * (فان تظاهرا عليه
فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين) * قال: صالح المؤمنين: علي بن
أبي طالب عليه السلام (2).
202 - ومن طريق أبي نعيم: [في قوله تعالى]: * (والذين يؤذون المؤمنين
والمؤمنات بغير ما اكتسبوا) * (3) بالاسناد المقدم قال: حدثنا أبو أحمد يوسف بن
عبد الله وأحمد بن أبي عمران قالا: حدثنا عبد الخالق بن محمد بن الحسن بن
مرزوق، قال: حدثنا عبد الله بن ثابت، قال: حدثني أبي، قال حدثنا الهذيل، عن
مقاتل بن سليمان في قوله عز وجل: * (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما
اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) * نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك أن
نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه (4).
قال يحيى بن الحسن: اعلم أن هذا الفصل قد جمع أشياء من الوحي
العزيز كلها توجب عدم النظير لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
منها قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * (5) فقد مدحه الله

1 - سورة التحريم: 66 / 4.
2 - شواهد التنزيل 2 / 254.
3 - سورة الأحزاب: 33 / 58.
4 - شواهد التنزيل 2 / 93.
5 - سورة الحج: 22 / 19.
249

تعالى بذلك غاية المدحة بدليل قوله تعالى: * (ان الله يحب الذين يقاتلون في
سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) * (1) وهي خاصة به دون غيره.
ومن حصلت له محبة الله تعالى تعالى فقد فاز بأمر لا يدانيه فيه غير
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو مختص بمحبة الله تعالى زيادة على سائر خلقه تعالى.
ومنها قوله تعالى: * (وإذ أخذ ربك من بنى ادم من ظهورهم ذريتهم) * (2).
وفسر ذلك بأن الله تعالى قال للملائكة: ألست بربكم؟ فقالت الملائكة: بلي،
فقال تبارك وتعالى: وأنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم، وذلك قبل أن يخلق
أحد من بني آدم، لأنه قال: وآدم بين الروح والجسد.
وإذا كان [علي] عليه السلام قد سمي بأمير المؤمنين قبل خلق بني آدم واختص
بالامارة على الملائكة قبل بني آدم، فقد وجب له ولاء الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من
حيث قرن تعالى ذكر بذكره وذكر رسوله.
وهذا ما لا مزيد عليه في الاجتباء ولا نظير له في الاصطفاء * (ان في ذلك
لذكرى لمن كان له قلب) * (3).
ومن ذلك قوله تعالى: * (وصالح المؤمنين) * (4) فقد قرنه تعالى في نصرة
رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله تعالى: * (فان تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبريل وصالح
المؤمنين) * وجب له ولاء الأمة بعد نبيها لموضع وجوب الاقتداء بالصالحين بدليل
قوله تعالى: * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما

1 - سورة الصف: 61 / 4.
2 - سورة الأعراف: 7 / 172.
3 - سورة ق: 50 / 37.
4 - سورة التحريم: 66 / 4.
250

لكم كيف تحكمون) * (1) وقد قرن الله تعالى مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
صلى الله عليه وآله بنفسه في وجوب الطاعة وفي وجوب نصرة رسوله في مواضع
عدة، وكل ذلك جعله سبحانه تنبيها على وجوب اتباعه دون من لم يحصل له هذه
المنازل العلية.
فمن ذلك قوله سبحانه وتعالى: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا
الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (2) وقد تقدم ذكر
اختصاصها به عليه السلام في أول هذا الكتاب فهذا في وجوب الطاعة.
وفي النصرة قوله تعالى: * (فان تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل
وصالح المؤمنين) * (3) معناه: ناصره.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: * (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من
المؤمنين) * (4) وهي خاصة به، وقد تقدم ذكر ذلك.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى في الشهادة بتصديق النبوة بقوله جل وعلا:
* (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) * (5) وقد تقدم ذكر
اختصاصها به عليه السلام.
ومن ذلك أيضا في وجوب الطاعة قوله تعالى: * (وسئل من أرسلنا قبلك
من رسلنا) * (6) وقد تقدم القول في ذكر الجواب سؤالهم وهو قولهم: بعثنا

1 - سورة يونس: 10 / 35.
2 - سورة المائدة: 5 / 55.
3 - سورة التحريم: 66 / 4.
4 - سورة الأنفال: 8 / 64.
5 - سورة الرعد: 13 / 43.
6 - سورة الزخرف: 43 / 45.
251

على شهادة أن لا إله الا الله، وعلى الاقرار بنبوتك، وعلى الولاية لعلي بن أبي
طالب عليه السلام.
وهذا مما لا يدانيه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل سوى سيد الأنبياء
محمد صلى الله عليه وآله وسلم لان من بعث الله تعالى أنبياءه السابقين لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم على ولايته كان حقيقا
بفقد النظير.
وقرنه تعالى بذكره جل وعلا في النصرة والتأييد لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله تعالى:
* (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) * (1) وقد تقدم ذكر اختصاصها به عليه السلام.
وقرنه تعالى بذكره جل وعلا في الانتقام من أعدائه تعالى بقوله تعالى:
* (فإما نذهبن بلك فإنا منهم منتقمون) * (2) وأراد تعالى [انه ينتقم منهم] بعلي عليه السلام،
وقد تقدم ذكر اختصاصها به عليه السلام.
وقرنه الله تعالى بذكره في كفاية المؤمنين بقوله جل وعلا: * (وكفى الله
المؤمنين القتال) * بعلي عليه السلام وقد تقدم ذكر اختصاصها به عليه السلام.
وقرنه الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في الهداية بقوله تعالى: * (إنما أنت منذر ولكل
قوم هاد) * (3).
وقرنه تعالى بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في كونه على بينة من ربه بقوله تعالى: * (أفمن كان
على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) * (4) فقرنه تعالى به في البينة ولم يفرده عنه بل
قال تعالى: * (ويتلوه شاهد منه) * فذلك جاز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول: علي مني وأنا من

1 - سورة الأنفال: 8 / 62.
2 - سورة الزخرف: 43 / 41.
3 - سورة الرعد: 13 / 7.
4 - سورة هود: 11 / 17.
252

علي، وقد تقدم ذكر اختصاصها به عليه السلام.
وقرنه تعالى بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في السلام عليه بقوله تعالى: * (سلام على ال
ياسين) * (1) وتقدم ذكر اختصاصها به عليه السلام فيجب على كل ذي دين وعقل أن ينظر
في ذلك من قرن الله تعالى ذكره بذكره في هذه المواطن العلية الجلية التي كل
واحد منها توجب له ولاء الأمة ما ثبت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرنه برسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن كان بهذه المنازل، عدم نظيره ووجب تفرده وثبت له من ولاء الأمة
ما ثبت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذا عمدة للمستبصر وعدة للمستنصر.
قال يحيى بن الحسن: قد وفينا بما وعدنا في صدر هذا الكتاب من ذكر
أنواعه وفنونه وابنا عن غرائب مضمونه.
ولنا فيه كلام حنكته (2) تجارب التكرار وأحكمته مآرب (3) [الليل و] والنهار،
يستعذب مستمعه الإعادة له وإن مل، ويستحلي قارؤه الإطاعة له إذا قل، رقته
أبهر من الحجيج، وفتقه أزهر من الخليج (4)، بأغراض الحكم أبصر، ولأغراض
الكلم أستر، ولذوي الاقتداء أنصر، ولذوي الاعتداء أقهر، ولوجوه الضلال
وأنصاره أبسر (5) وأخسر، من قدح الزناد أنور، ومن نور الرياض أنظر، ومن نشر
الأذفر أعطر وأنشر، قد اتقد حر براعته (6) وانتقد كسب بضاعته وافتقد مثل

1 - سورة الصافات: 37 / 130.
2 - حنكه: احكمه.
3 - الإرب: الحاجة.
4 - هكذا وردت الجملة ولعل الأصح أن تكون بهذه الصورة: رقته أبهر من الخليج وفتقه أزهر
من الحجيج.
5 - بسر: عبس.
6 - البراعة: القدرة العالية.
253

صناعته والتأم عازب (1) شواهده وايتلف شارد (2) مقاصده وابتكر فريده ونشر
وديده (3) وحذرف (4) وليده وطفق (5) زنادا للمتقدمين وزادا للمهتدين.
وقلت ارتجالا:
جاهدت فيك بقولي واللسان له * فضل على السيف في الغفران للحوب
لا يهتدي السيف في طرق البيان إلى * نهج اللسان ولا سمر الأنابيب (6)
فالقول تخدمه الأسياف لامعة * في الحرب ما بين معطوب ومضروب
لولا اللسان لما سل الحسام ولا * التف الجموع على الجرد السلاهيب (7)
فكن بها منقذي في يوم مطلعي * والناس ما بين محبوب ومجبوب (8)
والحمد لله رب العالمين

1 - عازب: بعيد.
2 - الشارد: الشاذ والمبتعد.
3 - الوديد: المحب.
4 - حذرف: حذاريف الشئ: جوانبه ونواحيه.
5 - ما طفق فلان يعمل اي ما برح.
6 - سمر الأنابيب: كناية عن الرماح.
7 - الحسام: السيف القاطع. الجرد السلاهيب: كناية عن الخيل الجيدة.
8 - المجبوب: المقطوع.
254