الكتاب: تفسير القمي
المؤلف: علي بن إبراهيم القمي
الجزء: ١
الوفاة: ن٣٢٩
المجموعة: مصادر التفسير عند الشيعة
تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم : السيد طيب الموسوي الجزائري
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: صفر ١٤٠٤
المطبعة:
الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم - ايران
ردمك:
ملاحظات: منشورات مكتبة الهدى

منشورات مكتبة الهدى
تفسير القمي
لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله)
(من أعلام قرني 3 - 4 ه‍)
صححه وعلق عليه وقدم له
حجة الاسلام العلامة
السيد طيب الموسوي الجزائري
الجزء الأول
حقوق الطبع محفوظه
مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر
قم - إيران
تلفن 24568
تعريف الكتاب 1

مشخصات الكتاب
الاسم: تفسير القمي
المؤلف: لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي (ره)
المصحح: السيد طيب الجزائري
عدد الصفحة: 396 صفحة
الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر
قم / إيران - تلفن 24568
الطبعة: الثالثة / شهر صفر عام 1404
القطع: وزيري
تعريف الكتاب 2

هو من أقدم التفاسير التي كشفت القناع
عن الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السلام
تعريف الكتاب 3

لا يسمح بطبع هذا الكتاب الشريف
المزدان بهذه التصحيحات والحواشي إلا بإجازة
من حضرة المحشي دام ظله.
النسخة الممتازة بدقة النظر في صحتها متنا وبإضافات مفيدة تعليقا فجاءت
بحمد الله أحسنها ضورة وأكملها مادة ومتداركة لما فات من النسخ القديمة
والحديثة - وذلك إجابة إلى رغبة الطالبين، وحفاظا لتراث الماضين والله
الموفق وخير معين.
الرموز:
1 - " م " إشارة إلى نسخة مكتبة آية الله الحكيم
2 - " ك " إشارة إلى نسخة مكتبة آية الله كاشف الغطاء
3 - " ط " إشارة إلى نسخة مطبوعة في إيران سنة 1313 ه‍.
4 - " خ " أو " خ ل " إشارة إلى " نسخة بدل "
5 - ق: لقاموس اللغة
6 - " ج. ز " مخفف " الجزائري " المحشي.
تعريف الكتاب 4

هذا ما سمح به سماحة العلامة المجاهد
حجة الاسلام الشيخ آقا بزرك الطهراني دام
ظله العالي، في هذا الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لوليه والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد نبيه وعلى
الاثني عشر المعصومين أوصياء نبيه (وبعد) فقد عرض علي العالم الفاضل الكامل
ثقة الاسلام السيد طيب الجزائري حفظه الله تعالى وزاد في توفيقاته بعض
الملازم من كتاب (تفسير القمي) الذي قصد نشره ثالثا وطلب منى تقريظه
والادلاء برأيي في الاعتماد إليه، ولقد سررت بنشره واعتذرت إليه من اطراء
الكتاب وابداء رأيي لعجزي والضعف المستولي علي ورعشة اليد التي صارت
العائق عن كثير الاعمال، إلا أنه رعاه الله لم يقنع بذلك وألح في الطلب فعز
علي ان ألح في الامتناع فاكتفيت بهذا القدر الذي لم تسمح الحال بأكثر منه
فعلى كل من يريد الاطلاع التام على مزايا الكتاب ان يرجع كتابنا (الذريعة
إلى تصانيف الشيعة) ج 4 ص 302 ليجد تفصيل ما كتبناه وخلاصة ما عرفناه
عن هذا الأثر النفيس والسفر الخالد المأثور عن الامامية الهمامين أبي جعفر محمد بن
علي الباقر عليه السلام من طريق أبي الجارود وأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
تقديم 5

من طريق علي بن إبراهيم القمي رضوان الله عليهم وأرجو للسيد حفظ الله تعالى
ولأمثاله من أهل العلم النابهين مزيد التوفيق لنشر آثار الأئمة الأطهار عليهم
السلام واحياء مآثر السلف الصالح، كتبه بأنامله المرتعشة في مكتبته العامة
في النجف الأشرف في السبت غرة ربيع المولود (1387) الفاني
آقا بزرك الطهراني
عفي عنه
تقديم 6

المقدمة
من حجة الاسلام العلامة السيد طيب الموسوي الجزائري دام ظله
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمدك يا رب على ما منحتنا من قوة فكرية جوالة في الأذهان، وفتحت
مغالقها بمفاتح القرآن الذي هو أكبر آياته وتبيان، وأحسن دليل وبرهان،
ونصلي ونسلم على من أنزله عليه فجاء به أحسن الأديان، الذي ازدهر على
الارجاء والأركان، واشتهر في الآفاق والأزمان، وعلى آله الذين جعل قولهم
وفعلهم مفسر القرآن، فلولا هم لم يكن الفرقان بين ما شان وما زان، ولا
بين الطاعة والعدوان، بهم عبد الرحمن ومنهم يئس الشيطان (اما بعد) فاني منذ
اليوم الذي بدأت المطالعة في تفاسير القرآن التي وردت عن أهل بيت العصمة
صلوات الله عليهم أجمعين، كنت معجبا بتفسير القمي ومشتاقا إليه لأجل
الاسرار المودعة فيه واحتياج التفاسير الكثيرة إليه، وتقدم مؤلفه زمانا
وشرفا، فكان ينمو هذا الشوق في بالي شيئا فشيئا إلى أن صادفت الكتاب
في النجف فابتهجت لحسن الحظ والشرف، ولكن ما تم سروري به إذ أخذ
مكانه اسف، لأني وجدت كثيرا من عبارات هذه النسخة ملحونة، وبالأغلاط
والسقطات مشحونة، بحيث لم تخل الاستفادة منها من التعب، وكانت مع
هذه الحالة أغلى من الذهب، فأشرت بعض من أثق به من الأحباب ان يدخر له
الاجر بطبع هذا الكتاب ولما كان الرأي قريبا إلى الصواب قبله ولباني، ورحب
بي على هذا وحياني، وكلفني بتصحيحه وان اكتب شيئا مقدمة للكتاب
مقدمة المصحح 7

ليكون تبصرة لأولي الألباب فقبلت مسؤله متوكلا على الله ومستمدا به وهو
حسبي واليه أنيب.
صاحب التفسير:
هو الثقة الجليل أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي، قال النجاشي
(على ما حكاه صاحب التنقيح) " ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح
المذهب سمع فأكثر " ومثله في الخلاصة وعده في القسم الأول منها، وعنونه
ابن داود في الباب الأول ووثقه في الوجيزة والبلغة، وعن إعلام الورى انه من
اجل رواة أصحابنا، كان في عصر الإمام العسكري عليه السلام وعاش إلى سنة 307 -
وقد أكثر ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله الرواية عنه في الكافي -
ومما يدل على جلالته ان الأدعية والاعمال الشائعة في مسجد السهلة
المتداولة المتلقاة بالقبول المذكورة في المزار الكبير وغيره مما ينتهي سندها إليه
لا غير رضوان الله عليه - اما مؤلفاته غير هذا التفسير فهي -
(1) كتاب الناسخ والمنسوخ (2) كتاب قرب الإسناد (3) كتاب
الشرائع. (4) كتاب الحيض. (5) كتاب التوحيد والشرك. (6) كتاب فضائل
أمير المؤمنين عليه السلام. (7) كتاب المغازي. (8) كتاب الأنبياء. (9) كتاب
المشذر. (10) كتاب المناقب. (11) كتاب اختيار القرآن (1).
وأكثر ما يرويه علي بن إبراهيم فعن أبيه إبراهيم بن هاشم كما هو دأبه
في هذا التفسير وغيره من كتبه فيجدر بنا الإشارة إلى ترجمته مختصرا.
ترجمة إبراهيم بن هاشم القمي:
لا يخفى على أرباب النهى ما ورد من الثناء على القميين وما هي مرتبتهم

(1) تنقيح المقال 260 / 2.
مقدمة المصحح 8

باعتبار خدمتهم للدين المبين - فعن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ره) ان الإمام الصادق
الناطق بالحق يقول - قم بلدنا وبلد شيعتنا مطهرة مقدسة قبلت ولايتنا
أهل البيت لا يريدهم أحد بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا اخوانهم فإذا
فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء، اما انهم أنصار قائمنا ورعاة حقنا، ثم
رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم اعصمهم من كل فتنة ونجهم من هلكة (1).
ففضل أهل قم لا ينكر لأنه أبهر من الشمس واشهر من القمر وكيف
لا يكون كذلك وقد خرج منها جهابذة العلوم الجعفرية وعباقرة البحور الباقرية
كأبي جرير وزكريا بن إدريس وزكريا بن آدم وعيسى بن عبد الله إلا أن منهم
من نال حظه أزيد وأكثر كإبراهيم بي على هذا فإنه شيخ القميين ووجههم،
فضله على القميين باعتبار تقدمه في رواية الكوفيين، قد حكى الشيخ والنجاشي
وغيرهما من الأصحاب انه أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم - قال السيد
الداماد في محكي الرواشح ان مدحهم إياه بأنه أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم
كلمة جامعة (وكل الصيد في جنب القرا) وقال أيضا الصحيح والصريح عندي ان
الطريق من جهته صحيح فأمره اجل وحاله أعظم من أن يتعدل ويتوثق
بمعدل وموثق غيره بل غيره يتعدل ويتوثق بتعديله وتوثيقه إياه، كيف وأعاظم
أشياخنا الفخام كرئيس المحدثين والصدوق والمفيد وشيخ الطائفة ونظرائهم ومن
في طبقتهم ودرجتهم ورتبتهم من الأقدمين والأحدثين شأنهم اجل وخطبهم أكبر
من أن يظن بأحد منهم قد احتاج إلى تنصيص ناص وتوثيق موثق وهو شيخ
الشيوخ وقطب الأشياخ ووتد الأوتاد وسند الاسناد فهو أحق وأجدر بان
يستغنى عن ذلك (انتهى).

(1) الكنى والألقاب 76 / 3.
مقدمة المصحح 9

وقال في الفهرست " إبراهيم بن هاشم أبو إسحاق القمي أصله من الكوفة
وانتقل إلى قم وأصحابنا يقولون إنه أول من نشر حديث الكوفيين بقم وذكروا
انه لقي الرضا عليه السلام. والذي اعرف من كتبه كتاب النوادر وكتاب القضاء
لأمير المؤمنين عليه السلام ".
وقال في التنقيح ما لفظه: انه شيخ من مشائخ الإجازة فقيه، محدث من أعيان
الطائفة وكبرائهم وأعاظمهم وانه كثير الرواية سديد النقل قد روى عنه ثقات
الأصحاب وأجلاؤهم وقد اعتنوا بحديثه وأكثر والنقل عنه كما لا يخفى على من
راجع الكتب الأربعة للمشائخ الثلاثة رضي الله عنهم فإنها مشحونة بالنقل عنه
أصولا وفروعا (انتهى).
ولاجل كونه راويا في أكثر رواياته عن محمد بن أبي عمير لا بأس في
تحرير نبذة من ترجمته.
محمد بن أبي عمير:
قال في التنقيح محمد بن أبي عمير زياد بن عيسى الأزدي أبو أحمد الذي
اجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنه وعد مراسيله مسانيد، عاصر مولانا
الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام.
وقال النجاشي انه من موالي المهلب بن أبي صفرة وقيل مولى بني أمية
والأول أصح، بغدادي الأصل والمقام لقي أبا الحسن موسى وسمع منه أحاديث
كناه في بعضها فقال يا أبا محمد وروى عن الرضا عليه السلام، جليل القدر، عظيم
المنزلة فينا وعند المخالفين، ذكره الجاحظ يحكي عنه في كتبه وقد ذكره في
المفاخرة بين العدنانية والقحطانية وقال في البيان والتبيين حدثني إبراهيم بن داحية
عن ابن أبي عمير وكان وجها من وجوه الرافضة وكان حبس في أيام الرشيد فقيل
ليلي القضاء وقيل إنه ولى بعد ذلك وقيل ليدل مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن
مقدمة المصحح 10

جعفر عليه السلام، وروي انه ضرب أسواطا بلغت منه مائة فكاد ان يقر لعظيم الألم
فسمع محمد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول اتق الله يا محمد بن أبي عمير ففرج
الله عنه، وروي انه حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد (انتهى).
وعن الفهرست - محمد بن أبي عمير يكنى أبا محمد من مولى الأزد واسم
أبى عمير زياد رحمه الله، وكان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة وأنسكهم نسكا
وأعبدهم وأورعهم وقد ذكره الجاحظ في كتابه في فخر قحطان على عدنان بهذه
الصفة التي وصفناه وذكر انه كان أوحد أهل زمانه في الأشياء كلها أدرك من
الأئمة عليهم السلام ثلاثة أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام ولم يرو عنه، وروى
عن أبي الحسن الرضا والجواد عليهما السلام، وروى عنه أحمد بن محمد عيسى
انه كتب مائة رجل من رجال أبي عبد الله الصادق عليه السلام وله مصنفات كثيرة ذكر
ابن بطة ان له أربعة وتسعين كتابا (انتهى) وعن الكشي في عنوان تسمية
الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام: اجتمع أصحابنا
على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر
آخر دون الستة النفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله عليه السلام منهم يونس بن
عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة
والحسن بن المحبوب وأحمد بن محمد أبى نصر.
وكان من خصائص ابن أبي عمير انه لم يرو عن العامة ابدا مع رواياتهم
عنه فلذا كانت مروياته خالصة محصنة غير مشوبة برواياتهم كما يظهر من سؤال
شاذان بن الخليل النيسابوري إياه فقال له انك قد لقيت مشائخ العامة فكيف
لم تسمع منهم؟ فقال قد سمعت منهم غير انى رأيت كثيرا من أصحابنا قد سمعوا
علم العامة وعلم الخاصة فاختلط عليهم حتى كانوا يروون حديث العامة عن الخاصة
مقدمة المصحح 11

وحديث الخاصة عن العامة فكرهت ان يختلط علي فتركت ذلك وأقبلت
على هذا (1).
عبادته:
(قال الفضل بن شاذان) دخلت العراق فرأيت واحدا يعاتب صاحبه
ويقول له أنت رجل عليك عيال وتحتاج ان تكسب عليهم وما آمن من أن
تذهب عيناك لطول سجودك (قال) فلما أكثر عليه قال أكثرت علي ويحك لو
ذهبت عين أحد من السجود لذهبت عين ابن أبي عمير ما ظنك برجل سجد سجدة
الشكر بعد الصلاة الفجر فما يرفع رأسه إلا عند الزوال (وسمعته يقول) اخذ
يوما شيخي بيدي وذهب بي إلى ابن أبي عمير فصعدنا إليه في غرفة وحوله مشائخ
له يعظمونه ويبجلونه فقلت لأبي من هذا؟ فقال هذا ابن أبي عمير قلت الرجل
الصالح العابد؟ قال: نعم (2).
سخاؤه:
اما سخاؤه فقد بلغ إلى مرتبة لم يكن في ذلك العصر من يفضل عليه في
هذه المنقبة العليا غير مواليه الكرام عليهم السلام الذين اقتدى بقدوتهم واقتبس
من جذوتهم فإنه يذكر في جوده وكرمه وايثاره على نفسه ما يجمد في قباله بحر
متلاطم وينسى دونه جود حاتم.
روى الشيخ والصدوق رضوان الله عليهما ان محمد بن أبي عمير كان رجلا
بزازا فذهب ماله وافتقر وكان له على رجل عشرة آلاف درهم فباع دارا له
كان يسكنها بشعرة آلاف درهم وحمل المال إلى بابه فخرج إليه محمد بن أبي عمير
فقال ما هذا؟ قال هذا مالك الذي علي، قال ورثته؟ قال لا، قال وهب

(1) التنقيح 62 / 2
(2) التنقيح 62 باب محمد
مقدمة المصحح 12

لك؟ قال لا بل هو من ثمن ضيعة بعتها، قال ما هو؟ فقال بعت داري التي
اسكنها لأقضي ديني فقال محمد بن أبي عمير حدثني ذريح المحاربي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين) ارفعها فلا حاجة لي فيها
وانى والله لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم ولا يدخل في ملكي من هذا درهم
واحد (1).
جهاده:
اما جهاده في سبيل الحق واحتمال الشدائد له فهو حسب ما روي عن
الكشي أنه قال وجدت بخط أبى عبد الله الشاذاني سمعت أبا محمد الفضل بن شاذان
يقول سعي بمحمد بن أبي عمير (واسم أبي عمير زياد) إلى السلطان انه يعرف
أسامي الشيعة بالعراق فأمره السلطان ان يسميهم فامتنع فجرد وعلق بين القفازين
فضرب مائة سوط (قال الفضل سمعت ابن أبي عمير) لما ضربت فبلغ الضرب مائة
سوط أبلغ الضرب الألم إلي فكدت ان اسمي فسمعت نداء محمد بن يونس يقول
يا محمد بن أبي عمير اذكر موقفك بين يدي الله تعالى فتقويت بقوله وصبرت
ولم اخبر والحمد لله (2).
وروي انه تولى ضربه السندي بن شاهك امام هارون الرشيد فادى مائة
وواحدا وعشرين ألف درهم حتى خلى عنه وكان رب خمسمائة ألف درهم (3).
ويظهر من سير التاريخ والحديث انه رحمه الله قاسى من الجهد والبلاء في
عصري الهارون والمأمون فان المأمون حبسه في سجنه أربع سنين وكان ذلك بعد
وفاة الرضا عليه السلام واختلفت الأقوال في ذهاب كتبه فقيل إن أخته دفنتها حال

(1) التنقيح 421 / 1.
(2) 62 باب محمد
(3) التنقيح 63 باب محمد
مقدمة المصحح 13

استتاره في السجن خوفا عليه كما ذكره جدي الأمجد السيد الجزائري رحمه الله
في شرحه على التهذيب (1) وقيل تركها في غرفة فسال عليها المطر فلما أطلق من
حبسه حدثهم من حفظه وكان يحفظ ما يبلغ من أربعين جلدا فسماه نوادر فلذلك
توجد أحاديثه منقطعة الأسانيد الا ان الأصحاب سكنوا إليها وعاملوها معاملة
الصحاح ثقة به.
مؤلفاته:
انه صنف كتبا كثيرة ذكر ابن بطة ان له أربعة وتسعين كتابا منها
كتاب النوادر، كتاب الاستطاعة والافعال والرد على أهل القدر والجبر،
كتاب المبدأ، كتاب الإمامة، كتاب المتعة، كتاب المغازي، كتاب الكفر
والايمان، كتاب البداء، كتاب الاحتجاج في الإمامة، كتاب الحج، كتاب
فضائل الحج، كتاب الملاحم، كتاب يوم وليلة، كتاب الصلاة، كتاب مناسك
الحج، كتاب الصيام، كتاب اختلاف الحديث، كتاب المعارف، كتاب
التوحيد، كتاب النكاح، كتاب الرضاع.
توفي رحمه الله سنة 217 (2).
الثناء على التفسير:
لا ريب في أن هذا التفسير الذي بين أيدينا من أقدم التفاسير التي وصلت
الينا ولولا هذا لما كان متنا متينا في هذا الفن ولما سكن إليه جهابذة الزمن، فكم
من تفسير قيم مقتبس من اخباره ولم تره إلا منورا بأنواره كالصافي والمجمع
والبرهان، إلا أن هذا الأصل لم يكن متيسرا في زماننا هذا لأنه لم يطبع منه
في الأخير إلا نسختان، طبعتا في إيران إحديهما طبعت سنة 1313 وثانيتهما التي

(1) النسخة موجودة عندي بخطي.
(2) التنقيح 62 باب محمد
مقدمة المصحح 14

عندي طبعت سنة 1315 مع تفسير الإمام العسكري على هامشه وكلتا النسختين
مع كثرة الخطأ والاشتباهات فيهما كانتا نادرتين جدا حتى لم نجدهما في أكثر
مكتبات النجف الأشرف حتى مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام التي أسسها العلامة المجاهد
الأميني مد ظله مع اتساعها وطول باعها في حيازة الكتب القيمة كانت فاقدة لها
فاحتيج إلى طباعته لئلا يندرس هذا الأثر الأثري والتأليف الزهري فشمرت
الباع لرفع القناع عن هذه المؤلفة المألوفة ليرى محياها كل من أحبها وحياها فإنها
تحفة عصرية ونخبة أثرية لأنها مشتملة على خصائص شتى قلما تجدها في غيرها فمنها:
(1) ان هذا التفسير أصل أصول للتفاسير الكثيرة كما تقدم.
(2) ان رواياته مروية عن الصادقين عليهما السلام مع قلة الوسائط
والاسناد ولهذا قال في الذريعة: انه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام.
(3) مؤلفه كان في زمن الإمام العسكري عليه السلام.
(4) أبوه الذي روى هذه الأخبار لابنه كان صحابيا للإمام الرضا
عليه السلام.
(5) ان فيه علما جما من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي سعى أعداؤهم
لاخراجها من القرآن الكريم.
(6) انه متكفل لبيان كثير من الآيات القرآنية التي لم يفهم مرادها تماما
إلا بمعونة ارشاد أهل البيت عليهم السلام التالين للقرآن.
بقي شئ:
وهو ان الراوي الأول الذي املا عليه علي بن إبراهيم القمي هذا التفسير
على ما يتضمنه بعض نسخ هذا التفسير (كما في نسختي) هو أبو الفضل العباس
ابن محمد بن قاسم بن حمزه بن موسى بن جعفر عليه السلام، تلميذ علي بن إبراهيم،
مقدمة المصحح 15

وهذا الشخص وان لم يوجد له ذكر في الأصول الرجالية كما ذكره صاحب
الذريعة إلا أن ما يدل على علو شأنه وسمو مكانه كونه من أولاد الإمام موسى
ابن جعفر عليه السلام ومنتهيا إليه بثلاث وسائط فقط، وقد ذكره غير واحد من كتب
الأنساب كبحر الأنساب والمجدي وعمدة الطالب، ومما يرفع غبار الريب عن اعتبار
الراوي ركون الأصحاب إلى هذا الكتاب وعملهم به بلا ارتياب فلو كان فيه
ضعف لما ركنوا إليه، ولذا قال الحر العاملي رحمه الله في الوسائل، وهو من
الذين اخذوا من هذا الكتاب ما لفظه.
" ولم اقتصر فيه على كتب الحديث الأربعة وان كانت اشهر مما سواها
بين العلماء، لوجود كتب كثيرة معتمدة من مؤلفات الثقات الاجلاء، وكلها
متواترة النسبة إلى مؤلفيها، لا يختلف العلماء، ولا يشك الفضلاء فيها "
(الوسائل 1 / 5)
وقد عرضت هذا الكتاب قبل نشره على الشيخ الكبير والمجاهد الشهير
سماحة العلامة آقا بزرك الطهراني (صاحب الذريعة) دام ظله فأبدى سروره على
طبعه ودعا لي على هذا المجهود وكتب التقريظ عليه مع ضعف حاله وارتعاش يده
الشريفة، حيث عبر عن هذا الكتاب ب‍ " الأثر النفيس والسفر الخالد المأثور
عن الامامين عليهما السلام ".
ولا ريب في أنه عريف هذا الفن وغطريف من غطارفة الزمن فقليله في
مقام الاطراء كثير.
وبالجملة انه تفسير رباني، وتنوير شعشعاني، عميق المعاني، قوي المباني
عجيب في طوره، بعيد في غوره، لا يخرج مثله إلا من العالم عليه السلام ولا
يعقله إلا العالمون، ولم آل جهدا في تصحيحه وتنظيفه من الأغلاط المشحونة فيه
فاعتمدت في تصحيحه على اربع نسخ منه:
مقدمة المصحح 16

(الأولى نسخة مطبوعة 1315 ه‍ ج‍ على هامشها تفسير الإمام العسكري
عليه السلام، وهي التي كانت عندي.
(الثانية) نسخة مطبوعة 1313 ه‍ ج‍ وجعلت رمزها في هذا الكتاب (ط).
(الثالثة) نسخة خطية من مكتبة آية الله الحكيم مد ظله وجعلت
رمزها (م).
(الرابعة) نسخة خطية نادرة من مكتبة الشيخ كاشف الغطاء طاب ثراه،
وجعلت رمزها (ك) واسأل الله ان يوفقنا لذلك فان بلغت فيه مناي فهو شفائي،
وان بقي شئ منها فاني معتذر إلى مولاي فإنه ذو الصفح الجسيم والمن القديم
وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم.
تنبيه يتعلق بهذا التفسير
لابد لقارئ هذا التفسير من الالتفات إلى امر بدونه يصعب فهم المراد
بل ربما ينفتح للعنود والمستضعف باب اللجاج والعناد، فيورد على هذا التفسير
وما شاكله بان كثيرا من مطالبه بعيد عن ظاهر اللفظ وقريب إلى التأويلات
التي يستنكف العقل منها - مثلا - اي ربط للآيات النازلة في أقوام بائدة كقوم
عاد وثمود بأعداء أهل البيت عليهم السلام حيث فسرت بأنها نزلت فيهم ونحو ذلك.
وجوابه يتوقف على بيان أمور:
(الأول) انه قد ظهر من الأدلة الباهرة والاخبار المتضافرة من الفريقين
ان ذوات محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين هي علة ايجاد هذا الكون
كما يظهر من الحديث المعروف " لولاك لما خلقت الأفلاك " المشهور بين الفريقين
وحديث " أول ما خلق الله نوري " المؤيد بقوله تعالى " قل إن كان للرحمن
ولد فانا أول العابدين؟؟ " فهذه الآية تدل على أن محمدا صلى الله عليه وآله أول الكل وجودا
مقدمة المصحح 17

وإن كان خاتم الرسل زمانا وعلي بن أبي طالب اما نفسه كما تدل على آية
المباهلة أو قسيم نوره كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وآله " انا وعلي من نور واحد "
وأولاده المعصومون كلهم مظاهر جماله وكماله صلى الله عليه وآله كما قال صلى الله عليه وآله: فيهم " أولنا
محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد وكلنا محمد " وتدل على هذا المقصد روايات كثيرة
من السنة من شاء فليراجع معارج النبوة ومدارج النبوة وينابيع المودة ونحو ذلك.
وكذا وردت روايات كثيرة معتبرة أيضا كحديث الكساء المتسالم عليه
بين العلماء الأعلام والمعمول به بين الخواص والعوام وفيه: " وعزتي وجلالي اني
ما خلقت سماءا مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئا.. إلا
في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء ".
وفي اكمال الدين والعيون والعلل عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السلام
أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني، فقلت
يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟ فقال يا علي ان الله فضل أنبيائه المرسلين
على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل من بعدي لك
يا علي وللأئمة من بعدك وان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا، يا علي! الذين
يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا
يا علي! لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا
الأرض فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا
وتسبيحه وتقديسه لان أول ما خلق الله خلق أرواحنا فانطقنا بتوحيده وبتمجيده
ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا. استعظموا أمرنا فسبحنا
لتعلم الملائكة، فسبحت الملائكة بتسبيحنا.
(الثاني) لما ثبت ان ذواتهم المقدسة هي أول الخلق وغرض الحق فبدليل
العقل يجب على الله تعالى لطفا ان يعرفهم جميع خلقه ويعرض محبتهم على جميع
مقدمة المصحح 18

عباده وإلا ليلزم الانفكاك بين الغاية والمغيى فهم غرض الخلق وغرض خلقهم ذات
الحق وان شئت فقل ان الله لم يخلق الخلق، إلا للعبادة ولا يعبد إلا بعد المعرفة
وهي إنما تحصل بقبول الايمان بالله كما هو، وهو موقوف على الاقرار بالرسول
المخبر عن الله، وهو موقوف على الاقرار بالامام المخبر عن الرسول فعلى الله ان
يرشد إليه ويدل عليه فلا بعد ان ينزل القرآن فيهم ولهم.
(الثالث) ان الله تعالى كان عالما باعمال أمة نبيه صلى الله عليه وآله بعد وفاته
صلى الله عليه وآله بأنهم يلعبون بالدين ويهتكون بنواميس حماته في كل حين، كما ظهر من
شنائع بني أمية وبني العباس وقد نبأ به النبي الصادق كما في صحيحي البخاري
ومسلم فقال صلى الله عليه وآله: لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع
حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟
قال فمن؟ (1) وكما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى " لتركبن
طبقا عن طبق " اي لتسلكن سبل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء
بعد الأنبياء، وفي هذا المعنى روايات كثيرة من الفريقين فحينئذ لم يؤمن منهم ان
لا يبقوا أسامي الأئمة أو فضائلهم في القرآن فلذا لم يكن بد إلا يبينها الله تعالى
بالكناية والاستعارة كما هو دأب القرآن وأسلوبه في أكثر آياته فان له ظاهرا
يتعلق بشئ وباطنا بشئ آخر، روى العياشي وغيره عن جابر قال سألت
أبا جعفر عليه السلام عن شئ من تفسير القرآن فأجابني، ثم سألت ثانيا فأجابني بجواب
آخر، فقلت جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل
اليوم! فقال لي يا جابر ان للقرآن بطنا وللبطن بطنا وظهرا وللظهر ظهرا، يا جابر
وليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ان الآية لتكون أولها في

(1) صحيح البخاري 4 / 176
مقدمة المصحح 19

شئ وآخرها في شئ وهو كلا متصل ينصرف على وجوه ".
وعن الغزالي في احياء العلوم والحافظ أبي نعيم في حلية الأولياء عن ابن
مسعود قال: ان القرآن نزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن
وان علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن والمراد من بطن القرآن
تأويله كما قال: ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم.
ومثال ذلك آية الشجرة حيث قال: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة
كشجرة طيبة - إلى قوله - مالها من قرار (1) فالمراد من " الشجرة الطيبة " شجرة
محمد وآله صلوات الله عليهم والمراد من " الشجرة الخبيثة " و " الشجرة الملعونة "
في سورة بني إسرائيل هم بنو أمية (2) فهذا تأويله فمن الذي له علم بهذا
التأويل بمجرد اللفظ غير الذين انزل القرآن في بيتهم وهم أهل البيت سلام الله
عليهم الملقبون في القرآن ب‍ " الراسخون في العلم " مرة وب‍ " الذين أوتوا
العلم " مرة أخرى، فإنهم العرفاء بوجوه القرآن ومعانيه والعلماء بناسخه
ومنسوخه، محكمه ومتشابهه، عامه وخاصه، مطلقه ومقيده، مجمله ومبينه،
كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين
نزلت وعلى من نزلت، ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا (3).
فانقدح من ذلك كله انه إذا ورد منهم معنى آية من الآيات القرآنية في مقام
التأويل والتعبير عن بطن القرآن فلا مجال لانكاره أو استغرابه وإن كان خلافا
للظاهر وهل هبط الروح الأمين بالقرآن إلا في بيتهم، وهل استنارت آياته إلا
من زيتهم، فهم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل ومنبت

(1) إبراهيم 24.
(2) الطبري 3 / 4
(3) تاريخ الخلفاء ص 142.
مقدمة المصحح 20

التفسير والتأويل كما قال أبو عبد الله الحسين عليه السلام قدام جمهور من الناس حين
خروجه من المدينة " نحن أهل البيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة " (1)
فالقرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق وان ظاهره وإن كان مخصوصا بفرد
خاص أو زمان خاص لكن باطنه ينطبق على كل من كان اهلا له إلى يوم القيامة
ومن هنا قال أبو جعفر عليه السلام: ان القرآن نزل أثلاثا: ثلث فينا وفي أحبائنا
وثلث في أعدائنا وعدو من كان قبلنا وثلث سنة ومثل، ولو أن الآية إذا نزلت
في قوم ثم مات أولئك ماتت الآية لما بقي من القرآن شئ، ولكن القرآن يجرى
على آخره ما دامت السماوات والأرض (2).
ومن هنا علم سر ذكر الأمم السابقة كآل فرعون ونمرود، وأمة موسى
وهود، وقصص النصارى واليهود، وتكرير اعمالهم القبيحة وأطوارهم الشنيعة
مع أن الله تعالى ستار العيوب وغفار الذنوب فلا حكمة في نشر فضائحهم وذكر
شنائعهم بعد ما حقت عليهم كلمة العقاب وتمت فيهم مواعيد العذاب، فليس
المقصود منه إلا اعتبار المعتبرين وتنبيه من لحقهم من الفاسقين الذين شابهوهم
بسوء اعمالهم ولهذا عبر عن بعضهم في لسان النبي صلى الله عليه وآله بيهود هذه الأمة
ومجوسها.
فانكشف مما ذكرنا ان كل ما ورد في القرآن من المدح كناية وصراحة
فهو راجع إلى محمد وآله الطاهرين، وكل ما ورد فيه من القدح كذلك فهو
لأعدائهم أجمعين السابقين منهم واللاحقين ويحمل عليه جميع الآيات من هذا القبيل
وإن كان خلافا للظاهر لان أسلوب البيان وحفظه عن النقصان يقتضي الكناية
وهي أبلغ من التصريح والطف، فلا مشاحة فيها بعد ورود دليل قاطع من العقل

(1) ناسخ التواريخ 6 / 119.
(2) تفسير فرات.
مقدمة المصحح 21

والنقل، ولا ينكره إلا من كان دأبه على المكابرة والدجل، والله ولي التوفيق
يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
تحريف القرآن:
بقي شئ يهمنا ذكره وهو ان هذا التفسير كغيره من التفاسير القديمة
يشتمل على روايات مفادها ان المصحف الذي بين أيدينا لم يسلم من التحريف والتغيير
وجوابه انه لم ينفرد المصنف (رح) بذكرها بل وافقه فيه غيره من
المحدثين المتقدمين والمتأخرين عامة وخاصة اما العامة فقد صنفوا فيه كتبا
كالسجستاني حيث صنف " كتاب المصاحف " والشعراني حيث قال:
ولولا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع الحكمة في غير أهلها لبينت جميع
ما سقط من مصحف عثمان (1).
والآلوسي حيث اعترف بعد سرد الاخبار التي تدل على التحريف قائلا:
والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى (2).
وقال فخر الدين الرازي في تفسيره:
نقل في الكتب القديمة ان ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة من
القرآن وكان ينكر كون المعوذتين من القرآن (3).
ونقل السيوطي عن ابن عباس وابن مسعود انه كان يحك المعوذتين من
المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، انهما ليستا من كتاب الله، إنما
امر النبي صلى الله عليه وآله ان يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما (4).

(1) الكبريت الأحمر على هامش اليواقيت والجواهر ص 143.
(2) روح المعاني 1 / 24
(3) مفاتيح الغيب 1 / 169.
(4) الدر المنثور 6 / 416.
مقدمة المصحح 22

وقال الصبحي الصالحي:
" اما القراءات المختلفة المشهورة بزيادة لا يحتملها الرسم ونحوها نحو
أوصى ووصى، وتجري تحتها ومن تحتها، وسيقولون الله ولله، وما عملت
أيديهم وما عملته فكتابته على نحو قراءته وكل ذلك وجد في مصحف الامام (1) "
وهذا اعتراف منه بان مصحف الامام مشتمل على زيادة لوضوح ان هذه القراءات
كلها لم تنزل من الله تعالى لان الأفصح والأبلغ في المقام واحدة منها، وكلام
الخالق لا يكون إلا بالأفصح والأبلغ، فإذا وجد كل ذلك في مصحف الامام
فيحصل لنا العلم ولو اجمالا بزيادة ما ليس من الله في القرآن.
وكذلك ذهب كثير منهم إلى عدم كون البسملة من القرآن، ومن هنا
لا يقرؤنها في الصلاة، قال السيد الخوئي دام ظله في البيان: " فالبسملة مثلا
مما تسالم المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وآله قرأها قبل كل سورة غير التوبة، وقد
وقع الخلاف في كونها من القرآن بل ذهبت المالكية إلى كراهة الاتيان بها قبل
قراءة الفاتحة في الصلاة المفروضة " (2).
اما الخاصة فقد تسالموا على عدم الزيادة في القرآن بل ادعى الاجماع
عليه، اما النقيصة فان ذهب جماعة من العلماء الامامية إلى عدمها أيضا وأنكروها
غاية الانكار كالصدوق والسيد مرتضى وأبي علي الطبرسي في " مجمع البيان "
والشيخ الطوسي في " التبيان " ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء
والمحدثين المتقدمين منهم والمتأخرين القول بالنقيصة كالكليني والبرقي، والعياشي
والنعماني، وفرات بن إبراهيم، وأحمد بن أبي طالب الطبرسي صاحب الاحتجاج
والمجلسي، والسيد الجزائري، والحر العاملي، والعلامة الفتوني، والسيد البحراني

(1) مباحث في علوم القرآن ص 98.
(2) البيان ص 138.
مقدمة المصحح 23

وقد تمسكوا في اثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الاغماض عنها.
والذي يهون الخطب ان التحريف اللازم على قولهم يسير جدا مخصوص بآيات
الولاية فهو غير مغير للاحكام ولا للمفهوم الجامع الذي هو روح القرآن، فهو
ليس بتحريف في الحقيقة فلا ينال لغير الشيعة ان يشنع عليهم من هذه الجهة.
وتفصيل ذلك ان غيرهم الذي يمكن ان يورد عليهم فهو اما من جمهور
المسلمين أو أهل الكتاب كالنصارى واليهود وكلاهما لا يقدران على ذلك اما جمهور
المسلمين فلكون كتبهم مملوءة من الأخبار الدالة على التحريف الذي هو أزيد
بمراتب من التحريف المستفاد من روايات الامامية، إذ هو عند أولئك بمعنى
النقيصة والزيادة وفي سائر مواضيع القرآن حتى قد روي عن عمر أنه قال:
(1) لا يقولن أحدكم قد اخذت القرآن كله وما يدريه ما كله؟ قد
ذهبت منه قرآن كثير، ولكن ليقل قد اخذت منه ما ظهر (1).
(2) وعنه أيضا كنا نقرأ الولد للفراش وللعاهر الحجر فيما فقدنا من
كتاب الله (2).
(3) وأيضا روي عنه: فكان فيما انزل عليه آية الرجم فرجم ورجمنا
بعده (3).
(4) وعن أبي موسى الأشعري: انا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في
الطول والشدة بالبراءة فأنسيتها، غير انى قد حفظت منها: لو كان لابن آدم
واديان من المال لابتغى واديا ثالثا ولا يملا جوف ابن آدم الا تراب (4) ومثله
كثير مما يظهر منه ذهاب كثير من القرآن عندهم من آيات الاحكام والسور

(1) الاتقان 2 / 40.
(2) الدر المنثور 1 / 106.
(3) سنن ابن ماجة ص 141.
(4) صحيح المسلم 3 / 100.
مقدمة المصحح 24

كسورتي الخلع والحفد (1) وأين هذا من القول بان الساقط منه آيات تتعلق
بالولاية فقط مع بقاء جميع آيات الاحكام.
وهذا هو السر في أن الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين أمروا
بالتشبث بالقرآن الكريم وأمروا بارجاع الأحاديث المشكوكة على القرآن والاخذ
بما وافقه ورد ما خالفه وإنما هو نص واضح على أن التحريف والتغيير لم يقع فيها
وما وقع منه يسيرا فإنما هو بالنسبة إلى الآيات الراجعة إلى آل بيت النبي صلوات
الله عليهم مع بقاء كثيرة منها على حالها لم تحرف مع كفايتها في مقام استعلام
فضائلهم مع احتمال كون الساقط من قبيل الشرح لا المتن كما ذهب إليه الكاشاني رح
اما أهل الكتاب فإنهم أيضا لا يقدرون على الايراد المذكور لوروده على
أنفسهم حقيقة لذهاب التوراة والإنجيل من البين كما يشهد به مطالعة هذين
الكتابين، وقد اعترف علماؤهم اجمع بحدوث الأناجيل الأربعة بعد وفاة عيسى
حتى سموها NEW TESTAMENT أعني " العهد الجديد ".
وهذا الأناجيل عبارة عن: 1 - إنجيل متى. 2 - إنجيل مرقس.
3 - إنجيل لوقا. 4 - إنجيل يوحنا، وليس واحد منها من كلام عيسى ولا
حواريه بل انها نسبت إلى متى ولوقا لتحصيل الاشتهار وجلب رغبة الناس إليها،
وقد جرت هذه الأناجيل في الناس دهرا طويلا يقرأ مسودة فحدثت فيها
التغييرات والإضافات حينا بعد حين وأضيفت فيها الأساطير التي كان بناء أكثرها
على المبالغة وانها كانت على السنة ضعفة العقول في ذلك الزمان حتى حسبت بعد

(1) روح المعاني 1 / 24.
مقدمة المصحح 25

مدة حقائق تاريخية وحوادث واقعية. قد صرح بذلك كله علماؤهم المعروفون
في كتبهم (1).
وقال القسيس المعروف ارنست وليام Earnest William ان مرقس
أقدم الأناجيل كما سنذكره في الباب الثامن كتب حين انتشرت النصرانية في
الارجاء، وكانت الفترة بين صلب عيسى وكتابته أربعين سنة أو أزيد (1).
وهذا بخلاف القرآن الحكيم فان مكتوبا مدونا في زمان الرسول
صلى الله عليه وآله عند أمير المؤمنين عليه السلام على قول أو كان مكتوبا متفرقا على ألواح
وعسب والفه الخلفاء على قول آخر مع اجماع الفريقين على أن ما بين الدفتين كله
من الله تعالى فهو باق على اعجازه منزه عن الدخل في حقيقته ومجازه لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه، متحد على اعلانه القويم القديم
(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون
بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)
طيب الموسوي الجزائري
النجف الأشرف 8 رجب المرجب سنة 1386

(1) وهذه أساميهم مع أسامي كتبهم:
. The Rise Of Christanity By Earnest William (1)
. Hitti. K. History Of Syria By Philip (2)
. The Life Of Juses By Earnest (3)
84. The Rise Of Christanity p
مقدمة المصحح 26

تفسير القمي
لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي رحمه الله
(من اعلام قرني 3 - 4 ه‍.)
صححه وعلق عليه وقدم له
حجة الاسلام العلامة
السيد طيب الموسوي الجزائري
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد الذي لا من شئ خلق (1) ما كون بل
بقدرته، بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه فليست له صفة تنال ولا حد يضرب
فيه الأمثال كل دون صفاته تحبير (2) اللغات، وضل هنالك تصاريف الصفات
وحار في اداني ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه
جوامع التفسير، وحال دون غيبة المكنون حجب من الغيوب وتاهت في أدنى أدانيها
طامحات العقول، فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن وتعالى
الذي ليس لنعته حد محدود ولا وقت ممدود، ولا اجل معدود، فسبحان الذي ليس
له أول متبدأ ولا غاية منتهى، سبحانه كما هو وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته،
حد الأشياء كلها بعلمه عند حلقه وأبانها إبانة لها من شبهها بما لم يحلل فيها فيقال
هو فيها كاين ولم يناء عنها فيقال هو منها باين، ولم يخل منها فيقال له أين، لكنه سبحانه
أحاط بها علمه وأتقنها صنعه وأحصاها حفظه فلم يعزب عنه خفيات هبوب الهواء
ولا غامض سرائر مكنون ظلم الدجى، ولا ما في السماوات العلى إلى الأرضين السفلى
وعلى كل شئ منها حافظ ورقيب وبكل شئ منها محيط هو الله الواحد الأحد
رب العالمين والحمد لله الذي جعل العمل في الدنيا والجزاء في الآخرة وجعل لكل
شئ قدرا ولكل قدر اجلا ولكل اجل كتابا يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده
أم الكتاب والحمد لله الذي جعل الحمد شكرا والشكر طاعة والتكبير جلالة وتعظيما

(1) اي لم يخلق الكون من شئ إنما خلقه بقدرته بدون شئ فلفظ
" قدرته " مجرور من بواسطة العطف على " شئ ". ج - ز
(2) حبر الكلام اي حسنه وزينه. ج - ز
1

فلا اله الا هو اخلاصا نشهد به فإنه قال عز وجل " ستكتب شهادتهم ويسألون " وقال
" الا من شهد بالحق وهم يعلمون " تشهد به بلجة (1) صدورنا وعارفة قلوبنا قد شيط به (2)
لحومنا ودماؤنا وأشعارنا وأبشارنا وأسماعنا وأبصارنا وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله صلوات الله عليه ارسله بكتاب قد فصله وأحكمه وأعزه وحفظه بعلمه
وواضحه بنوره وأيده بسلطانه وأحكمه من أن يميل سهوا ويأتيه الباطل من بين
يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد، لا تفنى عجائبه من قال به صدق ومن عمل به
احيز ومن خاصم به فلج ومن قال به نصر ومن قام به هدى إلى صراط مستقيم ومن
تركه من الجبابرة قصمه الله ومن ابتغى العلم من غيره أضله الله وهو حبل الله
المتين فيه بيان ما كان قبلكم والحكم فيما بينكم وخبر معادكم أنزله الله بعلمه واشهد
الملائكة بتصديقه فقال " لكن الله يشهد بما انزل إليك أنزله بعلمه والملائكة
يشهدون وكفى بالله شهيدا " فجعله نورا يهدى التي هي أقوم فقال " اتبعوه ما
انزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما يتذكرون " ففي اتباع ما
جاء من الله عز وجل الفوز العظيم وفي تركه الخطا المبين فجعل في اتباعه كل خير
يرجى في الدنيا والآخرة، والقرآن آمر وزاجر حد فيه الحدود وسن فيه السنن
وضرب فيه الأمثال وشرع فيه الدين وغدا من سببه حجة على خلقه اخذ
عليهم ميثاقهم وارتهن لهم أنفسهم لينبئ لهم ما يأتون وما يبتغون ليهلك من
هلك عن بينه ويحيى من حي عن بينة وان الله سميع عليم وقال أمير المؤمنين
صلوات الله عليه وآله " أيها الناس ان الله عز وجل بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وآله بالهدى
وانزل عليه الكتاب بالحق وأنتم أميون عن الكتاب ومن أنزله وعن الرسول
ومن ارسله، ارسله على حين فترة من الرسل وطول هجعة (3) من الأمم وانبساط من

(1) بلج صدره أي انشرح
(2) شيط اي نضج
(3) الهجعة النوم.
2

الجهل واعترض من الفتنة وانتقاص من البرم وعمى عن الحق وانتشار من الخوف واعتساف من الجور وامتحاق من
الدين وتلظى من الحروب وعلى حين اصفرار من رياض جنات الدنيا ويبوس من
أغصانها وانتشار من ورقها ويأس من ثمرها واغورار من مائها، فقد درست اعلام الهدى وظهرت اعلام
الردى والدنيا متهجمة (1) في وجوه أهلها متكفهرة مدبرة غير مقبلة ثمرتها الفتنة
وطعامها الجيفة وشعارها الخوف ودثارها السيف قد مزقهم كل ممزق فقد أعمت عيون
أهلها واظلمت عليهم أيامها قد قطعوا أرحامهم وسفكوا دمائهم ودفنوا في التراب
الموؤودة بينهم من أولادهم يجتاز دونهم طيب العيش ورفاهته، خوط (2) لا يرجون
من الله ثوابا ولا يخافون الله عقابا حيهم أعمى نجس ميتهم في النار مبلس فجاءهم
النبي صلى الله عليه وآله بنسخة ما في الصحف الأولى وتصديق الذي بين يديه وتفصيل الحلال
وبيان الحرام وذلك القرآن فاستنطقوه فلن ينطق لكم، أخبركم عنه ان فيه علم ما
مضى وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة وحكم ما بينكم وبيان ما أصبحتم فيه مختلفون
فلو سألتموني عنه لأخبرتكم عنه لأني أعلمكم ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع في مسجد الخيف " انى فرطكم (3)
وانكم واردون على الحوض، حوض عرضه ما بين بصرة وصنعاء، فيه قد حان من
فضة عدد النجوم الأواني سائلكم عن الثقلين قالوا يا رسول الله وما الثقلان؟ قال
كتاب الله الثقل الأكبر طرف بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به لن تضلوا ولن
تزلوا والثقل الأصغر عترتي وأهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا

(1) الهجمة أول ما يهجم من ظلام الليل والمراد هنا مطلق الظلمة
وكذا مكفهرة، وفى ط متجهمة أي عابسة ج. ز
(2) الخوط الغصن الناعم أو كل قضيب يعني انهم كانوا غير ذوي حنك وتدبير
(3) الفرط المتقدم والمعنى انى أتقدمكم إلى الحوض. ج. ز
3

حتى يردا على الحوض كإصبعي هاتين - وجمع بين سبابتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع
بين سبابته والوسطى - فتفضل هذه على هذه " فالقرآن عظيم قدره جليل خطره بين
ذكره من تمسك به هدى ومن تولى عنه ضل وزل فأفضل ما عمل به القرآن لقول
الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة
وبشرى للمسلمين " وقال " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم "
ففرض الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وآله ان يبين الناس ما في القرآن من الاحكام
والقوانين والفرايض والسنن وفرض على الناس التفقه والتعليم والعمل بما فيه حتى
لا يسع أحدا جهله ولا يعذر في تركه ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهى الينا
ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم ولا يقبل عمل الا
بهم وهم الذين وصفهم الله تبارك وتعالى وفرض سؤالهم والاخذ منهم فقال
" فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون " فعلمهم عن رسول الله وهم الذين قال
في كتابه وخاطبهم في قوله تعالى " يا أيها الناس آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا
ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما
جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي
هذا (القرآن) ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا - أنتم يا معشر الأئمة - شهداء
على الناس " فرسول الله صلى الله عليه وآله شهيد عليهم وهم شهداء على الناس فالعلم عندهم
والقرآن معهم ودين الله عز وجل الذي ارتضاه لأنبيائه وملائكته ورسله منهم
يقتبس وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام " الا ان العلم الذي هبط به آدم عليه السلام من
السماء إلى الأرض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين عندي وعند عترة خاتم
النبيين فأين يتاه بكم بل أين تذهبون وقال أيضا أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته " ولقد علم
المستحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أنه قال إني وأهل بيتي مطهرون فلا تسبقوهم
فتضلوا ولا تتخلفوا عنهم فتزلوا ولا تخالفوهم فتجهلوا ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم
4

هم اعلم الناس كبارا واحلم الناس صغارا فاتبعوا الحق وأهله حيث كان ففي الذي
ذكرنا من عظيم خطر القرآن وعلم الأئمة عليهم السلام كفاية لمن شرح الله صدره
ونور قلبه وهداه لايمانه ومن عليه بدينه وبالله نستعين وعليه نتوكل وهو حسبنا
ونعم الوكيل " (قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الهاشمي القمي ط)
فالقرآن منه ناسخ، ومنه منسوخ، ومنه محكم، ومنه متشابه، ومنه عام،
ومنه خاص، ومنه تقديم، ومنه تأخير، ومنه منقطع، ومنه معطوف، ومنه حرف
مكان حرف، ومنه على خلاف ما انزل الله (1)، ومنه ما لفظه عام ومعناه خاص،
ومنه ما لفظه خاص ومعناه عام، ومنه آيات بعضها في سورة وتمامها في سورة أخرى
ومنه ما تأويله في تنزيله ومنه ما تأويله مع تنزيله، ومنه ما تأويله قبل تنزيله، ومنه تأويله بعد تنزيله، ومنه
رخصة اطلاق بعد الحظر، ومنه رخصة صاحبها فيها بالخيار ان شاء فعل وان
شاء ترك، ومنه رخصة ظاهرها خلاف باطنها يعمل بظاهرها ولا يدان بباطنها،
ومنها ما على لفظ الخبر ومعناه حكاية عن قوم، ومنه آيات نصفها منسوخة ونصفها
متروكة على حالها، ومنه مخاطبة لقوم ومعناه لقوم آخرين، ومنه مخاطبة للنبي
صلى الله عليه وآله والمعنى أمته، ومنه ما لفظه مفرد ومعناه جمع، ومنه ما لا يعرف تحريمه
الا بتحليله، ومنه رد على الملحدين، ومنه رد على الزنادقة، ومنه رد على الثنوية
ومنه رد على الجهمية، ومنه رد على الدهرية، ومنه رد على عبدة النيران، ومنه
رد على عبدة الأوثان، ومنه رد على المعتزلة، ومنه رد على القدرية، ومنه رد
على المجبرة، ومنه رد على من انكر من المسلمين الثواب والعقاب بعد الموت يوم
القيامة، ومنه رد على من انكر المعراج والاسراء، ومنه رد على من انكر الميثاق

(1) مراده رحمه الله منه الآيات التي حذفت منها ألفاظ على الظاهر
كالآيات التي نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام مثل قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما
انزل إليك من ربك (في علي عليه السلام) وسيأتي تفصيل القول في ذلك عند محله. - ز.
5

في الذر، ومنه رد على من انكر خلق الجنة والنار، ومنه رد على من انكر المتعة
والرجعة، ومنه رد على من وصف الله عز وجل، ومنه مخاطبة الله عز وجل
لأمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام وما ذكره الله من فضايلهم وفيه خروج القائم واخبار
الرجعة وما وعد الله تبارك وتعالى الأئمة عليهم السلام من النصرة والانتقام من
أعدائهم، وفيه شرايع الاسلام واخبار الأنبياء عليهم السلام ومولدهم ومبعثهم
وشريعتهم وهلاك أمتهم، وفيه ما نزل بمغازي النبي صلى الله عليه وآله، وفيه ترهيب وفيه ترغيب،
وفيه أمثال، وفيه اخبار وقصص، ونحن ذاكرون جميع ما ذكرنا إن شاء الله في أول
الكتاب مع خبرها ليستدل بها على غيرها وعلم ما في الكتاب وبالله التوفيق
والاستعانة وعليه نتوكل وبه نستعين ونستجير والصلاة على محمد وآله الذين
اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
فاما الناسخ والمنسوخ فان عدة النساء كانت في الجاهلية إذا مات الرجل
تعتد امرأته سنة فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله لم ينقلهم عن ذلك وتركهم على
عاداتهم وانزل الله تعالى بذلك قرآنا فقال " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا
وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج " (1) فكانت العدة حولا فلما
قوى الاسلام انزل الله " الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن
أربعة اشهر وعشر (2) فنسخت قوله " متاعا إلى الحول غير اخراج " ومثله ان
المرأة كانت في الجاهلية إذا زنت تحبس في بيتها حتى تموت والرجل يوذي
فأنزل الله في ذلك " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم
فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (3) "
وفى الرجل " واللذان يأتيانها منكم فأذوهما فان تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما ان الله كان توابا

(1) البقرة 240
(2) البقرة 234
(3) النساء 14
6

رحيما (1) " فلما قوى الاسلام انزل الله " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منها
ماءة جلدة (2) "
فمسخت تلك ومثله كثير نذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى
واما المحكم فمثل قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين (3) "
ومثله " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير (4) " ومنه قوله " حرمت
عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم (5) " الآية إلى آخرها فهذه كله محكم قد
استغنى بتنزيله عن تأويله ومثله كثير.
واما المتشابه فما ذكرنا مما لفظه واحد ومعناه مختلف فمنه الفتنة التي ذكرها
الله تعالى في القرآن فمنها عذاب وهو قوله " يوم هم على النار يفتنون (6) " اي
يعذبون وقوله " الفتنة أكبر من القتل (7) " وهي الكفر ومنه الحب وهو قوله
" إنما أموالكم وأولادكم فتنة (8) " يعني بها الحب ومنها اختبار وهو قوله
" ألم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون (9) " اي لا
يختبرون ومثله كثير نذكره في مواضعه ومنه الحق وهو على وجوه كثيرة ومنه الضلال
وهو على وجوه كثيرة فهذا من المتشابه الذي لفظه واحد ومعناه مختلف.
واما ما لفظه عام ومعناه خاص فمثل قوله تعالى " يا بني إسرائيل اذكروا
نعمتي التي أنعمت عليكم وانى فضلتكم على العالمين (10) " فلفظه عام ومعناه خاص
لأنه فضلهم على عالمي زمانهم بأشياء خصهم بها وقوله " وأوتيت من كل شئ (11) "

(1) النساء 15
(2) النور 2
(3) المائدة 7
(4) المائدة 173
(5) النساء 22
(6) الذاريات 13
(7) البقرة 191
(8) الأنفال 28
(9) العنكبوت 2
(10) البقرة 122
(11) النمل 23
7

يعني بلقيس فلفظه عام ومعناه خاص لأنها لم توت أشياء كثيرة منها الذكر واللحية
وقوله " ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شئ بأمر ربها (1) " لفظه عام ومعناه
خاص لأنها تركت أشياء كثيرة لم تدمرها.
واما ما لفظه خاص ومعناه عام فقوله " من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل
انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا (2) " فلفظ
الآية خاص في بني إسرائيل ومعناها عام في الناس كلهم.
واما التقديم والتأخير فان آية عدة النساء الناسخة مقدمة على المنسوخة
لان في التأليف قد قدمت آية " عدة النساء أربعة اشهر وعشرا (3) " على آية
" عدة سنة كاملة (4) " وكان يجب أولا ان تقرأ المنسوخة التي نزلت قبل ثم
الناسخة التي نزلت بعده وقوله " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه
ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة (5) " فقال الصادق عليه السلام إنما نزل " أفمن
كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه اماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى "
وقوله " وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيى (5) " وإنما هو يحيى ويميت لان الدهرية لم يقروا
بالبعث بعد الموت وإنما قالوا " نحيا ونموت " فقدموا حرفا على حرف وقوله " يا مريم
اقنتي لربك واسجدي واركعي (7) " أيضا هو " اركعي واسجدي " وقوله
" فلعلك باخع (8) نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا " وإنما

(1) الأحقاف 25
(2) المائدة 35
(3) الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر
وعشرا - البقرة 234.
(4) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى
الحول غير اخراج البقرة 240.
(5) الهود 17
(6) الجاثية 23
(7) آل عمران 43
(8) بخع نفسه كاد ان يهلكها من غضب أو غم
8

هو " فلعلك باخع نفسك على آثارهم أسفا ان لم يؤمنوا بهذا الحديث " ومثله كثير.
واما المنقطع المعطوف فهي آيات نزلت في خبر ثم
انقطعت قبل تمامها وجائت آيات غيرها ثم عطف بعد ذلك على الخبر الأول مثل
قوله عز وجل " وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم ان كنتم
تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون افكا ان الذين تعبدون من
دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه
ترجعون " ثم انقطع خبر إبراهيم فقال مخاطبة لامة محمد " وان تكذبوا فقد
كذب أمم من قبلكم وما على الرسول الا البلاغ المبين أو لم يروا كيف يبدئ الله
الخلق ثم يعيده ان ذلك على الله يسير " إلى قوله " أولئك يئسوا من رحمتي
وأولئك لهم عذاب اليم " ثم عطف بعد هذه الآيات على قصة إبراهيم فقال
" وما كان جواب قومه الا ان قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار (1) "
ومثله في قصة لقمان قوله " وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تشرك بالله ان الشرك
لظلم عظيم " ثم انقطعت وصية لقمان لابنه فقال " ووصينا الانسان بوالديه حملته
أمه وهنا على وهن " إلى قوله " فأنبئكم بما كنتم تعملون " ثم عطف على خبر
لقمان فقال " يا بنى انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في
السماوات أو في الأرض يأت بها.. الخ (2) " ومثله كثير.
واما ما هو حرف مكان حرف فقوله " لئلا يكون للناس على الله حجة
الا الذين ظلموا منهم (3) " يعني ولا للذين ظلموا منهم وقوله " يا موسى لا
تخف انى لا يخاف لدي المرسلون الا من ظلم (4) " يعني ولا من ظلم وقوله
" ما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطأ (5) " يعني ولا خطأ وقوله " ولا

(1) العنكبوت 24
(2) لقمان 16
(3) البقرة 150
(4) النمل 10
(5) النساء 91
9

يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم (1) " يعني حتى تنقطع
قلوبهم ومثله كثير.
واما ما هو كان على خلاف ما انزل الله فهو قوله " كنتم خير أمة أخرجت
للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله (2) " فقال أبو عبد الله
عليه السلام لقاري هذه الآية " خير أمة " يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليه السلام؟
فقيل له وكيف نزلت يا بن رسول الله؟ فقال إنما نزلت " كنتم خير أئمة أخرجت
للناس " الا ترى مدح الله لهم في آخر الآية " تأمرون بالمعروف وتنهون عن
المنكر وتؤمنون بالله " ومثله آية قرئت على أبى عبد الله عليه السلام " الذين يقولون
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما (3) " فقال
أبو عبد الله عليه السلام لقد سألوا الله عظيما ان يجعلهم للمتقين اماما فقيل له يا بن رسول الله
كيف نزلت؟ فقال إنما نزلت " الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين
واجعل لنا من المتقين اماما " وقوله " له معقبات من بين يديه ومن خلفه
يحفظونه من امر الله (4) " فقال أبو عبد الله كيف يحفظ الشئ من امر الله
وكيف يكون المعقب من بين يديه فقيل له وكيف ذلك يا بن رسول الله؟ فقال إنما
نزلت " له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله
ومثله كثير.
واما ما هو محرف منه فهو قوله " لكن الله يشهد بما انزل إليك في علي
أنزله بعلمه والملائكة يشهدون (5) " وقوله " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك
من ربك في علي فإن لم تفعل فما بلغت رسالته (6) " وقوله " ان الذين كفروا

(1) التوبة 111
(2) آل عمران 110
(3) الفرقان 74
(4) الرعد 10
(5) النساء 166
(6) المائدة 70.
10

وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم (1) " وقوله " وسيعلم الذين ظلموا
آل محمد حقهم اي منقلب ينقلبون (2) " وقوله " ولو ترى الذين ظلموا آل محمد
حقهم في غمرات الموت (3) " ومثله كثير نذكره في مواضعه.
واما ما لفظه جمع ومعناه واحد وهو جار في الناس فقوله " يا أيها الذين
آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم (4) " نزلت في أبي لبابة بن
عبد الله بن المنذر خاصة وقوله " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم
أولياء (5) " نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وقوله " الذين قال لهم الناس ان الناس
قد جمعوا إليكم (6) " نزلت في نعيم ابن مسعود الأشجعي وقوله " ومنهم الذين
يؤذون النبي ويقولون هو اذن (7) " نزلت في عبد الله بن نفيل خاصة ومثله كثير
نذكره في مواضعه.
واما ما لفظه واحد ومعناه جمع فقوله " وجاء ربك والملك صفا صفا (8) "
فاسم الملك واحد ومعناه جمع وقوله " ألم تر ان الله يسجد له من في السماوات
والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر (9) " فلفظ الشجر واحد
ومعناه جمع.
واما ما لفظه ماض وهو مستقبل فقوله " ونفخ في الصور ففزع من في
السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله وكل اتوه داخرين (10) " وقوله

(1) النساء 167
(2) الشعراء 227
(3) الآية الموجودة في المصحف هكذا " ولو ترى إذ الظالمون في
غمرات الموت " الانعام 93
(4) الأنفال 27
(5) الممتحنة 1
(6) آل عمران 173
(7) التوبة 62
(8) الفجر 22
(9) الحج 18
(10) النمل 87
11

" ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله ثم
نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب
وجئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما
عملت وهو اعلم بما يفعلون (1) " إلى آخر الآية فهذا كله ما لم يكن بعد وفي
لفظ الآية انه قد كان ومثله كثير.
واما الآيات التي هي في سورة وتمامها في سورة أخرى فقوله في سورة
البقرة في قصة بني إسرائيل حين عبر بهم موسى البحر وأغرق الله فرعون وأصحابه
وانزل موسى ببني إسرائيل فأنزل الله عليهم المن والسلوى فقالوا لموسى " لن
نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها
وفومها وعدسها وبصلها فقال لهم موسى " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير
اهبطوا مصر فان لكم ما سألتم (2) فقالوا له يا موسى " ان فيها قوما جبارين وانا
لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون (3) " فنصف الآية
في سورة البقرة ونصفها في سورة المائدة وقوله " اكتتبها فهي تملئ عليه بكرة
وأصيلا (4) " فرد الله عليهم " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه
بيمينك إذا لارتاب المبطلون (5) " فنصف الآية في سورة الفرقان ونصفها في
سورة القصص والعنكبوت ومثله كثير نذكره في مواضعه.
واما الآية التي نصفها منسوخة ونصفها متروكة على حالها فقوله " ولا
تنكحوا المشركات حتى يؤمن (6) " وذلك أن المسلمين كانوا ينكحون أهل الكتاب
من اليهود والنصارى وينكحونهم فأنزل الله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن

(1) الزمر 68
(2) البقرة 61
(3) المائدة 24
(4) الفرقان 5
(5) العنكبوت 48
(6) البقرة 221
12

ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا
ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم " فنهى الله ان ينكح المسلم المشركة أو
ينكح المشرك المسلمة ثم نسخ قوله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " بقوله في سورة
المائدة " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من
المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن
أجورهن (1) " فنسخت هذه الآية قوله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن "
وترك قوله " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " لم ينسخ لأنه لا يحل للمسلم
ان ينكح المشركة ويحل له ان يتزوج المشركة من اليهود والنصارى، وقوله
" وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالأنف والاذن بالاذن
والسن بالسن والجروح قصاص (2) " ثم نسخت هذه الآية بقوله " كتب عليكم
القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى (3) " فنسخت قوله
" النفس بالنفس إلى قوله السن بالسن " ولم ينسخ قوله " الجروح قصاص "
فنصف الآية منسوخة ونصفها متروكة.
واما ما تأويله في تنزيله فكل آية نزلت في حلال أو حرام مما لا يحتاج
فيها إلى تأويل مثل قوله " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم
وخالاتكم (4) " وقوله " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير (5) " ومثله
كثير مما تأويله في تنزيله وهو من المحكم الذي ذكرناه.
واما ما تأويله مع تنزيله فمثل قوله " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم (6) " فلم يستغن الناس بتنزيل الآية حتى فسر لهم الرسول من أولوا

(1) البقرة 5
(2) المائدة 48
(3) البقرة 178
(4) النساء 22
(5) المائدة 173
(6) النساء 58
13

الامر وقوله " اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (1) " فلم تستغن الناس الذين
سمعوا هذا من النبي بتنزيل الآية حتى عرفهم النبي صلى الله عليه وآله من الصادقون وقوله
" يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " فلم يستغن
الناس حتى أخبرهم النبي صلى الله عليه وآله كم يصومون وقوله
" أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فلم تستغن الناس بهذا حتى أخبرهم النبي كم
يصلون وكم يصومون وكم يزكون.
واما ما تأويله قبل تنزيله فالأمور التي حدثت في عصر النبي صلى الله عليه وآله مما لم
يكن عند النبي فيها حكم مثل الظهار فان العرب في الجاهلية كانوا إذا ظاهر الرجل
من امرأته حرمت عليه إلى الأبد فلما هاجر رسول الله إلى المدينة ظاهر رجل
من امرأته يقال له أوس بن الصامت فجاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته
بذلك فانتظر النبي صلى الله عليه وآله الحكم من الله فأنزل الله تبارك وتعالى " الذين يظاهرون
منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ان أمهاتهم الا اللائي ولدنهم (2) " ومثله ما نزل
في اللعان وغيره مما لم يكن عند النبي صلى الله عليه وآله فيه حكم حتى نزل عليه القرآن به
من عند الله عز وجل فكان التأويل قد تقدم التنزيل.
واما ما تأويله بعد تنزيله فالأمور التي حدثت في عصر النبي صلى الله عليه وآله وبعده
من غصب آل محمد حقهم وما وعدهم الله به من النصر على أعدائهم وما اخبر الله به
من اخبار القائم وخروجه واخبار الرجعة والساعة في قوله " ولقد كتبنا في
الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون (3) " وقوله " وعد الله
الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين
من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا
يعبدونني لا يشركون بي شيئا (4) " نزلت في القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وقوله

(1) التوبة 120
(2) المجادلة 2
(3) الأنبياء 105
(4) النور 55
14

" نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن
لهم في الأرض (1) " ومثله كثير مما تأويله بعد تنزيله.
واما ما هو متفق اللفظ ومختلف المعنى فقوله " واسأل القرية التي كنا فيها
والعير التي أقبلنا فيها (2) " يعني أهل القرية وأهل العير وقوله " وتلك القرى
أهلكناهم لما ظلموا " يعني أهل القرى، ومثله كثير نذكره.
واما الرخصة التي هي بعد العزيمة فان الله تبارك وتعالى فرض الوضوء
والغسل بالماء فقال " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وان كنتم جنبا
فاطهروا " ثم رخص لمن لم يجد الماء التيمم بالتراب فقال " وان كنتم مرضى أو
على سفر أو جاء أحد منكم من الغايط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا
صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه (3) " ومثله " حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين (4) " ثم رخص فقال " وان خفتم فرجالا
أو ركبانا " وقوله " فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم " فقال العالم عليه السلام
الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي جالسا فمن لم يقدر فمضطجعا يؤمي ايماء فهذه
رخصة بعد العزيمة.
واما الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار ان شاء اخذ وان شاء ترك فان الله
عز وجل رخص ان يعاقب الرجل الرجل على فعله به فقال " وجزاء سيئة سيئة
مثلها فمن عفى وأصلح فاجره على الله (5) " فهذا بالخيار ان شاء عاقب وان شاء عفى
واما الرخصة التي ظاهرها خلاف باطنها يعمل بظاهرها ولا يدان بباطنها

(1) القصص 5
(2) يوسف 82
(3) المائدة 6
(4) البقرة 238
(5) الشورى 40
15

فان الله تبارك وتعالى نهى ان يتخذ المؤمن الكافر وليا فقال " لا يتخذ المؤمنون
الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ (1) " ثم
رخص عند التقية ان يصلي بصلاته ويصوم بصيامه ويعمل بعمله في ظاهره وان
يدين الله في باطنه بخلاف ذلك فقال " الا ان تتقوا منهم تقاة (2) " فهذا تفسير
الرخص ومعنى قول الصادق عليه السلام ان الله تبارك وتعالى يحب ان يؤخذ برخصه
كما يجب ان يؤخذ بعزايمه.
واما ما لفظه خبر ومعناه حكاية فقوله " ولبثوا في كهفهم ثلاث ماءة سنين
وازدادوا تسعا (3) " وهذا حكاية عنهم والدليل على أنه حكاية ما رد الله عليهم
بقوله " قل الله اعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض " وقوله يحكي قول قريش
" ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى (4) " فهو على لفظ الخبر ومعناه حكاية
ومثله كثير نذكره في مواضعه.
واما ما هو مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى لامته فقوله " يا أيها النبي إذا طلقتم؟؟
النساء فطلقوهن لعدتهن (5) " والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى لامته وقوله " لا تدع
مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم مذموما مدحورا (6) " ومثله كثير مما خاطب
الله به نبيه صلى الله عليه وآله والمعنى لامته وهو قول الصادق عليه السلام ان الله بعث نبيه صلى الله عليه وآله
بإياك أعني واسمعي يا جارة.
واما ما هو مخاطبة لقوم ومعناه لقوم آخرين فقوله " وقضينا إلى
بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن (أنتم يا معشر أمة محمد) في الأرض مرتين
ولتعلن علوا كبيرا (7) " فالمخاطبة لبني إسرائيل والمعنى لامة محمد صلى الله عليه وآله.

(1) آل عمران 28
(2) آل عمران 28
(3) الكهف 25
(4) الزمر 3
(5) الطلاق 1
(6) اسرى 18
(7) اسرى 4
16

واما الرد على الزنادقة فقوله " ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا
يعقلون (1) " وذلك أن الزنادقة زعمت أن الانسان إنما يتولد بدوران الفلك فإذا
وقعت النطفة في الرحم تلقتها الاشكال والغذاء ومر عليه الليل والنهار ويكبر لذلك
فقال الله تبارك وتعالى ردا عليهم " ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون "
يعني من يكبر ويعمر يرجع إلى حد الطفولية ويأخذ في النقصان والنكس فلو كان
هذا كما زعموا لوجب ان يزيد الانسان ابدا ما دامت الاشكال قائمة والليل والنهار
يدوران عليه فلما بطل هذا وكان من تدبير الله عز وجل اخذ في النقصان عند
منتهى عمره.
واما الرد على الثنوية فقوله " ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا
لذهب كل إله بما خلق (2) " قال لو كان إلهان لطلب كل واحد منهما العلو وإذا
شاء واحد ان يخلق انسانا شاء الآخر ان يخالفه فيخلق بهيمة فتكون الخلق منهما
على مشيتهما واختلف ارادتهما بخلق انسان وبهيمة في حالة واحدة وهذا من أعظم
المحال غير موجود وإذا بطل هذا ولم يكن بينهما اختلاف بطل الاثنان وكان واحدا
فهذا التدبير واتصاله وقوام بعضه ببعض بالأهوا والإرادات والمشيات تدل على
صانع واحد وهو قوله عز وعلا ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا
لذهب كل إله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض وقوله " ولو كان فيهما آلهة الا الله
لفسدتا (3) ".
واما الرد على عبدة الأوثان فقوله " ان الذين تدعون من دون الله عباد
أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم ان كنتم صادقين ألهم أرجل يمشون بها أم لهم
أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا

(1) يس 68
(2) المؤمنون 92
(3) الأنبياء 22
17

شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون (1) " وقوله يحكى قول إبراهيم عليه السلام " أتعبدون
من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله
أفلا تعقلون (2) " وقوله " قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف
الضر عنكم ولا تحويلا (3) " وقوله " أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون (4) "
ومثله كثير مما هو رد على الزنادقة وعبدة الأوثان
واما ما هو رد على الدهرية زعموا ان الدهر لم يزل ولا يزال ابدا وليس
له مدبر ولا صانع وأنكروا البعث... والنشور فحكى الله عز وجل قولهم فقال
" وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيى وإنما قالوا نحيى ونموت وما يهلكنا الا الدهر وما لهم
بذلك من علم أن هم الا يظنون؟ (5).
فرد الله عليهم فقال عز وجل " يا أيها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم
من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في
الأرحام ما نشاء إلى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى
ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا (6) " ثم ضرب للبعث
والنشور مثلا فقال: " وترى الأرض هامدة - اي يابسة - مبتة فإذا أنزلنا عليها الماء
اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج يهيج - اي حسن - ذلك بان الله هو الحق
وانه يحيى الموتى وانه على كل شئ قدير وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله
يبعث من في القبور (7) " وقوله " الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه
في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به

(1) الأعراف 194
(2) الأنبياء 67
(3) الاسراء 56
(4) النحل 17
(5) الجاثية 23
(6) الحج 5
(7) الحج 7
18

من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وان كانوا من قبل ان ينزل عليهم من قبله
لمبلسين فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها ان ذلك لمحي
الموتى (1) " وقوله " أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها
من فروج والأرض مددناها وألفينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج
إلى قوله وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج (2) " وقوله " وضرب لنا مثلا
ونسي خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو
بكل خلق عليم (3) " ومثله كثير مما هو رد على الدهرية.
واما الرد على من انكر الثواب والعقاب (4) فقوله " يوم يأت لا تكلم
نفس الا باذنه فمنهم شقي وسعيد فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق
خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض (5) " واما قوله ما دامت السماوات
والأرض إنما هو في الدنيا فإذا قامت القيامة تبدل السماوات والأرض وقوله
النار يعرضون عليها غدوا وعشيا (6) " فالغدو والعشي إنما يكون في الدنيا في
دار المشركين واما في القيامة فلا يكون غدوا ولا عشيا قوله " لهم رزقهم فيها
بكرة وعشيا (7) " يعني في جنان الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين فاما في
جنات الخلد فلا يكون غدوا ولا عشيا وقوله من ورائهم برزخ إلى يوم
يبعثون (8) " فقال الصادق عليه السلام البرزخ القبر وفيه الثواب والعقاب بين الدنيا

(1) الروم 50
(2) ق 11
(3) يس 79
(4) المراد من الثواب والعقاب ما هو في دار الدنيا المسمى بالبرزخ كما
هو ظاهر من تقريب الاستدلال بالآيات الآتية.
(5) هو 107
(6) المؤمن 46
(7) مريم 62
(8) المؤمنون 101
19

والآخرة والدليل على ذلك أيضا قول العالم عليه السلام والله ما نخاف عليكم الا البرزخ وقوله
عز وجل " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم
يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم
ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (1) قال الصادق عليه السلام يستبشرون والله في الجنة بمن
لم يلحقوا بهم من خلفهم من المؤمنين في الدنيا ومثله كثير مما هو رد على من
انكر عذاب القبر.
واما الرد على من انكر المعراج والاسراء فقوله " وهو بالأفق الاعلى ثم
دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى (2) " وقوله " وسئل من أرسلنا من قبلك
من رسلنا (3) " وقوله " فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك (4) " يعني
الأنبياء عليه السلام وإنما رآهم في السماء لما أسري به.
واما الرد على من انكر الرؤية فقوله " ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه
على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى (5) "
قال أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم حدثني أبي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر
عن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال قال يا احمد ما الخلاف بينكم وبين أصحاب
هشام بن الحكم في التوحيد فقلت جعلت فداك قلنا نحن بالصورة للحديث الذي
روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى ربه في صورة شاب وقال هشام بن الحكم بالنفي
للجسم فقال يا احمد ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما أسري به إلى السماء وبلغ عند سدرة
المنتهى خرق له في الحجب مثل سم لإبرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله ان
يرى وأردتم أنتم التشبيه دع هذا يا احمد لا ينفتح عليك هذا امر عظيم

(1) آل عمران 170
(2) النجم 9
(3) الزخرف 45
(4) يونس 94
(5) النجم 15
20

واما الرد على من انكر خلق الجنة والنار فقوله " عند سدرة المنتهى عندها
جنة المأوى " والسدرة المنتهى في السماء السابعة وجنة المأوى عندها قال علي بن
إبراهيم حدثني أبي عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما
اسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت قصرا من ياقوتة حمراء يرى داخلها
من خارجها وخارجها من داخلها من ضيائها وفيها بيتان من در وزبرجد فقلت
يا جبرئيل لمن هذا القصر فقال هذا لمن أطاب الكلام وادام الصيام واطعم الطعام
وتهجد بالليل والناس نيام فقال أمير المؤمنين يا رسول الله وفي أمتك من يطيق
هذا فقال ادن مني يا علي فدنا منه فقال أتدري ما إطابة الكلام قال الله ورسوله
اعلم قال من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أتدري ما إدامة
الصيام قال الله ورسوله اعلم قال من صام رمضان ولم يفطر منه يوما وتدري ما
اطعام الطعام قال الله ورسوله اعلم قال من طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن
الناس وتدري ما التهجد بالليل والناس نيام قال الله ورسوله اعلم قال من لم ينم حتى
يصلي العشاء الآخرة ويعنى بالناس نيام اليهود والنصارى فإنهم ينامون ما بينها
وبهذا الاسناد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسرى بي إلى السماء دخلت الجنة
فرأيت فيها قيعان (1) تفق ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من
فضة وربما امسكوا فقلت لهم مالكم ربما بنيتم وربما أمسكتم فقالوا حتى تجيئنا
النفقة فقلت وما نفقتكم فقالوا قول المؤمن في الدنيا سبحان الله والحمد لله ولا آله
الا الله والله أكبر فإذا قال بنينا وإذا امسك أمسكنا وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لما
اسرى بي إلى سبع سماواته اخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فأجلسني على

(1) القيعان جمع قاعة وهي ارض سهلة لا عوج فيها و " تفق " أي تعادل
والمقصود العرصات المتساوية المتعادلة وفى ط " يقق " ككتف أي شديد البياض ج - ز
21

درنوت (1) من درانيك الجنة فناولني سفرجلة فانفلقت نصفين فخرجت من بينهما حوراء
فقامت بين يدي فقالت السلام عليك يا محمد السلام عليك يا احمد السلام عليك يا رسول الله
فقلت وعليك السلام من أنت فقالت انا الراضية المرضية خلقني الجبار من ثلاثة
أنواع سفلى من المسك ووسطى من العنبر واعلاي من الكافور وعجنت بماء
الحيوان ثم قال جل ذكره لي كوني فكنت (2) لأخيك ووصيك علي بن أبي طالب
صلوات الله عليه قال وقال أبو عبد الله عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكثر تقبيل
فاطمة عليها السلام فغضبت من ذلك عايشة صلى الله عليه وآله وقالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله
انك تكثر تقبيل فاطمة عليها السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عايشة انه لما أسري
بي إلى السماء دخلت الجنة فأدناني جبرائيل عليه السلام من شجرة طوبى وناولني من
ثمارها فأكلته فلما هبطت إلى الأرض حول الله ذلك ماء في ظهري فواقعت بخديجة
فحملت بفاطمة فما قبلتها إلا وجدت رايحة شجرة طوبى منها ومثل ذلك كثير مما
هو رد على من انكر المعراج وخلق الجنة والنار.
واما الرد على المجبرة الذين قالوا ليس لنا صنع ونحن مجبرون يحدث الله
لنا الفعل عند الفعل وإنما الافعال هي منسوبة إلى الناس على المجاز لا على الحقيقة
وتأولوا في ذلك آيات من كتاب الله عز وجل لم يعرفوا معناها مثل قوله " وما
تشاؤن الا ان يشاء الله " وقوله " ومن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام
ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا " وغير ذلك من الآيات التي تأويلها على
خلاف معانيها وفيما قالوه ابطال للثواب والعقاب وإذا قالوا ذلك ثم أقروا بالثواب
والعقاب نسبوا الله إلى الجور وانه يعذب العبد على غير اكتساب وفعل تعالى الله عن ذلك

(1) بضم الدال وكسرها نوع من البسط له خمل
(2) هكذا موجود في العبارة لكن الاحتمال ان الساقط منها هو قول
النبي صلى الله عليه وآله " لمن أنت؟ قالت ". ج - ز
22

علوا كبيرا ان يعاقب أحدا على غير فعله وبغير حجة واضحة عليه والقرآن كله
رد عليهم قال الله تبارك وتعالى " لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت
وعليها ما اكتسبت (1) " فقوله عز وجل لها وعليها هو على الحقيقة لفعلها وقوله
" فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (2) " وقوله
" كل نفس بما كسبت رهينة (3) " وقوله ذلك بما قدمت أيديكم (4) " وقوله
" واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى (5) " وقوله " انا هديناه
السبيل " يعني بينا له طريق الخير وطريق الشر " اما شاكرا واما كفورا " قوله
" وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن
السبيل وكانوا مستبصرين وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات
فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه - لم يقل لفعلنا - فمنهم
من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من اخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به وبداره الأرض
ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (6) " ومثله
كثير نذكره ونذكر ما احتجت به المجبرة من القرآن الذي لم يعرفوا معناه وتفسيره
في مواضعه إن شاء الله.
واما الرد على المعتزلة فان الرد من القرآن عليهم كثير وذلك أن المعتزلة
قالوا نحن نخلق أفعالنا وليس لله فيها صنع ولا مشية ولا إرادة ويكون ما شاء
إبليس ولا يكون ما شاء الله واحتجوا انهم خالقون لقول الله عز وجل تبارك الله
أحسن الخالقين فقالوا في الخلق خالقون غير الله فلم يعرفوا معنى الخلق وعلى كم

(1) البقرة 286
(2) الزلزال 8
(3) المدثر 38
(4) آل عمران 182 والانفعال 52
(5) حم السجدة 17
(6) العنكبوت 40
23

وجه هو فسئل الصادق عليه السلام أفوض الله إلى العباد امرا؟ فقال الله اجل وأعظم
من ذلك فقيل فأجبرهم على ذلك؟ فقال الله اعدل من أن يجيرهم على فعل ثم يعذبهم
عليه فقيل له فهل بين هاتين المنزلتين منزلة قال نعم فقيل ما هي فقال سر من اسرار
ما بين السماء والأرض وفي حديث آخر قال سئل هل بين الجبر والقدر منزلة قال نعم
قيل فما هي قال سر من اسرار الله قال هكذا خرج الينا قال وحدثني محمد بن عيسى
ابن عبيد عن يونس قال قال الرضا عليه السلام يا يونس لا تقل بقول القدرية فان القدرية
لم يقولوا بقول أهل الجنة ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس فان أهل الجنة قالوا
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ولم يقولوا بقول أهل
النار فان أهل النار قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وقال إبليس رب بما أغويتني
فقلت يا سيدي والله ما أقول بقولهم ولكني أقول لا يكون الا ما شاء الله وقضى
وقدر فقال ليس هكذا يا يونس ولكن لا يكون الا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى
أتدري ما المشية يا يونس قلت لا قال هو الذكر الأول أتدري ما الإرادة قلت لا
قال العزيمة على ما شاء الله وتدري ما التقدير قلت لا قال هو وضع الحدود من
الآجال والأرزاق والبقاء والفناء وتدري ما القضاء قلت لا قال هو إقامة العين
ولا يكون الا ما شاء الله عني الذكر الأول.
واما الرد على من انكر الرجعة فقوله " ويوم نحشر من كل أمة فوجا (1) "
قال وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما يقول الناس
في هذه الآية ويوم نحشر من كل أمة فوجا قلت يقولون انها في القيامة قال ليس
كما يقولون إن ذلك في الرجعة أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجا ويدع
الباقين إنما آية القيامة قوله " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " وقوله " وحرام

(1) النمل 83
24

على قرية أهلكناها انهم لا يرجعون (1) " فقال الصادق عليه السلام كل قرية أهلك الله
أهلها بالعذاب ومحضوا (2) الكفر محضا لا يرجعون في الرجعة واما في القيامة
فيرجعون اما غيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب (ومحضو الايمان محصنا اوط) ومحضوا الكفر محضا يرجعون قال وحدثني
أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله وإذ
اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما
معكم لتؤمنن به ولتنصرنه (3) قال ما بعث الله نبيا من لدن آدم إلى عيسى عليه السلام
الا ان يرجع إلى الدنيا فينصر أمير المؤمنين (ع) وهو قوله " لتؤمنن به " يعني
رسول الله ولتنصرنه يعني أمير المؤمنين ومثله كثير وما وعد الله تبارك وتعالى
الأئمة عليهم السلام من الرجعة والنصرة فقال " وعد الله الذين آمنوا منكم
(يا معشر الأئمة) وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من
قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني
لا يشركون بي شيئا " فهذا مما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا وقوله " ونريد ان
نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم
في الأرض " فهذا كله مما يكون في الرجعة قال وحدثني أبي عن أحمد بن النضر
عن عمر بن شمر قال ذكر عند أبي جعفر (ع) جابر فقال رحم الله جابرا لقد
بلغ من علمه انه كان يعرف تأويل هذه الآية " ان الذي فرض عليك القرآن لرادك
إلى معاد " يعني الرجعة ومثله كثير نذكره في مواضعه.
واما الرد على من وصف الله عز وجل فقوله " وان إلى ربك المنتهى (4) "
قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله (ع) قال إذا انتهى

(1) الأنبياء 95
(2) محض فلان الود: اي أخلصه
(3) آل عمران 81
(4) النجم 42
25

الكلام إلى الله فامسكوا وتكلموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق (العرش، فان قوما تكلموا فيما فوق العرش فتاهت) فتاهت
عقولهم حتى أن الرجل كان ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه وينادى من خلفه
فيجيب من بين يديه وقوله (ع) انه من تعاطى ماثمة هلك فلا يوصف الله عز وجل
الا بما وصف به نفسه عز وجل ومن قول أمير المؤمنين (ع) في خطبته وكلامه في
نفي الصفة (1)
واما الترغيب فمثل قوله " ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك
ربك مقاما محمودا " وقوله تعالى " هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم
تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم
ان كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار " ومثل
قوله تعالى " من جاء بالحسنة فله خير منها وقوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "
وقوله " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة
يرزقون فيها بغير حساب ".
واما الترهيب فمثل قوله تعالى " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة
شئ عظيم " وقوله " يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده
ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ان وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا
يغرنكم بالله الغرور " ومثله كثير في القرآن نذكره في مواضعه.
واما القصص فهو ما اخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله من اخبار الأنبياء
وقصصهم في قوله: نحن نقص عليك نبأهم بالحق وقوله نحن نقص عليك أحسن

(1) كمال الاخلاص نفي الصفات عنه فمن وصفه فقد قرنه ومن قرنه فقد
ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار
إليه فقد حده ومن حده فقد عده (نهج البلاغة). ج - ز
26

القصص وقوله لقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم
نقصص عليك، ومثله كثير ونحن نذكر ذلك كله في مواضعه إن شاء الله تعالى
وإنما ذكرنا من الأبواب التي اختصرناها من الكتاب آية واحدة ليستدل بها
على غيرها ويعرف معنى ما ذكرناه مما في الكتاب من العلم وفي ذلك الذي ذكرناه
كفاية لمن شرح الله صدره وقبله للاسلام ومن عليه بدينه الذي ارتضاه لملائكته
وأنبيائه ورسله وبالله نستعين وعليه نتوكل ونسأله العصمة والتوفيق والعون على
ما يقربنا منه ويزلفنا لديه واستفتح الله الفتاح العليم الذي من استمسك بحبله
ولجأ إلى سلطانه وعمل بطاعته وانتهى عن معصيته ولزم دين أوليائه وخلفائه نجى
بحوله وقوته واسأله عز وجل ان يصلي على خيرته من خلقه محمد وآله
الأخيار والأبرار. أقول تفسير
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثني (1) أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر
عليه السلام قال حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم قال حدثني أبي رحمه الله عن
محمد بن أبي عمير عن حماد بن عيسى عن حريث عن أبي عبد الله (ع) قال حدثني أبي
عن حماد وعبد الرحمان بن أبي نجران وابن فضال عن علي بن عقبة قال وحدثني أبي
عن النضر بن سويد وأحمد بن محمد بن أبي نصير (2) عن عمرو بن شمر عن جابر
عن أبي جعفر (ع) قال وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي وهشام
ابن سالم وعن كلثوم بن العدم (3) عن عبد الله بن سنان وعبد الله بن مسكان وعن

(1) حدثنا ط
(2) نصرط
(3) الهرم ج - ز
27

صفوان وسيف بن عميرة وأبى حمزة الثمالي وعن عبد الله بن جندب والحسين بن
خالد عن أبي الحسن الرضا (ع) قال وحدثني أبي عن حنان وعبد الله بن ميمون
القداح وابان بن عثمان عن عبد الله بن شريك العامري عن مفضل بن عمر وأبى
بصير عن أبي جعفر وأبى عبد الله (ع) تفسير (بسم الله الرحمن الرحيم) قال
وحدثني أبي عن عمرو بن إبراهيم الراشدي وصالح بن سعيد ويحيى بن أبي
عمير بن عمران الحلبي وإسماعيل بن فرار وأبي طالب عبد الله بن الصلت عن علي
ابن يحيى عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن تفسير بسم الله
الرحمن الرحيم فقال الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم ملك الله والله اله كل شئ
والرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصة وعن ابن أذينة قال قال أبو عبد الله
عليه السلام " بسم الله الرحمن الرحيم " أحق ما اجهر به وهي الآية التي قال الله
عز وجل وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا.
الجزء (1) سورة الفاتحة مكية (1)
وهي سبع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
قال وحدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن النضر ابن سويد عن أبي
بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله الحمد لله قال الشكر لله في قوله رب العالمين قال
خلق المخلوقين الرحمن بجميع خلقه الرحيم بالمؤمنين خاصة مالك يوم الدين قال يوم
الحساب والدليل على ذلك قوله وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين يعنى يوم الحساب
(إياك نعبد) مخاطبة الله عز وجل (وإياك نستعين) مثله (اهدنا الصراط المستقيم) قال
الطريق ومعرفة الإمام قال وحدثني أبي عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله
الصراط المستقيم قال هو أمير المؤمنين عليه السلام ومعرفته والدليل على أنه أمير المؤمنين

(1) وفى ط مدينة وكلاهما صحيح لأنها نزلت مرتين. ج - ز
28

قوله وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم (1) وهو أمير المؤمنين عليه السلام في أم الكتاب
وفي قوله الصراط المستقيم قال وحدثني أبي عن القاسم (القسم ط) بن محمد بن سليمان بن
داود المنقري عن جعفر (حفص ط) بن غياث قال وصف أبو عبد الله عليه السلام الصراط فقال الف
سنة صعود والف سنة هبوط والف سنة حدال (2) وعنه عن سعدان بن مسلم عن
أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الصراط فقال هو أدق من الشعر واحد من السيف
فمنهم من يمر عليه مثل البرق ومنهم من يمر عليه مثل عدو الفرس ومنهم من يمر
عليه ماشيا ومنهم من يمر عليه حبوا (3) ومنهم من يمر عليه متعلقا فتأخذ النار
منه شيئا وتترك منه شيئا قال وحدثني أبي عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله
عليه السلام انه قرأ اهدنا الصراط المستقيم صراط من أنعمت عليهم وغير المغضوب
عليهم ولا (4) الضالين قال المغضوب عليهم النصاب والضالين اليهود والنصارى وعنه عن ابن
أبي عمير عن ابن أذينة عن أبي عبد الله (ع) في قوله غير المغضوب عليهم وغير
الضالين قال المغضوب عليهم النصاب والضالين والشكاك والذين لا يعرفون الإمام قال
وحدثني أبي عن الحسين (الحسن ط) بن علي بن فضال عن علي بن عقبة عن أبي عبد الله (ع)
قال إن إبليس ان أنينا لما بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله على حين فترة من الرسل وحين
أنزلت أم الكتاب.

(1) الزخرف 4
(2) الحدال بضم الحاء كل شئ أملس
(3) حبى الصبي حبوا زحف على يديه وبطنه
(4) وفى ط " غير الضالين " ج - ز
29

سورة البقرة
وهي مائتان وست وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)
قال أبو الحسن علي بن إبراهيم حدثني أبي عن يحيى بن ابن عمران عن
يونس عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال الكتاب
علي (ع) لا شك فيه هدى للمتقين قال بيان لشيعتنا قوله (الذين يؤمنون بالغيب
ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) قال مما علمناهم ينبئون ومما علمناهم من
القرآن يتلون وقال ألم هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المتقطع في القرآن
الذي خوطب به النبي صلى الله عليه وآله والامام فإذا دعا به أجيب والهداية في كتاب الله على وجوه
أربعة فمنها ما هو للبيان للذين يؤمنون بالغيب قال يصدقون بالبعث والنشور
والوعد والوعيد والايمان في كتاب الله على أربعة أوجه فمنه اقرار باللسان قد
سماه الله ايمانا ومنه تصديق بالقلب ومنه الأداء ومنه التأييد.
(الأول) الايمان الذي هو اقرار باللسان وقد سماه الله تبارك وتعالى ايمانا
ونادى أهله به لقوله (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا
وان منكم لمن ليبطئن فان اصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم
شهيدا ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كان لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني
كنت معهم فأفوز فوزا عظيما (1) قال الصادق عليه السلام لو أن هذه الكلمة قالها أهل
المشرق وأهل المغرب لكانوا بها خارجين من الايمان ولكن قد سماهم الله مؤمنين

(1) النساء 70
30

باقرارهم وقوله " يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله " فقد سماهم الله مؤمنين
باقرارهم ثم قال لهم صدقوا.
(الثاني) الايمان الذي هو التصديق بالقلب فقوله " الذين آمنوا وكانوا
يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة (1) " يعني صدقوا وقوله
" وقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " اي لا نصدقك وقوله " يا أيها الذين
آمنوا آمنوا " اي يا أيها الذين أقروا صدقوا فالايمان الحق هو التصديق
وللتصديق شروط لا يتم التصديق الا بها وقوله " ليس البر ان تولوا وجوهكم
قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب
والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين
وفي الرقاب وإقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في
البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (2) " فمن
أقام بهذه الشروط فهو مؤمن مصدق.
(الثالث) الايمان الذي هو الأداء فهو قوله لما حول الله قبلة رسوله إلى
الكعبة قال أصحاب رسول الله يا رسول الله صلواتنا إلى بيت المقدس بطلت
فأنزل الله تبارك وتعالى " وما كان الله ليضيع ايمانكم " فسمى الصلاة ايمانا.
(الرابع) من الايمان وهو التأييد الذي جعله الله في قلوب المؤمنين من
روح الايمان فقال " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله
ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الايمان
وأيدهم بروح منه (3) " والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله " لا يزني الزاني وهو
مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن يفارقه روح الايمان ما دام على بطنها فإذا

(1) يونس 64
(2) البقرة 177
(3) المجادلة 22
31

قام عاد إليه " قيل وما الذي يفارقه قال " الذي يدعه (يرعد ط) في قلبه " ثم قال عليه السلام
" ما من قلب إلا وله اذنان على أحدهما ملك مرشد وعلى الآخر شيطان مغتر (1)
هذا يأمره وهذا يزجره " ومن الايمان ما قد ذكره الله في القرآن (خبيث وطيب ط) حيث قال
" ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " ومنهم
من يكون مؤمنا مصدقا ولكنه يلبس ايمانه بظلم وهو قوله " الذين آمنوا ولم
يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون " فمن كان مؤمنا ثم دخل في
المعاصي التي نهى الله عنها فقد لبس ايمانه بظلم فلا ينفعه الايمان حتى يتوب إلى الله
من الظلم الذي لبس ايمانه حتى يخلص لله فهذه وجوه الايمان في كتاب الله.
قوله (والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك) قال بما انزل من
القرآن إليك وما انزل على الأنبياء قبلك من الكتب.
قوله (ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) فان
حدثني أبي عن بكر بن صالح عن أبي عمر الزبيدي (الزبيري ط) عن أبي عبد الله (ع) قال
الكفر في كتاب الله على خمسة وجوه فمنه كفر بجحود وهو على وجهين جحود
بعلم وجحود بغير علم فاما الذين جحدوا بغير علم فهم الذين حكاه الله عنهم في
قوله (وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم
بذلك من علم أن هم الا يظنون) وقوله " ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم
أم لم تنذرهم لا يؤمنون " فهؤلاء كفروا وجحدوا بغير علم واما الذين كفروا
وجحدوا بعلم فهم الذين قال الله تبارك وتعالى وكانوا من قبل يستفتحون على
الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فهؤلاء كفروا وجحدوا بعلم قال
وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله (ع) قال هذه

(1) اغتره اي طلب غفلته ج - ز
32

الآية نزلت في اليهود والنصارى بقول الله تبارك وتعالى " الذين آتيناهم الكتاب -
يعني التورية والإنجيل - يعرفونه - يعني رسول الله صلى الله عليه وآله - كما يعرفون أبناءهم (1) "
لان الله عز وجل قد انزل عليهم في التورية والزبور والإنجيل صفة محمد صلى الله عليه وآله
وصفة أصحابه ومبعثه وهجرته وهو قوله " محمد رسول الله والذين معه أشداء على
الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله رضوانا؟ سيماهم في
وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التورية ومثلهم في الإنجيل (2) " هذه
صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه في التورية والإنجيل فلما بعثه الله عرفه
أهل الكتاب كما قال جل جلاله " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به " فكانت اليهود
يقولون للعرب قبل مجئ النبي أيها العرب هذا أوان نبي يخرج بمكة ويكون هجرته
بالمدينة وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يلبس
الشملة ويجتزي بالكسرة والتميرات ويركت الحمار عرية (3) وهو الضحوك القتال يضع
سيفه على عاتقه ولا يبالي بمن لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر وليقتلنكم الله
به يا مشعر العرب قتل عاد، فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به كما
قال الله " وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا
به " ومنه كفر البراءة وهو قوله " ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض " اي يتبرأ
بعضكم من بعض، ومنه كفر الشرك لما امر الله وهو قوله " ولله على الناس
حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر " اي ترك الحج وهو مستطيع فقد
كفر، ومنه كفر النعم وهو قوله " ليبلوني أأشكر أم اكفر ومن شكر فإنما يشكر
لنفسه ومن كفر " - اي ومن لم يشكر - نعمة الله فقد كفر فهذه وجوه الكفر في
كتاب الله.

(1) البقرة 146
(2) الفتح 29
(3) أي بلا سرج
33

قوله (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين) فإنها نزلت
في قوم منافقين أظهروا لرسول الله الاسلام وكانوا إذا رأوا الكفار قالوا " انا معكم "
وإذا لقوا المؤمنين قالوا نحن مؤمنون وكانوا يقولون للكفار " انا معكم إنما نحن
مستهزؤن " فرد الله عليهم " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون "
والاستهزاء من الله هو العذاب " ويمدهم في طغيانهم يعمهون " اي يدعهم.
قوله (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) والضلالة هنا الحيرة والهدى
هو البيان واختاروا الحيرة والضلالة على الهدى وعلى البيان فضرب الله فيهم مثلا فقال (مثلهم
كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات
لا يبصرون) قوله (صم بكم عمي) والصم الذي لا يسمع والبكم الذي يولد من
أمه أعمى والعمى الذي يكون بصيرا ثم يعمى قوله (أو كصيب من السماء) اي
كمطر من السماء وهو مثل الكفار قوله (يخطف أبصارهم) اي يعمي قوله (ان
كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) أي في شك، قوله (فأتوا بسورة من مثله
وادعوا شهداءكم - يعني الذين عبدوهم وأطاعوهم - من دون الله إن كنتم صادقين)
قوله (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به
متشابها) قال يؤتون من فاكهة واحدة على ألوان متشابهة قوله (ولهم فيها أزواج
مطهرة) اي لا يحضن ولا يحدثن.
واما قوله " ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين
آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا
مثل يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا) فإنه قال الصادق عليه السلام ان هذا القول من
الله عز وجل رد على من زعم أن الله تبارك وتعالى يضل العباد ثم يعذبهم على
ضلالتهم فقال الله عز وجل ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها
قال وحدثني أبي عن النضر بن سويد عن القسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس
34

عن أبي عبد الله عليه السلام ان هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين عليه السلام فالبعوضة
أمير المؤمنين عليه السلام وما فوقها رسول الله صلى الله عليه وآله والدليل على ذلك قوله " فاما
الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم " يعنى أمير المؤمنين كما اخذ رسول الله
صلى الله عليه وآله الميثاق عليهم له " واما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا
يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا " فرد الله عليهم فقال " وما يضل به الا
الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه - في علي - ويقطعون ما امر الله به
ان يوصل " يعني من صلة أمير المؤمنين (ع) والأئمة عليهم السلام " ويفسدون
في الأرض أولئك هم الخاسرون " قوله " وكيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا
فأحياكم) اي نطفة ميتة وعلقة واجري فيكم الروح فأحياكم (ثم يميتكم - بعد - ثم
يحييكم) في القيامة (ثم إليه ترجعون) والحياة في كتاب الله على وجوه كثيرة،
فمن الحياة ابتداء خلق الانسان في قوله " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي "
فهي الروح المخلوق خلقه الله واجري في الانسان " فقعوا له ساجدين ".
والوجه الثاني من الحياة يعني به انبات الأرض وهو قوله يحيى الأرض
بعد موتها والأرض الميتة التي لا نبات لها فاحياؤها بنباتها.
ووجه آخر من الحياة وهو دخول الجنة وهو قوله " استجيبوا لله
ولرسوله إذا دعاكم لما يحييكم " يعني الخلود في الجنة والدليل على ذلك قوله " وان
الدار الآخرة لهي الحيوان ".
واما قوله (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا إبليس أبى
واستكبر وكان من الكافرين) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن
أبي عبد الله (ع) قال سئل عما ندب الله الخلق إليه ادخل فيه الضلالة؟ قال نعم
والكافرون دخلوا فيه لان الله تبارك وتعالى امر الملائكة بالسجود لآدم فدخل في
امره الملائكة وإبليس فان إبليس كان من الملائكة في السماء يعبد الله وكانت
35

الملائكة تظن انه منهم ولم يكن منهم فلما امر الله الملائكة بالسجود لآدم (ع)
اخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد فعلم الملائكة عند ذلك ان إبليس لم يكن
مثلهم فقيل له (ع) فكيف وقع الامر على إبليس وإنما امر الله الملائكة بالسجود
لآدم؟ فقال كان إبليس منهم بالولاء (1) ولم يكن من جنس الملائكة وذلك أن الله
خلق خلقا قبل آدم وكان إبليس منهم حاكما في الأرض فعتوا وأفسدوا وسفكوا
الدماء فبعث الله الملائكة فقتلوهم وأسروا إبليس ورفعوه إلى السماء وكان مع
الملائكة يعبد الله إلى أن خلق الله تبارك وتعالى آدم (ع).
فحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن (أبى ط) مقدام عن ثابت الحذاء
عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن آبائه
عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى أراد ان
يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الأرض سبعة آلاف
سنة وكان من شأنه خلق آدم كشط (2) عن اطباق السماوات قال للملائكة انظروا
إلى أهل الأرض من خلقي من الجن والنسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي
وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا وتأسنوا
على أهل الأرض ولم يملكوا غضبهم قالوا ربنا إنك أنت العزيز القادر الجبار القاهر
العظيم الشأن وهذا خلقك الضعيف الذليل يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك
ويتمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تأسف عليهم ولا
تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك
قال فلما سمع ذلك من الملائكة قال (اني جاعل في الأرض خليفة) يكون حجة
لي في الأرض على خلقي فقالت الملائكة سبحانك (أتجعل فيها من يفسد فيها)

(1) يعني انه كان يحب الملائكة
(2) اي كشف
36

كما أفسد بنو الجان ويسفكون الدماء كما سفك بنو الجان ويتحاسدون ويتباغضون
فاجعل ذلك الخليفة منا فانا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ونسبح
بحمدك ونقدس لك قال عز وجل (اني اعلم ما لا تعلمون) اني أريد ان أخلق
خلقا بيدي واجعل من ذريته أنبياء ومرسلين وعبادا صالحين أئمة مهتدين واجعلهم
خلفاء على خلقي في أرضي ينهونهم عن معصيتي وينذرونهم من عذابي ويهدونهم
إلى طاعتي ويسلكون بهم طريق سبيلي وأجعلهم لي حجة عليهم وأبيد النساس من
ارضي وأطهرها منهم وانقل مردة الجن العصاة من بريتي وخلقي وخيرتي واسكنهم
في الهواء في أقطار الأرض فلا يجاورون نسل خلقي وأجعل بين الجن وبين خلقي
حجابا فلا يرى نسل خلقي الجن ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم فمن عصاني من
نسل خلقي الذين اصطفيتهم وأسكنتهم مساكن العصاة أوردتهم مواردهم ولا أبالي
قال فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت (لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم
الحكيم) قال فباعدهم الله من العرش مسيرة خمس مأة عام، قال فلاذوا بالعرش
وأشاروا بالأصابع فنظر الرب عز وجل إليهم ونزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور
فقال طوفوا به ودعوا العرش فإنه لي رضى فطافوا به وهو البيت الذي يدخله كل
يوم سبعون الف ملك لا يعودون ابدا فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل
السماء ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض فقال الله تبارك وتعالى " اني خالق بشرا
من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له
ساجدين " قال وكان ذلك من الله تعالى في آدم قبل ان يخلقه واحتجاجا منه عليهم
(قال) فاغترف ربنا عز وجل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات وكلتا يديه يمين
فصلصلها في كفه حتى جمدت فقال لها منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين
والأئمة المهتدين والدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا أبالي ولا اسأل عما
37

أفعل وهم يسألون، ثم اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج (1) فصلصلها في
كفه فجمدت ثم قال لها منك أخلق الجبارين والفراعنة والعتاة واخوان الشياطين
والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم ولا أبالي ولا اسأل عما افعل وهم
يسألون قال وشرطه في ذلك البداء (2) ولم يشترط في أصحاب اليمين ثم أخلط

(1) لا يقال إن هذا الخبر مؤيد للمجبرة الذين يقولون بعدم اختيار
العباد، لأنه يقال إنه الله تعالى عالم بسريرة العباد قبل خلقهم وخبير بمصيرهم إلى
الحسن أو القبح بدون أن يكون لهذا العلم دخل في أفعالهم لان العلم بالشئ لا
يكون مؤثرا فيه، بل المؤثر في الافعال إرادة الفاعل، فلما علم الله سبحانه وتعالى
ان فريقا من العباد يفعلون الخير والحسنات، وآخرين يرتكبون الفواحش
والمنكرات جعل في طينة الأولين الماء العذب، انعاما عليهم واكراما لهم ليكون
أوفق لهم في مقام الطاعة وأسهل في الانقياد، وليس هذا على حد الالجاء ولا
سببا لما صدر عنهم من الاعمال الحسنة بل إنه من الموفقات - وكذلك جعل في
طينة الأشرار الماء المالح الأجاج تخفيضا وتحقيرا لهم وليس فيه الزام والجاء على
فعل القبيح بل هو تابع لإرادتهم كما ذكر ويؤيد ما ذكرنا قوله عليه السلام " وشرطه في
ذلك البداء " فاندفع من هذا ما يرد على الأخبار الواردة من هذا القبيل كاخبار
الطينة، واخبار السعادة والشقاوة في بطون الأمهات -
(2) قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في زهر الربيع في معنى البداء انه " تكثرت
الأحاديث من الفريقين في البداء " مثل " ما عظم الله بمثل البداء " وقوله " ما
بعث الله نبيا حتى يقر له بالبداء " اي يقر له بقضاء مجدد في كل يوم بحسب مصالح
العباد لم يكن ظاهرا عندهم، وكان الاقرار عليهم بذلك للرد على اليهود حيث
زعموا انه تعالى فرغ من الامر، يقولون إنه تعالى عالم في الأزل بمقتضيات
الأشياء فقدر كل شئ على مقتضى علمه.
وقال شيخنا الطوسي رحمه الله في العدة: واما البداء فحقيقته في اللغة
الظهور، كما يقال " بدا لنا سور المدينة، وقد يستعمل في العلم بالشئ بعد ان لم
يكن حاصلا، فإذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز اطلاقه عليه ومنه
ما لا يجوز، فالأول هو ما أفاد النسخ بعينه ويكون اطلاق ذلك عليه على ضرب
من التوسع، وعلى هذا يحمل جميع ما ورد عن الصادق عليه السلام من الاخبار المتضمنة
لإضافة البداء إلى الله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد ان لم
يكن، ويكون وجه اطلاق ذلك عليه تعالى التشبيه هو انه إذا كان ما يدل على
النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا ويحصل لهم العلم به بعد ان لم يكن
حاصلا وأطلق على ذلك لفظ " البداء ".
قال وذكر سيدنا المرتضى وجها آخر في ذلك وهو: أنه قال يمكن حمل
ذلك على حقيقته بان يقال بد الله بمعنى انه ظهر له من الامر ما لم يكن ظاهرا له،
وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهرا له، لان قبل وجود الأمر والنهي لا يكونان
ظاهرين مدركين وإنما يعلم أنه يأمر وينهى في المستقبل، فاما كونه آمرا وناهيا
فلا يصح ان يعلمه الا إذا وجد الأمر والنهي وجرى ذلك مجرى أحد الوجهين
المذكورين في قوله تعالى " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم " بان نحمله على أن
المراد به حتى نعلم جهادكم موجودا، لان قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد
موجودا وإنما يعلم كذلك بعد حصوله فكذلك القول في البداء (انتهى).
ويظهر مما افاده الشيخ رحمه الله عدم الفرق بين البداء والنسخ ولكن يمكن
ان يقال في مقام الفرق بينهما ان الأول يطلق على ما يتعلق بالأصول المنوطة -
بالاعتقاد التي لا دخل له في العمل، والثاني مخصوص بالفروع والشرائع المتعلقة
باعمال المكلفين، وهذا الفرق غير خفي على كل حفي
وأحسن ما يمكن التمثيل به في معنى البداء قوله تعالى " وواعدنا موسى
ثلاثين ليلة ثم أتممناها بعشر (الأعراف 142) فواعد الله موسى لاعطاء التوراة
ثلاثين ليلة، ثم غير الوعد المذكور على الظاهر بإضافة عشر ليال، ولم يكن هذا
التغيير لأجل سنوح مصلحة جديدة كانت خفية عنه سابقا بل المعنى ان الميعاد
المقرر عند الله لم يكن إلا أربعين ليلة، لكنه بين أولا بأنه ثلاثون لحكمة
امتحان ايمان تابعي موسى، فمنهم من ثبت عند هذا الامتحان، ومنهم من خرج
عن ربقة الايمان، وتعبد بالعجل والأوثان، وبعد ما انتهى هذا الابتلاء أتم
الميعاد بإضافة عشر ليال، والدليل على أن الميعاد المقرر عند الله كان أربعين ليلة
لا غير قوله تعالى " وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده
وأنتم ظالمون. البقرة 51 " قال البلاغي " أربعين ليلة باعتبار مجموع العددين،
الوعد الأول - وهو ثلاثون ليلة - والثاني، وهو اتمامها بعشر كما في
سورة الأعراف ".
فعلى هذا لا يرد على البداء من أنه موجب لجهله تعالى عن عواقب الأمور
أو موجب للتغير في علمه، أو نقصانه، لان التغير في المعلوم دون العالم، وان سلم
فهو اعتباري غير قادح في وجوبه كما أشار إليه بقوله " كل يوم هو في شأن.
الرحمن 29 ".
ومن هذا يظهر أيضا دفع الاشكال الوارد على الحديث المشهور عن الصادق
عليه السلام في ولده إسماعيل عند وفاته، وهو قوله عليه السلام: " ما بدا لله في كل شئ كما
بدا له في إسماعيل " وقد بين له معان لا يسعني ذكرها فنقتصر على ما خطر في خاطري
وهو انه: لما كان الغرض المهم من خلقه الكون خلقة الانسان، والمهم في خلقهم
بعث الأنبياء، والمهم في بعثهم نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله، والمهم في بقاء شريعته صلى الله عليه وآله
امامة اثنى عشرة أئمة، فكانت النتيجة ان هذه الإمامة مدار الكون، فكان
الابتلاء فيها من أهم الابتلاءات، فكان ظهور البداء فيها من أعظم البدوات التي
امتحن الله بها قلوب العباد - والله العالم - ج - ز
38

المائتين جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفهما قدام عرشه وهما سلالة من طين ثم امر الله
39

الملائكة الأربعة الشمال والجنوب والصبا والدبوران يجولوا على هذه السلالة من الطين
40

فأمرؤها (1) وأنشؤها ثم انزوها (2) وجزوها وفصلوها (3) واجروا فيها الطبايع
الأربعة الريح والدم والمرة والبلغم فجالت الملائكة عليها وهي الشمال والجنوب
والصبا والدبور واجروا فيها الطبايع الأربعة، الريح في الطبايع الأربعة من البدن
من ناحية الشمال والبلغم في الطبايع الأربعة من ناحية الصبا والمرة في الطبايع الأربعة
من ناحية الدبور والدم في الطبايع الأربعة من ناحية الجنوب، قال فاستفلت النسمة
وكمل البدن فلزمه من ناحية الريح حب النساء وطول الامل والحرص، ولزمه من
ناحية البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق، ولزمه من ناحية المرة الحب
والغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة، ولزمه من ناحية الدم حب الفساد
واللذات وركوب المحارم والشهوات، قال أبو جعفر وجدناه هذا في كتاب أمير المؤمنين
عليه السلام، فخلق الله آدم فبقي أربعين سنة مصورا فكان يمر به إبليس اللعين فيقول لامر
ما خلقت فقال العالم عليه السلام فقال إبليس لئن امرني الله بالسجود لهذا لأعصينه، قال
ثم نفخ فيه فلما بلغت الروح إلى دماغه عطس عطسة جلس منها فقال الحمد لله فقال
الله تعالى يرحمك الله قال الصادق عليه السلام فسبقت له من الله الرحمة ثم قال الله تبارك
وتعالى للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا له فأخرج إبليس ما كان في قلبه من

(1) اي هذبوها وطيبوها
(2) انز الشئ تصلب وتشدد
(3) وروى " فابدؤها وانشاؤها ثم ابرؤها وتجزوها " وما ذكرناه أوفق. ج - ز
41

الحسد فأبى ان يسجد فقال الله عز وجل " ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال
انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " قال الصادق عليه السلام فأول من قاس
إبليس واستكبر والاستكبار هو أول معصية عصي الله بها قال فقال إبليس يا رب
اعفني من السجود لآدم عليه السلام وانا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي
مرسل قال الله تبارك وتعالى لا حاجة لي إلى عبادتك إنما أريد ان اعبد من حيث
أريد لا من حيث تريد فأبى ان يسجد فقال الله تعالى " فأخرج منها فإنك رجيم
وان عليك لعنتي إلى يوم الدين " فقال إبليس يا رب كيف وأنت العدل الذي
لا تجور فثواب عملي بطل قال لا ولكن اسأل من امر الدنيا ما شئت ثوابا
لعملك فأعطيتك فأول ما سأل البقاء إلى يوم الدين فقال الله قد أعطيتك قال سلطني
على ولد آدم قال قد سلطتك قال اجرني منهم مجرى الدم في العروق قال قد أجريتك قال ولا يلد لهم ولد الا ويلد لي اثنان
قال واراهم ولا يروني وأتصور لهم في كل صورة شئت فقال قد أعطيتك قال
يا رب زدني قال قد جعلت لك في صدورهم أوطانا قال رب حسبي فقال إبليس عند
ذلك " فبعزتك لأغوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين ثم لآتينهم من بين أيديهم
ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " قال وحدثني
أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما
اعطى الله تبارك وتعالى إبليس ما أعطاه من القوة قال آدم يا رب سلطته
على ولدي وأجريته مجرى الدم في العروق وأعطيته ما أعطيته فما لي ولولدي؟
فقال لك ولولدك السيئة بواحدة والحسنة بعشرة أمثالها قال يا رب زدني قال التوبة
مبسوطة إلى حين يبلغ النفس الحلقوم فقال يا رب زدني قال اغفر ولا أبالي قال
حسبي قال قلت له جعلت فداك بماذا استوجب إبليس من الله ان أعطاه ما أعطاه
فقال بشئ كان منه شكره الله عليه قلت وما كان منه جعلت فداك قال ركعتين
ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة.
42

واما قوله (وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة فكلا منها رغدا حيث
شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) فإنه حدثني أبي رفعه قال سئل
الصادق عليه السلام عن جنة آدم أمن جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة فقال كانت
من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما اخرج
منها أبدا آدم ولم يدخلها إبليس قال اسكنه الله الجنة واتى جهالة إلى الشجرة فأخرجه لأنه
خلق خلقة لا تبقى الا بالأمر والنهي واللباس والاكنان (1) والنكاح ولا يدرك
ما ينفعه مما يضره الا بالتوقيف فجاءه إبليس فقال إنكما ان أكلتما من هذه الشجرة
التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين وبقيتما في الجنة أبدا وان لم تأكلا منها أخرجكما
الله من الجنة وحلف لهما انه لهما ناصح كما قال الله تعالى حكاية عنه " ما نهاكما ربكما
عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما انى لكما
لمن الناصحين " فقبل آدم قوله فاكلا من الشجرة فكان كما حكى الله " بدت
لهما سوأتهما " وسقط عنهما ما ألبسهما الله من لباس الجنة واقبلا يستتران بورق
الجنة " وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما ان الشيطان لكما
عدو مبين " فقالا كما حكى الله عز وجل عنهما " ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا
وترحمنا لنكونن من الخاسرين " فقال الله لهما (اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم
في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) قال إلى يوم القيامة، قوله (فأزلهما الشيطان عنها
فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر
ومتاع إلى حين) فهبط آدم على الصفا وإنما سميت الصفا لان صفوة الله نزل عليها
ونزلت حواء على المروة وإنما سميت المروة لأن المرأة نزلت عليها فبقي آدم أربعين
صباحا ساجدا يبكي على الجنة فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم ألم يخلقك الله

(1) الأكنان جمع كن وهو ماكن من الحر والبرد.
43

بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته قال بلى قال وأمرك ان لا تأكل
من الشجرة فلم عصيته؟ قال يا جبرئيل ان إبليس حلف لي بالله انه لي ناصح وما
ظننت ان خلقا يخلقه الله ان يحلف بالله كاذبا، قال وحدثني أبي عن ابن أبي عمير
عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن موسى عليه السلام سأل ربه ان يجمع بينه
وبين آدم عليه السلام فجمع فقال له موسى يا أبة ألم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من
روحه واسجد لك ملائكته وأمرك ان لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟ فقال يا
موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التورية؟ قال بثلاثين الف سنة قبل ان خلق
آدم قال فهو ذاك قال الصادق (ع) فحج آدم موسى عليهما السلام.
واما قوله (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم)
فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن
آدم عليه السلام بقي على الصفا أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة وعلى خروجه من
الجنة من جوار الله عز وجل فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم مالك تبكي فقال
يا جبرئيل مالي لا أبكي وقد أخرجني الله من الجنة من جواره وأهبطني إلى الدنيا
فقال يا آدم تب إليه قال وكيف أتوب فأنزل الله عليه قبة من نور فيه موضع البيت
فسطع نورها في جبال مكة فهو الحرم فامر الله جبرئيل ان يضع عليه الاعلام قال
قم يا آدم فخرج به يوم التروية وأمره ان يغتسل ويحرم واخرج من الجنة أول
يوم من ذي القعدة فلما كان يوم الثامن من ذي الحجة أخرجه جبرئيل عليه السلام إلى
منى فبات بها فلما أصبح أخرجه إلى عرفات وقد كان علمه حين أخرجه من مكة
الاحرام وعلمه التلبية فلما زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية وأمره ان يغتسل
فلما صلى العصر أوقفه بعرفات وعلمه الكلمات التي تلقاها من ربه وهي " سبحانك
اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي
انك أنت الغفور الرحيم سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا
44

وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك خير الغافرين سبحانك اللهم وبحمدك
لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك أنت التواب
الرحيم " فبقي إلى أن غابت الشمس رافعا يديه إلى السماء يتضرع ويبكي إلى الله
فلما غابت الشمس رده إلى المشعر فبات بها فلما أصبح قام على المشعر الحرام فدعا
الله تعالى بكلمات وتاب الله ثم أفضى إلى منى وأمره جبرئيل ان يحلق الشعر الذي
عليه فحلقه ثم رده إلى مكة فاتى به عند الجمرة الأولى فعرض له إبليس عندها فقال
يا آدم أين تريد؟ فأمره جبرئيل ان يرميه بسبع حصيات فرمى وان يكبر مع كل
حصاة تكبيرة ففعل ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثانية فأمره ان يرميه
بسبع حصيات فرمى وكبر مع كل حصاة تكبيرة ثم ذهب فعرض له إبليس عند
الجمرة الثالثة فأمره ان يرميه بسبع حصيات عند كل حصاة تكبيرة فذهب إبليس
لعنه الله وقال له جبرئيل انك لن تراه بعد هذا اليوم ابدا، فانطلق به إلى البيت
الحرام وأمره ان يطوف به سبع مرات ففعل فقال له ان الله قد قبل توبتك وحلت
لك زوجتك قال فلما قضى آدم حجه لقيته الملائكة بالأبطح فقالوا يا آدم بر حجك
اما انا قد حججنا قبلك هذا البيت بألفي عام، قال وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب
عن أبي جعفر (ع) قال كان عمر آدم (ع) من يوم خلقه الله إلى يوم قبضه
تسعمائة وثلاثين سنة ودفن بمكة ونفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال ثم برأ زوجته
من أسفل أضلاعه وأسكنه جنته من يومه ذلك فما استقر فيها الا ست ساعات من
يومه ذلك حتى عصى الله وأخرجهما من الجنة بعد غروب الشمس وما بات فيها.
واما قوله (وعلم آدم الأسماء كلها) قال أسماء الجبال والبحار والأودية
والنبات والحيوان ثم قال الله عز وجل للملائكة (أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم
صادقين) فقالوا كما حكى الله (سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم
الحكيم) فقال الله (يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم) فقال الله (ألم أقل لكم
45

انى اعلم غيب السماوات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) فجعل آدم
عليه السلام حجة عليهم، واما قوله (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت
عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون) فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي
عمير عن جميل عن أبي عبد الله (ع) قال له رجل جعلت فداك ان الله يقول
" ادعوني استجب لكم " وانا ندعو فلا يستجاب لنا، قال لأنكم لا تفون الله بعهده
وان الله يقول " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم " والله لو وفيتم لله لوفى الله لكم، واما
قوله (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) قال نزلت في القصاص والخطاب
وهو قول أمير المؤمنين (ع) وعلى كل منبر منهم خطيب مصقع يكذب على الله
وعلى رسوله وعلى كتابه، وقال الكميت في ذلك.
مصيب على الأعواد يوم ركوبها * لما قال فيها، مخطئ حين ينزل
ولغيره في هذا المعنى.
وغير تقي يأمر الناس بالتقى * طبيب يداوي الناس وهو عليل
وقوله جل ذكره (واستعينوا بالصبر والصلاة) قال الصبر الصوم (وانها
لكبيرة الا على الخاشعين) يعني الصلاة وقوله (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم
وانهم إليه راجعون) قال الظن في الكتاب على وجهين فمنه ظن يقين ومنه ظن
شك ففي هذا الموضع الظن يقين وإنما الشك قوله تعالى " ان نظن إلا ظنا وما
نحن بمستيقنين " وقوله " وظننتم ظن السوء " واما قوله " يا بني إسرائيل اذكروا
نعمتي التي أنعمت عليكم وانى فضلتكم على العالمين) قال لفظ العالمين عام ومعناه
خاص وإنما فضلهم على عالمي زمانهم بأشياء خصهم بها مثل المن والسلوى والحجر
الذي انفجر منه اثنتا عشرة عينا وقوله (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس
شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) وهو قوله (ع) والله لو أن كل ملك
مقرب أو نبي مرسل شفعوا في ناصب ما شفعوا وقوله " وإذ نجيناكم من آل
46

فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم) وان فرعون
لما بلغه ان بني إسرائيل يقولون يولد فينا رجل يكون هلاك فرعون وأصحابه
على يده كان يقتل أولادهم الذكور ويدع الإناث، واما قوله (وإذ واعدنا موسى
أربعين ليلة الآية) فان الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى (ع) انى انزل عليكم
التورية وفيها الاحكام التي يحتاج إليها إلى أربعين يوما وهو ذو القعدة وعشرة
من ذي الحجة فقال موسى (ع) لأصحابه ان الله قد وعدني ان ينزل على التورية
والألواح إلى ثلاثين يوما فأمره الله ان لا يقول لهم إلى أربعين يوما فتضيق
صدورهم ونكتب خبره في سورة طه وقوله (وإذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم
أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم) فان
موسى (ع) لما خرج إلى الميقات ورجع إلى قومه وقد عبدوا العجل قال لهم
" يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم " فقالوا وكيف نقتل أنفسنا فقال لهم موسى اغدوا
كل واحد منكم إلى بيت المقدس ومعه سكين أو حديدة أو سيف فإذا صعدت
انا منبر بني إسرائيل فكونوا أنتم متلثمين لا يعرف أحد صاحبه فاقتلوا بعضكم
بعضا فاجتمعوا سبعين الف رجل ممن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس فلما
صلى بهم موسى (ع) وصعد المنبر اقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرئيل فقال
قل لهم يا موسى ارفعوا القتل فقد تاب الله عليكم فقتل عشرة آلاف وانزل الله
(ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم) وقوله (وإذ قلتم
يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة الآية) فهم السبعون الذين اختارهم
موسى ليسمعوا كلام الله فلما سمعوا الكلام قالوا لن نؤمن لك يا موسى حتى
نرى الله جهرة فبعث الله عليهم صاعقة فاحترقوا ثم أحياهم الله بعد ذلك وبعثهم
أنبياء فهذا دليل على الرجعة في أمة محمد صلى الله عليه وآله فإنه قال صلى الله عليه وآله لم يكن
في بني إسرائيل شئ الا وفي أمتي مثله وقوله (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم
47

المن والسلوى الآية) فان بني إسرائيل لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة
فقالوا يا موسى أهلكتنا وقتلتنا وأخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل ولا شجر
ولا ماء وكانت تجئ بالنهار غمامة تظلهم من الشمس وينزل عليهم بالليل المن
فيقع على النبات والشجر والحجر فيأكلونه وبالعشي يأتيهم طائر مشوي فيقع
على موايدهم فإذا اكلوا وشبعوا طار وكان مع موسى حجر يضعه في وسط
العسكر ثم يضربه بعصاة فينفجر منه اثنتا عشرة عينا كما حكى الله فيذهب كل
سبط في رحله وكانوا اثنى عشر سبطا فلما طال عليهم الأمد قالوا يا موسى (لن
نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها
وفومها وعدسها وبصلها) والفوم الحنطة فقال لهم موسى (أتستبدلون الذي هو
أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم) فقالوا " يا موسى ان فيها
قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون "
فنصفت الآية في سورة البقرة وتمامها وجوابها لموسى في المائدة وقوله (وقولوا
حطة) اي حط عنا ذنوبنا فبدلوا ذلك وقالوا " حنطة " وقال الله (فبدل
الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا - آل محمد حقهم (1)
رجزا من السما بما كانوا يفسقون) وقوله (ان الذين آمنوا والذين هادوا
والنصارى والصابئين) قال الصابئون قوم لا مجوس لا يهود ولا نصارى ولا مسلمين
وهم يعبدون الكواكب والنجوم وقوله (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور

(1) وتفسير هذه الكلمة كما في تفسير الإمام العسكري (ع) انه قيل
لهم بالانقياد لولاية الله ولولاية محمد صلى الله عليه وآله وعلي (ع) وآلهما الطيبين
وانهم لما لم ينقادوا وظلموا حق الله وحق محمد صلى الله عليه وآله وآله انزل الرجز عليهم
من السماء. ج - ز
48

خذوا ما آتيناكم بقوة) فان موسى (ع) لما رجع إلى بني إسرائيل ومعه التوراة
لم يقبلوا منه فرفع الله جبل طور سينا عليهم وقال لهم موسى لئن لم تقبلوا ليقعن
الجبل عليكم وليقتلنكم فنكسوا رؤسهم فقالوا نقبله.
وأما قوله (وإذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة
الآية) قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن بعض رجالهم عن أبي عبد الله (ع)
قال إن رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم خطب امرأة منهم فأنعمت له (1)
وخطبها ابن عم لذلك الرجل وكان فاسقا رديا فلم ينعموا له فحسد ابن عمه الذي
أنعموا له فقعد له فقتله غيلة ثم حمله إلى موسى (ع) فقال يا نبي الله هذا ابن عمى
قد قتل قال موسى من قتله؟ قال لا أدري وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا
فعظم ذلك على موسى فاجتمع إليه بنو إسرائيل فقالوا ما ترى يا نبي الله؟ وكان في
بني إسرائيل رجل له بقرة وكان له ابن بار وكان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون
سلعته وكان مفتاح بيته تحت رأس أبيه وكان نائما وكره ابنه ان ينبهه وينغض
عليه نومه فانصرف القوم ولم يشتروا سلعته فلما انتبه أبوه قال له يا بني ماذا صنعت
في سلعتك؟ قال هي قائمة لم أبعها لان المفتاح كان تحت رأسك فكرهت ان أنبهك
وأنغص عليك نومك قال له أبوه قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من
ربح سلعتك وشكر الله لابنه ما فعل بأبيه وامر بني إسرائيل ان يذبحوا تلك
البقرة بعينها فلما اجتمعوا إلى موسى وبكوا وضجوا قال لهم موسى (ان الله
يأمركم ان تذبحوا بقرة) فتعجبوا فقالوا (أتتخذنا هزوا) نأتيك بقتيل فتقول
اذبحوا بقرة فقال لهم موسى (أعوذ بالله ان أكون من الجاهلين) فعلموا انهم قد
أخطأوا فقالوا (ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا

(1) أنعم له أي قال له " نعم " ج - ز
49

بكر) والفارض التي قد ضربها الفحل ولا تحمل والبكر التي لم يضربها الفحل
(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها)
اي شديدة الصفرة (تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر
تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض)
اي لم تذلل (ولا تسقى الحرث) اي لا تسقى الزرع (مسلمة لاشية فيها) اي لا
نقط فيها الا الصفرة (قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون) هي
بقرة فلان فذهبوا ليشتروها فقال لا أبيعها الا بملء ء جلدها ذهبا فرجعوا إلى
موسى فأخبروه فقال لهم موسى لابد لكم من ذبحها بعينها بملء ء جلدها ذهبا
فذبحوها ثم قالوا ما تأمرنا يا نبي الله فأوحى الله تعالى إليه قل لهم اضربوه ببعضها
وقولوا من قتلك؟ فاخذوا الذنب فضربوه به وقالوا من قتلك يا فلان فقال فلان بن
فلان ابن عمي الذي جاء به وهو قوله (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله
الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون).
وقوله (أفتطمعون ان يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون
كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون الآية) فإنما نزلت في اليهود
وقد كانوا أظهروا الاسلام وكانوا منافقين وكانوا إذا رأوا رسول الله قالوا إنا
معكم وإذا رأوا اليهود قالوا انا معكم وكانوا يخبرون المسلمين بما في التورية من
صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وقالوا لهم كبراؤهم وعلماؤهم (أتحدثونهم بما
فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون) فرد الله عليهم فقال (أو
لا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ومنهم أميون) أي من
اليهود (لا يعلمون الكتاب الا أماني وان هم الا يظنون) وكان قوم منهم يحرفون
التورية واحكامه ثم يدعون انه من عند الله فأنزل الله فيهم (فويل للذين يكتبون
الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما
50

كتب أيديهم وويل لهم مما يكسبون) وقوله (وقالوا لن تمسنا النار الا أياما
معدودة) قال بنو إسرائيل لن تمسنا النار ولن نعذب الا الأيام المعدودات التي
عبدنا فيها العجل فرد الله عليهم فقال وقالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودة قل
يا محمد لهم (أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا
تعلمون) وقوله (وقولوا للناس حسنا) نزلت في اليهود ثم نسخت بقوله " اقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم ".
واما قوله (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم
من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون الآية) وإنما نزلت في أبي ذر رحمة الله عليه
وعثمان (1) بن عفان وكان سبب ذلك لما امر عثمان بنفي أبي ذر إلى الربذة دخل
عليه أبو ذر وكان عليلا متوكئا على عصاه وبين يدي عثمان مأة ألف درهم قد
حملت إليه من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون ان يقسمها
فيهم فقال أبو ذر لعثمان ما هذا المال؟ فقال عثمان مأة ألف درهم حملت إلي من بعض
النواحي أريد أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأي فقال أبو ذر " يا عثمان أيما أكثر
مأة ألف درهم أو أربعة دنانير "؟ فقال عثمان بل " مأة ألف درهم " قال اما تذكر انا
وأنت وقد دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله عشيا فرأيناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه
فلم (2) يرد علينا السلام فلما أصبحنا اتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلنا له

(1) إن قضية عثمان وأبي ذر نالت من الشياع والظهور ما لا يكاد يخفى
على من له مساس بالتاريخ، فمن شاء فليراجع: مروج الذهب 1 / 438،
انساب البلاذري 5 / 53، تاريخ اليعقوبي 2 / 148، طبقات ابن سعد 4 / 168
صحيح البخاري كتاب الزكاة، عمدة القاري 4 / 291، شرح نهج البلاغة (محمد
عبده) 2 / 17، كتاب أبو ذر الغفاري لعبد الحميد جودة السحار ص 144.
(2) لعل هذه الواقعة كانت قبل نزول آية التحية. ج - ز
51

بآبائنا وأمهاتنا دخلنا إليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا ثم عدنا إليك اليوم فرأيناك
فرحا مستبشرا فقال نعم كان قد بقي عندي من فئ المسلمين أربعة دنانير لم أكن
قسمتها وخفت ان يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم واسترحت منها
فنظر عثمان إلى كعب الأحبار، وقال له يا أبا إسحاق ما تقول في رجل أدى زكاة ماله
المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيئا؟ فقال لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة
من فضة ما وجب عليه شئ فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له
يا بن اليهودية الكافرة ما أنت والنظر في أحكام المسلمين قول الله أصدق من قولك
حيث قال " الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب
اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا
ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " فقال عثمان " يا أبا ذر انك
شيخ قد خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك " فقال " كذبت
يا عثمان أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لا يفتنونك يا أبا ذر ولا يقتلونك
واما عقلي فقد بقي منه ما احفظه حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك وفي
قومك " فقال وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله في وفي قومي؟ قال " سمعت يقول إذا
بلغ آل أبي العاص ثلاثون رجلا صيروا مال الله دولا وكتاب الله دغلا وعباده
خولا والفاسقين حزبا والصالحين حربا " فقال عثمان " يا معشر أصحاب محمد هل سمع
أحد منكم هذا من رسول الله " فقالوا لا ما سمعنا هذا من رسول الله " فقال عثمان
ادع عليا فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فقال له عثمان: يا أبا الحسن انظر ما يقول هذا
الشيخ الكذاب " فقال أمير المؤمنين مه يا عثمان لا تقل كذاب فاني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة (اللهجة اللسان)
أصدق من أبي ذر " فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله صدق أبو ذر وقد سمعنا
هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله فبكى أبو ذر عند ذلك فقال ويلكم كلكم قد مد عنقه
52

إلى هذا المال ظننتم انى اكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نظر إليهم فقال من
خيركم فقالوا من خيرنا فقال انا فقالوا أنت تقول انك خيرنا قال نعم خلفت
حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الجبة وهو عني راض وأنتم قد أحدثتم احداثا
كثيرة والله سائلكم عن ذلك ولا يسألني فقال عثمان يا أبا ذر أسألك بحق رسول الله
صلى الله عليه وآله الا ما أخبرتني عن شئ أسألك عنه فقال أبو ذر والله لو لم تسألني بحق
محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا لأخبرتك فقال اي البلاد أحب إليك أن تكون فيها
فقال مكة حرم الله وحرم رسول الله ا عبد الله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا ولا
كرامة لك قال المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا ولا كرامة لك فسكت أبو ذر
فقال عثمان اي البلاد أبغض إليك أن تكون فيها قال الربذة التي كنت فيها على
غير دين الاسلام فقال عثمان سر إليها فقال أبو ذر قد سألتني فصدقتك وانا
أسألك فأصدقني قال نعم قال أخبرني لو بعثتني في بعث من أصحابك إلى المشركين
فأسروني فقالوا لا نفديه الا بثلث ما تملك قال كنت أفديك قال فان قالوا لا نفديه
الا بنصف ما تملك قال كنت أفديك قال فان قالوا لا نفديه الا بكل ما تملك
قال كنت أفديك قال أبو ذر الله أكبر قال حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يوما " يا
أبا ذر وكيف أنت إذا قيل لك اي البلاد أحب إليك أن تكون فيها فتقول مكة
حرم الله وحرم رسوله ا عبد الله فيها حتى يأتيني الموت فيقال لك لا ولا كرامة
لك فتقول فالمدينة حرم رسول الله فيقال لك لا ولا كرامة لك ثم يقال لك فأي
البلاد أبغض إليك أن تكون فيها فتقول الربذة التي كنت فيها على غير دين
الاسلام فيقال لك سر إليها " فقلت وان هذا لكائن فقال " اي والذي نفسي
بيده انه لكائن " فقلت يا رسول الله أفلا أضع سيفي هذا على عاتقي فاضرب به
قدما قدما قالا لا اسمع واسكت ولو لعبد حبشي وقد انزل الله فيك وفي عثمان
آية فقلت وما هي يا رسول الله فقال قوله تعالى " وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون
53

دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء
تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان
وان يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب
وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم
القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ".
واما قوله (واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) أحبوا العجل حتى عبدوه
ثم قالوا نحن أولياء الله فقال الله عز وجل ان كنتم أولياء الله كما تقولون (فتمنوا
الموت ان كنتم صادقين) لان في التورية مكتوب ان أولياء الله يتمنون الموت
ولا يرهبونه وقوله (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزل على قلبك بإذن الله
مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) فإنما نزلت في اليهود الذين قالوا
لرسول الله صلى الله عليه وآله ان لنا في الملائكة أصدقاء وأعداء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من
صديقكم ومن عدوكم؟ فقالوا جبرئيل عدونا لأنه يأتي بالعذاب ولو كان الذي
ينزل عليك القرآن ميكائيل لآمنا بك فان ميكائيل صديقنا وجبريل ملك
الفضاضة والعذاب وميكائيل ملك الرحمة فأنزل الله (قل من كان عدوا لجبريل فإنه
نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين من كان
عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين) وقوله (واتبعوا
ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون
الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد
حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه
إلى قوله - كانوا يعلمون) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن
أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال إن سليمان بن داود امر الجن والإنس فبنوا
له بيتا من قوارير قال فبينما هو متكئ على عصاه ينظر إلى الشياطين كيف يعملون
54

وينظرون إليه إذا حانت منه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبة، ففزع منه وقال من
أنت؟ قال انا الذي لا اقبل الرشى ولا اهاب الملوك، انا ملك الموت، فقبضه وهو
متكئ على عصاه فمكثوا سنة يبنون وينظرون إليه ويدانون له ويعملون حتى
بعث الله الأرضة فأكلت منساته وهي العصا فلما خر تبينت الانس ان لو كان الجن
يعلمون الغيب ما لبثوا سنة في العذاب المهين فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا
سليمان، قال فلا تكاد تراها في مكان الا وجد عندها ماء وطين فلما هلك سليمان
وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب ثم طواه وكتب على ظهره " هذا ما وضع
آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخاير كنوز العلم من أراد كذا وكذا
فليفعل كذا وكذا " ثم دفنه تحت السرير ثم استثاره لهم فقرأه فقال الكافرون
ما كان سليمان عليه السلام يغلبنا الا بهذا وقال المؤمنون بل هو عبد الله ونبيه فقال الله
جل ذكره " واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن
الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت "
إلى قوله (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من
أحد الا بإذن الله) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن
محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال سأله عطاء ونحن بمكة عن هاروت وماروت
فقال أبو جعفر ان الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كل يوم وليلة
يحفظون أوساط أهل الأرض من ولد آدم والجن ويكتبون اعمالهم ويعرجون بها
إلى السماء قال فضج أهل السماء من معاصي أهل الأرض فتوامروا (1) فيما بينهم
مما يسمعون ويرون من افترائهم الكذب على الله تبارك وتعالى وجرءتهم عليه
ونزهوا الله مما يقول فيه خلقه ويصفون، فقال طائفة من الملائكة " يا ربنا ما تغضب

(1) اي تشاوروا وتكلموا فيما بينهم. ج - ز
55

مما يعمل خلقك في أرضك ومما يصفون فيك الكذب ويقولون الزور ويرتكبون
المعاصي وقد نهيتهم عنها ثم أنت تحلم عنهم وهم في قبضتك وقدرتك وخلال
عافيتك " قال أبو جعفر (ع) فأحب الله ان يرى الملائكة القدرة ونافذ امره في
جميع خلقه ويعرف الملائكة ما من به عليهم ومما عدله عنهم من صنع خلقه وما
طبعهم عليه من الطاعة وعصمهم من الذنوب، قال فأوحى الله إلى الملائكة ان انتخبوا
منكم ملكين حتى أهبطهما إلى الأرض ثم اجعل فيهما من طبايع المطعم والمشرب
والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلته في ولد آدم ثم أختبرهما في الطاعة لي، فندبوا
إلى ذلك هاروت وماروت وكانا من أشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم
واستيثار غضب الله عليهم، قال فأوحى الله اليهما ان اهبطا إلى الأرض فقد جعلت
فيكما من طبايع الطعام والشراب والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلته في ولد
آدم، قال ثم أوحى الله اليهما انظرا ان لا تشركا بي شيئا ولا تقتلا النفس التي حرم الله
ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال ثم كشط عن السماوات السبع ليريهما قدرته ثم
أهبطهما إلى الأرض في صورة البشر ولباسهم فهبطا ناحية بابل فوقع لهما بناء
مشرق فأقبلا نحوه فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء متزينة عطرة مقبلة مسفرة
نحوهما، قال فلما نظرا إليها وناطقاها وتأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا لموقع
الشهوة التي جعلت فيهما فرجعا إليها رجوع فتنة وخذلان وراوداها عن نفسهما
فقالت لهما ان لي دينا أدين به وليس أقدر في ديني على أن أجيبكما إلى ما تريدان
إلا أن تدخلا في ديني الذي أدين به فقالا لها وما دينك؟ قالت لي آله من عبده
وسجد له كان لي السبيل إلى أن أجيبه إلى كل ما سألني، فقالا لها وما إلهك قالت
الهي هذا الصنم قال فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال هاتان خصلتان مما نهانا عنهما
الشرك والزنا لأنا ان سجدنا لهذا الصنم وعبدناه أشركنا بالله وإنما نشرك بالله
لنصل إلى الزنا وهو ذا نحن نطلب الزنا وليس نخطأ الا بالشرك فائتمرا بينهما
56

فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما، فقالا لها فانا نجيبك ما سألت، فقالت فدونكما
فاشربا هذا الخمر فإنه قربان لكما عنده به تصلان إلى ما تريدان، فائتمرا بينهما
فقالا هذه ثلاث خصال مما نهانا ربنا عنها الشرك والزنا وشرب الخمر وإنما ندخل في
شرب الخمر والشرك حتى نصل إلى الزنا فائتمرا بينهما، فقالا ما أعظم البلية بك قد
أجبناك إلى ما سألت، قالت فدونكما فاشربا من هذا الخمر واعبدا هذا الصنم
واسجدا له، فشربا الخمر وعبدا الصنم ثم راوداها من نفسها فلما تهيأت لهما
وتهيئا لها دخل عليهما سائل يسأل، فلما رآهما ورأياه ذعرا منه فقال لهما انكما
لامرءان ذعران فدخلتما بهذه المرأة العطرة الحسناء، انكما لرجلا سوء وخرج
عنهما فقالت لهما لا وإلهي لا تصلان الآن إلي وقد اطلع هذا الرجل على حالكما
وعرف مكانكما ويخرج الآن ويخبر بخبركما ولكن بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه قبل
ان يفضحكما ويفضحني ثم دونكما فاقضيا حاجتكما وأنتما مطمئنان آمنان، قال فقاما
إلى الرجل فأدركاه فقتلاه ثم رجعا إليها فلم يرياها وبدت لهما سوأتهما ونزع عنهما
رياشهما واسقط في أيديهما، قال فأوحى الله اليهما إنما أهبطتكما إلى الأرض مع
خلقي ساعة من النهار فعصيتماني بأربع من معاصي كلها قد نهيتكما عنها فلم تراقباني
فلم تستحيا مني وقد كنتما أشد من نقم على أهل الأرض للمعاصي واستسجز أسفي
وغضبي عليهم، ولما جعلت فيكما من طبع خلقي وعصمني إياكما من المعاصي فكيف
رأيتما موضع خذلاني فيكما، اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، فقال
أحدهما لصاحبه نتمتع من شهواتها في الدنيا إذ صرنا إليها إلى أن نصير إلى عذاب
الآخرة، فقال الآخر ان عذاب الدنيا له مدة وانقطاع وعذاب الآخرة قائم
لا انقضاء له فلسنا نختار عذاب الآخرة الدائم الشديد على عذاب الدنيا المنقطع
الفاني قال فاختارا عذاب الدنيا وكانا يعلمان الناس السحر في ارض بابل ثم لما
57

علما الناس السحر رفعا من الأرض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في
الهواء إلى يوم القيامة (1).
واما قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) اي لا تقولوا
تخليطا (2) وقولوا افهمنا وقوله (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)
فقوله ننسها اي نتركها ونترك حكمها فسمى الترك بالنسيان في هذه الآية وقوله
" أو مثلها " فهي زيادة إنما نزل " نأت بخير مثلها " واما قوله (ومن أظلم ممن
منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) فإنما نزلت في قريش حين
منعوا رسول الله صلى الله عليه وآله دخول مكة وقوله (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم

(1) لا يخفى ان هذه الرواية وإن كان ظاهرها مما ينكره العقل والنقل
لكونه قادحا في قداسة الملائكة الذين لا يعصون الله طرفة عين لأنهم عباد مكرمون
لا يسبقونه بالقول، وانه قد ورد في الباب اخبار رادة لها كالخبر المروي في تفسير
الإمام العسكري عليه السلام، الا ان التأمل الدقيق يعطي عدم منافاتها للعقل - لان
عصيان الملائكة مستحيل مع كونهم كذلك - اما بعد ان أعطاهما الله تعالى ما
للبشر من القوى الشهوية والاحساسات النفسانية - كما يظهر من الرواية - فظاهره
صيرورتهما بشرا أو مثل البشر في فقدان العصمة وامكان المعصية، واشكال
الفلاسفة بعدم امكان انقلاب الماهيات مدفوع، بعموم قدرة الله تعالى،
والمعاجز الصادرة عن المعصومين عليهم السلام شاهدة على ذلك - لكنه قد ورد في تفسير
الإمام العسكري عليه السلام ما يرد هذا الخبر فحينئذ يؤخذ بالأوضح متنا والأوثق
سندا ويعمل بالمرجحات كما هو المناط في باب اختلاف الروايتين ولما لم يكن ثمة
ثمرة عملية لم نطل الكلام في تنقيح المقام ج - ز.
(2) خلط في الكلام اي هذى.
58

وجه الله) فإنها نزلت في صلاة النافلة فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر واما
الفرايض فقوله " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " يعني الفرايض لا تصليها
الا إلى القبلة واما قوله (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك
للناس اماما) قال هو ما ابتلاه الله (1) مما أراه في نومه بذبح ولده فأتمها إبراهيم
عليه السلام وعزم عليها وسلم فلما عزم وعمل بما امره الله قال الله تعالى " إني جاعلك
للناس اماما " قال إبراهيم ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) لا يكون بعهدي
إمام ظالم ثم انزل عليه الحنيفية وهي الطهارة وهي عشرة أشياء خمسة في الرأس
وخمسة في البدن فاما التي في الرأس فاخذ الشارب، واعفاء اللحى وطم الشعر والسواك
والخلال واما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وقلم الأظفار والغسل من
الجنابة والطهور بالماء فهذه خمسة في البدن وهو الحنفية الطهارة التي جاء بها إبراهيم
فلم تنسخ إلى يوم القيامة وهو قوله " واتبع ملة إبراهيم حنيفا " واما قوله (وإذ
جعلنا البيت مثابة للناس وامنا) فالمثابة العود إليه وقوله (طهرا بيتي للطائفين
والعاكفين والركع السجود) قال الصادق عليه السلام يعني نحى عن المشركين وقال
لما بنى إبراهيم البيت وحج الناس شكت الكعبة إلى الله تبارك وتعالى ما تلقى من
أيدي المشركين وأنفاسهم فأوحى الله إليها قرى كعبة فاني ابعث في آخر الزمان
قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون وقوله (وارزق أهله من الثمرات من آمن

(1) وفي تفسير الإمام العسكري عليه السلام مرويا عن الصادق عليه السلام ان المراد
من تلك الكلمات، الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه فتاب عليه وهي أنه قال
" يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين الا تبت علي " - قيل له
يا بن رسول الله فما يعني بقوله " فأتمهن "؟ قال " يعني فأتمهن إلى القائم
عليه السلام (الرواية) ج - ز.
59

منهم بالله واليوم الآخر) فإنه دعا إبراهيم ربه ان يرزق من آمن به فقال الله يا
إبراهيم ومن كفر أيضا ارزقه (فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس
المصير) واما قوله (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل الآية) فإنه
حدثني أبي عن النضر بن سويد عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن إبراهيم
عليه السلام كان نازلا في بادية الشام فلما ولد له من هاجر إسماعيل اغتمت سارة
من ذلك غما شديدا لأنه لم يكن له منها ولد كانت تؤذي إبراهيم في هاجر وتغمه
فشكى إبراهيم ذلك إلى الله عز وجل فأوحى الله إليه إنما مثل المرأة مثل الضلع
العوجا ان تركتها استمتعتها وان أقمتها كسرتها ثم امره ان يخرج إسماعيل وأمه
(فقال يا رب إلى اي مكان؟ قال إلى حرمي وأمني وأول بقعة خلقتها من الأرض
وهي مكة فأنزل الله عليه جبرائيل بالبراق (1) فحمل هاجر وإسماعيل وكان
إبراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع الا قال يا جبرئيل إلى ههنا
إلى ههنا فيقول لا امض، امض حتى اتى مكة فوضعه في موضع البيت وقد كان
إبراهيم (ع) عاهد سارة ان لا ينزل حتى يرجع إليها، فلما نزلوا في ذلك المكان
كان فيه شجرة فألقت هاجر على ذلك الشجر كساءا وكان معها فاستظلوا تحته فلما
سرحهم إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف منهم إلى سارة قالت له هاجر يا إبراهيم
لم تدعنا في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع فقال إبراهيم الله الذي امرني
ان أضعكم في هذا المكان حاضر عليكم ثم انصرف عنهم فلما بلغ كداء وهو جبل
بذى طوى التفت إليهم إبراهيم فقال (رب اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع
عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم

(1) لم تكن العبارة بين القوسين في نسخة تفسير القمي الموجودة عندي
إنما نقلتها على ما حكاها عنه البحراني في البرهان ج - ز.
60

من الثمرات لعلهم يشكرون) ثم مضى وبقيت هاجر فلما ارتفع النهار عطش
إسماعيل وطلب الماء فقامت هاجر في الوادي في مضوع المسعى ونادت هل في
الوادي من أنيس، فغاب عنها إسماعيل فصعدت على الصفا ولمع لها السراب في
الوادي وظنت انه ماء فنزلت في بطن الوادي وسعت فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل ثم لمع لها
السراب في ناحية الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلما غاب عنها إسماعيل عادت
حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كان في الشوط السابع
وهي على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجله فعادت حتى
جمعت حوله رملا فإنه كان سائلا فزمته بما جعلته حوله فلذلك سميت " زمزم "
وكانت جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير والوحش
على الماء فنظرت جرهم إلى تعكف الطير على ذلك المكان فاتبعوها حتى نظروا
إلى امرأة وصبي في ذلك الموضع قد استظلوا بشجرة وقد ظهر الماء لهما فقالوا
لهاجر من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبي؟ فقالت انا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن
وهذا ابنه امره الله ان ينزلنا هيهنا فقالوا لها أيها المباركة أفتأذني لنا ان نكون
بالقرب منكما؟ فقالت حتى يأتي إبراهيم فلما زارهم إبراهيم (ع) يوم الثالث فقالت هاجر يا خليل الله ان
هيهنا قوما من جرهم يسألونك ان تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا أفتأذن
لهم في ذلك فقال إبراهيم نعم فاذنت فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم فآنست
هاجر وإسماعيل بهم فلما زارهم إبراهيم في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم
فسر بهم سرورا شديدا فلما ترعرع إسماعيل عليه السلام وكانت جرهم قد وهبوا
لإسماعيل كل واحد منهم شاة وشاتين فكانت هاجر وإسماعيل يعيشان بها.
فلما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال امر الله إبراهيم (ع) ان يبني البيت فقال
يا رب في اي بقعه قال في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم فلم تزل
القبة التي أنزلها الله على آدم قائمة حتى كان أيام الطوفان أيام نوح عليه السلام
61

فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا الا موضع البيت فسميت البيت
العتيق لأنه أعتق من الغرق فلما امر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام ان يبني البيت
ولم يدر في اي مكان يبنيه فبعث الله جبرئيل عليه السلام فخط له موضع البيت فأنزل الله
عليه القواعد من الجنة وكان الحجر الذي انزل الله على آدم أشد بياضا من الثلج
فلما لمسته أيدي الكفار اسود، فبنى إبراهيم البيت ونقل إسماعيل الحجر من
ذي طوى فرفعه إلى السماء تسعة ازرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم
عليه السلام ووضعه في موضعه الذي هو فيه الأول وجعل له بابين باب إلى المشرق وباب إلى
المغرب والباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ثم القى عليه الشجر والإذخر وعلقت
هاجر على بابه كساء كان معها وكانوا يكنون تحته.
فلما بناه وفرغ منه حج إبراهيم (ع) وإسماعيل ونزل عليهما جبرئيل
عليه السلام يوم التروية لثمان من ذي الحجة فقال يا إبراهيم قم فارتو من الماء
لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسميت التروية لذلك ثم أخرجه إلى منى فبات بها
ففعل به ما فعل بآدم (ع) فقال إبراهيم لما فرغ من بناء البيت " رب اجعل
هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر " قال
من ثمرات القلوب اي حببهم إلى الناس لينتابوا (1) إليهم ويعودوا إليهم.
واما قوله (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب
والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) فإنه يعني من ولد إسماعيل عليه السلام
فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله " انا دعوة أبي إبراهيم عليه السلام " وقوله (فإنما
هم في شقاق) يعني في كفر، قوله (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة)
يعني به الاسلام.
الجزء (2) وقوله (سيقول السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها)
فان هذه الآية متقدمة على قوله " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك

(1) انتابهم انتيابا أي اتاهم مرة بعد أخرى قاموس
62

قبلة ترضيها " لأنه نزل أولا " قد نرى تقلب وجهك في السماء " ثم نزل " سيقول
السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " وذلك إن اليهود كانوا
يعيرون برسول الله ويقولون أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا فاغتم من ذلك
رسول الله صلى الله عليه وآله غما شديدا وخرج في جوف الليل ينظر في آفاق السماء ينتظر
بأمر الله تبارك وتعالى في ذلك، فلما أصبح وحضرت صلاة الظهر كان في مسجد
بني سالم قد صلى بهم الظهر ركعتين، فنزل جبرئيل عليه السلام فأخذ بعضديه
فحوله إلى الكعبة، فأنزل الله عليه " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك
قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام " فصلى ركعتين إلى الكعبة فقالت
اليهود والسفهاء ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وتحولت القبلة إلى الكعبة
بعد ما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة ثلاثة عشر سنة إلى البيت المقدس وبعد
مهاجرته إلى المدينة صلى إلى البيت المقدس سبعة اشهر، ثم حول الله عز وجل القبلة
إلى البيت الحرام ثم قال الله عز وجل (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا
يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) يعني ولا الذين ظلموا منهم
" وإلا " في موضع " ولا " وليست هي استثناء، واما قوله (وكذلك جعلناكم
أمة وسطا) يعنى أئمة وسطا اي عدلا وواسطة بين الرسول والناس والدليل على أن
هذا مخاطبة للأئمة عليهم السلام قوله في سورة الحج " ليكون الرسول شهيدا
عليكم " يا معشر الأئمة " وتكونوا - أنتم - شهداء على الناس " وإنما نزلت
" وكذلك جعلناكم أئمة وسطا (1) ".
وقوله (ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح

(1) وقد فصلنا القول في مثل هذه الكلمات في مقدمتنا، فعلى القارئ
الكريم مراجعتها ج - ز
63

عليه ان يطوف بهما) فان قريشا كانت وضعت أصنامهم بين الصفا والمروة وكانوا
يتمسحون بها إذا سعوا فلما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان في غزاة
الحديبية وصده عن البيت وشرطوا له ان يخلوا له البيت في عام قابل حتى يقضي
عمرته ثلاثة أيام ثم يخرج عنها فلما كان عمرة القضاء في سنة سبع من الهجرة
دخل مكة وقال لقريش ارفعوا أصنامكم من بين الصفا والمروة حتى أسعى، فرفعوها
فسعى رسول الله صلى الله عليه وآله بين الصفا والمروة وقد رفعت الأصنام، وبقي رجل من
الطواف ردت قريش الأصنام بين الصفا والمروة فجاء الرجل الذي لم يسع إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال قد ردت قريش الأصنام بين الصفا والمروة ولم أسع
فأنزل الله عز وجل: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر
فلا جناح عليه ان يطوف بهما " والأصنام فيهما وقوله (أولئك يلعنهم الله
وبلعنهم اللاعنون) قال كل من قد لعنه الله من الجن والإنس يلعنهم، قوله (ومثل
الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا
يعقلون) فإنما البهايم إذا زجرها صاحبها فإنها تسمع الصوت ولا تدري ما يريد
وكذلك الكفار إذا قرأت عليهم وعرضت عليهم الايمان لا يعلمون مثل البهايم
وقوله (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) فالباغي من يخرج في غير طاعة الله، والعادي
الذي يعتدي على الناس ويقطع الطريق وقوله (فما أصبرهم على النار) يعني ما
أجرأهم، وقوله (ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من
آمن بالله واليوم الآخر) فهي شروط الايمان الذي هو التصديق، قوله (والصابرين
في البأساء والضراء) قال في الجوع والعطش والخوف والمرض (وحين الباس)
قال عند القتل، وقوله (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد
64

والأنثى بالأنثى) فهي ناسخة لقوله النفس بالنفس (1) وقوله (ولكم في القصاص
حياة يا أولى الألباب) قال يعني لولا القصاص لقتل بعضكم بعضا وقوله (كتب
عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف
حقا على المتقين) فإنما هي منسوخة بقوله " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل
حظ الأنثيين " وقوله (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله
سميع عليم) يعني بذلك بعد الوصية ثم رخص فقال (فمن خاف من موص جنفا
أو إثما فاصلح بينهم فلا إثم عليه) قال الصادق عليه السلام إذا أوصى الرجل بوصية فلا
يحل للوصي ان يغير وصيته يوصيها، بل يمضيها على ما أوصى، الا ان يوصي
بغير ما امر الله فيعصي في الوصية ويظلم فالموصى إليه جائز له ان يرده إلى الحق
مثل رجل يكون له ورثة فيجعل المال كله لبعض ورثته ويحرم بعضا فالوصي جايز
له ان يرده إلى الحق وهو قوله " جنفا أو إثما " فالجنف الميل إلى بعض ورثته
دون بعض والاثم ان يأمر بعمارة بيوت النيران واتخاذ المسكر فيحل للوصي ان
لا يعمل بشئ من ذلك.
وقوله (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم تتقون)
فإنه قال أول ما فرض الله الصوم لم يفرضه في شهر رمضان على الأنبياء، ولم يفرضه
على الأمم، فلما بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله خصه بفضل شهر رمضان هو وأمته، وكان
الصوم قبل ان ينزل شهر رمضان يصوم الناس أياما ثم نزل (شهر رمضان الذي

(1) النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالأنف والاذن بالاذن والسن
بالسن والجروح قصاص (المائدة 45) ولعل المراد من النسخ في المقام ان الآية
" النفس بالنفس " تدل على حتمية القصاص والآية " الحر بالحر " تدل على
رخصته بقوله: فمن عفي له من أخيه... الخ " ج - ز.
65

انزل فيه القرآن) قال وسئل الصادق عليه السلام عن شهر رمضان الذي انزل فيه
القرآن كيف كان، وإنما انزل القرآن في طول عشرين سنة؟ فقال إنه نزل جملة
واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثم نزل من البيت المعمور إلى النبي
صلى الله عليه وآله في طول عشرين سنة وقوله (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)
قال من مرض في شهر رمضان فأفطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان
آخر فعليه ان يقضي ويتصدق عن كل يوم بمد من الطعام، وقوله (أحل لكم ليلة
الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله انكم كنتم تختانون
أنفسكم فتاب عليكم وعفى عنكم) فإنه حدثني أبي رفعه قال قال الصادق عليه السلام كان
النكاح والاكل محرمان في شهر رمضان بالليل بعد النوم يعني كل من صلى العشاء
ونام ولم يفطر ثم انتبه حرم عليه الافطار وكان النكاح حراما في الليل والنهار في
شهر رمضان، وكان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يقال له خوات بن جبير
الأنصاري أخو عبد الله بن جبير الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وكله بفم الشعب يوم
أحد في خمسين من الرماة ففارقه أصحابه وبقي في اثنى عشر رجلا فقتل على باب
الشعب، وكان اخوه هذا خوات بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا وكان صائما مع
رسول الله صلى الله عليه وآله في الخندق فجاء إلى أهله حين امسى فقال عندكم طعام؟ فقالوا
لا، نم حتى نصنع لك طعاما فأبطئت
أهله بالطعام فنام قبل ان يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم الله علي الاكل في هذه
الليلة فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه، فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله فرق له،
وكان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان فأنزل الله عز وجل
" أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله
انكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما
كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل " وأحل الله تبارك وتعالى النكاح بالليل في
شهر رمضان والاكل بعد النوم إلى طلوع الفجر لقوله " حتى يتبين لكم الخيط
66

الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " قال هو بياض النهار من سواد الليل وقوله
(وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) فإنه حدثني
أبي عن القسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حماد قال قلت لأبي عبد الله
عليه السلام اشغل نفسي بالدعاء لاخواني ولأهل الولاية فما ترى في ذلك؟ فقال
إن الله تبارك وتعالى يستجيب دعاء غائب لغائب ومن دعا للمؤمنين والمؤمنات
ولأهل مودتنا رد الله عليه من آدم إلى أن تقوم الساعة لكل مؤمن حسنة ثم قال إن
الله فرض الصلوات في أفضل الساعات، عليكم بالدعاء في إدبار الصلاة ثم دعا لي
ولمن حضره، وقوله (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام
لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم) قال العالم عليه السلام قد علم الله أنه يكون
حكاما يحكمون بغير الحق فنهى ان يتحاكم إليهم فإنهم لا يحكمون بالحق
فتبطل الأموال.
وقوله (ويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) فان
المواقيت منها معروفة مشهورة في أوقات معروفة، ومنها مبهمة فاما المواقيت
المعروفة المشهورة فأربعة، والأشهر الحرم التي ذكرها الله في قوله " منها أربعة
حرم " والاثنا عشر شهرا التي خلقها الله تعرف بالهلال، أولها المحرم وآخرها
ذو الحجة، والأربعة الحرم رجب مفرد وذو القعدة وذو الحجة والمحرم متصلة،
حرم الله فيها القتال، ويضاعف فيها الذنوب وكذلك الحسنات، واشهر السياحة
معروفة وهي عشرون من شهر ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر (ون ط)
من شهر ربيع الآخر، وهي التي أحل الله فيها قتال المشركين في قوله " فسيحوا في
الأرض أربعة اشهر " واشهر الحج معروفة، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة
وإنما صارت اشهر الحج لأنه من اعتمر في هذه الأشهر في شوال أو في ذي القعدة
أو في ذي الحجة ونوى ان يقيم بمكة حتى يحج فقد تمتع بالعمرة إلى الحج،
67

ومن اعتمر في غير هذه الأشهر ثم نوى ان يقيم إلى الحج أو لم ينو فليس هو
ممن تمتع بالعمرة إلى الحج لأنه لم يدخل مكة في اشهر الحج فسمي هذه اشهر الحج
فقال الله تبارك وتعالى " الحج اشهر معلومات " وشهر رمضان معروف، واما
المواقيت المبهمة التي إذا حدث الامر وجب فيها انتظار تلك الأشهر فعدة النساء في
الطلاق، والمتوفي عنها زوجها، فإذا طلقها زوجها فان كانت تحيض تمتد الأقراء
التي قال الله عز وجل، وان كانت لا تحيض تعتد بثلاثة اشهر بيض لادم فيها،
وعدة المتوفى عنها زوجها أربعة اشهر وعشرا، وعدة المطلقة الحبلى ان تضع ما
في بطنها، وعدة الايلاء أربعة اشهر، وكذلك في الديون إلى الأجل الذي يكون
بينهم وشهرين متتابعين في الظهار. ط وصيام شهرين متتابعين في كفارة قتل الخطأ وعشرة أيام للصوم في الحج
لمن لم يجد الهدي، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب، فهذه المواقيت
المعروفة والمبهمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه " يسألونك عن الأهلة قل هي
مواقيت للناس والحج ".
واما قوله (ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى
واتوا البيوت من أبوابها) قال نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام لقول رسول الله
صلى الله عليه وآله " انا مدينة العلم وعلي عليه السلام بابها ولا تدخلوا المدينة الا من بابها ".
وقوله (وأتموا الحج والعمرة لله فان أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا
تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به اذى من رأسه
ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) فإنه إذا عقد الرجل الاحرام بالتمتع بالعمرة
إلى الحج واحرم ثم اصابته غلة في طريقه قبل ان يبلغ إلى مكة ولا يستطيع ان
يمضي، فإنه يقيم في مكانه الذي حوصر فيه ويبعث من عنده هديا إن كان غنيا
فبدنة وإن كان بين ذلك فبقرة وإن كان فقيرا فشاة، لابد منها ولا يزال مقيما
على احرامه، وإن كان في رأسه وجع أو قروح حلق شعره وأحل ولبس ثيابه
ويفدي فلما ان يصوم ستة أيام أو يتصدق على عشرة مساكين أو نسك وهو الدم
يعني ذبح شاة، فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فعليه ان يشترط عند الاحرام فيقول
68

" اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك فان عاقني عائق
أو حبسني حابس فحلني حيث حبستني بقدرتك التي قدرت علي " ثم يلبي من
الميقات الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله فيلبي ويقول " لبيك اللهم لبيك لبيك
لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك حجة
(بحجة ط) بعمرة تمامها وبلاغها عليك "
فإذا دخل مكة ونظر إلى ابيات مكة قطع التلبية وطاف بالبيت
سبعة أشواط، وصلى عند مقام إبراهيم ركعتين وسعى بين الصفا والمروة سبعة
أشواط ثم يحل ويتمتع بالثياب والنساء والطيب ويقيم على الحج إلى يوم التروية
فإذا كان يوم التروية احرم عند زوال الشمس من عند المقام بالحج ثم خرج
ملبيا إلى منى فلا يزال ملبيا إلى يوم عرفة عند زوال الشمس، فإذا زالت الشمس
يوم عرفة قطع التلبية ويقف بعرفات في الدعاء والتكبير والتهليل والتحميد، فإذا
غابت الشمس رجع إلى المزدلفة فبات بها فإذا أصبح قام بالمشعر الحرام ودعا
وهلل الله وسبحه وكبره ثم ازدلف منها إلى منى ورمى الجمار وذبح وحلق، إن كان
غنيا فعليه بدنة وإن كان بين ذلك فعليه بقرة وإن كان فقيرا فعليه شاة، فمن
لم يجد ذلك فعليه ان يصوم ثلاثة أيام بمكة فإذا رجع إلى منزله صام سبعة أيام
فتقوم هذه الأيام العشرة مقام الهدي الذي كان عليه وهو قوله (فمن لم يجد
فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) وذلك لمن ليس
هو مقيم بمكة ولا من أهل مكة، اما أهل مكة ومن كان حول مكة على ثمانية وأربعين ميلا
فليست لهم متعة وإنما يفردون الحج لقوله (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد
الحرام) واما قوله (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في
الحج) فالرفث الجماع، والفسوق الكذب، والجدال الخصومة، وهي قول
" لا والله وبلى والله " وقوله (فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا) قال
69

كانت العرب إذا وقفوا بالمشعر يتفاخرون بآبائهم فيقولون لا وأبيك لا وأبي
وأمر الله ان يقولوا لا والله وبلى والله وقوله (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وماله في الآخرة من خلاق) فإنه حدثني أبي عن سليمان بن داود المنقري
عن سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سأل رجل من أبي عبد الله عليه السلام بعد
منصرفه من الموقف فقال أترى يجيب الله هذا الخلق كله؟ فقال أبو عبد الله
عليه السلام ما وقف بهذا الموقف أحد من الناس مؤمن ولا كافر الا غفر الله له،
إلا أنهم في مغفرتهم على ثلاث منازل، مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر وأعتقه من النار وذلك قوله " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ومؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وقيل له
أحسن فيما بقي فذلك قوله " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم
عليه لمن اتقى (1) الكبائر واما العامة فإنهم يقولون فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم
عليه لمن اتقى الصيد، افترى ان الله تبارك وتعالى حرم الصيد بعد ما أحله لقوله
" وإذا حللتم فاصطادوا " وفي تفسير العامة معناه فإذا حللتم فاتقوا الصيد،
وكافر (2) وقف هذا الموقف يريد زينة الحياة الدنيا غفر الله له من ذنبه ما تقدم
ان تاب من الشرك وان لم يتب وافاه الله اجره في الدنيا ولم يحرمه ثواب هذا

(1) اي تعجل في الذهاب إلى وطنه - عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال إن العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجا لا يخطو خطوة ولا تخطو
به راحلته الا كتب له بها حسنة ومحي عنه سيئة، ورفع له بها درجة فإذا وقف
بعرفات فلو كانت له ذنوب عدد الثرى رجع كما ولدته أمه فقال له استأنف العمل
يقول الله " فمن تعجل في يومين فلا أتم عليه " (الآية) البرهان.
(2) عطف على قوله " مؤمن غفر الله له ". ج ز.
70

الموقف وهو قوله " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها
وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا
فيها وباطل ما كانوا يعملون " وقوله (واذكروا الله في أيام معدودات) قال أيام
التشريق الثلاثة، والأيام المعلومات العشرة من ذي الحجة، وقوله (ويهلك الحرث
والنسل) قال الحرث في هذا الموضع الدين، والنسل الناس، ونزلت في فلان ويقال
في معاوية وقوله (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله) قال ذلك
أمير المؤمنين عليه السلام ومعنى يشرى نفسه اي يبذل وقوله (ادخلوا في السلم
كافة) قال في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وقوله (كان الناس أمة واحدة)
قال قبل نوح على مذهب واحد، فاختلفوا (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين
وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) وقوله (كتب
عليكم القتال وهو كره لكم) نزلت بالمدينة ونسخت آية " كفوا أيديكم " التي
نزلت بمكة.
واما قوله (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد
عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة
أكبر من القتل) فإنه كان سبب نزولها انه لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة
بعث السرايا إلى الطرقات التي تدخل مكة تتعرض لغير قريش، حتى بعث عبد الله
ابن جحش في نفر من أصحابه إلى نخلة، وهي بستان بني عامر ليأخذوا عير
قريش حين أقبلت من الطائف عليها الزبيب والأدم والطعام، فوافوها وقد نزلت
العير وفيهم عمر بن عبد الله الحضرمي وكان حليفا لعتبة بن ربيعة، فلما نظر
الحضرمي إلى عبد الله بن جحش وأصحابه فزعوا وتهيئوا للحرب وقالوا هؤلاء
أصحاب محمد، فأمر عبد الله بن جحش أصحابه ان ينزلوا ويحلقوا رؤسهم، فنزلوا
فحلقوا رؤسهم فقال ابن الحضرمي هؤلاء قوم عباد ليس علينا منهم باس، فلما
71

اطمأنوا ووضعوا السلاح حمل عليهم عبد الله بن جحش فقتل ابن الحضرمي وأفلت
أصحابه واخذوا العير بما فيها وساقوها إلى المدينة وكان ذلك في أول يوم من
رجب من اشهر الحرم، فعزلوا العير وما كان عليها ولم ينالوا منها شيئا، فكتبت
قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إنك استحللت الشهر الحرام وسفكت فيه الدم واخذت
المال وكثر القول في هذا، وجاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله
أيحل القتل في الشهر الحرام فأنزل الله " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل
قتال فيه كبير.. الخ " قال القتال في الشهر الحرام عظيم ولكن الذي فعلت
قريش بك يا محمد صلى الله عليه وآله من الصد عن المسجد الحرام والكفر بالله وإخراجك منها
هو أكبر عند الله والفتنة يعني الكفر بالله أكبر من القتل ثم أنزلت " الشهر
الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما
اعتدى عليكم " (1) وقوله (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) قال لا إقتار
ولا إسراف (2)
وقوله (يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فاخوانكم)
فإنه حدثني أبي عن صفوان عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (ع) انه لما
أنزلت " ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا
وسيصلون سعيرا " أخرج كل من كان عنده يتيم وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله في
إخراجهم، فأنزل الله تعالى " ويسألونك عن اليتامى.. الخ " وقال الصادق
عليه السلام لا بأس ان تخلط طعامك بطعام اليتيم فان الصغير يوشك أن يأكل
الكبير معه واما الكسوة وغيره فيحسب على كل رأس صغير وكبير كما يحتاج
إليه، واما قوله (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة

(1) والحال انها قبل " يسألونك عن الشهر الحرام.. الخ "
(2) إنما ترك المؤلف تفسير آية: يسئلونك عن الخمر والميسر، لأنه سيأتي في ذيل قوله تعالى: إنما الخمر والميسر الخ في سورة المائدة ص 180 فراجع - ج - ز
72

ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) فقوله " ولا تنكحوا المشركات
حتى يؤمن " منسوخ بقوله " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "
وقوله " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " على حاله لم ينسخ وقوله (ويسألونك
عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن)
يعني النساء لا تأتوهن في الفرج حتى يغتسلن (فإذا تطهرن) اي اغتسلن
(فآتوهن من حيث امركم الله) وقوله (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم انى
شئتم) اي متى شئتم وتأولت العامة في قوله " انى شئتم " اي حيث شئتم في
القبل والدبر، وقال الصادق عليه السلام " انى شئتم " اي متى شئتم في الفرج والدليل
على قوله في الفرج قوله تعالى " نساؤكم حرث لكم " فالحرث الزرع في الفرج في موضع الولد، وقال الصادق
عليه السلام من اتى امرأته في الفرج في أول أيام حيضها فعليه ان يتصدق بدينار
وعليه ربع حد الزاني خمسة وعشرون جلدة، وان اتاها في آخر أيام حيضها فعليه
ان يتصدق بنصف دينار ويضرب اثني عشر جلدة ونصف (1) وقوله (ولا تجعلوا
الله عرضة لايمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) قال هو قول الرجل في
كل حالة لا والله وبلى والله واما قوله (للذين يولون من نسائهم تربص أربعة
اشهر فان فاءوا فان الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فان الله سميع عليم) فإنه
حدثني أبي عن صفوان ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال الايلاء
هو ان يحلف الرجل على امرأته ألا يجامعها فان صبرت عليه فلها ان تصبر، فان
رفعته إلى الامام انظره أربعة اشهر ثم يقول له بعد ذلك اما ان ترجع إلى المناكحة
واما ان تطلق والا حبستك ابدا، وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه بنى
حظيرة من قصب وجعل فيها رجل آلى من امرأته بعد أربعة اشهر وقال له اما

(1) بان يؤخذ نصف السوط باليد ويضرب به ج ز.
73

ترجع إلى المناكحة أو ان تطلق والا أحرقت عليك الحظيرة، وقوله (والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) قال والمطلقة تعتد ثلاثة قروء ان كانت تحيض
قوله (ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ان كن يؤمن بالله واليوم
الآخر) قال لا يحل للمرأة ان تكتم حملها أو حيضها أو طهرها وقد فرض الله على
النساء ثلاثة أشياء الطهر والحيض والحبل وقوله (وللرجال عليهن درجة) قال
حق الرجال على النساء أفضل من حق النساء على الرجال.
وقوله (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) قال في
الثالثة (1) وهو طلاق السنة، حدثني أبي عن إسماعيل بن مهران (مرار ط) عن يونس عن
عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن طلاق السنة، قال
هو ان يطلق الرجل المرأة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ثم يتركها
حتى تعتد ثلاثة قروء فإذا مضت ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة، وحلت
للأزواج وكان زوجها خاطبا من الخطاب ان شائت تزوجته وان شائت لم تفعل
فان تزوجها بمهر جديد كانت عنده بثنتين باقيتين ومضت بواحدة، فان هو
طلقها واحدة على طهر بشهود ثم راجعها وواقعها ثم انتظر بها حتى إذا حاضت
وطهرت طلقها طلقة أخرى بشهادة شاهدين ثم تركها حتى تمضي أقراؤها الثلاثة،
فإذا مضت أقراؤها الثلاثة قبل ان يراجعها فقد بانت منه بثنتين وقد ملكت
أمرها وحلت للأزواج وكان زوجها خاطبا من الخطاب فان شائت تزوجته وان
شائت لم تفعل، وان هو تزوجها تزويجا جديدا بمهر جديد كانت عنده بواحدة
باقية وفد؟؟ ثنتان، فان أراد ان يطلقها طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا
غيره تركها حتى إذا حاضت وطهرت اشهد على طلاقها تطليقة واحدة، ولا تحل له
حتى تنكح زوجا غيره.

(1) اي في التطليقة الثالثة تسرح باحسان ج - ز
74

فاما طلاق الرجعة، فإنه يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها بشهادة شاهدين
ثم يراجعها ويواقعها ثم ينتظر بها الطهر، فان حاضت وطهرت اشهد شاهدين على
تطليقة أخرى ثم يراجعها ويواقعها ثم ينتظر بها الطهر فان حاضت وطهرت اشهد
شاهدين على التطليقة الثالثة كل تطليقة على طهر بمراجعة، ولا تحل له حتى تنكح
زوجا غيره وعليها ان تعتد ثلاثة اقرأ من يوم طلقها التطليقة الثالثة لدنس النكاح،
وهما يتوارثان ما دامت في العدة، فان طلقها واحدة على طهر بشهود ثم انتظر بها
حتى تحيض وتطهر ثم طلقها قبل ان يراجعها لم يكن طلاقه الثاني طلاقا جائزا،
لأنه طلق طالقا لأنه إذا كانت المرأة مطلقة من زوجها كانت خارجة من ملكه
حتى يراجعها، فإذا راجعها صارت في ملكه ما لم يطلق التطليقة الثالثة فإذا طلقها
التطليقة الثالثة فقد خرج ملك الرجعة من يده فان طلقها على طهر بشهود ثم
راجعها وانتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت وطهرت وهي عنده ثم طلقها قبل
ان يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقا لأنه طلقها التطليقة الثانية
في طهر الأولى، ولا ينقض الطهر الا بمواقعة بعد الرجعة وكذلك لا تكون التطليقة
الثالثة الا بمراجعة ومواقعة بعد الرجعة ثم حيض وطهر بعد الحيض ثم طلاق
بشهود حتى يكون لكل تطليقة طهر من تدنيس مواقعة بشهود.
قوله (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما
حدود الله فان خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك
حدود الله) فان هذه الآية نزلت في الخلع، حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال الخلع لا يكون الا أن تقول المرأة لزوجها لا أبر
لك قسما ولأخرجن بغير اذنك ولأوطين فراشك غيرك ولا اغتسل لك من جنابة،
أو تقول لا أطيع لك امرا أو تطلقني، فإذا قالت ذلك فقد حل له ان يأخذ منها
جميع ما أعطاها وكل ما قدر عليه مما تعطيه من مالها فإذا تراضيا على ذلك طلقها
75

على طهر بشهود ففد بانت منه بواحدة، وهو خاطب من الخطاب فان شائت تزوجته
وان شائت لم تفعل، فان تزوجها فهي عنده على اثنتين باقيتين، وينبغي له
ان يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة إن ارتجعت في شئ مما أعطيتني فانا
أملك ببضعك، وقال لا خلع ولا مباراة ولا تخيير الا على طهر من غير جماع
بشهادة شاهدين عدلين، والمختلعة إذا تزوجت زوجا آخر ثم طلقها تحل للأول
ان يتزوج بها، وقال لا رجعة للزوج على المختلعة ولا المباراة الا ان يبدو
للمرأة فيرد عليها ما اخذ منها وقوله (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح
زوجا غيره) يعني الطلاق الثالث، وقوله (فلا جناح عليهما ان يتراجعا) في
الطلاق الأول والثاني.
وقوله (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن
بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) قال إذا طلقها لا يجوز له ان يراجعها
ان لم يردها فيضربها وهو قوله ولا تمسكوهن ضرارا اي لا تحبسوهن واما
قوله (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن (1) ان ينكحن أزواجهن
إذا تراضوا بينهم بالمعروف) يعني إذا رضيت المرأة بالتزويج الحلال وقوله
(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود
له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) يعني إذا مات الرجل وترك ولدا رضيعا لا ينبغي
للوارث ان يضر بنفقة المولود بل ينبغي له ان يحزي عليه بالمعروف (2) وقوله
(لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) فإنه حدثني أبي عن محمد بن الفضيل
عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا ينبغي للرجل ان يمتنع من

(1) عضل المرأة عن الزواج اي منعها.
(2) حز على كرم فلان اي زاد. ج - ز
76

جماع المرأة فيضاربها إذا كان لها ولد مرضع، ويقول لها لا أقربك فاني أخاف
عليك الحبل فتقتلين ولدي وكذا المرأة لا يحل لها ان تمتنع عن الرجل، فتقول
إني أخاف ان أحبل فاقتل ولدي فهذه المضارة في الجماع على الرجل والمرأة وقوله
(وعلى الوارث مثل ذلك) لا تضار المرأة التي لها ولد وقد توفى زوجها فلا يحل
للوارث ان يضار أم الولد في النفقة فيضيق عليها وقوله (فان أرادا فصالا عن
تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) يعني إذا اصطلحت الام والوارث فيقول
خذي الولد واذهبي به حيث شئت.
وقوله (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة
اشهر وعشرا) فهي ناسخة لقوله " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية
لأزواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج (1) " فقد قدمت الناسخة على المنسوخة
في التأليف وقوله (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في
أنفسكم) فهو ان يقول الرجل للمرأة في العدة إذا توفى عنها زوجها لا تحدثي حدثا،
ولا يصرح لها النكاح والتزويج، فنهى الله عز وجل عن ذلك والسر في النكاح
وقال (ولا تواعدوهن سرا الا ان تقولوا قولا معروفا) وقال من السر أيضا ان
يقول الرجل في عدة المرأة للمرأة موعدك بيت فلان وقال الأعشى في ذلك.
فلا تنكحن جارة ان سرها * عليك حرام فانكحن أو تأبدا
(ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب اجله) اي تعتد وتبلغ
الذي في الكتاب اجله أربعة اشهر وعشرا واما قوله (لا جناح عليكم ان طلقتم
النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) فهو ان يطلق الرجل المرأة التي قد
تزوجها ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا، فعليه إذا طلقها ان يمتعها على قدر حاله

(1) البقرة 140
77

كما قال الله عز وجل (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) فالموسع يمتع بالأمة
والدراهم والثوب على قدر سعته والمقتر يمتع باخمار وما يقدر عليه، وان تزوج
بها وقد سمى لها الصداق ولم يدخل بها فعليه نصف المهر قوله (الا ان يعفون أو
يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وهو الولي والأب ولا يعفوان الا بأمرها وهو قوله
(وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم
إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وتتزوج من ساعتها ولا عدة عليها
والعدة على اثنين وعشرين وجها فالمطلقة تعتد ثلاثة اقرأ، والقرء هو
اجتماع الدم في الرحم، والعدة الثانية إذا لم تحض فثلاثة اشهر بيض وإذا كانت
تحيض في الشهر الأقل أو الأكثر وطلقت ثم حاضت قبل ان يأتي لها ثلاثة اشهر
حيضة واحدة فلا تبين من زوجها الا بالحيض، وان مضي ثلاثة اشهر لها ولم
تحض فإنها تبين بالأشهر البيض، فان حاضت قبل ان يمضي لها ثلاثة اشهر فإنها
تبين بالدم، والمطلقة التي ليس للزوج عليها رجعة فلا تبين حتى تطهر من الدم
الثالث، والمطلقة الحامل لا تبين حتى تضع ما في بطنها فان طلقها اليوم ووضعت
في الغد فقد بانت، والمتوفى عنها زوجها وهي الحامل تعتد بأبعد الأجلين فان
وضعت قبل ان يمضي لها أربعة اشهر وعشرا فلتتم أربعة اشهر وعشرا فان مضى
لها أربعة اشهر وعشرا فلم تضع فعدتها ان تضع، والمطلقة وزوجها غائب عنها
تعتد من يوم طلقها إذا شهد عندها شاهدان عدلان انه طلقها في يوم معروف
تعتد من ذلك اليوم فإن لم يشهد عندها أحد ولم تعلم اي يوم طلقها تعتد من
يوم يبلغها، والمتوفى عنها زوجها وهو غائب تعتد من يوم يبلغها، والتي لم يدخل
بها زوجها ثم طلقها فلا عدة عليها، فان مات عنها ولم يدخل لها تعتد أربعة
اشهر وعشرا.
والعدة على الرجال أيضا إن كان له أربعة نسوة وطلق إحديهن لم يحل
78

له ان يتزوج حتى تعتد التي طلقها، فإذا أراد ان يتزوج أخت امرأته لم تحل له
حتى يطلق امرأته وتعتد ثم يتزوج أختها، والمتوفى عنها زوجها تعتد حيث
شاءت، والمطلقة التي ليس للزوج عليها رجعة تعتد حيث شاءت ولا تبيت عن
بيتها، والتي للزوج عليها رجعة لا تعتد الا في بيت زوجها وتراه ويراها ما دامت
في العدة، وعدة الأمة إذا كانت تحت الحر شهران وخمسة أيام.
وعدة المتعة خمسة وأربعون يوما، وعدة السبي استبراء الرحم، فهذه
وجوه العدة.
واما المرأة التي لا تحل لزوجها ابدا فهي التي طلقها زوجها ثلاث تطليقات
على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين وتتزوج زوجا غيره فيطلقها ويتزوج بها
الأول الذي كان طلقها ثلاث تطليقات ثم يطلقها أيضا ثلاث تطليقات للعدة (على طهر من غير جماع بشهادة عدلين ط)
فتتزوج زوجا آخر ثم يطلقها فيتزوجها الأول الذي قد طلقها ست تطليقات على
طهر وتزوجت زوجين غير زوجها الأول ثم يطلقها هذا زوجها الأول ثلاث
تطليقات على طهر واحد من غير جماع بشهادة عدلين، فهذه التي لا تحل لزوجها
الأول ابدا لأنه قد طلقها تسع تطليقات وتزوج بها تسع مرات، وتزوجت ثلاثة
أزواج فلا تحل للزوج الأول ابدا، ومن طلق امرأته من غير أن تحيض أو
كانت في دم الحيض أو نفساء من قبل ان تطهر فطلاقه باطل.
وقوله (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) فإنه
حدثني أبي عن النضر بن سويد عن ابن سنان أبي عبد الله عليه السلام انه قرأ
" حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين " فقوله
" قوموا لله قانتين " قال إقبال الرجل على صلاته ومحافظته حتى لا يلهيه ولا
يشغله عنها شئ وقوله (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) فهي رخصة بعد العزيمة
للخائف ان يصلي راكبا وراجلا، وصلاة الخوف على ثلاثة وجوه قال الله تبارك
79

وتعالى " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا
أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فيصلوا
معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم " فهذا وجه.
والوجه الثاني من صلاة الخوف فهو الذي يخاف اللصوص والسباع في
السفر فإنه يتوجه إلى القبلة ويفتتح الصلاة ويمر على وجه الأرض الذي هو فيه فإذا فرغ
من القراءة وأراد ان يركع ويسجد ولي وجهه إلى القبلة ان قدر عليه وان لم
يقدر عليه ركع وسجد حيث ما توجه وإن كان راكبا أومأ برأسه.
وصلاة المجادلة (المجاهدة ط) وهي المضاربة في الحرب إذا لم يقدر ان ينزل، يصلي ويكبر
ولكل ركعة تكبيرة ويصلى وهو راكب فان أمير المؤمنين عليه السلام صلي وأصحابه
خمس صلوات بصفين على ظهور الدواب لكل ركعة تكبيرة وصلى وهو راكب
حيث ما توجهوا.
ومنها صلاة الحيرة على ثلاثة وجوه، فوجه منها هو ان الرجل يكون في
مفازة ولا يعرف القبلة يصلي إلى أربعة جوانب، والوجه الثاني، من فاتته الصلاة
ولم يعرف اي صلاة هي فإنه يجب ان يصلي ثلاث ركعات وأربع ركعات
وركعتين فان كانت المغرب فقد قضاها، وان فاتته العتمة فقد (1) قضاها وان
كانت الفجر فقد قضاها وان كانت الظهر والعصر فقد قامت الأربعة مقامها، ومن كان عليه ثوبان فأصاب
أحدهما بول أو قذر أو جنابة ولم يدر أي الثوبين أصاب القذر، فإنه يصلي في
هذا وفي هذا فإذا وجد الماء غسلهما جميعا.
واما قوله (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال
لهم الله موتوا ثم أحياهم) فإنه كان وقع الطاعون بالشام في بعض الكور (2)

(1) العتمة محركة صلاة العشاء - مجمع
(2) الكور كصرد جمع كورة بضم الكاف وهي بقعة تجتمع فيها المساكن
ج - ز
80

فخرج منهم خلق كثير كما حكى الله هربا من الطاعون فصاروا إلى مفازة فماتوا
في ليلة واحدة كلهم، فبقوا حتى كانت عظامهم يمر بهم المار فينحيها برجله عن
الطريق ثم أحياهم الله وردهم إلى منازلهم فبقوا دهرا طويلا ثم ماتوا ودفنوا.
وقوله (ألم تر إلى الملاء من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم
ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله - إلى قوله - والله عليم بالظالمين) قال حدثني
أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن أبي بصير عن
أبي جعفر عليه السلام إن بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام عملوا المعاصي وغيروا دين الله
وعتوا عن امر ربهم، وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه، وروي انه ارميا
النبي، فسلط الله عليهم جالوت، وهو من القبط فأذلهم وقتل رجالهم وأخرجهم
من ديارهم وأموالهم واستعبد نساءهم، ففزعوا إلى نبيهم وقالوا سل الله ان يبعث
لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت والملك
والسلطان في بيت آخر لم يجمع الله لهم الملك والنبوة في بيت واحد، فمن ذلك
" قالوا ابعث لنا ملكا.. الخ " وقوله (فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم
طالوت ملكا) فغضبوا من ذلك (وقالوا انى يكون له الملك علينا ونحن أحق
بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) وكانت النبوة في ولد لاوي والملك في ولد
يوسف، وكان طالوت من ولد بن يامين أخي يوسف لامه لم يكن من بيت النبوة
ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيهم (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم
والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) وكان أعظمهم جسما وكان
شجاعا قويا وكان اعلمهم الا انه كان فقيرا فعابوه بالفقر فقالوا لم يؤت سعة من
المال، فقال (لهم نبيهم إن آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم
وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة) وكان التابوت الذي
انزل الله على موسى فوضعته فيه أمه وألقته في اليم، فكان في بني إسرائيل معظما
81

يتبركون به، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح وما كان عنده من آيات
النبوة وأودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به وكان الصبيان
يلعبون به في الطرقات فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم
فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا النبي بعث الله
طالوت عليهم يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت وقوله " فيه سكينة من ربكم "
فان التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين فيخرج منه ريح طيبة لها
وجه كوجه الانسان، حدثني أبي عن الحسن بن خالد عن الرضا عليه السلام أنه قال
السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الانسان فكان إذا وضع التابوت بين يدي
المسلمين والكفار فان تقدم التابوت لا يرجع رجل حتى يقتل أو يغلب، ومن
رجع عن التابوت كفر وقتله الامام.
فأوحى الله إلى نبيهم ان جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى عليه السلام
وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب عليه السلام اسمه داود بن آسي، وكان آسي راعيا
وكان له عشرة بنين أصغرهم داود، فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم
لحرب جالوت بعث إلى آسي ان احضر ولدك، فلما حضروا دعا واحدا واحدا
من ولده فالبسه درع موسى عليه السلام، منهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه
فقال لآسي هل خلفت من ولدك أحدا؟ قال نعم أصغرهم تركته في الغنم يرعاها
فبعث إليه ابنه فجاء به فلما دعي اقبل ومعه مقلاع (1) قال فنادته ثلاث صخرات
في طريقه فقالت يا داود خذنا فاخذها في مخلاته وكان شديد البطش قويا في بدنه
شجاعا، فلما جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى فاستوت عليه، ففصل طالوت بالجنود

(1) مقلاع كمضراب آلة يرمى بها الأحجار إلى الصيد ونحوه.
82

وقال لهم نبيهم يا بني إسرائيل (ان الله مبتليكم بنهر) في هذه المفازة (1)
فمن شرب منه فليس من حزب الله، ومن لم يشرب منه فإنه من حزب الله الا من
اغترف غرفة بيده، فلما وردوا النهر أطلق الله لهم ان يغرف كل واحد منهم
غرفة بيده (فشربوا منه الا قليلا منهم) فالذين شربوا منه كانوا ستين ألفا وهذا
امتحان امتحنوا به كما قال الله، وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال القليل
الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاث مأة وثلاث عشر رجلا، فلما جاوزوا النهر
ونظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا منه (لا طاقة لنا اليوم بجالوت
وجنوده) وقال الذين لم يشربوا (ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا
على القوم الكافرين) فجاء داود (ع) حتى وقف بحذاء جالوت، وكان جالوت
على للفيل وعلى رأسه التاج وفي ياقوت يلمع نوره وجنوده بين يديه، فاخذ
داود من تلك الأحجار حجرا فرمى به في ميمنة جالوت، فمر في الهواء ووقع
عليهم فانهزموا واخذ حجرا آخر فرمى به في ميسرة جالوت فوقع عليهم فانهزموا
ورمى جالوت بحجر ثالث فصك الياقوتة في جبهته ووصل إلى دماغه ووقع إلى
الأرض ميتا فهو قوله (فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك
والحكمة) واما قوله (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن
الله ذو فضل على العالمين) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل قال قال
أبو عبد الله (ع) إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا،
ولو اجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، وإن الله يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن
لا يزكي من شيعتنا ولو اجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا، وإن الله ليدفع بمن

(1) المفازة كمغارة الفلاة لا ماء فيها، قيل إن ذلك مأخوذ من فوز اي
مات لان المفازة مظنة للموت، وقيل سميت مفازة لان من خرج منها وقطعها فاز. ج - ز
83

يحج من شيعتنا عمن لا يحج من شيعتنا ولو اجمعوا على ترك الحج لهلكوا، وهو
قول الله " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض.. الخ "
الجزء (3) واما قوله (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع
بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس الآية) فإنه
جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل فقال يا علي على ما تقاتل أصحاب
رسول الله ومن شهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله؟ فقال على آية في
كتاب الله أباحت لي قتالهم، فقال وما هي؟ قال قوله تعالى " تلك الرسل فضلنا
بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم
البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما
جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما
اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد " فقال الرجل كفر والله القوم وقوله (يوم لا
بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) اي صداقة.
واما آية الكرسي فإنه حدثني أبي عن الحسين بن خالد انه قره أبو الحسن
الرضا عليه السلام:
(1) ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في
السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن
الرحيم من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) قال
" ما بين أيديهم " فأمور الأنبياء وما كان " وما خلفهم " اي ما لم يكن بعد،
قوله " الا بما شاء " اي بما يوحى إليهم (ولا يؤده حفظهما) اي لا يثقل عليه
حفظ ما في السماوات وما في الأرض وقوله (لا إكراه في الدين) اي لا يكره
أحد على دينه الا بعد ان قد تبين له الرشد من الغي (فمن يكفر بالطاغوت)
وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم (فقد استمسك بالعروة الوثقى) يعني الولاية

(1) ليس في ط ألم - ج - ز
84

(لا انفصام لها) اي حبل لا انقطاع له يعني أمير المؤمنين والأئمة بعده عليهم السلام
(الله ولي الذين آمنوا) وهم الذين اتبعوا آل محمد عليهم السلام (يخرجهم
من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) هم الظالمون آل محمد
والذين اتبعوا من غصبهم (يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب
النار هم فيها خالدون والحمد لله رب العالمين) كذا نزلت، حدثني أبي عن النضر بن
سويد عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (وسع كرسيه
السماوات والأرض) سألته أيما أوسع الكرسي أو السماوات والأرض؟ قال لا
بل الكرسي وسع السماوات والأرض وكل شئ خلق الله في الكرسي.
حدثني أبي عن إسحاق بن الهيثم عن سعد بن ظريف عن الأصبغ بن نباتة
ان عليا عليه السلام سئل عن قول الله عز وجل " وسع كرسيه السماوات والأرض "
قال السماوات والأرض وما فيهما من مخلوق في جوف الكرسي وله أربعة
املاك يحملونه بإذن الله (فاما الملك الأول) ففي صورة الآدميين وهي أكرم الصور
على الله وهو يدعو الله ويتضرع إليه ويطلب الشفاعة والرزق لبني آدم (والملك
الثاني) في صورة الثور وهو سيد البهائم وهو يطلب إلى الله ويتضرع إليه ويطلب
الشفاعة والرزق لجميع البهائم (والملك الثالث) في صورة النسر وهو سيد الطير
وهو يطلب إلى الله ويتضرع إليه ويطلب الشفاعة والرزق لجميع الطير (والملك
الرابع) في صورة الأسد وهو سيد السباع وهو يرغب إلى الله ويطلب الشفاعة
والرزق لجميع السباع، ولم يكن في هذه الصور أحسن من الثور ولا أشد انتصابا
منه حتى اتخذ الملا من بني إسرائيل العجل إلها، فلما عكفوا عليه وعبدوه من
دون الله خفض الملك الذي في صورة الثور رأسه استحياءا من الله ان عبد من
دون الله شئ يشبهه وتخوف ان ينزل به العذاب، ثم قال عليه السلام ان الشجر لم يزل
حصيدا كله حتى دعي للرحمن ولد أعز الرحمن وجل أن يكون له ولد، فكادت
85

السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا (1)، فعند ذلك اقشعر
الشجر وصار له شوك حذار ان ينزل به العذاب، فما بال قوم غيروا سنة رسول الله
صلى الله عليه وآله وعدلوا عن وصيته في حق علي والأئمة عليهم السلام ولا يخافون ان ينزل
بهم العذاب ثم تلا هذه الآية " الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم
دار البوار " ثم قال نحن والله نعمة الله التي أنعم الله بها على عباده وبنا فاز من فاز
وقوله (لم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال
إبراهيم ربي الذي يحيى ويميت قال انا أحيى وأميت قال إبراهيم فان الله يأتي
بالشمس من المشرق فات بها من المغرب) فإنه لما القى نمرود إبراهيم (ع) في النار
وجعلها الله عليه بردا وسلاما قال نمرود يا إبراهيم من ربك؟ قال ربي الذي يحيى
ويميت، قال نمرود انا أحيي وأميت فقال له إبراهيم كيف تحيي وتميت؟ قال إلي
برجلين ممن قد وجب عليهما القتل فأطلق عن واحد وقتل واحدا فأكون قد أحييت
وأمت، فقال إبراهيم ان كنت صادقا فاحي الذي قتلته ثم قال دع هذا فان ربي
يأتيني بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فكان كما قال الله عز وجل " فبهت
الذي كفر " اي انقطع وذلك أنه علم أن الشمس أقدم منه.
واما قوله (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال إني يحيي
هذه الله بعد موتها) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيي الحلبي عن
هارون بن خارجة عن أبي عبد الله (ع) قال لما عملت بنو إسرائيل المعاصي
وعتوا عن امر ربهم فأراد الله ان يسلط عليهم من يذلهم ويقتلهم فأوحى الله تعالى
إلى إرميا يا إرميا ما بلد انتخبته من بين البلدان وغرست فيه من كرائم الشجر
فاخلف فأنبت خرنوبا؟ (2) فأخبر إرميا اخيار علماء بني إسرائيل فقالوا له راجع

(1) هد البناء أي ضعضعه وهدمه
(2) الخرنوب بالضم والفتح شجرة برية ذات شوك وحمل كالتفاح
لكنه بشع ق
86

ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل؟ فصام إرميا سبعا، فأوحى الله إليه يا ارميا اما
البلد فبيت المقدس واما ما انبت فيها فبنو إسرائيل الذين أسكنتهم فيها فعملوا
بالمعاصي وغيروا ديني وبدلوا نعمتي كفرا، فبى حلفت لامتحننهم بفتنة يظل
الحكيم فيها حيرانا ولأسلطن عليهم شر عبادي ولادة وشرهم طعاما فليسلطن عليهم
بالجبرية فيقتل مقاتليهم ويسبي حريمهم ويخرب ديارهم التي يغترون بها ويلقي حجرهم
الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مأة سنة، فأخبر ارميا أحبار بني إسرائيل
فقالوا له راجع ربك فقل له ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء، فصام ارميا
سبعا ثم اكل اكلة فلم يوح إليه شئ ثم صام سبعا واكل اكلة ولم يوح إليه
شئ ثم صام سبعا فأوحى الله إليه يا ارميا لتكفن عن هذا أو لأردن وجهك في
قفاك، قال ثم أوحى الله تعالى إليه قل لهم لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فقال
ارميا رب اعلمني من هو حتى آتيه وآخذ لنفسي وأهل بيتي منه أمانا قال إيت
موضع كذا وكذا فانظر إلى غلام أشدهم زمانا وأخبثهم ولادة وأضعفهم جسما
وشرهم غذاءا فهو ذلك، فاتى إرميا ذلك البلد فإذا هو غلام في خان زمن (1)
ملقى على مزبلة وسط الخان وإذا له أم تزني بالكسر وتفت الكسر في القصعة
وتحلب عليه خنزيرة لها ثم تدنيه من ذاك الغلام فيأكله، فقال ارميا إن كان في
الدنيا الذي وضعه الله فهو هذا، فدنى منه فقال له ما اسمك؟ فقال بخت نصر،
فعرفه انه هو فعالجه حتى برأ ثم قال له تعرفني؟ قال لا أنت رجل صالح، قال
انا ارميا نبي بني إسرائيل، أخبرني الله انه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل
رجالهم وتفعل بهم كذا وكذا، قال فتاه في نفسه في ذاك الوقت ثم قال ارميا
اكتب لي كتابا بأمان منك فكتب له كتابا، وكان يخرج في الجبل ويحتطب
ويدخله المدينة ويبيعه.

(1) اي مخروبة.
(2) بخت نصر بضم الباء وتشديد الصاد أصله بوخت ومعناه ابن ونصر اسم
صنم لأنه كان وجد ملقى عنده فنسب إليه لأنه لم يعرف له أب ق ومجمع ج. ز
87

فدعا إلى حرب بني إسرائيل فأجابوه وكان مسكنهم في بيت المقدس واقبل
بخت نصر نحو بيت المقدس واجتمع إليه بشر كثير، فلما بلغ ارميا
اقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له ومعه الأمان الذي كتب له بخت
نصر فلم يصل إليه ارميا من كثرة جنوده وأصحابه، فصير الأمان على قصبة
ورفعها، فقال من أنت؟ فقال انا ارميا النبي الذي بشرتك بأنك سيسلطك الله
على بني إسرائيل وهذا أمانك لي، قال اما أنت فقد امنتك واما أهل بيتك فانى
ازمى من ههنا إلى بيت المقدس فان وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم
عندي وان لم تصل فهم آمنون، وانتزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس فحملت
الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس، فقال لا أمان لهم عندي، فلما وافى
نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة وإذا دم يغلي وسطه كلما القي عليه التراب
خرج وهو يغلي فقال ما هذا فقالوا هذا؟ دم نبي كان لله فقتله ملوك بني إسرائيل
ودمه يغلي وكلما ألقينا عليه التراب خرج يغلي، فقال بخت نصر لأقتلن بني إسرائيل
ابدا حتى يسكن هذا الدم وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا (ع) وكان في
زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل وكان يمر بيحيى بن زكريا فقال له
يحيى اتق الله أيها الملك، لا يحل لك هذا فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني بهن
حين سكر " أيها الملك اقتل هذا " فأمر ان يؤتى برأسه فأتوا برأس يحيى (ع) في طشت
وكان الرأس يكلمه ويقول له يا هذا اتق الله لا يحل لك هذا، ثم غلى الدم في
طشت حتى فاض إلى الأرض فخرج يغلى ولا يسكن، وكان بين قتل يحيى وبين
خروج بخت نصر مأة سنة، ولم يزل بخت نصر يقتلهم وكان يدخل قرية قرية
فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان والدم يغلى ولا يسكن حتى أفناهم،
فقال أبقي أحد في هذه البلاد؟ قالوا عجوز في موضع كذا وكذا فبعث
إليها فضرب عنقها على الدم فسكن، وكانت آخر من بقي، ثم اتى بابل فبنى بها
88

مدينة واقام وحفر بئرا فالقى فيها دانيال والقى معه اللبوة (1) فجعلت اللبوة تأكل
من طين البئر ويشرب دانيال لبنها فلبث بذلك زمانا، فأوحى الله إلى النبي الذي
كان ببيت المقدس ان اذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال واقرأه مني السلام،
قال وأين دانيال يا رب؟ قال في بئر ببابل في موضع كذا وكذا قال فاتاه فاطلع
في البئر فقال يا دانيال، فقال لبيك صوت غريب قال إن ربك يقرؤك السلام وقد
بعث إليك بالطعام والشراب فأدلاه إليه فقال دانيال " الحمد لله الذي لا يخيب من
دعاه الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره الحمد لله
الذي لا يخيب من دعاه الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره الحمد له الذي
يجزي بالاحسان إحسانا الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة الحمد لله الذي يكشف
حزننا (ضرنا ط) عند كربتنا الحمد لله الذي هو ثقتنا حين تنقطع الحيل منا الحمد لله الذي هو
رجاؤنا حين ساء ظننا بأعمالنا ".
قال فأوري بخت نصر في نومه كأن رأسه من حديد ورجليه من نحاس
وصدره من ذهب، قال فدعا المنجمين فقال لهم ما رأيت؟ قالوا ما ندري ولكن
قص علينا ما رأيت؟ فقال وانا أجري عليكم الأرزاق منذ كذا وكذا ولا تدرون
ما رأيت في المنام، فأمر بهم فقتلوا، قال فقال له بعض من كان عنده، إن كان
عند أحد شئ فعند صاحب الجب فان اللبوة لم تعرض له وهي تأكل الطين وترضعه
فبعث إلى دانيال فقال ما رأيت في المنام؟ قال رأيت كان رأسك من حديد
ورجليك من نحاس وصدرك من ذهب، قال هكذا رأيت فما ذاك؟ قال قد ذهب
ملكك وأنت مقتول إلى ثلاثة أيام يقتلك رجل من ولد فارس، قال فقال له ان
علي سبع مدائن، على باب كل مدينة حرس وما رضيت بذلك حتى وضعت بطة

(1) اللبوة أنثى الأسد، ج - ز
89

من نحاس على باب كل مدينة لا يدخل غريب الا صاحت عليه حتى يؤخذ قال
فقال له ان الامر كما قلت لك قال فبث الخيل وقال لا تلقون أحدا من الخلق الا
قتلتموه كائنا من كان وكان دانيال جالسا عنده، وقال لا تفارقني هذه الثلاثة
أيام فان مضت قتلتك، فلما كان اليوم الثالث ممسيا اخذه الفم فخرج فتلقاه غلام
كان يخدم ابنا له من أهل فارس وهو لا يعلم أنه من أهل فارس، فدفع إليه
سيفه وقال له يا غلام لا تلقى أحدا من الخلق الا وقتلته وان لقيتني انا فاقتلني،
فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله.
فخرج إرميا على حماره ومعه تين قد تزوده وشئ من عصير فنظر إلى
سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف ففكر في نفسه ساعة ثم
قال إني يحيي هذه الله بعد موتها وقد أكلهم السباع، فأماته الله مكانه وهو
قول الله تبارك وتعالى " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال إني
يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مأة عام ثم بعثه " اي أحياه فلما رحم الله
بني إسرائيل وأهلك بخت نصر رد بني إسرائيل إلى الدنيا، وكان عزيز لما
سلط الله بخت نصر على بني إسرائيل هرب ودخل في عين وغاب فيها وبقي ارميا
ميتا مأة سنة ثم أحياه الله تعالى فأول ما أحيا منه عينيه في مثل غرقئ (1) البيض
فنظر فأوحى الله تعالى إليه (كم لبثت قال لبثت يوما) ثم نظر إلى الشمس وقد
ارتفعت فقال (أو بعض يوم) فقال الله تعالى (بل لبثت مأة فانظر إلى طعامك
وشرابك لم يتسنه - اي لم يتغير - وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر
إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما) فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفطرة
تجمع إليه والى اللحم الذي قد اكلته السباع يتألف إلى العظام من ههنا وههنا

(1) بكسر الغين بياض البيض. ج - ز
90

ويلتزق بها حتى قام وقام حماره فقال (اعلم إن الله على كل شئ قدير).
واما قوله (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن
قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصر من إليك ثم اجعل على
كل جبل منهن جزء ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم) فإنه حدثني
أبي عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ان
إبراهيم عليه السلام نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأكله سباع البر وسباع البحر ثم تحمل
السباع بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فتعجب إبراهيم (ع) " فقال رب
أرني كيف تحيي الموتى.. الخ " فأخذ إبراهيم عليه السلام الطاؤس والديك والحمام
والغراب فقال الله عز وجل " فصرهن إليك، اي قطعهن ثم اخلط لحمهن وفرقهن
على عشرة جبال ثم خذ مناقيرهن وادعهن يأتينك سعيا، ففعل إبراهيم ذلك
وفرقهن على عشرة جبال ثم دعاهن فقال أجيبنني بإذن الله تعالى، فكانت تجمع
ويتألف لحم كل واحد وعظمه إلى رأسه وطارت إلى إبراهيم، فعند ذلك قال
إبراهيم ان الله عزيز حكيم.
وقوله (والذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا منا
ولا اذى الآية) فإنه قال الصادق (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله من أسدي إلى
مؤمن معروفا ثم آذاه بالكلام أو من عليه فقد أبطل الله صدقته ثم ضرب الله فيه
مثلا فقال كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل
صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله
لا يهدي القوم الكافرين) وقال من أكثر منه واذاه لمن يتصدق عليه بطلت صدقته
كما يبطل التراب الذي يكون على صفوان، والصفوان الصخرة الكبيرة التي تكون
على مفازة فيجئ المطر فيغسل التراب عنها ويذهب به، فضرب الله هذا المثل لمن
اصطنع معروفا ثم اتبعه بالمن والأذى " وقال الصادق (ع) ما شئ أحب إلي من
91

رجل سلف مني إليه يد اتبعته أختها وأحسنت بها له لأني رأيت منع الأواخر
فقطع لسان شكر الأوائل، ثم ضرب مثل المؤمنين (مثل الذين ينفقون أموالهم
ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فاتت اكلها
ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير) قال " مثلهم كمثل جنة "
اي بستان في موضع مرتفع " أصابها وابل " اي مطر " فآتت اكلها ضعفين "
اي يتضاعف ثمرها كما يتضاعف اجر من انفق ماله " ابتغاء مرضات الله " والطل
ما يقع بالليل على الشجر والنبات، وقال أبو عبد الله عليه السلام (والله يضاعف لمن يشاء)
لمن انفق ماله ابتغاء مرضات الله، قال فمن انفق ماله ابتغاء مرضات الله ثم امتن
على من تصدق عليه كان كما قال الله (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل
وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات واصابه الكبر وله ذرية
ضعفاء فأصابها اعصار فيه نار فاحترقت) قال الاعصار الرياح، فمن امتن على من
تصدق عليه كمن كان له جنة كثيرة الثمار وهو شيخ ضعيف له أولاد صغار ضعفاء
فتجئ ريح أو نار فتحرق ماله كله، واما قوله (يا أيها الذين آمنوا انفقوا من
طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون
ولستم بآخذيه) فإنه كان سبب نزولها ان قوما كانوا إذا صرموا النخل عمدوا
إلى أرذل تمورهم فيتصدقون بها، فنهاهم الله عن ذلك، فقال " ولا تيمموا الخبيث
منه تنفقون ولستم بآخذيه " اي أنتم لو دفع ذلك إليكم لم تأخذوه واما قوله
(الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء) فان الشيطان يقول لا تنفق فإنك
تفتقر (والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) اي يغفر لكم ان أنفقتم لله " وفضلا "
قال يخلف عليكم، وقوله (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي
خيرا كثيرا) قال الخير الكثير معرفة أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام، وقوله
(إن تبدوا الصدقات فنعما هي) قال الزكاة المفروضة تخرج علانية وتدفع علانية
92

وبعد ذلك غير الزكاة ان دفعته سرا فهو أفضل وقوله (للفقراء الذين أحصروا في
سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم
بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا) فهم الذين لا يسئلون الناس الحافا من الراضين
والمتجملين في الدين الذين لا يسئلون الناس الحافا ولا يقدرون ان يضربوا في
الأرض فيحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف عن السؤال.
وقوله (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان
من المس) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال
قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما أسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد أحدهم ان يقوم
فلا يقدر ان يقوم من عظم بطنه، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال هؤلاء الذين
يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس،
وقوله (يمحق الربا ويربى الصدقات) قال قيل للصادق عليه السلام قد نرى الرجل يربى
وماله يكثر فقال يمحق الله دينه وإن كان ماله يكثر وقوله (يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين) فإنه كان سبب نزولها انه لم
انزل الله تعالى " الذين يأكلون الربا الخ " فقام
خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ربا أبي في ثقيف وقد
أوصاني عند موته باخذه فأنزل الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله
ورسوله) قال من اخذ الربا وجب عليه القتل وكل من أربى وجب عليه القتل،
واخبرني أبي عن ابن أبي عمير بن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال درهم
من ربا أعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام، قال إن
93

للربا سبعين جزءا أيسره ان ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام.
واما قوله (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) فإنه حدثني أبي عن
السكوني عن مالك بن مغيرة عن حماد بن سلمة عن جذعان عن سعيد بن المسيب
عن عايشة انها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ما من غريم ذهب بغريمه إلى
وال من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته الا برئ هذا المعسر من دينه
وصار دينه على والي المسلمين فيما في يديه من أموال المسلمين، قال عليه السلام
ومن كان له على رجل مال اخذه ولم ينفقه في اسراف أو في معصية فعسر عليه ان
يقضيه فعلى من له المال ان ينظره حتى يرزقه الله فيقضيه، وإن كان الإمام العادل
قائما فعليه ان يقتضي عنه دينه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله من ترك مالا فلورثته ومن
ترك دينا أو ضياعا فعلى الامام ما ضمنه الرسول، وإن كان صاحب المال موسرا
تصدق بماله عليه أو تركه فهو خير له لقوله (وإن تصدقوا خير لكم إن كنتم
تعلمون) واما قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى
فاكتبوه) فقد روي في الخبر ان في سورة البقرة خمس مأة حكم وفي هذه الآية
خمسة عشر حكما وهو قوله " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى
فاكتبوه ويكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله "
ثلاثة أحكام " فليكتب " أربعة أحكام " وليملل الذي عليه الحق " خمسة أحكام
وهو اقراره إذا املا " وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا ولا يخونه " ستة
أحكام " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع ان يمل هو "
اي لا يحسن ان يمل " فليملل وليه بالعدل " يعني ولي المال سبعة أحكام
" استشهدوا شهيدين من رجالكم " ثمانية أحكام " فإن لم يكونا رجلين فرجل
وامرأتان ممن ترضون من الشهداء إن تضل إحديهما فتذكر إحديهما الأخرى "
يعني ان تنسى إحديهما فتذكر أخرى تسعة أحكام " ولا ياب الشهداء إذا ما دعوا "
عشرة أحكام " ولا تسأموا ان تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى اجله " اي لا تضجروا
94

ان تكتبوه صغير السن أو كبيرا أحد عشر حكما " ذلكم أقسط عند الله وأقوم
للشهادة وأدنى ان لا ترتابوا " اي لا تشكوا " الا أن تكون تجارة حاضرة
تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها " اثنا عشر حكما " واشهدوا إذا
تبايعتم " ثلاثة عشر حكما " ولا يضار كاتب ولا شهيد " أربعة عشر حكما " وان
تفعلوا فإنه فسوق بكم " خمسة عشر حكما " واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم "
وقوله (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فان أمن
بعضكم بعضا) اي يأخذ منه رهنا فان امنه ولم يأخذ منه رهنا " فليتق الله ربه "
الذي اخذ المال وقوله " ولا تكتموا الشهادة " معطوف على قوله " واستشهدوا
شهيدين من رجالكم ".
واما قوله (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) فإنه حدثني أبي عن ابن
أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام ان هذه الآية مشافهة الله تعالى لنبيه
صلى الله عليه وآله ليلة أسرى به إلى السماء، قال النبي صلى الله عليه وآله انتهيت إلى محل سدرة المنتهى
وإذا بورقة منها تظل أمة من الأمم فكنت من ربي كقاب قوسين أو أدنى كما
حكى الله عز وجل فناداني ربي تبارك وتعالى " آمن الرسول بما انزل إليه من ربه "
فقلت انا مجيب عني وعن أمتي (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير)
فقال الله (لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فقلت
(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وقال الله لا أؤاخذك، فقلت (ربنا
ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) فقال الله لا أحملك، فقلت
(ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا
فانصرنا علي القوم الكافرين) فقال الله تعالى قد أعطيتك ذلك لك ولامتك،
فقال الصادق (ع) ما وفد إلى الله تعالى أحد أكرم من رسول الله صلى الله عليه وآله حيث
سأل لامته هذه الخصال.
95

[سورة آل عمران مدنية
وهي مأتا آية]
(بسم الله الرحمن الرحيم ألم الله لا اله إلا هو الحي القيوم) فإنه حدثني
أبي عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال
سألته عن قول الله تبارك وتعالى (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك
الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التورية والإنجيل من قبل، هدى
للناس وأنزل الفرقان) قال الفرقان هو كل امر محكم والكتاب هو جملة القرآن
الذي يصدقه من كان قبله من الأنبياء (وهو الذي يصوركم في الأرحام كيف
يشاء) يعني ذكرا أو أنثى واسود وابيض واحمر وصحيحا وسقيما، وقوله (هو
الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات)
فاما المحكم من القرآن فهو ما تأويله في تنزيله مثل قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم
وأرجلكم إلى الكعبين " ومثل قوله " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم
وعماتكم وخالاتكم " إلى آخر الآية ومثله كثير محكم مما تأويله في تنزيله.
واما المتشابه فما كان في القرآن مما لفظه واحد ومعانيه مختلفة مما ذكرنا
من الكفر الذي هو على خمسة أوجه والايمان على أربعة وجوه ومثل الفتنة
والضلال الذي هو على وجوه وتفسير كل آية نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى
واما قوله (فاما الذين في قلوبهم زيغ) اي شك وقوله (وما يعلم تأويله
الا الله والراسخون في العلم) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن
يزيد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل
الراسخين في العلم قد علم جميع ما انزل الله عليه من التنزيل والتأويل وما كان الله
96

لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله، قال قلت جعلت
فداك ان أبا الخطاب كان يقول فيكم قولا عظيما، قال وما كان يقول؟ قلت إنه يقول
انكم تعلمون علم الحلال والحرام والقرآن قال علم الحلال والحرام والقرآن يسير في
جنب العلم الذي يحدث في الليل والنهار وقوله (ربنا لا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا)
اي لا نشك وقوله (أولئك هم وقود النار) يعني حطب النار (كدأب آل
فرعون) اي فعل آل فرعون.
وقوله (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد)
فإنها نزلت بعد بدر لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من بدر اتى بنى قينقاع وهو يناديهم
وكان بها سوق يسمى سوق النبط فأتاهم رسول الله فقال يا معشر اليهود قد علمتم
ما نزل بقريش وهم أكثر عددا وسلاما وكراعا منكم فأدخلوا في الاسلام، فقالوا
يا محمد أإنك تحسب حربنا مثل حرب قومك؟ والله لو لقيتنا للقيت رجالا، فنزل
عليه جبرئيل فقال يا محمد (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس
المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله) يعني فئة المسلمين وفئة الكفار
(وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين) اي كانوا مثلي المسلمين (والله يؤيد
بنصره من يشاء) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر (إن في ذلك لعبرة
لأولي الأبصار).
وقوله (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من
الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث) قال القناطير جلود الثيران مملوءة
دهبا " والخيل المسومة " يعني الراعية والانعام " والحرث " يعني الزرع " والله
عنده حسن المآب " اي حسن المرجع إليه قال (أؤنبئكم بخير من ذلكم الذين
اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) ثم اخبر ان هذا
للذين (يقولون ربنا اننا آمنا فاغفر ذنوبنا وقنا عذاب النار - إلى قوله - والمستغفرين
97

بالاسحار) ثم اخبر ان هؤلاء هم (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين
والمستغفرين بالاسحار) وهم الدعاؤن واما قوله (وأزواج مطهرة) قال في الجنة
لا يحضن ولا يحدثن.
حدثني أبي عن إسماعيل بن ابان عن عمر (عمير ط) بن عبد الله الثقفي قال اخرج
هشام بن عبد الملك أبا جعفر محمد بن علي زين العابدين عليهم السلام من المدينة
إلى الشام، وكل ينزله معه فكان يقعد مع الناس في مجالسهم فبينما هو قاعد وعنده
جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك فقال ما
لهؤلاء القوم ألهم عيد اليوم؟ قالوا لا يا بن رسول الله ولكنهم يأتون عالما لهم في
هذا الجبل في كل سنة في مثل هذا اليوم فيخرجونه ويسألونه عما يريدون وعما
يكون في عامهم، قال أبو جعفر عليه السلام وله علم؟ فقالوا هو من اعلم الناس قد أدرك
أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى (ع)، قال لهم نذهب إليه، فقالوا ذاك
إليك يا بن رسول الله، قال فقنع أبو جعفر رأسه بثوبه ومضى هو وأصحابه
فاختلطوا بالناس حتى اتوا الجبل، قال فقعد أبو جعفر وسط النصارى هو
وأصحابه، فأخرج النصارى بساطا ثم وضعوا الوسائد ثم دخلوا فأخرجوه ثم
ربطوا عينيه فقلب عينيه كأنهما عينا أفعى، ثم قصد أبا جعفر (ع) فقال أمنا
أنت أم من الأمة المرحومة؟ فقال أبو جعفر (ع) من الأمة المرحومة، قال فمن
علمائهم أنت أم من جهالهم؟ قال لست من جهالهم، قال النصراني أسألك أو
تسألني؟ فقال أبو جعفر (ع) سلني، فقال يا معشر النصارى رجل من أمة
محمد يقول اسألني ان هذا لعالم بالمسائل ثم قال يا عبد الله أخبرني عن ساعة ما هي
من الليل ولا هي من النهار أي ساعة هي؟ قال أبو جعفر (ع) ما بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس، قال النصراني فإذا لم يكن من ساعات الليل ولا من
ساعات النهار فمن اي الساعات هي؟ فقال أبو جعفر (ع) من ساعات الجنة وفيها
98

تفيق مرضى، فقال النصراني أصبت فأسألك أو تسألني؟ قال أبو جعفر (ع)
سلني، قال يا معشر النصارى ان هذا لملئ بالمسائل أخبرني عن أهل الجنة كيف
صاروا يأكلون ولا يتغوطون؟ أعطني مثله في الدنيا، قال أبو جعفر (ع) هذا
هو الجنين في بطن أمه يأكل مما تأكل أمه ولا يتغوط، قال النصراني أصبت ألم
تقل ما انا من علمائهم؟ قال أبو جعفر (ع) إنما قلت لك ما انا من جهالهم،
قال النصراني فأسألك أو تسألني قال أبو جعفر (ع) سلني قال يا معشر النصارى
لأسألنه مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل، فقال له سل قال أخبرني عن
رجل دنا من امرأته فحملت منه بابنين حملتهما جميعا في ساعة واحدة ووضعتهما في
ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة ودفنا في ساعة واحدة في قبر واحد عاش أحدهما
خمسين ومائة سنة وعاش الآخر خمسين سنة من هما؟ قال أبو جعفر (ع) هما عزير
وعزرة كانت حملت أمهما على ما وصفت، ووضعتهما على ما وصفت، وعاش عزرة
وعزير ثلاثين سنة ثم أمات الله عزيرا مأة سنة وبقي عزرة يحيى ثم بعث الله عزيرا
فعاش مع عزرة عشرين سنة وماتا جميعا في ساعة واحدة فدفنا في قبر واحد،
قال النصراني يا معشر النصارى ما رأيت أحدا قط اعلم من هذا الرجل
لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام ردوني إلى كهفي فردوه إلى كهفه ورجع
النصارى مع أبي جعفر (ع).
وقوله (شهد الله انه لا إله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط)
قال قائما بالقسط معطوف على قوله شهد الله والقسط العدل (ان الدين عند الله
الاسلام) قال التسليم لله ولأوليائه وهو التصديق، وقد سمى الله الايمان تصديقا
حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن حمران بن أعين عن أبي
عن أبي جعفر (ع) قال إن الله فضل الايمان على الاسلام بدرجة كما فضل الكعبة على المسجد الحرام بدرجة قال وحدثني
محمد بن يحيى البغدادي رفع الحديث إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لأنسبن
99

الاسلام نسبة لم ينسبها أحل قبلي ولا ينسبها أحد بعدي الاسلام هو التسليم،
والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، فالتصديق هو الاقرار، والاقرار هو
الأداء، والأداء هو العمل والمؤمن من اخذ دينه عن ربه إن المؤمن يعرف ايمانه
في عمله وان الكافر يعرف كفره بانكاره، يا أيها الناس دينكم دينكم فان السيئة فيه
خير من الحسنة في غيره، وان السيئة فيه تغفر، وان الحسنة في غيره لا تقبل
وقوله (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل
ذلك فليس من الله في شئ الا ان تتقوا منهم تقاة) فان هذه الآية رخصة ظاهرها
خلاف باطنها يدان بظاهرها ولا يدان بباطنها الا عند التقية، ان التقية رخصة
للمؤمن ان يراه (ان يدين بدين ط) الكافر فيصلي بصلاته ويصوم بصيامه إذا اتقاه في الظاهر وفي
الباطن يدين الله بخلاف ذلك، وقوله (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم
الله الآية) فحب الله للعباد رحمة منه لهم وحب العباد لله طاعتهم له (1).
وقوله (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين)
فلفظ الآية عام ومعناه خاص وإنما فضلهم على عالمي زمانهم وقال العالم عليه السلام نزل
" وآل عمران وآل محمد على العالمين " فأسقطوا آل محمد من الكتاب.
وقوله (إذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل
مني انك أنت السميع العليم) فان الله تبارك وتعالى أوحى إلى عمران اني واهب
لك ذكرا يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، فبشر عمران زوجته

(1) قال صادق آل محمد عليه السلام: ما أحب الله من عصاه ثم تمثل
فقال:
تعصى الاله وأنت تظهر حبه * هذا محال في الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته * ان المحب لمن يحب مطيع. ج - ز
100

بذلك فحملت، فقالت رب اني نذرت لك ما في بطني محررا للمحراب، وكانوا إذا
نذروا نذرا جعلوا ولدهم للمحراب (فاما وضعتها قالت رب اني وضعتها أنثى
والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى) وأنت وعدتني ذكرا (واني سميتها
مريم واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) فوهب الله لمريم عيسى عليه السلام
قال وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن أبي بصير عن
أبي عبد الله عليه السلام قال إن قلنا لكم في الرجل منا قولا فلم يكن فيه كان في ولده
أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك ان الله أوحى إلى عمران اني واهب لك ذكرا مباركا
يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى باذني وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل
فحدث بذلك امرأته حنة وهي أم مريم فلما حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما
" فلما وضعتها أنثى قالت رب اني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى " لان
البنت لا تكون رسولا يقول الله " والله أعلم بما وضعت " فلما وهب الله لمريم
عيسى عليه السلام كان هو الذي بشر الله به عمران ووعده إياه فإذا قلنا لكم في الرجل
منا شيئا فكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك.
فلما بلغت مريم صارت في المحراب وأرخت على نفسها سترا وكان لا
يراها أحد وكان يدخل عليها زكريا المحراب فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء
وفاكهة الشتاء في الصيف، فكان يقول لها انى لك هذا؟ فتقول (هو من عند الله
إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من
لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ان
الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين)
الحصور الذي لا يأتي النساء (قال رب انى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر
وامرأتي عاقر) والعاقر التي قد يئست من المحيض (قال كذلك الله يفعل ما يشاء) قال زكريا (رب اجعل لي آية
قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام الا رمزا) وذلك أن زكريا ظن أن الذي بشره
101

هم الشياطين فقال " رب اجعل لي آية قال آيتك الا تكلم الناس ثلاثة أيام الا
رمزا " فخرس ثلاثة أيام، وقوله (إذا قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك
وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) قال اصطفاها مرتين، اما الأولى اصطفاها
اي اختارها واما الثانية فإنها حملت من غير فحل فاصطفاها بذلك على نساء العالمين
وقوله (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) وإنما هو اركعي
واسجدي ثم قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك - يا محمد -
وما كنا لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون)
قال لما ولدت اختصم آل عمران فيها فكلهم قالوا نحن تكفلها فخرجوا وقارعوا
بالسهام بينهم فخرج سهم زكريا فتكفلها زكريا.
(إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن
مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين) اي ذا وجه وجاه ونكتب مولده
وخبره في سورة مريم وقوله (اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير) اي أقدر
وهو خلق تقدير، حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال حدثني جعفر بن عبد الله
قال حدثنا كثير بن عياش عن زياد بن المنذر عن أبي الجارود عن أبي جعفر محمد
ابن علي عليهما السلام في قوله (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) فان
عيسى عليه السلام كان يقول لبني إسرائيل اني رسول الله إليكم واني اخلق لكم من الطين
كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص، الأكمه هو
الأعمى قالوا ما نرى الذي تصنع الا سحرا فأرنا آية نعلم أنك صادق قال أرأيتم
ان أخبرتكم " بما تأكلون وما تدخرون " يقول ما أكلتم في بيوتكم قبل ان
تخرجوا وما ذخرتم الليل، تعلمون اني صادق؟ قالوا نعم فكان يقول للرجل اكلت
كذا وكذا وشربت كذا وكذا ورفعت كذا وكذا فمنهم من يقبل منه
فيؤمن ومنهم من ينكر فيكفر، وكان لهم في ذلك آية ان كانوا مؤمنين.
102

وقال علي بن إبراهيم في قوله (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) وهو
السبت والشحوم والطير الذي حرمه الله على بني إسرائيل قال وروى ابن أبي عمير
عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى (فلما أحس عيسى عليه السلام منهم
الكفر) اي لما سمع ورأي انهم يكفرون، والحواس الخمس التي قدرها الله في
الناس السمع للصوت، والبصر للألوان وتمييزها، والشم لمعرفة الروائح الطيبة
والخبيثة، والذوق للطعوم وتمييزها، واللمس لمعرفة الحار والبارد واللين والخشن.
واما قوله (إذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين
كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) فإنه حدثني أبي
عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال إن
عيسى عليه السلام وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه، فاجتمعوا إليه عند المساء وهم
اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينقض
رأسه من الماء، فقال إن الله أوحى إلي انه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود
فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي، فقال شاب منهم
انا يا روح الله قال فأنت هوذا فقال لهم عيسى عليه السلام اما ان منكم لمن يكفر بي
قبل ان يصبح اثنتي عشرة كفرة، فقال له رجل منهم انا هو يا نبي الله؟ فقال عيسى
ان تحس بذلك في نفسك فلتكن هو ثم قال لهم عيسى (ع) اما انكم ستفترقون
بعدي على ثلث فرق فرقتين مفتريتين على الله في النار وفرقة تتبع شمعون صادقة
على الله في الجنة ثم رفع الله عيسى إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه، ثم
قال أبو جعفر (ع) ان اليهود جاءت في طلب عيسى (ع) من ليلتهم فاخذوا
الرجل الذي قال له عيسى (ع) ان منكم لمن يكفر بي من قبل ان يصبح
اثنتي عشرة كفرة واخذوا الشاب الذي القي عليه شبح عيسى فقتل وصلب وكفر
الذي قال له عيسى (ع) تكفر قبل ان تصبح اثنتي عشرة كفرة.
103

واما قوله (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له
كن فيكون - إلى قوله - فمن حاجك فيه بعد ما جاءك من العلم) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن ابن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام ان نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وكان سيدهم
الاهتم والعاقب والسيد وحضرت صلاتهم فاقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا، فقال
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله هذا في مسجدك فقال دعوهم فلما فرغوا دتوا من
رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا إلى ما تدعون؟ فقال إلى شهادة " ان لا إله إلا الله واني
رسول الله وان عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث " قالوا فمن أبوه؟
فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال قل لهم ما تقولون في آدم (ع) أكان
عبدا مخلوقا يأكل ويشرب وينكح فسألهم النبي صلى الله عليه وآله فقالوا نعم، فقال
فمن أبوه؟ فبهتوا فبقوا ساكتين فأنزل الله (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم
خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الآية) واما قوله (فمن حاجك فيه من بعد
ما جاءك من العلم إلى قوله فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
فباهلوني فان كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم وان كنت كاذبا نزلت علي،
فقالوا أنصفت فتواعدوا للمباهلة، فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيد
والعاقب والاهتم ان باهلنا بقومه باهلناه، فإنه ليس بنبي وان باهلنا باهل بيته
خاصة فلا نباهله فإنه لا يقدم على أهل بيته إلا وهو صادق، فلما أصبحوا جاؤوا
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله
عليهم، فقال النصارى من هؤلاء فقيل لهم هذا ابن عمه ووصيه وختنه علي بن
أبي طالب وهذه بنته فاطمة وهذان ابناه الحسن والحسين عليهم السلام، فعرفوا
وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله نعطيك الرضى فاعفنا من المباهلة، فصالحهم رسول الله
صلى الله عليه وآله على الجزية وانصرفوا.
104

وقوله (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التورية
والإنجيل الا من بعده أفلا تعقلون) ثم قال (ها أنتم هؤلاء) اي أنتم يا هؤلاء
(حاججتم فيما لكم به علم) يعني بما في التورية والإنجيل (فلم تحاجون فيما ليس
لكم به علم) يعني بما في صحف إبراهيم (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) ثم قال
(ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من
المشركين) ثم وصف الله عز وجل من أولى الناس بإبراهيم يحتج به، فقال (ان
أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين)
قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن عمر بن يزيد قال
أبو عبد الله عليه السلام أنتم والله من آل محمد فقلت من أنفسهم جعلت فداك؟ قال نعم
والله من أنفسهم ثلاثا ثم نظر إلي ونظرت إليه فقال يا عمر إن الله يقول في كتابه
" ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين "
وقوله (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون)
اي تعلمون ما في التورية من صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وتكتمونه وقوله (وقالت
طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي انزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا
آخره لعلهم يرجعون) قال نزلت في قوم من اليهود قالوا آمنا بالذي جاء به محمد
بالغداة وكفرنا به بالعشي وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) ان
رسول الله صلى الله عليه وآله لما قد م المدينة وهو يصلي نحو بيت المقدس أعجب اليهود من
ذلك فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت الحرام وجدت (1) وكان صرف القبلة
صلاة الظهر فقالوا صلى محمد الغداة واستقبل قبلتنا فآمنوا بالذي انزل على محمد
وجه النهار واكفروا آخره، يعنون القبلة حين استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد
الحرام، لعلهم يرجعون إلى قبلتنا.

(1) وجدت اي حزنت. ج ز
105

قال علي بن إبراهيم في قوله (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار
يوده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يوده إليك الا ما دمت عليه قائما ذلك
بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) فان اليهود قالوا يحل لنا ان نأخذ مال
الأميين والأمييون الذين ليس معهم كتاب، فرد الله عليهم فقال (ويقولون
علي الله الكذب وهم يعلمون) وقوله (ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا
قليلا) قال يتقربون إلى الناس بأنهم مسلمون فيأخذون منهم ويخونونهم وما هم
بمسلمين على الحقيقة وقوله (وان منهم فريقا يلون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه
من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله)
قال كان اليهود يقولون شيئا ليس في التورية ويقولون هو في التورية فكذبهم الله
وقوله (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس
كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين) اي ان عيسى لم يقل للناس
اني خلقتكم فكونوا عبادا لي من دون الله ولكن قال لهم كونوا ربانيين اي
علماء وقوله (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) قال كان قوم
يعبدون الملائكة، وقوم من النصارى زعموا ان عيسى رب، واليهود قالوا
عزير ابن الله فقال، الله لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا.
واما وقوله (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم
جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه) فان الله اخذ ميثاق نبيه اي
محمد صلى الله عليه وآله على الأنبياء ان يؤمنوا به وينصروه ويخبروا أممهم بخبره، حدثني
أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما بعث الله
نبيا من لدن آدم فهلم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين عليه السلام
وهو قوله " لتؤمنن به " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله " ولتنصرنه " يعني
أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال لهم في الذر (أأقررتم وأخذتم على ذلكم
106

إصري) اي عهدي (قالوا أقررنا قال) الله للملائكة (فاشهدوا وإنا معكم من
الشاهدين) وهذه مع الآية التي في سورة الأحزاب في قوله " وإذ أخذنا من
النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح الآية " والآية التي في سورة الأعراف قوله
" وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " قد كتبت هذه الثلاث آيات
في ثلاث سور.
ثم قال عز وجل (أفغير دين الله يبغون) قال أغير هذا الذي قلت لكم
ان تقروا بمحمد ووصيه (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها) اي
فرقا من السيف.
ثم امر نبيه بالاقرار بالأنبياء والرسل والكتب فقال قل يا محمد (آمنا
بالله وما أنزل علينا وما انزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط
وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن
له مسلمون) وقوله (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) فإنه محكم.
ثم ذكر الله عز وجل الذين ينقضون عهد الله في أمير المؤمنين وكفروا بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال (كيف يهدى الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان
الرسول حق وجائهم البينات والله لا يهدى القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن
عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم
ينظرون - إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملا الأرض
ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب اليم وما لهم من ناصرين) فهذه كلها في
أعداء آل محمد ثم قال (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) اي لن تنالوا الجزء
الثواب حتى تردوا على آل محمد حقهم من الخمس والأنفال والفئ.
واما قوله (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على
نفسه من قبل أن تنزل التورية) قال إن يعقوب كان يصيبه عرق النساء فحرم على
107

نفسه لحم الجمل فقال اليهود ان لحم الجمل محرم في التورية، فقال عز وجل لهم
(فاتوا بالتورية فاتلوها إن كنتم صادقين) إنما حرم هذا إسرائيل على نفسه ولم
يحرمه على الناس وهذا حكاية عن اليهود ولفظه لفظ الخبر.
(وقوله إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) قال معنى بكة ان الناس
يبك (1) بعضهم بعضا في الزحام وقوله (ومن دخله كان آمنا) فإنه حدثني أبي
عن ابن أبي عمير عن حفص بن البحتري عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يجني
الجناية في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم قال لا يقام عليه الحد ولا يكلم ولا يسقى
ولا يطعم ولا يباع منه، إذا فعل ذلك به يوشك ان يخرج فيقام عليه الحد وإذا
جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لأنه لم ير للحرم حرمة، وقوله (ولله
على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر) اي من ترك الحج وهو
مستطيع فقد كفر، والاستطاعة هي القوة والزاد والراحلة، وقوله (اتقوا الله
حق تقاته) فإنه منسوخ بقوله " اتقوا الله ما استطعتم " وقوله (واعتصموا
بحبل الله جميعا) قال التوحيد والولاية وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام
في قوله (ولا تفرقوا) قال إن الله تبارك وتعالى علم أنهم سيفترقون بعد نبيهم
ويختلفون فنهاهم عن التفرق كما نهى من كان قبلهم فامرهم ان يجتمعوا على ولاية
آل محمد عليهم السلام ولا يتفرقوا.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء
فألف بين قلوبكم) فإنها نزلت في الأوس والخزرج كان الحرب بينهم مأة سنة
لا يضعون السلاح بالليل ولا بالنهار حتى ولد عليه الأولاد فلما بعث الله نبيه
أصلح بينهم فدخلوا في الاسلام وذهبت العداوة من قلوبهم برسول الله صلى الله عليه وآله
وصاروا اخوانا، وفى رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ولتكن

(1) بكبك القوم اي ازدحموا، ج - ز
108

منكم أمة يدعون إلى الخير) فهذه الآية لآل محمد صلى الله عليه وآله ومن تابعهم يدعون إلى
الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
قال علي بن إبراهيم في قوله (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه - إلى قوله -
ففي رحمة الله هم فيها خالدون) فإنه حدثني أبي عن صفوان بن يحيى عن
أبي الجارود عن عمران بن هيثم عن مالك بن ضمرة عن أبي ذر رحمة الله عليه
قال لما نزلت هذه الآية يوم " تبيض وجوه وتسود وجوه " قال رسول الله صلى الله عليه وآله
يرد علي أمتي يوم القيامة على خمس رايات، فراية مع عجل هذه الأمة فأسألهم ما
فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر فخرفناه ونبذناه وراء ظهورنا واما
الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه، فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة
وجوهكم، ثم يرد علي راية مع فرعون هذه الأمة، فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين
من بعدي فيقولون اما الأكبر فحرفناه ومزقناه وخالفناه واما الأصغر فعاديناه
وقاتلناه، فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد علي رأيه مع
سامري هذه الأمة فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر
فعصيناه وتركناه واما الأصغر فخذلناه وضيعناه وصنعنا به كل قبيح فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة
وجوهكم ثم ترد علي راية ذي الثدية مع أول الخوارج وآخرهم فأسألهم ما فعلتم
بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر ففرقناه (فمزقناه ط) وبرئنا منه واما الأصغر فقاتلناه
وقتلناه، فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد علي راية مع امام
المتقين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين ووصي رسول رب العالمين، فأقول لهم ما فعلتم
بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر فاتبعناه وأطعناه واما الأصغر فأحببناه
وواليناه ووازرناه ونصرناه حتى أهرقت فيهم دماؤنا، فأقول ردوا الجنة رواء
مرويين مبيضة وجوهكم ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله " يوم تبيض وجوه وتسود
وجوه فاما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم
109

تكفرون واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون " قوله (كنتم
خير أمة أخرجت للناس) وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان قال قرئت
عند أبي عبد الله عليه السلام " كنتم خير أمة أخرجت للناس " فقال أبو عبد الله عليه السلام
" خير أمة " يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام؟ فقال القاري
جعلت فداك كيف نزلت؟ قال نزلت " كنتم خير أئمة أخرجت للناس " الا ترى
مدح الله لهم " تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ".
وقوله (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا الا بحبل من الله وحبل من الناس
وباؤا بغضب من الله) يعني بعهد من الله وعقد من رسول الله (وضربت عليهم
المسكنة) اي الجوع وقوله (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) اي لن تجحدوه
ثم ضرب للكفار من انفق ماله في غير طاعة الله مثلا فقال (مثل ما ينفقون في هذه
الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر) اي برد (أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم
فأهلكته (أي زرعهم) وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وقوله (يا أيها الذين آمنوا
لا تتخذوا بطانة من دونكم) نزلت في اليهود وقوله (لا يألونكم خبالا) اي عداوة
وقوله (عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) قال أطراف الأصابع وقوله (وإذ غدوت
من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم) فإنه حدثني أبي عن
صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سبب نزول هذه
الآية ان قريشا خرجت من مكة تريد حرب رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج يبغي
موضعا للقتال.
وقوله (إذ همت طائفتان منكم ان تفشلا) نزلت في عبد الله بن أبي وقوم
من أصحابه اتبعوا رأيه في ترك الخروج عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله قال
وكان سبب غزوة أحد ان قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة وقد أصابهم ما
أصابهم من القتل والأسر لأنه قتل منهم سبعون واسر منهم سبعون، فلما رجعوا
110

إلى مكة قال أبو سفيان يا معشر قريش لا تدعوا النساء تبكى على قتلاكم فان
البكاء والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد ويشمت بنا محمد
وأصحابه، فلما غزوا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أحد أذنوا لنساءهم بعد ذلك في البكاء
والنوح، فلما أرادوا ان يغزوا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أحد ساروا في حلفائهم من
كنانة وغيرها فجمعوا الجموع والسلاح وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس
والفي راجل واخرجوا معهم النساء يذكرنهم ويحثنهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله
واخرج أبو سفيان هند بنت عتبة وخرجت معهم عمرة بنت علقمة الحارثية.
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك جمع أصحابه وأخبرهم ان الله قد اخبره ان
قريشا قد تجمعت تريد المدينة، وحث أصحابه على الجهاد والخروج، فقال
عبد الله بن أبي (سلول ط) وقومه يا رسول الله لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها،
فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السكك وعلى السطوح فما
ارادنا قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا وما خرجنا إلى أعدائنا قط
الا كان الظفر لهم، فقام سعد بن معاذ رحمه الله وغيره من الأوس فقالوا
يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام فكيف
يطمعون فينا وأنت فينا لا، حتى نخرج إليهم فنقاتلهم فمن قتل منا كان شهيدا
ومن نجى منا كان قد جاهد في سبيل الله فقبل رسول الله قوله وخرج مع نفر من
أصحابه يبتغون موضع القتال كما قال الله " وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين
إلى قوله - إذ همت طائفتان منكم ان تفشلا " يعني عبد الله بن أبي وأصحابه، فضرب
رسول الله صلى الله عليه وآله معسكره مما يلي من طريق العراق وقعد عبد الله بن أبي وقومه
من الخزرج اتبعوا رأيه، ووافت قريش إلى أحد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله عد
أصحابه وكانوا سبعماءة رجلا، فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على
باب الشعب واشفق ان يأتي كمينهم في ذلك المكان فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعبد الله
111

ابن جبير وأصحابه ان رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تخرجوا من
هذا المكان وان رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا
مراكزكم، ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا، وقال لهم
إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فأخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم
فلما أقبلت الخيل واصطفوا وعبأ (1) رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه دفع الراية
إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فحملت الأنصار على مشركي قريش فانهزموا
هزيمة قبيحة ووقع أصحاب رسول الله في سوادهم وانحط خالد بن الوليد في مأتي
فارس، فلقي عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام فرجعوا ونظر أصحاب عبد الله بن جبير
إلى أصحاب رسول الله ينهبون سواد القوم، قالوا لعبد الله بن جبير تقيمنا ههنا
وقد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة، فقال لهم عبد الله اتقوا الله فان رسول الله
صلى الله عليه وآله قد تقدم الينا ان لا نبرح، فلم يقبلوا منه واقبل ينسل رجل فرجل حتى
اخلوا من مركزهم وبقي عبد الله بن جبير في اثنى عشر رجلا، وقد كانت راية
قريش مع طلحة بن أبي طلحة العدوي من بني عبد الدار فبرز ونادى يا محمد!
تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنة فمن شاء ان
يلحق بجنته فليبرز إلي، فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام يقول:
يا طلح ان كنت كما تفول * لنا خيول ولكم نصول
فاثبت لننظر أينا المقتول * وأينا أولى بما تقول
فقد اتاك الأسد الصؤل * بصارم ليس به فلول
بنصرة القاهر والرسول
فقال طلحة من أنت يا غلام؟ قال انا علي بن أبي طالب قال قد علمت

(1) عبأ الجيش اي رتبه في مواضعه وهيأه للقتال. ج - ز
112

يا قضيم (1) انه لا يجسر علي أحد غيرك، فشد عليه طلحة فضربه فاتقاه
أمير المؤمنين عليه السلام بالجحفة (2) ثم ضربه أمير المؤمنين عليه السلام على فخذيه فقطعهما
جميعا فسقط على ظهره، وسقطت الراية، فذهب علي عليه السلام ليجهز (3) عليه فحلفه
بالرحم فانصرف عنه فقال المسلمون ألا أجهزت عليه؟ قال قد ضربته ضربة
لا يعيش منها أبدا، واخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحه فقتله علي عليه السلام وسقطت
الراية علي الأرض، فاخذها شافع (مسافع ط) بن أبي طلحة فقتله علي (ع) فسقطت الراية
إلى الأرض فاخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله علي (ع) فسقطت الراية إلى
الأرض فاخذها الحارث بن أبي طلحة فقتله علي (ع)، فسقطت الراية إلى
الأرض، واخذها أبو عذير بن عثمان ففتله علي (ع) وسقطت الراية إلي الأرض
فاخذها عبد الله بن أبي جميلة بن زهير فقتله علي (ع) وسقطت الراية إلى الأرض،
فقتل أمير المؤمنين عليه السلام التاسع من بني عبد الدار وهو أرطأة بن شرحبيل
مبارزة وسقطت الراية إلى الأرض، فاخذها مولاهم صواب فضربه أمير المؤمنين
عليه السلام على يمينه فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها بشماله فضربه
أمير المؤمنين عليه السلام على شماله فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض، فاحتضنها
بيديه المقطوعتين ثم قال يا بني عبد الدار هل أعذرت فيما بيني وبينكم؟ فضربه
أمير المؤمنين عليه السلام على رأسه فقتله، وسقطت الراية إلى الأرض، فاخذتها
عمرة بنت علقمة الحارثية فقبضتها
وانحط خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وقد فر أصحابه وبقى في نفر قليل
فقتلوهم على باب شعب واستعقبوا المسلمين فوضعوا فيهم السيف، ونظرت قريش
في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها واقبل خالد بن الوليد يقتلهم، فانهزم

(1) القضيم الكاسر وسيأتي شرحه في عبارة المصنف (رحمه الله).
(2) الترس.
(3) اجهز على الجريح أي اسرع في قتله واثمه. ج - ز
113

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله هزيمة قبيحة واقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل
وجه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال: " اني
أنا رسول الله إلى أين تفرون عن الله وعن رسوله؟ ".
وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن
معنى قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي عليه السلام يا قضيم، قال إن رسول الله
صلى الله عليه وآله كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب واغروا به الصبيان وكانوا
إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يرمونه بالحجارة والتراب فشكى ذلك إلى علي عليه السلام
فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إذا خرجت فأخرجني معك فخرج رسول الله
صلى الله عليه وآله ومعه أمير المؤمنين عليه السلام فتعرض الصبيان لرسول الله صلى الله عليه وآله كعادتهم
فحمل
عليهم أمير المؤمنين عليه السلام وكان يقضمهم في وجوههم وآنا فيم وآذانهم فكانوا
يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون قضمنا علي قضمنا علي فسمي لذلك " القضيم ".
وروي عن أبي واثلة شقيق بن سلمة قال كنت أماشي فلانا إذ سمعت
منه همهمة، فقلت له مه، ماذا يا فلان؟ قال ويحك أما ترى الهزير (1) القضم
ابن القضم، والضارب بالبهم، الشديد علي من طغى وبغى، بالسيفين والراية،
فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب، فقلت له يا هذا هو علي بن أبي طالب، فقال
ادن مني أحدثك عن شجاعته وبطولته، بايعنا النبي يوم أحد على أن لا نفر
ومن فر منا فهو ضال ومن قتل منا فهو شهيد والنبي زعيمه، إذ حمل علينا مائة
صنديد تحت كل صنديد مائة رجل أو يزيدون فازعجونا عن طحونتنا (2)

(1) الهزبر كمنبر: الأسد، القضم كلقن: السيف المتكسر الحد ولا يكون
كذلك إلا مع كثرة استعماله في الحروب، البهم كصرد: الشجاع المستبهم على أقرانه
(2) الطحون والطحانة الكتيبة العظيمة. ج - ز
114

فرأيت عليا كالليث يتقي الذر (الدر ط) وإذ قد حمل كفا من حصى فرمى به في وجوهنا ثم
قال شاهت الوجوه وقطت (1) وبطت ولطت، إلى أين تفرون، إلى النار، فلم
ترجع، ثم كر علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت، فقال بايعتم ثم
نكثتم، فوالله لأنتم أولى بالقتل ممن قتل، فنظرت إلى عينيه كأنهما سليطان (2)
يتوقدان نارا، أو كالقدحين المملوين دما، فما ظننت إلا ويأتي علينا كلنا،
فبادرت انا إليه من بين أصحابي فقلت يا أبا الحسن الله الله، فان العرب تكر وتفر
وان الكرة تنفي الفرة، فكأنه عليه السلام استحيى فولى بوجهه عني، فما
زلت أسكن روعة فؤادي، فوالله ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتى الساعة ".
ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أبو دجانة الأنصاري، وسماك بن خرشة
وأمير المؤمنين عليه السلام، فكلما حملت طائفة على رسول الله صلى الله عليه وآله استقبلهم
أمير المؤمنين فيدفعهم عن رسول الله ويقتلهم حتى انقطع سيفه، وبقيت مع
رسول الله صلى الله عليه وآله نسيبة بنت كعب المازنية، وكانت تخرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله
في غزواته تداوي الجرحى، وكان ابنها معها فأراد ان ينهزم ويتراجع، فحملت
عليه فقالت يا بني إلى أين تفر عن الله وعن رسوله؟ فردته، فحمل عليه رجل
فقتله، فأخذت سيف ابنها فحملت علي الرجل فضربته على فخذه فقتلته، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله بارك الله عليك يا نسيبة وكانت تقي رسول الله صلى الله عليه وآله بصدرها
وثدييها ويديها حتى اصابتها جراحات كثيرة، وحمل ان قميتة (قمية ط) على رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال أروني محمدا لا نجوت ان نجا محمد، فضربه علي حبل

(1) كلها مبني للمفعول أي قطعت وشقت وضربت.
(2) السليط كلقيط الزيت، ومنه خبر ابن عباس رأيت عليا وكأن عينيه
سراجا سليط (مجمع) ج - ز
115

عاتقه، ونادى قتلت محمدا واللات والعزى، ونظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رجل
من المهاجرين قد القى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة، فناداه " يا صاحب الترس
ألق ترسك ومر إلى النار " فرمى بترسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا نسيبة
خذي الترس فأخذت الترس وكانت تقاتل المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
" لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان "
فلما انقطع سيف أمير المؤمنين عليه السلام جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
يا رسول الله ان الرجل يقاتل بالسلاح وقد انقطع سيفي فدفع إليه رسول الله
صلى الله عليه وآله سيفه " ذا الفقار " فقال قاتل بهذا، ولم يكن يحمل على
رسول الله صلى الله عليه وآله أحدا إلا يستقبله أمير المؤمنين عليه السلام، فإذا رأوه رجعوا
فانحاز رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ناحية أحد، فوقف وكان القتال من وجه واحد
وقد انهزم أصحابه فلم يزل أمير المؤمنين (ع) يقاتلهم حتى اصابه في وجهه
ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة فتحاموه، وسمعوا مناديا
ينادي من السماء " لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي " فنزل جبرئيل علي
على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: " هذه والله المواساة يا محمد " فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله " لأني منه وهو مني " وقال جبرئيل " وانا منكما ".
وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر، فكلما انهزم رجل من قريش
رفعت إليه ميلا ومكحلة وقالت إنما أنت امرأة فاكتحل بهذا، وكان حمزة بن
عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له واحد وكانت هند بنت
عتبة قد أعطت وحشيا عهدا لان قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لأعطيتك رضاك
وكان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا، فقال وحشي اما محمد فلا أقدر عليه
واما علي فرأيته رجلا حذرا كثير الالتفات فلم أطمع فيه قال فكمنت لحمزة فرأيته
يهد الناس هدا فمر بي فوطى على جرف نهر فسقط، فأخذت حربتي فهززتها
116

ورميته فوقعت في خاصرته وخرجت من مثانته مغمسة بالدم فسقط فاتيته فشققت بطنه واخذت
كبده واتيت بها إلى هند فقلت لها هذه كبد حمزة، فاخذتها في فيها فلاكتها
فجعلها الله في فيها مثل الداغصة (1) فلفظتها ورمت بها فبعث الله ملكا فحملها وردها
إلى موضعها، فقال أبو عبد الله عليه السلام يأبى الله ان يدخل شيئا من بدن حمزة النار،
فجاءت إليه هند فقطعت مذاكيره وقطعت اذنيه وجعلتهما خرصين (2) وشدتهما
في عنقها، وقطعت يديه ورجليه وتراجعت الناس فصارت قريش على الجبل،
فقال أبو سفيان وهو على الجبل " أعل هبل " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
لأمير المؤمنين عليه السلام قل له " الله اعلا واجل " فقال يا علي انه قد أنعم علينا فقال علي
عليه السلام بل الله أنعم علينا ثم قال أبو سفيان يا علي أسألك باللات والعزى هل
قتل محمد؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام لعنك الله ولعن الله اللات والعزى
معك، والله ما قتل محمد صلى الله عليه وآله وهو يسمع كلامك، فقال أنت أصدق، لعن
الله ابن قميته زعم أنه قتل محمدا.
وكان عمرو بن قيس قد تأخر اسلامه فلما بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وآله في
الحرب اخذ سيفه وترسه واقبل كالليث العادي يقول أشهد أن لا إله إلا الله وان
محمدا رسول الله ثم خالط القوم فاستشهد فمر به رجل من الأنصار فرآه صريعا بين
القتلى فقال يا عمرو أنت على دينك الأول؟ فقال معاذ الله، والله اني أشهد أن لا إله
إلا الله وان محمدا رسول الله ثم مات، فقال رجل من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله يا رسول الله ان عمرو بن قيس قد أسلم فهو شهيد؟ فقال اي والله انه

(1) الداغصة عظم مدور في الركبة. وفى ط مثل الفضة وهو بعيد
(2) الخرصان تثنية الخرص كفلس حلفة الذهب أو الفضة أو الخرص
ككفل وهو الجراب. ج - ز
117

شهيد، ما رجل لم يصل لله ركعة دخل الجنة غيره.
وكان حنظلة بن أبي عامر رجل من الخزرج، قد تزوج في تلك الليلة التي
كان في صبيحتها حرب أحد، بنت عبد الله بن أبي سلول ودخل بها في تلك الليلة،
واستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله ان يقيم عندها فأنزل الله: " إنما المؤمنون
الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ان
الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض
شأنهم فأذن لمن شئت منهم " فاذن له رسول الله صلى الله عليه وآله، فهذه الآية في سورة
النور واخبار أحد في سورة آل عمران فهذا دليل على أن التأليف على خلاف
ما أنزله الله، فدخل حنظلة باهله وواقع عليها فأصبح وخرج وهو جنب،
فحضر القتال فبعث امرأته إلى أربعة نفر من الأنصار لما أراد حنظلة ان يخرج
من عندها وأشهدت عليه انه قد واقعها فقيل لها لم فعلت ذلك؟ قالت رأيت في
هذه الليلة في نومي كأن السماء قد انفرجت فوقع فيها حنظلة ثم انظمت، فعلمت
انها الشهادة فكرهت ان لا اشهد عليه، فحملت منه.
فلما حضر القتال نظر حنظلة إلى أبي سفيان على فرس يجول بين العسكرين
فحمل عليه فضرب عرقوب (1) فرسه فاكتسعت الفرص وسقط أبو سفيان إلى الأرض
وصاح يا معشر قريش أنا أبو سفيان وهذا حنظلة يريد قتلي وعدا أبو سفيان
ومر حنظلة في طلبه فعرض له رجل من المشركين فطعنه فمشى إلى المشرك في طعنه
فضربه فقتله، وسقط حنظلة إلى الأرض بين حمزة وعمرو بن الجموح وعبد الله بن
حزام وجماعة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت الملائكة يغسلون
حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن في صحائف من ذهب، فكان يسمى
غسيل الملائكة.
وروي ان مغيرة بن العاص كان رجلا أعسر فحمل في طريقة إلى أحد ثلاثة

(1) العرقوب بالضم عرق غليظ فوق عقب الانسان ومن الدابة في رجلها كالركبة في يدها.
ق. ج ز
118

أحجار، فقال بهذه اقتل محمدا، فلما حضر القتال نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وبيده السيف فرماه بحجر، فأصاب به رسول الله صلى الله عليه وآله فسقط السيف من يده
فقال قتلته واللات والعزى فقال أمير المؤمنين عليه السلام كذب لعنه الله، فرماه
بحجر آخر فأصاب جبهته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم حيره، فلما انكشف
الناس تحير فلحقه عمار بن ياسر فقتله، وسلط الله على ابن قميته الشجر فكان يمر
بالشجرة فيقع وسطها فتأخذ من لحمه فلم يزل كذلك حتى صار مثل الصرر (1) ومات
لعنه الله ورجع المنهزمون من أصحاب رسول صلى الله عليه وآله فأنزل الله على رسوله:
(أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) يعني ولما يرى لأنه
عز وجل قد علم قبل ذلك من يجاهد ومن لا يجاهد فأقام العلم مقام الرؤية لأنه
يعاقب الناس بفعلهم لا بعلمه.
قوله: (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه فقد رأيتموه وأنتم
تنظرون) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " ولقد
كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه الآية " فان المؤمنين لما أخبرهم الله بالذي
فعل بشهدائهم يوم بدر ومنازلهم من الجنة رغبوا في ذلك فقالوا اللهم أرنا القتال
نستشهد فيه فأراهم الله إياه في يوم أحد فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم، فذلك
قوله: " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه " واما قوله: (وما محمد
إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم (فان
رسول الله صلى الله عليه وآله لما خرج يوم أحد وعهد العاهد به على تلك الحال فجعل الرجل
يقول لمن لقيه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد قتل، النجاء (2) فلما رجعوا إلى المدينة
انزل الله (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى قوله انقلبتم على
أعقابكم) يقول إلى الكفر وقوله: (وكأين من نبي قاتل معه ربانيون كثير)

(1) الصرر كشرر: السنبل
(2) النجاء كعلاء الخلاص. ج - ز
119

يقول كأي من نبي قبل محمد قاتل معه ربيون كثير والربانيون الجموع الكثيرة والزبوة
الواحدة عشرة آلاف يقول الله تبارك وتعالى: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل
الله) من قبل نبيهم (وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان
قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا) يعنون خطاياهم
(وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) قال علي بن إبراهيم في قوله:
(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا
خاسرين) يعني عبد الله بن أبي حيث خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم رجع يجبن أصحابه قال
للمؤمنين يوم أحد يوم الهزيمة ارجعوا إلى دينكم عن علي عليه السلام (بل الله مولاكم
وهو خير الناصرين سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) يعني قريش (بما أشركوا
بالله) قوله: (ولقد صدقكم اله وعده) يعني أن ينصركم الله عليهم (إذ
تحسونهم باذنه) إذ تقتلونهم بإذن الله (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم
من بعد ما أريكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا) يعني أصحاب عبد الله بن
جبير الذين تركوا مركزهم ومروا للغنيمة، قوله (ومنكم من يريد الآخرة)
يعني عبد الله بن جبير وأصحابه الذين بقوا حتى قتلوا (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم)
أي يختبركم (ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين) ثم ذكر المنهزمين من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول
يدعوكم) إلى قوله (خبير بما تعملون) وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله (فأثابكم غما بغم) فاما الغم الأول فالهزيمة والقتل، واما الغم الآخر
فاشراف خالد بن الوليد عليهم يقول (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) من الغنيمة
(ولا ما أصابكم) يعني قتل اخوانهم (فالله خبير بما تعملون ثم انزل عليكم من
بعد الغم) قال يعني الهزيمة، ورجع إلى تفسير علي بن إبراهيم.
قال وتراجع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله المجروحون وغيرهم، فاقبلوا
120

يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأحب الله يعرف رسوله من الصادق منهم ومن
الكاذب، فأنزل الله عليهم النعاس في تلك الحالة حتى كانوا يسقطون إلى الأرض
وكان المنافقون الذين يكذبون لا يستقرون قد طارت عقولهم وهم يتكلمون
بكلام لا يفهم عنهم فأنزل الله (نعاسا يغشى طائفة منكم) يعني المؤمنين
و (طائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من
الامر من شئ) قال الله لمحمد صلى الله عليه وآله: (قل ان الامر كله لله، يخفون في أنفسهم
ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا ههنا) يقولون لو كنا
في بيوتنا ما أصابنا القتل، قال الله: (لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم
القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم
بذات الصدور) فأخبر الله رسوله ما في قلوب القوم ومن كان منهم مؤمنا ومن
كان منهم منافقا كاذبا بالنعاس فأنزل الله عليه " ما كان الله ليدر المؤمنين على
ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " يعني المنافق الكاذب من المؤمن الصادق
بالنعاس الذي ميز بينهم، وقوله: (ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما
استزلهم الشيطان) اي خدعهم حتى طلبوا الغنيمة (ببعض ما كسبوا) قال بذنوبهم
(ولقد عفا الله عنهم) ثم قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا)
يعني عبد الله بن أبي وأصحابه الذين قعدوا عن الحرب (وقالوا لإخوانهم إذا
ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله
ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيى ويميت والله بما تعملون بصير) ثم قال لنبيه:
(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)
اي انهزموا ولم يقيموا معك ثم قال تأديبا لرسوله (فاعف عنهم واستغفر لهم
وشاورهم هم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين ان ينصركم
الله فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل
121

المؤمنون) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قي قوله: (ما كان لنبي
أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) وصدق الله لم يكن الله ليجعل نبيا
غالا (1) (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) ومن غل شيئا رآه يوم القيامة
في النار ثم يكلف ان يدخل إليه فيخرجه من النار (ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم
لا يظلمون) واما قوله (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم)
فهذه الآية لآل محمد صلى الله عليه وآله واما قوله (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم
أنى هذا قل هو من عند أنفسكم يقول بمعصيتكم أصابكم ما أصابكم ط - ان الله علي كل شئ قدير، وما أصابكم يوم التقى
الجمعان فباذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في
سبيل الله) فهم ثلاث مائة منافق رجعوا مع عبد الله بن أبي سلول فقال لهم جابر
ابن عبد الله أنشدكم الله في نبيكم ودينكم ودياركم فقالوا والله لا يكون قتال
اليوم ولو نعلم أنه يكون قتال اتبعناكم يقول الله (هم للكفر يومئذ أقرب
منهم للايمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون) وفي رواية
علي بن إبراهيم قوله ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم
ظالمون، وقوله " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة " قال أبو عبد الله عليه السلام
ما كانوا أذلة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما نزل " لقد نصركم ببدر
وأنتم ضعفاء ".
فلما سكن القتال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من له علم بسعد بن الربيع فقال
رجل انا اطلبه فأشار رسول الله صلى الله عليه وآله إلى موضع فقال اطلبه هناك فاني قد رأيته
في ذلك الموضع قد شرعت حوله اثنا عشر رمحا، قال فاتيت ذلك الموضع فإذا هو
صريع بين القتلى، فقلت يا سعد، فلم يجبني ثم قلت يا سعد فلم تجيبني فقلت يا سعد ان رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) غل غلولا خان. ج - ز
122

قد سأل عنك، فرفع رأسه فانتعش كما ينتعش الفرخ ثم قال: ان رسول الله
صلى الله عليه وآله لحي؟ قلت اي والله انه لحي وقد أخبرني انه رأى حولك اثنى عشر رمحا
فقال الحمد لله صدق رسول الله صلى الله عليه وآله لقد طعنت اثنى عشر طعنة كله قد
جأفتني (1) أبلغ قومي الأنصار السلام وقل لهم والله ما لكم عند الله عذر إن تشوك
رسول الله شوكة وفيكم عين تطرف، ثم تنفس فخرج منه مثل دم الجزور وقد
كان اختفى في جوفه وقضى نحبه رحمه الله ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته
فقال رحم الله سعدا نصرنا حيا وأوصى بنا ميتا.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله من له علم بعمي حمزة، فقال الحرث بن سمية انا
اعرف موضعه فجاء حتى وقف على حمزة فكره ان يرجع إلى رسول الله فيخبره
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام يا علي اطلب عمك فجاء علي عليه السلام فوقف
على حمزة فكره ان يرجع إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وقف عليه فلما رأى
ما فعل به بكى ثم قال والله ما وقفت موقفا قط أغيظ علي من هذا المكان لان
أمكنني الله من قريش لأمثلن بسبعين رجلا منهم، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال
" وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله بل اصبر، فهذه الآية في سورة النحل وكان يجب أن تكون
في هذه السورة التي فيها اخبار أحد، فالقى رسول الله صلى الله عليه وآله على حمزة بردة
كانت عليه فكانت إذا مدها على رأسه بدت رجلاه وإذا مدها على رجليه بدا
رأسه، فمدها على رأسه والقى على رجليه الحشيش وقال لولا أني احذر نساء بني
عبد المطلب لتركته للعادية والسباع حتى يحشر يوم القيامة من بطون السباع
والطير، وامر رسول الله صلى الله عليه وآله بالقتلى فجمعوا فصلى عليهم ودفنهم في مضاجعهم

(2) جأفه اي صرعه. ج - ز
123

وكبر على حمزة سبعين تكبيرة، قال وصاح إبليس لعنه الله بالمدينة " قتل محمد "
فلم يبق أحد من نساء المهاجرين والأنصار الا خرجن، وخرجت فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وآله تعدو على قدميها حتى وافت رسول الله صلى الله عليه وآله وقعدت بين
يديه فكان إذا بكى رسول الله صلى الله عليه وآله بكت لبكائه وإذا انتحب انتحبت، ونادى
أبو سفيان موعدنا وموعدكم في عام قابل فتقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
لأمير المؤمنين عليه السلام قل نعم، وارتحل رسول الله صلى الله عليه وآله ودخل المدينة واستقبلته
النساء يولولن ويبكين فاستقبلته زينب بنت جحش، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله
احتسبي فقالت من يا رسول الله؟ قال أخاك قالت إنا لله وإنا إليه راجعون هنيئا
له الشهادة، ثم قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله؟ قال حمزة بن عبد المطلب
قالت إنا لله وإنا إليه راجعون هنيئا له الشهادة، ثم قال لها احتسبي قالت من
يا رسول الله؟ قال زوجك مصعب بن عمير، قالت وا حزناه، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله ان للزوج عند المرأة لحدا ما لاحد مثله، فقيل لها لم قلت ذلك في زوجك؟
قالت ذكرت يتم ولده.
قال وتؤامرت قريش على أن يرجعوا على المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
من رجل يأتينا بخبر القوم؟ فلم يجبه أحد، فقال أمير المؤمنين عليه السلام انا اتيك
بخبرهم، قال اذهب فان كانوا ركبوا الخيل وجنبوا الإبل فهم يريدون المدينة
والله لان أرادوا المدينة لا يأذن الله فيهم، وان كانوا ركبوا الإبل وجنبوا الخيل
فإنهم يريدون مكة، فمضى أمير المؤمنين (ع) على ما به من الألم والجراحات حتى
كان قريبا من القوم فرآهم قد ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فرجع أمير المؤمنين
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أرادوا مكة.
فلما دخل رسول الله المدينة نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد ان الله يأمرك ان
تخرج في اثر القوم ولا يخرج معك الا من به جراحة، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديا
124

ينادي يا معشر المهاجرين والأنصار من كانت به جراحة فليخرج ومن لم يكن به
جراحة فليقم، فاقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها فأنزل الله على نبيه " ولا تهنوا
في ابتغاء إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله
ما لا يرجون " وهذه الآية في سورة النساء ويجب أن تكون في هذه السورة
قال عز وجل (ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها
بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء) فخرجوا على ما بهم من
الألم والجراح فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله بحمراء الأسد وقريش قد نزلت الروحا
قال عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن عاص وخالد بن الوليد نرجع
فنغير على المدينة فقد قتلنا سراتهم وكبشهم يعني حمزة، فوافاهم رجل خرج من
المدينة فسألوه الخبر فقال تركت محمدا وأصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم جد الطلب
فقال أبو سفيان هذا النكد والبغي قد ظفرنا بالقوم وبغينا والله ما أفلح قوم
قط بغوا، فوافاهم نعيم بن مسعود الأشجعي فقال أبو سفيان أين تريد؟ قال المدينة لامتار لأهلي طعاما، قال هل لك ان تمر بحمراء الأسد وتلقى أصحاب
محمد وتعلمهم ان حلفاءنا وموالينا قد وافونا من الأحابيش (1) حتى يرجعوا عنا
ولك عندي عشرة قلايص (2) املؤها تمرا وزبيبا؟ قال نعم، فوافا من غد ذلك
اليوم حمراء الأسد، فقال لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله أين تريدون؟ قالوا قريش، قال
ارجعوا فان قريشا قد أجنحت إليهم حلفاؤهم ومن كان تخلف عنهم وما أظن
الا وأوائل القوم قد طلعوا عليكم الساعة، فقالوا (حسبنا الله ونعم الوكيل) ونزل
جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ارجع يا محمد فان الله قد ارهب قريشا، ومروا

(1) الأحابيش جمع أحبوشة كأحدوثة وهي الجماعة من الناس ليسوا من
قبيلة واحدة.
(2) جمع قلوص كمجوس وهي الإبل ج - ز
125

لا يلوون على شئ ورجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وانزل الله (الذين
استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم الفرح للذين أحسنوا منهم واتقوا اجر
عظيم الذين قال لهم الناس) يعني نعيم بن مسعود فهذا اللفظ عام ومعناه خاص
(ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل
عظيم) فلما دخلوا المدينة قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا الذي أصابنا؟
قد كنت تعدنا النصر، فأنزل الله (أو لما اصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم
انى هذا قل هو من عند أنفسكم) وذلك لان يوم بدر قتل من قريش سبعون
وأسر منهم سبعون وكان الحكم في الأسارى القتل، فقامت الأنصار إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله هبهم لنا ولا تقتلهم حتى نفاديهم، فنزل جبرئيل عليه السلام
فقال إن الله قد أباح لهم الفداء ان يأخذوا من هؤلاء ويطلقوهم، على أن
يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذوا منه الفداء من هؤلاء، فأخبرهم
رسول الله صلى الله عليه وآله بهذا الشرط، فقالوا قد رضينا به نأخذ العام الفداء من هؤلاء
نتقوى به ويقتل منا في عام قابل بعدد ما نأخذ منهم الفداء وندخل الجنة، فاخذوا
منهم الفداء وأطلقوهم، فلما كان في هذا اليوم وهو يوم أحد قتل من أصحاب
رسول الله سبعون، فقالوا يا رسول الله ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا
بالنصر فأنزل الله " أو لما اصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم انى هذا قل هو
من عند أنفسكم " بما اشترطتم يوم بدر واما قوله (وما كان لنبي ان يغل ومن
يغلل يأت بما غل يوم القيامة) فان هذه نزلت في حرب بدر، وهي مع الآيات
التي في الأنفال في اخبار بدر، وقد كتبت في هذه السورة مع اخبار أحد،
وكان سبب نزولها انه كان في الغنيمة التي أصابوها يوم بدر قطيفة حمراء ففقدت
فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما لنا لا نرى القطيفة ما أظن إلا أن
126

رسول الله أخذها، فأنزل الله في ذلك، وما كان لنبي أن يغل.. الخ. فجاء
رجل إلى رسول الله فقال إن فلانا غل قطيفة فاخبأها هنا لك، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله
بحفر ذلك الموضع فأخرج القطيفة.
واما قوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند
ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب
عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال هم والله شيعتنا إذا
دخلوا الجنة واستقبلوا الكرامة من الله استبشروا بمن لم يلحق بهم من اخوانهم
من المؤمنين في الدنيا (ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وهو رد على من يبطل
الثواب والعقاب بعد الموت واما قوله (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتهم الله من
فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم) قال من بخل ولم ينفق ماله في طاعة الله صار
ذلك يوم القيامة طوقا من نار في عنقه وهو قوله (سيطوقون ما بخلوا به يوم
القيامة) واما قوله: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء)
قال والله ما رأوا الله تعالى فيعلموا انه فقير ولكنهم رأوا أولياء الله فقراء فقالوا
لو كان الله غنيا لاغنى أولياؤه واما قوله (الذين قالوا إن الله عهد الينا ان لا نؤمن
لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار) فان قوما من اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله
لن نؤمن لك حتى تأتينا بقربان تأكله النار وكان عند بني إسرائيل طست كانوا
يقربون القربان فيضعونه في الطست فتجئ نار فتقع فيه فتحرقه، فقالوا
لرسول الله صلى الله عليه وآله لن نؤمن لك حتى تأتينا بقربان تأكله النار كما كان لبني
إسرائيل فقال الله قل لهم يا محمد (قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم
فلم قتلتموهم ان كنتم صادقين) وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في
قوله (فان كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات) هي الآيات (والزبر) وهي كتب الأنبياء
بالنبوة (والكتاب المنير) الحلال والحرام.
127

قال علي بن إبراهيم واما قوله (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم
يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز) اي؟ نجى؟ من النار (وما
الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) حدثني أبي عن سليمان الديلمي عن أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة يدعى محمد صلى الله عليه وآله فيكسى حلة وردية
ثم يقام على يمين العرش ثم يدعى بإبراهيم عليه السلام فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار
العرش، ثم يدعى بعلي أمير المؤمنين عليه السلام فيكسى حلة وردية فيقام على يمين
النبي صلى الله عليه وآله ثم يدعي بإسماعيل فيكسى حلة بيضاء فيقام على يسار إبراهيم، ثم
يدعى بالحسن عليه السلام فيكسى حلة وردية فيقام على يمين أمير المؤمنين عليه السلام ثم يدعى
بالحسين (ع) فيكسى حلة وردية فيقام على يمين الحسن (ع) ثم يدعى بالأئمة
فيكسون حللا وردية ويقام كل واحد على يمين صاحبه، ثم يدعى بالشيعة
فيقومون أمامهم ثم يدعى بفاطمة ونسائها من ذريتها وشيعتها فيدخلون الجنة
بغير حساب، ثم ينادي مناد من بطنان العرش من قبل رب العزة والأفق الاعلى
نعم الأب أبوك يا محمد وهو إبراهيم ونعم الأخ أخوك وهو علي بن أبي طالب
عليه السلام ونعم السبطان سبطاك وهما الحسن والحسين ونعم الجنين جنينك وهو
محسن ونعم الأئمة الراشدون من ذريتك وهم فلان وفلان، ونعم الشيعة شيعتك
ألا ان محمدا ووصيه وسبطيه والأئمة من ذريته هم الفائزون ثم يؤمر بهم إلى الجنة
وذلك قوله: " فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز " وفي رواية أبي الجارود
عن أبي جعفر (ع) في قوله: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه
للناس ولا تكتمونه) وذلك أن الله اخذ ميثاق الذين أوتوا الكتاب في محمد
لتبيننه للناس إذا خرج ولا يكتمونه (فنبذوه وراء ظهورهم) يقول نبذوا عهد
الله وراء ظهورهم (واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون).
قال علي بن إبراهيم في قوله (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون
128

أن يحمدوا بما لما يفعلوا) نزلت في المنافقين الذين يحبون ان يحمدوا على غير
فعل، وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) قوله (ولا تحسبنهم بمفازة
من العذاب) يقول ببعيد من العذاب (ولهم عذاب اليم).
قال علي بن إبراهيم في قوله (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى
جنوبهم) يعني الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي جالسا وعلى جنوبهم يعني
مضطجعا يؤمي إيماءا إلى قوله (ما للظالمين من أنصار) فهو محكم (ربنا اننا
سمعنا مناديا ينادي للايمان) يعني رسول الله ينادي إلى الايمان إلى قوله (انك
لا تخلف الميعاد) ثم ذكر أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه المؤمنين فقال (فالذين
هاجروا واخرجوا من ديارهم) يعني أمير المؤمنين وسلمان وأبا ذر حين اخرج
(وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات
تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) ثم قال لنبيه
(لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد)
واما قوله (وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل إليكم وما انزل إليهم
خاشعين لله) فهم قوم من اليهود والنصارى دخلوا في الاسلام، منهم النجاشي
وأصحابه، واما قوله (اصبروا وصابروا ورابطوا) فإنه حدثني أبي عن
أبي بصير (ابن أبي عمير ط) عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال اصبروا على المصائب وصابروا
على الفرائض ورابطوا على الأئمة عليهم السلام، وحدثني أبي عن الحسن (الحسين ط) بن خالد
عن الرضا عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الصابرون؟ فيقوم
فئام (1) من الناس ثم ينادي أين المتصبرون، فيقوم فئام من الناس، قلت جعلت
فداك وما الصابرون؟ قال على أداء الفرايض والمتصبرون علي اجتناب المحارم.

(1) الفئام جماعة من الناس، لا واجد له. ج - ز
129

سورة النساء مدنية
وهي مأة وست وسبعون آية
(بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس
واحدة) يعني آدم (عليه السلام) (وخلق منها زوجها) يعني حواء برأها الله
من أسفل أضلاعه (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به
والأرحام) قال يساءلون يوم القيامة عن التقوى هل اتقيتم، وعن الأرحام هل
وصلتموها، وقوله (ان الله كان عليكم رقيبا) اي كفيلا، وفي رواية أبي الجارود
الرقيب الحفيظ، قال علي بن إبراهيم في قوله (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا
الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) يعني لا تأكلوا مال اليتيم
ظلما فتسرفوا وتتبدلوا الخبيث بالطيب والطيب ما قال الله " ومن كان فقيرا
فليأكل بالمعروف " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم يعني مال اليتيم (انه كان
حوبا كبيرا) أي اثما عظيما.
واما قوله (وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من
النساء مثنى وثلث ورباع) قال نزلت مع قوله تعالى " ويستفتونك في النساء قل
الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهن
ما كتب لهن وترغبون ان تنكحوهن فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى
وثلاث ورباع فنصف الآية في أول السورة ونصفها على رأس المائة وعشرين
آية، وذلك انهم كانوا لا يستحلون ان يتزوجوا يتيمة قد ربوها فسألوا الرسول
صلى الله عليه وآله عن ذلك فأنزل الله تعالى يستفتونك في النساء إلى قوله مثنى وثلاث
ورباع قوله (فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت ايمانكم ذلك أدنى
ألا تعولوا اي لا تتزوجوا ما لا تقدرون ان تعولوا (وآتوا النساء صدقاتهن
نحلة) اي هبة (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) يعني
130

ما يهبه لها من مهرها ان ردته عليه فهو هنئ مرئ، وفي رواية أبي الجارود
عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) فالسفهاء النسا
والولد، إذا علم الرجل ان امرأته سفيهة مفسدة وولده سفيه مفسد لا ينبغي له
يسلط واحدا منهما على ماله الذي جعله الله له (قياما) يقول معاشا قال (وارزقوهم
فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) المعروف العدة (1) قال علي بن إبراهيم حدثني أبي عن
ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله
صلى الله عليه وآله شارب الخمر لا تصدقوه إذا حدث ولا تزوجوه إذا خطب ولا تعودوه إذا
مرض ولا تحضروه إذا مات ولا تأتمنوه على أمانة فمن ائتمنه على أمانة فأهلكها
فليس على الله ان يخلف عليه ولا ان يأجره عليها، لان الله يقول ولا تؤتوا
السفهاء أموالكم وأي سفيه أسفه من شارب الخمر.
واما قوله (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا
فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا ان يكبروا) قال من كان في
يده مال اليتامى فلا يجوز له ان يعطيه حتى يبلغ النكاح، فإذا احتلم وجب عليه
الحدود وإقامة الفرائض، ولا يكون مضيعا ولا شارب خمر ولا زانيا، فإذا
أنس منه الرشد دفع إليه المال واشهد عليه وان كانوا لا يعلمون انه قد بلغ فإنه
يمتحن بريح إبطه أو نبت عانته، فإذا كان ذلك فقد بلغ فيدفع إليه ماله إذا
كان رشيدا، ولا يجوز ان يحبس عليه ماله ويعلل انه لم يكبر وقوله " ولا
تأكلوها اسرافا وبدارا ان يكبروا " فان من كان في يده مال يتيم وهو غني
فلا يحل له ان يأكل من مال اليتيم ومن كان فقيرا قد حبس نفسه على ماله فله
ان يأكل بالمعروف، ومعنى قوله (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون
وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا)
فهي منسوخة بقوله " يوصيكم الله في أولادكم " وقوله (وإذا حضر القسمة أولوا

(1) العدة ما أعددته من مال وسلاح. ج. ز
131

القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا) منسوخ بقوله
" يوصيكم الله في أولادكم " واما قوله (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية
ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا) فان الله عز وجل يقول
لا تظلموا اليتامى فيصيب أولادكم مثل ما فعلتم باليتامى وإن الله تبارك وتعالى يقول
إذا ظلم الرجل اليتيم وكان مستحلا لم يحفظ ولده ووكلهم إلى أبيهم، وإن كان
صالحا حفظ ولده في صلاح أبيهم، والدليل على ذلك قوله تبارك وتعالى " واما
الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا
إلى قوله - رحمة من ربك " لان الله لا يظلم اليتامى لفساد أبيهم ولكن يكل الولد
إلى أبيه فإن كان صالحا حفظ ولده بصلاحه، واما قوله (ان الذين يأكلون
أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا الآية) فإنه
حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال
قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما أسري بي إلى السماء رأيت قوما تقذف في أجوافهم
النار وتخرج من ادبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الذين
يأكلون أموال اليتامى ظلما.
وقوله (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) قال إذا مات
الرجل وترك بنين وبنات فللذكر مثل حظ الأنثيين وقوله (فان كن نساء فوق
انثتين فلهن ثلثا ما ترك) يعني إذا مات الرجل وترك أبوين وابنتين فللأبوين
السدسان وللابنتين الثلثان، فان كانت البنت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل
واحد منهما السدس، وبقى سهم يقسم على خمسة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللبنت
وما أصاب اثنين فللأبوين، وقوله (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث)
يعني إذا ترك أبوين فللام الثلث وللأب الثلثان (من بعد وصية يوصي بها أو دين)
اي لا تكون الوصية على المضارة يعني بولده ثم قال للرجال (ولكم نصف ما ترك
132

أزواجكم) فإذا ماتت المرأة فلزوجها النصف إذا لم يكن لها ولد فإن كان لها ولد
فلزوجها اربع وللمرأة إذا مات زوجها ولم يكن له ولد فلها الربع وإن كان له ولد
فلها الثمن.
وقوله: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل
واحد منهما السدس) فهذه كلالة الام وهي الاخوة والأخوات من الام فان كانوا
أكثر من ذلك فهم يأخذون الثلث، فيقتسمون فيما بينهم بالسوية الذكر والأنثى
فيه سواء، فإن كان للميت اخوة وأخوات من قبل الأب والام أو من قبل
الأب وحده فلأمه السدس وللأب خمسة أسداس، فان الاخوة والأخوات من
قبل الأب هم في عيال الأب ويلزمه مؤنتهم فهم يحجبون الام عن الثلث ولا يرثون
وقوله (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا
فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) فإنه في الجاهلية
كان إذا زنى الرجل المرأة كانت تحبس في بيت إلى أن تموت ثم نسخ ذلك بقوله
" الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " وقوله (إنما التوبة على الله
للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان
الله عليما حكيما) فإنه محكم قوله (ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا
حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) فإنه حدثني أبي عن ابن فضال عن علي
ابن عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام قال نزل في القرآن ان زعلون (1) تاب حيث
لم تنفعه التوبة ولم تقبل منه وقوله (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم ان ترثوا
النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) قال لا بحل للرجل إذا
نكح امرأة ولم يردها وكرهها ان لا يطلقها إذا لم يجبر (يجر ط) عليها، ويعضلها اي
يحبسها ويقول لها حتى تؤدي ما اخذت مني فنهى الله عن ذلك (إلا أن يأتين

(1) اسم مشرك. ج - ز
133

بفاحشة مبينة) وهو ما وصفناه في الخلع فان قالت له ما تقول المختلعة يجوز له
ان يأخذ منها ما أعطاها وما فضل.
وفي رواية أبي الجارود (1) عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (يا أيها الذين
آمنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها) فإنه كان في الجاهلية في أول ما اسلموا
من قبائل العرب إذا مات حميم (2) الرجل وله امرأة القى الرجل ثوبه عليها فورث
نكاحها بصداق حميمه الذي كان أصدقها فكان يرث نكاحها كما يرث ماله، فلما
مات أبو قيس بن الا سلب (أبو قيس بن الأسلت ط) القى محصن بن أبي قيس ثوبه على امرأة أبيه وهي كبيثة (كبيشة ط)
بنت معمر بن معبد فورث نكاحها ثم تركها لا يدخل به ولا ينفق عليها فأتت
رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله مات أبو قيس بن الا سلب فورث ابنه
محصن نكاحي فلا يدخل علي ولا ينفق علي ولا يخلى سبيلي فالحق باهلي، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله ارجعي إلى بيتك فان يحدث الله في شأنك شيئا أعلمتك به،
فنزل (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف انه كان فاحشة
ومقتا وساء سبيلا) فلحقت باهلها، وكانت نساء في المدينة قد ورث نكاحهن كما
ورث نكاح كبيثة غير أنه ورثهن عن الأبناء فأنزل الله " يا أيها الذين آمنوا
لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها " وقوله (وعاشروهن بالمعروف فان
كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) يعني الرجل
يكره أهله فاما ان يمسكها فيعطفه الله عليها واما ان يخلي سبيلها فيتزوجها غيره

(1) لا يخفى ان الروايات التي صدرت بذكر أبى الجارود، ليست من عبارة
تفسير القمي، بل انها مضافات أبي الفضل العباس تلميذ المصنف التي أضافها إلى
أصل التفسير بمناسبة المقام.
(2) القريب والصديق. ج - ز
134

فيرزقها الله الود والولد ففي ذلك قد جعل الله خيرا كثيرا قال (وان أردتم
استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحديهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه
بهتانا واثما مبينا) وذلك إذا كان الرجل هو الكاره للمرأة، فنهى الله ان يسئ
إليها حتى تفتدي منه يقول الله (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض)
والافضاء المباشرة يقول الله (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) والميثاق الغليظ الذي
اشترطه الله للنساء على الرجال امساك بمعروف أو تسريح باحسان.
قال علي بن إبراهيم في قوله: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء
إلا ما قد سلف " فان العرب كانوا ينكحون نساء آبائهم فكان إذا كان للرجال
أولاد كثيرة وله أهل ولم تكن أمهم ادعى كل واحد فيها فحرم الله مناكحتهم وله
أهل ثم قال (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات
الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات
نسائكم الآية) فان هذه المحرمات هي محرمة وما فوقها إلي أقصاها وكذلك البنت
والأخت، واما التي هي محرمة بنفسها وبنتها حلال فالعمة والخالة هي محرمة بنفسها
وبنتها حلال وأمهات النساء أمها محرمة وبنتها حلال إذا ماتت ابنتها الأولى التي
هي امرأته أو طلقها واما قوله (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم)
فالخوارج زعمت أن الرجل إذا كانت لأهله بنت ولم يربها ولم تكن في حجره حلت
له لقول الله " واللاتي في حجوركم " قال الصادق عليه السلام لا تحل له (وحلائل أبنائكم
الذين من أصلابكم) يعني امرأة الولد، وقوله (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت الجزء (5)
ايمانكم) يعني أمة الرجل إذا كان قد زوجها من عبده ثم أراد نكاحها فرق
بينهما واستبرأ رحمها بحيضة أو حيضتين فإذا استبرأ رحمها حل له ان ينكحها
وقوله (كتاب الله عليكم) يعني حجة الله عليكم فيما يقول (وأحل لكم ما وراء
ذلكم ان تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) يعني يتزوج بمحصنة غير زانية
135

مسافحة قوله (فمن استمتعتم به منهن) قال الصادق عليه السلام: " فمن استمتعتم
به منهن إلى اجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة " قال الصادق عليه السلام فهذه
الآية دليل على المتعة وقوله (ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات
المؤمنات فمن ما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات) قال ومن لم يستطع ان
ينكح الحرة فالإماء باذن أصحابهن (والله أعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن
باذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات) قال غير خديعة
ولا فسق ولا فجور وقوله (ولا متخذات أخدان) اي لا يتخذها صديقة وقوله
(فإذا أحصن فان اتين بفاحشة مبينة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب)
يعني به العبيد والإماء إذا زنيا ضربا نصف الحد، فمن عاد فمثل ذلك حتى يفعلوا
ذلك ثماني مرات ففي الثامنة يقتلون، قال الصادق عليه السلام وإنما صار يقتل
في الثامنة لان الله رحمه ان يجمع عليه ربق الرق وحد الحر.
وقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) يعني
الربا (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) يعني الشرى والبيع الحلال
(ولا تقتلوا أنفسكم) قال كان الرجل إذا خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله في الغزو
يحمل علي العدو وحده من غير أن يأمره رسول اله صلى الله عليه وآله فنهى الله ان يقتل
نفسه من غير امر رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه)
قال هي سبعة: الكفر وقتل النفس، وعقوق الوالدين، واكل مال اليتيم
واكل الربا، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وكلما وعد الله في
القرآن عليه النار فهو من الكبائر، ثم قال (نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم
مدخلا كريما) وقوله (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) قال لا يجوز
للرجل ان يتمنى امرأة رجل مسلم أو ماله ولكن يسأل الله من فضله (ان الله
كان بكل شئ عليما).
136

قوله (ولكل جعلناه موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت
ايمانكم) وكان المواريث في الجاهلية علي الاخوة لا على الرحم وكانوا يورثون
الحليف والموالي الذين أعتقوهم ثم نزل بعد ذلك " وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض في كتاب الله) نسخت هذه، وقوله (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله
بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم) يعنى فرض الله على الرجال ان ينفقوا
على النساء ثم مدح الله النساء فقال: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ
الله) يعني تحفظ نفسها إذا غاب زوجها عنها، وفي رواية أبي الجارود عن
أبي جعفر عليه السلام في قوله " قانتات " يقول مطيعات وقوله (واللاتي تخافون نشوزهن
فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)
وذلك أن نشزت المرأة عن فراش زوجها قال زوجها اتقى الله وارجعي إلى فراشك،
فهذه الموعظة، فان اطاعته فسبيل ذلك وإلا سبها وهو الهجر فان رجعت إلى
فراشها فذلك وإلا ضربها ضربا غير مبرح فان اطاعته وضاجعته يقول الله
" فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا " يقول لا تكلفوهن الحب فإنما جعل
الموعظة والسب والضرب لهن في المضجع (ان الله كان عليا كبيرا).
وقوله (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها)
فبما حكم به الحكمان فهو جائز يقول الله (ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما بعني
الحكمين فإذا كانا عدلين دخل حكم المرأة فيقول أخبريني ما في نفسك،
فاني لا أحب ان اقطع شيئا دونك، فان كانت هي الناشزة قالت اعطوه من
مالي ما شاء وفرق بيني وبينه، وان لم تكن ناشزة قالت أنشدك الله ان لا تفرق بيني
وبينه، ولكن استزد لي في النفقة فإنه مسيئ ويخلو حكم الرجل يجئ إلى
الرجل فيقول حدثني بما في نفسك فاني لا أحب ان اقطع شيئا دونك، فإن كان
هو الناشز قال خذ لي منها ما استطعت وفرق بيني وبينها فلا حاجة لي فيها،
137

وان لم يكن ناشزا قال أنشدك الله ان لا تفرق بيني وبينها فإنها أحب الناس، إلي
فارضها من مالي بما شئت، ثم يلتقي الحكمان وقد علم كل واحد منهما ما أفضى
به إليه صاحبه فاخذ كل واحد منهما على صاحبه عهد الله وميثاقه لتصدقني
ولأصدقنك، وذلك حين يريد الله ان يوفق بينهما) فإذا فعلا وحدث كل واحد
منهم صاحبه بما أفضى إليه عرفا من الناشز فان كانت المرأة هي الناشزة قالا أنت
عدوة الله الناشزة العاصية لزوجك ليس لك عليه نفقة ولا كرامة لك وهو أحق
ان يبغضك ابدا حتى ترجعي إلى امر الله، وإن كان الرجل هو الناشز قالا له
أنت عدو الله وأنت العاصي لامر الله المبغض لامر الله (لامرأتك ط) فعليك نفقتها ولا تدخل لها
بيتا ولا ترى لها وجها ابدا حتى ترجع إلى امر الله وكتابه.
قال واتى علي بن أبي طالب عليه السلام رجل وامرأته علي هذه الحال فبعث
حكما من أهله وحكما من أهلها وقال للحكمين هل تدريان ما تحكمان؟ ان شئتما
فرقتما وان شئتما جمعتما، فقال الزوج لا ارضى بحكم فرقة ولا أطلقها، فأوجب
عليه نفقتها ومنعه ان يدخل عليها، وان مات على ذلك الحال الزوج ورثته،
وان ماتت لم يرثها إذا رضيت منه بحكم الحكمين وكره الزوج، فان رضى
الزوج وكرهت المرأة أنزلت بهذه المنزلة، ان كرهت لم يكن لها عليه نفقة وان
مات لم ترثه وان ماتت ورثها حتى ترجع إلى حكم الحكمين.
قال علي بن إبراهيم في قوله (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين
احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب
بالجنب) يعني صاحبك في السفر (وابن السبيل) يعني أبناء الطريق الذين
يستعينون بك في طريقهم (وما ملكت ايمانكم) يعني الأهل والخادم (ان الله
لا يحب من كان مختالا فخورا، الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون
ما آتاهم الله من فضله واعتدنا للكافرين عذابا مهينا) فسمى الله البخيل كافرا ثم
138

ذكر المنافقين فقال: (والذين ينفقون أموالهم رئاه الناس ولا يؤمنون بالله ولا
باليوم الآخر ومن بكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) ثم قال: (وماذا عليهم لو
آمنوا بالله واليوم الآخر وانفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما) قال انفقوا
في طاعة الله وقوله (ان الله لا يظلم مثقال ذرة) معطوفة على قوله " واعبدوا الله ولا
تشركوا به شيئا " وقوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) يعني الأئمة
صلوات الله عليهم أجمعين (وجئنا بك) يا محمد (على هؤلاء شهيدا) يعني على
الأئمة، فرسول الله صلى الله عليه وآله شهيد على الأئمة وهم شهداء على الناس وقوله (يومئذ
يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا)
قال يتمنى الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام أن تكون الأرض ابتلعتهم في اليوم
الذي اجتمعوا فيه على غصبه وأن لم يكتموا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وقوله:
(يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) قال من
النوم (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) فإنه سئل الصادق عليه السلام عن
الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ فقال الحائض والجنب لا يدخلان
المسجد إلا مجتازين فان الله تعالى يقول: " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى
تغتسلوا " ويضعان فيه الشئ ولا يأخذان منه فقلت ما بالهما يضعان فيه ولا
يأخذان منه؟ فقال لأنهما يقدران على وضع الشئ فيه من غير دخول ولا يقدران
على أخذ ما فيه حتى يدخلا فأوجب الغسل والوضوء من الجناية بالماء ثم رخص
لمن لم يجد الماء التيمم بالتراب فقال وان كنتم جنبا فاطهروا (وان كنتم مرضى
أو على سفر أو جاء أحد منكم الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا
صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ان الله كان عفوا غفورا) وقوله (ألم
تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة) يعني ضلوا في أمير المؤمنين
(ويريدون ان تضلوا السبيل) يعني اخرجوا الناس من ولاية أمير المؤمنين، وهو
139

الصراط المستقيم، قوله (والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا، وكفى بالله نصيرا،
من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير
مسمع) قال نزلت في اليهود، وقوله (ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قلت له دخلت الكبائر في الاستثناء؟ قال: نعم، وقوله (ألم تر إلى
الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء) قال هم الذين سموا أنفسهم
بالصديق والفاروق وذي النورين (ط)، وقوله: (ولا يظلمون فتيلا) قال:
القشرة التي على النواة، ثم كنى عنهم فقال: (انظر كيف يفترون علي الله
الكذب) وهم الذين غاصبوا آل محمد حقهم، قوله (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من
الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من
الذين آمنوا سبيلا) قال نزلت في اليهود حين سألهم مشركوا العرب، فقالوا ديننا
أفضل أم دين محمد؟ قالوا بل دينكم أفضل، وقد روي فيه أيضا انها نزلت في
الذين غصبوا آل محمد حقهم وحسدوا منزلتهم، فقال الله تعالى (أولئك الذين
لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا، أم لهم نصيب من الملك فإذا
لا يؤتون الناس نفيرا) يعني النقطة في ظهر النواة، ثم قال: (أم يحسدون
الناس) يعني بالناس ههنا أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام (على ما آتاهم الله من فضله
فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) وهي الخلافة بعد
النبوة، وهم الأئمة عليهم السلام، حدثنا علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبد الله
عن أبيه عن يونس عن أبي جعفر الأحول عن حنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قلت قوله " فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب " قال: النبوة، قلت: والحكمة؟
قال: الفهم والقضاء قلت: وآتيناهم ملكا عظيما؟ قال: الطاعة المفروضة.
قال علي بن إبراهيم في قوله (فمنهم من آمن به) يعني أمير المؤمنين عليه السلام
140

وهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار رضي الله عنهم (ومنهم من صد عنه) وهم
غاصبوا آل محمد صلى الله عليه وآله حقهم، ومن تبعهم قال فيهم نزلت (وكفى بجهنم سعيرا)
ثم ذكر عز وجل ما قد أعده لهؤلاء الذين قد تقدم ذكرهم وغصبهم فقال: (ان
الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا) قال الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم
السلام، وقوله (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان
الله كان عزيزا حكيما) فقيل لأبي عبد الله عليه السلام كيف تبدل جلود غيرها؟ قال
أرأيت لو اخذت لبنة فكسرتها وصيرتها ترابا ثم ضربتها في الفالب أهي التي
كانت، إنما هي ذلك، وحدث تفسيرا آخر والأصل واحد.
ثم ذكر المؤمنين المقرين بولاية آل محمد عليهم السلام بقوله (والذين آمنوا
وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ابدا لهم
فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا) ثم خاطب الأئمة عليهم السلام، فقال:
(ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها) قال فرض الله على الامام ان
يؤدي الأمانة إلى الذي امره الله من بعده ثم فرض على الامام ان يحكم بين الناس
بالعدل فقال (وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل) ثم فرض على الناس
طاعتهم فقال: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم) يعني أمير المؤمنين عليه السلام حدثني أبي عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله
عليه السلام قال نزلت " فان تنازعتم في شئ فارجعوه إلى الله والى الرسول والى اولي
الامر منكم ".
وقوله (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل إليك وما انزل من
قبلك يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به) فإنها نزلت
في الزبير بن العوام فإنه نازع رجلا من اليهود في حديقة فقال الزبير ترضى بابن
شيبة اليهودي فقال اليهودي ترضى بمحمد؟ فأنزل الله " ألم تر إلى الذين يزعمون
141

انهم آمنوا.. الخ " وقوله (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما انزل الله والى الرسول
رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) وهم أعداء آل محمد كلهم جرت فيهم هذه
الآية واما قوله (فكيف إذا اصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون
بالله ان أردنا إلا احسانا وتوفيقا) فهذا مما تأويله بعد تنزيله في القيامة إذا بعثهم
الله حلفوا لرسول الله إنما أردنا بما فعلنا من إزالة الخلافة عن موضعها إلا احسانا
وتوفيقا، والدليل على أن ذلك في القيامة ما حدثني به أبي عن ابن أبي عمير عن
منصور عن أبي عبد الله عليه السلام وعن أبي جعفر عليه السلام قالا المصيبة هي الخسف والله بالمنافقين
عند الحوض، قول الله (فكيف إذا اصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك
يحلفون بالله ان أردنا إلا احسانا وتوفيقا) ثم قال الله (أولئك الذين يعلم الله
ما في قلوبهم) يعني من العداوة لعلى في الدنيا (فاعرض عنهم وعظهم وقل لهم في
أنفسهم قولا بليغا) اي أبلغهم في الحجة عليهم وآخر أمرهم إلى يوم القيامة وقوله
(وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) اي بأمر الله وقوله (ولو أنهم إذ
ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة
عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك يا علي
فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما " هكذا نزلت.
ثم قال (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك) يا علي (فيما شجر بينهم)
يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه من خلافك بينهم وغصبك ثم (لا يجدوا في
أنفسهم حرجا مما قضيت) عليهم يا محمد على لسانك من ولايته (ويسلموا تسليما)
لعلي (ع) ثم قال (ولو انا كتبنا عليهم ان اقتلوا أنفسكم) إلى قوله (ولهديناهم
صراطا مستقيما) فإنه محكم واما قوله (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع
الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقا) قال النبيين رسول الله صلى الله عليه وآله، والصديقين علي (ع) والشهداء الحسن
142

والحسين عليهما السلام، والصالحين الأئمة، وحسن أولئك رفيقا، القائم من
آل محمد عليهم السلام، وقوله (يا أيها الذين آمنوا حذوا حذركم فانفروا ثبات
أو انفروا جميعا وان منكم لمن ليبطئن فان اصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم
أكن معهم شهيدا) قال الصادق (ع) والله لو قال هذه الكلمة أهل الشرق والغرب
لكانوا بها خارجين من الايمان (1) ولكن الله قد سماهم مؤمنين باقرارهم (وقوله
فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) أي يشترون وقوله
(وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان)
بمكة معذبين فقاتلوا حتى يتخلصوا وهم يقولون (ربنا أخرجنا من هذه القرية
الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا الذين آمنوا) يعني
المؤمنين من أصحاب النبي (يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل
الطاغوت) وهم مشركوا قريش يقاتلون على الأصنام وقوله (ألم تر إلى الذين
قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فإنها (2) نزلت بمكة قبل
الهجرة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وكتب عليهم القتال نسخ هذا،
فجزع أصحابه من هذا فأنزل الله " ألم تر إلى الذين قيل لهم بمكة كفوا أيديكم "
لأنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة ان يأذن لهم في محاربتهم فأنزل الله " كفوا
(1) لان قائل هذه الكلمة قد اظهر عدم وفائه لرسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنين
حيث اظهر فرحه على عدم اصابته المصيبة معه صلى الله عليه وآله مع أنه من شأن المؤمن ان
يشارك النبي صلى الله عليه وآله في المصائب حيث أمكن، ومع عدم الامكان يتمنى المشاركة
ويظهر حزنه على حزنه. ج - ز
(2) يعني ان آية " كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فقط
نزلت بمكة، والباقي نزل في المدينة. ج - ز
143

أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فلما كتب عليهم القتال بالمدينة (قالوا
ربنا لم كتبت علينا القتال لولا اخرتنا إلى اجل قريب) فقال الله قل لهم يا محمد
(متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا) الفتيل القشر الذي
في النواة ثم قال: (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)
يعني الظلمات الثلاث التي ذكرها وهي المشيمة والرحم والبطن وقوله (وان تصبهم
حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من
عند الله) يعني الحسنات والسيئات ثم قال في آخر الآية (ما أصابك من حسنة
فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) وقد اشتبه هذا على عدة من العلماء،
فقالوا يقول الله وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة
يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله الحسنة والسيئة، ثم قال في آخر
الآية " وما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك، فكيف
هذا وما معنى القولين؟ فالجواب في ذلك ان معنى القولين جميعا عن الصادقين
عليهم السلام انهم قالوا الحسنات في كتاب الله على وجهين والسيئات على وجهين (فمن
الحسنات) التي ذكرها الله، الصحة والسلامة والامن والسعة والرزق وقد سماها
الله حسنات " وان تصبهم سيئة " يعني بالسيئة ههنا المرض والخوف والجوع
والشدة " يطيروا بموسى ومن معه " أي يتشاءموا به (والوجه الثاني من الحسنات)
يعني به افعال العباد وهو قوله " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ومثله كثير
وكذلك السيئات على وجهين فمن السيئات الخوف والجوع والشدة وهو ما ذكرناه
في قوله " وان تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه " وعقوبات الذنوب فقد
سماها الله السيئات (والوجه الثاني من السيئات) يعني بها؟ افعال العباد التي
يعاقبون عليها فهو قوله " ومن جاء بالسيئة فكبت وجوهم في النار " وقوله:
" ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " يعني ما عملت
144

من ذنوب فعوقبت عليها في الدنيا والآخرة فمن نفسك بأفعالك لان السارق يقطع
والزاني يجلد ويرجم والقاتل يقتل فقد سمى الله تعالى العلل والخوف والشدة
وعقوبات الذنوب كلها سيئات فقال ما أصابك من سيئة فمن نفسك بأعمالك وقوله
(قل كل من عند الله) يعنى الصحة والعافية والسعة والسيئات التي هي عقوبات
الذنوب من عند الله وقوله عز وجل يحكى قول المنافقين فقال (ويقولون طاعة
فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون) أي
يبدلون (فاعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) وقوله (وإذا جاءهم امر
من الامن والخوف أذاعوا به) اي أخبروا به (ولو ردوه إلى الرسول والى اولي
الامر منهم) يعنى أمير المؤمنين عليه السلام (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) اي الذين
يعلمون منهم وقوله (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) قال الفضل رسول الله صلى الله عليه وآله
والرحمة أمير المؤمنين عليه السلام (لاتبعتم الشيطان الا قليلا) وقوله (من يشفع شفاعة
حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) قال يكون
كفيل ذلك الظلم الذي يظلم صاحب الشفاعة وقوله (وكان الله على كل شئ
مقيتا) اي مقتدرا وقوله (وإذا حبيتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ان
الله كان على كل شئ حسيبا) أو ردوها قال السلام وغيره من البر.
وقوله (الله لا اله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه - إلى قوله
فلن تجد له سبيلا) فإنه محكم، وقوله (ودوا لو تكفرون كما كفروا
فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فان تولوا
فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا) فإنها نزلت
في أشجع وبنى ضمرة (وهما قبيلتان) وكان من خبرهما انه لما خرج رسول الله
صلى الله عليه وآله إلى غزاة الحديبية (بدر ط) مر قريبا من بلادهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله هادن
145

بنى ضمرة ووادعهم (1) قبل ذلك فقال أصحاب رسول الله ص، يا رسول الله
هذه بنو ضمرة قريبا منا ونخاف ان يخالفونا إلى المدينة أو يعينوا علينا قريشا
فلو بدأنا بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كلا إنهم أبر العرب بالوالدين، وأوصلهم
للرحم، وأوفاهم بالعهد، وكان أشجع بلادهم قريبا من بلاد بنى ضمرة وهم بطن
من كنانة وكانت أشجع بينهم وبين بنى ضمرة حلف في المراعاة والأمان،
فأجدبت بلاد أشجع وأخصبت بلاد بنى ضمرة فصارت أشجع إلى بلاد بنى ضمرة
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله مسيرهم إلى بنى ضمرة تهيأ للمصير إلى أشجع فيغزوهم للموادعة
التي كانت بينه وبين بنى ضمرة فأنزل الله ودوا لو تكفرون كما كفروا.. الخ ثم استثنى
بأشجع فقال (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءكم حصرت
صدورهم ان يقاتلونكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم
فان اعتزلوكم ولم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا)
وكانت أشجع محالها البيضاء والجبل والمستباح، وقد كانوا قربوا من
رسول الله صلى الله عليه وآله فهابوا لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله ان يبعث إليهم من يغزوهم
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قد خافهم ان يصيبوا من أطرافه شيئا فهم بالمسير إليهم
فبينما هو على ذلك إذ جاءت أشجع ورئيسها مسعود بن رجيلة وهم سبعمائة،
فنزلوا شعب سلع وذلك في شهر ربيع الأول (الآخر ط) سنة ست فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله أسيد
ابن حصين، فقال له اذهب في نفر من أصحابك حتى تنظر ما أقدم أشجع، فخرج
أسيد ومعه ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم، فقال ما أقدمكم؟ فقام إليه
مسعود بن رجيلة وهو رئيس أشجع فسلم على أسيد وعلى أصحابه وقالوا جئنا
لنوادع محمدا فرجع أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) اي صالحهم
146

خاف القوم ان اغزوهم فأرادوا الصلح بيني وبينهم، ثم بعث إليهم بعشرة اجمال
تمر فقدمها امامه، ثم قال نعم الشئ الهدية امام الحاجة، ثم اتاهم، فقال يا معشر
أشجع ما أقدمكم؟ قالوا قربت دارنا منك وليس في قومنا أقل عددا منا فضقنا
بحربك لقرب دارنا منك، وضقنا بحرب قومك لقلتنا فيهم، فجئنا لنوادعك
فقبل النبي صلى الله عليه وآله ذلك منهم ووادعهم، فأقاموا يومهم ثم رجعوا إلى بلادهم وفيهم
نزلت هذه الآية (الا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق - إلى قوله - فما
جعل الله لكم عليهم سبيلا) وقوله (ستجدون آخرين يريدون ان يأمنوكم ويأمنوا
قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها) نزلت في عيينة بن حصين الفزاري
أجدبت بلادهم، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ووادعه على أن يقيم ببطن نخل، ولا
يتعرض له وكان منافقا ملعونا، وهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله الأحمق المطاع
في قومه، ثم قال (فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم
واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئك جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا).
وقوله (وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطأ) أي لا عمدا ولا خطأ
والا في موضع لا وليست باستثناء (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة
ودية مسلمة إلى أهله الا ان يصدقوا) يعني يعفوا ثم قال (فإن كان من قوم
عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) وليست له دية يعني إذا قتل رجل
من المؤمنين وهو نازل في دار الحرب فلا دية للمقتول وعلى القاتل تحرير رقبة
مؤمنة لقول رسول الله صلى الله عليه وآله لمن نزل دار الحرب فقد برئت الذمة ثم قال (وإن كان
من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) يعني
إن كان المؤمن نازلا في دار الحرب، وبين أهل الشرك وبين الرسول أو الامام عهد ومدة
ثم قتل ذلك المؤمن وهو بينهم فعلى القاتل دية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة
(فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) وقوله
147

(ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد
له عذابا عظيما) قال من قتل مؤمنا على دينه (2) لم تقبل توبته، ومن قتل نبيا
أو وصي نبي فلا توبة له لأنه لا يكون له مثله فيقاد به، وقد يكون الرجل
بين المشركين واليهود والنصارى يقتل رجلا من المسلمين على أنه مسلم فإذا دخل
في الاسلام محاه الله عنه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله الاسلام يجب ما كان قبله اي
يمحو، لان أعظم الذنوب عند الله هو الشرك بالله فإذا قبلت توبته في الشرك
قبلت فيما سواه واما قول الصادق عليه السلام ليست له توبة فإنه عنى من قتل نبيا أو
وصيا فليست له توبة فإنه لا يقاد أحد بالأنبياء إلا الأنبياء وبالأوصياء إلا الأوصياء
والأنبياء والأوصياء لا تقتل بعضهم بعضا وغير النبي والوصي لا يكون مثل النبي
والوصي فيقاد به وقاتلهما لا يوفق للتوبة.
وقوله (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن
القى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا) فإنها نزلت لما رجع
رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوة خيبر وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى
اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الاسلام، وكان رجل من اليهود يقال؟ له؟
مرداس بن نهيك الفدكى في بعض القرى فلما أحس بخيل رسول الله صلى الله عليه وآله جمع
أهله وماله وصار في ناحية الجبل فاقبل يقول اشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا
رسول الله صلى الله عليه وآله، فمر بأسامة بن زيد فطعنه فقتله، فلما رجع إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله اخبر بذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله
واني رسول الله فقال يا رسول الله إنما قال تعوذا من القتل فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله فلا شققت الغطاء عن قبله ولا ما قال بلسانه قبلت ولا ما كان في نفسه

(1) اي لأجل دينه.
(2) من القود بالتحريك وهو القصاص ج
148

علمت فحلف بعد ذلك أنه لا يقتل أحدا شهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
صلى الله عليه وآله، فتخلف عن أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه، وأنزل الله في ذلك " ولا تقولوا
لمن القى إليكم السلم لست مؤمنا.. الخ " ثم ذكر فضل المجاهدين على القاعدين
فقال (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر) يعني الزمن كما ليس
على الأعمى حرج (والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم إلى آخر الآية)
وقوله (ان الذين توفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم) قال نزلت فيمن اعتزل أمير
المؤمنين عليه السلام ولم يقاتل معه فقالت الملائكة لهم عند الموت (فيم كنتم قالوا كنا
مستضعفين في الأرض) اي لم نعلم مع من الحق فقال الله (ألم تكن ارض الله واسعة
فتهاجروا فيها) اي دين الله وكتاب الله واسع فتنظروا فيه (فأولئك مأواهم
جهنم وساءت مصيرا) ثم استثنى فقال (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان
لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) حدثني أبي عن يحيى عن أبي عمران عن يونس عن حماد عن ابن طيار عن أبي جعفر ع ط) بن يحيى عن ابن
أبي عمير عن يونس عن حماد بن الظبيان عن أبي جعفر عليه السلام قال سألت عن
المستضعف فقال هو الذي لا يستطيع حيلة الكفر فيكفر ولا يهتدي سبيلا إلى الايمان
لا يستطيع ان يؤمن ولا يستطيع ان يكفر فهم الصبيان، ومن كان من الرجال
والنساء على مثل عقول الصبيان من رفع عنه القلم، وقوله (ومن يهاجر في سبيل
الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة) اي يجد خيرا إذا جاهد مع الامام وقوله
(ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره
على الله) قال إذا خرج إلى الامام ثم مات قبل ان يبلغه وقوله (وإذا ضربتم في
الأرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين
كفروا) فإنه حدثني أبي عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال
أمير المؤمنين عليه السلام ستة لا يقصرون الصلاة، الجباة الذين يدورون في جبايتهم،
والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق والأمير الذي يدور في امارته
149

والراعي الذي يطلب مواقع القطر ومنبت الشجر والرجل يخرج في طلب الصيد
يريد لهوا للدنيا والمحارب الذي يقطع الطريق.
واما قوله (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك
الآية) فإنها نزلت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الحديبية يريد مكة فلما وقع
الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا ليستقبل رسول الله
صلى الله عليه وآله على الجبال، فلما كان في بعض الطريق وحضرت صلاة الظهر فاذن بلال
فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس، فقال خالد بن الوليد لو كنا حملنا عليهم وهم في
الصلاة لأصبناهم، فإنهم لا يقطعون صلاتهم ولكن يجئ لهم الآن صلاة أخرى
هي أحب إليهم من ضياء أبصارهم فإذا دخلوا فيها حملنا عليهم، فنزل جبرئيل (ع)
بصلاة الخوف بهذه الآية وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة.. الخ ففرق
رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه فرقتين، فوقف بعضهم تجاه العدو وقد اخذوا سلاحهم
وفرقة صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله قياما، ومروا فوقفوا مواقف أصحابهم وجاء
أولئك الذين لم يصلوا فصلى ربهم رسول الله صلى الله عليه وآله الركعة الثانية، ولهم الأولى
وقعد وتشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وقاموا أصحابه وصلوا هم الركعة الثانية وسلم عليهم
وقوله (وإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) قال
الصحيح يصلى قائما والعليل يصلى جالسا فمن لم يقدر فمضطجعا يؤمي ايماءا وقوله
(ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) اي موجوبة وقوله (ولا تهنوا في
ابتغاء القوم) فإنه معطوف على قوله في سورة آل عمران " ان يمسكم قرح فقد
مس القوم قرح مثله " وقوله (انا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما
أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) فإنه كان سبب نزولها ان قوما من الأنصار
من بني ابيزق اخوة ثلاثة كانوا منافقين بشير وبشر ومبشر، فنقبوا على عم
قتادة بن النعمان وكان قتادة بدريا واخرجوا طعاما كان أعده لعياله وسيفا
150

ودرعا فشكى قتادة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان قوما نقبوا
على عمي واخذوا طعاما كان أعده لعياله ودرعا وسيفا وهم أهل بيت سوء،
وكان معهم في الرأي رجل مؤمن يقال له لبيد بن سهل فقال بنو ابيزق لقتادة
هذا عمل لبيد بن سهل، فبلغ ذلك لبيدا فاخذ سيفه وخرج عليهم فقال يا بني
ابيزق أترمونني بالسرقة وأنتم أولى به مني وأنتم المنافقون تهجون رسول الله
صلى الله عليه وآله وتنسبون إلى قريش لتبينن ذلك أو لأملأن سيفي منكم، فداروه فقالوا له
ارجع يرحمك الله فإنك برئ من ذلك، فمشوا بنو ابيزق إلى رجل من رهطهم
يقال له أسيد بن عروة وكان منطيقا بليغا فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
يا رسول الله ان قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منا أهل شرف ونسب وحسب
فرماهم بالسرقة، واتهمهم بما ليس فيهم، فاغتم رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك وجاء إليه
قتادة فاقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له عمدت أهل بيت شرف وحسب نسب
فرميتهم بالسرقة فعاتبه عتابا شديدا فاغتم قتادة من ذلك ورجع إلى عمه وقال
يا ليتني مت ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وآله فقد كلمني بما كرهته، فقال عمه الله
المستعان فأنزل الله في ذلك على نبيه صلى الله عليه وآله (انا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم
بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله ان الله كان غفورا
رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ان الله لا يحب من كان خوانا
أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى
من القول) يعني الفعل فوقع القول مقام الفعل.
ثم قال (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم
يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله
يجد الله غفورا رحيما، ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما
حكيما، ومن يكسب خطيئة أو اثما ثم يرم به بريئا) يعني لبيد بن سهل (فقد احتمل
151

بهتانا واثما مبينا) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال إن أناسا
من رهط بشير الادنين قالوا انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا نكلمه في صاحبنا
ونعذره وان صاحبنا برئ فلما انزل الله " يستخفون من الناس ولا يستخفون
من الله وهو معهم - إلى قوله - وكيلا " فأقبلت رهط بشير فقال يا بشير استغفر الله
وتب الله من الذنب فقال والذي احلف به ما سرقها إلا لبيد فنزلت " ومن يكسب
خطيئة أو اثما يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا واثما مبينا " ثم أن بشيرا كفر
ولحق بمكة وانزل الله في النفر الذين اعذروا بشيرا واتوا النبي ليعذروه قوله
(ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم ان يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم
وما يضرونك من شئ وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم
وكان فضل الله عليك عظيما) ونزلت في بشير وهو بمكة (ومن يشاقق الرسول من
بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم
وساءت مصيرا).
وقال علي بن إبراهيم في قوله (لا خير في كثير من نجويهم) وقال لا خير في
كثير من كلام الناس ومحاوراتهم إلا من امر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين
الناس (ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما) حدثني أبي
عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله فرض التحمل (التمحل ن)
في القرآن، قلت وما التحمل؟ جعلت فداك، قال إن يكون وجهك اعرض
من وجه أخيك فتحمل له وهو قوله " لا خير في كثير من نجويهم " حدثني أبي
عن بعض رجاله رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال إن الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما
فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم، وقوله (من يشاقق الرسول من بعد
ما تبين له الهدى) اي يخالفه (نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) وقوله
(ان يدعون من دونه إلا إناثا) قال قالت قريش ان الملائكة هم بنات الله (وإن
152

يدعون... إلا شيطانا مريدا) قال كانوا يعبدون الجن وقوله (لاتخذن
من عبادك نصيبا مفروضا) يعني إبليس حيث قال: (ولأضلنهم ولأمنينهم
ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام ولآمرنهم فليغبرن خلق الله) اي امر الله وقوله
(ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) يعني ليس ما تتمنون أنتم ولا أهل الكتاب
أن لا تعذبوا بأفعالكم وقوله (ولا يظلمون نقيرا) وهي النقطة التي في
النواة وقوله (واتبع ملة إبراهيم حنيفا) قال هي الحنفية العشرة التي جاء بها
إبراهيم التي لم تنسخ إلى يوم القيامة (1) وقوله (واتخذ الله إبراهيم خليلا) فإنه
حدثني أبي عن هارون بن مسلم عن مسعود (مسعدة ط) بن صدقة عن جعفر بن محمد
عليهما السلام قال إن إبراهيم عليه السلام هو أول من حول له الرمل دقيقا، وذلك أنه
قصد صديقا له بمصر في قرض طعام، فلم يجده في منزله فكره ان يرجع بالحمار
خاليا فملا جرابه رملا، فلما دخل منزله خلا بين الحمار وبين سارة، استحياءا
منها ودخل البيت ونام، ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون، فخبزت
وقدمت إليه طعاما طيبا، فقال إبراهيم من أين لك هذا؟ قالت من الدقيق
الذي حملته من عند خليلك المصري، فقال إبراهيم اما انه خليلي وليس بمصري
فلذلك أعطي الخلة فشكر الله وحمده واكل
وقوله (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في
الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهن ما كتب لهن وترغبون ان تنكحوهن
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع) واما قوله (وان امرأة خافت
من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير)
قال إن خافت المرأة من زوجها ان يطلقها ويعرض عنها فتقول له قد تركت لك
كلما عليك ولا أسألك نفقة فلا تطلقني ولا تعرض عني فاني اكره شماتة الأعداء،
فلا جناح عليه ان يقبل ذلك ولا يجري عليها شيئا، وفي رواية أبى الجارود

(1) ويأتي ذكرها في ص 391 من هذا الكتاب. ج. ز
153

عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ويستفتونك في النساء " فان نبي الله صلى الله عليه وآله سئل
عن النساء ما لهن من الميراث فأنزل الله الربع والثمن، وقوله (وما يتلى عليكم
في الكتاب في يتامى النساء) فان الرجل كان يكون في حجره يتيمة فتكون ذميمة
أو ساقطة يعني حمقاء فيرغب الرجل عن أن يزوجها ولا يعطيها مالها فينكحها
غيره من اخذ مالها ويمنعها النكاح ويتربص بها الموت ليرثها فنهى الله عن ذلك
وقوله (والمستضعفين من الولدان) فان أهل الجاهلية كانوا لا يورثون الصبي
الصغير ولا الجارية من ميراث آبائهم شيئا وكانوا لا يعطون الميراث إلا لمن يقاتل
وكانوا يرون ذلك في دينهم حسنا، فلما انزل الله فرائض المواريث وجدوا من
ذلك وجدا (1) شديدا، فقالوا انطلقوا إلي رسول الله صلى الله عليه وآله فنذكره ذلك
لعله يدعه أو يغيره فاتوه، فقالوا يا رسول الله للجارية نصف ما ترك أبوها واخوها
ويعطى الصبي الصغير الميراث وليس أحد منهما يركب الفرس ولا يحوز الغنيمة ولا
يقاتل العدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك أمرت، واما قوله (وان تقوموا
لليتامى بالقسط) فإنهم كانوا يفسدون مال اليتيم فامرهم الله ان يصلحوا مالهم
واما قوله (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) نزلت في ابنة محمد بن
مسلمة كانت امرأة رافع بن جريح، وكانت امرأة قد دخلت في السن فتزوج عليها
امرأة شابة كانت أعجب إليه من ابنة محمد بن مسلمة، فقالت له بنت محمد بن
مسلمة ألا أراك معرضا عني مؤثرا علي؟ فقال رافع هي امرأة شابة وهي أعجب
إلي فان شئت أقررت على أن لها يومين أو ثلاثة مني ولك يوم واحد، فأبت
ابنة محمد بن مسلمة ان ترضاها فطلقها تطليقة واحدة ثم طلقها أخرى، فقالت
لا والله لا ارضى ان تسوي بيني وبينها يقول الله (وأحضرت الأنفس الشح)

(1) الفرح والحزن والمراد معني الأخير، فهو من لغات الأضداد. ج - ز.
154

وابنة محمد لم تطب نفسها بنصيبها وشحت عليه، فعرض عليها رافع اما ان ترضى
واما ان يطلقها الثالثة، فشحت على زوجها ورضيت فصالحته على ما ذكر فقال
الله (فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) فلما رضيت واستقرت.
لم يستطع ان يعدل بينهما فنزلت (ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو
حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) ان تأتي واحدة وتذر الأخرى
لا أيم (1) ولا ذات بعل وهذه السنة فيما كان كذلك إذا أقرت المرأة ورضيت على
ما صالحها عليه زوجها فلا جناح على الزوج ولا على المرأة وان هي أبت طلقها أو
يساوي بينهما لا يسعه إلا ذلك.
قال علي بن إبراهيم في قوله (وأحضرت الأنفس الشح) قال أحضرت
الشح فمها ما اختارته ومنها ما لم تختره وقوله (ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين
النساء) انه روي أنه سأل رجل من الزنادقة أبا جعفر الأحول فقال أخبرني عن
قوله " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا
فواحدة " وقال في آخر السورة " ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو
حرصتم فلا تميلوا كل الميل " فبين القولين فرق، فقول أبو جعفر الأحول فلم يكن
في ذلك عندي جواب فقدمت المدينة، فدخلت على أبي عبد الله (ع) فسألته.
عن الآيتين، فقال اما قوله " فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة " فإنما عنى به
النفقة وقوله " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء فإنما عنى به المودة، فإنه
لا يقدر أحد ان يعدل بين امرأتين في المودة، فرجع أبو جعفر الأحول إلى
الرجل فأخبره، فقال هذا حملته الإبل من بالحجاز.
واما قوله (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو علي

(1) الأيم كقيم امرأة لا بعل لها. ج. ز.
155

أنفسكم أو الوالدين والأقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما - إلى قوله - فان
الله كان بما تعملون خبيرا) فان الله امر الناس ان يكونوا قوامين بالقسط أي
بالعدل ولو على أنفسهم أو على والديهم أو على قراباتهم، قال أبو عبد الله عليه السلام ان على
المؤمن سبع حقوق، فأوجبها ان يقول الرجل حقا وإن كان على نفسه أو على والديه
فلا يميل لهم عن الحق ثم قال (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا أو ان تلوا أو تعرضوا) يعني
عن الحق (فان الله كان بما تعملون خبيرا) وقوله (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله
ورسوله) يعني أيها الذين أقروا صدقوا وقوله (ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم
آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا) قال نزلت في الذين آمنوا برسول الله اقرارا لا تصديقا
ثم كفروا لما كتبوا الكتاب فيما بينهم أن لا يردوا الامر إلى أهل بيته ابدا فلما
نزلت الولاية واخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الميثاق عليهم لأمير المؤمنين عليه السلام
آمنوا اقرارا لا تصديقا، فلما مضى رسول الله صلى الله عليه وآله كفروا وازدادوا كفرا
(لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) يعني طريقا إلا طريق جهنم، وقوله
(الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فان
العزة لله جميعا) يعني القوة، قال نزلت في بني أمية حيث خالفوا نبيهم على أن
لا يردوا الامر في بني هاشم وقوله (وقد نزل عليكم في الكتاب ان إذا سمعتم
آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره
انكم إذا مثلهم) قال آيات الله هم الأئمة عليهم السلام، وقوله (الذين يتربصون
بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا
ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين) فإنها نزلت في عبد الله ابن أبي وأصحابه
الذين قعدوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أحد، فكان إذا ظفر رسول الله صلى الله عليه وآله
بالكفار قالوا له ألم نكن معكم وإذا ظفرتم؟ الكفار قالوا ألم نستحوذ ان نعينكم
156

ولم نعن عليكم (1) قال الله (فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين
على المؤمنين سبيلا) واما قوله (ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) قال
الخديعة من الله العذاب قوله (إذا قاموا) مع رسول الله صلى الله عليه وآله (إلى الصلاة قاموا
كسالا يراؤن الناس) أنهم مؤمنون (ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا
إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) أي لم يكونوا من المؤمنين ولا من اليهود ثم قال (ان المنافقين
في الدرك الأسفل من النار) نزلت في عبد الله بن أبي وجرت في كل منافق ومشرك
وقوله (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) اي لا يحب ان يجهر الرجل الجزء (6
بالظلم والسوء ويظلم إلا من ظلم فقد أطلق له ان يعارضه بالظلم، وفي حديث
آخر في تفسير هذا قال إن جاءك رجل وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثناء
والعمل الصالح فلا تقبله منه وكذبه فقد ظلمك، وقوله (ان الذين يكفرون بالله
ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض)
قال هم الذين أقروا برسول الله صلى الله عليه وآله وأنكروا أمير المؤمنين عليه السلام (ويريدون
ان يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا).
وقوله (فبما نقضهم ميثاقهم) يعني فبنقضهم ميثاقهم (وكفرهم بآيات الله
وقتلهم الأنبياء بغير حق) قال هؤلاء لم يقتلوا الأنبياء وإنما قتلهم أجدادهم وأجداد
أجدادهم فرضوا هؤلاء بذلك فالزمهم الله القتل بفعل أجدادهم، فكذلك من رضي
بفعل فقد لزمه وان لم يفعله، والدليل على ذلك أيضا قوله في سورة البقرة " فلم تقتلون "
أنبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين " فهؤلاء لم يقتلوهم ولكنهم رضوا بقتل آبائهم
فالزمهم فعلهم، وقوله (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما) اي قولهم إنها
فجرت وقوله (قولهم انا قتلنا عيسى بن مريم رسول الله) لما رفعه الله إليه وقوله

(1) أعان عليه اي ضره وفي الدعاء " رب أعني ولا تعن علي). ج. ز.
157

(وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وقوله (وان من أهل الكتاب إلا
ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا) فإنه روى أن رسول الله ص إذا رجع آمن به الناس كلهم
قال حدثني أبي عن القاسم بن محمد بن سليمان بن داود المنقري عن أبي حمزة
عن شهر بن حوشب قال قال لي الحجاج بان آية في كتاب الله قد أعيتني، فقلت أيها
الأمير أية آية هي؟ فقال قوله " وان من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "
والله اني لآمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك
شفتيه حتى يخمد، فقلت أصلح الله الأمير ليس على ما تأولت، قال كيف هو؟ قلت إن
عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا نصراني
إلا آمن به قبل موته ويصلي خلف المهدي، قال ويحك انى لك هذا ومن أين
جئت به، فقلت حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم
السلام، فقال جئت بها والله من عين صافية، وقوله (فبظلم من الذين هادوا
حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا) فإنه حدثني أبي عن
ابن محبوب عن عبد الله بن أبي يعقوب (يعفور ط) قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من
زرع حنطة في ارض فلم يزك في ارضه وزرعه وخرج زرعه كثير الشعير فبظلم
عمله في ملك رقبة الأرض أو بظلم مزارعه واكرته لان الله يقول فبظلم من الذين
هادوا حرمنا عليهم الطيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا هكذا أنزلها
الله فاقرؤها هكذا وما كان الله ليحل شيئا في كتابه ثم يحرمه من بعد ما أحله ولا
ان يحرم شيئا ثم يحله من بعد ما حرمه، قلت وكذلك أيضا قوله ومن الإبل
والبقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما، قال نعم، قلت فقوله إلا ما حرم إسرائيل
على نفسه، قال إن إسرائيل كان إذا أكل من لحم الإبل يهيج عليه وجع الخاصرة
فحرم على نفسه لحم الإبل وذلك من قبل ان تنزل التورية، فلما أنزلت التورية
158

لم يحرمه ولم يأكله وقوله (لكن الراسخون في العلم إلى قوله وكان الله عزيزا
حكيما) فإنه محكم.
وقوله (لكن الله يشهد بما انزل إليك أنزله بعلمه) فإنه حدثني أبي عن
ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إنما أنزلت " لكن الله
يشهد بما انزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا "
وقرأ أبو عبد الله عليه السلام ان الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر
لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها ابدا وكان ذلك على الله يسيرا
وقوله (وآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة) فهم الذين قالوا بالله وبعيسى و
مريم فقال الله (انتهوا خيرا لكم إنما الله اله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما
في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا) وقوله (ان يستنكف المسيح أن
يكون عبدا لله) اي لا يأنف أن يكون عبدا لله (ولا الملائكة المقربون ومن
يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا) وقوله (يا أيها الناس قد
جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا) فالنور امامة أمير المؤمنين عليه السلام،
ثم قال (فاما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل) وهم
الذين تمسكوا بولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام، وقوله (يستفتونك،
قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك
وهو يرثها ان لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وان كانوا
اخوة رجالا ونساءا فللذكر مثل حظ الأنثيين) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير
عن عمر بن أذينة عن بكير عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا مات الرجل وله أخت تأخذ
نصف ما ترك من الميراث، لها نصف الميراث بالآية كما تأخذ البنت لو كانت،
والنصف الباقي يرد عليها بالرحم إذا لم يكن للميت وارث أقرب منها، فإن كان
موضع الأخت أخ اخذ الميراث كله بالآية لقوله الله (وهو يرثها ان لم يكن لها
159

ولد) وان كانتا أختين اخذتا الثلثين بالآية والثلث الباقي بالرحم وان كانوا
اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين وذلك كله إذا لم يكن للميت ولد
أو أبوان أو زوجة
سورة المائدة مدنية
وهي مأة وعشرون آية
(بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم
بهيمة الأنعام) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قوله " أوفوا بالعقود " قال بالعهود، وأخبرنا الحسين بن محمد
بن عامر عن المعلى بن محمد البصري عن ابن أبي عمير عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في قوله:
(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله عقد عليهم لعلي
بالخلافة في عشرة مواطن، ثم انزل الله " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود
التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين عليه السلام " وقال علي بن إبراهيم في قوله (أحلت
لكم بهيمة الأنعام) قال الجنين في بطن أمه إذا أوبر واشعر فذكاته ذكاة أمه
فذلك الذي عناه الله، وقوله (أحلت لكم بهيمة الأنعام) دليل على أن غير
الانعام محرم، وقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام
ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام) فالشعائر الاحرام، والطواف
والصلاة في مقام إبراهيم، والسعي بين الصفا والمروة، ومناسك الحج كلها من
شعائر الله، ومن الشعائر إذا ساق الرجل بدنة في الحج ثم اشعرها أي قطع
سنامها أو جللها أو قلدها ليعلم الناس انها هدي فلا تتعرض لها أحد، وإنما سميت
الشعائر لتشعر الناس بها فيعرفونها، وقوله " ولا الشهر الحرام " وهو ذو الحجة
وهو من الأشهر الحرام، وقوله " ولا الهدي " وهو الذي يسوقه إذا احرم
160

" ولا القلائد " قال يقلدها النعل الذي قد صلى فيه وقوله " ولا آمين البيت
الحرام " قال الذين يحجون البيت الحرام وقوله (وإذا حللتم فاصطادوا) فأحل
لهم الصيد بعد تحريمه إذا أحلوا، وقوله (ولا يجر منكم شنآن قوم أن صدوكم
عن المسجد الحرام ان تعتدوا) اي لا يحملنكم عداوة قريش ان صدوك عن المسجد
الحرام في غزوة حديبية أن تعتدوا عليهم وتظلموهم ثم نسخت هذه الآية بقوله
" فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ".
واما قوله (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به
والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على
النصب وان تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق) فالميتة والدم ولحم الخنزير معروف،
وما أهل لغير الله به يعني به ما ذبح للأصنام، والمنخنقة: فان المجوس كانوا
لا يأكلون الذبائح ويأكلون الميتة، وكانوا يخنقون البقر والغنم فإذا ماتت
اكلوها، والموقوذة: كانوا يشدون عينيها وأرجلها ويضربونها حتى تموت،
فإذا ماتت اكلوها، والمتردية: كانوا يشدون عينها ويلقونها من السطح،
فإذا ماتت اكلوها، والبطيحة: كانوا يتناطحون بالكباش فإذا مات أحدهما اكلوه
وما اكل السبع إلا ما ذكيتم: فإنهم كانوا يأكلون ما يأكله الذئب والأسد
والدب فحرم الله ذلك، وما ذبح على النصب: كانوا يذبحون لبيوت النيران،
وقريش كانوا يعبدون الشجر والصخر فيذبحون لها، وان تستقسموا بالأزلام
ذلكم فسق: قال كانوا يعمدون إلى الجزور فيجزونه عشرة اجزاء ثم يجتمعون
عليه فيخرجون السهام ويدفعونها إلى رجل، والسهام عشرة سبعة لها أنصباء
وثلاثة لا أنصباء لها، فالتي لها إنصباء، الفذ والتوام، والمسبل، والنافس،
والحلس (الحليس ط)، والرقيب، والمعلى، فالفذ له سهم والتوأم له سهمان والمسبل له ثلاثة
أسهم والنافس له أربعة أسهم والحلس له خمسة أسهم والرقيب له ستة أسهم والمعلى
161

له سبعة أسهم، والتي لا أنصباء لها السفح والمنيح والوغد، وثمن الجزور على من
لم يخرج له الأنصباء شيئا، وهو القمار فحرمه الله عز وجل.
وقوله (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) قال ذلك لما نزلت ولاية
أمير المؤمنين عليه السلام واما قوله (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الاسلام دينا) فإنه حدثني أبي عن صفوان بن يحيى عن العلا عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال آخر فريضة أنزلها الله الولاية ثم لم ينزل بعدها
فريضة ثم انزل " اليوم أكملت لكم دينكم " بكراع الغنم (1) فأقامها رسول الله
صلى الله عليه وآله بالجحفة فلم ينزل بعدها فريضة واما قوله (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف
لاثم) فهو رخصة للمضطر ان يأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، والمخمصة الجوع
وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله غير متجانف لاثم، قال
يقول غير متعمد لاثم، وقال علي بن إبراهيم في قوله غير متجانف لاثم، اي
غير مائل في الاثم فلا يأكل الميتة إذا اضطر إليها إذا كان في سفر غير حق،
وكذلك إن كان في قطع الطريق أو ظلم أو جور قوله (يسئلونك ماذا أحل لهم
قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله)
وهو صيد الكلاب المعلمة خاصة أحله الله إذا أدركته و، قتلته لقوله " فكلوا
مما أمسكن عليكم " واخبرني أبى عن فضالة بن أيوب عن سيف بن عميرة عن أبي
بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن صيد البزاة والصقور
والفهود والكلاب، قال لا تأكلوا إلا ما ذكيتم إلا الكلاب، قلت فان قتله
قال كل فان الله يقول وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا
مما أمسكن عليكم، ثم قال (ع) كل شئ من السباع تمسك الصيد على نفسها

(1) كراع الغميم خ. ل.
162

إلا الكلاب المعلمة فإنها تمسك على صاحبها قال إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكروا
اسم الله عليه، فهو ذكاته وقوله (أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا
الكتاب حل لكم) قال عنى بطعامهم الحبوب والفاكهة غير الذبائح التي يذبحونها
فإنهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم، ثم قال والله ما استحلوا ذبايحكم فكيف
تستحلون ذبائحهم.
وقوله (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) فقد أحل الله
نكاح أهل الكتاب بعد تحريمه في قوله في سورة البقرة (ولا تنكحوا المشركات
حتى يؤمن) وإنما يحل نكاح أهل الكتاب الذين يؤدون الجزية على ما يجب فاما
إذا كانوا في دار الشرك ولم يؤدوا الجزية لم يحل مناكحتهم وقوله (ومن يكفر
بالايمان فقد حبط عمله) قال من آمن ثم أطاع أهل الشرك فقد حبط عمله وكفر
بالايمان (وهو في الآخرة من الخاسرين) وقوله (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم
إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) يعني من المرفق وهو محكم
وقوله (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به) قال لما اخذ رسول الله
صلى الله عليه وآله الميثاق عليهم بالولاية قالوا سمعنا وأطعنا، ثم نقضوا ميثاقهم وقول (اذكروا
نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم) يعني
أهل مكة من قبل ان فتحها فكف أيديهم بالصلح يوم الحديبية وقوله (فيما نقضهم
ميثاقهم لعناهم) يعني نقض عهد أمير المؤمنين عليه السلام (وجعلنا قلوبهم قاسية
يحرفون الكلم عن مواضعه) قال من نحي أمير المؤمنين عليه السلام (1) عن موضعه،

(1) كما أن بعض الآيات فيه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمراد منه أمته على نحو
" إياك أعني واسمعي يا جارة " كذلك هذه الآية - بناءا على التفسير المذكور -
وإن كان ظاهرها متعرضا لشأن بني إسرائيل اما باطنها متعلق بأعداء آل محمد ج - ز.
163

والدليل على ذلك ان الكلمة أمير المؤمنين عليه السلام قوله " وجعلها كلمة باقية
في عقبه " يعني به الإمامة وقوله (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم
فاعف عنهم واصفح) قال منسوخة بقوله: اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم،
وقوله (ومن الذين قالوا انا نصارى أخذنا ميثاقهم) قال علي (ع) ان عيسى بن مريم عبد
مخلوق فجعلوه ربا (فنسوا حظا مما ذكروا به).
وقوله (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم
تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير) قال يبين النبي صلى الله عليه وآله ما أخفيتموه مما في
التورية من اخباره ويدع كثيرا لا يبينه (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)
يعني بالنور أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام: وقوله (قد جاءكم رسولنا يبين
لكم) مخاطبة لأهل الكتاب (على فترة من الرسل) قال علي (ع) انقطاع من الرسل
احتج عليهم فقال (ان تقولوا) اي لئلا تقولوا (ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد
جاءكم بشير ونذير والله على كل شئ قدير) وقوله (اذكروا نعمة الله عليكم
إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا) يعني في بني إسرائيل لم يجمع الله لهم النبوة
والملك في بيت واحد، ثم جمع ذلك لنبيه وقوله (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة
التي كتب الله لكم) فان ذلك نزل لما قالوا لن نصبر على طعام واحد، فقال لهم
موسى اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم، فقالوا ان فيها قوما جبارين وانا لن
ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون فنصف الآية ههنا ونصفها
في سورة البقرة، فلما قالوا لموسى ان فيها قوما جبارين، وانا لن ندخلها حتى
يخرجوا منها، قال لهم موسى لابد ان تدخلوها، فقالوا له؟ (فاذهب أنت وربك فقاتلا
انا ههنا قاعدون) فاخذ موسى بيد هارون وقال كما حكى الله (انى لا أملك إلا
نفسي وأخي) يعني هارون (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) فقال الله (فإنها
محرمة عليهم أربعين سنة) يعني مصر لن يدخلوها أربعين سنة (يتيهون في
164

الأرض) فلما أراد موسى ان يفارقهم فزعوا وقالوا ان خرج موسى من بيننا نزل
علينا العذاب ففزعوا إليه وسألوه ان يقيم معهم ويسأل الله أن يتوب عليهم،
فأوحى الله إليه قد تبت عليهم على أن يدخلوا مصر وحرمتها عليهم أربعين سنة
يتيهون في الأرض عقوبة لقولهم اذهب أنت وربك فقاتلا فدخلا كلهم في التيه
البرقادون (الاقارون ط)، فكانوا يقومون في أول الليل ويأخذون في قراءة التوراة فإذا أصبحوا
على باب مصر دارت بهم الأرض، فردتهم إلى مكانهم وكان بينهم وبين مصر اربع
فراسخ، فبقوا في ذلك أربعين سنة، فمات هارون وموسى في التيه ودخلها
أبناؤهم وأبناء أبنائهم.
وروي ان الذي حفر قبر موسى ملك الموت في صورة آدمي، ولذلك
لا تعرف بنو إسرائيل قبر موسى، وسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قبره فقال
عند الطريق الأعظم عند الكثيب الأحمر، قال وكان بين موسى وداود خمس مائة سنة
وبين داود وعيسى الف ومائة سنة
واما قوله (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما
ولم يتقبل من الآخر) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم
عن أبي حمزة الثمالي عن ثوير بن أبي فاختة قال سمعت علي بن الحسين عليهما السلام
يحدث رجلا من قريش قال لما قرب ابنا آدم القربان، قرب أحدهما أسمن كبش
كان في ظأنيته وقرب الآخر ضغثا من سنبل، فقبل من صاحب الكبش وهو
هابيل ولم يتقبل من الآخر فغضب قابيل فقال لهابيل والله لأقتلنك، فقال هابيل
(إنما يتقبل الله من المتقين لان بسطت إلي يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي إليك
لأقتلك انى أخاف الله رب العالمين اني أريد ان تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب
النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه) فلم يدر كيف يقتله حتى
جاء إبليس فعلمه، فقال ضع رأسه بين حجرين ثم اشدخه، فلما قتله لم يدر
165

ما يصنع به فجاء غرابان فأقبلا يتضاربان حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر الذي بقي
الأرض بمخالبه ودفن فيما صاحبه، قال قابيل (يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا
الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين) فحفر له حفيرة ودفنه فيها فصارت
سنة يدفنون الموتى فرجع قابيل إلى أبيه فلم ير معه هابيل، فقال له آدم أين
تركت ابني؟ قال له قابيل أرسلتني عليه راعيا؟ فقال آدم انطلق معي إلى مكان
القربان وأوجس قلب آدم بالذي فعل قابيل، فلما بلغ المكان استبان قتله، فلعن
آدم الأرض التي قبلت دم هابيل وامر آدم ان يلعن قابيل ونودي قابيل من السماء لعنت
كما قتلت أخاك ولذلك لا تشرب الأرض الدم، فانصرف آدم فبكى على هابيل أربعين
يوما وليلة فلما جزع عليه شكى ذلك إلى الله فأوحى الله إليه اني واهب لك ذكرا
يكون خلفا من هابيل، فولدت حواء غلاما زكيا مباركا، فلما كان اليوم السابع
أوحى الله إليه يا آدم ان هذا الغلام هبة مني لك فسمه هبة الله، فسماه آدم
هبة الله
قال وحدثني أبي عن عثمان بن عيسى عن (أبى ط) أيوب عن محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام قال كنت جالسا معه في المسجد الحرام فإذا طاووس في جانب
الحرم يحدث أصحابه حتى قال أتدري أي يوم قتل نصف الناس، فاجابه
أبو جعفر عليه السلام فقال أو ربع الناس يا طاووس، فقال أو ربع الناس، فقال
أتدري ما صنع بالقاتل؟ فقلت ان هذه المسألة، فلما كان من الغد غدوت على
أبى جعفر عليه السلام فوجدته قد لبس ثيابه وهو قاعد على الباب ينتظر الغلام ان
يسرج له، فاستقبلني بالحديث قبل ان أسأله فقال، ان بالهند أو من وراء الهند
رجلا معقولا برجله اي واحدة، لبس المسح (1) موكل به عشرة نفر كلما مات رجل
منهم اخرج أهل القرية بدله فالناس يموتون والعشرة لا ينقصون يستقبلونه بوجه
الشمس حين تطلع ويديرونه معها حين تغيب ثم يصبون عليه في البرد الماء البارد

(1) المسح بالكسر كساء من صوف جمعه مسوح ج. ز
166

وفي الحر الماء الحار، قال فمر به رجل من الناس فقال له من أنت يا عبد الله؟ فرفع
رأسه ونظر إليه ثم قال له اما أن تكون أحمق الناس واما أن تكون أعقل الناس،
انى لقائم ههنا منذ قامت الدنيا ما سألني أحد غيرك من أنت، ثم قال يزعمون أنه
ابن آدم (1).
قال الله عز وجل (من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل
نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) فلفظ الآية خاص
في بني إسرائيل ومعناه جار في الناس كلهم، وقوله (ومن أحياها فكأنما
أحيا الناس جميعا) قال من أنقذها من حرق أو غرق أو هدم أو سبع أو
كلفة حتى يستغني أو أخرجه من فقر إلى غنى، وأفضل من ذلك ان أخرجه من
ضلال إلى هدى، وقوله فكأنما أحيا الناس جميعا، قال يكون مكانه كمن أحيا
الناس جميعا واما قوله (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض
فسادا ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من
الأرض) فإنه حدثني أبي عن علي بن حسان عن أبي جعفر عليه السلام قال من حارب
الله واخذ المال وقتل كان عليه ان يقتل ويصلب، ومن حارب وقتل ولم يأخذ المال

(1) ان هذا الخبر من غرائب الاخبار حيث لم يشاهد مثل هذا الشخص
المعذب اي مكان، ولو كان لبان، فيمكن ان الإمام عليه السلام لم يكن
مقصوده بيان اعتقاده بل ذكره حسب ما كان على السنة الناس في ذاك الزمان
كما يدل عليه لفظه " يزعمون أنه ابن آدم " وعلى فرض كونه حاكيا عن اعتقاد
نفسه يجوز أن تكون العشرة الموكلون على هذا الرجل من الأجنة المخفية عن
انظار عامة البشر فلذا لم يطلعوا وعلمه الإمام عليه السلام لأنه عالم بخبايا
الأمور. ج. ز.
167

كان عليه ان يقتل ولا يصلب، ومن حارب فاخذ المال ولم يقتل كان عليه ان تقطع
يده ورجله من خلاف، ومن حارب ولم يأخذ المال ولم يقتل كان عليه ان ينفى،
ثم استثنى عز وجل فقال " إلا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم " يعني
يتوب من قبل ان يأخذهم الامام، وقوله (اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) فقال
تقربوا إليه بالامام، وقوله (ان الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله
معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيمة ما تقبل منهم - إلى قوله - والله على كل
شئ قدير) فإنه محكم.
واما قوله (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين
قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) فإنه كان سبب نزولها انه كان في المدينة
بطنان من اليهود من بني هارون وهم النضير وقريضة وكانت قريضة سبع مائة
والنضير ألفا، وكانت النضير أكثر مالا وأحسن حالا من قريضة. وكانوا حلفاء
لعبد الله بن أبي، فكان إذا وقع بين قريضة والنضير قتل وكان الفاتل من بني
النضير قالوا لبني قريضة لا نرضى أن يكون قتيل منا بقتيل منكم فجرى بينهم في
ذلك مخاطبات كثيرة حتى كادوا ان يقتتلوا حتى رضيت قريضة وكتبوا بينهم
كتابا على أنه اي رجل من اليهود من النضير قتل رجلا من بني قريضة ان يجنيه
ويحمم، والتجنية ان يقعد على جمل ويولى وجهه إلى ذنب الجمل ويلطخ بالحماة
ويدفع نصف الدية، وإيما رجل من بني قريضة قتل رجلا من بني النضير ان
يدفع إليه دية كاملة ويقتل به، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة ودخلت
الأوس والخرج في الاسلام ضعف امر اليهود فقتل رجل من بني قريضة رجلا
من بني النضير فبعثوا إليهم بنو النضير ابعثوا الينا فدية؟ المقتول وبالقاتل حتى
نقتله، فقالت قريضة ليس هذا حكم التوراة وإنما هو شئ غلبتمونا عليه فاما
الدية واما القتل وإلا فهذا محمد بيننا وبينكم فهلموا لنتحاكم إليه، فمشت بنو
168

النضير إلى عبد الله بن أبي وقالوا سل محمدا ان لا ينقض شرطنا في هذا الحكم
الذي بيننا وبين بني قريضة في القتل، فقال عبد الله بن أبي ابعثوا معي رجلا
يسمع كلامي وكلامه فان حكم لكم بما تريدون وإلا فلا ترضوا به، فبعثوا معه
رجلا فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له يا رسول الله ان هؤلاء القوم قريضة
والنضير قد كتبوا بينهم كتابا وعهدا وثيقا تراضوا به والآن في قدومك يريدون
نقضه وقد رضوا بحكمك فيهم فلا تنقض عليهم كتابهم وشرطهم، فان بني
النضير لهم القوة والسلاح والكراع، ونحن نخاف الغوائل والدوائر، فاغتم لذلك
رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يجبه بشئ، فنزل عليه جبرئيل بهذه الآيات " يا أيها
الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم
تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا " يعني اليهود " سماعون للكذب سماعون لقوم
آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه " يعني عبد الله بن أبي وبني
النضير " يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا " يعني عبد الله بن
أبي حيث قال لبني النضير إن لم يحكم لكم بما تريدون فلا تقبلوا " ومن يرد الله
فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في
الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت فان
جاؤوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم، وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان
حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين - إلى قوله - ومن لم يحكم بما
انزل الله فأولئك هم الكافرون " وقوله (وكتبنا عليهم فيها) يعني في التوراة
(ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن
والجروح قصاص) فهي منسوخة بقوله (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر
بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) وقوله (والجروح قصاص) لم تنسخ ثم قال
(فمن تصدق به) اي عفى (فهو كفارة له) وقوله (لكل جعلنا منكم شرعة
169

ومنهاجا) قال لكل نبي شريعة وطريق (ولكن ليبلوكم فيما آتاكم) أي يختبركم
ثم قال لنبيه (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى ان
تصيبنا دائرة) وهو قول عبد الله بن أبي لرسول الله صلى الله عليه وآله لا تنقض حكم بني
النضير فانا نخاف الدوائر، فقال الله تعالى (فعسى الله ان يأتي بالفتح أو امر من
عنده فيصبحوا علي ما أسروا في أنفسهم نادمين) واما قوله (يا أيها الذين آمنوا
من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين
أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله) قال هو محاطبة لأصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله الذين غصبوا آل محمد حقهم وارتدوا عن دين الله " فسوف يأتي الله بقوم
يحبهم ويحبونهم " نزلت في القائم عليه السلام وأصحابه (يجاهدون في سبيل الله ولا
يخافون لومة لائم) واما قوله (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) فإنه حدثني أبي عن صفوان عن
أبان بن عثمان بن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال بينما رسول الله صلى الله عليه وآله
جالس وعنده قوم من اليهود فيهم عبد الله بن سلام، إذ نزلت عليه هذه الآية
فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المسجد فاستقبله سائل، فقال هل أعطاك أحد
شيئا؟ قال نعم، ذاك المصلي فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا هو علي أمير المؤمنين
عليه السلام وقوله (وإذا جاؤكم قالوا آمنا) قال نزلت في عبد الله بن أبي لما اظهر الاسلام
(وقد دخلوا في الكفر) قال وخرجوا به من الايمان وقوله (وأكلهم السحت) قال
السحت هو بين الحلال والحرام وهو ان يؤاجر الرجل نفسه على حمل المسكر ولحم
الخنزير واتخاذ الملاهي فاجارته نفسه خلال ومن جهة ما يحمل ويعلم هو سحت.
وحدثني أبي عن النوفل عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال
أمير المؤمنين عليه السلام من السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، ومهر البغي،
والرشوة في الحكم، واجر الكاهن، وقوله (قالت اليهود يد الله مغلولة غلت
170

أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان) قال قالوا قد فرغ الله من الامر
لا يحدث الله غير ما قد قدره في التقدير الأول، فرد الله عليهم فقال بل يداه
مبسوطتان ينفق كيف يشاء اي يقدم ويؤخر ويزيد وينقص وله البداء والمشية،
وقوله (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) قال كلما أراد جبار من الجبابرة
هلاك آل محمد قصمه الله، وقوله (ولو أنهم أقاموا التورية والإنجيل وما انزل
إليهم من ربهم) يعني اليهود والنصارى (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم)
قال من فوقهم المطر ومن تحت أرجلهم النعبات وقوله (منهم أمة مقتصدة) قال
قوم من اليهود دخلوا في الاسلام فسماهم الله مقتصدة.
وقوله (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك) قال نزلت هذه الآية
في علي (وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) قال نزلت هذه
الآية في منصرف رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع وحج رسول الله صلى الله عليه وآله
حجة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة، فكان من قوله بمنى ان حمد الله
واثنى عليه ثم قال:
" أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه عني، فاني لا أدري لا ألقاكم بعد
عامي هذا، ثم قال هل تعلمون اي يوم أعظم حرمة؟ قال الناس هذا اليوم، قال
فأي شهر؟ قال الناس هذا، قال وأي بلد أعظم حرمة؟ قالوا بلدنا هذا، قال فان
دماءكم وأموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في
بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم فيسألكم عن اعمالكم، ألا هل بلغت أيها
الناس؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وكل مأثرة أو بدعة كانت في
الجاهلية أو دم أو مال فهو تحت قدمي هاتين، ليس أحد أكرم من أحد إلا
بالتقوى، ألا هل بلغت؟ قالوا نعم؟ قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وكل ربا
كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول موضوع منه ربا العباس بن عبد المطلب،
171

ألا وكل دم كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول موضوع دم ربيعة، ألا هل
بلغت؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وان الشيطان قد يئس ان
يعبد بأرضكم هذه ولكنه راض بما تحتقرون من اعمالكم، ألا وانه إذا أطيع
فقد عبد، ألا أيها الناس ان المسلم أخو المسلم حقا، لا يحل لامرء مسلم دم
امرء مسلم وماله إلا ما أعطاه بطيبة نفس منه، واني أمرت ان أقاتل الناس حتى
يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها
وحسابهم على الله، ألا هل بلغت أيها الناس؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم
قال أيها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي وافهموه تنعشوا ألا لا ترجعوا
بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا، فان فعلتم ذلك
ولتفعلن لنجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل اضرب وجوهكم بالسيف،
ثم التفت عن يمينه فسكت ساعة ثم قال - إن شاء الله أو علي بن أبي طالب، ثم قال
ألا واني قد تركت فيكم أمرين ان أخذتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي
أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، ألا
فمن اعتصم بهما فقد نحبا ومن خالفهما فقد هلك، ألا هل بلغت؟ قالوا نعم، قال
اللهم اشهد، ثم قال ألا وانه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدفعون عني، فأقول
رب أصحابي، فقال يا محمد انهم أحدثوا بعدك وغيروا سنتك فأقول سحقا
سحقا (1).

(1) وفي لفظ صحيح البخاري: ان أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات
الشمال فأقول أصحابي أصحابي! فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ
فارقتهم، وفي لفظ صحيح مسلم: أقول إنهم مني فيقال انك لا تدري ما عملوا
بعدك، فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي، قال النووي في ذيل هذه
الأحاديث (اي أحاديث الحوض): قال القاضي عياض أحاديث الحوض صحيحة
والايمان به فرض والتصديق به من الايمان، متواتر النقل رواه خلائق من الصحابة
راجع صحيح البخاري ج 2 / 145 - 159 و ج 3 / 79 و ج 4 / 87 (باب
الحوض) وصحيح مسلم ج 2 / 249 - 252. ج. ز.
172

فلما كان آخر يوم من أيام التشريق انزل الله: إذا جاء نصر الله والفتح، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله نعيت إلى نفسي ثم نادى الصلاة جامعة في مسجد الخيف
فاجتمع الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال نصر الله امرءا، سمع مقالتي فوعاها
وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو
أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرء مسلم اخلص العمل لله والنصيحة لائمة
المسلمين ولزم جماعتهم فان دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون اخوة تتكافأ
دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم.
أيها الناس انى تارك فيكم الثقلين، قالوا يا رسول الله وما الثقلان؟
قال كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترفا
حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين، وجمع بين سبابتيه ولا أقول كهاتين وجمع
سبابته والوسطى، فتفضل هذه على هذه، فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا يريد
محمد ان يجعل الإمامة في أهل بيته فخرج أربعة نفر منهم إلى مكة ودخلوا الكعبة
تعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتابا ان مات محمد أو قتل أن لا يردوا
هذا الامر في أهل بيته ابدا فأنزل الله على نبيه في ذلك " أم أبرموا امرا فانا مبرمون
أم يحسبون انا لا نسمع سرهم ونجويهم بلي ورسلنا لديهم يكتبون (1) " فخرج
رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة يريد المدينة حتى نزل منزلا يقال له غدير خم، وقد

(1) الزخرف 79.
173

علم الناس مناسكهم وأوعز إليهم وصيته إذ نزلت عليه هذه الآية " يا أيها الرسول
بلغ ما انزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس "
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بعد ان حمد الله واثنى عليه ثم قال أيها الناس هل
تعلمون من وليكم؟ فقالوا نعم الله ورسوله، ثم قال ألستم تعلمون اني أولى
بكم من أنفسكم؟ قالوا بلى، قال اللهم اشهد فأعاد ذلك عليهم ثلاثا كل ذلك
يقول مثل قوله الأول ويقول الناس كذلك ويقول اللهم اشهد، ثم اخذ بيد
أمير المؤمنين (ع) فرفعها حتى بدا للناس بياض إبطيهما ثم قال " ألا من كنت
مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل
من خذله وأحب من أحبه ثم رفع رأسه إلى السماء فقال اللهم اشهد عليهم وانا
من الشاهدين " فاستفهمه عمر فقام من بين أصحابه فقال يا رسول الله هذا من الله
ومن رسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله نعم من الله ورسوله انه أمير المؤمنين
وامام المتقين وقائد الغر المحجلين، يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل
أولياءه الجنة وأعداءه النار، فقال أصحابه الذين ارتدوا بعده قد قال محمد في
مسجد الخيف ما قال وقال ههنا ما قال وان رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له
فاجتمعوا أربعة عشر نفرا وتوامروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وقعدوا في
العقبة، وهي عقبة هرشى (ارشى ط) بين الجحفة والابواء، فقعدوا سبعة عن يمين العقبة
وسبعة عن يسارها لينفروا ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما جن الليل تقدم رسول الله
صلى الله عليه وآله في تلك الليلة العسكر فاقبل ينعس على ناقته، فلما دنا من العقبة ناداه
جبرئيل يا محمد ان فلانا وفلانا (وفلانا ط) قد قعدوا لك، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال من
هذا خلفي فقال حذيفة اليماني انا يا رسول الله حذيفة بن اليمان، قال سمعت
ما سمعت قال بلى قال فاكتم، ثم دنا رسول الله صلى الله عليه وآله منهم فناداهم بأسمائهم،
فلما سمعوا نداء رسول الله صلى الله عليه وآله فروا ودخلوا في غمار الناس وقد كانوا عقلوا
174

رواحلهم فتركوها ولحق الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وطلبوهم وانتهى رسول الله
صلى الله عليه وآله إلى رواحلهم فعرفهم، فلما نزل قال ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة ان
مات محمد أو قتل ألا يردوا هذا الامر في أهل بيته ابدا، فجاؤوا إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله فحلفوا انهم لم يقولوا من ذلك شيئا ولم يريدوه ولم يكتموا شيئا من
رسول الله صلى الله عليه وآله، فأنزل الله " يحلفون بالله ما قالوا " ان لا يردوا هذا الامر
في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله " ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا
بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا " من قتل رسول الله صلى الله عليه وآله " وما
نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فان يتوبوا يك خيرا لهم وان يتولوا
يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير (1) "
فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وبقي بها محرم والنصف من صفر لا يشتكي
شيئا ثم ابتدأ به الوجع الذي توفى فيه صلى الله عليه وآله.
فحدثني أبي عن مسلم بن خالد عن محمد بن جابر عن ابن مسعود قال قال لي
رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من حجة الوداع يا بن مسعود قد قرب الأجل ونعيت
إلي نفسي فمن لذلك بعدي؟ فأقبلت أعد عليه رجلا رجلا، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله
ثم قال ثكلتك الثواكل فأين أنت عن علي بن أبي طالب لم لا تقدمه على الخلق
أجمعين، يا بن مسعود انه إذا كان يوم القيامة رفعت لهذه الأمة اعلام، فأول
الاعلام لوائي الأعظم مع علي بن أبي طالب والناس أجمعين تحت لوائه ينادي مناد
هذا الفضل يا بن أبي طالب ثم نزل كتاب الله يخبر عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال (وحسبوا ألا تكون فتنة) اي لا يكون اختبار ولا يمتحنهم الله
بأمير المؤمنين عليه السلام (فعموا وصموا) قال حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرهم
(ثم عموا وصموا) حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وأقام أمير المؤمنين عليه السلام عليهم

(1) التوبة 74.
175

فعموا وصموا فيه حتى الساعة، ثم احتج عز وجل على النصارى في عيسى فقال:
(ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان
الطعام) يعني كانا يحدثان فكنى الله عن الحدث وكل من اكل الطعام يحدث.
ثم قال (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق) أي لا تقولوا ان
عيسى هو الله وابن الله، وحدثني أبي قال حدثني هارون بن مسلم عن مسعدة
ابن صدقة قال سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في اعمال
السلطان ويعملون لهم ويحبونهم ويوالونهم، قال ليس هم من الشيعة ولكنهم من
أولئك ثم قرأ أبو عبد الله عليه السلام هذه الآية (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل
على لسان داود وعيسى بن مريم - إلى قوله - ولكن كثيرا منهم فاسقون) قال
الخنازير على لسان داود والقردة على لسان عيسى وقوله " كانوا لا يتناهون عن
منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " قال كانوا يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر
ويأتون النساء أيام حيضهن، ثم احتج الله على المؤمنين الموالين للكفار " وترى كثيرا
منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم - إلى قوله - ولكن كثيرا
منهم فاسقون " فنهى الله عز وجل ان يوالي المؤمن الكافر إلا عند التقية واما
قوله (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن
أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى) فإنه كان سبب نزولها انه لما
اشتدت قريش في اذى رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه الذين آمنوا به بمكة قبل
الهجرة أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله ان يخرجوا إلى الحبشة، وامر جعفر بن أبي
طالب عليه السلام ان يخرج معهم، فخرج جعفر ومعه سبعون رجلا من المسلمين حتى
ركبوا البحر، فلما بلغ قريش خروجهم بعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد
إلى النجاشي ليردوهم، وكان عمرو وعمارة متعاديين، فقالت قريش كيف نبعث
رجلين متعاديين فبرئت بنو مخزوم من جناية عمارة وبرئت بنو سهم من جناية
176

عمرو بن العاص، فخرج عمارة وكان حسن الوجه شابا مترفا فأخرج عمرو بن
العاص أهله معه فلما ركبوا السفينة شربوا الخمر، فقال عمارة لعمرو بن العاص،
قل لأهلك تقبلني، فقال عمرو أيجوز هذا سبحان الله فسكت عمارة فلما
انتشأ (1) عمرو وكان على صدر السفينة، دفعه عمارة وألقاه في البحر فتشبث
عمرو بصدر السفينة وأدركوه فأخرجوه " فوردوا على النجاشي وقد كانوا حملوا
إليه هدايا فقبلها منهم، فقال عمرو بن العاص أيها الملك ان قوما منا خالفونا في
ديننا وسبوا آلهتنا وصاروا إليك فردهم الينا، فبعث النجاشي إلى جعفر فجاؤوا به،
فقال يا جعفر ما يقول هؤلاء؟ فقال جعفر أيها الملك وما يقولون؟ قال يسألون ان
أردكم إليهم، قال أيها الملك سلهم أعبيد نحن لهم؟ فقال عمرو لا بل أحرار كرام،
قال فسلهم الهم علينا ديون يطالبوننا بها؟ قال لا مالنا عليكم ديون، قال فلكم في
أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟ قال عمرو لا، قال فما تريدون منا آذيتمونا فخرجنا من
بلادكم، فقال عمرو بن العاص أيها الملك خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وأفسدوا
شبابنا وفرقوا جماعتنا فردهم الينا لنجمع أمرنا، فقال جعفر نعم أيها الملك
خالفناهم بأنه بعث الله فينا نبيا امر بخلع الأنداد، ترك الاستقسام بالأزلام،
وأمرنا بالصلاة والزكاة، وحرم الظلم والجور، وسفك الدماء بغير حقها والزناء
والربا والميتة والدم، وأمرنا بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن
الفحشاء والمنكر والبغي، فقال النجاشي بهذا بعث الله عيسى بن مريم عليه السلام، ثم
قال النجاشي يا جعفر هل تحفظ مما انزل الله على نبيك شيئا؟ قال نعم فقرأ عليه
سورة مريم فلما بلغ إلى قوله " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا
فكلي واشربي وقري عينا " فلما سمع النجاشي بهذا بكى بكاءا شديدا، وقال هذا

(1) اي سكر. مجمع ج - ز.
177

والله هو الحق، فقال عمرو بن العاص أيها الملك ان هذا مخالفنا فرده الينا، فرفع
النجاشي يده فضرب بها وجه عمرو ثم قال اسكت، والله يا هذا لان ذكرته بسوء
لأفقدنك نفسك، فقام عمرو بن العاص من عنده والدماء تسيل على وجهه وهو
يقول إن كان هذا كما تقول أيها الملك فانا لا نتعرض له، وكانت على رأس
النجاشي وصيفة له تذب عنه، فنظرت إلى عمارة بن الوليد وكان فتى جميلا فأحبته
فلما رجع عمرو بن العاص إلى منزله، قال لعمارة لو راسلت جارية الملك، فراسلها
فأجابته، فقال عمرو قل لها تبعث إليك من طيب الملك شيئا، فقال لها فبعثت إليه
فاخذ عمرو من ذلك الطيب، وكان الذي فعل به عمارة في قلبه حين ألقاه في البحر
فادخل الطيب على النجاشي، فقال أيها الملك ان حرمة الملك عندنا وطاعته علينا
وما يكرمنا إذا دخلنا بلاده ونأمن فيه ان لا نغشه ولا نريبه وان صاحبي هذا
الذي معي قد ارسل حرمتك وخدعها وبعثت إليه من طيبك ثم وضع الطيب
بين يديه، فغضب النجاشي وهم بقتل عمارة ثم قال لا يجوز قتله فإنهم دخلوا بلادي
فأمان لهم، فدعا النجاشي السحرة فقال لهم اعملوا به شيئا أشد عليه من القتل،
فأخذوه ونفخوا في إحليله الزئبق فصار مع الوحش يغدو ويروح، وكان لا يأنس
بالناس فبعثت قريش بعد ذلك فكمنوا له في موضع حتى ورد الماء مع الوحش
فأخذوه فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتى مات.
ورجع عمرو إلى قريش فأخبرهم ان جعفر في ارض الحبشة في أكرم كرامة
فلم يزل بها حتى هادن رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا وصالحهم وفتح خيبر فوافى
بجميع من معه وولد لجعفر بالحبشة من أسماء بنت عميس عبد الله بن جعفر، وولد
للنجاشي ابن فسماه محمدا، وكانت أم حبيب بنت أبي سفيان تحت عبد الله (1)

(1) وهي أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، هاجرت مع زوجها عبد الله بن
جحش إلى الحبشة ثم تنصر عبد الله هنالك ومات علي النصرانية وثبتت أم حبيبة
على دينها الاسلام ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله (أعلام النساء) ج. ز.
178

فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى النجاشي يخطب أم حبيب، فبعث إليها النجاشي
فخطبها لرسول الله صلى الله عليه وآله فأجابته، فزوجها منه وأصدقها أربعمائة دينار وساقها
عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعث إليها بثياب وطيب كثير وجهزها وبعثها إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعث إليه بمارية القبطية أم إبراهيم، وبعث إليه بثياب وطيب
وفرس، وبعث ثلاثين رجلا من القسيسين، فقال لهم انظروا إلى كلامه والى مقعده
ومشربه ومصلاه فلما وافوا المدينة دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الاسلام وقرأ
عليهم القرآن " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك - إلى
قوله - فقال الذين كفروا منهم ان هذا إلا سحر مبين " فلما سمعوا ذلك من رسول الله
صلى الله عليه وآله يكوا وآمنوا ورجعوا إلى النجاشي فأخبروه خبر رسول الله صلى الله عليه وآله
وقرأوا عليه ما قرأ عليهم، فبكي النجاشي وبكى القسيسون واسلم النجاشي ولم
يظهر للحبشة اسلامه وخافهم على نفسه وخرج من بلاد الحبشة إلى النبي صلى الله عليه وآله
فلما عبر البحر توفي فأنزل الله على رسوله (لتجدن أشد الناس عداوة للذين
آمنوا اليهود - إلى قوله - وذلك جزاء المحسنين " واما قوله (يا أيها الذين آمنوا
لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن بعض
رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام قال نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين عليه السلام وبلال
وعثمان بن مظعون، فاما أمير المؤمنين عليه السلام فحلف ان لا ينام بالليل ابدا واما
بلال فإنه حلف ان لا يفطر بالنهار ابدا، واما عثمان بن مظعون فإنه حلف ان لا
ينكح ابدا فدخلت امرأة عثمان على عائشة وكانت امرأة جميلة، فقالت عائشة ما لي
أراك معطلة فقالت ولمن أتزين فوالله ما قاربني زوجي منذ كذا وكذا، فإنه قد
ترهب ولبس المسوح وزهد في الدنيا، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرته عائشة
179

بذلك، فخرج فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله واثنى
عليه ثم قال ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات الا انى أنام بالليل وانكح
وافطر بالنهار فمن رغب عن سنتي فليس منى، فقاموا هؤلاء فقالوا يا رسول الله فقد
الجزء (7) حلفنا على ذلك فأنزل الله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم
بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم
أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة ايمانكم إذا
حلفتم الآية) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (يا أيها الذين
آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام) اما الخمر فكل مسكر من الشراب خمر
إذا اخمر فهو حرام؟ واما المسكر كثيره وقليله حرام وذلك أن الأول
شرب قبل ان يحرم الخمر فسكر فجعل يقول الشعر ويبكي على قتلى المشركين من أهل بدر
، فسمع رسول الله صلى الله عليه وآله فقال اللهم امسك على لسانه، فامسك على لسانه
فلم يتكلم حتى ذهب عنه السكر فأنزل الله تحريمها بعد ذلك، وإنما كانت الخمر يوم
حرمت بالمدينة فضيخ البسر (1) والتمر فلما نزل تحريمها خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقعد
في المسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فاكفأ كلها ثم قال هذه كلها خمر
وقد حرمها الله، فكان أكثر شئ اكفئ (2) من ذلك يومئذ من الأشربة الفضيخ،
ولا اعلم اكفئ يومئذ من خمر العنب شئ الا اناء واحد كان فيه زبيب وتمر
جميعا، واما عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شئ، حرم الله الخمر قليلها
وكثيرها وبيعها وشراءها والانتفاع بها، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من شرب الخمر
فاجلدوه ومن عاد فاجلدوه ومن عاد فاجلدوه ومن عاد في الرابعة فاقتلوه، وقال حق على الله ان
يسقي من شرب الخمر مما يخرج من فروج المومسات، والمومسات الزواني يخرج
من فروجهن صديد والصديد قيح ودم غليظ مختلط يؤذي أهل النار حره ونتنه،
قال رسول الله صلى الله عليه وآله من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، فان عاد فأربعين

(1) الفضيخ كنبيذ شراب يتخذ من البسر
(2) كفأه كمنعه قلبه ق. ج - ز
180

ليلة من يوم شربها فان مات في تلك الأربعين ليلة من غير توبة سقاه الله يوم
القيامة من طينة خبال (1) وسمي المسجد الذي قعد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله يوم
اكفئت المشربة مسجد الفضيخ من يومئذ، لأنه كان أكثر شئ اكفئ من
الأشربة الفضيخ.
واما الميسر فالنرد والشطرنج وكل قمار ميسر، واما الأنصاب فالأوثان
التي كانوا يعبدونها المشركون، واما الأزلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها
مشركوا العرب في الجاهلية، كل هذا بيعه وشراه والانتفاع بشئ من هذا
حرام من الله محرم، وهو رجس من عمل الشيطان، فقرن الله الخمر والميسر مع
الأوثان، واما قوله (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا) يقول لا تعصوا
ولا تركنوا إلى الشهوات من الخمر والميسر (فان توليتم) يقول عصيتم (فاعلموا إنما
على رسولنا البلاغ المبين) إذ قد بلغ وبين فانتهوا، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله انه
سيكون قوم يبيتون وهم على شرب الخمر واللهو والغناء فبينما هم كذلك إذ مسخوا
من ليلتهم وأصبحوا قردة وخنازير وهو قوله " واحذروا " ان تعتدوا كما اعتدى
أصحاب السبت، فقد كان املي لهم حتى اثروا (2) وقالوا ان السبت لنا حلال
وإنما كان حرم على أولينا وكانوا يعاقبون على استحلالهم السبت، فاما نحن
فليس علينا حرام وما زلنا بخير منذ استحللناه وقد كثرت أموالنا وصحت
أجسامنا، ثم اخذهم الله ليلا وهم غافلون فهو قوله " واحذروا " ان يحل بكم مثل
ماحل بمن تعدى وعصى فلما نزل تحريم الخمر والميسر والتشديد في أمرهما قال
الناس من المهاجرين والأنصار يا رسول الله قتل أصحابنا وهم يشربون الخمر وقد
سماه الله رجسا وجعله من عمل الشيطان وقد قلت ما قلت أفيضر أصحابنا ذلك

(1) وهو الصديد يخرج من فروج الزناة.
(2) اي عزموا على المعصية. ج - ز
181

شيئا بعد ما ماتوا؟ فأنزل الله (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح
فيما طعموا الآية) فهذا لمن مات أو قتل قبل تحريم الخمر، والجناح هو الاثم على
من شربها بعد التحريم، قال علي بن إبراهيم في قوله (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم
الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب) قال نزلت
في غزاة الحديبية قد جمع الله عليهم الصيد فدخل بين رحائلهم ليبلونهم الله اي
يختبرهم وقوله (ليعلم الله من يخافه بالغيب قبل ذلك) ولكنه عز وجل لا يعذب
أحدا الا بحجة بعد اظهار الفعل وقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم
حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) فواجب لفظ الآية ان
الفداء يجب على من قتل الصيد متعمدا وفي المعنى والتفسير يجب الجزاء على من
قتل الصيد متعمدا أو خطأ.
حدثني محمد بن الحسين (الحسن ط) عن محمد بن عون النصيبي قال لما أراد المأمون ان
يزوج أبا جعفر محمد بن علي بن موسى عليه السلام ابنته أم الفضل اجتمع إليه أهل بيته
الادنين منه فقالوا له يا أمير المؤمنين ننشدك الله ان لا تخرج عنا امرا قد ملكناه
وتنزع عنا عزا قد ألبسنا الله فقد عرفت الامر الذي بيننا وبين آل علي قديما
وحديثا، قال المأمون اسكتوا فوالله لا قبلت من أحدكم في امره، فقالوا
يا أمير المؤمنين أفتزوج قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله ولا يعرف فريضة
ولا سنة ولا يميز بين الحق والباطل، ولا بي جعفر عليه السلام يومئذ عشرة سنين أو
أحد عشرة سنة، فلو صبرت عليه حتى يتأدب ويقرأ القرآن ويعرف فرضا من
سنته، فقال لهم المأمون والله انه لأفقه منكم واعلم بالله وبرسوله وفرائضه وسننه
واحكامه واقرأ بكتاب الله واعلم بمحكمه ومتشابهه وخاصه وعامة وناسخه
ومنسوخه وتنزيله وتأويله منكم فاسألوه فإن كان الامر كما قلتم قبلت منكم في
امره وإن كان كما قلت علمتم ان الرجل خير منكم، فخرجوا من عنده وبعثوا إلى
182

يحيى بن أكثم وأطمعوه في هدايا ان يحتال على أبي جعفر عليه السلام بمسألة لا يدري
كيف الجواب فيها عند المأمون إذا اجتمعوا للتزويج، فلما حضروا وحضر
أبو جعفر عليه السلام قالوا يا أمير المؤمنين هذا يحيى بن أكثم ان اذنت له ان يسأل
أبا جعفر عليه السلام عن مسألة، فقال المأمون يا يحيى سل أبا جعفر عليه السلام عن مسألة في
الفقه لننظر كيف فقهه، فقال يحيى يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم
قتل صيدا؟ فقال أبو جعفر عليه السلام قتله في حل أو حرم، عالما أو جاهلا، عمدا أو
خطأ، عبدا أو حرا، صغيرا أو كبيرا، مبديا أو معيدا، من ذوات الطير أو
من غيرها، من صغار الصيد أو من كبارها، مصرا عليها أو نادما، بالليل في
وكرها أو بالنهار عيانا، محرما لعمرة أو للحج؟ قال فانقطع يحيى بن أكثم
انقطاعا لم يخف على أهل المجلس وأكثر الناس تعجبا من جوابه، ونشط المأمون
فقال نخطب يا أبا جعفر، فقال نعم يا أمير المؤمنين فقال المأمون:
الحمد لله اقرارا بنعمته ولا اله إلا الله اخلاصا لعظمته وصلى الله على محمد
عند ذكره وقد كان من فضل الله على الأنام ان أغناهم بالحلال عن الحرام فقال
وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله
من فضله والله واسع عليم ثم إن محمد بن علي ذكر أم الفضل بنت عبد الله وبذل لها
من الصداق خمسمائة درهم وقد زوجتك فهل قبلت يا أبا جعفر، قال أبو جعفر عليه السلام
نعم يا أمير المؤمنين قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق ثم أولم عليه المأمون وجاء
الناس على مراتبهم الخاص والعام، قال فبينما نحن كذلك إذ سمعنا كلاما كأنه من
كلام الملاحين في مجاوباتهم فإذا نحن بالخدم يجرون سفينة من فضة وفيها نسائج
إبريسم مكان القلوس (1) مملوة غالية فخضبوا أهل الخاص بها ثم مروا بها إلى دار العامة فطيبوهم،
فلما تفرق الناس قال المأمون يا أبا جعفر ان رأيت أن تبين لنا ما الذي يجب على
كل صنف من هذه الأصناف التي ذكرت في قتل الصيد؟ فقال أبو جعفر (ع)

(1) قلوص كفلوس جمع قلس حبل للسفينة ضخم. ج. ز
183

نعم يا أمير المؤمنين ان المحرم إذا قتل صيدا في الحل والصيد من ذوات الطير من
كبارها فعليه شاة، وإذا اصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، وإذا قتل فرخا
في الحل فعليه جمل قد فطم وليس عليه قيمته لأنه ليس في الحرم، وإذا قتله في
الحرم فعليه الجمل وقيمته لأنه في الحرم، وإذا كان من الوحش فعليه في حمار
الوحش بدنة وكذلك في النعامة، فإن لم يقدر فعليه اطعام ستين مسكينا، فإن لم يقدر
فصيام ثمانية عشر يوما، وان كانت بقرة فعليه بقرة فإن لم يقدر فعليه اطعام ثلاثين
مسكينا، فمن لم يقدر فليصم تسعة أيام، وإن كان ظبيا فعليه شاة، فإن لم يقدر
فاطعام عشرة مساكين، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، وإن كان في الحرم فعليه
الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة حقا واجبا عليه ان ينحره، وإن كان في حج
بمنى حيث ينحر الناس فإن كان في عمرة ينحره بمكة ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون
مضاعفا، وكذلك إذا أصاب ارنبا فعليه شاة وإذا قتل الحمامة تصدق بدرهم أو
يشتري به طعاما لحمامة الحرم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع
درهم. وكلما اتى به المحرم بجهالة فلا شئ عليه فيه الا الصيد فان عليه الفداء
بجهالة كان أو بعلم بخطأ كان أو بعمد، وكلما اتى به العبد فكفارته
على صاحبه بمثل ما يلزم صاحبه، وكلما اتى به الصغير الذي ليس ببالغ
فلا شئ عليه فيه، وإن كان ممن عاد فهو ممن ينتقم الله منه ليس عليه كفارة
والنقمة في الآخرة، وان دل على الصيد وهو محرم فقتل فعليه الفداء، والمصر
عليه يلزمه بعد الفداء عقوبة في الآخرة، والنادم عليه لا شئ عليه بعد الفداء
وإذا أصاب ليلا في وكرها خطأ فلا شئ عليه الا ان يتعمده فان تعمد بليل أو
نهار فعليه الفداء، والمحرم بالحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس والمحرم للعمرة
ينحر بمكة " فامر المأمون ان يكتب ذلك كله عن أبي جعفر (ع) ثم دعا أهل بيته
الذين أنكروا تزويجه عليه فقال لهم هل فيكم أحد يجيب بمثل هذا الجواب؟ قالوا
لا والله ولا القاضي، ثم قال ويحكم ان أهل هذا البيت خلو من هذا الخلق
أوما علمتم ان رسول الله صلى الله عليه وآله بايع للحسن والحسين وهما صبيان غير بالغين
ولم؟ يبايع؟ طفلا غيرهما
184

أو ما علمتم ان أباه عليا آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وهو ابن اثني عشر سنة وقبل الله
ورسوله منه ايمانه ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا رسول الله صلى الله عليه وآله طفلا غيره
إلى الايمان أو ما علمتم انها ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم مثل ما يجري
لأولهم، فقالوا صدقت يا أمير المؤمنين كنت أنت اعلم به منا.
قال ثم امر المأمون ان ينثر على أبي جعفر عليه السلام ثلاثة اطباق رقاع زعفران
ومسك معجون بماء الورد وجوفها رقاع على طبق رقاع عمالات، والثاني ضياع
طعمة لمن اخذها، والثالث فيه بدر فامر أن يفرق الطبق الذي عليه عمالات على بني
هاشم خاصة، والذي عليه ضياع طعمة على الوزراء، والذي عليه البدر على
القواد، ولم يزل مكرما لأبي جعفر عليه السلام أيام حياته حتى كان يؤثره على ولده (1)
واما قوله (أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) فإنه حدثني أبي عن
القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن سفين بن عيينة عن الزهري عن علي
ابن الحسين عليهما السلام قال قال يوما يا زهري من أين جئت؟ قلت من المسجد
قال فيم كنتم، قلت تذاكرنا امر الصوم فاجتمع رأيي ورأي أصحابي انه ليس
من الصوم شئ واجب إلا صوم شهر رمضان، فقال يا زهري ليس كما قلتم الصوم
على أربعين وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان وأربعة عشر

(1) نعم. انه كان مكرما له عليه السلام أيام حياته لكنه الذي قتل والده، الرضا
عليه السلام لما اقتضت سياسته ان ينحيه عن طريق ملكه " وان الملك عقيم " دس إليه
السم فقتله وممن ذكر كون المأمون قاتلا للإمام علي الرضا عليه السلام: المسعودي
في مروج الذهب 9 / 33، ابن طقطقي في الفخري ص 163، ابن الأثير في الكامل
6 / 111 الشبلنجي في نور الأنصار ص 144 وكذا في روضة الصفا 3 / 16
وشواهد النبوة ص 202 ومطالب السئول ص 288 وحبيب السير 2 / 51. ج - ز
185

وجها صاحبها فيها بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر، وعشرة أوجه منها
حرام، وصوم الاذن على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب وصوم الإباحة وصوم
السفر والمرض، فقلت فسرهن لي جعلت فداك، فقال اما الواجب فصوم شهر
رمضان، وصيام شهرين متتابعين فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا،
وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب، قال الله " ومن
قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبه مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله " وقوله " فمن لم يجد
فصيام شهرين متتابعين " وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار لمن لم يجد
العتق واجب قال الله تعالى " فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قل ان يتماسا "
وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الاطعام قال الله تعالى " فمن
لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم " كل ذلك متتايع وليس
بمتفرق، وصيام اذى حلق الرأس واجب قال الله " أو به اذى من رأسه ففدية
من صيام أو صدقة أو نسك " فصاحبها فيها بالخيار فان شاء صام ثلاثة أيام،
وصوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي قال الله: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج
فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك
عشرة كاملة " وصوم جزاء الصيد واجب قال الله تعالى " ومن قتله منكم متعمدا
فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام
مساكين أو عدل ذلك صياما " أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟
قلت لا، قال يقوم الصيد قيمته ثم تنقض تلك القيمة على البر، ثم يكال ذلك البر
أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما، وصوم النذر واجب وصوم الاعتكاف
واجب، واما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق
وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه ان يتفرد للرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه
الناس، قلت فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال ينوي ليلة الشك
186

انه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه وإن كان من شعبان
لم يضره، فقلت وكيف يجزى صوم تطوع من فريضة؟ فقال لو أن رجلا صام
شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم أنه شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أجزأه عنه لان
الفرض إنما وقع على الشهر بعينه، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام
وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام، واما الصوم الذي صاحبه فيه
بالخيار: فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين، وصوم أيام البيض، وصوم ستة
أيام من شوال بعد شهر رمضان، وصوم يوم عرفة، وصوم يوم عاشورا كل
ذلك صاحبه فيه بالخيار ان شاء صام وان شاء ترك، واما صوم الاذن فان
المرأة لا تصوم تطوعا إلا باذن زوجها، والعبد لا يصوم تطوعا إلا باذن سيده
والضيف لا يصوم تطوعا إلا باذن صاحبه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله من نزل على
قوم فلا يصوم إلا باذنهم واما صوم التأديب فالصبي يؤمر بالصوم إذا راهق تأديبا
وليس بفرض، وكذلك من أفطر أول النهار ثم عوفي بقية يومه أمر بالامساك
بقية يومه تأديبا وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا اكل من أول النهار ثم دخل
مصره أمر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، فاما صوم الإباحة فمن اكل
أو شرب ناسيا أو تقيأ أو قاء من غير تعمد فقد أباح الله له ذلك وأجزأ عنه صومه
واما صوم السفر والمرض فان العامة اختلفت في ذلك، فقال قوم يصوم وقال قوم ان شاء صام وان شاء أفطر، وقال قوم
لا يصوم واما نحن فنقول يفطر في الحالتين جميعا فان صام في السفر أو في حال المرض
فهو عاص وعليه القضاء وذلك لان الله يقول: " فمن كان منكم مريضا أو على سفر
فعدة من أيام أخر ".
وقوله (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم
صيد البر ما دمتم حرما) وقوله (وجعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس)
قال ما دامت الكعبة قائمة ويحج الناس إليها لم يهلكوا فإذا هدمت وتركوا الحج
187

هلكوا واما قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم)
فإنه حدثني أبي عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام ان صفية بنت
عبد المطلب مات ابن لها فأقبلت فقال لها الثاني غطي قرطك فان قرابتك من رسول الله
صلى الله عليه وآله لا تنفعك شيئا، فقالت له هل رأيت لي قرطا يا بن اللخناء، ثم دخلت
على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بذلك وبكت، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى
الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع لو
قد قربت المقام المحمود لشفعت في أحوجكم، لا يسألني اليوم أحد من
أبواه إلا أخبرته، فقام إليه رجل فقال من أبي فقال أبوك غير الذي تدعى له
أبوك فلان بن فلان، فقام آخر فقال من أبى يا رسول الله؟ فقال أبوك الذي
تدعى له ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما بال الذي يزعم أن قرابتي لا تنفع لا يسئلني
عن أبيه، فقام إليه الثاني فقال له أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله اعف عني
عفى الله عنك فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء ان تبد لكم
تسؤكم - إلى قوله - ثم أصبحوا بها كافرين) واما قوله (ما جعل الله من بحيرة ولا
سائبة ولا وصيلة ولا حام) فان البحيرة كانت إذا وضعت الشاة خمسة أبطن ففي
السادسة قالت العرب قد بحرت فجعلوها للصنم ولا تمنع ماءا ولا مرعى، والوصيلة
إذا وضعت الشاة خمسة أبطن ثم وضعت في السادسة جديا وعناقا في بطن واحد
جعلوا الأنثى للصنم، وقالوا وصلت أخاها وحرموا لحمها على النساء، والحام كان
إذا كان الفحل من الإبل جدا لجد قالوا قد حمي ظهره فسموه حاما فلا يركب
ولا يمنع ماءا ولا مرعى، ولا يحمل عليه شئ، فرد الله عليهم فقال " ما جعل الله
من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام - إلى قوله - وأكثرهم لا يعقلون " وقوله
(يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال اصلحوا
188

أنفسكم ولا تتبعوا عورات الناس ولا تذكروهم فإنه لا يضركم ضلالتهم إذا كنتم
أنتم صالحين.
وقوله (يا أيها الناس آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين
الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ان أنتم ضربتم في الأرض فأصابكم
مصيبة الموت) فإنها نزلت في ابن بندي ابن أبي مارية النصرانيين، وكان رجل
يقال له تميم الدارمي مسلم خرج معهما في سفر، وكان مع تميم خرج ومتاع وآنية
منقوشة بالذهب وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب ليبيعها، فلما مروا بالمدينة
اعتل تميم فلما حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بندي وابن أبي مارية وأمرهما
ان يوصلاه إلى ورثته فقدما المدينة وأوصلا ما كان دفعه اليهما تميم وحبسا الآنية
المنقوشة والقلادة، فقال ورثة الميت هل مرض صاحبنا مرضا طويلا انفق فيه نفقة
كثيرة؟ فقالا ما مرض إلا أياما قليلة، قالوا فهل سرق منه شئ في سفر؟ قالا
لا، قالوا فهل اتجر تجارة خسر فيها؟ فقالا لا، قالوا فقد افتقدنا انبل شئ كان
معه آنية منقوشة بالذهب مكللة وقلادة قالا ما دفعه الينا قد أديناه إليكم، فقدموهما
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأوجب عليهما اليمين فحلفا وأطلقهما، ثم ظهرت
القلادة والآنية عليهما فأخبروا ورثة الميت رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، فانتظر الحكم
من الله، فأنزل الله " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين
الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " يعني من أهل الكتاب " ان
أنتم ضربتم في الأرض " فأطلق الله شهادة أهل الكتاب علي الوصية فقط إذا كان
في سفر ولم يجد المسلم ثم قال (فاصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة
يعني صلاة العصر (فيقسمان بالله ان ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا
نكتم شهادة الله انا إذا لمن الآثمين) فهذه الشهادة الأولى التي أحلفها رسول الله صلى الله عليه وآله
ثم قال عز وجل (فان عثرا على أنهما استحقا اثما) اي حلفا على كذب (فآخران
189

يقومان مقامهما) يعني من أولياء المدعي (من الذين استحق عليهم الأوليان)
فيقسمان بالله اي يحلفان بالله (لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا انا إذا لمن
الظالمين) وانهما قد كذبا فيما حلفا بالله (ذلك أدنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها
أو يخافوا ان ترد ايمان بعد ايمانهم) فامر رسول الله صلى الله عليه وآله أولياء تميم الدارمي
ان يحلفوا بالله علي ما أمرهم به فاخذ الآنية والقلادة من ابن بندي وابن أبي مارية
وردهما على أولياء تميم.
واما قوله (يوم يجمع الله الرسل فيقول ما إذا أجبتم) فإنه حدثني أبي
عن الحسن بن محبوب عن العلا بن العلا عن محمد عن أبي جعفر عليه السلام قال ماذا
أجبتم في أوصيائكم يسأل الله تعالى يوم القيامة فيقولون لا علم لنا بما
فعلوا بعدنا بهم.
وقوله (وإذا قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك
- إلى قوله - واشهد بأننا مسلمون) فإنه محكم، واما قوله (وإذ قال الحواريون
يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء) قال عيسى:
(اتقوا الله ان كنتم مؤمنين) قالوا كما حكى الله (نريد ان نأكل منها وتطمئن
قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين) فقال عيسى (اللهم ربنا
انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا
وأنت خير الرازقين) فقال الله احتجاجا عليهم (انى منزلها عليكم فمن يكفر بعد
منكم فانى أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) فكانت تنزل المائدة عليهم
فيجتمعون عليها ويأكلون حتى يشبعون ثم ترفع، فقال كبراؤهم ومترفوهم
لا تدع سفلتنا يأكلون منها فرفع الله المائدة ومسخوا قردة وخنازير، قوله:
(وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون
الله) فلفظ الآية ماض ومعناه مستقبل ولم يقله بعد وسيقوله، وذلك أن النصارى
190

زعموا ان عيسى قال لهم اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، فإذا كان يوم القيامة
يجمع الله بين النصارى وبين عيسى بن مريم فيقول له أأنت قلت لهم ما يدعون
عليك اتخذوني وأمي إلهين، فيقول عيسى (سبحانك ما يكون لي ان أقول
ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك
أنت علام الغيوب - إلى قوله - وأنت على كل شئ شهيد) والدليل على أن عيسى
لم يقل لهم ذلك قوله: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم.
وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان عن ضريس عن أبي
جعفر عليه السلام في قوله (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) قال إذا كان يوم
القيامة وحشر الناس للحساب فيمرون بأهوال يوم القيامة فلا ينتهون إلى العرصة
حتى يجهدوا جهدا شديدا، قال فيقفون بفناء العرصة ويشرف الجبار عليهم
وهو على عرشه (1) فأول من يدعى بنداء يسمع الخلائق أجمعون ان يهتف باسم محمد
ابن عبد الله النبي القرشي العربي، قال فيتقدم حتى يقف على يمين العرش، قال ثم
يدعى بصاحبكم علي عليه السلام، فيتقدم حتى يقف على يسار رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم
يدعى بأمة محمد فيقفون على يسار علي عليه السلام ثم يدعى بنبي نبي وأمته معه من أول
النبيين إلي آخرهم وأمتهم معهم، فيقفون عن يسار العرش، قال ثم أول من
يدعى للمسائلة القلم قال فيتقدم، فيقف بين يدي الله في صورة الآدميين،
فيقول الله هل سطرت في اللوح ما ألهمتك وأمرتك به من الوحي؟ فيقول القلم
نعم، يا رب قد علمت انى قد سطرت في اللوح ما امرتني وألهمتني به من وحيك
فيقول الله فمن يشهد لك بذلك، فيقول يا رب وهل اطلع على مكنون سرك خلق
غيرك، قال فيقول له الله أفلحت حجتك، قال ثم يدعى باللوح فيتقدم في
صورة الآدميين حتى يقف مع القلم، فيقول له هل سطر فيك القلم ما ألهمته
وأمرته به من وحيي، فيقول اللوح نعم يا رب وبلغته إسرافيل، فيتقدم مع

(1) يؤول كتا ويل قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى أي استولى. ج. ز
191

القلم واللوح في صورة الآدميين، فيقول الله هل بلغك اللوح ما سطر فيه القلم
من وحيي؟ فيقول نعم يا رب وبلغته جبرئيل، فيدعى بجبرائيل فيتقدم حتى يقف
مع إسرافيل، فيقول الله هل بلغك إسرافيل ما بلغ فيقول نعم يا رب وبلغته جميع
أنبيائك وأنفذت إليهم جميع ما انتهى إلي من امرك وأديت رسالتك إلى نبي نبي ورسول
رسول وبلغتهم كل وحيك وحكمتك وكتبك وان آخر من بلغته رسالاتك
ووحيك وحكمتك وعلمك وكتابك وكلامك محمد بن عبد الله العربي القرشي الحرمي
حبيبك، قال أبو جعفر عليه السلام فان أول من يدعى من ولد آدم للمسائلة محمد بن
عبد الله صلى الله عليه وآله فيدنيه الله (1) حتى لا يكون خلق أقرب إلى الله يومئذ منه، فيقول
الله يا محمد هل بلغك جبرئيل ما أوحيت إليك وأرسلته به إليك من كتابي وحكمتي
وعلمي وهل أوحى ذلك إليك؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله نعم يا رب قد بلغني
جبرائيل جميع ما أوحيته إليه وأرسلته من كتابك وحكمتك وعلمك وأوحاه إلي،
فيقول الله لمحمد هل بلغت أمتك ما بلغك جبرئيل من كتابي وحكمتي وعلمي؟
فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله نعم يا رب قد بلغت أمتي ما أوحى إلي من كتابك
وحكمتك وعلمك وجاهدت في سبيلك، فيقول الله لمحمد فمن يشهد لك بذلك؟
فيقول محمد صلى الله عليه وآله يا رب أنت الشاهد لي بتبليغ الرسالة وملائكتك والأبرار من
أمتي وكفى بك شهيدا، فيدعى بالملائكة فيشهدون لمحمد بتبليغ الرسالة ثم يدعى
بأمة محمد فيسألون هل بلغكم محمد رسالتي وكتابي وحكمتي وعلمي وعلمكم ذلك؟
فيشهدون لمحمد بتبليغ الرسالة والحكمة والعلم، فيقول الله لمحمد فهل استخلفت
في أمتك من بعدك من يقوم فيهم بحكمتي وعلمي ويفسر لهم كتابي ويبين لهم

(1) المراد من هذا هو القرب المعنوي وإلا فالله سبحانه برئ عن الجسم
والمكان وكذا المراد من اشرافه ظهور جلاله. ج. ز.
192

ما يختلفون فيه من بعدك حجة لي وخليفة في الأرض؟ فيقول محمد نعم يا رب
قد خلفت فيهم علي بن أبي طالب أخي ووزيري وخير أمتي ونصبته لهم علما في
حياتي ودعوتهم إلى طاعته وجعلته خليفتي في أمتي واماما يقتدي به الأئمة من
بعدي إلى يوم القيامة، فيدعى بعلي بن أبي طالب عليه السلام فيقال له هل أوصى إليك
محمد واستخلفك في أمته ونصبك علما لامته في حياته وهل قمت فيهم من بعده
مقامه؟ فيقول له علي نعم يا رب قد أوصى إلي محمد وخلفني في أمته ونصبني لهم
علما في حياته فلما قبضت محمدا إليك جحدتني أمته ومكروا بي واستضعفوني
وكادوا يقتلونني وقدموا قدامي من أخرت، وأخروا من قدمت ولم يسمعوا مني
ولم يطيعوا أمري فقاتلتهم في سبيلك حتى قتلوني، فيقال لعلي فهل خلفت من
بعدك في أمة محمد حجة وخليفة في الأرض يدعو عبادي إلى ديني والى سبيلي؟
فيقول علي نعم يا رب قد خلفت فيهم الحسن ابني وابن بنت نبيك، فيدعى
بالحسن بن علي عليهما السلام فيسئل عما سئل عنه علي بن أبي طالب عليه السلام، قال ثم
يدعى بامام امام وباهل عالمه فيحتجون بحجتهم فيقبل الله عذرهم ويجيز حجتهم قال
ثم يقول الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم قال ثم انقطع حديث أبي جعفر عليه
وعلى آبائه السلام.
سورة الأنعام مكية
وهي مأة وخمس وستون آية
(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل
الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) فإنه حدثني أبي عن الحسين بن خالد
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال نزلت الانعام جملة واحدة ويشيعها سبعون الف ملك
لهم زجل (1) بالتسبيح والتهليل والتكبير فمن قرأها سبحوا له إلي يوم القيامة، واما

(1) الزجلة بالضم صوت الناس ويفتح (ق) - ج - ز
193

قوله (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده) فإنه حدثني
أبي عن النضر بن سويد عن الحلبي عن عبد الله عن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال الأجل المقضي هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه والمسمى هو الذي فيه البداء (1)
يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير، وحدثني
ياسر عن الرضا عليه السلام قال ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر وان يقر له بالبداء ان يفعل
الله ما يشاء وأن يكون في تراثه الكندر وقوله (وهو الله في السماوات وفي الأرض
يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) قال السر ما أسر في نفسه والجهر ما أظهره
والكتمان ما عرض بقلبه ثم نسيه وقوله (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا
عنها معرضين - إلى قوله - وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ولو نزلنا عليك كتابا
في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا ان هذا إلا سحر مبين) فإنه محكم ثم
قال حكاية عن قريش (وقالوا لولا انزل عليه ملك) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (ولو
أنزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون) فأخبر عز وجل ان الآية إذا جاءت
والملك إذا نزل ولم يؤمنوا هلكوا، فاستعفي النبي صلى الله عليه وآله من الآيات رأفة
ورحمة على أمته وأعطاه الله الشفاعة ثم قال الله (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا
وألبسنا عليهم ما يلبسون ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم
ما كانوا به يستهزؤن) أي نزل بهم العذاب ثم قال لهم قل لهم يا محمد (سيروا في
الأرض ثم انظروا) أي انظروا في القرآن واخبار الأنبياء فانظروا (كيف كان
عاقبة المكذبين) ثم قال قل لهم (لمن ما في السماوات والأرض) ثم رد عليهم فقال
قل لهم (لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة) يعني أوجب الرحمة
على نفسه وقوله (وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم) يعني ما خلق

(1) راجع حاشيتنا التفصيلية على البداء ص 38 من هذا الكتاب ج. ز.
194

بالليل والنهار هو كله لله، ثم احتج عز وجل عليهم فقال قال لهم (أغير الله اتخذ
وليا فاطر السماوات والأرض) اي مخترعها وقوله (وهو يطعم ولا يطعم - إلى
قوله - وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) فإنه محكم، وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (قل اي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد
بيني وبينكم) وذلك أن مشركي أهل مكة قالوا يا محمد ما وجد الله رسولا يرسله
غيرك، ما نرى أحدا يصدقك بالذي تقول، وذلك في أول ما دعاهم وهو
يومئذ بمكة، قالوا ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى وزعموا أنه ليس لك ذكر
عندهم فتأتينا من يشهد انك رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله " الله شهيد بيني
وبينكم الآية " قال إنكم لتشهدون ان مع الله آلهة أخرى، يقول الله لحمد فان
شهدوا فلا تشهد معهم، قال (لا اشهد قل إنما هو إله واحد وانني برئ مما
تشركون) واما قوله (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الآية)
فان عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام هل تعرفون محمدا في كتابكم؟ قال نعم
والله نعرفه بالنعت الذي نعت الله لنا إذا رأيناه فيكم كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه
مع الغلمان والذي يحلف به ابن سلام لأنا بمحمد هذا أشد معرفة مني بابني،
قال الله (الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون) وقال علي بن إبراهيم ثم قال قل
لهم يا محمد " أي شئ أكبر شهادة " يعني أي شئ أصدق قولا ثم قال " قل الله
شهيد بيني وبينكم وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " قال من بلغ
هو الإمام قال محمد ينذر وانا نقول كما أنذر به النبي صلى الله عليه وآله وقوله (ومن أظلم ممن
افترى على الله كذبا أو كذب بآياته انه لا يفلح الظالمون) فإنه محكم، وقوله
(ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون
ثم لم تكن فتنتهم) أي كذبهم (إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) والدليل
على أن الفتنة ههنا الكذب قوله (انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم
195

ما كانوا يفترون) أي ضل عنهم كذبهم ثم ذكر قريشا فقال (ومنهم من يستمع
إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة ان يفقهوه) يعني غطاء (وفي آذانهم وقرا) اي
صمما (1) (وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك) أي
يخصمونك (يقول الذين كفروا ان هذا إلا أساطير الأولين) أي أكاذيب
الأولين، وقوله (وهم ينهون عنه وينؤن عنه) قال بنو هاشم كانوا ينصرون
رسول الله صلى الله عليه وآله ويمنعون قريشا عنه وينأون عنه اي يباعدون عنه ويساعدونه
ولا يؤمنون، وقوله (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب
بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) قال نزلت في بني أمية ثم قال: (بل بدا لهم
ما كانوا يخفون من قبل) قال من عداوة أمير المؤمنين عليه السلام (ولو ردوا لعادوا
لما نهوا عنه وانهم لكاذبون) ثم حكى عز وجل قول الدهرية فقال (وقالوا ان
هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) فقال الله (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم)
قال قال حكاية عن قول من انكر قيام الساعة فقال: (قد خسر الذين كذبوا
بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون
أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون) يعني آثامهم وقوله (وما الحياة الدنيا
إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) محكم.
وقوله (قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن
الظالمين بآيات الله يجحدون) فإنها قرئت على أبي عبد الله عليه السلام فقال بلى والله لقد
كذبوه أشد التكذيب وإنما نزل " لا يأتونك " أي لا يأتون بحق يبطلون
حقك، حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث (البختري ط)
قال قال أبو عبد الله عليه السلام يا حفص ان من صبر صبر قليلا وان من جزع جزع قليلا ثم

(1) الصم كغنم فقدان حاسة السمع. ج - ز
196

قال عليك بالصبر في جميع أمورك فان الله بعث محمدا وأمره بالصبر والرفق فقال
" واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا " (1) فقال " ادفع بالتي هي أحسن
السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " (2) فصبر رسول الله صلى الله عليه وآله
حتى قابلوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره، فأنزل الله " ولقد نعلم أنك يضيق
صدرك بما يقولون " (3) ثم كذبوه ورموه فحزن لذلك فأنزل الله تعالى (قد نعلم أنه
ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون
ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا)
فألزم نفسه الصبر صلى الله عليه وآله فقعدوا وذكروا الله تبارك وتعالى بالسوء وكذبوه، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكرهم إلهي
فأنزل الله " ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من
لغوب فاصبر على ما يقولون " (4) فصبر رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع أحواله، ثم بشر
في الأئمة من عترته ووصفوا بالصبر " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا
وكانوا بآياتنا يوقنون " (5) فعند ذلك قال عليه السلام الصبر من الايمان كالرأس من
البدن فشكر الله له ذلك فأنزل الله عليه " وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل
بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون " (6) فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله آية بشرى وانتقام، فأباح الله قتل المشركين حيث وجدوا
فقتلهم على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأحبائه وعجل الله له ثواب صبره مع ما ادخر
له في الآخرة.
وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وإن كان كبر عليك

(1) المزمل 10.
(2) حم السجدة 34.
(3) الحجر 97.
(4) ق 38.
(5) ألم السجدة 24.
(6) الأعراف 137.
197

اعراضهم (قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب اسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن
عبد مناف دعاه رسول الله صلى الله عليه وآله ان يسلم فغلب عليه الشقاء فشق ذلك على
رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله (وإن كان كبر عليك اعراضهم - إلى قوله - نفقا
في الأرض) يقول سربا، فقال علي بن إبراهيم في قوله (نفقا في الأرض أو سلما
في السماء) قال إن قدرت ان تحفر الأرض وتصعد السماء أي لا تقدر على ذلك،
ثم قال: (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) اي جعلهم كلهم مؤمنين وقوله (فلا
تكونن من الجاهلين) مخاطبة للنبي والمعنى للناس ثم قال (إنما يستجيب الذين
يسمعون) يعني يعقلون ويصدقون (والموتى يبعثهم) الله اي يصدقون بان الموتى
يبعثهم الله (وقالوا لولا نزل عليه آية) اي هلا انزل عليه آية، قال (ان الله
قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون) قال لا يعلمون ان الآية إذا
جاءت ولم يؤمنوا بها ليهلكوا وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في
قوله " ان الله قادر على أن ينزل آية " وسيريكم في آخر الزمان آيات، منها دابة
في الأرض، والدجال، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام وطلوع الشمس من مغربها، وقوله
(وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) يعني خلق
مثلكم، وقال كل شئ مما خلق خلق مثلكم (ما فرطنا في الكتاب من شئ)
اي ما تركنا (ثم إلى ربهم يحشرون) وقوله (والذين كذبوا بآياتنا صم
وبكم في الظلمات) يعني قد خفي عليهم ما تقوله (من يشاء الله يظله) اي يعذبه
(ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم) يعني يبين له ويوفقه حتى يهتدي
إلى الطريق.
حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا جعفر بن عبد الله قال حدثنا كثير بن عياش
عن أبي الجارود عن أبي جعفر صلوات الله عليه في قوله " الذين كذبوا بآياتنا
صم بكم " يقول صم عن الهدى وبكم لا يتكلمون بخير " في الظلمات " يعني
198

ظلمات الكفر " من يشاء الله يظلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم " وهو
رد على قدرية هذه الأمة، يحشرهم الله يوم القيامة مع الصابئين والنصارى
والمجوس، فيقولون " والله ربنا ما كنا مشركين " يقول الله " انظر كيف
كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " (1) قال فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله إلا أن لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر
ويزعمون ان المشية والقدرة إليهم ولهم أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد
عن علي بن أسباط عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
في قوله " والله ربنا ما كنا مشركين " بولاية علي عليه السلام، حدثنا جعفر بن أحمد
قال حدثنا عبد الكريم قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال سألت
أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل " الذين كذبوا بآياتنا صم بكم في
الظلمات من يشاء الله يضلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم " فقال أبو جعفر
نزلت في الذين كذبوا بأوصيائهم، صم بكم، كما قال الله في الظلمات، من كان
من ولد إبليس فإنه لا يصدق بالأوصياء ولا يؤمن بهم ابدا وهم الذين أضلهم الله،
ومن كان من ولد آدم آمن بالأوصياء فهم على صراط مستقيم، قال وسمعته يقول
كذبوا بآياتنا كلها في بطن القرآن ان كذبوا بالأوصياء كلهم، ثم قال قل لهم
يا محمد (أرأيتكم ان اتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون ان
كنتم صادقين) ثم رد عليهم فقال: (بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون
إليه ان شاء وتنسون ما تشركون) قال تدعون الله إذا أصابكم ضر ثم إذا
كشف عنكم ذلك تنسون ما تشركون، أي تتركون الأصنام، وقوله
عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء

(1) الانعام 24.
199

لعلم يتضرعون) يعني كي يتضرعوا ثم قال (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا
ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) فلما لم يتضرعوا فتح
الله عليهم الدنيا وأغناهم عقوبة لفعلهم الردي فلما (فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة
فإذا هم مبلسون) اي آيسون وذلك قول الله تبارك وتعالى في مناجاته لموسى
عليه السلام، حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن
حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال كانت مناجاة الله لموسى عليه السلام يا موسى
إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلا
فقل ذنب عجلت عقوبته، فما فتح الله على أحد هذه الدنيا إلا بذنب لينسيه
ذلك فلا يتوب فيكون اقبال الدنيا عليه عقوبة لذنوبه.
حدثنا جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن
علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عز
وجل (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ) قال اما قوله " فلما
نسوا ما ذكروا به " يعني فلما تركوا ولاية علي أمير المؤمنين عليه السلام وقد
أمروا به " فتحنا عليهم أبواب كل شئ " يعني دولتهم في الدنيا وما بسط لهم
فيها واما قوله " حتى إذا فرحوا بما أوتوا اخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون " يعني
بذلك قيام القائم حتى كأنهم لم يكن لهم سلطان قط، فذلك قوله بغتة فنزلت
بخبره هذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله وقوله (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد
لله رب العالمين) فإنه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن
فضيل بن عياض عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الورع فقال الذي يتورع
عن محارم الله ويجتنب الشبهات وإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه
وإذا رأى المنكر ولم ينكره وهو يقدر عليه فقد أحب ان يعصى الله اختيارا
ومن أحب ان يعصي الله فقد بارز الله بالعداوة ومن أحب بقاء الظالمين فقد أحب ان يعصي
200

الله ان الله تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين قال " فقطع دابر القوم
الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " وقوله (قل أرأيتم ان اخذ الله سمعكم
وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات
ثم هم يصدفون) قال قل لقريش ان اخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم
من يرد ذلكم عليكم إلا الله) وقوله " ثم هم يصدفون " اي يكذبون، وفي
رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم
وأبصاركم وختم على قلوبكم " يقول إن اخذ الله منكم الهدى من آله غير الله يأتيكم
به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون يقول يعترضون، واما قوله (قل
أرأيتكم ان اتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون) فإنها
نزلت لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وأصاب أصحابه الجهد والعلل والمرض
فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله عز وجل قل لهم يا محمد أرأيتم ان
اتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون، أي انهم لا يصيبهم
إلا الجهد والضرر في الدنيا، فاما العذاب الأليم الذي فيه الهلاك فلا يصيب
إلا القوم الظالمين.
وقوله (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا
خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون
- ثم قال قل لهم يا محمد - لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا
أقول لكم انى ملك ان اتبع إلا ما يوحى إلي) قال ما أملك لكم خزائن الله ولا
أعلم الغيب واما قوله (انها من عند الله - ثم قال - هل يستوي الأعمى والبصير)
اي من يعلم ومن لا يعلم (أفلا تتفكرون) ثم قال (وانذر به) يعني بالقران
(الذين يخافون) اي يرجون (ان يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي
ولا شفيع لعلهم يتقون).
201

واما قوله (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه
ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون
من الظالمين) فإنه كان سبب نزولها انه كان بالمدينة قوم فقراء مؤمنون يسمون
أصحاب الصفة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أمرهم ان يكونوا في الصفة يأوون
إليها، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعاهدهم بنفسه وربما حمل إليهم ما يأكلون،
وكانوا يختلفون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فيقربهم ويقعد معهم ويؤنسهم وكان
إذا جاء الأغنياء والمترفون من أصحابه أنكروا عليه ذلك ويقولون له اطردهم عنك
فجاء يوما رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده رجل من أصحاب
الصفة قد لزق برسول الله صلى الله عليه وآله ورسول الله صلى الله عليه وآله يحدثه، فقعد الأنصاري
بالبعد منهما، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله تقدم فلم يفعل، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وآله لعلك خفت ان يلزق فقره بك فقال الأنصاري اطرد هؤلاء عنك، فأنزل
الله " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.. الخ) ثم
قال: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) اي اختبرنا الأغنياء بالغناء لننظر كيف
مواساتهم للفقراء وكيف يخرجون ما فرض الله عليهم في أموالهم، فاختبرنا الفقراء
لننظر كيف صبرهم على الفقر وعما في أيدي الأغنياء (وليقولوا) اي الفقراء
(أهؤلاء) الأغنياء (من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين) ثم فرض الله
على رسوله صلى الله عليه وآله ان يسلم على التوابين والذين عملوا السيئات ثم تابوا فقال (وإذا
جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة) يعني
أوجب الرحمة لمن تاب والدليل على ذلك قوله (انه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم
تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم) وقوله (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين
سبيل المجرمين) يعني مذهبهم وطريقتهم تستبين إذا وصفناهم، ثم قال (قل اني
نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما
202

انا من المهتدين، قل انى على بينة من ربي وكذبتم به) (1) اي بالبينة التي انا
عليها (ما عندي ما تستعجلون به) يعني الآيات التي سألوها (ان الحكم إلا الله
يقص الحق وهو خير الفاصلين) اي يفصل بين الحق والباطل ثم قال (قل لهم لو أن
عندي ما تستعجلون به لقضي الامر بيني وبينكم) يعني إذا جاءت الآية
هلكتم وانقضى ما بيني وبينكم وقوله (وعنده مفاتح الغيب) يعني عالم الغيب
(لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة
في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) قال الورقة السقط،
والحبة الولد، وظلمات الأرض الأرحام، والرطب ما يبقى ويحيى، واليابس
ما تغيض الأرحام، وكل ذلك في كتاب مبين وقوله (وهو الذي يتوفاكم
بالليل) يعني بالنوم (ويعلم ما جرحتم بالنهار) يعني ما عملتم بالنهار وقوله (ثم
يبعثكم فيه) يعنى ما عملتم من الخير والشر وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله (ليقضى اجل مسمى) قال هو الموت (ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم
بما كنتم تعملون) واما قوله (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة) يعني
الملائكة الذين يحفظونكم ويحفظون اعمالكم (حتى إذا جاء أحدكم الموت
توفته رسلنا) وهم الملائكة (وهم لا يفرطون) اي لا يقصرون (ثم ردوا إلى الله
مولاهم الحق ألا له الحكم وهو اسرع الحاسبين) وقوله (قل من ينجيكم من
ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية إلى قوله (ثم أنتم تشركون) فإنه محكم
وقوله (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت
أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض) فقوله " يبعث عليكم عذابا

(1) مرجع به في الآية القرآن والمراد من البينة أيضا القرآن، وتذكير
الضمير بتأويل القرآن. ج. ز
203

من فوقكم " قال السلطان الجائر (أو من تحت أرجلكم) قال السفلة ومن
لا خير فيه (أو يلبسكم شيعا) قال العصبية (ويذيق بعضكم بأس بعض) قال
سوء الجوار، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " وهو
القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " هو الدخان والصيحة " أو من
تحت أرجلكم " وهو الخسف " أو يلبسكم شيعا " وهو اختلاف في الدين
وطعن بعضكم على بعض " ويذيق بعضكم بأس بعض " وهو ان يقتل بعضكم
بعضا: وكل هذا في أهل القبلة كذا يقول الله (انظر كيف نصرف الآيات لعلهم
يفقهون وكذب به قومك) وهم قريش وقوله (لكل نبأ مستقر) يقول لكل
نبأ حقيقة (وسوف تعلمون) وأيضا قال (انظر كيف نصرف الآيات لعلهم
يفقهون) يعني كي يفقهوا وقوله (وكذب به قومك وهو الحق) يعني القرآن
كذبت به قريش (قل لست عليكم بوكيل لكل نبأ مستقر) اي لكل خبر
وقت وسوف تعلمون.
وقوله (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا
في حديث غيره) يعني الذين يكذبون بالقرآن ويستهزؤن، ثم قال فان أنساك
الشيطان في ذلك الوقت عما أمرتك به (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين)
أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب
عن سيف بن عميرة عن عبد الأعلى بن أعين قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يسب فيه امام أو يغتاب فيه مسلم
ان الله يقول في كتابه " فإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا.. الخ " وقوله
(وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ) أي ليس يؤخذ المتقون بحساب
الذين لا يتقون (ولكن ذكرى) اي اذكر (لعلهم يتقون) كي يتقوا ثم قال
(وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا) يعني الملاهي
204

(وذكر به ان تبسل نفس) أي تسلم (ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وان
تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) يعني يوم القيامة لا يقبل منها فداء ولا صرف
(أولئك الذين ابسلوا بما كسبوا) أي اسلموا باعمالهم (1) (لهم شراب من حميم
وعذاب اليم بما كانوا يكفرون) وقوله احتجاجا على عبدة الأوثان (قل - لهم -
أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله)
وقوله (كالذي استهوته الشياطين) أي خدعتهم في الأرض فهو (حيران).
وقوله (له أصحاب يدعونه إلى الهدى إئتنا) يعنيي ارجع الينا وهو
كناية عن إبليس فرد الله عليهم فقال قل لهم يا محمد (ان هدى الله هو الهدى
وأمرنا لنسلم لرب العالمين) وقوله (وأقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه
تحشرون وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله
الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير)
فإنه محكم.
ثم حكى عز وجل قول إبراهيم عليه السلام (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر
أتتخذ أصناما آلهة انى أريك وقومك في ضلال مبين) فإنه محكم واما قوله
(وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقتين)
فإنه حدثني أبي عن إسماعيل بن ضرار (مرار ط) عن يونس بن عبد الرحمان عن هشام عن أبي
عبد الله عليه السلام قال كشط له عن الأرض ومن عليها وعن السماء ومن فيها
والملك الذي يحملها والعرش ومن عليه، وفعل ذلك برسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين
عليه السلام، وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب الخزاز عن أبي بصير عن

(1) اسلموا مبني للمفعول، ومعنى ابسل نفسه للهلاك: أسلم نفسه للهلاك ج. ز
205

أبي عبد الله عليه السلام قال لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض التفت فرأى
رجلا يزني فدعا عليه فمات، ثم رأى آخر فدعا عليه فمات ثم رأى ثالثة فدعا
عليهم فماتوا، فأوحى الله يا إبراهيم ان دعوتك مستجابة فلا تدع على عبادي
فاني لو شئت لم أخلقهم، انى خلقت خلقي على ثلاثة أصناف، صنف يعبدني
ولا يشركون بي شيئا فأثيبه، وصنف يعبدون غيري فليس يفوتني، وصنف
يعبدون غيري فأخرج من صلبه من يعبدني، واما قوله (فلما جن عليه الليل
رأى كوكبا قال هذا ربى فلما أفل) اي غاب (قال لا أحب الآفلين) فإنه حدثني أبي
عن صفوان عن ابن مسكان قال قال أبو عبد الله عليه السلام ان آزر (1) أبا إبراهيم
كان منجما لنمرود بن كنعان فقال له انى أرى في حساب النجوم ان هذا الزمان
يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ويدعو إلى دين آخر، فقال نمرود في أي بلاد
يكون؟ قال في هذه البلاد، وكان منزل نمرود بكونى ربا (كوثي ريا خ ل)

(1) لا يخفى انه قد اختلف العلماء في والد إبراهيم عليه السلام، قال الرازي في
تفسير قوله " وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر " وظاهر هذه الآية يدل على أن اسم
والد إبراهيم عليه السلام هو آزر. وقال الزجاج لا خلاف بين النسابين ان اسمه
" تارخ " وعلى هذا فآزر كان عمه واطلاق لفظ الأب على العم في لغة العرب
والقرآن شائع ومنه الحديث المعروف " عم الرجل صنو أبيه " وقال الله تعالى
حاكيا عن أولاد يعقوب (ع) انهم قالوا: (نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق) ومن المعلوم ان إسماعيل كان عما ليعقوب، وقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: لم نزل ننتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات، وقال الله تعالى إنما
المشركون نجس، فلا يكون أحد أجداد النبي ولو بعيدا نجسا وهذا هو معقد
اجماع الطائفة المحقة فتحمل الروايات المخالفة له علي التقية. ج. ز
206

فقال له نمرود قد خرج إلى الدنيا؟ قال آزر لا، قال فينبغي ان يفرق بين الرجال
والنساء، ففرق بين الرجال والنساء، وحملت أم إبراهيم عليه السلام ولم تبين حملها، فلما
حان ولادتها قالت يا آزر انى قد اعتللت وأريد ان اعتزل عنك، وكان في ذلك
الزمان المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها، فخرجت واعتزلت عن زوجها
واعتزلت في غار، ووضعت بإبراهيم عليه السلام فهيئته وقمطته، ورجعت إلى منزلها
وسدت باب الغار بالحجارة، فاجرى الله لإبراهيم عليه السلام لبنا من ابهامه، وكانت
أمه تأتيه ووكل نمرود بكل امرأة حامل فكان يذبح كل ولد ذكر، فهربت أم
إبراهيم بإبراهيم من الذبح، وكان يشب إبراهيم في الغار يوما كما يشب غيره في
الشهر، حتى اتى له في الغار ثلاثة عشر سنة فلما كان بعد ذلك زارته أمه، فلما
أرادت ان تفارقه تشبث بها، فقال يا أمي أخرجيني، فقالت له يا بني ان الملك
ان علم انك ولدت في هذا الزمان قتلك، فلما خرجت أمه وخرج من الغار وقد
غابت الشمس نظر إلى الزهرة في السماء، فقال هذا ربي فلما أفلت قال لو كان هذا
ربي ما تحرك ولا برح ثم قال لا أحب الآفلين الآفل الغائب، فلما نظر إلى
المشرق رأى وقد طلع القمر، قال هذا ربي هذا أكبر وأحسن فلما تحرك وزال
قال: (لان لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) فلما أصبح وطلعت الشمس
ورأي ضوءها وقد أضاءت الدنيا لطلوعها قال هذا ربي هذا أكبر وأحسن فلما
تحركت وزالت كشف الله له عن السماوات حتى رأي العرش ومن عليه واراه الله
ملكوت السماوات والأرض فعند ذلك قال (يا قوم اني برئ مما تشركون اني
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما انا من المشركين) فجاء
إلى أمه وأدخلته دارها وجعلته بين أولادها.
وسئل أبو عبد الله عليه السلام عن قول إبراهيم هذا ربي أشرك في قوله هذا
ربي؟ فقال لا من قال هذا اليوم فهو مشرك، ولم يكن من إبراهيم شرك وإنما
207

كان في طلب ربه وهو من غيره شرك، فلما دخلت أم إبراهيم بإبراهيم دارها
نظر إليه آزر فقال من هذا الذي قد بقي في سلطان الملك والملك يقتل أولاد الناس
فقالت هذا ابنك ولدته في وقت كذا وكذا حين اعتزلت عنك، فقال ويحك
ان علم الملك بهذا زالت منزلتنا عنده وكان آزر صاحب أمر نمرود ووزيره وكان
يتخذ الأصنام له وللناس ويدفعها إلى ولده ويبيعونها، فقالت أم إبراهيم لآزر
لا عليك ان لم يشعر الملك به، بقي لنا ولدنا وان شعر به كفيتك الاحتجاج عنه
وكان آزر كلما نظر إلى إبراهيم أحبه حبا شديدا وكان يدفع إليه الأصنام
ليبيعها كما يبيع اخوته، فكان بعلق في أعناقها الخيوط ويجرها على الأرض
ويقول من يشتري ما (لا ط) يضره ولا ينفعه ويغرقها في الماء والحماة، ويقول لها كلي
واشربي وتكلمي، فذكر اخوته ذلك لأبيه فنهاه فلم ينته فحبسه في منزله ولم يدعه
يخرج، وحاجه قومه فقال إبراهيم (أتحاجوني في الله وقد هدان) اي؟ بين؟ لي
(ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما أفلا
تتذكرون) ثم قال لهم (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون انكم أشركتم
بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن ان كنتم تعلمون) اي
انا أحق بالأمن حيث اعبد الله أو أنتم الذين تعبدون الأصنام.
واما قوله (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) أي صدقوا ولم ينكثوا
ولم يدخلوا في المعاصي فيبطل ايمانهم ثم قال (أولئك لهم الامن وهم مهتدون
وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم
عليم) يعني ما قد احتج إبراهيم على أبيه وعليهم.
وقوله (ووهبنا له اسحق ويعقوب) يعني لإبراهيم (كلا هدينا ونوحا
هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون
وكذلك نجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين وإسماعيل
208

واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم
واجتبيناهم) أي اختبرناهم (وهديناهم إلى صراط مستقيم) فإنه محكم وحدثني
أبي عن ظريف بن ناصح عن عبد الصمد بن بشير عن أبي الجارود عن أبي جعفر
عليه السلام قال قال لي أبو جعفر عليه السلام يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن
والحسين؟ قلت ينكرون علينا انهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله قال فبأي شئ
احتججتم عليهم؟ قلت يقول الله عز وجل في عيسى بن مريم " ومن ذريته
داود وسليمان إلى قوله وكذلك نجزي المحسنين " فجعل عيسى بن مريم من
ذرية إبراهيم، قال فبأي شئ قالوا لكم؟ قلت قالوا قد يكون ولد الابنة
من الولد ولا يكون من الصلب، قال فبأي شئ احتججتم عليهم؟ قال قلت
احتججنا عليهم بقول الله " قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم " قال فأي شئ قالوا لكم؟ قلت قالوا قد يكون في كلام العرب أبناء
رجل والاخر يقول أبناؤنا قال فقال أبو جعفر عليه السلام والله يا أبا الجارود لأعطينك
من كتاب الله انهما من صلب رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يردها إلا كافر، قال قلت
جعلت فداك وأين؟ قال من حيث قال الله " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم
وأخواتكم الآية " إلى أن ينتهي إلى قوله " وحلائل أبنائكم الذين من
أصلابكم " فسلهم يا أبا الجارود هل حل لرسول الله صلى الله عليه وآله نكاح حليلتيهما؟
فان قالوا نعم فكذبوا والله وفجروا وان قالوا لا فهما والله أبناؤه لصلبه وما
حرمتا عليه إلا للصلب.
ثم قال عز وجل (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا)
يعني الأنبياء الذين قد تقدم ذكرهم (لحبط عنهم ما كانوا يعملون) ثم قال (أولئك
الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء) يعني أصحابه
وقريش ومن أنكروا بيعة أمير المؤمنين عليه السلام (فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها
209

بكافرين) يعني شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال تأديبا لرسول الله صلى الله عليه وآله (أولئك
الذين هدى الله فبهداهم اقتده) يا محمد ثم قال قل لقومك (لا أسئلكم عليه اجرا)
يعني على النبوة والقرآن اجرا (ان هو إلا ذكرى للعالمين) وقوله (وما قدروا
الله حق قدره) قال لم يبلغوا من عظمة الله ان يصفوه بصفاته (إذ قالوا ما انزل الله
على بشر من شئ) وهم قريش واليهود فرد الله عليهم واحتج وقال قل لهم يا محمد
(من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس
تبدونها) يعني تقرؤن ببعضها (وتخفون كثيرا) يعني من اخبار رسول الله
صلى الله عليه وآله (وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون)
يعني فيما خاضوا فيه من التكذيب ثم قال (وهذا كتاب) يعني القرآن (أنزلناه
مبارك مصدق الذي بين يديه يعني التوراة والإنجيل والزبور (ولتنذر أم القرى
ومن حولها) يعني مكة وإنما سميت أم القرى لأنها أول بقعة خلقت (والذين
يؤمنون بالآخرة يؤمنون به) اي بالنبي والقرآن (وهم على صلاتهم يحافظون).
قوله (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه
شئ ومن قال سأنزل مثل ما انزل الله) فإنها نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي
سرح وكان أخا عثمان من الرضاعة، حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخا عثمان بن
عفان من الرضاعة قدم المدينة واسلم وكان له خط حسن وكان إذا نزل الوحي على
رسول الله صلى الله عليه وآله دعاه فكتب ما يمليه عليه رسول الله صلى الله عليه وآله من الوحي وكان
إذا قال له رسول الله صلى الله عليه وآله سميع بصير يكتب سميع عليم وإذا قال والله بما
تعملون خبير يكتب بصير، ويفرق بين التاء والياء وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول
هو واحد، فارتد كافرا ورجع إلى مكة وقال لقريش والله ما يدري محمد ما يقول
انا أقول مثل ما يقول فلا ينكر علي ذلك فانا انزل مثل ما انزل الله فأنزل الله على
210

نبيه صلى الله عليه وآله في ذلك " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا.. الخ " فلما فتح
رسول الله صلى الله عليه وآله مكة امر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتله، فجاء به عثمان قد اخذ بيده
ورسول الله صلى الله عليه وآله في المسجد فقال يا رسول الله اعف عنه فسكت رسول الله
صلى الله عليه وآله ثم أعاد فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أعاد فقال هو لك، فلما مر قال
رسول الله لأصحابه ألم أقل من رآه فليقتله، فقال رجل كانت عيني إليك
يا رسول الله ان تشير إلي فاقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الأنبياء لا يقتلون
بالإشارة، فكان من الطلقاء ثم حكى عز وجل ما يلقى أعداء آل محمد عليه وآله
السلام عند الموت فقال: (ولو ترى إذ الظالمون - آل محمد حقهم - في غمرات
الموت والملائكة باسطوا أيديهم اخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون) قال
العطش (بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون) قال
ما انزل الله في آل محمد تجحدون به ثم قال (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم
أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم
انهم فيكم شركاء) والشركاء أئمتهم (لقد تقطع بينكم) يعني المودة (وضل عنكم)
اي بطل (ما كنتم تزعمون) حدثني أبي عن أبيه عن بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله عليه السلام أنه قال نزلت هذه الآية في معاوية وبني أمية وشركائهم وأئمتهم
وقوله (ان الله فالق الحب والنوى) قال الحب ما أحبه والنوى ما ناء عن
الحق وقال أيضا الحب ان يفلق العلم من الأئمة والنوى ما بعد عنه (يخرج
الحي من الميت ومخرج الميت من الحي) قال المؤمن من الكافر والكافر من
المؤمن (ذلكم الله فانى تؤفكون) اي تكذبون وقوله (فالق الاصباح وجعل
الليل سكنا) فقوله فالق الاصباح يعني مجئ النهار والضوء بعد الظلمة وقوله
(وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) قال النجوم
آل محمد عليهم السلام وقوله (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة) قال من آدم
211

(فمستقر ومستودع) قال المستقر الايمان الذي يثبت في قلب الرجل إلى أن يموت
والمستودع هو المسلوب منه الايمان وقوله (وهو الذي انزل من السماء ماءا
فأخرجنا به نبات كل شئ فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا) يعني
بعضه على بعض (ومن النخل من طلعها قنوان دانية) وهو العنقود (وجنات
من أعناب) يعني البساتين وقوله (انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه) اي بلوغه
(ان في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون وجعلوا لله شركاء الجن) قال وكانوا
يعبدون الجن (وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم) اي موهوا وحرفوا
فقال الله عز وجل ردا عليهم (بديع السماوات والأرض انى يكون له ولد ولم
تكن له صاحبة وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم) وقوله (لا تدركه
الابصار) اي لا تحيط به (وهو يدرك الابصار) اي يحيط بها وخلق كل شئ
(وهو اللطيف الخبير) وقوله (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن
عمي فعليها) يعني على النفس وذلك لاكتسابها المعاصي وهو رد على المجبرة
الذين يزعمون أنه ليس لهم فعل ولا اكتساب وقوله (وكذلك نصرف الآيات
وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون) قال كانت قريش تقول لرسول الله صلى
الله عليه وآله ان الذي تخبرنا به من الاخبار تتعلمه من علماء اليهود وتدرسه
وقوله (اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو واعرض عن المشركين)
منسوخ بقوله " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وقوله (ولو شاء الله
ما أشركوا) فهو الذي يحتج به المجبرة انا بمشيئة الله نفعل كل الافعال وليس لنا
فيها صنع، فإنما معنى ذلك أنه لو شاء الله ان يجعل الناس كلهم معصومين حتى كان
لا يعصيه أحد لفعل ذلك ولكن أمرهم ونهاهم وامتحنهم وأعطاهم ما أزال علتهم
وهي الحجة عليهم من الله يعني الاستطاعة ليستحقوا الثواب والعقاب وليصدقوا
ما قال الله من التفضل والمغفرة والرحمة والعفو والصفح وقوله (ولا تسبوا الذين
212

يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) فإنه حدثني أبي عن مسعدة بن
صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وآله ان الشرك اخفى
من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء، فقال كان المؤمنون يسبون
ما يعبد المشركون من دون الله وكان المشركون يسبون ما يعبد المؤمنون فنهى
الله المؤمنين عن سب آلهتم لكيلا يسب الكفار إله المؤمنين فيكونوا المؤمنون
قد أشركوا بالله من حيث لا يعلمون فقال: " ولا تسبوا الذين يدعون من دون
الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " وقوله (كذلك زينا لكل أمة عملهم) يعني بعد
اختبارهم ودخولهم فيه فنسبه الله إلى نفسه والدليل علي ان ذلك لفعلهم المتقدم
قوله (ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون).
ثم حكى قولهم وهم قريش فقال (وأقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم آية
ليؤمنن بها) فقال الله عز وجل (قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم انها إذا
جاءت لا يؤمنون) يعني قريشا وقوله (ونقلب أفئدتهم وابصارهم) وفي رواية
أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ونقلب أفئدتهم وابصارهم " يقول
ننكس قلوبهم فيكون أسفل قلوبهم أعلاها ونعمي أبصارهم فلا يبصرون بالهدى،
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام ان أول ما يغلبون (يقلبون خ ل) عليه من الجهاد
الجهاد بأيديكم ثم الجهاد بألسنتكم ثم الجهاد بقلوبكم فمن لم يعرف قلبه معروفا ولم
ينكر منكرا نكس قلبه فجعل أسفله أعلاه فلا يقبل خيرا ابدا (كما لم يؤمنوا به
أول مرة) يعني في الذر والميثاق (ونذرهم في طغيانهم يعمهون) اي يضلون ثم
عرف الله نبيه صلى الله عليه وآله ما في ضمائرهم وانهم منافقون (ولو اننا نزلنا إليهم الملائكة الجزء (8)
وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا) اي عيانا (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن
يشاء الله) وهذا أيضا ما يحتجون به المجبرة ومعنى قوله إلا أن يشاء الله إلا أن
يجبرهم على الايمان.
213

وقوله (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي
بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) يعني ما بعث الله نبيا إلا وفي أمته
شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض اي يقول بعضهم لبعض لا تؤمنوا
بزخرف القول غرورا (1) فهذا وحي كذب، وحدثني أبي عن الحسين بن سعيد
عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما بعث الله نبيا إلا وفي أمته شيطانان
يؤذيانه ويضلان الناس بعده فاما صاحبا نوح فقنطيفوص (فغنطيغوص خ ل)
وخرام، واما صاحبا إبراهيم فمكثل (مكيل خ ل) ورزام، واما صاحبا
موسى فالسامري ومر عقيبا (مر عتيبا خ ل) واما صاحبا عيسى فبولس
(يرليس يرليش خ ل) ومريتون (مريبون خ ل) واما صاحبا محمد صلى الله عليه وآله
فحبتر (جبتر خ ل) وزريق (زلام خ ل) وقوله (ولتصغى إليه أفئدة الذين
لا يؤمنون بالآخرة) تصغي إليه اي يستمع لقوله المنافقون ويرضونه بألسنتهم ولا
يؤمنون بقلوبهم (وليقترفوا) اي ينتظروا (ما هم مقترفون) ثم قال قل لهم
يا محمد (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي انزل إليكم الكتاب مفصلا) يعني
يفصل بين الحق والباطل وقوله (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته
وهو السميع العليم) فحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي

(1) لا يخفى ان كلام الشياطين وايحاء بعضهم إلى بعض هو زخرف القول
لأنه مفعول " يوحي " لا أن الشياطين جعلوا كلام النبي مزخرفا كما هو الظاهر من
عبارة المصنف وأظن أنه لأجل تصحيف في العبارة وكذا العبارة الآتية في شرح
قوله تعالى " لتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة " لأنه لا معنى لاستماع
المنافقين لقول الشياطين ثم ارضائهم بمجرد اللسان دون الجنان والحال ان المنافقين
شأنهم ان يؤمنوا بوحي الشياطين قلبا لا لسانا فهو بالعكس. ج. ز
214

عبد الله عليه السلام قال إذا خلق الله الامام في بطن أمه يكتب على عضده الأيمن (وتمت
كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) وحدثني أبي عن
حميد بن شعيب عن الحسن بن راشد قال قال أبو عبد الله عليه السلام ان الله إذا
أحب ان يخلق الامام اخذ شربة من تحت العرش من ماء المزن أعطاها ملكا
فسقاها أباه فمن ذلك يخلق الامام، فإذا ولد بعث الله ذلك الملك إلى الامام ان يكتب
بين عينيه " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم "
فإذا مضى ذلك الامام الذي قبله رفع له منارا يبصر به اعمال العباد، فلذلك
يحتج به على خلقه.
ثم قال عز وجل لنبيه عليه السلام (وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن
سبيل الله) يعني يحيروك عن الامام فإنهم مختلفون فيه (ان يتبعون إلا الظن وان
هم إلا يخرصون) اي يقولون بلا علم بالتخمين والتقريب (فكلوا مما ذكر اسم
الله عليه) قال من الذبائح ثم قال (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد
فصل لكم ما حرم عليكم) يعني بين لكم (إلا ما اضطررتم إليه وان كثيرا ليضلون
بأهوائهم بغير علم أن ربك هو اعلم بالمعتدين) وقوله (وذروا ظاهر الاثم وباطنه
ان الذين يكفرون؟ الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون) قال الظاهر من الاثم المعاصي
والباطن الشرك والشك في القلب وقوله " بما كانوا يقترفون " اي يعلمون وقوله
(ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) قال من ذبائح اليهود والنصارى وما يذبح
على غير الاسلام ثم قال (وانه لفسق وان الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) يعني
وحي كذب وفسوق وفجور إلى أوليائهم من الانس ومن يطيعهم (ليجادلوكم)
اي ليخاصموكم (وان أطعتموهم انكم لمشركون) وقوله (أو من كان ميتا فأحييناه)
قال جاهلا عن الحق والولاية فهديناه إليها (وجعلنا له نورا يمشي به في الناس)
قال النور الولاية (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها يعني في ولاية غير
215

الأئمة عليهم السلام (كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون) وقوله (وكذلك
جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها) يعني رؤساء (ليمكروا فيها وما يمكرون إلا
بأنفسهم وما يشعرون) اي يمكرون بأنفسهم لان الله يعذبهم عليه (فإذا جاءتهم
آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله) قال قالت الأكابر لن
نؤمن حتى نؤتي مثل ما اوتى الرسل من الوحي والتنزيل فقال الله تبارك وتعالى
(الله اعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد
بما كانوا يمكرون) اي يعصون الله في السر وقوله (فمن يرد الله ان يهديه يشرح
صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) فالحرج (1) الذي
لا مدخل له فيه والضيق ما يكون له المدخل الضيق (كأنما يصعد في السماء) قال
يكون مثل شجرة حولها أشجار كثيرة فلا تقدر ان تلقي أغصانها يمنة ويسرة
فتمر في السماء وتسمى حرجة، فضرب بها مثلا ثم قال (كذلك يجعل الله الرجس
على الذين لا يؤمنون) وقوله (هذا صراط ربك مستقيما) يعني الطريق الواضح
(قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون) وقوله (لهم دار السلام عند ربهم) يعني في
الجنة والسلام الأمان والعافية والسرور ثم قال (وهو وليهم اليوم بما كانوا يعملون)
يعني الله عز وجل وليهم أي أولى بهم وقوله (ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن
قد استكثرتم من الانس وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض) قال
كل من والى قوما فهو منهم وان لم يكن من جنسهم (ربنا استمتع بعضنا ببعض
وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا) يعني القيامة وقوله (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا
بما كانوا يكسبون) قال نولي كل من تولى أولياءهم فيكونون معهم يوم القيامة،
ثم ذكر عز وجل احتجاجا على الجن والإنس يوم القيامة فقال: (يا معشر الجن والإنس
ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا
شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم انهم كانوا كافرين)

(1) الحرج بالتحريك جمع الحرجة مجتمع الشجر. ق
216

وقوله (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) يعني لا يظلم أحدا
حتى يبين لهم ما يرسل إليهم فإذا لم يؤمنوا هلكوا (ولكل درجات مما عملوا يعني
لهم درجات على قدر اعمالهم (وما ربك بغافل عما يعملون) ثم قال (وربك الغني
ذو الرحمة ان يشاء يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية
قوم آخرين) وقوله (ان ما توعدون لآت) يعني من القيامة والثواب والعقاب
(وما أنتم بمعجزين) وقوله (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا
فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان
لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون) فان العرب إذا زرعوا زرعا قالوا هذا لله وهذا
لآلهتنا وكانوا إذا سقوها فحرف (1) الماء من الذي لله في الذي للأصنام لم يسدوه
وقالوا الله اغنى، وإذا حرف من الذي للأصنام في الذي لله سدوه وقالوا الله
أغني، وإذا وقع شئ من الذي لله في الذي للأصنام لم يردوه وقالوا الله اغنى،
وإذا وقع شئ من الذي للأصنام في الذي لله ردوه وقالوا الله اغنى، فأنزل الله
في ذلك على نبيه صلى الله عليه وآله وحكى فعلهم، وقولهم فقال " وجعلوا لله مما ذرأ من
الحرث والانعام نصيبا.. الخ " وقوله: (وكذلك زين لكثير من المشركين
قتل أولادهم شركاؤهم) قال يعني اسلافهم زينوا لهم قتل أولادهم (ليردوهم
وليلبسوا؟؟ عليهم دينهم) يعني يغيروهم (ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون)
وقوله (وقالوا هذه انعام وحرث حجر) قال الحجر المحرم (لا يطعمها إلا من
نشاء بزعمهم) قال كانوا يحرمونها على قوم (وانعام حرمت ظهورها) يعني
البحيرة والسائبة والوصية والحام (وانعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه
سيجزيهم بما كانوا يفترون وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم

(1) اي مال.
217

على أزواجنا وان يكن ميتة فهم فيه شركاء) فكانوا يحرمون الجنين الذي
يخرجوه من بطون الانعام يحرمونه على النساء فإذا كان ميتا يأكلوه الرجل
والنساء، فحكى الله قولهم لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال (وقالوا ما في بطون هذه
الانعام) - إلى قوله - (سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم) ثم قال (قد خسر الذين
قتلوا أولادهم سفها بغير علم) اي بغير فهم (وحرموا ما رزقهم الله) وهم قوم
يقتلون أولادهم من البنات للغيرة وقوم كانوا يقتلون أولادهم من الجوع، وهذا
معطوف على قوله " وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم "
فقال الله " ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق نحن نرزقكم وإياهم " وقوله (وهو
الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات) قال البساتين وقوله (والنخل والزرع
مختلفا اكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر) وقوله
(وآتوا حقه يوم حصاده) قال يوم حصاد وكذا نزلت، قال فرض الله يوم
الحصاد من كل قطعة ارض قبضة للمساكين وكذا في جزاز (جذاذ خ ل)
النخل وفي الثمرة وكذا عند البذر (1) أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد
عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن شعيب العقرقوفي قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قوله " وآتوا حقه يوم حصاده " قال الضغث من السنبل والكف من
التمر إذا خرص، قال سألت هل يستقيم اعطاؤه إذا ادخله بيته؟ قال لا هو أسخى
لنفسه قبل ان يدخله بيته، وعنه عن أحمد البرقي عن سعد بن سعد عن الرضا
عليه السلام قال قلت فإن لم يحضر المساكين وهو يحصد كيف يصنع؟ قال ليس عليه
شئ وقوله (ومن الانعام حمولة وفرشا) يعني الثياب من الفرش) كلوا مما

(1) وفي الكافي عن معاوية بن الحجاج قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
في الزرع حقان حق يؤخذ به، وحق تعطيه، قلت فما الذي أؤخذ به وما الذي
أعطيه؟ قال اما الذي تؤخذ به فالعشر ونصف العشر، واما الذي تعطيه
فقول الله عز وجل " وآتوا حقه يوم حصاده يعني " من حصدك الشئ بعد
الشئ ولا اعلمه إلا قال الضغث تعطيه الضغث حتى تفرغ، فيظهر من هذه الرواية
وغيرها ان المراد من الآية في المقام الزكاة المستحبة دون الواجبة منها. ج. ز.
218

رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين) وقوله (ثمانية
أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آ الذكرين حرم أم الأنثيين اما اشتملت
عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم ان كنتم صادقين، ومن الإبل اثنين ومن البقر
اثنين قل آ الذكرين حرم أم الأنثيين اما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) فهذه التي
أحلها الله في كتابه في قوله " وانزل لكم من الانعام ثمانية أزواج " (1) ثم
فسرها في هذه الآية فقال: من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين
ومن البقر اثنين، فقال: صلى الله عليه وآله " من الضأن اثنين " عنى الأهلي والجبلي
" ومن المعز اثنين " عنى الأهلي والوحشي الجبلي " ومن البقر اثنين " يعني
الأهلي والوحشي الجبلي " ومن الإبل اثنين " يعني البخاتي (2) والعراب فهذه أحلها
الله، وقد احتج قوم بهذه الآية (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم
يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل
لغير الله به) فتأولوا هذه الآية انه ليس شئ محرما إلا هذا، وأحلوا كل
شئ من البهائم، القردة والكلاب والسباع والذئاب والأسد والبغال والحمير
والدواب، وزعموا أن ذلك كله حلال لقوله " قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما
على طاعم يطعمه " وغلطوا في هذا غلطا بينا وإنما هذه الآية رد على ما أحلت
العرب وحرمت، لان العرب كانت تحلل على نفسها أشياء وتحرم أشياء فحكى
الله ذلك لنبيه صلى الله عليه وآله ما قالوا، فقال: وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة

(1) الزمر 6.
(2) البخت بالضم الإبل الخراسانية والجمع بخاتى ق -
219

لذكورنا ومحرم على أزواجنا فكان إذا سقط الجنين حيا اكله الرجال وحرم على
النساء، وإذا كان
ميتا اكله الرجال والنساء، وقد مضى ذكره وهو قوله
" وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا.. الخ. " وقوله (وعلى الذين
هادوا حرمنا كل ذي ظفر " يعني اليهود، حرم الله عليهم لحوم الطير، وحرم
عليهم الشحوم وكانوا يحبونها إلا ما كان على ظهور الغنم أو في جانبه خارجا
من البطن وهو قوله (وحرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا)
اي الجنبين (أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون) ومعنى
قوله جزيناهم ببغيهم انه كان ملوك بني إسرائيل يمنعون فقراءهم من اكل لحم
الطير والشحوم فحرم الله ذلك عليهم ببغيهم على فقراءهم، ثم قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله
(فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين - ثم
قال - سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من
شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا) قل يا محمد لهم (هل عندكم
من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون إلا الظن وان أنتم إلا تخرصون) ثم قال قل لهم
(فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين) قال لو شاء لجعلكم كلكم على
امر واحد ولكن جعلكم على اختلاف، ثم قال قل يا محمد لهم (هلم شهداءكم
الذين يشهدون ان الله حرم هذا) وهو معطوف على قوله " وقالوا ما في بطون
هذه الانعام " ثم قال (فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا
بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون) ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله قل
لهم (تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا)
قال الوالدين رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين صلوات الله عليه.
وقوله (ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا
الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم
220

وصاكم به لعلكم تعقلون) فإنه محكم وقوله (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي
هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا
وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به
لعلكم تذكرون) فهذا كله محكم وقوله (وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه)
قال الصراط المستقيم الامام فاتبعوه (ولا تتبعوا السبل) يعني غير الامام
(فتفرق بكم عن سبيله) يعنى لا تفرقوا ولا تختلفوا في الامام ان تختلفوا في الامام
تضلوا عن سبيله، أخبرنا حسن بن علي عن أبيه عن الحسين بن سعيد عن محمد
ابن سنان عن أبي خالد القماط عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " وان
هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " قال نحن
السبيل فمن أبى فهذه السبل فقد كفر، ثم قال (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) يعني
كي تتقوا، وقوله (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن) يعنى تم له
الكتاب لما أحسن (وتفصيلا لكل شئ وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون)
هو محكم وقوله (وهذا كتاب أنزلناه) يعنى القرآن (مبارك فاتبعوه واتقوا
لعلكم ترحمون) يعنى كي ترحموا، قوله (ان تقولوا إنما انزل الكتاب على
طائفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين) يعنى اليهود والنصارى وان كنا لم
ندرس كتبهم (أو تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم) يعنى
قريشا، قالوا لو انزل علينا الكتاب لكنا اهدى وأطوع منهم (فقد جاءكم
بينة من ربكم وهدى ورحمة) يعني القرآن (فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف
عنها) يعني دفع عنها (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا) أي يدفعون ويمنعون
عن آياتنا (سوء العذاب بما كانوا يصدفون) ثم قال (هل ينظرون إلا أن تأتيهم
الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك) فإنه
حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
221

(يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت
في ايمانها خيرا) قال نزلت " أو اكتسبت في ايمانها خيرا " (قل انتظروا انا
معكم منتظرون) قال إذا طلعت الشمس من مغربها فكل من آمن في ذلك اليوم
لا ينفعه ايمانه، وقوله (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ
إنما امر هم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) قال فارقوا أمير المؤمنين عليه السلام
وصاروا أحزابا، حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن معلى بن
خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله " ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا " قال
فارقوا القوم والله دينهم، وقوله (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء
بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا يظلمون) فهذه ناسخة لقوله " من جاء بالحسنة
فله خير منها " وقوله (قل انني هداني ربى إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم
حنيفا وما كان من المشركين) والحنيفية هي العشرة التي جاء بها إبراهيم عليه السلام
(قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت
وانا أول المسلمين) ثم قال قل لهم يا محمد (أغير الله أبغي ربا وهو رب كل
شئ ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) اي لا تحمل
آثمة اثم أخرى ثم (إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) وقوله (وهو
الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات) قال في القدر
والمال (ليبلوكم) اي يختبركم (فيما آتاكم ان ربك سريع العقاب وانه
لغفور رحيم).
سورة الأعراف مكية
وهي مأتان وست آية
(بسم الله الرحمن الرحيم، المص كتاب انزل إليك) مخاطبة لرسول الله
صلى الله عليه وآله (فلا يكن في صدرك حرج منه) اي ضيق (لتنذر به وذكرى للمؤمنين)
222

حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر
عليه السلام قال إن حي بن اخطب واخاه أبا ياسر بن اخطب ونفرا من اليهود من أهل نجران
اتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا له أليس فيما تذكر فيما انزل إليك ألم؟ قال بلى،
قالوا اتاك بها جبرئيل من عند الله؟ قال نعم، قالوا لقد بعثت أنبياء قبلك،
ما نعلم نبيا منهم اخبر ما مدة ملكه وما اكل أمته غيرك، قال عليه السلام فاقبل حي
ابن اخطب على أصحابه، فقال لهم الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون
فهذه واحد وسبعون سنة، فعجب ممن يدخل في دينه ومدة ملكه واكل أمته
أحد وسبعون سنة، قال عليه السلام ثم اقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له يا محمد هل
مع هذا غيره؟ قال نعم، قال هاته، قال المص قال أثقل وأطول، الألف
واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه مائة واحد وستون سنة،
ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وآله هل مع هذا غيره؟ قال نعم قال هات، قال الرا، قال
هذا أثقل وأطول، الألف واحد واللام ثلاثون والراء مائتان فهل مع هذا غيره؟
قال نعم، قال هات، قال: المرا قال هذا أثقل وأطول، الألف واحد واللام ثلاثون
والميم أربعون والراء مائتان، ثم قال فهل مع هذا غيره؟ قال نعم، قال لقد
التبس علينا امرك فما ندري ما أعطيت، ثم قالوا عنه ثم قال أبو ياسر لحي
أخيه! وما يدريك لعل محمدا قد جمع هذا كله وأكثر منه، فقال أبو جعفر
عليه السلام ان هذه الآيات أنزلت منهن آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات
وهي تجري في وجوه أخر على غير ما تأول به حي وأبو ياسر وأصحابه.
ثم خاطب الله تبارك وتعالى الخلق فقال (اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم
ولا تتبعوا من دونه أولياء) غير محمد (قليلا ما تذكرون) وقوله (وكم من قرية
أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا) اي عذابا بالليل (أو هم قائلون) يعني نصف النهار
وقوله (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا انا كنا ظالمين) فإنه محكم
223

وقوله (فلنسئلن الذين ارسل إليهم ولنسئلن المرسلين) قال الأنبياء، عما حملوا
من الرسالة، وقوله (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين) قال لم نغب عن أفعالهم
وقوله (والوزن يومئذ الحق) قال المجازات بالاعمال ان خيرا فخير وان شرا
فشر وهو قوله (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه
فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) قال بالأئمة يجحدون
وقوله (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش) اي مختلفة (قليلا
ما تشكرون) اي لا تشكرون الله وقوله (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) اي
خلقناكم في أصلاب الرجال وصورناكم في أرحام النساء ثم قال وصور ابن مريم
في الرحم دون الصلب وإن كان مخلوقا في أصلاب الأنبياء، ورفع وعليه مدرعة
من صوف، حدثنا أحمد بن محمد عن جعفر بن عبد الله المحمدي قال حدثنا كثير
ابن عياش عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ولقد خلقناكم ثم
صورناكم " اما خلقناكم فنطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم لحما، واما صورناكم
فالعين والانف والاذنين والفم واليدين والرجلين صور هذا ونحوه ثم جعل الدميم
والوسيم والطويل والقصير وأشباه هذا، واما قوله (لآتينهم من بين أيديهم
ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم) اما بين أيديهم فهو من قبل الآخرة
لأخبرنهم انه لا جنة ولا نار ولا نشور، واما خلفهم يقول من قبل دنياهم آمرهم
بجمع الأموال وآمرهم ان لا يصلوا في أموالهم رحما ولا يعطوا منه حقا وآمرهم
ان يقللوا على ذرياتهم وأخوفهم عليهم الضيعة، واما عن ايمانهم يقول من قبل
دينهم فان كانوا على ضلالة زينتها لهم وان كانوا على اهدى جهدت عليهم حتى
أخرجهم منه، واما عن شمائلهم يقول من قبل اللذات والشهوات، يقول الله ولقد
صدق عليكم إبليس ظنه واما قوله (اخرج منها مذؤما مدحورا) فالمذؤم المعيب
والمدحور المقصر وقوله " اخرج منها مذؤما مدحورا " اي ملقى في جهنم وقوله (يا آدم
224

أسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا
من الظالمين) وكان كما حكى الله (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري
عنهما من سوأتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين
أو تكونا من الخالدين وقاسمهما) اي حلفهما (انى لكما لمن الناصحين) روي عن
أبي عبد الله عليه السلام قال لما اخرج آدم من الجنة نزل جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم أليس
الله خلقك بيده فنفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وزوجك حواء أمته
وأسكنك الجنة وأباحها لك ونهاك مشافهة ان لا تأكل من هذه الشجرة فأكلت
منها وعصيت الله. فقال آدم عليه السلام يا جبرئيل ان إبليس حلف لي بالله انه لي ناصح
فما ظننت ان أحدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا، وقوله (فدلاهما بغرور فلما
ذاقا الشجرة بدت لهما سوأتهما) حدثنا أحمد بن إدريس أخبرنا أحمد بن محمد عن
ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله " بدت لهما
سوأتهما " قال كانت سوأتهما لا تبدو لهما يعني كانت داخلة (1) وقوله:
(وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) اي يغطيان سوأتهما به (وناداهما ربهما
ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين) فقالا كما
حكى الله (ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)
فقال الله (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) يعني آدم وإبليس (ولكم في الأرض
مستقر ومتاع إلى حين) يعني إلى القيامة.
وقوله (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوأتكم وريشا ولباس
التقوى ذلك خير) قال لباس التقوى لباس البياض وفي رواية أبي الجارود عن
أبي جعفر عليه السلام في قوله " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوأتكم

(1) اي مستترة. ج. ز.
225

وريشا " فاما اللباس فالثياب التي يلبسون، واما الرياش فالمتاع والمال، واما لباس
التقوى فالعفاف لان العفيف لا تبدو له عورة وإن كان عاريا من الثياب، والفاجر
بادي العورة وإن كان كاسيا من الثياب، يقول (ولباس التقوى ذلك خير) يقول
العفاف خير (ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون) وقوله (يا بني آدم لا يفتننكم
الشيطان كما اخرج أبويكم من الجنة) فإنه محكم، واما قوله (وإذا فعلوا فاحشة
قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) قال الذين عبدوا الأصنام، فرد الله
عليهم فقال قل لهم (ان الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل
امر ربي بالقسط) اي بالعدل (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه
مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون) اي في القيامة (فريقا هدى وفريقا حق
عليهم الضلالة) يعني العذاب وجب عليهم، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله
" كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " قال خلقهم حين
خلقهم مؤمنا وكافرا وشقيا وسعيدا وكذلك يعودون يوم القيامة مهتديا وضالا
يقول (انهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون) وهم
القدرية (1) الذين يقولون لا قدر ويزعمون انهم قادرون على الهدى والضلالة

(1) قال في مجمع البحرين: القدرية وهم المنسوبون إلى القدر يزعمون أن
كل عبد خالق فعله ولا يرون المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيته وفي الحديث
لا يدخل الجنة قدري وهو الذي يقول لا يكون ما شاء الله ويكون ما شاء
إبليس، ويسمون " بالمفوضة " أيضا لزعمهم ان الله فوض إليهم أفعالهم.
وبإزاء هذه الفرقة " المجبرة " وهم الذين قالوا ليس لنا صنع ونحن مجبورون
يحدث الله لنا الفعل عند الفعل وإنما الافعال منسوبة إلى الناس مجازا ويسمون
" بالمرجئة " أيضا فذاك افراط وهذا تفريط والحق الوسط ما ذهبت إليه الإمامية
وهو ما افاده الإمام الصادق عليه السلام: لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين أمرين
سئل ما الامر بين الامرين؟ قال مثل ذلك رجل رأيته على معصية فنهيته فلم
ينته فتركته، ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته أنت الذي
امرته بالمعصية.
وقال البصري لأبي عبد الله عليه السلام: الناس مجبورون؟ قال لو كانوا مجبورين
لكانوا معذورين، قال ففوض إليهم؟ قال لا، قال فما هم؟ فقال علم منهم فعلا
فأوجد فيهم آلة الفعل، فإذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين (مجمع البحرين
مادة طوع). ج. ز
226

وذلك إليهم ان شاؤوا اهتدوا وان شاؤوا ضلوا وهم مجوس هذه الأمة وكذب أعداء
الله المشية والقدرة لله " كما بدأكم تعودون " من خلقه الله شقيا يوم خلقه كذلك
يعود إليه شقيا ومن خلقه سعيدا يوم خلقه كذلك يعود إليه سعيدا، قال رسول الله
صلى الله عليه وآله الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه (1) واما قوله

(1) لا كلام في مذهب الإمامية في أن العبد ليس بمجبور في أفعاله بل هو
الذي يفعل حسنته وسيئته وهو المسؤول عنها يوم القيامة والقول بان الله تعالى فاعل
أفعالهم باطل عندهم اجماعا وقد دلت عليه قبله الآيات والروايات، فاما الآيات
فناهيك منها: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت
وقوله تعالي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ومن الروايات مضافا إلى ما مضى
سابقا قول الصادق عليه السلام حين سئل عن معنى القدر قال: ما استطعت ان تلوم
العبد عليه فهو فعله وما لم تستطع ان تلوم العبد عليه فهو فعل الله تعالى، يقول
الله للعبد لم عصيت! لم فسقت! فهذا فعل العبد ولا يقول له لم مرضت لم طلت
لم قصرت! لم ابيضضت لم اسوددت! لأنه فعل الله (الأنوار النعمانية 2 / 261)
وان خطر في بال بأنه ما بال تلك الأخبار التي يجنح ظاهرها إلى الجبر كاخبار
الطينة وكذا قوله عليه السلام: من خلقه الله شقيا يوم خلقه كذلك يعود إليه إلى آخر
ما في متن الكتاب.
(قلنا) انه قد أجيب عنه بوجوه:
الأول: ما صار إليه علم الهدى السيد مرتضى (رح) فإنه قد استراح
بالقول بأنها اخبار آحاد مخالفة للكتاب والاجماع فوجب ردها، فلذلك طرحها كما
هو مذهبه في اخبار الآحاد أينما وردت، ذلك لان الكتاب والاجماع قد دلا
على أن صدور الحسنة والسيئة إنما هو باختيار العبد وليس فيه مدخل للطينة
بوجه من الوجوه.
والثاني: ما ذهب إليه ابن إدريس (رح) من أنها اخبار متشابهة يجب
الوقوف عندها وتسليم أمرها إليهم عليهم السلام.
والثالث: ما صار إليه بعض المحدثين من حملها على المجاز والكناية كما
يقال في العرف لمن أسدي عرفه إلى عباد الله وحسن خلقه هذا رجل قد عجنت
طينته بفعل الخير وحب الكرم والتقوى.
والرابع: وهو المشهور في تأويل هذه الأخبار وما ضاهاها مما ظاهره
الجبر ونفي الاختيار من أنه منزل على العلم الإلهي، فإنه سبحانه قد علم في الأزل
أحوال الخلق في الأبد وما يأتونه وما يذرونه بالاختيار منهم فلما علم منهم هذه
الأحوال وانها تقع باختيارهم عاملهم بهذه المعاملة كالخلق من الطينة الخبيثة أو
الطينة الطيبة وحينئذ كتبت الشقاوة والسعادة في الناس قبل ان يجيئوا في حيز
الوجود، وكما أن العلم بان زيدا اسود وبكرا البيض ليس علة للسواد والبياض
الموجودين فيهما كذلك علم الله تعالى بكون زيد سعيدا أو شقيا لا يكون
علة للسعادة والشقاوة فيه بل إنهما مستندتان إليه.
الخامس: وهو ألطف الوجوه ما قال غواص بحار الاخبار، وطلاع
جواهرها عن الأستار، جدنا السيد الجزائري رحمه الله في أنواره من أن خلق
الأرواح قد كان قبل خلق عالم الذر، وقد أجج سبحانه نارا وكلف تلك الأرواح
بالدخول، كما سيأتي تفصيله عند تفسير الآية " وإذ اخذ ربك من بني آدم من
ظهورهم " في هذا الكتاب فمنهم من بادر إلى الامتثال ومنهم من تأخر عنه ولم
يأت به، فمن هناك جاء الايمان والكفر ولكن بالاختيار، فلما أراد سبحانه
ان يخلق لتلك الأرواح أبدانا تتعلق لكل نوع من الأرواح نوعا مناسبا له
من الأبدان فيكون ما صنع بها سبحانه جزاءا لذلك التكليف السابق، نعم لما
مزج الطينتين اثر ذلك المزج في قبول الاعمال الحسنة وضدها، هذا ما قبل في
هذه المسألة، مضافا إلى ما ذكرناه سابقا في ابتداء الكتاب في حاشيتنا ص 38،
من اشتراط البداء في ذلك، فيتبين لك ان القول بالبداء يقلع أساس الجبرية
والقدرية كلتيهما، نعم من ذهب إلى انكاره فلابد له من الاقرار بالجبر فأقروا
به بل اعتنقوا به. ج. ز.
227

(خذوا زينتكم عند كل مسجد) فان أناسا كانوا يطوفون عراتا بالبيت الرجال
228

بالنهار والنساء بالليل، فامرهم الله بلبس الثياب وكانوا لا يأكلون إلا قوتا فامرهم
الله ان يأكلوا ويشربوا ولا يسرفوا وقوله (قل من حرم زينة الله التي اخرج
لعباده) وهي الثياب (والطيبات من الرزق) وهي الحلال (قل هي للذين آمنوا
في الحياة الدنيا) اشترك فيها البر والفاجر (خالصة يوم القيامة للذين آمنوا كذلك
نفصل الآيات لقوم يعلمون) وقوله " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد "
قال في العيدين والجمعة يغتسل ويلبس ثيابا بيضا، وروي أيضا المشط عند كل
229

صلاة، وقوله " قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق "
وهي حكاية معناها قالوا من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق فقال
الله قل لهم هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، قل من آمن في الدنيا
فهذه الطيبات لهم خالصة عند الله يوم القيامة ثم قال قل لهم (إنما حرم ربي
الواحش ما ظهر منها وما بطن) قال من ذلك أئمة الجور (والاثم) يعني به الخمر
(والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله
ما لا تعلمون) وهذا رد على من قال في دين الله بغير علم وحكم فيه بغير حكم الله
فعليه مثل ما على من أشرك بالله واستحل المحارم والفواحش، فالقول على الله
محرم بغير علم مثل هذه المعاني، وقوله (والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا
عنها الآية) فإنه محكم وقوله (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته
أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) اي ينالهم ما في كتابنا من عقوبات المعاصي
وقوله (قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اله قالوا ضلوا عنا) اي يضلوا وقوله:
(قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة
لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا) يعني اجتمعوا وقوله " أختها " اي التي
كانت بعدها تبعوهم على عبادة الأصنام وقوله (قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء
أضلونا) يعني أئمة الجور (فآتهم عذابا ضعفا من النار) فقال الله (لكل ضعف
ولكن لا تعلمون) ثم قال أيضا (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من
فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) قالوا شماتة بهم.
واما قوله (ان الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب
السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) فإنه حدثني أبي عن فضالة
عن أبان بن عثمان عن ضريس عن أبي جعفر عليه السلام قال نزلت هذه الآية في طلحة
والزبير والجمل جملهم، والدليل على أن جنان الخلد في السماء قوله " لا تفتح لهم
230

أبواب السماء ولا يدخلون الجنة " والدليل أيضا على أن النيران في الأرض قوله في
سورة مريم " ويقول الانسان أإذا ما مت لسوف اخرج حيا أو لا يذكر الانسان
انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول
جهنم جثيا " ومعنى حول جهنم البحر المحيط بالدنيا يتحول نيرانا وهو قوله
" وإذا البحار سجرت " ثم يحضرهم الله حول جهنم ويوضع الصراط من الأرض
إلى الجنان وقوله جثيا اي على ركبهم ثم قال " ونذر الظالمين فيها جثيا " يعني
في الأرض إذا تحولت نيرانا وقوله (لهم من جهنم؟ مهاد) اي مواضع (ومن
فوقهم غواش) اي نار تغشاهم وقوله (لا نكلف نفسا إلا وسعها) اي ما يقدرون
عليه وقوله (ونزعنا ما في صدورهم من غل) قال العداوة ينزع منهم اي من
المؤمنين في الجنة فإذا دخلوا الجنة قالوا كما حكى الله (الحمد لله الذي هدانا لهذا
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا ان
تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) واما قوله (ونادى أصحاب الجنة
أصحاب النار ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا
قالوا نعم فاذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين) فإنه حدثني أبي عن محمد بن
الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام قال المؤذن أمير المؤمنين صلوات الله عليه يؤذن اذانا
يسمع الخلائق كلها، والدليل على ذلك قول الله عز وجل في سورة البراءة " واذان
من الله ورسوله " فقال أمير المؤمنين عليه السلام كنت أنا الاذان في الناس واما قوله
(وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) فإنه حدثني أبي عن
الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن بريد (يزيد ط) عن أبي عبد الله عليه السلام قال الأعراف
كثبان بين الجنة والنار، والرجال الأئمة صلوات الله عليهم، يقفون على الأعراف
مع شيعتهم وقد سيق المؤمنون إلى الجنة بلا حساب، فيقول الأئمة لشيعتهم
من أصحاب الذنوب انظروا إلى اخوانكم في الجنة قد سيقوا (سبقوا ط) إليها بلا
231

حساب، وهو قوله تبارك وتعالى (سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) ثم يقال
لهم انظروا إلى أعدائكم في النار وهو قوله (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب
النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم
بسيماهم) في النار ف‍ (قالوا ما اغنى عنكم جمعكم) في الدنيا (وما كنتم تستكبرون)
ثم يقولون لمن في النار من أعدائهم أهؤلاء شيعتي واخواني الذين كنتم أنتم
تحلفون في الدنيا ان لا ينالهم الله برحمة ثم يقول الأئمة لشيعتهم (ادخلوا الجنة
لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) ثم (نادى أصحاب النار أصحاب الجنة ان
أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله).
حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي الربيع قال
حججت مع أبي جعفر عليه السلام في السنة التي حج فيها هشام بن عبد الملك، وكان
معه نافع مولى عمر بن الخطاب، فنظر نافع إلى أبي جعفر عليه السلام في ركن البيت
وقد اجتمع عليه الناس فقال يا أمير المؤمنين من هذا الذي تكافأ عليه الناس؟
قال هذا ابن (بنى ط) أهل الكوفة محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم
السلام، فقال لآتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي،
قال فاذهب إليه فاسأله لعلك تخجله، فجاء نافع حتى اتكأ على الناس فأشرف على
أبى جعفر عليه السلام فقال يا محمد بن علي انى قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان
وقد عرفت حلالها وحرامها وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي
أو وصي نبي أو ابن نبي، فرفع أبو جعفر عليه السلام رأسه فقال سل عما بدا لك،
قال أخبرني كم كان بين عيسى ومحمد عليهما السلام من سنة؟ فقال أخبرك بقولك
أم بقولي؟ قال أخبرني بالقولين جميعا، قال اما في قولي فخمس مائة سنة، واما
في قولك فستمائة سنة، قال أخبرني عن قول الله تعالى " واسئل من أرسلنا من
قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " من الذي سأله محمد
232

صلى الله عليه وآله؟ وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة، قال فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه
الآية " سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا " كان من الآيات التي أراها محمدا صلى الله عليه وآله
حيث اسرى به إلى البيت المقدس انه حشر الله له الأولين والآخرين من النبيين
والمرسلين ثم امر جبرئيل عليه السلام فاذن شفعا واقام شفعا (1) وقال في اقامته حي على
خير العمل، ثم تقدم محمد صلى الله عليه وآله فصلى بالقوم فلما انصرف قال الله له: سل
يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا نشهد ان لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وانك رسول الله صلى الله عليه وآله أخذت على ذلك عهودنا
ومواثيقنا، قال نافع صدقت يا أبا جعفر، فأخبرني عن قول الله تعالى: " يوم
تبدل الأرض غير الأرض والسماوات " باي ارض الذي تبدل؟ فقال أبو جعفر
عليه السلام بخبزة بيضاء يأكلون منها (2) حتى يفرغ الله من حساب الخلائق، فقال

(1) شفعت الشئ شفعا من باب نفع، ضممته إلى الفرد وشفعت الركعة
جعلتها ركعتين، ومنه قول الفقهاء: الشفع ركعتان والوتر واحدة. (مجمع)
(2) تبدل الأرض يوم القيامة بخبزة بيضاء قد وردت فيه روايات كثيرة
خاصة وعامة، اما الروايات الخاصة فعن الكافي عن أبي جعفر عليه السلام، قال سأله
الأبرش الكلبي عن قول الله عز وجل " يوم تبدل الأرض غير الأرض " قال
تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغوا من الحساب، فقال الأبرش فقلت
ان الناس يومئذ لفي شغل عن الاكل، إلى آخر ما أجاب به الإمام عليه السلام عن الايراد
المذكور، عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله الله عز وجل " يوم
تبدل الأرض. الخ " قال تبدل خبزا نقيا يأكل منه الناس حتى يفرغوا من
الحساب، قال قائل انهم لفي شغل عن الأكل والشرب؟ فقال إن الله خلق ابن
آدم أجوف ولا بد له من الطعام والشراب الخ، وعن ارشاد المفيد (ر ح) عن
عبد الرحمن بن عبد الله الزهري، قال حج هشام بن عبد الملك فدخل المسجد الحرام
متكئا على ولد سالم مولاه، ومحمد بن علي عليه السلام جالس في المسجد، فقال له سالم
مولاه، يا أمير المؤمنين! هذا محمد بن علي، قال هشام المفتونون به أهل العراق؟
قال نعم، قال اذهب إليه فقل له: ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل
بينهم يوم القيامة؟ قال أبو جعفر (ع) " يحشر الناس على مثل قرص نقي، فيها
انهار متفجرة، يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب " إلى غير ذلك من
الروايات المتضافرة الواردة فيه واما الروايات العامة ففي روح المعاني عن ابن
جبير: تبدل الأرض خبزة بيضاء فيأكل المؤمن من تحت قدميه وعن أفلح
مولى أبى أيوب: ان الأرض تكون يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار
بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر، نزلا لأهل الجنة وهو في الصحيحين "
ان تبدل الأرض خبزا وإن كان مما تستغربه الأذهان العامة لكن
شيئا من التأمل يدفعه، لان المراد منها ليس هي الخبزة التي نأكلها، بل مادة
شبيهة لها كما مضى في قول الإمام عليه السلام في الرواية " على مثل قرص نقي " هذا
ثم إن الغرابة اما من جهة الاستحالة الذاتية فهي ممنوعة، أو الاستحالة العادية
وهي مرتفعة بعموم قدرة الله تعالى، واما من جهة أخرى كعدم المناسبة أو عدم
الداعي إلى ذلك، وقد أجاب عنه الإمام عليه السلام من أن ابن آدم خلق أجوف فما
دام فيه اثر من الحياة يحتاج إلى ما يملا جوفه، حتى في رحم الأمهات وفي
الجنان وجهنم كذلك، ففي يوم القيامة كيف لا يحتاج إليه مع طول مدته التي نص
عليها القرآن بأنه كالف سنة مما تعدون (الحج 47).
وقد وردت فيه روايات أخر أيضا لا تقل غرابة مما ذكره القمي كتبدل
الأرض فضة والسماء ذهبا ذكرها تفاسير العامة.
وفي رواية السجاد عليه السلام " تبدل الأرض غير الأرض " يعني بأرض
لم تكسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أول مرة
(الصافي) وعلى هذا التفسير لا حاجة إلي تجشم الذب عنه.
ج. ز.
233

نافع انهم عن الاكل لمشغولون، فقال أبو جعفر عليه السلام أهم حينئذ اشغل أو وهم في
النار؟ فقال نافع بل وهم في النار، قال عليه السلام فقد قال الله " ونادى أصحاب
النار أصحاب الجنة ان أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " ما شغلهم إذا
234

دعوا الطعام فأطعموا الزقوم ودعوا بالشراب فسقوا الحميم، فقال صدقت يا بن
رسول الله صلى الله عليه وآله وبقيت مسألة واحدة، قال وما هي؟ قال أخبرني عن الله
متى كان؟ قال ويلك أخبرني متى لم يكن حتى أخبرك متى كان، سبحان من
لم يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ثم قال عليه السلام يا نافع
أخبرني عما أسألك عنه، فقال هات يا أبا جعفر، قال عليه السلام: ما تقول في أصحاب
النهروان؟ قال فان قلت إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت أي رجعت
إلى الحق وان قلت إنه قتلهم باطلا فقد كفرت، قال فولى عنه وهو يقول أنت
والله أعلم الناس حقا حقا، ثم اتى هشام بن عبد الملك فقال له ما صنعت؟ قال
دعني من كلامك هو والله أعلم الناس حقا حقا وهو ابن رسول الله حقا حقا
ويحق لأصحابه ان يتخذوه نبيا.
ثم قال عز وجل (الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا
فاليوم ننساهم) أي نتركهم والنسيان منه عز وجل هو الترك وقوله (هل ينظرون
إلا تأويله يوم يأتي تأويله) فهو من الآيات التي تأويلها بعد تنزيلها، قال ذلك
235

في القائم عليه السلام، ويوم القيامة (يقول الذين نسوه من قبل) اي تركوه (قد
جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا) قال هذا يوم القيامة
(أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم) اي بطل
عنهم (ما كانوا يفترون) وقوله (ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في
ستة أيام) قال في ستة أوقات (ثم استوى على العرش) اي علا بقدرته على العرش
(يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا) اي سريعا وقوله (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) اي
علانية وسرا وقوله (ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها وادعوه خوفا وطعما
ان رحمة الله قريب من المحسنين) قال أصلحها برسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين
عليه السلام فأفسدوها حين تركوا أمير المؤمنين عليه السلام وذريته عليهم السلام.
وقوله (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته - إلى قوله - كذلك
يخرج الموتى) دليل على البعث والنشور وهو رد على الزنادقة وقوله (والبلد
الطيب يخرج نباته باذن ربه) وهو مثل الأئمة صلوات الله عليهم يخرج علمهم
باذن ربهم (والذي خبث) مثل أعدائهم (لا يخرج) علمهم (إلا نكدا) كذبا
فاسدا، وقوله (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) نكتب خبر نوح وهود وصالح
الجزء (9) وشعيب في سورة هود إن شاء الله تعالى وقوله (أفأمنوا مكر الله) قال المكر
من الله العذاب وقوله (أو لم يهد للذين يرثون الأرض) يعني أولم يبين (من بعد
أهلها ان لو نشاء أصبناهم بذنوبهم الآية) ثم قال (تلك القرى نقص عليك - يا محمد -
من أنبائها) يعني من اخبارها (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل) في الذر
الأول قال لا يؤمنون في الدنيا بما كذبوا في الذر الأول وهي رد على من انكر الميثاق في
الذر الأول ثم قال (وما وجدنا لأكثرهم من عهد) اي ما عهدنا عليهم في الذر
لم يفوا به في الدنيا (وان وجدنا أكثرهم لفاسقين) وقوله (وقال الملا من
قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويدرك وآلهتك) قال كان
236

فرعون يعبد الأصنام ثم ادعى بعد ذلك الربوبية، فقال فرعون (سنقتل أبناءهم
ونستحيي نساءهم وانا فوقهم قاهرون) وقوله (قالوا أوذينا من قبل ان تأتينا ومن
بعد ما جئتنا) قال قال الذين آمنوا يا موسى قد أوذينا قبل مجيئك بقتل أولادنا
ومن بعد ما جئتنا لما حبسهم فرعون لايمانهم بموسى، فقال موسى (عسى ربكم
ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) ومعنى ينظر أي
يرى كيف تعملون فوضع النظر مكان الرؤية، وقوله (ولقد أخذنا آل فرعون
بالسنين ونقص؟ من الثمرات) يعني بالسنين الجدبة لما انزل الله عليهم الطوفان
والجراد والضفادع والدم، واما قوله (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه) قال
الحسنة ههنا الصحة والسلامة والامن والسعة (وان تصبهم سيئة) قال السيئة
ههنا الجوع والخوف والمرض (يطيروا بموسى ومن معه) اي يتشاءموا بموسى
ومن معه.
واما قوله (وقالوا مهما تأتنا به من آياتنا لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين
فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا
وكانوا قوما مجرمين) فإنه لما سجد السحرة ومن آمن به من الناس قال هامان
لفرعون ان الناس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه فاحبسه فحبس كل من
آمن به من بني إسرائيل، فجاء إليه موسى فقال له خل عن بني إسرائيل فلم يفعل
فأنزل الله عليهم في تلك السنة الطوفان، فخرب دورهم ومساكنهم حتى خرجوا إلى
البرية وضربوا الخيام، فقال فرعون لموسى ادع ربك ربه يكف عنا الطوفان
حتى أخلي عن بني إسرائيل وأصحابك، فدعا موسى ربه فكف عنهم الطوفان
وهم فرعون ان يخلي عن بني إسرائيل، فقال له هامان ان خلت عن بني إسرائيل
غلبك موسى وأزال ملكك، فقبل منه ولم يخل عن بني إسرائيل،
فأنزل الله عليهم في السنة الثانية الجراد فجردت كل شئ كان لهم من النبت والشجر
237

حتى كانت تجرد شعرهم ولحيتهم، فجزع من ذلك جزعا شديدا، وقال يا موسى
ادع ربك ان يكف عنا الجراد حتى أخلي عن بني إسرائيل وأصحابك، فدعا
موسى ربه، فكف عنهم الجراد فلم يدعه هامان ان يخلي عن بني إسرائيل،
فأنزل الله عليهم في السنة الثالثة القمل، فذهبت زروعهم وأصابتهم المجاعة، فقال
فرعون لموسى ان دفعت عنا القمل كففت عن بني إسرائيل، فدعا موسى ربه
حتى ذهب القمل، وقال أول ما خلق الله القمل في ذلك الزمان، فلم يخل عن
بني إسرائيل، فأرسل الله عليهم بعد ذلك الضفادع، فكانت تكون في طعامهم
وشرابهم ويقال انها كانت تخرج من ادبارهم وآذانهم وآنافهم. فجزعوا من ذلك
جزعا شديدا فجاؤوا إلى موسى فقالوا ادع الله ان يذهب عنا الضفادع فانا نؤمن
بك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا موسى ربه فرفع الله عنهم ذلك فلما أبوا ان
يخلوا عن بني إسرائيل حول الله ماء النيل دما فكان القبطي يراه دما والإسرائيلي
يراه ماءا فإذا شربه الإسرائيلي كان ماءا وإذا شربه القبطي كان دما فكان القبطي
يقول للإسرائيلي خذ الماء في فمك وصبه في فمي فإذا صبه في فم القبطي تحول دما
فجزعوا جزعا شديدا، فقالوا لموسى لان رفع الله عنا الدم لنرسلن معك بني إسرائيل
، فلما رفع الله عنهم الدم غدروا ولم يخلوا عن بني إسرائيل فأرسل الله
عليهم الرجز وهو الثلج ولم يروه قبل ذلك فماتوا فيه وجزعوا جزعا شديدا
وأصابهم ما لم يعهدوا قبله فقالوا (ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا
الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل) فدعا ربه فكشف عنهم الثلج
فخلى عن بني إسرائيل فلما خلى عنهم اجتمعوا إلى موسى عليه السلام وخرج موسى من
مصر واجتمع إليه من كان هرب من فرعون وبلغ فرعون ذلك فقال له هامان قد
نهيتك ان تخلي عن بني إسرائيل فقد اجتمعوا إليه فجزع فرعون وبعث في المداين
حاشرين وخرج في طلب موسى.
238

وقوله (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها
التي باركنا فيها) يعني بني إسرائيل لما أهلك الله فرعون ورثوا الأرض وما كان
لفرعون، وقوله (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا) يعني
الرحمة بموسى تمت لهم (ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون)
يعني المصانع والعريش والقصور، واما قوله (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتوا
على قوم يعكفون على أصنام لهم) فإنه لما غرق الله فرعون وأصحابه وعبر موسى
وأصحابه البحر نظر أصحاب موسى إلى قوم يعكفون على أصنام لهم، فقالوا
لموسى (يا موسى اجعل لنا آلها كما لهم آلهة) فقال موسى (انكم قوم تجهلون،
ان هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون، قال أغير الله أبغيكم إلها وهو
فضلكم على العالمين وإذا أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب
يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) وهو محكم،
واما قوله (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين
ليلة) فان الله عز وجل أوحى إلى موسى اني انزل عليك التوراة التي فيها الاحكام
إلى أربعين يوما وهو ذو القعدة وعشرة من ذي الحجة، فقال موسى لأصحابه ان
الله تبارك وتعالى قد وعدني ان ينزل على التوراة والألواح إلى ثلاثين يوما،
وأمره الله ان لا يقول إلى أربعين يوما فتضيق صدورهم، فذهب موسى إلى
الميقات واستخلف هارون على بني إسرائيل فلما جاوز الثلاثون يوما ولم يرجع
موسى، غضبوا فأرادوا ان يقتلوا هارون وقالوا ان موسى كذبنا وهرب منا
واتخذوا العجل واعبدوه، فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة انزل الله على
موسى الألواح وما يحتاجون إليه من الاحكام والاخبار والسنن والقصص، فلما
انزل الله عليه التوراة وكلمه (قال ربى أرني انظر إليك) فأوحى الله (لن تراني)
اي لا تقدر على ذلك (ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني)
239

قال فرفع الله الحجاب ونظر إلى الجبل فساخ الجبل في البحر فهو يهوى حتى
الساعة (1) ونزلت الملائكة وفتحت أبواب السماء، فأوحى الله إلى الملائكة:
أدركوا موسى لا يهرب، فنزلت الملائكة وأحاطت بموسى وقالوا تب يا بن
عمران: فقد سألت الله عظيما، فلما نظر موسى إلى الجبل قد ساخ والملائكة
قد نزلت، وقع على وجهه، فمات من خشية الله وهول ما رأي، فرد الله عليه
روحه فرفع رأسه وأفاق وقال (سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) أي
أول من أصدق إنك لا ترى، فقال الله له (يا موسى اني اصطفيتك على الناس
برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين) فناداه جبرائيل يا موسى
أنا أخوك جبرئيل.
وقوله (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا) اي كل
شئ بأنه مخلوق وقوله (فخذها بقوة) أي قوة القلب (وامر قومك يأخذوا
بأحسنها) أي بأحسن ما فيها من الاحكام، وقوله (سأريكم دار الفاسقين) اي
يجيئكم قوم فساق تكون الدولة لهم وقوله (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون
في الأرض بغير الحق) يعني اصرف القرآن عن الذين يتكبرون في الأرض بغير
الحق (وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا)
قال إذا رأوا الايمان والصدق والوفاء والعمل الصالح لا يتخذوه سبيلا وان يروا
الشرك والزنا والمعاصي يأخذوا بها ويعملوا بها، وقوله (والذين كذبوا بآياتنا
ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) فإنه محكم وقوله " هذا
إلهكم وإله موسى فنسي " اي ترك وقوله " أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا " (2)

(1) اي يرسب في وحل البحر شيئا فشيئا.
(2) هاتان الآيتان من سورة طه 88.
ج. ز
240

يعني لا يتكلم العجل وليس له منطق واما قوله (ولما سقط في أيديهم)
يعني لما جاءهم موسى (1) واحرق العجل قالوا (لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا
لنكونن من الخاسرين) ولما رجع موسى إلى قومه غضبان اسفا قال بئس
ما خلفتموني من بعدي أعجلتم امر ربكم والقى الألواح واخذ برأس أخيه يجره
إليه - إلى قوله - ان ربك من بعدها لغفور رحيم) فإنه محكم وقوله (واختار
موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم
من قبل وإياي) فان موسى عليه السلام لما قال لبني إسرائيل ان الله يكلمني ويناجيني
لم يصدقوه، فقال لهم اختاروا منكم من يجئ معي حتى يسمع كلامه، فاختاروا
سبعين رجلا من خيارهم وذهبوا مع موسى إلى الميقات فدنا موسى فناجى ربه
وكلمه الله تعالى، فقال موسى لأصحابه اسمعوا واشهدوا عند بني إسرائيل بذلك
فقالوا له لن نؤمن "، حتى نرى الله جهرة فاسئله ان يظهر لنا، فأنزل الله عليهم
صاعقة فاحترقوا وهو قوله " وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
فأخذتهم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون "
فهذه الآية في سورة البقرة وهي مع هذه الآية في سورة الأعراف فنصف الآية

(1) قال في مجمع البحرين: فلما سقط في أيديهم بالبناء للمفعول والظرف نائبه
يقال لكل من ندم وعجز عن الشئ، قد سقط في يده واسقط في يده لغتان ومعنى
سقط في أيديهم ندموا على ما فاتهم، وقرأ بعضهم سقط بالفتح كأنه اضمر لندم انتهى
فعلى هذا يكون معنى الآية الشريفة: لما لحقتهم الندامة، وكذا في مجمع البيان،
اما على ما فسر به المصنف (رح) فهو " سقط " بالفتح مبني للفاعل، ومعناه
جاء موسى نازلا من الجبل بين أيديهم، يقال على الخبير سقطت اي نزلت
عنده وجئت عنده. ج. ز
241

في سورة البقرة ونصفها في سورة الأعراف ههنا، فلما نظر موسى إلى أصحابه
قد هلكوا حزن عليهم فقال (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما
فعل السفهاء منا) وذلك أن موسى عليه السلام ظن أن هؤلاء هلكوا بذنوب بني إسرائيل
فقال (ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا
فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة
انا هدنا إليك) فقال الله تبارك وتعالى (عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي
وسعت كل شئ، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون)
ثم ذكر فضل النبي صلى الله عليه وآله وفضل من تبعه فقال (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن
المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي
كانت عليهم) يعني الثقل الذي كان على بني إسرائيل وهو انه فرض الله عليهم الغسل
والوضوء بالماء ولم يحل لهم التيمم ولا يحل لهم الصلاة الا في البيع والكنايس
والمحاريب، وكان الرجل إذا أذنب خرج نفسه منتنا فيعلم انه أذنب، وإذا أصاب
شيئا من بدنه البول قطعوه، ولم يحل لهم المغنم فرفع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله عن أمته
ثم قال (فالذين آمنوا به) يعني برسول الله صلى الله عليه وآله (وعزروه ونصروه واتبعوا النور
الذي انزل معه) يعني أمير المؤمنين عليه السلام (أولئك هم المفلحون) فاخذ الله ميثاق
رسول الله صلى الله عليه وآله على الأنبياء ان يخبروا أممهم وينصرونه، فقد نصروه بالقول
وأمروا أممهم بذلك وسيرجع رسول الله صلى الله عليه وآله ويرجعون وينصرونه في الدنيا.
حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفض
ابن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال جاء إبليس لعنه الله إلى موسى عليه السلام وهو
يناجي ربه، فقال له ملك من الملائكة ويلك ما ترجو منه وهو على هذه الحالة
يناجي ربه، فقال أرجو منه ما رجوت من أبيه آدم وهو في الجنة، وكان
242

مما ناجى الله موسى عليه السلام يا موسى اني لا اقبل الصلاة الا لمن تواضع لعظمتي
والزم قلبه خوفي وقطع نهاره بذكري ولم يبت مصرا على الخطيئة وعرف حق
أوليائي وأحبائي، فقال موسى يا رب تعني بأوليائك وأحبائك إبراهيم وإسحاق
ويعقوب؟ قال هو كذلك الا اني أردت بذلك من من اجله خلقت آدم وحواء ومن اجله خلقت الجنة والنار،
فقال ومن هو يا رب؟ فقال محمد احمد شققت اسمه من اسمي لأني انا المحمود،
وهو محمد فقال موسى يا رب اجعلني من أمته.
فقال يا موسى أنت من أمته إذا عرفته وعرفت منزلته ومنزلة أهل بيته وان مثله ومثل أهل بيته
فيمن خلقت كمثل الفردوس في الجنان لا ينتشر ورقها ولا يتغير طعمها، فمن عرفهم
وعرف حقهم جعلت له عند الجهل علما وعند الظلمة نورا اجيبنه قبل ان يدعوني
واعطينه قبل ان يسألني.
يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت
الغنى مقبلا فقل ذنب تعجلت عقوبته.
يا موسى ان الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عند خطيئته وجعلتها
ملعونة ملعونة بمن فيها الا ما كان فيها لي.
يا موسى ان عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم وسائرهم من خلقي
رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما أحد من خلقي عظمها فقرت عيناه فيها، ولم
يحقرها الا تمتع بها، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام ان قدرتم ان لا تعرفوها فافعلوا
وما عليك ان لم يثن عليك الناس وما عليك أن تكون مذموما عند الناس وكنت
عند الله محمودا، ان أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: لا خير في الدنيا الا لاحد
رجلين، رجل يزداد كل يوم احسانا، ورجل يتدارك منيته بالتوبة، وانى له
بالتوبة والله ان سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه الا بولايتنا أهل البيت،
الا ومن عرف حقنا ورجا الثواب فينا رضي بقوته نصف مد كل يوم وما يستر
243

به عورته وما أكن رأسه وهم في ذلك والله خائفون وجلون.
واما قوله (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما) اي ميزناهم به (وسئلهم
عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم
سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) فإنها قرية كانت لبني إسرائيل قريبا من
البحر، وكان الماء يجري عليها في المد والجزر فيدخل أنهارهم وزروعهم، ويخرج
السمك من البحر حتى يبلغ آخر زرعهم، وقد كان الله قد حرم عليهم الصيد يوم
السبت وكانوا يضعون الشباك في الأنهار ليلة الأحد يصيدون بها السمك وكان
السمك يخرج يوم السبت ويوم الأحد لا يخرج وهو وقوله (إذ تأتيهم حيتانهم
يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) فنهاهم علماؤهم عن ذلك فلم ينتهوا
فمسخوا قردة وخنازير، وكانت العلة في تحريم الصيد عليهم يوم السبت ان عيد
جميع المسلمين وغيرهم كان يوم الجمعة فخالفت اليهود وقالوا عيدنا يوم السبت فحرم
الله عليهم الصيد يوم السبت ومسخوا قردة وخنازير.
حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن أبي عبيدة عن أبي
جعفر عليه السلام قال وجدنا في كتاب علي عليه السلام ان قوما من أهل ايكة من قوم ثمود
وان الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك فشرعت
إليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم فبادروا إليها
فاخذوا يصطادونها فلبثوا في ذلك ما شاء الله لا ينهاهم عنها الأحبار ولا يمنعهم
العلماء من صيدها، ثم إن الشيطان أوحى إلى طائفة منهم إنما نهيتم عن اكلها
يوم السبت فلم تنهوا عن صيدها، فاصطادوا يوم السبت وكلوها فيما سوى
ذلك من الأيام، فقالت طائفة منهم الآن نصطادها، فعتت، وانحازت طائفة
أخرى منهم ذات اليمين فقالوا ننهاكم عن عقوبة الله ان تتعرضوا لخلاف امره
واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار فسكتت فلم تعظهم، فقالت للطائفة التي وعظتهم
244

لم تعظون قوما الله مهلكم أو معذبهم عذابا شديدا، فقالت الطائفة التي وعظتهم
(معذرة إلى ربكم لعلهم يتقون) قال فقال الله عز وجل فلما (نسوا ما ذكروا به)
يعنى لما تركوا ما وعظوا به مضوا على الخطيئة، فقالت الطائفة التي وعظتهم
لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة ان
ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم، قال فخرجوا عنهم من المدينة مخافة ان يصيبهم البلاء
فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء فلما أصبح أولياء الله المطيعون لامر
الله غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية، فاتوا باب المدينة فإذا هو مصمت،
فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها خبر واحد فوضعوا سلما على سور المدينة ثم
اصعدوا رجلا منهم فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون، فقال
الرجل لأصحابه يا قوم أرى والله عجبا، قالوا وما ترى قال أرى القوم قد صاروا
قردة يتعاوون ولها أذناب، فكسروا الباب قال فعرفت القردة أنسابها من الانس
ولم تعرف الانس أنسابها من القردة، فقال القوم للقردة ألم ننهكم فقال علي عليه السلام
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة اني لأعرف أنسابها من هذه الأمة لا ينكرون ولا
يغيرون بل تركوا ما أمروا به فتفرقوا وقد قال الله عز وجل (فبعدا للقوم
الظالمين)، فقال الله (وأنجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا بعذاب
بئيس بما كانوا يفسقون) واما قوله (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم) يعني يعلم
ربك (إلى يوم القيمة من يسومهم سوء العذاب ان ربك لسريع العقاب وانه
لغفور رحيم) نزلت في اليهود لا يكون لهم دولة ابدا (1) وقوله (وقطعناهم في

(1) وما حصل لإسرائيل من الملك الحقير الآن فهو بالنسبة إلى سعة
الأرض وطول الزمان ليس بشئ وان هو الا كشعرة سوداء في بقرة
بيضاء. ج. ز.
245

الأرض) اي ميزهم (أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم) اي اختبرناهم
(بالحسنات والسيئات) يعني بالسعة والامن والفقر والفاقة والشدة (لعلهم
يرجعون) يعني كي يرجعوا وقوله (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب
يأخذون عرض هذا الأدنى) يعني ما يعرض لهم من الدنيا (ويقولون سيغفر لنا
وان يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله
الا الحق ودرسوا ما فيه) يعني ضيعوه ثم قال (والدار الآخرة خير للذين يتقون
أفلا - تعقلون والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة انا لا نضيع اجر
المصلحين) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في وقوله الذين يمسكون
بالكتاب قال نزلت في آل محمد وأشياعهم واما قوله (وإذ تأذن ربك ليبعثن
عليهم إلى يوم القيمة من يسومهم سوء العذاب) فهم في أمة محمد يسومون أهل الكتاب
سوء العذاب يأخذون منهم الجزية.
واما قوله (وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا انه واقع بهم) قال
الصادق (ع) لما انزل الله التوراة على بني إسرائيل لم يقبلوه فرفع الله عليهم جبل
طور سيناء، فقال لهم موسى (ع) ان لم تقبلوه وقع عليكم الجبل، فقبلوه
وطأطؤا رؤسهم.
واما قوله (وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على
أنفسهم الست بربكم قالوا بلى) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى
الحلبي عن ابن سنان قال قال أبو عبد الله (ع) أول من سبق من الرسل إلي بلى
محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك أنه كان أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى، وكان بالمكان
الذي قال له جبرئيل لما اسرى به إلى السماء " تقدم يا محمد فقد وطأت موطئا لم
يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ولولا أن روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما
قدر ان يبلغه، فكان من الله عز وجل. كما قال الله قاب قوسين أو أدنى اي بل
246

أدنى، فلما خرج الامر من الله وقع إلى أوليائه عليهم السلام، فقال الصادق (ع)
كان الميثاق مأخوذا عليهم لله بالربوبية ولرسوله بالنبوة ولأمير المؤمنين والأئمة
بالإمامة، فقال الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي امامكم والأئمة الهادون أئمتكم؟
فقالوا بلى شهدنا فقال الله تعالى (ان تقولوا يوم القيمة) أي لئلا تقولوا يوم
القيامة (انا كنا عن هذا غافلين) فأول ما اخذ الله عز وجل الميثاق على الأنبياء
له بالربوبية وهو قوله " وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم " فذكر جملة الأنبياء ثم
ابرز أفضلهم بالأسامي فقال ومنك يا محمد، فقدم رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه أفضلهم
ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم، فهؤلاء الخمسة أفضل الأنبياء
ورسول الله صلى الله عليه وآله أفضلهم، ثم اخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله صلى الله عليه وآله على
الأنبياء بالايمان به وعلى ان ينصروا أمير المؤمنين عليه السلام فقال " وإذ اخذ الله
ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " (1)
يعني رسول الله صلى الله عليه وآله " لتؤمنن به ولتنصرنه " يعنى أمير المؤمنين عليه السلام وأخبروا
أممكم بخبره وخبر وليه من الأئمة (ع) حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن
عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في
قوله " لتؤمنن به ولتنصرنه " قال قال ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا
الا ويرجع إلى الدنيا فيقاتل وينصر رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين (ع) ثم
اخذ أيضا ميثاق الأنبياء على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال قل يا محمد آمنا بالله وما انزل
علينا وما انزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي
موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا تفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (2)

(1) آل عمران 81.
(2) آل عمران 84.
247

وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع)
" وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم علي أنفسهم الست
بربكم قالوا بلي " قلت معاينة كان هذا قال نعم (1) فثبتت المعرفة ونسوا الموقف
وسيذكرونه ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه. فمنهم من أقر بلسانه
في الذر ولم يؤمن بقلبه فقال الله " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل " (2)
واما قوله (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان
فكان من الغاوين) فإنها نزلت في بلعم بن باعورا وكان من بني إسرائيل،
وحدثني أبي عن الحسن (الحسين ط) بن خالد عن أبي الحسن الرضا (ع) انه أعطي بلعم بن باعورا
الاسم الأعظم، فكان يدعو به فيستجاب له فمال إلى فرعون. فلما مر فرعون
في طلب موسى وأصحابه قال فرعون لبلعم ادعو الله على موسى وأصحابه
ليحبسه علينا فركب حمارته ليمر في طلب موسى وأصحابه فامتنعت عليه حمارته
فاقبل يضربها فأنطقها الله عز وجل فقالت ويلك علي ما تضربني أتريد أجئ
معك لتدعو على موسى نبي الله وقوم مؤمنين، فلم يزل يضربها حتى قتلها
وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه، وهو قوله (فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان
من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض فاتبع هواه فمثله كمثل
الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) وهو مثل ضربه، فقال الرضا (ع)
فلا يدخل الجنة من البهائم الا ثلاثة حمارة بلعم وكلب أصحاب الكهف والذئب
وكان سبب الذئب انه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين
ويعذبهم وكان للشرطي ابن يحبه، فجاء ذئب فأكل ابنه فحزن الشرطي عليه

(1) اي معاينة لجلال الله تعالى لا نفسه لأنه منزه عن الجسم
والجسمانيات.
(2) الأعراف 101 ج. ز
248

فأدخل الله ذلك الذئب الجنة لما احزن الشرطي وقوله (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا
من الجن والإنس) اي خلقنا، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع)
في قوله (لهم قلوب لا يفقهون بها) اي طبع الله عليها فلا تعقل (ولهم أعين) عليها
غطاء عن الهدى (لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها) اي جعل في آذانهم
وقرا فلن يسمعوا الهدى، وقوله (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)
فهذه الآية لآل محمد واتباعهم، وقوله (عسى أن يكون قد اقترب اجلهم) هو
هلاكهم وقوله (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) قال الرحمن الرحيم وقوله
(والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) قال تجديد النعم عند
المعاصي وقوله (وأملي لهم) اي اصبر لهم (ان كيدي متين) اي عذابي شديد
ثم قال (أو لم يتفكروا) يعني قريش (ما بصاحبهم من جنة) يعني رسول الله
صلى الله عليه وآله اي ما هو مجنون كما يزعمون (ان هو الا نذير مبين) وقوله
(أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ وان عسى
أن يكون قد اقترب اجلهم فبأي حديث بعده) يعني بعد القرآن (يؤمنون)
اي يصدقون، وقوله (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون)
قال يكله إلي نفسه.
واما قوله (يسألونك عن الساعة إيان مرساها) فان قريشا بعثت العاص بن
وايل السهمي والنضر بن حارث بن كلدة وعتبة بن أبي معيط إلى نجران ليتعلموا
من علماء اليهود مسائل ويسألوا بها رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان فيها سلوا محمدا متى
تقوم الساعة؟ فان ادعى علم ذلك فهو كاذب، فان قيام الساعة لم يطلع الله عليه ملكا
مقربا ولا نبيا مرسلا. فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله متى تقوم الساعة؟ انزل الله تعالى
(يسألونك عن الساعة إيان مرساها قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها
الا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم الا بغتة يسئلونك كأنك حفي عنها)
249

اي جاهل بها (1) قل لهم يا محمد (إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس
لا يعلمون) وقوله (ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)
قال كنت اختار لنفسي الصحة والسلامة.
واما قوله (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن
إليها فلما تغشيها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لان
آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما

(1) لقد خالف المصنف (رح) في معنى هذه الكلمة سائر المفسرين حيث
فسرها بالجاهل بها، وفسروها بالعالم بها، فالتفسيران متضادان ظاهرا، ويمكن
ان يقال في مقام رفع التنافي بينهما ان معني " حفي عن الشئ " انه استقصى في
السؤال عنه، فبدؤه الجهل وختامه العلم، لان الجهل بالشئ ينشئ السؤال عنه
ونتيجة الاستقصاء في السؤال العلم به غالبا، فكأن نظر المصنف (رح) إلى
البداوة ونظر الذي فسرها بالعلم إلي النهاية. وكلا المعنيين لهما ربط بالمقام الا
ان الأول أرجح لان المستقصي في السؤال عن شئ لا يخلو من الجهل به قبل
الاستقصاء وانه قد يخلو من العلم بعده إذا ليس كل مستقص عالما فالمعنى على
تعبير المصنف (رح): ان مشركي قريش يسألونك عن الساعة كأنهم يحسبونك
من الجهلاء الذين مدرك علمهم الناس، وقصدهم ان يعيروك لأنك إذا عينت وقتها
تكون كاذبا عند اليهود، وإذا فحمت عن الجواب يظهر جهلك عندهم والحال
انك لست من الجهلاء الذين يسألون الناس عن كل شئ حتى إذا لم تجبهم عن
هذه المسألة يكن لك عيبا بل انك كلما تعلم فهو من الله فعدم علمك بوقت الساعة
ليس بعيب لك لان الله لم يخبرك به واختصه لنفسه كما قال " إنما علمها عند الله
لا يجليها لوقتها الا هو " ج. ز
250

آتاهما) حدثني أبي قال حدثني الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان الأحول
عن بريد العجلي عن أبي جعفر (ع) لما علقت حواء من آدم وتحرك ولدها في
بطنها قالت لآدم ان في بطني شيئا يتحرك، فقال لها آدم الذي في بطنك نطفة
مني استقرت في رحمك يخلق الله منها خلقا ليبلونا فيه فأتاها إبليس، فقال لها
كيف أنت؟ فقالت له اما اني قد علقت وفي بطني من آدم ولد قد تحرك، فقال
لها إبليس اما انك ان نويت ان تسميه عبد الحارث ولدتيه غلاما وبقي وعاش
وان لم تنو ان تسميه عبد الحارث مات بعدما تلدينه بستة أيام، فوقع في نفسها
مما قال لها شئ فأخبرت بما قال آدم، فقال لها آدم قد جاءك الخبيث لا تقبلي منه
فاني أرجو ان يبقى لنا ويكون بخلاف ما قال لك، ووقع في نفس آدم مثل ما وقع
في نفس حواء من مقالة الخبيث، فلما وضعته غلاما لم يعش الا ستة أيام حتى
مات فقالت لآدم قد جاءك الذي قال لنا الحارث فيه، ودخلهما من قول الخبيث
ما شككهما، قال فلم تلبث ان علقت من آدم حملا آخر فأتاها إبليس، فقال لها
كيف أنت؟ فقالت له قد ولدت غلاما ولكنه مات اليوم السادس فقال لها الخبيث
اما انك لو كانت نوبت ان تسميه عبد الحارث لعاش وبقي، وإنما هو الذي في
بطنك كبعض ما في بطون هذه الانعام التي بحضرتكم اما ناقة واما بقرة واما ضان
واما معز فدخلها من قول الخبيث ما استمالها إلى تصديقه والركون إلى ما أخبرها
الذي كان تقدم إليها في الحمل الأول، وأخبرت بمقالته آدم فوقع في قلبه من قول
الخبيث مثل ما وقع في قلب حواء " فلما أثقلت دعو الله ربهما لئن آتيتنا صالحا
لنكونن من الشاكرين فلما آتاهم صالحا " اي لم تلد ناقة أو بقرة أو ضأنا أو
معزا فأتاهما الخبيث، فقال لها كيف أنت؟ فقالت له قد ثقلت وقربت ولادتي،
فقال اما انك ستندمين وترين من الذي في بطنك ما تكرهين ويدخل آدم منك
ومن ولدك شئ لو قد ولدتيه ناقة أو بقرة أو ضأنا أو معزا فاستمالها إلي طاعته
251

والقبول لقوله، ثم قال لها اعلمي ان أنت نويت ان تسميه عبد الحارث وجعلت
لي فيه نصيبا ولدتيه غلاما سويا عاش وبقي لكم، فقالت فاني قد نويت ان اجعل
لك فيه نصيبا، فقال لها الخبيث لا تدعي آدم حتى ينوي مثل ما نويتي ويجعل
لي فيه نصيبا ويسميه عبد الحارث فقالت له نعم، فأقبلت على آدم فأخبرته بمقالة الحارث وبما
قال لها ووقع في قلب آدم من مقالة إبليس ما خافه فركن إلى مقالة إبليس،
وقالت حواء لآدم ائن أنت لم تنو ان تسميه عبد الحارث وتجعل للحارث فيه
نصيبا لم أدعك تقربني ولا تغشاني ولم يكن بيني وبينك مودة، فلما سمع ذلك
منها آدم قال لها اما انك سبب المعصية الأولى وسيدليك بغرور قد تابعتك
وأجبت إلى أن اجعل للحارث فيه نصيبا وان اسميه عبد الحارث (1) فاسرا

(1) لا يخفى ان الحارث وإن كان من أسامي إبليس لعنه الله كما يظهر من
هذه الرواية، لكن له معان اخر أيضا كزارع الحرث والكاسب، وليس من
قبيل " إبليس " أو " الشيطان " المختصين به، فإنه لو كان كذلك لم يسم به
اخيار الناس كحارث بن همام وحارث بن سراقة الذين كانا صحابيين جليلين
لأمير المؤمنين عليه السلام، فإذا لم يكن باس في التسمية بنفس الحارث كيف يكون
التباس في التسمية بعبد الحارث لامكان ان أراد منه آدم (ع) هو الله لصدق
الحارث بمعنى مخرج الحرث، عليه حقيقة واما قوله: اجعل للحارث فيه نصيبا
معنا اجعل نصيبا في الطاعة لا في العبادة وهو المراد من شرك الطاعة في قول الإمام
(ع) الآتي ذكره فان قلت: كيف جاز لآدم ان جعل للشيطان نصيبا
في واده؟ وإذا جاز لم عاتبه الله تعالى بقوله: فلما آتاهم صالحا جعلا له شركاء
قلت: كان ذلك جائزا لان الذي جعل للشيطان نصيبا في ولد آدم هو الله تعالى
بقوله: وشاركهم في الأموال والأولاد، فإذا جعل آدم له فيهم نصيبا لم يكن
مقدوحا الا ان آدم لما لم يكن له مقام كمقام الله حتى يجيز للشيطان في المشاركة
كما أجاز الله، لم يكن سائغا له ان يرخصه بكذا خصوصا إذا كان مترشحا منه
الانقياد للشيطان والرضا على طاعة ولده له فلذا عاتبه الله تعالى والله
العالم. ج. ز
252

النية بينهما بذلك فلما وضعته سويا فرحا بذلك وامنا ما كان خافا من أن يكون
ناقة أو بقرة أو ضأنا أو معزا واملا ان يعيش لهما ويبقى ولا يموت في اليوم
السادس فلما كان في اليوم السابع سمياه عبد الحارث.
أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن موسى
ابن بكر عن الفضل عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله " فلما آتاهما صالحا جعلا له
شركاء فيما آتاهما " فقال هو آدم وحواء وإنما كان شركهما شرك طاعة ولم يكن
شرك عبادة فأنزل الله على رسوله الله صلى الله عليه وآله (هو الذي خلقكم من نفس واحدة
- إلى قوله - فتعالى الله عما يشركون) قال جعلا للحارث نصيبا في خلق الله
ولم يكن أشركا إبليس في عبادة الله ثم قال (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم
يخلقون) ثم احتج على الملحدين فقال (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون
نصرا ولا أنفسهم ينصرون - إلى قوله وتراهم ينظرون إليك وهم
لا يبصرون) ثم أدب الله رسوله صلى الله عليه وآله فقال (خذ العفو وامر بالعرف واعرض
عن الجاهلين) ثم قال (واما ينزغنك من الشيطان نزغ) قال إن عرض في قلبك
منه شئ ووسوسة (فاستعذ بالله انه سميع عليم) ثم قال (ان الذين اتقوا إذا
مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) قال وإذا ذكرهم الشيطان
المعاصي وحملهم عليها يذكرون الله فإذا هم مبصرون، قال وإذا ذكرهم الشيطان
وإخوانهم من الجن (يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) اي لا يقصرون من
253

تضليلهم (وإذا لم تأتهم بآية قالوا) قريش (لولا اجتبيتها) وجواب هذا
في الانعام في قوله " قل لهم - يا محمد - لو أن عندي ما تستعجلون به " يعني من
الآيات " لقضي الامر بيني وبينكم " وقوله في بني إسرائيل " وما نرسل بالآيات
الا تخويفا " وقوله (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون)
يعني في الصلاة إذا سمعت قراءة الإمام الذي تأتم به فانصت (واذكر ربك في
نفسك تضرعا وخيفة) قال في الظهر والعصر (ودون الجهر من القول بالغدو
والآصال) قال بالغداة والعشي (ولا تكن من الغافلين ان الذين عند ربك)
يعني الأنبياء والرسل والأئمة (ع) (لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه
وله يسجدون)
سورة الأنفال مدنية
خمس وسبعون آية
(بسم الله الرحمن الرحيم يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول
واتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين) فحدثني
أبي عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمار قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الأنفال فقال هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها فهي لله
وللرسول وما كان للملوك فهو للامام وما كان من ارض الجزية لم يوجف (1) عليها
بخيل ولا ركاب، وكل ارض لا رب لها والمعادن منها، ومن مات وليس له مولى
فما له من الأنفال، وقال نزلت يوم بدر لما انهزم الناس كان أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله على ثلاث فرق، فصنف كانوا عند خيمة النبي صلى الله عليه وآله وصنف
أغاروا علي النهب، وفرقة طلبت العدو وأسروا وغنموا فلما جمعوا الغنائم
والأسارى تكلمت الأنصار في الأسارى فأنزل الله تبارك وتعالي " ما كان لنبي

(1) أوجف دابته ايجافا جعله يعدو عدوا سريعا ج ز (الأنفال)
254

أن يكون له اسرى حتى يثخن (1) في الأرض " فلما أباح الله لهم الأسارى
والغنائم تكلم سعد بن معاذ وكان ممن أقام عند خيمة النبي صلى الله عليه وآله، فقال
يا رسول الله ما منعنا ان نطلب العدو زهادة في الجهاد ولا جبنا عن العدو ولكنا
خفنا ان نعدو موضعك فتميل عليك خيل المشركين، وقد أقام عند الخيمة وجوه
المهاجرين والأنصار ولم يشك أحد منهم والناس كثير يا رسول الله والغنائم قليلة
ومتى يعطي هؤلاء لم يبق لأصحاب شئ، وخاف ان يقسم رسول الله صلى الله عليه وآله
الغنائم واسلاب القتلى بين من قاتل ولا يعطي من تخلف عليه عند خيمة رسول الله
صلى الله عليه وآله شيئا، فاختلفوا فيما بينهم حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا لمن هذه
الغنائم فأنزل الله " يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله وللرسول " فرجع الناس
وليس لهم في الغنيمة شئ ثم انزل الله بعد ذلك (واعلموا ان ما غنمتم من شئ
فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فقسم
رسول الله صلى الله عليه وآله بينهم، فقال سعد بن أبي وقاص يا رسول الله ص أتعطي
فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف؟ فقال النبي ص ثكلتك أمك
وهل تنصرون الا بضعفائكم! قال فلم يخمس رسول الله ص ببدر وقسمه بين
أصحابه ثم استقبل يأخذ الخمس بعد بدر، ونزل قوله " يسألونك عن الأنفال "
بعد انقضاء حرب بدر فقد كتب ذلك في أول السورة وكتب بعده خروج النبي
صلى الله عليه وآله إلي الحرب.
(وقوله إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم - إلى قوله -
(لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) فإنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام
وأبي ذر وسلمان والمقداد ثم ذكر بعد ذلك الأنفال وقسمة الغنائم، خروج

(1) اي يغلب على الأرض ويبالغ في قتل أعدائه (مجمع البحرين)
255

رسول الله صلى الله عليه وآله إلي الحرب فقال (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وان
فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى
الموت وهم ينظرون) وكان سبب ذلك ان عيرا لقريش خرجت إلى الشام فيها
خزائنهم، فامر رسول الله أصحابه بالخروج ليأخذوها فأخبرهم ان الله قد وعده
احدى الطائفتين اما العير واما قريش ان اظفر بهم، فخرج في ثلاث مائة وثلاثة عشر
رجلا، فلما قارب بدر كان أبو سفيان في العير فلما بلغه ان الرسول صلى الله عليه وآله قد
خرج يتعرض العير خاف خوفا شديدا ومضى إلى الشام فلما وافى البهرة (1)
اكترى ضمضم الخزاعي بعشرة دنانير وأعطاه قلوصا وقال له امض إلى قريش
وأخبرهم ان محمدا والصباة (2) من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم
فادركوا العير وأوصاه ان يخرم ناقته ويقطع اذنها حتى يسيل الدم ويشق ثوبه
من قبل ودبر فإذا دخل مكة ولى وجهه إلى ذنب البعير وصاح بأعلى صوته يا آل
غالب! اللطيمة اللطيمة العير العير (3) أدركوا أدركوا! وما أراكم تدركون، فان
محمدا والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم، فخرج ضمضم
يبادر إلى مكة ورأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم في منامها بثلاثة
أيام كأن راكبا قد دخل مكة ينادي يا آل عذر يا آل فهر اغدوا إلى مصارعكم
صبح ثالث ثم وافى بجملة على أبي قبيس فاخذ حجرا فدهده (4) من الجبل فما
ترك من دور قريش الا أصابها منه فلذة وكان وادي مكة قد سال من أسفله دما
فانتبهت ذعرة فأخبرت العباس بذلك فأخبر العباس عتبة بن ربيعة، فقال عتبة

(1) البهرة بالضم موضع بنواحي المدينة وموضع باليمامة. ق
(2) جمع صبوة اي الجهلة.
(3) السعير التي تحمل المسك ق
(4) دهده الحجر اي دحرجه.
256

مصيبة تحدث في قريش وفشت الرؤيا في قريش وبلغ ذلك أبا جهل فقال ما رأت
عاتكة هذه الرؤيا وهذه نبية ثانية في بني عبد المطلب واللات والعزى لننتظر
ثلاثة أيام فإن كان ما رأت حقا فهو كما رأت وإن كان غير ذلك لنكتبن بيننا كتابا
انه ما من أهل بيت من العرب اكذب رجالا ولا نساءا من بني هاشم، فلما مضى يوم
قال أبو جهل هذا يوم قد مضى فلما كان اليوم الثاني قال أبو جهل هذان يومان قد
مضيا، فلما كان اليوم الثالث وافى ضمضم ينادي في الوادي " يا آل غالب يا آل
غالب اللطيمة اللطيمة العير العير أدركوا أدركوا وما أراكم تدركون فان محمدا
والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم التي فيها خزائنكم " فتصايح
الناس بمكة وتهيئوا للخروج وقام سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وأبو البختري
ابن هشام ومنية وبنية ابنا الحجاج ونوفل بن خويلد فقال يا معشر قريش والله
ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه ان يطمع محمد والصباة عن أهل يثرب ان يتعرضوا
لعيركم التي فيها خزائنكم فوالله ما قرشي ولا قرشية الا ولها في هذه العير شئ
فصاعدا وانه الذل والصغار ان يطمع محمد في أموالكم ويفرق بينكم وبين متجركم
فأخرجوا، واخرج صفوان بن أمية خمس مائة دينار وجهز بها، واخرج سهيل بن
عمرو خمس مائة وما بقي أحد من عظماء قريش الا اخرجوا مالا وحملوا وقووا واخرجوا
على الصعب والذلول ما يملكون أنفسهم كما قال الله تعالى: خرجوا من ديارهم
بطرا ورئاء الناس، وخرج معهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل
ابن أبي طالب واخرجوا معهم القينان يشربون الخمر ويضربون بالدفوف؟.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا، فلما كان
بقرب بدر علي ليلة منها بعث بشير بن أبي الرعبا (بن أبي الدعناء خ ل) ومجد بن
عمرو يتجسسان خبر العير فأتيا ماء بدر وأناخا راحلتيهما؟ واستعذبا من الماء،
وسمعا جاريتين قد تشبثت إحديهما بالأخرى وتطالبها بدرهم كان لها عليها فقالت

(1) النش بفتح النون وتشديد الشين نصف أوقية (عشرون درهما) مجمع
257

عير قريش نزلت أمس في موضع كذا وكذا وهي تنزل غدا هاهنا وانا اعمل لهم
وأقضيك، فرجع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إليه فأخبراه بما سمعا، فاقبل
أبو سفيان بالعير فلما شارف بدر تقدم العير واقبل وحده حتى انتهى إلي ماء
بدر وكان بها جل من جهينية يقال له كسب الجهني فقال له يا كسب هل لك علم
بمحمد وأصحابه؟ قال لا، قال واللات والعزى لان كتمتنا امر محمد لا يزال قريش
معادية لك آخر الدهر فإنه ليس أحد من قريش الا وله في هذه العير النش فصاعدا
فلا تكتمي، فقال والله مالي علم بمحمد وما بال محمد وأصحابه بالتجار الا واني
رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا واستعذبا من الماء وأناخا راحلتيهما ورجعا فلا
أدري من هما، فجاء أبو سفيان إلى موضع مناخ ابلهما ففت ابعار الإبل بيده فوجد فيها
النوى فقال هذه علايف يثرب هؤلاء عيون محمد، فرجع مسرعا وامر بالعير فاخذ
بها نحو ساحل البحر وتركوا الطريق ومروا مسرعين ونزل جبرئيل علي رسول الله
صلى الله عليه وآله فأخبره ان العير قد أفلتت وان قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها وأمره
بالقتال ووعده النصر، وكان نازلا ماء الصفراء فأحب ان يبلو الأنصار لأنهم إنما
وعدوه ان ينصروه في الدار، فأخبرهم ان العير قد جازت وان قريشا قد أقبلت
لتمنع عن عيرها وان الله قد امرني بمحاربتهم، فجزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من
ذلك وخافوا خوفا شديدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أشيروا علي، فقام الأول
فقال يا رسول الله انها قريش وخيلاؤها (1) ما آمنت منذ كفرت ولا ذلت مند
عزت، ولم تخرج علي هيئة الحرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله له اجلس فجلس
قال أشيروا علي فقام الثاني فقال مثل مقالة الأول فقال صلى الله عليه وآله اجلس فجلس ثم

(1) الخيلاء بضم الخاء وفتح الياء: الكبر، وفي الحديث لا يدخل الجنة
شيخ زان ولا جبار ازاره خيلاء.
258

قام المقداد فقال يا رسول الله وانا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به
حق من عند الله ولو امرتنا ان نخوض جمر الغضا وشوك الهراش (1) خضنا معك
ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى " اذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا
قاعدون " ولكنا نقول " امض لامر ربك فانا معك مقاتلون " فجزاه
النبي صلى الله عليه وآله خيرا ثم جلس ثم قال أشيروا علي، فقام سعد بن معاذ، فقال بأبي أنت وأمي
يا رسول الله كأنك أردتنا؟ قال نعم قال فلعلك خرجت على امر قد أمرت
بغيره قال نعم قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله انا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا
أن ما جئت به حق من عند الله فمرنا بما شئت وخذ من أموالنا ما شئت واترك
منه ما شئت والذي اخذت منه أحب إلي من الذي تركت منه، والله لو امرتنا
ان نخوض هذا البحر لخضناه معك، فجزاه خيرا ثم قال سعد بأبي أنت وأمي
يا رسول الله والله ما خضت هذا الطريق قط ومالي به علم وقد خلفنا بالمدينة قوما
ليس نحن بأشد جهادا لك منهم ولو علموا انه الحرب لما تخلفوا ولكن نعد لك
الرواحل ونلقى عدونا فانا نصبر عند اللقاء، انجاد في الحرب (2) وانا لنرجو ان
يقر الله عينك بنا فان يك ما تحب فهو ذلك وان يكن غير ذلك قعدت على
رواحلك فلحقت بقومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أو يحدث الله غير ذلك، كأني
بمصرع فلان ههنا وبمصرع فلان ههنا وبمصرع أبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة
ابن ربيعة ومنية وبنية ابني الحجاج فأن الله قد وعدني احدى الطائفتين ولن
يخلف الله الميعاد، فنزل جبرئيل عليه السلام علي رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الآية " كما
أخرجك ربك من بيتك بالحق - إلى قوله - ولو كره المجرمون " فامر

(1) الغضا الواحدة منه غضاة شجر من الأثل جمرة تبقى زمنا طويلا، الهريشة نبات. جمعها الهراش
(2) اي شجعان، وفي حديث علي عليه السلام: اما بنو هاشم فانجاد. ج ز
259

رسول الله صلى الله عليه وآله بالرحيل حتى نزل عشاءا علي ماء بدر وهي العدوة الشامية.
وأقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانية، وبعثت عبيدها تستعذب من الماء
فأخذهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وحبسوهم، فقالوا لهم من أنتم؟ قالوا نحن
عبيد قريش، قالوا فأين العير؟ قالوا لا علم لنا بالعير، فاقبلوا يضربونهم، وكان
رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي فانقتل (1) من صلاته فقال إن صدقوكم ضربتموهم وان
كذبوكم تركتموهم علي بهم، فاتوا بهم فقال لهم من أنتم؟ قالوا يا محمد نحن عبيد
قريش، قال كم القوم قالوا لا علم لنا بعددهم، قال كم ينحرون في كل يوم جزورا؟
قالوا تسعة أو عشرة، فقال صلى الله عليه وآله تسعمائة أو الف، ثم قال فمن فيهم من بني
هاشم؟ قال العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب، فامر
رسول الله صلى الله عليه وآله بهم فحبسوهم، وبلغ قريشا ذلك فخافوا خوفا شديدا، ولقي
عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام (بن هاشم بن عبد المطلب ك) فقال له اما ترى
هذا البغي (2) والله ما أبصر موضع قدمي خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت فجئنا
بغيا وعدوانا، والله ما أفلح قوم قط بغوا ولوددت ان ما في العير من أموال بني
عبد مناف ذهب كله ولم نسر هذا الميسر، فقال له أبو البختري انك سيد من
سادات قريش، تحمل العير التي أصابها محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه بنخلة
(بنخيلة خ ل) ودم ابن الحضرمي فإنه حليفك، فقال عتبة أنت علي بذلك وما علي
أحد منا خلاف الا ابن حنظلة يعني أبا جهل فسر إليه واعلمه اني قد تحملت
العير التي قد أصابها محمد ودم ابن الحضرمي.
فقال أبو البختري فقصدت خباءه فإذا هو قد اخرج درعا له فقلت له ان

(1) اي صرف وجهه إليهم.
(2) اي بغي المشركين ج. ز
260

أبا الوليد بعثني إليك برسالة، فغضب ثم قال اما وجد عتبة رسولا غيرك؟ فقلت
اما والله لو غيره أرسلني ما جئت ولكن أبا الوليد سيد العشيرة، فغضب أشد
من الأولى، فقال تقول سيد العشيرة! فقلت انا قوله؟ وقريش كلها تقوله، انه
قد تحمل العير ودم ابن الحضرمي، فقال إن عتبة أطول الناس لسانا وأبلغهم في
الكلام ويتعصب لمحمد فإنه من بني عبد مناف وابنه معه، ويريد ان يحذر
(يخذل ك) بين الناس لا واللات والعزى حتى نقتحم عليهم بيثرب ونأخذهم
أسارى فندخلهم مكة وتتسامع العرب بذلك ولا يكونن بيننا وبين متجرنا أحد
نكرهه.
وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كثرة قريش ففزعوا فزعا شديدا
وبكوا واستغاثوا فأنزل الله على رسوله (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني
ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله الا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما
النصر الا من عند الله ان الله عزيز حكيم) فلما مشى رسول الله صلى الله عليه وآله وجنه الليل
القى الله علي أصحابه النعاس حتى ناموا وانزل الله تبارك وتعالى عليهم السماء
وكان نزل الوليد في موضع لا يثبت فيه القدم فأنزل الله عليهم السماء حتى تثبت
اقدامهم علي الأرض وهو قول الله تعالى (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل
عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجس الشيطان) وذلك أن بعض
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله احتلم (وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام) وكان المطر
علي قريش مثل العزالى (1) وكان علي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله رذاذا (2) بقدر
ما لبد الأرض.
وخافت قريش خوفا شديدا فاقبلوا يتحارسون يخافون البيات فبعث

(1) جمع العزلاء: مصب الماء من الرواية إشارة إلى شدة المطر.
(2) الرذاذ كالسحاب: المطر الضعيف. ق
261

رسول الله صلى الله عليه وآله عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود فقال ادخلا في القوم
واتياني بأخبارهم، فكانا يجولان في عسكرهم لا يرون الا خائفا ذعرا إذا صهل
الفرس وثب علي جحفلته (1) فسمعوا منبة بن الحجاج يقول:
لا يترك الجزع (الجوع ط) لنا مبيتا * لا بد ان نموت أو نميتا
قال صلى الله عليه وآله والله كانوا شباعى (سباعى) ولكنهم من الخوف قالوا هذا والقى
الله على قلوبهم الرعب كما قال الله تعالى (سألقي في قلوب الذين كفروا
الرعب) فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله عبأ أصحابه وكان في عسكره صلى الله عليه وآله فرسان
فرس للزبير بن العوام وفرس للمقداد، وكان في عسكره سبعون جملا يتعاقبون
عليها، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله ومرثد بن أبي مرثد الغنوي وعلي بن
أبي طالب عليه السلام علي جمل يتعاقبون عليه والجمل لمرثد وكان في عسكر قريش
أربعمائة فرس.
فعبأ رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه بين يديه وقال غضوا أبصاركم لا تبدوهم
بالقتال ولا يتكلمن أحد، فلما نظر قريش إلى قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قال
أبو جهل: ما هم الا اكلة رأس ولو بعثنا إليهم عبيدنا لاخذوهم اخذا باليد، فقال
عتبة بن ربيعة أترى لهم كمينا ومددا؟ فبعثوا عمر بن وهب الجمحي، وكان فارسا
شجاعا فجال بفرسه حتى طاف إلى معسكر رسول الله صلى الله عليه وآله ثم صعد الوادي
وصوت ثم رجع إلى قريش، فقال ما لهم كمين ولا مدد ولكن نواضح يثرب قد
حملت الموت الناقع، اما ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي (2)
ما لهم ملجأ الا سيوفهم وما أراهم يولون حتى يقتلون، ولا يقتلون حتى يقتلون

(1) وهي لذي الحافر كالشفة لغيره.
(2) تلمظ تتبع بلسانه لبقية الطعام في الفم واخرج لسانه فمسح شفته.
262

بعددهم، فارتاؤا رأيكم، فقال أبو جهل كذبت وجبنت وانتفخ منخرك حين
نظرت إلى سيوف يثرب.
وفزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله حين نظروا إلى كثرة قريش وقوتهم
فأنزل الله على رسوله (وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله) وقد علم
الله انهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السلم وإنما أراد سبحانه بذلك ليطيب قلوب
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قريش، فقال يا معشر قريش
ما أحد من العرب أبغض إلي ممن بدأ بكم خلوني والعرب فان أك صادقا فأنتم أعلى
بي عينا وان أك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمري فارجعوا، فقال عتبة والله
ما أفلح قوم قط ردوا هذا، ثم ركب جملا له احمر فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله
يجول في العسكر وينهى عن القتال، فقال أن يكون عند أحد خير فعند صاحب
الجمل الأحمر فان يطيعوه يرجعوا ويرشدوا، فاقبل عتبة يقول يا معشر قريش
اجتمعوا واستمعوا ثم خطبهم فقال يمن رحب فرحب مع يمن يا معشر قريش!
أطيعوني اليوم واعصوني الدهر وارجعوا إلي مكة واشربوا الخمور وعانقوا الحور
فان محمدا له ال (1) وذمة وهو ابن عمكم فارجعوا ولا تنبذوا رأيي وإنما
تطالبون محمدا بالعير التي اخذها محمد صلى الله عليه وآله بنخيلة ودم ابن الحضرمي وهو حليفي
وعلي عقله، فلما سمع أبو جهل ذلك عاظه (2) وقال إن عتبة أطول الناس لسانا
وأبلغهم في الكلام ولئن رجعت قريش بقوله ليكونن سيد قريش آخر الدهر
ثم قال يا عتبة! نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب وجبنت وانتفخ سحرك (3) وتأمر
الناس بالرجوع وقد رأينا ثارنا بأعيننا، فنزل عتبة عن جمله وحمل علي أبي جهل

(1) الإل بالكسر العهد
(2) اداره في فيه
(3) السحر والسحر والسحر: الرءة. ج ز
263

وكان على فرس فاخذ بشعره فقال الناس يقتله، فمرقب فرسه وقال امثلي يجبن
وستعلم قريش اليوم أينا ألام وأجبن وأينا المفسد لقومه، لا يمشي الا انا وأنت
إلى الموت عيانا ثم قال هذا حبائي وخياره فيه، وكل جان يده إلى فيه (ثم اخذ
بشعره يجره ك) فاجتمع الناس فقالوا يا أبا الوليد الله الله لا تفت في اعضاد
الناس (1) تنهى عن شئ وتكون أوله. فخلصوا أبا جهل من يده فنظر عتبة إلى
أخيه شيبة، ونظر إلى ابنه الوليد، فقال قم يا بني فقام ثم لبس درعه وطلبوا له
بيضة تسع رأسه، فلم يجدوها لعظم هامته، فاعتم بعمامتين ثم اخذ سيفه وتقدم
هو واخوه وابنه، ونادى يا محمد اخرج الينا أكفاءنا من قريش. فبرز إليه ثلاثة
نفر من الأنصار عود ومعود وعوف من بني عفرا، فقال عتبة من أنتم؟ انتسبوا
لنعرفكم فقالوا نحن بنو عفرا أنصار الله وأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله، قالوا ارجعوا، فانا
لسنا إياكم نريد، إنما نريد الأكفاء من قريش، فبعث إليهم رسول الله ان ارجعوا
فرجعوا وكره أن يكون أول الكرة بالأنصار، فرجعوا ووقفوا موقفهم، ثم
نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان له سبعون
سنة، فقال له قم يا عبيدة! فقام بين يديه بالسيف، ثم نظر إلى حمزة بن
عبد المطلب، فقال قم يا عم! ثم نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له قم يا علي!
وكان أصغرهم، فقال فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم قد جاءت قريش بخيلائها
وفخرها تريد ان تطغي نور الله ويأبى الله الا ان يتم نوره، ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وآله يا عبيدة عليك بعتبة، وقال لحمزة عليك بشيبة. وقال لعلي عليك بالوليد بن
عتبة، فمروا حتى انتهوا إلى القوم، فقال عتبة من أنتم؟ انتسبوا لنعرفكم،

(1) فت الشئ: كسره بالأصابع كسرا صغيرة ومنه فت الخبز في المرق
ويقال فت في عضده، اي كسر قوته.
264

فقال عبيدة: انا عبيدة بن حارث بن عبد المطلب، فقال كفو كريم فمن
هذان؟ قال حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال كفوان كريمان
لعن الله من أوقفنا وإياكم هذا الموقف، فقال شيبة لحمزة من أنت؟ فقال انا حمزة
ابن عبد المطلب أسد الله واسد رسوله، وقال له شيبة لقد لقيت أسد الحلفاء
فانظر كيف تكون صولتك يا أسد الله! فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه
ضربة ففلق هامته، وضرب عتبة عبيدة على ساقه قطعها، وسقطا جميعا، وحمل
حمزة على شيبة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما؟، وكل واحد يتقى بدرقته (1)
وحمل أمير المؤمنين عليه السلام على الوليد بن عتبة فضربه على عاتقه فأخرج
السيف من إبطه، فقال علي عليه السلام فاخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي
فظننت ان السماء وقعت على الأرض، ثم اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون يا علي
اما ترى الكلب قد أبهر عمك، فحمل علي عليه السلام ثم قال يا عم طأطأ رأسك وكان
حمزة أطول من شيبة فادخل حمزة رأسه في صدره فضربه أمير المؤمنين عليه السلام على
رأسه فطير نصفه، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه، وحمل عبيدة بين حمزة
وعلي حتى اتيا به رسول الله صلى الله عليه وآله فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله واستعبر، فقال يا رسول الله
بابي أنت وأمي الست شهيدا؟ فقال بلي أنت أول شهيد من أهل بيتي قال اما لو كان عمك حيا
لعلم اني أولى بما قال منه، قال وأي أعمامي تعني؟ قال أبو طالب حيث يقول عليه السلام:
كذبتم وبيت الله نبرأ محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل
وننصره حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله وابنه
الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة فقال يا رسول الله أسخطت علي في هذه الحالة

(1) الدرقة بفتحتين الترس.
265

فقال ما سخطت عليك ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك.
وقال أبو جهل لقريش لا تعجلوا ولا تبطروا كما عجل وبطر أبناء ربيعة،
عليكم باهل يثرب فاجزروهم جزرا وعليكم بقريش فخذوهم اخذا حتى ندخلهم
مكة فنعرفهم ضلالتهم التي كانوا عليها وكان فتية من قريش اسلموا بمكة
فاحتبسهم آباؤهم فخرجوا مع قريش إلى بدر وهم علي الشك والارتياب والنفاق
منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكهة والحارث بن ربيعة وعلي
ابن أمية بن خلف والعاص بن المنية، فلما نظروا إلى قلة أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله قالوا مساكين هؤلاء غرهم دينهم فيقتلون الساعة، فأنزل الله علي رسوله؟
(إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على
الله فان الله عزيز حكيم) وجاء إبليس إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال
لهم انا جاركم ادفعوا إلي رايتكم، فدفعوها إليه وجاء بشياطينه يهول بهم علي
أصحاب رسول الله ويخيل إليهم ويفزعهم وأقبلت قريش يقدمها إبليس معه الراية
فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال غضوا أبصاركم وعضوا علي النواجذ ولا
تسلوا سيفا حتى آذن لكم ثم رفع يده إلى السماء وقال " يا رب ان تهلك هذه
العصانة؟ لم تعبد وان شئت ان لا تعبد لا تعبد " ثم اصابه الغشي فسري عنه وهو
يسلت العرق عن وجهه ويقول: هذا جبرئيل قد اتاكم في الف من الملائكة مردفين
قال فنظرنا فإذا بسحابة سوداء فيها برق لايح قد وقعت على عسكر رسول الله
وقائل يقول أقدم حيزوم أقدم حيزوم! وسمعنا قعقعة السلاح من الجو ونظر
إبليس إلى جبرئيل فتراجع ورمى باللواء فاخذ منية بن الحجاج بمجامع ثوبة ثم
قال ويلك يا سراقة تفت في أعضاد الناس فركله إبليس ركلة (1) في صدره وقال إني
أرى ما لا ترون اني أخاف الله وهو قول الله (وإذ زين لهم الشيطان اعمالهم
وقال لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص علي عقبيه

(1) الركل: الضرب برجل واحدة
266

وقال إني برئ منكم اني أرى ما لا ترون اني أخاف الله والله شديد العقاب) ثم
قال عز وجل (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم
وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق).
قال وحمل جبرئيل علي إبليس فطلبه حتى غاص في البحر، وقال رب انجز
لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم الدين، روي في الخبر ان إبليس التفت إلى
جبرئيل وهو في الهزيمة فقال يا هذا أبدا لكم فيما أعطيتمونا؟ فقيل لأبي عبد الله
عليه السلام أترى كان يخاف ان يقتله؟ فقال لا ولكنه كان يضربه ضربا يشينه منها
إلى يوم القيامة، وانزل علي رسوله صلى الله عليه وآله (إذ يوحي ربك إلى الملائكة اني معكم
فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق
واضربوا منهم كل بنان) قال أطراف الأصابع، فقد جاءت قريش بخيلائها
وفخرها تريد ان تطفئ نور الله ويأبى الله الا ان يتم نوره، وخرج أبو جهل
من بين الصفين فقال إن محمدا صلى الله عليه وآله قطعنا الرحم واتانا بما لا نعرفه فاحنه (1)
الغداة فأنزل الله علي رسوله (ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وان تنتهوا فهو خير لكم
وان تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وان الله مع المؤمنين) ثم
اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله كفا من حصى فرمى به وجوه قريش وقال " شاهت
الوجوه " فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش فكانت الهزيمة، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم لا يفلتن فرعون هذه الأمة أبو جهل بن هشام، فقتل منهم
سبعون، واسر منهم سبعون، والتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل فضرب
عمرو أبا جهل بن هشام على فخذيه وضرب أبو جهل عمرو على يده فأبانها من
العضد فتعلقت بجلدة فاتكأ عمرو على يده برجله ثم نزا في السماء حتى انقطعت

(1) يقال " حن عني شرك " اي كفه.
267

الجلدة ورمى بيده، وقال عبد الله بن مسعود انتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحط
في دمه فقلت الحمد لله الذي أخزاك، فرفع رأسه فقال إنما أخزى الله عبد بن أم
عبد الله لمن الدين ويلك قلت لله ولرسوله واني قاتلك ووضعت رجلي على عنقه
فقال ارتقيت مرتقا صعبا يارويعي الغنم اما انه ليس شئ أشد من قتلك إياي
في هذا اليوم الا تولى قتلي رجل من المطمئنين أو رجل من الاحلاف (1) فاقتلعت
بيضة؟ كانت على رأسه فقتلته واخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله،
فقلت يا رسول الله البشرى هذا رأس أبي جهل بن هشام، فسجد لله شكرا واسر
أبو بشر الأنصاري العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب (ع) وجاء بهما
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له هل أعانك عليهما أحد؟ قال نعم رجل عليه ثياب
بياض، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذاك من الملائكة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله
للعباس افد نفسك وابن أخيك، فقال يا رسول الله قد كنت أسلمت ولكن
القوم استكرهوني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اعلم باسلامك ان يكن ما تذكر حقا
فان الله يجزيك عليه واما ظاهر امرك فقد كنت علينا ثم قال صلى الله عليه وآله
يا عباس انكم خاصمتم الله فخصمكم، ثم قال افد نفسك وابن أخيك وقد كان
العباس اخذ معه أربعين أوقية من ذهب فغنمها رسول الله صلى الله عليه وآله فلما قال صلى الله عليه وآله للعباس
افد نفسك فقال يا رسول الله احسبها من فدائي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا، ذاك
أعطانا الله منك، فافد نفسك وابن أخيك، فقال العباس فليس لي مال غير الذي
ذهب مني، قال بلى المال الذي خلفته عند أم الفضل بمكة. فقلت لها ان حدث
علي حدث فاقسموه بينكم. فقال ما تتركني إلا وانا اسئل الناس بكفي. فأنزل

(1) وفى نسخة " الاجلاف " والجلف كالحلف: الأحمق، المطمئن من الأرض: ما انخفض منها والمراد
هنا الوضيع يعني لو تولى كل وضيع قتلى غيرك. ج. ز
268

الله على رسوله في ذلك (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى ان يعلم الله
في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم)
ثم قال (وان يريدوا خيانتك - في علي - فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله
عليم حكيم) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعقيل. قد قتل الله يا أبا يزيد
أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشبيب بن ربيعة ومنية وبنية ابني الحجاج
ونوفل بن خويلد وسهيل بن عمرو والنظر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن
أبي معيط وفلانا وفلانا، فقال عقيل إذا لا تنازع في تهامة فان كنت قد اثخنت
القوم إلا فاركب أكتافهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله.
وكان القتلى ببدر سبعين والأسرى سبعين قتل منهم أمير المؤمنين (ع)
سبعة وعشرين ولم يوسر أحدا، فجمعوا الأسارى وقرنوهم في الجمال وساقوهم على
اقدامهم وجمعوا الغنائم، وقتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله تسعة رجال فمنهم
سعد بن خثيمة وكان من النقباء فرحل رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل الأثيل عند غروب
الشمس وهو من بدر على ستة أميال فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عقبة بن أبي معيط
والنضر بن الحارث بن كلدة وهما في قران واحد، فقال النضر لعقبة يا عقبة انا وأنت
من المقتولين فقال عقبة من بين قريش قال نعم لان محمدا قد نظر الينا نظرة رأيت فيها
القتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي علي بالنضر وعقبة وكان النضر رجلا جميلا
عليه شعر فجاء علي فاخذ بشعره فجره إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال النضر يا محمد
أسألك بالرحم الذي بيني وبينك إلا أجريتني كرجل من قريش ان قتلتهم قتلتني
وان فاديتهم فاديتني وان أطلقتهم أطلقتني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا رحم بيني
وبينك قطع الله الرحم بالاسلام قدمه يا علي فاضرب عنقه، فقال عقبة يا محمد ألم
تقل لا تصبر قريش أي لا يقتلون صبرا، قال أفأنت من قريش؟ إنما أنت علج
من أهل صفورية لانت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى له لست منها قدمه
269

يا علي فاضرب عنقه، فقدمه وضرب عنقه فلما قتل رسول الله صلى الله عليه وآله النضر
وعقبة خافت الأنصار ان يقتل الأسارى كلهم فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا
يا رسول الله صلى الله عليه وآله قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين وهم قومك وأساراك هبهم
لنا يا رسول الله وخذ منهم الفداء وأطلقهم فأنزل الله عليهم (ما كان النبي أن يكون
له اسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة
والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا
مما غنمتم حلالا طيبا) فأطلق لهم ان يأخذوا الفداء ويطلقوهم وشرط انه يقتل
منهم في عام قابل بعدد من يأخذوا منهم الفداء فرضوا منه بذلك فلما كان يوم
أحد قتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله سبعون رجلا فقال من بقي من أصحابه
يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا بالنصر! فأنزل الله
عز وجل فيهم (أو لما اصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها) ببدر قتلتم سبعين وأسرتم
سبعين (قلتم انى هذا قل هو من عند أنفسكم) (1) بما اشترطتم.
رجع الحديث إلى تفسير الآيات التي لم تكتب في قوله (وإذ يعدكم الله
احدى الطائفتين انها لكم) قال العير أو قريش وقوله (وتودون ان غير ذات
الشوكة تكون لكم) قال ذات الشوكة الحرب قال تودون العير لا الحرب (ويريد
الله ان يحق الحق بكلماته) قال الكلمات الأئمة (ع) وقوله: (ذلك بأنهم شاقوا الله
ورسوله) اي عادوا الله ورسوله، ثم قال عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم
الذين كفروا زحفا) اي يدنوا بعضكم من بعض. (فلا تولوهم الادبار ومن يولهم
يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال) يعني يرجع (أو متحيزا إلى فئة) يعني يرجع
إلى صاحبه وهو الرسول أو الامام، فقد كفر و (باء بغضب من الله ومأواه جهنم
وبئس المصير) ثم قال (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) اي انزل الملائكة حتى
قتلوهم ثم قال (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) يعني الحصى الذي حمله

(1) آل عمران 165
270

رسول الله صلى الله عليه وآله ورمى به في وجوه قريش وقال " شاهت الوجوه " ثم قال
(ذلكم وان الله موهن كيد الكافرين) اي مضعف كيدهم وحيلتهم ومكرهم،
وقوله (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) قال
الحياة الجنة وقوله (واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه) اي يحول بين ما يريد
الله وبين ما يريده.
حدثنا أحمد بن محمد عن جعفر بن عبد الله عن كثير بن عياش عن
أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله
وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " يقول ولاية علي بن أبي طالب (ع) فان اتباعكم
إياه وولايته اجمع لامركم وأبقى للعدل فيكم، واما قوله " واعلموا ان الله يحول
بين المرء وقلبه " يقول يحول بين المؤمن ومعصيته التي تقوده إلى النار ويحول
بين الكافر وبين طاعته ان يستكمل به الايمان واعلموا ان الاعمال بخواتيمها،
وقوله (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) فهذه في أصحاب النبي
صلى الله عليه وآله، قال الزبير يوم هزم أصحاب الجمل لقد قرأت هذه الآية وما احسب اني
من أهلها حتى كان اليوم، لقد كنت أتقيها ولا اعلم اني من أهلها.
رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم قوله " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا
منكم خاصة " قال نزلت في الزبير وطلحة لما حاربا أمير المؤمنين (ع) وظلموه
وقوله (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون ان يتخطفكم
الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) نزلت
في قريش خاصة وقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا
أماناتكم وأنتم تعلمون) نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر فلفظ الآية عام ومعناها
خاص وهذه الآية نزلت في غزوة بني قريظة في سنة خمس من الهجرة، وقد
كتبت في هذه السورة مع اخبار بدر وكانت بدر على رأس ستة عشر شهرا
271

من مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة ونزلت مع الآية التي في سورة التوبة قوله
" آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا " الآية نزلت في
أبي لبابة فهذا دليل على أن التأليف على خلاف ما أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وآله.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله " يا أيها الذين آمنوا
لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " فخيانة الله والرسول
معصيتهما واما خيانة الأمانة فكل انسان مأمون على ما افترض الله عليه.
رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم قوله (يا أيها الذين آمنوا ان تتقوا الله
يجعل لكم فرقانا) يعني العلم الذي تفرقون به بين الحق والباطل (ويكفر عنكم
سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) وقوله (وإذا يمكر بك الذين
كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)
فإنها نزلت بمكة قبل الهجرة وكان سبب نزولها انه لما اظهر رسول الله صلى الله عليه وآله
الدعوة بمكة قدمت عليه الأوس والخزرج، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله تمنعوني
وتكونون لي جارا حتى أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة؟ فقالوا
نعم خذ لربك ولنفسك ما شئت، فقال لهم موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من
ليالي التشريق فحجوا ورجعوا إلى منى، وكان فيهم ممن قد حج بشر كثير،
فلما كان اليوم الثاني من أيام التشريق قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان الليل
فاحضروا دار عبد المطلب على العقبة ولا تنبهوا نائما ولينسل واحد فواحد، فجاء
سبعون رجلا من الأوس والخزرج فدخلوا الدار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله
تمنعوني وتجيروني حتى أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة؟ فقال
سعد بن زرارة والبراء بن مغرور (معرور ط) وعبد الله بن حزام نعم با رسول الله اشترط
لربك ولنفسك ما شئت، فقال اما ما اشترط لربي فان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا
واشترط لنفسي ان تمنعوني مما تمنعون أنفسكم وتمنعوا أهلي مما تمنعون أهاليكم
272

وأولادكم، فقالوا ومالنا على ذلك؟ فقال الجنة في الآخرة وتملكون العرب
وتدين لكم العجم في الدنيا،... فقالوا قد رضينا، فقال
اخرجوا إلى منكم اثني عشر نقيبا يكونون شهداء عليكم بذلك كما اخذ موسى
من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا فأشار إليهم جبرئيل فقال هذا نقيب هذا نقيب
تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس فمن الخزرج سعد بن زرارة والبراء بن
مغرور وعبد الله بن حزام و (وهوك) أبو جابر بن عبد الله ورافع بن مالك
وسعد بن عبادة والمنذر بن عمر وعبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع وعبادة بن
والصامت ومن الأوس أبو الهشيم بن التيهان وهو من اليمن وأسد بن حصين وسعد
ابن خثيمة، فلما اجتمعوا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله صاح إبليس يا معشر قريش
والعرب! هذا محمد والصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم
فاسمع أهل منى وهاجت قريش فاقبلوا بالسلاح وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله النداء
فقال للأنصار تفرقوا، فقالوا يا رسول الله ان امرتنا ان نميل عليهم بأسيافنا
فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لم أؤمر بذلك ولم يأذن الله لي في محاربتهم، قالوا
أفتخرج معنا قال انتظر امر الله فجاءت قريش على بكره أبيها (1) قد اخذوا
السلاح، وخرج حمزة وأمير المؤمنين (ع) ومعهما السيوف فوقفا على العقبة فلما
نظرت قريش اليهما قالوا ما هذا الذي اجتمعتم له؟ فقال حمزة ما اجتمعنا وما
ههنا أحد والله لا يجوز هذه العقبة أحد إلا ضربته بسيفي فرجعوا إلى مكة وقالوا لا نأمن
من أن يفسد أمرنا ويدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمد صلى الله عليه وآله، فاجتمعوا
في الندوة وكان لا يدخل دار الندوة إلا من قد اتى عليه أربعون سنة، فدخلوا
أربعون رجلا من مشايخ قريش، وجاء إبليس لعنه الله في صورة شيخ كبير فقال

(1) يقال جاء القوم على بكرة أبيهم: اي جاؤوا جميعا لم يتخلف منهم أحد
ج. ز
273

له البواب من أنت فقال انا شيخ من أهل نجد لا يعدمكم مني رأي صائب اني
حيث بلغني اجتماعكم في امر هذا الرجل فجئت لأشير عليكم، فقال الرجل
ادخل فدخل إبليس.
فلما اخذوا مجلسهم قال أبو جهل يا معشر قريش انه لم يكن أحد من العرب
أعز منا، نحن أهل الله تغدو الينا العرب في السنة مرتين ويكرموننا ونحن في
حرم الله لا يطمع فينا طامع فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله فكنا
نسميه الأمين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته حتى إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه ادعى
انه رسول الله صلى الله عليه وآله وان اخبار السماء تأتيه فسفه أحلامنا وسب آلهتنا وافسد شبابنا
وفرق جماعتنا وزعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار فلم يرد علينا شئ أعظم من
هذا، وقد رأيت فيه رأيا قالوا وما رأيت؟ قال رأيت أن ندس إليه رجلا منا
ليقتله، فان طلبت بنو هاشم بدمه أعطيناهم عشر ديات، فقال الخبيث هذا
رأي خبيث قالوا وكيف ذلك؟ قال لان قاتل محمد مقتول لا محالة فمن ذا الذي
يبذل نفسه للقتل منكم؟ فإنه إذا قتل محمد تغضب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة
وان بني هاشم لا ترضى ان يمشي قاتل محمد على الأرض فيقع بينكم الحروب في
حرمكم وتتفانوا. فقال آخر منهم فعندي رأي آخر، قال وما هو؟ قال نثبته
في بيت ونلقى إليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير
والنابغة وامرؤ القيس، فقال إبليس هذا أخبث من الآخر. قال وكيف ذلك؟
قال لان بني هاشم لا ترضى بذلك، فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا
بهم واجتمعوا عليكم فأخرجوه، قال آخر منهم لا ولكنا نخرجه من بلادنا
ونتفرغ نحن لعبادة آلهتنا، قال إبليس هذا أخبث من الرأيين المتقدمين قالوا
وكيف ذاك؟ قال لأنكم تعمدون إلى أصبح الناس وجها وأنطق الناس لسانا
وأفصحهم لهجة فتحملونه إلى وادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه فلا يفجأكم
274

إلا وقد ملاها عليكم خيلا ورجلا، فبقوا حائرين ثم قالوا لإبليس فما الرأي فيه
يا شيخ؟ قال ما فيه إلا رأي واحد، قالوا وما هو؟ قال يجتمع من كل بطن
من بطون قريش واحد ويكون معهم من بني هاشم رجل، فيأخذون سكينة
أو حديدة أو سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه
في قريش كلها، فلا يستطيع بنو هاشم ان يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه، فان
سألوكم ان تعطوا الدية فاعطوهم ثلاث ديات فقالوا نعم وعشر ديات، ثم قالوا
الرأي رأي الشيخ النجدي، فاجتمعوا ودخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي،
ونزل جبرئيل (ع) على رسول الله صلى الله عليه وآله واخبره ان قريشا قد اجتمعت في دار
الندوة يدبرون عليك وانزل عليه في ذلك " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك
أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " واجتمعت قريش ان يدخلوا
عليه ليلا فيقتلوه وخرجوا إلى المسجد يصفرون ويصفقون ويطوفون بالبيت فأنزل الله
(وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فالمكاء التصفير والتصدية صفق
اليدين وهذه الآية معطوفة على قوله " وإذ يمكر بك الذين كفروا " وقد كتبت.
بعد آيات كثيرة.
فلما امسى رسول الله صلى الله عليه وآله جاءت قريش ليدخلوا عليه فقال أبو لهب
لا أدعكم ان تدخلوا عليه بالليل فان في الدار صبيانا ونساءا ولا نأمن ان تقع بهم يد
خاطئة فنحرسه الليلة، فإذا أصبحنا دخلنا عليه، فناموا حول حجرة رسول الله
صلى الله عليه وآله وامر رسول الله صلى الله عليه وآله ان يفرش له ففرش له فقال لعلي بن
أبي طالب افدني بنفسك، قال نعم يا رسول الله قال نم على فراشي والتحف ببردتي
فنام علي على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله والتحف ببردته (1) وجاء جبرئيل فاخذ

(1) أقول وعند ذلك نزل جبرئيل بالآية: ومن الناس من يشري نفسه
ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد (البقرة 207) وقد ذكر القندوزي في
الينا بيع وغيره قضية مباهاة الله على الملائكة من هذا الايثار والفداء العظيم الذي
أظهره علي بن أبي طالب عليه السلام ليلة الهجرة فراجع. ج. ز
275

بيد رسول الله صلى الله عليه وآله فأخرجه على قريش وهم نيام وهو يقرأ عليهم " وجعلنا من
بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون " وقال له جبرئيل
خذ على طريق ثور، وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور، فدخل
الغار وكان من امره ما كان فلما أصبحت قريش واتوا إلى الحجرة وقصدوا
الفراش، فوثب علي في وجوههم، فقال ما شأنكم؟ قالوا له أين محمد؟ قال
أجعلتموني عليه رقيبا؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا، فقد خرج عنكم، فاقبلوا
يضربون أبا لهب ويقولون أنت تخدعنا منذ الليلة، فتفرقوا في الجبال، وكان
فيهم رجل من خزاعة يقال له أبو كرز يقفو الآثار، فقالوا له يا أبا كرز اليوم
اليوم، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال هذه قدم محمد والله
انها لأخت القدم التي في المقام وكان أبو بكر استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله فرده
معه، فقال أبو كرز وهذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه ثم قال وههنا عبر ابن
أبي قحافة فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار، ثم قال ما جاوزا هذا المكان
اما ان يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا تحت الأرض، وبعث الله العنكبوت
فنسجت على باب الغار، وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ثم
قال ما في الغار واحد فتفرقوا في الشعاب وصرفهم الله عن رسوله صلى الله عليه وآله ثم اذن
لنبيه في الهجرة.
وقوله (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة
من السماء أو ائتنا بعذاب اليم) فإنها نزلت لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لقريش ان
276

الله بعثني ان اقتل جميع ملوك الدنيا واجر الملك إليكم فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه
تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم وتكونوا ملوكا في الجنة، فقال
أبو جهل اللهم إن كان هذا الذي يقوله محمد صلى الله عليه وآله هو الحق من عندك فأمطر
علينا حجارة من السماء أو آتنا بعذاب اليم، حسدا لرسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال كنا
وبنو هاشم كفرسي رهان نحمل إذا حملوا ونطعن إذا طعنوا ونوقد إذا
أوقدوا (1) فلما استوى بنا وبهم الركب قال قائل منهم منا نبي، لا نرضى بذلك
أن يكون في بني هاشم ولا يكون في بني مخزوم، ثم قال غفرانك اللهم فأنزل الله
في ذلك (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)
حين قال غفرانك اللهم، فلما هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرجوه من مكة
قال الله (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه)
يعني قريشا ما كانوا أولياء مكة (ان أولياؤه إلا المتقون) أنت وأصحابك
يا محمد فعذبهم الله بالسيف يوم بدر فقتلوا، قال وحدثني أبي عن حنان بن سدير
عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله مقامي بين أظهركم خير
لكم فان الله يقول " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ومفارقتي إياكم خير لكم
فقالوا يا رسول الله مقامك بين أظهرنا خير لنا فكيف تكون مفارقتك خيرا لنا؟ قال
اما ان مفارقتي إياكم خير لكم فان اعمالكم تعرض علي كل خميس واثنين فما كان
من حسنة حمدت الله عليها وما كان من سيئة استغفرت الله لكم واما قوله (ان
الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم
حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) قال نزلت في قريش لما
وافاهم ضمضم وأخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وآله في طلب العير فأخرجوا أموالهم

(1) يقال " أوقدت بك زنادي " اي نجح بك أمري. ج. ز
277

وحملوا وانفقوا وخرجوا إلى محاربة رسول الله صلى الله عليه وآله ببدر فقتلوا وصاروا
إلى النار وكان ما انفقوا حسرة عليهم وقوله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) اي
كفرا وهي ناسخة لقوله " كفوا أيديكم " ولقوله " ودع أذاهم " قوله (واعلموا
الجزء (10) إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) وهو الامام (واليتامى
والمساكين وابن السبيل) فهم أيتام آل محمد خاصة ومساكينهم وأبناء سبيلهم
خاصة فمن الغنيمة يخرج الخمس ويقسم على ستة أسهم: سهم لله وسهم لرسول الله
وسهم للامام، فسهم الله وسهم الرسول يرثه الإمام (ع) فيكون للامام ثلاثة
أسهم من ستة وثلاثة أسهم لأيتام آل الرسول ومساكينهم وأبناء سبيلهم، إنما
صارت للامام وحده من الخمس ثلاثة أسهم لان الله قد ألزمه ما ألزم النبي من
تربية الأيتام ومؤن المسلمين وقضاء ديونهم وحملهم في الحج والجهاد وذلك قول
رسول الله صلى الله عليه وآله لما انزل الله عليه " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه
أمهاتهم " وهو أب لهم فلما جعله الله أبا للمؤمنين لزمه ما يلزم الوالد للولد فقال
عند ذلك من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا فعلى الوالي، فلزم الامام
ما لزم الرسول فلذلك صار له من الخمس ثلاثة أسهم.
قوله (وإذ أنتم بالعدوة (1) الدنيا وهم بالعدوة القصوى) يعني قريشا
حيث نزلوا بالعدوة اليمانية ورسول الله صلى الله عليه وآله حيث نزل بالعدوة الشامية
(والركب أسفل منكم) وهي العير التي أفلتت ثم قال ولو تواعدتم للحرب لما وفيتم
ولكن الله جمعكم من غير ميعاد كان بينكم (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من
حي عن بينة) قال يعلم من بقي ان الله نصره وقوله (إذ يريكهم الله في منامك
قليلا ولو أريكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر) فالمخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله

(1) العدوة بضم العين وكسرها قرء بهما في السبعة: شاطي الوادي (مجمع)
278

والمعنى لأصحابه أراهم الله قريشا في نومهم انهم قليل ولو أراهم كثيرا لفزعوا.
حدثنا جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي
عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر صلوات الله عليه في قوله
(ان شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) قال أبو جعفر (ع) نزلت
في بني أمية فهم شر خلق الله هم الذين كفروا في باطن القرآن فهم لا يؤمنون
قوله (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل عام مرة) فهم أصحابه الذين
فروا يوم أحد قوله (واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على السواء) نزلت
في معاوية لما خان أمير المؤمنين (ع) قوله (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة)
قال السلاح قوله (وان جنحوا للسلم فاجنح لها) قال هي منسوخة بقوله " ولا
تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم " نزلت هذه الآية أعني قوله
" وان جنحوا للسلم " قبل نزول قوله " يسئلونك عن الأنفال " وقبل الحرب،
وقد كتبت في آخر السورة بعد انقضاء اخبار بدر وقوله (وان يريدوا ان
يخدعوك فان حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم لو أنفقت
ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم انه عزيز حكيم)
قال نزلت في الأوس والخزرج.
وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال إن هؤلاء قوم كانوا معه
من قريش فقال الله " فان حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين والف بين
قلوبهم " إلى آخر الآية فهم الأنصار كان بين الأوس والخزرج حرب شديد
وعداوة في الجاهلية فألف الله بين قلوبهم ونصر بهم نبيه صلى الله عليه وآله فالذين الف بين قلوبهم
هم الأنصار خاصة، رجع إلى رواية علي بن إبراهيم قوله (يا أيها النبي حرض المؤمنين
على القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة
يغلبوا ألفا) قال كان الحكم في أول النبوة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ان
279

الرجل الواحد وجب عليه ان يقاتل عشرة من الكفار، فان هرب منهم فهو الفار
من الزحف (1) والمائة يقاتلون ألفا ثم علم الله ان فيهم ضعفا لا يقدرون على ذلك فأنزل
الله (ألآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا
مائتين) ففرض الله عليهم ان يقاتل رجل من المؤمنين رجلين من الكفار فان فر
منهما فهو الفار من الزحف، فان كانوا ثلاثة من الكفار وواحد من المسلمين
ففر المسلم منهم فليس هو الفار من الزحف، وقوله (ان الذين آمنوا
وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك
بعضهم أولياء بعض) فان الحكم كان في أول النبوة ان المواريث كانت على
الاخوة لا على الولادة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة آخا بين
المهاجرين وبين الأنصار فكان إذا مات الرجل يرثه اخوه في الدين ويأخذ المال
وكان ما ترك له دون ورثته، فلما كان بعد؟ بدر انزل الله " النبي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله من
المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا " فنسخت آية الاخوة
بقوله " أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض " قوله (والذين آمنوا ولم يهاجروا
ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وان استنصروكم في الدين فعليكم
النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) فإنها نزلت في الاعراب وذلك أن
رسول الله صلى الله عليه وآله صالحهم على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا إلى المدينة وعلى
انه ان أرادهم رسول الله صلى الله عليه وآله غزا بهم وليس لهم في الغنيمة شئ
وأوجبوا على النبي انه ان أرادهم الاعراب من غيرهم أو دهاهم دهم من
عدوهم ان ينصرهم إلا على قوم بينهم وبين الرسول عهد وميثاق إلى مدة (والذين
كفروا بعضهم أولياء بعض) يعني هم يوالي بعضهم بعضا ثم قال (إلا تفعلوه)
يعني ان لم تفعلوه فوضع حرف مكان حرف (تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)

(1) الزحف: الجيش. ق
280

ثم قال (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) قال نسخت قوله " والذين عقدت
ايمانكم فاتوهم نصيبهم ".
سورة التوبة مدنية
مأة وتسع وعشرون آية
(براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) قال حدثني أبي
عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال نزلت هذه
الآية بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوة تبوك في سنة سبع من الهجرة
قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح مكة لم يمنع المشركين الحج في تلك السنة وكان
سنة في العرب في الحج انه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحل له امساكها
وكانوا يتصدقون بها ولا يلبسونها بعد الطواف، وكان من وافى مكة يستعير
ثوبا ويطوف فيه ثم يرده ومن لم يجد عارية اكترى ثيابا ومن لم يجد عارية ولا
كراءا ولم يكن له إلا ثوب واحد طاف بالبيت عريانا فجاءت امرأة من العرب
وسيمة جميلة فطلبت ثوبا عارية أو كراءا فلم تجده، فقالوا لها ان طفت في ثيابك
احتجت ان تتصدقي بها فقالت وكيف أتصدق بها وليس لي غيرها فطافت بالبيت
عريانة، وأشرف عليها الناس فوضعت احدى يديها على قبلها والأخرى على دبرها
فقالت مرتجزة:
اليوم يبدو بعضه أو كله * فما بدا منه فلا أحله
فلما فرغت من الطواف خطبها جماعة فقالت إن لي زوجا.
وكانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله قبل نزول سورة البراءة ان لا يقاتل إلا
من قاتله ولا يحارب إلا من حاربه واراده وقد كان نزل عليه في ذلك من الله
281

عز وجل " فان اعتزلوكم ولم يقاتلوا كم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم
سبيلا (1) " فكان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقاتل أحدا قد تنحى عنه واعتزله حتى نزلت
عليه سورة البراءة وأمره الله بقتل المشتركين من اعتزله ومن لم يعتزله إلا الذين قد
كان عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة إلى مدة، منهم صفوان بن أمية وسهيل
ابن عمرو، فقال الله عز وجل " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من
المشركين فسيحوا في الأرض أربعة اشهر " ثم يقتلون حيث ما وجدوا فهذه
اشهر السياحة عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرة
من شهر ربيع الآخر، فلما نزلت الآيات من أول براءة دفعها رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى أبي بكر وأمره ان يخرج إلى مكة ويقرأها على الناس بمنى يوم النحر، فلما
خرج أبو بكر نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا محمد لا يؤدي عنك إلا
رجل منك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام في طلبه فلحقه بالروحا
فاخذ منه الآيات فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله أأنزل
الله في شئ؟ قال لا ان الله امرني ان لا يؤدي عني إلا انا أو رجل مني.
قال فحدثني أبي عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا قال قال أمير المؤمنين
عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله امرني ان أبلغ عن الله ان لا يطوف بالبيت عريان
ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام وقرأ عليهم " براءة من الله
ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة اشهر " فأحل
الله للمشركين الذين حجوا تلك السنة أربعة اشهر حتى يرجعوا إلى مأمنهم ثم
يقتلون حيث وجدوا، قال وحدثني أبي عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان
عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين عليهما السلام في قوله (واذان من الله
ورسوله) قال الاذان أمير المؤمنين عليه السلام وفي حديث آخر قال أمير المؤمنين عليه السلام
كنت انا الاذان في الناس وقوله (يوم الحج الأكبر) قال هو يوم النحر ثم

(1) النساء 89.
282

استثنى عز وجل فقال (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم
يظاهروا عليكم أحدا فاتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ان الله يحب المتقين فإذا انسلخ
الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم
كل مرصد - إلى قوله - غفور رحيم) ثم قال (وان أحد من المشركين استجارك
فاجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) قال إقرأ عليه وعرفه لا تتعرض له حتى
يرجع إلى مأمنه واما قوله (وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم
فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون) فإنها نزلت في أصحاب الجمل
وقال أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل والله ما قاتلت هذه الفئة الناكثة إلا بآية من
كتاب الله عز وجل يقول الله " وان نكثوا ايمانهم من بعد بعهدهم وطعنوا في
دينكم إلى آخر الآية " فقال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته الزهراء: والله لقد عهد
إلي رسول الله صلى الله عليه وآله غير مرة ولا اثنتين ولا ثلاث ولا اربع فقال يا علي! انك
ستقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين أفأضيع ما امرني به رسول الله صلى الله عليه وآله
أو أكفر بعد اسلامي؟ " وقوله (أم حسبتم ان تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا
منكم) اي لما ير فأقام العلم مقام الرؤية لأنه قد علم قبل ان يعلموا.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ولم يتخذوا من دون
الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) يعني بالمؤمنين آل محمد والوليجة البطانة (1)
وقال علي بن إبراهيم في قوله (ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله شاهدين
على أنفسهم بالكفر) اي لا يعمروا وليس لهم ان يقيموا وقد اخرجوا رسول الله
صلى الله عليه وآله منه ثم قال: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر.
الآية) وهي محكمة واما قوله (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن

(1) اي خاصته وما يتخذه معتمدا عليه. (مجمع)
283

آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله) فإنه حدثني
أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال نزلت في علي
وحمزة والعباس وشيبة قال العباس انا أفضل لان سقاية الحاج بيدي وقال
شيبة انا أفضل لان حجابة البيت بيدي وقال حمزة انا أفضل لان عمارة البيت
بيدي وقال علي أنا أفضل آمنت قبلكم ثم هاجرت وجاهدت فرضوا
برسول الله صلى الله عليه وآله حكما فأنزل الله " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام
إلى قوله عنده اجر عظيم ".
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال نزلت هذه الآية في علي
ابن أبي طالب عليه السلام قوله " كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله
لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " ثم وصف علي بن أبي طالب
عليه السلام (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة
عند الله وأولئك هم الفائزون) ثم وصف ما لعلي عليه السلام عنده فقال (يبشرهم ربهم برحمة
منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها ابدا ان الله عنده اجر عظيم)
قوله (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال
اقترفتموها) يقول اكتسبتموها.
وقال علي بن إبراهيم لما اذن أمير المؤمنين عليه السلام بمكة ان لا يدخل المسجد
الحرام مشرك بعد ذلك العام جزعت قريش جزعا شديدا وقالوا ذهبت تجارتنا
وضاعت عيالنا وخربت دورنا فأنزل الله عز وجل في ذلك قل يا محمد (إن كان
آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة
تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله
فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) قوله (لقد نصركم
الله في مواطن كثيرة) حدثني محمد بن عمير قال كان المتوكل قد اعتل علة شديدة
284

فنذر ان عافاه الله ان يتصدق بدنانير كثيرة أو قال بدراهم كثيرة فعوفي، فجمع
العلماء فسألهم عن ذلك فاختلفوا عليه، قال أحدهم عشرة آلاف وقال بعضهم
مائة الف فلما اختلفوا قال له عبادة ابعث إلى ابن عمك علي بن محمد بن علي الرضا
عليهم السلام فاسأله فبعث إليه فسأله فقال الكثير ثمانون، فقالوا له رد إليه
الرسول فقل من أين قلت ذلك؟ فقال من قوله تعالى لرسوله " لقد نصركم الله
في مواطن كثيرة " وكانت المواطن ثمانين موطنا، وقال علي بن إبراهيم في قوله
(ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض
بما رحبت ثم وليتم مدبرين) فإنه كان سبب غزوة حنين انه لما خرج رسول الله
صلى الله عليه وآله إلى فتح مكة اظهر انه يريد هوازن وبلغ الخبر هوازن فتهيئوا وجمعوا
الجموع والسلاح واجتمعوا رؤساء هوازن إلى مالك بن عوف النضري فرأسوه
عليهم وخرجوا وساقوا معهم أموالهم ونساءهم وذراريهم ومروا حتى نزلوا
باوطاس وكان دريد بن الصمة الجشمي في القوم وكان رئيس جشم وكان شيخا
كبيرا قد ذهب بصره من الكبر فلمس الأرض بيده فقال في اي واد أنتم؟ قالوا
بوادي أوطاس قال نعم مجال خيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس (1) مالي اسمع
رغاء البعير ونهيق الحمير وخوار البقر وثغاء الشاة وبكاء الصبي، فقالوا له ان
مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم ليقاتل كل امرئ
عن نفسه وماله وأهله، فقال دريد: راعي ضأن ورب الكعبة! ماله وللحرب،
ثم قال ادعوهم لي مالكا فلما جاءه قال له يا مالك ما فعلت؟ قال سقت مع الناس
أموالهم ونساءهم وأبناءهم ليجعل كل رجل أهله وماله وراء ظهره فيكون أشد

(1) الحزن: ما غلظ من الأرض، الضرس: الأمكنة الخشنة، الدهس:
المكان السهل.
285

لحربه، فقال يا مالك انك أصبحت رئيس قومك وانك تقاتل رجلا كبيرا
وهذا اليوم لما بعده ولم تضع في تقدمة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا (1)
ويحك وهل يلوي المنهزم على شئ؟ أردد بيضة هوازن إلى عليا بلادهم وممتنع
محالهم وابق الرجال على متون الخيل فإنه لا ينفعك إلا رجل بسيفه ودرعه وفرسه
فان كانت لك لحق بك من وراؤك وان كانت عليك لا تكون قد فضحت في أهلك
وعيالك، فقال له مالك انك قد كبرت وذهب علمك وعقلك فلم يقبل من دريد فقال
دريد ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا لم يحضر منهم أحد قال غاب الجد والحزم لو
كان يوم علا وسعادة ما كانت تغيب كعب ولا كلاب قال فمن حضرها من هوازن؟
قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال ذانك الجذعان لا ينفعان ولا يضران ثم
تنفس دريد وقال حرب عوان ليتني فيها جذع أحب فيها واضع أقود وطفاء الزمع
كأنها شاة صدع. (2)
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله اجتماع هوازن باوطاس فجمع القبائل ورغبهم في
الجهاد ووعدهم النصر وان الله قد وعده ان يغنمه أموالهم ونساءهم وذراريهم
فرغب الناس وخرجوا على راياتهم وعقد اللواء الأكبر ودفعه إلى أمير المؤمنين
عليه السلام وكل من دخل مكة براية امره ان يحملها، وخرج في اثنى عشر الف
رجل عشرة آلاف ممن كانوا معه.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال وكان معه من بني سليم
الف رجل رئيسهم عباس بن مرداس السلمي ومن مزينة، الف رجل، رجع الحديث
إلى علي بن إبراهيم قال فمضوا حتى كان من القوم على مسيرة بعض ليلة قال وقال
مالك بن عوف لقومه ليصير كل رجل منكم أهله وماله خلف ظهره واكسروا

(1) اي لم تخف في عرض جميغة هوزان على سيوف العدو.
(2) (العوان الحرب الشديدة) الجذع الشاب اخب واضع أي اسرع، الزمع الرعدة
التي تكون عند الخوف، والصدع من الظباء والحمر: الفتى الشاب القوى. ج. ز
286

جفون سيوفكم واكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي الشجر فإذا كان في غلس
الصبح فاحملوا حملة رجل واحد وهدوا القوم فان محمدا لم يلق أحدا يحسن الحرب
قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الغداة انحدر في وادي حنين وهو واد له انحدار
بعيد وكانت بنو سليم على مقدمة فخرجت عليها كتائب هوازن من كل ناحية
فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم ولم يبق أحد إلا انهزم وبقى أمير المؤمنين
عليه السلام يقاتلهم في نفر قليل ومر المنهزمون برسول الله صلى الله عليه وآله لا يلوون على شئ
وكان العباس أخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله عن يمينه وأبو سفيان بن الحارث
ابن عبد المطلب عن يساره فاقبل رسول الله صلى الله عليه وآله ينادي يا معشر الأنصار إلى أين
المفر؟ ألا انا رسول الله فلم يلو أحد عليه وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو
التراب في وجوه المنهزمين وتقول: أين تفرون عن الله وعن رسوله؟ ومر بها
عمر فقالت له ويلك ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها هذا امر الله فلما رأى
رسول الله صلى الله عليه وآله الهزيمة ركض يحوم على بغلته قد شهر سيفه، فقال يا عباس
اصعد هذا الطرب (1) وناد يا أصحاب البقرة! ويا أصحاب الشجرة! إلى أين تفرون
هذا رسول الله صلى الله عليه وآله.
ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده فقال: اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت
المستعان، فنزل جبرئيل عليه السلام عليه فقال له يا رسول الله دعوت بما دعا به موسى
حين فلق الله له البحر ونجاه من فرعون ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي سفيان بن
الحارث ناولني كفا من حصى فناوله فرماه في وجوه المشركين ثم قال شاهت
الوجوه ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: " اللهم ان تهلك هذه العصابة لم تعبد وان
شئت ان لا تعبد لا تعبد " فلما سمعت الأنصار نداء العباس عطفوا وكسروا
جفون سيوفهم وهم يقولون لبيك ومروا برسول الله صلى الله عليه وآله واستحيوا ان
يرجعوا إليه ولحقوا بالراية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للعباس من هؤلاء يا أبا الفضل؟

(1) الطرب ككتف فرس النبي صلى الله عليه وآله ق
287

فقال يا رسول الله هؤلاء الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله الآن حمي الوطيس (1)
ونزل النصر من السماء وانهزمت هوازن فكانوا يسمعون قعقعة السلاح في الجو
وانهزموا في كل وجه وغنم الله رسوله أموالهم ونساءهم وذراريهم وهو قول
الله " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين ".
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ثم انزل الله سكينته
على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا) وهو
القتل (وذلك جزاء الكافرين) قال وقال رجل من بني نضر بن معاوية يقال له
شجرة بن ربيعة للمؤمنين وهو أسير في أيديهم أين الخيل البلق والرجال عليهم
الثياب البيض؟ فإنما كان قتلنا بأيديهم وما كنا نريكم فيهم إلا كهيئة الشامة قالوا
تلك الملائكة قوله (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد
الحرام بعد عامهم هذا وان خفتم علية فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء ان الله
عليم حكيم) وهي معطوفة على قوله " قل إن كان آباؤكم الآية " قوله (قاتلوا
الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا
يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم
صاغرون) حدثنا محمد بن عمير وقال حدثني إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي بن
مهزيار عن إسماعيل بن سهل عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قلت
لأبي عبد الله عليه السلام ما حد الجزية على أهل الكتاب وهل عليهم في ذلك شئ يوصف
لا ينبغي ان يجوز إلى غيره؟ فقال ذلك إلى الامام يأخذ من كل انسان منهم ما شاء
على قدر ماله ما يطيق إنما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا فالجزية
تؤخذ منهم ما يطيقون له أن يؤخذ منهم بها حتى يسلموا فان الله قال " حتى يعطوا
الجزية عن يد وهم صاغرون " (قلت ط) وكيف يكون صاغرا وهو لا يكترث
لما يؤخذ منه (قال ط) لا حتى يجد ذلا لما اخذ منه فيتألم لذلك فيسلم وفي رواية

(1) الوطيس التنوراى اشتدت الحرب ق.
288

أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من
دون الله والمسيح بن مريم) اما المسيح فعصوه وعظموه في أنفسهم حتى زعموا
انه إله وانه ابن الله وطائفة منهم قالوا ثالث ثلاثة وطائفة منهم قالوا هو الله واما
أحبارهم ورهبانهم فإنهم أطاعوهم واخذوا بقولهم واتبعوا ما أمروهم به ودانوا بهم
بما دعوهم إليه فاتخذوهم أربابا بطاعتهم لهم وتركهم ما امر الله وكتبه ورسله
فنبذوه وراء ظهورهم وما أمرهم به الأحبار والرهبان اتبعوه وأطاعوهم وعصموا
الله وإنما ذكر هذا في كتابنا لكي نتعظ بهم فعير الله بني إسرائيل بما صنعوا
يقول الله (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما
يشركون).
قال علي بن إبراهيم في قوله (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) فإنها نزلت في القائم من آل محمد
وهو الذي ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام
في قوله (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم
بعذاب اليم) فان الله حرم كنز الذهب والفضة وامر بانفاقه في سبيل الله وقوله
(يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم
لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) قال كان أبو ذر الغفاري يغدو كل يوم وهو
بالشام وينادي بأعلى صوته بشر أهل الكنوز بكي في الجباه وكي في الجنوب
وكي في الظهور ابدا حتى يتردد الحر في أجوافهم وقال علي بن إبراهيم في قوله
(ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات
والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم) فالآن يعد الحرم منها ذو القعدة
وذو الحجة والمحرم ثلاثة متواليات ورجب مفرد وحرم الله فيها القتال.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وقاتلوا المشركين
289

كافة) يقول جميعا كما يقاتلونكم كافة وقال علي بن إبراهيم في قوله (إنما النسئ زيادة في
الكفر الخ) فإنه كان سبب نزولها ان رجلا من كنانة كان يقف في الموسم فيقول قد أحللت دماء
الملحدين؟ من طي وخثعم في شهر المحرم وانسأته وحرمت بدله صفر فإذا كان العام المقبل
يقول قد أحللت صفر وانسأته وحرمت بدله شهر المحرم فأنزل الله " إنما النسئ زيادة في
الكفر - إلى قوله - زين لهم سوء اعمالهم " وقوله (الا تنصروه فقد نصره الله إذا خرجه الذين
كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) فإنه حدثني أبي عن بعض
رجاله رفعه إلى أبى عبد الله قال لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار قال لفلان كأني انظر إلى
سفينة جعفر في أصحابه يقوم في البحر وانظر إلى الأنصار محتسبين في أفنيتهم فقال فلان
وتراهم يا رسول الله قال نعم قال فارنيهم فمسح على عينيه فرآهم (فقال في نفسه الآن صدقت
انك ساحر ط) فقال له رسول الله أنت الصديق وقوله (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله
هي العليا) قول رسول الله صلى الله عليه وآله (والله عزيز حكيم) وقوله (انفروا خفافا وثقالا) قال شبابا
وشيوخا يعنى إلى غزوة تبوك وفى رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
(لو كان عرضا قريب) يقول غنيمة قريبة (لاتبعوك) وقال علي بن إبراهيم في قوله (ولكن
بعدت عليهم الشقة) يعني إلى تبوك وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يسافر سفرا أبعد منه ولا أشد
منه وكان سبب ذلك ان الصيافة كانوا يقدمون المدينة من الشام معهم الدرموك (1) والطعام
وهم الأنباط فأشاعوا بالمدينة ان الروم قد اجتمعوا يريدون غزوة رسول الله صلى الله عليه وآله في عسكر
عظيم وان هرقل قد سار في جنود رحلت معهم غسان وجذام (حزام ك) وبهراء (فهرا ك)
وعاملة وقد قدم عساكره البلقاء ونزل هو حمص، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه بالتهيؤ إلى
تبوك وهي من بلاد البلقاء وبعث إلى القبائل حوله والي مكة والى من أسلم من خزاعة ومزينة
وجهينة فحثهم على الجهاد، وامر رسول الله صلى الله عليه وآله بعسكره وضرب في ثنية الوداع وامر أهل
الجدة (2) ان يعينوا من لا قوة به ومن كان عنده شئ أخرجه وحملوا وقووا وحثوا على ذلك
وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بعد ان حمد الله واثنى عليه: " أيها الناس ان أصدق الحديث
كتاب الله وأولى القول كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم،

(1) البساط والثوب.
(2) اي الأغنياء.
290

وخير السنن سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن
وخير الأمور عزايمها وشر الأمور محدثاتها وأحسن الهدى الأنبياء،
وأشرف القتل قتل الشهداء، واعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الاعمال
ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من
اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر والهى، وشر المعذرة حين يحضر الموت
وشر الندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا نزرا (1) ومنهم
من لا يذكر الله إلا هجرا، ومن أعظم خطايا اللسان الكذب، وخير الغنى غنى
النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما القي في القلب
اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول (2) من جمر
جهنم، والسكر جمر النار والشعر من إبليس، والخمر جماع الاثم، والنساء حبائل
إبليس، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المآكل
اكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما
يصير أحدكم إلى موضع أربعة اذرع، والامر إلى آخره وملاك العمل خواتيمه
واربا الربى الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسق، وقتال
المؤمن كفر، واكل لحمه من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن توكل على
الله كفاه، ومن صبر ظفر، ومن يعف يعف الله عنه. ومن كظم الغيظ يأجره
الله، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يتبع السمعة يسمع الله به، ومن
يصم يضاعف الله له، ومن يعص الله يعذبه، اللهم اغفر لي ولامتي اللهم اغفر لي ولامتي
استغفر الله لي ولكم " قال فرغبوا الناس في الجهاد لما سمعوا هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله
وقدمت القبائل من العرب ممن استنفرهم، وقعد عنه قوم من المنافقين ولقي

(1) اي بطيئا.
(2) أي الخيانة
291

رسول الله الجد بن قيس (1) فقال له: يا أبا وهب! ألا تنفر معنا في هذه الغزاة؟
لعلك ان تستحفد (2) من بنات الأصغر (3) فقال يا رسول الله والله ان قومي
ليعلمون انه ليس فيهم أحد أشد عجبا بالنساء مني وأخاف ان خرجت معك ان
لا اصبر إذا رأيت بنات الأصفر فلا تفتني وائذن لي ان أقيم، وقال لجماعة من
قومه لا تخرجوا في الحر فقال ابنه: ترد على رسول الله صلى الله عليه وآله وتقول له ما تقول!
ثم تقول لقومك لا تنفروا في الحر والله لينزلن في هذا قرآنا تقرأه الناس إلى
يوم القيامة فأنزل الله على رسوله في ذلك (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني
ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين) ثم قال الجد بن القيس أيطمع
محمد ان حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع من هؤلاء أحد ابدا
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ان تصبك حسنة
تسوءهم وان تصبك مصيبة) اما الحسنة فالغنيمة والعافية واما المصيبة فالبلاء
والشدة (يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون قل لن يصيبنا إلا
ما كتب الله لنا هو مولينا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وقوله (قل هل تربصون
بنا إلا احدى الحسنيين) يقول الغنيمة والجنة إلى قوله (انا معكم متربصون)
ونزل أيضا في الجد بن قيس في رواية علي بن إبراهيم لما قال لقومه لا تخرجوا
في الحر (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا ان يجاهدوا بأموالهم
وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا
يفقهون - إلى قوله - وماتوا وهم فاسقون) ففضح الله الجد بن قيس وأصحابه
فلما اجتمع لرسول الله صلى الله عليه وآله الخيول رحل من ثنية الوداع وخلف أمير المؤمنين

(1) وفى ط الحر بن قيس وهو خطأ وإن كان كلاهما صحابيين غير ممدوحين لكن المراد هنا هو الجد
وفى قاموس الرجال ناقلا عن جماعة: انه يظن فيه النفاق وكل من حضر الحديبية بايع النبي صلى الله عليه وآله
الاجد بن قيس فإنه استتر تحت ناقة النبي ص (أقول) هذا عمله وذاك - أي الاستهزاء
برسول الله عند ذكره بنات الأصفر - قوله أبعد اللتيا والتي يبقى المجال ان يقال فيه " يظن فيه النفاق
(2) الاستحفاد والاستخدام (3) اسم أطلقه العرب على الغربيين لا سيما على اليونان والروم. ج. ز
292

عليه السلام على المدينة فأوجف المنافقون بعلي عليه السلام فقالوا ما خلفه الا تشأما به فبلغ
ذلك عليا فاخذ سيفه وسلاحه ولحق برسول الله صلى الله عليه وآله بالجرف، فقال له
رسول الله يا علي ألم أخلفك على المدينة؟ قال نعم ولكن المنافقين زعموا انك
خلفتني تشأما بي، فقال كذب المنافقون يا علي أما ترضى أن تكون أخي وانا
أخوك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وإن كان بعدي نبي لقلت أنت وأنت خليفتي في أمتي
وأنت وزيري وأخي في الدنيا والآخرة، فرجع علي عليه السلام إلى المدينة وجاء
البكاؤن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهم سبعة من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير
قد شهد بدرا لا اختلاف فيه ومن بنى واقف هدمي (هرمي ط مدعى ك) بن
عمير ومن بنى جارية علية بن زيد (يزيد خ ل) وهو الذي تصدق بعرضه وذلك أن
رسول الله صلى الله عليه وآله امر بصدقة فجعل الناس يأتون بها فجاء علية فقال
يا رسول الله والله ما عندي ما أتصدق به وقد جعلت عرضي حلا فقال له رسول الله
صلى الله عليه وآله قد قبل الله صدقتك ومن بني مازن بن النجار أبو ليلى عبد الرحمن بن
كعب ومن بني سلمة عمرو بن غنمة (عتمة ط) ومن بني زريق سلمة بن صخر
ومن بني العرياض ناصر بن سارية السلمي هؤلاء جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
يبكون فقالوا يا رسول الله ليس بنا قوة ان تخرج معك فأنزل الله فيهم (ليس على
الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا
لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذ ما أتوك
لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا
يجدوا ما ينفقون) قال وإنما سألوا هؤلاء البكاؤن نعلا يلبسونها ثم قال (إنما
السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء رضوا بان يكونوا مع الخوالف)
والمستأذنون ثمانون رجلا من قبائل شتى والخوالف النساء.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله (عفى الله عنك لم اذنت
293

لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) يقول تعرف أهل الغدر والذين
جلسوا بغير عذر وفي رواية علي بن إبراهيم قوله (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله
واليوم الآخر - إلى قوله - ما زادوكم إلا خبالا) اي وبالا (ولا وضعوا
خلالكم) أي يهربوا عنكم.
وتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوم من أهل ثبات وبصائر لم يكن يلحقهم شك
ولا ارتياب ولكنهم قالوا نلحق برسول الله صلى الله عليه وآله منهم أبو خثيمة وكان قويا
وكانت له زوجتان وعريشتان فكانت زوجتاه قد رشتا عريشتيه وبردتا له الماء
وهيئتا له طعاما، فأشرف على عريشته، فلما نظر اليهما قال والله، ما هذا بانصاف
رسول الله صلى الله عليه وآله فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قد خرج في
الصخ (1) والريح وقد حمل السلاح مجاهدا في سبيل الله وأبو خثيمة قوي قاعد
في عريشته وامرأتين حسناوتين لا والله ما هذا بانصاف ثم اخذ ناقته فشد عليها
رحله فلحق برسول الله صلى الله عليه وآله فنظر الناس إلى راكب على الطريق فأخبروا
رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كن أبا خثيمة، فاقبل وأخبر
النبي بما كان منه فجزاه خيرا ودعا له.
وكان أبو ذر رحمه الله تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة أيام وذلك أن
جمله كان أعجف (2) فلحق بعد ثلاثة أيام به ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه
وحمل ثيابه على ظهره فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله كن أبا ذر فقالوا هو أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أدركوه بالماء
فإنه عطشان فأدركوه بالماء ووافى أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه إداوة فيها ماء فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله يا أبا ذر معك ماء وعطشت؟ فقال نعم يا رسول الله بأبي أنت وأمي انتهيت

(1) الداهية.
(2) أي هزل
294

إلى صخرة وعليها ماء السماء فذقته فإذا هو عذب بارد، فقلت لا اشربه حتى يشربه
حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله: " يا أبا ذر أرحمك الله تعيش وحدك
وتموت وحدك وتبعث وحدك، وتدخل الجنة وحدك، يسعد بك قوم من أهل العراق
يتولون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك " فلما سير به عثمان إلى الربذة فمات بها
ابنه ذر، فوقف على قبره فقال رحمك الله يا ذر لقد كنت كريم الخلق بارا
بالوالدين وما علي في موتك من غضاضة وما بي إلى غير الله من حاجة، وقد شغلني
الاهتمام لك عن الاغتمام بك، ولولا هول المطلع لأحببت ان أكون مكانك، فليت
شعري ما قالوا لك وما قلت لهم، ثم رفع يده فقال: اللهم انك فرضت لك
عليه حقوقا وفرضت لي عليه حقوقا فاني قد وهبت له ما فرضت لي عليه من
حقوقي فهب له ما فرضت عليه من حقوقك فإنك أولى بالحق وأكرم مني.
وكانت لأبي ذر غنيمات يعيش هو وعياله منها فأصابها داء يقال له النقار (1)،
فماتت كلها فأصاب أبا ذر وابنته الجوع فماتت أهله، فقالت ابنته أصابنا الجوع
وبقينا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا فقال لي أبي يا بنية قومي بنا إلى الرمل نطلب القت
وهو نبت له حب فصرنا إلى الرمل فلم نجد شيئا فجمع أبي رملا ووضع رأسه
عليه ورأيت عينه قد انقلبت، فبكيت وقلت له يا أبت كيف اصنع بك وانا
وحيدة؟ فقال يا بنتي لا تخافي فاني إذا مت جاءك من أهل العراق من يكفيك
أمري، فإنه أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك. فقال يا أبا ذر
تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنة وحدك يسعد بك
أقوام من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك فإذا انا مت فمدي الكساء
على وجهي ثم اقعدي على طريق العراق فإذا اقبل ركب فقومي إليهم وقولي هذا
أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قد توفي، قال فدخل إليه قوم من أهل الربذة
فقالوا يا أبا ذر ما تشتكي؟ قال ذنوبي قالوا فما تشتهي؟ قال رحمة ربي قالوا فهل لك

(1) النقار كالغراب داء الماشية كالطاعون. ق
295

بطبيب؟ قال الطبيب أمرضني قالت ابنته فلما عاين؟ الموت سمعته يقول مرحبا بحبيب اتى
على فاقة لا أفلح من ندم اللهم خنقني خناقك فوحقك انك لتعلم اني أحب لقاءك
قالت ابنته فلما مات مددت الكساء على وجهه ثم قعدت على طريق العراق
فجاء نفر فقلت لهم يا معشر المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قد
توفي فنزلوا ومشوا يبكون فجاءوا فغسلوه وكفنوه ودفنوه وكان فيهم الأشتر
فروي أنه قال دفنته في حلة كانت معي قيمتها أربعة آلاف درهم فقالت ابنته فكنت
أصلي بصلاته وأصوم بصيامه فبينما انا ذات ليلة نائمة عند قبره إذ سمعته يتهجد
بالقرآن في نومي كما كان يتهجد به في حياته فقلت يا أبة ماذا فعل بك ربك؟
فقال يا بنية قدمت على رب كريم فرضي عني ورضيت عنه، وأكرمني وحباني
فاعملي فلا تغتري.
وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله بتبوك رجل يقال له المضرب من كثرة
ضرباته التي اصابته ببدر واحد، فقال له رسول الله عد لي أهل العسكر فعددهم
فقال هم خمسة وعشرون الف رجل سوى العبيد والتباع، فقال عد المؤمنين فعددهم
فقال هم خمسة وعشرون رجلا، وقد كان تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوم من المنافقين
وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق منهم كعب بن مالك الشاعر
ومرادة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي (الموافقى ط) فلما تاب الله عليهم قال كعب ما كنت
قط أقوى مني في ذلك الوقت الذي خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى تبوك وما اجتمعت
لي راحلتان قط إلا في ذلك اليوم وكنت أقول اخرج غدا اخرج بعد غد فاني
قوي وتوانيت وبقيت بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله أياما ادخل السوق فلا اقضي
حاجة فلقيت هلال بن أمية ومرادة بن الربيع وقد كانا تخلفا أيضا فتوافقنا ان
نبكر إلى السوق ولم نقض حاجة فما زلنا نقول نخرج غدا بعد غد حتى بلغنا اقبال
رسول الله فندمنا فلما وافى رسول الله صلى الله عليه وآله استقبلناه نهنئه بالسلامة فسلمنا
296

عليه فلم يرد علينا السلام واعرض عنا وسلمنا على اخواننا فلم يردوا علينا السلام
فبلغ ذلك أهلونا فقطعوا كلامنا وكنا نحضر المسجد فلا يسلم علينا أحد ولا
يكلمنا فجئن نساؤنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقلن قد بلغنا سخطك على أزواجنا
فتعتزلهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تعتزلنهم ولكن لا يقربوكن، فلما رأى
كعب بن مالك وصاحباه ما قد حل بهم قالوا ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله
صلى الله عليه وآله ولا اخواننا ولا أهلونا فهلموا نخرج إلى هذا الجبل فلا نزال
فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت، فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة فكانوا
يصومون وكان أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية ثم يولون عنهم فلا
يكلمونهم، فبقوا على هذا أياما كثيرة يبكون بالليل والنهار ويدعون الله ان
يغفر لهم فلما طال عليهم الامر، قال لهم كعب يا قوم قد سخط الله علينا
ورسوله قد سخط علينا وأهلونا واخواننا قد سخطوا علينا فلا يكلمنا أحد فلم
لا يسخط بعضنا على بعض؟ فتفرقوا في الليل وحلفوا ان لا يكلم أحد منهم صاحبه
حتى يموت أو يتوب الله عليه فبقوا على هذه ثلاثة أيام كل واحد منهم في ناحية
من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلمه فلما كان في الليلة الثالثة ورسول الله
صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة نزلت توبتهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله
(لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) قال
الصادق عليه السلام هكذا نزلت (1) وهو أبو ذر وأبو خثيمة وعمر بن وهب الذين
تخلفوا ثم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال في هؤلاء الثلاثة (وعلى الثلاثة الذين
خلفوا) فقال العالم (ع) إنما انزل " وعلى الثلاثة الذين خالفوا " ولو خلفوا لم

(1) وفي المصحف لفظة " على النبي والمهاجرين " مكان " بالنبي على
المهاجرين ". ج. ز
297

يكن عليهم عيب (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) حيث لم يكلمهم
رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أهلوهم فضاقت عليهم المدينة حتى خرجوا منها وضاقت
عليهم أنفسهم حيث حلفوا ان لا يكلم بعضهم بعضا فتفرقوا وتاب الله
عليهم لما عرف من صدق نياتهم، وقوله في المنافقين قل لهم يا محمد (انفقوا طوعا
أو كرها لن يتقبل منكم انكم كنتم قوما فاسقين - إلى قوله - وتزهق أنفسهم
وهم كافرون) وكانوا يحلفون لرسول الله صلى الله عليه وآله انهم مؤمنون فأنزل الله
(ويحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ
أو مغارات) يعني غارات في الجبال (أو مدخلا) قال موضعا يلتجئون إليه (لولوا
إليه وهم يجمحون) اي يعرضون عنكم وقوله (ومنهم من يلمزك في الصدقات فان
أعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) فإنها نزلت لما جاءت الصدقات
وجاء الأغنياء وظنوا ان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسمها بينهم فلما وضعها في الفقراء تغامزوا
رسول الله صلى الله عليه وآله ولمزوه وقالوا نحن الذين نقوم في الحرب ونغزو معه ونقوي امره ثم يدفع
الصدقات إلى هؤلاء الذين لا يعينونه ولا يغنون عنه شيئا فأنزل الله (ولو أنهم
رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله انا
إلى الله راغبون) ثم فسر الله الصدقات لمن هي وعلى من تجب فقال (إنما
الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين
وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) فأخرج الله من
الصدقات جميع الناس إلا هذه الثمانية الأصناف الذين سماهم الله، وبين الصادق
عليه السلام منهم فقال الفقراء هم الذين لا يسألون وعليهم مؤنات من عيالهم والدليل
على أنهم هم الذين لا يسألون قول الله في سورة البقرة " للفقراء الذين أحصروا
في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف
تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس الحافا " والمساكين هم أهل الزمانة من العميان
298

والعرجان والمجذومين وجميع الأصناف الزمني الرجال والنساء والصبيان " والعاملين
عليها " هم السعاة والجباة في اخذها وجمعها وحفظها حتى يردوها إلى من يقسها
" والمؤلفة قلوبهم " قوم وحدوا لله ولم تدخل المعرفة في قلوبهم من أن محمدا رسول الله
صلى الله عليه وآله، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتألفهم ويعلمهم كيما يعرفوا
فجعل الله لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) قال المؤلفة قلوبهم أبو سفيان
ابن حرب بن أمية وسهيل بن عمرو وهو من بني عامر بن لوي وهمام بن عمرو
واخوه وصفوان بن أمية بن خلف القرشي ثم الجشمي الجمحي والأقرع بن
حابس التميمي ثم عمر أحد بني حازم وعيينة بن حصين الفزاري ومالك بن عوف
وعلقمة بن علاقة، بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعطي الرجل منهم مائة من
من الإبل ورعاتها وأكثر من ذلك وأقل، رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم في قوله
" وفي الرقاب " قوم قد لزمهم كفارات في قتل الخطأ وفي الظهار وقتل الصيد في
الحرم وفي الايمان وليس عندهم ما يكفرون وهم مؤمنون فجعل الله لهم منها سهما
في الصدقات ليكفر عنهم " والغارمين " قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في
طاعة الله من غير اسراف فيجب على الامام ان يقضي ذلك عنهم ويفكهم من مال
الصدقات " وفي سبيل الله " قوم يخرجون في الجهاد وليس عندهم ما ينفقون،
أو قوم من المسلمين ليس عندهم ما يحجون به أو في جميع سبل الخير فعلى الامام
ان يعطيهم من مال الصدقات حتى ينفقوا به على الحج والجهاد و " ابن السبيل "
أبناء الطريق الذين يكونون في الاسفار في طاعة الله فيقطع عليهم ويذهب ما لهم
فعلى الامام ان يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات، والصدقات تتجزى ثمانية
اجزاء فيعطى كل انسان من هذه الثمانية على قدر ما يحتاجون إليه بلا اسراف
ولا تقتير يقوم في ذلك الامام يعمل بما فيه الصلاح.
299

وقوله (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) فإنه كان سبب
نزولها ان عبد الله بن نفيل كان منافقا وكان يقعد لرسول الله صلى الله عليه وآله فيسمع
كلامه وينقله إلى المنافقين وينم عليه، فنزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
يا محمد ان رجلا من المنافقين ينم عليك وينقل حديثك إلى المنافقين، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله من هو؟ فقال الرجل الأسود الكثير شعر الرأس ينظر بعينين
كأنهما قدران وينطق بلسان شيطان، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره فخلف انه
لم يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قد قبلت منك فلا تقعد فرجع إلى أصحابه فقال إن
محمدا أذن اخبره الله انى انم عليه وانقل اخباره فقبل وأخبرته اني لم افعل
ذلك فقبل فأنزل الله على نبيه " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن
خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين " اي يصدق الله فيما يقول له ويصدقك
فيما تعتذر إليه في الظاهر ولا يصدقك في الباطن وقوله " ويؤمن للمؤمنين " يعني
المقرين بالايمان من غير اعتقاد وقوله (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) فإنها نزلت
في المنافقين الذين كانوا يحلفون للمؤمنين انهم منهم لكي يرضى عنهم المؤمنين فقال
الله (والله ورسوله أحق ان يرضوه ان كانوا مؤمنين) وقوله (يحذر المنافقون ان
تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزؤا ان الله مخرج ما تحذرون)
قال كان قوم من المنافقين لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى تبوك كانوا يتحدثون
فيما بينهم ويقولون أيرى محمد ان حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع منهم أحد
ابدا، فقال بعضهم ما أخلفه ان يخبر الله محمدا بما كنا فيه وبما في قلوبنا وينزل
عليه بهذا قرآنا يقرأه الناس وقالوا هذا على حد الاستهزاء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
لعمار بن ياسر الحق القوم فإنهم قد احترقوا فلحقهم عمار فقال ما قلتم قالوا ما قلنا
شيئا إنما كنا نقول شيئا على حد اللعب والمزاح فأنزل الله (ولئن سألتهم ليقولن
إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد
كفرتم بعد ايمانكم ان نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله " لا تعتذروا قد
كفرتم بعد ايمانكم " قل هؤلاء قوم كانوا مؤمنين صادقين ارتابوا وشكوا
300

ونافقوا بعد ايمانهم وكانوا أربعة نفر وقوله " ان نعف عن طائفة منكم " كان
أحد الأربعة محتبر (نحشى ط) بن الحمير واعترف وناب وقال يا رسول الله أهلكني اسمي
فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله بن عبد الرحمن فقال يا رب اجعلني شهيد حيث لا يغلم
أحد أين انا فقتل يوم اليمامة ولم يعلم أحد أين قتل فهو الذي عفى الله عنه قال علي بن
إبراهيم ذكر المنافقين فقال (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض - إلى قوله -
ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) فإنه محكم ثم ذكر المؤمنين فقال (وعد الله
المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) الآية محكمة وقوله (يا أيها
النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) قال إنما نزلت " يا أيها النبي جاهد
الكفار بالمنافقين " لان النبي صلى الله عليه وآله لم يجاهد المنافقين بالسيف. قال حدثني أبي
عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال جاهد الكفار والمنافقين
بالزام الفرائض وقوله (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا
بعد اسلامهم) قال نزل في الذين تحالفوا في الكعبة ألا يردوا هذا الامر في بني
هاشم فهي كلمة الكفر ثم قعدوا لرسول الله صلى الله عليه وآله في العقبة وهموا بقتله
وهو قوله " وهموا بما لم ينالوا " حدثنا (1) أحمد بن الحسن التاجر قال حدثنا الحسن بن
علي بن عثمان الصوفي قال حدثنا زكريا بن محمد عن محمد بن علي عن جعفر بن محمد
عليهما السلام قال: لما أقام رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين يوم غدير خم كان بحذائه
سبعة نفر من المنافقين وهم فلان وفلان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي
وقاص وأبو عبيدة وسالم مولى أبى حذيفة والمغيرة بن شعبة قال الثاني اما ترون عينه
كأنما عينا مجنون يعنى النبي الساعة يقوم ويقول قال لي ربى فلما قام قال أيها الناس
من أولى بكم من أنفسكم قالوا الله ورسوله قال اللهم فاشهد ثم قال الا من كنت مولاه
فعلى مولاه وسلموا عليه بإمرة المؤمنين فنزل جبرئيل واعلم رسول الله بمقالة القوم
فدعاهم وسألهم فأنكروا وحلفوا فأنزل الله (يحلفون بالله ما قالوا الخ) ثم ذكر البخلاء
وسماهم منافقين وكاذبين فقال (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله - إلى قوله أخلفوا
الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر ع قال هو ثعلبة بن خاطب بن

(1) هذه الرواية واردة في الصافي بعينها ج ز
301

عمرو بن عوف كان محتاجا فعاهد الله فلما آتاه الله بخل به، ثم ذكر المنافقين فقال
(ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجويهم وان الله علام الغيوب) واما قوله (الذين
يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون
منهم) فجاء سالم بن عمير الأنصاري بصاع من تمر فقال يا رسول الله كنت ليلتي
أجيرا لجرير حتى نلت صاعين تمرا اما أحدهما فأمسكته واما الآخر فاقرضه ربي،
فامر رسول الله صلى الله عليه وآله ان ينثره في الصدقات، فسخر منه المنافقون وقالوا والله
ان الله يغني عن هذا الصاع ما يصنع الله بصاعه شيئا ولكن أبا عقيل أراد ان
يذكر نفسه ليعطى من الصدقات فقال: (سخر الله منهم ولهم عذاب اليم) قوله
(استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) قال
علي بن إبراهيم انها نزلت لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة ومرض عبد الله
ابن أبي وكان ابنه عبد الله بن عبد الله مؤمنا فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأبوه
يجود بنفسه فقال يا رسول الله بأبي أنت وأمي انك ان لم تأت أبي كان ذلك عارا
علينا، فدخل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله والمنافقون عنده، فقال ابنه عبد الله بن
عبد الله يا رسول الله استغفر له فاستغفر له، فقال الثاني ألم ينهك الله يا رسول الله
ان تصلى عليهم أو تستغفر لهم فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله فأعاد عليه فقال له
ويلك انى خيرت فاخترت ان الله يقول " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر
لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " فلما مات عبد الله جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله ان رأيت أن تحضر جنازته فحضره رسول الله
صلى الله عليه وآله وقام على قبره فقال له الثاني يا رسول الله ألم ينهك الله ان
تصلي على أحد منهم مات ابدا وان تقوم على قبره؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله
ويلك وهل تدري ما قلت؟ إنما قلت اللهم احش قبره نارا وجوفه نارا واصله النار،
فبدا من رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يكن يحب.
قال ولما قدم النبي صلى الله عليه وآله من تبوك كان أصحابه المؤمنون يتعرضون
للمنافقين ويؤذونهم وكانوا يحلفون لهم انهم على الحق وليس هم بمنافقين لكي
302

يعرضوا عنهم ويرضوا عنهم فأنزل الله (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا الجزء (11)
عنهم فاعرضوا عنهم انهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون
لكم لترضوا عنهم فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) ثم وصف
الاعراب فقال (الاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ان لا يعلموا حدود ما انزل
الله على رسوله والله عليم حكيم ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مفرما ويتربص
بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر)
ثم ذكر السابقين فقال (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) وهم النقباء
أبو ذر والمقداد وسلمان وعمار ومن آمن وصدق وثبت على ولاية أمير المؤمنين
عليه السلام (والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري
من تحتها الأنهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم) وقوله (وآخرون اعترفوا
بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور
رحيم) نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لما حاصر بني
قريظة قالوا له ابعث الينا أبا لبابة نستشيره في أمرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
يا أبا لبابة ائت حلفاءك ومواليك فأتاهم فقالوا له يا أبا لبابة ما ترى تنزل على حكم
محمد؟ فقال أنزلوا واعلموا ان حكمه فيكم هو الذبح وأشار إلى حلقه ثم ندم على
ذلك، فقال خنت الله ورسوله ونزل من حصنهم ولم يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
ومر إلى المسجد وشد في عنقه حبلا ثم شده إلى الأسطوانة التي تسمى أسطوانة
التوبة وقال لا أحله حتى أموت أو يتوب الله علي، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
اما لو اتانا لاستغفرنا الله له، فاما إذا قصد إلى ربه فالله أولى به، وكان
أبو لبابة يصوم النهار ويأكل بالليل ما يمسك به رمقه فكانت ابنته تأتيه بعشائه
وتحله عند قضاء الحاجة فلما كان بعد ذلك ورسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة
نزلت توبته فقال يا أم سلمة، قد ناب الله على أبي لبابة، فقالت يا رسول الله
303

أفأوذنه بذلك؟ فقال لتفعلن، فأخرجت رأسها من الحجرة، فقالت يا أبا لبابة
ابشر لقد تاب الله عليك، فقال الحمد لله فوثب المسلمون ليحلوه فقال لا والله
حتى يحلني رسول الله فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا أبا لبابة قد تاب الله عليك
توبة لو ولدت من أمك يومك هذا لكفاك، فقال يا رسول الله أفأتصدق بمالي
كله؟ قال لا قال فبثلثيه قال لا قال فبنصفه قال لا قال فبثلثه قال نعم فأنزل الله
(وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم
ان الله غفور رحيم خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان
صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ألم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده
ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم)
حدثني أبي عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (وقل
اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) المؤمنون ههنا الأئمة الطاهرون
صلوات الله عليهم وعن محمد بن الحسن الصفار عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن اعمال؟
العباد تعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله كل صباح ابرارها وفجارها فاحذروا فليستحيي
أحدكم ان يعرض على نبيه العمل القبيح، وعنه صلوات الله عليه وآله قال ما من
مؤمن يموت أو كافر يوضع في قبره حتى يعرض عمله على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى
أمير المؤمنين عليه السلام وهلم جرا إلى آخر من فرض الله طاعته فذلك قوله " وقل اعملوا
فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " واما قوله (وآخرون مرجون لامر الله اما يعذبهم
واما يتوب عليهم) قال فإنه حدثني أبي عن يحيى بن أبي عمران عن يونس عن أبي
الطيار قال قال أبو عبد الله عليه السلام المرجون لامر الله قوم كانوا مشركين قتلوا
حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ثم دخلوا بعد ذلك في الاسلام فوحدوا الله
وتركوا الشرك ولم يعرفوا الايمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنة
ولم يكونوا على جحودهم فتجب لهم النار فهم على تلك الحالة مرجون لامر الله
304

اما يعذبهم واما يتوب عليهم وقوله (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا)
فإنه كان سبب نزولها انه جاء قوم من المنافقين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا
يا رسول الله أتأذن لنا ان نبني مسجدا في بني سالم للعليل والليلة المطيرة والشيخ
الفاني فاذن لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على الخروج إلى تبوك فقالوا يا رسول الله
لو أتيتنا فصليت فيه قال صلى الله عليه وآله انا على جناح السفر فإذا وافيت إن شاء الله اتيته
فصليت فيه فلما اقبل رسول الله صلى الله عليه وآله من تبوك نزلت عليه هذه الآية في شأن
المسجد وأبي عامر الراهب وقد كانوا حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله انهم يبنون ذلك
للصلاح والحسنى فأنزل الله على رسوله (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا
وتفريقا بين المؤمنين وارصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل) يعني أبا عامر الراهب
كان يأتيهم فيذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه (وليحلفن ان أرادنا إلا الحسنى
والله يشهد انهم لكاذبون لا تقم فيه ابدا لمسجد أسس على التقوى من أول
يوم) يعني مسجد قبا (أحق ان تقوم فيه فيه رجال يحبون ان يتطهروا والله
يحب المتطهرين) قال كانوا يتطهرون بالماء وقوله (أفمن أسس بنيانه على تقوى
من الله ورضوان خير من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم
والله لا يهدى القوم الظالمين) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال
مسجد ضرار الذي " أسس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم " قال علي
ابن إبراهيم قوله (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلى أن تقطع قلوبهم)
إلى في موضع حتى تنقطع قلوبهم (والله عليم حكيم) فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله
مالك بن الدجشم (دجشم خ ل) الخزاعي وعامر بن عدي أخا بني عمرو بن
عوف على أن يهدموه ويحرقوه فجاء مالك فقال لعامر انتظرني حتى اخرج نارا
من منزلي فدخل فجاء بنار واشعل في سعف النخل ثم اشعله في المسجد فتفرقوا
وقعد زيد ابن حارثة حتى احترقت البلية ثم امر بهدم حايطه.
305

واما قوله (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة)
قال نزلت في الأئمة فالدليل على أن ذلك فيهم خاصة حين مدحهم وحلاهم ووصفهم
بصفة لا يجوز في غيرهم فقال (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون
الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله)
فالآمرون بالمعروف هم الذين يعرفون المعروف كله صغيره وكبيره ودقيقه وجليه
والناهون عن المنكر هم الذين يعرفون المنكر كله صغيره وكبيره والحافظون لحدود
الله هم الذين يعرفون حدود الله صغيرها وكبيرها ودقيقها وجليها ولا يجوز أن يكون
بهذه الصفة غير الأئمة عليهم السلام قال حدثني أبي عن بعض رجاله قال لقي
الزهري علي بن الحسين عليه السلام في طريق الحج فقال له يا علي بن الحسين تركت الجهاد
وصعوبته وأقبلت على الحج ولينته ان الله يقول " ان الله اشترى من المؤمنين
أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه
حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا
ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " قال له علي بن الحسين انهم الأئمة
فقال " التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون
بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين " فقال علي
ابن الحسين عليه السلام إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج
وقوله (ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى)
اي ولو كانوا قراباتهم وقوله (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة
وعدها إياه) قال إبراهيم لأبيه ان لم تعبد الأصنام استغفرت لك فلما لم يدع
الأصنام تبرأ منه إبراهيم (ان إبراهيم لاواه حليم) اي دعاء، وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال الأواه المتضرع إلى الله في صلاته وإذا خلا
في قفرة في (من خ ل) الأرض وفي الخلوات.
306

وقوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) يقول كونوا
مع علي بن أبي طالب وآل محمد عليهم السلام والدليل على ذلك قول الله " من
المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه " فهو حمزة " ومنهم
من ينتظر " وهو علي بن أبي طالب عليه السلام يقول الله " وما بدلوا تبديلا " وقال
الله تعالى " اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " وهم آل محمد عليهم السلام قال علي
ابن إبراهيم في قوله " يا أيها آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " هم الأئمة عليهم
السلام وهو معطوف على قوله " وبشر المؤمنين " وقوله (ما كان لأهل المدينة
ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه
ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ) أي عطش (ولا نصب) أي عناء (ولا مخمصة في سبيل
الله) أي جوع (ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار) يعني لا يدخلون بلاد الكفار
(ولا ينالون من عدو نيلا) يعني قتلا وأسرا (إلا كتب لهم به عمل صالح ان
الله لا يضيع اجر المحسنين) وقوله (ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا
يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون) قال كلما فعلوا
من ذلك لله جازاهم الله عليه وقوله (ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من
كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) يعني
إذا بلغهم وفاة الامام يجب ان يخرج من كل بلاد فرقة من الناس ولا يخرجوا
كلهم كافة ولم يفرض الله ان يخرج الناس كلهم فيعرفوا خبر الامام ولكن يخرج
طائفة ويؤدوا ذلك إلى قومهم (لعلهم يحذرون) كي يعرفوا اليقين وقوله (يا أيها
الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) قال يجب على كل
قوم ان يقاتلوا الذين من يليهم ممن يقرب من بلادهم من الكفار ولا يجوزوا
ذلك الموضع والغلظة اي غلظوا لهم القول والقتل وقوله (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم
من يقول أيكم زادته هذه ايمانا فاما الذين آمنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون
307

واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) اي شكا إلى شكهم فهو
رد على من يزعم أن الايمان لا يزيد ولا ينقص ومثله في سورة الأنفال في قوله
" إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم
إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " ومثله كثير مما حكى الله من زيادة الايمان وقوله
أو لا يرون انهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) أي يمرضون (ثم لا يتوبون
ولا هم يذكرون) وقوله (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض) يعني
المنافقين (ثم انصرفوا) اي تفرقوا (صرف الله قلوبهم) عن الحق إلى الباطل باختيارهم
الباطل على الحق ثم خاطب الله عز وجل الناس واحتج عليهم برسول الله فقال:
(لقد جاءكم رسول من أنفسكم) اي مثلكم في الخلقة ويقرأ من أنفسكم (1) أي
أشرفكم (عزيز عليه ما عنتم) أي أنكرتم وجحدتم (حريص عليكم بالمؤمنين
رؤوف رحيم) ثم عطف بالمخاطبة على النبي صلى الله عليه وآله (فان تولوا) يا محمد عما
تدعوهم إليه (فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)
سورة يونس مكية
مأة وعشر آية
(بسم الله الرحمن الرحيم الر تلك آيات الكتاب الحكيم) قال الر هو
حرف من حروف الاسم الأعظم المنقطع في القرآن فإذا الفه الرسول أو الامام
فدعا به أجيب ثم قال: (أكان للناس عجبا ان أوحينا إلى رجل منهم) يعني
رسول الله صلى الله عليه وآله (أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا ان لهم قدم صدق عند
ربهم) قال فحدثني أبي عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن

(1) اي بناءا على افعل التفضيل من النفاسة. ج ز
308

أبي عبد الله عليه السلام في قوله " قدم صدق عند ربهم " قال هو رسول الله صلى الله عليه وآله
قوله (ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش
- إلى قوله - لآيات لقوم يتقون) فإنه محكم وقوله (ان الذين لا يرجون لقاءنا)
اي لا يؤمنون به (ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون)
قال الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين
عليه السلام " ما لله آية أكبر مني " وقوله (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم
ربهم بايمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها) اي تسبيحهم
في الجنة (سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلم) قال بعضهم لبعض وقوله (ولو يعجل
الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم اجلهم) قال لو عجل الله لهم الشر كما
يستعجلون الخير لقضي إليهم اجلهم أي يفرغ من اجلهم قوله (وإذا مس الانسان
الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر
مسه) قال دعانا لجنبه العليل الذي لا يقدر ان يجلس أو قاعدا الذي لا يقدر ان
يقوم أو قائما قال الصحيح وقوله " فلما كشفنا عنه ضره مر كان لم يدعنا إلى
ضر مسه " اي ترك ومر ونسي كان لم يدعنا إلى ضر مسه وقوله (ولقد أهلكنا
القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات) يعني عادا وثمود ومن
أهلكه الله ثم قال (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون)
يعني حتى نرى فوضع النظر مكان الرؤية وقوله (وإذا تتلي عليهم آياتنا بينات
قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي ان أبدله
من تلقاء نفسي ان اتبع إلا ما يوحى إلي) فان قريشا قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله
ائتنا بقرآن غير هذا فان هذا شئ تعلمته من اليهود والنصارى قال الله (قل لهم
لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا
تعقلون) اي لقد لبثت فيكم أربعين سنة قبل ان يوحي إلي لم آتكم بشئ منه
309

حتى أوحي إلي واما قوله " أو بدله " فإنه أخبرني الحسن بن علي عن أبيه عن
حماد بن عيسى عن أبي السفاتج عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: ائت بقرآن غير
هذا أو بدله يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قل ما يكون لي ان أبدله
من تلقاء نفسي ان اتبع إلا ما يوحى إلي يعني في علي بن أبي طالب أمير المؤمنين
عليه السلام قال علي بن إبراهيم في قوله (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم
ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) قال كانت قريش يعبدون الأصنام ويقولون
إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى فانا لا نقدر على عبادة الله فرد الله عليهم فقال
قل لهم يا محمد (أتنبئون الله بما لا يعلم) اي ليس فوضع حرفا مكان حرف اي
ليس له شريك يعبد وقوله (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا) اي على
مذهب واحد (ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم) اي كان ذلك في علم الله
السابق ان يختلفوا ويبعث فيهم الأنبياء والأئمة من بعد الأنبياء ولولا ذلك
لهلكوا عند اختلافهم.
قوله: (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات
الأرض مما يأكل الناس والانعام حتى إذا اخذت الأرض زخرفها وازينت وظن
أهلها انهم قادرون عليها اتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن
بالأمس) فإنه حدثني أبي عن محمد بن الفضيل عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال
قلت له جعلت فداك بلغنا ان لآل جعفر راية ولآل العباس رايتين فهل انتهى
إليك من علم ذلك شئ؟ قال اما آل جعفر فليس بشئ ولا إلى شئ واما آل
العباس فان لهم ملكا مبطنا يقربون فيه البعيد ويبعدون فيه القريب وسلطانهم
عسر ليس يسر حتى إذا امنوا مكر الله وامنوا عقابه صيح فيهم صيحة لا يبقى
لهم منال يجمعهم ولا (رجال تمنعهم ك) وهو قول الله حتى إذا اخذت الأرض
زخرفها الآية، قلت جعلت فداك فمتى يكون ذلك قال اما انه لم يوقت لنا فيه
310

وقت ولكن إذا حدثناكم بشئ فكان كما نقول فقولوا صدق الله ورسوله وإن كان
بخلاف ذلك فقولوا صدق الله ورسوله تؤجروا مرتين ولكن إذا اشتدت
الحاجة والفاقة وانكر الناس بعضهم بعضا فعند ذلك توقعوا هذا الامر صباحا
أو مساءا، فقلت جعلت فداك الحاجة والفاقة قد عرفناهما فما انكار الناس بعضهم
بعضا قال يأت الرجل أخاه في حاجة فيلقاه بغير الوجه الذي كان يلقاه فيه ويكلمه بغير
الكلام الذي كان يكلمه قوله (والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء
إلى صراط مستقيم) يعنى الجنة قوله (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قال النظر
إلى وجه الله عز وجل (1) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فاما الحسنى الجنة واما الزيادة فالدنيا ما أعطاهم الله
في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة ويجمع ثواب الدنيا والآخرة ويثيبهم بأحسن
اعمالهم في الدنيا والآخرة يقول الله (ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك
أصحاب الجنة هم فيها خالدون) قال علي بن إبراهيم في قوله ولا يرهق وجوههم
قتر ولا ذلة القتر الجوع والفقر والذلة الخوف.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (والذين كسبوا
السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم) قال هؤلاء
أهل البدع والشبهات والشهوات يسود الله وجوههم ثم يلقونه يقول الله (كأنما
أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) يسود الله وجوههم يوم القيامة ويلبسهم
الذل والصغار يقول الله (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) قال علي بن
إبراهيم في قوله (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم

(1) اي إلى نور وجه الله عز وجل كما في الدعاء: بنور وجهك الذي أضاء
له كل شئ. ج. ز
311

فزيلنا بينهم) قال يبعث الله نارا تزيل بين الكفار والمؤمنين قوله (هنالك تبلو
كل نفس ما أسلفت) اي تتبع ما قدمت (وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم
ما كانوا يفترون) اي بطل عنهم ما كانوا يفترون وقوله (قل من يرزقكم من السماء
والأرض - إلى قوله - وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) فإنه
محكم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (أفمن يهدي إلى الحق
أحق ان يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لما لكم كيف تحكمون) فاما من يهدي
إلى الحق فهم محمد وآل محمد من بعده واما من لا يهدي إلا أن يهدى فهو من
خالف من قريش وغيرهم أهل بيته من بعده، وقال علي بن إبراهيم في قوله (بل
كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله) اي لم يأتهم تأويله (كذلك كذب
الذين من قبلهم) قال نزلت في الرجعة كذبوا بها اي انها لا تكون ثم قال:
(ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك اعلم بالمفسدين) وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله ومنهم من لا يؤمن به وفهم أعداء محمد
وآل محمد من بعده " وربك اعلم بالمفسدين " والفساد المعصية لله ولرسوله.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (وان كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم
- إلى قوله - ما كانوا مهتدين) فإنه محكم ثم قال (واما نرنيك - يا محمد - بعض
الذي نعدهم) من الرجعة وقيام القائم (أو نتوفينك) قبل ذلك (فالينا مرجعهم
ثم الله شهيد على ما يفعلون) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
(قل أرأيتم ان اتاكم عذابه بياتا) يعني ليلا (أو نهارا ماذا يستعجل منه
المجرمون) فهذا عذاب ينزل في آخر الزمان على فسقة أهل القبلة وهم يجحدون
نزول العذاب عليهم قال علي بن إبراهيم في قوله (أثم إذا ما وقع آمنتم به) اي
صدقتم في الرجعة فيقال لهم (الآن) تؤمنون يعني بأمير المؤمنين عليه السلام (وقد
كنتم به تستعجلون ثم قيل للذين ظلموا) آل محمد حقهم (ذوقوا عذاب الخلد
312

هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون) ثم قال (ويستنبئونك) يا محمد أهل مكة في
علي (أحق هو) اي امام (قل اي وربي انه لحق) امام ثم قال (ولو أن لكل
نفس ظلمت) آل محمد حقهم (ما في الأرض جميعا لافتدت به) في ذلك الوقت
يعني الرجعة وقوله (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم
لا يظلمون) حدثني محمد بن جعفر قال حدثني محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسين
عن صالح بن أبي عمار عن الحسن بن موسى الخشاب عن رجل عن حماد بن
عيسى عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن قول الله تبارك وتعالى:
(وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) قال قيل له ما ينفعهم اسرار الندامة وهم في
العذاب؟ قال كرهوا شماتة الأعداء وقوله (ألا ان لله ما في السماوات والأرض
ألا ان وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون هو يحيى ويميت واليه ترجعون)
فإنه محكم رجع إلى رواية علي بن إبراهيم بن هاشم قال ثم قال: (يا أيها الناس قد
جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) قال
رسول الله صلى الله عليه وآله والقرآن ثم قال قل لهم يا محمد (بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا
هو خير مما يجمعون) قال: الفضل رسول الله صلى الله عليه وآله، ورحمته أمير المؤمنين
عليه السلام فبذلك فليفرحوا، قال فليفرح شيعتنا هو خير مما أعطوا أعداؤنا من الذهب
والفضة وقوله (قل أرأيتم ما انزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا
قل آلله اذن لكم أم على الله تفترون) وهو اما أحلته وحرمته أهل الكتاب بقوله
" وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا " وقوله
" وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا.. الآية " فاحتج الله عليهم
فقال قل لهم " آلله اذن لكم أم على الله تفترون " واما قوله (وما تكون في شأن
وما تتلو منه من قرآن) مخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله (ولا تعملون من عمل إلا
كنا عليكم شهودا) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قرأ هذه الآية بكى بكاءا
313

شديدا، ومعنى قوله وما تكون في شأن اي في عمل نعمله خيرا أو شرا
(وما يعزب عن ربك) اي لا يغيب عنه (من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء
ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) وقوله (الذين آمنوا) اي
صدقوا (وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل
لكلمات الله) قال البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الحسنة يراها المؤمن وفي الآخرة عند
الموت وهو قول الله " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا
الجنة " وقوله " لا تبديل لكلمات الله " أي لا تغير الإمامة والدليل على أن
الكلمات الإمامة قوله " وجعلها كلمة باقية في عقبه " يعني الإمامة وقوله (ولا
يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا وهو السميع العليم - إلى قوله - بما كانوا
يكفرون) فإنه محكم وقوله (واتل عليهم) مخاطبة لمحمد صلى لله عليه وآله (نبأ نوح) اي خبر
نوح (إذا قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى
الله توكلت فاجمعوا امركم وشركاءكم) الذين تعبدون (ثم لا يكن امركم عليكم
غمة) اي لا تغتموا (ثم اقضوا إلي) اي ادعوا علي (ولا تنظرون).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وقال موسى يا قوم
ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا
لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) فان قوم موسى استعبدهم آل فرعون وقالوا لو كان
لهؤلاء على الله كرامة كما يقولون ما سلطنا عليهم فقال موسى لقومه يا قوم ان
كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا
لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين وقال علي بن
إبراهيم في قوله (وأوحينا إلى موسى وأخيه ان تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا
بيوتكم قبلة) يعني بيت المقدس حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا جعفر بن محمد بن
مالك عن عباد بن يعقور (معقودك يعقوب ط عن محمد بن يعفور) عن أبي جعفر

(بن ك) الأحول عن منصور
314

عن أبي إبراهيم عليه السلام قال لما خافت بنو إسرائيل جبابرتها أوحى الله إلى موسى
وهارون عليهما السلام ان تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة قال
أمروا ان يصلوا في بيوتهم وقال علي بن إبراهيم في قوله (وقال موسى ربنا انك
آتيت فرعون وملئه زينة) أي ملكا (وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا
عن سبيلك) اي يفتنوا الناس بالأموال والعطايا ليعبدوه ولا يعبدوك (ربنا
اطمس على أموالهم) اي أهلكها (واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا
العذاب الأليم) فقال الله عز وجل (قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان
سبيل الذين لا يعلمون) اي لا تتبعا طريق فرعون وأصحابه.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وجاوزنا
ببني إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا - إلى قوله - وانا من
المسلمين) فان بني إسرائيل قالوا يا موسى ادع الله ان يجعل لنا مما نحن فيه فرجا
فدعا فأوحى الله إليه ان سر بهم، قال يا رب البحر امامهم، قال امض فاني آمره
ان يطيعك وينفرج لك، فخرج موسى ببني إسرائيل واتبعهم فرعون حتى إذا
كاد ان يلحقهم ونظروا إليه وقد أظلهم، قال موسى للبحر انفرج لي، قال ما كنت
لافعل وقال بنو إسرائيل لموسى غررتنا وأهلكتنا فليتك تركتنا يستعبدنا آل
فرعون ولم نخرج الآن نقتل قتلة، قال كلا ان معي ربي سيهدين واشتد على
موسي ما كان يصنع به عامة قومه وقالوا يا موسى انا لمدركون، زعمت أن
البحر ينفرج لنا حتى نمضي ونذهب وقد رهقنا فرعون وقومه وهم هؤلاء تراهم قد
دنوا منا، فدعا موسى ربه فأوحى الله إليه ان اضرب بعصاك البحر فضربه، فانفلق
البحر فمضى موسى وأصحابه حتى قطعوا البحر وأدركهم آل فرعون، فلما نظروا
إلى البحر قالوا لفرعون ما تعجب مما ترى؟ قال انا فعلت هذا فمروا وامضوا فيه،
فلما توسط فرعون ومن معه امر الله البحر فانطبق فغرقهم أجمعين، فلما
315

أدرك فرعون الغرق (قال آمنت انه إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وانا
من المسلمين) يقول الله (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) يقول
كنت من العاصين (فاليوم ننجيك ببدنك) قال إن قوم فرعون ذهبوا أجمعين
في البحر فلم ير منهم أحد هووا في البحر (إلا هوى بجسمه) إلى النار واما فرعون
فنبذه الله وحده فألقاه بالساحل لينظروا إليه وليعرفوه ليكون لمن خلفه آية ولئلا
يشك أحد في هلاكه وانهم كانوا اتخذوه ربا فأراهم الله إياه جيفة ملقاة بالساحل
ليكون لمن خلفه عبرة وعظة يقول الله (وان كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون).
وقال علي بن إبراهيم قال الصادق عليه السلام ما اتى جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله
إلا كئيبا حزينا ولم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون فلما امره الله بنزول
هذه الآية " الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " نزل عليه وهو ضاحك
مستبشر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله ما اتيتني يا جبرئيل إلا وتبينت الحزن في
وجهك حتى الساعة، قال يا محمد لما أغرق الله فرعون قال آمنت انه لا إله إلا الله
الذي آمنت به بنو إسرائيل وانا من المسلمين، فأخذت حماة (1) فوضعتها في فيه ثم
قلت له الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، وعملت ذلك من غير امر
الله خفت ان تلحقه الرحمة من الله ويعذبني على ما فعلت فلما كان الآن وأمرني
الله ان أؤدي إليك ما قلته انا لفرعون امنت وعلمت ان ذلك كان لله رضى
وقوله (فاليوم ننجيك ببدنك) فان موسى عليه السلام اخبر بني إسرائيل ان الله قد
أغرق فرعون فلم يصدقوه فامر الله البحر فلفظ به على ساحل البحر حتى رأوه
ميتا وقوله (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) قال ردهم إلى مصر وغرق
فرعون وقوله (فان كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب
من قبلك) يعني الأنبياء حدثني أبي عن عمرو (عمران ط) بن سعيد الراشدي عن ابن
مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله إلى السماء فأوحى

(1) الطين الأسود المنتن. ق
316

الله إليه في علي صلوات الله عليه ما أوحى ما يشاء من شرفه وعظمه عند الله ورد
إلى البيت المعمور وجمع له النبيين فصلوا خلفه عرض في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله
من عظم ما أوحى إليه في علي عليه السلام فأنزل الله " فان كنت في شك مما أنزلنا
إليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك " يعني الأنبياء فقد أنزلنا عليهم في
كتبهم من فضله ما أنزلنا في كتابك (لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من
الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين) فقال
الصادق عليه السلام فوالله ما شك وما سأل وقوله (ان الذين حقت عليهم كلمة ربك
لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) قال الذين جحدوا
أمير المؤمنين عليه السلام وقوله " ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون " قال
عرضت عليهم الولاية وقد فرض الله عليهم الايمان بها فلم يؤمنوا بها.
وقوله (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها ايمانها إلا قوم يونس لما آمنوا
كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) فإنه حدثني أبي
عن ابن أبي عمير عن جميل قال قال لي أبي عبد الله عليه السلام ما رد الله العذاب إلا
عن قوم يونس، وكان يونس يدعوهم إلى الاسلام فيأبوا ذلك، فهم ان يدعو
عليهم وكان فيهم رجلان عابد وعالم، وكان اسم أحدهما مليخا والآخر اسمه
روبيل، فكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم وكان العالم ينهاه ويقول
لا تدع عليهم فان الله يستجيب لك ولا يحب هلاك عباده فقبل قول العابد ولم
يقبل من العالم، فدعا عليهم فأوحى الله عز وجل إليه يأتيهم العذاب في سنة
كذا وكذا في شهر كذا وكذا في يوم كذا وكذا فلما قرب الوقت خرج
يونس من بينهم مع العابد وبقي العالم فيها فلما كان في ذلك اليوم نزل العذاب
فقال العالم لهم يا قوم افزعوا إلى الله فلعله يرحمكم ويرد العذاب عنكم، فقالوا
كيف نصنع؟ قال اجتمعوا واخرجوا إلى المفازة وفرقوا بين النساء والأولاد وبين
317

الإبل وأولادها وبين البقر وأولادها وبين الغنم وأولادها ثم ابكوا وادعوا
فذهبوا وفعلوا ذلك وضجوا وبكوا فرحمهم الله وصرف عنهم العذاب وفرق
العذاب على الجبال وقد كان نزل وقرب منهم، فاقبل يونس لينظر كيف أهلكهم
الله فرأى الزارعين يزرعون في ارضهم، قال لهم ما فعل قوم يونس؟ فقالوا
له ولم يعرفوه ان يونس دعا عليهم فاستجاب الله له ونزل للعذاب عليهم فاجتمعوا
وبكوا ودعوا فرحمهم الله وصرف ذلك عنهم وفرق العذاب على الجبال فهم إذا
يطلبون يونس ليؤمنوا به، فغضب يونس ومر على وجهه مغاضبا لله كما حكى
الله حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا سفينة قد شحنت وأرادوا ان يدفعوها فسألهم
يونس ان يحملوه فحملوه، فلما توسطوا البحر بعث الله حوتا عظيما فحبس
عليهم السفينة من قدامها فنظر إليه يونس ففزع منه وصار إلى مؤخر السفينة
فدار إليه الحوت وفتح فاه فخرج أهل السفينة فقالوا فينا عاص فتساهموا فخرج
سهم يونس وهو قول الله عز وجل " فساهم فكان من المدحضين " فأخرجوه
فالقوه في البحر فالتقمه الحوت ومر به في الماء.
وقد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليه السلام عن سجن طاف أقطار الأرض
بصاحبه، فقال يا يهودي اما السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه فإنه
الحوت الذي حبس يونس في بطنه فدخل في بحر القلزم ثم خرج إلى بحر مصر
ثم دخل في بحر طبرستان ثم خرج في دجلة الغورا ثم مرت به تحت الأرض حتى
لحقت بقارون، وكان قارون هلك في أيام موسى ووكل الله به ملكا يدخله في
الأرض كل يوم قامة رجل وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره
فسمع قارون صوته فقال للملك الموكل به انظرني فاني اسمع كلام آدمي فأوحى
الله إلى الملك الموكل به انظره فانظره ثم قال قارون من أنت؟ قال يونس انا
المذنب الخاطئ يونس بن متى قال فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران
318

قال هيهات هلك، قال فما فعل الرؤف الرحيم على قومه هارون بن عمران، قال هلك
قال فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي؟ قال هيهات ما بقي من آل
عمران أحد، فقال قارون وا أسفا على آل عمران! فشكر الله له ذلك فامر
الله الملك الموكل به ان يرفع عنه العذاب أيام الدنيا، فرفع عنه فلما رأى يونس
ذلك فنادى في الظلمات: ان لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين، فاستجاب
الله له وامر الحوت ان تلفظه فلفظته على ساحل البحر وقد ذهب جلده ولحمه
وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهي الدباء فأظلته من الشمس فشكر ثم امر الله
الشجرة فتنحت عنه ووقع الشمس عليه فجزع فأوحى الله إليه يا يونس لم لم ترحم
مائة الف أو يزيدون وأنت تجزع من ألم ساعة فقال يا رب عفوك عفوك، فرد
الله عليه بدنه ورجع إلى قومه وآمنوا به وهو قوله (فلولا كانت قرية آمنت
فنفعها ايمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة
الدنيا ومتعناهم إلى حين) وقالوا مكث يونس في بطن الحوت تسع ساعات
ثم قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت
تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يعني لو شاء الله ان يجبر الناس كلهم على
الايمان لفعل.
وفى رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال لبث يونس في بطن الحوت
ثلاثة أيام ونادى في الظلمات ظلمة بطن الحوت وظلمة الليل وظلمة البحر ان لا إله
إلا أنت سبحانك (تبت إليك ط) اني كنت من الظالمين، فاستجاب الله له فأخرجه الحوت إلى
الساحل ثم قذفه فألقاه بالساحل وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهو القرع
فكان يمصه ويستظل به وبورقه وكان تساقط شعره ورق جلده وكان يونس
يسبح ويذكر الله الليل والنهار فلما ان قوي واشتد بعث الله دودة فأكلت
أسفل القرع فذبلت القرعة ثم يبست فشق ذلك على يونس فظل حزينا فأوحى
319

الله إليه مالك حزينا يا يونس؟ قال يا رب هذه الشجرة التي كانت تنفعني سلطت
عليها دودة فيبست، قال يا يونس أحزنت لشجرة لم تزرعها ولم تسقها ولم تعي
بها ان يبست حين استغنيت عنها ولم تحزن لأهل نينوى أكثر من مائة الف أردت
ان ينزل عليهم العذاب ان أهل نينوى قد آمنوا واتقوا فارجع إليهم، فانطلق
يونس إلى قومه فلما دنى من نينوى استحيى ان يدخل فقال لراع لقيه، ائت
أهل نينوى فقل لهم ان هذا يونس قد جاء قال الراعي أتكذب أما تستحيي
ويونس قد غرق في البحر وذهب، قال له يونس اللهم ان هذه الشاة تشهد لك
انى يونس فنطقت الشاة بأنه يونس، فلما اتى الراعي قومه واخبره اخذوه وهموا
بضربه، فقال إن لي بيته بما أقول قالوا من يشهد؟ قال هذه الشاة تشهد؟
فشهدت انه صادق وان يونس قد رده الله إليهم فخرجوا يطلبونه فوجده
فجاءوا به وآمنوا وحسن ايمانهم فمتعهم الله إلى حين وهو الموت وأجارهم من
ذلك العذاب.
وقوله: (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر
عن قوم لا يؤمنون) أخبرني الحسين بن محمد عن المعلي بن محمد قال حدثني احمد
ابن محمد بن (عن ط) عبد الله عن أحمد بن هلال عن أمية بن علي عن داود بن كثير الرقي
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله " وما تغني الآيات والنذر عن قوم
لا يؤمنون " قال الآيات الأئمة والنذر الأنبياء عليهم السلام وقال علي بن إبراهيم
في قوله قل يا محمد (يا أيها الناس ان كنتم في شك من ديني فلا اعبد الذين تعبدون
من دون الله ولكن ا عبد الله الذي يتوفاكم) فإنه محكم وقوله (ولا تدع من دون
الله ما لا ينفعك ولا يضرك فان فعلت فإنك إذا من الظالمين) فإنه مخاطبة للنبي
صلى الله عليه وآله والمعني الناس ثم قال (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن
اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل) اي
320

لست بوكيل عليكم احفظ اعمالكم إنما علي ان أدعوكم ثم قال (واتبع) يا محمد
(ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين).
سورة هود مكية
مأة واثنتان وعشرون آية
(بسم الله الرحمن الرحيم الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم
خبير) يعني من عند الله (ألا تعبدوا إلا الله انني لكم منه نذير وبشير وأن
استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى اجل مسمى ويؤت كل ذي
فضل فضله) وهو محكم، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام " الر
كتاب أحكمت آياته " قال هو القرآن " من لدن حكيم خبير " قال من عند حكيم
خبير " وان استغفروا ربكم " يعني المؤمنين قوله " ويؤت كل ذي فضل فضله "
فهو علي بن أبي طالب عليه السلام وقوله (وان تولوا فاني أخاف عليكم عذاب يوم كبير)
قال الدخان والصيحة وقوله (ألا انهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه) يقول
يكتمون ما في صدورهم من بغض على، قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان آية المنافق
بغض علي فكان قوم يظهرون المودة لعلي (ع) عند النبي صلى الله عليه وآله ويسرون بغضه
فقال (ألا حين يستغشون ثيابهم) فإنه كان إذا حدث بشئ من فضل علي بن
أبي طالب (ع) أو تلا عليهم ما انزل الله فيه نفضوا ثيابهم ثم قاموا يقول الله
(يعلم ما يسرون وما يعلنون) حين قاموا (انه عليم بذات الصدور) وقوله (وما الجزء (12)
من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) يقول يكفل بأرزاق الخلق قوله (ويعلم
مستقرها) يقول حيث يأوي بالليل (ومستودعها) حيث يموت وقوله (وهو الذي
خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء) وذلك في مبتدأ الخلق،
ان الرب تبارك وتعالى خلق الهواء ثم خلق القلم فأمره ان يجري فقال يا رب بما
321

أجري؟ فقال بما هو كائن ثم خلق الظامة من الهواء وخلق النور من الهواء
وخلق الماء من الهواء وخلق العرش من الهواء وخلق العقيم من الهواء وهو الريح
الشديد وخلق النار من الهواء وخلق الخلق كلهم من هذه الستة التي خلقت من
الهواء فسلط العقيم على الماء فضربته فأكثرت الموج والزبد وجعل يثور دخانه في
الهواء فلما بلغ الوقت الذي أراد قال للزبد اجمد فجمد وقال للموج اجمد فجمد
فجعل الزبد أرضا وجعل الموج جبالا رواسي للأرض فلما أجمدها قال للروح
والقدرة سويا عرشي إلى السماء فسويا عرشه إلى السماء وقال للدخان اجمد فجمد
ثم قال له ازفر فزفر (1) فناداها والأرض جميعا ائتيا طوعا أو كرها قالتا اتينا
طائعين ففضاهن سبع سماوات في يومين ومن الأرض مثلهن، فلما اخذ في رزق
خلقه خلق السماء وجناتها والملائكة يوم الخميس وخلق الأرض يوم الأحد وخلق
دواب البحر والبر يوم الاثنين وهما اليومان اللذان يقول الله انكم لتكفرون بالذي
خلق الأرض في يومين وخلق الشجر ونبات الأرض وأنهارها وما فيها والهوام في
يوم الثلاثاء وخلق الجان وهو أبو الجن في يوم السبت وخلق الطير يوم الأربعاء
وخلق آدم في ست ساعات من يوم الجمعة فهذه الستة الأيام خلق الله السماوات
والأرض وما بينهما.
قال علي إبراهيم في قوله (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) معطوف على
قوله " الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ليبلوكم أيكم
أحسن عملا " وقوله (ولئن اخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) قال إن متعناهم
في هذه الدنيا إلى خروج القائم فنردهم ونعذبهم (ليقولن ما يحبسه) اي يقولون

(1) زفر زفيرا: اخرج نفسه والمراد هنا اخرج الصوت من أعماق
النفس. ج. ز
322

اما لا يقوم القائم ولا يخرج، على حد الاستهزاء فقال الله (الا يوم يأتيهم ليس
مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن) أخبرنا أحمد بن إدريس قال
حدثنا أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف عن حسان عن هشام بن عمار
عن أبيه وكان من أصحاب على ع عن علي ع في قوله تعالى " لئن اخرنا عنهم العذاب إلي
أمة معدودة ليقولن ما يحبسه " قال الأمة المعدودة أصحاب القائم الثلاثمائة
والبضعة عشر، قال علي بن إبراهيم والأمة في كتاب الله على وجوه كثيرة فمنه
المذهب وهو قوله " كان الناس أمة واحدة " اي على مذهب واحد، ومنه الجماعة
من الناس وهو قوله " وجد عليه أمة من الناس يسقون " اي جماعة، ومنه الواحد
قد سماه الله أمة قوله " ان إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا " ومنه جميع أجناس
الحيوان وهو قوله " وان من أمة إلا خلا فيها نذير " ومنه أمة محمد صلى الله عليه وآله وهو
قوله " وكذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم " وهي أمة محمد صلى الله عليه وآله ومنه
الوقت وهو قوله " وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة " اي بعد وقت وقوله:
إلى أمة معدودة، يعني به الوقت ومنه الخلق كله وهو قوله " وترى كل أمة جاثية
وكل أمة تدعى إلى كتابها "، وقوله " يوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن
للذين كفروا ولا هم يستعتبون " ومثله كثير.
وقوله (ولان أذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه انه ليؤس كفور
ولان أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني انه لفرح فخور)
قال إذا اغنى الله العبد ثم افتقر اصابه الاياس والجزع والهلع فإذا كشف الله عنه
ذلك فرح وقال ذهب السيئات عني انه لفرح فخور ثم قال (إلا الذين صبروا
وعملوا الصالحات) قال صبروا في الشدة وعملوا الصالحات في الرخاء.
قوله (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك ان يقولوا
لولا انزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل) فإنه
323

حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ابن مسكان عن عمارة بن
سويد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال سبب نزول هذه الآية ان رسول الله صلى الله عليه وآله
خرج ذات يوم فقال لعلي يا علي اني سألت الله الليلة بان يجعلك وزيري ففعل
وسألته ان يجعلك وصيي ففعل وسألته ان يجعلك خليفتي في أمتي ففعل، فقال رجل
من أصحابه المنافقين والله لصاع من تمر في شن (1) بال أحب إلي مما سأل محمد
ربه ألا سأله ملكا يعضده أو مالا يستعين به على ما فيه ووالله ما دعا عليا (2) قط
إلى حق أو إلى باطل إلا اجابه فأنزل الله على رسوله الله " فلعلك تارك بعض ما يوحي
إليك الآية " وقوله (أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا
من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) يعني قولهم إن الله لم يأمره بولاية
علي عليه السلام وإنما يقول من عنده فيه فقال الله عز وجل (فإن لم يستجيبوا لكم
فاعلموا إنما انزل بعلم الله) اي ولاية أمير المؤمنين عليه السلام من عند الله وقوله (من كان
يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين
ليس لهم في الآخرة إلا النار) قال من عمل الخير على أن يعطيه الله ثوابه في الدنيا
أعطاه ثوابه في الدنيا وكان له في الآخرة النار وقوله (أفمن كان على بينة من
ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة أولئك يؤمنون به
- إلى قوله - لا يؤمنون) فإنه حدثني أبي عن يحيى بن أبي عمران عن يونس
عن أبي بصير والفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال إنما نزلت أفمن كان على بينة من
ربه، يعني رسول الله صلى الله عليه وآله ويتلوه شاهد منه اماما ورحمة ومن قبله كتاب
موسى أولئك يؤمنون به فقدموا وأخروا في التأليف وقوله (ومن أظلم ممن افترى
على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا

(1) الشن القربة.
(2) كذا في النسخ والمظنون أن يكون لفظ " ربه " مكان " عليا " ج ز
324

على ربهم) يعني بالاشهاد الأئمة عليهم السلام (ألا لعنة الله على الظالمين) لآل محمد
صلى لله عليه وآله حقهم وقوله (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا) يعني يصدون
عن طريق الله وهي الإمامة " ويبغونها عوجا " يعنى حرفوها إلي غيرها وقوله (ما كانوا
يستطيعون السمع) قال ما قدروا ان يسمعوا بذكر أمير المؤمنين عليه السلام وقوله
(أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل) اي بطل (عنهم ما كانوا يفترون) يعني
يوم القيامة بطل الذين دعوا غير أمير المؤمنين عليه السلام (وقال إن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات واخبتوا إلى ربهم) اي تواضعوا لله وعبدوه وقوله (مثل الفريقين
كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) يعني المؤمنين
والخاسرين وقوله (إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من
فضل) يعني الفقراء والمساكين الذين تراهم بادي الرأي (فعميت عليكم) الانباء
اي اشتبهت عليكم حتى لم تعرفوها ولم تفهموها (ويا قوم لا أسئلكم عليه مالا
ان أجري إلا على الله وما انا بطارد الذين آمنوا انهم ملاقوا ربهم) اي الفقراء
الذين آمنوا به قوله (ويا قوم من ينصرني من الله ان طردتهم أفلا تذكرون ولا
أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب - إلى قوله - للذين تزدري أعينكم)
اي تقصر أعينكم عنهم وتستحقرونهم (لن يؤتيهم الله خيرا الله اعلم بما في أنفسهم
اني إذا لمن الظالمين) وقوله (وأوحي إلى نوح انه لن يؤمن من قومك إلا من
قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير من
ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال بقي نوح في قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم إلي
الله فلم يجيبوه فهم ان يدعو عليهم، فوافاه عند طلوع الشمس اثنا عشر الف
قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا وهم العظماء من الملائكة، فقال لهم نوح
من أنتم؟ فقالوا نحن اثنا عشر الف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا وان
مسيرة غلظ سماء الدنيا خمسمائة عام ومن سماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام
325

وخرجنا (أخرجنا الله ك) عند طلوع الشمس ووافيناك في هذا الوقت فنسألك
ان لا تدعو على قومك، فقال نوح قد أجلتهم ثلاثمائة سنة، فلما اتى عليهم
ستمائة سنة ولم يؤمنوا هم ان يدعو عليهم فوافاه اثنا عشر الف قبيل من قبايل
ملائكة السماء الثانية فقال نوح من أنتم قالوا نحن اثنا عشر الف قبيل من قبايل
ملائكة السماء الثانية وغلظ السماء الثانية مسيرة خمسمائة عام ومن السماء الثانية إلي
سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وغلظ سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام ومن سماء الدنيا
إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام خرجنا عند طلوع الشمس ووافيناك ضحوة نسألك
ان لا تدعو على قومك فقال نوح قد أجلتهم ثلاثمائة سنة.
فلما اتى عليهم تسعمائة سنة هم ان يدعو عليهم فأنزل الله عز وجل " انه لن
يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون " فقال نوح
" رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا
يلدوا إلا فاجرا كفارا " فأمره الله ان يغرس النخل فكان قومه يمرون به
فيسخرون منه ويستهزؤن به ويقولون شيخ قد اتى له تسعمائة سنة يغرس النخل
وكانوا يرمونه بالحجارة فلما اتى لذلك خمسون سنة وبلغ النخل واستحكم أمر
بقطعه فسخروا منه وقالوا بلغ النخل مبلغه وهو قوله (وكلما مر عليه ملا من قومه
سخروا منه وقال إن تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعملون)
فأمره الله ان ينحت السفينة وامر جبرئيل ان ينزل عليه ويعلمه كيف يتخذها فقدر
طولها في الأرض ألفا ومائتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع، وطولها في السماء ثمانون
ذراعا فقال يا رب من يعينني على اتخاذها؟ فأوحى الله إليه ناد في قومك من أعانني
عليها ونجر منها شيئا صار ما ينجره ذهبا وفضة، فنادى نوح فيهم بذلك فأعانوه
عليها وكانوا يسخرون منه ويقولون ينحت سفينة في البر.
قال حدثني أبي عن صفوان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما
326

أراد الله عز وجل هلاك قوم نوح عقم أرحام النساء أربعين سنة فلم يولد فيهم
مولود فلما فرغ نوح من اتخاذ السفينة امره الله ان ينادي بالسريانية لا يبقى
بهيمة ولا حيوان إلا حضر، فادخل من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين
في السفينة وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلا فقال الله عز وجل:
(احمل فيها من كان زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما
آمن معه الا قليل) وكان نجر السفينة في مسجد الكوفة (المدينة ك) فلما كان في
اليوم الذي أراد الله هلاكهم كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الذي يعرف
بفار التنور في مسجد الكوفة وقد كان نوح اتخذ لكل ضرب من أجناس الحيوان
موضعا في السفينة وجمع لهم فيها ما يحتاجون من الغذاء، فصاحت امرأته لما
فار التنور فجاء نوح إلى التنور فوضع عليها طينا وختمه حتى ادخل جميع
الحيوان السفينة ثم جاء إلي التنور ففض الخاتم ورفع الطين وانكسفت الشمس
وجاء من السماء ماء منهمر صب بلا قطر وتفجرت الأرض عيونا وهو قوله عز
وجل " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على امر
قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر " فقال الله عز وجل (اركبوا فيها بسم
الله مجريها ومرسيها) يقول مجربها اي مسيرها ومرسيها أي موقفها فدارت
السفينة ونظر نوح إلى ابنه يقع ويقوم فقال له (يا بني اركب معنا ولا تكن
مع الكافرين) فقال ابنه كما حكى الله عز وجل (سآوي إلى جبل يعصمني من
الماء) قال نوح (لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم) الله ثم قال نوح:
(رب ان ابني من أهلي وان وعدك الحق وأنت احكم الحاكمين) فقال الله (يا نوح
انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم اني أعظك أن تكون
من الجاهلين) فقال نوح كما حكى الله (رب اني أعوذ بك ان أسئلك
ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) فكان كما حكى الله
327

(وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) فقال أبو عبد الله عليه السلام فدارت السفينة
وضربتها الأمواج حتى وافت مكة وطافت بالبيت وغرق جميع الدنيا إلا موضع
البيت إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق فبقي الماء ينصب من السماء
أربعين صباحا ومن الأرض العيون حتى ارتفعت السفينة فمسحت السماء قال
فرفع نوح يده فقال يارهمان اخفرس (أتغرك) تفسيرها رب أحسن فامر الله
الأرض ان تبلع ماءها وهو قوله (وقيل يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي)
يعني امسكي (وغيض الماء وقضي الامر واستوت على الجودي) فبلعت الأرض
ماءها فأراد ماء السماء ان يدخل في الأرض فامتنعت الأرض من قبولها وقالت
إنما امرني الله عز وجل ان أبلع مائي فبقي ماء السماء على وجه الأرض واستوت
السفينة على جبل الجودي وهو بالموصل جبل عظيم، فبعث الله جبرئيل فساق
الماء إلي البحار حول الدنيا وانزل الله على نوح (يا نوح اهبط بسلام منا وبركات
عليك وعلى أمم من معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم) فنزل نوح
بالموصل من السفينة مع الثمانين وبنوا مدينة الثمانين وكانت لنوح ابنة ركبت معه
في السفينة فتناسل الناس منها وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله نوح أحد الأبوين ثم قال
الله عز وجل لنبيه (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا
قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين) وروي في الخبر ان اسم نوح
عبد الغفار وإنما سمي نوحا لأنه كان ينوح على نفسه أخبرنا أحمد بن إدريس قال
حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان
الأحمر عن موسى بن أكيل النميري عن العلا بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام في
قول الله ونادى نوح ابنه فقال ليس بابنه إنما هو ابنه من زوجته على لغة طي
يقولون لابن المرأة ابنه.
قال علي بن إبراهيم ثم حكى الله عز وجل خبر هود عليه السلام وهلاك قومه
328

فقال (والي عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ان أنتم إلا
مفترون يا قوم لا أسئلكم عليه اجرا ان أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون)
قال إن عادا كانت بلادهم في البادية من الشقيق إلى الاجفر أربعة منازل وكان لهم
زرع ونخيل كثير ولهم اعمار طويلة وأجسام طويلة فعيدوا الأصنام فبعث الله إليهم
هودا يدعوهم إلى الاسلام وخلع الأنداد فأبوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه فكفت السماء
عنهم سبع سنين حتى قحطوا وكان هود زراعا وكان يسقي الزرع فجاء قوم إلى
بابه يريدونه، فخرجت عليهم امرأة شمطاء عوراء (1) فقالت من أنتم؟ فقالوا
نحن من بلاد كذا وكذا أجدبت بلادنا فجئنا إلى هود نسأله ان يدعو الله
حتى تمطر وتخصب بلادنا، فقالت لو استجيب لهود لدعا لنفسه فقد احترق زرعه
لقلة الماء، قالوا فأين هو؟ قالت هو في موضع كذا وكذا فجاؤوا إليه فقالوا
يا نبي الله قد أجدبت بلادنا ولم تمصر؟ فاسأل الله ان يخصب بلادنا وتمطر فتهيأ
للصلاة وصلى ودعا لهم فقال لهم ارجعوا فقد أمطرتم وأخصبت بلادكم، فقالوا
يا نبي الله انا رأينا عجبا قال وما رأيتم؟ فقالوا رأينا في منزلك امرأة شمطاء
عوراء قالت لنا من أنتم وما تريدون قلنا جئنا إلى هود ليدعو الله فنمطر فقالت
لو كان هود داعيا لدعا لنفسه فان زرعه قد احترق فقال هود تلك أهلي وانا
ادعوا الله لها بطول البقاء فقالوا وكيف ذلك قال لأنه ما خلق الله مؤمنا إلا وله
عدو يؤذيه وهي عدوتي فلان يكون عدوى ممن أملكه خير من أن يكون
عدوي ممن يملكني، فبقي هود في قومه يدعوهم إلى الله وينهاهم عن عبادة
الأصنام حتى تخصب بلادهم وانزل الله عليهم المطر وهو قوله عز وجل (يا قوم
استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم
ولا تتولوا مجرمين) فقالوا كما حكى الله (يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي
آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إلى آخر الآية) فلما لم يؤمنوا ارسل الله

(1) الشمط محركة بياض الرأس خالطه سواد والعور: محركة ذهاب حس
احدى العينين ق
329

عليهم " الريح الصرصر يعني الباردة وهو قوله في سورة اقتربت " كذبت عاد
فكيف كان عذابي ونذر انا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر "
وحكى في سورة الحاقة فقال " واما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها
عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما " قال كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال
وثمانية أيام.
قال فحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن سنان عن معروف بن
خربوذ عن أبي جعفر عليه السلام قال الريح العقيم تخرج من تحت الأرضين السبع
وما يخرج منها شئ قط إلا على قوم عاد حين غضب الله عليهم فامر الخزان ان
يخرجوا منها مثل سعة الخاتم فعصت على الخزنة فخرج منها مثل مقدار منخر
الثور تغيظا منها على قوم عاد فضج الخزنة إلى الله من ذلك وقالوا يا ربنا انها قد
عتت علينا ونحن نخاف ان يهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك فبعث
الله جبرئيل فردها بجناحه وقال لها أخرجي على ما أمرت به فرجعت وخزجت
على ما أمرت به فأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم واما قوله (والى ثمود
أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض
واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه ان ربى قريب مجيب) إلى قوله (واما
لفي شك مما تدعونا إليه مريب) فان الله تبارك وتعالى بعث صالحا إلى ثمود وهو
ابن ستة عشر سنة لا يجيبوه إلى خير وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون
الله فلما رأى ذلك منهم قال لهم يا قوم بعثت إليكم وانا ابن ستة عشر سنة وقد
بلغت عشرين ومائة سنة وانا اعرض عليكم أمرين ان شئتم فاسألوني مهما
أردتم حتى اسأل إلهي فيجيبكم وان شئتم سألت آلهتكم فان أجابتني خرجت
عنكم، فقالوا أنصفت فأمهلنا فاقبلوا يتعبدون ثلاثة أيام ويتمسحون بالأصنام
ويذبون لها وأخرجوها إلى سفح الجبل واقبلوا يتضرعون إليها، فلما كان اليوم
330

الثالث قال لهم صالح عليه السلام قد طال هذا الامر فقالوا له سل من شئت، فدنا إلى
أكبر صنم لهم، فقال ما اسمك؟ فلم يجبه، فقال لهم ما له لا يجيبني؟ قالوا
له تنح عنه فتنحى عنه واقبلوا إليه ووضعوا على رؤوسهم التراب وضجوا وقالوا
فضحتنا ونكست رؤوسنا وقال صالح قد ذهب النهار، فقالوا سله فدنا منه
فكلمه فلم يجبه فبكوا وتضرعوا حتى فعلوا ذلك ثلاث مرات فلم يجبهم بشئ،
فقالوا ان هذا لا يجيبك ولكنا نسأل إلهك، فقال لهم سلوا ما شئتم فقالوا
سله ان يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء شقراء عشراء اي حاملة تضرب
بمنكبيها طرفي الجبلين وتلقى فصيلها من ساعتها وتدر لبنها، فقال صالح ان الذي
سألتموني عندي عظيم وعند الله هين، فقام وصلي ركعتين ثم سجد وتضرع
إلى الله فما رفع رأسه حتى تصدع الجبل وسمعوا له دويا شديدا ففزعوا منه
وكادوا ان يموتوا منه فطلع رأس الناقة وهي تجتر فلما خرجت القت فصيلها
ودرت لبنها فبهتوا وقالوا قد علمنا يا صالح ان ربك أعز واقدر من آلهتنا
التي نعبدها.
وكان لقريتهم ماء وهي الحجر التي ذكرها الله تعالى في كتابه وهو قوله
" كذب أصحاب الحجر المرسلين " فقال لهم صالح لهذه الناقة شرب اي تشرب
ماءكم يوما وتدر لبنها عليكم يوما وهو قوله عز وجل " لها شرب ولكم شرب
يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم " فكانت تشرب ماءهم
يوما وإذا كان من الغد وقفت وسط قريتهم فلا يبقى في القرية أحد إلا حلب منها
حاجته وكان فيهم تسعة من رؤسائهم كما ذكر الله في سورة النمل " وكان في
المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون " فعقروا الناقة ورموها
حتى قتلوها وقتلوا الفصيل فلما عقروا الناقة قالوا لصالح " ائتنا بما تعدنا ان كنت
من المرسلين " قال صالح (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب)
331

ثم قال لهم وعلامة هلاككم انه تبيض وجوهكم غدا وتحمر بعد غد وتسود في
اليوم الثالث فلما كان من الغد نظروا إلى وجوههم وقد ابيضت مثل القطن فلما
كان اليوم الثاني احمرت مثل الدم فلما كان اليوم الثالث اسودت وجوههم فبعث
الله عليهم صيحة وزلزلة فهلكوا وهو قوله " فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم
جاثمين " فما تخلص منهم غير صالح وقوم مستضعفين مؤمنين وهو قوله (فلما
جاء أمرنا نجينا صالحا - إلى قوله - ألا ان ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود).
واما قوله (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما
لبث ان جاء بعجل حنيذ) اي مشوي نضج فإنه لما القى نمرود إبراهيم عليه السلام في
النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما بقي إبراهيم مع نمرود وخاف نمرود من إبراهيم
فقال يا إبراهيم اخرج من بلادي ولا تساكني فيها، وكان إبراهيم عليه السلام قد
تزوج بسارة وهي بنت خاله وقد كانت آمنت به، وآمن له لوط وكان غلاما،
وقد كان إبراهيم عليه السلام عنده غنيمات وكان معاشه منها فخرج إبراهيم من بلاد
نمرود ومعه سارة في صندوق وذلك أنه كان شديد الغيرة، فلما أراد الخروج
من بلاد نمرود منعوه وأرادوا ان يأخذوا منه غنيماته، وقالوا له هذا ما كسبته
في سلطان الملك وبلاده وأنت مخالف له فقال لهم إبراهيم بيني وبينكم قاضي الملك
سدوم (سندوم ك) فصاروا إليه وقالوا ان هذا مخالف لدين الملك وما معه
كسبه في بلاد الملك ولا ندعه يخرج معه شيئا فقال سندوم صدقوا خل عما في
في يديك، فقال إبراهيم عليه السلام انك ان لم تقض بالحق تمت الساعة، قال وما الحق
قال قل لهم يردوا على عمري الذي أفنيته في كسب ما معي حتى أرد عليهم، فقال
سندوم يجب ان تردوا عمره فخلوا عنه عما كان في يده فخرج إبراهيم وكتب
نمرود في الدنيا ألا تدعوه يسكن العمران فمر ببعض عمال نمرود وكان
كل من مر به يأخذ عشر ما معه وكانت سارة مع إبراهيم في الصندوق، فاخذ
332

عشر ما كان مع إبراهيم ثم جاء إلى الصندوق فقال له لابد من أن افتحه فقال
إبراهيم عليه السلام عده ما شئت وخذ عشره فقال لابد من أن تفتحه ففتحه فلما نظر
إلى سارة تعجب من جمالها فقال لإبراهيم ما هذه المرأة التي هي معك؟ قال هي
أختي وإنما عني أخته في الدين، قال (العاشر لست أدعك
تبرح من مكانك حتى اعلم الملك بحالك وحالها فبعث رسولا إلى الملك) فامر اجناده فحملت الصندوق إليه فهم بها
ومد يده إليها فقالت له أعوذ بالله منك فجفت يده والتصقت بصدره واصابته من
ذلك شدة، فقال يا سارة ما هذا الذي أصابني منك؟ فقالت بما هممت به،
فقال قد هممت لك بالخير فادعي الله ان يردني إلي ما كنت، فقالت اللهم إن كان
صادقا فرده كما كان فرجع إلى ما كان وكانت على رأسه جارية فقال
يا ساره خذي هذه الجارية تخدمك وهي هاجر أم إسماعيل عليه السلام فحمل إبراهيم
سارة وهاجر فنزلوا البادية على ممر طريق اليمن والشام وجميع الدنيا فكان يمر
به الناس فيدعوهم إلى الاسلام وقد كان شاع خبره في الدنيا ان الملك ألقاه في
النار فلم يحترق وكانوا يقولون له لا تخالف دين الملك فإنه يقتل من خالفه، وكان
إبراهيم كل من يمر به يضيفه وكان على سبعة فراسخ منه بلاد عامرة كثيرة الشجر
والنبات والخير وكان الطريق عليهم، فكان كل من يمر بتلك البلاد يتناول
من ثمارهم وزروعهم فجزعوا من ذلك فجاءهم إبليس في صورة شيخ فقال لهم
أدلكم على ما ان فعلتموه لم يمر بكم أحد، فقالوا ما هو؟ قال من مر بكم
فأنكحوه في دبره فاسلبوه ثيابه ثم تصور لهم إبليس في صورة أمرد حسن الوجه
جميل الثياب فجاءهم فوثبوا عليه ففجروا به كما أمرهم فاستطابوه فكانوا يفعلونه
بالرجال فاستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فشكى الناس ذلك إلى إبراهيم
عليه السلام فبعث الله إليهم لوطا يحذرهم وينذرهم فلما نظروا إلى لوط قالوا من أنت؟
قال انا ابن خال إبراهيم الذي ألقاه الملك في النار فلم يحترق وجعلها الله بردا
وسلاما وهو بالقرب منكم فاتقوا الله ولا تفعلوا هذا فان الله يهلككم فلم يجسروا
333

عليه وخافوه وكفوا عنه وكان لوط كلما مر به رجل يريدونه بسوء خلصه من
أيديهم وتزوج لوط فيهم وولد له بنات، فلما طال ذلك على لوط ولم يقبلوا منه
قالوا له " لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين " إلي لنرجمنك ولنخرجنك
فدعا عليهم لوط فبينما إبراهيم عليه السلام قاعد في موضعه الذي كان فيه وقد كان
أضاف قوما وخرجوا ولم يكن عنده شئ فنظر إلى أربعة نفر قد وقفوا عليه
لا يشبهون الناس فقالوا سلاما فقال إبراهيم سلام، فجاء إبراهيم إلى سارة
فقال لها قد جاء أضياف لا يشبهون الناس قال ما عندنا إلا هذا العجل فذبحه
وشواه وحمله إليهم وذلك قول الله عز وجل " ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى
قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه
نكرهم وأوجس منهم خيفة " وجاءت سارة في جماعة معها فقالت لهم مالكم
تمتنعون من طعام خليل الله فقالوا لإبراهيم (لا تخف انا أرسلنا إلى قوم لوط)
ففزعت سارة، وضحكت اي حاضت وقد كان ارتفع حيضها منذ دهر طويل
فقال الله عز وجل (فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب) فوضعت يدها
على وجهها فقالت (يا ويلتي أألد وانا عجوز وهذا بعلى شيخا ان هذا لشئ
عجيب) فقال لها جبرئيل (أتعجبين من امر الله ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت
انه حميد مجيد فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى) بإسحاق اقبل يجادل
كما حكى الله عز وجل (يجادلنا في قوم لوط ان إبراهيم لحليم أواه منيب) فقال
إبراهيم لجبرئيل بما إذا أرسلت قال بهلاك قوم لوط فقال إبراهيم " ان فيها
لوطا " قال جبرئيل نحن اعلم بمن فيها لننجيه وأهله " إلا امرأته كانت من
الغابرين " قال إبراهيم يا جبرئيل إن كان في المدينة مائة رجل من المؤمنين
يهلكهم الله قال لا قال فإن كان فيهم خمسون قال لا قال فإن كان فيهم عشرة
رجال قال لا قال فإن كان واحد قال لا وهو قوله فما وجدنا فيها غير بيت من
334

المسلمين فقال إبراهيم يا جبرئيل راجع ربك فيهم فأوحى الله كلمح البصر
(يا إبراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتاهم عذاب غير مردود)
فخرجوا من عند إبراهيم عليه السلام فوقفوا على لوط في ذلك الوقت وهو يسقي زرعه
فقال لهم لوط من أنتم قالوا نحن أبناء السبيل أضفنا الليلة، فقال لهم يا قوم ان
أهل هذه القرية قوم سوء لعنهم الله وأهلكهم ينكحون الرجال ويأخذون الأموال
فقالوا فقد أبطأنا فأضفنا فجاء لوط إلى أهله وكانت منهم فقال لها انه قد اتاني
أضياف في هذه الليلة فاكتمي عليهم حتى اعفو عنك جميع ما كان منك إلي هذا
الوقت، قالت افعل وكانت العلامة بينها وبين قومها إذا كان عند لوط أضياف
بالنهار تدخن فوق السطح وإذا كان بالليل توقد النار، فلما دخل جبرئيل
والملائكة معه بيت لوط عليه السلام وثبت امرأته على السطح فأوقدت نارا فعلم أهل
القرية واقبلوا إليه من كل ناحية كما حكى الله عز وجل (وجاءه قومه يهرعون إليه)
اي يسرعون ويعدون فلما صاروا إلي باب البيت قالوا يا لوط أو لم ننهك عن
العالمين فقال لهم كما حكى الله (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون
في ضيفي أليس منكم رجل رشيد).
وحدثني أبي عن محمد بن عمرو رحمه الله في قول لوط عليه السلام " هؤلاء بناتي هن
أطهر لكم " قال عني به أزواجهم وذلك أن النبي أبو أمته، فدعاهم إلى الحلال
ولم يكن يدعوهم إلى الحرام، فقال أزواجكم هن أطهر لكم (قالوا لقد علمت
ما لنا في بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد) فقال لوط لما يئس (لو أن لي بكم
قوة أو آوى إلى ركن شديد) أخبرنا الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن أبي
أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال ما بعث الله نبيا بعد لوط
إلا في عز من قومه، وحدثني محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن أحمد (مسلم ط)
عن محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القسم عن صالح عن
335

أبي عبد الله (ع) قال في قوله قوة قال القوة القائم (ع) والركن الشديد ثلاثمائة
وثلاثة عشر قال علي بن إبراهيم فقال جبرئيل لو علم ما له من القوة، فقال من
أنتم؟ فقال جبرئيل انا جبرئيل، فقال لوط بماذا أمرت قال بهلاكهم فسأله
الساعة قال (موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) فكسروا الباب ودخلوا البيت
فضرب جبرئيل بجناحه على وجوههم فطمسها (1) وهو قول الله عز وجل " ولقد
راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر " فلما رأوا ذلك وعلموا
انهم قد اتاهم العذاب فقال جبرئيل يا لوط (فاسر باهلك بقطع من الليل) واخرج
من بينهم أنت وولدك (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك انه مصيبها ما أصابهم)
وكان في قوم لوط رجل عالم فقال لهم يا قوم قد جاءكم العذاب الذي كان يعدكم
لوط فاحرسوه ولا تدعوه يخرج من بينكم فإنه ما دام فيكم لا يأتيكم العذاب،
فاجتمعوا حول داره يحرسونه فقال جبرئيل يا لوط اخرج من بينهم فقال كيف
اخرج وقد اجتمعوا حول داري، فوضع بين يديه عمودا من نور فقال له
اتبع هذا العمود ولا يلتفت منكم أحد فخرجوا من القرية من تحت الأرض
فالتفتت امرأته فأرسل الله عليها صخرة فقتلتها، فلما طلع الفجر صارت الملائكة
الأربعة كل واحد في طرف من قريتهم فقلعوها من سبع أرضين إلى تخوم الأرض
ثم رفعوها في الهواء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصراخ الديكة ثم
قلبوها عليهم وأمطرهم الله (حجارة من سجيل منضودة مسومة عند ربك وما
هي من الظالمين ببعيد) قوله " منضود " يعني بعضها على بعض منضدة وقوله
" مسومة " أي منقوطة.
حدثني أبي عن سليمان الديلمي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله
" وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة " قال ما من عبد يخرج من
الدنيا يستحل عمل قوم لوط إلا رماه الله كبده من تلك الحجارة تكون منيته

(1) الطموس كالدروس لفظا ومعنى. ج ز
336

فيها ولكن الخلق لا يرونه.
ثم ذكر عز وجل هلاك أهل مدين فقال (والى مدين أخاهم شعيبا - إلى
قوله - ولا تعثوا في الأرض مفسدين) قال بعث الله شعيبا إلى مدين وهي قرية
على طريق الشام فلم يؤمنوا به وحكى الله قولهم (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك
ان نترك ما يعبد آباؤنا - إلى قوله - الحليم الرشيد) قال قالوا انك لانت السفيه
الجاهل فكنى الله عز وجل قولهم فقال (انك لانت الحليم الرشيد) وإنما أهلكهم
الله بنقص المكيال والميزان (قال يا قوم أرأيتم ان كنت على بينة من ربي ورزقني
منه رزقا حسنا وما أريد ان أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ان أريد إلا الاصلاح
ما استطعت وما توفيق إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب) ثم ذكرهم وخوفهم بما
نزل بالأمم الماضية فقال (يا قوم لا يجر منكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما أصاب
قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد قالوا يا شعيب
ما نفقه كثيرا مما تقول وانا لنراك فينا ضعيفا) وقد كان ضعف بصره (ولولا
رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز - إلى قوله - اني معكم رقيب) اي انتظروا
فبعث الله عليهم صيحة فماتوا وهو قوله (فلما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين
آمنوا معه برحمة منا واخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين
كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود).
ثم ذكر عز وجل قصة موسى (ع) فقال (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا
وسلطان مبين - إلى قوله - واتبعوا في هذه لعنة) يعني الهلاك والغرق (ويوم
القيامة بئس الرفد المرفود) اي يرفدهم الله بالعذاب ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (ذلك
من أنباء القرى) اي اخبارها (نقصه عليك - يا محمد - منها قائم وحصيد - إلى
قوله - وما زادوهم غير تتبيب) اي غير تخسير (وكذلك اخذ ربك إذ اخذ
القرى وهي ظالمة إن اخذه اليم شديد ان في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة
337

ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) اي يشهد عليهم الأنبياء والرسل
(وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا باذنه فمنهم شقي وسعيد
فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات
والأرض) فهذا هو في نار الدنيا قبل القيامة ما دامت السماوات والأرض
وقوله (واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها) يعني في جنات الدنيا
التي تنقل إليها أرواح المؤمنين (ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك
عطاء غير مجذوذ) يعني غير مقطوع من نعيم الآخرة في الجنة يكون متصلا به
وهو رد على من ينكر عذاب القبر والثواب والعقاب في الدنيا في البرزخ قبل يوم
القيامة وقوله (وان كلا لما ليوفينهم ربك اعمالهم) قال في القيامة ثم قال لنبيه
(فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا) اي في الدنيا لا تطغوا (ولا
تركنوا إلى الذين ظلموا) قال ركون مودة ونصيحة وطاعة (وما لكم من دون
الله من أولياء ثم لا تنصرون) وقوله (أقم الصلاة طرفي النهار) الغداة والمغرب
(وزلفا من الليل) العشاء الآخرة (ان الحسنات يذهبن السيئات) فان صلاة
المؤمنين في الليل تذهب ما عملوا بالنهار من السيئات والذنوب ثم قال (ولو شاء
ربك لجعل الناس أمة واحدة) اي على مذهب واحد (ولا يزالون مختلفين إلا
من رحم ربك ولذلك خلقهم) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال
في قوله: لا يزالون مختلفين في الدين إلا من رحم ربك يعني آل محمد واتباعهم
يقول الله ولذلك خلقهم يعني أهل رحمة لا يختلفون في الدين قوله (وتمت كلمة
ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) وهم الذين سبق الشقاء لهم فحق
عليهم القول انهم للنار خلقوا وهم الذين حقت عليهم كلمة ربك انهم لا يؤمنون
قال علي بن إبراهيم ثم خاطب الله نبيه فقال (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل
اي اخبارهم (ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق) في القرآن وهذه السورة
من اخبار الأنبياء وهلاك الأمم ثم قال (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على
338

مكانكم انا عاملون) اي نعاقبكم (وانتظروا انا منتظرون ولله غيب السماوات
والأرض واليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون).
سورة يوسف مكية
اياتها مأة واحدى عشر
(بسم الله الرحمن الرحيم الر تلك آيات الكتاب المبين انا أنزلناه قرآنا
عربيا لعلكم تعقلون) اي كي تعقلوا ثم خاطب الله نبيه فقال (نحن نقص عليك
أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين) ثم قص
قصة يوسف لأبيه (يا أبت اني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم
لي ساجدين) حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا علي بن
محمد عمن حدثه عن المنقري عن عمرو بن شمر عن إسماعيل السندي عن عبد الرحمن
ابن سابط القرشي عن جابر بن عبد الله الأنصاري في قول الله عز وجل " اني
رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " قال في تسمية
النجوم هو الطارق وحوبان والذيال (الدبال ك) وذو الكتفين (ذو الكنفين ط)
ووثاب وقابس وعمودان وفليق (فيلق) ومصبح والصرح والفروع (والقروع) والضياء
والنور يعني الشمس والقمر وكل هذه النجوم محيطة بالسماء، وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال تأويل هذه الرؤيا انه سيملك مصر ويدخل
عليه أبواه واخوته، اما الشمس فأم يوسف راحيل والقمر يعقوب واما أحد عشر
كوكبا فاخوته، فلما دخلوا عليه سجدوا شكرا لله وحده حين نظروا إليه وكان
ذلك السجود لله.
قال علي بن إبراهيم فحدثني أبي عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر
عليه السلام انه كان من خبر يوسف عليه السلام انه كان له أحد عشر أخا فكان له من أمه
339

أخ واحد يسمى بنيامين وكان يعقوب إسرائيل الله ومعنى إسرائيل الله خالص
الله بن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله، فرأى يوسف هذه الرؤيا وله تسع
سنين فقصها على أبيه فقال يعقوب (يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا
لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين) " يكيدوا لك كيدا " أي يحتالوا
عليك، فقال يعقوب ليوسف (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل
الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم
واسحق ان ربك عليم حكيم) وكان يوسف من أحسن الناس وجها وكان يعقوب
يحبه ويؤثره على أولاده فحسده اخوته على ذلك وقالوا فيما بينهم كما حكى الله
عز وجل (إذ قالوا ليوسف واخوه أحب إلي أبينا منا ونحن عصبة) اي جماعة
(ان أبانا لفي ضلال مبين) فعمدوا على قتل يوسف فقالوا نقتله حتى يخلو لنا
وجه أبينا فقال لاوي لا يجوز قتله ولكن نغيبه عن أبينا ونخلو نحن به فقالوا
كما حكى الله عز وجل (يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وانا له لناصحون ارسله
معنا غدا يرتع ويلعب) اي يرعى الغنم ويلعب (وانا له لحافظون) فاجرى الله
على لسان يعقوب (انى ليحزنني ان تذهبوا به وأخاف ان يأكله الذئب وأنتم
عنه غافلون) فقالوا كما حكى الله (لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا إذا لخاسرون)
والعصبة عشرة إلى ثلاثة عشر (فلما ذهبوا به وأجمعوا ان يجعلوه في غيابة الجب
وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) اي لأخبرنهم بما هموا به.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " لتنبئنهم بأمرهم هذا
وهم لا يشعرون " يقول لا يشعرون انك أنت يوسف اتاه جبرئيل واخبره بذلك
قال علي بن إبراهيم فقال لاوي القوة في هذا الجب (يلتقطه بعض السيارة ان
كنتم فاعلين) فأدنوه من رأس الجب فقالوا له انزع قميصك فبكى وقال
يا اخوتي لا تجردوني، فسل واحد منهم عليه السكين وقال لئن لم تنزعه لأقتلنك
340

فنزعه فألقوه في اليم وتنحوا عنه فقال يوسف في الجب يا إله إبراهيم واسحق
ويعقوب ارحم ضعفي وقلة حيلتي وصغري، فنزلت سيارة من أهل مصر، فبعثوا
رجلا ليستقي لهم الماء من الجب فلما أدلى الدلو على يوسف تشبت بالدلو فجروه
فنظروا إلى غلام من أحسن الناس وجها فعدوا إلي صاحبهم فقالوا يا بشرى هذا
غلام فنخرجه ونبيعه ونجعله بضاعة لنا فبلغ اخوته فجاؤوا وقالوا هذا عبد لنا،
ثم قالوا ليوسف لئن لم تقر بالعبودية لنقتلنك فقالت السيارة ليوسف ما تقول
قال نعم انا عبدهم، فقالت السيارة أفتبيعونه منا؟ قالوا نعم فباعوه منهم على أن
يحملوه إلى مصر (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين)
قال الذي بيع بها يوسف ثمانية عشر درهما وكان عندهم كما قال الله تعالى " وكانوا
فيه من الزاهدين) أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد
ابن محمد عن أبي بصير عن الرضا عليه السلام في قول الله " وشروه بثمن بخس دراهم
معدودة " قال كانت عشرين درهما والبخس النقص وهي قيمة كلب الصيد إذا
قتل كان قيمته عشرين درهما.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وجاؤا على قميصه
بدم كذب) قال إنهم ذبحوا جديا على قميصه، قال علي بن إبراهيم ورجع
اخوته فقالوا نعمد إلى قميصه فنلطخه بالدم ونقول لأبينا ان الذئب اكله فلما
فعلوا ذلك قال لهم لاوي يا قوم ألسنا بني يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق نبي الله
ابن إبراهيم خليل الله أفتظنون ان الله يكتم هذا الخبر عن أنبيائه، فقالوا وما
الحيلة؟ قال نقوم ونغتسل ونصلي جماعة ونتضرع إلى الله تعالى ان يكتم ذلك
الخبر عن نبيه فإنه جواد كريم، فقاموا واغتسلوا وكان في سنة إبراهيم
واسحق ويعقوب انهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا أحد عشر رجلا فيكون واحد
341

منهم اماما وعشرة يصلون خلفه فقالوا كيف نصنع وليس لنا امام (1) فقال
لاوي نجعل الله امامنا فصلوا وتضرعوا وبكوا وقالوا يا رب اكتم علينا هذا ثم
جاؤوا إلى أبيهم عشاءا يبكون ومعهم القميص قد لطخوه بالدم فقالوا (يا أبانا انا
ذهبنا نستبق) اي نعدو (وتركنا يوسف عند متاعنا فاكله الذئب وما أنت
بمؤمن لنا ولو كنا صادقين - إلى قوله - على ما تصفون) ثم قال يعقوب ما كان
أشد غضب ذلك الذئب على يوسف واشفقه على قميصه حيث اكل يوسف ولم
يمزق قميصه.
قال فحملوا يوسف إلى مصر وباعوه من عزيز مصر فقال العزيز (لامرأته
أكرمي مثواه) اي مكانه (عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا) ولم يكن له ولد
فأكرموه وربوه فلما بلغ أشده هوته امرأة العزيز وكانت لا تنظر إلى يوسف
امرأة إلا هوته ولا رجل إلا أحبه وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر فراودته
امرأة العزيز وهو قوله (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب
وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربى أحسن مثواي انه لا يفلح الظالمون) فما
زالت تخدعه حتى كان كما قال الله عز وجل (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى
برهان ربه) فقامت امرأة العزيز وغلفت الأبواب فلما هما رأى يوسف صورة
يعقوب في ناحية البيت عاضا على إصبعيه يقول يا يوسف! أنت في السماء
مكتوب في النبيين وتريد ان تكتب في الأرض من الزناة؟ فعلم أنه قد أخطأ
وتعدى، وحدثني أبي عن بعض رجاله رفعه قال قال أبو عبد الله عليه السلام لما همت
به وهم بها قامت إلى صنم في بيتها فألقت عليه الملاءة لها فقال لها يوسف ما تعملين؟
قالت القي على هذا الصنم ثوبا لا يرانا فانى استحيي منه، فقال يوسف فأنت

(1) وذلك لان بنيامين كان في البيت فكانوا عشرا. ج. ز
342

تستحين من صنم لا يسمع ولا يبصر ولا استحي انا من ربي فوثب وعدا وعدت
من خلفه وادركهما العزيز على هذه الحالة وهو قول الله تعالى (واستبقا الباب
وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدا الباب) فبادرت امرأة العزيز فقالت
للعزيز (ما جزاء من أراد باهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب اليم) فقال يوسف
للعزيز (هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها) فألهم الله يوسف ان قال
للملك سل هذا الصبي في المهد فإنه يشهد انها راودتني عن نفسي، فقال العزيز
للصبي فأنطق الله الصبي في المهد ليوسف حتى قال (إن كان قميصه قد من قبل
فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين)
فلما رأى قميصه قد تخرق من دبر قال لامرأته (انه من كيدكن ان كيدكن
عظيم (ثم قال ليوسف (أعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك كنت من
الخاطئين) وشاع الخبر بمصر وجعلت النساء يتحدثن بحديثها ويعيرنها ويذكرنها
وهو قوله (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) فبلغ
ذلك امرأة العزيز فبعثت إلى كل امرأة رئيسة فجمعتهن في منزلها وهيئت لهن
مجلسا ودفعت إلى كل امرأة أترنجة وسكينا فقالت اقطعن ثم قالت ليوسف
(اخرج عليهن) وكان في بيت فخرج يوسف عليهن فلما نظرن إليه أقبلن
يقطعن أيديهن وقلن كما حكى الله عز وجل (فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن
واعتدت لهن متكأ) اي أترنجة (وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج
عليهن فلما رأينه أكبرنه) إلى قوله (ان هذا إلا ملك كريم) فقالت امرأة
العزيز (فذلكن الذي لمتنني فيه) اي في حبه (ولقد راودته عن نفسه) اي
دعوته (فاستعصم) اي امتنع ثم قالت (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن
من الصاغرين) فما امسى يوسف في ذلك البيت حتى بعثت إليه كل امرأة رأته تدعوه
إلى نفسها فضجر يوسف فقال (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه والا
343

تصرف عني كيدهن) اي حيلهن (أصب إليهن) اي أميل إليهن وأمرت امرأة
العزيز بحبسه فحبس في السجن وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
(ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) فالآيات شهادة الصبي
والقميص المخرق من دبر واستباقهما الباب حتى سمع مجاذبتها إياه على الباب فلما
عصاها فلم تزل ملحة بزوجها حتى حبسه (ودخل معه السجن فتيان) يقول
عبدان للملك أحدهما خباز والآخر صاحب الشراب والذي كذب ولم ير المنام
هو الخباز، رجع إلى حديث علي بن إبراهيم قال ووكل الملك بيوسف رجلين
يحفظانه فلما دخلا السجن قالا له ما صناعتك؟ قال اعبر الرؤيا فرأى أحد
الموكلين في نومه كما قال الله عز وعلا (أعصر خمرا) قال يوسف تخرج وتصير
على شراب الملك وترتفع منزلتك عنده وقال الآخر (اني أراني احمل فوق رأسي
خبزا تأكل الطير منه) ولم يكن رأى ذلك فقال له يوسف أنت يقتلك الملك
ويصلبك وتأكل الطير من دماغك، فجحد الرجل وقال إني لم أر ذلك، فقال
يوسف كما قال الله تعالى (يا صاحبي السجن اما أحدكما فيسقى ربه خمرا واما الآخر
فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الامر الذي فيه تستفتيان) فقال أبو عبد الله
عليه السلام في قوله " انا نراك من المحسنين " قال كان يقوم على المريض ويلتمس
المحتاج ويوسع على المحبوس فلما أراد من رأى في نومه يعصر الخمر الخروج
من الحبس قال له يوسف (اذكرني عند ربك) فكان كما قال الله عز وجل
(فأنساه الشيطان ذكر ربه) أخبرنا الحسن به علي عن أبيه عن إسماعيل بن عمر
عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن يوسف اتاه جبرئيل فقال له:
يا يوسف ان رب العالمين يقرؤك السلام ويقول لك من جعلك في أحسن خلقه؟
قال فصاح ووضع خده على الأرض ثم قال أنت يا رب، ثم قال له: ويقول
لك من حببك إلى أبيك دون اخوتك؟ قال فصاح ووضع خده على الأرض
344

وقال أنت يا رب، قال ويقول لك: من أخرجك من الجب بعد ان طرحت فيها
وأيقنت بالهلكة؟ قال فصاح ووضع خده على الأرض ثم قال أنت يا رب قال:
فان ربك قد جعل لك جل عقوبة في استغاثتك بغيره فلبثت في السجن بضع
سنين، قال فلما انقضت المدة واذن الله له في دعاء الفرج فوضع خده على
الأرض ثم قال " اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني أتوجه إليك
بوجه آبائي الصالحين إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب " ففرج الله عنه، قلت
جعلت فداك أندعو نخن بهذا الدعاء؟ فقال ادع بمثله " اللهم ان كانت ذنوبي قد
اخلقت وجهي عندك فاني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة
والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام ".
قال علي بن إبراهيم ثم إن الملك رأى رؤيا فقال لوزرائه اني رأيت في
نومي (سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) اي مهازيل، ورأيت (سبع
سنبلات خضر واخر يابسات) وقرأ أبو عبد الله عليه السلام سبع سنابل خضر ثم قال
(يا أيها الملا أفتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون) فلم يعرفوا تأويل ذلك،
فذكر الذي كان على رأس الملك رؤياه التي رآها وذكر يوسف بعد سبع سنين
وهو قوله (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة) أي بعد حين (انا أنبئكم
بتأويله فارسلون) فجاء إلى يوسف فقال (أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات
سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات) قال يوسف
(تزرعون سبع سنين دأبا) اي ولاءا (فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا
مما تأكلون) أي لا تدوسوه فإنه يفسد في طول سبع سنين وإذا كان في سنبله
لا ينفسد (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن) اي سبع
سنين مجاعة شديدة يأكلن ما قدمتم لهن في السبع سنين الماضية قال الصادق عليه السلام
إنما نزل ما قربتم لهن (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون)
345

اي يمطرون، وقال أبو عبد الله عليه السلام قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام ثم يأتي
من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون قال ويحك اي شئ يعصرون
أيعصرون الخمر؟ قال الرجل يا أمير المؤمنين كيف اقرؤها؟ قال إنما نزلت
" عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " (1) اي يمطرون بعد سنين المجاعة والدليل
على ذلك قوله " وأنزلنا من المعصرات ماءا ثجاجا " فرجع الرجل إلى الملك
فأخبره بما قال يوسف فقال الملك (إئتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك)
يعني إلى الملك (فسئله ما بال النسوة التي قطعن أيديهن ان ربي بكيدهن عليم)
فجمع الملك النسوة فقال لهن (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن
حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص (2) الحق انا راودته
عن نفسه وانه لمن الصادقين ذلك ليعلم اني لم أخنه بالغيب وان الله لا يهدي
كيد الخائنين) أي لا اكذب عليه الآن كما كذبت عليه من قبل ثم قالت
الجزء (13) (وما أبرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء) اي تأمر بالسوء فقال الملك
(إئتوني به استخلصه لنفسي) فلما نظر إلى يوسف (قال إنك اليوم لدينا مكين
امين) سل حاجتك (قال اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم) يعني على
الكناديج والأنابير فجعله عليها وهو قوله (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض
يتبوء منها حيث يشاء) فامر يوسف ان يبنى كناديج (3) من صخر وطينها بالكلس (4)
ثم امر بزروع مصر فحصدت ودفع إلى كل انسان حصته وترك الباقي في سنبله
لم يدسه، فوضعها في الكناديج ففعل ذلك سبع سنين فلما جاء سني الجدب فكان
يخرج السنبل فيبيع بما شاء، وكان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوما وكانوا في
بادية وكان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا طعاما وكان يعقوب

(1) أي مبنيا للمجهول. واعصروا أي امطروا. والمعصرات السحاب
(2) حصحص. وضح
(3) جمع كندوج كصندوق شبه المخزن
(4) الكلس بالكسر الصاروج (النورة)
346

وولده نزولا في بادية فيه مقل (1) فاخذ اخوة يوسف من ذلك المقل وحملوه إلى
مصر ليمتاروا به وكان يوسف يتولى البيع بنفسه فلما دخلوا اخوته على يوسف
عرفهم ولم يعرفوه كما حكى الله عز وعلا (وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم)
وأعطاهم وأحسن إليهم في الكيل قال لهم من أنتم؟ قالوا نحن بنو يعقوب بن إسحاق
بن إبراهيم خليل الله الذي ألقاه نمرود في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه
بردا وسلاما، قال فما فعل أبوكم؟ قالوا شيخ ضعيف، قال فلكم أخ غيركم؟
قالوا لنا أخ من أبينا لا من امنا، قال فإذا رجعتم إلي فأتوني به وهو قوله
(ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون انى أوفي الكيل وانا خير المنزلين فإن لم
تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وانا لفاعلون)
ثم قال يوسف لقومه ردوا هذه البضاعة التي حملوها الينا واجعلوها فيما بين رحالهم
حتى إذا رجعوا إلى منازلهم ورأوها رجعوا الينا وهو قوله (وقال لفتيانه اجعلوا
بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون) يعني
كي يرجعوا (فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا
نكتل وانا له لحافظون) فقال يعقوب (هل آمنكم عليه إلا كما آمنتكم على أخيه
من قبل فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم
ردت إليهم) في رحالهم التي حملوها إلى مصر (قالوا يا أبانا ما نبغي) اي ما نريد
(هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل
يسير) فقال يعقوب (لن ارسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن
يحاط بكم فلما آتوه موثقهم) قال يعقوب (الله على ما نقول وكيل)
فخرجوا وقال لهم يعقوب (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة

(1) المقل بالضم صمغ شجرة نافع للسعال وهش الهوام والبواسير وتنقية الرحم
وتسهيل الولادة وانزال المشيمة وحصاة الكلية والرياح الغليظة مدرباه مسمن محلل
للاورام ق.
347

- إلى قوله - أكثر الناس لا يعلمون) فخرجوا وخرج معهم بنيامين وكان
لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم فلما وافوا مصر ودخلوا على يوسف وسلموا
فنظر يوسف إلى أخيه فعرفه فجلس منهم بالبعد، فقال يوسف أنت أخوهم؟
قال نعم، قال فلم لا تجلس معهم؟ قال لأنهم اخرجوا من أبي وأمي
ثم رجعوا ولم يردوه وزعموا أن الذئب اكله فآليت على نفسي ألا اجتمع
معهم على امر ما دمت حيا، قال فهل تزوجت؟ قال بلى، قال فولد لك ولد؟
قال بلى، قال كم ولد لك؟ قال ثلاث بنين، قال فما سميتهم؟ قال سميت
واحدا منهم الذئب وواحدا القميص وواحدا الدم، قال وكيف اخترت هذه
الأسماء؟ قال لئلا انسى أخي كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت أخي، قال
يوسف لهم اخرجوا وحبس بنيامين عنده فلما خرجوا من عنده قال يوسف
لأخيه انا أخوك يوسف (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ثم قال له انا أحب أن تكون
عندي، فقال لا يدعوني اخوتي فان أبي قد اخذ عليهم عهد الله وميثاقه
ان يردوني إليه، قال فانا احتال بحيلة فلا تنكر إذا رأيت شيئا ولا تخبرهم
فقال لا، فلما جهزهم بجهازهم وأعطاهم وأحسن إليهم قال لبعض قوامه اجعلوا هذا
الصواع في رحل هذا وكان الصواع الذي يكيلون به من ذهب فجعلوه في رحله من
حيث لم يقفوا عليه فلما ارتحلوا بعث إليهم يوسف وحبسهم ثم امر مناديا ينادي
(أيتها العير انكم لسارقون) فقال اخوة يوسف (ماذا تفقدون قالوا نفقد
صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم) اي كفيل فقال اخوة يوسف
ليوسف (تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) قال
يوسف (فما جزاؤه ان كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله) فخذه
فاحبسه (فهو جزاؤه كذلك تجزي الظالمين فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم
استخرجها من وعاء أخيه) فتشبثوا بأخيه وحبسوه وهو قوله (كذلك كدنا
348

ليوسف) اي احتلنا له (وما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع
درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم) فسئل الصادق عليه السلام عن قوله " أيتها
العير انكم لسارقون " قال ما سرقوا وما كذب يوسف فإنما عني سرقتم يوسف
من أبيه، وقوله أيتها العير معناه يا أهل العير ومثله قولهم لأبيهم (واسئل القرية التي
كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) يعني أهل العير فلما اخرج ليوسف الصواع من
رحل أخيه قال اخوته (ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل) يعنون يوسف
فتغافل يوسف عليهم وهو قوله (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم
شر مكانا والله أعلم بما تصفون) فاجتمعوا إلى يوسف وجلودهم تقطر دما اصفر
فكانوا يجادلونه في حبسه. وكانوا ولد يعقوب إذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر
ويقطر من رؤسهم دم اصفر وهم يقولون (يا أيها العزيز ان له أبا شيخا كبيرا
فخذ أحدنا مكانه انا نراك من المحسنين فأطلق عن هذا فلما رأى يوسف ذلك
(قال معاذ الله ان نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) ولم يقل إلا من سرق
متاعنا (انا إذا لظالمون فلما استيأسوا منه) وأرادوا الانصراف إلى أبيهم قال
لهم لاوي بن يعقوب (ألم تعلموا ان أباكم قد اخذ عليكم موثقا من الله) في هذا
(ومن قبل ما فرطتم في يوسف) فارجعوا أنتم إلى أبيكم فاما انا فلا ارجع إليه
(حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) ثم قال لهم (ارجعوا
إلى أبيكم فقولوا يا أبانا ان ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب
حافظين وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) اي أهل القرية وأهل
العير (وانا لصادقون).
قال فرجع اخوة يوسف إلى أبيهم وتخلف يهودا فدخل على يوسف
فكلمه حتى ارتفع الكلام بينه وبين يوسف وغضب وكانت على كتف يهودا شعرة
فقامت الشعرة فأقبلت تقذف بالدم وكان لا يسكن حتى يمسه بعض أولاد يعقوب، قال
349

فكان بين يدي يوسف ابن له في يده رمانة من ذهب يلعب بها فلما رأى يوسف
ان يهودا قد غضب وقامت الشعرة تقذف بالدم اخذ الرمانة من الصبي ثم دحرجها
نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فذهب غضبه، قال
فارتاب يهودا ورجع الصبي بالرمانة إلى يوسف ثم ارتفع الكلام بينهما حتى
غضب يهودا وقامت الشعرة تقذف بالدم فلما رأى ذلك يوسف دحرج الرمانة
نحو يهودا فتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فسكن غضبه وقال إن
في البيت لمن ولده يعقوب حتى صنع ذلك ثلاث مرات، فلما رجعوا اخوة يوسف
إلى أبيهم وأخبروه بخبر أخيهم قال يعقوب (بل سولت لكم أنفسكم امرا فصبر
جميل عسى الله ان يأتيني بهم جميعا انه هو العليم الحكيم ثم تولى عنهم وقال يا أسفا
على يوسف وابيضت عيناه من الحزن) يعني عميت من البكاء (فهو كظيم)
اي محزون والأسف أشد الحزن وسئل أبو عبد الله عليه السلام ما بلغ من حزن يعقوب على
يوسف؟ قال حزن سبعين ثكلى بأولادها وقال إن يعقوب لم يعرف الاسترجاع
ومن هنا قال وا أسفا على يوسف فقالوا له (تالله تفتؤ تذكر يوسف) اي
لا تفتؤ عن ذكر يوسف (حتى تكون حرضا) اي ميتا (أو تكون من الهالكين)
فقال (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون) حدثني أبي
عن حسان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له أخبرني عن يعقوب
حين قال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) أكان علم أنه حي وقد
فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه من البكاء عليه، قال نعم علم أنه حي حتى أنه
دعا ربه في السحر ان يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ملك الموت في أطيب
رائحة وأحسن صورة فقال له من أنت؟ قال انا ملك الموت أليس سألت الله
ان ينزلني عليك؟ قال نعم قال ما حاجتك يا يعقوب؟ قال له أخبرني عن
الأرواح تقبضها جملة أو تفاريقا؟ قال يقبضها أعواني متفرقة ثم تعرض علي
350

مجتمعة؟ قال يعقوب فأسألك بآله إبراهيم واسحق ويعقوب هل عرض عليك
في الأرواح روح يوسف فقال لا فعند ذلك علم أنه حي فقال لولده (اذهبوا
فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله انه لا ييئس من روح الله
إلا القوم الكافرون) فكتب عزيز مصر إلى يعقوب: اما بعد فهذا ابنك قد
اشتريته بثمن بخس دراهم معدودة وهو يوسف واتخذته عبدا وهذا ابنك
بنيامين وقد وجدت متاعي عنده واتخذته عبدا، فما ورد على يعقوب شئ
أشد عليه من ذلك الكتاب فقال للرسول مكانك حتى أجيبه فكتب إليه يعقوب
عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق بن إبراهيم
خليل الله اما بعد فقد فهمت كتابك تذكر فيه انك اشتريت ابني واتخذته عبدا
وان البلاء موكل ببني آدم ان جدي إبراهيم ألقاه نمرود ملك الدنيا في النار فلم
يحترق وجعلها الله عليه بردا وسلاما وان أبى اسحق (1) امر الله تعالى جدي

(1) قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في قصص الأنبياء: " اختلف
علماء الاسلام في تعيين الذبيح هل هو إسماعيل أو اسحق (ع) فذهبت الطائفة
المحقة من أصحابنا وجماعة من العامة إلى أنه إسماعيل (ع) والأخبار الصحيحة
دالة عليه مع دلالة غيرها من الآيات ودلائل العقل، وذهب طائفة من الجمهور
إلى أنه اسحق (ع) وبه اخبار واردة من الطرفين، وطريق تأويلها اما ان
تحمل على التقية، واما حملها على ما قاله الصدوق (رح) صار ذبيحا بالنية
والتمني قال الصدوق (رح) في العيون:
" قد اختلفت الروايات في الذبح، فمنها ما ورد بأنه إسماعيل، ومنها ما ورد
بأنه اسحق (ع) ولا سبيل إلى رد الاخبار متى صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل
عليه السلام لكن اسحق لما ولد بعد ذلك تمنى انه هو الذي امر أبوه بذبحه
فكان يصبر لامر الله كصبر أخيه فينال بذلك درجته في الثواب، فعلم الله
عز وجل من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه ذلك " ثم حمل رحمه الله قول
النبي صلى الله عليه وآله: " انا ابن الذبيحين " على ذلك (أقول) ان بعض الروايات
المعتبرة كرواية هذا التفسير وغيره آب عن الحمل فإنها مصرحة بذبح اسحق حقيقة
لا مجازا وفداه بكبش، فعليه لا مجال إلى ما ذهب إليه الصدوق رحمه الله من
الحمل فاما ان تحمل هذه الروايات - كما قال جدي رح - على التقية أو على تعدد
الواقعة. ج. ز
351

ان يذبحه بيده فلما أراد ان يذبحه فداه الله بكبش عظيم وانه كان لي ولد لم
يكن في الدنيا أحد أحب إلي منه وكان قرة عيني وثمرة فؤادي فأخرجوه اخوته
ثم رجعوا إلي وزعموا أن الذئب اكله فاحدودب لذلك ظهري وذهب من كثرة
البكاء عليه بصري وكان له أخ من أمه كنت آنس به فخرج مع اخوته إلى
ملكك ليمتاروا لنا طعاما فرجعوا وذكروا انه سرق صواع الملك وانك حبسته
وانا أهل بيت لا يليق بنا السرق ولا الفاحشة وانا أسألك بآله إبراهيم واسحق
ويعقوب إلا ما مننت علي به وتقربت إلى الله ورددته إلي " فلما ورد الكتاب
على يوسف اخذه ووضعه على وجهه وقبله وبكى بكاءا شديدا ثم نظر إلى اخوته
فقال (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون فقالوا أإنك لانت
يوسف فقال انا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله
لا يضيع اجر المحسنين) فقالوا كما حكى الله عز وجل (لقد آثرك الله علينا وان
كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم) اي لا تعيير (يغفر الله لكم وهو ارحم
الراحمين) قال فلما ولي الرسول إلى الملك بكتاب يعقوب رفع يعقوب يديه إلى
السماء فقال: " يا حسن الصحبة يا كريم المعونة يا خيرا كله ائتني بروح منك
352

وفرج من عندك " عليه جبرئيل عليه السلام فقال يعقوب الا أعلمك دعوات
يرد الله عليك بصرك وابنيك؟ قال نعم قال قل: " يامن لا يعلم أحد كيف
هو إلا هو يامن شيد (سد ط) السماء بالهواء وكبس الأرض على الماء واختار لنفسه
أحسن الأسماء ائتني بروح منك وفرج من عندك " قال فما انفجر عمود الصبح
حتى أوتي بالقميص فطرح عليه فرد الله عليه بصره وولده
قال ولما امر الملك بحبس يوسف في السجن ألهمه الله تأويل الرؤيا فكان
يعبر لأهل السجن فلما سألاه الفتيان الرؤيا وعبر لهما وقال للذي ظن أنه ناج منهما
اذكرني عند ربك ولم يفزع في تلك الحالة إلى الله فأوحى الله إليه من أراك
الرؤيا التي رأيتها؟ قال يوسف أنت يا رب قال فمن حببك إلى أبيك؟ قال أنت
يا رب، قال فمن وجه إليك السيارة التي رأيتها؟ قال أنت يا رب، قال فمن
علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعلت لك من الجب فرجا؟ قال أنت يا رب
قال فمن انطق لسان الصبي بعذرك؟ قال أنت يا رب قال فمن ألهمك تأويل الرؤيا؟
قال أنت يا رب، قال فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي وأملت عبدا من
عبيدي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي وفي قبضتي ولم تفزع إلي ولبثت السجن بضع
سنين! فقال يوسف: " أسئلك بحق آبائي وأجدادي عليك إلا فرجت عني "
فأوحى الله إليه يا يوسف وأي حق لآبائك وأجدادك علي؟ إن كان أبوك آدم
خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي وأسكنته جنتي وأمرته ان لا يقرب شجرة
منها فعصاني وسألني فتبت عليه، وإن كان أبوك نوح انتجبته من بين خلقي
وجعلته رسولا إليهم فلما عصوا دعاني فاستجبت له وأغرقتهم وأنجيته ومن معه في
الفلك، وإن كان أبوك إبراهيم اتخذته خليلا وأنجيته من النار وجعلتها بردا
وسلاما، وإن كان أبوك يعقوب وهبت له اثنى عشر ولدا فغيبت عنه واحدا
فما زال يبكي حتى ذهب بصره وقعد في الطريق يشكوني إلى خلقي فأي حق لآبائك
353

وأجدادك علي؟ قال فقال جبرئيل يا يوسف قل: أسألك بمنك العظيم وسلطانك
القديم فقالها فرأى الملك الرؤيا فكان فرجه فيها
وحدثني أبي عن العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال قال
السجان ليوسف اني لأحبك؟ فقال يوسف ما أصابني بلاء إلا من الحب ان
كانت عمتي (خالتي ط) أحبتني فسرقتني وإن كان أبي أحبني فحسدوني اخوتي وان كانت
امرأة العزيز أحبتني فحبستني، قال وشكى يوسف في السجن إلى الله فقال
يا رب بماذا استحققت السجن؟ فأوحى الله إليه أنت اخترته حين قلت: رب
السجن أحب إلي مما يدعونني إليه هلا قلت العافية أحب إلي مما يدعونني إليه،
وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن الحسن بن عمارة عن ابن سيارة عن أبي
عبد الله عليه السلام قال لما طرح اخوة يوسف يوسف في الجب دخل عليه جبرئيل
وهو في الجب فقال يا غلام من طرحك في هذا الجب؟ فقال له يوسف اخوتي
لمنزلتي من أبى وحسدوني لذلك في الجب طرحوني، قال فتحب ان تخرج منها
فقال له يوسف ذلك إلى إله إبراهيم واسحق ويعقوب، قال فان إله إبراهيم
واسحق ويعقوب يقول لك قل: " اللهم إني أسألك فان لك الحمد كله لا إله إلا
أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والاكرام (وم) صل على
محمد وآل محمد واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا وارزقني من حيث احتسب
ومن حيث لا احتسب " فدعا ربه فجعل الله لا من الجب فرجا ومن كيد المرأة
مخرجا وآتاه ملك مصر من حيث لا يحتسب.
واما قوله (اذهبوا بقميصي هذا فالقوة على وجه أبي يأت بصيرا واتوني
بأهلكم أجمعين) فإنه حدثني أبي عن علي بن مهزيار عن إسماعيل السراج عن
يونس بن يعقوب عن المفضل الجعفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أخبرني ما كان
قميص يوسف؟ قلت لا أدري قال إن إبراهيم لما أوقدت لما أوقدت له النار اتاه جبرئيل
354

بثوب من ثياب الجنة فالبسه إياه فلم يصبه معه حر ولا برد، فلما حضر إبراهيم
الموت جعله في تميمة وعلقه على اسحق وعلقه اسحق على يعقوب فلما ولد ليعقوب
يوسف علقه عليه فكان في عنقه حتى كان من امره ما كان فلما اخرج يوسف
القميص من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله (انى لأجد ريح يوسف لولا أن
تفندون) وهو ذلك القميص الذي انزل من الجنة قلت له جعلت فداك فإلى من
صار ذلك القميص؟ فقال إلى أهله ثم قال كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى
إلى محمد عليه وآله السلام وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العير من مصر فوجد
يعقوب ريحه وهو من ذلك القميص الذي اخرج من الجنة ونحن ورثته صلى الله عليه وآله.
أخبرنا الحسن بن علي عن أبيه عن الحسين (الحسن ط) بن بنت الياس وإسماعيل بن
همام عن أبي الحسن قال كانت الحكومة في بني إسرائيل إذا سرق أحد شيئا
استرق وكان يوسف عند عمته وهو صغير، وكانت تحبه وكانت لإسحاق منطقة
ألبسها يعقوب وكانت عند أخته وان يعقوب طلب يوسف ليأخذه من عمته
فاغتمت لذلك وقالت دعه حتى ارسله إليك واخذت المنطقة فشدت بها وسطه تحت
الثياب فلما اتى يوسف أباه جاءت فقالت قد سرقت المنطقة ففتشته فوجدتها معه
في وسطه فلذلك قالوا اخوة يوسف لما حبس يوسف أخاه حيث جعل الصواع في
وعاء أخيه فقال يوسف ما جزاء من وجد في رحله قالوا جزاؤه السنة التي تجري
فيهم فلذلك قالوا اخوة يوسف ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف
في نفسه ولم يبدها لهم.
قال علي بن إبراهيم ثم رجل يعقوب وأهله من البادية بعد ما رجع إليه
بنوه بالقميص فالقوه على وجهه فارتد بصيرا فقال لهم (ألم أقل لكم اني اعلم
من الله ما لا تعلمون قالوا له يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين قال لهم
سوف استغفر لكم ربي انه هو الغفور الرحيم) قال اخره إلى السحر لان الدعاء
355

والاستغفار فيه مستجاب، فلما وافى يعقوب وأهله وولده مصر قعد يوسف
على سريره ووضع تاج الملك على رأسه فأراد ان يراه أبوه على تلك الحالة، فلما
دخل أبوه لم يقم له فخروا كلهم له سجدا فقال يوسف (يا أبت هذا تأويل
رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء
بكم من البدو من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ان ربي لطيف لما يشاء
انه هو العليم الحكيم).
حدثني محمد بن عيسى عن يحيى بن أكثم وقال سأل موسى بن محمد بن
علي بن موسى مسائل فعرضها على أبي الحسن عليه السلام فكانت إحداها أخبرني عن
قول الله عز وجل ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا سجد يعقوب وولده
ليوسف وهم أنبياء، فأجاب أبو الحسن عليه السلام اما سجود يعقوب وولده ليوسف
فإنه لم يكن ليوسف وإنما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله وتحية ليوسف
كما كان السجود من الملائكة لآدم ولم يكن لآدم إنما كان ذلك منهم طاعة لله
وتحية لآدم فسجد يعقوب وولده وسجد يوسف معهم شكر الله لاجتماع شملهم ألم
تر انه يقول في شكره ذلك الوقت (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل
الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني
بالصالحين) فنزل جبرئيل فقال له يا يوسف اخرج يدك فأخرجها فخرج من بين أصابعه
نور، فقال ما هذا النور يا جبرئيل؟ فقال هذه النبوة أخرجها الله من صلبك لأنك
لم تقم لأبيك فحط الله نوره ومحى النبوة من صلبه وجعلها في ولد لاوي أخي يوسف
وذلك لأنهم لما أرادوا قتل يوسف قال " لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب "
فشكر الله له ذلك ولما أرادوا ان يرجعوا إلى أبيهم من مصر وقد حبس يوسف
أخاه قال " لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين "
فشكر الله له ذلك فكان أنبياء بني إسرائيل من ولد لاوي وكان موسى من ولد لاوي
356

وهو موسى بن عمران بن يهصر بن واهث (واهب ك) بن لاوي بن يعقوب
ابن إسحاق بن إبراهيم، فقال يعقوب لابنه يا بني أخبرني ما فعل بك اخوتك
حين أخرجوك من عندي؟
قال يا أبت اعفني من ذلك، قال أخبرني ببعضه؟
فقال يا أبت انهم لما أدنوني من الجب قالوا انزع قميصك فقلت لهم يا اخوتي اتقوا
الله ولا تجردوني فسلوا علي السكين وقالوا لان لم تنزع لنذبحنك فنزعت القميص
وألقوني في الجب عريانا، قال فشهق يعقوب شهقة وأغمي عليه فلما أفاق قال
يا بني حدثني فقال يا أبت أسألك باله إبراهيم واسحق ويعقوب إلا أعفيتني فأعفاه
قال ولما مات العزيز وذلك في السنين الجدبة افتقرت امرأة العزيز
واحتاجت حتى سألت الناس فقالوا ما يضرك لو قعدت للعزيز وكان يوسف
يسمى العزيز فقالت أستحي منه فلم يزالوا بها حتى قعدت له على الطريق فاقبل
يوسف في موكبه فقامت إليه وقالت: سبحان من جعل الملوك بالمعصية عبيدا
وجعل العبيد بالطاعة ملوكا، فقال لها يوسف، أنت هاتيك؟ فقالت نعم وكان
اسمها زليخا فقال لها هل لك في؟ قالت دعني بعد ما كبرت أتهزء بي؟ قال لا
قالت نعم فامر بها فحولت إلى منزله وكانت هرمة فقال لها يوسف ألست فعلت
بي كذا وكذا فقالت يا نبي الله لا تلمني فانى بليت ببلية لم يبل بها أحد قال
وما هي؟ قالت بليت بحبك ولم يخلق الله لك في الدنيا نظيرا وبليت بحسني
بأنه لم تكن بمصر امرأة أجمل مني ولا أكثر مالا مني نزع عني مالي وذهب عني
جمالي (وبليت بزوج عنين ط) فقال لها يوسف فما حاجتك؟ قالت تسأل الله
ان يرد علي شبابي فسأل الله فرد عليها شبابها فتزوجها وهي بكر، قالوا إن العزيز
الذي كان زوجها أولا كان عنينا وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في
قوله: " قد شغفها حبا " يقول قد حجبها حبه عن الناس فلا تعقل غيره والحجاب
هو الشغاف والشغاف هو حجاب القلب، قال علي بن إبراهيم ثم قال الله لنبيه
357

عليه السلام (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذا اجمعوا أمرهم وهم
يمكرون ثم قال وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين).
وقوله (وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها
معرضون) قال الكسوف والزلزلة والصواعق وقوله (وما يؤمن أكثرهم بالله
إلا وهم مشركون) فهذا شرك الطاعة أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا احمد
ابن محمد عن علي بن الحكم عن موسى بن بكر عن الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام في
قول الله تبارك وتعالى " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " قال شرك
طاعة وليس شرك عبادة والمعاصي التي يرتكبون شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان
فأشركوا بالله في الطاعة لغيره وليس باشراك عبادة ان يعبدوا غير الله وفي رواية
أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على
بصيرة انا ومن اتبعني) يعني نفسه ومن تبعه يعني علي بن أبي طالب وآل محمد
عليهم السلام، قال علي بن إبراهيم حدثني أبي عن علي بن أسباط قال قلت
لأبي جعفر الثاني عليه السلام يا سيدي ان الناس ينكرون عليك حداثة سنك قال
وما ينكرون علي من ذلك فوالله لقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله " قل هذه سبيلي ادعوا
إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني " فما اتبعه غير علي عليه السلام وكان ابن تسع سنين
وانا ابن تسع سنين وقوله (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا
جاءهم نصرنا) فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال وكلهم الله إلى أنفسهم فظنوا أن الشياطين قد تمثلت لهم في صورة
الملائكة ثم قال عز وجل (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) يعني
لأولي العقول (ما كان حديثا يفترى) يعني القرآن (ولكن تصديق الذي بين
يديه) يعني من كتب الأنبياء (وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون).
358

سورة الرعد مكية
آياتها ثلاث وأربعون
(بسم الله الرحمن الرحيم الر تلك آيات الكتاب والذي انزل إليك من
ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها)
يعني بغير أسطوانة ترونها (ثم استوى على العرش وسحر الشمس والقمر كل
يجري لأجل مسمى - إلي قوله - يتفكرون) فإنه محكم (وفي الأرض قطع
متجاورات) اي متصلة بعضها إلى بعض (وجنات من أعناب) اي بساتين
(وزرع ونخيل صنوان) والصنوان الفتالة التي نبتت من أصل الشجرة (وغير
صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل فمنه جلو ومنه
حامض ومنه مر يسقى بماء واحد (ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون) ثم حكى
عز وجل قول الدهرية من قريش فقال (وان تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا
لفي خلق جديد) ثم قال (أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الاغلال في أعناقهم
وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) وكانوا يستعجلون العذاب فقال الله عز وجل
(ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات) اي العذاب وقوله
(ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)
فإنه حدثني أبي عن حماد عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال المنذر رسول الله
صلى الله عليه وآله والهادي أمير المؤمنين (ع) وبعده الأئمة عليهم السلام وهو قوله
، ولكل قوم هاد " اي في كل زمان امام هاد مبين وهو رد على من ينكر ان
في كل عصر وزمان اماما وانه لا تخلو الأرض من حجة كما قال أمير المؤمنين
عليه السلام: " لا تخلو الأرض من امام قائم بحجة الله اما ظاهر مشهور واما
خائف مقهور لئلا يبطل حجج الله وبيناته " والهدى في كتاب الله عز وجل على
359

وجوه فمنه الأئمة (ع) وهو قوله " ولكل قوم هاد " اي امام مبين ومنه:
البيان وهو قوله " أو لم يهد لهم " اي يبين لهم وقوله " واما ثمود فهديناهم "
اي بينا لهم ومثله كثير ومنه: الثواب وهو قوله " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم
سبلنا وان الله لمع المحسنين " اي لنثيبنهم ومنه: النجاة وهو قوله " كلا ان معي
ربى سيهدين " أي سينجيني ومنه الدلالة وهو قوله " وأهديك إلى ربك "
اي أدلك.
واما قوله (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل
شئ عنده بمقدار) ما تغيض اي ما تسقط من قبل التمام " وما تزداد " يعني
على تسعة اشهر كلما رأت المرأة من حيض في أيام حملها زاد ذلك على حملها وفي
رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله (سواء منكم من أسر القول
ومن جهر به) فالسر والعلانية عنده سواء وقوله (مستخف بالليل) مستخف في
جوف بيته، وقال علي بن إبراهيم في قوله (وسارب بالنهار) يعنى تحت
الأرض فذلك كله عند الله عز وجل واحد يعلمه وقوله (له معقبات من بين
يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله) فإنها قرئت عند أبي عبد الله صلوات الله
عليه فقال لقاريها ألستم عربا فكيف تكون المعقبات من بين يديه؟ وإنما للعقب
من خلفه، فقال الرجل جعلت فداك كيف هذا؟ فقال إنما نزلت " له معقبات من
خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله " ومن ذا الذي يقدران يحفظ الشئ
من امر الله وهم الملائكة الموكلون بالناس وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله
يقول بأمر الله من أن يقع في ركي أو يقع عليه حائط أو يصيبه شئ حتى إذا
جاء القدر خلوا بينه وبينهم يدفعونه إلى المقادير وهما ملكان يحفظانه بالليل
وملكان بالنهار يتعاقبانه وقال علي بن إبراهيم في قوله (وإذا أراد الله بقوم
360

سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) اي من دافع وقوله (هو الذي يريكم
البرق خوفا وطمعا) يعني يخافه قوم ويطمع فيه قوم ان يمطروا (وينشئ
السحاب الثقال) يعني يرفعها من الأرض (ويسبح الرعد) الملك الذي يسوق
السحاب (والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون
في الله وهو شديد المحال) اي شديد الغضب، وفي رواية أبي الجارود عن
أبي جعفر عليه السلام في قوله (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا
كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) فهذا مثل ضربه الله للذين يعبدون الأصنام
والذين يعبدون آلهة من دون الله فلا يستجيبون لهم بشئ ولا ينفعهم إلا كباسط
كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ليتناوله من بعيد ولا يناله، وقال علي بن إبراهيم في
قوله (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) اي في بطلان وحدثني أبي عن أحمد بن
النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال جاء رجل؟ إلى النبي
صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله رأيت امرا عظيما فقال وما رأيت؟ قال كان لي مريض
ونعت له ماء من بئر بالأحقاف يستشفى به في برهوت قال فانتهيت ومعي قربة
وقدح لآخذ من مائها واصب في القربة وإذا بشئ قد هبط من جو السماء كهيئة
السلسلة وهو يقول يا هذا اسقني الساعة أموت، فرفعت رأسي ورفعت إليه
القدح لأسقيه فإذا رجل في عنقه سلسلة فلما ذهبت أناوله القدح فاجتذب مني
حتى علق بالشمس ثم أقبلت على الماء اغرف إذ اقبل الثانية وهو يقول العطش
العطش اسقني يا هذا الساعة أموت فرفعت القدح لأسقيه فاجتذب مني حتى علق
بالشمس حتى فعل ذلك ثالثة فقمت وشددت قربتي ولم اسقه فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله ذلك قابيل بن آدم الذي قتل أخاه وهو قول الله عز وجل " والذين يدعون
من دونه لا يستجيبون لهم بشئ - إلى قوله - إلا في ضلال " وقوله " ولله يسجد
من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) قال بالعشي
361

قال ظل المؤمن يسجد طوعا وظل الكافر يسجد كرها وهو نموهم وحركتهم
وزيادتهم ونقصانهم.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله " ولله يسجد من في
السماوات والأرض طوعا وكرها الآية " اما من يسجد من أهل السماوات طوعا
فالملائكة يسجدون لله طوعا ومن يسجد من أهل الأرض طوعا فمن ولد في
الاسلام فهو يسجد له طوعا واما من يسجد كرها فمن أجبر على الاسلام واما
من لم يسجد فظله يسجد له بالغداة والعشي وقوله (قل من رب السماوات
والأرض قل الله قل أفتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا
قل هو يستوي الأعمى والبصير) يعني المؤمن والكافر (أم هل تستوي الظلمات
والنور) اما الظلمات فالكفر واما النور فهو الايمان واما قوله (انزل من السماء
ماءا فسالت أودية بقدرها) يقول الكبير على قدر كبره والصغير على قدر
صغره (فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع
زبد مثله) قول الله " انزل من السماء ماءا " يقول انزل الحق من السماء فاحتملته
القلوب بأهوائها ذو اليقين على قدر يقينه وذو الشك على قدر شكه فاحتمل الهوى
باطلا كثيرا وجفاءا، فالماء هو الحق والأودية هي القلوب والسيل هو الهوى
والزبد هو الباطل والحلية والمتاع هو الحق قال الله (كذلك يضرب الله الحق
والباطل فاما الزبد فيذهب جفاءا واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) فالزبد
خبث الحلية هو الباطل والمتاع والحلية هو الحق من أصاب الزبد وخبث الحلية في
الدنيا لم ينتفع به وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به واما الحلية والمتاع
فهو الحق من أصاب الحلية والمتاع في الدنيا انتفع به وكذلك صاحب الحق يوم
القيامة ينتفع به (كذلك يضرب الله الأمثال).
وقال علي بن إبراهيم في قوله " قل رب السماوات والأرض قل الله "
362

الآية محكمة وقوله " انزل من السماء ماءا فسالت أودية بقدرها فاحتمل
السيل زبدا رابيا " اي مرتفعا " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية " يعني
ما يخرج من الماء من الجواهر وهو مثل اي يثبت الحق في قلوب المؤمنين
وفي قلوب الكفار لا يثبت " كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب
جفاءا " يعني بطل " واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " وهذا مثل للمؤمنين
والمشركين فقال عز وجل (كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم
الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا
به أولئك لهم سوء الحساب ومأويهم جهنم وبئس المهاد) فالمؤمن إذا سمع
الحديث ثبت في قلبه واجابه وآمن به فهو مثل الماء الذي يبقى في الأرض فينبت
النبات والذي لا ينتفع به يكون مثل الزبد الذي تضربه الرياح فيبطل وقوله
" وبئس المهاد " قال يمهدون في النار ثم قال (أفمن يعلم إنما انزل إليك من ربك
الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب) اي أولو العقول وقوله (الذين
يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل
ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) فإنه حدثني أبي عن محمد بن الفضيل
عن أبي الحسن (ع) قال إن رحم آل محمد صلى الله عليه وآله معلقة بالعرش يقول اللهم
صل من وصلني واقطع من قطعني وهي تجري في كل رحم ونزلت هذه الآية
في آل محمد وما عاهدهم عليه وما اخذ عليهم من الميثاق في الذر من ولاية
أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة عليهم السلام بعده وهو قوله " الذين يوفون
بعهد الله ولا ينقضون الميثاق الآية " ثم ذكر أعداءهم فقال (الذين ينقضون
عهد الله من بعد ميثاقه) يعنى أمير المؤمنين (ع) وهو الذي اخذ الله عليهم
في الذر واخذ عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم ثم قال (أولئك لهم اللعنة ولهم
سوء الدار) وقوله (ويخافون سوء الحساب) فإنه دخل رجل على أبي عبد الله
363

عليه السلام فقال أبو عبد الله ما لفلان يشكوك قال طالبته بحقي فقال أبو عبد الله (ع)
وترى انك إذا استقصيت عليه لم تسئ به أترى الذي حكى الله عز وجل في قوله
" ويخافون سوء الحساب " اي يجور الله عليهم (1) والله ما خافوا ذلك ولكنهم
خافوا الاستقصاء فسماه الله سوء الحساب وقوله (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم
وأقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة) يعني
يدفعون وحدثني أبي عن حماد عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي يا علي ما من دار فيها فرحة إلا تبعها ترحة (2) وما من
هم إلا وله فرج إلا هم أهل النار فإذا عملت سيئة فاتبعها بحسنة تمحها سريعا
وعليك بصنايع الخير فإنها تدفع مصارع السوء وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله
لأمير المؤمنين عليه السلام على حد التأديب للناس لا بان أمير المؤمنين عليه السلام له
سيئات عملها.
وحدثني أبي عن النضر بن سويد عن محمد بن قيس عن ابن أبي يسار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال اقبل رسول الله صلى الله عليه وآله يوما واضعا يده على كتف العباس
فاستقبله أمير المؤمنين عليه السلام فعانقه رسول الله صلى الله عليه وآله وقبل ما بين عينيه ثم سلم
العباس على علي فرد عليه ردا خفيفا فغضب العباس فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله لا يدع
على زهوه فقال رسول الله: يا عباس لا تقل ذلك في علي فاني لقيت جبرئيل
آنفا فقال لي لقيني الملكان الموكلان بعلي الساعة فقالا ما كتبنا (3) عليه ذنبا منذ

(1) جار عن الشئ اي مال عنه.
(2) الترحة كفرحة معناه الحزن.
(3) ان الملك الموكل على السيئات واحد، فمشاركة الملك الثاني في هذا
القول من باب التغليب والشهادة. ج. ز
364

ولد إلى هذا اليوم، وقوله (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم
وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم
فنعم عقبى الدار) قال نزلت في الأئمة عليهم السلام وشيعتهم الذين صبروا وحدثني
أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال نحن صبرنا وشيعتنا
اصبر منا لأنا صبرنا بعلم وصبروا على ما لا يعلمون وقوله (الذين آمنوا وتطمئن
قلوبهم بذكر الله) قال الذين آمنوا الشيعة وذكر الله أمير المؤمنين والأئمة عليهم
السلام ثم قال (ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى
لهم وحسن مآب) اي حسن مرجع وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي
ابن رياب عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: طوبى شجرة في الجنة في دار
أمير المؤمنين عليه السلام وليس أحد من شيعته إلا وفي داره غصن من أغصانها وورقة
من أوراقها يستظل تحتها أمة من الأمم وعنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكثر
تقبيل فاطمة عليها السلام فأنكرت ذلك عائشة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عائشة
اني لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني
من ثمارها فأكلت فحول الله ذلك ماءا في ظهري فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة
فحملت بفاطمة فما قبلتها قط إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها وقوله (ولو أن
قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الامر
جميعا) قال لو كان شئ من القرآن كذلك لكان هذا وقوله (أفلم ييئس الذين
آمنوا ان لو يشاء الله لهدى الناس جميعا) يعني جعلهم كلهم مؤمنين وقوله
(ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) اي عذاب.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ولا يزال الذين
كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة " وهي النقمة (أو تحل قريبا من دارهم) فتحل
بقوم غيرهم فيرون ذلك ويسمعون به والذين حلت بهم عصاة كفار مثلهم، ولا
365

يتعظ بعضهم ببعض ولن يزالوا كذلك (حتى يأتي وعد الله) الذي وعد
المؤمنين من النصر ويخزي الله الكافرين وقال علي بن إبراهيم في قوله (فأمليت
للذين كفروا ثم اخذتهم) اي طولت لهم الامل ثم أهلكتهم وفي رواية أبي الجارود
عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله
شركاء قل سموهم أم تنبؤنه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول) الظاهر
من القول هو الرزق وقال علي بن إبراهيم في قوله (وما لهم من الله من واق)
اي من دافع (وعقبى الكافرين النار) اي عاقبة ثوابهم النار قال أبو عبد الله
عليه السلام ان ناركم هذه جزؤ من سبعين جزءا من نار جهنم وقد أطفئت سبعين مرة
بالماء ثم التهبت ولولا ذلك ما استطاع آدمي ان يطفيها وانها ليؤت بها يوم القيامة
حتى توضع على النار فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثى
على ركبتيه فزعا من صرختها، وفي رواية أبى الجارود في قوله (الذين آتيناهم
الكتاب يفرحون بما انزل إليك) فرحوا بكتاب الله إذا تلي عليهم وإذا تلوه
تفيض أعينهم دمعا من الفزع والحزن وهو علي بن أبي طالب عليه السلام وهي في قراءة
ابن مسعود " والذي أنزلنا إليك الكتاب هو الحق ومن يؤمن به " اي علي بن أبي
طالب يؤمن به (ومن الأحزاب من ينكر بعضه) أنكروا من تأويل ما أنزله
في علي وآل محمد صلوات الله عليهم وآمنوا ببعضه فاما المشركون فأنكروه كله
أوله وآخره وأنكروا ان محمدا رسول الله، وقال علي بن إبراهيم في قوله (لكل
اجل كتاب يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) فإنه حدثني أبي عن
النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال إذا كانت ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى سماء الدنيا فيكتبون
وما يكون من قضاء الله تبارك وتعالى في تلك السنة فإذا أراد الله ان يقدم أو
يؤخر أو ينقص شيئا أو يزيده امر الله ان يمحوا ما يشاء ثم أثبت الذي أراد،
366

قلت وكل شئ عنده بمقدار مثبت في كتابه؟ قال نعم قلت فأي شئ يكون
بعده قال سبحان الله ثم يحدث الله أيضا ما يشاء تبارك الله وتعالى وقوله (أولم
يروا انا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) فقال موت علمائها (والله يحكم
لا معقب لحكمه) اي لا مانع وقوله (وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر
جميعا) قال المكر من الله هو العذاب (وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) اي
ثواب القيامة وقوله (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)
فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام قال الذي
عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين عليه السلام وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب
اعلم أم الذي عنده علم الكتاب فقال ما كان علم الذي عنده علم من الكتاب عند
الذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر،
فقال أمير المؤمنين عليه السلام ألا ان العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى الأرض
وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله
سورة إبراهيم مكية
وهي اثنتان وخمسون آية
(بسم الله الرحمن الرحيم الر كتاب أنزلناه إليك - يا محمد - لتخرج الناس
من الظلمات إلى النور باذن ربهم) يعني من الكفر إلى الايمان (إلى صراط
العزيز الحميد) والصراط الطريق الواضح وامامة الأئمة عليهم السلام وقوله (الله
الذي له ما في السماوات وما في الأرض - إلى قوله - وهو العزيز الحكيم) فهو محكم
وقوله (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ان اخرج قومك من الظلمات إلى النور
وذكرهم بأيام الله) قال أيام الله ثلاثة: يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة وقوله
(وإذ تأذن ربكم لان شكرتم لأزيدنكم ولان كفرتم ان عذابي لشديد) فهذا
367

كفر النعم ثم قال أبو عبد الله عليه السلام أيما عبد أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه
وحمد الله عليها بلسانه لم تنفد حتى يأمر الله له بالزيادة وهو قوله " لان شكرتم
لأزيدنكم " وقوله (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح إلى قوله - فردوا
أيديهم في أفواههم) يعني في أفواه الأنبياء (وقالوا انا كفرنا بما أرسلتم به وانا
لفي شك مما تدعوننا إليه مريب) وقوله (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم
من ارضنا أو لتعودن في ملتنا) فإنه حدثني أبي رفعه إلي النبي صلى الله عليه وآله قال من
آذى جاره طمعا في مسكنه ورثه الله داره وهو قوله (وقال الذين كفروا - إلى
قوله - فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم) وقوله
(واستفتحوا) اي دعوا (وخاب كل جبار عنيد) اي خسروا وفي رواية
أبي الجارود قال العنيد المعرض عن الحق.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد)
قال ما يخرج من فروج الزواني وقوله (يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت
من كل مكان وما هو بميت) قال يقرب إليه فيكرهه وإذا ادني منه شوى وجهه
ووقعت فروة رأسه فإذا شرب تقطعت أمعاؤه ومزقت إلى تحت قدميه وانه ليخرج
من أحدهم مثل الوادي صديدا وقيحا ثم قال وانهم ليبكون حتى تسيل من
دموعهم فوق وجوههم جداول ثم تنقطع الدموع فتسيل الدماء حتى لو أن السفن
أجريت فيها لجرت وهو قوله " وسقوا ماءا حميما فقطع أمعاءهم " وقوله (مثل
الذين كفروا بربهم اعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) قال من لم
يقر بولاية أمير المؤمنين عليه السلام بطل عمله مثل الرماد الذي يجيئ الريح فتحمله
(وبرزوا لله جميعا) معناه مستقبل انهم يبرزون واللفظ ماض وقوله (لو هدانا
الله لهديناكم) فالهدى ههنا هو الثواب (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من
محيص) اي مفر (وقال الشيطان لما قضي الامر) اي لما فرغ من امر الدنيا من
368

من أوليائه (ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من
سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما انا بمصرخكم)
اي بمعينكم (وما أنتم بمصرخي) اي بمعيني (اني كفرت بما أشركتمون من قبل)
يعني في الدنيا ثم قال عز وجل (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة
طيبة أصلها نابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله
الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) فحدثني أبى عن الحسن بن محبوب عن أبي جعفر
الأحول عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن قول الله " مثل
كلمة طيبة الآية " قال الشجرة رسول الله صلى الله عليه وآله أصلها نسبه ثابت في بني هاشم
وفرع الشجرة علي بن أبي طالب عليه السلام وغصن الشجرة فاطمة عليها السلام وثمرتها
الأئمة من ولد على وفاطمة عليهم السلام وشيعتهم ورقها وان المؤمن من شيعتنا
ليموت فتسقط من الشجرة ورقة وان المؤمن ليولد فتورق الشجرة ورقة قلت
أرأيت قوله " تؤتي اكلها كل حين باذن ربها " قال يعني بذلك ما يفتون به
الأئمة شيعتهم في كل حج وعمرة من الحلال والحرام ثم ضرب الله لأعداء محمد
مثلا فقال (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من
قرار " وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال كذلك الكافرون لا تصعد
اعمالهم إلى السماء وبنو أمية لا يذكرون الله في مجلس ولا في مسجد ولا تصعد
اعمالهم إلى السماء إلا قليل منهم.
قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت
في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين) فإنه حدثني أبي عن علي بن
مهزيار عن عمر بن عثمان عن المفضل بن صالح عن جابر عن إبراهيم بن العلي عن
سويد بن علقمة (غفلة ط) عن أمير المؤمنين عليه السلام قال إن ابن آدم إذا كان في آخر يوم من
أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة مثل له أهله وما له وولده وعمله فيلتفت
369

إلى ماله فيقول والله اني كنت عليك لحريصا شحيحا فما عندك؟ فيقول خذ مني
كفنك " ثم يلتفت إلى ولده فيقول والله انى كنت لكم لمحبا واني كنت عليكم
لمحاميا فماذا عندكم؟ فيقولون نؤديك إلى حفرتك ونواريك فيها، ثم يلتفت
إلى عمله فيقول والله اني كنت فيك لزاهدا وانك كنت علي لثقيلا فماذا عندك؟
فيقول انا قربنك في قبرك ويوم حشرك حتى اعرض انا وأنت على ربك فإن كان
لله وليا اتاه أطيب الناس ريحا وأحسنهم منظرا وأزينهم رياشا فيقول ابشر بروح
من الله وريحان وجنة نعيم وقد قدمت خير مقدم فيقول من أنت؟ فيقول انا
عملك الصالح ارتحل من الدنيا إلى الجنة وانه ليعرف غاسله ويناشد حامله ان
يعجله فإذا ادخل قبره اتاه ملكان وهما فتانا القبر يجران اشعارهما وينحتان
الأرض بأنيابهما وأصواتهما كالرعد العاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيقولان
له من ربك ومن نبيك وما دينك (1)؟ فيقول: الله ربى ومحمد نبيي والاسلام
ديني (2) فيقولان ثبتك الله بما تحب وترضى وهو قول الله " يثبت الله الذين آمنوا
بالقول الثابت " فيفسحان له في قبره مد بصره ويفتحان له بابا إلى الجنة ويقولان
له نم قرير العين نوم الشاب الناعم وهو قوله " أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا
وأحسن مقيلا " (3) وإذا كان لربه عدوا فإنه يأتيه أقبح خلق الله رياشا وانتنه
ريحا فيقول له من أنت؟ فيقول له انا عملك ابشر (بنزل من حميم وتصلية
جحيم) وانه ليعرف غاسله ويناشد حامله ان يحبسه فإذا ادخل قبره اتياه مفتحيا

(1) وفى نسخة ط " من امامك "
(2) وفى ط " وعلي عليه السلام والأئمة امامي "
(3) الفرقان 24، وفي تفسير الصافي ان المقيل مكان يبات فيه لوقت يسير
فعلى هذا هذه الآية تدل على ثواب الله في البرزخ لان الجنة لا نوم فيها فلا
تكون مرادا منها. ج. ز
370

القبر فألقيا أكفانه ثم قالا له من ربك ومن نبيك وما دينك؟ فيقول لا أدري
فيقولان له لا دريت ولا هديت فيضربانه بمرزبة (1) ضربة ما خلق الله دابة إلا
وتذعر لها ما خلا الثقلين ثم يفتحان له بابا إلي النار ثم يقولان له نم بشر حال
فهو من الضيق مثل ما فيه القنا من الزج (2) حتى أن دماغه يخرج مما بين ظفره
ولحمه ويسلط عليه حيات الأرض وعقاربها وهوامها فتنهشه حتى يبعثه الله من قبره
وانه ليتمنى قيام الساعة مما هو فيه من الشر.
واما قوله (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) قال نزلت في الأفجرين من قريش حدثني أبي عن محمد
ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن قول الله
ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال نزلت في الأفجرين من قريش ومن بني
أمية وبني المغيرة فاما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر، واما بنو أمية فمتعوا
إلى حين ثم قال ونحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده وبنا يفوز من فاز ثم
قال لهم تمتعوا فان مصيركم إلى النار وقوله (يوم لا بيع فيه ولا خلال) أي
لا صداقة وقوله (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) اي على الولاء وقوله يحكى
قول إبراهيم (وإذا قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا) يعني مكة (واجنبني
وبني ان نعبد الأصنام رب انهن أضللن كثيرا من الناس) فان الأصنام لم تضل
وإنما ضل الناس بها وقوله (ربنا اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند
بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من
الثمرات) اي من ثمرات القلوب (لعلهم يشكرون) يعني كي يشكروا وحدثني أبي
عن حماد عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ربنا انى أسكنت من ذريتي الآية "
قال نحن والله بقية تلك العترة واما قوله (ربنا اغفر لي ولوالدي) قال إنما نزلت

(1) المرزبة بكسر الميم وتشديد الياء عصية حديد
(2) الزج بالضم حديدة في أسفل الرمح. ج. ز
371

" ولولدي إسماعيل واسحق " وقوله (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما
يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار) قال تبقى أعينهم مفتوحة من هول جهنم
لا يقدرون ان يطرفوها وقوله (أفئدتهم هواء) قال قلوبهم تنصدع من الخفقان
ثم قال (وانذر الناس - يا محمد - يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا
اخرنا إلى اجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم) اي حلفتم
(من قبل ما لكم من زوال) اي ولا تهلكون (وسكنتم في مساكن الذين
ظلموا أنفسهم) يعني ممن هلكوا من بني أمية (وتبين لكم كيف فعلنا بهم
وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم - ثم قال - وإن كان
مكرهم لتزول منه الجبال) قال مكر بني فلان وقوله (يوم تبدل الأرض غير
الأرض) قال تبدل خبزة بيضاء نقية في الموقف يأكل منها المؤمنون (وترى
المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد) قال مقيدين بعضهم إلى بعض (سرابيلهم من
قطران) قال السرابيل القميص وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله
" سرابيلهم من قطران " وهو الصفر الحار الذائب يقول انتهى حره يقول الله
(وتغشى وجوههم النار) سربلوا ذلك الصفر فتغشى وجوههم النار وقال علي
ابن إبراهيم في قوله (هذا بلاغ للناس) يعني محمدا (ولينذروا به وليعلموا
إنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب) اي أولو العقول.
سورة الحجر مكية
الجزء (14) آياتها تسع وتسعون
(بسم الله الرحمن الرحيم الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود
الذين كفروا لو كانوا مسلمين) حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن
أذينة عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند
372

الله لا يدخل الجنة إلا مسلم فيومئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ثم قال
(ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الامل) اي يشغلهم (فسوف يعلمون) وقوله
(وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) اي اجل مكتوب ثم حكى قول
قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون لو ما
تأتينا بالملائكة ان كنت من الصادقين) اي هلا تأتينا فرد الله عز وجل عليهم
فقال (ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين) فقال لو أنزلنا الملائكة
لم ينظروا وهلكوا ثم قال (ولو فتحنا) أيضا (عليهم بابا من السماء فظلوا فيه
يعرجون لقالوا إنما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون ولقد جعلنا في
السماء بروجا) قال منازل الشمس والقمر (وزيناها للناظرين) بالكواكب
(وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين) قال
لم تزل الشياطين تصعد إلى السماء وتتجسس حتى ولد النبي صلى الله عليه وآله وروي عن آمنة
أم النبي صلى الله عليه وآله انها قالت لما حملت برسول الله صلى الله عليه وآله لم اشعر بالحمل ولم يصبني
ما يصيب النساء من ثقل الحمل ورأيت في نومي كأن آتيا اتاني فقال لي قد حملت
بخير الأنام ثم وضعته يتقي (قابض ك) الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى
السماء وخرج مني نور أضاء ما بين السماء إلى الأرض ورميت الشياطين بالنجوم
وحجبوا من السماء ورأت قريش الشهب تتحرك وتزول وتسير في السماء ففزعوا
وقالوا هذا قيام الساعة واجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة وكان شيخا كبيرا مجربا
فسألوه عن ذلك فقال انظروا إلى هذه النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر
والبحر فان كانت قد زالت فهي الساعة وان كانت هذه ثابتة فهو لامر قد حدث
وكان بمكة رجل يهودي يقال له يوسف فلما رأى النجوم تتحرك وتسير في
السماء خرج إلى نادي قريش فقال: يا معشر قريش! هل ولد منكم الليلة مولود؟
فقالوا لا فقال أخطأتم والتوراة قد ولد في هذه الليلة آخر الأنبياء وأفضلهم وهو
373

الذي نجده في كتبنا انه إذا ولد ذلك النبي رجمت الشياطين وحجبوا من السماء فرجع
كل واحد إلى منزله يسأل أهله فقالوا قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب ابن،
فقال اليهودي اعرضوه علي، فمشوا معه إلى باب آمنة فقالوا لها أخرجي
ابنك بنظر إليه هذا اليهودي فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه وكشف عن كتفه
فرأى شامة سوداء عليه شعرات فسقط إلى الأرض مغشيا عليه فضحكوا منه
فقال أتضحكون يا معشر قريش هذا نبي السيف ليبيدنكم وذهبت النبوة من بني إسرائيل
إلى آخر الأبد وتفرق الناس يتحدثون بخبر اليهودي.
فلما رميت الشياطين بالنجوم وأنكروا ذلك اجتمعوا إلى إبليس فقالوا قد
منعنا من السماء وقد رمينا بالشهب فقال اطلبوا فان امرا قد حدث في الدنيا
فرجعوا وقالوا لم نر شيئا فقال إبليس انا له بنفسي فجال ما بين المشرق والمغرب
حتى انتهى إلى الحرم فرآه محفوفا بالملائكة وجبرئيل على باب الحرم بيده حربة
فأراد إبليس ان يدخل فصاح به جبرئيل فقال اخسأ يا ملعون فجاء من قبل حراء (
فصار مثل الصد (2) ثم قال يا جبرئيل حرف أسئلك عنه؟ قال وما هو قال
ما هذا وما اجتماعكم في الدنيا فقال هذا نبي هذه الأمة قد ولد وهو اخر
الأنبياء وأفضلهم قال هل لي فيه نصيب قال لا قال ففي أمته؟ قال بلى قال قد
رضيت وقوله (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي) اي الجبال (وأنبتنا فيها
من كل شئ موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين) قال لكل
ضرب من الحيوان قدرنا شيئا مقدراء
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " وأنبتنا فيها من كل
شئ موزون " فان الله تبارك وتعالى انبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر

(1) حراء بالكسر والمد جبل بمكة. مجمع
(2) الصد بالضم والفتح جبل أو سحاب مرتفع، وفى بعض الروايات انه صار مثل
العصفور. ج ز
374

والصفر والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ وأشباه هذه لاتباع إلا
وزنا، وقال علي بن إبراهيم في وقوله (وان من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله
إلا بقدر معلوم) قال الخزانة الماء الذي ينزل من السماء وينبت لكل ضرب من
الحيوان ما قدر الله له من الغذاء وقوله (أرسلنا الرياح لواقح) قال التي تلقح
الأشجار وقوله (وأنزلنا من السماء ماءا فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين) أي
لا تقدرون ان تخزنوه (وانا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون) اي نرث
الأرض ومن عليها وقوله (ولقد خلقنا الانسان من صلصال) قال الماء
المتصلصل بالطين (من حمأ مسنون) قال حمأ متغير وقوله (والجان خلقناه من قبل
من نار السموم) وقال هو أبو إبليس وقال الجن من ولد الجان منهم مؤمنون
ومنهم كافرون ويهود ونصارى وتختلف أديانهم والشياطين من ولد إبليس وليس فيهم
مؤمن إلا واحد اسمه هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فرآه جسيما عظيما وامرءا مهولا فقال له من أنت؟ قال انا هام بن هيم من
لاقيس بن إبليس قال كنت يوم قتل هابيل غلاما ابن أعوام انهي عن
الاعتصام وآمر بافساد الطعام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بئس لعمري الشاب المؤمل
والكهل المؤمر فقال دع عنك هذا يا محمد! فقد جرت توبتي على يد نوح ولقد
كنت معه في السفينة فعاتبته على دعائه على قومه ولقد كنت مع إبراهيم حيث
القي في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما ولقد كنت مع موسى حين أغرق الله
فرعون ونجى بني إسرائيل ولقد كنت مع هود حين دعا على قومه فعاتبته ولقد
كنت مع صالح فعاتبته على دعائه على قومه ولقد قرأت الكتب فكلها تبشرني
بك والأنبياء يقرؤنك السلام ويقولون أنت أفضل الأنبياء وأكرمهم فعلمني مما
انزل الله عليك شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام علمه فقال
هام يا محمد انا لا نطيع الا نبيا أو وصي نبي فمن هذا؟ قال هذا أخي ووصيي
375

ووزيري ووارثي علي بن أبي طالب قال نعم نجد اسمه في الكتب " اليا " فعلمه
أمير المؤمنين عليه السلام فلما كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام قوله
(وإذا قال ربك للملائكة انى خالق بشرا من صلصال) فقد كتبنا خبره (1)
وقوله (وان جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم)
قال يدخل في كل باب أهل ملة وللجنة ثمانية أبواب وفي رواية أبى الجارود عن أبي
جعفر عليه السلام في قوله " ان جهنم لموعدهم أجمعين " فوقوفهم على الصراط واما
لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم فبلغني والله أعلم ان الله جعلها سبع
درجات أعلاها: الجحيم يقوم أهلها على الصفا منها تغلي أدمغتهم فيها كغلي
القدور بما فيها والثانية: لظى نزاعة للشوى تدعو من ادبر وتولى وجمع فاوعى
والثالثة: سقر لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر، والرابعة: الحطمة
ترمي بشرر كالقصر كأنها جمالات صفر، تدق كل من صار إليها مثل الكحل،
فلا تموت الروح كلما صاروا مثل الكحل عادوا، والخامسة: الهاوية فيها ملك
يدعون يا مالك أغثنا فإذا أغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار فيها صديد ماء
يسيل من جلودهم كأنه مهل فإذا رفعوه ليشربوا منه تساقط لحم وجوههم فيها
من شدة حرها وهو قول الله " وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه
بئس الشراب وسائت مرتفقا " ومن هوى فيها هوى سبعين عاما في النار كلما
احترق جلده بدل جلد غيره، والسادسة: السعير فيها ثلاث مائة سرادق من نار
في كل سرادق ثلاث مائة قصر من نار، في كل قصر ثلاث مائة بيت من نار،
وفي كل بيت ثلاث مائة لون من عذاب النار، فيها جبات من نار وعقارب من
نار وجوامع من نار وسلاسل وأغلال من نار وهو الذي يقول الله " انا

(1) فراجع ص 37 من هذا الكتاب.
376

اعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا " والسابعة جهنم وفيها الفلق وهو جب
في جهنم إذا فتح أسعر النار سعرا وهو أشد النار عذابا واما صعود، فجبل من
صفر من نار وسط جهنم واما آثاما فهو واد من صفر مذاب يجري حول الجبل
فهو أشد النار عذابا.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (ونزعنا ما في صدورهم من غل) قال
العداوة وقوله (لا يمسنا فيها نصب) أي تعب وعناء وقوله (نبئ عبادي) اي
أخبرهم (اني انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الأليم ونبئهم عن ضيف
إبراهيم) فقد كتبنا خبرهم (1) وقوله (وقضينا إليه ذلك الامر) اي أعلمناه
(ان دابر هؤلاء) يعني قوم لوط (مقطوع مصبحين) وقوله (لعمرك) اي
وحياتك يا محمد (انهم لفي سكرتهم يعمهون) فهذه فضيلة (2) لرسول الله صلى الله عليه وآله
على الأنبياء وقوله (ان في ذلك لآيات للمتوسمين وانها لبسبيل مقيم) قال نحن
المتوسمون والسبيل فينا مقيم والسبيل طريق الجنة (وإن كان أصحاب الأيكة)
يعني أصحاب الغيظة وهم قوم شعيب (لظالمين) وقوله (ولقد آتيناك سبعا من
المثاني والقرآن العظيم) قال فاتحة الكتاب أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثني
أحمد بن محمد عن (عن محمد بن سنان ط) محبوب بن سيار عن سورة بن كليب عن أبي جعفر عليه السلام قال
نحن المثاني التي أعطاها الله تعالى نبينا ونحن وجه الله الذي نتقلب في الأرض
بين أظهركم من عرفنا فاماهه اليقين ومن جهلنا فامامه السعير، قال علي بن إبراهيم
في قوله (الذين جعلوا القرآن عضين) قال قسموا القرآن ولم يؤلفوه على ما أنزله
الله فقال لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون وقوله (فاصدع بما تؤمر واعرض عن

(1) راجع ص 334 ج 1
(2) يعني ان الله اقسم بحياته صلى الله عليه وآله. ج. ز
377

المشركين انا كفيناك المستهزئين) فإنها نزلت بمكة بعد ان نبأ رسول الله صلى الله عليه وآله
بثلاث سنين وذلك أن النبوة نزلت على رسول الله يوم الاثنين واسلم علي يوم
الثلاثاء ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلى الله عليه وآله ثم دخل أبو طالب إلى
النبي صلى الله عليه وآله وهو يصلي وعلي عليه السلام بجنبه وكان مع أبي طالب عليه السلام جعفر فقال
له أبو طالب صل جناح ابن عمك فوقف جعفر على يسار رسول الله صلى الله عليه وآله فبدر
رسول الله صلى الله عليه وآله من بينهما فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي وعلي وجعفر وزيد
بن حارثة وخديجة يأتمون به فلما اتى لذلك ثلاث سنين انزل الله عليه (فاصدع بما
تؤمر واعرض عن المشركين انا كفيناك المستهزئين) والمستهزؤون برسول الله صلى الله عليه وآله
خمسة: الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن (المطلب ط) عبد المطلب والأسود بن
عبد يغوث والحرث بن طلاطلة الخزاعي، اما الوليد فكان رسول الله صلى الله عليه وآله
دعا عليه لما كان يبلغه من اذائه واستهزائه فقال اللهم أعم بصره واثكله بولده
فعمي بصره وقتل ولده ببدر (وكذلك دعا على الأسود بن يغوث والحارث بن
طلاطلة ط) فمر الوليد بن المغيرة برسول الله صلى الله عليه وآله ومعه جبرئيل عليه السلام فقال
جبرئيل يا محمد هذا الوليد بن المغيرة وهو من المستهزئين بك؟ قال نعم وقد
كان مر برجل من خزاعة وهو يريش نبالا له فوطى على بعضها فأصاب عقبه قطعة
من ذلك فدميت فلما مر بجبرئيل أشار إلى ذلك الموضع فرجع الوليد إلى منزله ونام
على سريره وكانت ابنته نائمة أسفل منه فانفجر الموضع الذي أشار إليه جبرئيل
أسفل عقبه فسال منه الدم حتى صار إلى فراش ابنته فانتبهت فقالت الجارية انحل
وكاء القربة، قال ما هذا وكاء القربة ولكنه دم أبيك فاجمعي لي ولدي وولد
أخي فاني ميت، فجمعتهم فقال لعبد الله بن أبي ربيعة ان عمارة بن الوليد
بأرض الحبشة بدار مضيعة فخذ كتابا من محمد إلى النجاشي ان يرده ثم قال
لابنه هاشم وهو أصغر أولاده يا بني أوصيك بخمس خصال فاحفظها: أوصيك
378

بقتل أبى درهم الدوسي فإنه غلبني على امرأتي وهي بنته ولو تركها وبعلها كانت
تلد لي ابنا مثلك ودمي في خزاعة وما تعمدوا قتلى وأخاف ان تنسوا بعدي ودمي
في بني خزيمة بن عامر ودياتي (رثاثى ك ودياني خ ل) في ثقيف فخذه ولأسقف
نجران على مائنا دينار فاقضها ثم فاضت نفسه ومر ربيعة بن الأسود برسول الله صلى الله عليه وآله
فأشار جبرئيل إلى بصره فعمي ومات، ومر به الأسود بن عبد يغوث فأشار جبرئيل
إلى بطنه فلم يزل يستسقي حتى انشق بطنه، ومر العاص بن وائل فأشار جبرئيل
إلى رجليه فدخل عود في أخمص قدمه وخرج من ظاهره ومات ومر به الحرث
ابن طلاطلة فأشار جبرئيل إلى وجه فخرج إلى جبال تهامة فاصابته من السماء
ديم استسقى حتى انشق بطنه وهو قوله الله " انا كفيناك المستهزئين ".
فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقام على الحجر فقال " يا معشر قريش يا معشر
العرب أدعوكم إلى شهادة ان لا إله إلا الله وانى رسول الله وآمركم بخلع
الأنداد والأصنام فأجيبوني تملكوا بها العرب وتدين لكم العجم وتكونوا
ملوكا في الجنة " فاستهزؤوا منه وقالوا جن محمد بن عبد الله ولم يجسروا عليه
لموضع أبى طالب فاجتمعت قريش إلى أبى طالب فقالوا يا أبا طالب ان ابن أخيك
قد سفه أحلامنا وسب آلهتنا وافسد شباننا وفرق جماعتنا فإن كان يحمله على ذلك
العدم جمعنا له مالا فيكون أكثر قريش مالا ونزوجه اي امرأة شاء من قريش،
فقال له أبو طالب ما هذا يا بن أخي؟ فقال: يا عم هذا دين الله الذي ارتضاه
لأنبيائه ورسله بعثني الله رسولا إلى الناس، فقال يا بن أخي ان قومك قد اتوني
يسألوني ان أسئلك ان تكف عنهم، فقال يا عم لا أستطيع ان أخالف امر ربي
فكف عنه أبو طالب ثم اجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا أنت سيد من ساداتنا
فادفع الينا محمدا لنقتله وتملك علينا، فقال أبو طالب قصيدته الطويلة يقول فيها:
ولما رأيت القوم لا ود عندهم وقد قطعوا كل العرى والوسائل
379

كذبتم وبيت الله يبرؤ محمد (نبرئ محمدا ط) * ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
فلما اجتمعت قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وكتبوا الصحيفة القاطعة
جمع أبو طالب بني هاشم وحلف لهم بالبيت والركن والمقام والمشاعر في الكعبة
لان شاكت محمدا شوكة لأبثن عليكم بني هاشم فأدخله الشعب وكان يحرسه بالليل
والنهار قائما على رأسه بالسيف أربع سنين، فلما خرجوا من الشعب حضر
أبا طالب الوفاة فدخل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يجود بنفسه فقال: يا عم ربيت
صغيرا وكفلت يتيما فجزاك الله عني خيرا أعطني كلمة اشفع لك فيها عند ربي،
فروي انه لم يخرج من الدنيا حتى اعطى رسول الله الرضى، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله
لو قمت المقام المحمود لشفعت لأبي وأمي وعمي وأخ لي كان مواخيا في الجاهلية.
وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن سيف بن عميرة وعبد الله بن سنان وابن
أبي حمزة الثمالي قالوا سمعنا أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهم السلام يقول لما حج
رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع نزل بالأبطح ووضعت له وسادة فجلس عليها ثم
رفع يده إلى السماء وبكى بكاءا شديدا ثم قال: يا رب انك وعدتني في أبي
وأمي وعمي ان لا تعذبهم بالنار، قال فأوحى الله إليه اني آليت على نفسي ان
لا يدخل جنتي إلا من شهدا ان لا إله إلا الله وانك عبدي ورسولي ولكن
ائت الشعب فنادهم فان أجابوك فقد وجبت لهم رحمتي، فقام النبي صلى الله عليه وآله
إلى الشعب فناداهم وقال يا أبتاه ويا أماه ويا عماه فخرجوا ينفضون التراب
عن رؤوسهم فقال لهم رسول الله ألا ترون إلى هذه الكرامة التي أكرمني الله
بها فقالوا نشهد ان لا إله إلا الله وانك رسول الله حقا حقا وان جميع ما اتيت به
من عند الله فهو الحق فقال ارجعوا إلى مضاجعكم.
380

ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مكة وقدم إليه علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله من
اليمن فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أبشرك يا علي! فقال أمير المؤمنين بأبي أنت وأمي
لم تزل مبشرا، فقال ألا ترى إلى ما رزقنا الله تبارك وتعالى في سفرنا
هذا واخبره الخبر (1) فقال له علي عليه السلام الحمد لله قال وأشرك رسول الله صلى الله عليه وآله في
بدنته أباه وأمه وعمه ثم قال الله (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) أي
بما يكذبونك ويذكرون الله (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين) أخبرنا احمد
ابن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد عن محمد بن سيار (سنان ط) عن المفضل بن عمير (عمر ط) عن
أبي عبد الله عليه السلام قال لما نزلت هذه الآية (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به
أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين) قال رسول الله صلى الله عليه وآله
من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن رمى بنظره إلى
ما في يد غيره كثر همه ولم يشف غيظه، ومن لم يعلم أن لله عليه نعمة لا
(الا خ ل) في مطعم أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه ومن أصبح على الدنيا
حزينا أصبح على الله ساخطا ومن شكى مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه،
ومن دخل النار من هذه الأمة ممن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا،
ومن اتى ذا ميسرة فيخشع له طلب ما في يده ذهب ثلثا دينه ثم قال ولا تعجل،
وليس يكون الرجل يسأل من الرجل الرفق فيجله ويوقره فقد يجب ذلك له عليه
ولكن يراه انه يريد بتخشعه ما عند الله ويريد ان يحيله عما في يده.

(1) اي الخبر المذكور سابقا من إجابة أبيه وأمه وعمه صلى الله عليه
وآله وسلم. ج. ز
381

سورة النحل مكية
آياتها مأة وثمانية وعشرون
(بسم الله الرحمن الرحيم اتى امر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما
يشركون) قال نزلت لما سألت قريش رسول الله صلى الله عليه وآله ان ينزل عليهم العذاب
فأنزل الله تبارك وتعالى " اتى امر الله فلا تستعجلوه " وقوله (ينزل الملائكة
بالروح من امره) يعني بالقوة التي جعلها الله فيهم وفي رواية أبي الجارود عن
أبي جعفر عليه السلام في قوله (على من يشاء من عباده ان انذروا انه لا إله إلا انا
فاتقون) يقول بالكتاب والنبوة وقال علي بن إبراهيم في قوله (خلق الانسان
من نطفة فإذا هو خصيم مبين) قال خلقه من قطرة ماء منتن فيكون خصيما متكلما
بليغا وقال أبو الجارود في قوله (والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع) والدف ء
حواشي الإبل ويقال بل هي الادفأ من البيوت والثياب وقال علي بن إبراهيم في
قوله " دف ء " اي ما تستدفئون به مما يتخذ من صوفها ووبرها وقوله (ولكم
فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) قال حين ترجع من المرعى وحين
تسرحون حين تخرج إلى المرعى (وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا
بشق الأنفس) قال إلى مكة والمدينة وجميع البلدان ثم قال (والخيل والبغال
والحمير لتركبوها) ولم يقل عز وجل لتركبوها وتأكلوا منها كما قال في الانعام
(ويخلق ما لا تعلمون) قال العجائب التي خلقها الله في البحر والبر (وعلي الله
قصد السبيل ومنها جائر) يعني الطريق (ولو شاء لهديكم أجمعين) يعني الطريق
وقوله عز وجل (هو الذي انزل من السماء ماءا لكم منه شراب ومنه شجر فيه
تسيمون) اي تزرعون ثم قال (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب
382

ومن كل الثمرات) يعني بالمطر (ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون) وقوله (وهو
ذرأ لكم في الأرض) اي خلق واخرج (مختلفا ألوانه ان في ذلك لآية لقوم
يذكرون) وقوله عز وجل (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا
وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) يعني ما يخرج من البحر من أنواع الجواهر
(وترى الفلك مواخر فيه) يعني السفن (والقى في الأرض رواسي ان تميد بكم)
يعنى الجبال وأنهارا وسبلا اي طرقا (لعلكم تهتدون) يعني كي تهتدوا وقوله
عز وجل (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن
القسم بن سليمان عن المعلي بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال النجم رسول الله
صلى الله عليه وآله والعلامات الأئمة عليه السلام وقوله (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا
وهم يخلقون) فإنه رد على عبدة الأصنام وقوله (وإذا قيل لهم ماذا انزل ربكم
قالوا أساطير الأولين) يعني أكاذيب الأولين حدثني جعفر بن أحمد قال حدثنا
عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة
الثمالي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في قوله (فالذين لا يؤمنون بالآخرة) يعني
انهم لا يؤمنون بالرجعة انها حق (قلوبهم منكرة) يعني انها كافرة (وهم
مستكبرون) يعني انهم عن ولاية علي مستكبرون (لا جرم ان الله يعلم ما يسرون
وما يعلنون انه لا يحب المستكبرين) عن ولاية علي وقال نزلت هذه الآية
هكذا " وإذا قيل لهم ماذا انزل ربكم في علي قالوا أساطير الأولين " وقال علي ابن
إبراهيم فقال الله عز وجل (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين
يضلونهم بغير علم) قال يحملون آثامهم يعني الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام وآثام
كل من اقتدى بهم وهو قول الصادق عليه السلام والله ما أهريقت محجمة من دم ولا قرع
عصا بعصا ولا غصب فرج حرام ولا اخذ مال من غير حله إلا ووزر ذلك في أعناقهما
من غير أن ينقص من أوزار العالمين بشئ.
383

قال علي بن إبراهيم حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله
عليه السلام قال خطب أمير المؤمنين عليه السلام بعد ما بويع له بخمسة أيام خطبة فقال فيها:
" واعلموا ان لكل حق طالبا ولكل دم ثائرا والطالب (بحقنا ط) كقيام الثائر
بدمائنا والحاكم في حق نفسه هو العادل الذي لا يحيف والحاكم الذي لا يجور
وهو الله الواحد القهار، واعلموا ان على كل شارع بدعة وزره ووزر كل
مقتد به من بعده من غير أن ينقص من أوزار العاملين شئ وسينتقم الله من
الظلمة مأكلا بمأكل ومشربا بمشرب من لقم العلقم ومشارب الصبر الأدهم فيشربوا
بالصب من الراح السم المذاق وليلبسوا دثار الخوف دهرا طويلا ولهم بكل
ما اتوا وعملوا من افاويق الصبر الأدهم فوق ما اتوا وعملوا، اما انه لم يبق إلا
الزمهرير من شتائهم وما لهم من الصيف إلا رقدة ويحهم ما تزودوا وجمعوا على
ظهورهم من الآثام (1) فيا مطايا الخطايا (ويا رزء الزورك) وزاد الآثام مع الذين
ظلموا اسمعوا واعقلوا وتوبوا وابكوا على أنفسكم فسيعلم الذين ظلموا اي
منقلب ينقلبون، فاقسم ثم اقسم ليتحملنها بنو أمية من بعدي وليعرفنها في دار
غيرهم عما قليل فلا يبعد الله إلا من ظلم وعلى البادي (يعني الأول) ما سهل لهم
من سبيل الخطايا مثل أوزارهم وأوزار كل من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة ومن
أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون " وحدثني أبي عن محمد بن أبي
عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (قد مكر
الذين من قبلهم فاتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم واتاهم
العذاب من حيث لا يشعرون) قال ثبت مكرهم اي ماتوا فألقاهم الله في النار
وهو مثل لأعداء آل محمد عليه وعليهم السلام (ثم يوم القيمة يخزيهم ويقول أين
شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم ان الخري؟ اليوم والسوء
على الكافرين) قال الذين أوتوا العلم الأئمة عليهم السلام يقولون لأعدائهم أين

(1) وفى ط بعد هذا: والخطايا وما تزاوروا أوزار الآثام من الذين ظلموا
384

شركاؤكم ومن أطعتموهم في الدنيا ثم قال فيهم أيضا (الذين تتوفاهم الملائكة
ظالمي أنفسهم فالقوا السلم) اي سلموا لما أصابهم من البلاء ثم يقولون: (ما كنا
نعمل من سوء) فرد الله عليهم فقال (بلى ان الله عليم بما كنتم تعملون فأدخلوا
أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) ثم ذكر المؤمنين (فقال الذين
تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) قوله
طيبين قال هم المؤمنون الذين طابت مواليدهم في الدنيا وقوله (هل ينظرون إلا أن
تأتيهم الملائكة أو يأتي امر ربك) من العذاب والموت وخروج القائم (كذلك
فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وقوله
(فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن) من العذاب في الرجعة
وقوله: (وقال الذين أشركوا - إلى قوله - البلاغ المبين) فإنه محكم وقوله:
(واجتنبوا الطاغوت) يعني الأصنام قوله (فسيروا في الأرض فانظروا كيف
كان عاقبة المكذبين) أي انظروا في اخبار من هلك من قبل وقوله (ان تحرص
على هديهم) مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله (فان الله لا يهدي) اي لا يثيب (من يضل)
اي يعذب وقوله (وأقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا
عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) فإنه حدثني أبي عن بعض رجاله يرفعه
إلى أبى عبد الله عليه السلام قال ما يقول الناس فيها؟ قال يقولون نزلت في الكفار
قال إن الكفار كانوا لا يحلفون بالله وإنما نزلت في قوم من أمة محمد صلى الله عليه وآله قيل
لهم ترجعون بعد الموت قبل القيامة فحلفوا انهم لا يرجعون فرد الله عليهم فقال
ليبينن لهم الذي يختلفون فيه (وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين) يعني
في الرجعة يردهم فيقتلهم ويشفي صدور المؤمنين فيهم وقوله (والذين هاجروا في
الله) اي هاجروا وتركوا الكفار في الله (1) وقوله (أفأمن الذين مكروا السيئات)
يا محمد وهو استفهام (ان يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث

(1) وفى ط بعد ذلك: (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) أي لنؤتينهم
385

لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين) قال إذا جاؤوا وذهبوا في التجارات
وفي اعمالهم فيأخذهم في تلك الحالة (أو يأخذهم على تخوف) قال على تيقظ
وقوله (أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا
لله وهم داخرون) قال تحويل كل ظل خلقه الله وهو سجود لله لأنه ليس شئ
إلا له ظل يتحرك بتحريكه وتحريكه سجوده وقوله (ولله يسجد ما في السماوات
وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم
ويفعلون ما يؤمرون) قال الملائكة ما قدر الله لهم يمرون فيه ثم احتج عز وجل
على الثنوية فقال: (لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون)
وقوله: (وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا) اي واجبا ثم ذكر
تفضله فقال: (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون) أي
تفزعون وترجعون والنعمة هي الصحة والسعة والعافية وقوله: (ويجعلون لما
لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم) وهو الذي وصفناه مما كانت العرب يجعلون للأصنام
نصيبا في زرعهم وابلهم وغنمهم فرد الله عليهم فقال: (تالله لتسئلن عما كنتم
تفترون ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون) قال قالت قريش ان الملائكة
هم بنات الله فنسبوا ما لا يشتهون إلى الله فقال الله عز وجل " ويجعلون لله البنات
سبحانه ولهم ما يشتهون " يعني من البنين ثم قال: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل
وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون)
اي يستهين به (أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) وقوله: (ولو يؤاخذ الله
الناس بظلمهم) أي عند معصيتهم وظلمهم (ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم
إلى اجل مسمى فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وقوله:
(ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب) يقول ألسنتهم الكاذبة
(ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وانهم مفرطون) اي معذبون وقوله:
386

(والله انزل من السماء ماءا) الآية محكمة وقوله: (وان لكم في الانعام لعبرة
نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين) قال الفرث
ما في الكرش (1) وقوله: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا)
قال الخل (ورزقا حسنا) قال الزبيب وقوله: (وأوحى ربك إلى النحل) قال
وحي إلهام تأخذ النحل من جميع النور ثم تتخذه عسلا.
وحدثني أبي عن الحسن بن علي الوشاء عن رجل عن حريز بن عبد الله عن
أبي عبد الله عليه السلام في قوله وأوحى ربك إلى النحل قال نحن النحل التي أوحى
الله إليها (ان اتخذي من الجبال بيوتا) أمرنا ان نتخذ من العرب شيعة (ومن
الشجر) يقول من العجم (ومما يعرشون) يقول من الموالي والذي (يخرج من
بطونها شراب مختلف ألوانه) العلم الذي يخرج منا إليكم وقوله (والله خلقكم
ثم يتوفاكم - إلى قوله - لكي لا يعلم من بعد علم شيئا) قال إذا كبر لا يعلم
ما علمه قبل ذلك وقوله (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا
برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء) قال لا يجوز للرجل ان يخص
نفسه بشئ من المأكول دون عياله وقوله (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا)
يعني حواء خلقت من آدم (وحفدة) قال الأختان وقوله: (ضرب الله مثلا
عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) قال لا يتزوج ولا يطلق ثم ضرب الله مثلا في
الكفار فقال: (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وهو كل
على مولاه أين ما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على
صراط مستقيم) قال كيف يستوى هذا وهذا الذي يأمر بالعدل أمير المؤمنين
والأئمة عليهم السلام وقوله (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم - إلى قوله - ان
في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) فإنه محكم وقوله: (والله جعل لكم من بيوتكم
سكنا) يعني المساكن (وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا) يعني الخيم والمضارب

(1) الكرش كظلف والكتف لذي أخف والحافر كالمعدة للانسان. ج ز
387

(تستخفونها يوم ظعنكم) اي يوم سفركم (ويوم إقامتكم) يعني في مقامكم (ومن
أصوافها وأوبارها واشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) وفي رواية أبى الجارود في
قوله (أثاثا) قال المال و (متاعا) قال المنافع (إلى حين) اي إلى حين بلاغها.
وقال علي بن إبراهيم في قوله (والله جعل لكم مما خلق ظلالها) قال
ما يستظل به (وجعل لكم من الجبال اكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر)
يعني القمص وإنما جعل ما يجعل منه (وسرابيل تقيكم بأسكم) يعني الدروع
وقوله: (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) قال نعمة الله هم الأئمة والدليل على أن
الأئمة نعمة الله قول الله تعالى: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا "
قال الصادق عليه السلام: نحن والله نعمة الله التي أنعم الله بها على عباده وبنا فاز من
فاز، وقوله: (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) قال لكل زمان وأمة امام
يبعث كل أمة مع امامها وقوله: (والذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم
عذابا فوق العذاب) قال كفروا بعد النبي صلى الله عليه وآله وصدوا عن أمير المؤمنين عليه السلام
(زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) ثم قال (ويوم نبعث في كل
أمة شهيدا عليهم من أنفسهم) يعني من الأئمة ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (وجئنا بك
- يا محمد - شهيدا على هؤلاء) يعني على الأئمة فرسول الله شهيد على الأئمة وهم
شهداء على الناس وقوله: (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى
وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم) قال: العدل شهادة ان لا إله إلا الله
وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله والاحسان أمير المؤمنين والفحشاء والمنكر والبغي فلان
وفلان وفلان حدثنا محمد بن أبي عبد الله قال حدثنا موسى بن عمران قال حدثني الحسين
ابن يزيد عن إسماعيل بن مسلم قال جاء رجل إلى أبى عبد الله جعفر بن محمد
عليهما السلام وانا عنده فقال يا بن رسول الله ان الله يأمر بالعدل والاحسان
وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون
388

وقوله: (امر) ربي (ألا تعبدوا إلا إياه) فقال نعم ليس لله في عباده امر إلا
العدل والاحسان فالدعاء من الله عام والهدى خاص مثل قوله: (ويهدي من
يشاء إلى صراط مستقيم) ولم يقل ويهدي جميع من دعا إلى صراط مستقيم.
وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا
تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) فإنه حدثني أبي رفعه
قال قال أبو عبد الله عليه السلام: لما نزلت الولاية وكان من قول رسول الله صلى الله عليه وآله
بغدير خم سلموا على علي بإمرة المؤمنين عليه السلام فقالوا: أمن الله ورسوله؟ فقال
لهم نعم حقا من الله ورسوله، فقال إنه أمير المؤمنين وامام المتقين وقائد الغر
المحجلين يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة ويدخل أعداءه
النار وانزل الله عز وجل (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها.. الخ) يعني قول
رسول الله صلى الله عليه وآله من الله ورسوله ثم ضرب لهم مثلا فقال: (ولا تكونوا كالتي
نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم) وفي رواية
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: التي نقضت غزلها امرأة من بني تيم بن
مرة يقال لها رابطة (ريطة ط) بنت كعب بن سعد بن تيم بن كعب بن لوي بن غالب
كانت حمقاء تغزل الشعر فإذا غزلت نقضته ثم عادت فغزلته فقال الله كالتي نقضت
غزلها قال إن الله تبارك وتعالى امر بالوفاء ونهى عن نقض العهد فضرب لهم مثلا.
رجع إلى رواية علي بن إبراهيم في قوله " أن تكون أئمة هي أزكى من
أئمتكم، فقيل يا بن رسول الله نحن نقرؤها (هي أربى من أمة) قال ويحك وما
أربى؟ وأومأ بيده بطرحها (إنما يبلوكم الله به) يعني بعلي بن أبي طالب عليه السلام
يختبركم (وليبين لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولو شاء الله لجعلكم
أمة واحدة) قال على مذهب واحد وامر واحد (ولكن يضل من يشاء) قال
يعذب بنقض العهد (ويهدي من يشاء) قال يثيب (ولتسئلن عما كنتم تعملون
389

ولا تتخذوا ايمانكم دخلا بينكم) قال هو مثل لأمير المؤمنين عليه السلام (فتزل قدم
بعد ثبوتها) يعني بعد مقالة النبي صلى الله عليه وآله فيه (وتذوقوا السوء بما صددتم عن
سبيل الله) يعني عن علي (ولكم عذاب عظيم ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا)
معطوف على قوله: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) ثم قال: (ما عندكم ينفد
وما عند الله باق) أي ما عندكم من الأموال والنعمة تزول وما عند الله مما تقدموه من
خير أو شر فهو باق وقوله: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن
فلنحيينه حياة طيبة) قال القنوع بما رزقه الله، ثم قال: (فإذا قرأت القرآن
فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) قال الرجيم أخبث الشياطين فقلت له ولم سمي رجيما؟
قال لأنه يرجم وقوله (انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون)
قال ليس له ان يزيلهم عن الولاية فاما الذنوب فإنهم ينالون منه كما ينالون من غيره
وقوله (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر) قال كانت
إذا نسخت آية قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله أنت مفتر فرد الله عليهم فقال: (قل لهم
- يا محمد - نزله روح القدس من ربك بالحق) يعني جبرئيل عليه السلام وفي رواية أبي الجارود
في قوله روح القدس قال هو جبرئيل عليه السلام والقدس الطاهر (ليثبت الذين آمنوا)
هم آل محمد (وهدى وبشرى للمسلمين) واما قوله: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما
يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي) وهو لسان أبي فكيهة مولى ابن
الحضرمي كان أعجمي اللسان وكان قد اتبع نبي الله وآمن به وكان من أهل الكتاب
فقالت قريش هذا والله يعلم محمدا بلسانه يقول الله: (وهذا لسان
عربي مبين) واما قوله (من كفر بالله من بعد ايمانه إلا من اكره وقلبه مطمئن
بالايمان) فهو عمار بن ياسر اخذته قريش بمكة فعذبوه بالنار حتى أعطاهم بلسانه
ما أرادوا وقلبه مطمئن بالايمان واما قوله (ولكن من شرح بالكفر صدرا)
فهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث من بني لوي يقول الله " ذلك بان
390

الله ختم على سمعهم وابصارهم وقلوبهم وأولئك هم الغافلون لا جرم انهم في الآخرة
هم الأخسرون " هكذا في قراءة ابن مسعود وقوله (أولئك الذين طبع الله على
قلوبهم وسمعهم وابصار هم الآية) هكذا في القراءة المشهورة هذا كله في عبد الله
ابن سعد بن أبي سرح كان عاملا لعثمان بن عفان على مصر ونزل فيه أيضا " ومن
قال سأنزل مثل ما انزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت " وقال على
ابن إبراهيم ثم قال أيضا في عمار (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا
ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم).
وقوله: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا
من كل مكان فكفروا بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا
يصنعون) قال نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له الثلثان (الثرثار ك ط) وكانت
بلادهم خصبة كثيرة الخير فكانوا يستنجون بالعجين ويقولون هو ألين لنا،
فكفروا بأنعم الله واستنجوا (واستخفوا خ ل) بنعمة الله فحبس الله عنهم
الثلثان فجدبوا حتى أحوجهم الله إلى اكل ما كانوا يستنجون به حتى كانوا
يتقاسمون عليه ثم قال عز وجل (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا
حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) قال هو ما كانت اليهود يقولون ما
في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وقوله (ان إبراهيم
كان أمة قانتا لله حنيفا) اي طاهرا (اجتباه) اي اختاره (وهداه إلى صراط
مستقيم) قال إلى الطريق الواضح ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (ثم أوحينا إليك ان اتبع
ملة إبراهيم حنيفا) وهي الحنفية العشر التي جاء بها إبراهيم عليه السلام خمسة في البدن وخمسة
في الرأس فاما التي في البدن: فالغسل من الجنابة، والطهور بالماء وتقليم الأظفار
وحلق الشعر من البدن، والختان، واما التي في الرأس: فطم الشعر، واخذ
الشارب، واعفاء اللحى، والسواك، والخلال، فهذه لم تنسخ إلى يوم القيامة
391

وقوله (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه. الآية) وقد كتبنا خبره في
سورة الأعراف وقوله (وجاد لهم بالتي هي أحسن) قال بالقرآن وفي رواية
أبى الجارود عن أبي جعفر في قوله " ان إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا " وذلك أنه
كان على دين لم يكن عليه أحد غيره فكان أمة واحدة وإنما قال قانتا فالمطيع
واما الحنيف فالمسلم قال وما كان من المشركين واما قوله (إنما جعل السبت على
الذين اختلفوا فيه وان ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون)
وذلك أن موسى امر قومه ان يتفرغوا إلى الله في كل سبعة أيام يوما يجعله الله
عليهم وهم الذين اختلفوا فيه واما قوله (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به
ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) وذلك أن المشركين يوم أحد مثلوا بأصحاب
النبي صلى الله عليه وآله الذين استشهدوا، منهم حمزة فقال المسلمون اما والله لان أولانا الله
عليهم لنمثلن بأخيارهم، فذلك قول الله " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به "
يقول بالأموات: " ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ".
لقد تم - بحول الله وقوته - الجزء الأول من الكتاب المستطاب " تفسير
القمي " تصحيحا وتعليقا بيد العبد المذنب السيد طيب الموسوي الجزائري في
يوم السابع من ذي الحجة الحرام من سنة ثلاثمائة وست وثمانين بعد الألف
الهجرية ويتلوه إن شاء الله الجزء الثاني أوله سورة بني إسرائيل.
392