الكتاب: وصول التهاني
المؤلف: محمود سعيد ممدوح
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

وصول التهاني
بإثبات سنية السبحة
والرد على الألباني
تأليف
محمود سعيد ممدوح
1

بسم الرحمن الرحيم
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل
له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل
وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه والتابعين.
أما بعد، فقد اطلعت على ما كتبه الشيخ محمد ناصر الألباني
بشأن السبحة وحكمه عليها بأنها بدعة (السلسلة الضعيفة ج 1 /
95 - 100)، وهذا حكم منكر، وستري بعينيك أيها القارئ أنني
لا أتقول بل أقول الحق إن شاء الله تعالى.
وقد وجدته حكم على الأحاديث النبوية الشريفة بما لا يجوز
عند أهل العلم بالحديث، فضعف الصحيح، وجود الضعيف،
واستدل بالموقوف الضعيف، بل لم يعط الموضوع حقه من
البحث والتنقيب عن أفعال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم،
فحكم على ما فعلوه بأنه بدعة، إلى غير ذلك مما ستراه إن
شاء الله تعالى.
وسميت هذا الجزء " وصول التهاني بإثبات سنية السبحة والرد
على الألباني ".
3

وكنت أود أن لا أكتب في هذا الموضوع، ولكن دفعني للكتابة
فيه اتباع بعض الناس للقول بأن السبحة بدعة من الذين لا معرفة
لهم بالحديث وغيره، ينهون الناس عن التقليد، ويتكلمون في
عباد الله الصالحين، وهم من أشد الناس تقليدا (1).
اتبعوا هذا القول المنكر المردود، وشنعوا على عباد الله الذين
استعانوا بالسبحة لضبط ذكر الله تعالى، فعطلوا وضايقوا وشنعوا،
بل سعى بعضهم إلى قطع السبح التي يسبح بها، نسأل الله تعالى
السلامة والبعد عن الجهل.
فهذا الجزء حررته نصيحة لهم، فهم إخواننا، ولهم حق علينا
بلا ريب. قال تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).
وأرجو ممن وقف عليه أن ينظر إليه بعين الانصاف، وليتجنب
التعصب والاعتساف، اللهم عليك توكلنا وإليك أنبنا ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
* * *
واعترافا بفضل السابقين، فنحن عالة عليهم ومنهم آخذون،
أقول: صنف في السبحة جماعة من الأعيان منهم:
- الحافظ جلال الدين السيوطي، ورسالته مطبوعة في الجزء
الثاني من " الحاوي " بعنوان " المنحة في السبحة ".

(1) وصف أحدهم رسالة في أحكام المسجد، ذكر فيها أن من البدع
بالمساجد استعمال السبحة بالذكر تبعا للشيخ الألباني، وراجت هذه
الرسالة - على ما فيها من أخطاء - بين العوام.
4

- العلامة محمد بن علان الصديقي المتوفى سنة 1057 ه‍، سماه
" إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح " في شرحه على
الأذكار [1 / 252]. ولم أقف عليه.
- العلامة أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي في جزء سماه
" نزهة الفكر في سبحة الذكر ". وقفت عليه، وقد طبع في الهند.
والسيوطي واللكنوي رحمهما الله تعالى لم يتكلما على
الأسانيد بما يفيد، بل أكثرا من العزو فقط.
هذا وقد تعقب فضيلة الشيخ عبد الله الهرري في جزءين ما
كتبه الألباني عن السبحة، ولكن في رده إعواز شديد، وأخطاء
حديثية عديدة. إلا أنه أجاد إلى حد ما في الكلام على الحديث
الأول: " نعم المذكر السبحة "، وعلى ذلك لا أتكلم عليه، بل
أبدا بعون الله تعالى تعقبي بما ستراه.
5

فصل
قال الشيخ محمد ناصر الألباني بعد كلام ما نصه:
غاية ما روي في ذلك حديثان أوردهما السيوطي في رسالته
المشار إليها، فلا بد من ذكرهما وبيان علتهما:
الأول: عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال: " أخبرك بما
هو أيسر عليك من هذا أو أفضل إ، فقال: سبحان الله عدد ما
خلق في السماء. 100 ل لحديث.
رواه أبو داود [1 / 235]، والترمذي [4 / 277 - 278]،
والدورقي في مسند سعد [130 / 1]، والمخلص [9 / 17 / 2]،
والحاكم [1 / 547 - 548]، من طريق عمرو بن الحارث أن
سعيد بن أبي هلال حدثه عن خزيمة عن عائشة بنت سعد بن أبي
وقاص عن أبيها.
وقال الترمذي: حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح الاسناد،
ووافقه الذهبي فأخطأ لان خزيمة هذا مجهول. قال الذهبي نفسه
في الميزان: خزيمة لا يعرف، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال.
وكذا قال الحافظ في التقريب إنه لا يعرف
6

وسعيد بن أبي هلال مع ثقته، حكى الساجي عن أحمد أنه
اختلط، فأنى للحديث الصحة أو الحسن؟ انتهى كلام الألباني.
* * *
أقول وبالله تعالى التوفيق ومنه العون والسداد: عزى الألباني
الحديث لجماعة، ثم للحاكم من طريق عمرو بن الحارث، أن
سعيد بن أبي هلال حدثه عن خزيمة... إلخ.
أقول: ليس في المستدرك ذكر لخزيمة أبدا، بل الذي في
المستدرك: رواية سعيد بن أبي هلال عن عائشة مباشرة بدون
واسطة، وهو كذلك في تلخيص المستدرك للذهبي الذي وافق
الحاكم على تصحيح الحديث، فخطأه الألباني بدون حق. ثم
كأنه يستدرك على الذهبي فيقول: لان خزيمة هذا مجهول قال
الذهبي نفسه في الميزان لا يعرف، اه‍. فانظر إلى الايهام ثم
احكم عليه بما تراه..
ثم اعلم يا أخي الآتي:
قال الحاكم في المستدرك: حدثنا إسماعيل بن أحمد
الجرجاني، ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني، ثنا
حرملة بن يحيى، أنبأنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن
سعيد بن أبي هلال حدثه عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص
رضي الله عنه، أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة... الحديث.
صححه الحاكم ووافقه الذهبي، انظر المستدرك [1 / 547].
وله متابعة عند ابن حبان، لم يذكرها الألباني، رغم أن
السيوطي عزاها في المنحة لابن حبان!!.
قال ابن حبان: أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، حدثنا
7

حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث،
أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن عائشة بنت سعد به. موارد
الظمآن ص [579]. هذا سند صحيح لا غبار عليه.
وعبد الله بن سلم ثقة، انظر سير أعلام النبلاء [14 / 306]،
الأنساب [426 / ب]. وحرملة وشيخه ابن وهب إمامان ثقتان،
وكذا عمرو بن الحارث.
أما سعيد بن أبي هلال فثقة أخرج له الجماعة، ولد بمصر سنة
70 ه‍، ونشأ بالمدينة، ثم رجع إلى مصر في خلافة هشام وتوفي
كما في الثقات [6 / 374] سنة 149، وانظر التهذيب [4 / 94].
وعائشة بنت سعد تابعية مدنية ثقة، روى عنها أهل المدينة، ماتت
سنة 117 ه‍. التهذيب [12 / 436].
فالسند صحيح، وصرح البزار في مسنده برواية سعيد بن أبي
هلال عن عائشة بنت سعد وروى لها حديثين كذلك، منهما
حديث التسبيح بالنوى الذي أعله الألباني، انظر مسند البزار
(1 / 134 / 1). وله شاهد موقوف عن عمر رضي الله عنه ذكره ابن
أبي شيبة في المصنف [2 / 391].
وهذا وحده كاف في نقض كل ما كتبه الألباني وهدمه.
وهنا نسأل إخواننا الذين يبدعون ويتعدون، لماذا تقلدون
الألباني؟ كان الأولى لكم الاخذ بأقوال الأئمة أهل هذا الشأن.
فاعن به ولا تخض بالظن ولا تقلد غير أهل الفن
أو إذا كنتم من أهل النظر لتتبعتم الطرق، ونظرتم في
الأسانيد، وعند ذلك يتبين الصواب، فلنستغفر الله تعالى عما بدر
منا، إنه كان غفارا.
8

فصل
فإن قبل أعل الألباني الحديث بسعيد بن أبي هلال فقال:
سعيد بن أبي هلال مع ثقته حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط،
فأنى للحديث الصحة أو الحسن! انتهى كلام الألباني.
أجيب بأن سعيدا وثقه أبو حاتم، والدارقطني، والعجلي، وابن
سعد، وابن خزيمة، وابن حبان، وآخرون، واحتج به الجماعة
وفي هذا القدر كفاية لتصحيح حديثه والاحتجاج به في
الصحيحين كما فعل البخاري ومسلم.
أما غمزه والكلام فيه بغير حجة، فهذا عمل لا يصح أن يصدر
من مطلع، فالقائم به نادى على نفسه بعدم الاطلاع فمن من
الرواة سلم من الكلام فيه؟. هذا أندر من النادر، بل شيخ
لصناعة الامام البخاري تكلم فيه بما هو مدفوع.
وكان يكفيه الرجوع إلى مقدمة الفتح بدلا من تسويد الورق
بالكلام في عباد الله الثقات.
قال الحافظ ص [406]: وشذ الساجي فذكره في الضعفاء.
وقال ص [462]: ذكره الساجي بلا حجة، ولم يصح عن أحمد
تضعيفه، اه‍.
9

وبذلك يتبين أن حكاية الساجي عن أحمد لم تصح، وإن صحت فهي غير
مقبولة، لان البخاري ومسلما أخرجا له في الأصول، فتضعيف سعيد بن
أبي هلال غير وارد إطلاقا. ولذلك لم يذكره ا لحافظ المتقن سبط ابن العجمي
في كتابه " الاغتباط بمن رمي بالاختلاط "، ولا ابن الكيال في ا الكواكب
النيرات ". والقاعدة عند المحدثين - جزاهم الله خيرا - أن التعديل
يقدم على الجرح غير المفسر.
وبهذا يتبين لك خطأ الألباني في دعواه اختلاط الثقة سعيد بن
أبي هلال (1)، وهي دعوى مردودة أراد بها أن يوهم العامة أن
حديثه غير صحيح ولا حسن، ليسلم له رأيه في تضعيف الحديث
المذكور.

(1) ومشى الألباني على تضعيف سعيد س أبي هلال في كتبه، انظر مثلا:
صحيحته [1 / 137، 4 / 23]، إرواء [3 / 254]، رده على الشيخ البوطي
ص [10]. فعليه أن يغير كلامه في سعيد بن أبي هلال، وإلا فليقل ما
حجته ني تضعيفه بعد ثبوت شذوذ رواية الساجي عن أحمد؟
10

فصل
اعترض معترض لا علم له بالحديث على طريق سعيد بن أبي
هلال عن عائشة بنت سعد الذي لا يوجد فيه خزيمة، بأن خزيمة
سقط منه، وأن سعيد بن أبي هلال لا يروي عن عائشة بدليل أن
الحافظ في التهذيب لم يذكره في الرواة عن عائشة.
وجواب الاعتراض الأول:
أن هذه دعوى كبيرة بدون دليل، فعليه بالدليل وهيهات. وأن
السنة فيها الكثير من أمثال هذه الرواية بنزول ثم بعلو، فيكون
سعيد بن أبي هلال كان يرويه عن خزيمة عن عائشة مرة، ومرة
أخرى عن عائشة بدون واسطة، وما دام الراوي ثقة، وأدرك عائشة
إدراكا واضحا بينا، وكانت مشهورة بالرواية، بحيث إنهم ذكروا
في ترجمتها أن مالكا رضي الله تعالى عنه لم يرو عن امرأة غيرها،
تبين لك شهرتها واتساع روايتها فرواية سعيد الثقة المكثر عنها
واردة لا يردها إلا مكابر. ولهذا صحح هذا الطريق جماعة من
الحفاظ منهم الذهبي، وقبله ابن حبان والحاكم في صحيحيهما.
فالسند متصل إن شاء الله تعالى على مذهب من يشترط اللقاء
ومن لم يشترطه.
11

وجواب الاعتراض الثاني:
أن هذا اعتراض ضعيف، ولكنني أجيب عليه حتى لا يلتبس
على المعترض أمثاله.
قال الحافظ في مقدمة التهذيب [1 / 3]: ثم إن الشيخ رحمه
الله - أي المزي - قصد استيعاب شيوخ صاحب الترجمة،
واستيعاب الرواة عنه، ورتب ذلك على حروف المعجم في كل
ترجمة، وحصل من ذلك على الأكثر، ولكنه شئ لا سبيل إلى
استيعابه ولا حصره... إلخ.
وأيضا رواية سعيد بن أبي هلال عن عائشة خارج الكتب الستة
ومصنفات أصحابها، والحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله تعالى
غالب بل كل ما يذكره في الترجمة من الرواة في الكتب الستة
فقط، ولم يعتن بذكر غيرهم كما هو معلوم من مراجعة تهذيب
الكمال له، فإنه رحمه الله تعالى علم على موضع رواية كل راو
عن شيخه في الكتب المذكورة، ولم يخرج عنها، وهذا شرط
كتابه.
وبعد أن تبين لك صحة حديث سعد رضي الله تعالى عنه من
وجه، وتحسينه من وجه آخر، وهذا عمل الحفاظ المتقنين، تعلم
قيمة قول الألباني: (فأنى للحديث الصحة أو الحسن).
12

فصل
ثم قال الألباني:
الثاني: عن صفية قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي
أربعة آلاف نواة أسبح بهن فقال: " يا بنت حيي ما هذا؟ "، قلت:
أسبح بهن، قال: " قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من
هذا "، قلت: علمني يا رسول الله، قال: " قولي سبحان الله عدد
ما خلق الله من شئ ".
أخرجه الترمذي [4 / 274]، وأبو بكر الشافعي في الفوائد
[73 / 255 / 1]، والحاكم [1 / 547]، من طريق هاشم بن سعيد
عن كنانة مولى صفية عنها.
وضعفه الترمذي بقوله: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا
الوجه، من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده
بمعروف، وفي الباب عن ابن عباس.
وأما الحاكم فقال: صحيح الاسناد، ووافقه الذهبي. وهذا
منه عجب، فإن هاشم بن سعيد هذا أورده هو في الميزان وقال:
قال ابن معين ليس بشئ. وقال ابن عدي مقدار ما يرويه لا يتابع
عليه. ولهذا قال الحافظ في التقريب: ضعيف.
13

وكنانة هذا مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان، انتهى كلام
الألباني.
* * *
قلت: وهذا الكلام عليه مؤاخذات.
الأولى: في الكلام على كنانة مولى صفية حيث قال: هذا
مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان.
قلت: كنانة روى عنه ستة هم. زهير وخديج ابنا معاوية
ومحمد بن طلحة وهاشم بن سعيد الكوفي وسعد بن بشر
الجوهني ويزيد بن المغلس الباهلي، ووثقه ابن حبان وضعفه
الأزدي.
أما تضعيف أبي الفتح الأزدي له فمردود كما هو معلوم عند
أهل العلم بالحديث (1). وتوثيق ابن حبان مقبول، وقال الحافظ
في التقريب: مقبول، ثم رد تضعيف الأزدي فقال: ضعفه الأزدي
بلا حجة، اه‍. انظر التهذيب [8 / 449]، التاريخ الكبير
[4 / 1 / 237]، الثقات [5 / 339]، التقريب [2 / 137].
فإن قيل قول الحافظ في التقريب: مقبول، يعني عند
المتابعة، أجيب بأنه مقبول فعلا لأنه توبع كما سيأتي ص
[22].
أما قول الذهبي في الكاشف [3 / 11]: وثق، فلا يعني تضعيف

(1) قال الحافظ رحمه الله تعالى: لا عبرة بقول الأزدي لأنه هو ضعيف مقدمة
الفتح ص [386].
وانظر الصفحات: 390، 392، 393، 394، 395، 400 من المقدمة.
14

التوثيق، بل معناه أن توثيق غيره أقوى منه. ومثل كنانة هذا، بل
وأقل منه، يرى الذهبي أن حديثه يعمل ويحتج به. قال الذهبي
في الميزان: وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحدا
نص على توثيقه، والجمهور على أن من كان من المشايخ قد
روى عنه جماعة، ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح،
اه‍. الميزان [3 / 426].
ولولا ضيق المقام لاتيت بكل الأمثلة التي أشار إليها الحافظ
الذهبي، ولكن نذكر منهم إبراهيم المخزومي، مقدمة الفتح ص
[388]، وأسامة بن حفص، وأسباط أبو اليسع، مقدمة الفتح ص
[389]، وكنانة ليس بأقل من المذكورين.
ومن تناقض الألباني أنه يعمد (1) إلى مثل كنانة فيحسن حديثه
تماما، بينما يضعف كنانة هنا.

(1) بل يعمد إلى أقل من كنانة التابعي فيقبل حديثه، قال في مختصر العلو
عن سند فيه صالح بن الضريس: وهذا سند لا بأس به، فإن صالحا هذا
أورده ابن أبي حاتم [2 / 1 / 406 - 407]. وقال: روى عنه محمد بن
أيوب، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد روى عنه الذهلي، اه‍.
مختصر العلو ص [173].
وقال في إرواء الغليل [1 / 242]: الحسن بن محمد العبدي، أورده ابن
أبي حاتم في الجرح والتعديل [1 / 2 / 35] فقال: روى عن أبي زيد
الأنصاري، روى عنه علي بن المبارك الهنائي.
قلت - أي الألباني -: فقد روى عنه إسماعيل بن مسلم أيضا كما ترى وهو
العبدي القاضي، وبذلك ارتفعت جهالة عينه، وقد ذكره ابن حبان في
الثقات [4 / 124] ثم هو تابعي، اه‍.
فانظر إلى مجهول الحال الذي يحسن حديثه، بينما يرد حديث كنانة بقوله:
كنانة مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان، ثم يذكر تساهل ابن حبان
في الحاشية.
15

وأهدي إلى إخواننا من مقلديه هذين النصين من كتبه:
قال الألباني في إرواء الغليل [5 / 21]: طلحة بن عبد الله لم
يوثقه غير ابن حبان، لكن روى عنه جماعة فهو حسن الحديث إن
شاء الله، وفي التقريب: مقبول. انتهى بنصه.
فلماذا يحسن الألباني حديث طلحة الذي لم يوثقه غير ابن
حبان (1) بينما يقول كنانة مجهول الحال؟. بل تراه يصحح حديث
مالك بن خير الزيادي، وهو مثل كنانة، بل كنانة أحسن حالا منه.
فيقول في صحيحته [2 / 517] بعد تصحيحه لحديث الزيادي
المذكور: والزيادي ترجمه ابن أبي حاتم [4 / 1 / 208]، ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن روى عنه جماعة من الثقات،
وثقه ابن حبان، اه‍.
فلماذا يعتمد توثيق ابن حبان هناك ويرده هنا؟ ومن التناقض في
عبارته المذكورة أيضا اعتماده سكوت ابن أبي حاتم، بينما تراه

(1) وانظر قوله في سلسلته الصحيحة [2 / 64] عن توثيق ابن حبان: وهو
متساهل في التوثيق معروف بذلك، ولذلك لا يعتمده المحققون من
العلماء، اه‍. فلماذا تعتمده هنا يا فضيلة الشيخ؟. وتوثيق ابن حبان فيه
تفصيل، ورده مطلقا خطأ كبير، ولذلك ذكرت أن توثيقه لكنانة مولى صفية
مقبول، والكلام على توثيق ابن حبان يحتاج لبسط ليس هذا محله، والله
المستمان.
16

في مواضع أخرى يصرح بأن ما سكت عنه ابن أبي حاتم
مجهول.
وقيل أن ننتقل إلى النقطة التالية، لنا وقفة مع الشيخ الألباني
هنا. قلت في الحاشية ص [98]: أشار - أي الحافظ - في
التقريب إلى أنه - أي كنانة - لين الحديث.
بينما قال الحافظ في التقريب [2 / 137] ما نصه: كنانة مولى
صفية، يقال اسم أبيه نبيه، مقبول ضعفه الأزدي بلا حجة من
الثالثة، ب خ ت، انتهى. والحافظ بين في المقدمة الفرق بين
المقبول واللين، فالأول وهو المقبول له متابع - وقد توبع كنانة -
وهو أحسن حالا من الثاني أي اللين.
فما الداعي لتغيير كلام الحافظ والتصرف فيه؟ وما اسم هذا
الفعل عند المحدثين يا فضيلة الشيخ؟ هل هو إخبار بغير الواقع أم
لا؟
المؤاخذة الثانية:
هاشم بن سعيد الكوفي قالم ة عنه أحمد: لا أعرفه، وقال ابن
معين: ليس بشئ، وذكره ابن حبان في الثقات، وضعفه أبو حاتم.
التهذيب [11 / 17 - 18]، الثقات [7 / 585]، الجرح والتعديل
[4 / 2 / 104].
وقال ابن عدي بعد أن ذكر له بعض الأحاديث: ومقدار ما
يرويه لا يتابع عليه. الكامل [7 / 2573].
17

أما قول ابن معين: ليس بشئ، فقد يكون معناه أن الراوي
قليل الحديث.
قال الحافظ في مقدمة الفتح ص [421] في ترجمة عبد
العزيز بن المختار البصري:
ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين من قوله في بعض
الروايات " ليس بشئ " يعني أن أحاديثه قليلة جدا، اه‍.
وقول الإمام أحمد لا أعرفه، لا يضره فقد عرفه غيره، وكذا
كلام ابن عدي لا يضره هنا لأنه قال: ومقدار ما يرويه لا يتابع
عليه. اه‍. وستأتي متابعة له إن شاء الله تعالى ص [22].
بقي توثيق ابن حبان وتضعيف أبي حاتم، فيكون الراوي فيه
لين أو ضعف قريب، ولذلك أرى أن أعدل الأقوال فيه قول
الحافظ الناقد الذهبي. في الكاشف [3 / 217]: ضعف.
فيكون حديث صفية رضي الله تعالى عنها المذكور في سنده
ضعف يسير يحسن بالمتابعة أو الشاهد.
المؤاخذة الثالثة:
الشاهد للمتن قريب جدا وهو حديث سعد بن أبي وقاص
المذكور، فهو شاهد قوي للمتن، فيكون الحديث حسنا لغيره به
فقط.
وإذا كان حديثا سعد وصفية رضي الله عنهما ضعيفين، فلماذا
لا يقوي كل منهما الآخر فيصير كل منهما شاهدا للآخر فيكون
18

الحديث حسنا لغيره، هذا إذا قلنا برأي الألباني الذي ضعف
الحديثين، وهو ملزم بهذا الذي تقرره القواعد الحديثية، وبه أيضا
ينهدم كل ما كتبه الألباني عن السبحة، والحمد لله رب العالمين.
المؤاخذة الرابعة:
أما المتابعة للسند، فقد توبع هاشم بن سعيد الكوفي. أخرجها
الطبراني عن روح بن الفرج، ثنا عمرو بن خالد، ثنا حديج بن
معاوية، ثنا كنانة مولى صفية، عن صفية بنت حيي رضي الله
عنها. وانظر أمالي الأذكار - المجلس الخامس عشر - مصورة
بمكتبة الحرم المكي الشريف.
وروح بن الفرج القطان المصري ثقة من مشايخ الطبراني
والطحاوي. التهذيب [3 / 297]. وعمرو بن خالد ثقة ثبت من
رجال البخاري. التهذيب [8 / 25]. وخديج بن معاوية قال عنه
في التقريب [1 / 156]: صدوق يخطئ.
هذه متابعة قوية لهاشم بن سعيد، فيكون الحديث حسنا بلا
ريب، ولذا حسنه الحافظ في أمالي الأذكار [ل 177 / 1]. ألا
يكفي هذا بمفرده لهدم كل ما كتبه الشيخ الألباني؟
المؤاخذة الخامسة:
وتنزلا مع الشيخ الألباني، إن كان كنانة مولى صفية مجهول
الحال، فإن كنانة لم ينفرد بالحديث، بل أخرج الطبراني في
الدعاء متابعة له: قال الطبراني في الدعاء: حدثنا محمد بن
19

عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبي قال: وجدت في كتاب أبي بخطه:
ثنا مستلم بن سعيد، عن منصور بن زاذان، عن يزيد - يعني بن
معتب - مولى صفية بنت حيي رضي الله عنها.
قلت: شيخ الطبراني حافظ وثقه صالح جزرة، وفي ترجمته ما
يحتاج إلى التحرير، لكنه يصلح للمتابعات ولا ريب (1). انظر
الميزان [3 / 642]. ووالده حافظ ثقة، وكذا جده. ومستلم قال
عنه الحافظ: صدوق ربما وهم. التقريب [2 / 241]. ومنصور
ثقة احتج به الجماعة. التهذيب [10 / 306]. ويزيد لم أجد له
ترجمة، وهو تابعي، فاذكر ما ذكرته بشأن كنانة سابقا، وزد عليه
قول الذهبي: وأما المجهولون من الرواة، فإن كان الرجل من كبار
التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه، وتلقي بحسن الظن إذا سلم
من مخالفة الأصول ومن ركاكة الألفاظ، اه‍. مقدمة المغني
ص [ك].
وأخرجه الطبراني في الأوسط بنفس السند [2 / ل 34 ب]،
وانظر الدعاء له [ل 193 أ]. فهذه متابعة قوية لكنانة. فهل يمكن
أن يرد بعد هذا حديث صفية رضي الله عنها أو يضعف؟.
تنبيه
قال الألباني في رده على الشيخ الحبشي بعد كلام: فعلى

(1) والألباني يقول عنه في صحيحته [4 / 156]: وفيه كلام لا ينزل حديثه عن
رتبة الحسن، اه‍. لكنه يتناقض، ويضعف حديثه في إرواء الغليل
[7 / 107].
20

الشيخ - أي الحبشي - أن يفتش عن لفظ هذا الطريق - الذي فيه
متابعة لكنانة -، وينظر إن كان فيه هذا العد - أي العد بالنوى - فإن
ثبت فيه، وخلا عما يخدج في الاحتجاج به كما هو ظاهر كلام
الحافظ ثبت دعواه، وإلا فدون ذلك خرط القتاد. انتهى كلام
الألباني ص [38].
الحمد لله تعالى قد فتشت عن لفظ الحديث، ورأيت بعيني
كتاب الدعاء للطبراني الذي أحال عليه الحافظ - جزاه الله خيرا -
وفيه ذكر النوى، وخلا أيضا عما يخدج في الاحتجاج به كما هو
ظاهر كلام الحافظ.
وهذا يظهر تقصير الألباني، الذي يدعي دعاوى كبيرة، فكان
ينبغي أن يتوقف في الحكم على الحديث، أو يقلد الحافظ حتى
يرجع إلى الأمالي وهي موجودة، ولكن ليس فيها ذكر سند
الطبراني في الدعاء. ثم كان عليه أيضا أن يرجع إلى الدعاء
للطبراني لينظر في سند الحديث ثم يحكم عليه، علما بأن
الطبراني أخرج نفس الحديث سندا ومتنا في المعجم الأوسط.
ولكنه اكتفى برأيه، ولم يرجع إلى الأصول، ولم يرجع إلى أصل
الأمالي، ثم بعد ذلك جمع ما كتبه في السلسلة الضعيفة، وطبعت
مرات - وتبعه بعض العوام - على ما فيها من أخطاء وكثر القول
بضعف حديثي صفية وسعد رضي الله عنهما، وهذا ليس من
صنيع أهل هذا الشأن، فإن المراجعة والاتقان وضبط ما كان
وإصلاح الخطا أولى من الاكثار، كما أشار إلى ذلك الإمام مسلم
رحمه الله تعالى في مقدمة صحيحه [1 / 46 - 47] بشرح النووي.
21

فصل
ثم قال الألباني: ومما يدل على ضعف هذين الحديثين أن
القصة وردت عن ابن عباس بدون ذكر الحصى ولفظه قال: " عن
جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي
في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: ما زلت
على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد
قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم
لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة
عرشه، ومداد كلماته ". أخرجه مسلم [8 / 83 - 84]، والترمذي
[4 / 274] وصححه، وابن ماجة [2 / 423]، وأحمد
[6 / 325، 430].
فدل هذا الحديث الصحيح على أمرين:
الأول: أن صاحبة القصة هي جويرية لا صفية كما في
الحديث.
الثاني: أن ذكر الحصى في القصة منكر، ويؤيد هذا إنكار
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على الذين رآهم يعدون
بالحصى، وقد جاء ذلك عنه من طرق سبق أحدها، ولو كان ذلك
مما أقره صلى الله عليه وسلم لما خفي على ابن مسعود إن شاء الله. وقد تلقى هذا
22

الانكار منه بعض من تخرج من مدرسته ألا وهو إبراهيم بن يزيد
النخعي الفقيه الكوفي، فكان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل
خيوط التسبيح التي يسبح بها، رواه ابن أبي شيبة في المصنف
[2 / 89 / 2] بسند جيد. انتهى كلام الألباني.
* * *
أقول وبالله تعالى التوفيق: هذا الكلام عليه مؤاخذات:
الأولى: قوله: " إن صاحبة القصة هي جويرية لا صفية كما في
الحديث الثاني " قد مر بك أن حديث صفية حسن، وحديث
سعد صحيح، فتكون القصة قد تعددت مرة مع صفية ومرة مع
امرأة ومرة مع جويرية. وهذا كثير جدا في أسباب الورود،
فالجمع أولى بدلا من ردها والاقتصار على رواية جويرية فقط، ما
دام أن الأسانيد قد رواها الأئمة بأسانيد صحيحة أو حسنة.
فلا تعارض حينئذ، وإعمال كل الأدلة واجب كما هو مقرر،
وهذه الطريقة يعرفها صغار طلبة العلم، فلماذا التحكم بقصر
القصة على رواية جويرية رضي الله تعالى عنها؟.
الثانية: أما الحكم على أن ذكر الحصى في القصة منكر فخطأ
من الألباني، وهو فرع ناتج عن حكمه المخطئ الذي نشأ عن
عدم البحث والتتبع، بل والميل نحو إحداث أقوال شاذة، وقد أداه
كل ذلك إلى تضعيف حديثي سعد وصفية الثابتين.
الثالثة: أما قوله: " يؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه على الذين رآهم... إلى قوله إن شاء الله "، ففيه أخطاء
يجب التنبه لها.
23

1 - في الكلام على إنكار ابن مسعود رضي الله عنه على الذين
رآهم يعدون بالحصى.
اعلم وفقني الله وإياك إلى اتباع الحق وترك الدعاوى الفارغة،
أن هذا الانكار لم يثبت، وأنا أذكر الأثر الذي اعتمده الألباني،
واغتر به العوام ص [96] من سلسلته الضعيفة.
قال ابن وضاح القرطبي في البدع والنهي عنها ص [12]: أنا
أسد عن جرير بن حازم عن الصلت بن بهرام قال: مر ابن مسعود
بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه. ثم مر برجل يسبح
بحصى فضربه برجله، ثم قال: لقد سبقتم، ركبتم بدعة ظلما، أو
لقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما.
سنده ضعيف للانقطاع الذي بين الصلت بن بهرام وابن مسعود
رضي الله عنه لان ابن بهرام وإن كان ثقة، ولكنه من أتباع
التابعين. التهذيب [4 / 432].
ثم لماذا يستدل بهذا الأثر الضعيف الموقوف على أن ذكر
الحصى منكر؟ وهل رأيت - أخي القارئ - من يجعل الموقوف
الضعيف حكما على المرفوع الصحيح؟!... إلى الله المشتكى.
ومن المعلوم المقرر في علم الأصول، أن فعل الصحابة ليس
بحجة مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالك وقد خالفه جمع من
الصحابة كما سيأتي بيان ذلك! فما بالك ولم يصح هذا الفعل عن
هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه!. ومن المعلوم أيضا أن فعل
أحد الصحابة ليس بحجة على الآخرين، فلو صح أثر ابن مسعود
24

لم يكن حجة أبدا على غيره، والله أعلم.
والألباني قال في ص [96] عن أثر ابن مسعود: " وسنده
صحيح إلى الصلت " أي إن سنده فيه انقطاع أي ضعف،
وأضف إلى ضعف السند، النكارة التي في المتن، فكيف يتعدى
هذا الصحابي المجتهد الجليل رضي الله تعالى عنه على هذه
المرأة، ثم يضرب عبدا من عباد الله برجله هل هذا هدي سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
ولماذا يحتج هنا بالموقوف الضعيف في الأحكام الشرعية وهو
مردود اتفاقا، بينما يرد العمل بالحديث الضعيف في الفضائل
والمناقب وهو مقبول اتفاقا، ماذا تسمي هذا؟.
تنبيه:
قال الألباني في ص [96] من سلسلته الضعيفة: ثم روى - أي
ابن وضاح - عن أبان بن أبي عياش قال: سألت الحسن عن
النظام - خيط ينظم فيه لؤلؤ وخرز ونحوهما - من الخرز والنوى
ونحو ذلك يسبح به؟ فقال: لم يفعل ذلك أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم
ولا المهاجرات. وسنده ضعيف، اه‍.
لا أدري لماذا سود الألباني الورق، وأتى بهذا الأثر الموضوع
الذي لا قيمة له بالمرة، لا في الشواهد ولا المتابعات؟ فإن في
سنده أبان بن أبي عياش كذاب بلا ريب ولا شك، فاعجب ألف
مرة لقول الألباني سنده ضعيف، فإن هناك بونا كبيرا بين الضعيف
والموضوع. والمصنفون في الرجال ترجموا لابان بن أبي عياش
25

بما يكشف عن حاله، لكنني أنقل ما نقله الألباني عنهم لترى
تناقضه الغريب، ولتعجب معي من هذا الصنيع.
قال الألباني في ص [67] من السلسلة الضعيفة: أبان هو ابن أبي
عياش الزاهد البصري، قال أحمد: متروك الحديث، وقال شعبة:
لان يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان، قلت - أي
الألباني -: ولا يجوز أن يقال مثل هذا إلا فيمن هو كذاب معروف
بذلك، وقد كان شعبة يحلف على ذلك، اه‍.
فانظر - رحمك الله - كيف يرى أن أبان هنا في ص [67]
كذاب معروف بذلك، بينما يحكم على أثره في ص [96] بأنه
ضعيف. بل إن أبان متهم بالكذب عن الحسن بالذات. قال أبو
عوانة: كنت لا أسمع بالبصرة حديثا إلا جئت به، فحدثني - أي
أبان - به عن الحسن حتى جمعت مصحفا، فما أستحل أن أروي
عنه، اه‍. الميزان [1 / 11]. فالله المستعان على هذا التناقض.
فالذي يستشهد بالموضوع المتحقق وضعه عنده، ولكن عن
طريق تغيير حقيقة الحكم على السند لا شك أنه يضحك على
العوام بغية ترويج فكرته في بدعية السبحة، فهل الأمانة العلمية
تستدعي هذا العمل؟ ولو كان الشيخ البوطي أو الصابوني أو
غيرهما من الذين يرد عليهم الألباني فعلوا فعله لأنزل عليهم وابلا
من الشتائم والاستهزاءات وغير ذلك. ورحم الله من كان عفيف
اللسان منصفا.
قوله: " وقد جاء ذلك عنه من طرق سبق إحداها ".
أقول أما الذي سبق فلا قيمة له هنا وتبين أنه ضعيف. أما قوله
26

من " طرق " ففيه إيهام أن هذه الطرق صحيحة أو حسنة معمول بها
والامر ليس كذلك وإليك بيان هذه الطرق.
الأول: قال ابن وضاح في البدع والنهي عنها [11]: أنا أسد،
عن عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر، عن يسار أبي الحكم
أن عبد الله بن مسعود حدث: أن أناسا بالكوفة يسبحون بالحصى
في المسجد فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كومة
حصى، قال: فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من
المسجد، ويقول: لقد أحدثتم بدعة ظلما، أو قد فضلتم أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم علما، اه‍.
يسار هو تصحيف من الناسخ والصواب سيار ثقة ولكنه من
أتباع التابعين، انظر التهذيب [4 / 291]. فيكون في السند
انقطاع. أضف إلى هذا النكارة الواضحة في المتن كيف يرمي
هذا الصحابي الجليل عباد الله بالحصى في المسجد ثم يرغمهم
على الخروج منه فيخالف بذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" ما كان الرفق في شئ إلا زانه... الحديث ". رواه مسلم عن
عائشة.
قد يقول قائل إن الطريقين السابقين لاثر ابن مسعود - طريق
الصلت وطريق سيار - يقوي كل منهما الآخر فيكون هذا الأثر
حسنا.
والجواب عليه: أن الانقطاع لا يتقوى بمثله لاتحاد المخرج،
ولاحتمال أن يكون هناك أكثر من راو سقط في الانقطاع، فكيف
يتقوى من هذا حاله بمثله؟ أضف إلى هذا الاختلاف الواضح بين
27

المتنين فلا يتقوى أحدهما بالآخر. ففي الأول أنه مر على امرأة ثم
رجل فقطع وضرب، وفي الثاني أنه رمى الناس ثم أخرجهم من
المسجد... فافهم وتدبر.
الثاني: قال ابن وضاح: حدثني إبراهيم بن محمد، عن
حرملة، عن ابن وهب، قال: حدثني ابن سمعان قال: بلغنا عن
ابن مسعود أنه رأى أناسا يسبحون بالحصى فقال: على الله
تحصون لقد سبقكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما، أو لقد أحدثتم
بدعة ظلما، اه‍.
سنده موضوع، وابن سمعان هو عبد الله بن زياد المخزومي
كذبه غير واحد ولم يسمع من ابن مسعود. التهذيب [5 / 219].
بقي مما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه ما رواه الدارمي
قال: أخبرنا الحكم بن المبارك، أنا عمر بن يحيى قال: سمعت
أبي يحدث، عن أبيه: قال كنا نجلس على باب عبد الله بن
مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا
أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟
قلنا: لا. فجلس حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعا، فقال له
أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا
أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت
فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون
الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصا، فيقول كبروا مائة،
فيكبرون مائة، فيقول هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول سبحوا
مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ ما قلت لهم شيئا
28

انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم،
وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم؟.
ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف
عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الله (1)
حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا
ضامن ألا يضيع من حسناتكم شئ، ويحكم أمة محمد ما أسرع
هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم مترافرون، وهذه ثيابه لم تبل،
وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من
ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة!، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن
ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا: " إن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز
تراقيهم "، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم.
فقال عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم
النهروان مع الخوارج. اه‍.
إن صح هذا إلى ابن مسعود - إذ في الحكم بن المبارك
مقال (2) -، فإن فيه إنكار عد التسبيح فقط، فإنهم لما قالوا: " يا أبا

(1) هكذا في النسخة المطبوعة، والصواب يا عبد الله، والله أعلم.
(2) ذكر الألباني في رده على الشيخ الحبشي أن إسناد الدارمي رجاله كلهم ثقات،
رجال البخاري في صحيحه غير عمارة وهو ثقة، وغاب عن الألباني أن
في سنده الحكم بن المبارك روى عنه البخاري في الأدب المفرد فقط
ولم يدخله في الصحيح، وقال الحافظ في التقريب. صدوق ربما وهم.
انظر التهذيب [2 / 438]، التقريب [1 / 192].
29

عبد الرحمن حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح "، أنكر ابن مسعود
العد فقط بقوله: " عدوا سيئاتكم... إلخ " وسكت عن الحصى.
ففيه دليل جلي واضح على جواز استعمال الحصى في التسبيح
عند ابن مسعود.
وكان مذهب ابن مسعود رضي الله عنه كراهة العد.
قال ابن أبي شيبة في المصنف:
حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان
عبد الله يكره العد، ويقول: أيمن على الله حسناته، اه‍.
المصنف [2 / 391].
سنده صحيح، أبو معاوية هو محمد بن خازم التميمي ثقة لا
سيما عن الأعمش، والأعمش ثقة وإن كان مدلسا وقد عنعن،
لكن روايته عن إبراهيم محمولة على السماع كما ذكر ذلك
الذهبي في الميزان [2 / 224].
المؤاخذة الرابعة:
قوله: (وقد تلقى... إلخ ".
هذا خطأ بناه على خطأ، لأنه قد مر بك أنه لم يصح عن ابن
مسعود رضي الله عنه إنكار التسبيح بالحصى، بل مر جواز ذلك
عنه.
أما عن سند أثر النخعي رحمه الله تعالى:
فقال ابن أبي شيبة: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن حسن،
30

عن إبراهيم بن المهاجر، عن إبراهيم أنه كان ينهى ابنته أن تعين
النساء على فتل خيوط التسابيح التي يسبح بها، [2 / 391].
هذا السند فيه إبراهيم بن المهاجر، وفيه تعديل وجرح مفسر،
فحديثه ضعيف. التهذيب [1 / 168]، الجرح والتعديل
[1 / 1 / 132]. قال الثوري وأحمد: لا بأس به، وقال أبو داود
تبعا لشيخه: صالح الحديث، لكن ضعفه يحيى بن معين وابن
حبان ويحيى بن سعيد والدارقطني وهو الراجح عن النسائي وغمزه
شعبه.
والجرح المفسر فيه هو قول الدارقطني: حدث بأحاديث لا
يتابع عليها.
وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالقوي هو وحصين وعطاء بن
السائب، قريب بعضهم من بعض، ومحلهم عندنا محل الصدق،
يكتب حديثهم ولا يحتج به.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: قلت لأبي: ما معنى لا يحتج
بحديثهم؟ قال: كانوا لا يحفظون فيحدثون بما لا يحفظون،
فيغلطون ترى في أحاديثهم اضطرابات ما شئت، اه‍.
وفي مقدمة الفتح ص [390]: قال ابن أبي خيثمة في تاريخه:
قيل ليحيى بن معين إن إسرائيل روى عن أبي القتات وعن
إبراهيم بن مهاجر ثلاثمائة يعني مناكير، فقال: لم يؤت منه - أي
إسرائيل - أتي منهما، اه‍.
فهل بعد هذا يقبل تفرد ابن مهاجر؟.
31

وفي التقريب [1 / 44]: صدوق لين الحفظ، وذكره الذهبي
في المغني [1 / 27].
إذا علمت هذا تبين لك أن ابن مهاجر المذكور لا يجود حديثه
إلا بمتابع، أما إذا انفرد فضعيف.
ومن تناقض الألباني أنه رد تصحيح الحاكم والذهبي لحديث
فيه إبراهيم بن مهاجر المذكور فقال ما نصه: قال الحاكم صحيح
الاسناد ووافقه الذهبي، وزاد عليه فقال: قلت على شرط مسلم.
ثم قال الألباني: وهو كما قال لولا أن فيه إبراهيم بن مهاجر،
قال الحافظ: صدوق لين الحفظ. انتهى بنصه. إرواء الغليل
[5 / 47].
فانظر إلى رد الألباني التصحيح بقوله: لولا أن فيه إبراهيم بن
مهاجر... إلخ.
فالله المستعان على هذا التناقض الذي يمكن فيه لمن تتبع
كتب الألباني أن يخرج جزءا لطيفا يسميه " رد الألباني على
الألباني ".
واعجب يا أخي لصنيع الألباني الذي يغمز سعيد بن أبي هلال
الثقة ويضعف حديثه، بينما يجود حديث إبراهيم بن مهاجر.
فأين هؤلاء العوام المعترضون على عباد الله تعالى الذاكرين
له، تركوا تقليد الأئمة المجمع على جلالتهم بدعوى العمل
بالدليل والاجتهاد، فوقعوا في تقليد الأخطاء والتناقض والتحريف
والمخالفة للمتفق عليه.
32

ثم اعلم أن إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى، لم ينه ابنته عن
تسبيح بالنوى أو السبح ولكنه نهاها - إن صح عنه - عن فتل
الخيوط، ولا يلزم من نهيها عن فتل الخيوط نهيها عن استعمالها،
لان هذا النهي يحتمل أن يكون بسبب عدم رغبته في اختلاط ابنته
بالنساء، أو بسبب أنه مشتغل بالعلم وقد تأتي النساء لمنزله مما
يسبب له ضررا، أو اتباعا لشيخه في كراهة العد فقط، إلى غير
ذلك من الاحتمالات، وما تطرق إليه الاحتمال سقط به
الاستدلال. ولكن الذي فات الشيخ الألباني أن أثر إبراهيم
نخعي فيه أن النساء كان لهن تسابيح يسبحن بها، وهذا كان في
عصر التابعين، فقد أتى الشيخ بما عليه لا له، فافهم أخي
القارئ وتدبر.
33

فصل
قال الألباني: قد يقول قائل: إن العد بالأصابع كما ورد في
السنة لا يمكن أن يضبط به العدد إذا كان كثيرا.
فالجواب: قلت إنما جاء هذا الاشكال من بدعة أخرى، وهي
ذكر الله في عدد محصور لم يأت به الشارع الحكيم، فتطلبت
هذه البدعة بدعة أخرى وهي السبحة، فإن أكثر ما جاء من العدد
في السنة الصحيحة - فيما أذكر الآن - مائة، وهذا يمكن ضبطه بسهولة
لمن كان ذلك عادته. انتهى كلام الألباني ص [99].
كأن الشيخ الألباني يرى أنه إذا كان هناك عددا كبيرا يصعب
عده بالأصابع فلا مانع من استعمال السبحة، ولكن لما كان هذا
غير موجود في السنة الصحيحة، كان استعمالها بدعة، لأنه لا
يعرف أكثر من مائة في السنة.
فمن أجل عدم علم الشيخ بوجود عدد أكبر من مائة في السنة
حكم ببدعية السبحة، وهذا تحكم كبير، وبعد عظيم عن السنة.
فهل إذا أتينا للشيخ بما ورد في السنة الصحيحة يرجع عن
قوله؟.
34

1 - قوله: " ذكر الله في عدد محصور لم يأت به الشارع
الحكيم... إلخ ".
اعلم أن الشارع قد رغب في ذكر الله تعالى ذكرا كثيرا، وقد
بلغ هذا مبلغ التواتر، والكثير لا حد له، وقد ورد أن عددا كبيرا
من الصحابة والتابعين اعتادوا الذكر بأعداد كبيرة تصل إلى المائة
ألف والأربعين ألف والعشرة آلاف، فهل هؤلاء مبتدعة أم نحن
جاهلون بالشرع؟... الأول ممتنع والثاني واقع.
2 - وما دام ذكر الله تعالى كثيرا بكافة أنواعه من المندوب
المطلوب، فالمحافظة عليه مندوبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أحب الدين إلى الله أدومه وإن قل ". رواه البخاري.
ومنه يعلم أن ذكر الله تعالى بالمئات والآلاف مطلوب،
ومطلوب المحافظة عليه، وهذا عمل الصحابة رضوان الله عليهم
كما سيأتي، بل من راجع " الزهد " و " الحلية " لوجد كثيرا من
ذلك. فكيف يمكن اتهام سادات الأئمة من علماء وصالحين
بالابتداع بسبب قصور الفهم وقلة الاطلاع، إن هذا لشئ
عجاب!.
3 - قوله: " أكثر ما جاء من العدد في السنة الصحيحة - فيما
أذكر الآن - مائة... إلخ "، وما دمت لا تذكر وقت الكتابة، فنحن
نذكرك، ونذكر إخواننا، فإن الذكرى تنفع المؤمنين. قال
، سول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله
وبحمده مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا
35

أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه ". رواه مسلم (16 / 17 مسلم
بشرح النووي).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف
حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب ألف حسنة قال:
يسبح مائة تسبيحة فتكتب له ألف حسنة، أو تحط عنه ألف
سيئة ". رواه مسلم (16 / 20 مسلم بشرح النووي).
فانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " كل يوم "، فمن لا يريد أن يكسب كل
يوم مائة ألف حسنة ويحافظ على هذا المكسب العظيم؟!.
أيكون هذا مبتدعا؟.
وقد جاء النص في أكثر من مائة، أخرج أحمد والطبراني عن
عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير
مائتي مرة في يوم، لم يسبقه أحد كان قبله، ولا يدركه أحد بعده،
إلا بأفضل من عمله ".
قال الهيثمي: ورجال أحمد ثقات، وفي رجال الطبراني من لم
أعرفه. مجمع الزوائد [10 / 86].
36

فصل
وأعلم أنه قد استعمل النوى أو الحصى في التسبيح جماعة من
الصحابة رضي الله عنهم، وقد تقرر أن الصحابة رضوان الله
عليهم لا يفعلون البدعة.
ورد ذلك بأسانيد قوية عن أبي الدرداء، وأبي هريرة،
وسعد بن أبي وقاص، وأبي صفية، وغيرهم رضي الله تعالى
عنهم.
وهناك أسانيد أخرى مشبهة أو ضعيفة تطلب من " المنحة "
للحافظ السيوطي.
ومن طالع كتب " الطبقات " لابن سعد " و " الزهد " للإمام أحمد
، و " الحلية " لأبي نعيم، و " التاريخ " للخطيب البغدادي،
لأخرج جزءا لطيفا فيه استعمال السلف الصالح - رحمهم الله
تعالى - النوى أو الحصى أو المسابيح في التسبيح.
1 - أثر أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه:
قال عبد الله بن الإمام أحمد:
حدثني أبي، حدثنا مسكين بن بكير، أنبأنا ثابت بن عجلان،
37

عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان لأبي الدرداء نوى من نوى
العجوة، حسبت عشرا أو نحوها في كيس، وكان إذا صلى الغداة
أقعى على فراشه، فأخذ الكيس، فأخرجهن واحدة واحدة يسبح
بهن، فإذا نفذن أعادهن واحدة واحدة، كل ذلك يسبح بهن،
اه‍. الزهد ص [141].
هذا سند صحيح إن شاء الله تعالى.
مسكين بن بكير روى له البخاري متابعة، ومسلم وغيره في
الأصول، وثقه ابن عمار، وقال أحمد وابن معين وأبو حاتم: لا
بأس به. ومن تكلم فيه كأبي أحمد الحاكم فبالنسبة لأحاديثه عن
سعيد بن عبد العزيز وعن شعبة، وهو هنا لم يرو عنهما. التهذيب
[10 / 120]، الجرح والتعديل [4 / 1 / 329].
وثابت بن عجلان تابعي شامي، ثقة احتج به البخاري، وثقه
ابن معين، وقال دحيم والنسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم:
لا بأس به صالح الحديث، وتوقف فيه أحمد وكأنه مرض أمره.
واستغرب ابن عدي له ثلاثة أحاديث، وهذا لا يضره، فمن من
الرواة من لا ينفرد أو يهم؟ أما قول العقيلي: لا يتابع في حديثه،
فقد تعقبه أبو الحسن بن القطان بقوله: إن هذا لا يضر إلا من
لا يعرف بالثقة، وأما من وثق فانفراده لا يضر.
قال الحافظ: وصدق فإن مثل هذا لا يضره إلا مخالفته الثقات
لا غير، فيكون حديثه حينئذ شاذا، اه‍. انظر الضعفاء للعقيلي
[1 / 175]، الكامل [2 / 524]، التهذيب [2 / 10].
38

والقاسم بن عبد الرحمن هو أبو عبد الرحمن الشامي
الدمشقي، وثقه ابن معين والعجلي والترمذي ويعقوب بن سفيان
ويعقوب بن شيبة، ومن تكلم فيه كابن حبان فالأحاديث منكرة
رواها عنه ضعفاء، لذلك قال أبو حاتم الرازي: حديث الثقات
عنه مستقيم لا بأس به، وإنما ينكر عنه الضعفاء. التهذيب
[8 / 322 - 324]، الجرح والتعديل [2 / 3 / 113].
والراوي عنه ثابت بن عجلان ثقة كما مر، وشامي مثله.
روى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، فروايته عن أبي
الدرداء أولى، لأنه شامي مثله وعده يعقوب بن سفيان من الطبقة
العليا من التابعين بالشام. المعرفة والتاريخ [2 / 330].
2 - أثر أي هريرة رضي الله عنه:
قال أبو داود [2 / 339]: حدثنا مسدد، ثنا بشر، ثنا الجريري،
ح وثنا مؤمل، ثنا إسماعيل، ح وثنا موسى، ثنا حماد كلهم عن
الجريري، عن أبي نضرة، حدثني شيخ من طفاوة قال: تثويت أبا
هريرة بالمدينة - أي جئته ضيفا -، فلم أر رجلا من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم أشد تشميرا، ولا أقوم على ضيف منه، فبينا أنا عنده
يوما، وهو على سرير له، معه كيس كبير فيه حصى أو نوى،
وأسفل منه جارية سوداء، وهو يسبح بها، حتى إذا أنفذ ما في
الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه...
الحديث.
وسكت عنه أبو داود فهو صالح عنده.
39

وأخرج بعضه النسائي [8 / 151]، والترمذي (كتاب
الاستئذان، تحفة 8 / 71 - 72) وقال: هذا حديث حسن، إلا أن
الطفاوي لا نعرفه إلا في هذا الحديث، ولا نعرف اسمه، وأحمد
في المسند [2 / 540].
وإنما حسنه الترمذي لان الطفاوي تابعي لم يأت بمتن منكر،
والراوي عنه ثقة، وقد احتج النسائي بالطفاوي مع تعنته المشهور
في الرجال. وهذا مذهب كثير من المحدثين، لم ينفرد به
الترمذي رحمه الله تعالى، فلا يقول متقول هنا: وتساهل الترمذي
معروف، كما هي عادة البعض.
وفي مقدمة " المغني " للذهبي نقلا عن " الضعفاء " له قال:
وأما المجهولون من الرواة، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو
أوساطهم احتمل حديثه، وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة
الأصول ومن ركاكة الألفاظ، اه‍.
وباقي السند رجاله ثقات.
ولتسبيح أبي هريرة بالنوى شاهدان يقويان تحسين الترمذي:
1 - قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا
عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي وإبراهيم بن زياد قالا:
ثنا إسماعيل بن عليه، عن خالد الحذاء، عن عكرمة قال قال أبو
هريرة: إني لاستغفر الله وأتوب إليه كل يوم اثني عشر الف مرة،
اه‍. الحلية [1 / 383] وسنده صحيح.
وعزاه الحافظ في الإصابة [4 / 209] لابن سعد وصححه.
وانظر تذكرة الحفاظ [1 / 35].
40

فبعد أن ثبت هذا عن أبي هريرة، كيف يمكن إحصاء اثني
عشر ألف تسبيحة كل يوم بدون آلة تساعده كنوى أو حصى؟.
والقاعدة عندهم: إذا ثبت الشئ ثبتت لوازمه.
2 - أخرج أبو نعيم في الحلية قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن
حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا الحسن بن الصباح،
ثنا زيد بن الحباب، عن عبد الواحد بن موسى قال: أخبرني
نعيم بن المحرر (1) بن أبي هريرة، عند جده، أبي هريرة أنه كان له
خيط فيه ألفا عقدة، فلا ينام حتى يسبح به، اه‍. [1 / 383].
وعزاه الحافظ السيوطي في المنحة لأحمد في الزهد (2)،

(1) ولنذكر هنا تناقضا للألباني وقع له في المحرر بن أبي هريرة في ذلك أنه
وثق المحرر في جهة وصحح حديثه، ثم في جهة أخرى جعله علة في
السند.
أما توثيقه وتصحيح حديثه، ففي ارواء الغليل [4 / 301) حيث قال عن
المحرر ما نصه: فهو ثقة إن شاء الله، فقول الحافظ فيه: مقبول، غير
مقبول، وعليه فالاسناد صحيح، اه‍.
أما جعله المحرر المذكور علة في السند:
فقوله في السلسلة الصحيحة [4 / 156] ما نصه:
هذا إسناد رجاله كلهم رجال البخاري، غير المحرر بن أبي هريرة في فإنه
من رجال النسائي وابن ماجة فقط، ولم يوثقه غير ابن حبان، ولذلك لم
يوثقه الحافظ ابن حجر، بل اكتفى بقوله: مقبول، يعني عند المتابعة،
اه‍.
فانظر - رحمني الله وإياك - إلى هذا التناقض، يوثق الراوي، ثم يعلل به
الاسناد، ويخطئ الحافظ ثم يقبل قوله.
(2) لكن لم أجده في الزهد المطبوع، وليعلم أن المطبوع أقل من الأصل
بكثير، قال عنه الحافظ في مقدمة تعجيل المنفعة ص [11]: إنه كتاب
كبير يكون في قدر ثلث المسند مع كبر المسند، وفيه من الأحاديث والآثار
مما ليس في المسند شئ كثير، اه‍. فرحم الله الإمام أحمد وجزاه عنا
خير الجزاء.
41

وأورده الذهبي في تذكرة الحفاظ [1 / 35].
وسنده حسن إلى نعيم الذي لم أجد له ترجمة فيما لدي من
كتب الرجال والله أعلم.
3 - أثر سعد بن أبي وقاص رضى الله تعالى عنه:
قال ابن سعد في الطبقات [3 / 143]:
أخبرنا قبيصة بن عقبة، عن سفيان، عن حكيم بن الديلمي:
أن سعدا كان يسبح بالحصى.
قبيصة ثقة احتج به الجماعة. التهذيب [8 / 347].
وسفيان هو الثوري، لا يسأل عن مثله.
وحكيم بن الديلمي هو المدائني ثقة. التهذيب [2 / 449]،
من السادسة. التقريب [1 / 194].
لم يرو عن سعد رضي الله عنه.
لكن رواه يحيى بن سعيد موصولا، قال ابن أبي شيبة
[2 / 389] في المصنف:
حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن حكيم بن الديلمي،
عن مولاة لسعد: أن سعدا كان يسبح بالحصى أو النوى.
وسنده يمكن أن يكون مقبولا على طريقة كثير من الحفاظ
42

المتقدمين والمتأخرين، وهذا ما يقتضيه النظر الصحيح لا التعنت
القبيح.
ومما يزيده وضوحا، قول الذهبي في الميزان - وهو من أهل
الاستقراء التام في الرجال: ولا أعلم من النساء من اتهمت ولا
تركت، اه‍. الميزان [4 / 604]، ووافقه الحافظ في اللسان
[7 / 522].
4 - أثر أبي صفية رضي الله تعالى عنه:
أخرج الإمام أحمد في الزهد قال:
حدثنا عفان، ثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس بن عبيد، عن
أمه قالت:
رأيت أبا صفية رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جارنا،
قالت: فكان يسبح بالحصى.
هذا سند صحيح رواته ثقات محتج بهم.
فإن قال قائل: أم يونس بن عبيد لم يرو عنها غير ابنها كما ذكر
ذلك الإمام مسلم بن الحجاج في المنفردات ص [19]، ولم
يوثقها أحد، فكيف يحتج بها؟.
أجيب بالآتي:
1 - أم يونس روى عنها أيضا غير ابنها، المعلى بن الأعلم كما
في الجرح والتعديل [8 / 333]، والتاريخ الكبير [9 / 44]، ولم
يذكر فيها جرحا ولا تعديلا، وهي على شرط ابن حبان في ثقاته
ولاكنني - لم أجدها فيه.
43

فهي مستورة لارتفاع جهالة العين برواية اثنين، فتبقى جهالة الحال.
وحديث المستور من الرواة الذين تقادم العهد بهم مقبول، فما
بالك إذا كان من التابعين وعليه العمل في كثير من كتب الحديث
كما قرره الحافظ ابن الصلاح في المقدمة ص [145].
2 - احتج الأئمة الحفاظ الاثبات ممن صنفوا في الصحابة
ومعهم البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما بأن أبا صفية من
الصحابة، بل ومن المهاجرين اعتمادا على طريق أم يونس بن
عبيد، وفي كل الروايات ذكر الحصى أو النوى.
وهذا أكثر دليل، وأوضح برهان على قبولهم رواية أم يونس
وتوثيقهم لها.
ومما يؤيد هذا ويقويه ويوضحه أن الحافظ ذكر في مقدمة
الإصابة [1 / 4 - 5] أنه رتبه على أربعة أقسام، ثم قال: القسم
الأول: فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره، سواء
كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة، أو وقع ذكره بما يدل
على الصحبة بأي طريق.
ثم قال: وأميز ذلك في كل ترجمة، اه‍.
وتراه في ترجمة أبي صفية رضي الله عنه يذكر صحبته دون
تمييز أو تعقيب، مما يدل على أن الطريق عنده صحيح أو حسن.
تنبيه:
علل الألباني - في رده على الشيخ الحبشي - أثر أبي صفية
بالآتي:
44

قال الألباني: في السند إليه أم يونس بن عبيد، ولا ذكر لها في
شئ من كتب التراجم، اه‍.
وهذا خطأ من الألباني فإن أم يونس ذكرها البخاري في التاريخ
الكبير [9 / 44]، وذكرها مسلم في المنفردات ص [19]، وذكرها
ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل [8 / 333]. فكيف يقال: لا
ذكر لها في كتب التراجم؟.
والآن نسأل الشيخ الألباني:
ماذا تقول في أبي صفية، هل هو صحابي أم لا؟
فإن أجبت بالنفي فقد خالفت سبيل الحفاظ وأتيت بقول منكر
لا معنى له وإن أجبت بالاثبات، فليس هناك طريق لاثبات صحبة
أبي صفية إلا طريق أم يونس الذي فيه أنه كان يسبح بالحصى
والنوى. فأنت ملزم بالثاني ولا تستطيع أن تنفك عنه (1)، وعليه لا
يمكن الحكم ببدعية السبحة. والله المستعان.
وهناك آثار أخرى لم أذكرها لوجود الضعف فيها. وانظر إذا
شئت " المصنف " لابن أبي شيبة [2 / 389] و " المنحة " في
الحاوي للسيوطي [2 / 4].
* * *

(1) وأزيد من هذا أن الألباني عندما يريد أن يحتج بأقل من أم يونس يفعل،
بل ويصرح بقبول رواية المستورين من التابعين. فيقول عن راو تابعي ما
نصه: " وجملة القول أن الرجل مستور الحال، والنفس تطمئن للاحتجاج
بحديث أمثاله من مستوري التابعين، وعلى ذلك جرى كثير من
المحققين " اه‍. تخريج السنة لابن أبي عاصم [1 / 214].
45

وكان من عادة السلف الاكثار من التسبيح.
قال الحافظ السيوطي في المنحة:
وذكر الحافظ عبد الغني في الكمال في ترجمة أبي الدرداء
عويمر رضي الله عنه: أنه كان يسبح في اليوم مائة ألف تسبيحة.
وذكر أيضا عن سلمة بن شبيب قال: كان خالد بن معدان يسبح
في اليوم أربعين ألف تسبيحة، اه‍.
وقوله: " في اليوم " يدل على المداومة بالعدد المذكور.
قال السيوطي: ومن المعلوم المحقق أن المائة ألف، بل
والأربعين ألفا وأقل من ذلك لا يحصر بالأنامل، فقد صح بذلك
أنهما كانا يعدان بآلة، والله أعلم، اه‍.
وأخرج الترمذي في الدعاء (12 / 298 عارضة) عن مسلم بن
عمرو قال: كان عمير بن هانئ يصلي كل يوم ألف ركعة، ويسبح
مائة ألف تسبيحة.
فإذا أمعنت فيما ذكرت في هذا الفصل، علمت قيمة قول
الألباني: " إنما جاء هذا الاشكال من بدعة أخرى، وهي ذكر الله
في عدد محصور لم يأت به الشارع الحكيم، فتطلبت هذه البدعة
بدعة أخرى وهي السبحة ". انتهى بنصه، فافهم وتدبر والله
المستعان.
46

فصل
وقد استعمل السبحة الجماهير من السلف والخلف.
وقال الحافظ السيوطي في المنحة: ولم ينقل عن أحد من
السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة، بل
كان أكثرهم يعدون بها، ولا يرون ذلك مكروها، اه‍. انظر
الحاوي في الفتاوي [2 / 5].
وقد كنت جمعت كثيرا من عبارات العلماء الثقات الاعلام في
بيان جوازها، ثم رأيت أن اقتصر هنا على ما يوصل إلى المراد.
1 - قال شيخ الاسلام أحمد بن تيمية (مجموع الفتاوى
22 / 506): وعد التسبيح بالأصابع سنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء:
" سبحن، واعقدن بالأصابع فإنهن مسؤولات مستنطقات ".
وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن، وكان من
الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أم
مؤمنين تسبح بالحصى، وأقرها على ذلك، وروي أن أبا هريرة
كان يسبح به.
وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه، فقال فيه هو
حسن غير مكروه.
47

2 - قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الوابل الصيب
ص [295]: الفصل الثامن والستون في عقد التسبيح بالأصابع،
وأنه أفضل من السبحة، اه‍.
3 - قال العلامة محمد بن علي الشوكاني (نيل الأوطار 2 / 353):
والحديثان الآخران - أي حديث سعد وصفية رضي الله عنهما -
يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى، وكذا بالسبحة،
لعدم الفارق، لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأتين على ذلك وعدم إنكاره،
والارشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز، اه‍.
ونقله المبارك فوري في تحفة الأحوذي [9 / 458] موافقا له.
48

وبعد ما تبين لك من خطأ الألباني في النقل، أردت
- بحول الله تعالى وقوته - أن أبين الخطأ الذي وقع فيه من جهة
النظر.
1 - السبحة آلة تستخدم لعد ما ندب الشارع إليه، فهي وسيلة
لمقصود وهو الذكر من تكبير وتسبيح وتهليل ونحوه. وقد تقرر أن
للوسائل حكم المقاصد.
قال القرافي في الفروق [3 / 111]: الوسائل تتبع المقاصد في
أحكامها، فوسيلة المحرم محرمة، ووسيلة الواجب واجبة، اه‍.
2 - بعض الناس اعتاد أن يسبح أو يستغفر بعدد كبير ألف ألفين
مثلا، أو أن أحدهم اعتاد أن يتكلم الناس معه عقب الصلاة، وهو
يذكر ما ورد في هذا المحل، فيقطع الذكر ويجيب السائل أو يرد
السلام أو نحو ذلك، كل ذلك يستدعي أن يقطع ما هو فيه، ثم
عندما يعود إلى الذكر مرة أخرى ينسى العدد الذي ذكره، فلا
يستطيع أن يتذكر إلا بالاستعانة بالسبحة ومن القواعد المقررة أن
الامر إذا ضاق اتسع، وأن المشقة تجلب التيسير.
3 - أشار الألباني إلى أن التسبيح بالسبحة مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم
49

ص [96]. وغاب عنه أن هديه صلى الله عليه وسلم أفعاله، وأقواله، وتقريراته.
4 - وصرح الألباني بأنه - أي التسبيح بالسبح - مخالف
لامره صلى الله عليه وسلم، لقوله: " واعقدن بالأنامل... الحديث ".
وهذا خطأ، لان التسبيح بالسبحة ليس فيه مخالفة، والامر
بالأنامل أمر إرشاد، لا يمنع من استعمال غير الأنامل، وليس فيه
أيضا ما يدل على حصر التسبيح بالأنامل. إذا علمت ذلك تبين
لك أن الامر بالعقد على الأنامل ليس فيه نهي عن التسبيح بالنوى
أو الحصى أو السبح.
وليكن هذا آخر الجزء الذي كتبته على سبيل النصيحة
والتبيان، وأستغفر الله مما بدر من هفوات اللسان، والله أسأل أن
ينفع به ويجعله في ميزان حسناتي، إن ربي سميع الدعاء.
وكان الفراغ من تحريره في غرة رمضان المعظم سنة 1404 ه‍
بمكة المكرمة زادها الله تشريفا وتعظيما وتكريما. والحمد لله أولا
وآخرا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله
50