الكتاب: التفسير الصافي
المؤلف: الفيض الكاشاني
الجزء: ٦
الوفاة: ١٠٩١
المجموعة: مصادر التفسير عند الشيعة
تحقيق: السيد محسن الحسيني الأميني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٦
المطبعة:
الناشر: دار الكتب الإسلامية - إيران - طهران
ردمك:
ملاحظات:

كتاب الصافي
في
تفسير القرآن
1

(الجزء السادس)
* هوية الكتاب:
* اسم الكتاب: كتاب الصافي في تفسير القرآن.
* المؤلف: العارف الحكيم والمحدث الفقيه محمد بن مرتضى
المدعو ب‍ " المولى محسن " الملقب بالفيض الكاشاني.
* تحقيق: العلامة السيد محسن الحسيني الأميني.
* الطبعة الأولى - 1416 ه‍.
* العدد: 2000
* الناشر: دار الكتب الإسلامية - إيران طهران - بازار سلطاني
3

سورة الأحزاب
5

بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنفقين إن الله
كان عليما حكيما 1
سورة الأحزاب: مدنية وهي ثلاث وسبعون آية بالإجماع.
* (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنفقين) *: القمي: وهذا هو
الذي قال الصادق (عليه السلام): إن الله بعث نبيه (صلى الله عليه وآله) بإياك أعني واسمعي يا جارة، فالمخاطبة للنبي (صلى الله عليه وآله)
والمعنى للناس (1).
في المجمع: نزلت في أبي سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وأبي الأعور السلمي،
قدموا المدينة ونزلوا على عبد الله بن أبي بعد غزوة أحد بأمان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليكلموه،
فقاموا وقام معهم عبد الله بن أبي، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطعمة بن أبيرق، فدخلوا
على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا محمد ارفض ذكر آلهتنا اللات، والعزى، ومنات، وقل: إن لها
شفاعة لمن عبدها وندعك وربك، فشق ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال عمر بن الخطاب: إئذن
لنا يا رسول الله في قتلهم، فقال: إني أعطيتهم الأمان، وأمر (صلى الله عليه وآله) فاخرجوا من المدينة، ونزلت
الآية: " ولا تطع الكافرين " من أهل مكة: أبا سفيان، وأبا الأعور، وعكرمة " والمنفقين "
ابن أبي، وابن سعد وطعمة (2).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 171، س 14.
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 335، في شأن النزول.
7

واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون
خبيرا 2 وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا 3 ما جعل
الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزوجكم اللائي
تظهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم
ذ لكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى
السبيل 4
* (إن الله كان عليما) *: بالمصالح والمفاسد.
* (حكيما) *: لا يحكم إلا بما يقتضيه الحكمة.
* (واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا) *: وقرئ بالياء.
* (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا * ما جعل الله لرجل من قلبين في
جوفه) *: ما جمع قلبين في جوف، رد لما زعمت العرب من أن اللبيب الأريب له قلبان.
في المجمع: نزلت في أبي معمر حميد بن معمر بن حبيب الفهري، وكان لبيبا حافظا لما
يسمع، وكان يقول: إن في جوفي لقلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد (صلى الله عليه وآله)،
وكانت قريش تسميه ذا القلبين، فلما كان يوم بدر وهزم المشركون، وفيهم أبو معمر تلقاه أبو
سفيان بن حرب وهو آخذ بيده إحدى نعليه والأخرى في رجله، فقال له: يا أبا معمر ما حال
الناس؟ قال: انهزموا، قال: فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ فقال أبو معمر:
ما شعرت إلا أنهما في رجلي فعرفوا يومئذ أنه لم يكن له إلا قلب واحد لما نسي نعله في يده (1).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): لا يجتمع حبنا وحب عدونا
في جوف انسان، إن الله لم يجعل لرجل قلبين في جوفه فيحب بهذا ويبغض بهذا، فأما محبنا
فيخلص الحب لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه، فمن أراد أن يعلم حبنا فليمتحن قلبه

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 336، س 11.
8

فإن شارك في حبنا حب عدونا فليس منا ولسنا منه، والله عدوهم، وجبرئيل وميكائيل، والله
عدو للكافرين (1).
وفي الأمالي: ما يقرب منه (2).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) ما جعل الله لرجل من قلبين يحب بهذا قوما ويحب بهذا
أعداءهم (3).
وفي مصباح الشريعة: عنه (عليه السلام) فمن كان قلبه متعلقا في صلاته بشئ دون الله فهو
قريب من ذلك الشئ بعيد عن حقيقة ما أراد الله منه في صلاته ثم تلا هذه الآية (4).
* (وما جعل أزوجكم اللائي) *: وقرئ بالياء وحده بدون الهمزة.
* (تظهرون منهن) *: وقرئ بضم التاء وتشديد الظاء، وبحذف الألف وتشديد
الظاء والهاء.
* (أمهاتكم) *: وما جمع الزوجية والأمومة في امرأة، رد لما زعمت العرب أن من قال
لزوجته: أنت علي كظهر أمي صارت زوجته كالأم له، ويأتي تمام الكلام فيه في سورة المجادلة
إن شاء الله.
* (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) *: وما جمع الدعوة والبنوة في رجل، رد لما زعمت
العرب إن دعي الرجل ابنه، ولذلك كانوا يقولون لزيد بن حارثة الكلبي - عتيق رسول
الله (صلى الله عليه وآله) -: ابن محمد (صلى الله عليه وآله).
القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: كان سبب ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما تزوج بخديجة بنت
خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها، ورأى زيدا يباع ورآه غلاما كيسا حصيفا (5)
فاشتراه، فلما نبئ رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعاه إلى الإسلام فأسلم، وكان يدعى زيد مولى محمد (صلى الله عليه وآله)،

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 171، س 18.
2 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 148، ح 243 / 56، المجلس الخامس.
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 336، س 19.
4 - مصباح الشريعة: ص 92، باب الواحد والأربعون في السجود.
5 - الحصف: الجرب اليابس. وقد حصف جلده بالكسر - يحصف من باب تعب حصفا إذا خرج به بثر صغار
كالجدري. مجمع البحرين: ج 5، ص 38، مادة " حصف ".
9

فلما بلغ حارثة بن شراحيل الكلبي خبر ولده زيد قدم مكة، وكان رجلا جليلا فأتى أبا
طالب، فقال: يا أبا طالب إن ابني وقع عليه السبي وبلغني أنه صار إلى ابن أخيك، نسأله (1) إما
أن يبيعه، وإما أن يفاديه، وإما أن يعتقه، فكلم أبو طالب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
هو حر فليذهب حيث شاء، فقام حارثة فأخذ بيد زيد، فقال له: يا بني إلحق بشرفك
وحسبك، فقال زيد: لست أفارق رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبدا، فقال له أبوه: فتدع حسبك ونسبك
وتكون عبدا لقريش، فقال زيد: لست أفارق رسول الله ما دمت حيا، فغضب أبوه وقال: يا
معشر قريش اشهدوا إني قد برئت منه، وليس هو ابني، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اشهدوا أن زيدا
ابني أرثه ويرثني، فكان يدعى زيد بن محمد (صلى الله عليه وآله)، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبه وسماه زيد الحب،
فلما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش وأبطأ عنه يوما فأتى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بقهر لها فدفع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) الباب فنظر إليها، وكانت جميلة حسنة، فقال: سبحان الله خالق النور، وتبارك الله
أحسن الخالقين، ثم رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعا عجيبا، وجاء
زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لها زيد: هل لك أن أطلقك حتى
يتزوجك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلعلك قد وقعت في قلبه؟ فقالت: أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاء زيد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرتني
زينب بكذا وكذا فهل لك أن أطلقها حتى تتزوجها؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا إذهب واتق الله
وأمسك عليك زوجك، ثم حكى الله عز وجل فقال: " أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في
نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها "
إلى قوله: " وكان أمر الله مفعولا " (2) فزوجه الله تعالى من فوق عرشه، فقال المنافقون: يحرم
علينا نساء أبنائنا ويتزوج امرأة ابنه زيد، فأنزل الله عز وجل في هذا: " وما جعل أدعياءكم
أبناءكم " إلى قوله " يهدى السبيل " (3).
أقول: وتأتي قصة تزويج زينب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنحو آخر في هذه السورة إن شاء الله.

1 - وفي المصدر: " فسله ".
2 - الأحزاب: 37.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 172 - 175.
10

ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم
فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما
أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا
رحيما 5 النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزوجه
أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله
من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم
معروفا كان ذلك في الكتب مسطورا 6
* (ذلكم قولكم بأفواهكم) *: لا حقيقة له، كقول من يهذي.
* (والله يقول الحق) *: ماله حقيقة.
* (وهو يهدى السبيل) *: سبيل الحق.
* (ادعوهم لآبائهم) *: انسبوهم إليهم.
* (هو أقسط عند الله) *: أعدل، أريد به مطلق الزيادة لا التفضيل، ومعناه البالغ في
الصدق.
* (فإن لم تعلموا آباءهم) *: لتنسبوهم إليهم.
* (فإخوانكم في الدين) *: فهم إخوانكم في الدين.
* (ومواليكم) *: وأولياؤكم فيه، فقولوا: هذا أخي ومولاي بهذا التأويل.
* (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) *: ولا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك
مخطئين قبل النهي أو بعده على النسيان أو سبق اللسان.
* (ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما) *: يعفو عن المخطئ.
* (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) *: يعني أولى بهم في الأمور كلها فإنه لا
يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فلذلك أطلق فيجب
11

عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ عليهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتم من
شفقتهم عليها.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه لما أراد غزوة تبوك وأمر الناس بالخروج قال قوم: نستأذن
آبائنا وأمهاتنا فنزلت هذه الآية (1).
وعن الباقر والصادق (عليهما السلام): أنهما قرءا وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم (2).
والقمي: قال: نزلت وهو أب لهم (3).
أقول: يعني في الدين والدنيا جميعا، أما في الدين فإن كل نبي أب لامته من جهة أنه
أصل فيما به الحياة الأبدية، ولذلك صار المؤمنون إخوة.
وورد أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: أنا وعلي أبوا هذه الأمة (4)، كما مر في سورة البقرة (5).
وذلك لأنهما في هذا المعنى سواء إلا أن عليا (عليه السلام) بعد النبي، وأما في الدنيا فلإلزام الله إياه
مؤنتهم، وتربية أيتامهم ومن يضيع منهم.
القمي: جعل الله عز وجل المؤمنين أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أباهم
لمن لم يقدر أن يصون نفسه، ولم يكن له مال، وليس له على نفسه ولاية، فجعل الله تعالى لنبيه
الولاية على المؤمنين، وجعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) بغدير خم:
" أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى " ثم أوجب لأمير المؤمنين (عليه السلام) ما أوجبه
لنفسه عليهم من الولاية، فقال: " ألا من كنت مولاه فعلي مولاه "، فلما جعل الله النبي (صلى الله عليه وآله) أبا
للمؤمنين ألزمه مؤنتهم وتربية أيتامهم فعند ذلك صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر فقال: من ترك
مالا فلورثته، ومن ترك دينا أو ضياعا فعلي والي فألزم الله نبيه للمؤمنين ما يلزم الوالد للولد،
وألزم المؤمنين من الطاعة له ما يلزم الولد للوالد فكذلك ألزم أمير المؤمنين (عليه السلام) ما ألزم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) من بعد ذلك وبعده الأئمة صلوات الله عليهم واحدا واحدا، قال: والدليل على أن

1 و 2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 338.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 175، س 10.
4 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 85، ح 29، ومعاني الأخبار: ص 52، ح 3، باب 27، وعلل الشرائع: ص 127،
ح 2، باب 106، واكمال الدين: ص 261، ح 7، باب 24.
5 - ذيل الآية: 83، راجع ج 1، ص 223 من كتابنا تفسير الصافي.
12

رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) هما والدان قوله: " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا
وبالوالدين إحسنا " (1) فالوالدان: رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
وقال الصادق (عليه السلام): فكان اسلام عامة اليهود بهذا السبب لأنهم أمنوا على أنفسهم
وعيالاتهم (3).
وفي العلل: عن الكاظم (عليه السلام) أنه سئل لم كنى النبي (صلى الله عليه وآله) بأبي القاسم؟ فقال: لأنه كان له
ولد يقال له القاسم فكني به، فقال السائل: يا بن رسول الله فهل تراني أهلا للزيادة؟ فقال: نعم،
أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أنا وعلي أبوا هذه الأمة؟ قال: بلى، قال: أما علمت أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أب لجميع أمته، وعلي منهم؟ قال: بلى، قال: أما علمت أن عليا (عليه السلام) قاسم الجنة
والنار؟ قال: بلى قال: فقيل له: أبو القاسم لأنه أبو قاسم الجنة والنار، قال: وما معنى ذلك؟
فقال: إن شفقة النبي (صلى الله عليه وآله) على أمته كشفقة الآباء على الأولاد، وأفضل أمته علي (عليه السلام)، ومن بعده
شفقة علي (عليه السلام) عليهم كشفقته لأنه وصيه وخليفته والإمام من بعده، فلذلك قال: أنا وعلي أبوا
هذه الأمة، وصعد النبي (صلى الله عليه وآله) المنبر فقال: من ترك دينا أو ضياعا فعلي وإلي، ومن ترك مالا
فلورثته، فصار بذلك أولى من آبائهم وأمهاتهم، وصار أولى بهم منهم بأنفسهم، وكذلك أمير
المؤمنين (عليه السلام) بعده جرى ذلك له مثل ما جرى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).
وفي الكافي: عن سليم بن قيس، قال: سمعت عبد الله بن جعفر الطيار يقول: كنا عند
معاوية أنا والحسن والحسين (عليهما السلام)، وعبد الله بن عباس، وعمر بن أم سلمة، وأسامة بن زيد،
فجرى بيني وبين معاوية كلام، فقلت لمعاوية: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا أولى بالمؤمنين
من أنفسهم، ثم أخي علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فالحسن بن
علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا
استشهد فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وستدركه يا علي، ثم ابنه محمد بن
علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وستدركه يا حسين، ثم تكمله اثني عشر إماما تسعة من ولد
الحسين (عليهم السلام) قال عبد الله بن جعفر: واستشهدت الحسن، والحسين، وعبد الله بن عباس، وعمر

1 - النساء: 36.
2 و 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 176 س 8 و 10.
4 - علل الشرائع: ص 127، ح 2، باب 106 - العلة التي من أجلها سمي النبي (صلى الله عليه وآله) محمدا وأحمد وأبا القاسم.
13

ابن أم سلمة، وأسامة بن زيد، فشهدوا لي عند معاوية، قال سليم: وقد سمعت ذلك من سلمان،
وأبي ذر، والمقداد، وذكروا أنه سمعوا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
وعن الصادق (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، وعلي أولى به من
بعدي، فقيل له: ما معنى ذلك؟ فقال: قول النبي (صلى الله عليه وآله): من ترك دينا أو ضياعا فعلي، ومن ترك
مالا فلورثته، فالرجل ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال، وليس له على عياله أمر
ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة، والنبي وأمير المؤمنين ومن بعدهما سلام الله عليهم ألزمهم هذا،
فمن هناك صاروا أولى بهم من أنفسهم، وما كان سبب اسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول
من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنهم أمنوا على أنفسهم وعيالاتهم (2).
وفي نهج البلاغة: في حديث له قال: فوالله إني لأولى الناس بالناس (3).
* (وأزوجه أمهاتهم) *: منزلات منزلتهن في التحريم مطلقا، وفي استحقاق التعظيم
ما دمن على طاعة الله.
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) في حديث وأزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحرمة مثل أمهاتهم (4).
وفي الاكمال عن القائم (عليه السلام) انه سئل عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله (صلى الله عليه وآله)
حكمه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ قال: إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) فخصهن
بشرف الأمهات، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق ما دمن على الطاعة
فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلقها في الأزواج، وأسقطها من تشرف الأمهات
ومن شرف أمومة المؤمنين (5).
* (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله) *: في حكمه المكتوب.
القمي: قال: نزلت في الإمامة (6).

1 - الكافي: ج 1، ص 529، ح 4، باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (عليهم السلام).
2 - الكافي: ج 1، ص 406، ح 6، باب ما يجب من حق الامام على الرعية وحق الرعية على الامام.
3 - نهج البلاغة: ص 175، الخطبة 118.
4 - الكافي: ج 5، ص 421، ح 4، باب آخر منه وفيه ذكر أزواج النبي (صلى الله عليه وآله).
5 - اكمال الدين واتمام النعمة: ص 459، س 11، قطعة من ح 21، باب 43.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 176، س 12.
14

وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم
وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا 7
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فيمن نزلت؟ قال: نزلت في الامرأة
إن هذه الآية جرت في ولد الحسين (عليه السلام) من بعده فنحن أولى بالأمر وبرسول الله (صلى الله عليه وآله) من
المهاجرين والأنصار (1).
أقول: وقد مضت هذه الآية بعينها في آخر سورة الأنفال (2) وأنها نزلت في نسخ
التوارث بالهجرة والنصرة، والتوفيق بنزول هذه الآية في الإمرة، وتلك في الميراث لا يلائم
الاستثناء في هذه الآية ولا ما يأتي في بيانه إلا أن يقال: إن الإمرة تأويل كما يستفاد مما يأتي،
نقلا من العلل عند قوله تعالى: " إنما يريد الله " (3) الآية وبالتعميم في الآيتين يرتفع التخالف.
* (من المؤمنين والمهاجرين) *: صلة لأولي الأرحام أي أولوا الأرحام بحق
القرابة أولى بالإمرة أو بالميراث من المؤمنين بحق الدين، والمهاجرين بحق الهجرة، وإن حملنا
الآية على الميراث احتمل أيضا أن يكون بيانا لأولي الأرحام.
* (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) *: يعني به التوصية.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) انه سئل أي شئ للموالي؟ فقال: ليس لهم من الميراث إلا
ما قال الله عز وجل: " إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا " (4).
* (كان ذلك في الكتب مسطورا) *: أي ما ذكر في الآيتين في اللوح ثابت كذا قيل (5).
* (وإذ أخذنا) *: مقدر باذكر.
* (من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن

1 - الكافي: ج 1، ص 288، ح 4، باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة (عليهم السلام) واحدا فواحد.
2 - ذيل الآية: 75.
3 - الأحزاب: 33.
4 - الكافي: ج 7، ص 135، ح 3، باب ميراث ذوي الأرحام مع الموالي.
5 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 239، س 18.
15

ليسئل الصدقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما
8 يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمه الله عليكم إذ جاءتكم
جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما
تعملون بصيرا 9 إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل
منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون
بالله الظنونا 10
مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) *: القمي: قال: هذه الواو زيادة في قوله " ومنك " إنما هو
منك ومن نوح فأخذ الله عز وجل الميثاق لنفسه على الأنبياء، ثم أخذ لنبيه (صلى الله عليه وآله) على الأنبياء
والأئمة (عليهم السلام)، ثم أخذ للأنبياء على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
* (ليسئل الصدقين عن صدقهم) *: أي فعلنا ذلك ليسئل الله يوم القيامة الأنبياء
الذين صدقوا عهدهم فيظهر صدقهم.
* (وأعد للكافرين عذابا أليما) *: كأنه قيل: فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين.
* (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمه الله عليكم إذ جاءتكم جنود) *: يعني
الأحزاب وهم قريش، وغطفان، ويهود قريظة، والنضير.
* (فأرسلنا عليهم ريحا) *: ريح الدبور، كما يأتي ذكره.
* (وجنودا لم تروها) *: الملائكة.
* (وكان الله بما تعملون بصيرا) *: من حفر الخندق، وقرئ بالياء يعني من التحزب
والمحاربة.
* (إذ جاءوكم من فوقكم) *: من أعلى الوادي.
* (ومن أسفل منكم) *: من أسفل الوادي.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 176، س 13.
16

هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا 11 وإذ
يقول المنفقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله
ورسوله إلا غرورا 12 وإذ قالت طائفة منهم يأهل
يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي
يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا
فرارا 13
* (وإذ زاغت الأبصار) *: مالت عن مستوى نظرها حيرة وشخوصا.
* (وبلغت القلوب الحناجر) *: رعبا فان الرية تنتفخ من شدة الروع فترتفع
بارتفاعها إلى رأس الحنجرة، وهي منتهى الحلقوم.
* (وتظنون بالله الظنونا) *: الأنواع من الظن، وقرئ بحذف الألف في الوصل ومطلقا.
* (هنالك ابتلى المؤمنون) *: اختبروا فظهر المخلص من المنافق والثابت من المتزلزل.
* (وزلزلوا زلزالا شديدا) *: من شدة الفزع.
* (وإذ يقول المنفقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله
ورسوله) *: من الظفر وإعلاء الدين.
* (إلا غرورا) *: وعدا باطلا.
* (وإذ قالت طائفة منهم يأهل يثرب) *: أهل مدينة.
* (لا مقام لكم) *: لا موضع قيام لكم هاهنا، وقرئ بضم الميم على أنه مكان أو
مصدر من الإقامة.
* (فارجعوا) *: إلى منازلكم هاربين.
* (ويستأذن فريق منهم النبي) *: للرجوع.
* (يقولون إن بيوتنا عورة) *: غير حصينة، وأصلها الخلل.
17

ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما
تلبثوا بها إلا يسيرا 14 ولقد كانوا عهدوا الله من قبل
لا يولون الأدبر وكان عهد الله مسؤولا 15 قل لن
ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا
تمتعون إلا قليلا 16
* (وما هي بعورة) *: في المجمع عن الصادق (عليه السلام) بل هي رفيعة السمك حصينة (1).
والعياشي: عن الباقر (عليه السلام) كانت بيوتهم في أطراف البيوت حيث يتفرد الناس فأكذبهم
الله، قال: " وما هي بعورة " (2).
* (إن يريدون إلا فرارا) *: من القتال.
* (ولو دخلت عليهم من أقطارها) *: من جوانبها.
* (ثم سئلوا الفتنة) *: الردة ومقاتلة المسلمين.
* (لأتوها) *: لأعطوها، وقرئ بالقصر.
* (وما تلبثوا بها) *: بالفتنة أي باعطائها.
* (إلا يسيرا * ولقد كانوا عهدوا الله من قبل لا يولون الأدبر وكان
عهد الله مسؤولا) *: عن الوفاء به.
* (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل) *: فإنه لابد لكل أحد
من حتف أنف أو قتل في وقت معين سبق به القضاء وجرى عليه القلم.
* (وإذا لا تمتعون إلا قليلا) *: أي وإن نفعكم الفرار مثلا فمتعتم بالتأخير لم يكن ذلك
التمتيع إلا تمتيعا أو زمانا قليلا.

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 347، س 21.
2 - تفسير العياشي: ج 2، ص 103، ح 98.
18

قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو
أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا
17 قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم
إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا 18 أشحة عليكم فإذا
جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي
يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة
حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله
أعملهم وكان ذلك على الله يسيرا 19
* (قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة
ولا يجدون لهم من دون الله وليا) *: ينفعهم.
* (ولا نصيرا) *: يدفع الضرر عنهم.
* (قد يعلم الله المعوقين منكم) *: المثبطين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم المنافقون.
* (والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) *: قربوا أنفسكم إلينا.
* (ولا يأتون البأس إلا قليلا) *: ولا يقاتلون إلا قليلا.
* (أشحة عليكم) *: قيل: بخلاء عليكم بالمعاونة أو بالنفقة في سبيل الله أو الظفر
والغنيمة (1).
* (فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم) *: في أحداقهم.
* (كالذي يغشى عليه) *: كنظر المغشي عليه.
* (من الموت) *: من معالجة سكرات الموت خوفا ولواذا بك.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 242، س 1.
19

يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو
أنهم بأدون في الاعراب يسئلون عن أنبائكم ولو كانوا
فيكم ما قتلوا إلا قليلا 20
* (فإذا ذهب الخوف) *: وحيزت الغنايم.
* (سلقوكم) *: ضربوكم.
* (بألسنة حداد) *: ذربة (1)، يطلبون الغنيمة، والسلق: البسط بقهر، باليد أو باللسان.
* (أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا) *: إخلاصا.
* (فأحبط الله أعملهم وكان ذلك على الله يسيرا) *: هينا.
* (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) *: أي هؤلاء لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم
ينهزموا وقد انهزموا.
* (وإن يأت الأحزاب) *: كرة ثانية.
* (يودوا لو أنهم بأدون في الاعراب) *: تمنوا أنهم خارجون إلى البدو،
وحاصلون بين الأعراب.
* (يسئلون) *: كل قادم من جانب المدينة.
* (عن أنبائكم) *: عما جرى عليكم.
* (ولو كانوا فيكم) *: هذه الكرة ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال.
* (ما قتلوا إلا قليلا) *: رياءا وخوفا عن التعيير.
القمي: نزلت هذه الآيات في قصة الأحزاب من قريش والعرب الذين تحزبوا على
رسول الله، قال: وذلك أن قريشا تجمعت في سنة خمس من الهجرة، وساروا إلى العرب وجلبوا
واستفزوهم لحرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوافوا في عشرة آلاف ومعهم كنانة، وسليم، وفزارة، وكان

1 - الذربة - بالكسر -: السليطة اللسان. القاموس المحيط: ج 1، ص 68، مادة " ذرب ".
20

رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أجلى بني النضير، وهم بطن من اليهود من المدينة، وكان رئيسهم حيي بن
أخطب، وهم يهود من بني هارون على نبينا وآله وعليه السلام، فلما أجلاهم من المدينة صاروا
إلى خيبر، وخرج حيي بن أخطب إلى قريش بمكة، وقال لهم: إن محمدا قد وتركم ووترنا،
وأجلانا من المدينة من ديارنا وأموالنا، وأجلا بني عمنا بني قينقاع فسيروا في الأرض واجمعوا
حلفاءكم وغيرهم حتى نسير إليهم، فإنه قد بقي من قومي بيثرب سبع مائة مقاتل وهم بنو
قريظة، وبينهم وبين محمد عهد وميثاق، وأنا أحملهم على نقض العهد بينهم وبين محمد،
ويكونون معنا عليهم فتأتونه أنتم من فوق، وهم من أسفل، وكان موضع بني قريظة من المدينة
على قدر ميلين، وهو الموضع الذي يسمى ببئر بني المطلب، فلم يزل يسير معهم حيي بن
أخطب في قبائل العرب حتى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش، وكنانة، والأقرع بن
حابس في قومه، وعباس بن مرداس في بني سليم، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاستشار
أصحابه وكانوا سبعمائة رجل. فقال سلمان الفارسي (رضي الله عنه): يا رسول الله إن القليل لا يقاوم
الكثير في المطاولة، قال: فما نصنع؟ قال نحفر خندقا يكون بينك وبينهم حجابا فيمكنك معهم
المطاولة، ولا يمكنهم أن يأتونا من كل وجه فإنا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم
من عدونا نحفر الخنادق فتكون الحرب من مواضع معروفة. فنزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أشار بصواب، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمسحه من ناحية أحد إلى راتج (1) وجعل
على كل عشرين خطوة وثلاثين خطوة قوم من المهاجرين والأنصار يحفرونه، فأمر فحملت
المساحي والمعاول وبدأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخذ معولا فحفر في موضع المهاجرين بنفسه، وأمير
المؤمنين (عليه السلام) ينقل التراب من الحفرة حتى عرق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعيي (2)، وقال: لا عيش إلا
عيش الآخرة، اللهم اغفر للمهاجرين والأنصار، فلما نظر الناس رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحفر اجتهدوا
في الحفر ونقلوا التراب، فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر وقعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجد
الفتح، فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر
ابن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلمه بذلك. قال جابر: فجئت إلى المسجد

1 - راتج: أطم من آطام اليهود بالمدينة وتسمى الناحية به له ذكر في كتب المغازي والأحاديث. معجم البلدان:
ج 3، ص 12. 2 - عيي من باب تعب: عجز عنه ولم يهتد لوجه مراده. مجمع البحرين: ج 1، ص 311.
21

ورسول الله مستلق على قفاه، ورداؤه تحت رأسه، وقد شد على بطنه حجرا فقلت: يا رسول
الله أنه قد عرض لنا جبل لا تعمل المعاول فيه، فقام مسرعا حتى جاءه ثم دعا بماء في إناء
فغسل وجهه، وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه، ثم شرب ومج (1) من ذلك الماء في فيه، ثم
صبه على ذلك الحجر، ثم أخذ معولا فضرب ضربة فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور الشام،
ثم ضرب أخرى فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور المدائن، ثم ضرب أخرى فبرقت برقة
أخرى فنظرنا فيها إلى قصور اليمن، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما إنه سيفتح الله عليكم هذه المواطن
التي برقت فيها البرق، ثم انهال (2) علينا الجبل كما ينهال الرمل. فقال جابر: فعلمت أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) مقو، أي جائع لما رأيت على بطنه الحجر، فقلت: يا رسول الله هل لك في الغذاء؟ قال:
ما عندك يا جابر؟ فقلت: عناق، وصاع من شعير، فقال: تقدم وأصلح ما عندك. قال جابر:
فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير، وذبحت العنز وسلختها وأمرتها أن تخبز وتطبخ
وتشوي، فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قد
فرغنا فاحضر مع من أحببت، فقام (صلى الله عليه وآله) إلى شفير الخندق، ثم قال: يا معاشر المهاجرين
والأنصار أجيبوا جابرا. قال جابر: وكان في الخندق سبعمائة رجل فخرجوا كلهم ثم لم يمر
بأحد من المهاجرين والأنصار إلا قال: أجيبوا جابرا، فتقدمت وقلت لأهلي: قد والله أتاك
محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما لا قبل لك به، فقالت: أعلمته أنت بما عندنا؟ قال: نعم، قالت: فهو أعلم
بما أتى. قال جابر: فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر في القدر، ثم قال: اغرفي وأبقي ثم نظر في التنور،
ثم قال: أخرجي وأبقي، ثم دعا بصحفة وثرد فيها وغرف، فقال: يا جابر أدخل علي عشرة
عشرة، فأدخلت عشرة فأكلوا حتى نهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم، ثم قال: يا
جابر علي بالذراع، فأتيته بالذراع، فأكلوه، ثم قال: أدخل علي عشرة فأدخلتهم حتى أكلوا
ونهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم، ثم قال: يا جابر علي بالذراع فأكلوا وخرجوا، ثم
قال: أدخل علي عشرة فأدخلتهم فأكلوا حتى نهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم، ثم
قال: يا جابر علي بالذراع؟ فأتيته فقلت يا رسول الله كم للشاة من الذراع قال: ذراعان فقلت:
والذي بعثك بالحق لقد أتيتك بثلاثة، فقال: أما لو سكت يا جابر لأكل الناس كلهم من

1 - مج الماء من فمه مجا - من باب قتل -: لفظه ورمى به. مجمع البحرين: ج 2، ص 329، مادة " مجج ".
2 - هال عليه التراب يهيل هيلا، وأهاله فانهال: صبه فانصب. مجمع البحرين: ج 5، ص 501، مادة " هيل ".
22

الذراع. قال جابر: فأقبلت أدخل عشرة عشرة، فيأكلون حتى أكلوا كلهم، وبقي والله لنا من
ذلك الطعام ما عشنا به أياما. قال: وحفر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخندق، وجعل له ثمانية أبواب،
وجعل على كل باب رجلا من المهاجرين، ورجلا من الأنصار مع جماعة يحفظونه، وقدمت
قريش، وكنانة، وسليم، وهلال، فنزلوا الزغابة (1)، ففرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حفر الخندق قبل
قدوم قريش بثلاثة أيام، وأقبلت قريش ومعهم حيي بن أخطب، فلما نزلوا العقيق جاء حيي
بن أخطب إلى بني قريظة في جوف الليل، وكانوا في حصنهم قد تمسكوا بعهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فدق باب الحصن فسمع كعب بن أسيد قرع الباب فقال لأهله: هذا أخوك قد شأم قومه وجاء
الآن يشأمنا ويهلكنا، ويأمرنا بنقض العهد بيننا وبين محمد (صلى الله عليه وآله)، وقد وفى لنا محمد (صلى الله عليه وآله)
وأحسن جوارنا، فنزل إليه من غرفته فقال له: من أنت؟ قال حيي بن أخطب: قد جئتك بعز
الدهر، فقال كعب: بل جئتني بذل الدهر، فقال: يا كعب هذه قريش في قادتها وسادتها قد
نزلت بالعقيق مع حلفائهم من كنانة، وهذه فزارة مع قادتها، وسادتها قد نزلت الزغابة، وهذه
سليم وغيرهم قد نزلوا حصن بني ذيبان، ولا يفلت محمد وأصحابه من هذا الجمع أبدا فافتح
الباب وانقض العهد الذي بينك وبين محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال كعب: لست بفاتح لك الباب إرجع من
حيث جئت، فقال حيي: ما يمنعك من فتح الباب إلا حشيشتك التي في التنور مخافة أن أشركك
فيها فافتح فإنك آمن من ذلك، فقال له كعب لعنك الله لقد دخلت علي من باب دقيق، ثم قال:
افتحوا له الباب ففتح له، فقال: ويلك يا كعب انقض العهد الذي بينك وبين محمد (صلى الله عليه وآله) ولا ترد
رأيي فان محمدا لا يفلت من هذا الجمع أبدا فإن فاتك هذا الوقت لا تدرك مثله أبدا قال:
فاجتمع كل من كان في الحصن من رؤساء اليهود مثل غزال بن شمول، وياسر بن قيس،
ورفاعة بن زيد، والزبير بن ياطا، فقال لهم كعب: ما ترون؟ قالوا: أنت سيدنا، والمطاع فينا،
وصاحب عهدنا وعقدنا فان نقضت نقضنا معك، وان أقمت أقمنا معك، وان خرجت خرجنا
معك. فقال الزبير بن ياطا وكان شيخا كبيرا مجربا وقد ذهب بصره: قد قرأت التوراة التي
أنزلها الله تعالى في سفرنا بأنه يبعث نبيا في آخر الزمان يكون مخرجه بمكة، ومهاجره في هذه
البحيرة، يركب الحمار العري، ويلبس الشملة، ويجتزي بالكسرات والتميرات، وهو الضحوك

1 - الزغابة - بضم الزاي وعين مهملة - بين الجرف والغابة. معجم البلدان: ج 3، ص 141، مادة " زغب ".
23

القتال، في عينيه الحمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة، يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى، يبلغ
سلطانه منقطع الخف والحافر، فان كان هو هذا فلا يهولنه هؤلاء وجمعهم، ولو نادى على هذه
الجبال الرواسي لغلبها، فقال حيي: ليس هذا ذاك، ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) من بني إسرائيل، وهذا من
العرب من ولد إسماعيل، ولا يكونوا بنو إسرائيل أتباعا لولد إسماعيل (عليه السلام) أبدا لأن الله قد
فضلهم على الناس جميعا وجعل فيهم النبوة والملك، وقد عهد إلينا موسى (عليه السلام) " أن لا نؤمن
لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار " وليس مع محمد آية وانما جمعهم جمعا وسحرهم ويريد
أن يغلبهم بذلك، فلم يزل يقلبهم على رأيهم حتى أجابوه. فقال لهم: أخرجوا الكتاب الذي
بينكم وبين محمد (صلى الله عليه وآله) فأخرجوه، فأخذ حيي بن أخطب ومزقه، وقال: قد وقع الأمر فتجهزوا
وتهيؤوا للقتال. وبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك فغمه غما شديدا وفزع أصحابه، فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله) لسعد بن معاذ، وأسيد بن حصين، وكانا من الأوس، وكانت بنو قريظة، حلفاء الأوس:
إئتيا بني قريظة فانظرا ما صنعوا فإن كانوا نقضوا العهد فلا تعلما أحدا إذا رجعتم إلي، وقولا:
عضل (1) والقارة (2)، فجاء سعد بن معاذ، وأسيد بن حصين إلى باب الحصن فأشرف عليهم
كعب من الحصن، فشتم سعدا وشتم رسول لله (صلى الله عليه وآله)، فقال له سعد: إنما أنت ثعلب في جحر
لتولين قريش وليحاصرنك رسول لله (صلى الله عليه وآله)، ثم لينزلنك على الصغر والقماع، وليضربن عنقك،
ثم رجعا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالا له: عضل والقارة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لعلنا نحن أمرناهم
بذلك، وذلك أنه كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عيون لقريش يتجسسون أخباره، وكانت
عضل والقارة قبيلتان من العرب دخلا في الإسلام ثم غدرا، فكان إذا غدر أحد ضرب بهما
المثل، فيقال: عضل والقارة. ورجع حيي بن أخطب إلى أبي سفيان، وقريش فأخبرهم بنقض
بني قريظة العهد بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ففرحت قريش بذلك. فلما كان في جوف الليل
جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد كان أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيام

1 - عضل - بالفتح -: ابن الهون بن خزيمة. القاموس المحيط: ج 4، ص 17، مادة " عضل ". وفي لسان العرب:
ج 9، ص 261، عضل: حي من كنانة، وعضل والديش حيان من كنانة، يقال لهم: القارة، وهم من كنانة. وفي
الصحاح: ج 5، ص 1766: وعضل: قبيلة وهو عضل بن الهون بن خزيمة أخو الديش وهما القارة.
2 - القارة: قبيلة، وهم رماة، ومنه: أنصف القارة من راماها. القاموس المحيط: ج 2، ص 123، مادة " قور ".
وقال الطريحي في مجمع البحرين: ج 3، ص 464: القارة: قبيلة يوصفون بالرمي سموا قارة لاجتماعهم والتفافهم.
24

فقال: يا رسول الله قد آمنت بالله وصدقتك، وكتمت إيماني عن الكفرة، فإن أمرتني أن آتيك
بنفسي وأنصرك بنفسي فعلت، وإن أمرتني أن أخذل بين اليهود وبين قريش فعلت حتى لا
يخرجوا من حصنهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أخذل بين اليهود وبين قريش فإنه أوقع عندي،
قال: فتأذن لي أن أقول فيك ما أريد؟ قال: قل ما بدا لك. فجاء إلى أبي سفيان فقال له: أتعرف
مودتي لكم ونصحي ومحبتي أن ينصركم الله على عدوكم، وقد بلغني أن محمدا قد وافق اليهود
أن يدخلوا بين عسكركم ويميلوا عليكم ووعدهم إذا فعلوا ذلك أن يرد عليهم جناحهم الذي
قطعه بنو النضير وقينقاع فلا أرى أن تدعوهم يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم رهنا
تبعثوا به إلى مكة فتأمنوا مكرهم وغدرهم. فقال له أبو سفيان: وفقك الله وأحسن جزاك
مثلك أهدى النصائح ولم يعلم أبو سفيان بإسلام نعيم، ولا أحد من اليهود. ثم جاء من فوره
ذلك إلى بني قريظة فقال له: يا كعب تعلم مودتي لكم، وقد بلغني أن أبا سفيان قال: نخرج
بهؤلاء اليهود فنضعهم في نحر محمد (صلى الله عليه وآله) فان ظفروا كان الذكر لنا دونهم، وإن كانت علينا كانوا
هؤلاء مقاديم الحرب فما أرى لكم أن تدعوهم يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم عشرة
من أشرافهم يكونون في حصنكم إنهم إن لم يظفروا بمحمد (صلى الله عليه وآله) لم يرجعوا حتى يردوا عليكم
عهدكم وعقدكم بين محمد (صلى الله عليه وآله) وبينكم لأنه إن ولت قريش ولم يظفروا بمحمد غزاكم
محمد (صلى الله عليه وآله) فيقتلكم. فقالوا: أحسنت وأبلغت في النصيحة لا نخرج من حصننا حتى نأخذ منهم
رهنا يكونون في حصننا. وأقبلت قريش فلما نظروا إلى الخندق قالوا: هذه مكيدة، ما كانت
العرب تعرفها قبل ذلك، فقيل لهم: هذا من تدبير الفارسي الذي معه، فوافى عمرو بن عبد ود،
وهبيرة بن وهب، وضرار بن الخطاب إلى الخندق، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد صف أصحابه بين
يديه فصاحوا بخيلهم حتى طفروا الخندق إلى جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصار أصحاب رسول
الله (صلى الله عليه وآله) كلهم خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقدموا رسول الله بين أيديهم، وقال رجل من المهاجرين
وهو فلان لرجل بجنبه من إخوانه: أما ترى هذا الشيطان عمروا أما والله ما يفلت من بين يديه
أحد فهلموا ندفع إليه محمد (صلى الله عليه وآله) ليقتله ونلحق نحن بقومنا، فأنزل الله عز وجل على نبيه (صلى الله عليه وآله)
في ذلك الوقت: " قد يعلم الله المعوقين منكم " إلى قوله تعالى: " وكان ذلك على الله يسيرا ".
وركز عمرو بن عبد ود رمحه في الأرض وأقبل يجول جولة ويرتجز ويقول:
25

ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز * ووقفت إذ جبن الشجاع مواقف القرن المناجز
إني كذلك لم أزل متسرعا نحو الهزائز * إن الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لهذا الكلب؟ فلم يجبه أحد، فوثب إليه أمير المؤمنين (عليه السلام)
فقال: أنا له يا رسول الله، فقال: يا علي هذا عمرو بن عبد ود فارس نبيل، فقال: أنا علي بن أبي
طالب، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ادن مني فدنا منه فعممه بيده ودفع إليه سيفه ذا الفقار، وقال
له: إذهب وقاتل بهذا، وقال اللهم احفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله،
ومن فوقه، ومن تحته، فمر أمير المؤمنين (عليه السلام) يهرول في مشيته وهو يقول:
لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز * ذو نية وبصيرة والصدق منجي كل فائز
إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز * من ضربة نجلاء يبقى صيتها بعد الهزائز
فقال له عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول لله (صلى الله عليه وآله) وختنه.
فقال: والله إن أباك كان لي صديقا ونديما وإني أكره أن أقتلك، ما أمن ابن عمك حين بعثك إلي
أن أختطفك برمحي هذا فأتركك شائلا بين السماء والأرض لا حي ولا ميت. فقال له أمير
المؤمنين (عليه السلام): قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار، وإن قتلتك فأنت في
النار وأنا في الجنة، فقال عمرو: وكلتاهما لك يا علي " تلك إذا قسمة ضيزى " (1) (2)، فقال
علي (عليه السلام): دع هذا يا عمرو، إني سمعت منك وأنت متعلق بأستار الكعبة تقول: لا يعرض علي
أحد في الحرب ثلاث خصال إلا أجبته إلى واحدة منها، وأنا أعرض عليك ثلاث خصال
فأجبني إلى واحدة، فقال: هات يا علي. قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)

1 - النجم: 22.
2 - قسمة ضيزى: أي ناقصة. ويقال: جائرة من قولهم ضازه حقه: أي نقصه، وضاز في الحكم: أي جار فيه.
مجمع البحرين: ج 4، ص 23، مادة " ضيز ".
26

قال: نح عني هذا فسأل الثانية. فقال: أن ترجع وترد هذا الجيش عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن يك
صادقا فأنتم أعلا به عينا وإن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره، فقال: إذا لا تتحدث نساء
قريش بذلك، ولا تنشد الشعراء بأشعارها (1) أني جبنت ورجعت إلى عقبي من الحرب،
وخذلت قوما رأسوني عليهم؟ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): فالثالثة: أن تنزل إلى قتالي فإنك
فارس وأنا راجل حتى أنابذك، فوثب عن فرسه وعرقبه، وقال: هذه خصلة ما ظننت أن
أحدا من العرب يسومني عليها، ثم بدأ فضرب أمير المؤمنين (عليه السلام) بالسيف على رأسه فاتقاه
أمير المؤمنين (عليه السلام) بالدرقة فقطعها وثبت السيف على رأسه. فقال له علي (عليه السلام): يا عمرو، أما
كفاك أني بارزتك وأنت فارس العرب حتى استعنت علي بظهير، فالتفت عمرو إلى خلفه
فضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) مسرعا على ساقيه فقطعهما جميعا وارتفعت بينهما عجاجة، فقال
المنافقون: قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم انكشفت العجاجة ونظروا فإذا أمير المؤمنين (عليه السلام)
على صدره وقد أخذ بلحيته يريد أن يذبحه ثم أخذ برأسه وأقبل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) والدماء
تسيل على رأسه من ضربة عمرو، وسيفه يقطر منه الدم، وهو يقول والرأس بيده:
أنا علي ابن عبد المطلب * الموت خير للفتى من الهرب
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي ماكرته؟ قال: نعم يا رسول الله الحرب خديعة.
وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) الزبير إلى هبيرة بن وهب فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته.
وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمر بن الخطاب أن يبارز ضرار بن الخطاب فلما برز إليه ضرار انتزع له
عمر سهما فقال له: ضرار ويلك يا ابن صهاك أترميني في مبارزة، والله لئن رميتني لا تركت
عدويا بمكة إلا قتلته، فانهزم عند ذلك عمر ومر نحوه ضرار وضربه ضرار على رأسه بالقناة
ثم قال احفظها يا عمر فإني آليت أن لا أقتل قرشيا ما قدرت عليه فكان عمر يحفظ له ذلك
بعد ما ولى وولاه. فبقي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحاربهم في الخندق خمسة عشر يوما فقال أبو سفيان
لحيي بن أخطب: ويلك يا يهودي أين قومك؟ فصار حيي بن أخطب إليهم فقال: ويلكم
اخرجوا فقد نابذكم محمد (صلى الله عليه وآله) الحرب، فلا أنتم مع محمد (صلى الله عليه وآله) ولا أنتم مع قريش. فقال كعب:
لسنا خارجين حتى تعطينا قريش عشرة من أشرافهم رهنا يكونون في حصننا إنهم إن لم

1 - وفي نسخة: [في أشعار]، وهكذا في المصدر.
27

يظفروا بمحمد (صلى الله عليه وآله) لم يبرحوا حتى يرد محمد علينا عهدنا وعقدنا فإنا لا نأمن من أن تفر
قريش ونبقى نحن في عقر دارنا ويغزونا محمد (صلى الله عليه وآله) فيقتل رجالنا ويسبي نساءنا وذرارينا وإن
لم نخرج لعله يرد علينا عهدنا، فقال له حيي بن أخطب: تطمع في غير مطمع قد نابذت العرب
محمدا الحرب فلا أنتم مع محمد (صلى الله عليه وآله) ولا أنتم مع قريش، فقال كعب: هذا من شؤمك إنما أنت
طائر تطير مع قريش غدا، وتتركنا في عقر دارنا، ويغزونا محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال له: هل لك عهد الله
علي وعهد موسى أنه إن لم تظفر قريش بمحمد (صلى الله عليه وآله) إني أرجع معك إلى حصنك يصيبني ما
يصيبك، فقال كعب: هو الذي قد قلته لك إن أعطتنا قريش أشرافهم رهنا يكونون عندنا وإلا
لم نخرج. فرجع حيي بن أخطب إلى قريش فأخبرهم فلما قال: يسألون الرهن، قال أبو
سفيان: هذا والله أول الغدر قد صدق نعيم بن مسعود لا حاجة لنا في إخوان القردة والخنازير.
فلما طال على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأمر واشتد عليهم الحصار، وكانوا في وقت برد شديد
وأصابتهم مجاعة، وخافوا من اليهود خوفا شديدا وتكلم المنافقون بما حكى الله عز وجل
عنهم، ولم يبق أحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا نافق إلا القليل، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أخبر أصحابه أن العرب تتحزب علي ويجيؤوننا من فوق، وتغدر اليهود، وتخافهم من أسفل
وأنه يصيبهم جهد شديد ولكن تكون العاقبة لي عليهم، فلما جاءت قريش وغدرت اليهود،
قال المنافقون: " ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " (1) وكان قوم منهم لهم دور في أطراف المدينة
فقالوا: يا رسول الله تأذن لنا أن نرجع إلى دورنا فإنها في أطراف المدينة وهي عورة، ونخاف
اليهود أن يغيروا عليها وقال قوم: هلموا فنهرب ونصير في البادية ونستجير بالأعراب فإن
الذي كان يعدنا محمد (صلى الله عليه وآله) كان باطلا كله، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر أصحابه أن يحرسوا المدينة
بالليل وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) على العسكر كله بالليل يحرسهم فإن تحرك أحد من قريش
نابذهم، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجوز الخندق ويصير إلى قرب قريش حيث يراهم فلا يزال
الليل كله قائما وحده يصلي فإذا أصبح رجع إلى مركزه، ومسجد أمير المؤمنين (عليه السلام) هناك
معروف يأتيه من يعرفه فيصلي فيه، وهو من مسجد الفتح إلى العقيق أكثر من غلوة النشاب.
فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد إلى مسجد الفتح، وهو الجبل

1 - الأحزاب: 12.
28

الذي عليه مسجد الفتح اليوم فدعا الله عز وجل، وناجاه فيما وعده وكان مما دعاه أن قال: يا
صريخ المكروبين، ويا مجيب دعوة المضطرين، ويا كاشف الكرب العظيم، أنت مولاي ووليي
وولي آبائي الأولين إكشف عنا غمنا، وهمنا، وكربنا، واكشف عنا شر هؤلاء القوم بقوتك
وحولك وقدرتك. فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا محمد إن الله عز وجل قد سمع مقالتك،
وأجاب دعوتك، وأمر الدبور وهي الريح مع الملائكة أن تهزم قريشا والأحزاب، وبعث الله عز
وجل على قريش الدبور فانهزموا، وقلعت أخبيتهم، ونزل جبرئيل (عليه السلام) فأخبره بذلك. فنادى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) وكان قريبا منه فلم يجبه، ثم نادى ثانيا فلم يجبه، ثم ناداه
ثالثا فقال: لبيك يا رسول الله، قال أدعوك فلا تجيبني؟ قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي من
الخوف والبرد والجوع. فقال: ادخل في القوم وائتني بأخبارهم، ولا تحدثن حدثا حتى ترجع
إلي فإن الله عز وجل قد أخبرني أنه قد أرسل الرياح على قريش وهزمهم. قال حذيفة:
فمضيت وأنا أنتفض من البرد فوالله ما كان إلا بقدر ما جزت الخندق حتى كأني في الحمام،
فقصدت خباء عظيما فإذا نار تخبو وتوقد وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلى خصيتيه على النار،
وهو ينتفض من شدة البرد، ويقول: يا معشر قريش إن كنا نقاتل أهل السماء بزعم محمد (صلى الله عليه وآله)
فلا طاقة لنا بأهل السماء، وإن كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم، ثم قال: لينظر كل رجل
منكم إلى جليسه لا يكون لمحمد عين فيما بيننا قال حذيفة فبادرت أنا فقلت للذي عن يميني:
من أنت؟ فقال: أنا عمر بن العاص، ثم قلت للذي عن يساري: من أنت؟ قال: أنا معاوية، وإنما
بادرت إلى ذلك لئلا يسألني أحد من أنت، ثم ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة فلولا أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تحدث حدثا حتى ترجع إلي لقدرت أن أقتله. ثم قال أبو سفيان لخالد
ابن الوليد: يا أبا سليمان لا بد من أن أقيم أنا وأنت على ضعفاء الناس، ثم قال: ارتحلوا إنا
مرتحلون، ففروا منهزمين فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأصحابه: لا تبرحوا فلما طلعت
الشمس دخلوا المدينة، وبقي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نفر يسير. وكان ابن عرقد الكناني رمى سعد
بن معاذ بسهم في الخندق فقطع أكحله فنزفه الدم فقبض سعد على أكحله بيده ثم قال: اللهم إن
كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فلا أجد أحب إلي من محاربتهم من قوم حاربوا
الله ورسوله، وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين قريش فاجعلها
29

لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله
واليوم الآخر وذكر الله كثيرا 21 ولما رأى المؤمنون
الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله
ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما 22
لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة فأمسك الدم، وتورمت يده وضرب له
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد خيمة، وكان يتعاهده بنفسه فأنزل الله عز وجل: " يا أيها الذين
آمنوا اذكروا نعمه الله عليكم " (1) الآيات إلى قوله: " إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل
منكم " (2) يعني بني قريظة حين غدروا وخافهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) " إذ زاغت الأبصار
وبلغت القلوب الحناجر " (3) إلى قوله " إن يريدون إلا فرارا " (4) وهم الذين قالوا لرسول
الله (صلى الله عليه وآله): تأذن لنا نرجع إلى منازلنا فإنها في أطراف المدينة، ونخاف اليهود عليها، فأنزل الله
فيهم " إن بيوتنا عورة " (5) إلى قوله " وكان ذلك على الله يسيرا " (6). ونزلت هذه الآية في الثاني
لما قال لعبد الرحمان بن عوف: هلم ندفع محمدا (صلى الله عليه وآله) إلى قريش فنلحق نحن بقومنا (7).
* (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) *: في أفعاله، وأخلاقه، كثباته في
الحرب، ومقاساته للشدائد وغير ذلك، وقرئ بضم الهمزة.
* (لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) *: قرن بالرجاء كثرة
الذكر المؤدية إلى ملازمة الطاعة، فإن المؤتسي بالرسول من كان كذلك.
* (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق
الله ورسوله) *: القمي: وصف الله المؤمنين المصدقين بما أخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يصيبهم

1 - الأحزاب: 9.
2 - الأحزاب: 10.
3 - الأحزاب: 10.
4 - الأحزاب: 13.
5 - الأحزاب: 13.
6 - الأحزاب: 19.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 176 - 188.
30

من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من
قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا 23
في الخندق من الجهد (1).
* (وما زادهم) *: قال: يعني ذلك البلاء والجهد والخوف (2).
* (إلا إيمانا وتسليما) *: روى أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب
عليكم والعاقبة لكم عليهم " وقال: " إنهم سائرون إليكم بعد تسع أو عشر " (3).
* (من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه) *: وفوا بعهدهم.
* (فمنهم من قضى نحبه) *: نذره، والنحب: النذر استعير للموت لأنه كنذر لازم في
الرقبة.
* (ومنهم من ينتظر) *: الشهادة.
* (وما بدلوا) *: العهد ولا غيروه.
* (تبديلا) *: شيئا من التبديل فيه تعريض لأهل النفاق ومرض القلب بالتبديل.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: " رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه " قال: أن لا
يفروا أبدا " فمنهم من قضى نحبه " أي أجله وهو حمزة، وجعفر بن أبي طالب، " ومنهم من
ينتظر " أجله يعني عليا (عليه السلام) (4).
وفي الخصال: عنه (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث له مع يهودي قال: ولقد كنت
عاهدت الله تعالى ورسوله أنا، وعمي حمزة، وأخي جعفر، وابن عمي عبيدة، على أمر وفينا به
لله تعالى ولرسوله فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم لما أراد الله تعالى فأنزل الله تعالى فينا:
" من المؤمنين رجال صدقوا " الآية (5).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 188، س 16.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 188، س 18.
3 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 242، س 20.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 188، س 19.
5 - الخصال: ص 376، قطعة من ح 58، باب السبعة.
31

وفي المجمع: عن علي (عليه السلام) قال: فينا نزلت " رجال صدقوا " قال: فأنا والله المنتظر، وما
بدلت تبديلا (1).
وفي سعد السعود: عن الباقر (عليه السلام): في قوله تعالى: " وكونوا مع الصدقين " (2) قال:
كونوا مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآل محمد (صلى الله عليه وآله)، قال الله تعالى: " من المؤمنين رجال صدقوا
ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه " وهو حمزة بن عبد المطلب " ومنهم من ينتظر " وهو
علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول الله تعالى: " وما بدلوا تبديلا " (3).
وفي المناقب: أن أصحاب الحسين (عليه السلام) بكربلاء كانوا كل من أراد الخروج ودع
الحسين (عليه السلام) وقال: السلام عليك يا بن رسول الله، فيجيبه وعليك السلام، ونحن خلفك، ويقرأ
" فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر " (4).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) المؤمن مؤمنان: فمؤمن صدق بعهد الله، ووفى بشرطه،
وذلك قول الله عز وجل " رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه "، وذلك الذي لا تصيبه أهوال
الدنيا ولا أهوال الآخرة، وذلك ممن يشفع ولا يشفع له، ومؤمن كخامة (5) الزرع يعوج أحيانا
ويقوم أحيانا فذلك ممن تصيبه أهوال الدنيا، وأهوال الآخرة، وذلك ممن يشفع له ولا يشفع (6).
وعنه (عليه السلام): لقد ذكركم الله في كتابه فقال: " من المؤمنين رجال صدقوا " الآية إنكم
وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا، وإنكم لم تبدلون بنا غيرنا (7).
وعنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي من أحبك ثم مات فقد قضى نحبه، ومن
أحبك ولم يمت فهو ينتظر، وما طلعت شمس ولا غربت إلا طلعت عليه برزق وايمان وفي نسخة
نور (8).

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 350، س 12.
2 - التوبة: 119.
3 - سعد السعود: ص 122.
4 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 4، ص 100، س 12.
5 - الخامة بتخفيف الميم: الغضة الطرية من الثياب وألفها منقلبة عن واو. مجمع البحرين: ج 6، ص 60، مادة
" خوم ".
6 - الكافي: ج 2، ص 248، ح 1، باب في أن المؤمن صنفان.
7 - الكافي: ج 8، ص 34 - 35، قطعة من حديث 6، باب الخطبة الطالوتية.
8 - الكافي: ج 8، ص 306، ح 475، باب من أحب عليا (عليه السلام).
32

ليجزي الله الصدقين بصدقهم ويعذب المنفقين إن شاء
أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما 24 ورد الله
الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين
القتال وكان الله قويا عزيزا 25 وأنزل الذين ظاهروهم
من أهل الكتب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب
فريقا تقتلون وتأسرون فريقا 26
* (ليجزي الله الصدقين بصدقهم ويعذب المنفقين) *: المبدلين.
* (إن شاء أو يتوب عليهم) *: إن تابوا أو يوفقهم للتوبة.
* (إن الله كان غفورا رحيما) *: لمن تاب.
* (ورد الله الذين كفروا) *: يعني الأحزاب.
* (بغيظهم) *: متغيظين.
* (لم ينالوا خيرا) *: غير ظافرين.
* (وكفى الله المؤمنين القتال) *: في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) بعلي بن أبي طالب (عليه السلام)
وقتله عمرو بن عبد ود فكان ذلك سبب هزيمة القوم (1).
* (وكان الله قويا) *: على إحداث ما يريده.
* (عزيزا) *: غالبا على كل شئ.
* (وأنزل الذين ظاهروهم) *: ظاهروا الأحزاب. القمي: نزلت في بني قريظة (2).
* (من أهل الكتب من صياصيهم) *: من حصونهم.
* (وقذف في قلوبهم الرعب) *: الخوف.

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 350، س 24.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 189، س 3.
33

وأورثكم أرضهم وديرهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها
وكان الله على كل شئ قديرا 27
* (فريقا تقتلون وتأسرون فريقا * وأورثكم أرضهم وديرهم) *:
مزارعهم وحصونهم.
* (وأموالهم) *: نقودهم ومواشيهم وأثاثهم.
* (وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شئ قديرا) *: القمي: فلما دخل رسول
الله (صلى الله عليه وآله) المدينة واللواء معقود أراد أن يغتسل من الغبار فناداه جبرئيل (عليه السلام) عذيرك (1) من
محارب، والله ما وضعت الملائكة لامتها فكيف تضع لامتك؟ إن الله عز وجل يأمرك أن لا
تصلي العصر إلا ببني قريظة فإني متقدمك ومزلزل بهم حصنهم، إنا كنا في آثار القوم نزجرهم
زجرا حتى بلغوا حمراء الأسد (2) فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاستقبله حارثة بن نعمان فقال له: ما
الخبر يا حارثة؟ فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله هذا دحية الكلبي ينادي في الناس ألا لا
يصلين أحد العصر (3) إلا في بني قريظة، فقال (صلى الله عليه وآله): ذاك جبرئيل (عليه السلام) ادعوا عليا (عليه السلام) فجاء
أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: ناد في الناس أن لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فجاء أمير
المؤمنين (عليه السلام) فنادى فيهم، فخرج الناس فبادروا إلى بني قريظة.
وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) بين يديه مع الراية العظمى، وكان حيي بن
أخطب لما انهزمت قريش جاء فدخل حصن بني قريظة فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام) فأحاط
بحصنهم، فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن يشتمهم ويشتم رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حماره (4) فاستقبله أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: بأبي أنت وأمي

1 - عذيرك من فلان: أي هلم من يعذرك منه، بل يلومه ولا يلومك. الصحاح: ج 2، ص 738، مادة " عذر ".
2 - حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة، إليه انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أحد في طلب المشركين.
معجم البلدان: ج 2، ص 301.
3 - وفي نسخة: [لا يصلين العصر أحد]، كما في المصدر.
4 - وفي نسخة: [على حمار]، كما في المصدر.
34

يا رسول الله لا تدن من الحصن.
فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي لعلهم شتموني إنهم لو رأوني لأذلهم الله، ثم دنا رسول
الله (صلى الله عليه وآله) من حصنهم، فقال: يا إخوة القردة والخنازير، وعبدة الطاغوت أتشتموني إنا إذا نزلنا
بساحة قوم فساء صباحهم.
فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن، فقال: والله يا أبا القاسم ما كنت جهولا
فاستحى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى سقط الرداء من ظهره حياءا مما قاله.
وكان حول الحصن نخل كثير فأشار إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده فتباعد عنه وتفرق في
المفازة وأنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) العسكر حول حصنهم فحاصرهم ثلاثة أيام فلم يطلع أحد منهم
رأسه، فلما كان بعد ثلاثة أيام نزل إليه غزال بن شمول، فقال: يا محمد تعطينا ما أعطين إخواننا
من بني النضير أحقن دماءنا ونخلي لك البلاد وما فيها، ولا نكتمك شيئا، فقال: لا أو تنزلون
على حكمي؟ فرجع وبقوا أياما فبكى النساء والصبيان إليهم، وجزعوا جزعا شديدا، فلما
اشتد عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالرجال فكتفوا
وكانوا سبعمائة وأمر بالنساء فعزلوا.
وقامت الأوس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله حلفاؤنا وموالينا من دون
الناس نصرونا على الخروج (1) في المواطن كلها، وقد وهبت لعبد الله بن أبي سبعمائة دارع
وثلاثمائة حاسر (2) في صبيحة واحدة، وليس نحن بأقل من عبد الله بن أبي.
فلما أكثروا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لهم: أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل
منكم؟ فقالوا: بلى ومن هو؟ قال سعد بن معاذ، قالوا: قد رضينا بحكمه فأتوا به في محفة
واجتمعت الأوس حوله يقولون له: يا أبا عمرو اتق الله وأحسن في حلفائك ومواليك، فقد
نصرونا ببغاث (3) والحدائق والمواطن كلها، فلما أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه

1 - هكذا في الأصل، والصحيح: " نصرونا على الخزرج "، كما في المصدر.
2 - الدارع: لابس الدرع، والحاسر: من لا مغفر له ولا درع. منه (قدس سره).
3 - البغاث: هي من أعمال قريظة. ويوم بغاث يوم معروف ومشهور وهو آخر الحروب المشهورة بين الأوس
والخزرج، ثم جاء الإسلام واتفقت الكلمة، واجتمعوا على نصر الإسلام وأهله وكفى الله المؤمنين القتال. الكامل
في التاريخ: ج 1، ص 680 - 681.
35

في الله لومة لائم، فقالت الأوس: وا قوماه ذهبت والله بنو قريظة إلى آخر الدهر، وبكى النساء
والصبيان إلى سعد فلما سكتوا، قال لهم سعد: يا معشر اليهود أرضيتم بحكمي فيكم؟ قالوا: بلى
قد رضينا بحكمك والله قد رجونا نصفك ومعروفك وحسن نظرك، فعاد عليهم القول، فقالوا:
بلى يا أبا عمرو، فالتفت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إجلالا له، فقال له: ما ترى بأبي أنت وأمي يا
رسول الله؟ فقال: احكم فيهم يا سعد فقد رضيت بحكمك فيهم.
فقال: قد حكمت يا رسول الله أن تقتل رجالهم، وتسبى نساءهم وذراريهم، وتقسم
غنائمهم وأموالهم بين المهاجرين والأنصار.
فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: قد حكمت بحكم الله عز وجل فوق سبعة أرقعة (1)، ثم انفجر
جرح سعد بن معاذ فما زال ينزفه الدم حتى قضى، وساقوا الأسارى إلى المدينة، فأمر رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بأخدود فحفرت بالبقيع، فلما أمسى أمر بإخراج رجل رجل فكان يضرب عنقه.
فقال حيي بن أخطب: لكعب بن أسيد ما ترى يصنع بهم؟ فقال له: ما يسؤك أما ترى
الداعي لا يقلع (2)، والذي يذهب لا يرجع فعليكم بالصبر والثبات على دينكم، فأخرج كعب
ابن أسيد مجموعة يديه إلى عنقه، وكان جميلا وسيما (3)، فلما نظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له: يا
كعب أما نفعك وصية ابن الحواس الحبر الذكي، الذي قدم عليكم من الشام، فقال: تركت الخمر
والخمير، وجئت إلى البؤس (4) والتمور لنبي يبعث مخرجه بمكة، ومهاجره في هذه البحيرة،
يجتزي بالكسيرات والتميرات، ويركب الحمار العري، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة،
يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى منكم، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر، فقال: قد
كان ذلك يا محمد، ولولا أن اليهود يعيروني أني جزعت عند القتل لآمنت بك وصدقتك، ولكني

1 - الرقيع: سماء الدنيا، وكذلك سائر السماوات، وفي الحديث: " من فوق سبعة أرقعة " فجاء به على لفظ التذكير،
كأنه ذهب به إلى السقف. الصحاح: ج 3، ص 1222، مادة " رقع "، وجاء في النهاية لابن الأثير، ج 2، ص 251،
ذيل هذا الحديث: " سبعة أرقعة ": يعني سبع سماوات. وكل سماء يقال لها رقيع، والجمع أرقعة. وقيل: الرقيع: اسم
سماء الدنيا، فأعطى كل سماء اسمها. 2 - الاقلاع: الإمساك. مجمع البحرين: ج 4، ص 383، مادة " قلع ".
3 - الميسم: الجمال. يقال: امرأة ذات ميسم إذا كان عليها أثر الجمال، وفلان وسيم: أي حسن الوجه. الصحاح:
ج 5، ص 2051، مادة " وسم ".
4 - البؤس - بضم الفاء -: الفقر والخوف، وشدة الافلاس، وسوء الحال للقوة. مجمع البحرين: ج 4، ص 51،
مادة " بأس ".
36

يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا
وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا 28 وإن
كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد
للمحسنات منكن أجرا عظيما 29
على دين اليهود عليه أحيى، وعليه أموت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قدموه فاضربوا عنقه فضربت.
ثم قدم حيي بن أخطب فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا فاسق كيف رأيت صنع الله بك؟
فقال: والله يا محمد ما ألوم نفسي في عداوتك، ولقد قلقلت (1) كل مقلقل، وجهدت كل
الجهد، ولكن من يخذله الله يخذل، ثم قال: حين قدم للقتل:
لعمري ما لام ابن أخطب نفسه * ولكنه من يخذله الله يخذل
فقدم وضربت عنقه، فقتلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في البردين: بالغداة والعشي في ثلاثة أيام،
وكان يقول: اسقوهم العذب وأطعموهم الطيب، وأحسنوا أساراهم حتى قتلهم كلهم فأنزل
الله عز وجل على رسوله فيهم: " وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتب من صياصيهم "
الآية أي من حصونهم (2).
* (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا) *: السعة، والتنعم فيها.
* (وزينتها) *: وزخارفها.
* (فتعالين أمتعكن) *: أعطكن المتعة.
* (وأسرحكن سراحا جميلا) *: طلاقا من غير ضرار وبدعة برغبة.
* (وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات
منكن أجرا عظيما) *: استحقر دونه الدنيا وزينتها.

1 - قلقل: أي صوت وهو حكاية. وقلقله قلقلة وقلقالا فتقلقل: أي حركه فتحرك واضطرب. الصحاح: ج 5،
ص 1805، مادة " قلل ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 189، س 6.
37

القمي: كان سبب نزولها (1) أنه لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غزوة خيبر وأصاب كنز آل
أبي الحقيق قلن أزواجه: أعطنا ما أصبت، فقال لهن رسول الله (صلى الله عليه وآله): قسمته بين المسلمين على
ما أمر الله عز وجل، فغضبن من ذلك، وقلن: لعلك ترى أنك إن طلقتنا أن لا نجد الأكفاء من
قومنا يتزوجونا، فأنف (2) الله عز وجل لرسوله، فأمره أن يعتزلهن، فاعتزلهن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في مشربة أم إبراهيم تسعة وعشرين يوما حتى حضن وطهرن، ثم أنزل الله عز وجل هذه الآية
وهي آية التخيير، فقامت أم سلمة أول من قامت فقالت: قد اخترت الله ورسوله، فقمن كلهن
فعانقنه، وقلن مثل ذلك، فأنزل الله تعالى " ترجى من تشاء منهن وتؤي إليك من تشاء "
الآية (3) (4).
قال الصادق (عليه السلام): من آوى فقد نكح، ومن أرجى فقد طلق، فقوله عز وجل: " ترجى
من تشاء منهن " مع هذه الآية " يا أيها النبي قل لأزواجك " الآية وقد أخرت عنها في

1 - ذكر الطبرسي في تفسيره مجمع البيان، ج 7 - 8، ص 353، في شأن نزول هذه الآية: قال المفسرون: إن أزواج
النبي (صلى الله عليه وآله) سألنه شيئا من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة في النفقة، وآذينه لغيرة بعض على بعض، فآلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) منهن شهرا، فنزلت آية التخيير وهو قوله: " قل لأزواجك " وكن يومئذ تسعا: عائشة، وحفصة، وأم
حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، فهؤلاء من قريش، وصفية بنت حيي
الخيبرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية.
أقول: وهكذا راجع تفسير البغوي: ج 3، ص 525، وتفسير القرطبي: ج 14، ص 162، وتفسير الطبري:
ج 21، ص 100، وتفسير البحر المحيط: ج 7، ص 227، وأنوار التنزيل: ج 2، ص 244، وتفسير أبي السعود:
ج 7، ص 100 - 101، وتفسير ابن كثير: ج 3، ص 410 - 411.
وأضاف الطبرسي في نفس المصدر السابق قائلا: روى الواحدي باسناده، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا مع حفصة فتشاجر بينهما، فقال لها: هل لك أن أجعل بيني وبينك رجلا،
قالت: نعم، فأرسل إلى عمر فلما أن دخل عليهما، قال لها: تكلمي، فقالت: يا رسول الله تكلم ولا تقل إلا حقا، فرفع
عمر يده فوجأ وجهها ثم رفع يده فوجأ وجهها، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): كف، فقال عمر: يا عدوة الله، النبي لا يقول إلا
حقا، والذي بعثه بالحق لولا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) فصعد إلى غرفة فمكث فيها شهرا لا
يقرب شيئا من نسائه يتغذى ويتعشى فيها، فأنزل الله تعالى هذه الآيات.
أقول: لم أعثر عليها في كتاب أسباب النزول للواحدي، ذيل هذه الآيات، ولعله والله العالم حذفت هذه
الرواية منه عند تجديد طباعته.
2 - أنف من الشئ يأنف أنفا وأنفة: أي استنكف. الصحاح: ج 4، ص 1333، مادة " أنف ".
3 - الأحزاب: 51.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 192، س 8.
38

التأليف (1).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) في عدة روايات: أن زينب بنت جحش، قالت لرسول
الله (صلى الله عليه وآله): لا تعدل وأنت نبي، فقال: تربت يداك (2) إذا لم أعدل، من يعدل؟ قالت: دعوت الله يا
رسول الله ليقطع يداي؟ فقال: لا ولكن لتتربان، فقالت: إنك إن طلقتنا وجدنا في قومنا أكفاءنا
فاحتبس الوحي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسعا وعشرين ليلة، قال: فأنف الله لرسوله فأنزل الله
عز وجل " يا أيها النبي قل لأزواجك " الآيتين فاخترن الله ورسوله ولم يكن شئ، ولو اخترن
أنفسهن لبن (3).
وعن الصادق (عليه السلام): أن زينب قالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تعدل وأنت رسول الله، وقالت
حفصة: إن طلقتنا وجدنا أكفاءنا من قومنا، فاحتبس الوحي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشرين
يوما (4) قال: فأنف الله لرسوله فأنزل: " يا أيها النبي قل لأزواجك " الآيتين، قال: فاخترن الله
ورسوله، ولو اخترن أنفسهن لبن، وإن اخترن الله ورسوله فليس بشئ (5).
وعنه (عليه السلام): أن بعض نساء النبي (صلى الله عليه وآله) قالت: أيرى محمد (صلى الله عليه وآله) أنه لو طلقنا لا نجد الأكفاء
من قومنا؟ قال: فغضب الله عز وجل له من فوق سبع سماواته فأمره فخيرهن حتى انتهى إلى
زينب بنت جحش فقامت: فقبلته، وقالت: أختار الله ورسوله (6).
وعنه (عليه السلام): أنه سئل عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها بانت منه؟ قال: لا، إنما هذا
شئ كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خاصة، أمر بذلك ففعل، ولو اخترن أنفسهن لطلقهن، وهو قول الله
تعالى: " قل لأزواجك إن كنتن تردن " الآية (7).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 192، س 17.
2 - تربت يداك: أي لا أصبت خيرا. يقال: ترب الرجل: إذا افتقر، أي لصق بالتراب، وأترب إذا استغنى، قال ابن
الأثير: وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر به كما يقولون:
قاتله الله. منه (قدس سره). راجع النهاية لابن الأثير: ج 1، ص 184.
3 - الكافي: ج 6، ص 139، ح 5، باب كيف كان أصل الخيار.
4 - كأن لفظة التسعة والواو سقطت من قلم النساخ لمخالفته سائر الأخبار. منه (قدس سره).
5 و 6 - الكافي: ج 6، ص 138، ح 2 و 3، باب كيف كان أصل الخيار.
7 - الكافي: ج 6، ص 137، ح 3، باب الخيار.
39

يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضعف لها
العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا 30 ومن
يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صلحا نؤتها أجرها
مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما 31 يا نساء النبي لستن
كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع
الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا 32
* (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة) *: ظاهر قبحها.
* (يضعف لها العذاب ضعفين) *: ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه لأن الذنب
منهن أقبح، وقرئ يضعفن بتشديد العين والنون، ونصب العذاب.
* (وكان ذلك على الله يسيرا) *: لا يمنعه عن التضعيف كونهن نساء النبي وكيف
وهو سببه. القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: الفاحشة: الخروج بالسيف (1).
* (ومن يقنت منكن) *: ومن يدم على الطاعة.
* (لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين) *: مرة على الطاعة، ومرة على
طلبهن رضاء النبي (صلى الله عليه وآله) بالقناعة، وحسن المعاشرة وغير ذلك، وقرئ نعمل ونؤتها بالنون فيهما.
* (وأعتدنا لها رزقا كريما) *: في الجنة زيادة على أجرها.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: كل ذلك في الآخرة حيث يكون الأجر يكون العذاب (2).
* (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن) *: الله.
* (فلا تخضعن بالقول) *: قيل: فلا تحببن بقولكن خاضعا لينا مثل قول المربيات (3).
* (فيطمع الذي في قلبه مرض) *: فجور.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 193، س 6
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 193، س 3.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 244، س 20.
40

وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن
الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا 33
* (وقلن قولا معروفا) *: حسنا بعيدا عن الريبة.
* (وقرن في بيوتكن) *: من الوقار أو القرار، وقرئ بفتح القاف.
* (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) *: في الإكمال: عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله)
في حديث: أن يوشع بن نون وصي موسى (عليه السلام) عاش بعد موسى (عليه السلام) ثلاثين سنة، وخرجت
عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى (عليه السلام) فقالت: أنا أحق منك بالأمر؟ فقاتلها، فقتل
مقاتلتها وأحسن أسرها، وأن ابنة أبي بكر ستخرج على علي في كذا وكذا ألفا من أمتي،
فيقاتلها فيقتل مقاتلتها، ويأسرها فيحسن أسرها، وفيها أنزل الله تعالى: " وقرن في بيوتكن
ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " يعني صفراء بنت شعيب (1).
والقمي: عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) في هذه الآية قال: أي ستكون جاهلية أخرى (2).
* (وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله) *: في سائر ما أمركن به
ونهاكن عنه.
* (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *:
القمي: ثم انقطعت مخاطبة نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وخاطب أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: " إنما يريد
الله " الآية، ثم عطف على نساء النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: " واذكرن ما يتلى " (3) ثم عطف على آل
محمد (صلى الله عليه وآله) فقال: " إن المسلمين " الآية (4) (5).
وعن الباقر (عليه السلام): نزلت هذه الآية في رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعلي بن أبي طالب، وفاطمة،

1 - اكمال الدين وإتمام النعمة: ص 27، - مقدمة المؤلف - المشاكلة بين الأئمة والأنبياء.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 193، س 9.
3 - الأحزاب: 34.
4 - الأحزاب: 35.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 193، س 11.
41

والحسن، والحسين، (عليهما السلام)، وذلك في بيت أم سلمة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله)، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله): أمير
المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين، صلوات الله عليهم، ثم ألبسهم كساءا له حبريا (1) (2)
ودخل معهم فيه، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني، اللهم أذهب
عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: أبشري يا أم
سلمة فإنك على خير (3).
وعن زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام): أن جهالا من الناس يزعمون إنه إنما أراد الله بهذه
الآية أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) وقد كذبوا وأثموا وأيمن (4) الله ولو عنى أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) لقال ليذهب
عنكن الرجس ويطهركن تطهيرا، لكان الكلام مؤنثا كما قال: " واذكرن ما يتلى في بيوتكن " (5)
" ولا تبرجن " (6) و " لستن كأحد من النساء " (7) (8).
والعياشي: عن الباقر (عليه السلام) ليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن
الآية ينزل أولها في شئ وأوسطها في شئ وآخرها في شئ ثم قال: " إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " من ميلاد الجاهلية (9).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: يعني الأئمة (عليهم السلام)، وولايتهم من دخل
فيها دخل في بيت النبي (صلى الله عليه وآله) (10).
وعنه (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال في حديث: أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فإني سألت
الله عز وجل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما علي الحوض، فأعطاني ذلك، وقال: لا تعلموهم
فإنهم أعلم منكم، وقال: إنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة، قال:

1 - الحبرة: ضرب من برود اليمن ويحرك. القاموس المحيط: ج 2، ص 2، مادة " حبر ".
2 - وفي نسخة: [خيبريا] كما في المصدر.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 193، س 11.
4 - اليمين: القسم، مؤنث لأنهم كانوا يتماسحون بأيمانهم فيتحالفون، والجمع أيمن وأيمان، وأيمن الله، وأيم الله، وأيمن
الله بفتح الميم والهمزة وتكسر، وإيم الله - بكسر الهمزة والميم - اسم وضع للقسم، والتقدير: أيمن الله قسمي.
القاموس المحيط: ج 4، ص 279، مادة " يمن ".
5 و 6 و 7 - الأحزاب: 34 و 33 و 32.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 193، س 18.
9 - تفسير العياشي: ج 1، ص 17، ح 1، فيمن فسر القرآن برأيه.
10 - الكافي: ج 1، ص 423، ح 54، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
42

فلو سكت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يبين من أهل بيته لادعاها آل فلان وآل فلان، ولكن الله عز وجل
أنزل في كتابه لنبيه (صلى الله عليه وآله): " إنما يريد الله " الآية، وكان علي، والحسن، والحسين، وفاطمة (عليهم السلام)،
فأدخلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت الكساء في بيت أم سلمة، ثم قال: اللهم إن لكل نبي أهلا وثقلا
وهؤلاء أهل بيتي وثقلي، فقالت أم سلمة: ألست من أهلك؟ فقال: إنك إلى خير ولكن هؤلاء
أهلي وثقلي، وقال: في آخر الحديث الرجس: هو الشك، والله لا نشك في ربنا أبدا (1).
وفي الخصال: في احتجاج علي (عليه السلام) على أبي بكر قال: فأنشدك بالله ألي ولأهلي وولدي
آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك؟ قال: بل لك ولأهل بيتك، قال: فأنشدك بالله أنا
صاحب دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهلي وولدي يوم الكساء اللهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار أم
أنت؟ قال: بل أنت وأهل بيتك (2).
وفي احتجاجه (عليه السلام) على الناس يوم الشورى قال: أنشدكم بالله هل فيكم أحد أنزل الله
فيه آية التطهير على رسوله " إنما يريد الله " الآية فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كساءا خيبريا فضمني
فيه وفاطمة (عليها السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام) ثم قال: يا رب هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا غيري؟ قالوا: اللهم لا (3).
وفي الإكمال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد
أيام خلافة عثمان: أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في كتابه: " إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " فجمعني وفاطمة وابني الحسن والحسين (عليهم السلام)
وألقى علينا كساءه وقال: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي ولحمتي يؤلمني ما يؤلمهم، ويحزنني ما يحزنهم،
ويجرحني ما يجرحهم، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول
الله؟ فقال: أنت أو إنك على خير، إنما أنزلت في، وفي أخي، وفي ابنتي، وفي ابني، وفي تسعة من
ولد ابني الحسين (عليهم السلام) خاصة، ليس أحد معنا غيرنا، فقالوا كلهم: نشهد أن أم سلمة حدثتنا
بذلك فسألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحدثنا كما حدثتنا أم سلمة رضي الله عنها (4).

1 - الكافي: ج 1، ص 287 - 288، قطعة من حديث 1، باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة (عليهم السلام)
واحدا فواحدا. 2 و 3 - الخصال: ص 550 و 561، ح 30 و 31، أبواب الأربعين وما فوقه.
4 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 278، قطعة من ح 25، باب 24 - ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في النص على القائم
(عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام).
43

واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله
كان لطيفا خبيرا 34 إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات
والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين
والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم
والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم
مغفرة وأجرا عظيما 35
وفي العلل: عن الصادق (عليه السلام) نزلت هذه الآية في النبي، وأمير المؤمنين، والحسن،
والحسين، وفاطمة (عليهم السلام)، فلما قبض الله عز وجل نبيه (صلى الله عليه وآله) كان أمير المؤمنين، ثم الحسن، ثم
الحسين (عليهم السلام)، ثم وقع تأويل هذه الآية " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله " (1)
وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) إماما، ثم جرت في الأئمة من ولده الأوصياء (عليهم السلام) فطاعتهم طاعة
الله، ومعصيتهم معصية الله عز وجل (2).
أقول: الروايات في نزول هذه الآية في شأن الخمسة أصحاب العباء من طريق
الخاصة والعامة أكثر من أن تحصى، وقد ذكر في المجمع من طريق العامة منها ما ذكر من أراده
فليطلبه منه (3).
* (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) *: من الكتاب الجامع
بين الأمرين.
* (إن الله كان لطيفا خبيرا * إن المسلمين والمسلمات) *: الداخلين في

1 - الأحزاب: 6.
2 - علل الشرائع: ص 205، ح 2، باب 156 - العلة التي من أجلها صارت الإمامة في ولد الحسين دون الحسن
صلوات الله عليهم.
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 356 - 357.
44

السلم، المنقادين لحكم الله.
* (والمؤمنين والمؤمنات) *: المصدقين بما يجب أن يصدق.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، والمؤمن من أمن
جاره بوائقه (1) وما آمن بي من بات شبعان وجاره طاو (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إن الإيمان ما وقر في القلوب، والإسلام ما عليه المناكح
والمواريث، وحقن الدماء، والإيمان يشارك الإسلام، والإسلام لا يشارك الإيمان (3).
أقول: ويؤيد هذا قول الله سبحانه " قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا
أسلمنا ولما يدخل الأيمن في قلوبكم " (4).
* (والقانتين والقانتات) *: المداومين على الطاعة.
* (والصادقين والصادقات) *: في القول والعمل.
* (والصابرين والصابرات) *: على الطاعات وعن المعاصي.
* (والخاشعين والخاشعات) *: المتواضعين لله بقلوبهم وجوارحهم.
* (والمتصدقين والمتصدقات) *: من أموالهم ابتغاء مرضات الله.
* (والصائمين والصائمات) *: لله بنية صادقة.
* (والحافظين فروجهم والحافظات) *: عن الحرام.
* (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) *: بقلوبهم وألسنتهم.
* (أعد الله لهم مغفرة) *: لذنوبهم.
* (وأجرا عظيما) *: على طاعتهم.
وفي المجمع: عن مقاتل بن حيان لما رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع زوجها
جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت: هل نزل فينا شئ من القرآن؟ قلن:
لا، فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار، فقال: ومم ذلك؟

1 - البوائق: جمع بائقة، وهي الداهية. ومنه باقتهم الداهية: إذا أصابتهم، وفي الحديث: قلت: وما بوائقه؟ قال:
ظلمه وغشه. مجمع البحرين: ج 5، ص 142، مادة " بوق ".
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 358، س 8.
3 - الكافي: ج 2، ص 26، ح 3، باب أن الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان. 4 - الحجرات: 14.
45

وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون
لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللا
مبينا 36 وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه
أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه
وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا
زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزوج
أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا 37
قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال فأنزل الله تعالى هذه الآية (1).
* (وما كان) *: وما صح.
* (لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون) *: وقرئ بالياء.
* (لهم الخيرة من أمرهم) *: أن يختاروا من أمرهم شيئا، بل يجب عليهم أن يجعلوا
اختيارهم تبعا لاختيار الله ورسوله، والخيرة: ما يتخيره.
وقد مر في هذه الآية حديث في سورة القصص (2).
* (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللا مبينا) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام)
وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطب على زيد بن حارثة زينب بنت جحش الأسدية من بني أسد
ابن خزيمة، وهي بنت عمة النبي (صلى الله عليه وآله)، فقالت: يا رسول الله حتى أؤامر نفسي فأنظر، فأنزل الله
عز وجل: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة " الآية، فقالت: يا رسول الله أمري بيدك فزوجها إياه
الحديث (3). ويأتي تمامه عن قريب.
* (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) *: بالإسلام.

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 357 - 358.
2 - الآية: 68، راجع ج 5، ص 441 - 442 من كتابنا تفسير الصافي. 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 194.
46

ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في
الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا 38
* (وأنعمت عليه) *: بالعتق، وهو زيد بن حارثة.
* (أمسك عليك زوجك) *: زينب.
* (واتق الله) *: في أمرها فلا تطلقها.
* (وتخفى في نفسك ما الله مبديه) *: وهو أنها ستكون من أزواجه، وأن زيدا سيطلقها.
* (وتخشى الناس) *: تعييرهم إياك به.
* (والله أحق أن تخشاه) *: إن كان فيه ما يخشى، في المجمع: عن السجاد (عليه السلام) أن
الذي أخفاه في نفسه: هو أن الله سبحانه أعلمه أنها ستكون من أزواجه، وأن زيدا سيطلقها،
فلما جاء زيد، وقال له: أريد أن أطلق زينب، قال له: أمسك عليك زوجك، فقال سبحانه: لم
قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك؟ (1)
* (فلما قضى زيد منها وطرا) *: حاجة بحيث ملها، ولم يبق له فيها حاجة، وطلقها
وانقضت عدتها.
* (زوجناكها) *: وقرئ في الشواذ زوجتكها. وفي الجوامع: أنها قراءة أهل البيت (عليهم السلام) (2).
قال: قال الصادق (عليه السلام) ما قرأتها على أبي إلا كذلك إلى أن قال: وما قرأ علي (عليه السلام) على
النبي (صلى الله عليه وآله) إلا كذلك (3).
وقال: وروي أن زينب كانت تقول للنبي (صلى الله عليه وآله): إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك
امرأة تدل بهن: جدي وجدك واحد، وزوجنيك الله، والسفير جبرئيل (عليه السلام) (4).
* (لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزوج أدعيائهم إذا قضوا منهن
وطرا) *: علة التزويج.
* (وكان أمر الله مفعولا * ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) *:

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 360، س 9.
2 و 3 و 4 - جوامع الجامع: ج 3، ص 320.
47

قسم له وقدر. القمي: عن الباقر (عليه السلام) في تمام الحديث السابق قال: فزوجها إياه فمكث عند زيد
ما شاء الله، ثم أنهما تشاجرا في شئ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعجبته
فقال زيد: يا رسول الله أتأذن لي في طلاقها فإن فيها كبرا وإنها لتؤذيني بلسانها؟ فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): اتق الله وأمسك عليك زوجك وأحسن إليها، ثم إن زيدا طلقها وانقضت عدتها،
فأنزل الله عز وجل نكاحها على رسوله (1).
قال: وروي فيه أيضا غير هذا، وقد نقلناه عند قوله تعالى: " وما جعل أدعياءكم
أبناءكم " (2) في أول هذه السورة (3).
أقول: قد ذكرنا هناك تلك الرواية (4).
وفي العيون (5): عن الرضا (عليه السلام) في حديث عصمة الأنبياء (عليهم السلام) قال: وأما محمد (صلى الله عليه وآله)
وقول الله عز وجل: " وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه " فإن
الله تعالى عرف نبيه (صلى الله عليه وآله) أسماء أزواجه في دار الدنيا، وأسماء أزواجه في الآخرة، وإنهن أمهات
المؤمنين، وإحدى من سمى له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة فأخفى (صلى الله عليه وآله)
اسمها في نفسه ولم يبده لكي لا يقول أحد من المنافقين: أنه قال في امرأة في بيت رجل أنها
إحدى أزواجه من أمهات المؤمنين، وخشي قول المنافقين، قال الله عز وجل: " وتخشى الناس
والله أحق أن تخشاه " يعني في نفسك، وأن الله عز وجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا
تزويج حواء من آدم، وزينب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله عز وجل: " فلما قضى زيد منها وطرا
زوجناكها " وفاطمة من علي (عليهما السلام) (6).
وعنه (عليه السلام): في حديث آخر في عصمة الأنبياء أيضا: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قصد دار زيد
ابن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل، فقال لها: سبحان الذي
خلقك وإنما أراد بذلك تنزيه الله عن قول من زعم أن الملائكة بنات الله، فقال الله عز وجل

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 194، س 11.
2 - الأحزاب: 4.
3 - راجع تفسير القمي: ج 2، ص 172، س 3.
4 - راجع: ص 9 - 10 من هذا الجزء.
5 - أورده في باب ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) عند المأمون مع أصحاب الملل والمقالات. منه (قدس سره).
6 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 194 - 195، ح 1، باب 14 - ذكر مجلس آخر للرضا (عليه السلام) عند المأمون مع
أهل الملل والمقالات، وما أجاب به علي بن محمد بن الجهم في عصمة الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين.
48

الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا
الله وكفى بالله حسيبا 39
" أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما " (1)، فقال
النبي (صلى الله عليه وآله) لما رآها تغتسل: سبحان الله الذي خلقك أن يتخذ ولدا يحتاج إلى هذا التطهير
والإغتسال، فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيئ الرسول (صلى الله عليه وآله) وقوله لها: " سبحان
الذي خلقك " فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، فظن أنه قال ذلك لما عجب من حسنها، فجاء إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إن امرأتي في خلقها سوء، وإني أريد طلاقها فقال له النبي (صلى الله عليه وآله):
" أمسك عليك زوجك واتق الله " الآية وقد كان الله عز وجل عرفه عدد أزواجه وأن تلك
المرأة منهن فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد، وخشي الناس أن يقولوا أن محمدا (صلى الله عليه وآله) يقول
لمولاه أن امرأتك ستكون لي زوجة فيعيبونه بذلك، فأنزل الله تعالى: " وإذ تقول للذي أنعم الله
عليه " يعني بالإسلام " وأنعمت عليه " يعني بالعتق " أمسك عليك زوجك " الآية، ثم إن زيد بن
حارثة طلقها واعتدت منه، فزوجها الله تعالى من نبيه (صلى الله عليه وآله) وأنزل بذلك قرآنا، فقال عز وجل:
" فلما قضى زيد منها وطرا " الآية، ثم علم عز وجل أن المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل: " ما
كان على النبي من حرج فيما فرض الله له " (2).
* (سنة الله) *: سن ذلك سنة.
* (في الذين خلوا من قبل) *: من قبل الأنبياء، وهو نفي الحرج عنهم فيما أباح لهم.
* (وكان أمر الله قدرا مقدورا) *: قضاءا مقضيا وحكما قطعيا.
* (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى
بالله حسيبا) *: فينبغي أن لا يخشى إلا منه.

1 - الإسراء: 40.
2 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 203، ح 1، باب 15 - ذكر مجلس آخر للرضا (عليه السلام) عند المأمون في عصمة
الأنبياء (عليهم السلام).
49

ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم
النبيين وكان الله بكل شئ عليما 40
* (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) *: على الحقيقة، فيثبت بينه وبينه ما بين
الوالد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها.
القمي: نزلت في زيد بن حارثة قالت قريش: يعيرنا محمد يدعي (1) بعضنا بعضا وقد
ادعى هو زيدا (2).
أقول: لا ينتقض عمومه بكونه أبا للقاسم، والطيب، والطاهر، وإبراهيم، لأنهم ما
بلغوا (3) مبلغ الرجال، ولو بلغوا كانوا رجاله لا رجالهم، وكذلك لا ينتقض بكونه أبا للأئمة
المعصومين صلوات الله عليهم لأنهم رجاله ليسوا برجال الناس، مع أنهم لا يقاسون بالناس.
في المجمع: قد صح أنه (صلى الله عليه وآله) قال للحسن (عليه السلام): إن ابني هذا سيد، وقال أيضا للحسن
والحسين (عليهما السلام) ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا (4).
أقول: يعني قاما بالإمامة أو قعدا عنها.
وقال: إن كل بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم (5).
وقد مضى في سورتي النساء (6) والأنعام (7) ما يدل على أنهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله).
* (ولكن رسول الله) *: وكل رسول أبو أمته لا مطلقا، بل من حيث أنه شفيق ناصح
لهم واجب التوقير والطاعة عليهم، وزيد منهم، ليس بينه وبينه ولادة محرمة للمصاهرة وغيرها.
* (وخاتم النبيين) *: وآخرهم الذي ختمهم أو ختموا به على اختلاف القرائتين.

1 - وفي نسخة: [بدعي].
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 194، س 17.
3 - وفي نسخة: [لم يبلغوا].
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 361، س 31.
5 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 361، س 32. وفيه: " كل بني بنت ينتسبون إلى أبيهم ".
6 - ذيل الآية: 23، راجع ج 2، ص 214 من كتابنا تفسير الصافي.
7 - ذيل الآية: 85، راجع ج 3، ص 63 - 64 من كتابنا تفسير الصافي.
50

يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا 41 وسبحوه
بكرة وأصيلا 42
في المناقب: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أنا خاتم الأنبياء وأنت يا علي خاتم الأولياء (1)، وقال
أمير المؤمنين (عليه السلام): ختم محمد (صلى الله عليه وآله) ألف نبي وإني ختمت ألف وصي، وأني كلفت ما لم يكلفوا (2).
* (وكان الله بكل شئ عليما) *: فيعلم من يليق أن يختم به النبوة وكيف ينبغي شأنه.
* (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) *: يغلب الأوقات ويعم أنواع ما
هو أهله من التقديس والتمجيد والتهليل والتحميد.
* (وسبحوه بكرة وأصيلا) *: أول النهار وآخره خصوصا لفضلهما على سائر
الأوقات لكونهما مشهودين.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: ما من شئ إلا وله حد ينتهي إليه إلا الذكر فليس له
حد ينتهي إليه، فرض الله الفرائض فمن أداهن فهو حدهن، وشهر رمضان: فمن صامه فهو
حده، والحج: فمن حج فهو حده، إلا الذكر: فإن الله عز وجل لم يرض منه بالقليل، ولم يجعل له
حدا ينتهي إليه، ثم تلا هذه الآية، فقال: لم يجعل الله له حدا ينتهي إليه (3).
وعنه (عليه السلام): شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا (4).
وعنه (عليه السلام): تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) من الذكر الكثير الذي قال الله " اذكروا الله ذكرا
كثيرا " (5). والأخبار في الذكر الكثير أكثر من أن تحصى (6).

1 - وفي نسخة: [خاتم الأوصياء].
2 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 3، ص 261، س 19، في مساواته مع النبي (صلى الله عليه وآله).
3 - الكافي: ج 2، ص 498، ح 1، باب ذكر الله عز وجل كثيرا.
4 - الكافي: ج 2، ص 499، ح 2، باب ذكر الله عز وجل كثيرا.
5 - الكافي: ج 2، ص 500، ح 4، باب ذكر الله عز وجل كثيرا.
6 - انظر الكافي: ج 2، ص 498 - 502.
51

هو الذي يصلى عليكم وملئكته ليخرجكم من الظلمات
إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما 43
* (هو الذي يصلى عليكم) *: بالرحمة.
* (وملئكته) *: بالاستغفار لكم، والإهتمام بما يصلحكم.
* (ليخرجكم من الظلمات إلى النور) *: من ظلمات الكفر والمعاصي إلى نور
الإيمان والطاعة.
* (وكان بالمؤمنين رحيما) *: حيث اعتنى بصلاح أمرهم، وإنافة قدرهم، واستعمل
في ذلك ملائكته المقربين.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) من صلى على محمد وآل محمد عشرا صلى الله عليه
وملائكته مائة مرة، ومن صلى على محمد وآل محمد مائة مرة، صلى الله عليه وملائكته ألفا، أما
تسمع قول الله: " هو الذي يصلى عليكم وملئكته " الآية (1) (2).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: صلت الملائكة علي وعلى علي (عليه السلام) سبع سنين، وذلك
أنه لم يصل فيها أحد غيري وغيره (3).

1 - الكافي: ج 2، ص 493 - 494، ح 14، باب الصلاة على النبي محمد وعلى أهل بيته (عليهم السلام).
2 - ذكر العلامة المجلسي (رحمه الله) في كتابه مرآة العقول، ج 12، ص 100 في شرح هذا الحديث: روت العامة
بإسنادهم عن أبي طلحة قال: دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) فلم أره أشد استبشارا منه يومئذ، ولا أطيب نفسا، قلت: يا
رسول الله ما رأيتك قط أطيب نفسا ولا أشد استبشارا منك اليوم؟ فقال: وما يمنعني وقد خرج آنفا جبرئيل من
عندي، قال: قال الله تعالى: من صلى عليك صلاة صليت بها عليه عشر صلوات، ومحوت عنه عشر سيئات،
وكتبت له عشر حسنات. وهذا أقل مراتبه كما قال تعالى: " والله يضاعف لمن يشاء " البقرة: 261. والاستشهاد
بالآية لإثبات أصل صلاة الله وملائكته للمؤمنين رفعا لاستبعاد القاصرين، لا لبيان العدد المذكور إذ لا دلالة
فيها على ذلك العدد.
أقول: يمكن الاستدلال باثبات العدد (عشرة) بقوله تعالى: " ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " الأنعام: 160.
3 - لم نعثر عليه في مجمع البيان. بل وجدناه في تفسير نور الثقلين: ج 4، ص 302، ح 223، نقلا عن مجمع البيان.
وجاء مثله في تفسير البرهان: ج 3، ص 337، ح 24 و 25 نقلا عن تفسير الثعلبي.
52

تحيتهم يوم يلقونه سلم وأعد لهم أجرا كريما 44 يا أيها
النبي إنا أرسلناك شهدا ومبشرا ونذيرا 45 وداعيا إلى
الله بإذنه وسراجا منيرا 46 وبشر المؤمنين بأن لهم من
الله فضلا كبيرا 47
* (تحيتهم يوم يلقونه سلم) *: قيل: هو من إضافة المصدر إلى المفعول، أي يحيون
يوم لقائه بالسلامة من كل مكروه وآفة (1).
في التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) اللقاء: هو البعث، فافهم جميع ما في كتاب الله من
لقائه فإنه يعني بذلك البعث، وكذلك قوله: " تحيتهم يوم يلقونه سلم " يعني أنه لا يزول الإيمان
عن قلوبهم يوم يبعثون (2).
* (وأعد لهم أجرا كريما) *: هي الجنة.
* (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا) *: على من بعثت إليهم بتصديقهم،
وتكذيبهم، ونجاتهم، وضلالهم.
* (ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه) *: بتيسيره. في العلل عن النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه قال: في جواب نفر من اليهود حين سألوه لأي شئ سميت محمدا، وأحمد، وأبا القاسم،
وبشيرا، ونذيرا، وداعيا؟ أما الداعي: فإني أدعوا الناس إلى دين ربي عز وجل، وأما النذير:
فاني أنذر بالنار من عصاني، وأما البشير: فإني ابشر بالجنة من أطاعني (3).
* (وسراجا منيرا) *: يستضاء به عن ظلمات الجهالة، ويقتبس من نوره أنوار البصائر.
* (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) *: على سائر الأمم أو على أجرأ عمالهم.

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 248، س 2.
2 - التوحيد: ص 267، ح 5، باب 36 - الرد على الثنوية والزنادقة.
3 - علل الشرائع: ص 126 - 127، ح 1، باب 106 - العلة التي من أجلها سمي النبي (صلى الله عليه وآله) محمدا، وأحمد، وأبا
القاسم، وبشيرا، ونذيرا، وداعيا، وماحيا، وعاقبا، وحاشرا
53

ولا تطع الكافرين والمنفقين ودع أذاهم وتوكل على الله
وكفى بالله وكيلا 48 يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات
ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة
تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا 49
* (ولا تطع الكافرين والمنفقين) *: تهييج له على ما هو عليه من مخالفتهم.
* (ودع أذاهم) *: وإيذاؤهم إياك، أو إيذاؤك إياهم.
* (وتوكل على الله) *: فإنه يكفيكهم.
* (وكفى بالله وكيلا) *: موكولا إليه الأمر في الأحوال كلها.
القمي: أنها نزلت بمكة قبل الهجرة بخمس سنين، قال: فهذا دليل على خلاف التأليف (1).
* (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن) *: تجامعوهن.
* (فما لكم عليهن من عدة) *: أيام يتربصن فيها بأنفسهن.
* (تعتدونها) *: تستوفون عددها.
* (فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) *: من غير ضرار ولا منع حق.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها، قال: عليه نصف
المهر إن كان فرض لها شيئا، وإن لم يكن فرض لها شيئا، فليمتعها على نحو ما يتمتع به مثلها من
النساء (2).
وفي الفقيه (3)، والتهذيب: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال: متعوهن أي احملوهن بما

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 194، س 22.
2 - الكافي: ج 6، ص 108، ح 1، باب ما للمطلقة التي لم يدخل بها من الصداق.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 327، ح 1580 / 2، باب 159 - طلاق التي لم يدخل بها، وحكم المتوفى عنها
زوجها قبل الدخول وبعده.
54

يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزوجك التي آتيت أجورهن
وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات
عمتك وبنات خالك وبنات خلتك التي هاجرن معك
وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن
يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما
فرضنا عليهم في أزوجهم وما ملكت أيمنهم لكيلا يكون
عليك حرج وكان الله غفورا رحيما 50
قدرتم عليه من معروف، فإنهن يرجعن بكآبة ووحشة وهم عظيم، وشماتة من أعدائهن، فإن
الله كريم يستحيي ويحب أهل الحياء، إن أكرمكم أشدكم إكراما لحلائلهم (1).
وقد مضى تمام الكلام فيه في سورة البقرة (2).
* (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزوجك التي آتيت أجورهن) *: مهورهن،
لأن المهر أجر على البضع.
* (وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك) *: بالسبي.
* (وبنات عمك وبنات عمتك وبنات خالك وبنات خلتك التي
هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها
خالصة لك من دون المؤمنين) *: في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) جاءت امرأة من الأنصار إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخلت عليه وهو في منزل حفصة والمرأة متلبسة متمشطة فدخلت على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله إن المرأة لا تخطب الزوج وأنا امرأة أيم لا زوج لي منذ دهر

1 - تهذيب الأحكام: ج 8، ص 141، ح 488 / 87، باب 6 - عدد النساء.
2 - ذيل الآية 237، راجع ج 1، ص 416 - 418 من كتابنا تفسير الصافي.
55

ولا ولد فهل لك من حاجة؟ فإن تك، فقد وهبت نفسي لك إن قبلتني، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
خيرا، ودعا لها، ثم قال: يا أخت الأنصار جزاكم الله عن رسول الله خيرا، فقد نصرني
رجالكم، ورغبت في نساؤكم، فقالت لها حفصة: ما أقل حياءك وأجرأك وأنهمك (1) للرجال،
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كفي عنها يا حفصة فإنها خير منك رغبت في رسول الله فلمتها وعبتها، ثم
قال: للمرأة انصرفي رحمك الله فقد أوجب الله لك الجنة لرغبتك في وتعرضك لمحبتي
وسروري، وسيأتيك أمري إن شاء الله تعالى فأنزل الله عز وجل: " وامرأة مؤمنة " الآية قال:
فأحل الله عز وجل هبة المرأة نفسها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يحل ذلك لغيره (2).
والقمي: كان سبب نزولها إن امرأة من الأنصار أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد تهيأت
وتزينت، فقالت: يا رسول الله هل لك في حاجة وقد وهبت نفسي لك؟ فقالت لها عائشة:
قبحك الله ما أنهمك للرجال؟ فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): مه يا عائشة فإنها رغبت في رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إذ زهدتن فيه، ثم قال: رحمك الله ورحمكم يا معاشر الأنصار، ينصرني رجالكم،
وترغب في نساؤكم إرجعي رحمك الله، فإني أنتظر أمر الله عز وجل، فأنزل الله تعالى: " وامرأة
مؤمنة " الآية فلا تحل الهبة إلا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (3).
وفي المجمع: قيل: انها لما وهبت نفسها للنبي قالت عائشة: ما بال النساء يبذلن أنفسهن
بلا مهر؟ فنزلت الآية، فقالت عائشة: ما أرى الله تعالى إلا يسارع في هواك؟ فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): وإنك إن أطعت الله سارع في هواك (4).
وفي الخصال: عن الصادق (عليه السلام) قال: تزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخمس عشرة امرأة، ودخل
بثلاث عشرة منهن، وقبض عن تسع فأما اللتان لم يدخل بهما فعمرة (5) والشنباء (6)، وأما

1 - انهمك الرجل في الشئ: أي جد ولج وكذلك تهمك في الأمر. قاله في الصحاح، وفي القاموس: الانهماك: التمادي
في الشئ واللجاج فيه. مجمع البحرين: ج 5، ص 299، مادة " همك ". 2 - الكافي: ج 5، ص 568، ح 53، باب نوادر.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 195، س 4.
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 365، س 1.
5 - وهي عمرة بنت يزيد الغفارية، راجع البداية والنهاية: ج 5، ص 255.
6 - في الكامل لابن الأثير، ج 2، ص 309: الشنباء: وهي أسماء بنت الصلت، وقيل: ابنة الصلت بن حبيب. وجاء
في البداية والنهاية، ج 5، ص 255: الشنباء: فلما أدخلت عليه لم تكن بيسيرة فتركها ينتظر بها اليسر، فلما مات
ابنه إبراهيم على بغتة ذلك، قال: لو كان نبيا لم يمت ابنه، فطلقها وأوجب لها الصداق وحرمت على غيره. وفي
نسخة: [السنى] كما ورد في المصدر، وجاء في القاموس، ج 4، ص 344، مادة " سني ": وهي بنت أسماء بن
الصلت، ماتت قبل أن يدخل بها النبي. 1 - الخصال: ص 419، ح 13، باب 9 - قبض النبي عن تسعة نسوة.
56

ترجى من تشاء منهن وتؤي إليك من تشاء ومن
ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذ لك أدنى أن تقر
أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما
في قلوبكم وكان الله عليما حليما 51
الثلاث عشرة اللواتي دخل بهن فأولهن خديجة بنت خويلد، ثم سودة بنت زمعة، ثم أم سلمة،
واسمها هند بنت أبي أمية، ثم أم عبد الله، ثم عائشة بنت أبي بكر، ثم حفصة بنت عمر، ثم زينب
بنت خزيمة بن الحارث أم المساكين، ثم زينب بنت جحش، ثم أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان،
ثم ميمونة بنت الحارث، ثم زينب بنت عميس، ثم جويرية بنت الحارث، ثم صفية بنت حيي
ابن أخطب، والتي وهبت نفسها للنبي: خولة بنت حكيم السلمي، وكان له سريتان يقسم لها
مع أزواجه مارية القبطية، وريحانة الخندقية، والتسع اللواتي قبض عنهن: عائشة، وحفصة،
وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وصفية،
وجويرية، وسودة، وأفضلهن خديجة بنت خويلد، ثم أم سلمة، ثم ميمونة (1).
* (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزوجهم) *: من الشرائط والحصر في الأربع.
* (وما ملكت أيمنهم) *: والجملة اعتراض (2).
* (لكيلا يكون عليك حرج) *: أي خلص إحلالها لك لمعان تقتضي التوسيع عليك.
* (وكان الله غفورا) *: لما يعسر التحرز عنه.
* (رحيما) *: بالتوسعة في مظان الحرج.
* (ترجى من تشاء منهن) *: تؤخرها ولم تنكحها أو تطلقها، وقرئ بغير همزة.

2 - أي جملة اعتراضية بين قوله تعالى: " لكيلا يكون عليك حرج " وبين متعلقه وهو قوله تعالى: " خالصة لك
من دون المؤمنين ".
57

لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزوج
ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل
شئ رقيبا 52
* (وتؤي إليك) *: وتضم إليك وتمسك.
* (من تشاء) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) (1)، وفي المجمع: عنهما (عليهما السلام) من آوى فقد
نكح، ومن أرجى فلم ينكح (2).
وفي رواية القمي: ومن أرجى فقد طلق كما مرت (3).
* (ومن ابتغيت) *: طلبت.
* (ممن عزلت فلا جناح عليك) *: في شئ من ذلك.
* (ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن) *: ذلك
التفويض إلى مشيتك أقرب إلى قرة عيونهن، وقلة حزنهن، ورضاهن جميعا لأنه حكم كلهن
فيه سواء، ثم إن سويت بينهن وجدن ذلك تفضلا منك، وإن رجحت بعضهن علمن أنه بحكم
الله فتطمئن نفوسهن.
* (والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما) *: بذات الصدور.
* (حليما) *: لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بأن يتقى.
* (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزوج) *: " من " مزيدة
لتأكيد الاستغراق.
* (ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شئ

1 - الكافي: ج 5، ص 387 - 388، ح 1، باب ما أحل للنبي (صلى الله عليه وآله) من النساء.
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 367، س 8.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 192، س 17.
58

رقيبا) *: قيل: المعنى لا يحل لك النساء من بعد الأجناس المذكورة اللاتي نص على احلالهن
لك ولا أن تبدل بهن أزواجا من أجناس اخر (1).
وقيل: معناه لا يحل لك النساء من بعد نسائك اللاتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله،
وهن التسع مكافأة لهن على اختيارهن الله، ورسوله (2).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال: إنما عني به لا يحل لك النساء اللاتي حرم
الله عليك في هذه الآية " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم " (3) إلى آخرها، ولو كان
الأمر كما يقولون كان قد أحل لكم ما لم يحل له لأن أحدكم يستبدل كلما أراد، ولكن الأمر ليس
كما يقولون: إن الله عز وجل أحل لنبيه (صلى الله عليه وآله) أن ينكح من النساء ما أراد إلا ما حرم في هذه
الآية في سورة النساء (4).
ومثله عن الصادق (عليه السلام) في عدة روايات وفي بعضها أراكم وأنتم تزعمون أنه يحل لكم
ما لم يحل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (5).
وفي بعضها أحاديث آل محمد صلوات الله عليهم خلاف أحاديث الناس (6).
القمي: لا يحل لك النساء من بعد ما حرم عليه في سورة النساء، وقوله: " ولا أن تبدل
بهن من أزوج " معطوف على قصة امرأة زيد، ولو أعجبك حسنهن، أي لا تحل لك امرأة رجل
أن تتعرض لها حتى يطلقها وتزوجها أنت، فلا تفعل هذا الفعل بعد هذا (7).
أقول: وهذه الأخبار كما ترى، وكذا ما قاله القمي رزقنا الله فهمها.
وقيل: هذه الآية منسوخة بقوله: " ترجى من تشاء منهن وتؤي إليك من تشاء " فإنه
وإن تقدمها قراءة فهو مسبوق بها نزولا (8).

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 250، س 12، وتفسير أبي السعود: ج 7، ص 111، والكشاف: ج 3، ص 553.
2 - تفسير أبي السعود: ج 7، ص 111.
3 - النساء: 23.
4 - الكافي: ج 5، ص 389، ح 4، باب ما أحل للنبي (صلى الله عليه وآله) من النساء.
5 - الكافي: ج 5، ص 388، ح 2، باب ما أحل للنبي (صلى الله عليه وآله) من النساء.
6 - الكافي: ج 5، ص 391، ح 8، باب ما أحل للنبي (صلى الله عليه وآله) من النساء.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 175، س 5.
8 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 250، س 12.
59

يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم
إلى طعام غير نظرين إنه ولكن إذا دعيتم فأدخلوا فإذا
طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذى
النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن
متعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم
وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا
أزوجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما 53
* (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى
طعام) *: تدعون إليه.
* (غير نظرين إنه) *: غير منتظرين وقته أو إدراكه من أنى الطعام إذا أدرك.
* (ولكن إذا دعيتم فأدخلوا فإذا طعمتم فانتشروا) *: تفرقوا ولا تمكثوا.
* (ولا مستئنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذى النبي) *: لتضيق المنزل عليه،
وعلى أهله، واشتغاله بما لا يعنيه.
* (فيستحي منكم) *: من إخراجكم.
* (والله لا يستحى من الحق) *: فيأمركم بالخروج.
* (وإذا سألتموهن متعا) *: شيئا ينتفع به.
* (فسألوهن) *: المتاع.
* (من وراء حجاب) *: الستر. القمي: لما تزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بزينب بنت
جحش، وكان يحبها فأولم ودعا أصحابه، وكان أصحابه إذا أكلوا يحبون أن يتحدثوا عند
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يحب أن يخلو مع زينب، فأنزل الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا
تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم " إلى قوله: " من وراء حجاب " وذلك أنهم كانوا
60

إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شئ
عليما 54
يدخلون بلا إذن (1).
وفي العلل: عن الصادق (عليه السلام) قال: كان جبرئيل (عليه السلام) إذا أتى النبي قعد بين يديه قعدة
العبد وكان لا يدخل حتى يستأذنه (2).
* (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) *: من الخواطر الشيطانية.
* (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) *: أن تفعلوا ما يكرهه.
* (ولا أن تنكحوا أزوجه من بعده أبدا) *: من بعد وفاته أو فراقه (3).
* (إن ذلكم كان عند الله عظيما) *: ذنبا عظيما.
* (إن تبدوا شيئا) *: كنكاحهن على ألسنتكم.
* (أو تخفوه) *: في صدوركم.
* (فإن الله كان بكل شئ عليما) *: فيعلم ذلك فيجازيكم به.
القمي: كان سبب نزولها أنه لما أنزل الله: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم
وأزوجه أمهاتهم "، وحرم الله نساء النبي (صلى الله عليه وآله) على المسلمين، غضب طلحة، فقال: يحرم
محمد (صلى الله عليه وآله) علينا نساءه ويتزوج هو بنسائنا، لئن أمات الله محمدا لنركضن بين خلاخيل
نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا، فأنزل الله عز وجل: " وما كان لكم أن تؤذوا رسول

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 195، س 12.
2 - علل الشرائع: ص 7، ح 2، باب 7 - العلة التي من أجلها صارت الأنبياء والرسل والحجج صلوات الله عليهم
أفضل من الملائكة.
3 - وجاء في مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 366 عن مجاهد: ونزل قوله: " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله. " إلى
آخر الآية: في رجل من الصحابة قال: لئن قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنكحن عائشة بنت أبي بكر. عن ابن عباس
قال: قال مقاتل: وهو طلحة بن عبيد الله. وقيل: إن رجلين قالا: أينكح محمد نساءنا ولا ننكح نساءه؟ والله لئن
مات لنكحنا نساءه، وكان أحدهما يريد عائشة، والآخر يريد أم سلمة، عن أبي حمزة الثمالي.
61

الله " الآية (1).
أقول: وهذا الحكم يشمل اللواتي لم يدخل بهن.
ففي الكافي: عن الحسن البصري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوج امرأة من بني عامر بن
صعصعة يقال لها: سنى وكانت من أجمل أهل زمانها فلما نظرت إليها عائشة وحفصة قالتا:
لتغلبنا هذه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بجمالها، فقالتا لها: لا يرى منك رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرصا، فلما
دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) تناولها بيده فقالت: أعوذ بالله، فانقبضت يد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها،
فطلقها وألحقها بأهلها، وتزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) امرأة من كندة بنت أبي الجون فلما مات إبراهيم
ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابن مارية القبطية، قالت: لو كان نبيا ما مات ابنه، فألحقها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بأهلها قبل أن يدخل بها، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وولى الناس أبو بكر أتته العامرية،
والكندية، وقد خطبتا فاجتمع أبو بكر وعمر وقالا لهما: اختارا إن شئتما الحجاب، وإن شئتما
الباه، فاختارتا الباه فتزوجتا، فجزم أحد الزوجين، وجن الآخر.
وقال الراوي: فحدثت بها الحديث زرارة والفضيل فرويا عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال:
ما نهى الله عز وجل عن شئ إلا وقد عصي فيه حتى لقد أنكحوا أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من
بعده وذكر هاتين العامرية والكندية، ثم قال: لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن
يدخل بها أتحل لابنه؟ لقالوا: لا، فرسول الله أعظم حرمة من آبائهم (2) (3).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 195. 2 - الكافي: ج 5، ص 421، ح 3، باب آخر منه وفيه ذكر أزواج النبي (صلى الله عليه وآله).
3 - وروى ابن إدريس في المستطرفات: في ذيل كتابه السرائر: ج 3، ص 55، عن موسى بن بكر الواسطي، عن
زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما حرم الله شيئا إلا وقد عصي فيه، لأنهم تزوجوا أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من
بعده، فخيرهن أبو بكر بين الحجاب ولا يتزوجن، أو يتزوجن، فاخترن التزويج، فتزوجن، قال زرارة: ولو
سألت بعضهم أرأيت لو أن أباك تزوج امرأة ولم يدخل بها حتى مات، أتحل لك؟ إذن لقال: لا، وهم قد استحلوا أن
يتزوجوا أمهاتهم إن كانوا مؤمنين، فإن أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل أمهاتهم.
وجاء في البداية والنهاية: ج 5، ص 255، حديث عن عائشة قال: المرأتان اللتان لم يدخل بهما فهما: عمرة
بنت يزيد الغفارية، والشنباء. فأما عمرة فإنه خلا بها وجردها فرأى بها وضحا فردها وأوجب لها الصداق
وحرمت على غيره، وأما الشنباء. فطلقها وأوجب لها الصداق وحرمت على غيره.
أقول: كيف سمح أبو بكر وعمر لهما بالزواج حتى اختارتا الباه على الحجاب فتزوجتا؟ مع العلم بحرمة التزويج
لهما بعد الطلاق، اللهم إلا أن يقال إنهما جهلا هذا الحكم أو أن يقال بأن هذا اجتهاد في مقابل النص كما صدر منهما
في موارد كثيرة، انظر النص والاجتهاد.
62

لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا
أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت
أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شئ شهيدا 55 إن
الله وملئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا
عليه وسلموا تسليما 56
وفي المناقب: رواية بأن هذا الحكم يجري في الوصي أيضا (1).
وفي الكافي: مرفوعا إليهم (عليهم السلام) في قول الله عز وجل: " وما كان لكم أن تؤذوا رسول
الله " قالوا في علي والأئمة (عليهم السلام) كالذين آذوا موسى (عليه السلام) فبرأه الله مما قالوا (2).
* (لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء
إخوانهن ولا أبناء أخواتهن) *: استثناء لمن لا يجب الإحتجاب عنهم.
روي: أنه لما نزلت آية الحجاب، قال الآباء والأبناء والأقارب: يا رسول الله
أو نكلمهن أيضا من وراء حجاب فنزلت (3).
* (ولا نسائهن) *: يعني النساء المؤمنات.
* (ولا ما ملكت أيمانهن) *: وقد مضى بيانه في سورة النور (4).
* (واتقين الله) *: فيما أمرتن به.
* (إن الله كان على كل شئ شهيدا) *: لا يخفى عليه خافية.
* (إن الله وملئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه

1 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 3، ص 305، فصل في أزواجه وأولاده وأقربائه.
2 - الكافي: ج 1، ص 414، ح 9، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
3 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 251، س 14، ومجمع البيان: ج 7 - 8، ص 368، س 23.
4 - ذيل الآية: 31، راجع ج 5، ص 229 - 234 من كتابنا تفسير الصافي.
63

وسلموا تسليما) *: في ثواب الأعمال: عن الكاظم (عليه السلام) أنه سئل ما معنى صلاة الله، وصلاة
ملائكته، وصلاة المؤمن؟ قال: صلاة الله: رحمة من الله، وصلاة الملائكة: تزكية منهم له، وصلاة
المؤمنين: دعاء منهم له (1).
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: الصلاة من الله عز وجل:
رحمة، ومن الملائكة: تزكية، ومن الناس: دعاء، وأما قوله عز وجل: " وسلموا تسليما " يعني
التسليم فيما ورد عنه (صلى الله عليه وآله)، قيل: فكيف نصلي على محمد وآله؟ قال: تقولون: صلوات الله
وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمد وآل محمد، والسلام عليه وعليهم
ورحمة الله وبركاته، قيل: فما ثواب من صلى على النبي (صلى الله عليه وآله) بهذه الصلوات؟ قال: الخروج من
الذنوب والله كهيئة يوم ولدته أمه (2).
والقمي: قال: صلوات الله عليه: تزكية له وثناء عليه، وصلاة الملائكة مدحهم له،
وصلاة الناس: دعاؤهم، له والتصديق والإقرار بفضله، وقوله: " وسلموا تسليما " يعني سلموا
له بالولاية، وبما جاء به (3).
وفي المحاسن: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: أثنوا عليه وسلموا له (4).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) في مجلسه مع المأمون قال: وقد علم المعاندون منهم أنه لما
نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال:
تقولون اللهم صلي على محمد وآل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد
مجيد، فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف؟ قالوا: لا، قال المأمون: هذا مما لا خلاف فيه
أصلا وعليه إجماع الأمة، فهل عندك في الآل شئ أوضح من هذا في القرآن؟ قال (عليه السلام): نعم
أخبروني عن قول الله تعالى " يس * والقرءان الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صرط
مستقيم " (5) فمن عني بقوله يس؟ قالت العلماء: يس محمد (صلى الله عليه وآله) لم يشك فيه أحد، قال (عليه السلام): فإن

1 - ثواب الأعمال: ص 156، ح 1، باب ثواب من قال في دبر صلاة الصبح وصلاة المغرب.
2 - معاني الأخبار: ص 367، ح 1، باب معنى الصلاة من الله عز وجل على النبي (صلى الله عليه وآله).
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 196، س 5.
4 - المحاسن: ج 2، ص 53، ح 1156 / 85، كتاب العلل.
5 - يس: 1 - 4.
64

الله أعطى محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلا من عقله، وذلك أن الله لم
يسلم على أحد إلا على الأنبياء صلوات الله عليهم، فقال تبارك وتعالى: " سلم على نوح في
العلمين " (1)، وقال: " سلم على إبراهيم " (2) قال: " سلم على موسى * وهارون " (3) ولم يقل
سلام على آل نوح، ولم يقل سلام على آل إبراهيم، ولم يقل سلام على آل موسى وهارون، وقال
" سلم على إل ياسين " (4) يعني آل محمد صلوات الله عليهم، فقال: قد علمت أن في معدن
النبوة شرح هذا وبيانه (5).
وعنه (عليه السلام) فيما كتبه في شرائع الدين والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) واجبة في كل موطن، وعند
العطاس، والرياح، وغير ذلك (6).
وفي الخصال: مثله عن الصادق (عليه السلام) (7).
وفي الكافي (8)، والفقيه: عن الباقر (عليه السلام) وصل على النبي صلوات الله عليه وآله كلما
ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان وغيره (9).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) قال: لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) صلت عليه الملائكة والمهاجرون
والأنصار فوجا فوجا، قال: وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: في صحته
وسلامته إنما أنزلت هذه الآية علي في الصلاة علي بعد قبض الله لي: " إن الله وملئكته يصلون "
الآية (10).

1 - الصافات: 79.
2 - الصافات: 109.
3 - الصافات: 120.
4 - الصافات: 130.
5 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 236 - 237، ح 1، باب 23 - ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين
العترة والأمة.
6 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 124، س 18، ح 1، باب 35 - ما كتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون في محض الإسلام
وشرائع الدين.
7 - الخصال: ص 607، س 13، ح 9، باب المائة فما فوقه.
8 - الكافي: ج 3، ص 303، ح 7، باب بدء الأذان والإقامة وفضلهما وثوابهما.
9 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 184 - 185، ح 875 / 12، باب 44 - الأذان والإقامة وثواب المؤذنين.
10 - الكافي: ج 1، ص 451، ح 38، باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ووفاته.
65

إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة
وأعد لهم عذابا مهينا 57
وفيه مرفوعا: قال: إن موسى (عليه السلام) ناجاه الله تبارك وتعالى، فقال له في مناجاته: وقد
ذكر محمدا (صلى الله عليه وآله) فصل عليه يا بن عمران فإني أصلي عليه وملائكتي (1).
وفي الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لهذه الآية ظاهر وباطن، فالظاهر: قوله: " صلوا
عليه "، والباطن: قوله: " سلموا تسليما " أي سلموا لمن وصاه واستخلفه وفضله عليكم، وما
عهد به إليه تسليما، قال: وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه وصفا ذهنه
وصح تمييزه (2).
* (إن الذين يؤذون الله ورسوله) *: يرتكبون ما يكرهانه من الكفر والمخالفة.
* (لعنهم الله) *: أبعدهم من رحمته.
* (في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) *: يهينهم مع الإيلام.
القمي: قال: نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين (عليه السلام) حقه، وأخذ حق فاطمة (عليها السلام) وأذاها،
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، ومن آذاها بعد موتي كمن
آذاها في حياتي، ومن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله وهو قول الله عز وجل: " إن
الذين يؤذون الله ورسوله " (3).
وفي المجمع: عن علي (عليه السلام) أنه قال: وهو آخذ بشعره حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بشعره
فقال: من آذى شعرة منك، فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فعليه لعنة الله (4).
وفي التهذيب: عن الصادق (عليه السلام) قال: أخر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة من الليالي العشاء
الآخرة ما شاء الله، فجاء عمر فدق الباب، فقال: يا رسول الله نام النساء، نام الصبيان: فخرج

1 - الكافي: ج 8، ص 44، س 3، ح 8، حديث موسى (عليه السلام).
2 - الإحتجاج: ج 1، ص 377، س 3، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق في آي متشابهة.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 196، س 9.
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 370، س 16.
66

والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد
احتملوا بهتانا وإثما مبينا 58
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ليس لكم أن تؤذوني ولا تأمروني إنما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا (1).
* (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات) *: القمي: يعني عليا وفاطمة (عليهما السلام)،
وهي جارية في الناس كلهم (2).
* (بغير ما اكتسبوا) *: بغير جناية استحقوا بها.
* (فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) *: ظاهرا.
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين المؤذون
لأوليائي؟ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم (3) فيقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين، ونصبوا
لهم، وعاندوهم، وعنفوهم في دينهم، ثم يؤمر بهم إلى جهنم (4).
وفي الخصال: عن الباقر (عليه السلام) الناس رجلان: مؤمن وجاهل، فلا تؤذي المؤمن، ولا
تجهل على الجاهل فتكون مثله (5).
والقمي: عن النبي (صلى الله عليه وآله) من بهت مؤمنا أو مؤمنة أقيم في طينة خبال (6) أو يخرج مما قال (7).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) ما في معناه، وفي آخره سئل وما طينة الخبال؟ قال:

1 - تهذيب الأحكام: ج 2، ص 28، ح 81 / 32، باب 4 - أوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 196، س 13.
3 - إنما سقط لحم وجوههم لأنهم كاشفوهم بوجوههم الشديدة من غير استحياء، ونصبوا لهم: يعني العداوة،
والتعنيف: التعيير واللوم. منه (قدس سره).
4 - الكافي: ج 2، ص 351، ح 2، باب من آذى المسلمين واحتقرهم.
5 - الخصال: ص 49، ح 57، باب الاثنين - الناس رجلان.
6 - الخبل - بسكون الباء -: فساد الأعضاء، يقال خبل الحب قلبه: إذا أفسده، وفي الحديث أن الخبال عصارة
أهل النار، والخبال في الأصل: الفساد ويكون في الأفعال والأبدان والعقول. النهاية لابن الأثير: ج 2، ص 8.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 19، س 17.
67

يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين
عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان
الله غفورا رحيما 59 لئن لم ينته المنفقون والذين في
قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا
يجاورونك فيها إلا قليلا 60
صديد (1) يخرج من فروج المومسات (2) (3).
* (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من
جلابيبهن) *: يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة.
و " من " للتبعيض فإن المرأة ترخي بعض جلبابها وتتلفع (4) آخر ببعض.
* (ذلك أدنى أن يعرفن) *: يميزن من الإماء والقينات.
* (فلا يؤذين) *: فلا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض لهن.
* (وكان الله غفورا) *: لما سلف.
* (رحيما) *: بعباده حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئيات منها.
القمي: كان سبب نزولها أن النساء كن يخرجن إلى المسجد ويصلين خلف رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فإذا كان بالليل وخرجن إلى صلاة المغرب، والعشاء الآخرة، والغداة، يقعد الشباب
لهن في طريقهن فيؤذونهن ويتعرضون لهن فأنزل الله: " يا أيها النبي " (5) الآية.
* (لئن لم ينته المنفقون والذين في قلوبهم مرض) *: شك.

1 - الصديد: قيح ودم، وقيل: هو القيح، كأنه الماء في رقته والدم في شكله، وقيل: هو ما يسيل من جلود أهل
النار. مجمع البحرين: ج 3، ص 84. 2 - المومسة: الفاجرة. مجمع البحرين: ج 4، ص 109، مادة " موس ".
3 - الكافي: ج 2، ص 357 - 358، ح 5، باب الغيبة والبهت.
4 - لفع الرجل رأسه تلفيعا: أي غطاه. مجمع البحرين: ج 4، ص 388، مادة " لفع ".
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 196، س 16.
68

ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا 61 سنة الله في
الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا 62
* (والمرجفون في المدينة) *: الذين يرجفون أخبار السوء عن سرايا المسلمين
ونحوها، وأصله التحريك من الرجفة وهي الزلزلة، سمى به الأخبار الكاذبة لكونه متزلزلا
غير ثابت.
* (لنغرينك بهم) *: لنأمرنك بقتالهم وإجلائهم أو ما يضطرهم إلى طلب الجلاء.
* (ثم لا يجاورونك فيها) *: فيها في المدينة.
* (إلا قليلا) *: زمانا أو جوارا قليلا.
القمي: نزلت في قوم منافقين كانوا في المدينة يرجفون برسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا خرج في
بعض غزواته يقولون: قتل واسر، فيغتم المسلمون لذلك، ويشكون ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فأنزل الله في ذلك: " لئن لم ينته " الآية (1).
قال: مرض: أي شك (2) " لنغرينك " أي لنأمرنك بإخراجهم من المدينة.
* (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) فوجبت
عليهم اللعنة يقول الله بعد اللعنة: " أينما ثقفوا (3) أخذوا وقتلوا تقتيلا " (4).
* (سنة الله في الذين خلوا من قبل) *: سن الله ذلك في الأمم الماضية وهو أن يقتل
الذين نافقوا الأنبياء وسعوا في وهنهم بالإرجاف ونحوه أينما ثقفوا.
* (ولن تجد لسنة الله تبديلا) *: لأنه لا يبدلها ولا يقدر أحد على تبديلها.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 196، س 22.
2 - الظاهر إن قوله (قدس سره): قال: " مرض ": أي شك إنما يكون محله في ذيل قوله تعالى: " في قلوبهم مرض " ولا
مناسبة له في هذا المحل.
3 - ثقفت الرجل: إذا وجدت وظفرت به. مجمع البحرين: ج 5، ص 30، مادة " ثقف ".
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 197، س 5.
69

يسئلك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما
يدريك لعل الساعة تكون قريبا 63 إن الله لعن
الكافرين وأعد لهم سعيرا 64 خالدين فيها أبدا لا
يجدون وليا ولا نصيرا 65 يوم تقلب وجوههم في النار
يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا 66 وقالوا
ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا 67
ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا 68
* (يسئلك الناس عن الساعة) *: عن وقت قيامها.
* (قل إنما علمها عند الله) *: لم يطلع عليها ملكا ولا نبيا.
* (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) *: شيئا قريبا.
* (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا) *: نارا شديدة الإيقاد.
* (خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا) *: يحفظهم.
* (ولا نصيرا) *: يدفع العذاب عنهم.
* (يوم تقلب وجوههم في النار) *: تصرف من جهة إلى جهة أو من حال إلى حال.
* (يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) *: فلن نبتلى بهذا العذاب،
وقرئ (1) كما في الظنونا وكذلك السبيل في السبيلا.
* (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا) *: وقرئ ساداتنا.
* (وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب) *: مثل ما
آتيتنا منه لأنهم ضلوا وأضلونا.

1 - هكذا في الأصل، والمقصود غير معلوم لعدم وجود نائب الفاعل ل‍ " قرئ ".
70

يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه
الله مما قالوا وكان عند الله وجيها 69
* (والعنهم لعنا كبيرا) *: أي لعنا هو أشد اللعن وأعظمه، وقرئ كثيرا بالمثلثة أي
كثير العدد.
القمي: هي كناية عن الذين غصبوا آل محمد صلوات الله عليهم حقهم " يا ليتنا أطعنا
الله وأطعنا الرسولا " يعني: في أمير المؤمنين (عليه السلام) والسادة والكبراء: هما أول من بدأ بظلمهم
وغصبهم فأضلونا السبيلا أي طريق الجنة، والسبيل: أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
* (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما
قالوا) *: فأظهر براءته من مقولتهم.
* (وكان عند الله وجيها) *: ذا قربة ووجاهة.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) إن بني إسرائيل كانوا يقولون: ليس لموسى ما للرجال، وكان
موسى إذا أراد الاغتسال ذهب إلى موضع لا يراه فيه أحد من الناس فكان يوما يغتسل على
شط نهر، وقد وضع ثيابه على صخرة فأمر الله عز وجل الصخرة فتباعدت عنه (عليه السلام) حتى نظر
بنو إسرائيل إليه فعلموا أن ليس كما قالوا فأنزل الله الآية (2).
وفي المجالس: عنه (عليه السلام) إن رضا الناس لا يملك، وألسنتهم لا تضبط، ألم ينسبوا إلى
موسى (عليه السلام) أنه عنين وآذوه حتى برأه الله مما قالوا، وكان عند الله وجيها (3).
وفي المجمع: عن علي (عليه السلام) أن موسى وهارون (عليهما السلام) صعدا الجبل، فمات هارون (عليه السلام)
فقالت بنو إسرائيل: أنت قتلته فأمر الله الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل
وتكلمت الملائكة بموته حتى عرفوا أنه قد مات وبرأه الله من ذلك (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 197، س 6.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 197، س 13.
3 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 91 - 92، ح 3، المجلس الثاني والعشرون.
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 372، س 18.
71

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا 70
يصلح لكم أعملكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله
ورسوله فقد فاز فوزا عظيما 71 إنا عرضنا الأمانة على
السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن
منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا 72
ومرفوعا أن موسى (عليه السلام) كان حييئا ستيرا، يغتسل وحده فقالوا: ما يتستر منا إلا لعيب
بجلده إما برص وإما أدرة (1) فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر فمر الحجر بثوبه فطلبه
موسى (عليه السلام) فرآه بنو إسرائيل عريانا كأحسن الرجال خلقا " فبرأه الله مما قالوا " (2).
* (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم
أعملكم ويغفر لكم ذنوبكم) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إنه قال لعباد بن كثير
الصوفي البصري: ويحك يا عباد غرك أن عف بطنك وفرجك إن الله عز وجل يقول في كتابه:
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعملكم " اعلم أنه لا يقبل
الله منك شيئا حتى تقول قولا عدلا (3).
* (ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) *: في الكافي (4)، والقمي: عن
الصادق (عليه السلام): في قول الله عز وجل " ومن يطع الله ورسوله " في ولاية علي (عليه السلام) والأئمة (عليهم السلام) من
بعده فقد فاز فوزا عظيما، هكذا نزلت (5).
* (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها

1 - الأدرة: وهي انتفاخ الخصية، والآدر: من يصيبه فتق في إحدى خصييه، مجمع البحرين: ج 3، ص 203،
مادة " أدر ".
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 372، س 21.
3 - الكافي: ج 8، ص 107، ح 81.
4 - الكافي: ج 1، ص 414، ح 8، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 198، س 2.
72

وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) *: أقول: ما قيل (1) في تفسير هذه
الآية في مقام التعميم: إن المراد بالأمانة: التكليف، وبعرضها عليهن: النظر إلى استعدادهن،
وبإبائهن: الإباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد، وبحمل الإنسان: قابليته واستعداده
لها، وكونه ظلوما جهولا: لما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية، وهو وصف للجنس باعتبار
الأغلب وكل ما ورد في تأويلها في مقام التخصيص يرجع إلى هذا المعنى كما يظهر بالتدبر.
في العيون (2)، والمعاني: عن الرضا (عليه السلام) في هذه الآية: قال: الأمانة: الولاية. من ادعاها
بغير حق فقد كفر (3).
أقول: يعني بالولاية الإمرة والإمامة، ويحتمل إرادة القرب من الله (4).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) هي ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) (5).
وفي البصائر: عن الباقر (عليه السلام) هي الولاية أبين أن يحملنها كفرا، وحملها الإنسان،
والإنسان أبو فلان (6).
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام) الأمانة: الولاية، والإنسان: أبو الشرور المنافق (7).
وعنه (عليه السلام) ما ملخصه: أن الله عرض أرواح الأئمة (عليهم السلام) على السماوات والأرض
والجبال فغشيها نورهم، وقال في فضلهم ما قال، ثم قال: فولايتهم أمانة عند خلقي فأيكم
يحملها بأثقالها، ويدعيها لنفسه (8)؟ فأبت من ادعاء منزلتها، وتمني محلها من عظمة ربهم، فلما
أسكن الله آدم (عليه السلام) وزوجته الجنة، وقال لهما ما قال، حملهما الشيطان على تمني منزلتهم، فنظر
إليهم بعين الحسد، فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة، وساق الحديث إلى أن قال: فلم يزل

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 254، س 9.
2 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 306، ح 66، باب 28 - فيما جاء عن الإمام علي بن موسى (عليهما السلام) من الأخبار المتفرقة.
3 - معاني الأخبار: ص 110، ح 3، باب معنى الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين.
4 - وفي نسخة: [المتقرب بهما إلى الله].
5 - الكافي: ج 1، ص 413، ح 2، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
6 - بصائر الدرجات: ص 96، ح 3، باب 10 - في ولاية أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
7 - معاني الأخبار: ص 110، ح 2، باب معنى الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين.
8 - هكذا في الأصل، والظاهر هنا سقط، إذ جملة: " فأبت من ادعاء منزلتها " غير واضحة، والصحيح أن يقال:
ويدعيها لنفسه دون خيرتي؟ فأبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن من ادعاء منزلتها. إلى آخره.
73

أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة، ويخبرون بها أوصياءهم، والمخلصين من أمتهم، فيأبون
حملها، ويشفقون من إدعائها، وحملها الإنسان الذي قد عرف فأصل كل ظلم منه إلى يوم
القيامة، وذلك قول الله عز وجل: " إنا عرضنا الأمانة " الآية (1).
والقمي: الأمانة: هي الإمامة والأمر والنهي، والدليل على أن الأمانة هي الإمامة قوله
عز وجل للأئمة: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " (2) يعني الإمامة، فالأمانة هي
الإمامة عرضت على السماوات والأرض والجبال، " فأبين أن يحملنها " أن يدعوها أو
يغصبوها أهلها " وأشفقن منها وحملها الإنسان " يعني: الأول " إنه كان ظلوما جهولا " (3).
أقول: ويدل على أن تخصيص الأمانة بالولاية والإمامة اللتين مرجعهما واحد
والإنسان بالأول في هذه الأخبار لا ينافي صحة إرادة عمومها لكل أمانة وتكليف وشمول
الإنسان كل مكلف لما عرفت في مقدمات الكتاب من تعميم المعاني وإرادة الحقائق.
وفي نهج البلاغة في جملة وصاياه للمسلمين: ثم أداء الأمانة، فقد خاب من ليس
بأهلها، إنها عرضت على السماوات المبنية، والأرض المدحوة، والجبال ذات الطول المنصوبة،
فلا أطول ولا أعرض، ولا أعلى ولا أعظم منها، ولو امتنع شئ بطول أو عرض أو قوة أو عز
لامتنعن، ولكن أشفقن من العقوبة، وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن، وهو الإنسان " إنه
كان ظلوما جهولا " (4).
وفي الكافي: ما يقرب منه (5).
وفي العوالي: أن عليا (عليه السلام) إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلون فيقال له:
مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: جاء وقت الصلاة، وقت أمانة عرضها الله على السماوات
والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها (6).
وفي التهذيب: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول له: ابتع لي

1 - معاني الأخبار: ص 108 - 110، ح 1، باب معنى الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال
فأبين.
2 - النساء: 58.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 198، س 5.
4 - نهج البلاغة: ص 317 - 318، الخطبة 199.
5 - الكافي: ج 5، ص 37، ح 1، باب ما كان يوصي أمير المؤمنين (عليه السلام) به عند القتال.
6 - عوالي اللئالي: ج 1، ص 324، ح 62.
74

ليعذب الله المنفقين والمنافقات والمشركين
والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان
الله غفورا رحيما 73
ثوبا فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده قال: لا يقربن
هذا ولا يدنس نفسه إن الله عز وجل يقول: " إنا عرضنا الأمانة " الآية قال: وإن كان عنده
خير مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده (1).
أقول: لا منافاة بين هذه الأخبار حيث خصصت الأمانة تارة بالولاية، والأخرى بما
يعم كل أمانة وتكليف، لما عرفت في مقدمات الكتاب من جواز تعميم اللفظ بحيث يشمل
المعاني المحتملة كلها بإرادة الحقائق تارة، والتخصيص بواحد واحد أخرى.
ثم أقول: ما يقال: في تأويل هذه الآية في مقام التعميم: أن المراد بالأمانة: التكليف
بالعبودية لله على وجهها، والتقرب بها إلى الله سبحانه كما ينبغي لكل عبد بحسب استعداده لها
وأعظمها الخلافة الإلهية لأهلها، ثم تسليم من لم يكن من أهلها لأهلها، وعدم ادعاء منزلتها
لنفسه، ثم سائر التكاليف. والمراد بعرضها على السماوات والأرض والجبال: النظر إلى
استعدادهن لذلك، وبإبائهن: الإباء الطبيعي الذي هو عبارة عن عدم اللياقة لها، وبحمل
الإنسان إياها من غير استحقاق تكبرا على أهلها أو مع تقصيره بحسب وسعه في أدائها،
وبكونه ظلوما جهولا: ما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية، وهو وصف للجنس
باعتبار الأغلب، فهذه حقائق معانيها الكلية، وكل ما ورد في تأويلها في مقام التخصيص
يرجع إلى هذه الحقائق كما يظهر عند التدبر والتوفيق من الله (2).
* (ليعذب الله المنفقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب

1 - تهذيب الأحكام: ج 6، ص 352، ح 999 / 120، باب 93 - المكاسب.
2 - هكذا في الأصل. والظاهر هنا تكرار لما قد سبق، والقائل هو البيضاوي. راجع نفس المصدر السابق.
75

الله على المؤمنين والمؤمنات) *: تعليل للحمل من حيث أنه نتيجته، وذكر التوبة في
الوعد اشعار بأن كونهم ظلوما جهولا في جبلتهم لا يخليهم من فرطات.
* (وكان الله غفورا رحيما) *: حيث تاب على فرطاتهم وأثاب بالفوز على
طاعتهم.
في ثواب الأعمال (1)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب
كان يوم القيامة في جوار محمد (صلى الله عليه وآله) وأزواجه (2).
وزاد في ثواب الأعمال، ثم قال: سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب،
وكانت أطول من سورة البقرة ولكن نقصوها وحرفوها.
* * *

1 - ثواب الأعمال: ص 110، باب ثواب من قرأ سورة الأحزاب
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 334، في فضلها.
76

سورة سبأ
77

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله
الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير 1 يعلم ما يلج في
الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج
فيها وهو الرحيم الغفور 2
سورة سبأ: مكية، عدد آيها خمس وخمسون آية شامي، أربع في الباقين، اختلافها آية
" عن يمين وشمال " (1).
* (الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) *: كله نعمة من الله،
فله الحمد في الدنيا.
* (وله الحمد في الآخرة) *: لأن نعمها أيضا من الله كلها.
* (وهو الحكيم) *: الذي أحكم أمر الدارين.
* (الخبير) *: ببواطن الأشياء.
* (يعلم ما يلج) *: يدخل.
* (في الأرض) *: من مطر أو كنز أو ميت.
* (وما يخرج منها) *: من ماء أو فلز أو نبات أو حيوان.

1 - سبأ: 15.
79

وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربى لتأتينكم
علم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في
الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتب مبين 3
ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم
مغفرة ورزق كريم 4
* (وما ينزل من السماء) *: من مطر أو ملك أو رزق.
* (وما يعرج فيها) *: من عمل أو ملك.
* (وهو الرحيم الغفور) *: للمقصرين في شكر نعمه.
* (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة) *: إنكار لمجيئها، أو استبطاء استهزاء
بالوعد به (1).
* (قل بلى وربى) *: رد لكلامهم وإثبات لما نفوه.
* (لتأتينكم علم الغيب) *: تكرير لإيجابه مؤكدا بالقسم مقررا له بوصف المقسم به
بصفات تقرر إمكانه، وتنفي استبعاده، وقرئ علام وبالرفع.
* (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض) *: وقرئ " لا
يعزب " بالكسر.
* (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتب مبين) *: رفعهما بالابتداء،
والجملة مؤكدة لنفي العزوب، وقرئ بالفتح على نفي الجنس.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فكتب ما كان وما
هو كائن إلى يوم القيامة (2).
* (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات) *: علة لإتيانها، وبيان لما يقتضيه.

1 - هكذا في الأصل. والأصح كما في الكشاف: ج 3، ص 576، أن يقال: " أو استبطاء لما قد وعدوه من قيامها
على سبيل الهزء والسخرية ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 198، س 19.
80

والذين سعوا في آياتنا معجزين أولئك لهم عذاب من
رجز أليم 5 ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من
ربك هو الحق ويهدى إلى صرط العزيز الحميد 6 وقال
الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق
إنكم لفي خلق جديد 7 أفترى على الله كذبا أم به جنة بل
الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلل البعيد 8
* (أولئك لهم مغفرة ورزق كريم) *: لا تعب فيه، ولا من عليه.
* (والذين سعوا في آياتنا) *: بالإبطال وتزهيد الناس فيها.
* (معجزين) *: مسابقين كي يفوتونا، وقرئ معجزين أي مثبطين عن الإيمان من أراده.
* (أولئك لهم عذاب من رجز) *: من سيئ العذاب.
* (أليم) *: مؤلم، وقرئ بالرفع.
* (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق) *: القمي:
قال: هو أمير المؤمنين (عليه السلام) صدق رسول الله بما أنزل الله عليه (1). وقرئ برفع الحق.
* (ويهدى إلى صرط العزيز الحميد) *: الذي هو التوحيد والتدرع بلباس التقوى.
* (وقال الذين كفروا) *: قال بعضهم لبعض.
* (هل ندلكم على رجل) *: يعنون النبي (صلى الله عليه وآله).
* (ينبئكم) *: يحدثكم بأعجب الأعاجيب.
* (إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد) *: إنكم تنشأون خلقا جديدا بعد أن
تفرق أجسادكم كل تمزيق وتفريق بحيث تصير ترابا.
* (أفترى على الله كذبا أم به جنة) *: جنون يوهمه ذلك، ويلقيه على لسانه.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 198 - 199.
81

أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء
والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم
كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب 9
ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا
له الحديد 10
* (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلل البعيد) *: رد من الله
عليهم ترديدهم.
* (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم) *: ما أحاط بجوانبهم.
* (من السماء والأرض) *: مما يدل على كمال قدرة الله وأنهم في سلطانه تجري
عليهم قدرته.
* (إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء) *:
لتكذيبهم الآيات بعد ظهور البينات، وقرئ بالياء في ثلاثتهن، وكسفا بتحريك السين.
* (إن في ذلك) *: النظر والفكر فيهما وما يدلان عليه.
* (لآية) *: لدلالة.
* (لكل عبد منيب) *: راجع إلى ربه فإنه يكون كثير التأمل في أمره.
* (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي) *: رجعي.
* (معه) *: التسبيح، القمي: أي سبحي لله (1).
* (والطير) *: أي رجعي أيضا، أو أنت والطير، وقرئ بالرفع.
* (وألنا له الحديد) *: جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير إحماء وطرق.
القمي: قال: كان داود إذا مر بالبراري يقرأ الزبور وتسبح الجبال والطير معه

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 199، س 7.
82

أن اعمل سبغت وقدر في السرد واعملوا صلحا إني بما
تعملون بصير 11 ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها
شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن
ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير 12
والوحوش، وألان الله له الحديد مثل الشمع حتى كان يتخذ منه ما أحب (1).
وقال: أعطي داود وسليمان (عليهما السلام) ما لم يعط أحد من أنبياء الله من الآيات علمهما منطق
الطير، وألان لهما الحديد، والصفر من غير نار، وجعلت الجبال يسبحن مع داود (عليه السلام) (2).
* (أن اعمل سبغت) *: دروعا واسعات.
* (وقدر في السرد) *: في نسجها بحيث تتناسب حلقها، أو في مساميرها في الدقة
والغلظة فلا تغلق ولا تخرق (3).
في قرب الإسناد: عن الرضا (عليه السلام) قال: الحلقة بعد الحلقة (4).
والقمي: قال: المسامير التي في الحلقة (5).
* (واعملوا صلحا إني بما تعملون بصير * ولسليمان الريح) *: وسخرنا له
الريح، وقرئ بالرفع.
* (غدوها شهر ورواحها شهر) *: جريها بالغداة مسيرة شهر، وبالعشي كذلك.
القمي: قال: كانت الريح تحمل كرسي سليمان فتسير به في الغداة مسيرة شهر، وبالعشي
مسيرة شهر (6).
* (وأسلنا له عين القطر) *: القمي: الصفر (7).
وقيل: أسال له النحاس المذاب من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع، ولذلك سماه

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 199.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 126، س 13.
3 - هكذا في الأصل. والأصح: " فلا تجعلها دقاقا فتتعلق ولا غلاظا فتحترق ".
4 - قرب الإسناد: ص 364، ح 1305.
5 و 6 و 7 - تفسير القمي: ج 2، ص 199.
83

يعملون له ما يشاء من محاريب وتمثيل وجفان كالجواب
وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي
الشكور 13
عينا، وكان ذلك باليمن (1).
* (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه) *: بأمره.
* (ومن يزغ منهم عن أمرنا) *: ومن يعدل منهم عما أمرناه من طاعة سليمان.
* (نذقه من عذاب السعير) *: قيل: عذاب الآخرة (2)، وقيل: عذاب الدنيا (3).
* (يعملون له ما يشاء من محاريب) *: قصور حصينة، ومساكن شريفة، سميت
بها لأنها يذب عنها، ويحارب عليها.
* (وتمثيل) *: وصورا، في الكافي (4)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام)، والله ما هي تماثيل
الرجال والنساء، ولكنها الشجر وشبهه (5).
* (وجفان) *: صحاف.
* (كالجواب) *: كالحياض الكبار، جمع جابية من الجباية.
* (وقدور راسيات) *: ثابتات على الأثافي (6) لا تنزل عنها لعظمها.
* (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) *: المتوفر على أداء
الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته ومع ذلك لا يوفي حقه لأن توفيقه للشكر نعمة
يستدعي شكرا آخر لا إلى نهاية (7)، ولذلك قيل: الشكور من يرى عجزه عن الشكر (8).

1 و 2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 257، س 6 و 9.
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 382، س 16.
4 - الكافي: ج 6، ص 527، ح 7، باب تزويق البيوت.
5 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 383، س 15.
6 - الأثفية والإثفية: الحجر الذي توضع عليه القدر، وجمعها أثافي وأثاف. لسان العرب: ج 1، ص 72، مادة " أثف ".
7 - هكذا في الأصل. والأصح: " لا نهاية له ".
8 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 257، س 16.
84

فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض
تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون
الغيب ما لبثوا في العذاب المهين 14
* (فلما قضينا عليه الموت) *: أي على سليمان.
* (ما دلهم على موته إلا دابة الأرض) *: أي الأرضة، والأرض فعلها أضيفت إليه.
* (تأكل منسأته) *: عصاه من نسأه إذا طرده.
* (فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب
المهين) *: في المجمع: وفي الشواذ " تبينت الإنس " ثم نسبها إلى السجاد والصادق (عليهما السلام) (1).
ويأتي ذكرها في الكافي، عن الصادق (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل أوحى إلى سليمان بن
داود (عليهما السلام) أن آية موتك أن شجرة تخرج من بيت المقدس يقال لها: الخرنوبة، قال: فنظر سليمان
يوما فإذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخرنوبة،
قال: فولى سليمان مدبرا إلى محرابه، فقام فيه متكئا على عصاه، فقبض روحه من ساعته، قال:
فجعلت الجن والإنس يخدمونه، ويسعون في أمره كما كانوا، وهم يظنون أنه حي لم يمت، يغدون
ويروحون، وهو قائم ثابت حتى دبت الأرضة من عصاه فأكلت منسأته فانكسرت وخر
سليمان إلى الأرض، أفلا تسمع لقوله عز وجل: " فلما خر تبينت الجن " الآية (2).
وفي العلل: عن الباقر (عليه السلام) قال: أمر سليمان بن داود (عليهما السلام) الجن فصنعوا له قبة من قوارير
فبينا هو متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجن كيف يعملون، وينظرون إليه إذ حانت منه
التفاتة فإذا هو برجل معه في القبة ففزع منه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا الذي لا أقبل الرشا،
ولا أهاب الملوك، أنا ملك الموت، فقبضه وهو متكئ على عصاه في القبة، والجن ينظرون إليه،
قال: فمكثوا سنة يدأبون له حتى بعث الله عز وجل الأرضة فأكلت منسأته وهي العصا " فلما
خر تبينت الجن " الآية، قال (عليه السلام): فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان فما تكاد تراها

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 380، في القراءة.
2 - الكافي: ج 8، ص 144، ح 114.
85

في مكان إلا وعندها ماء وطين (1).
والقمي: قال: لما أوحى الله إلى سليمان أنك ميت أمر الشياطين أن تتخذ له بيتا من
قوارير، ووضعوه في لجة البحر، ودخله سليمان فاتكأ على عصاه وكان يقرأ الزبور والشياطين
حوله ينظرون إليه، ولا يجسرون أن يبرحوا فبينا هو كذلك إذ حانت منه التفاتة ثم ذكر
كالحديث السابق، ثم قال: فلما خر على وجهه تبينت الإنس أن الجن: " لو كانوا يعلمون الغيب
ما لبثوا في العذاب المهين " فهكذا نزلت هذه الآية، وذلك أن الإنس كانوا يقولون: إن الجن
يعلمون الغيب، فلما سقط سليمان (عليه السلام) على وجهه علموا أن لو يعلم الجن الغيب لم يعملوا سنة
لسليمان (عليه السلام) وهو ميت ويتوهمونه حيا (2).
وفي العيون (3)، والعلل: عن الرضا، عن أبيه، عن أبيه (عليهم السلام) إن سليمان بن داود (عليهما السلام) قال
ذات يوم لأصحابه: إن الله تعالى وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، سخر لي الريح،
والإنس، والجن، والطير، والوحوش، وعلمني منطق الطير وآتاني من كل شئ، ومع جميع ما
أوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم إلى الليل، وقد أحببت أن أدخل قصري في غد فأصعد
أعلاه وأنظر إلى ممالكي ولا تأذنوا لأحد علي لئلا يرد علي ما ينغص (4) علي يومي، قالوا: نعم،
فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره، ووقف متكئا على عصاه
ينظر إلى ممالكه مسرورا بما أوتي فرحا بما أعطي، إذ نظر إلى شاب حسن الوجه، واللباس قد
خرج عليه من بعض زوايا قصره، فلما بصر به سليمان (عليه السلام) قال له: من أدخلك إلى هذا القصر
وقد أردت أن أخلو فيه اليوم، فبإذن من دخلت؟ قال الشاب: أدخلني هذا القصر ربه وبإذنه
دخلت، فقال: ربه أحق به مني، فمن أنت؟ قال: أنا ملك الموت، قال: وفيما جئت؟ قال: جئت
لأقبض روحك، قال: امض لما أمرت به فهذا يوم سروري وأبى الله عز وجل أن يكون لي
سرور دون لقائه، فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه، فبقي سليمان متكئا على

1 - علل الشرائع: ص 74، ح 3، باب 64 - العلة التي من أجلها صار عند الأرضة حيث كانت ماء وطين.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 199، س 20.
3 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1، ص 265 - 266 ح 24، باب 26 - ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار
النادرة في فنون شتى.
4 - نغص عليه العيش تنغيصا: كدره، وتنغصت معيشته: تكدرت. مجمع البحرين: ج 4، ص 186، مادة " نغص ".
86

لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا
من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور 15
عصاه وهو ميت ما شاء الله والناس ينظرون إليه، وهم يقدرون أنه حي فافتتنوا فيه واختلفوا،
فمنهم من قال: قد بقى سليمان (عليه السلام) متكئا على عصاه هذه الأيام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل
ولم يشرب إنه لربنا الذي يجب علينا أن نعبده. وقال قوم: إن سليمان ساحر وأنه يرينا أنه واقف
متكئ على عصاه يسحر أعيننا وليس كذلك.
فقال المؤمنون: إن سليمان هو عبد الله ونبيه، يدبر الله أمره بما يشاء، فلما اختلفوا بعث الله
عز وجل الأرضة فدبت في عصاه، فلما أكلت جوفه انكسرت العصا، وخر سليمان من قصره
على وجهه، فشكرت الجن للأرضة صنيعها، فلأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان إلا
وعندها ماء وطين، وذلك قول الله عز وجل: " فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا
دابة الأرض تأكل منسأته "، يعني عصاه " فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا " الآية.
ثم قال الصادق (عليه السلام): والله ما نزلت هذه الآية هكذا، وإنما نزلت: " فلما خر تبينت الإنس
أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " (1).
وفي الإحتجاج: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال
الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود (عليهما السلام) من البناء ما يعجز عنه ولد
آدم؟ قال: غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق غذاهم التنسم، والدليل على ذلك صعودهم
إلى السماء لاستراق السمع ولا يقدر الجسم الكثيف على الإرتقاء إليها إلا بسلم أو بسبب (2).
في الإكمال: عن النبي (صلى الله عليه وآله) عاش سليمان بن داود سبعمائة سنة واثنتي عشرة سنة (3).
* (لقد كان لسبأ) *: لأولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

1 - علل الشرائع: ص 73 - 74، ح 2، باب 64 - العلة التي من أجلها صار عند الأرضة حيث كانت ماء وطين.
2 - الإحتجاج: ج 2، ص 81، احتجاج الإمام الصادق (عليه السلام) على الزنديق.
3 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 523 - 524، ح 3، باب 46 - ما جاء في التعمير.
87

في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه سئل عن سبأ أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من
العرب، ولد له عشرة: تيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين تيامنوا: فالأزد (1)
وكندة (2) ومذحج (3) والأشعرون (4) والأنمار (5) وحمير (6)، قيل: ما أنمار؟ قال: الذين منهم
خثعم (7) وبجيلة (8)، وأما الذين تشأموا: فعاملة (9) وجذام (10) ولخم (11) وغسان (12) (13).

1 - وهو أزد بن الغوث، وبالسين أفصح، أبو حي باليمن، ومن أولاده الأنصار كلهم، ويقال: أزدشنوءة، وعمان،
والسراة. القاموس المحيط: ج 1، ص 274، مادة " أزد ".
2 - وكندة - بالكسر - ويقال: كندي: لقب ثور بن غفير أبو حي من اليمن، لأنه كند أباه النعمة ولحق بأخواله.
القاموس المحيط: ج 1، ص 334، مادة " كند ".
3 - مذحج، مثال مسجد: أبو قبيلة من اليمن، وهو مذحج بن يحابر بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. قال
سيبويه: الميم من نفس الكلمة. الصحاح: ج 1، ص 340، مادة " ذحج ". وفي القاموس: ج 1، ص 190، ومذحج
كمجلس، أكمة ولدت مالكا وطيئا أمهما عندها فسموا مذحجا.
4 - الأشعر: لقب عمرو بن حارثة الأسدي، ولقب نبت بن أدد لأنه ولد وعليه شعر وهو أبو قبيلة باليمن، منهم
أبو موسى الأشعري. القاموس المحيط: ج 2، ص 59، مادة " شعر ".
5 - نمر: أبو قبيلة، وهو نمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة. والنسبة إليهم
نمري بفتح الميم، استيحاشا لتوالي الكسرات لأن فيه حرفا واحدا غير مكسور، ونمر بكسر النون: اسم رجل. ونمير:
أبو قبيلة من قيس، وهو نمير بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. الصحاح: ج 2، ص 837، مادة " نمر ".
6 - حمير: أبو قبيلة من اليمن، وهو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ومنهم كانت الملوك في الدهر
الأول. واسم حمير العرنجج. الصحاح: ج 2، ص 638، مادة " حمر ".
7 - خثعم: أبو قبيلة، وهو خثعم بن أنمار من اليمن، ويقال: هم من معد، وصاروا باليمن. الصحاح: ج 5،
ص 1909، مادة " خثعم ".
8 - بجيلة: حي من اليمن، والنسبة إليهم بجلي بالتحريك، ويقال: إنهم من معد، لأن نزار بن معد ولد مصر
وربيعة وإيادا وأنمارا، ثم أنمار ولد بجيلة وخثعم فصاروا باليمن. الصحاح: ج 4، ص 1630، مادة " بجل ".
9 - عاملة: حي من اليمن، وهو عاملة بن سبأ، ويزعم نساب مضر أنهم من ولد قاسط. الصحاح: ج 5، ص
1775، مادة " عمل ".
10 - جذام: قبيلة من اليمن تنزل بجبال حسمي تزعم نساب مضر أنهم من معد. الصحاح: ج 5، ص 1884، مادة
" جذم ".
11 - لخم: حي من اليمن، ومنهم كانت ملوك العرب في الجاهلية، وهم آل عمرو بن عدي بن نصر اللخمي.
الصحاح: ج 5، ص 2028، مادة " لخم ".
12 - غسان: اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد، فنسبوا إليه، منهم بنو جفنة رهط الملوك، ويقال: غسان: اسم
قبيلة. الصحاح: ج 6، ص 2174، مادة " غسن ".
13 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 386، س 4.
88

فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم
جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل 16
* (في مسكنهم) *: موضع سكناهم، قيل: وهي باليمن يقال لها: مأرب (1)، بينها وبين
صنعاء مسيرة ثلاث (2). وقرئ بالإفراد، ثم بفتح الكاف وبكسره.
* (آية) *: علامة دالة على وجود الصانع المختار، وأنه قادر على ما يشاء من الأمور
العجيبة.
* (جنتان) *: جماعتان من البساتين (3).
* (عن يمين وشمال) *: جماعة عن يمين بلدهم، وجماعة عن شماله، كل واحدة منهما في
تقاربها وتضايقها كأنه جنة واحدة، كذا قيل (4).
* (كلوا من رزق ربكم واشكروا له) *: على إرادة القول.
* (بلدة طيبة ورب غفور) *: وقرئ الكل بالنصب.
* (فأعرضوا) *: عن الشكر.
* (فأرسلنا عليهم سيل العرم) *: أي العظيم الشديد.
القمي: قال: إن بحرا كان في اليمن، وكان سليمان (عليه السلام) أمر جنوده أن يجروا لهم خليجا من
البحر العذب إلى بلاد الهند ففعلوا ذلك، وعقدوا له عقدة عظيمة من الصخر والكلس (5) حتى

1 - مأرب: اسم المكان، وهي بلاد الأزد باليمن، قال السهيلي: مأرب: اسم قصر كان لهم، وقيل هو اسم لكل ملك
كان يلي سبأ، كما أن تبعا اسم لكل من ولي اليمن، والشحر وحضرموت، قال المسعودي: وكان هذا السد من بناء
سبأ بن يشجب بن يعرب، وكان سافله سبعين واديا، ومات قبل أن يستتمه فأتمه ملوك حمير بعده، قال المسعودي:
بناه لقمان بن عاد وجعله فرسخا في فرسخ وجعل له ثلاثين مشعبا. معجم البلدان: ج 5، ص 34، مادة " مرب ".
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 258، س 14.
3 - هكذا في الأصل. والصحيح: " مجموعتان من البساتين ".
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 258. والعبارة غير مفهومة، والظاهر أنها مأخوذة من تفسير
الكشاف، وصاحبه قد اقتبس ذلك من مجمع البيان بتصرف لا يفيد المعنى. راجع مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 386.
5 - الكلس: الصاروج يبنى به. الصحاح: ج 3، ص 971، مادة " كلس ".
89

ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجزى إلا
الكفور 17
يفيض على بلادهم، وجعلوا للخليج مجاري فكانوا إذا أرادوا أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر
ما يحتاجون إليه، وكانت لهم جنتان عن يمين وشمال عن مسيرة عشرة أيام فيها يمر المار لا يقع
عليه الشمس من التفافها، فلما عملوا بالمعاصي، وعتوا عن أمر ربهم، ونهاهم الصالحون، فلم
ينتهوا، بعث الله عز وجل على ذلك السد الجرذ وهي الفارة الكبيرة، فكانت تقلع الصخرة التي
لا تستقلها الرجال وترمي بها، فلما رآى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد، فما زال الجرذ تقلع
الحجر حتى خربوا ذلك السد فلم يشعروا حتى غشيهم السيل وخرب بلادهم وقلع أشجارهم،
وهو قوله تعالى: " لقد كان لسبأ " الآية إلى قوله " سيل العرم " أي العظيم الشديد (1).
* (وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط) *: مر بشع (2). القمي: وهو أم
غيلان (3) (4).
* (وأثل وشئ من سدر قليل) *: قيل: معطوفان على " أكل " لا على " خمط "، فإن
الأثل هو الطرفاء (5) ولا ثمر له، ووصف السدر بالقلة لأن جناه وهو النبق مما يطيب أكله،
ولذلك تغرس في البساتين، وتسميته البدل جنتين للمشاكلة والتهكم (6) (7).
* (ذلك جزيناهم بما كفروا) *: بكفرانهم النعمة.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 200، س 14.
2 - شئ بشع: أي كريه الطعم والرائحة يأخذ بالحلق. مجمع البحرين: ج 4، ص 299، مادة " بشع ".
3 - أم غيلان: شجر معروف، منه كثير في طريق مكة. مجمع البحرين: ج 5، ص 438، مادة " غيل ".
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 201، س 4.
5 - الطرفاء: شجر. الواحدة طرفة. الصحاح: ج 5، ص 1394، مادة " طرف ".
6 - التهكم: الاستهزاء، وقول سكينة لهشام: يا أحول لقد أصبحت تتهكم بنا. لسان العرب: ج 15، ص 111،
مادة " هكم ".
7 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 259، س 6.
90

وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا
فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين 18 فقالوا ربنا
بعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث
ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور 19
* (وهل نجزى إلا الكفور) *: إلا البليغ في الكفران، وقرئ بالنون ونصب الكفور.
* (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها) *: بالتوسعة على أهلها.
وقيل: هي قرى الشام (1).
والقمي: قال: مكة (2).
* (قرى ظاهرة) *: متواصلة يظهر بعضها لبعض.
* (وقدرنا فيها السير) *: بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت في أخرى.
* (سيروا فيها) *: على إرادة القول.
* (ليالي وأياما) *: متى شئتم من ليل أو نهار.
* (آمنين * فقالوا ربنا بعد بين أسفارنا) *: أشروا النعمة، وملوا العافية
فسألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل
وتزود الأزواد، فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة، وقرئ بعد.
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) " ربنا بعد " بلفظ الخبر (3) على أنه شكوى منهم لبعد
سفرهم إفراطا منهم في الترفيه وعدم الاعتداد بما أنعم الله عليهم فيه.
* (وظلموا أنفسهم) *: حيث بطروا النعمة.
* (فجعلناهم أحاديث) *: يتحدث الناس بهم تعجبا وضرب مثل، فيقولون: تفرقوا

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 259، س 12.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 201، س 6.
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 384، في القراءة.
91

أيدي سبأ.
* (ومزقناهم كل ممزق) *: وفرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان، منهم بالشام،
وأنمار بيثرب، وجذام بتهامة، والأزد بعمان.
* (إن في ذلك) *: فيما ذكر.
* (لآيات لكل صبار) *: عن المعاصي.
* (شكور) *: على النعم، في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية، فقال:
هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض، وأنهار جارية، وأموال ظاهرة،
فكفروا نعم الله عز وجل، وغيروا ما بأنفسهم من عافية الله، فغير الله ما بهم من نعمة " وأن الله
لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (1) فأرسل الله عليهم سيل العرم، فغرق قراهم،
وخرب ديارهم، وذهب بأموالهم وأبدلهم مكان جنتيهم جنتين ذواتي اكل خمط وأثل وشئ
من سدر قليل (2).
وفي الإحتجاج: عن الباقر (عليه السلام) في حديث الحسن البصري في هذه الآية، قال (عليه السلام): بل
فينا ضرب الله الأمثال في القرآن، فنحن القرى التي بارك الله فيها، وذلك قول الله عز وجل
فيمن أقر بفضلنا حيث أمرهم أن يأتونا فقال: " وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها "
أي جعلنا بينهم وبين شيعتهم القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، والقرى الظاهرة: الرسل
والنقلة عنا إلى شيعتنا وفقهاء شيعتنا، وقوله سبحانه: " وقدرنا فيها السير " والسير مثل للعلم
سيروا به ليالي وأياما مثل لما يسير من العلم في الليالي والأيام عنا إليهم في الحلال والحرام
والفرائض والأحكام، آمنين فيها إذا أخذوا عن معدنها الذي أمروا أن يأخذوا منه آمنين من
الشك والضلال، والنقلة من الحرام إلى الحلال (3).

1 - الرعد: 11.
2 - الكافي: ج 8، ص 395، ح 596.
3 - الإحتجاج: ج 2، ص 63، احتجاج الباقر (عليه السلام) على الحسن البصري. وإليك صدر الحديث: عن أبي حمزة
الثمالي: قال: أتى الحسن البصري أبا جعفر (عليه السلام) فقال: جئتك لأسألك عن أشياء من كتاب الله، فقال أبو جعفر: ألست
فقيه أهل البصرة؟ قال: قد يقال ذلك، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): هل بالبصرة أحد تأخذ عنه؟ قال: لا، قال: فجميع
أهل البصرة يأخذون عنك؟ قال: نعم، فقال أبو جعفر (عليه السلام): سبحان الله لقد تقلدت عظيما من الأمر، بلغني عنك أمر
فما أدري أكذاك أنت أم يكذب عليك، قال: ما هو؟ قال: زعموا أنك تقول: إن الله خلق العباد ففوض إليهم
أمورهم، قال: فسكت الحسن، فقال: رأيت من قال الله له في كتابه: أنك آمن هل عليه خوف بعد هذا القول
منه، فقال الحسن: لا، فقال أبو جعفر (عليه السلام): إني أعرض عليك آية وأنهي إليك خطابا، ولا أحسبك إلا وقد فسرته
على غير وجهه فإن كنت فعلت ذلك فقد هلكت وأهلكت، فقال له: ما هو؟ قال: أرأيت حيث يقول: " وجعلنا
بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين "، يا حسن
بلغني أنك أفتيت الناس فقلت: هي مكة، فقال أبو جعفر (عليه السلام): فهل يقطع على من حج مكة، وهل يخاف أهل مكة،
وهل تذهب أموالهم؟ قال: بلى، قال: فمتى يكونون آمنين. إلى آخر الحديث الموجود في المتن.
92

ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين
20 وما كان له عليهم من سلطن إلا لنعلم من يؤمن
بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شئ حفيظ 21
وعن السجاد (عليه السلام): إنما عنى بالقرى: الرجال، ثم تلا آيات في هذا المعنى من القرآن،
قيل: فمن هم؟ قال: نحن هم، قال: أولم تسمع إلى قوله: " سيروا فيها ليالي وأياما آمنين "، قال:
آمنين من الزيغ (1).
وفي الإكمال: عن القائم (عليه السلام) في هذه الآية، قال: نحن والله القرى التي بارك الله فيها، وأنتم
القرى الظاهرة (2).
وفي العلل: عن الصادق (عليه السلام) في حديث أبي حنيفة الذي سبق صدره في آخر المقدمة
الثانية (3) " سيروا فيها ليالي وأياما آمنين "، قال: مع قائمنا أهل البيت (عليهم السلام) (4).
* (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه) *: صدق في ظنه وهو قوله: لأضلنهم
ولأغوينهم، وقرئ بالتشديد أي حققه.
* (فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين * وما كان له عليهم من سلطن) *:

1 - الإحتجاج: ج 2، ص 43، احتجاج زين العابدين (عليه السلام) في أشياء شتى من علوم الدين.
2 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 483، ح 2، باب 45 - ذكر التوقيعات الواردة عن القائم (عليه السلام).
3 - انظر ج 1، ص 58 - 59 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - علل الشرائع: ص 91، ذيل ح 5، باب 81 - علة المرارة في الاذنين، والعذوبة في الشفتين، والملوحة في
العينين، والبرودة في الأنف.
93

قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة
في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له
منهم من ظهير 22
تسلط واستيلاء بوسوسة واستغواء.
* (إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك) *: ليتميز المؤمن من
الشاك، أراد بحصول العلم حصول متعلقه.
* (وربك على كل شئ حفيظ) *: في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال: كان تأويل هذه
الآية لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أنه ينطق عن
الهوى، فظن بهم إبليس ظنا فصدقوا ظنه (1).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) لما أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله) أن ينصب أمير المؤمنين (عليه السلام) للناس في
قوله: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " (2) في علي بغدير خم، فقال: من كنت مولاه
فعلي مولاه، فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثوا التراب على رؤوسهم، فقال لهم
إبليس: مالكم؟ قالوا: إن هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شئ إلى يوم القيامة، فقال
لهم إبليس: كلا إن الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني، فأنزل الله عز وجل على
رسوله: " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " الآية (3).
* (قل) *: للمشركين.
* (ادعوا الذين زعمتم) *: آلهة.
* (من دون الله) *: فيما يهمكم من جلب نفع أو دفع ضر.
* (لا يملكون مثقال ذرة) *: من خير أو شر.
* (في السماوات ولا في الأرض) *: في أمرهما.

1 - الكافي: ج 8، ص 344 - 345، ح 542.
2 - المائدة: 67.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 201، س 9.
94

ولا تنفع الشفعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن
قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير 23
* (وما لهم فيهما من شرك) *: من شركة لا خلقا ولا ملكا.
* (وما له منهم من ظهير) *: يعينه على تدبير أمرهما.
* (ولا تنفع الشفعة عنده) *: ولا تنفعهم شفاعة أيضا كما يزعمون.
* (إلا لمن أذن له) *: أن يشفع، وقرئ بضم الهمزة.
القمي: قال: لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله يوم القيامة حتى يأذن الله له إلا رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فإن الله عز وجل قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة، والشفاعة له وللأئمة (عليهم السلام)،
ثم بعد ذلك للأنبياء (1).
وعن الباقر (عليه السلام): ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة رسول
الله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة، ثم قال: إن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) الشفاعة في أمته، ولنا الشفاعة في شيعتنا،
ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم، ثم قال: وأن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر، وأن المؤمن
ليشفع حتى لخادمه، يقول يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد (2).
* (حتى إذا فزع عن قلوبهم) *: يعني يتربصون فزعين حتى إذا كشف الفزع عن
قلوبهم، وقرئ على البناء للفاعل.
* (قالوا) *: قال بعضهم لبعض.
* (ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير) *: ذو العلو والكبرياء.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) وذلك أن أهل السماوات لم يسمعوا وحيا فيما بين أن بعث عيسى
ابن مريم (عليهما السلام) إلى أن بعث محمد (صلى الله عليه وآله) فلما بعث الله عز وجل جبرئيل إلى محمد (صلى الله عليه وآله) سمع أهل
السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا، فصعق أهل السماوات فلما فرغ من
الوحي انحدر جبرئيل (عليه السلام) كلما مر بأهل سماء فزع عن قلوبهم، يقول: كشف عن قلوبهم، فقال

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 201، س 19.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 202، س 6.
95

قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو
إياكم لعلى هدى أو في ضلل مبين 24 قل لا تسئلون
عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون 25 قل يجمع بيننا
ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم 26
بعضهم لبعض: " ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير " (1).
* (قل من يرزقكم من السماوات والأرض) *: تقرير لقوله " لا يملكون ".
* (قل الله) *: إذ لا جواب سواه، وفيه إشعار بأنهم إن سكتوا أو تلعثموا (2) في الجواب
مخافة الإلزام فهم مقرون به بقلوبهم.
* (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلل مبين) *: أي وإن أحد الفريقين من
الموحدين والمشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال المبين، وهو أبلغ من التصريح لأنه
في صورة الإنصاف المسكت للخصم المشاغب.
قيل: اختلاف الحرفين لأن الهادي كمن صعد منارا ينظر الأشياء ويطلع عليها أو ركب
جوادا يركضه حيث يشاء، والضال: كأنه منغمس في ظلام مرتبك (3) لا يرى، أو محبوس في
مطمورة لا يستطيع أن يتفصى منها (4).
* (قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون) *: هذا أدخل في
الإنصاف، وأبلغ في الإخبات، حيث أسند الإجرام إلى أنفسهم والعمل إلى المخاطبين.
* (قل يجمع بيننا ربنا) *: يوم القيامة.
* (ثم يفتح بيننا بالحق) *: يحكم ويفصل بأن يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 202، س 12.
2 - تلعثم: تمكث وتوقف وتأنى، أو نكص عنه وتبصره. القاموس المحيط: ج 4، ص 176، مادة " لعثم ".
3 - ارتبك: اختلط، وارتبك الرجل: أي نشب ولم يتخلص. منه (قدس سره).
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 261، س 9.
96

قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز
الحكيم 27 وما أرسلناك إلا كآفة للناس بشيرا ونذيرا
ولكن أكثر الناس لا يعلمون 28
* (وهو الفتاح) *: الحاكم الفاصل.
* (العليم) *: بما ينبغي أن يقضي به.
* (قل أروني الذين ألحقتم به شركاء) *: لأرى بأي صفة ألحقتموهم بالله في
استحقاق العبادة، وهو استفسار عن شبهتهم بعد إلزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم.
* (كلا) *: ردع لهم عن المشاركة بعد إبطال المقايسة.
* (بل هو الله العزيز الحكيم) *: الموصوف بالغلبة، وكمال القدرة والحكمة، وهؤلاء
الملحقون متسمة بالذلة متأبية عن قبول العلم والقدرة رأسا.
* (وما أرسلناك إلا كآفة للناس) *: إلا إرسالة عامة لهم من الكف، فإنها إذا
عمتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم.
* (بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *: فيحملهم جهلهم على
مخالفتك، في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا شرايع نوح
وإبراهيم وموسى وعيسى على نبينا وآله وعليهم السلام، إلى أن قال: وأرسله كافة إلى
الأبيض والأسود والجن والإنس (1).
وفي روضة الواعظين: عن السجاد (عليه السلام) إن أبا طالب سأل النبي (عليه السلام) يا ابن أخ إلى
الناس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصة؟ قال: لا بل إلى الناس أرسلت كافة الأبيض والأسود
والعربي والعجمي، والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الأمر الأبيض والأسود ومن على
رؤوس الجبال، ومن في لجج البحار، ولأدعون السنة فارس والروم (2).

1 - الكافي: ج 2، ص 17، ح 1، باب الشرائع.
2 - روضة الواعظين: ص 54.
97

ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين 29 قل لكم
ميعاد يوم لا تستئخرون عنه ساعة ولا تستقدمون 30
وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين
يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع
بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين
استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين 31
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) إنه قال لرجل: أخبرني عن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان عاما للناس
بشيرا؟ أليس قد قال الله عز وجل في محكم كتابه: " وما أرسلناك إلا كآفة للناس "، لأهل
الشرق والغرب وأهل السماء والأرض من الجن والإنس هل بلغ رسالته إليهم كلهم؟ قال: لا
أدري، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يخرج من المدينة فكيف أبلغ أهل الشرق والغرب، ثم
قال (عليه السلام): إن الله تعالى أمر جبرئيل (عليه السلام) فاقتلع الأرض بريشة من جناحه ونصبها لرسول
الله (صلى الله عليه وآله) فكانت بين يديه مثل راحته في كفه ينظر إلى أهل الشرق والغرب، ويخاطب كل قوم
بألسنتهم، ويدعوهم إلى الله عز وجل وإلى نبوته بنفسه، فما بقيت قرية ولا مدينة إلا ودعاهم
النبي (صلى الله عليه وآله) بنفسه (1).
* (ويقولون متى هذا الوعد) *: الموعود بقوله: " يجمع بيننا ربنا " (2).
* (إن كنتم صادقين) *: يخاطبون به رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين.
* (قل لكم ميعاد يوم لا تستئخرون عنه ساعة ولا تستقدمون) *: إذا
فاجأكم، وهو جواب تهديد في مقابل تعنتهم وإنكارهم.
* (وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه) *: ولا
بما تقدمه من الكتب الدالة على البعث.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 202، س 21.
2 - سبأ: 26.
98

قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم
عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين 32 وقال
الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ
تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما
رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل
يجزون إلا ما كانوا يعملون 33
* (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم) *: في موضع المحاسبة.
* (يرجع بعضهم إلى بعض القول) *: يتحاورون ويتراجعون القول.
* (يقول الذين استضعفوا) *: الأتباع.
* (للذين استكبروا) *: للرؤساء.
* (لولا أنتم) *: لولا إضلالكم وصدكم إيانا عن الإيمان.
* (لكنا مؤمنين) *: باتباع الرسول.
* (قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددنكم عن الهدى
بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين) *: أنكروا أنهم كانوا صادين لهم عن الإيمان، وأثبتوا أنهم
هم الذين صدوا أنفسهم حيث أعرضوا عن الهدى، وآثروا التقليد عليه.
* (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار) *:
إضراب عن إضرابهم، أي لم يكن إجرامنا الصاد بل مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا حتى أغرتم
علينا رأينا.
* (إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا
العذاب) *: وأضمر الفريقان الندامة عن الضلالة والإضلال وأخفاها كل عن صاحبه مخافة
التعيير.
99

وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما
أرسلتم به كافرون 34 وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا
وما نحن بمعذبين 35 قل إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء
ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون 36
القمي: قال: يسرون الندامة في النار إذا رأوا ولي الله، فقيل: يا ابن رسول الله وما
يغنيهم إسرارهم الندامة وهم في العذاب؟ قال: يكرهون شماتة الأعداء (1).
* (وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا) *: أي في أعناقهم فجاء بالظاهر
تنويها بذمهم، وإشعارا بموجب إغلالهم.
* (هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) *: أي لا يفعل بهم ما يفعل إلا جزاءا على
أعمالهم.
* (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به
كافرون) *: تسلية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مما مني به من قومه وتخصيص المتنعمين بالتكذيب لأن
الداعي المعظم إلى التكبر والمفاخرة بزخارف الدنيا والإنهماك في الشهوات والاستهانة بمن لم
يحظ منها، ولذلك ضم المفاخرة والتهكم إلى التكذيب.
* (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا) *: فنحن أولى بما تدعونه إن أمكن.
* (وما نحن بمعذبين) *: إما لأن العذاب لا يكون، أو لأنه أكرمنا بذلك فلا يهيننا
بالعذاب.
* (قل) *: ردا لحسبانهم.
* (إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) *: يوسع لمن يشاء، ويضيق على من
يشاء، وليس ذلك لكرامة وهوان.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 203، س 14.
100

وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من
آمن وعمل صلحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا
وهم في الغرفات آمنون 37 والذين يسعون في آياتنا
معجزين أولئك في العذاب محضرون 38
* (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *: إن ذلك كذلك، في نهج البلاغة: وأما الأغنياء
من مترفة الأمم فتعصبوا لآثار مواقع النعم فقالوا: " نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين "
فإن كان لابد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور،
التي تفاضلت فيها المجد والنجد من بيوتات العرب، ويعاسيب (1) القبائل بالأخلاق الرغيبة،
والأحلام العظيمة، والأخطار الجليلة، والآثار المحمودة (2).
* (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) *: قربة.
* (إلا من آمن وعمل صلحا) *: بانفاق ماله في سبيل الله، وتعليم ولده الخير والصلاح.
* (فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون) *: من
المكاره، وقرئ بالتوحيد.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) وقد ذكر رجل الأغنياء ووقع فيهم، فقال (عليه السلام): اسكت فإن
الغني إذا كان وصولا برحمه بارا بإخوانه، أضعف الله له الأجر ضعفين، لأن الله يقول " وما
أموالكم " الآية (3). وفي العلل ما يقرب منه (4).
* (والذين يسعون في آياتنا) *: بالرد والطعن.

1 - اليعسوب: أمير النحل وكبيرهم وسيدهم، تضرب به الأمثال، لأنه إذا خرج من كورة تبعه النحل بأجمعه،
واليعاسيب: رؤساء القبائل وساداتها. مجمع البحرين: ج 2، ص 121، مادة " عسب ".
2 - نهج البلاغة: ص 295، الخطبة 192 المسماة بالقاصعة. " عصبية المال ". وفيه: " التي تفاضلت فيها المجداء
والنجداء ".
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 203، س 19.
4 - علل الشرائع: ص 604، ح 73، باب 385 - نوادر العلل.
101

قل إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له
وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين 39
* (معجزين أولئك في العذاب محضرون * قل إن ربى يبسط الرزق لمن
يشاء من عباده ويقدر له) *: هذا في شخص واحد باعتبار وقتين، وما سبق في شخصين
فلا تكرير.
* (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) *: عوضا إما عاجلا أو آجلا.
* (وهو خير الرازقين) *: فإن غيره وسط في إيصال رزقه لا حقيقة لرازقيته.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: إن الرب تبارك وتعالى ينزل أمره كل ليلة جمعة إلى
السماء الدنيا من أول الليل، وفي كل ليلة في الثلث الأخير، وأمامه ملك ينادي هل من تائب
فيتاب عليه؟ هل من مستغفر فيغفر لهم؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ اللهم اعط كل منفق
خلفا، وكل ممسك تلفا إلى أن يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد أمر الرب إلى عرشه فيقسم
الأرزاق بين العباد، ثم قال: وهو قول الله: " وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه " (1).
وفي الكافي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من بسط يده بالمعروف إذا وجده يخلف الله له ما
أنفق في دنياه ويضاعف له في آخرته (2).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) من صدق بالخلف جاد بالعطية (3).
وفي رواية: من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة (4).
وقيل للصادق (عليه السلام): إني أنفق ولا أرى خلفا، قال: أفترى الله عز وجل أخلف وعده؟
قيل: لا، قال: فمم ذلك؟ قيل: لا أدري، قال: لو أن أحدكم اكتسب المال من حله لم ينفق درهما

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 204، س 3.
2 - الكافي: ج 2، ص 154، ح 19، باب صلة الرحم.
3 - الكافي: ج 4، ص 2، ح 4، باب فضل الصدقة.
4 - الكافي: ج 4، ص 43، ح 3، باب الإنفاق.
102

ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم
كانوا يعبدون 40 قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم
بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون 41 فاليوم لا
يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا
ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون 42
إلا أخلف عليه (1).
وعن الرضا (عليه السلام) قال لمولى له: هل أنفقت اليوم شيئا؟ فقال: لا والله، فقال (عليه السلام): فمن أين
يخلف الله علينا؟ (2).
* (ويوم يحشرهم جميعا) *: المستكبرين والمستضعفين.
* (ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) *: تقريعا للمشركين
وتبكيتا وإقناطا لهم عما يتوقعون من شفاعتهم، وتخصيص الملائكة لأنهم أشرف شركائهم،
والصالحون للخطاب منهم، وقرئ بالياء فيها.
* (قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم) *: أنت الذي نواليه من دونهم، لا موالاة
بيننا وبينهم، كأنهم يبينوا بذلك براءتهم عن الرضا بعبادتهم، ثم أضربوا عن ذلك ونفوا أنهم
عبدوهم على الحقيقة بقولهم:
* (بل كانوا يعبدون الجن) *: أي الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله.
* (أكثرهم بهم مؤمنون * فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا) *:
إذ الأمر فيه كله له لأن الدار دار جزاء وهو المجازي وحده.

1 - الكافي: ج 2، ص 486، ح 8، باب الثناء قبل الدعاء.
2 - الكافي: ج 4، ص 44، ح 9، باب الإنفاق.
103

وإذا تتلى عليهم آياتنا بينت قالوا ما هذا إلا رجل يريد
أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك
مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر
مبين 43 وما آتينهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا
إليهم قبلك من نذير 44 وكذب الذين من قبلهم وما
بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير 45
* (ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون * وإذا
تتلى عليهم آياتنا بينت قالوا ما هذا) *: يعنون به النبي (صلى الله عليه وآله).
* (إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم) *: فيستتبعكم بما
يستبدعه.
* (وقالوا ما هذا) *: يعنون القرآن.
* (إلا إفك) *: كذب.
* (مفترى) *: على الله.
* (وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين * وما
آتينهم من كتب يدرسونها) *: تدعوهم إلى ما هم عليه.
* (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) *: ينذرهم على تركه، فمن أين وقع لهم هذه
الشبهة.
* (وكذب الذين من قبلهم) *: كما كذبوا.
* (وما بلغوا معشار ما آتيناهم) *: قيل: وما بلغ هؤلاء عشر ما آتينا أولئك من
القوة، وطول العمر، وكثرة المال، أو ما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى (1).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 264، س 10.
104

قل إنما أعظكم بوحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم
تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين
يدي عذاب شديد 46
أقول: كأنه أريد على التقديرين أن أولئك كانوا أحرى بتكذيب رسلهم من هؤلاء،
وعليه يحمل ما رواه القمي مرفوعا، قال: كذب الذين من قبلهم رسلهم وما بلغ ما آتينا رسلهم
معشار ما آتينا محمدا وآل محمد (عليهم السلام) (1)، أو يحمل على أن المراد أن فضائل محمد وآله أحرى
بالحسد والتكذيب، وإيتاء محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) إيتاء لهم، فلا ينافي الحديث ظاهر القرآن.
* (فكذبوا رسلي) *: لا تكرير فيه لأن الأول مطلق، والثاني مقيد.
* (فكيف كان نكير) *: أي إنكار لهم بالتدمير، فليحذر هؤلاء من مثله.
* (قل إنما أعظكم بوحدة) *: أرشدكم وأنصح لكم بخصلة واحدة.
* (أن تقوموا لله) *: معرضين عن المراء والتقليد.
* (مثنى وفرادى) *: متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا، فإن الازدحام يشوش
الخاطر ويخلط القول.
* (ثم تتفكروا) *: في أمري وما جئت به لتعلموا حقيته.
* (ما بصاحبكم من جنة) *: فتعلموا ما به من جنون يحمله على ذلك.
* (إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد) *: أي قدامه، في الكافي (2)،
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: إنما أعظكم بولاية علي (عليه السلام) هي الواحدة التي قال الله (3).
وفي الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث إن الله جل ذكره أنزل عزائم الشرائع
على نبيه (صلى الله عليه وآله) وآيات الفرائض في أوقات مختلفة، كما خلق السماوات والأرض في ستة أيام،

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 204، س 14.
2 - الكافي: ج 1، ص 420، ح 41، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 204، س 18.
105

قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله وهو
على كل شئ شهيد 47 قل إن ربى يقذف بالحق علم
الغيوب 48
ولو شاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر لخلق، ولكنه جعل الإناة والمداراة مثالا لأمنائه،
وإيجابا للحجة على خلقه، فكان أول ما قيدهم به الإقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة بأن
لا إله إلا الله، فلما أقروا بذلك تلاه بالإقرار لنبيه (صلى الله عليه وآله) بالنبوة والشهادة له بالرسالة، فلما
انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة، ثم الصوم، ثم الحج، ثم الجهاد، ثم الزكاة، ثم الصدقات، وما
يجري مجراها من مال الفئ، فقال المنافقون: هل بقي لربك علينا بعد الذي فرض علينا شئ
آخر يفرضه فتذكره لتسكن أنفسنا إلى أنه لم يبق غيره، فأنزل الله في ذلك: " قل إنما أعظكم
بوحدة " يعني الولاية، فأنزل الله " إنما وليكم الله ورسوله " الآية (1) (2).
* (قل ما سألتكم من أجر) *: على الرسالة.
* (فهو لكم) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال: وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سأل
قومه أن يودوا أقاربه ولا يؤذوهم، وأما قوله: " فهو لكم ": يقول: ثوابه لكم (3).
وفي المجمع: عنه (عليه السلام) معناه إن أجر ما دعوتكم إليه من إجابتي وذخره هو لكم دوني (4).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) يقول: أجر المودة الذي لم أسئلكم غيره فهو لكم تهتدون به
وتنجون من عذاب يوم القيامة (5).
* (إن أجرى إلا على الله وهو على كل شئ شهيد) *: مطلع، يعلم صدقي،
وخلوص نيتي.
* (قل إن ربى يقذف بالحق) *: يلقيه وينزله على من يجتبيه من عباده.

1 - المائدة: 55. 2 - الإحتجاج: ج 1، ص 379، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق في آي متشابهة.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 204، س 19.
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 396، س 24.
5 - الكافي: ج 8، ص 379، ح 574.
106

قل جاء الحق وما يبدئ البطل وما يعيد 49 قل إن
ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحى إلى
ربى إنه سميع قريب 50 ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت
وأخذوا من مكان قريب 51
* (علم الغيوب * قل جاء الحق) *: الإسلام.
* (وما يبدئ البطل وما يعيد) *: وزهق الباطل أي الشرك بحيث لم يبق له أثر.
في الأمالي: عن الرضا، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام): دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة وحول
البيت ثلاثمائة وستون صنما، فجعل يطعنها بعود في يده، وهو يقول: " جاء الحق وزهق البطل
إن البطل كان زهوقا " (1) " جاء الحق وما يبدئ البطل وما يعيد " (2).
وفي المجمع: مثله عن ابن مسعود (3).
* (قل إن ضللت) *: عن الحق.
* (فإنما أضل على نفسي) *: فإن وبال ضلالي عليها.
* (وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربى إنه سميع قريب) *: يسمع كل قول، ويرى
كل فعل وإن كان خفيا.
* (ولو ترى إذ فزعوا) *: لرأيت فظيعا.
* (فلا فوت) *: فلا يفوتون الله بهرب أو حصن.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: إذ فزعوا من الصوت، وذلك الصوت من السماء (4).
* (وأخذوا من مكان قريب) *: قال: من تحت أقدامهم خسف بهم (5).

1 - الإسراء: 81.
2 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 336 - 337، ح 683 / 23، المجلس الثاني عشر.
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 396، س 28.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 205، س 22.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 205 - 206.
107

وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد 52
وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد 53
وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل
إنهم كانوا في شك مريب 54
وعنه (عليه السلام): لكأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) وقد أسند ظهره إلى الحجر، وساق الحديث إلى
أن قال: فإذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفياني فيأمر الله عز وجل الأرض فتأخذ
بأقدامهم، وهو قوله عز وجل: " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب " (1).
* (وقالوا آمنا به) *: قال: يعني بالقائم من آل محمد (2). وقيل: بمحمد (صلى الله عليه وآله) (3).
* (وأنى لهم التناوش) *: التناول، يعني تناول الإيمان.
* (من مكان بعيد) *: يعني بعد انقضاء زمان التكليف، قال: إنهم طلبوا الهدى من
حيث لا ينال، وقد كان لهم مبذولا من حيث ينال (4).
* (وقد كفروا به من قبل) *: يعني أوان التكليف.
* (ويقذفون بالغيب) *: ويرجمون بالظن، ويتكلمون بما لم يظهر لهم.
* (من مكان بعيد) *: من جانب بعيد من أمره.
* (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) *: قال: يعني أن لا يعذبوا (5).
* (كما فعل بأشياعهم من قبل) *: قال: يعني من كان قبلهم من المكذبين هلكوا (6).
* (إنهم كانوا في شك مريب) *: في المجمع: عن السجاد والحسن بن علي (عليهما السلام) في
هذه الآية هو جيش البيداء يؤخذون من تحت أقدامهم، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه ذكر فتنة تكون

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 205، س 2.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 205، س 18.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 265، س 19.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 206، س 3.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 205، س 19.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 205، س 20.
108

بين أهل المشرق والمغرب، قال: فبينا هم كذلك يخرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في
فور ذلك حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين جيشا إلى المشرق وآخر إلى المدينة حتى ينزلوا
بأرض بابل من المدينة الملعونة يعني بغداد، فيقتلون فيها أكثر من ثلاثة آلاف، ويفضحون
أكثر من مائة امرأة، ويقتلوا بها ثلاثمائة كبش من بني العباس، ثم ينحدرون إلى الكوفة
فيخربون ما حولها، ثم يخرجون متوجهين إلى الشام فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق
ذلك الجيش فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم، ويحل
الجيش الثاني بالمدينة فينهبونها ثلاثة أيام بلياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا
كانوا بالبيداء بعث الله جبرئيل فيقول: يا جبرئيل اذهب فأبدهم (1)، فيضربها برجله ضربة
يخسف الله بهم عندها ولا يفلت منهم إلا رجلان من جهينة، فلذلك جاء القول: " وعند جهينة
الخبر اليقين " فذلك قوله تعالى: " ولو ترى إذ فزعوا " الآية، قال: وروى أصحابنا في أحاديث
المهدي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) مثله (2).
وفي ثواب الأعمال (3)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام): من قرأ الحمدين جميعا: حمد سبأ،
وحمد فاطر في ليلة لم يزل في ليلته في حفظ الله وكلاءته، فإن قرأهما في نهاره لم يصبه في نهاره
مكروه وأعطي من خير الدنيا وخير الآخرة ما لم يخطر على قلبه ولم يبلغ مناه (4).
* * *

1 - الإبادة: بمعنى الإهلاك. منه (قدس سره).
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 397 - 398.
3 - ثواب الأعمال: ص 110، ثواب من قرأ سورة حمد سبأ وحمد فاطر.
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 375 في فضلها.
109

سورة فاطر
111

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة
رسلا أولى أجنحة مثنى وثلث وربع يزيد في الخلق ما
يشاء إن الله على كل شئ قدير 1
سورة فاطر: مكية، قال الحسن إلا آيتين " إن الذين يتلون كتب الله " الآية (1) " ثم
أورثنا الكتب " الآية (2)، عدد آيها ست وأربعون آية.
* (الحمد لله فاطر السماوات والأرض) *: مبدعهما، من الفطر بمعنى الشق، كأنه
شق العدم بإخراجهما منه.
* (جاعل الملائكة رسلا) *: وسائط بين الله وبين أنبيائه، والصالحين من عباده،
يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة.
* (أولى أجنحة مثنى وثلث وربع) *: ذوي أجنحة متعددة ينزلون بها،
ويعرجون، ويسرعون بها نحو ما أمروا به.
في الكافي: عن النبي (صلى الله عليه وآله) الملائكة على ثلاثة أجزاء جزء له جناحان، وجزء له ثلاثة
أجنحة، وجزء له أربعة أجنحة (3).

1 - فاطر: 29.
2 - فاطر: 32.
3 - الكافي: ج 8، ص 272، ح 403.
113

قيل: لعله لم يرد خصوصية الأعداد، ونفي ما زاد عليها لما روي عنه (عليه السلام) أنه رأى
جبرئيل (عليه السلام) ليلة المعراج وله ستمائة ألف جناح (1).
أقول: ولعله إلى ذلك أشير بقوله تعالى: " يزيد في الخلق ما يشاء " (2).
وفي الإكمال: عنه (عليه السلام) إن لله تبارك وتعالى ملكا يقال له: دردائيل كان له ستة عشر ألف
جناح، ما بين الجناح والجناح هواء، والهواء كما بين السماء والأرض (3).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: خلق الله الملائكة مختلفة، وقد رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
جبرئيل (عليه السلام)، وله ستمائة جناح، على ساقه الدر مثل القطر على البقل قد ملأ ما بين السماء
والأرض، وقال: إذا أمر الله عز وجل ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا صارت رجله اليمنى في السماء
السابعة والأخرى في الأرض السابعة، وأن لله ملائكة أنصافهم من برد، وأنصافهم من نار،
يقولون: يا مؤلفا بين البرد والنار ثبت قلوبنا على طاعتك، وقال: إن لله ملكا بعد ما بين شحمة
اذنه إلى عينه مسيرة خمسمائة عام بخفقان الطير، وقال: إن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا
ينكحون، وإنما يعيشون بنسيم العرش، وأن لله عز وجل ملائكة ركعا إلى يوم القيامة، وأن لله
عز وجل ملائكة سجدا إلى يوم القيامة، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من
شئ مما خلق الله عز وجل أكثر من الملائكة، وأنه ليهبط في كل يوم أو في كل ليلة سبعون ألف
ملك فيأتون البيت الحرام فيطوفون به، ثم يأتون رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم يأتون أمير المؤمنين (عليه السلام)
فيسلمون عليه، ثم يأتون الحسين (عليه السلام) فيقيمون عنده فإذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى
السماء، ثم لا يعودون أبدا (4).
وقال أبو جعفر (عليه السلام): إن الله عز وجل خلق إسرافيل وجبرائيل وميكائيل (عليهم السلام)، من
تسبيحة واحدة، وجعل لهم السمع، والبصر، وجودة العقل، وسرعة الفهم، وقال أمير

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 266، س 18. وفيه: " ستمائة جناح " كما ورد في الكشاف:
ج 3، ص 595، " أنه (صلى الله عليه وآله) رأى جبرئيل (عليه السلام) ليلة المعراج وله ستمائة جناح ". وفي مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 400،
س 11، نفس الرواية موجودة عن ابن عباس " وان له ستمائة جناح ". إذن ما ذكره (قدس سره) من ستمائة ألف جناح قد
يكون سهوا من قلمه أو من النساخ.
2 - فاطر: 1.
3 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 282، ح 36، باب 24 - ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في النص على القائم (عليه السلام)
وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام).
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 206، س 8.
114

المؤمنين (عليه السلام) في خلقة الملائكة: وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك فليس فيهم فترة، ولا
عندهم غفلة، ولا فيهم معصية، هم أعلم خلقك بك، وأخوف خلقك لك، وأقرب خلقك منك،
وأعملهم بطاعتك، لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، لم يسكنوا
الأصلاب، ولم يضمهم الأرحام، ولم تخلقهم من ماء مهين، أنشأتهم إنشاءا فأسكنتهم سماواتك،
وأكرمتهم بجوارك، وائتمنتهم على وحيك، وجنبتهم الآفات، ووقيتهم البليات، وطهرتهم من
الذنوب، ولولا قوتك لم يقووا، ولولا تثبيتك لم يثبتوا، ولولا رحمتك لم يطيعوا، ولولا أنت لم
يكونوا، أما إنهم على مكانتهم منك، وطاعتهم إياك ومنزلتهم عندك، وقلة غفلتهم عن أمرك،
لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم، ولأزرؤوا (1) على أنفسهم، ولعلموا أنهم لم
يعبدوك حق عبادتك، سبحانك خالقا ومعبودا ما أحسن بلاءك عند خلقك (2).
وفي التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): إنه سئل عن قدرة الله عز وجل فقام خطيبا،
فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة لو أن ملكا منهم هبط إلى الأرض ما
وسعته لعظم خلقته وكثرة أجنحته، ومنهم من لو كلفت الجن والإنس أن يصفوه ما وصفوه،
لبعد ما بين مفاصله، وحسن تركيب صورته، وكيف يوصف من ملائكته من سبع مائة عام ما
بين منكبه وشحمة اذنيه، ومنهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه، ومنهم من
السماوات إلى حجزته (3)، ومنهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الأسفل والأرضون إلى
ركبتيه، منهم من لو القي في نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها، ومنهم لو القيت السفينة من دموع
عينيه لجرت دهر الداهرين، " فتبارك الله أحسن الخلقين (4) (5).
وفي الكافي: عن الثمالي قال: دخلت على علي بن الحسين (عليهما السلام) فاحتبست في
الدار ساعة، ثم دخلت البيت، وهو يلتقط شيئا وأدخل يده من وراء الستر فناوله من كان
في البيت، فقلت: جعلت فداك، هذا الذي أراك تلتقطه أي شئ هو؟ قال: هو فضلة من

1 - الإزراء: يقال أزريت به، إذا قصرت به. الصحاح: ج 6، ص 2368، مادة " زرى ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 206، س 22. وفيه: " تضمنتهم الأرحام ".
3 - الحجزة - بضم الحاء المهملة وإسكان الجيم وبالزاي -: معقد الأزار. مجمع البحرين: ج 4، ص 14،
مادة " حجز ".
4 - المؤمنون: 14.
5 - التوحيد: ص 277 - 278، ح 2، باب ذكر عظمة الله جل جلاله.
115

ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا
مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم 2
زغب (1) الملائكة نجمعه إذا خلون نجعله سنحا (2) لأولادنا، قلت: جعلت فداك، فإنهم
ليأتونكم؟ فقال: يا أبا حمزة إنهم ليزاحمونا على تكائنا (3) (4).
وفي هذا المعنى أخبار كثيرة فيه (5)، وفي البصائر (6).
* (يزيد في الخلق ما يشاء) *: على مقتضى حكمته. في التوحيد: عن الصادق (عليه السلام) إن
القضاء والقدر خلقان من خلق الله، والله يزيد في الخلق ما يشاء (7).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) هو الوجه الحسن، والصوت الحسن، والشعر الحسن (8).
* (إن الله على كل شئ قدير * ما يفتح الله للناس) *: ما يطلق لهم.
* (من رحمة) *: كنعمة، وأمن، وصحة، وعلم، ونبوة، وولاية.
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: والمتعة من ذلك (9).

1 - الزغب - محركة -: صغار الشعر والريش ولينه، وأول ما يبدو منهما، وما يبقى في رأس الشيخ عند رقة
شعره. القاموس المحيط: ج 1، ص 79، مادة " زغب ".
2 - قال الطريحي في مجمع البحرين: ج 2، ص 375، السنح - بالضم -: اليمن والبركة. قال في القاموس: ولعل
منه ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) في زغب الملائكة: " إنا نجمعه إذا خلونا سنحا لأولادنا " أي بركة لهم ويمنا.
أقول: لم نجده في القاموس، ويحتمل أن الحديث موجود في النسخة الخطبة فاسقط عمدا في المطبوع، ومن
الواضح أن عملية إسقاط بعض الأحاديث عند الطباعة الحديثة أصبح أمرا مشهودا لدى الجميع.
3 - التكاء - بضم التاء والتحريك -: ما يتكأ عليه. مجمع البحرين: ج 1، ص 454، مادة " وكا ".
4 - الكافي: ج 1، ص 393 - 394، ح 3، باب أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم بالأخبار.
وفيه: " سيحا "، والسيح: ضرب من البرود. الصحاح: ج 1، ص 377، مادة " سيح ".
5 - انظر الكافي: ج 1، ص 393 - 394، ح 1 و 2 و 4، باب أن الأئمة (عليهم السلام) تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم
بالأخبار. 6 - انظر بصائر الدرجات: ص 111 و 114، الجزء الثاني، ح 5 و 20 و 21، باب 17.
7 - التوحيد: ص 364، ح 1، باب 60 - القضاء والقدر والفتنة والأرزاق والأسعار والآجال.
8 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 400، س 13.
9 - تفسير القمي: ج 2، ص 207، س 15.
116

يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خلق غير
الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى
تؤفكون 3 وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى
الله ترجع الأمور 4 يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا
تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور 5
* (فلا ممسك لها) *: يحبسها.
* (وما يمسك فلا مرسل له) *: يطلقه.
* (من بعده) *: من بعد إمساكه.
* (وهو العزيز) *: الغالب على ما يشاء، ليس لأحد أن ينازعه فيه.
* (الحكيم) *: لا يفعل إلا بعلم وإتقان.
* (يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم) *: إحفظوها بمعرفة حقها والاعتراف
بها وطاعة منعمها.
* (هل من خلق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى
تؤفكون) *: فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى إشراك غيره به، وقرئ " غير " مجرورا.
* (وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك) *: أي فتأس بهم في الصبر على
تكذيبهم.
* (وإلى الله ترجع الأمور) *: فيجازيك وإياهم على الصبر والتكذيب.
* (يا أيها الناس إن وعد الله) *: بالحشر والجزاء.
* (حق) *: لا خلف فيه.
* (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) *: فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة، والسعي لها.
* (ولا يغرنكم بالله الغرور) *: الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية.
117

إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه
ليكونوا من أصحب السعير 6 الذين كفروا لهم عذاب
شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر
كبير 7 أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل
من يشاء ويهدى من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم
حسرت إن الله عليم بما يصنعون 8
* (إن الشيطان لكم عدو) *: عداوة عامة قديمة.
* (فاتخذوه عدوا) *: في عقائدكم وأفعالكم، وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم.
* (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحب السعير) *: تقرير لعداوته وبيان لغرضه.
* (الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم
مغفرة وأجر كبير) *: وعيد لمن أجاب دعاءه ووعد لمن خالفه.
* (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) *: كمن لم يزين له، بل وفق حتى عرف
الحق فحذف الجواب لدلالة ما بعده عليه.
* (فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء) *: في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) أنه
سئل عن العجب الذي يفسد العمل؟ فقال: للعجب درجات: منها: أن يزين للعبد سوء عمله
فيراه حسنا فيعجبه، ويحسب أنه يحسن صنعا (1).
* (فلا تذهب نفسك عليهم حسرت) *: فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على
غيهم وإصرارهم على التكذيب.
* (إن الله عليم بما يصنعون) *: فيجازيهم عليه.

1 - الكافي: ج 2، ص 313، ح 3، باب العجب.
118

والله الذي أرسل الريح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد
ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور 9
القمي: مرفوعا قال: نزلت في زريق وحبتر (1) (2).
* (والله الذي أرسل الريح) *: وقرئ الريح.
* (فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض) *: بالمطر النازل منه.
* (بعد موتها) *: بعد يبسها، في الكافي (3)، والقمي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه سئل عن
السحاب أين يكون؟ قال: يكون على شجر على كثيب على شاطئ البحر يأوي إليه، فإذا أراد
الله عز وجل أن يرسله أرسل ريحا فأثارته، فوكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق، وهو البرق
فيرتفع (4).
وزاد في الكافي: ثم قرأ هذه الآية " والله الذي أرسل الريح " الآية، قال: والملك اسمه
الرعد (5).
* (كذلك النشور) *: أي مثل إحياء الموات إحياء الأموات.
وقد سبق من تفسير الإمام (عليه السلام) في قصة البقرة أن الله عز وجل ينزل بين نفختي الصور
بعدما ينفخ النفخة الأولى من دون السماء الدنيا من البحر المسجور الذي قال الله تعالى:
" والبحر المسجور " (6) وهو مني كمني الرجال فيمطر ذلك على الأرض فيلقى الماء المني مع
الأموات البالية فينبتون من الأرض ويحيون (7).

1 - زريق: - بتقديم المعجمة على المهملة -: مصغر أزرق، والحبتر بالمهملة ثم الموحدة من تحت، ثم المثناة من
فوق، ثم الراء على وزن جعفر: الثعلب، قيل: إنما كنى عنهما لزرقة عين أحدهما وتشبيه الآخر بالثعلب في حيلته،
وقد مضى مثله في سورة الأنعام، ذيل الآية 112. منه (قدس سره).
أقول: انظر ج 3، ص 86 - 87 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 207، س 18.
3 - الكافي: ج 8، ص 218، ح 268.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 276، س 12.
5 - الكافي: ج 8، ص 218 - 219، ذيل ح 268.
6 - الطور: 6.
7 - تفسير الإمام العسكري: ص 282.
119

من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم
الطيب والعمل الصلح يرفعه والذين يمكرون السيئات
لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور 10
وفي المجالس (1)، والقمي: عن الصادق (عليه السلام) إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على
الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم (2).
* (من كان يريد العزة) *: الشرف والمنعمة (3).
* (فلله العزة جميعا) *: أي فليطلبها من عنده فإن كلها له.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين
فليطع العزيز (4).
* (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصلح يرفعه) *: قيل: بيان لما يطلب به
العزة وهو التوحيد والعمل الصالح (5).
والقمي: قال: كلمة الإخلاص والإقرار بما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) من عند الله من الفرائض
والولاية ترفع العمل الصالح إلى الله (6).
وعن الصادق (عليه السلام): الكلم الطيب: قول المؤمن لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي
الله وخليفة رسول الله، صلوات الله عليهما، قال: والعمل الصالح: الإعتقاد بالقلب، أن هذا هو
الحق من عند الله لا شك فيه من رب العالمين (7).

1 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 149، ح 5، المجلس الثالث والثلاثون.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 253، س 6.
3 - هكذا في الأصل، والصحيح: " الشرف والمنعة ". وقال الطريحي في مجمع البحرين: ج 4، ص 393، وامتنع
بقومه: تقوى بهم في منعة بفتح النون أي في عز قومه، فلا يقدر عليه من يريده.
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 402، س 8.
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 268، س 17.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 208، س 2.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 208، س 3.
120

وعن الباقر (عليه السلام): قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن لكل قول مصداقا من عمل يصدقه أو
يكذبه، فإذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله رفع قوله بعمله إلى الله، وإذا قال وخالف عمله
قوله رد قوله على عمله الخبيث وهوى به في النار (1).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: ولايتنا أهل البيت وأومى بيده إلى
صدره، فمن لم يتولنا لم يرفع الله له عملا (2).
وفي الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): من قال: لا إله إلا الله مخلصا طمست ذنوبه كما
يطمس الحرف الأسود من الرق الأبيض، فإذا قال ثانية: لا إله إلا الله مخلصا خرقت أبواب
السماء وصفوف الملائكة حتى تقول الملائكة بعضها لبعض اخشعوا لعظمة أمر الله، فإذا قال
ثالثة: مخلصا لا إله إلا الله لم تنته دون العرش، فيقول الجليل: اسكني فوعزتي وجلالي لأغفرن
لقائلك بما كان فيه، ثم تلا هذه الآية: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصلح يرفعه " يعني
إذا كان عمله خالصا ارتفع قوله وكلامه (3).
* (والذين يمكرون السيئات) *: المكرات: السيئات، قيل: يعني مكرات قريش
للنبي (صلى الله عليه وآله) في دار الندوة (4) وتدارأهم (5) الرأي في إحدى ثلاث: حبسه وقتله وإجلائه (6).
أقول: ويشمل مكرات أصحاب السقيفة في رد وصية النبي (صلى الله عليه وآله) للوصي صلوات الله
عليهما وغير ذلك.
* (لهم عذاب شديد) *: لا يؤبه دونه بما يمكرون به.
* (ومكر أولئك هو يبور) *: يفسد ولا ينفذ وفي العاقبة يحيق بهم.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 208، س 7.
2 - الكافي: ج 1، ص 430، ح 85، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية. وفيه: " أهوى بيده إلى
صدره ".
3 - الإحتجاج: ج 1، ص 386 - 387، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) وأجوبته على مسائل ابن الكوا.
4 - الندوة: الإجتماع للمشورة، ومنه دار الندوة بمكة التي بناها قصي، لأنهم يندون فيها، أي يجتمعون، مجمع
البحرين: ج 1، ص 412، مادة " ندا ".
5 - يدرؤون: أي يدفعون. وفي الحديث: يتدارؤون الحديث أي يتدافعون، وذلك أن كل واحد منهم يدفع قول
صاحبه بما ينفع له من القول. مجمع البحرين: ج 1، ص 136، مادة " درأ ".
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 268 - 269.
121

والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزوجا وما تحمل
من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص
من عمره إلا في كتب إن ذلك على الله يسير 11 وما
يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح
أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها
وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون 12
* (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزوجا) *: ذكرانا وإناثا.
* (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) *: إلا معلومة له.
* (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتب) *: القمي: يعني
يكتب في كتاب، قال: وهو رد على من ينكر البداء (1).
وفي الجوامع: قيل: معناه لا يطول عمر ولا ينقص إلا في كتاب، وهو أن يكتب في اللوح
لو أطاع الله فلان بقى إلى وقت كذا، وإذا عصى نقص من عمره الذي وقت له، وإليه أشار رسول
الله (صلى الله عليه وآله) في قوله: إن الصدقة وصلة الرحم تعمران الديار وتزيدان في الأعمار (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) ما نعلم شيئا يزيد في العمر إلا صلة الرحم، حتى أن
الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها
ثلاثا وثلاثين سنة، ويكون أجله ثلاثا وثلاثين سنة فيكون قاطعا للرحم فينقصه الله عز وجل
ثلاثين سنة ويجعل أجله إلى ثلاث سنين (3). والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا (4).
* (إن ذلك على الله يسير) *: إشارة إلى الحفظ والزيادة والنقص.
* (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 208، س 11.
2 - جوامع الجامع: ج 3، ص 369، س 10.
3 - الكافي: ج 2، ص 152 - 153، ح 17، باب صلة الرحم. 4 - انظر الخصال: ص 32، ح 112،
باب الواحد، وص 124، ح 119، باب الثلاثة، وص 88، ح 21، باب الثلاثة، وغير ذلك.
122

يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس
والقمر كل يجرى لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك
والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير 13 إن
تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم
ويوم القيمة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير 14
أجاج) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) الأجاج: هو المر (1). قيل: هو مثل للمؤمن والكافر (2).
* (ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها) *: اللئالئ
واليواقيت.
* (وترى الفلك فيه مواخر) *: تشق الماء بجريها.
القمي: يقول الفلك مقبلة ومدبرة بريح واحدة (3).
* (لتبتغوا من فضله) *: من فضل الله بالنقلة فيها.
* (ولعلكم تشكرون) *: على ذلك.
* (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل
يجرى لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما
يملكون من قطمير) *: القمي: قال: الجلدة الرقيقة التي على ظهر النوى (4).
* (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم) *: لأنهم جماد.
* (ولو سمعوا) *: على سبيل الفرض.
* (ما استجابوا لكم) *: لعدم قدرتهم عليها.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 208، س 12.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 269، س 11.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 208، س 12.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 208، س 16.
123

يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد 15
إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد 16 وما ذلك على الله
بعزيز 17 ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى
حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين
يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما
يتزكى لنفسه وإلى الله المصير 18
* (ويوم القيمة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) *: ولا يخبرك بالأمر
مخبر مثل خبير به أخبرك وهو الله سبحانه فإنه الخبير به على الحقيقة دون سائر المخبرين،
والمراد تحقيق ما أخبر به عن حال آلهتهم، ونفي ما يدعون لهم.
* (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) *: في أنفسكم وأحوالكم.
* (والله هو الغنى الحميد) *: المستغني على الإطلاق، المنعم على سائر الموجودات
حتى استحق عليهم الحمد.
* (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) *: بقوم آخرين أطوع منكم.
* (وما ذلك على الله بعزيز) *: بمتعذر أو متعسر.
* (ولا تزر وازرة وزر أخرى) *: ولا تحمل نفس آثمة اثم نفس أخرى، وأما قوله:
" وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم " (1) ففي الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال أضلالهم
مع أثقال ضلالهم، وكل ذلك أوزارهم ليس فيها شئ من أوزار غيرهم.
* (وإن تدع مثقلة) *: نفس أثقلها الأوزار.
* (إلى حملها) *: تحمل بعض أوزارها.
* (لا يحمل منه شئ) *: لم تجب بحمل شئ منها، نفى أن يحمل عنها ذنبها كما نفى أن

1 - العنكبوت: 13.
124

وما يستوي الأعمى والبصير 19 ولا الظلمات ولا
النور 20 ولا الظل ولا الحرور 21 وما يستوي
الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت
بمسمع من في القبور 22
يحمل عليها ذنب غيرها.
* (ولو كان ذا قربى) *: ولو كان المدعو ذا قرابتها، أضمر المدعو لدلالة " إن تدع " عليه.
* (إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة) *: فإنهم المنتفعون
بالإنذار لا غير.
* (ومن تزكى) *: ومن تطهر عن دنس المعاصي.
* (فإنما يتزكى لنفسه) *: إذ نفعه لها.
* (وإلى الله المصير) *: فيجازيهم على تزكيتهم.
* (وما يستوي الأعمى والبصير) *: الكافر والمؤمن.
* (ولا الظلمات ولا النور) *: ولا الباطل، ولا الحق.
* (ولا الظل ولا الحرور) *: ولا الثواب، ولا العقاب، و " لا " لتأكيد نفي الاستواء،
وتكريرها على الشقين لمزيد التأكيد، و " الحرور ": من الحر غلب على السموم.
القمي: الظل: الناس، والحرور: البهائم (1).
* (وما يستوي الاحياء ولا الأموات) *: تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلغ من
الأول، ولذلك كرر الفعل. وقيل: للعلماء والجهلاء (2).
* (إن الله يسمع من يشاء) *: هدايته فيوفقه لفهم آياته، والإتعاظ بعظاته.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 208 - 209.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 271، س 5.
125

إن أنت إلا نذير 23 إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا
وإن من أمة إلا خلا فيها نذير 24 وإن يكذبوك فقد
كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر
وبالكتب المنير 25 ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان
نكير 26
* (وما أنت بمسمع من في القبور) *: المصرين على الكفر.
* (إن أنت إلا نذير) *: فما عليك إلا الإنذار، وأما الإسماع فلا عليك ولا حيلة لك إليه
في المطبوع على قلوبهم.
* (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة) *: أهل عصر.
* (إلا خلا) *: مضى.
* (فيها نذير) *: من نبي أو وصي نبي، القمي: قال: لكل زمان إمام (1).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) لم يمت محمد إلا وله بعيث نذير، قال: فإن قيل: لا فقد ضيع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من في أصلاب الرجال من أمته، قيل: وما يكفيهم القرآن؟ قال: بلى إن وجدوا
له مفسرا، قيل: وما فسره رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: بلى قد فسره لرجل واحد، وفسر للأمة شأن
ذلك الرجل، وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) (2).
* (وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات) *:
بالمعجزات الشاهدة على نبوتهم.
* (وبالزبر وبالكتب المنير) *: كصحف إبراهيم (عليه السلام) والتوراة والإنجيل.
* (ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير) *: أي إنكاري بالعقوبة.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 209، س 4.
2 - الكافي: ج 1، ص 249 - 250، ح 6، باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها.
126

ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرت مختلفا
ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب
سود 27 ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك
إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور 28
* (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرت مختلفا ألوانها ومن
الجبال جدد) *: أي ذو جدد، أي خطط وطرائق.
* (بيض وحمر مختلف ألوانها) *: بالشدة والضعف.
* (وغرابيب سود) *: ومنها غرابيب متحدة اللون، والغربيب تأكيد للأسود، وحقه
أن يتبع المؤكد، قدم لمزيد التأكيد لما فيه من التأكيد باعتبار الإضمار والإظهار.
* (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك) *: كاختلاف الثمار
والجبال.
* (إنما يخشى الله من عباده العلماء) *: إذ شرط الخشية معرفة المخشى، والعلم
بصفاته وأفعاله، فمن كان أعلم به كان أخشى منه، ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله): إني أخشاكم لله
وأتقاكم له (1).
* (إن الله عزيز غفور) *: تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر
على طغيانه، غفور للتائب من (2) عصيانه.
في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) يعني بالعلماء من صدق قوله فعله، ومن لم يصدق فعله قوله
فليس بعالم، وفي الحديث أعلمكم بالله أخوفكم لله (3).
وفي الكافي: عن السجاد (عليه السلام) وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان، فمن عرف الله

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 272، س 3.
2 - وفي نسخة: [عن].
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 407، س 3.
127

إن الذين يتلون كتب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما
رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور 29 ليوفيهم
أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور 30 والذي
أوحينا إليك من الكتب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن
الله بعباده لخبير بصير 31
خافه وحثه الخوف على العمل بطاعة الله، وأن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا
له ورغبوا إليه، وقد قال الله: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " (1).
وعن الصادق (عليه السلام): إن من العبادة شدة الخوف من الله، ثم تلا هذه الآية (2).
وفي مصباح الشريعة: عنه (عليه السلام) دليل الخشية التعظيم لله، والتمسك بخالص الطاعة
وأوامره، والخوف والحذر، ودليلهما العلم، ثم تلا هذه الآية (3).
* (إن الذين يتلون كتب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا
وعلانية يرجون تجارة لن تبور) *: لن تكسد ولن تهلك بالخسران، والتجارة: تحصيل
الثواب بالطاعة.
* (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) *: على ما يقابل أعمالهم، في المجمع: عن
النبي (صلى الله عليه وآله) هو الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليه معروفا في الدنيا (4).
* (إنه غفور) *: لفرطاتهم.
* (شكور) *: لطاعاتهم، أي مجازيهم عليها.
* (والذي أوحينا إليك من الكتب) *: يعني القرآن.

1 - الكافي: ج 8، ص 16، ح 2، س 3.
2 - الكافي: ج 2، ص 69، ح 7، باب الخوف والرجاء.
3 - مصباح الشريعة: ص 23، باب التاسع - في الرعاية.
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 407، س 17.
128

ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم
لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك
هو الفضل الكبير 32
* (هو الحق مصدقا لما بين يديه) *: من الكتب السماوية.
* (إن الله بعباده لخبير بصير) *: عالم بالبواطن والظواهر.
* (ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا) *: يعني العترة الطاهرة خاصة.
* (فمنهم ظالم لنفسه) *: لا يعرف إمام زمانه.
* (ومنهم مقتصد) *: يعرف الإمام.
* (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) *: هو الإمام، في البصائر: عن الباقر (عليه السلام) هي
في ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) (1).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) قال: السابق بالخيرات: الإمام. والمقتصد: العارف للإمام، والظالم
لنفسه: الذي لا يعرف الإمام (2).
وعن الصادق (عليه السلام): إنه قيل له: إنها في الفاطميين، فقال: ليس حيث تذهب، ليس يدخل
في هذا من أشار بسيفه، ودعا الناس إلى ضلال، فقيل: أي شئ الظالم لنفسه؟ قال: الجالس في
بيته لا يعرف حق الإمام، والمقتصد: العارف بحق الإمام، والسابق بالخيرات: الإمام (3).
وعن الكاظم (عليه السلام): أنه تلا هذه الآية، قال: فنحن الذين اصطفانا الله تعالى عز وجل
وأورثنا هذا الكتاب، فيه تبيان كل شئ (4).

1 - بصائر الدرجات: ص 65، ح 3، الجزء الأول، باب 21 - في الأئمة (عليهم السلام) أنهم الذين قال الله فيهم أنهم
أورثهم الكتاب وأنهم السابقون بالخيرات.
2 - الكافي: ج 1، ص 214 و 215، ح 1 و 2، باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة (عليهم السلام).
4 - الكافي: ج 1، ص 226، ح 7، باب أن الأئمة (عليهم السلام) ورثوا علم النبي (صلى الله عليه وآله) وجميع الأنبياء والأوصياء الذين
من قبلهم.
129

وعن الرضا (عليه السلام): إنه سئل عنها؟ فقال: ولد فاطمة (عليها السلام)، والسابق بالخيرات: الإمام،
والمقتصد: العارف بالإمام، والظالم لنفسه: الذي لا يعرف الإمام (1).
وفي العيون: عنه (عليه السلام) أراد الله بذلك العترة الطاهرة، ولو أراد الأمة لكانت بأجمعها في
الجنة لقول الله: " فمنهم ظالم لنفسه " الآية، ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال: " جنت عدن
يدخلونها " الآية (2)، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة، لا لغيرهم (3).
وفي الخرائج: عن الزكي (عليه السلام) كلهم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) الظالم لنفسه: الذي لا يقر
بالإمام (عليه السلام)، والمقتصد: العارف بالإمام، والسابق بالخيرات: هو (4) الإمام (عليه السلام) (5).
وعن الصادق (عليه السلام): أن فاطمة (عليها السلام) لعظمها على الله حرم الله ذريتها على النار، وفيهم
نزلت " ثم أورثنا الكتاب " الآية، ثم فسر الفرق الثلاث بما مر (6).
وفي المجمع: عنه (عليه السلام) الظالم لنفسه منا: من لا يعرف حق الإمام، والمقتصد منا: من يعرف
حق الإمام، والسابق بالخيرات: هو الإمام، وهؤلاء كلهم مغفور لهم (7).
وفي الإحتجاج: عنه (عليه السلام) أنه سئل عنها وقيل له: إنها لولد فاطمة (عليها السلام) خاصة، فقال:
أما من سل سيفه ودعا الناس إلى نفسه إلى الضلال من ولد فاطمة (عليها السلام) فليس بداخل في هذه
الآية، قيل: من يدخل فيها؟ قال: الظالم لنفسه، الذي لا يدعو الناس إلى ضلال ولا هدى،
والمقتصد منا أهل البيت: العارف حق الإمام، والسابق بالخيرات: الإمام (8).
وفي المناقب: عنه (عليه السلام) نزلت في حقنا، وحق ذرياتنا (9).
وفي رواية: عنه وعن أبيه (عليهما السلام) هي لنا خاصة، وإيانا عنا (10).

1 - الكافي: ج 1، ص 215، ح 3، باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة (عليهم السلام).
2 - الرعد: 23.
3 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 229، ح 1، ب 23 - ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والأمة.
4 - وفي نسخة: [السابق بالخيرات: الإمام]، كما في المصدر.
5 - الخرائج والجرائح: ج 2، ص 687، ح 9، باب من اعلام الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام).
6 - الخرائج والجرائح: ج 1، ص 281، ح 13، باب 6 - في معجزات الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام).
7 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 409، س 1.
8 - الإحتجاج: ج 2، ص 138 - 139، احتجاجات الإمام الصادق (عليه السلام).
9 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 4، ص 130، س 5.
10 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 4، ص 130، س 6.
130

جنت عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب
ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير 33
وعن الباقر (عليه السلام): هم آل محمد صلوات الله عليهم (1).
وفي المعاني: عنه (عليه السلام) أنه سئل عنها فقال: نزلت فينا أهل البيت، فقيل: من الظالم
لنفسه؟ قال: من استوت حسناته وسيئاته منا أهل البيت فهو الظالم لنفسه، فقيل: من المقتصد
منكم؟ قال: العابد لله في الحالين حتى يأتيه اليقين، فقيل: فمن السابق منكم بالخيرات؟ قال: من
دعا والله إلى سبيل ربه، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، ولم يكن للمضلين عضدا، ولا
للخائنين خصيما (2)، ولم يرض بحكم الفاسقين إلا من خاف على نفسه ودينه ولم يجد أعوانا (3).
وعن الصادق (عليه السلام): أنه سئل عنها؟ فقال: الظالم يحوم حول نفسه، والمقتصد يحوم حول
قلبه، والسابق يحوم حول ربه عز وجل (4).
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام): أما الظالم لنفسه منا: فمن عمل عملا صالحا وآخر سيئا،
وأما المقتصد: فهو المتعبد المجتهد، وأما السابق بالخيرات: فعلي والحسن والحسين (عليهم السلام)، ومن
قتل من آل محمد صلوات الله عليهم شهيدا (5).
وفي سعد السعود: عنه (عليه السلام) هي لنا خاصة، أما السابق بالخيرات: فعلي ابن أبي طالب
والحسن والحسين (عليهم السلام)، والشهيد منا، وأما المقتصد: فصائم بالنهار وقائم بالليل، وأما الظالم
لنفسه: ففيه ما في الناس، وهو مغفور له (6).
* (ذلك هو الفضل الكبير) *: إشارة إلى التوريث أو الاصطفاء أو السبق.
* (جنت عدن يدخلونها) *: في المعاني: عن الصادق (عليه السلام) يعني المقتصد

1 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 4، ص 130، س 7.
2 - الخصم: هو الذي يدافع عن الدعوى وما في حكمها، ويقصد بالنهي هنا أن لا يكون المؤمن في محل الخصام
مكان الخائنين ضد من يطالبهم بحقوقه فيدافع عن الخائنين، ويبطل حقوق المحقين من أهل الدعوى.
3 و 4 - معاني الأخبار: ص 105 و 104، ح 3 و 1، باب معنى الظالم لنفسه والمقتصد والسابق.
5 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 409، س 3.
6 - سعد السعود: ص 107، س 19.
131

وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور
شكور 34 الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا
فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب 35
والسابق (1).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) في هذه الآية قال: وأما السابق فيدخل الجنة بغير حساب،
وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا، وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام، ثم يدخل الجنة، فهم
الذين قالوا: " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " (2).
* (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا) *: وقرئ لؤلؤا بالنصب.
* (ولباسهم فيها حرير * وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا
لغفور) *: للمذنبين.
* (شكور) *: للمطيعين.
* (الذي أحلنا دار المقامة) *: دار الإقامة.
* (من فضله) *: من إنعامه وتفضله.
* (لا يمسنا فيها نصب) *: تعب.
* (ولا يمسنا فيها لغوب) *: كلال، إذ لا تكليف فيها ولا كد، أتبع نفي النصب نفي ما
يتبعه مبالغة.
القمي: قال: النصب: العناء، واللغوب: الكسل والضجر، ودار المقامة: دار البقاء (3).
وفي الكافي (4)، والقمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا ادخل المؤمن

1 - معاني الأخبار: ص 104 - 105، ح 2، باب معنى الظالم لنفسه والمقتصد والسابق. والرواية منقولة عن أبي
جعفر الباقر (عليه السلام) مع تقديم وتأخير، وإليك نصه، قال: " يعني السابق والمقتصد ".
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 408، س 27.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 209، س 16.
4 - الكافي: ج 8، ص 97، س 7، ح 69، حديث الجنان والنوق. وفيه: " فهم أن يقوم إليها ".
132

والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا
يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزى كل كفور 36
منازله في الجنة وضع على رأسه تاج الملك والكرامة، والبس حلل الذهب والفضة والدر
والياقوت منظوما في الإكليل تحت التاج، والبس سبعين حلة حرير بألوان مختلفة منسوجة
بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر، وذلك قوله تعالى: " يحلون فيها من أساور " الآية.
قال: فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمتها تمشي مقبلة وحولها وصفاؤها، عليها
سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد، صبغن بمسك وعنبر، وعلى رأسها تاج
الكرامة، وفي رجلها نعلان من ذهب مكللتان بالياقوت واللؤلؤ، شراكهما من ياقوت أحمر،
فإذا أدنت من ولي الله وهم أن يقوم إليها شوقا تقول له: يا ولي الله ليس هذا يوم تعب ولا
نصب، ولا تقم أنا لك وأنت لي فيغشيها مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا لا يملها ولا تمله،
قال: فينظر إلى عنقها فإذا عليها قلادة من قصب من ياقوت أحمر وسطها لوح مكتوب أنت يا
ولي الله حبيبي، وأنا الحوراء حبيبتك، إليك تناهت نفسي، وإلي تناهت نفسك، ثم يبعث الله إليه
ألف ملك يهنئونه بالجنة، ويزوجونه الحوراء، الحديث (1). وقد مر تمامه في سورة الرعد (2).
وفي سعد السعود: عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث يذكر فيه ما أعد الله لمحبي علي (عليه السلام) يوم
القيامة، قال: فإذا دخلوا منازلهم وجدوا الملائكة يهنئونهم بكرامة ربهم حتى إذا استقروا
قرارهم، قيل لهم: " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا " (3) قال: نعم ربنا رضينا فارض عنا، قال:
برضاي عنكم وبحبكم أهل بيت نبيي حللتم داري، وصافحتم الملائكة فهنيئا هنيئا " عطاء
غير مجذوذ " (4)، وليس فيه تنغيص فعندها قالوا: " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " الآية (5).
* (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم) *: لا يحكم عليهم بموت ثان.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 246 - 248. 2 - ذيل الآية: 23، أنظر ج 4، ص 203 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - اقتباس من قوله تعالى: " فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا "، الأعراف: 44.
4 - هود: 108.
5 - سعد السعود: ص 111، س 9.
133

وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صلحا غير الذي
كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم
النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير 37 إن الله علم
غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور 38
* (فيموتوا) *: ويستريحوا.
* (ولا يخفف عنهم من عذابها) *: بل كلما خبت زيدوا سعيرا.
* (كذلك نجزى كل كفور) *: وقرئ يجزى على بناء المفعول.
* (وهم يصطرخون فيها) *: يستغيثون بالصراخ.
* (ربنا أخرجنا نعمل صلحا غير الذي كنا نعمل) *: بإضمار القول.
* (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) *: جواب من الله
وتوبيخ لهم، وما يتذكر فيه يتناول كل عمر يمكن فيه من التذكر.
وفي الفقيه (1)، والخصال (2)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) وهو توبيخ لابن ثماني عشرة
سنة (3).
وفي نهج البلاغة: العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة (4).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) مرفوعا: من عمره الله ستين سنة فقد أعذر عليه (5).
* (فذوقوا فما للظالمين من نصير) *: يدفع العذاب عنهم.
* (إن الله علم غيب السماوات والأرض) *: لا يخفى عليه خافية، فلا يخفى عليه
أحوالهم.

1 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 118، ح 561 / 3، باب 27 - النوادر.
2 - الخصال: ص 509، ح 2، باب 18 - ما وبخ الله عز وجل به ابن ثمان وعشرة سنة.
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 410، س 30.
4 - نهج البلاغة: ص 532، قصار الحكم 326.
5 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 410، س 29.
134

هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره
ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد
الكافرين كفرهم إلا خسارا 39 قل أرءيتم شركاءكم
الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض
أم لهم شرك في السماوات أم آتينهم كتبا فهم على بينت
منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا 40
* (إنه عليم بذات الصدور * هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) *: ألقى
إليكم مقاليد التصرف فيها، أو جعلكم خلفا بعد خلف.
* (فمن كفر فعليه كفره) *: جزاء كفره.
* (ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين
كفرهم إلا خسارا) *: بيان له، والتكرير للدلالة على أن اقتضاء الكفر لكل واحد من
الأمرين مستقل باقتضاء قبحه ووجوب التجنب عنه، والمراد بالمقت وهو أشد البغض: مقت
الله، وبالخسار: خسار الآخرة.
* (قل أرءيتم شركاءكم) *: أخبروني عن هؤلاء الشركاء.
* (الذين تدعون من دون الله) *: يعني آلهتهم، والإضافة إليهم لأنهم جعلوهم
شركاء لله أو لأنفسهم فيما يملكونه.
* (أروني ماذا خلقوا من الأرض) *: بدل من أرأيتم.
* (أم لهم شرك في السماوات) *: شركة مع الله في خلقها فاستحقوا بذلك شركة في
الألوهية ذاتية.
* (أم آتينهم) *: أي الشركاء أو المشركين.
* (كتبا) *: ينطق على إنا اتخذنا شركاء.
135

إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن
أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا 41
وأقسموا بالله جهد أيمنهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى
من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا 42
* (فهم على بينت منه) *: على حجة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية، وقرئ
على بينات إشارة إلى أنه لابد في مثله من تعاضد الدلائل.
* (بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا) *: بأنهم شفعاؤهم عند الله
يشفعون لهم بالتقرب إليهم.
* (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما
من أحد من بعده) *: من بعد الله أو من بعد الزوال.
* (إنه كان حليما غفورا) *: حيث أمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدا هدا، كما قال عز
وجل: " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض " (1).
في الكافي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه سئل عن الله عز وجل يحمل العرش أم العرش
يحمله؟ فقال (عليه السلام): الله عز وجل حامل العرش والسماوات والأرض، وما فيهما وما بينهما، وذلك
قول الله تعالى: " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا " الآية (2).
وفي الإكمال: عن الرضا (عليه السلام) في حديث بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا (3).
وعنهم (عليهم السلام): لولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها (4).
* (وأقسموا بالله جهد أيمنهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى
الأمم) *: قيل: وذلك أن قريشا لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم، قالوا: لعن الله اليهود

1 - مريم: 90.
2 - الكافي: ج 1، ص 129، ح 1، باب العرش والكرسي.
3 و 4 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 202 و 207، ح 6 و 22، باب 21 - العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام (عليه السلام).
136

استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ
إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت
الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا 43 أولم يسيروا
في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم
وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شئ في
السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا 44
والنصارى لو أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم (1).
ويأتي في هذا المعنى حديث في سورة ص إن شاء الله (2).
* (فلما جاءهم نذير) *: يعني محمد (صلى الله عليه وآله).
* (ما زادهم) *: أي النذير، أو مجيئه.
* (إلا نفورا) *: تباعدا عن الحق.
* (استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا
بأهله) *: وهو الماكر، قيل: وقد حاق بهم يوم بدر (3).
* (فهل ينظرون) *: ينتظرون.
* (إلا سنت الأولين) *: سنة الله فيه بتعذيب مكذبيهم.
* (فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا) *: إذ لا يبدلها
بجعل التعذيب غيره، ولا يحولها بنقله إلى غيرهم.
* (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم) *:

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 274، س 20.
2 - هكذا في الأصل. ولكن لم نعثر عليه في سورة " ص "، بل عثرنا عليه في سورة الصافات: ذيل الآية 170،
انظر ص 208 من هذا الجزء.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 275، س 5.
137

ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من
دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن
الله كان بعباده بصيرا 45
قيل: استشهاد عليهم بما يشاهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الماضين (1).
والقمي: قال: أولم ينظروا في القرآن، وفي أخبار الأمم الهالكة (2).
* (وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شئ) *: ليسبقه ويفوته.
* (في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما) *: بالأشياء كلها.
* (قديرا) *: عليها.
* (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا) *: من المعاصي.
* (ما ترك على ظهرها) *: ظهر الأرض.
* (من دابة) *: تدب عليها بشؤم معاصيهم.
* (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده
بصيرا) *: فيجازيهم على أعمالهم، وقد سبق ثواب قراءتها في آخر سورة سبأ.
* * *

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 275، س 9.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 210، س 13.
138

سورة يس
139

بسم الله الرحمن الرحيم
يس 1 والقرءان الحكيم 2 إنك لمن المرسلين 3
سورة يس: مكية عند الجميع، قال ابن عباس: إلا آية منها، وهي قوله: " وإذا قيل لهم
أنفقوا " (1) نزلت بالمدينة، عدد آيها ثلاث وثمانون آية كوفي، واثنتان في الباقين.
* (يس) *: قيل معناه: يا إنسان بلغة طي (2).
وفي المعاني عن الصادق (عليه السلام) وأما " يس " فاسم من أسماء النبي (صلى الله عليه وآله)، ومعناه يا أيها
السامع الوحي (3).
وفي الخصال: عن الباقر (عليه السلام) قال: إن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عشرة أسماء: خمسة في القرآن،
وخمسة ليست في القرآن، فأما التي في القرآن: فمحمد، وأحمد، وعبد الله، ويس، ون (4).
وفي الكافي: عنهما (عليهما السلام)، هذا محمد أذن لهم في التسمية به فمن أذن لهم في " يس " يعني
التسمية وهو اسم النبي (صلى الله عليه وآله) (5).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) وفي حديث له في مجلس المأمون، قال: أخبروني عن قول
الله تعالى: " يس * والقرءان الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صرط مستقيم " من عني

1 - يس: 47.
2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 276، س 6.
3 - معاني الأخبار: ص 22، ح 1، باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور من القرآن.
4 - الخصال: ص 426، ح 2، باب العشرة، أسماء النبي (صلى الله عليه وآله) عشرة.
5 - الكافي: ج 6، ص 20، ح 13، باب الأسماء والكنى.
141

على صرط مستقيم 4 تنزيل العزيز الرحيم 5 لتنذر
قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون 6
بقوله: " يس "؟ قالت العلماء: " يس " محمد لم يشك فيه أحد الحديث (1).
وقد سبق تمامه في سورة الأحزاب عند قوله تعالى: " صلوا عليه وسلموا تسليما " (2).
ويأتي أيضا في سورة الصافات (3) مع حديث آخر من الإحتجاج (4) في ذلك إن شاء الله.
وفي المجالس: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله عز وجل: " سلم على إل ياسين " (5) قال:
" يس " محمد، ونحن آل محمد (6).
* (والقرءان الحكيم) *: الواو للقسم.
* (إنك لمن المرسلين * على صرط مستقيم) *: وهو التوحيد، والاستقامة
في الأمور.
والقمي: قال الصادق (عليه السلام): " يس " اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والدليل على ذلك قوله تعالى:
" إنك لمن المرسلين * على صرط مستقيم " قال: على الطريق الواضح (7).
* (تنزيل العزيز الرحيم) *: قال: القرآن، وقرئ بالنصب.
* (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام)
قال: لتنذر القوم الذين أنت فيهم كما أنذر آباؤهم فهم غافلون عن الله، وعن رسوله، وعن
وعيده (8).

1 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 236، باب 23 - ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والأمة.
2 - الأحزاب: 56.
3 - ذيل الآية: 130، انظر ص 200 من هذا الجزء.
4 - الإحتجاج: ج 1، ص 377، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق في آي متشابهة. 5 - الصافات: 130.
6 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 381، ح 1، المجلس الثاني والسبعون. وفيه: " ونحن آل يس ".
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 211، س 13.
8 - الكافي: ج 1، ص 431 - 432، ذيل ح 90، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
142

لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون 7 إنا جعلنا
في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون 8
وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم
فهم لا يبصرون 9
* (لقد حق القول على أكثرهم) *: قال: ممن لا يقرون بولاية علي أمير المؤمنين
والأئمة (عليهم السلام) من بعده (1).
* (فهم لا يؤمنون) *: قال: بإمامة أمير المؤمنين والأوصياء (عليهم السلام) من بعده (عليه السلام) فلما لم
يقروا كانت عقوبتهم ما ذكر الله (2).
* (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون) *: القمي: قد
رفعوا رؤوسهم (3).
* (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا
يبصرون) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) يقول: فأعميناهم فهم لا يبصرون الهدى، أخذ الله سمعهم
وأبصارهم وقلوبهم، فأعماهم عن الهدى (4).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: هذا في الدنيا، وفي الآخرة في نار جهنم مقمحون (5) (6).
القمي: نزلت في أبي جهل بن هشام ونفر من أهل بيته، وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) قام يصلي

1 - الكافي: ج 1، ص 431 - 432، ذيل ح 90، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - الكافي: ج 1، ص 431 - 432، ذيل ح 90، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 212، س 2.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 212، س 2.
5 - القمح: رفع الرأس " فهم مقمحون " أي رافعون رؤوسهم مع غض أبصارهم، لأن الأغلال إلى الأذقان فلا
تخليه يطأطئ رأسه فلا يزال مقمحا يقال: أقمحه الغل: إذا ترك رأسه مرفوعا من ضيقه، فهو مقمح. مجمع
البحرين: ج 2، ص 405 مادة " قمح ".
6 - الكافي: ج 1، ص 431 - 432، ذيل 90، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
143

وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا
يؤمنون 10
وقد حلف أبو جهل لعنه الله لئن رآه يصلي ليدمغنه (1) فجاءه ومعه حجر والنبي (صلى الله عليه وآله) قائم
يصلي، فجعل كلما رفع الحجر ليرميه أثبت الله عز وجل يده، إلى عنقه، ولا يدور الحجر بيده،
فلما رجع إلى أصحابه سقط الحجر من يده، ثم قام رجل آخر وهو من رهطه أيضا، فقال: أنا
أقتله، فلما دنا منه جعل يسمع (2) قراءة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأرعب، فرجع إلى أصحابه فقال: حال
بيني وبينه كهيئة الفحل (3) يخطر بذنبه فخفت أن أتقدم (4).
* (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) *: قال: فلم يؤمن من
أولئك الرهط من بني مخزوم أحد (5).
وفي الكافي: في الحديث السابق فهم لا يؤمنون بالله ولا بولاية علي (عليه السلام)، ومن بعده (6).
قيل: " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين
أيديهم سدا " الآيتين تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا تغني الآيات
والنذر بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم، والأغلال واصلة إلى أذقانهم فلا يخليهم يطأطؤون،
فهم مقمحون، رافعون رؤوسهم، غاضون أبصارهم، في أنهم لا يلتفتون لفت الحق، ولا
يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطؤون رؤوسهم له، وبمن أحاط بهم سدان فغطى أبصارهم
بحيث لا يبصرون قدامهم وورائهم في أنهم محبوسون في مطمورة الجهالة، ممنوعون عن النظر
في الآيات والدلائل (7)، وقرئ سدا بالضم وهو لغة فيه.

1 - دمغه دمغا: أي شجه بحيث يبلغ الدماغ فيهلكه، ودمغته دمغا من باب نفع: كسرت عظم دماغه في الشجة.
مجمع البحرين: ج 5، ص 8، مادة " دمغ ".
2 - وفي نسخة: [يستمع].
3 - الفحل: واحد الفحول، والفحال: وهو الذكر من ذي الحافر والظلف والخف من ذي الروح. مجمع البحرين:
ج 5، ص 439، مادة " فحل ".
4 و 5 - تفسير القمي: ج 2، ص 212، س 5 و 11.
6 - الكافي: ج 1، ص 431 - 432، ذيل ح 90، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
7 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 276 - 277.
144

إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره
بمغفرة وأجر كريم 11 إنا نحن نحى الموتى ونكتب ما
قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين 12
* (إنما تنذر من اتبع الذكر) *: في الكافي: في الحديث السابق يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
* (وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم * إنا نحن نحى
الموتى) *: الأموات بالبعث والجهال بالهداية.
* (ونكتب ما قدموا) *: ما أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة.
* (وآثارهم) *: كعلم علموه، وخطوة مشوا بها إلى المساجد، كإشاعة باطل،
وتأسيس ظلم.
في المجمع: أن بني سلمة كانوا في ناحية من المدينة، فشكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد
منازلهم من المسجد والصلاة معه، فنزلت الآية (2).
* (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) *: قيل: يعني اللوح المحفوظ (3).
والقمي: يعني في كتاب مبين (4).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: أنا والله الإمام المبين أبين الحق من الباطل، وورثته من
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (5).
وفي المعاني: عن الباقر عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال: لما نزلت هذه الآية على رسول
الله (صلى الله عليه وآله) " وكل شئ أحصيناه في إمام مبين " قام أبو بكر، وعمر من مجلسهما، وقالا: يا رسول
الله هو التوراة؟ قال: لا، قالا: فهو الإنجيل؟ قال: لا، قالا: فهو القرآن؟ قال: لا، قال: فأقبل أمير

1 - الكافي: ج 1، ص 431 - 432، ذيل ح 90، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 418، س 20.
3 - قاله البيضاوي: في تفسير أنوار التنزيل: ج 2، ص 277، س 12.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 212، س 14.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 212، س 15.
145

واضرب لهم مثلا أصحب القرية إذ جاءها المرسلون 13
إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا
إليكم مرسلون 14
المؤمنين (عليه السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو هذا إنه الإمام الذي أحصى الله فيه علم كل شئ (1).
وفي الإحتجاج: عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث قال: معاشر الناس ما من علم إلا علمنيه
ربي وأنا علمته عليا، وقد أحصاه الله في، وكل علم علمت فقد أحصيته في إمام المتقين، وما من
علم إلا علمته عليا (2).
* (واضرب لهم مثلا أصحب القرية) *: قرية أنطاكية.
* (إذ جاءها المرسلون) *: قيل: أرسلهم الله أو أرسلهم عيسى على نبينا وآله وعليه
السلام بأمر الله (3).
* (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا) *: فقوينا.
* (بثالث) *: وهو شمعون.
* (فقالوا إنا إليكم مرسلون) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل عن تفسير هذه الآية
فقال: بعث الله رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية فجاءاهم بما لا يعرفون، فغلظوا عليهما،
فأخذوهما وحبسوهما في بيت الأصنام، فبعث الله الثالث: فدخل المدينة فقال: أرشدوني إلى
باب الملك قال: فلما وقف على الباب قال: أنا رجل كنت أتعبد في فلاة من الأرض وقد أحببت
أن أعبد إله الملك، فأبلغوا كلامه الملك فقال: ادخلوه إلى بيت الآلهة، فأدخلوه فمكث سنة مع
صاحبيه فقال: لهما بهذا ينقل قوم من دين إلى دين بالخرق أفلا رفقتما، ثم قال لهما: لا تقران
بمعرفتي، ثم أدخل على الملك، فقال له الملك: بلغني إنك كنت تعبد إلهي فلم أزل وأنت أخي

1 - معاني الأخبار: ص 95، ح 1، باب معنى الإمام المبين.
2 - الإحتجاج: ج 1، ص 74، حديث الغدير، س 10.
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 418، س 31 - 32.
146

فسلني حاجتك؟ فقال: مالي من حاجة أيها الملك، ولكن رأيت رجلين في بيت الآلهة فما
حالهما؟ قال الملك: هذان رجلان أتياني ببطلان ديني ويدعواني إلى إله سماوي فقال: أيها
الملك فمناظرة جميلة فإن يكن الحق لهما اتبعناهما، وإن يكن الحق لنا دخلا معنا في ديننا وكان
لهما ما لنا وعليهما ما علينا، قال: فبعث الملك إليهما فلما دخلا إليه قال لهما صاحبهما: ما الذي
جئتماني به؟ قالا: جئنا ندعوه إلى عبادة الله الذي خلق السماوات والأرض ويخلق في الأرحام
ما يشاء، ويصور كيف يشاء وأنبت الأشجار والثمار وأنزل القطر من السماء، قال: فقال لهما:
إلهكما هذا الذي تدعوان إليه وإلى عبادته إن جئنا بأعمى أيقدر أن يرده صحيحا؟ قالا: إن
سألناه ان يفعل فعل إن شاء، قال: أيها الملك علي بأعمى لم يبصر شيئا قط، قال: فاتي به، فقال
لهما: ادعوا إلهكما أن يرد بصر هذا، فقاما وصليا ركعتين فإذا عيناه مفتوحتان وهو ينظر إلى
السماء، فقال: أيها الملك علي بأعمى آخر فاتي به قال: فسجد سجدة ثم رفع رأسه فإذا الأعمى
يبصر، فقال: أيها الملك حجة بحجة علي بمقعد فاتي به فقال لهما مثل ذلك، فصليا ودعوا الله فإذا
المقعد قد أطلقت رجلاه وقام يمشي، فقال: أيها الملك علي بمقعد آخر فاتي به فصنع به كما صنع
أول مرة فانطلق المقعد، فقال: أيها الملك قد أتيا بحجتين وأتينا بمثلهما، ولكن بقى شئ واحد
فإن كان هما فعلاه دخلت معهما في دينهما، ثم قال: أيها الملك بلغني أنه كان للملك ابن واحد
ومات فإن أحياه إلههما دخلت معهما في دينهما، فقال: له الملك: وأنا أيضا معك ثم قال لهما: قد
بقيت هذه الخصلة الواحدة قد مات ابن الملك فادعوا إلهكما أن يحييه، قال: فخرا ساجدين لله
عز وجل وأطالا السجود ثم رفعا رؤوسهما، وقالا للملك ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من
قبره إن شاء الله، قال: فخرج الناس ينظرون فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من
التراب، قال: فاتي به الملك فعرف أنه ابنه فقال له: ما حالك يا بني؟ قال: كنت ميتا فرأيت
رجلين بين يدي ربي الساعة ساجدين يسألانه أن يحيني فأحياني، قال: يا بني تعرفهما إذا
رأيتهما؟ قال: نعم قال: فأخرج الناس جملة إلى الصحراء فكان يمر عليه رجل رجل فيقول: له
أبوه: انظر، فيقول: لا، ثم مروا عليه بأحدهما بعد جمع كثير فقال: هذا أحدهما وأشار بيده إليه،
ثم مروا أيضا بقوم كثيرين حتى رأى صاحبه الآخر فقال: وهذا الآخر قال: فقال: النبي (عليه السلام)
صاحب الرجلين أما أنا فقد آمنت بإلهكما، وعلمت أن ما جئتما به هو الحق، قال: فقال الملك:
147

وأنا أيضا آمنت بإلهكما وآمن أهل مملكته كلهم (1).
وفي المجمع: قال وهب بن منبه: بعث عيسى هذين الرسولين إلى أنطاكية فأتياها ولم
يصلا إلى ملكها وطالت مدة مقامهما، فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله فغضب وأمر
بحبسهما وجلد كل واحد منهما مائة جلدة، فلما كذب الرسولان وضربا، بعث عيسى (عليه السلام)
شمعون الصفا رأس الحواريين على أثرهما لينصرهما، فدخل شمعون البلدة منكرا فجعل
يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به فرفعوا خبره إلى الملك، فدعاه ورضي عشرته وأنس به
وأكرمه، ثم قال له ذات يوم: أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين
دعواك إلى غير دينك فهل سمعت قولهما؟ قال الملك: حال الغضب بيني وبين ذلك، قال: فإن
رأى الملك دعاهما حتى يتطلع (2) ما عندهما، فدعاهما الملك، فقال لهما شمعون: من أرسلكما
إلى هاهنا؟ قالا: الله الذي خلق كل شئ لا شريك له، قال: وما آيتكما؟ قالا: ما تتمناه، فأمر
الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين (3) وموضع عينيه، كالجبهة فما زالا يدعوان الله حتى
انشق موضع البصر فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارا مقلتين (4) يبصر
بهما، فتعجب الملك فقال شمعون للملك: أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع صنعا (5) مثل هذا،
فيكون لك ولإلهك شرفا؟ فقال الملك: ليس لي عنك سرا إن إلهنا الذي نعبده لا يضر ولا
ينفع، ثم قال الملك: للرسولين إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به وبكما، قالا: إلهنا قادر
على كل شئ، فقال: الملك: إن هاهنا ميتا مات منذ سبعة أيام لم ندفنه حتى يرجع أبوه، وكان
غائبا فجاؤوا بالميت وقد تغير وأروح، فجعلا يدعوان ربهما علانية، وجعل شمعون يدعو ربه
سرا، فقام الميت وقال لهم: إني قد مت منذ سبعة أيام وأدخلت في سبعة أودية من النار، وأنا
أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله، فتعجب الملك، فلما علم شمعون أن قوله أثر في الملك دعاه إلى
الله فآمن وآمن من أهل مملكته قوم وكفر آخرون، وقد روى مثل ذلك العياشي: بإسناده عن

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 212، س 18.
2 - وفي المصدر: " نتطلع "، وهذا هو الأصح.
3 - طمست الشئ طمسا - من باب ضرب -: محوته " فإذا النجوم طمست ": أي ذهب ضوؤها. مجمع البحرين
ج 4، ص 83، مادة " طمس ".
4 - المقل - جمع مقلة كغرفة -: وهي شحمة العين التي تجمع سوادها وبياضها. مجمع البحرين: ج 5، ص 473،
مادة " مقل ".
5 - وفي نسخة: [صنيعا]، كما في المصدر.
148

قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شئ إن
أنتم إلا تكذبون 15 قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون 16
وما علينا إلا البلغ المبين 17 قالوا إنا تطيرنا بكم لئن
لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم 18
الثمالي وغيره عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، إلا أن في بعض الروايات بعث الله الرسولين إلى
أنطاكية، ثم بعث الثالث، وفي بعضها أن عيسى (عليه السلام) أوحى الله إليه أن يبعثهما، ثم بعث وصيه
شمعون ليخلصهما وأن الميت الذي أحياه الله بدعائهما كان ابن الملك، وأنه قد خرج من قبره
ينفض التراب عن رأسه، فقال له: يا بني ما حالك؟ قال: كنت ميتا فرأيت رجلين ساجدين
يسألان الله أن يحييني، قال: يا بني فتعرفهما إذا رأيتهما؟ قال: نعم، فأخرج الناس إلى الصحراء
فكان يمر عليه رجل بعد رجل، فمر أحدهما بعد جمع كثير، فقال: هذا أحدهما، ثم مر الآخر
فعرفهما وأشار بيده إليهما، فآمن الملك وأهل مملكته، إلى هنا كلام صاحب المجمع (1).
* (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) *: لا مزية لكم علينا يقتضي اختصاصكم بما تدعون.
* (وما أنزل الرحمن من شئ) *: وحي ورسالة.
* (إن أنتم إلا تكذبون) *: في دعوى رسالته.
* (قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) *: الاستشهاد بعلم الله يجري مجرى القسم.
* (وما علينا إلا البلغ المبين * قالوا إنا تطيرنا بكم) *: تشأمنا بكم.
قيل: ذلك لاستغرابهم ما ادعوه به وتنفرهم عنه (2).
والقمي: " تطيرنا بكم " قال: بأسمائكم (3).
* (لئن لم تنتهوا) *: عن مقالتكم هذه.

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 419، في القصة.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 278، س 13.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 214، س 20.
149

قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون 19
وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يقوم اتبعوا
المرسلين 20
* (لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم * قالوا طائركم معكم) *: سبب
شؤمكم معكم، وهو سوء عقيدتكم وأعمالكم.
* (أئن ذكرتم) *: أئن وعظتم به تطيرتم أوتوعدتم بالرجم، والتعذيب فحذف الجواب.
* (بل أنتم قوم مسرفون) *: عادتكم الإسراف.
* (وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يقوم اتبعوا المرسلين) *:
القمي: قال: نزلت في حبيب النجار إلى قوله: " وجعلني من المكرمين " (1) (2).
قيل: إنه ممن آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله) وبينهما ستمائة سنه (3).
وقيل: كان في غار يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أظهر دينه (4).
وفي المجالس: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس الذي
يقول " اتبعوا المرسلين " الآية، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو
أفضلهم (5).
وفي الجوامع: عنه (صلى الله عليه وآله) قال: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي
طالب (عليه السلام)، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون، فهم الصديقون، وعلي (عليه السلام) أفضلهم (6).
وفي الخصال: عنه (عليه السلام) قال: ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين مؤمن آل يس، وعلي

1 - يس: 27.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 214، س 21.
3 - قاله البيضاوي: في تفسيره أنواء التنزيل: ج 2، ص 278، س 20.
4 - قاله البيضاوي: في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 278، س 21.
5 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 385، ح 18، المجلس الثاني والسبعون.
6 - جوامع الجامع: ج 3، ص 384، س 10.
150

اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون 21 وما لي لا
أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون 22 أأتخذ من دونه
آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عنى شفعتهم شيئا ولا
ينقذون 23 إني إذا لفي ضلل مبين 24 إني آمنت
بربكم فاسمعون 25 قيل ادخل الجنة قال يليت قومي
يعلمون 26
ابن أبي طالب (عليه السلام)، وآسية امرأة فرعون (1).
* (اتبعوا من لا يسئلكم أجرا) *: على النصح وتبليغ الرسالة.
* (وهم مهتدون) *: إلى خير الدارين.
* (وما لي لا أعبد الذي فطرني) *: تلطف في الإرشاد بإيراده في معرض المناصحة
لنفسه، وإمحاض النصح حيث أراد لهم ما أراد لنفسه، والمراد: تقريعهم على تركهم عبادة
خالقهم إلى عبادة غيره، ولذلك قال: " وإليه ترجعون ".
* (وإليه ترجعون) *: مبالغة في التهديد، ثم عاد إلى المساق الأول فقال:
* (أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عنى شفعتهم
شيئا) *: لا تنفعني شفاعتهم.
* (ولا ينقذون) *: بالنصر والمضاهرة.
* (إني إذا لفي ضلل مبين) *: بين لا يخفى على عاقل.
* (إني آمنت بربكم) *: الذي خلقكم أو هو خطاب للرسل بعدما أراد القوم أن يقتلوه.
* (فاسمعون) *: فاسمعوا إيماني.
* (قيل ادخل الجنة) *: قيل له ذلك لما قتلوه، بشرى بأنه من أهل الجنة أو إكراما

1 - الخصال: ص 174، ح 230، باب 3 - ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين.
151

بما غفر لي ربى وجعلني من المكرمين 27 وما أنزلنا على
قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين 28
إن كانت إلا صيحة وحدة فإذا هم خامدون 29 يا حسرة
على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون 30
وإذنا في دخولها (1).
* (قال يليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربى وجعلني من المكرمين) *:
في الجوامع: ورد في حديث مرفوع أنه نصح قومه حيا وميتا (2).
* (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء) *: لإهلاكهم كما أرسلنا
يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة.
* (وما كنا منزلين) *: وما صح في حكمتنا أن ننزل إذ قدرنا لكل شئ سببا وجعلنا
ذلك سببا لانتصارك من قومك.
وقيل: " ما " موصولة معطوفة على جند، أي وما كنا منزلين على من قبلهم من حجارة
وريح وأمطار شديده (3).
* (إن كانت) *: ما كانت الأخذة.
* (إلا صيحة وحدة) *: صاح بها جبرئيل (عليه السلام).
* (فإذا هم خامدون) *: ميتون، شبهوا بالنار رمزا إلى أن الحي كالنار الساطع والميت
كرمادها.
* (يا حسرة على العباد) *: تعالى فهذا أوانك.

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 279.
2 - جوامع الجامع: ج 3، ص 385، س 18.
3 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 279، س 18.
152

ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون 31
وإن كل لما جميع لدينا محضرون 32 وآية لهم الأرض
الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون 33 وجعلنا
فيها جنت من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون 34
ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون 35
وفي الجوامع: عن السجاد (عليه السلام) يا حسرة العباد على الإضافة إليهم لاختصاصها بهم من
حيث أنها موجهة إليهم (1).
* (ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون) *: فإن المستهزئين بالناصحين
المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين أحقاء بأن يتحسروا، ويتحسر عليهم، وقد تلهف على
حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين.
* (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون * وإن كل
لما جميع لدينا محضرون) *: " إن " مخففة من الثقيلة و " ما " مزيدة للتأكيد، وقرئ لما
بالتشديد بمعنى إلا فيكون " إن " نافية.
* (وآية لهم الأرض الميتة) *: وقرئ بالتشديد.
* (أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون) *: قيل: قدم الصلة للدلالة على أن
الحب معظم ما يؤكل ويعاش به (2).
* (وجعلنا فيها جنت من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون *
ليأكلوا من ثمره) *: ثمر ما ذكر، وقرئ بضمتين.
* (وما عملته أيديهم) *: مما يتخذ منه كالعصير والدبس ونحوهما، وقرئ بلا هاء،

1 - جوامع الجامع: ج 3، ص 387، س 5.
2 - قاله البيضاوي: في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 280، س 11.
153

سبحن الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن
أنفسهم ومما لا يعلمون 36 وآية لهم الليل نسلخ منه
النهار فإذا هم مظلمون 37 والشمس تجرى لمستقر لها
ذلك تقدير العزيز العليم 38
وقيل: " ما " نافية (1).
* (أفلا يشكرون * سبحن الذي خلق الأزواج كلها) *: الأنواع والأصناف.
* (مما تنبت الأرض) *: من النبات والشجر.
* (ومن أنفسهم) *: الذكر والأنثى.
* (ومما لا يعلمون) *: وأزواجا مما لا يطلعهم الله عليه.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) أن النطفة تقع من السماء إلى الأرض على النبات، والثمر،
والشجر، فيأكل الناس منه والبهائم فتجري فيهم (2).
* (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) *: نزيله ونكشف عن مكانه مستعار من
سلخ الشاة.
* (فإذا هم مظلمون) *: داخلون في الظلام.
في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) يعني قبض محمد (صلى الله عليه وآله)، وظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل
أهل بيته (3).
* (والشمس تجرى لمستقر لها) *: لحد معين ينتهي إليه دورها.
وفي المجمع: عنهما (عليهما السلام) " لا مستقر لها " بنصب الراء (4) أي لا سكون لها فإنها متحركة
دائما.

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 280، س 18.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 215، س 3.
3 - الكافي: ج 8، ص 379، قطعة من ح 574.
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 423، في القراءة.
154

والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم 39 لا
الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار
وكل في فلك يسبحون 40
* (ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر) *: وقرئ بالنصب.
* (قدرناه) *: قدرنا مسيره.
* (منازل) *: وهي ثمانية وعشرون منزلا، ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه، ولا
يتقاصر عنه.
* (حتى عاد كالعرجون القديم) * (1): كالشمراخ (2) المعوج العتيق.
* (لا الشمس ينبغي لها) *: يصح لها ويتسهل.
* (أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) *: يسيرون
فيه بانبساط.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) يقول: الشمس: سلطان النهار، والقمر: سلطان الليل، لا ينبغي
للشمس أن تكون مع ضوء القمر في الليل، ولا يسبق الليل النهار، يقول: لا يذهب الليل حتى
يدركه النهار (3).
" وكل في فلك يسبحون " يقول: يجيئ وراء الفلك (4) الإستدارة (5).
أقول: يعنى يجئ تابعا لسير الفلك على الإستدارة.
وفي المجمع: عن العياشي عن الرضا (عليه السلام) إن النهار خلق قبل الليل، وفي قوله تعالى:

1 - القمي: قال: العرجون طلع النخل وهو مثل الهلال في أول طلوعه ج 2، ص 215، أقول: وصفه بالقديم لا
يلائم هذا التفسير منه (قدس سره).
2 - الشمراخ - بالكسر -: العثكال عليه بسر أو رطب كالشمروخ. القاموس المحيط: ج 1، ص 263، مادة " شمخ ".
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 214. 4 - الفلك: واحد وجمع مذكر ومؤنث وبها جميعا ورد في القرآن منه (قدس سره).
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 214، س 19.
155

وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون 41
وخلقنا لهم من مثله ما يركبون 42
" ولا الليل سابق النهار " قال: أي قد سبقه النهار (1).
وفي الإحتجاج: عن الصادق (عليه السلام) خلق النهار قبل الليل، والشمس قبل القمر،
والأرض قبل السماء (2).
وزاد في الكافي: وخلق النور قبل الظلمة (3).
* (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون) *: المملو أي فلك نوح كما في
قوله: " ذرية من حملنا مع نوح " (4) وحمل الله ذريتهم فيها حمل آبائهم الأقدمين، وفي أصلابهم
ذرياتهم، وتخصيص الذرية لأنه أبلغ في الامتنان، وأدخل في التعجب مع الايجاز.
وفي الخصال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث أنه سئل فما التسعون؟ فقال: الفلك
المشحون اتخذ نوح فيه تسعين بيتا للبهائم (5).
وقيل: ذريتهم: أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجاراتهم، أو صبيانهم ونسائهم الذين
يستصحبونهم، فإن الذرية تقع عليهن لأنهن مزارعها، وتخصيصهم لأن استقرارهم فيها أشق
وتماسكهم فيها أعجب (6).
القمي: قال: السفن الممتلية (7)، وكأنه ناظر إلى المعني الأخير لتعميمه الفلك.
* (وخلقنا لهم من مثله) *: من مثل الفلك.

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 425، س 19.
2 - الإحتجاج: ج 2، ص 100، احتجاج الصادق (عليه السلام) على اليماني في علم النجوم.
3 - الكافي: ج 8، ص 145، ح 116.
4 - الاسراء: 3.
5 - الخصال: ص 598، س 6، قطعة من حديث 1، باب الواحد إلى المائة.
6 - قاله البيضاوي: في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 281، س 22.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 215، س 19.
156

وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولاهم ينقذون 43 إلا رحمة
منا ومتاعا إلى حين 44 وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم
وما خلفكم لعلكم ترحمون 45 وما تأتيهم من آية من
آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين 46 وإذا قيل لهم
أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم
من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلل مبين 47
* (ما يركبون) *: من الأنعام والدواب، ولا سيما من الإبل فإنها سفائن البر، أو من
السفن والزوارق.
* (وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم) *: فلا مغيث لهم يحرسهم من الغرق.
* (ولا هم ينقذون) *: ينجون من الموت.
* (إلا رحمة منا ومتاعا) *: إلا لرحمته ولتمتيع بالحياة.
* (إلى حين) *: زمان قدر لآجالهم.
* (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم) *: في المجمع: عن الصادق (عليه السلام)
معنى اتقوا ما بين أيديكم من الذنوب، وما خلفكم من العقوبة (1).
* (لعلكم ترحمون) *: لتكونوا راجين رحمة الله، وجواب " إذا " محذوف، دل عليه ما
بعده كأنه قيل: أعرضوا.
* (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) *: لأنهم
إعتادوا وتمرنوا عليه.
* (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله) *: على محاويجكم.

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 427، س 7.
157

ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين 48 ما
ينظرون إلا صيحة وحدة تأخذهم وهم يخصمون 49 فلا
يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون 50
* (قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) *: إما
تهكم به من إقرارهم بالله وتعليقهم الأمور بمشيئة الله، وإما إيهام بأن الله لما كان قادرا أن
يطعمهم فلم يطعمهم فنحن أحق بذلك وهذا من فرط جهالتهم فإن الله يطعم بأسباب منها
حث الأغنياء على إطعام الفقراء وتوفيقهم له.
* (إن أنتم إلا في ضلل مبين * ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم
صادقين) *: يعنون وعد البعث.
* (ما ينظرون إلا صيحة وحدة) *: هي النفخة الأولى.
* (تأخذهم وهم يخصمون) *: أصله يختصمون، يعني يتخاصمون في متاجرهم
ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم أمرها كقوله: " فأخذتهم " الساعة بغتة.
* (فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون) *: القمي: قال: ذلك في آخر
الزمان يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون فيموتون كلهم في مكانهم لا يرجع
أحد إلى منزله، ولا يوصى بوصية (1).
وفي المجمع: في الحديث تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فما يطويانه
حتى تقوم الساعة، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم الساعة، والرجل
يليط (2) حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم (3).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 215، س 21.
2 - لطت الحوض بالطين لوطا: أي ملطته وطينته. مجمع البحرين: ج 4، ص 272 - 273، مادة " لوط ".
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 427، س 24.
158

ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون 51
قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن
وصدق المرسلون 52 إن كانت إلا صيحة وحدة فإذا هم
جميع لدينا محضرون 53
* (ونفخ في الصور) *: أي مرة ثانية كما يأتي في سورة الزمر (1).
* (فإذا هم من الأجداث) *: من القبور.
* (إلى ربهم ينسلون) *: يسرعون.
* (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) *: في الجوامع: عن علي (عليه السلام) إنه قرأ " من
بعثنا " على " من " الجارة والمصدر (2).
* (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: فإن
القوم كانوا في القبور فلما قاموا حسبوا أنهم كانوا نياما " قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا "
قالت الملائكة: " هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " (3).
* (إن كانت إلا صيحة وحدة) *: هي النفخة الأخيرة.
* (فإذا هم جميع لدينا محضرون) *: بمجرد الصيحة، وفي ذلك تهوين أمر البعث
والحشر واستغناؤه عن الأسباب التي ينوط بها فيما يشاهدونه.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: كان أبو ذر (رحمه الله) يقول في خطبته: وما بين الموت والبعث
إلا كنومة نمتها، ثم استيقظت منها الحديث (4).
والقمي: عنه: (عليه السلام) قال: إذا أمات الله أهل الأرض لبث كمثل ما خلق الله الخلق ومثل
ما أماتهم وأضعاف ذلك، ثم أمات أهل سماء الدنيا، ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق، ومثل ما

1 - ذيل الآية: 68.
2 - جوامع الجامع: ج 3، ص 392، س 15.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 216، س 4.
4 - الكافي: ج 2، ص 134، ح 18، باب ذم الدنيا والزهد فيها.
159

فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون 54
إن أصحب الجنة اليوم في شغل فكهون 55
أمات أهل الأرض وأهل سماء الدنيا وأضعاف ذلك، ثم أمات أهل السماء الثانية، ثم لبث مثل
ما خلق الله الخلق، ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل السماء الدنيا والسماء الثانية وأضعاف
ذلك، ثم أمات أهل السماء الثالثة، ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق، ومثل ما أمات أهل الأرض
وأهل السماء الدنيا، والسماء الثانية والثالثة وأضعاف ذلك في كل سماء مثل ذلك وأضعاف ذلك،
ثم أمات ميكائيل، ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق، ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك، ثم أمات
جبرائيل، ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق، ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك، ثم أمات إسرافيل، ثم
لبث مثل ما خلق الله الخلق، ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك، ثم أمات ملك الموت، ثم لبث مثل
ما خلق الله الخلق، ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك، ثم يقول الله عز وجل: لمن الملك اليوم؟ فيرد
على نفسه لله الواحد القهار، أين الجبارون؟ أين الذين ادعوا معي إله آخر؟ أين المتكبرون
ونخوتهم؟ ثم يبعث الخلق، قال الراوي: فقلت: إن هذا الأمر كائن طول ذلك؟ فقال (عليه السلام):
أرأيت ما كان هل علمت به؟ فقلت: لا، قال: فكذلك هذا (1).
* (فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون * إن أصحب
الجنة اليوم في شغل فكهون) *: متلذذون في النعمة، وإبهامه لتعظيم ما هم فيه. القمي:
قال: في افتضاض (2) العذارى (3) فاكهون (4)، قال: يفاكهون النساء ويلاعبونهن (5).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 256 - 257.
2 - أصل الفض الكسر، يقال: فضضت الختم فضا من باب - قتل -: كسرته، وفضضت البكارة: أزلتها على
التشبيه بالختم. مجمع البحرين: ج 6، ص 222 - 223، مادة " فضض ".
3 - عذرة الجارية: بكارتها، وامرأة عذراء - مثل حمراء -: البكر، لأن عذرتها وهي جلدة البكارة باقية، ودم
العذرة: دم البكارة، وجمعها عذارى. مجمع البحرين: ج 3، ص 398، مادة " عذر ".
4 - الفكاهة - بالضم -: المزاح، والفاكه: الناعم. لسان العرب: ج 10، ص 310، مادة " فكه ".
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 216، س 8.
160

هم وأزواجهم في ظلل على الأرائك متكئون 56 لهم فيها
فكهة ولهم ما يدعون 57 سلم قولا من رب رحيم 58
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) شغلوا بافتضاض العذارى، قال: وحواجبهن كالأهلة،
وأشفار أعينهن كقوادم (1) النسور (2).
* (هم وأزواجهم في ظلل) *: وقرئ في ظلل.
* (على الأرائك) *: السرر المزينة.
* (متكئون) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: الأرائك: السرر عليها الحجال (3) (4).
وعنه (عليه السلام) قال: قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره
فرحا (5) في حديث قد سبق بعضه في أواخر سورة فاطر (6).
* (لهم فيها فكهة ولهم ما يدعون) *: قيل: افتعال من الدعاء (7).
وقيل: أي يتمنون من قولهم ادع علي ما شئت أي تمنه (8).
وقيل: ما يدعونه في الدنيا من الجنة ودرجاتها (9).
* (سلم قولا من رب رحيم) *: يقال لهم: قولا كائنا من جهته يعني أن الله يسلم
عليهم. القمي: قال: السلام منه: هو الأمان (10).

1 - قوادم الطير: مقاديم ريشه، وهي عشرة في كل جناح. مجمع البحرين: ج 6، ص 136، مادة " قدم ".
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 429، س 16.
3 - الحجلة - بالتحريك -: واحدة حجال، وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والتور. مجمع البحرين: ج 5، ص
349، مادة " حجل ".
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 216، س 10.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 247، س 6.
6 - ذيل الآية: 35، انظر ص 132 - 133 من هذا الجزء.
7 و 8 و 9 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 284.
10 - تفسير القمي: ح 2، ص 216، س 11.
161

وامتازوا اليوم أيها المجرمون 59 ألم أعهد إليكم يبنى
آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين 60
* (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) *: وانفردوا عن المؤمنين، وذلك حين يسار
بالمؤمنين إلى الجنة كقوله تعالى: " ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون " (1).
القمي: قال: إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتى يلجمهم العرق
فينادوا يا رب حاسبنا ولو إلى النار، قال: فيبعث الله عز وجل رياحا فتضرب بينهم وينادي
مناد: " وامتازوا اليوم أيها المجرمون " فيميز بينهم فصار المجرمون في النار، ومن كان في قلبه
الإيمان صار في الجنة (2).
* (ألم أعهد إليكم يبنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان) *: جعلها عبادة
الشيطان لأنه الآمر بها المزين لها (3)، وقد ثبت أن كل من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد
عبده كما قال الله عز وجل: " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " (4) حيث أحلوا
لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فأطاعوهم، ومن عبد غير الخالق فقد عبد هواه كما قال الله
تعالى: " أفرأيت من اتخذ إلهه هويه " (5) ومن عبد هواه فقد عبد الشيطان.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) من أطاع رجلا في معصية فقد عبده (6).
وعن الباقر (عليه السلام) من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يروي عن الله فقد عبد
الله عز وجل، وإن كان الناطق يروي عن الشيطان فقد عبد الشيطان (7).

1 - الروم: 14.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 216. وفيه: " فصار المجرمون إلى النار ومن كان في قلبه إيمان صار إلى الجنة ".
3 - العبارة غير واضحة ولا نعرف لها مفهوما صحيحا، وقد اقتبسها من أنوار التنزيل: ج 2، ص 284، س 9.
4 - التوبة: 31.
5 - الجاثية: 23.
6 - الكافي: ج 2، ص 398، ح 8، باب الشرك.
7 - الكافي: ج 6، ص 434، ح 24، باب الغناء. وفيه: " يؤدي " بدل " يروي " في الموردين. وجاء مثله في
الإعتقادات في دين الإمامية للشيخ الصدوق: ص 84، باب 39 - الاعتقاد في التقية.
162

وأن اعبدوني هذا صرط مستقيم 61 ولقد أضل منكم جبلا
كثيرا أفلم تكونوا تعقلون 62 هذه جهنم التي كنتم توعدون
63 اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون 64 اليوم نختم على
أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون 65
* (إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صرط مستقيم) *: إشارة إلى ما
عهد إليهم أو إلى عبادة الله.
* (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا) *: أي خلقا كثيرا، وفيه لغات متعددة، وقرئ بها.
* (أفلم تكونوا تعقلون * هذه جهنم التي كنتم توعدون * اصلوها اليوم
بما كنتم تكفرون) *: ذوقوا حرها اليوم بكفركم في الدنيا.
* (اليوم نختم على أفواههم) *: نمنعهم عن الكلام.
* (وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) *: القمي: قال: إذا جمع
الله عز وجل الخلق يوم القيامة دفع إلى كل إنسان كتابه فينظرون فيه فينكرون أنهم عملوا من
ذلك شيئا، فتشهد عليهم الملائكة فيقولون: يا رب ملائكتك يشهدون لك، ثم يحلفون أنهم لم
يعملوا من ذلك شيئا، وهو قول الله عز وجل " يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون
لكم " (1) فإذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم، وتنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون (2).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) وليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما تشهد على من حقت
عليه كلمة العذاب فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه، قال الله عز وجل: " فأما من أوتى كتبه
بيمينه " (3) " فأولئك يقرءون كتبهم ولا يظلمون فتيلا " (4) (5).

1 - المجادلة: 18.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 216، س 17.
3 - الانشقاق: 7.
4 - الإسراء: 71.
5 - الكافي: ج 2، ص 32، ح 1، باب آخر منه. وفيه: أن الإسلام قبل الإيمان.
163

ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى
يبصرون 66 ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما
استطاعوا مضيا ولا يرجعون 67 ومن نعمره ننكسه في
الخلق أفلا يعقلون 68
* (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم) *: لمسحنا أعينهم حتى تصير ممسوحة (1).
* (فاستبقوا الصراط) *: فاستبقوا إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه.
* (فأنى يبصرون) *: الطريق وجهة السلوك فضلا عن غيره.
* (ولو نشاء لمسخناهم) *: بتغيير صورهم وإبطال قواهم.
* (على مكانتهم) *: مكانهم بحيث يخمدون فيه.
القمي: يعني في الدنيا (2)، وقرئ مكاناتهم.
* (فما استطاعوا مضيا) *: ذهابا.
* (ولا يرجعون) *: ولا رجوعا، أو لا يرجعون عن تكذيبهم.
* (ومن نعمره) *: نطل عمره (3).
* (ننكسه في الخلق) *: نقلبه فيه، فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاص بنيته وقواه عكس
ما كان عليه بدو أمره، وقرئ بالتخفيف.
* (أفلا يعقلون) *: إن من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ، فإنه مشتمل عليهما

1 - المسح - بالمهملتين -: المحو. منه (قدس سره).
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 217، س: 1.
3 - القمي: قوله: " ومن نعمره ننكسه في الخلق " رد على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد، ويقولون: إن الرجل
إذا نكح المرأة وصارت النطفة في رحمها تلقته أشكال من الغذاء، ودار عليه الفلك، ومر عليه الليل والنهار فيولد
الإنسان بالطبايع، فقال الله تعالى: لو كان هذا كما يقولون ينبغي أن يزيد الإنسان أبدا ما دامت الأشكال قائمة،
والليل والنهار قائمين والفلك يدور، فكيف صار يرجع إلى النقصان كلما ازداد في الكبر؟ منه (قدس سره). انظر تفسير
القمي: ج 2، ص 217، س 2.
164

وما علمنه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن
مبين 69
وزيادة، غير أنه على تدرج، وقرئ بالتاء.
* (وما علمنه الشعر) *: بتعليم القرآن، يعني ليس ما أنزلناه عليه من صناعة الشعر
في شئ أي مما يتوخاه الشعراء من التخيلات المرغبة والمنفرة ونحوها مما لا حقيقة له، ولا
أصل، وإنما هو تمويه محض موزونا كان أو غير موزون.
* (وما ينبغي له) *: يعني هذه الصناعة.
القمي: قال كانت قريش تقول: إن هذا الذي يقوله محمد (صلى الله عليه وآله) شعر، فرد الله عز وجل
عليهم قال (1): ولم يقل رسول الله (صلى الله عليه وآله) شعرا قط (2).
أقول: كأن المراد: أنه لم يقل كلاما شعريا، لا أنه لم يقل كلاما موزونا، فإن الشعر يطلق
على المعنيين جميعا، ولهذا عدوا القرآن شعرا مع أنه ليس بمقفى ولا موزون، وقد ورد في
الحديث أن من الشعر لحكمة (3) يعني من الكلام الموزون، وقد نقل عنه (صلى الله عليه وآله) كلمات موزونة
كقوله:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب (4)
وقوله:
هل أنت إلا إصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت (5)
وغير ذلك، وما روته العامة: أنه (صلى الله عليه وآله) كان يتمثل بالأبيات على غير وجهها لتصير غير

1 - أي قال الله: " وما علمنه الشعر وما ينبغي له ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 217، س 11.
3 - تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان المعروف " بتفسير النيسابوري " بهامش تفسير الطبري المجلد
العاشر: ج 23 ص 33.
4 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 285، س 11.
5 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 285، س 11.
165

لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين 70 أولم
يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعما فهم لها
ملكون 71
موزونة لم يثبت، فإن صح فلعله إنما فعل ذلك لئلا يتوهموا أنه شاعر، وأن كلامه كلام شعري،
فإن الوزن والقافية ليسا بنقص في الكلام، ولو كان نقصا ما أتى بهما أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد
استفاض عنه الأبيات، وكذا عن ساير الأئمة، وإنما النقص في الكلام الشعري.
قال في المجمع: وقد صح أنه (صلى الله عليه وآله) كان يسمع الشعر ويحث عليه، وقال لحسان بن ثابت:
لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك (1).
* (إن هو إلا ذكر) *: عظة.
* (وقرآن مبين) *: كتاب سماوي يتلى في المعابد.
* (لينذر) *: وقرئ بالتاء.
* (من كان حيا) *: في المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أي عاقلا (2).
والقمي: يعني مؤمنا حي القلب (3) وفي معناه خبر آخر مر في سورة الأنعام عند قوله:
" أومن كان ميتا فأحييناه " (4) والمعنيان متقاربان.
* (ويحق القول) *: وتجب كلمة العذاب.
* (على الكافرين) *: المصرين على الكفر.
* (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا) *: قيل: يعني مما تولينا إحداثه ولم
يقدر على إحداثه غيرنا، وذكر الأيدي وإسناد العمل إليها إستعارة تفيد مبالغة في
الإختصاص والتفرد بالإحداث (5).

1 و 2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 432.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 217، س 14.
4 - ذيل الآية: 122، انظر ج 3، ص 93 - 94 من كتابنا تفسير الصافي.
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 285، س 20.
166

وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون 72 ولهم فيها
منافع ومشارب أفلا يشكرون 73 واتخذوا من دون
الله آلهة لعلهم ينصرون 74 لا يستطيعون نصرهم وهم
لهم جند محضرون 75
والقمي: أي بقوتنا خلقناها (1).
* (أنعما) *: خصها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع.
* (فهم لها ملكون) *: يتصرفون فيها بتسخيرنا إياها لهم.
* (وذللناها لهم) *: فصيرناها منقادة لهم، فإن الإبل مع قوتها وعظمها يسوقها الطفل.
* (فمنها ركوبهم) *: مركوبهم.
* (ومنها يأكلون) *: أي يأكلون لحمه.
* (ولهم فيها منافع) *: بما يكسبون بها، و (2) من الجلود، والأصواف، والأوبار.
* (ومشارب) *: من ألبانها.
* (أفلا يشكرون) *: نعم الله في ذلك.
* (واتخذوا من دون الله آلهة) *: أشركوها به في العبادة.
* (لعلهم ينصرون) *: رجاء أن ينصروهم.
* (لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام)
يقول: لا يستطيع الآلهة لهم نصرا " وهم " للآلهة " جند محضرون " (3).
قيل: أي معدون لحفظهم والذب عنهم أو محضرون أثرهم في النار (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 217، س 16.
2 - هكذا في الأصل، والظاهر أن حرف " الواو " زائد.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 217، س 20. وفيه: " لا يستطيعون ": الآلهة لهم نصرا، " وهم لهم " أي للآلهة " جند
محضرون ".
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 286، س 9.
167

فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون 76 أولم
ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين 77
وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحيي العظم وهي
رميم 78 قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل
خلق عليم 79
* (فلا يحزنك قولهم) *: في الله بالشرك والإلحاد، أو فيك بالتكذيب والتهجين.
* (إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون) *: فنجازيهم عليه، وكفى بذلك تسلية لك.
* (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين) *: القمي: أي
ناطق عالم بليغ (1).
قيل: تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه في إنكارهم الحشر (2).
* (وضرب لنا مثلا) *: أمرا عجيبا وهو نفي القدرة على إحياء الموتى.
* (ونسى خلقه) *: خلقنا إياه.
* (قال من يحيي العظم وهي رميم) *: منكرا إياه مستبعدا له، والرميم: ما بلى من
العظام.
* (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) *: فإن قدرته كما كانت.
* (وهو بكل خلق عليم) *: يعلم تفاصيل المخلوقات وكيفية خلقها وأجزائها المتفتتة
المتبددة أصولها وفصولها ومواقعها، وطريق تميزها، وضم بعضها إلى بعض.
العياشي: عن الصادق (عليه السلام) قال: جاء أبي بن خلف فأخذ عظما باليا من حائط ففته ثم

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 218، س 1.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 286، س 13.
168

الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه
توقدون 80
قال: يا محمد: إذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا (1) فنزلت (2).
وفي الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مثله (3).
وعن الصادق (عليه السلام): أن الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن في ضياء وفسحة، وروح
المسئ في ضيق وظلمة، والبدن يصير ترابا كما منه خلق، وما تقذف به السباع والهوام من
أجوافها مما أكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب (4) عنه مثقال ذرة في
ظلمات الأرض، وبعلم عدد الأشياء ووزنها وأن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب
فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور فتربو (5) الأرض ثم تمخض مخض السقاء
فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض،
فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح فتعود الصور بإذن
المصور كهيئتها وتلج الروح فيها فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا (6).
* (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا) *: قيل: بأن يسحق المرخ (7) على
العفار (8) وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار (9).

1 - اقتباس من قوله تعالى: " وقالوا أإذا كنا عظما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا ". الإسراء: 49 و 98.
2 - تفسير العياشي: ج 2، ص 296 - 297، ح 89.
3 - الإحتجاج: ج 1، ص 318، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على اليهود من أحبارهم ممن قرأ الصحف والكتب.
4 - يعزب: أي لا يغيب عن عمله، ولا يخفى. مجمع البحرين: ج 2، ص 120، مادة " عزب ".
5 - الربوة - مثلث الراء -: الارتفاع من الأرض. مجمع البحرين: ج 1، ص 174، مادة " ربا ".
6 - الإحتجاج: ج 2، ص 98، احتجاج الصادق (عليه السلام) على الزنديق.
7 - المرخ: شجر كثير الوري سريعة. لسان العرب: ج 13، ص 68، مادة " مرخ ".
8 - العفار: شجر يتخذ منه الزناد. لسان العرب: ج 9، ص 287، مادة " عفر ".
9 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 287، س 3.
169

أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقدر على أن
يخلق مثلهم بلى وهو الخلق العليم 81
القمي: وهو المرخ والعفار يكون في ناحية من بلاد العرب فإذا أرادوا أن يستوقدوا
أخذوا من ذلك الشجر ثم أخذوا عودا فحركوه فيه فيستوقدون منه النار (1).
* (فإذا أنتم منه توقدون) *: لا تشكون في أنها نار تخرج منه.
* (أوليس الذي خلق السماوات والأرض) *: مع كبر جرمهما وعظم شأنهما.
* (بقدر على أن يخلق مثلهم) *: في الصغر والحقارة، وقرئ يقدر.
* (بلى) *: جواب من الله.
* (وهو الخلق العليم) *: كثير المخلوقات والمعلومات.
في الإحتجاج: عن الصادق (عليه السلام) وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله به
نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحيائه، له فقال حاكيا عنه: " وضرب لنا
مثلا ونسى خلقه " الآية فأراد من نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يجادل المبطل الذي قال: كيف يجوز أن يبعث
هذه العظام وهي رميم؟ قال: " قل يحييها الذي أنشأها أول مرة " أفيعجز من ابتدأه لا من شئ
أن يعيده بعد أن يبلي؟ بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته، ثم قال: " الذي جعل لكم من
الشجر الأخضر نارا " أي إذا أكمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب، ثم يستخرجها
فعرفكم أنه على إعادة من بلى أقدر، ثم قال: " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقدر "
الآية أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه
من إعادة البالي فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم، ولم تجوزوا
منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي (2).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 218، س 8.
2 - الإحتجاج: ج 1، ص 15، س 2، احتجاجات النبي (صلى الله عليه وآله) برواية العسكري (عليه السلام).
170

إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82 فسبحن
الذي بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون 83
* (إنما أمره) *: إنما شأنه.
* (إذا أراد شيئا أن يقول له كن) *: تكون.
* (فيكون) *: فهو يكون أي يحدث، وقرئ بالنصب، وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده،
بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار إلى مزاولة عمل،
واستعمال آلة قطعا لمادة الشبهة.
في العيون: عن الرضا (عليه السلام) " كن " منه: صنع، وما يكون به: المصنوع (1).
وفي نهج البلاغة: إنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه، قال: يقول ولا يلفظ، ويريد ولا
يضمر (2).
وقال: يريد بلا همة (3). وقد سبق أخبار أخر في هذا المعني في سورة البقرة (4) وغيرها.
والقمي: قال: خزائنه في الكاف والنون (5).
* (فسبحن الذي بيده ملكوت كل شئ) *: تنزيه له عما ضربوا له، وتعجيب مما
قالوا فيه و " ملكوت كل شئ " ما يقوم به ذلك الشئ من عالم الأرواح والملائكة.
* (وإليه ترجعون) *: وعد ووعيد للمقرين والمنكرين، وقرئ بفتح التاء.
في ثواب الأعمال: عن الباقر (عليه السلام) من قرأ يس في عمره مرة واحدة كتب الله له بكل

1 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 173 - 174، باب 12 - ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع أهل الأديان وأصحاب
المقالات في التوحيد عند المأمون.
2 - نهج البلاغة: ص 274، مع تقديم وتأخير، الخطبة 186.
3 - لم نعثر عليه. بل وجدنا ما يقرب منه. نهج البلاغة: ص 258، الخطبة 179، وإليك نصه: " مريد بلا همة ".
4 - ذيل الآية 117، انظر ج 1، ص 273 - 274 من كتابنا تفسير الصافي.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 218، س 12.
171

خلق في الدنيا وبكل خلق في الآخرة، وفي السماء بكل واحد ألفي ألف حسنة، ومحى عنه مثل
ذلك، ولم يصبه فقر، ولا غرم، ولا هدم، ولا نصب، ولا جنون، ولا جذام، ولا وسواس، ولا داء
يضره، وخفف الله عنه سكرات الموت وأهواله، وولي قبض روحه، وكان ممن يضمن الله له
السعة في معيشته، والفرج (1) عند لقائه، والرضا بالثواب في آخرته، وقال الله للملائكة أجمعين
من في السماوات ومن في الأرض: قد رضيت عن فلان فاستغفروا له (2).
وفيه (3)، وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) أن لكل شئ قلبا، وقلب القرآن يس،
الحديث (4)، وذكر فيه ثوابا كثيرا لقراءتها.
* * *

1 - وفي نسخة: [والفرح].
2 - ثواب الأعمال: ص 111، ح 2، ثواب من قرأ سورة يس.
3 - ثواب الأعمال: ص 110 - 111، ح 1، ثواب من قرأ سورة يس. وفيه: " وأن قلب القرآن يس ".
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 413، في فضلها.
172

سورة الصافات
173

بسم الله الرحمن الرحيم
والصافات صفا 1 فالزاجرات زجرا 2 فالتاليات ذكرا 3
إن إلهكم لوحد 4 رب السماوات والأرض وما بينهما
ورب المشرق 5
سورة الصافات: مكية، عدد آيها مائة وإحدى وثمانون آية بصري، وآيتان في الباقي،
واختلافها آيتان " وما كانوا يعبدون " (1) غير البصري، وكلهم يعدون " وإن كانوا ليقولون " (2)
غير أبي جعفر.
* (والصافات صفا) *: القمي: قال: الملائكة والأنبياء، ومن صف لله وعبده (3).
* (فالزاجرات زجرا) *: قال: الذين يزجرون الناس (4).
* (فالتاليات ذكرا) *: قال: الذين يقرؤون الكتاب من الناس، قال: فهو قسم
وجوابه (5).
* (إن إلهكم لوحد * رب السماوات والأرض وما بينهما ورب
المشرق) *: مشارق الكواكب أو مشارق الشمس، فإن لها كل يوم مشرقا، وبحسبها

1 - الصافات: 22.
2 - الصافات: 167.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 218، س 15.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 218، س 16.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 218، س 17.
175

إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب 6 وحفظا من كل
شيطن مارد 7 لا يسمعون إلى الملا الأعلى ويقذفون
من كل جانب 8 دحورا ولهم عذاب واصب 9 إلا من
خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب 10
المغارب ولذلك اكتفى بذكرها مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة.
* (إنا زينا السماء الدنيا) *: القربى منكم.
* (بزينة الكواكب) *: وقرئ بتنوين زينة وجر الكواكب ونصبها.
* (وحفظا من كل شيطن مارد) *: برمي الشهب.
القمي: قال: المارد: الخبيث (1).
* (لا يسمعون إلى الملا الأعلى) *: الملائكة وأشرافهم، وقرئ بالتشديد من
التسمع، وهو تطلب السماع.
* (ويقذفون) *: ويرمون. القمي: يعني الكواكب التي يرمون بها (2).
* (من كل جانب) *: من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده.
* (دحورا) *: للدحور، وهو الطرد.
* (ولهم عذاب واصب) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) أي دائم موجع قد وصل إلى قلوبهم (3).
* (إلا من خطف الخطفة) *: اختلس كلام الملائكة مسارقة.
* (فأتبعه) *: فتبعه.
* (شهاب ثاقب) *: مضئ كأنه يثقب الجو بضوئه، والشهاب ما يرى كأن كوكبا انقض.
القمي: وهو ما يرمون به فيحرقون (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 220، س 1.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 221، س 1.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 221، س 3.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 221، س 4.
176

فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين
لازب 11 بل عجبت ويسخرون 12 وإذا ذكروا لا
يذكرون 13 وإذا رأوا آية يستسخرون 14
وعن الصادق (عليه السلام) في حديث المعراج، قال: فصعد جبرائيل (عليه السلام) فصعدت معه إلى سماء
الدنيا وعليها ملك يقال له: إسماعيل، وهو صاحب الخطفة التي قال الله: " إلا من خطف الخطفة
فأتبعه شهاب ثاقب " وتحته سبعون ألف ملك، وتحت كل ملك سبعون ألف ملك الحديث (1)،
وقد مر (2).
* (فاستفتهم) *: فاستخبرهم.
* (أهم أشد خلقا أم من خلقنا) *: من الملائكة، والسماوات والأرض وما بينهما،
والمشارق والكواكب والشهب الثواقب.
* (إنا خلقناهم من طين لازب) *: القمي: يعني يلزق باليد (3).
* (بل عجبت) *: من قدرة الله وانكارهم البعث.
وقرئ بضم التاء ونسبها في الجوامع: إلى علي (عليه السلام) (4).
* (ويسخرون) *: من تعجبك أو ممن يصفني بالقدرة.
* (وإذا ذكروا لا يذكرون) *: وإذا وعظوا بشئ لا يتعظون به، وإذا ذكر لهم ما يدل
على صحة الحشر ما ينتفعون به، لبلادتهم، وقلة فكرهم.
* (وإذا رأوا آية) *: معجزة تدل على صدق القائل به.
* (يستسخرون) *: يبالغون في السخرية، ويقولون: إنه سحر أو يستدعي بعضهم من
بعض أن يسخر منها.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 4 - 5.
2 - انظر ج 4، ص 376 من كتابنا الصافي.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 222، س 1.
4 - جوامع الجامع: ج 3، ص 405، س 5.
177

وقالوا إن هذا إلا سحر مبين 15 أإذا متنا وكنا ترابا
وعظما أإنا لمبعوثون 16 أو آباؤنا الأولون 17 قل
نعم وأنتم داخرون 18 فإنما هي زجرة وحدة فإذا هم
ينظرون 19 وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين 20 هذا
يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون 21 احشروا الذين
ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون 22
* (وقالوا إن هذا) *: يعنون ما يرونه.
* (إلا سحر مبين) *: ظاهر سحريته.
* (أإذا متنا وكنا ترابا وعظما أإنا لمبعوثون) *: بالغوا في الإنكار (1)، ولا سيما في
هذه الحال (2)، وقرئ بطرح الهمزة الأولى تارة والثانية أخرى.
* (أو آباؤنا الأولون) *: وقرئ بسكون الواو في " أو ".
* (قل نعم وأنتم داخرون) *: صاغرون.
* (فإنما هي زجرة وحدة) *: فإنما البعثة صيحة واحدة هي: النفخة الثانية، من زجر
الراعي نعمه إذا صاح عليها.
* (فإذا هم ينظرون) *: فإذا هم قيام من مراقدهم أحياء يبصرون، أو ينتظرون ما يفعل بهم.
* (وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين) *: يوم الحساب والمجازاة.
* (هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون) *: جواب الملائكة، أو قول بعضهم
لبعض، والفصل: القضاء، والفرق بين المحسن والمسئ.
* (احشروا الذين ظلموا) *: القمي: قال: الذين ظلموا آل محمد صلوات الله عليهم

1 - أي تكرار همزة الاستفهام في قوله تعالى: " أإذا " و " أإنا " للمبالغة في الإنكار.
2 - هكذا في الأصل، والصحيح: " في هذه الحالة أو في هذا الحال ".
178

من دون الله فاهدوهم إلى صرط الجحيم 23 وقفوهم
إنهم مسؤولون 24
حقهم (1).
* (وأزواجهم) *: وأشباههم.
* (وما كانوا يعبدون * من دون الله) *: من الأصنام وغيرها، زيادة في تحسيرهم
وتخجيلهم.
* (فاهدوهم إلى صرط الجحيم) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) يقول: ادعوهم إلى طريق
الجحيم (2).
* (وقفوهم) *: إحبسوهم في الموقف.
* (إنهم مسؤولون) *: قيل عن عقائدهم وأعمالهم (3).
والقمي: قال: عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) (4).
ومثله في الأمالي (5)، والعيون عن النبي (صلى الله عليه وآله) (6).
وفي العلل: عنه (عليه السلام) انه قال: في تفسير هذه الآية: لا يجاوز قدما عبد حتى يسئل عن
أربع: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين جمعه وفيما أنفقه، وعن حبنا
أهل البيت (عليهم السلام) (7).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 222، س 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 222، س 6.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 291، س 7.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 222، س 7.
5 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 290، ح 564 / 11، المجلس الحادي عشر.
6 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 313، - 314، ذيل ح 86، باب 28 - فيما جاء عن الإمام علي بن موسى (عليهما السلام)
من الأخبار المتفرقة.
7 - علل الشرائع: ص 218، س 3، ح 1، باب 159 - العلة التي من أجلها صالح الحسن بن علي صلوات الله عليه
معاوية بن أبي سفيان وداهنه ولم يجاهده.
179

ما لكم لا تناصرون 25 بل هم اليوم مستسلمون 26
وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون 27 قالوا إنكم كنتم
تأتوننا عن اليمين 28 قالوا بل لم تكونوا مؤمنين 29
وما كان لنا عليكم من سلطن بل كنتم قوما طاغين 30
فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون 31 فأغويناكم إنا كنا
غاوين 32 فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون 33 إنا
كذلك نفعل بالمجرمين 34
* (ما لكم لا تناصرون) *: لا ينصر بعضكم بعضا بالتخليص، وهو توبيخ وتقريع.
* (بل هم اليوم مستسلمون) *: منقادون لعجزهم أو متسالمون يسلم بعضهم بعضا،
ويخذله.
القمي: يعني للعذاب (1).
* (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) *: يسأل بعضهم بعضا للتوبيخ.
* (قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) *: قيل: يعني عن أقوى الوجوه وأيمانه (2).
* (قالوا بل لم تكونوا مؤمنين * وما كان لنا عليكم من سلطن بل كنتم
قوما طاغين * فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون) *: قال: القمي: قال: العذاب (3).
* (فأغويناكم إنا كنا غاوين * فإنهم) *: فإن الأتباع والمتبوعين.
* (يومئذ في العذاب مشتركون) *: كما كانوا في الغواية مشتركين.
* (إنا كذلك نفعل بالمجرمين) *: بالمشركين.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 222، س 8.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 291، س 11.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 222، س 11.
180

إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون 35
ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون 36 بل جاء
بالحق وصدق المرسلين 37 إنكم لذائقوا العذاب الأليم
38 وما تجزون إلا ما كنتم تعملون 39 إلا عباد الله
المخلصين 40 أولئك لهم رزق معلوم 41 فواكه وهم
مكرمون 42 في جنت النعيم 43 على سرر متقبلين
44 يطاف عليهم بكأس من معين 45
* (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أئنا
لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون) *: يعنون النبي (صلى الله عليه وآله).
* (بل جاء بالحق وصدق المرسلين) *: رد عليهم بأن ما جاء به من التوحيد حق
قام به البرهان وتطابق عليه المرسلون.
* (إنكم لذائقوا العذاب الأليم) *: بالإشراك وتكذيب الرسول.
* (وما تجزون إلا ما كنتم تعملون * إلا عباد الله المخلصين) *: استثناء منقطع.
* (أولئك لهم رزق معلوم * فواكه وهم مكرمون) *: في الكافي: عن الباقر (عليه السلام)
عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث يصف فيه أهل الجنة، قال: وأما قوله: " أولئك لهم رزق معلوم " قال
يعلمه الخدام فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه وأما قوله: " فواكه وهم مكرمون " قال:
فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلا أكرموا به (1).
* (في جنت النعيم * على سرر متقبلين * يطاف عليهم بكأس) *: بإناء
فيه خمر.

1 - الكافي: ج 8، ص 100، ذيل ح 69 من حديث الجنان والنوق.
181

بيضاء لذة للشاربين 46 لا فيها غول ولا هم عنها
ينزفون 47 وعندهم قصرت الطرف عين 48 كأنهن
بيض مكنون 49 فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون 50
* (من معين) *: من شراب معين، أو نهر معين أي جار ظاهر للعيون، أو خارج من
العيون، وصف به خمر الجنة لأنها تجري كالماء.
* (بيضاء لذة للشاربين) *: قيل: وصفها بلذة إما للمبالغة أو لأنها تأنيث لذ بمعنى
لذيذ (1).
* (لا فيها غول) *: غائلة وفساد كما في خمر الدنيا كالخمار (2).
* (ولا هم عنها ينزفون) *: قيل: أي يسكرون من نزف إذا ذهب عقله (3).
والقمي: أي لا يطردون منها (4)، وقرئ بكسر الزاي.
* (وعندهم قصرت الطرف) *: قصرن أبصارهن على أزواجهن.
* (عين) *: جمع عيناء، فسرت تارة بواسعات العيون لحسانها وأخرى بالشديدة
بياض العين، الشديدة سوادها.
* (كأنهن بيض مكنون) *: شبههن ببيض النعام الذي تكنه (5) بريشها مصونا من
الغبار ونحوه في الصفاء والبياض المخلوط بأدنى صفرة فإنه أحسن ألوان الأبدان كذا قيل (6).
* (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) *: عن المعارف، والفضائل، وما جرى

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 292، س 15.
2 - العبارة غير واضحة إلا بتكلف وتأمل.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 292، س 18.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 222، س 16.
5 - الكن: السترة، وأكننته في نفسي أسررته. مجمع البحرين: ج 6، ص 302، مادة " كنن ".
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 292 - 293.
182

قال قائل منهم إني كان لي قرين 51 يقول أإنك لمن
المصدقين 52 أإذا متنا وكنا ترابا وعظما أإنا لمدينون
53 قال هل أنتم مطلعون 54 فاطلع فرآه في سواء
الجحيم 55 قال تالله إن كدت لتردين 56
لهم، وعليهم في الدنيا، فإنه ألذ اللذات كما قيل:
وما بقيت من اللذات إلا * أحاديث الكرام على المدام (1).
* (قال قائل منهم) *: في مكالمتهم.
* (إني كان لي قرين) *: جليس في الدنيا.
* (يقول أإنك لمن المصدقين) *: يوبخني على التصديق بالبعث.
* (أإذا متنا وكنا ترابا وعظما أإنا لمدينون) *: لمجزيون من الدين بمعنى الجزاء.
* (قال) *: أي ذلك القائل لجلسائه.
* (هل أنتم مطلعون) *: إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين، وقيل: والقائل هو الله أو
بعض الملائكة يقول لهم: هل تحبون أن تطلعوا على أهل النار لأريكم ذلك القرين فتعلموا أين
منزلتكم من منزلتهم (2).
* (فاطلع) *: عليهم.
* (فرآه) *: أي قرينه.
* (في سواء الجحيم) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) يقول: في وسط الجحيم (3).
* (قال تالله إن كدت لتردين) *: إن كدت لتهلكني بالإغواء.

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 293، س 3.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 293، س 7.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 223، س 1.
183

ولولا نعمة ربى لكنت من المحضرين 57 أفما نحن بميتين
58 إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين 59 إن هذا لهو
الفوز العظيم 60 لمثل هذا فليعمل العاملون 61 أذلك
خير نزلا أم شجرة الزقوم 62 إنا جعلناها فتنة للظالمين 63
* (ولولا نعمة ربى) *: بالهداية والعصمة.
* (لكنت من المحضرين) *: معك فيها.
* (أفما نحن بميتين) *: عطف على محذوف أي نحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين أي
بمن شأنه الموت.
* (إلا موتتنا الأولى) *: التي كانت في الدنيا.
* (وما نحن بمعذبين) *: كالكفار.
* (إن هذا لهو الفوز العظيم * لمثل هذا فليعمل العاملون) *: القمي: عن
الباقر (عليه السلام) قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار جيئ بالموت فيذبح كالكبش بين
الجنة والنار، ثم يقال: خلود فلا موت أبدا، فيقول أهل الجنة: " أفما نحن بميتين " الآيات (1).
* (أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم) *: شجرة ثمرها نزل أهل النار، وفيه دلالة
على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقام للنازل، ولهم ما وراء ذلك ما يقصر عنه
الأفهام، وكذلك الزقوم لأهل النار.
قيل: هو اسم شجرة صغيرة الورق ذفرة مرة تكون بتهامة سميت به الشجرة الموصوفة (2).
* (إنا جعلناها فتنة للظالمين) *: محنة وعذابا لهم في الآخرة أو ابتلاءا في الدنيا.
في المجمع: روي أن قريشا لما سمعت هذه الآية: " إن شجرت الزقوم * طعام الأثيم " (3)

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 223، س 4.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 293، س 22.
3 - الدخان: 43 - 44.
184

إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم 64 طلعها كأنه رؤوس
الشيطين 65 فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون 66
ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم 67 ثم إن مرجعهم لإلى
الجحيم 68
قالت: ما نعرف هذه الشجرة، قال ابن الزبعرى: الزقوم بكلام البربر (1): التمر والزبد، وفي رواية
بلغة اليمن، فقال أبو جهل لجاريته: يا جارية زقمينا فأتته الجارية بتمر وزبد، فقال لأصحابه:
تزقموا بهذا الذي يخوفكم به محمد (صلى الله عليه وآله) فيزعم أن النار تنبت الشجر، والنار تحرق الشجر،
فأنزل الله سبحانه: " إنا جعلناها فتنة للظالمين " (2).
* (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم) *: منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترفع إلى
دركاتها.
* (طلعها) *: حملها، مستعار من طلع التمر.
* (كأنه رؤوس الشيطين) *: في تناهي القبح والهول.
قيل: هو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق في الحسن بالملك (3).
* (فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون) *: لغلبة الجوع.
* (ثم إن لهم عليها) *: أي بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش وطال استسقاؤهم.
* (لشوبا من حميم) *: لشرابا من غساق أو صديد مشوبا بماء حميم يقطع أمعاءهم.
* (ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم) *: فإن الزقوم والحميم: نزل، يقدم إليهم قبل
دخولها.

1 - البربر: جيل من الناس، يقال أول من سماهم بهذا الاسم أقريقيس الملك لما ملك بلادهم. مجمع البحرين: ج 3،
ص 220، مادة " برر ".
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 445 - 446.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 294، س 5.
185

إنهم ألفوا آباءهم ضالين 69 فهم على آثارهم يهرعون 70
ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين 71 ولقد أرسلنا فيهم
منذرين 72 فانظر كيف كان عقبة المنذرين 73 إلا عباد
الله المخلصين 74 ولقد نادينا نوح فلنعم المجيبون 75
ونجيناه وأهله من الكرب العظيم 76
وقيل: الحميم خارج عنها لقوله تعالى " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون *
يطوفون بينها وبين حميم آن " (1) يوردون إليه كما يورد الإبل إلى الماء ثم يردون إلى الجحيم (2).
* (إنهم ألفوا آباءهم ضالين * فهم على آثارهم يهرعون) *: تعليل
لاستحقاقهم تلك الشدائد بتقليد الآباء في الظلال، والإهراع: الإسراع الشديد كأنهم يزعجون
على الإسراع على أثرهم، وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على بحث ونظر.
* (ولقد ضل قبلهم) *: قبل قومك.
* (أكثر الأولين * ولقد أرسلنا فيهم منذرين) *: أنبياء أنذروهم من العواقب.
* (فانظر كيف كان عقبة المنذرين) *: من الشدة والفظاعة.
* (إلا عباد الله المخلصين) *: إلا الذين تنبهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم لله، وقرئ
بالفتح أي الذين أخلصهم الله لدينه، والخطاب مع الرسول (صلى الله عليه وآله) والمقصود خطاب قومه فإنهم
أيضا سمعوا أخبارهم ورأوا آثارهم.
* (ولقد نادينا نوح) *: شروع في تفصيل القصص بعد إجمالها، أي ولقد دعانا حين
أيس من قومه.
* (فلنعم المجيبون) *: أي فأجبناه بأحسن الإجابة فوالله لنعم المجيبون نحن.
* (ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) *: من أذى قومه والغرق.

1 - الرحمن: 43 - 44.
2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 294، س 10.
186

وجعلنا ذريته هم الباقين 77 وتركنا عليه في الآخرين 78
سلم على نوح في العلمين 79
* (وجعلنا ذريته هم الباقين) *: إذ هلك من هلك.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية يقول الحق والنبوة والكتاب والإيمان في عقبه،
وليس كل من في الأرض من بني آدم من ولد نوح قال الله عز وجل في كتابه: " احمل فيها من
كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول " (1) منهم " ومن آمن وما آمن معه إلا
قليل " (2) وقال أيضا: " ذرية من حملنا مع نوح " (3) (4).
* (وتركنا عليه في الآخرين) *: من الأمم.
* (سلم على نوح في العلمين) *: قيل: أي تركنا عليه فيهم التحية بهذه الكلمة،
والدعاء بثبوتها في الملائكة والثقلين (5).
وقيل: بل هو سلام من الله عليه، ومفعول تركنا محذوف مثل الثناء (6).
وفي الإكمال: عن الصادق (عليه السلام) في حديث طويل وبشرهم نوح بهود، وأمرهم باتباعه،
وأن يقوموا الوصية كل عام فينظروا فيها، ويكون عيدا لهم كما أمرهم آدم (عليه السلام) فظهرت
الجبرية من ولد حام ويافث فاستخفى ولد سام بما عندهم من العلم وجرت على سام بعد نوح
الدولة لحام ويافث وهو قول الله عز وجل: " وتركنا عليه في الآخرين " يقول: تركت على نوح
دولة الجبارين، ويعزي الله محمد (صلى الله عليه وآله) بذلك قال: وولد لحام: السند والهند والحبش، وولد
لسام: العرب والعجم، وجرت عليهم الدولة وكانوا يتوارثون الوصية عالم بعد عالم حتى بعث
الله عز وجل هودا (7).

1 - هود: 40.
2 - هود: 40.
3 - الاسراء: 3.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 223، س 14.
5 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 295، س 2.
6 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 295، س 3.
7 - اكمال الدين واتمام النعمة: ص 134 - 135، قطعة من ح 3، باب 2، في ذكر ظهور نوح (عليه السلام) بالنبوة بعد ذلك.
187

إنا كذلك نجزى المحسنين 80 إنه من عبادنا المؤمنين
81 ثم أغرقنا الآخرين 82 وإن من شيعته لإبراهيم 83
إذ جاء ربه بقلب سليم 84 إذ قال لأبيه وقومه ماذا
تعبدون 85 أئفكا آلهة دون الله تريدون 86 فما ظنكم
برب العلمين 87 فنظر نظرة في النجوم 88 فقال إني سقيم 89
* (إنا كذلك نجزى المحسنين) *: يعني إنه مجازاة له على إحسانه.
* (إنه من عبادنا المؤمنين * ثم أغرقنا الآخرين) *: يعني كفار قومه.
* (وإن من شيعته لإبراهيم) *: ممن شايعه في الإيمان وأصول الشريعة.
في المجمع (1)، والقمي: عن الباقر (عليه السلام) ليهنئكم الاسم، قيل: وما هو؟ قال: الشيعة، قيل:
إن الناس يعيروننا بذلك قال: أما تسمع قول الله: " وإن من شيعته لإبراهيم " وقوله: " فاستغثه
الذي من شيعته على الذي من عدوه " (2) (3).
* (إذ جاء ربه بقلب سليم) *: من حب الدنيا، وقد مضى في معناه أخبار في سورة
الشعراء (4).
* (إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون * أئفكا آلهة دون الله تريدون) *:
أتريدون آلهة دون الله إفكا، فقدم للعناية.
* (فما ظنكم برب العلمين) *: بمن هو حقيق بالعبادة حتى أشركتم به غيره وآمنتم
به من عذابه.
* (فنظر نظرة في النجوم) *: فرأى مواقعها واتصالاتها.
* (فقال إني سقيم) *: قيل: أراهم إنه استدل بها على إنه مشارف للسقم لئلا يخرجوه

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 448، في اللغة.
2 - القصص: 15.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 223، س 18.
4 - ذيل الآية 89، انظر ج 5، ص 334 من كتابنا تفسير الصافي.
188

فتولوا عنه مدبرين 90 فراغ إلى آلهتهم فقال ألا
تأكلون 91
إلى معيدهم لأنهم كانوا منجمين، وذلك حين سألوه أن يعيد معهم، وكان أغلب أسقامهم
الطاعون وكانوا يخافون العدوي (1).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) والله ما كان سقيما، وما كذب (2).
وفي المعاني (3)، والقمي: عن الصادق (عليه السلام) مثله (4)، وزاد (5) وإنما عنى سقيما في دينه
مرتادا (6).
قال في المعاني: وقد روى أنه عني بقوله: " إني سقيم " أي سأسقم، وكل ميت سقيم، وقد
قال الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله): " إنك ميت " (7) أي ستموت (8).
وفي الكافي: عن الصاق (عليه السلام) في هذه الآية قال: انه حسب فرأى ما يحل بالحسين (عليه السلام)،
فقال: " إني سقيم " لما يحل بالحسين (9).
والعياشي: عنه (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى خلق روح القدس، فلم يخلق خلقا أقرب
إليه منها، وليست بأكرم خلقه إليه فإذا أراد أمرا ألقاه إليها فألقته إلى النجوم فجرت به (10).
* (فتولوا عنه مدبرين) *: إلى عيد لهم.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 295، س 18. مع تقديم وتأخير وتصرف.
2 - الكافي: ج 8، ص 368 - 369، ح 559.
3 - معاني الأخبار: ص 209 - 210، ذيل ح 1، باب معنى قول إبراهيم (عليه السلام) " إني سقيم ".
4 - لم نعثر عليه في تفسير القمي، بل وجدناه في تفسير العياشي: ج 2، ص 184، ح 49.
5 - أي الصدوق (رحمه الله) في كتابه معاني الأخبار.
6 - معاني الأخبار: ص 209 - 210، ذيل حديث 1، باب معنى قول إبراهيم (عليه السلام) " إني سقيم ".
7 - الزمر: 30.
8 - معاني الأخبار: ص 209 - 210، ذيل ح 1، باب معنى قول إبراهيم (عليه السلام) " اني سقيم ".
9 - الكافي: ج 1، ص 465، ح 5، باب مولد الحسين بن علي (عليهما السلام).
10 - تفسير العياشي: ج 2، ص 270، ح 70. وفيه: " وليست بأكرم خلقه عليه ".
189

ما لكم لا تنطقون 92 فراغ عليهم ضربا باليمين 93
فأقبلوا إليه يزفون 94 قال أتعبدون ما تنحتون 95
والله خلقكم وما تعملون 96 قالوا ابنوا له بنينا فألقوه
في الجحيم 97 فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين 98
* (فراغ إلى آلهتهم) * (1): فذهب إليها في خفية.
* (فقال) *: أي للأصنام استهزاءا.
* (ألا تأكلون) *: يعني الطعام الذي كان عندهم.
* (ما لكم لا تنطقون) *: بجوابي.
* (فراغ عليهم) *: فمال عليهم مستخفيا والتعدية ب‍ " على " للإستعلاء وكراهة الميل.
* (ضربا باليمين) *: يضربهم ضربا بها.
* (فأقبلوا إليه) *: إلى إبراهيم بعدما رجعوا فرأوا أصنامهم منكسرة (2)، وبحثوا عن
كاسرها فظنوا أنه هو كما شرحه في قوله: " من فعل هذا بآلهتنا " الآية (3).
* (يزفون) *: يسرعون، وقرئ على البناء للمفعول أي يحملون على الزفيف (4).
* (قال أتعبدون ما تنحتون) *: ما تنحتونه من الأصنام.
* (والله خلقكم وما تعملون) *: وما تعملونه، فإن جوهرها بخلقه، ونحتها باقتداره.
* (قالوا ابنوا له بنينا فألقوه في الجحيم) *: في النار الشديدة.
* (فأرادوا به كيدا) *: فإنه لما قهرهم بالحجة قصدوا تعذيبه بذلك لئلا يظهر للعامة
عجزهم.

1 - راغ: من روغة الثعلب، وأصله الميل بحيلة. منه (قدس سره). وذكر الطريحي في مجمع البحرين: ج 5، ص 10: قوله
تعالى: " فراغ إلى آلهتهم " أي مال إليهم في خفاء ولا يكون الروغ إلا كذلك.
2 - وفي نسخة: [مكسرة].
3 - الأنبياء: 59.
4 - زفيف النعامة: وهو أول عدوها وآخر مشيها، وزففت العروس إلى زوجها: إذا أهديتها، والزفاف: الإهداء.
190

وقال إني ذاهب إلى ربى سيهدين 99 رب هب لي من
الصالحين 100 فبشرناه بغلام حليم 101 فلما بلغ معه
السعي قال يبنى إني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر
ماذا ترى قال يأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله
من الصبرين 102
* (فجعلناهم الأسفلين) *: الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهانا نيرا على علو شأنه
حيث جعل النار عليه بردا وسلاما وقد مضت قصته في سورة الأنبياء (1).
* (وقال إني ذاهب إلى ربى سيهدين) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) يعني بيت
المقدس (2).
وفي التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب من اشتبه عليه من الآيات قال: ولقد
أعلمتك إن رب شئ من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر، وسأنبئك
بطرف منه فيكفي إن شاء الله من ذلك قول إبراهيم: " إني ذاهب إلى ربى سيهدين " فذهابه إلى
ربه توجهه إليه عبادة واجتهادا وقربة إلى الله جل وعز ألا ترى أن تأويله على غير تنزيله (3).
* (رب هب لي من الصالحين) *: بعض الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة،
ويؤنسني في الغربة، يعني الولد، لان لفظة الهبة غالبة فيه.
* (فبشرناه بغلام حليم) *: قيل: ما نعت الله نبيا بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم
وابنه (عليهما السلام) (4).
* (فلما بلغ معه السعي) *: أي فلما وجد وبلغ أن يسعى معه في أعماله.

1 - ذيل الآيات: 59 - 70، انظر ج 5، ص 85 - 87 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - الكافي: ج 8، ص 371، س 12، قطعة من ح 560.
3 - التوحيد: ص 266، ح 5، باب 36 - الرد على الثنوية والزنادقة.
4 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 296، س 22.
191

فلما أسلما وتله للجبين 103 وناديناه أن يا إبراهيم 104
قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين 105 إن
هذا لهو البلاء المبين 106 وفديناه بذبح عظيم 107
* (قال يبنى إني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى) *: من الرأي.
قيل: وإنما شاوره فيه وهو حتم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله فيثبت قدمه إن جزع
ويأمن عليه إن سلم وليوطن نفسه عليه فيهون ويكتسب المثوبة بالانقياد له قبل نزوله (1).
وقرئ ماذا ترى بضم التاء وكسر الراء.
* (قال يأبت افعل ما تؤمر) *: ما تؤمر به، وإنما ذكر بلفظ المضارع لتكرر الرؤيا.
* (ستجدني إن شاء الله من الصبرين * فلما أسلما) *: استسلما لأمر الله أو
أسلم الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه.
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين والصادق (عليهما السلام) انهما قرءا فلما سلما من التسليم (2).
* (وتله للجبين) *: صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض، وهو أحد جانبي الجبهة.
* (وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا) *: بالعزم والإتيان بما كان تحت
قدرتك من ذلك وجواب " لما " محذوف تقديره كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به
المقال من استبشارهما وشكرهما لله على ما أنعم عليهما من رفع البلاء بعد حلوله والتوفيق لما
لم يوفق غيرهما لمثله وإظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك.
* (إنا كذلك نجزى المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين) *: الإبتلاء البين
الذي يتميز فيه المخلص من غيره أو المحنة البينة الصعوبة فإنه لا أصعب منها.
* (وفديناه بذبح عظيم) *: بما يذبح بدله عظيم القدر أو الجثة سمين.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 297، س 14.
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 451، في القراءة.
192

العياشي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل كم كان بين بشارة إبراهيم (عليه السلام) بإسماعيل وبين
بشارته بإسحاق؟ قال: كان بين البشارتين خمس سنين، قال الله سبحانه: " فبشرناه بغلام
حليم " يعني إسماعيل وهي أول بشارة بشر الله بها إبراهيم (عليه السلام) في الولد، ولما ولد لإبراهيم
إسحاق (عليه السلام) من سارة وبلغ إسحاق ثلاث سنين أقبل إسماعيل إلى إسحاق وهو في حجر
إبراهيم فنحاه وجلس في مجلسه فبصرت به سارة فقالت: يا إبراهيم ينحي ابن هاجر ابني من
حجرك ويجلس هو مكانه؟ لا والله لا تجاورني هاجر وابنها في بلاد أبدا فنحاهما عني، وكان
إبراهيم (عليه السلام) مكرما لسارة، يعزها ويعرف حقها، وذلك لأنها كانت من ولد الأنبياء، وبنت
خالته، فشق ذلك على إبراهيم (عليه السلام) واغتم لفراق إسماعيل، فلما كان في الليل أتى إبراهيم آت من
ربه فأراه الرؤيا في ذبح ابنه إسماعيل (عليه السلام) بموسم مكة، فأصبح إبراهيم (عليه السلام) حزينا للرؤيا التي
رآها فلما حضر موسم ذلك العام حمل إبراهيم (عليه السلام) هاجر وإسماعيل في ذي الحجة من أرض
الشام فانطلق بهما إلى مكة ليذبحه في الموسم فبدأ بقواعد البيت الحرام فلما رفع قواعده خرج
إلى منى حاجا وقضى نسكه بمنى ثم رجع إلى مكة فطاف بالبيت أسبوعا ثم انطلقا فلما صارا في
السعي قال إبراهيم (عليه السلام) لإسماعيل: " يبنى إني أرى في المنام أنى أذبحك " في الموسم عامي
هذا فماذا ترى؟ " قال يأبت افعل ما تؤمر " فلما فرغا من سعيهما انطلق به إبراهيم (عليه السلام) إلى منى
وذلك يوم النحر، فلما انتهى إلى الجمرة الوسطى وأضجعه لجنبه الأيسر وأخذ الشفرة ليذبحه
نودي " أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا " إلى آخره، وفدي إسماعيل (عليه السلام) بكبش عظيم،
فذبحه وتصدق بلحمه على المساكين (1).
وعنه (عليه السلام) أنه سئل عن صاحب الذبح فقال: هو إسماعيل (عليه السلام) (2).
وعن الباقر (عليه السلام) مثله (3).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) مثله (4).
وفي الفقيه: عنه (عليه السلام) إنه سئل عن الذبيح من كان؟ فقال: إسماعيل لأن الله تعالى ذكر

1 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي، بل وجدناه في مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 455، س 5، نقلا عن العياشي.
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 455، س 21.
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 455، س 21.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 226، س 10.
193

قصته في كتابه ثم قال: " وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين " (1) قال: وقد اختلفت
الروايات في الذبيح فمنها: ما ورد أنه (2) إسماعيل، ومنها: ما ورد بأنه إسحاق، ولا سبيل إلى رد
الأخبار متى صح طرقها، وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو
الذي أمر أبوه بذبحه، وكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته
في الثواب، فعلم الله ذلك من قلبه فسماه الله بين الملائكة ذبيحا لتمنيه لذلك، قال: وقد ذكرت
إسناد ذلك في كتاب النبوة متصلا بالصادق (عليه السلام) (3).
أقول: ويؤيد هذا أن البشارة بإسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب فلا يناسب الأمر
بذبحه مراهقا.
وفي الكافي: عنهما (عليهما السلام) يذكران أنه لما كان يوم التروية قال جبرئيل (عليه السلام) لإبراهيم:
ترو (4) من الماء فسميت التروية، ثم أتى منى فأباته بها، ثم غدا به إلى عرفات فضرب خباءه
بنمرة دون عرفة، فبنى مسجدا بأحجار بيض، وكان يعرف أثر مسجد إبراهيم (عليه السلام) حتى
أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة حيث يصلي الإمام يوم عرفة فصلى بها الظهر والعصر، ثم
عمد به إلى عرفات فقال: هذه عرفات فاعرف بها مناسكك، واعترف بذنبك، فسمي
عرفات، ثم أفاض إلى المزدلفة فسميت المزدلفة، لأنه إزدلف إليها، ثم قام على المشعر الحرام
فأمره الله أن يذبح ابنه، وقد رأى فيه شمائله وخلائقه وأنس ما كان إليه، فلما أصبح أفاض من
المشعر إلى منى، فقال لامه: زوري البيت أنت واحتبس الغلام، فقال: يا بني هات الحمار
والسكين حتى أقرب القربان، سأل الراوي ما أراد بالحمار والسكين؟ قال: أراد أن يذبحه، ثم
يحمله فيجهزه ويدفنه، قال: فجاء الغلام بالحمار والسكين، فقال: يا أبت أين القربان؟ قال:
ربك يعلم أين هو. يا بني أنت والله هو، إن الله قد أمرني بذبحك فانظر ماذا ترى؟ " قال يأبت
افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصبرين " قال: فلما عزم على الذبح، قال: يا أبت خمر
وجهي، وشد وثاقي، قال: يا بني الوثاق مع الذبح والله لا أجمعهما عليك اليوم، قال الباقر (عليه السلام):

1 - الصافات: 112.
2 - وفي نسخة: [بأنه] كما في المصدر.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 148، ح 655 / 5، باب 63 - نكت في حج الأنبياء والمرسلين صلوات الله
عليهم أجمعين.
4 - وفي المصدر: " تروه ". أقول: الهاء للسكت.
194

فطرح له قرطان (1) الحمار، ثم أضجعه عليه وأخذ المدية فوضعها على حلقه، قال: فأقبل شيخ
فقال: ما تريد من هذا الغلام؟ قال: أريد أن أذبحه، فقال: سبحان الله غلام لم يعص الله طرفة
عين تذبحه؟ فقال: نعم، إن الله قد أمرني بذبحه، فقال: بل ربك ينهاك عن ذبحه، وإنما أمرك بهذا
الشيطان في منامك، قال: ويلك الكلام الذي سمعت هو الذي بلغ بي ما ترى لا والله لا أكلمك،
ثم عزم على الذبح فقال الشيخ: يا إبراهيم إنك إمام يقتدى بك فإن ذبحت ولدك ذبح الناس
أولادهم فمهلا، فأبى أن يكلمه، ثم قال (عليه السلام): فأضجعه عند الجمرة الوسطى، ثم أخذ المدية
فوضعها على حلقه، ثم رفع رأسه إلى السماء، ثم انتحى (2) عليه فقلبها جبرئيل عن حلقه، فنظر
إبراهيم فإذا هي مقلوبة، فقلبها إبراهيم (عليه السلام) على حدها وقلبها جبرئيل على قفاها، ففعل ذلك
مرارا، ثم نودي من ميسرة مسجد الخيف " يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا " واجتر الغلام من
تحته، وتناول جبرئيل الكبش من قلة ثبير فوضعه تحته، وخرج الشيخ الخبيث حتى لحق
بالعجوز حين نظرت إلى البيت والبيت في وسط الوادي، فقال: ما شيخ رأيته بمنى فنعت نعت
إبراهيم (عليه السلام) قالت: ذاك بعلي، قال: فما وصيف رأيته معه؟ ونعت نعته، قالت: ذاك ابني، قال:
فإني رأيته أضجعه وأخذ المدية ليذبحه، قالت: كلا ما رأيت إبراهيم إلا أرحم الناس، وكيف
رأيته يذبح ابنه؟ قال: ورب السماء والأرض، ورب هذه البنية لقد رأيته أضجعه وأخذ المدية
ليذبحه، قالت: لم؟ قال: زعم أن ربه أمره بذبحه، قالت: فحق له أن يطيع ربه، قال: فلما قضت
مناسكها فرقت أن يكون قد نزل في ابنها شئ فكأني أنظر إليها مسرعة في الوادي واضعة
يدها على رأسها، وهي تقول: رب لا تؤاخذني بما عملت بأم إسماعيل، قال: فلما جاءت سارة
فأخبرت الخبر قامت إلى ابنها تنظر، فإذا أثر السكين خدوشا في حلقه، ففزعت واشتكت،
وكان بدو مرضها الذي هلكت فيه، قال (عليه السلام): أراد أن يذبحه في الموضع الذي حملت أم رسول

1 - القرطاط - بالضم -: البردعة، وكذلك القرطان بالنون. قال الخليل: هي الحلس الذي يلقى تحت الرحل.
الصحاح ج 3، ص 1151، مادة " قرط ".
2 - انتحى في سيره: أي اعتمد على الجانب الأيسر، ومثله " الإنتجاء " ثم صار للاعتماد والميل في كل وجه. ومنه
حديث إبراهيم (عليه السلام) " وبيده مدية ليذبح ابنه ثم انتحى عليه " أي مال عليه ليذبحه فقلبها جبرئيل عن حلقه. مجمع
البحرين: ج 1، ص 410، مادة " نحا ".
195

الله (صلى الله عليه وآله) عند الجمرة الوسطى، فلم يزل مضربهم يتوارثون به كابر عن كابر حتى كان آخر من
ارتحل منه علي بن الحسين (عليهما السلام) في شئ كان بين بني هاشم وبين بني أمية فارتحل فضرب
بالعرين (1) (2).
والعياشي (3)، والقمي: عن الصادق (عليه السلام) ما يقرب منه بزيادة ونقصان (4).
وزاد القمي: ونزل الكبش على الجبل الذي عن يمين مسجد منى من السماء، وكان يأكل
في سواد، ويمشي في سواد، أقرن، قيل: ما كان لونه؟ قال: أملح أغبر (5).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) قال: لما أمر الله تعالى إبراهيم (عليه السلام) أن يذبح مكان ابنه
إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم (عليه السلام) أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده وأنه لم
يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده بيده
فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب فأوحى الله عز وجل إليه يا إبراهيم
من أحب خلقي إليك؟ قال: يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلى من حبيبك محمد (صلى الله عليه وآله) فأوحى
الله عز وجل إليه: يا إبراهيم هو أحب إليك أو نفسك؟ قال: بل هو أحب إلي من نفسي، قال:
فولده أحب إليك أو ولدك؟ قال: بل ولده، قال: فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع
لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال: يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي،
قال: يا إبراهيم إن طائفة تزعم أنها من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ستقتل الحسين (عليه السلام) ابنه من بعده ظلما
وعدوانا كما يذبح الكبش، ويستوجبون بذلك سخطي فجزع إبراهيم (عليه السلام) لذلك، فتوجع قلبه
فأقبل (6) يبكي، فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل (عليه السلام) لو
ذبحته بيدك بجزعك على الحسين (عليه السلام) وقتله، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على
المصائب، وذلك قول الله عز وجل: " وفديناه بذبح عظيم " ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي

1 - في الحديث: " ارتحل فضرب بالعرين " هو كأمير: فناء الدار والبلد مجمع البحرين: ج 6، ص 281، مادة " عرن ".
2 - الكافي: ج 4، ص 207 - 209، ح 9، باب حج إبراهيم وإسماعيل وبنائهما لبيت ومن ولي البيت بعدهما (عليهما السلام).
3 - تفسير العياشي: ج 2، ص 152 - 153، ح 44 و 46.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 224 - 226.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 226، س 6.
6 - وفي نسخة: [وأقبل يبكي].
196

العظيم (1).
وسئل (عليه السلام) عن معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله) أنا ابن الذبيحين؟ قال: يعني إسماعيل بن إبراهيم
الخليل (عليه السلام)، وعبد الله بن عبد المطلب، أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله تعالى به
إبراهيم (عليه السلام) فلما بلغ معه السعي وهو لما عمل مثل عمله: " قال يبنى إني أرى في المنام أنى
أذبحك فانظر ماذا ترى قال يأبت افعل ما تؤمر " ولم يقل يا أبت افعل ما رأيت " ستجدني إن
شاء الله من الصبرين " فلما عزم على ذبحه فداه الله بذبح عظيم، بكبش أملح، يأكل في سواد،
ويشرب في سواد، وينظر في سواد، ويمشي في سواد، ويبول في سواد، ويبعر في سواد، وكان
يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاما، وما خرج من رحم أنثى، وإنما قال الله له: " كن
فيكون " (2) فكان ليفتدي به إسماعيل، فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة،
فهذا أحد الذبيحين، ثم ذكر قصة الذبيح الآخر (3)، ثم قال: والعلة التي من أجلها دفع الله
عز وجل الذبح، عن إسماعيل، هي العلة التي من أجلها دفع الله الذبح عن عبد الله، وهي كون
النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في صلبهما فببركة
النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) دفع الذبح عنهما فلم تجر السنة
في الناس بقتل أولادهم، ولولا ذلك لوجب على الناس كل أضحى التقرب إلى الله تعالى ذكره

1 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 209، ح 1، باب 17 ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في تفسير قول الله عز وجل:
" وفديناه بذبح عظيم ".
2 - يس: 82.
3 - وإليك القصة: فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة، ودعا الله أن يرزقه عشرة بنين، ونذر لله عز
وجل أن يذبح واحدا منهم متى أجاب الله دعوته، فلما بلغوا عشرة، قال: قد وفى الله لي، فلأوفين لله عز وجل
فأدخل ولده الكعبة، وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان أحب ولده إليه، ثم أجالها ثانية
فخرج سهم عبد الله، ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله، فأخذه وحبسه وعزم على ذبحه، فاجتمعت قريش ومنعته
من ذلك، واجتمع نساء عبد المطلب يبكين ويصحن، فقالت له ابنته عاتكة: يا أبتاه اعذر فيما بينك وبين الله عز
وجل في قتل ابنك قال: وكيف أعذر يا بنية، فإنك مباركة؟ قالت: اعمد إلى تلك السوائم التي لك في الحرم،
فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الإبل واعط ربك حتى يرضى، فبعث عبد المطلب إلى إبله فأحضرها وأعزل منها
عشرا، وضرب بالسهام، فخرج سهم عبد الله، فما زال يزيد عشرا عشرا حتى بلغت مائة فضرب، فخرج السهم
على الإبل، فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة، فقال عبد المطلب: لا، حتى أضرب بالقداح ثلاث
مرات، فضرب ثلاثا كل ذلك يخرج السهم على الإبل، فلما كانت في الثلاثة اجتذبه الزبير وأبو طالب وأخواتهما
من تحت رجليه فحملوه، وقد انسلخت جلدة خده الذي كانت على الأرض، وأقبلوا يرفعونه، ويقبلونه
ويمسحون عنه التراب، فأمر عبد المطلب أن تنحر الإبل بالحزورة ولا يمنع أحد منها. الحديث.
197

وتركنا عليه في الآخرين 108 سلم على إبراهيم 109
كذلك نجزى المحسنين 110 إنه من عبادنا المؤمنين 111
وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين 112 وباركنا عليه
وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين 113
ولقد مننا على موسى وهارون 114
بقتل أولادهم، وكل ما يتقرب به الناس من أضحية فهو فداء لإسماعيل إلى يوم القيامة (1).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) لو خلق الله مضغة هي أطيب من الضأن لفدى بها إسماعيل (2).
* (وتركنا عليه في الآخرين * سلم على إبراهيم) *: سبق بيانه في قصة
نوح (عليه السلام) (3).
* (كذلك نجزى المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * وبشرناه
بإسحق نبيا من الصالحين * وباركنا عليه) *: على إبراهيم (عليه السلام).
* (وعلى إسحق) *: أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا.
* (ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه) *: بالكفر والمعاصي.
* (مبين) *: ظاهر ظلمه وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن
الظلم في أعقابهما لا يعود عليهما بنقيصة وعيب.
* (ولقد مننا على موسى وهارون) *: أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع
الدينية والدنيوية.

1 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 210 - 212، ح 1، باب 8 - ما جاء
عن الرضا (عليه السلام) في قول النبي (صلى الله عليه وآله) أنا ابن
الذبيحين.
2 - الكافي: ج 6، ص 310، ح 1، باب فضل لحم الضأن على المعز.
3 - ذيل الآية: 79 من نفس السورة، انظر ص 187 من هذا الجزء.
198

ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم 115 ونصرناهم
فكانوا هم الغالبين 116 وآتيناهما الكتب المستبين 117
وهديناهما الصراط المستقيم 118 وتركنا عليهما في
الآخرين 119 سلم على موسى وهارون 120 إنا كذلك
نجزى المحسنين 121 إنهما من عبادنا المؤمنين 122 وإن
إلياس لمن المرسلين 123 إذ قال لقومه ألا تتقون 124
أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخلقين 125 الله ربكم
ورب آبائكم الأولين 126 فكذبوه فإنهم لمحضرون 127
* (ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم) *: من تغلب الفرعون أو الغرق.
* (ونصرناهم فكانوا هم الغالبين) *: على فرعون وقومه.
* (وآتيناهما الكتب المستبين) *: البليغ في بيانه وهو التوراة.
* (وهديناهما الصراط المستقيم) *: الطريق الموصل إلى الحق والصواب.
* (وتركنا عليهما في الآخرين * سلم على موسى وهارون * إنا كذلك
نجزى المحسنين * إنهما من عبادنا المؤمنين) *: سبق مثل ذلك.
* (وإن إلياس لمن المرسلين * إذ قال لقومه ألا تتقون * أتدعون بعلا) *:
أتعبدونه وتطلبون الخير منه، القمي: قال: كان لهم صنم يسمونه بعلا، قال: وسمي الرب بعلا (1).
* (وتذرون أحسن الخلقين) *: وتتركون عبادته.
* (الله ربكم ورب آبائكم الأولين) *: وقرئ بالنصب.
* (فكذبوه فإنهم لمحضرون) *: أي في العذاب.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 226، ح 19.
199

إلا عباد الله المخلصين 128 وتركنا عليه في الآخرين 129
سلم على إل ياسين 130
* (إلا عباد الله المخلصين) *: مستثني من الواو لا من المحضرين، لفساد المعنى.
* (وتركنا عليه في الآخرين * سلم على إل ياسين) *: القمي: ثم ذكر عز وجل
آل محمد (صلى الله عليه وآله) فقال: " وتركنا عليه في الآخرين * سلم على إل ياسين " فقال: يس: محمد،
وآل محمد: الأئمة (عليهم السلام) (1).
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) في هذه الآية قال:
يس: محمد (صلى الله عليه وآله)، ونحن آل ياسين (2).
وفي الجوامع: عن ابن عباس آل يس: آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ويس اسم من أسمائه (3).
وقد مضى في سورة الأحزاب عند قوله تعالى: " وسلموا تسليما " (4) وفي أول سورة يس (5)
أخبار في تسمية النبي (صلى الله عليه وآله) ب‍ " يس "، ويؤيد هذه القراءة كونهما مفصولين في مصحف امامهم،
وقرئ آلياسين فقيل: هو لغة في إلياس كسينا وسينين (6).
وقيل جمع له أريد به هو وأتباعه (7).
وفيه: أنه لو كان كذلك لكان معرفا.
وقيل: يس اسم أبي إلياس على قراءة آل ياسين ليناسب ما بعده، ونظم سائر القصص
كما في قراءة آلياسين (8).
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ان الله سمى النبي (صلى الله عليه وآله) بهذا الاسم حيث

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 226، س 22.
2 - معاني الأخبار: ص 122، ح 2 و 3، باب معنى آل يس.
3 - جوامع الجامع: ج 3، ص 419، س 6.
4 - ذيل الآية: 56، انظر ص 64 - 66 من هذا الجزء.
5 - ذيل الآية 1، راجع ص 141 - 142 من هذا الجزء.
6 و 7 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 299، س 11.
8 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 299، س 14.
200

إنا كذلك نجزى المحسنين 131 إنه من عبادنا المؤمنين
132 وإن لوطا لمن المرسلين 133 إذ نجيناه وأهله أجمعين
134 إلا عجوزا في الغابرين 135 ثم دمرنا الآخرين 136
وإنكم لتمرون عليهم مصبحين 137 وبالليل أفلا تعقلون 138
قال: " يس * والقرءان الحكيم * إنك لمن المرسلين " (1). لعلمه أنهم يسقطون سلام على آل
محمد (صلى الله عليه وآله) كما أسقطوا غيره (2).
وفيه دلالة على قراءة آل يس وأن المراد بهم آل محمد صلوات الله عليهم.
* (إنا كذلك نجزى المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * وإن لوطا لمن
المرسلين * إذ نجيناه وأهله أجمعين * إلا عجوزا في الغابرين * ثم دمرنا
الآخرين) *: وقد مضى تفسيرها (3).
* (وإنكم) *: يا أهل مكة.
* (لتمرون عليهم) *: قيل: أي على منازلهم في متاجركم إلى الشام فإن سدوم في
طريقه (4).
* (مصبحين) *: داخلين في الصباح.
* (وبالليل أفلا تعقلون) *: أفليس فيكم عقل تعتبرون به؟
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن هذه الآية، فقال: تمرون عليهم في القرآن، إذا
قرأتم القرآن، تقرأ: ما قص الله عز وجل عليكم من خبرهم (5).

1 - يس: 1 - 4.
2 - الإحتجاج: ج 1، ص 377، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق في آي متشابهة.
3 - ذيل الآية 83 من سورة هود، انظر ج 4، ص 63 - 68 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 299، س 18.
5 - الكافي: ج 8، ص 248 - 249، ذيل ح 349.
201

وإن يونس لمن المرسلين 139 إذ أبق إلى الفلك المشحون
140 فساهم فكان من المدحضين 141 فالتقمه الحوت
وهو مليم 142
* (وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق) *: هرب، وأصل الإباق: الهرب من
السيد، لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه حسن اطلاقه عليه.
* (إلى الفلك المشحون) *: المملو.
* (فساهم) *: فقارع أهله.
* (فكان من المدحضين) *: فصار من المغلوبين بالقرعة وأصله المزلق عن مقام الظفر.
في الفقيه: عن الباقر (عليه السلام) في حديث قال: انه لما ركب مع القوم فوقفت السفينة في اللجة
واستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرات، قال: فمضى يونس إلى صدر السفينة فإذا
الحوت فاتح فاه فرمى بنفسه (1).
وعن الصادق (عليه السلام): ما تقارع قوم ففوضوا أمرهم إلى الله عز وجل إلا خرج سهم المحق،
وقال: أي قضية أعدل من القرعة إذا فوضوا الأمر إلى الله، أليس الله عز وجل يقول: " فساهم
فكان من المدحضين "؟ (2). وفي الكافي: عنه (عليه السلام) ما يقرب منه (3).
* (فالتقمه الحوت وهو مليم) *: داخل في الملامة أو آت بما يلام عليه، أو مليم نفسه.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) في قصة يونس وقومه كما سبق ذكر صدرها في سورته (4) (5).
قال: فغضب يونس ومر على وجهه مغاضبا لله كما حكى الله حتى انتهى إلى ساحل
البحر فإذا سفينة قد شحنت وأرادوا أن يدفعوها فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه، فلما
توسطوا البحر بعث الله حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة فنظر إليه يونس ففزع منه، وصار

1 و 2 - من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 51 و 52، ح 173 / 1 و 175 / 3، باب 38 - الحكم بالقرعة.
3 - الكافي: ج 7، ص 158، ح 3، باب آخر منه.
4 - تفسير القمي: ج 1، ص 318، س 7.
5 - ذيل الآية: 98، انظر ج 3، ص 545 - 552 من كتابنا تفسير الصافي.
202

فلولا أنه كان من المسبحين 143 للبث في بطنه إلى يوم
يبعثون 144 فنبذناه بالعراء وهو سقيم 145 وأنبتنا عليه
شجرة من يقطين 146 وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون 147
فآمنوا فمتعناهم إلى حين 148
إلى مؤخرة السفينة فدار إليه الحوت ففتح فاه، فخرج أهل السفينة فقالوا: فينا عاص
فتساهموا فخرج سهم يونس وهو قول الله عز وجل: " فساهم فكان من المدحضين "
فأخرجوه فألقوه في البحر فالتقمه الحوت، ومر به في الماء (1).
* (فلولا أنه كان من المسبحين) *: الذاكرين لله كثيرا بالتسبيح.
* (للبث في بطنه إلى يوم يبعثون * فنبذناه بالعراء) *: بالمكان الخالي عما
يغطيه من شجر أو نبت.
* (وهو سقيم) *: مما ناله.
* (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) *: من شجرة تنبسط على وجه الأرض ولا تقوم
على ساق، والقمي: قال: الدباء (2) (3).
* (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) *: وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) إنه قرأ
" ويزيدون " بالواو (4).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) " يزيدون " ثلاثين ألفا (5).
* (فآمنوا فمتعناهم إلى حين) *: إلى أجلهم المقضي، القمي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام)

1 - تفسير القمي: ج 1، ص 318، س 7.
2 - الدباء - بالضم -: القرع. مجمع البحرين: ج 1، ص 133، مادة " دبا ".
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 227، س 5.
4 - أي بدل " أو يزيدون "، راجع مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 457، في القراءة.
5 - الكافي: ج 1، ص 174 - 175، ح 1، باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة.
203

إن الحوت قد طاف به في أقطار الأرض والبحار ومر بقارون إلى أن قال: " فنادى في الظلمات
أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " (1) كما سبق ذكره في سورة القصص (2).
قال: فاستجاب له وأمر الحوت أن يلفظه فلفظه على ساحل البحر، وقد ذهب جلده
ولحمه، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين، وهي الدباء فأظلته من الشمس فسكن، ثم أمر الله
الشجرة فتنحت عنه، ووقعت الشمس عليه فجزع فأوحى الله إليه يا يونس لم لم ترحم مائة
ألف أو يزيدون وأنت تجزع من ألم ساعة؟ قال: يا رب عفوك عفوك، فرد الله عليه بدنه، ورجع
إلى قومه، وآمنوا به (3).
وعن الباقر (عليه السلام) قال: لبث يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام، ونادى في الظلمات: ظلمة
بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر، " أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الظالمين " (4) فاستجاب له ربه فأخرجه الحوت إلى الساحل، ثم قذفه فألقاه بالساحل،
وأنبت الله عليه شجرة من يقطين، وهو القرع، فكان يمصه ويستظل به وبورقه، وكان تساقط
شعره ورق جلده وكان يونس يسبح الله ويذكر الله بالليل والنهار، فلما أن قوى واشتد بعث الله
دودة فأكلت أسفل القرع فذبلت القرعة ثم يبست فشق ذلك على يونس فظل حزينا، فأوحى
الله إليه ما لك حزينا يا يونس؟ قال: يا رب هذه الشجرة التي كانت تنفعني سلطت عليها دودة
فيبست، قال: يا يونس أحزنت لشجرة لم تزرعها، ولم تسقها، ولم تعن بها أن يبست حين
استغنيت عنها، ولم تحزن لأهل نينوى أكثر من مائة ألف أردت أن ينزل عليهم العذاب؟ إن
أهل نينوى قد آمنوا واتقوا فارجع إليهم، فانطلق يونس إلى قومه فلما دنى من نينوى استحى
أن يدخل فقال لراع لقيه: إئت أهل نينوى فقل لهم: إن هذا يونس قد جاء، قال الراعي:
أتكذب أما تستحي ويونس قد غرق في البحر وذهب؟ قال له يونس: اللهم إن هذه الشاة
تشهد لك إني يونس ونطقت الشاة له بأنه يونس، فلما أتى الراعي قومه وأخبرهم أخذوه
وهموا بضربه، فقال: إن لي بينة بما أقول: قالوا: فمن يشهد لك؟ قال: هذه الشاة تشهد، فشهدت

1 - الأنبياء: 87.
2 - ذيل الآية: 81، انظر ج 5، ص 449 - 450 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - تفسير القمي: ج 1، ص 319، س 5.
4 - الأنبياء: 87.
204

فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون 149 أم خلقنا
الملائكة إناثا وهم شاهدون 150 ألا إنهم من إفكهم
ليقولون 151 ولد الله وإنهم لكاذبون 152 أصطفى
البنات على البنين 153 ما لكم كيف تحكمون 154 أفلا
تذكرون 155 أم لكم سلطن مبين 156 فأتوا بكتبكم
إن كنتم صادقين 157
بأنه صادق، وأن يونس قد رده الله إليكم، فخرجوا يطلبونه فوجدوه فجاؤوا به وآمنوا
وحسن إيمانهم فمتعهم الله إلى حين، وهو الموت وأجارهم من ذلك العذاب (1).
* (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) *: القمي: قال: قالت: قريش إن الملائكة
هم بنات الله فرد الله عليهم (2).
* (أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون) *: إذ لا يمكن معرفة مثل ذلك إلا
بالمشاهدة.
* (ألا إنهم من إفكهم ليقولون * ولد الله وإنهم لكاذبون) *: فيما يتدينون به.
* (أصطفى البنات على البنين) *: إستفهام إنكار واستبعاد، وقرئ بكسر الهمزة
لدلالة " أم " بعدها عليها، أو بإضمار القول، أي لكاذبون في قولهم: " اصطفى ".
* (ما لكم كيف تحكمون) *: بما لا ترضيه عقل.
* (أفلا تذكرون) *: أنه منزه عن ذلك.
* (أم لكم سلطن مبين) *: حجة واضحة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بناته.
* (فأتوا بكتبكم) *: الذي انزل عليكم.

1 - تفسير القمي: ج 1، ص 319 - 320. وفيه: " يسبح ويذكر الله الليل والنهار ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 227، س 6.
205

وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم
لمحضرون 158 سبحن الله عما يصفون 159 إلا عباد الله
المخلصين 160 فإنكم وما تعبدون 161 ما أنتم عليه
بفاتنين 162 إلا من هو صال الجحيم 163
* (إن كنتم صادقين) *: في دعواكم.
* (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) *: القمي: يعني إنهم قالوا: إن الجن بنات الله (1).
وقيل: يعني الملائكة سموا بها لاستتارهم (2).
وقيل: قالوا: إن الله صاهر الجن فخرجت الملائكة (3).
وقيل قالوا: الله والشيطان أخوان (4) تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
* (ولقد علمت الجنة إنهم) *: إن المشركين.
* (لمحضرون) *: القمي: يعني إنهم في النار (5).
* (سبحن الله عما يصفون) *: من الولد والنسب.
* (إلا عباد الله المخلصين * فإنكم وما تعبدون) *: عود إلى خطابهم.
* (ما أنتم عليه) *: على الله.
* (بفاتنين) *: مفسدين الناس بالإغواء.
* (إلا من هو صال الجحيم) *: إلا من سبق في علمه أنه من أهل النار يصلاها لا محالة.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 227، س 8.
2 - قاله مجاهد وقتادة والجبائي. راجع مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 460، س 21.
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 460، س 22، وأنوار التنزيل: ج 2، ص 301، س 14.
4 - هذا هو قول الزنادقة. راجع مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 460، س 20. وفيه: " إن الله وإبليس اخوان ".
وهكذا راجع أنوار التنزيل: ج 2، ص 301، س 14.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 227، س 9.
206

وما منا إلا له مقام معلوم 164 وإنا لنحن الصافون 165
وإنا لنحن المسبحون 166
* (وما منا إلا له مقام معلوم) *: القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: نزلت في الأئمة
والأوصياء من آل محمد (عليهم السلام) (1).
وقيل: هي حكاية اعتراف الملائكة بالعبودية للرد على عبدتهم، والمعنى وما منا أحد
إلا له مقام معلوم في المعرفة والعبادة والانتهاء إلى أمر الله في تدبير العالم (2).
قيل: ويحتمل أن يكون من قوله: " سبحن الله " حكاية قولهم (3).
* (وإنا لنحن الصافون) *: في أداء الطاعة ومنازل الخدمة.
* (وإنا لنحن المسبحون) *: المنزهون الله عما لا يليق به، ولعل الأول إشارة إلى
درجاتهم في الطاعة، وهذا في المعرفة.
في نهج البلاغة في وصف الملائكة: صافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون (4).
والقمي: قال جبرائيل: يا محمد: " إنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون " (5).
وعن الصادق (عليه السلام): كنا أنوارا صفوفا حول العرش نسبح، فيسبح أهل السماء بتسبيحنا
إلى أن هبطنا إلى الأرض فسبحنا فسبح أهل الأرض بتسبيحنا " وإنا لنحن الصافون * وإنا
لنحن المسبحون " الحديث " (6).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 227 - 228.
2 و 3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 302، س 1.
4 - نهج البلاغة: ص 41، الخطبة 1.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 227، س 13.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 228، س 5. وإليك نصه: قال: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: يا شهاب نحن شجرة
النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ونحن عهد الله وذمته، ونحن ودايع الله وحجته، كنا أنوارا صفوفا حول
العرش نسبح فيسبح أهل السماء بتسبيحنا إلى أن هبطنا إلى الأرض فسبحنا فسبح أهل الأرض بتسبيحنا، وإنا
لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون فمن وفى بذمتنا فقد وفى بعهد الله عز وجل وذمته، ومن خفر ذمتنا فقد خفر
ذمة الله عز وجل وعهده.
207

وإن كانوا ليقولون 167 لو أن عندنا ذكرا من الأولين 168
لكنا عباد الله المخلصين 169 فكفروا به فسوف يعلمون 170
ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين 171 إنهم لهم
المنصورون 172 وإن جندنا لهم الغالبون 173 فتول عنهم
حتى حين 174 وأبصرهم فسوف يبصرون 175
* (وإن كانوا ليقولون) *: أي مشركوا قريش.
* (لو أن عندنا ذكرا من الأولين) *: كتابا من الكتب التي نزلت عليهم.
* (لكنا عباد الله المخلصين) *: أخلصنا العبادة له ولم نخالف مثلهم.
* (فكفروا به) *: لما جاءهم الذكر الذي هو أشرف الأذكار والمهيمن عليها.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) هم كفار قريش كانوا يقولون: قاتل الله اليهود والنصارى كيف
كذبوا أنبياءهم؟ أما والله لو كان " عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين " يقول الله
عز وجل: " فكفروا به " حين جاءهم به محمد (صلى الله عليه وآله) (1).
* (فسوف يعلمون) *: عاقبة كفرهم.
* (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) *: أي وعدنا لهم بالنصر والغلبة وهو
قوله: " إنهم لهم المنصورون. ".
* (إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون * فتول عنهم) *:
فأعرض عنهم.
* (حتى حين) *: هو الموعد لنصرك عليهم. قيل: هو يوم بدر (2). وقيل: يوم الفتح (3).
* (وأبصرهم) *: على ما ينالهم حينئذ والمراد بالأمر الدلالة على أن ذلك كائن قريب

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 227، س 11.
2 و 3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 302، س 14.
208

أفبعذابنا يستعجلون 176 فإذا نزل بساحتهم فسآء صباح
المنذرين 177 وتول عنهم حتى حين 178 وأبصر فسوف
يبصرون 179
كأنه قدامه.
* (فسوف يبصرون) *: ما قضينا لك من التأييد، والنصرة، والثواب في الآخرة،
وسوف: للوعيد، لا للتبعيد.
* (أفبعذابنا يستعجلون) *: روي أنه لما نزل " فسوف يبصرون " قالوا: متى هذا؟
فنزل " فإذا نزل بساحتهم " (1).
* (فإذا نزل بساحتهم) *: فإذا نزل العذاب بفنائهم شبهه بجيش هاجمهم فأناخ
بفنائهم بغتة.
* (فسآء صباح المنذرين) *: صباحهم قيل: الصباح: مستعار من صباح الجيش
المبيت لوقت نزول العذاب، ولما كثرت فيهم الهجوم والغارة في الصباح سموا الغارة صباحا وإن
وقعت في وقت آخر (2).
* (وتول عنهم حتى حين * وأبصر فسوف يبصرون) *: تأكيد إلى تأكيد،
وإطلاق بعد تقيد للإشعار بأنه يبصر وأنهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من أصناف المسرة
وأنواع المساءة، أو الأول لعذاب الدنيا والثاني لعذاب الآخرة.
والقمي: " فإذا نزل بساحتهم " يعني العذاب إذا نزل ببني أمية وأشياعهم في آخر
الزمان (3).

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 302، س 16.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 302، س 19.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 227، س 15.
209

سبحن ربك رب العزة عما يصفون 180 وسلم على
المرسلين 181 والحمد لله رب العلمين 182
" فسوف يبصرون " قال: أبصروا حين لا ينفعهم البصر (1).
قال: فهذه في أهل الشبهات والضلالات من أهل القبلة (2).
* (سبحن ربك رب العزة عما يصفون) *: عما قاله المشركون.
في التوحيد: عن الباقر (عليه السلام) إن الله علا ذكره كان ولا شئ غيره، وكان عزيزا ولا عز
كان قبل عزه، وذلك قوله سبحانه " سبحن ربك رب العزة عما يصفون " (3).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) ما يقرب منه (4).
* (وسلم على المرسلين) *: تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم.
* (والحمد لله رب العلمين) *: على ما أفاض عليهم، وعلى من اتبعهم من النعم
وحسن العاقبة، وفيه تعليم المؤمنين كيف يحمدونه ويسلمون على رسله.
في الكافي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى: فليقل إذا أراد أن
يقوم من مجلسه " سبحن ربك " الآيات الثلاث (5).
وفي الفقيه (6)، والمجمع: عنه (عليه السلام) ما يقرب منه (7).
وفي ثواب الأعمال (8)، والمجمع، عن الصادق (عليه السلام): من قرأ سورة الصافات في كل يوم

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 227، س 17.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 227، س 17.
3 - التوحيد: ص 66 - 67، ح 20، باب 2 - التوحيد ونفي التشبيه.
4 - الكافي: ج 8، ص 94، ح 67.
5 - الكافي: ج 2، ص 496، ح 3، باب ما يجب من ذكر الله عز وجل في كل مجلس.
6 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 213، ح 954 / 7، باب 46 - التعقيب.
7 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 463، س 1.
8 - ثواب الأعمال: ص 112، ح 1، باب ثواب من قرأ سورة الصافات.
210

جمعة لم يزل محفوظا من كل آفة، مدفوعا عنه كل بلية في الحياة الدنيا، مرزوقا في الدنيا في
أوسع ما يكون من الرزق، ولم يصبه الله في ماله وولده ولا بدنه بسوء من كل شيطان رجيم، ولا
من جبار عنيد وإن مات في يومه أو ليلته بعثه الله شهيدا وأماته شهيدا (1) وأدخله الجنة مع
الشهداء في درجة من الجنة (2).
وفي الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) إنها لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله تعالى
راحته (3).
* * *

1 - كما تقدم سابقا ج 2، ص 160 في كتابنا الصافي نقلا عن العياشي ج 1، ص 202، ح 162: من قتل ينشر حتى
يموت، ومن مات ينشر حتى يقتل. وغير ذلك من الأحاديث الدالة على ذلك.
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 436 في فضلها.
3 - الكافي: ج 3، ص 126، ذيل ح 5، باب إذا عسر على الميت واشتد عليه النزع. وفيه: " يا بني لم يقرأ عبد
مكروب من موت قط إلا عجل الله راحته ".
211

سورة ص
213

بسم الله الرحمن الرحيم
ص والقرءان ذي الذكر 1
سورة ص: مكية، عدد آيها ثمان وثمانون آية كوفي، ست حجازي بصري شامي.
* (ص) *: قد سبق تأويله، وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام)، وأما " ص " فعين تنبع من
تحت العرش، وهي التي توضأ منها النبي (صلى الله عليه وآله) لما عرج به، ويدخلها جبرئيل كل يوم دخلة
فينغمس فيها، ثم يخرج منها فينفض أجنحته، فليس من قطرة تقطر من أجنحته إلا خلق الله
تبارك وتعالى منها ملكا يسبح الله ويقدسه ويكبره ويحمده إلى يوم القيامة (1).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) في حديث المعراج، ثم أوحى الله إلي: يا محمد ادن من صاد فاغسل
مساجدك وطهرها وصل لربك، فدنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من صاد، وهو ماء يسيل من ساق
العرش الأيمن (2) الحديث.
وفي العلل: عن الكاظم (عليه السلام) في حديث أنه سئل وما صاد الذي أمر أن يغتسل منه؟
يعني النبي (صلى الله عليه وآله) لما أسرى به، فقال: عين تتفجر (3) من ركن من أركان العرش يقال: لها ماء
الحياة وهو ما قال الله عز وجل " ص والقرءان ذي الذكر " (4).

1 - معاني الأخبار: ص 22، ح 1، باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور من القرآن.
2 - الكافي: ج 3، ص 485، س 5، قطعة من حديث 1، باب النوادر.
3 - وفي نسخة: [تنفجر]، كما في المصدر.
4 - علل الشرائع: ص 334 - 335، ذيل حديث 1، باب 32 - العلة التي من أجلها صارت الصلاة ركعتين
وأربع سجدات.
215

بل الذين كفروا في عزة وشقاق 2 كم أهلكنا من قبلهم
من قرن فنادوا ولات حين مناص 3 وعجبوا أن جاءهم
منذر منهم وقال الكافرون هذا سحر كذاب 4 أجعل
الآلهة إلها وحدا إن هذا لشئ عجاب 5
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم به (1).
* (والقرءان ذي الذكر) *: مقسم به عطفا على صاد، وجوابه محذوف، أي أنه لحق
يدل عليه قوله تعالى: " بل الذين كفروا في عزة وشقاق ".
* (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) *: أي ما كفر به من كفر لخلل وجد فيه " بل
الذين كفروا " في استكبار عن الحق، وخلاف لله ولرسوله، ولذلك كفروا به.
والقمي: قال: هو قسم وجوابه " بل الذين كفروا " وهو يرجع إلى ما قلناه (2).
* (كم أهلكنا من قبلهم من قرن) *: وعيد لهم على كفرهم به استكبارا وشقاقا.
* (فنادوا) *: استغاثة.
* (ولات حين مناص) *: أي ليس الحين حين منجئ ومفر، زيدت " التاء " على
" لا " للتأكيد.
* (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم) *: بشر مثلهم.
* (وقال الكافرون) *: وضع فيه الظاهر موضع الضمير، غضبا عليهم، وذما لهم،
وإشعارا بأن كفرهم جسرهم على هذا القول.
* (هذا سحر) *: فيما يظهره معجزة.
* (كذاب) *: فيما يقول على الله.
* (أجعل الآلهة إلها وحدا إن هذا لشئ عجاب) *: بليغ في العجب، فإنه

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 465، س 16.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 228، س 13.
216

وانطلق الملا منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن
هذا لشئ يراد 6 ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن
هذا إلا اختلق 7
خلاف ما أطبق عليه آباؤنا.
* (وانطلق الملا منهم أن امشوا) *: قائلين بعضهم لبعض امشوا.
* (واصبروا) *: واثبتوا.
* (على آلهتكم) *: على عبادتها فلا ينفعكم مكالمته.
* (إن هذا لشئ يراد) *: قيل: أي إن هذا الشئ من ريب الزمان يراد بنا فلا مرد له (1).
وقيل: إن هذا الذي يدعيه من الرياسة، والترفع على العرب لشئ يريده كل أحد (2).
* (ما سمعنا بهذا) *: بالذي يقوله.
* (في الملة الآخرة) *: في الملة التي أدركنا عليها آباءنا.
* (إن هذا إلا اختلق) *: كذب اختلقه.
القمي: قال: نزلت بمكة لما أظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدعوة بمكة اجتمعت قريش إلى أبي
طالب (عليه السلام) وقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سفه أحلامنا، وسب آلهتنا، وأفسد شباننا (3)،
وفرق جماعتنا، فإن كان الذي يحمله على ذلك العدم، جمعنا له مالا حتى يكون أغنى رجل في
قريش، ونملكه علينا، فأخبر أبو طالب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، فقال: لو وضعوا الشمس في
يميني والقمر في يساري ما أردته، ولكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب، ويدين لهم بها العجم،
ويكونون ملوكا في الجنة، فقال لهم أبو طالب: ذلك، فقالوا: نعم وعشر كلمات، فقال لهم رسول
الله (صلى الله عليه وآله): تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالوا: ندع ثلاثمائة وستين إلها

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 305، س 2.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 305، س 3.
3 - وفي نسخة: [شبابنا]، كما في المصدر.
217

أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكرى بل لما
يذوقوا عذاب 8
ونعبد إلها واحدا فأنزل الله سبحانه: " بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم " (1) إلى قوله: " إلا
اختلق " أي تخليط " أأنزل عليه الذكر " إلى قوله: " من الأحزاب " (2) (3).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال: أقبل أبو جهل بن هشام، ومعه قوم من قريش،
فدخلوا على أبي طالب، فقالوا: إن ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا، فادعه ومره فليكف عن
آلهتنا ونكف عن إلهه، قال: فبعث أبو طالب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعاه فلما دخل النبي (صلى الله عليه وآله) لم
ير في البيت إلا مشركا فقال: " السلم على من اتبع الهدى " (4)، ثم جلس فخبره أبو طالب بما
جاؤوا له، فقال: أو هل لهم في كلمة خير لهم من هذا يسودون بها العرب ويطأون أعناقهم،
فقال: أبو جهل: نعم وما هذه الكلمة؟ قال: تقولون: لا إله إلا الله، قال: فوضعوا أصابعهم في
آذانهم وخرجوا هرابا، وهم يقولون: " ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلق "
فأنزل الله في قولهم: " ص * والقرءان " إلى قوله: " إلا اختلق " (5).
* (أأنزل عليه الذكر من بيننا) *: انكار لاختصاصه بالوحي، وهو مثلهم أو أدون
منهم في الشرف والرياسة لقولهم: " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " (6)
وأمثال ذلك دليل على أن مبدأ تكذيبهم لم يكن إلا الحسد وقصور النظر على الحطام الدنيوي.
* (بل هم في شك من ذكرى) *: من القرآن والوحي لميلهم إلى التقليد، وإعراضهم
عن الدليل.

1 - ق: 2. والظاهر أن هنا سهو من قلمه الشريف أو من النساخ، لأن الآية في هذه السورة تكون هكذا:
" وعجبوا " إلى آخرها، وليس فيها " بل عجبوا ".
2 - ص: 8 - 11.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 228، س 16.
4 - طه: 47.
5 - الكافي: ج 2، ص 649، ح 5، باب التسليم على أهل الملل.
6 - الزخرف: 31.
218

أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب 9 أم لهم
ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب
10 جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب 11
* (بل لما يذوقوا عذاب) *: بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال شكهم، والمعنى
أنهم لا يصدقون به حتى يمسهم العذاب فيلجأهم إلى تصديقه.
* (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب) *: بل أعندهم خزائن رحمته
وفي تصرفهم حتى يصيبوا بها من شاؤوا أو يصرفوها عمن شاؤوا فيتخيروا للنبوة بعض
صناديدهم، يعني أن النبوة عطية من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده لا مانع له، فإنه
العزيز الغالب الذي لا يغلب، الوهاب الذي له أن يهب كل ما يشاء لمن يشاء.
* (أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما) *: أم لهم مدخل في هذا العالم
الذي هو جزء يسير من خزائنه.
* (فليرتقوا في الأسباب) *: أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في المعارج التي يتوصل
بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم فينزلوا الوحي إلى من يستصوبون، وهو
غاية التهكم بهم.
وقيل: أريد بالأسباب: السماوات، لأنها أسباب الحوادث السفلية (1).
* (جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب) *: أي هم جند ما من الكفار المتحزبين
على الرسل. القمي: يعني الذين تحزبوا عليك يوم الخندق (2).
قيل: مهزوم أي مكسور عما قريب فمن أين لهم التدابير الإلهية، والتصرف في الأمور
الربانية، أو فلا تكترث لما يقولون، وهنالك إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الابتداء

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 305، س 17.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 229، س 6.
219

كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد 12
وثمود وقوم لوط وأصحب الأيكة أولئك الأحزاب 13
إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب 14 وما ينظر هؤلاء
إلا صيحة وحدة ما لها من فواق 15
لهذا القول (1).
* (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد) *: في العلل: عن
الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن قوله تعالى: " وفرعون ذو الأوتاد " لأي شئ سمي ذو الأوتاد؟
فقال: لأنه كان إذا عذب رجلا بسطه على الأرض وجهه، ومد يديه ورجليه، فأوتدها بأربعة
أوتاد في الأرض، وربما بسطه على خشب منبسط فوتد رجليه ويديه بأربعة أوتاد، ثم تركه
على حاله حتى يموت فسماه الله عز وجل " فرعون ذو الأوتاد " (2).
والقمي: عمل الأوتاد التي أراد أن يصعد بها إلى السماء (3).
* (وثمود وقوم لوط وأصحب الأيكة) * (4): وأصحاب الغيضة (5)، وهم قوم شعيب.
* (أولئك الأحزاب) *: يعني المتحزبين على الرسل الذين جعل " الجند المهزوم "
منهم.
* (إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب * وما ينظر هؤلاء) *: وما ينتظر

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 305، س 20.
2 - علل الشرائع: ص 69 - 70، ح 1، باب 60 - العلة التي من أجلها سمي فرعون ذو الأوتاد.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 420، س 3.
4 - الأيكة: واحدة الأيك وهو الشجر الملتف الكثير، ويقال: الأيكة اسم قرية، والليكة: اسم بلد. مجمع
البحرين: ج 5، ص 256، مادة " أيك ".
5 - الغيضة: الأجمة، وهي مغيض ماء يجتمع فيه الشجر، والجمع غياض وأغياض. مجمع البحرين: ج 4،
ص 220، مادة " غيض ".
220

وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب 16 اصبر
على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب 17
قومك أو الأحزاب جميعا.
* (إلا صيحة وحدة) *: هي النفخة.
* (ما لها من فواق) *: قيل: أي من توقف مقدار فواق، وهو ما بين الحلبتين، أو
رجوع وترداد فإنه فيه يرجع اللبن إلى الضرع (1).
والقمي: أي لا يفيقون من العذاب (2)، وقرئ بضم الفاء وهما لغتان.
* (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا) *: قسطنا من العذاب الذي توعدنا به.
في المعاني: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في معناه قال: نصيبهم من العذاب (3).
* (قبل يوم الحساب) *: استعجلوا ذلك استهزاءا.
* (اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد) *: في التوحيد: عن
الباقر (عليه السلام) اليد في كلام العرب القوة والنعمة، ثم تلا هذه الآية (4).
* (إنه أواب) *: قيل أي رجاع إلى مرضاة الله لقوته في الدين (5).
والقمي: أي دعاء (6).
قيل: كان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم نصف الليل (7).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 306، س 9.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 229، س 9.
3 - معاني الأخبار: ص 225، ح 1، باب معنى القط.
4 - التوحيد: ص 153، ح 1، باب 13 - تفسير قول الله عز وجل " يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ".
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 306، س 16.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 229، س 11.
7 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 306، س 16.
221

إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق 18
والطير محشورة كل له أواب 19 وشددنا ملكه وآتيناه
الحكمة وفصل الخطاب 20 وهل أتاك نبأ الخصم إذ
تسوروا المحراب 21
* (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن) *: قد سبق تفسيره في سورتي الأنبياء (1) وسبأ (2).
* (بالعشي والإشراق) *: حين تشرق الشمس أي تضيئ، ويصفو شعاعها.
* (والطير محشورة) *: إليه من كل جانب.
* (كل له أواب) *: كل من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجاع التسبيح.
* (وشددنا ملكه) *: وقويناه بالهيبة، والنصرة، وكثرة الجنود.
* (وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) *: قيل: هو فصل الخصام بتميز الحق عن
الباطل (3).
وقيل: الكلام المفصول الذي لا يشتبه على السامع (4).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) إنه معرفة اللغات (5).
وفي الجوامع: عن علي (عليه السلام) هو قوله: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (6).
وقد ورد أخبار كثيرة بأن أئمتنا (عليهم السلام) أعطوا الحكمة وفصل الخطاب (7).
* (وهل أتاك نبأ الخصم) *: فيه تعجيب، وتشويق إلى إستماعه.

1 و 2 - ذيل الآيتين: 79 و 10، انظر ج 5، ص 93 من كتابنا تفسير الصافي، وص 82 - 83 من هذا الجزء.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 307، س 5، وتفسير أبي السعود: ج 7، ص 220.
4 - جوامع الجامع: ج 3، ص 431 نقلا بالمعنى.
5 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 228، ح 3، باب 54 معرفته (عليه السلام) بجميع اللغات.
6 - جوامع الجامع: ج 3، ص 431، س 15، والكشاف: ج 4، ص 80، س 11.
7 - انظر الخصال: ص 415، ح 4، ب 9 و 646، ح 30، باب ما بعد الألف، وإكمال الدين: ص 263، ح 10، باب
24 - نص النبي (صلى الله عليه وآله) على القائم (عليه السلام)، والكافي: ج 1، ص 197، ح 1 و 3 وغير ذلك.
222

إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا
على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء
الصراط 22 إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة
وحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب 23 قال لقد ظلمك
بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم
على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم
وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب 24
* (إذ تسوروا المحراب) *: إذ تصعدوا سور الغرفة.
* (إذ دخلوا على داود ففزع منهم) *: لأنهم نزلوا عليه من فوق، وفي يوم
الإحتجاب والحرس على الباب.
* (قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا
تشطط) *: ولا تجر في الحكومة.
* (واهدنا إلى سواء الصراط) *: إلى وسطه، وهو العدل.
* (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة وحدة) *: هي الأنثى من
الضأن، وقد تكنى بها عن المرأة.
* (فقال أكفلنيها) *: ملكنيها، وأصله واجعلني أكفلها أو اجعلها كفلي أي نصيبي.
* (وعزني في الخطاب) *: وغلبني في مخاطبته إياي.
* (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء) *:
الشركاء الذين خلطوا أموالهم، جمع خليط.
* (ليبغي) *: ليتعدى.
* (بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) *:
223

فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب 25
يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس
بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون
عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب 26
وهم قليل، " ما " مزيدة للإبهام، والتعجيب من قلتهم.
* (وظن داود أنما فتناه) *: امتحناه بتلك الحكومة، هل تنبه بها.
* (فاستغفر ربه وخر راكعا) *: ساجدا.
* (وأناب) *: ورجع إلى الله بالتوبة.
* (فغفرنا له ذلك) *: أي ما استغفر عنه.
* (وإن له عندنا لزلفى) *: لقربة بعد المغفرة.
* (وحسن مآب) *: مرجع في الجنة.
* (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع
الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد
بما نسوا يوم الحساب) *: قد سبق في سورة لقمان كلام في خلافة داود (عليه السلام) (1).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) في حديث عصمة الأنبياء (عليهم السلام) قال: وأما داود فما يقول من
قبلكم فيه؟ فقيل: يقولون: إن داود (عليه السلام) كان يصلي في محرابه إذ تصور له إبليس على صورة
طير أحسن ما يكون من الطيور فقطع داود (عليه السلام) صلاته وقام ليأخذ الطير، فخرج الطير إلى
الدار فخرج في أثره فطار الطير إلى السطح فصعد السطح في طلبه فسقط الطير في دار أوريا
ابن حيان، فاطلع داود (عليه السلام) في أثر الطير فإذا بامرأة أوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها، وكان قد
أخرج أوريا في بعض غزواته فكتب إلى صاحبه أن قدم أوريا أمام التابوت فقدم فظفر أوريا

1 - ذيل الآية: 12، انظر ج 5، ص 519 من كتابنا تفسير الصافي.
224

بالمشركين فصعب ذلك على داود (عليه السلام)، فكتب إليه ثانية أن قدمه أمام التابوت فقدم فقتل
أوريا فتزوج داود (عليه السلام) بامرأته، قال: فضرب الرضا (عليه السلام) يده على جبهته، وقال إنا لله وإنا إليه
راجعون، لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله (عليهم السلام) إلى التهاون بصلاته حتى خرج في أثر الطير ثم،
بالفاحشة، ثم بالقتل، فقيل: يا ابن رسول الله فما كانت خطيئته؟ فقال: ويحك إن داود (عليه السلام) إنما
ظن أنه ما خلق الله عز وجل خلقا هو أعلم منه فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا
المحراب فقالا له: " خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى
سواء الصراط * إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة وحدة فقال أكفلنيها وعزني
في الخطاب " فعجل داود (عليه السلام) على المدعى عليه فقال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ولم
يسأل المدعى البينة على ذلك، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له: ما تقول: فكان هذا خطيئة
في رسم الحكم لا ما ذهبتم إليه، ألا تسمع الله تعالى يقول: " يا داود إنا جعلناك خليفة في
الأرض فاحكم بين الناس بالحق " إلى آخر الآية؟ فقيل: يا ابن رسول الله فما قصته مع أوريا؟
قال الرضا (عليه السلام): إن المرأة في أيام داود (عليه السلام) كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا،
فأول من أباح الله تعالى أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود (عليه السلام)، فتزوج بامرأة أوريا لما قتل
وانقضت عدتها منه فذلك الذي شق على الناس من قبل أوريا (1).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) ما يقرب مما روته العامة، وكذبه الرضا (عليه السلام) كما مر مع
زيادات، وفيه ما فيه (2).
وعن الباقر (عليه السلام) في قوله: " وظن داود " (عليه السلام) أي علم، " وأناب " أي تاب، وذكر أن
داود (عليه السلام) كتب إلى صاحبه أن لا تقدم أوريا بين يدي التابوت ورده فقدم أوريا إلى أهله
ومكث ثمانية أيام ثم مات (3).
وفي المجالس: عن الصادق (عليه السلام) قال: ان رضا الناس لا يملك، وألسنتهم لا تضبط، ألم
ينسبوا إلى داود (عليه السلام) أنه تبع الطير حتى نظر إلى امرأة أوريا فهواها؟ وأنه قدم زوجها أمام

1 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 193 - 194، قطعة من ح 1، باب 14 - ذكر مجلس آخر للرضا (عليه السلام) عند
المأمون مع أهل الملل والمقالات وما أجاب به علي بن محمد بن الجهم في عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 229 - 230.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 234، س 1.
225

وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما بطلا ذلك ظن
الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار 27 أم نجعل
الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض
أم نجعل المتقين كالفجار 28
التابوت حتى قتل ثم تزوج بها (1).
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: لا أوتي برجل يزعم أن داود (عليه السلام) تزوج
امرأة أوريا إلا جلدته حدين حدا للنبوة وحدا للإسلام (2).
وروي أنه قال من حدث بحديث داود (عليه السلام) على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين (3).
* (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما بطلا) *: لا حكمة فيه.
* (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) *: بسبب هذا الظن.
* (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض) *:
إنكار للتسوية.
* (أم نجعل المتقين كالفجار) *: قيل: كأنه أنكر التسوية أولا بين المؤمنين
والكافرين، ثم بين المتقين من المؤمنين والمجرمين منهم، ويجوز أن يكون تكريرا للإنكار الأول
باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية من الحكيم الرحيم (4).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال: " الذين آمنوا وعملوا
الصالحات " أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه، " كالمفسدين في الأرض " قال: حبتر (5)

1 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 91 - 92، ح 3، المجلس الثاني والعشرون.
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 472، س 21.
3 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 308، س 15.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 309، س 5.
5 - الحبتر بالمهملة ثم الموحدة من تحت، ثم المثناة من فوق، ثم الراء على وزن جعفر: الثعلب، قيل: إنما كنى عنه
لتشبيهه بالثعلب في حيلته. منه (قدس سره).
226

كتب أنزلناه إليك مبرك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا
الألباب 29
وزريق (1) وأصحابهما " أم نجعل المتقين " أمير المؤمنين (عليه السلام) " كالفجار " حبتر، وزلام (2)
وأصحابهما، وهذه الألفاظ: كنايات عن الثلاثة (3).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) قال: لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل
لأن الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل ألم يعرفوا وجه قول الله في كتابه إذ يقول:
" أم نجعل الذين آمنوا " الآية (4).
في الخصال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها: صدق
الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وقلة الفخر، والتحمل (5)، وصلة الأرحام، ورحمة
الضعفاء، وقلة المؤاتاة (6) للنساء، وبذل المعروف، وحسن الخلق، وسعة الحلم، واتباع العلم
فيما يقرب إلى الله تعالى (7).
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) قال: الفاجر إن ائتمنته خانك، وإن صاحبته شانك، وإن
وثقت به لم ينصحك (8).
* (كتب أنزلناه إليك مبرك) *: نفاع.

1 - زريق: - بتقديم المعجمة على المهملة -: مصغر أزرق، قيل: إنما كنى عنه لزرقة عينه. منه (قدس سره).
2 - زليم وزلام: اسمان. لسان العرب: ج 6، ص 76، مادة " زلم ".
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 234، س 5.
4 - الكافي: ج 8، ص 12، س 8، ح 1، باب رسالة أبي عبد الله (عليه السلام) إلى جماعة الشيعة.
5 - وفي حديث صفات المؤمن " ان لا يتحمل على الأصدقاء " أي لا يرمي كله على أصدقائه مجمع البحرين:
ج 5، ص 357، مادة " حمل ".
6 - المواتاة: حسن المطاوعة والموافقة، وأصله الهمزة، وخفف وكثر حتى صار يقال: بالواو الخالصة مجمع
البحرين: ج 1، ص 21، مادة " أتا ".
7 - الخصال: ص 483، ح 56، باب 12 - لأهل التقوى اثنتا عشرة علامة.
8 - الخصال: ص 116، ذيل ح 96، باب 3 - الرجال ثلاثة.
227

ووهبنا لداود سليمن نعم العبد إنه أواب 30 إذ عرض
عليه بالعشي الصافنات الجياد 31 فقال إني أحببت حب
الخير عن ذكر ربى حتى توارت بالحجاب 32 ردوها على
فطفق مسحا بالسوق والأعناق 33
* (ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) *: الثاقبة، القمي: عن الصادق (عليه السلام)
" ليدبروا آياته " أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) فهم أولو الألباب، قال: وكان أمير المؤمنين (عليه السلام)
يفتخر بها ويقول: ما أعطي أحد قبلي ولا بعدي مثل ما أعطيت (1).
* (ووهبنا لداود سليمن نعم العبد) *: أي نعم العبد سليمان.
* (إنه أواب) *: كثير الرجوع إلى الله بالتوبة والذكر.
* (إذ عرض عليه بالعشي) *: بعد الظهر.
* (الصافنات الجياد) *: الصافن من الخيل الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل،
وهو من الصفات المحمودة في الخيل. والجياد: قيل: جمع جواد أو جود، وهو الذي يسرع في
جريه (2). وقيل: الذي يجود بالركض (3). وقيل جمع جيد (4).
* (فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربى) *: قيل: أصل أحببت أن يعدى
بعلى، لأنه بمعنى آثرت، لكن لما أنيب مناب أنبت عدى تعديته (5).
وقيل: هو بمعنى تقاعدت، و " حب الخير " مفعول له، و " الخير ": المال الكثير، والمراد به
هنا: الخيل التي شغلته عن الذكر (6). وفي الحديث: الخيل معقود بنواصيها الخير (7).
* (حتى توارت بالحجاب) *: أي غربت الشمس، شبه غروبها بتواري المخبأة
بحجابها، وإضمارها من غير ذكر لدلالة العشي عليه.
* (ردوها على) *: الضمير للشمس.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 234، س 8،
2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 - قاله البيضاوي في تفسيره أنور التنزيل: ج 2، ص 309 و 310.
228

* (فطفق مسحا) *: فأخذ يسمح مسحا.
* (بالسوق والأعناق) *: في الفقيه: عن الصادق (عليه السلام) قال: إن سليمان بن داود عرض
عليه ذات يوم بالعشي الخيل فاشتغل بالنظر إليها حتى توارث الشمس بالحجاب، فقال:
للملائكة ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها، فردوها، فقام فمسح ساقيه وعنقه،
وأمر أصحابه الذين فأتتهم الصلاة معه بمثل ذلك، وكان ذلك وضوءهم للصلاة، ثم قام فصلى،
فلما فرغ غابت الشمس وطلعت النجوم، وذلك قول الله عز وجل: " ووهبنا لداود سليمن "
إلى قوله: " والأعناق " (1).
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إن هذه الخيل كانت شغلته عن صلاة العصر حتى
فات وقتها (2).
قال: وفي روايات أصحابنا أنه فاته أول الوقت (3).
وفي الكافي (4)، والفقيه: عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن قول الله عز وجل " إن الصلاة
كانت على المؤمنين كتبا موقوتا " (5) قال: يعني مفروضا، وليس يعني وقت فوتها إذا جاز
ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن صلاته هذه مؤداة، ولو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود (عليهما السلام)
حين صلاها لغير وقتها، ولكنه متى ما ذكرها صلاها (6).
وفي العلل: عنه (عليه السلام) ما يقرب منه (7).
وفي المجمع: قال ابن عباس: سألت عليا (عليه السلام) عن هذه الآية فقال: ما بلغك فيها يا ابن عباس؟
قلت: بلى سمعت كعبا يقول: اشتغل سليمان (عليه السلام) بعرض الأفراس حتى فاتته الصلاة، فقال:
وردها علي يعني الأفراس، وكانت أربعة عشر فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها،
فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها، فقال علي (عليه السلام): كذب كعب لكن

1 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 129، ح 607 / 8، باب 29 - فرض الصلاة.
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 475، س 5.
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 475، س 5.
4 - الكافي: ج 3، ص 294، ح 10، باب من نام عن الصلاة أو سهى عنها.
5 - النساء: 103.
6 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 125، ح 601 / 2، باب 29، فرض الصلاة. والرواية منقولة عن الصادق (عليه السلام).
7 - علل الشرائع: ص 605، ح 79، باب 385 - نوادر العلل.
229

ولقد فتنا سليمن وألقينا على كرسيه جسدا ثم
أناب 34
اشتغل سليمان (عليه السلام) بعرض الأفراس ذات يوم لأنه أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس
بالحجاب، فقال: بأمر الله للملائكة الموكلين بالشمس ردوها علي فردت فصلى العصر في
وقتها، وأن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم لأنهم معصومون مطهرون (1).
القمي: ذكر قريبا مما قاله كعب (2). ثم روى قصة خاتمه عن الصادق (عليه السلام) (3) وأنه ضل عنه
أربعين يوما ما بسبب قتله الخيل، سرقه شيطان وجلس مكانه في تلك المدة إلى آخر ما ذكره
مما لا يليق بالأنبياء إلا إذا كان مرموز أو أريد به شئ آخر كما سبق مثله في قصة هاروت وماروت (4)
* (ولقد فتنا سليمن وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب) *: في المجمع: عن
النبي (صلى الله عليه وآله) أن سليمان (عليه السلام) قال: يوما في مجلسه: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة
منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن فلم تحمل منهن
إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد، قال: ثم قال: فوالذي نفس محمد (صلى الله عليه وآله) بيده لو قال: إن شاء
الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا، والجسد الذي كان على كرسيه كان هذا (5).
وعن الصادق (عليه السلام): أن الجن والشياطين لما ولد لسليمان ابن قال بعضهم لبعض: إن
عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء فأشفق (عليه السلام) منهم عليه فاسترضعه في المزن
وهو السحاب فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه ميتا تنبيها على أن الحذر لا ينفع من القدر،
وإنما عوتب (عليه السلام) على خوفه من الشيطان (6).
وقيل: الجسد: ذاك الشيطان الذي كان قد جلس مكانه على كرسيه، سمي بالجسد
الذي لا روح فيه، لأنه كان متمثلا بما لم يكن كذلك (7).

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 475، س 19.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 234 - 235.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 236 - 238.
4 - انظر تفسير القمي: ج 1، ص 56 - 57.
5 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 475، س 28.
6 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 475 - 476.
7 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 310.
230

قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي
إنك أنت الوهاب 35 فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاء
حيث أصاب 36 والشياطين كل بناء وغواص 37 وآخرين
مقرنين في الأصفاد 38 هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك
بغير حساب 39 وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب 40
وهذا قول العامة الراوين لتلك القصة التي فيها ذكر الخاتم إلا أنهم ذكروا في سبب
ابتلائه بسلب ملكه أنه كانت امرأته تعبد في بيته صورة أربعين يوما، وهو لم يشعر بذلك.
* (قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت
الوهاب * فسخرنا له الريح) *: فذللناها لطاعته إجابة لدعوته.
* (تجرى بأمره رخاء) *: لينة لا تزعزع.
* (حيث أصاب) *: أراد.
* (والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الأصفاد) *: قرن
بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر، كذا قيل (1).
والقمي: هم الذين عصوا سليمان حين سلبه الله ملكه (2).
وقد سبق بعض هذه القصة في سورة سبأ (3).
* (هذا عطاؤنا) *: أي هذا الذي أعطيناك من الملك، والبسطة، والتسلط على ما لم
يسلط غيرك عطاؤنا.
* (فامنن أو أمسك) *: فاعط من شئت وامنع من شئت.
* (بغير حساب) *: غير محاسب على منة، وإمساكه لتفويض التصرف فيه إليك.
* (وإن له عندنا لزلفى) *: في الآخرة مع ما له من الملك العظيم في الدنيا.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 311، س 7.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 236.
3 - الآيات 11 - 14، أنظر ص 83 - 87 من هذا الجزء.
231

* (وحسن مآب) *: هو الجنة.
وفي العلل: عن الكاظم (عليه السلام) انه سئل أيجوز أن يكون نبي الله بخيلا؟ فقال: لا فقيل:
فقول سليمان (عليه السلام): " رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي " ما وجهه وما معناه؟
فقال: الملك ملكان: ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس، وملك مأخوذ من قبل الله
تعالى ذكره كملك آل إبراهيم، وملك طالوت، وذي القرنين، فقال سليمان (عليه السلام): " هب لي ملكا لا
ينبغي لأحد من بعدي " أن يقول: أنه مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس، فسخر الله
عز وجل: " له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب " وجعل غدوها شهرا ورواحها شهرا
وسخر له عز وجل: " الشيطين كل بناء وغواص "، وعلم منطق الطير، ومكن له في الأرض،
فعلم الناس في وقته وبعده أن ملكه لا يشبه ملك الملوك الجبارين من الناس والمالكين بالغلبة
والجور.
قيل: فقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) رحم الله أخي سليمان بن داود (عليه السلام) ما كان أبخله؟ فقال:
لقوله (صلى الله عليه وآله): وجهان أحدهما: ما كان أبخله بعرضه وسوء القول فيه، والوجه الآخر يقول: ما
كان أبخله إن كان أراد ما كان يذهب إليه الجهال (1).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: " هذا عطاؤنا " الآية قال أعطي سليمان
ملكا عظيما، ثم جرت هذه الآية في رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكان له أن يعطي من شاء ما شاء ويمنع
من شاء، وأعطاه أفضل مما أعطى سليمان (عليه السلام) لقوله: " ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم
عنه فانتهوا " (2) (3).
وعن الرضا (عليه السلام) أنه قيل له: حقا علينا أن نسألكم؟ قال: نعم، قيل: حقا عليكم أن
تجيبونا؟ قال: لا، ذاك إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل، أما تسمع قول الله تعالى: " هذا
عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب " (4).

1 - علل الشرائع: ص 71، ح 1، باب 62 - العلة التي من أجلها قال سليمان (عليه السلام): " رب اغفر لي ووهب لي ملكا لا
ينبغي لأحد من بعدي ".
2 - الحشر: 7.
3 - الكافي: ج 1، ص 268، ح 10، باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) والى الأئمة (عليهم السلام) في أمر الدين.
4 - الكافي: ج 1، ص 210 - 211، ح 3، باب ان أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة (عليهم السلام).
232

واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسني الشيطان
بنصب وعذاب 41 اركض برجلك هذا مغتسل بارد
وشراب 42 ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا
وذكرى لاولى الألباب 43 وخذ بيدك ضغثا فاضرب به
ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب 44
* (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسني الشيطان بنصب) *: بتعب،
وقرئ بفتح النون وبفتحتين.
* (وعذاب) *: ألم، وهو حكاية لكلامه (عليه السلام).
* (اركض برجلك) *: حكاية لما أجيب به، أي اضرب برجلك الأرض.
* (هذا مغتسل بارد وشراب) *: أي فضربها فنبعت عين فقيل: هذا مغتسل أي
تغتسل به وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك (1).
* (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم) *: بأن أحييناهم بعد موتهم.
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل كيف أوتي مثلهم معهم؟ قال: أحيى له من ولده
الذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم مثل الذين هلكوا يومئذ (2).
والقمي: عنه (عليه السلام) قال: أحيى الله عز وجل له أهله الذين كانوا قبل البلية، وأحيى له
الذين ماتوا وهو في البلية (3).
* (رحمة منا وذكرى لاولى الألباب) *: لينتظروا الفرج بالصبر، واللجأ إلى الله فيما
يحيق بهم.
* (وخذ بيدك ضغثا) *: حزمة صغيرة من خشب.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 311، س 23.
2 - الكافي: ج 8، ص 252، ح 354.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 74، س 12.
233

* (فاضرب به ولا تحنث) *: وذلك أنه حلف أن يضرب زوجته في أمر ثم ندم عليه
فحل الله يمينه بذلك، وهي رخصة باقية في الحدود كما ورد عنهم (عليهم السلام).
* (إنا وجدناه صابرا) *: فيما أصابه في النفس والأهل والمال.
* (نعم العبد) *: أيوب.
* (إنه أواب) *: مقبل بشراشره (1) على الله، وفي العلل: عن الصادق (عليه السلام) قال: إنما
كانت بلية أيوب (عليه السلام) التي ابتلى بها في الدنيا لنعمة أنعم الله بها عليه فأدى شكرها، وكان
إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش فلما صعد عمل أيوب (عليه السلام) بأداء شكر النعمة
حسده إبليس فقال: يا رب إن أيوب (عليه السلام) لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا، فلو
حلت بينه وبين دنياه ما أدى إليك شكر نعمة، فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدي شكر
نعمة (2)، فقال: قد سلطتك على دنياه فلم يدع له دنيا ولا ولدا إلا أهلك كل ذلك، وهو يحمد
الله عز وجل، ثم رجع إليه فقال: يا رب أن أيوب يعلم إنك سترد إليه دنياه التي أخذتها منه،
فسلطني على بدنه حتى تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة، قال الله عز وجل: قد سلطتك على بدنه
ما عدا عينيه، وقلبه، ولسانه، وسمعه، قال: فانقض (3) مبادرا خشية أن تدركه رحمة الله عز
وجل فتحول بينه وبينه فنفخ في منخريه من نار السوم فصار جسده نقطا نقطا (4).
وعن الكاظم (عليه السلام) مثله، وزاد: فلما اشتد به البلاء، وكان في آخر بليته جاءه أصحابه
فقالوا: يا أيوب ما نعلم أحدا ابتلي بمثل هذه البلية، إلا لسريرة شر فلعلك أسررت سوءا في
الذي تبدي لنا؟ قال: فعند ذلك ناجى أيوب ربه عز وجل، فقال: رب ابتليتني بهذه البلية
وأنت تعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا التزمت أخشنهما على بدني، ولم آكل أكلة قط إلا
وعلى خواني يتيم، فلو أن لي منك مقعد الخصم لأدليت بحجتي، قال: فعرضت له سحابة فنطق
فيها ناطق، فقال: يا أيوب أدل بحجتك، قال: فشد عليه ميزره، وجثا على ركبتيه فقال:

1 - الشراشر: النفس، والأثقال، والمحبة، وجميع الجسد. القاموس المحيط: ج 2، ص 57، مادة " شرر ".
2 - وفي نسخة: [النعمة].
3 - انقض الطائر: إذا هوى في طيرانه، ومنه انقضاض الكوكب. مجمع البحرين: ج 4، ص 228، مادة " قضض ".
4 - علل الشرائع: ص 75، ح 1، باب 65 - العلة التي من اجلها ابتلي أيوب النبي (عليه السلام).
234

ابتليتني بهذه البلية وأنت تعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا التزمت أخشنهما على بدني، ولم
آكل أكلة من طعام إلا وعلى خواني يتيم، قال: فقيل له: يا أيوب من حبب إليك الطاعة؟ قال:
فأخذ كفا من تراب فوضعه في فيه، ثم قال: أنت يا رب (1).
وعن الصادق (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى ابتلى أيوب (عليه السلام) بلا ذنب، فصبر حتى عير، وإن
الأنبياء لا يصبرون على التعيير (2).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) إن الله تعالى يبتلي المؤمن بكل بلية ويميته بكل ميتة، ولا يبتليه
بذهاب عقله، أما ترى أيوب (عليه السلام) كيف سلط إبليس على ماله، وعلى أهله، وعلى كل شئ
منه، ولم يسلط على عقله، ترك له يوحد الله عز وجل (3).
وفي رواية: فسلط على أيوب فشوه خلقه ولم يسلط على دينه (4).
وفي الخصال (5)، والعلل: عنه (عليه السلام) ابتلى أيوب سبع سنين بلا ذنب (6).
وفي الخصال: عنه، عنه أبيه (عليهما السلام)، قال: إن أيوب (عليه السلام) ابتلي سبع سنين بغير ذنب (7)،
وأن الأنبياء معصومون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا.
وقال (عليه السلام): إن أيوب مع جميع ما ابتلي به، لم تنتن له رائحة، ولا قبحت له صورة، ولا
خرجت منه مدة (8) من دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه أحد شاهده،
ولا تدود شئ (9) من جسده، وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه، وأوليائه

1 - علل الشرائع: ص 76، ح 5، باب 65 - العلة التي من أجلها ابتلي أيوب النبي (عليه السلام).
2 - علل الشرائع: ص 75 - 76، ح 4، باب 65 - العلة التي من أجلها ابتلى أيوب النبي (صلى الله عليه وآله)
3 - الكافي: ج 2، ص 256، ح 22، باب شدة ابتلاء المؤمن. وفيه: " ترك له ليوحد الله ".
4 - تفسير العياشي: ج 2، ص 269، ح 66.
5 - الخصال: ص 399، ح 107، باب 7 - ابتلى أيوب (عليه السلام) سبع سنين بلا ذنب.
6 - علل الشرائع: ص 75، ح 3، باب 65 - العلة التي من أجلها ابتلى أيوب النبي (عليه السلام).
7 - وفي نسخة: [ابتلي بغير ذنب سبع سنين]، وفي الخصال: إن أيوب (عليه السلام) ابتلي من غير ذنب، وأن الأنبياء لا
يذنبون لأنهم معصومون مطهرون.
8 - المدة - بالكسر وتشديد المهملة: ما يجتمع في الجرح من القيح الغليظ منه، وأما الرقيق فهو الصديد. مجمع
البحرين ج 3، ص 144، مادة " مدة ".
9 - هكذا في الأصل، وفي المصدر " ولا يدود شئ ".
235

المكرمين عليه، وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بماله عند ربه تعالى
ذكره من التأييد والفرج، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): أعظم الناس بلاءا الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل
فالأمثل، وإنما ابتلاه الله عز وجل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له
الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله تعالى ذكره أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه
ليستدلوا بذلك، على أن الثواب من الله تعالى ذكره على ضربين استحقاق واختصاص، ولئلا
يحقروا ضعيفا لضعفه، ولا فقيرا لفقره، ولا مريضا لمرضه، وليعلموا أنه يسقم من يشاء، ويشفى
من يشاء، متى شاء كيف شاء، بأي شئ شاء، ويجعل ذلك عبرة لمن يشاء، وشقاوة لمن يشاء،
وسعادة لمن يشاء، وهو عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده
إلا الأصلح لهم، ولا قوة إلا بالله (1).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لأي علة
كانت؟ قال: لنعمة أنعم الله عز وجل عليه بها في الدنيا وأدى شكرها، وكان في ذلك الزمان لا
يحجب إبليس عن دون العرش، فلما صعد ورأى شكر نعمة أيوب (عليه السلام) حسده إبليس، فقال: يا
رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته دنياه ما أدى
إليك شكر نعمة أبدا فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدي إليك شكر نعمة أبدا، فقيل له:
قد سلطتك على ما له وولده، قال: فانحدر إبليس فلم يبق له مالا ولا ولدا إلا أعطبه، فازداد
أيوب لله شكرا وحمدا، قال: فسلطني على زرعه، قال: قد فعلت فجمع شياطينه فنفخ فيه
فاحترق، فازداد أيوب لله شكرا وحمدا، فقال: يا رب فسلطني على غنمه، فسلطه على غنمه
فأهلكها، فازداد أيوب لله شكرا وحمدا، فقال: يا رب سلطني على بدنه، فسلطه على بدنه ما
خلا عقله وعينيه، فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه، فبقى في ذلك دهرا
طويلا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود فكانت تخرج من بدنه فيردها فيقول لها:
ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه، ونتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية، وألقوه في
المزبلة خارج القرية، وكانت امرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم

1 - الخصال: ص 399 - 400، ح 108، باب 7 - ابتلى أيوب (عليه السلام) سبع سنين بلا ذنب.
236

صلوات الله عليهم أجمعين وعليها تتصدق من الناس وتأتيه بما تجده، قال (عليه السلام): فلما طال عليه
البلاء، ورأى إبليس صبره أتى أصحابا لأيوب كانوا رهبانا في الجبال، وقال لهم: مرو بنا إلى
هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته، فركبوا بغالا شهباء (1) وجاؤوا، فلما دنوا منه نفرت بغالهم
من نتن ريحه، فنظر بعضهم إلى بعض، ثم مشوا إليه، وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه
فقالوا: يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله كان يملكنا إذا سألناه (2) وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء
الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تستره، فقال: أيوب (عليه السلام) وعزة ربي أنه ليعلم إني ما أكلت
طعاما إلا ويتيم أو ضعيف يأكل معي (3)، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة، لله إلا أخذت
بأشدهما على بدني، فقال الشاب سوأة لكم عيرتم نبي الله حتى أظهر من عبادة ربه ما كان
يسترها، فقال: أيوب (عليه السلام) يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجتي، فبعث الله عز
وجل إليه غمامة فقال: يا أيوب أدل بحجتك، فقد أقعدت مقعد الحكم، وها أنا ذا قريب ولم
أزل، فقال: يا رب إنك لتعلم أنه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت بأشدهما
على نفسي، ألم أحمدك؟ ألم أشكرك؟ ألم أسبحك؟ قال: فنودي من الغمامة بعشرة آلاف
لسان، يا أيوب من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون؟ وتحمده، وتسبحه، وتكبره، والناس
عنه غافلون؟ أتمن على الله بما لله فيه المنة عليك؟ قال: فأخذ التراب فوضعه في فيه، ثم قال: لك
العتبى يا رب، أنت فعلت ذلك بي، فأنزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله
بذلك الماء فعاد أحسن ما كان، وأطرأ وأنبت الله عليه روضة خضراء ورد عليه أهله وماله
وولده وزرعه، وقعد معه الملك يحدثه ويؤنسه، فأقبلت امرأته معها الكسرة فلما إنتهت إلى
الموضع إذ الموضع متغير، وإذا رجلان جالسان، فبكت وصاحت، وقالت: يا أيوب ما
دهاك (4)؟ فناداها أيوب، فأقبلت، فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمته، سجدت لله عز
وجل شكرا فرأى ذؤابتها مقطوعة، وذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ما تحمله إلى أيوب من

1 - هذا في الأصل، وفي المصدر " فركبوا بغالا شهبا "، وهذا هو الأصح.
2 - هكذا في الأصل، وفي المصدر: " لعل الله يهلكنا إذا فعلناه "، وهذا هو الصحيح.
3 - هكذا في الأصل، وفي المصدر: " أو ضيف يأكل معي "، وهذا هو الأصح.
4 - الداهية: النائبة العظيمة النازلة. والجمع: الدواهي، وهي فاعل من دهاه الأمر يدهاه إذا نزل به. مجمع
البحرين: ج 1، ص 152، مادة " دها ".
237

واذكر عبدنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولى الأيدي
والأبصر 45
الطعام، وكانت حسنة الذوائب، فقالوا لها: تبيعينا ذوائبك هذه حتى نعطيك؟ فقطعتها ودفعتها
إليهم وأخذت منهم طعاما لأيوب، فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها أن يضربها
مائة فأخبرته أنه كان سببه كيت وكيت، فاغتم أيوب من ذلك، فأوحى الله عز وجل إليه " خذ
بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث "، فأخذ عذقا مشتملا على مائة شمراخ (1) فضربها ضربة
واحدة فخرج عن يمينه (2)، قال: فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء، ورد عليه أهله
الذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء كلهم أحياهم الله له فعاشوا معه، وسئل أيوب (عليه السلام) بعد ما
عافاه الله، أي شئ كان أشد عليك مما مر عليك؟ فقال: شماتة الأعداء، قال: فأمطر الله عليه في
داره جرادة الذهب (3)، وكان يجمعه فكان إذا ذهبت الريح منه بشئ عدا خلفه فرده، فقال له
جبرئيل (عليه السلام): أما تشبع يا أيوب؟ قال: ومن يشبع من رزق ربه عز وجل (4).
أقول: لعل المراد ببدنه الذي قيل في الرواية الأولى: أنه لم تنتن رائحته، ولم يتدود بدنه
الأصلي الذي يرفع من الأنبياء والأوصياء إلى السماء الذي خلق من طينة خلقت منها أرواح
المؤمنين، وببدنه الذي قيل: في هذه الرواية أنه أنتن وتدود: بدنه العنصري الذي هو كالغلاف
لذلك ولا مبالاة للخواص، فلا تنافي بين الروايتين.
* (واذكر عبدنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولى الأيدي والأبصر) *:
القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: أولو القوة في العبادة والبصر فيها (5).

1 - الشمراخ - بالكسر - والشمروخ - بضم -: العثكال، وهو ما يكون فيه الرطب، والجمع شماريخ. مجمع
البحرين: ج 2، ص 436، مادة " شمخ ".
2 - وفي نسخة: [من يمينه].
3 - هكذا في الأصل، وفي المصدر: " فراش الذهب ".
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 239 - 242.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 242، س 8. وفيه " والصبر فيها ".
238

إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار 46 وإنهم عندنا لمن
المصطفين الأخيار 47 واذكر إسماعيل واليسع وذا
الكفل وكل من الأخيار 48 هذا ذكر وإن للمتقين لحسن
مآب 49 جنت عدن مفتحة لهم الأبواب 50 متكئين
فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب 51 وعندهم
قصرت الطرف أتراب 52
* (إنا أخلصناهم بخالصة) *: جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لا شوب فيها.
* (ذكرى الدار) *: أي تذكرهم للآخرة دائما، فإن خلوصهم في الطاعة بسببها، وذلك
لأنه كان مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه، واطلاق الدار للإشعار
بأنها الدار الحقيقية، والدنيا معبر.
* (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار * واذكر إسماعيل واليسع) *: قيل:
هو ابن أخطوب استخلفه إلياس على بني إسرائيل، ثم استنبئ (1).
* (وذا الكفل) *: هو يوشع بن نون كما مر في سورة الأنبياء (2).
* (وكل من الأخيار * هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب) *: مرجع.
* (جنت عدن مفتحة لهم الأبواب * متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة
كثيرة وشراب) *: قيل: الإقتصار على الفاكهة للإشعار بأن مطاعمهم لمحض التلذذ، فإن
التغذي للتحلل ولا تحلل ثمة (3).
* (وعندهم قصرت الطرف) *: لا ينظرن إلى غير أزواجهن.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 312، س 17.
2 - ذيل الآية: 85، انظر ج 5، ص 96 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 313، س 4.
239

هذا ما توعدون ليوم الحساب 53 إن هذا لرزقنا ماله من
نفاد 54 هذا وإن للطاغين لشر مآب 55 جهنم يصلونها
فبئس المهاد 56 هذا فليذوقوه حميم وغساق 57
* (أتراب) *: لدات (1) بعضهم لبعض لا عجوز فيهن ولا صبية.
* (هذا ما توعدون ليوم الحساب) *: لأجله، وقرئ بالياء.
* (إن هذا لرزقنا ماله من نفاد) *: انقطاع.
* (هذا) *: الأمر هذا.
* (وإن للطاغين لشر مآب * جهنم يصلونها فبئس المهاد) *: القمي: وهم
الأول، والثاني، وبنو أمية (2).
* (هذا فليذوقوه حميم وغساق) *: وقرئ بالتخفيف هو ما يغسق أي يسيل من
صديد النار.
والقمي: قال: الغساق: واد في جهنم فيه ثلاثمائة وثلاثون قصرا، في كل قصر ثلاثمائة
بيت، في كل بيت أربعون زاوية، في كل زاوية شجاع (3)، في كل شجاع ثلاثمائة وثلاثون عقربا،
في حمة كل عقرب ثلاثمائة وثلاثون قلة (4) من سم لو أن عقربا منها نضحت سمها على أهل
جهنم لوسعهم سمها (5).

1 - اللدة من ولد معك، والجمع لدات، ويأتي تمام تفسير الأتراب في سورة الواقعة. منه (قدس سره).
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 242، س 18.
3 - الشجاع - بالكسر والضم -: الحية العظيمة التي تواثب الفارس والرجل، وتقوم على ذنبها، وربما قلعت
رأس الفارس، تكون في الصحاري. مجمع البحرين: ج 4، ص 351، مادة " شجع ".
4 - القلة - بضم القاف وتشديد اللام -: إناء للعرب كالجرة الكبيرة تسع قربتين أو أكثر. قال في المغرب: القلة
حب عظيم وهي معروفة بالحجاز والشام. مجمع البحرين: ج 5، ص 454، مادة " قلل ".
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 242، س 14.
240

وآخر من شكله أزوج 58 هذا فوج مقتحم معكم لا
مرحبا بهم إنهم صالوا النار 59 قالوا بل أنتم لا مرحبا
بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار 60
* (وآخر) *: وقرئ وأخر على الجمع.
* (من شكله) *: قيل: من مثل المذوق أو العذاب في الشدة أو مثل الذائق (1).
* (أزوج) *: أصناف. والقمي: وهم بنو العباس (2).
* (هذا فوج مقتحم معكم) *: حكاية ما يقال لرؤساء الطاغين، إذا دخلوا النار،
ودخل معهم فوج تبعهم في الضلال، والاقتحام: ركوب الشدة، والدخول فيها.
في المجمع (3)، والقمي: عن النبي (صلى الله عليه وآله): أن النار تضيق عليهم كضيق الزج بالرمح (4) (5).
* (لا مرحبا بهم) *: دعاء من المتبوعين على اتباعهم.
* (إنهم صالوا النار) *: القمي: فيقول بنوا أمية: " لا مرحبا بهم " (6).
* (قالوا) *: أي الأتباع للرؤساء.
* (بل أنتم لا مرحبا بكم) *: بل أنتم أحق بما قلتم لضلالكم وإضلالكم.
* (أنتم قدمتموه لنا) *: القمي: فيقول بنو فلان " بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه
لنا "، بدأتم بظلم آل محمد صلوات الله عليهم (7).
* (فبئس القرار) *: فبئس المقر جهنم.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 313.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 242 س 20. وفيه: " وهم بنو السباع ".
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 483، س 17.
4 - الزج - بالضم -: الحديدة التي في أسفل الرمح. مجمع البحرين: ج 2، ص 304، مادة " زجج ".
5 - لم نعثر عليه، والظاهر أنه سهو منه (قدس سره) أو من النساخ.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 242، س 20. وفيه: " ويقولون بنو أمية ".
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 243، س 1. وفيه: " فيقولون بنو فلان ".
241

قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار 61
وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار 62
اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار 63 إن ذلك
لحق تخاصم أهل النار 64
* (قالوا) *: القمي: ثم يقول: بنو أمية (1).
* (ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار) *: وذلك أن يزيد على
عذابه مثله فيصير ضعفين من العذاب، قال (2): يعنون الأول والثاني (3).
* (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار) *: القمي: ثم يقول:
أعداء آل محمد صلوات الله عليهم في النار، " ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار " في
الدنيا، وهم شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) (4).
* (اتخذناهم سخريا) *: هزوا، صفة أخرى ل‍ " رجالا "، وقرئ بالضم، وبهمزة
الاستفهام على أنه إنكار لأنفسهم وتأنيب لها في الإستسخار منهم.
* (أم زاغت عنهم الأبصار) *: مالت فلا نراهم و " أم " معادلة ل‍ " ما لنا لا نرى "
على أن المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم كأنهم قالوا ليسوا هاهنا أم زاغت عنهم أبصارنا.
* (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) *: فيما بينهم القمي: وذلك قول الصادق (عليه السلام):
إنكم لفي الجنة تحبرون (5)، وفي النار تطلبون (6). وزاد في البصائر فلا توجدون (7).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 243، س 2.
2 - أي القمي.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 243، س 3.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 243، س 3.
5 - الحبرة في اللغة: النعمة التامة، وقوله تعالى " أنتم وأزوجكم تحبرون " معناه تكرمون إكراما يبالغ فيه.
والحبرة: المبالغة فيما وصف بجميل. لسان العرب: ج 3، ص 16، مادة " حبر ".
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 243، س 6.
7 - بصائر الدرجات: ص 290، س 17، ح 4، الجزء السادس، باب 3 - في أن الأئمة (عليهم السلام) يحيون الموتى
ويبرؤون الأكمه والأبرص بإذن الله.
242

قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الوحد القهار 65
رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفر 66
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) قال: لقد ذكر كم الله إذ حكى عن عدوكم في النار بقوله: " وقالوا
ما لنا لا نرى رجالا " الآية قال: والله ما عنى الله ولا أراد بهذا غيركم، صرتم عند أهل هذا
العالم من أشرار الناس، وأنتم والله في الجنة تحبرون، وفي النار تطلبون (1).
وفي رواية أما والله لا يدخل النار منكم اثنان، ولا والله ولا واحد والله أنكم الذين قال
الله تعالى: " وقالوا ما لنا " الآية ثم قال: طلبوكم والله في النار فما وجدوا منكم أحدا (2).
وفي أخرى إذا استقر أهل النار في النار يتفقدونكم فلا يرون منكم أحدا فيقول
بعضهم لبعض: " ما لنا " الآية قال: وذلك قول الله تعالى " إن ذلك لحق تخاصم أهل النار "
يتخاصمون فيكم كما كانوا يقولون في الدنيا (3).
وفي المجمع (4)، والجوامع، ما يقرب منه (5).
* (قل) *: يا محمد (صلى الله عليه وآله) للمشركين.
* (إنما أنا منذر) *: أنذركم عذاب الله.
* (وما من إله إلا الله الوحد) *: الذي لا شريك له ولا يتبعض.
* (القهار) *: لكل شئ.
* (رب السماوات والأرض وما بينهما) *: منه خلقها وإليه أمرها.
* (العزيز) *: الذي لا يغلب إذا عاقب.
* (الغفر) *: الذي يغفر ما يشاء من الذنوب لمن يشاء، وفي هذه الأوصاف تقرير
للتوحيد، ووعد ووعيد للموحدين والمشركين، وتكرير ما يشعر بالوعيد وتقديمه، لأن
المدعى هو الإنذار.

1 و 2 و 3 - الكافي: ج 8، ص 36 و 141 و 78، ذيل ح 6 و 104 و 32.
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 484.
5 - جوامع الجامع: ج 3، ص 443، س 1.
243

قل هو نبأ عظيم 67 أنتم عنه معرضون 68 ما كان لي
من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون 69 إن يوحى إلى إلا
أنما أنا نذير مبين 70
* (قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون) *: قيل: أي ما أنبأكم به (1).
وقيل: ما بعده من نبأ آدم (2).
والقمي: يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).
وفي البصائر: عن الباقر (عليه السلام) هو والله أمير المؤمنين (عليه السلام) (4).
وعن الصادق (عليه السلام) النبأ: الإمامة (5).
* (ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون) *: إذ الاطلاع على كلام
الملائكة وتقاولهم لا يحصل إلا بالوحي.
* (إن يوحى إلى إلا أنما أنا نذير مبين) *: أي: إلا لأنما، وقرئ إنما بالكسر على
الحكاية.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) في حديث المعراج، وقد مر صدره في أول سورة بني إسرائيل (6)
قال: فلما انتهى به إلى سدرة المنتهى تخلف عنه جبرئيل (عليه السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل
في هذا الموضع تخذلني؟ فقال: تقدم أمامك فوالله لقد بلغت مبلغا لم يبلغه أحد من خلق الله
قبلك فرأيت من نور ربي، وحال بيني وبينه السبحة، سئل الإمام (عليه السلام) وما السبحة؟ فأومى
بوجهه إلى الأرض وبيده إلى السماء وهو يقول: جلال ربي ثلاث مرات، ثم قال: يا محمد قلت

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2 ص 314، س 14.
2 - أنوار التنزيل: ج 2 ص 314، س 14.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 243، س 8.
4 - بصائر الدرجات: ص 96 - 97، ح 3، الجزء الثاني، باب النوادر من الأبواب في الولاية.
5 - بصائر الدرجات: ص 227، ح 1، الجزء الرابع، باب نادر من الباب.
6 - ذيل الآية: 1، راجع ج 4، ص 374 - 386 من كتابنا تفسير الصافي.
244

إذ قال ربك للملائكة إني خلق بشرا من طين 71 فإذا
سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين 72
لبيك يا رب، قال: فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت سبحانك لا علم لي إلا ما علمتني، قال
فوضع يده أي يد القدرة بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي، قال: فلم يسألني عما مضى ولا عما
بقى إلا علمته، فقال: يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: في الكفارات والدرجات
والحسنات، فقال لي: يا محمد قد انقطع أكلك وانقضت نبوتك فمن وصيك؟ فقلت: يا رب إني
قد بلوت (1) خلقك فلم أر أحدا من خلقك أطوع لي من علي، فقال: ولي يا محمد، فقلت يا رب
إني قد بلوت خلقك فلم أر في خلقك أحدا أشد حبا لي من علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: ولي يا
محمد، فبشره بأنه راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور لمن أطاعني، والكلمة الباقية التي ألزمتها
المتقين من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني مع ما أني أخصه بما لم أخص به أحدا،
فقلت: يا رب أخي، وصاحبي، ووزيري، ووارثي، فقال: إنه أمر قد سبق، إنه مبتلى ومبتلى به
مع ما أني قد نحلته، ونحلته، ونحلته، ونحلته، أربعة أشياء عقدها بيده ولا يفصح بها عقدها (2).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: قال ربي: أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا،
قال: اختصموا في الكفارات، والدرجات، فأما الكفارات: فإسباغ الوضوء في السبرات (3)،
ونقل الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وأما الدرجات: فافشاء السلام،
وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام (4). وفي الخصال: بنحو آخر قريب منه (5).
* (إذ قال ربك للملائكة إني خلق بشرا من طين * فإذا سويته) *: عدلت

1 - بلاه يبلوه: إذا اختبره وامتحنه. مجمع البحرين: ج 1، ص 60، مادة " بلا ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 243 - 244.
3 - السبرات: جمع سبرة - بسكون الباء - وهي شدة البرد. مجمع البحرين: ج 3، ص 322، مادة " سبر ".
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 485، س 4.
5 - الخصال: ص 85، ذيل ح 12، باب 3 - ثلاث درجات، وثلاث كفارات، وثلاث موبقات، وثلاث منجيات.
245

فسجد الملائكة كلهم أجمعون 73 إلا إبليس استكبر
وكان من الكافرين 74 قال يا إبليس ما منعك أن تسجد
لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين 75 قال
أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين 76
خلقته.
* (ونفخت فيه من روحي) *: وأحييته بنفخ الروح فيه، وإضافته إلى نفسه لشرفه
وطهارته.
* (فقعوا له) *: فخروا له.
* (ساجدين) *: تكرمة وتبجيلا له، وقد مر الكلام فيه في سورة البقرة (1).
* (فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر) *: تعظم.
* (وكان من الكافرين) *: في علم الله.
* (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) *: في العيون (2)،
والتوحيد عن الرضا (عليه السلام) قال: يعني بقدرتي وقوتي (3).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) لو أن الله تعالى خلق الخلق كلهم بيده لم يحتج في خلق آدم
أنه خلقه بيده فيقول: " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " أفترى الله يبعث الأشياء بيده (4).
* (أستكبرت أم كنت من العالين) *: تكبرت من غير استحقاق، أو كنت ممن علا
واستحق التفوق.
* (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) *: مر بيانه في سورة

1 - ذيل الآية: 34، انظر ج 1، ص 168 - 170 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 120، ح 13، باب 11 - ما جاء عن الرضا علي بن موسى (عليه السلام) من الأخبار في التوحيد.
3 - التوحيد: ص 153، ح 1، باب 13 - تفسير قول الله عز وجل يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 244، س 15.
246

قال فاخرج منها فإنك رجيم 77 وإن عليك لعنتي إلى يوم
الدين 78 قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون 79 قال
فإنك من المنظرين 80 إلى يوم الوقت المعلوم 81
قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين 82 إلا عبادك منهم
المخلصين 83 قال فالحق والحق أقول 84 لأملأن
جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين 85 قل ما أسئلكم
عليه من أجر وما أنا من المتكلفين 86
الأعراف (1).
* (قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال
رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت
المعلوم) *: مر بيانه في سورة الحجر (2).
* (قال فبعزتك) *: فبسلطانك وقهرك.
* (لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين) *: الذين أخلصهم الله، أو
أخلصوا قلوبهم لله، على اختلاف القرائين.
* (قال فالحق والحق أقول) *: أقول: أي فأحق الحق وأقوله.
والقمي: فقال الله: الحق (3) أي إنك تفعل ذلك، والحق أقوله، وقرئ برفع الأول على
الابتداء أي الحق يميني أو الخبر أي أنا الحق.
* (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين * قل ما أسئلكم عليه من

1 - ذيل الآية: 12، انظر ج 3، ص 148 - 149 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - ذيل الآية: 38، انظر ج 4، ص 279 - 280، من كتابنا تفسير الصافي.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 245، س 8.
247

أجر) *: على التبليغ.
* (وما أنا من المتكلفين) *: المتصنعين، في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال: لأعداء الله،
أولياء الشيطان، أهل التكذيب والإنكار " قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من
المتكلفين " يقول متكلفا أن أسألكم ما لستم بأهله فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض:
أما يكفي محمد (صلى الله عليه وآله) أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا؟
فقالوا: ما أنزل الله هذا وما هو إلا شئ يتقوله، يريد يرفع أهل بيته على رقابنا، ولئن قتل
محمد (صلى الله عليه وآله) أو مات لننزعنها من أهل بيته، ثم لا نعيدها فيهم أبدا (1).
وفي التوحيد: عن الرضا (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إن المسلمين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله):
لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا وقوينا على
عدونا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما كنت لألقى الله تعالى ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا، وما أنا من
المتكلفين (2).
وفي الجوامع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: للمتكلف ثلاث علامات: ينازع من فوقه، ويتعاطى
ما لا ينال، ويقول ما لا يعلم (3).
وفي الخصال: عن الصادق (عليه السلام) عن لقمان مثله (4).
وعنه (عليه السلام): ومن العلماء من يضع نفسه للفتاوي ويقول: سلوني، ولعله لا يصيب حرفا
واحدا، والله لا يحب المتكلفين، فذاك في الدرك السادس من النار (5).
وفي مصباح الشريعة: عنه (عليه السلام) قال: المتكلف: مخطئ وإن أصاب، والمتكلف: لا
يستجلب في عاقبة أمره إلا الهوان، وفي الوقت إلا التعب والعناء والشقاء والمتكلف ظاهره
رياء وباطنه نفاق، وهما جناحان بهما يطير المتكلف وليس في الجملة من أخلاق الصالحين
ولا من، شعار المتقين، المتكلف في أي باب كان، قال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله): " قل ما أسئلكم عليه

1 - الكافي: ج 8، ص 379، ح 574.
2 - التوحيد: ص 341 - 342، ح 11، باب 55 - المشيئة والإرادة.
3 - جوامع الجامع: ج 3، ص 445، س 12.
4 - الخصال: ص 121، ح 113، باب 3 - العلامات الثلاث.
5 - الخصال: ص 352 - 353، ذيل ح 33، باب 7 - سبعة من العلماء في النار.
248

إن هو إلا ذكر للعلمين 87 ولتعلمن نبأه بعد
حين 88
من أجر وما أنا من المتكلفين " (1).
* (إن هو إلا ذكر) *: عظة.
* (للعلمين * ولتعلمن نبأه) *: من الوعد والوعيد.
* (بعد حين) *: في الكافي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: عند خروج القائم (عليه السلام) (2).
وفي ثواب الأعمال (3)، والمجمع: عن العياشي: عن الباقر (عليه السلام)، قال: من قرأ سورة " ص "
في ليلة الجمعة أعطي من خير الدنيا والآخرة ما لم يعط أحدا من الناس، إلا نبي مرسل، أو
ملك مقرب، وأدخله الله الجنة، وكل من أحب من أهل بيته حتى خادمه الذي يخدمه، وإن كان
لم يكن في حد عياله ولا في حد من يشفع فيه (4).
* * *

1 - مصباح الشريعة: ص 140، ح 1، باب 66 - في المتكلف.
2 - الكافي: ج 8، ص 287، ح 432.
3 - ثواب الأعمال: ص 112، ح 1، باب ثواب قراءة سورة " ص ".
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 463، في فضلها.
249

سورة الزمر
251

بسم الله الرحمن الرحيم
تنزيل الكتب من الله العزيز الحكيم 1 إنا أنزلنا إليك
الكتب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين 2 ألا لله
الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم
إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه
يختلفون إن الله لا يهدى من هو كذب كفار 3
سورة الزمر: وتسمى أيضا سورة الغرف، وهي مكية كلها، وقيل: سوى ثلاث آيات
نزلن بالمدينة في وحشي قاتل حمزة " قل يا عبادي " إلى آخرهن (1)، وقيل: غير آية " قل
يا عبادي "، عدد آيها خمس وسبعون آية.
* (تنزيل الكتب من الله العزيز الحكيم * إنا أنزلنا إليك الكتب بالحق
فاعبد الله مخلصا له الدين) *: من الشرك والرياء.
* (ألا لله الدين الخالص) *: لأنه المتفرد بصفات الألوهية، والإطلاع على الأسرار
والضمائر.
* (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) *:
بإضمار القول.

1 - الزمر: 53 - 56.
253

لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء
سبحانه هو الله الوحد القهار 4
* (إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون) *: من أمور الدين فيعاقب كلا بقدر
استحقاقه، وقيل: بإدخال المحق الجنة، والمبطل النار، والضمير للكفرة، ومقابليهم أولهم
ولمعبودهم فإنهم يرجون شفاعتهم وهم يلعنونهم (1).
وفي الإحتجاج: عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث ثم أقبل (صلى الله عليه وآله) على مشركي العرب فقال: وأنتم
فلم عبدتم الأصنام من دون الله؟ فقالوا: نتقرب بذلك إلى الله تعالى، فقال لهم: أو هي سامعة
مطيعة لربها عابدة له حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله؟ قالوا: لا، قال: فأنتم الذين نحتموها
بأيديكم؟ قالوا: نعم: قال (عليه السلام): فلأن تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن
تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم (2).
وفي قرب الإسناد: عن الصادق، عن أبيه (عليهما السلام)، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله تبارك
وتعالى يأتي يوم القيامة بكل شئ يعبد من دونه من شمس أو قمر أو غير ذلك، ثم يسأل كل
إنسان عما كان يعبد فيقول: من عبد غيره ربنا إنا كنا نعبدها لتقربنا إليك زلفى، قال: فيقول الله
تبارك وتعالى للملائكة: إذهبوا بهم، وبما كانوا يعبدون إلى النار، وما خلا من استثنيت فإن
أولئك عنها مبعدون (3).
* (إن الله لا يهدى) *: لا يوفق للإهتداء إلى الحق (4).
* (من هو كذب كفار) *: فإنهما فاقدا البصيرة.
* (لو أراد الله أن يتخذ ولدا) *: كما زعموا، ونسبوا إليه الملائكة، والمسيح، وعزيرا.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 316 - 317.
2 - الإحتجاج: ج 1، ص 22، س 4، احتجاجات النبي من الجدال والمحاجة والمناظرة.
3 - قرب الإسناد: ص 85، ح 279، باب أحاديث متفرقة.
4 - هكذا في الأصل، وهو مقتبس من أنوار التنزيل، ج 2، ص 317، س 1، وهو غير صحيح بتفسيره لهذا
المقطع من الآية، فلو تممها لما وقع بهذا المحذور.
254

خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور
النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى
ألا هو العزيز الغفر 5 خلقكم من نفس وحدة ثم جعل
منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزوج يخلقكم في
بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمت ثلث ذلكم
الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون 6
* (لاصطفى) *: لاختار.
* (مما يخلق ما يشاء) *: قيل: أي ما كان يتخذ الولد باختيارهم حتى يضيفوا إليه من شاؤوا
بل كان يختص من خلقه من يشاء لذلك، نظيره " لو أردنا أن نتخذ لهوا لأتخذنه من لدنا " (1) (2).
* (سبحانه) *: عن الشريك والصاحبة والولد.
* (هو الله الوحد القهار) *: ليس له في الأشياء شبيه، ولا ينقسم في وجود ولا عقل
ولا وهم، كذا في التوحيد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في معنى واحديته تعالى (3).
* (خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار
على الليل) *: يغشي كل واحد منهما الآخر كأنه يلف عليه لف اللباس باللابس، أو يغيبه به كما
يغيب الملفوف باللفافة، أو يجعله كارا عليه كرورا متتابعا تتابع أكوار العمامة.
* (وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى ألا هو العزيز) *: الغالب
على كل شئ.
* (الغفر) *: حيث لم يعاجل بالعقوبة.
* (خلقكم من نفس وحدة ثم جعل منها زوجها) *: قد سبق تفسيره في سورة

1 - الأنبياء: 17. 2 - قاله الطبرسي في تفسيره مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 488، س 27.
3 - التوحيد: ص 83 - 84، ذيل ح 3، باب 3 - معنى الواحد، والتوحيد، والموحد.
255

النساء (1).
* (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزوج) *: أهلي، ووحشي من البقر، والضأن،
والمعز، وبخاتي، وعراب من الإبل، كما مر بيانه في سورة الأنعام (2).
في الإحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الآية قال: إنزاله ذلك خلقه إياه (3).
* (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق) *: حيوانا سويا من بعد
العظام، مكسوة لحما من بعد عظام عارية من بعد مضغة من بعد علقة من بعد نطفة.
في نهج البلاغة: أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام وشغف (4) الأستار، نطفة
دهاقا (5)، وعلقة محاقا (6)، وجنينا وراضعا، ووليدا ويافعا (7) (8).
* (في ظلمت ثلث) *: في المجمع: عن الباقر (عليه السلام) (9)، والقمي: قال: ظلمة البطن،
وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة (10).
وفي التوحيد (11): عن الصادق (عليه السلام) مثله، وزاد حيث لا حيلة له في طلب غذاء، ولا دفع
أذى، ولا استجلاب منفعة، ولا دفع مضرة، فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو
الماء النبات، فلا يزال ذلك غذاؤه حتى إذا كمل خلقه واستحكم بدنه، وقوى أديمه (12) على
مباشرة الهواء، وبصره على ملاقاة الضياء: هاج الطلق بأمه فأزعجه أشد إزعاج، فأعنفه حتى
يولد (13).

1 - ذيل الآية: 1، انظر ج 2، ص 175 - 182 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - ذيل الآية: 143، انظر ج 3، ص 112 - 113 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - الإحتجاج: ج 1، ص 372، س 7، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق في آي متشابهة.
4 - شغف: جمع شغاف وهو غلاف القلب، والمراد الأستار المتراكمة على بعض، دهاقا: أي كثيرة. محاقا: أي ناقصة
منه (قدس سره). 5 - دهاقا: متتابعا، دهقها: صبحها بقوة. وقد تفسر الدهاق بالممتلئة، أي ممتلئة من جراثيم الحياة.
6 - علقة محاقا: أي خفي فيها، ومحق كل شكل وصورة.
7 - اليافع: الغلام، راهق العشرين.
8 - نهج البلاغة: ص 112، في صفة خلق الانسان، الخطبة 83.
9 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 416، س 4.
10 - تفسير القمي: ج 2، ص 246، س 8.
11 - أي كتاب التوحيد للمفضل بن عمر. 12 - الأديم: الجلد المدبوغ. مجمع البحرين: ج 6، ص 6، مادة " أدم ".
13 - بحار الأنوار: ج 3، ص 62، قطعة من حديث 1، باب 4 - الخبر المشتهر بتوحيد المفضل بن عمر.
256

إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن
تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم
مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور 7
وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة
منه نسى ما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل
عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحب النار 8
* (ذلكم الله ربكم) *: الذي هذه أفعاله هو المستحق لعبادتكم والمالك.
* (له الملك لا إله إلا هو) *: إذ لا يشاركه في الخلق غيره.
* (فأنى تصرفون) *: يعدل بكم عن عبادته إلى الإشراك.
* (إن تكفروا فإن الله غنى عنكم) *: عن إيمانكم.
* (ولا يرضى لعباده الكفر) *: لاستضرارهم به رحمة عليهم.
* (وإن تشكروا يرضه لكم) *: لأنه سبب فلا حكم، وقرئ بإسكان الهاء وبإشباع
ضمتها. القمي: فهذا كفر النعم (1).
وفي المحاسن مرفوعا قال: الكفر هاهنا: الخلاف، والشكر: الولاية والمعرفة (2).
* (ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم
تعملون) *: بالمحاسبة والمجازاة.
* (إنه عليم بذات الصدور) *: فلا يخفى عليه خافية من أعمالكم.
* (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه) *: لزوال ما ينازع العقل في
الدلالة على أن مبدأ الكل منه سبحانه.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 246، س 10.
2 - المحاسن: ج 1، ص 246 - 247، ذيل ح 260 / 65، باب 19 - المعرفة.
257

أمن هو قنت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة
ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين
لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب 9
* (ثم إذا خوله) *: أعطاه تفضلا فإن التخويل مختص بالتفضل (1).
* (نعمة منه) *: من الله.
* (نسى ما كان يدعوا إليه) *: أي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه.
* (من قبل) *: من قبل النعمة.
* (وجعل لله أندادا) *: شركاء.
* (ليضل عن سبيله) *: وقرئ بفتح الياء.
* (قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحب النار) *: أمر تهديد فيه إشعار بأن
الكفر نوع تشهي لا مستند له، واقناط للكافرين من التمتع في الآخرة. القمي: نزلت في أبي فلان (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية فقال: نزلت في أبي الفصيل (3) إنه
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنده ساحرا، فكان إذا مسه الضر يعني: السقم دعا ربه منيبا إليه، يعني
نائبا إليه من قوله في رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يقول: " ثم إذا خوله نعمة منه " يعني العافية نسي ما كان
يدعو إليه من قبل، يعني نسى التوبة إلى الله تعالى مما كان يقول في رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه ساحر،
ولذلك قال الله عز وجل: " قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحب النار " يعني إمرتك على
الناس بغير حق من الله عز وجل ومن رسوله (صلى الله عليه وآله)، قال: ثم عطف القول من الله عز وجل في
علي (عليه السلام) يخبر بحاله وفضله عند الله تبارك وتعالى فقال (4):
* (أمن هو قنت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه

1 - لم نجد وجها لتخصيص التخويل بالتفضل.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 246، س 12.
3 - كني بأبي الفصيل عن أبي بكر، فإن الفصيل بكسر المهملة: ولد الناقة كالبكر. منه (قدس سره).
4 - الكافي: ج 8، ص 204 - 205، ح 246.
258

قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في
هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون
أجرهم بغير حساب 10
قل هل يستوي الذين يعلمون) *: أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله).
* (والذين لا يعلمون) *: أن محمدا رسول الله أو أنه ساحر كذاب.
* (إنما يتذكر أولوا الألباب) *: ثم قال: هذا تأويله (1).
وفيه (2)، وفي العلل: عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى " آناء الليل ساجدا وقائما " قال: يعني
صلاة الليل (3).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) إنما نحن الذين يعلمون، وعدونا الذين لا يعلمون، وشيعتنا أولو
الألباب (4).
وعن الصادق (عليه السلام): لقد ذكرنا الله وشيعتنا وعدونا في آية واحدة من كتابه فقال: " قل
هل يستوي " الآية ثم فسرها بما ذكر (5).
وعن الحسن المجتبى (عليه السلام) (6)، والقمي: أولوا الألباب: هم أولوا العقول (7).
وقرئ " أمن هو " بتخفيف الميم.
* (قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم) *: بلزوم طاعته.

1 - اعلم إن الآية التاسعة " أمن هو قنت " إلى قوله هذا تأويله تكون جزءا من الرواية الموجودة في الكافي
فبالأحرى على الماتن (قدس سره) أن يجعل هذه الجملة جزءا من الحديث كما في الكافي ثم يذكر بعد ذلك الآية الشريفة " أمن
هو قنت " ثم يشرحها كما هو دأبه.
2 - الكافي: ج 3، ص 444، ح 11، باب صلاة النوافل.
3 - علل الشرائع: ص 363 - 364، ح 8، باب 84 - علة صلاة الليل.
4 - الكافي: ج 1، ص 212، ح 1، باب أن من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم: هم الأئمة (عليهم السلام)، ومثله ما ورد عن
الصادق (عليه السلام) في الكافي: ج 1، ص 212، ح 2، باب أن من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم: هم الأئمة (عليهم السلام) مع تقديم
وتأخير. 5 - الكافي: ج 8، ص 35، ح 6، مقامات الشيعة وفضائلهم.
6 - الكافي: ج 1، ص 19 - 20، ح 12، باب العقل والجهل.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 246، س 15.
259

قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين 11 وأمرت
لان أكون أول المسلمين 12
* (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) *: الظرف إما متعلق بأحسنوا أو بحسنة،
وعلى الأول تشمل الحسنة حسنة الدارين، وعلى الثاني لا ينافي نيل حسنة الآخرة أيضا،
والحسنة في الدنيا: كالصحة والعافية.
في الأمالي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إن المؤمن يعمل لثلاث من الثواب: إما لخير فإن الله يثيبه
بعمله في دنياه، ثم تلا هذه الآية، ثم قال: فمن أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة (1).
* (وأرض الله وسعة) *: فمن تعسر عليه التوفر على الإحسان في وطنه فليهاجر إلى
حيث تمكن منه.
* (إنما يوفى الصابرون) *: على مشاق الطاعة من احتمال البلاء ومهاجرة الأوطان لها.
* (أجرهم بغير حساب) *: أجرا لا يهتدي إليه حساب الحساب.
العياشي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا نشرت الدواوين ونصبت
الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان، ولم ينشر لهم ديوان، ثم تلا هذه الآية (2).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة
فيضربونه، فيقال لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الصبر، فيقال لهم: على ما صبرتم؟
فيقولون: كنا نصبر على طاعة الله، ونصبر عن معاصي الله، فيقول الله عز وجل: صدقوا ادخلوا
الجنة، وهو قول الله عز وجل: " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " (3).
* (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين) *: موحدا له.
* (وأمرت لان أكون أول المسلمين) *: مقدمهم في الدنيا والآخرة.

1 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 26، ح 31 / 31، المجلس الأول.
2 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي، بل وجدناه في مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 492، س 8، نقلا عن العياشي.
3 - الكافي: ج 2، ص 75، ح 4، باب الطاعة والتقوى.
260

قل إني أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم 13 قل
الله أعبد مخلصا له ديني 14 فاعبدوا ما شئتم من دونه
قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم
القيمة ألا ذلك هو الخسران المبين 15 لهم من فوقهم
ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده
يا عباد فاتقون 16 والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها
وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد 17
* (قل إني أخاف إن عصيت ربى) *: بترك الإخلاص.
* (عذاب يوم عظيم * قل الله أعبد مخلصا له ديني) *: امتثالا لأمره.
* (فاعبدوا ما شئتم من دونه) *: تهديد وخذلان لهم.
* (قل إن الخاسرين) *: الكاملين في الخسران.
* (الذين خسروا أنفسهم وأهليهم) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) يقول غبنوا (1).
* (يوم القيمة ألا ذلك هو الخسران المبين * لهم من فوقهم ظلل من
النار) *: أطباق منها تظلهم.
* (ومن تحتهم ظلل) *: أطباق، قيل: وهي ظلل الآخرين (2).
* (ذلك يخوف الله به عباده) *: ذلك العذاب هو الذي يخوفهم به ليجتنبوا ما
يوقعهم فيه.
* (يا عباد فاتقون) *: ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي.
* (والذين اجتنبوا الطاغوت) *: البالغ غاية الطغيان.

1 - تفسير القمي: ح 2، ص 248، س 17.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 319، س 19.
261

الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين
هديهم الله وأولئك هم أولوا الألباب 18 أفمن حق
عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار 19
* (أن يعبدوها وأنابوا إلى الله) *: وأقبلوا إليه بشراشرهم عما سواه.
* (لهم البشرى) *: بالثواب على ألسنة الرسل، وعلى ألسنة الملائكة عند حضور الموت.
في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) قال: أنتم هم، ومن أطاع جبارا فقد عبده (1).
* (فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) *: يميزون بين الحق
والباطل، ويؤثرون الأفضل فالأفضل.
وفي الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) إن الله تعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه، فقال:
" فبشر " الآية (2).
وعن الصادق (عليه السلام): هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمعه لا يزيد فيه ولا
ينقص منه (3).
وفي رواية: هم المسلمون لآل محمد (صلى الله عليه وآله) الذين إذا سمعوا الحديث لم يزيدوا فيه ولم
ينقصوا منه جاؤوا به كما سمعوه (4).
* (أولئك الذين هديهم الله) *: لدينه.
* (وأولئك هم أولوا الألباب) *: العقول السليمة عن منازعة الوهم والعادة.
* (أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار) *: إنكار واستبعاد
لإنقاذه من حق عليه الكلمة من النار بالسعي في دعائه إلى الإيمان ودلالة على أن من حكم
عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه.

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 493، س 22.
2 - الكافي: ج 1، ص 13، ح 12، كتاب العقل والجهل.
3 - الكافي: ج 1، ص 51، ح 1، باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك بالكتب.
4 - الكافي: ج 1، ص 390 - 391، ح 8، باب التسليم وفضل المسلمين.
262

لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية
تجرى من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد 20
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض
ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم
يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لاولى الألباب 21
* (لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف) *: علالي بعضها فوق بعض.
* (مبنية) *: بنيت بناء المنازل على الأرض.
* (تجرى من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد) *: في الكافي (1)،
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) سأل علي رسول الله صلوات الله عليهما عن تفسير هذه الآية بماذا بنيت
هذه الغرف يا رسول الله؟ فقال: يا علي (عليه السلام) تلك غرف بناها الله لأوليائه بالدر والياقوت
والزبرجد، سقوفها الذهب محبوكة بالفضة، لكل غرفة منها ألف باب من ذهب، وعلى كل باب
منها ملك موكل به، وفيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض، من الحرير والديباج بألوان مختلفة،
وحشوها المسك والعنبر والكافور، وذلك قول الله تعالى: " وفرش مرفوعة " (2) الحديث (3).
وقد سبق بعضه في سورة فاطر (4)، وبعضه في سورة الرعد (5).
* (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض) *: عيونا
وركايا (6).

1 - الكافي: ج 8، ص 97، قطعة من ح 69، حديث الجنان والنوق.
2 - الواقعة: 34.
3 - تفسير القمي: ح 2، ص 246، س 20.
4 - ذيل الآية: 35، انظر ص 132 - 133 من هذا الجزء.
5 - ذيل الآية: 23، انظر ج 4، ص 203 من كتابنا تفسير الصافي.
6 - الركية - بالفتح وتشديد الياء -: آخر البئر، والجمع ركايا، كعطية وعطايا. مجمع البحرين: ج 1، ص 195،
مادة " ركا ".
263

أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل
للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلل مبين 22
* (ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج) *: يثور عن منبته بالجفاف.
* (فتراه مصفرا) *: من يبسه.
* (ثم يجعله حطما) *: فتاتا.
* (إن في ذلك لذكرى) *: لتذكير آياته لا بد من صانع حكيم دبره وسواه، وبأنه مثل
الحياة الدنيا فلا يغتر بها.
* (لاولى الألباب) *: إذ لا يتذكر به غيرهم.
* (أفمن شرح الله صدره للإسلام) *: حتى تمكن فيه بيسر.
* (فهو على نور من ربه) *: في روضة الواعظين: عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قرأ هذه الآية
فقال: إن النور إذا وقع في القلب انفسح له وانشرح، قالوا يا رسول الله: فهل لذلك علامة يعرف
بها؟ قال: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله (1).
والقمي: قال: نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
والعامة: نزلت في حمزة، وعلي، وما بعده في أبي لهب، وولده (3).
* (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) *: من أجل ذكره، وهي أشد تأبيا عن
قبوله من القاسي عنه بسبب ف‍ " من " أبلغ هنا من " عن ".
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) القسوة والرقة من القلب، وهو قوله: " فويل " الآية (4).

1 - روضة الواعظين: ص 448، س 16.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 248، س 16.
3 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 321، س 1، وأسباب النزول: ص 260.
4 - لم نعثر عليه في تفسير القمي، بل وجدناه في تفسير نور الثقلين: ج 4، ص 485، ح 41، وجاء في البرهان في
تفسير القرآن: ج 4، ص 74، ح 3، عن علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي خالد القماط، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
القسوة والرقة من القلب وهو قوله تعالى: " فويل " الآية.
264

الله نزل أحسن الحديث كتبا متشبها مثاني تقشعر منه
جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى
ذكر الله ذلك هدى الله يهدى به من يشاء ومن يضلل الله
فما له من هاد 23
* (أولئك في ضلل مبين * الله نزل أحسن الحديث) *: يعني القرآن.
* (كتبا متشبها) *: يشبه بعضه بعضا في الإعجاز، وتجاوب النظم، وصحة المعنى،
والدلالة على المنافع العامة، كذا قيل (1).
* (مثاني) *: يثنى فيه القول أي يتكرر، كذا ورد في أحد وجوه تسمية فاتحة الكتاب
بها، وقد مر لها معان اخر في سورة الحجر (2) وإنما وصف الواحد بالجمع، لأن الكتاب جملة
ذات تفاصيل، وإن جعل مثاني تمييزا ل‍ " متشبها " يكون المعنى متشابهة تصاريفه.
قيل: الفائدة في التكرير والتثنية: أن النفوس تنفر عن النصيحة والمواعظ فما لم يتكرر
عليها عودا بعد بدء لم يرسخ فيها (3).
أقول: وهو قوله سبحانه: " ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم
يتذكرون " (4).
* (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم) *: تنقبض وتشمئز خوفا مما فيه من
الوعيد، وهو مثل في شدة الخوف.
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تتحات عنه ذنوبه
كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها (5).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 321، س 4.
2 - ذيل الآية: 87، انظر ج 4، ص 293 - 294 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - قاله الزمخشري في تفسيره الكشاف: ج 4، ص 123، س 21.
4 - الزمر: 27.
5 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 495، س 27.
265

أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب يوم القيمة وقيل للظالمين
ذوقوا ما كنتم تكسبون 24 كذب الذين من قبلهم فأتهم
العذاب من حيث لا يشعرون 25 فأذاقهم الله الخزي في
الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون 26
* (ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) *: تطمئن إليه بالرحمة، وعموم المغفرة.
* (ذلك هدى الله يهدى به من يشاء ومن يضلل الله) *: ومن يخذله.
* (فما له من هاد) *: يخرجه من الضلال.
* (أفمن يتقى بوجهه) *: يجعله درعه يقي به نفسه بأنه تكون مغلولة يداه إلى عنقه فلا
يقدر أن يتقي إلا بوجهه.
* (سوء العذاب يوم القيمة) *: كمن هو آمن منه، فحذف الخبر كما حذف في
نظائره.
* (وقيل للظالمين) *: أي لهم فوضع الظاهر موضعه تسجيلا عليهم بالظل وإشعارا
بالموجب لما يقال لهم.
* (ذوقوا ما كنتم تكسبون) *: أي وباله.
* (كذب الذين من قبلهم فأتهم العذاب من حيث لا يشعرون) *: من
الجهة التي كانت لا تخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها.
* (فأذاقهم الله الخزي) *: الذل.
* (في الحياة الدنيا) *: كالمسخ، والخسف، والقتل، والسبي، والإجلاء.
* (ولعذاب الآخرة) *: المعد لهم.
* (أكبر) *: بشدته ودوامه.
* (لو كانوا يعلمون) *: لاعتبروا به واجتنبوا عنه.
266

ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم
يتذكرون 27 قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون 28
ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما
لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون 29
* (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) *: يحتاج إليه الناظر في
أمر دينه.
* (لعلهم يتذكرون) *: يتعظون به.
* (قرآنا عربيا غير ذي عوج) *: لا اختلال فيه بوجه ما.
* (لعلهم يتقون * ضرب الله مثلا) *: للمشرك والموحد.
* (رجلا فيه شركاء متشاكسون) *: متنازعون مختلفون.
* (ورجلا سلما لرجل) *: خالصا لواحد ليس لغيره عليه سبيل، وقرئ سالما.
قيل: مثل المشرك على ما يقتضيه مذهبه من أن يدعي كل واحد من معبوديه عبوديته،
ويتنازعون فيه بعبد يتشارك فيه جمع يتجاذبونه ويتعاورونه (1) في مهماتهم المختلفة في تحيره
وتوزع قلبه، والموحد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل (2).
والقمي: مثل ضربه الله عز وجل لأمير المؤمنين (عليه السلام) ولشركائه الذين ظلموه
وغصبوه، قوله: " متشاكسون " أي متباغضون، وقوله: " ورجلا سلما لرجل " أمير المؤمنين
سلم لرسول الله صلوات الله عليهما (3).

1 - العارة: ما تداولوه بينهم ج عواري مشددة ومخففة، وتعاوروه: تداولوه، وعاره يعوره ويعيره أخذه
وذهب به أو أتلفه القاموس المحيط: ج 2، ص 97، مادة " العور ".
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 321 - 322.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 249، س 1.
267

وفي المعاني: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ألا وإني مخصوص في القرآن بأسماء إحذروا أن
تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم، أنا السلم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول الله عز وجل: " رجلا سلما
لرجل " (1).
وفي المجمع: عنه (عليه السلام) قال: أنا ذلك الرجل السلم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
والعياشي: عن الباقر (عليه السلام) الرجل السلم لرجل حقا علي وشيعته (3).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) أما الذي فيه شركاء متشاكسون: فلان الأول، يجمع المتفرقون
ولايته، وهم في ذلك يلعن بعضهم بعضا، ويبرأ بعضهم عن بعض (4)، وأما رجل سلم لرجل:
فإنه فلان الأول حقا وشيعته (5) (6).
أقول: أراد (عليه السلام) بفلان الأول: في أول ما قال: أبا بكر، فإنه كان أول الخلفاء باطلا، وفيما
قاله ثانيا: أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنه كان أول الخلفاء حقا، وإنما قيد الثاني بقوله: حقا ولم يقيد
الأول بقوله: باطلا لاحتياج الثاني إلى تلك القرينة في فهم المراد منه، بخلاف الأول كما لا يخفى،
والوجه في تخالف أصحاب أبي بكر أن أبا بكر لم يكن سلما لله ولرسوله لا في أمر الإمارة ولا
فيما يبتني عليها من الأحكام، وكان أصحابه أصحاب أهواء وآراء، وهي مما يجري فيه
الاختلاف، بخلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) وشيعته فإنهم كانوا سلما لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله)، وكانوا
أصحاب نص من الله ورسوله ولا اختلاف فيه، ولذلك أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) اعتقدوه
مفترض الطاعة بخلاف أصحاب أبي بكر.
* (هل يستويان مثلا الحمد لله) *: لا يشاركه فيه سواه لأنه المنعم بالذات.
* (بل أكثرهم لا يعلمون) *: فيشركون به غيره بفرط جهلهم.

1 - معاني الأخبار: ص 59، س 6، وص 60، س 1، ح 9، باب معنى أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين
والأئمة (عليهم السلام).
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 497، س 19.
3 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي، بل وجدناه في مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 497، نقلا عن العياشي.
4 - وفي نسخة: [من بعض]، كما في المصدر.
5 - أراد (عليه السلام) أن عليا (عليه السلام) وشيعته سلم لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبو بكر وأصحابه متشاكسون. منه (قدس سره).
6 - الكافي: ج 8، ص 224، ح 283.
268

إنك ميت وإنهم ميتون 30 ثم إنكم يوم القيمة عند
ربكم تختصمون 31 فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب
بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين 32
والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون 33
لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين 34 ليكفر
الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي
كانوا يعملون 35
* (إنك ميت وإنهم ميتون) *: فإن الكل بصدد الموت.
* (ثم إنكم يوم القيمة عند ربكم تختصمون) *: القمي: يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)
ومن غصبه حقه (1).
* (فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه) *: قال: يعني بما جاء
به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الحق، وولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
* (أليس في جهنم مثوى) *: مقام.
* (للكافرين * والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) *: في
المجمع: عنهم (عليهم السلام) (3)، والقمي: " جاء بالصدق ": محمد
(صلى الله عليه وآله)، " وصدق به ": أمير المؤمنين (عليه السلام) (4).
* (لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين * ليكفر الله عنهم
أسوأ الذي عملوا) *: فضلا عن غيره.
* (ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون) *: فيعد لهم محاسن أعمالهم

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 249، س 5.
2 - تفسير القمي: ج، ص 249، س 7.
3 - تفسير مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 468، س 21.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 249، س 9.
269

أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن
يضلل الله فما له من هاد 36 ومن يهد الله فما له من مضل
أليس الله بعزيز ذي انتقام 37 ولئن سألتهم من خلق
السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من
دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كشفت ضره أو
أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه
يتوكل المتوكلون 38
بأحسنها في زيادة الأجر، وعظمه بفرط إخلاصهم فيها.
* (أليس الله بكاف عبده) *: وقرئ عباده.
* (ويخوفونك بالذين من دونه) *: قيل: قالت قريش: إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا
بعيبك إياها (1).
والقمي: يعني يقولون لك: يا محمد اعفنا من علي (عليه السلام)، ويخوفونك بأنهم يلحقون
بالكفار (2).
* (ومن يضلل الله فما له من هاد * ومن يهد الله فما له من مضل) *: إذ لا
راد لفعله.
* (أليس الله بعزيز) *: غالب منيع.
* (ذي انتقام) *: ينتقم من أعدائه.
* (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) *: لوضوح
البرهان على تفرده بالخالقية.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 323، س 3.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 249، س 10.
270

قل يقوم اعملوا على مكانتكم إني عمل فسوف تعلمون
39 من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم 40 إنا
أنزلنا عليك الكتب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن
ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل 41
* (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن
كشفت ضره) *: أي أرأيتم بعدما تحققتم أن خالق العالم هو الله أن آلهتكم إن أراد الله أن
يصيبني ضرا هل يكشفنه.
* (أو أرادني برحمة) *: بنفع.
* (هل هن ممسكات رحمته) *: فيمسكنها عني، وقرئ بتنوين التائين ونصب المفعولين.
* (قل حسبي الله) *: كافيا في إصابة الخير ودفع الضر.
روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) سألهم فسكتوا فنزلت، وفي إيراد الضمائر مؤنثات على ما يصفونها
به تنبيه على كمال ضعفها.
* (عليه يتوكل المتوكلون) *: لعلمهم بأن الكل منه.
* (قل يقوم اعملوا على مكانتكم) *: على حالكم، وقرئ مكاناتكم.
* (إني عمل) *: أي على مكانتي.
* (فسوف تعلمون * من يأتيه عذاب يخزيه) *: من المغلوب في الدارين، فإن
خزي أعدائه: دليل غلبته، وقد أجزاهم الله يوم بدر.
* (ويحل عليه عذاب مقيم) *: دائم وهو عذاب النار.
* (إنا أنزلنا عليك الكتب للناس) *: لمصالحهم في معاشهم ومعادهم.
* (بالحق) *: متلبسا به.
* (فمن اهتدى فلنفسه) *: نفع به نفسه.
271

الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها
فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل
مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون 42
* (ومن ضل فإنما يضل عليها) *: فإن وباله لا يتخطاها.
* (وما أنت عليهم بوكيل) *: لتجبرهم على الهدى، وإنما عليك البلاغ.
* (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) *: أي يقبضها عن
الأبدان بأن يقطع تعلقها عنها، وتصرفها فيها ظاهرا وباطنا، وذلك عند الموت أو ظاهرا لا
باطنا وهو في النوم.
* (فيمسك التي قضى عليها الموت) *: لا يردها إلى البدن، وقرئ " قضى " على
البناء للمفعول ورفع " الموت ".
* (ويرسل الأخرى) *: أي النائمة إلى بدنها عند اليقظة.
* (إلى أجل مسمى) *: هو الوقت المضروب لموته.
العياشي: عن الباقر (عليه السلام) قال: ما من أحد ينام إلا عرجت نفسه إلى السماء وبقيت روحه
في بدنه، وصار بينهما سبب كشعاع الشمس فان أذن الله في قبض الأرواح أجابت الروح
النفس، وإن أذن الله في رد الروح أجابت النفس الروح، وهو قوله سبحانه: " الله يتوفى
الأنفس حين موتها " الآية فما رأت في ملكوت السماوات فهو مما له تأويل، وما رأت فيما بين
السماء والأرض فهو مما يخيله الشيطان ولا تأويل له (1).
وقد مضى الوجه في التوفيق بين نسبة التوفي تارة إلى الله، وأخرى إلى ملك الموت،
وأخرى إلى ملائكة اخر في سورة النساء (2).

1 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي. بل وجدناه في تفسير مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 501، نقلا عن العياشي.
2 - ذيل الآية: 97، انظر ج 2، ص 298 - 300 من كتابنا تفسير الصافي.
272

أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون
شيئا ولا يعقلون 43 قل لله الشفعة جميعا له ملك
السماوات والأرض ثم إليه ترجعون 44 وإذا ذكر الله
وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر
الذين من دونه إذا هم يستبشرون 45
* (إن في ذلك لآيات) *: على كمال قدرته، وحكمته، وشمول رحمته.
* (لقوم يتفكرون * أم اتخذوا) *: بل اتخذ قريش.
* (من دون الله شفعاء) *: تشفع لهم عند الله.
* (قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون) *: أيشفعون ولو كانوا على هذه
الصفة كما تشاهدونهم.
* (قل لله الشفعة جميعا) *: لا يشفع أحد إلا بإذنه.
* (له ملك السماوات والأرض) *: لا يملك أحد أن يتكلم في أمره دون إذنه
ورضاه.
* (ثم إليه ترجعون) *: في القيامة.
* (وإذا ذكر الله وحده) *: دون آلهتهم.
* (اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة) *: انقبضت ونفرت.
* (وإذا ذكر الذين من دونه) *: قيل: يعني الأوثان (1).
* (إذا هم يستبشرون) *: لفرط افتتانهم بها ونسيانهم حق الله سبحانه.
القمي: نزلت في فلان وفلان (2).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل ج 2، ص 324، س 14.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 250، س 9.
273

قل اللهم فاطر السماوات والأرض علم الغيب والشهدة
أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون 46 ولو
أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به
من سوء العذاب يوم القيمة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا
يحتسبون 47 وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما
كانوا به يستهزءون 48
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عنها فقال: إذا ذكر الله وحده بطاعة من أمر الله
بطاعته من آل محمد صلوات الله عليهم اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر
الذين لم يأمر الله بطاعتهم " إذا هم يستبشرون " (1).
* (قل اللهم فاطر السماوات والأرض علم الغيب والشهدة أنت تحكم
بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون) *: فأنت وحدك تقدر أن تحكم بيني وبينهم فإني
تحيرت في كفرهم وعجزت في عنادهم وشدة شكيمتهم (2).
* (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من
سوء العذاب يوم القيمة) *: وعيد شديد وإقناط كلي لهم من الخلاص.
* (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) *: زيادة مبالغة فيه، وهو نظير قوله:
تعالى: " فلا تعلم نفس ما أخفى لهم " في الوعد (3).
* (وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) *: وأحاط
بهم جزاؤه.

1 - الكافي: ج 8، ص 304، ح 471.
2 - فلان شديد الشكيمة: إذا كان لا ينقاد لأحد لما فيه الصلابة والصعوبة على العدو وغيره. مجمع البحرين:
ج 6، ص 99، مادة " شكم ".
3 - السجدة: 17.
274

فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال
إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون
49 قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا
يكسبون 50 فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا
من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين 51
أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في
ذلك لآيات لقوم يؤمنون 52
* (فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا) *: أعطيناه إياه تفضلا.
* (قال إنما أوتيته على علم) *: على علم مني بوجوه كسبه، أو بأني سأعطاه لمالي
من استحقاقه كذا قيل (1).
* (بل هي فتنة) *: امتحان له أيشكر أم يكفر.
* (ولكن أكثرهم لا يعلمون) *: ذلك.
* (قد قالها الذين من قبلهم) *: يعني هذه الكلمة كقارون، وقومه فإنه قاله: ورضي
به قومه.
* (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) *: من متاع الدنيا.
* (فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء) *: المشركين بالعتو.
* (سيصيبهم سيئات ما كسبوا) *: كما أصاب أولئك، وقد أصابهم بالقحط والقتل.
* (وما هم بمعجزين) *: فائتين.
* (أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 325، س 5.
275

قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة
الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم 53
وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب
ثم لا تنصرون 54
لقوم يؤمنون * قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) *: أفرطوا في الجناية
عليها بالإسراف في المعاصي.
* (لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور
الرحيم) *: والقمي: قال: نزلت في شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) خاصة (1).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) لقد ذكركم الله في كتابه إذ يقول: " يا عبادي " الآية قال:
والله ما أراد بهذا غيركم (2).
وفي المعاني (3)، والقمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: وفي شيعة ولد فاطمة عليها السلام أنزل
الله عز وجل هذه الآية خاصة (4).
وفي المحاسن: عن الصادق (عليه السلام) ما على ملة إبراهيم غيركم، وما يقبل إلا منكم، ولا يغفر
الذنوب إلا لكم (5). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه قال: ما في القرآن آية أوسع من: " يا عبادي
الذين أسرفوا " الآية (6).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية (7).
* (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 250، س 10.
2 - الكافي: ج 8، ص 35، س 15، ح 6.
3 - معاني الأخبار: ص 107، ح 4، باب معنى ما روي أن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 250، س 15. والنص للأخير.
5 - المحاسن: ج 1، ص 244، ح 451 / 56، كتاب الصفوة والنور باب 16 - ما على ملة إبراهيم غيركم.
6 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 503، س 14.
7 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 503، س 13.
276

واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم
العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون 55 أن تقول نفس يا حسرتي
على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين 56
تنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم
العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) *: بمجيئه فتداركون به.
* (أن تقول نفس) *: كراهة أن تقول.
* (يا حسرتي على ما فرطت) *: بما قصرت.
* (في جنب الله) *: في حقه، وطاعته، وقربه.
في المحاسن: عن الباقر (عليه السلام) إن أشد الناس حسرة يوم القيامة الذين وصفوا العدل ثم
خالفوه، وهو قوله عز وجل: " أن تقول نفس " الآية (1).
وفي الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) في هذه الآية قال: جنب الله أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكذلك من
كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع إلى أن ينتهى الأمر إلى آخرهم (2).
وفي الإكمال (3)، والعياشي: عن الباقر (عليه السلام) نحن جنب الله (4).
وفي المناقب: عنه وعن أبيه، وابنه (عليهم السلام) في هذه الآية: جنب الله علي (عليه السلام)، وهو حجة الله
على الخلق يوم القيامة (5).
وعن الرضا (عليه السلام) قال: في ولاية علي (عليه السلام) (6).

1 - المحاسن: ج 1، ص 212، ح 382 / 165، باب 64 - عقاب من وصف عدلا وعمل بغيره، كتاب عقاب
الأعمال.
2 - الكافي: ج 1، ص 145، ح 9، باب النوادر.
3 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 206، س 2، ح 20، باب 21 - العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام (عليه السلام).
4 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي. بل وجدناه في مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 505، نقلا عن العياشي. وهكذا في
تفسير نور الثقلين: ج 4، ص 495، ح 93 نقلا عنه، وورد في تفسير القمي: ج 2، ص 251، س 2.
5 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 3، ص 273، س 20.
6 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 3، ص 273، س 21.
277

أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين 57 أو
تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين
58 بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت
من الكافرين 59
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنا جنب الله (1).
وفي الإحتجاج: عنه (عليه السلام) في حديث وقد زاد جل ذكره في التبيان وإثبات الحجة بقوله
في أصفيائه وأوليائه (عليهم السلام) " أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله " تعريفا
للخليقة قربهم ألا ترى إنك تقول فلان إلى جنب فلان إذا أردت أن تصف قربه منه إنما جعل
الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه، وحججه في أرضه
لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه منه، وتلبيسهم ذلك على الأمة
ليعينوهم على باطلهم فأثبت فيه الرموز، وأعمى قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في تركها وترك
غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه (2).
* (وإن كنت لمن الساخرين) *: المستهزئين بأهله يعني فرطت وأنا ساخر.
* (أو تقول لو أن الله هداني) *: بالإرشاد إلى الحق.
* (لكنت من المتقين) *: الشرك والمعاصي.
* (أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين) *: في
العقيدة والعمل و " أو " للدلالة على أنه لا يخلو من هذه الأقوال تحيرا أو تعللا بما لا طائل تحته.
* (بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين) *:
رد من الله عليه لما تضمنه قوله: " لو أن الله هداني " من معنى النفي.

1 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 3، ص 273، س 22.
2 - الإحتجاج: ج 1، ص 375 - 376، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق في آي متشابهة.
278

ويوم القيمة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس
في جهنم مثوى للمتكبرين 60 وينجي الله الذين اتقوا
بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون 61 الله خلق
كل شئ وهو على كل شئ وكيل 62 له مقاليد السماوات
والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون 63
القمي: يعني بالآيات: الأئمة (عليهم السلام) (1).
* (ويوم القيمة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) *: القمي: عن
الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: من ادعى أنه إمام وليس بإمام، قيل: وإن كان علويا فاطميا؟
قال: وإن كان علويا فاطميا (2).
وفي الكافي (3)، والعياشي: مثله (4).
* (أليس في جهنم مثوى) *: مقام.
* (للمتكبرين) *: عن الإيمان والطاعة.
القمي: عنه (عليه السلام) قال: أن في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له: سقر شكا إلى الله شدة
حره وسأله أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم (5).
* (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم) *: بفلاحهم، وقرئ بالجمع.
* (لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون * الله خلق كل شئ وهو على كل
شئ وكيل) *: يتولى التصرف فيه.
* (له مقاليد السماوات والأرض) *: مفاتيحها، لا يملك أمرها ولا يتمكن من

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 251، س 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 251، س 6.
3 - الكافي: ج 1، ص 372، ح 2، باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل، ومن جحد الأئمة أو بعضهم، ومن أثبت
الإمامة لمن ليس لها بأهل.
4 - تفسير العياشي: ج 1، ص 178، ح 65.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 251، س 10.
279

قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون 64 ولقد
أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن
عملك ولتكونن من الخاسرين 65 بل الله فاعبد وكن
من الشكرين 66
التصرف فيها غيره وهو كناية عن قدرته وحفظه لها.
* (والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون * قل أفغير الله
تأمروني أعبد أيها الجاهلون) *: في الجوامع: روى أنهم قالوا: استلم بعض آلهتنا نؤمن
بإلهك فنزلت (1).
* (ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك) *: من الرسل.
* (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله
فاعبد) *: رد لما أمروه به.
* (وكن من الشكرين) *: أنعامه عليك.
القمي: هذه مخاطبة للنبي (صلى الله عليه وآله)، والمعنى لامته، وهو ما قال الصادق (عليه السلام): إن الله عز وجل
بعث نبيه (صلى الله عليه وآله) بإياك أعني واسمعي يا جارة والدليل على ذلك قوله تعالى: " بل الله فاعبد وكن
من الشكرين "، وقد علم أن نبيه (صلى الله عليه وآله) يعبده ويشكره ولكن استعبد نبيه بالدعاء إليه تأديبا
لامته (2).
وعن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال: تفسيرها لئن أمرت بولاية أحد مع
ولاية علي (عليه السلام) من بعدك ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين (3).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) يعني إن أشرك في الولاية غيره قال: " بل الله فاعبد وكن

1 - جوامع الجامع: ج 3، ص 464، س 9.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 251، س 14.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 251، س 19.
280

وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم
القيمة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما
يشركون 67
من الشكرين " يعني بل الله فاعبد بالطاعة، وكن من الشاكرين أن عضدتك بأخيك وابن عمك (1).
* (وما قدروا الله حق قدره) *: ما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه حيث
وصفوه بما لا يليق به.
في التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له لما شبهه العادلون بالخلق المبعض
المحدود في صفاته ذي الأقطار والنواحي المختلفة في طبقاته، وكان عز وجل الموجود بنفسه لا
بأداته، انتفى أن يكون قدروه حق قدره فقال: تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد، وارتفاعا عن
قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد " وما قدروا الله حق قدره " الآية فما دلك القرآن
عليه من صفاته (2) فاتبعه ليتوسل بينك وبين معرفته، وأتم به واستضئ بنور هدايته فإنها
نعمة وحكمة أوتيتها، فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين، وما دلك الشيطان عليه مما ليس في
القرآن عليك فرضه ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى (عليهم السلام) أثره، فكل علمه إلى الله عز وجل
فإن ذلك منتهى حق الله عليك (3).
وعن الباقر (عليه السلام) إن الله لا يوصف، وكيف يوصف، وقد قال في كتابه: " وما قدروا الله
حق قدره " فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك (4).
والقمي: قال: نزلت في الخوارج (5).

1 - الكافي: ج 1، ص 427، ح 76، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - وفي نسخة: [من صفته]، كما في المصدر.
3 - التوحيد: ص 55، س 1، ح 13، باب 2 - التوحيد ونفي التشبيه. وفيه: " فأتبعه ليوصل ".
4 - التوحيد: ص 127 - 128، ح 6، باب 9 - القدرة.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 251 - 252.
281

ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض
إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون 68
* (والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه) *:
تنبيه على عظمته وحقارة المخلوقات العظام التي تتحير فيها الأوهام بالإضافة إلى قدرته
ودلالة على أن تخريب العالم أهون شئ عليه كذا قيل (1).
والقبضة: المرة من القبض، أطلقت بمعنى القبضة، وهي المقدار المقبوض بالكف.
في التوحيد: عن الصادق (عليه السلام) " قبضته " يعني ملكه، لا يملكها معه أحد، قال: اليمين:
اليد، واليد: القدرة والقوة، " مطويات بيمينه " يعني بقوته وقدرته (2).
* (سبحانه وتعالى عما يشركون * ونفخ في الصور) *: يعني المرة الأولى.
* (فصعق من في السماوات ومن في الأرض) *: خروا ميتين.
* (إلا من شاء الله) *: في المجمع: روي مرفوعا هم جبرئيل، وميكائيل، وإسرافيل،
وملك الموت (3).
وفي رواية: أن النبي (صلى الله عليه وآله) سأل جبرئيل عن هذه الآية: من ذا الذي لم يشأ الله أن
يصعقهم؟ قال: الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش (4).
* (ثم نفخ فيه أخرى) *: نفخة أخرى.
* (فإذا هم قيام ينظرون) *: قائمون من قبورهم يقلبون أبصارهم في الجوانب.
القمي: عن السجاد (عليه السلام) أنه سئل عن النفختين كم بينهما؟ قال: ما شاء الله، قيل:
فأخبرني يا بن رسول الله كيف ينفخ فيه؟ فقال: أما النفخة الأولى فإن الله عز وجل يأمر

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 328، س 1.
2 - التوحيد: ص 161 - 162، ح 2، باب 17 - تفسير قوله عز وجل: " والأرض جميعا قبضته يوم القيمة
والسماوات مطويات بيمينه ".
3 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 508، س 25.
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 508، س 26.
282

إسرافيل فيهبط إلى الدنيا ومعه الصور، وللصور رأس واحد وطرفان، وبين رأس كل طرف
منهما إلى الآخر مثل ما بين السماء إلى الأرض، فإذا رأت الملائكة إسرافيل قد هبط إلى الدنيا
ومعه الصور قالوا: قد أذن الله عز وجل في موت أهل الأرض، وفي موت أهل السماء، قال:
فهبط إسرافيل بحضيرة بيت المقدس وهو مستقبل الكعبة، فإذا رآه أهل الأرض قالوا: قد أذن
الله تعالى في موت أهل الأرض، فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض
فلا يبقى في الأرض ذو روح إلا صعق ومات، فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماوات
فلا يبقى في السماوات ذو روح إلا صعق ومات إلا إسرافيل، قال: فيقول الله لإسرافيل: يا
إسرافيل مت فيموت إسرافيل فيمكثون في ذلك ما شاء الله، ثم يأمر السماوات فتمور، ويأمر
الجبال فتسير وهو قوله تعالى: " يوم تمور السماء مورا * وتسير الجبال سيرا " (1) يعني تبسط
وتبدل الأرض غير الأرض يعني بأرض لم تكسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا
نبات كما دحاها أول مرة، ويعيد عرشه على الماء كما كان أول مرة، مستقلا بعظمته وقدرته،
قال: فعند ذلك ينادي الجبار تبارك وتعالى بصوت من قبله جهوري يسمع أقطار السماوات
والأرضين: " لمن الملك اليوم " (2) فلا يجيبه مجيب، فعند ذلك يقول الجبار عز وجل مجيبا
لنفسه: " لله الواحد القهار " (3) وأنا قهرت الخلائق كلهم وأمتهم إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي
لا شريك لي ولا وزير، وأنا خلقت خلقي بيدي، وأنا أمتهم بمشيئتي، وأنا أحييهم بقدرتي، قال:
فينفخ الجبار نفخة أخرى في الصور فيخرج الصوت من إحدى الطرفين الذي يلي السماوات
فلا يبقى في السماوات أحد إلا حي وقام كما كان، ويعود حملة العرش، ويحضر الجنة والنار،
ويحشر الخلائق للحساب، قال الراوي: فرأيت علي بن الحسين (عليهما السلام) يبكي عند ذلك بكاءا
شديدا (4).
وعن الصادق (عليه السلام): إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين
صباحا، فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم، وقال: أتى جبرئيل (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذ
بيده وأخرجه إلى البقيع فانتهى به إلى قبر فصوت بصاحبه، فقال: قم بإذن الله فخرج منه

1 - الطور: 9 - 10.
2 - غافر: 16.
3 - غافر: 16.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 252، س 5.
283

وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتب وجيئ
بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون 69
رجل أبيض الرأس واللحية يمسح التراب عن رأسه وهو يقول: الحمد لله والله أكبر، فقال
جبرئيل (عليه السلام): عد بإذن الله، ثم انتهى به إلى قبر آخر فقال: قم بإذن الله فخرج منه رجل مسود
الوجه وهو يقول: يا حسرتاه يا ثبوراه، ثم قال له جبرئيل (عليه السلام): عد إلى ما كنت فيه بإذن الله
عز وجل، فقال: يا محمد هكذا يحشرون يوم القيامة، فالمؤمنون يقولون: هذا القول وهؤلاء
يقولون ما ترى (1).
* (وأشرقت الأرض بنور ربها) *: قيل: بما أقام فيها من العدل سماه نورا لأنه يزين
به البقاع، ويظهر الحقوق كما سمي الظلم ظلمة.
ففي الحديث الظلم: ظلمات يوم القيامة (2).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: رب الأرض: إمام الأرض قيل: فإذا
خرج يكون ماذا قال إذا؟ يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر، ويجتزئون بنور
الإمام (عليه السلام) (3).
وفي إرشاد المفيد: عنه (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى
العباد عن ضوء الشمس ونور القمر، وذهبت الظلمة (4).
* (ووضع الكتب) *: للحساب.
* (وجيئ بالنبيين والشهداء) *: القمي: الشهداء: الأئمة (عليهم السلام)، والدليل على ذلك
قوله في سورة الحج: " ليكون الرسول شهيدا عليكم " (5) وتكونوا أنتم يا معشر الأئمة شهداء

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 253، س 6.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 328، س 13.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 253، س 18.
4 - الإرشاد للشيخ المفيد: ص 363.
5 - الحج: 78.
284

ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون 70 وسيق
الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوبها
وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم
آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن
حقت كلمة العذاب على الكافرين 71 قيل ادخلوا أبوب
جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين 72
على الناس (1).
* (وقضى بينهم) *: بين العباد.
* (بالحق وهم لا يظلمون * ووفيت كل نفس ما عملت) *: جزاؤه.
* (وهو أعلم بما يفعلون) *: فلا يفوته شئ من أفعالهم.
* (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا) *: أفواجا متفرقة بعضها في أثر بعض على
تفاوت أقدامهم في الضلالة والشرارة.
* (حتى إذا جاءوها فتحت أبوبها) *: ليدخلوها، وقرئ بتخفيف التاء.
* (وقال لهم خزنتها) *: تقريعا وتوبيخا.
* (ألم يأتكم رسل منكم) *: من جنسكم.
* (يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى
ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) *: كلمة الله بالعذاب علينا، وهو الحكم
عليهم بالشقاوة، وأنهم من أهل النار.
* (قيل ادخلوا أبوب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين) *: قد

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 253 - 254.
285

وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها
وفتحت أبوبها وقال لهم خزنتها سلم عليكم طبتم
فادخلوها خالدين 73
مضى أخبار بيان أبواب جهنم في سورة الحجر (1).
* (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة) *: إسراعا بهم إلى دار الكرامة، ويساقون
راكبين كما مر في سورة مريم (2).
* (زمرا) *: على تفاوت مراتبهم في الشرف، وعلو الطبقة.
* (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوبها) *: قيل: حذف جواب " إذا " للدلالة على أن
لهم حينئذ من الكرامة والتعظيم ما لا يحيط به الوصف، وأن أبواب الجنة تفتح لهم قبل مجيئهم
منتظرين (3).
* (وقال لهم خزنتها سلم عليكم) *: لا يعتريكم بعد مكروه.
* (طبتم) *: طهرتم من دنس المعاصي.
والقمي: أي طاب (4) مواليدكم، لأنه لا يدخل الجنة إلا طيب المولد (5).
* (فادخلوها خالدين) *: في الخصال: عن الصادق، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليهم السلام)
قال: إن للجنة ثمانية أبواب: باب يدخل منه النبيون والصديقون، وباب يدخل منه الشهداء
والصالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا، فلا أزال واقفا على الصراط أدعو
وأقول رب سلم شيعتي، ومحبي، وأنصاري، وأوليائي، ومن تولاني في دار الدنيا، فإذا النداء من

1 - ذيل الآية: 44، انظر ج 4، ص 281 - 282 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - ذيل الآية: 85، انظر ج 4، ص 579 - 580 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 329، س 10.
4 - هكذا في الأصل. والصحيح: " طابت " كما في المصدر.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 254، س 3.
286

وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض
نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العملين 74 وترى
الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم
وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العلمين 75
بطنان العرش قد أجيبت دعوتك وشفعت في شيعتك، ويشفع كل رجل من شيعتي، ومن
تولاني، ونصرني، وحارب من حاربني، بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه،
وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد أن لا إله إلا الله ولم يكن في قلبه مثقال ذرة من
بغضنا أهل البيت (1).
وعن الباقر (عليه السلام) أحسنوا الظن بالله، واعلموا أن للجنة ثمانية أبواب، عرض كل باب
منها مسيرة أربعمائة سنة (2).
* (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده) *: بالبعث والثواب.
* (وأورثنا الأرض) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) يعني أرض الجنة (3).
* (نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العملين) *: الجنة.
* (وترى الملائكة حافين) *: محدقين.
* (من حول العرش يسبحون بحمد ربهم) *: ذاكرين له بوصفي جلاله وإكرامه
تلذذا به، وفيه إشعار بأن منتهى درجات العليين وأعلى لذائذهم هو الاستغراق في صفات
الحق.
* (وقضى بينهم بالحق) *: بين الخلق.

1 - الخصال: ص 407 - 408، ح 6، باب 8 - للجنة ثمانية أبواب.
2 - الخصال: ص 408، ح 7، باب 8 - للجنة ثمانية أبواب.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 254، س 7.
287

* (وقيل الحمد لله رب العلمين) *: أي على ما قضى بيننا بالحق، والقائلون هم
المؤمنون.
في ثواب الأعمال: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ سورة الزمر استخفاها من لسانه أعطاه الله
من شرف الدنيا والآخرة، وأعزه بلا مال ولا عشيرة حتى يهابه من يراه، وحرم جسده على
النار، وبنى له في الجنة ألف مدينة، في كل مدينة ألف قصر، في كل قصر مائة حوراء، وله مع
هذا " عينان تجريان " (1)، و " عينان نضاختان " (2)، و " جنتان " (3) " مدهامتان " (4)، " وحور
مقصورات في الخيام " (5)، و " ذواتا أفنان " (6)، و " من كل فكهة زوجان " (7) (8).
وفي المجمع: مثله بدون قوله: استخفاها من لسانه " وقوله: " ذواتا أفنان " إلى آخره (9).
* * *

1 - الرحمن: 50.
2 - الرحمن: 66.
3 - الرحمن: 62.
4 - الرحمن: 64.
5 - الرحمن: 72.
6 - الرحمن: 48.
7 - الرحمن: 52.
8 - ثواب الأعمال: ص 112، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الزمر.
9 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 487، في فضلها.
288

سورة غافر
289

بسم الله الرحمن الرحيم
حم 1 تنزيل الكتب من الله العزيز العليم 2 غافر
الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا
هو إليه المصير 3 ما يجدل في آيات الله إلا الذين
كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلد 4
سورة غافر: مكية، وقال ابن عباس وقتادة إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة " إن الذين
يجدلون " (1) إلى قوله " لا يعلمون " (2)، عدد آيها خمس وثمانون آية.
* (حم) *: قد سبق تأويله، وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام) فمعناه الحميد المجيد (3).
* (تنزيل الكتب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب
شديد العقاب ذي الطول) *: ذي الفضل بترك العقاب المستحق.
* (لا إله إلا هو) *: فيجيب الإقبال الكلي على عبادته.
* (إليه المصير) *: فيجازي المطيع والعاصي.
* (ما يجدل في آيات الله) *: بالطعن فيها وإدحاض الحق.
* (إلا الذين كفروا) *: في الإكمال: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لعن المجادلون في دين الله على

1 - غافر: 56.
2 - غافر: 57.
3 - معاني الأخبار: ص 22، ح 1، باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور من القرآن.
291

كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل
أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالبطل ليدحضوا به الحق
فأخذتهم فكيف كان عقاب 5 وكذلك حقت كلمت ربك
على الذين كفروا أنهم أصحب النار 6
لسان سبعين نبيا، ومن جادل في آيات الله فقد كفر، ثم تلا هذه الآية (1).
وروي عنه (صلى الله عليه وآله): إن جدالا في القرآن كفر (2).
وإنما نكر لجواز الجدال لحل عقده واستنباط حقائقه، وقطع تشبث أهل الزيغ به، ورد
مطاعنهم فيه.
* (فلا يغررك تقلبهم في البلد) *: بالتجارة المربحة، فإنهم مأخوذون عن قريب
بكفرهم أخذ من قبلهم.
* (كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم) *: والذين تحزبوا على الرسل
وناصبوهم بعد قوم نوح كعاد وثمود.
* (وهمت كل أمة) *: من هؤلاء.
* (برسولهم ليأخذوه) *: ليتمكنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيبه.
* (وجادلوا بالبطل) *: بما لا حقيقة له.
* (ليدحضوا به الحق) *: ليزيلوه به.
* (فأخذتهم) *: بالإهلاك جزاء لهمهم.
* (فكيف كان عقاب) *: فإنكم تمرون على ديارهم وترون أثره، أو تتلون قصصهم
في القرآن، وهو تقرير فيه تعجيب.
* (وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحب النار) *:

1 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 256، ح 1، باب 24 -
ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في النص على القائم (عليه السلام) وأنه
الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام).
2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 330، س 17.
292

الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم
ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل
شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم 7 ربنا وأدخلهم جنت عدن التي وعدتهم
ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريتهم إنك أنت
العزيز الحكيم 8
القمي: عن الباقر (عليه السلام) يعني بني أمية (1).
* (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم) *: يذكرون الله
بمجامع الثناء من صفات الجلال والإكرام.
* (ويؤمنون به) *: أخبر عنهم بالإيمان إظهارا لفضله، وتعظيما لأهله.
* (ويستغفرون للذين آمنوا) *: في العيون: عن الرضا (عليه السلام) للذين آمنوا بولايتنا (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إن لله ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما
يسقط الريح الورق في أوان سقوطه، وذلك قوله تعالى: " الذين يحملون العرش " الآية قال:
استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق (3).
* (ربنا) *: يقولون: ربنا.
* (وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنت عدن التي وعدتهم ومن صلح من

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 255، س 21.
2 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 262، ح 22، س 12، باب 26 - ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار النادرة في
فنون شتى.
3 - الكافي: ج 8، ص 34، س 17، ح 6، من خطبة الطالوتية
293

وقهم السيئات ومن تقى السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك
هو الفوز العظيم 9 إن الذين كفروا ينادون لمقت الله
أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الأيمن فتكفرون 10
آبائهم وأزواجهم وذريتهم) *: ليتم سرورهم.
* (إنك أنت العزيز) *: الذي لا يمتنع عليه مقدور.
* (الحكيم) *: الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته، ومن ذلك الوفاء بالعهد (1).
* (وقهم السيئات) *: العقوبات.
* (ومن تقى السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم) *: القمي:
" الذين يحملون العرش ": يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والأوصياء (عليهم السلام) من بعده يحملون علم الله،
" ومن حوله ": يعني الملائكة " للذين آمنوا ": يعني شيعة آل محمد صلوات الله عليهم " للذين
تابوا ": يعني من ولاية فلان وفلان وبني أمية، " واتبعوا سبيلك ": أي ولاية ولي الله، " ومن
صلح ": يعني من تولى عليا (عليه السلام) فذلك صلاحهم، " فقد رحمته ": يعني يوم القيامة، " وذلك هو
الفوز العظيم ": لمن نجاه الله من هؤلاء يعني ولاية فلان وفلان (2).
وفي الكافي: مرفوعا إن الله عز وجل أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطي خصلة منها
جميع أهل السماوات والأرض لنجوا بها، ثم تلا هذه الآيات (3).
* (إن الذين كفروا ينادون) *: يوم القيامة فيقال لهم.
* (لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم) *: أي لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم
أنفسكم الأمارة بالسوء.
* (إذ تدعون إلى الأيمن فتكفرون) *: القمي: إن الذين كفروا يعني بني أمية، " إلى

1 - وفي نسخة: [بالوعد].
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 255، س 13.
3 - الكافي: ج 2، ص 432، ح 5، باب التوبة.
294

قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل
إلى خروج من سبيل 11 ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده
كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلى الكبير 12
الأيمن ": يعني إلى ولاية علي (عليه السلام) (1).
* (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) *: القمي: عن الصادق (عليه السلام) ذلك في
الرجعة (2).
أقول: لعل المراد أن التثنية إنما تتحقق بالرجعة، أو يقولون ذلك في الرجعة بحسب
الإحياء والإماتة اللتين في القبر للسؤال.
* (فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) *: فهل إلى نوع خروج من
العذاب من طريق فنسلكه؟ وذلك إنما يقولونه من فرط قنوطهم تعللا وتحيرا، ولذلك أجيبوا
بما أجيبوا.
* (ذلكم) *: الذي أنتم فيه.
* (بأنه) *: بسبب أنه.
* (إذا دعى الله وحده كفرتم) *: بالتوحيد.
* (وإن يشرك به تؤمنوا) *: بالإشراك.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) يقول: إذا ذكر الله وحده بولاية من أمر الله بولايته كفرتم، وإن
يشرك به من ليست له ولاية تؤمنوا بأن له ولاية (3).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) إذا دعي الله وحده، وأهل الولاية: كفرتم (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 255، س 21.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 256، س 2.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 256، س 7.
4 - الكافي: ج 1، ص 421، ح 46، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
295

هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما
يتذكر إلا من ينيب 13 فادعوا الله مخلصين له الدين ولو
كره الكافرون 14 رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح
من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق 15
يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ لمن الملك
اليوم لله الوحد القهار 16
* (فالحكم لله العلى الكبير) *: من أن يشرك به ويسوى بغيره حيث حكم عليكم
بالعذاب السرمد.
* (هو الذي يريكم آياته) *: الدالة على التوحيد وسائر ما يجب أن يعلم.
* (وينزل لكم من السماء رزقا) *: أسباب رزق.
* (وما يتذكر إلا من ينيب) *: يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها، والتفكر فيها.
* (فادعوا الله مخلصين له الدين) *: من الشرك.
* (ولو كره الكافرون) *: إخلاصكم وشق عليهم.
* (رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح من أمره على من يشاء من
عباده) *: القمي: قال: روح القدس: وهو خاص برسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) (1).
* (لينذر يوم التلاق) *: يوم القيامة، في المعاني، عن الصادق (عليه السلام) (2)، والقمي: قال:
يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض (3).
* (يوم هم بارزون) *: خارجون من قبورهم لا يسترهم شئ.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 256، س 11.
2 - معاني الأخبار: ص 156، ح 1، باب معنى يوم التلاق، ويوم التناد، ويوم التغابن، ويوم الحسرة.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 256، س 12.
296

اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع
الحساب 17
* (لا يخفى على الله منهم شئ) *: من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم.
* (لمن الملك اليوم لله الوحد القهار) *: حكاية لما يسئل عنه، ولما يجاب به بما
دل عليه ظاهر الحال فيه من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط وأما حقيقة الحال فناطقة
بذلك دائما.
* (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) *:
إذ لا يشغله شأن عن شأن.
في التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث تفسير الحروف قال: والميم ملك الله يوم
لا مالك غيره، ويقول الله: " لمن الملك اليوم " ثم تنطق أرواح أنبيائه ورسله، وحججه
فيقولون: " لله الوحد القهار " فيقول الله جل جلاله: " اليوم تجزى " الآية (1).
وفي نهج البلاغة: وأنه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شئ معه كما كان قبل
ابتدائها، كذلك يكون بعد فنائها، بلا وقت ولا مكان، ولا حين ولا زمان، عدمت عند ذلك
الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، فلا شئ إلا الواحد القهار الذي إليه مصير
جميع الأمور بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها كان فناؤها، ولو قدرت على
الإمتناع لدام بقاؤها (2).
وقد مضى حديث آخر في هذا المعنى في أواخر سورة الزمر (3).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) في حديث إماتة الله أهل الأرض وأهل السماء والملائكة قال:

1 - التوحيد: ص 234، س 2، ح 1، باب 32 - تفسير حروف المعجم.
2 - نهج البلاغة: ص 276، الخطبة 186.
3 - ذيل الآية: 68، انظر ص 282 - 284 من هذا الجزء.
297

وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما
للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع 18 يعلم خائنة
الأعين وما تخفى الصدور 19
ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك، ثم يقول الله عز وجل: " لمن
الملك اليوم " فيرد على نفسه " لله الوحد القهار " أين الجبارون؟ وأين الذين ادعوا معي
إلها آخر؟ أين المتكبرون ونخوتهم؟ ثم يبعث الخلق (1).
* (وأنذرهم يوم الآزفة) *: أي القيامة سميت بها، لأزوفها أي قربها.
* (إذ القلوب لدى الحناجر) *: فإنها ترتفع عن أماكنها فتلتصق بحلوقهم فلا تعود
فيتروحوا ولا تخرج فيستريحوا.
* (كاظمين) *: على الغم، القمي: قال: مغمومين مكروبين (2).
* (ما للظالمين من حميم) *: قريب مشفق.
* (ولا شفيع يطاع) *: يشفع. في التوحيد: عن الباقر (عليه السلام) ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلا
ساءه ذلك وندم عليه، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): كفى بالندم توبة، وقال: من سرته حسنته وساءته
سيئته فهو مؤمن، فإن من لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن، ولم تجب له الشفاعة وكان
ظالما، والله تعالى يقول: " ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع " (3).
* (يعلم خائنة الأعين) *: إستراق النظر. في المعاني: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن
معناها؟ فقال: ألم تر إلى الرجل ينظر إلى الشئ وكأنه لا ينظر إليه فذلك خائنة الأعين (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 256 - 257.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 257، س 10.
3 - التوحيد: ص 408، س 3، ح 6، باب 63 - الأمر والنهي والوعد والوعيد.
4 - معاني الأخبار: ص 147، ح 1، باب معنى خائنة الأعين.
298

والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون
بشئ إن الله هو السميع البصير 20 أولم يسيروا في
الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين كانوا من قبلهم
كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله
بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق 21
وفي المجمع: في حديث ابن أبي سرح (1) فقال له عباد بن بشير (2): يا رسول الله إن عيني
ما زالت في عينك انتظار أن تومئ إلي فأقتله، فقال (عليه السلام): إن الأنبياء لا يكون لهم خائنة الأعين (3).
* (وما تخفى الصدور) *: من الضمائر.
* (والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه) *: وقرئ بالتاء.
* (لا يقضون بشئ) *: تهكم بهم.
* (إن الله هو السميع البصير) *: تقرير لعلمه بخائنة الأعين وقضائه بالحق، ووعيد
لهم على ما يقولون ويفعلون، وتعريض بحال ما يدعون من دونه.
* (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين كانوا من

1 - وهو عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وكان أخا عثمان من الرضاعة، ومن جملة من أهدر النبي (صلى الله عليه وآله) دمه يوم
فتح مكة، وذلك لأنه أسلم قبل الفتح، وهاجر إلى رسول الله، وكان يكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم ارتد مشركا
وصار إلى قريش بمكة فلما علم ذلك استتر عند عثمان، فاستجاره وغيبه حتى جاء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يبايع
الناس، فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: ما كان فيكم رجل رشيد
يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن مبايعته فيقتله؟ فقال رجل من الأنصار: وهو عباد بن بشر، فهلا أومأت
إلي يا رسول الله؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين، وأسلم ذلك اليوم، ثم ولاه عثمان في زمن
خلافته مصر سنة خمس وعشرين، ومات سنة ست وثلاثين، وقيل: بقي إلى زمن معاوية وشهد معه صفين وتوفي
سنة تسع وخمسين.
2 - هكذا في الأصل، والصحيح: عباد بن بشر.
3 - لم نعثر عليه في مجمع البيان، بل عثرنا عليه في تفسير نور الثقلين: ج 4، ص 517، ح 35. نعم ورد ما يقرب
منه في مجمع البيان: ج 3 - 4، ص 335، س 22.
299

ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم
الله إنه قوى شديد العقاب 22 ولقد أرسلنا موسى
بآياتنا وسلطن مبين 23 إلى فرعون وهمان وقرون
فقالوا سحر كذاب 24 فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا
اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد
الكافرين إلا في ضلل 25
قبلهم) *: مآل حال الذين كذبوا الرسل قبلهم كعاد، وثمود.
* (كانوا هم أشد منهم قوة) *: قدرة وتمكنا، وقرئ منكم.
* (وآثارا في الأرض) *: مثل القلاع، والمدائن الحصينة.
* (فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق) *: يمنع العذاب عنهم.
* (ذلك) *: الأخذ.
* (بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوى) *:
متمكن مما يريده غاية التمكن.
* (شديد العقاب) *: لا يؤبه بعقاب دون عقابه.
* (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا) *: بالمعجزات.
* (وسلطن مبين) *: وحجة ظاهرة قاهرة.
* (إلى فرعون وهمان وقرون فقالوا سحر كذاب) *: يعنون موسى (عليه السلام).
* (فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه
واستحيوا نساءهم) *: أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم أولا كي يصدوا عن مظاهرة
موسى.
* (وما كيد الكافرين إلا في ضلل) *: في ضياع.
300

وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن
يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد 26 وقال
موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم
الحساب 27
* (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه) *: قاله تجلدا، وعدم مبالاة
بدعائه.
قيل: كانوا يكفونه عن قتله ويقولون: إنه ليس الذي تخافه بل هو ساحر، ولو قتلته
ظن أنك عجزت عن معارضته بالحجة، وتعلله بذلك مع كونه سفاكا في أهون شئ دليل على
أنه تيقن أنه نبي فخاف من قتله أو ظن أنه لو حاوله لم يتيسر له (1).
وفي العلل: عن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن هذه الآية ما كان يمنعه؟ قال: منعته رشدته،
ولا يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلا أولاد الزنا (2).
* (إني أخاف) *: إن لم أقتله.
* (أن يبدل دينكم) *: أن يغير ما أنتم عليه من عبادته، وعبادة الأصنام كقوله
" ويذرك وآلهتك " (3).
* (أو أن يظهر في الأرض الفساد) *: ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج،
وقرئ بالواو على معنى الجمع، وبفتح الياء والهاء، ورفع الفساد.
* (وقال موسى) *: أي لقومه لما سمع كلامه.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 334، س 10.
2 - علل الشرائع: ص 57 - 58، ح 1، باب 52 - العلة التي من أجلها لم يقتل فرعون موسى (عليه السلام) لما قال: ذروني
أقتل موسى.
3 - الأعراف: 127.
301

وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون
رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن
يك كذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي
يعدكم إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب 28
* (إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب * وقال
رجل مؤمن من آل فرعون) *: من أقربائه. في العيون: عن الرضا (عليه السلام) كان ابن خاله (1).
وفي خبر آخر: كان ابن عمه (2)، كما يأتي (3).
* (يكتم إيمانه) *: القمي: قال: كتم إيمانه ست مائة سنة (4).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له،
والتقية ترس الله في الأرض، لأن مؤمن آل فرعون لو أظهر الإسلام لقتل (5).
وفي المجالس: عن النبي (صلى الله عليه وآله) الصديقون ثلاثة: وعد منهم حزقيل مؤمن آل فرعون (6).
وقد مر تمامه (7).
* (أتقتلون رجلا) *: أتقصدون قتله.
* (أن يقول) *: لأن يقول.
* (ربى الله) *: وحده.

1 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 240، ح 1، باب 23 - ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة
والأمة.
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 521، س 12.
3 - ذيل الآية: " وحاق بال فرعون سوء العذاب " من حديث الإحتجاج: ج 2، ص 131 - 133، احتجاجات
الإمام الصادق (عليه السلام).
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 257، س 16.
5 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 521، س 10.
6 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 385، ح 18، المجلس الثاني والسبعون.
7 - ذيل الآية: 20 من سورة يس.
302

يقوم لكم الملك اليوم ظهرين في الأرض فمن ينصرنا
من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى
وما أهديكم إلا سبيل الرشاد 29
* (وقد جاءكم بالبينات من ربكم) *: أضافه إليهم بعد ذكر البينات احتجاجا
عليهم واستدراجا لهم إلى الإعتراف به، ثم أخذهم بالاحتجاج من باب الإحتياط.
* (وإن يك كذبا فعليه كذبه) *: لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله.
* (وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) *: فلا أقل من أن يصيبكم
بعضه، وفيه مبالغة في التحذير وإظهار للإنصاف وعدم التعصب ولذلك قدم كونه كاذبا.
* (إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب) *: قيل: احتجاج ثالث ذو وجهين:
أحدهما: أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله إلى البينات، ولما عضده بتلك المعجزات.
وثانيهما: أن من خذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله، ولعله أراد به المعنى الأول
وخيل إليهم الثاني لتلين شكيمتهم، وعرض به فرعون بأنه مسرف كذاب لا يهديه الله سبيل
الصواب (1).
* (يقوم لكم الملك اليوم ظهرين) *: غالبين عالين.
* (في الأرض) *: أرض مصر.
* (فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا) *: أي فلا تفسدوا أمركم، ولا تتعرضوا
لبأس الله بقتله، فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد، وإنما أدرج نفسه فيه ليريهم أنه معهم،
ومساهمهم فيما ينصح لهم.
* (قال فرعون ما أريكم) *: ما أشير إليكم.
* (إلا ما أرى) *: ما استصوبه (2) من قتله.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 335، س 7.
2 - وفي نسخة: [واستصوبه].
303

وقال الذي آمن يقوم إني أخاف عليكم مثل يوم
الأحزاب 30 مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من
بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد 31 ويقوم إني أخاف
عليكم يوم التناد 32 يوم تولون مدبرين ما لكم من الله
من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد 33
* (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) *: طريق الثواب (1).
* (وقال الذي آمن يقوم إني أخاف عليكم) *: في تكذيبه والتعرض له.
* (مثل يوم الأحزاب) *: مثل أيام الأمم الماضية المتحزبة على الرسل يعني:
وقائعهم، وجمع الأحزاب مع التفسير أغنى عن جمع اليوم.
* (مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود) *: مثل سنة الله فيهم حين استأصلهم
وأهلكهم جزاءا بما كانوا عليه من الكفر وإيذاء الرسول.
* (والذين من بعدهم) *: كقوم لوط.
* (وما الله يريد ظلما للعباد) *: فلا يعاقبهم بغير ذنب، ولا يخلي الظالم منهم بغير
انتقام.
* (ويقوم إني أخاف عليكم يوم التناد) *: يوم ينادي فيه بعضهم بعضا.
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام) " يوم التناد ": يوم ينادي أهل النار أهل الجنة " أن
أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " (2) (3).
* (يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم) *: يعصمكم من عذابه.

1 - وفي نسخة: [طريق الصواب].
2 - الأعراف: 50.
3 - معاني الأخبار: ص 156، ح 1، باب معنى يوم التلاق، ويوم التناد، ويوم التغابن، ويوم الحسرة.
304

ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما
جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا
كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب 34 الذين يجدلون
في آيات الله بغير سلطن أتهم كبر مقتا عند الله وعند
الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار 35
* (ومن يضلل الله فما له من هاد * ولقد جاءكم يوسف من قبل) *: من قبل
موسى.
* (بالبينات) *: بالمعجزات.
* (فما زلتم في شك مما جاءكم به) *: به من الدين.
في المجمع: عن الباقر (عليه السلام) في حديث أنه سئل كان يوسف رسولا نبيا؟ فقال: نعم أما
تسمع قول الله تعالى: " لقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات " (1).
وقد مر تمامه في سورة يوسف (2).
* (حتى إذا هلك) *: مات.
* (قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله) *: في العصيان.
* (من هو مسرف مرتاب) *: شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والإنهماك في
التقليد.
* (الذين يجدلون في آيات الله بغير سلطن) *: بغير حجة.
* (أتهم) *: بل إما بتقليد، أو شبهة داحضة.
* (كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب

1 - مجمع البيان: ج 5 - 6، ص 266، س 10.
2 - ذيل الآية: 101، انظر ج 4، ص 169 - 172 من كتابنا تفسير الصافي.
305

وقال فرعون يا همان ابن لي صرحا لعلى أبلغ الأسباب
36 أسبب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه
كذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل
وما كيد فرعون إلا في تباب 37 وقال الذي آمن يا قوم
اتبعون أهدكم سبيل الرشاد 38 يقوم إنما هذه الحياة
الدنيا متع وإن الآخرة هي دار القرار 39
متكبر جبار) *: وقرئ " قلب " بالتنوين.
* (وقال فرعون يا همان ابن لي صرحا) *: بناءا مكشوفا عاليا، من صرح
الشئ: إذا ظهر.
* (لعلى أبلغ الأسباب) *: الطرق.
* (أسبب السماوات فأطلع إلى إله موسى) *: وقرئ بالنصب على جواب
الترجي.
* (وإني لأظنه كذبا) *: في دعوى الرسالة.
* (وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل) *: سبيل الرشاد،
وقرئ " صد " على أن فرعون صد الناس عن الهدى بأمثال هذه التمويهات والشبهات.
* (وما كيد فرعون إلا في تباب) *: أي خسار.
* (وقال الذي آمن يقوم اتبعون أهدكم) *: بالدلالة.
* (سبيل الرشاد * يقوم إنما هذه الحياة الدنيا متع) *: تمتع يسير لسرعة
زوالها.
* (وإن الآخرة هي دار القرار) *: لخلودها.
306

من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صلحا من ذكر
أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير
حساب 40 ويقوم مالي أدعوكم إلى النجوة وتدعونني
إلى النار 41 تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي
به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفر 42 لا جرم أنما
تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن
مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحب النار 43
* (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها) *: عدلا من الله سبحانه.
* (ومن عمل صلحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة
يرزقون فيها بغير حساب) *: بغير تقدير، وموازنة بالعمل أضعافا مضاعفة فضلا من الله
ورحمة.
* (ويقوم مالي أدعوكم إلى النجوة وتدعونني إلى النار * تدعونني
لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به) *: بربوبيته.
* (علم) *: والمراد نفي المعلوم والإشعار بأن الألوهية لا بد لها من برهان واعتقادها لا
يصح إلا عن إيقان.
* (وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفر) *: المستجمع لصفات الألوهية من كمال القدرة
والغلبة، والتمكن من المجازاة، والقدرة على التعذيب والغفران.
* (لا جرم) *: لا رد لما دعوه إليه و " جرم " بمعنى حق.
* (أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة) *: قيل: أي حق
عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أو عدم دعوة مستجابة لها (1).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 337، س 14.
307

فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله إن الله
بصير بالعباد 44 فوقه الله سيئات ما مكروا وحاق
بال فرعون سوء العذاب 45
* (وأن مردنا إلى الله) *: بالموت.
* (وأن المسرفين) *: في الضلالة والطغيان.
* (هم أصحب النار * فستذكرون) *: عند معاينة العذاب.
* (ما أقول لكم) *: من النصيحة.
* (وأفوض أمرى إلى الله) *: ليعصمني من كل سوء.
* (إن الله بصير بالعباد) *: فيحرسهم.
* (فوقه الله سيئات ما مكروا) *: شدائد مكرهم، القمي: يعني مؤمن آل فرعون (1).
* (وحاق بال فرعون سوء العذاب) *: في الكافي (2)، والمحاسن: عن الصادق (عليه السلام)
في هذه الآية أما لقد سطوا (3) عليه وقتلوه، ولكن أتدرون ما وقاه؟ وقاه أن يفتنوه في دينه (4).
والقمي: عنه (عليه السلام) والله لقد قطعوه إربا إربا، ولكن وقاه الله أن يفتنوه في دينه (5).
وفي الإحتجاج: عنه (عليه السلام) في حديث له قال: كان حزقيل يدعوهم إلى توحيد الله، ونبوة
موسى، وتفضيل محمد (صلى الله عليه وآله) على جميع رسل الله وخلقه، وتفضيل علي بن أبي طالب، والخيار
من الأئمة (عليهم السلام) على سائر أوصياء النبيين، وإلى البراءة من ربوبية فرعون، فوشى به الواشون

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 258، س 4.
2 - الكافي: ج 2، ص 215 - 216، ح 1، باب سلامة الدين. وفيه: " أما لقد بسطوا عليه وقتلوه ".
3 - وفي بعض النسخ: " قسطوا عليه " أي جاروا من السقوط بمعنى الجور والعدول عن الحق، وفي بعضها:
" سبطوا ": أي أيديهم. منه (قدس سره).
4 - المحاسن: ج 1، ص 345، ح 716 / 118، باب 9 - الدين، من كتاب مصابيح الظلم.
أقول: هذه الرواية وردت في الكافي والمحاسن في ذيل قوله تعالى: " فوقه الله سيئات ما مكروا ".
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 258، س 4.
308

النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة
أدخلوا آل فرعون أشد العذاب 46
إلى فرعون، وقالوا: إن حزقيل يدعو إلى مخالفتك، ويعين أعداءك على مضادتك، فقال لهم
فرعون: ابن عمي وخليفتي على ملكي، وولي عهدي، إن فعل ما قلتم فقد استحق أشد العذاب
على كفره بنعمتي، وإن كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم أشد العذاب لإيثاركم الدخول في
مساءته فجاء بحزقيل وجاء بهم فكاشفوه وقالوا أنت تجحد ربوبية فرعون الملك وتكفر
بنعماه، فقال حزقيل: أيها الملك هل جربت علي كذبا قط؟ قال: لا، قال: فسلهم من ربهم؟
قالوا: فرعون هذا، قال: ومن خالقكم؟ قالوا: فرعون هذا، قال: ومن رازقكم الكافل لمعائشكم
والدافع عنكم مكارهكم؟ قالوا: فرعون هذا، قال حزقيل: أيها الملك فأشهدك وكل من حضرك
أن ربهم هو ربي، وخالقهم هو خالقي، ورازقهم هو رازقي، ومصلح معائشهم هو مصلح
معائشي، لا رب لي، ولا خالق، ولا رازق غير ربهم وخالقهم ورازقهم، وأشهدك ومن حضرك
أن كل رب ورازق وخالق سوى ربهم وخالقهم ورازقهم فأنا برئ منه ومن ربوبيته، وكافر
بإلهيته، يقول حزقيل هذا، وهو يعني أن ربهم هو الله ربي، ولم يقل إن الذي قالوا أنه ربهم هو
ربي، وخفي هذا المعنى على فرعون، ومن حضره، وتوهم وتوهموا أنه يقول فرعون ربي
وخالقي ورازقي، فقال لهم فرعون: يا رجال السوء ويا طلاب الفساد في ملكي، ومريدي الفتنة
بيني وبين ابن عمي، وهو عضدي، أنتم المستحقون لعذابي لإرادتكم فساد أمري، وإهلاك ابن
عمي والفت في عضدي، ثم أمر بالأوتاد فجعل في ساق كل واحد منهم وتد وفي صدره وتد،
وأمر أصحاب أمشاط الحديد فشقوا بها لحومهم من أبدانهم فذلك ما قال الله تعالى: " فوقه
الله سيئات ما مكروا " به لما وشوا به إلى فرعون ليهلكوه، " وحاق بال فرعون سوء العذاب "
وهم الذين وشوا بحزقيل إليه لما أوتد فيهم الأوتاد ومشط عن أبدانهم لحومها بالأمشاط (1).
* (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) *: في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) ذلك في

1 - الإحتجاج: ج 2، ص 131 - 133، احتجاجات الإمام الصادق (عليه السلام).
309

الدنيا قبل يوم القيامة، لأن في نار القيامة لا يكون غدو وعشي، ثم قال: إن كانوا إنما يعذبون في
النار غدوا وعشيا ففيما بين ذلك هم من السعداء ولكن في نار البرزخ قبل يوم القيامة، ألم
تسمع قوله تعالى: " ويوم تقوم الساعة " الآية (1).
والقمي: قال: ذلك في الدنيا قبل القيامة، وذلك أن في القيامة لا يكون غدو ولا
عشاء (2) لأن الغدو والعشاء (3) إنما يكون في الشمس والقمر، وليس في جنان الخلد ونيرانها
شمس ولا قمر (4).
قال: وسئل الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية فقال: ما يقول الناس فيها؟ فقيل: يقولون: إنها
في نار الخلد، وهم لا يعذبون فيما بين ذلك، فقال (عليه السلام): فهم من السعداء، ثم قال (عليه السلام): إنما هذا في
الدنيا، وأما في نار الخلد فهو قوله: " ويوم تقوم الساعة " الآية (5).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) أن أرواح الكفار في نار جهنم يعرضون عليها، يقولون: ربنا لا تقم
لنا الساعة، ولا تنجز لنا ما وعدتنا، ولا تلحق آخرنا بأولنا (6).
وعن الباقر (عليه السلام): إن لله تعالى نارا في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفار، ويأكلون
من زقومها، ويشربون من حميمها ليلهم، فإذا طلع الفجر هاجت إلى واد باليمن، يقال له:
برهوت أشد حرا من نار الدنيا كانوا فيه يتلاقون ويتعارفون، فإذا كان المساء عادوا إلى النار
فهم كذلك إلى يوم القيامة (7).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي،
وإن كان من أهل الجنة فمن الجنة، وإن كان من أهل النار فمن النار، يقال: هذا مقعدك حتى
يبعثك الله يوم القيامة (8).

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 526، س 2.
2 - هكذا في الأصل، وفي المصدر: " لا يكون غدوا وعشيا ".
3 - هكذا في الأصل، وفي المصدر: " والعشي ".
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 258، س 6.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 258، س 6.
6 - الكافي: ج 3، ص 245، ح 2، باب في أرواح الكفار.
7 - الكافي: ج 3، ص 246 - 247، س 5، ح 1، باب جنة الدنيا.
8 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 525 - 526،
310

وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا
إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار 47
قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين
العباد 48 وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم
يخفف عنا يوما من العذاب 49 قالوا أولم تك تأتيكم
رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء
الكافرين إلا في ضلل 50
* (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) *: وقرئ ادخلوا بضمتين.
* (وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم
تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار) *: بالدفع أو الحمل.
في مصباح المتهجد: في خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) خطب بها يوم الغدير قرأ فيها هذه
الآية، ثم قال: أفتدرون الاستكبار ما هو؟ هو ترك الطاعة لمن أمروا بطاعته، والترفع على من
ندبوا إلى متابعته، والقرآن ينطق من هذا عن كثير (1).
* (قال الذين استكبروا إنا كل فيها) *: نحن وأنتم، فكيف نغني عنكم ولو قدرنا
لأغنينا عن أنفسنا.
* (إن الله قد حكم بين العباد) *: ولا معقب لحكمه.
* (وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من
العذاب * قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات) *: أرادوا به إلزامهم الحجة،
وتوبيخهم على إضاعتهم أوقات الدعاء، وتعطيلهم أسباب الإجابة.
* (قالوا بلى قالوا فادعوا) *: فإنا لا نجتري فيه إذ لم يؤذن لنا في الدعاء لأمثالكم،

1 - مصباح المتهجد: ص 701، س 7، خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الغدير.
311

إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم
الاشهاد 51 يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة
ولهم سوء الدار 52 ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا
بني إسرائيل الكتب 53 هدى وذكرى لاولى الألباب 54
فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك
بالعشي والابكار 55
وفيه إقناط لهم عن الإجابة.
* (وما دعاء الكافرين إلا في ضلل) *: في ضياع لا يجاب.
* (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) *:
القمي: يعني الأئمة (عليهم السلام).
وعن الصادق (عليه السلام): ذلك والله في الرجعة أما علمت أن أنبياء كثيرة لم ينصروا في الدنيا
وقتلوا؟ والأئمة (عليهم السلام) من بعدهم قتلوا ولم ينصروا، وذلك في الرجعة (1).
* (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) *: لبطلانها، وقرئ بالتاء.
* (ولهم اللعنة) *: البعد من الرحمة.
* (ولهم سوء الدار) *: جهنم.
* (ولقد آتينا موسى الهدى) *: ما يهتدى به في الدين من المعجزات والصحف والشرائع.
* (وأورثنا بني إسرائيل الكتب) *: وتركنا عليهم بعده من ذلك التوراة.
* (هدى وذكرى) *: هداية وتذكرة.
* (لاولى الألباب) *: لذوي العقول السليمة.
* (فاصبر) *: على أذى المشركين.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 259، س 3.
312

إن الذين يجدلون في آيات الله بغير سلطن أتهم إن في
صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع
البصير 56 لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق
الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون 57 وما يستوي
الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا
المسئ قليلا ما تتذكرون 58
* (إن وعد الله حق) *: بالنصر.
* (واستغفر لذنبك) *: لترك الأولى والإهتمام بأمر العدى.
* (وسبح بحمد ربك بالعشي والأبكار * إن الذين يجدلون في آيات
الله بغير سلطن أتهم) *: عام في كل مجادل مبطل، وإن نزلت في مشركي مكة أو اليهود
على ما قيل (1).
* (إن في صدورهم إلا كبر) *: إلا عظمة، وتكبر عن الحق.
* (ما هم ببالغيه) *: ببالغي مقتضى تلك العظمة لأن الله مذلهم.
* (فاستعذ بالله) *: فالتجئ إليه.
* (إنه هو السميع البصير) *: لأقوالكم وأفعالكم.
* (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) *: فمن قدر على خلقها أولا
من غير أصل، قدر على خلق الناس ثانيا من أصل، كذا قيل (2).
* (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *: لأنهم لا ينظرون، ولا يتأملون، لفرط
غفلتهم، واتباعهم أهواءهم.
* (وما يستوي الأعمى والبصير) *: الجاهل والمستبصر.

1 و 2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 339، س 8 و 12.
313

إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا
يؤمنون 59 وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين 60
* (والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ) *: والمحسن والمسئ،
فينبغي أن يكون لهم حال يظهر فيها التفاوت وهي ما بعد البعث.
* (قليلا ما تتذكرون) *: وقرئ بالتاء.
* (إن الساعة لآتية لا ريب فيها) *: في مجيئها.
* (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) *: لا يصدقون بها، لقصور نظرهم على ظاهر ما
يحسون به.
* (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي) *:
دعائي.
* (سيدخلون جهنم داخرين) *: صاغرين، وقرئ " سيدخلون " بضم الياء وفتح الخاء.
في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال: هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء (1).
وعنه (عليه السلام) أنه سئل أي العبادة أفضل؟ فقال: ما من شئ أفضل عند الله من أن يسئل ويطلب
ما عنده، وما من أحد أبغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده (2).
وعن الصادق (عليه السلام): ادع ولا تقل قد فرغ من الأمر، فإن الدعاء هو العبادة إن الله يقول:
وتلا هذه الآية (3).
وفي الصحيفة السجادية: بعد ذكر هذه الآية: فسميت دعاءك عبادة، وتركه استكبارا،
وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين (4).

1 و 2 و 3 - الكافي: ج 2، ص 466 و 467، ح 1 و 2 و 5، باب فضل الدعاء والحث عليه.
4 - الصحيفة السجادية: ص 225.
314

الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله
لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون 61
ذلكم الله ربكم خلق كل شئ لا إله إلا هو فأنى
تؤفكون 62
وفي الإحتجاج: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل أليس يقول الله: " ادعوني أستجب لكم "
وقد نرى المضطر يدعوه ولا يجاب له، والمظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره، قال: ويحك
ما يدعوه أحد إلا استجاب له، أما الظالم: فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه، وأما المحق: فإذا
دعاه استجاب له، وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه، أو ادخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته
إليه وإن لم يكن الأمر الذي سئل العبد خيرا له إن أعطاه أمسك عنه، والمؤمن العارف بالله ربما
غر عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ (1).
وقد مضت أخبار أخر في هذا المعنى في سورة البقرة عند قوله تعالى: " أجيب دعوة
الداع إذا دعان " (2).
* (الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) *: لتستريحوا فيه بأن خلقه باردا
مظلما ليؤدي إلى ضعف المحركات وهدوء الحواس.
* (والنهار مبصرا) *: يبصر فيه أو به، وإسناد الإبصار إليه مجاز فيه مبالغة.
* (إن الله لذو فضل على الناس) *: فضل لا يوازيه فضل.
* (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) *: لجهلهم بالمنعم وإغفالهم عن مواقع النعم.
* (ذلكم الله ربكم خلق كل شئ لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) *: تصرفون
عن عبادته إلى عبادة غيره.

1 - الإحتجاج: ج 2، ص 87، س 6، احتجاج الصادق (عليه السلام) على الزنديق.
2 - البقرة: 186، انظر ج 1، ص 340 - 341 من كتابنا تفسير الصافي.
315

كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون 63 الله
الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم
فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم
فتبارك الله رب العلمين 64 هو الحي لا إله إلا هو
فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العلمين 65
قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني
البينات من ربى وأمرت أن أسلم لرب العلمين 66
* (كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون * الله الذي جعل لكم
الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم) *: بأن خلقكم منتصب القامة،
بادي البشرة، متناسب الأعضاء والتخطيطات، متهيئا لمزاولة الصنائع، واكتساب الكمالات.
* (ورزقكم من الطيبات) *: اللذائذ.
* (ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العلمين) *: فإن كل ما سواه مربوب مفتقر
بالذات معرض للزوال.
* (هو الحي) *: المتفرد بالحياة الذاتية.
* (لا إله إلا هو) *: لا أحد يساويه أو يدانيه في ذاته وصفاته.
* (فادعوه) *: فاعبدوه.
* (مخلصين له الدين) *: من الشرك والرياء.
* (الحمد لله رب العلمين) *: قائلين له، القمي: عن السجاد (عليه السلام) إذا قال أحدكم لا
إله إلا الله فليقل: " الحمد لله رب العلمين " (1) فإن الله يقول: " هو الحي " الآية (2).
* (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات

1 - الفاتحة: 2.
2 - تفسير القمي: ج 52، ص 260، س 7.
316

هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم
يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم
من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون 67
هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن
فيكون 68 ألم تر إلى الذين يجدلون في آيات الله أنى
يصرفون 69 الذين كذبوا بالكتب وبما أرسلنا به رسلنا
فسوف يعلمون 70
من ربى وأمرت أن أسلم لرب العلمين) *: أن أنقاد له وأخلص له ديني.
* (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا
ثم لتبلغوا) *: ثم يبقيكم لتبلغوا.
* (أشدكم ثم لتكونوا شيوخا) *: وقرئ بضم الشين.
* (ومنكم من يتوفى من قبل) *: من قبل الشيخوخة، أو بلوغ الأشد.
* (ولتبلغوا) *: ويفعل ذلك لتبلغوا.
* (أجلا مسمى) *: وقت الموت.
* (ولعلكم تعقلون) *: ما في ذلك من الحجج والعبر.
* (هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا) *: فإذا أراده.
* (فإنما يقول له كن فيكون) *: من غير عدة، وتجشم كلفه بلا صوت ولا حرف،
والفاء الأولى للدلالة على أن ذلك نتيجة ما سبق.
* (ألم تر إلى الذين يجدلون في آيات الله أنى يصرفون) *: عن التصديق بها.
* (الذين كذبوا بالكتب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون) *: جزاء
تكذيبهم.
317

إذ الأغلال في أعناقهم والسلسل يسحبون 71 في
الحميم ثم في النار يسجرون 72 ثم قيل لهم أين ما كنتم
تشركون 73 من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن
ندعوا من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين 74
* (إذ الأغلال في أعناقهم والسلسل يسحبون) *: بها.
* (في الحميم ثم في النار يسجرون) *: يحرقون.
* (ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون * من دون الله قالوا ضلوا عنا) *:
ضاعوا عنا فلم نجد ما كنا نتوقع منهم.
* (بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا) *: بل تبين لنا إنا لم نكن نعبد شيئا بعبادتهم.
في الكافي (1)، والقمي: عن الباقر (عليه السلام) فأما النصاب من أهل القبلة فإنهم يخد لهم خد
إلى النار التي خلقها الله في المشرق، فيدخل عليهم منها اللهب، والشرر، والدخان، وفورة الحميم،
إلى يوم القيامة، ثم مصيرهم إلى الحميم، ثم في النار يسجرون، ثم قيل: " أين ما كنتم تشركون *
من دون الله " أي أين إمامكم الذي اتخذتموه دون الإمام الذي جعله الله للناس إماما (2).
وفي البصائر: عنه (عليه السلام) قال: كنت خلف أبي وهو على بغلته فنفرت بغلته فإذا هو شيخ
في عنقه سلسلة ورجل يتبعه، فقال: يا علي بن الحسين اسقني، فقال الرجل: لا تسقه لا سقاه
الله، وكان الشيخ معاوية (3). وفي هذا المعنى أخبار أخر (4).

1 - الكافي: ج 3، ص 246 - 247، ح 1، باب جنة الدنيا.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 260، س 21. وفيه: " يخد لهم خدا ".
3 - بصائر الدرجات: ص 304 - 305، ح 1، الجزء السادس، ب 7 - في أن الأئمة (عليهم السلام) يعرضون عليهم أعداؤهم
وهم موتى ويرونهم.
4 - راجع بصائر الدرجات: ص 305 - 307، ح 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 من باب 7 - من أن الأئمة (عليهم السلام) يعرضون
عليهم أعداؤهم وهم موتى ويرونهم.
318

ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم
تمرحون 75 ادخلوا أبوب جهنم خالدين فيها فبئس
مثوى المتكبرين 76 فاصبر إن وعد الله حق فإما
نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون 77
* (كذلك يضل الله الكافرين) *: حتى لا يهتدوا إلى شئ ينفعهم في الآخرة.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال: فقد سماهم الله كافرين مشركين بأن كذبوا
بالكتاب وقد أرسل الله عز وجل رسله بالكتاب وبتأويله فمن كذب بالكتاب أو كذب بما
أرسل به رسله من تأويل الكتاب فهو مشرك كافر (1).
* (ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض) *: تبطرون، وتتكبرون.
* (بغير الحق) *: وهو الشرك، والطغيان.
* (وبما كنتم تمرحون) *: تتوسعون في الفرح.
* (ادخلوا أبوب جهنم) *: الأبواب السبعة المقسومة لكم.
* (خالدين فيها) *: مقدرين الخلود.
* (فبئس مثوى المتكبرين) *: عن الحق جهنم.
* (فاصبر إن وعد الله) *: بهلاك الكفار، وتعذيبهم.
* (حق) *: كائن لا محالة.
* (فإما نرينك) *: فإن نرك، و " ما " مزيدة لتأكيد الشرطية، ولذلك لحقت النون الفعل.
* (بعض الذي نعدهم) *: وهو القتل والأسر.
* (أو نتوفينك) *: قبل أن تراه.
* (فإلينا يرجعون) *: يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 260، س 10.
319

ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك
ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية
إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضى بالحق وخسر هنالك
المبطلون 78 الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها
ومنها تأكلون 79 ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة
في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون 80
* (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم
نقصص عليك) *: في الخصال: عنهم (عليهم السلام) إن عددهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا (1).
وفي المجمع: عن علي (عليه السلام) بعث الله نبيا أسود لم يقص علينا قصته (2).
* (وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) *: فإن المعجزات عطايا قسمها
بينهم على ما اقتضت حكمته ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها.
* (فإذا جاء أمر الله) *: بالعذاب في الدنيا والآخرة.
* (قضى بالحق) *: بانجاء المحق، وتعذيب المبطل.
* (وخسر هنالك المبطلون) *: المعاندون باقتراح الآيات بعد ظهور ما يغنيهم عنها.
* (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون) *: فإن منها ما
يؤكل كالغنم، ومنها ما يؤكل ويركب كالإبل والبقر.
* (ولكم فيها منافع) *: كالألبان، والجلود، والأوبار.
* (ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) *: بالمسافرة عليها.
* (وعليها) *: في البر.

1 - الخصال: ص 641، ح 1 و 2، باب ما بعد الألف.
2 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 533، س 27.
320

ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون 81 أفلم يسيروا
في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم كانوا
أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما
كانوا يكسبون 82 فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا
بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون 83
فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به
مشركين 84 فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت
الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون 85
* (وعلى الفلك) *: في البحر.
* (تحملون * ويريكم آياته) *: الدالة على كمال قدرته، وفرط رحمته.
* (فأي آيات الله تنكرون) *: فإنها لظهورها لا تقبل الإنكار.
* (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم
كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض) *: ما بقي منهم من القصور والمصانع
وغير ذلك.
* (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) *: " ما " الأولى يحتمل النافية والإستفهامية،
والثانية: الموصولة، والمصدرية.
* (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم) *: واستحقروا
علم الرسل.
* (وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون * فلما رأوا بأسنا) *: شدة عذابنا.
* (قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين) *: يعنون الأصنام.
* (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) *: لأنه غير مقبول حينئذ.
321

* (سنت الله التي قد خلت في عباده) *: سن الله ذلك سنة ماضية في العباد.
* (وخسر هنالك الكافرون) *: أي وقت رؤيتهم البأس، استعير اسم المكان
للزمان.
في العيون: عن الرضا (عليه السلام) أنه سئل لأي علة غرق الله تعالى فرعون وقد آمن به وأقر
بتوحيده؟ قال: لأنه آمن عند رؤية البأس، والإيمان عند رؤية البأس: غير مقبول، وذلك
حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف، قال الله عز وجل: " فلما رأوا بأسنا " الآيتين (1).
وفي الكافي: قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحد
فأسلم، فقيل: قد هدم إيمانه شركه وفعله، وقيل: يضرب ثلاثة حدود، وقيل: غير ذلك،
فأرسل المتوكل إلى الهادي (عليه السلام) وسأله عن ذلك؟ فكتب (عليه السلام) يضرب حتى يموت فأنكروا ذلك،
وقالوا هذا شئ لم ينطق به كتاب، ولم تجئ به سنة، فسألوه ثانيا البيان: فكتب هاتين الآيتين
بعد البسملة، فأمر به المتوكل فضرب حتى مات (2).
وفي ثواب الأعمال (3)، والمجمع عن الباقر (عليه السلام): قال: من قرأ حم المؤمن في كل ليلة غفر
الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وألزمه كلمة التقوى وجعل الآخرة خيرا له من الدنيا (4).
وعن الصادق (عليه السلام): الحواميم رياحين القرآن الحديث (5).
* * *

1 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 77، ح 7، باب 32 - في ذكر ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من العلل.
2 - الكافي: ج 7، ص 238، ح 2، باب ما يجب على أهل الذمة من الحدود. نقلا بالمضمون.
3 - ثواب الأعمال: ص 113، ح 1، باب ثواب قراءة حم المؤمن.
4 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 512، س 17.
5 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 512، س 20.
322

سورة فصلت
323

بسم الله الرحمن الرحيم
حم 1 تنزيل من الرحمن الرحيم 2 كتب فصلت
آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون 3 بشيرا ونذيرا
فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون 4 وقالوا قلوبنا في
أكنة مما تدعونا إليه وفى آذاننا وقر ومن بيننا وبينك
حجاب فاعمل إننا عاملون 5
سورة فصلت: عدد آيها أربع وخمسون آية كوفي، ثلاث حجازي، آيتان بصري.
* (حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتب فصلت آياته) *: القمي: أي
بين حلالها وحرامها وأحكامها وسننها (1).
* (قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا) *: القمي: يبشر المؤمنين، وينذر
الظالمين (2).
* (فأعرض أكثرهم) *: عن تدبره، وقبوله.
* (فهم لا يسمعون) *: سماع تأمل، وطاعة.
* (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه) *: في أغطية.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 261، س 16.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 261، س 17.
325

قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله وحد
فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين 6 الذين لا
يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون 7
* (وفى آذاننا وقر) *: صمم، وأصله الثقل.
* (ومن بيننا وبينك حجاب) *: يمنعنا عن التواصل، القمي: أي تدعونا إلى ما لا
نفهمه ولا نعقله (1).
قيل: وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه، واعتقادهم، ومج أسماعهم
له، وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول (صلى الله عليه وآله) (2).
* (فاعمل) *: على دينك.
* (إننا عاملون) *: على ديننا.
* (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله وحد) *: لست ملكا ولا
جنيا ولا يمكنكم التلقي منه، ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول والإسماع، وإنما أدعوكم إلى
التوحيد والاستقامة في العمل.
* (فاستقيموا إليه) *: في أفعالكم متوجهين إليه.
* (واستغفروه) *: مما أنتم عليه.
* (وويل للمشركين) *: من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله.
* (الذين لا يؤتون الزكاة) *: لبخلهم وعدم اشفاقهم على الخلق.
* (وهم بالآخرة هم كافرون) *: القمي: عن الصادق (عليه السلام) أترى أن الله عز وجل
طلب من المشركين زكاة أموالهم وهو يشركون به حيث يقول: " وويل للمشركين * الذين
لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون " قيل: جعلت فداك فسره لي، فقال: ويل

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 261، س 19.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 344، س 4.
326

إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون 8
قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين
وتجعلون له أندادا ذلك رب العلمين 9 وجعل فيها
رواسي من فوقها وبرك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة
أيام سواء للسائلين 10
للمشركين الذين أشركوا بالإمام الأول وهم بالأئمة الآخرين هم كافرون، إنما دعا الله العباد
إلى الإيمان به فإذا آمنوا بالله وبرسوله افترض عليهم الفرائض (1).
أقول: هذا الحديث يدل على ما هو التحقيق عندي من أن الكفار غير مكلفين
بالأحكام الشرعية ما داموا باقين على الكفر، وعن ابن عباس أي لا يطهرون أنفسهم من
الشرك بالتوحيد، ولعله إنما أول الزكاة بالتطهير لما ذكر.
* (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) *: لا يمن به عليهم.
* (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا
ذلك رب العلمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبرك فيها) *: وأكثر خيرها.
* (وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) *: القمي: معنى يومين: أي
وقتين، ابتداء الخلق وانقضاؤه، وقال: " وبرك فيها وقدر فيها أقواتها " أي لا تزول وتبقى " في
أربعة أيام سواء " يعني في أربعة أوقات، وهي التي يخرج الله عز وجل فيها أقوات العالم عن
الناس (2)، والبهائم، والطير، وحشرات الأرض، وما في البر والبحر من الخلق من الثمار،
والنبات، والشجر، وما يكون فيه معاش الحيوان كله، وهو الربيع والصيف والخريف والشتاء،
ففي الشتاء يرسل الله الرياح والأمطار والأنداء والطلول من السماء، فيلقح الأرض والشجرة،
وهو وقت بارد، ثم يجئ بعد الربيع، وهو وقت معتدل حار وبارد، فيخرج الثمر من الشجر

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 262، س 5.
2 - وفي نسخة: [من الناس].
327

ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا
طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين 11
والأرض نباتها فيكون أخضر ضعيفا، ثم يجئ وقت الصيف وهو حار فينضج الثمار ويصلب
الحبوب التي هي أقوات العالم وجميع الحيوان، ثم يجئ من بعده وقت الخريف فيطيبه ويبرده،
ولو كان الوقت كله شيئا واحدا لم يخرج النبات من الأرض، لأنه لو كان الوقت كله ربيعا لما
تنضج الثمار، ولم تبلغ الحبوب، ولو كان كله صيفا لاحترق كل شئ في الأرض، ولم يكن
للحيوان معاش ولا قوت، ولو كان الوقت كله خريفا ولم يتقدمه شئ من هذه الأوقات لم
يكن شئ يتقوته العالم، فجعل الله هذه الأقوات في أربعة أوقات: في الشتاء، والربيع،
والصيف، والخريف، وقام به العالم واستوى وبقى وسمى الله هذه الأوقات أياما للسائلين يعني
المحتاجين، لأن كل محتاج سائل، وفي العالم من خلق الله من لا يسأل ولا يقدر عليه من الحيوان
كثير فهم سائلون وإن لم يسألوا (1).
أقول: يعني أنهم سائلون بلسان الحال وهو أفصح وأبلغ من لسان المقال.
وقد سبق تفسير آخر للآية في سورة الأعراف (2)، وقرئ سواء بالجر.
* (ثم استوى إلى السماء) *: قيل: أي قصد نحوها، من قولهم استوى إلى مكان كذا
إذا توجه إليه توجها لا يلوي إلى غيره، " وثم " للتفاوت ما بين الخلقين لا للتراخي في المدة، إذ
لا مدة قبل خلق السماء (3).
* (وهي دخان) *: ظلماني.
* (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها) *: شئتما ذلك أو أبيتما (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 262، س 15.
2 - ذيل الآية: 54، انظر ج 3، ص 184 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 3، ص 345، س 5.
4 - وفي نسخة: [أو أبيتما].
328

فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها
وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز
العليم 12
* (قالتا أتينا طائعين) *: منقادين بالذات، تمثيل لتأثير قدرته فيهما وتأثرهما بالذات
عنها بأمر المطاع وإجابة المطيع الطائع كقوله: " كن فيكون " (1)، أو هو نوع من الكلام باطنا من
دون حرف ولا صوت.
القمي: سئل الرضا (عليه السلام) عمن كلم الله لا من الجن ولا من الإنس، فقال: السماوات
والأرض في كقوله: " ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " (2).
* (فقضاهن سبع سماوات) *: فخلقهن خلقا إبداعيا.
* (في يومين) *: القمي: يعني في وقتين إبداءا وانقضاءا (3).
* (وأوحى في كل سماء أمرها) *: شأنها، وما يتأتى منها بأن حملها عليه اختيارا أو
طبعا. وقيل: أوحى إلى أهلها بأوامره (4).
والقمي: هذا وحي تقدير وتدبير (5).
* (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) *: بالنجوم.
* (وحفظا) *: من الشيطان المسترق وسائر الآفات.
في الإكمال: عن النبي (صلى الله عليه وآله) النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل
السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض (6).
* (ذلك تقدير العزيز العليم) *: البالغ في القدرة والعلم.

1 - يس: 82.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 263، س 11.
3 - تفسير القمي: ج 27 ص 263، س 14.
4 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 345، س 19.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 263، س 15.
6 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 205، ح 19، باب 21 - العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام (عليه السلام).
329

فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صعقة مثل صعقة عاد وثمود
13 إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا
تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما
أرسلتم به كافرون 14 فأما عاد فاستكبروا في الأرض
بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي
خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون 15
* (فإن أعرضوا) *: عن الإيمان بعد هذا البيان.
القمي: وهم قريش وهو معطوف على قوله: " فأعرض أكثرهم فهم لا
يسمعون " (1) (2).
* (فقل أنذرتكم صعقة مثل صعقة عاد وثمود * إذ جاءتهم الرسل من
بين أيديهم ومن خلفهم) *: أي من جميع جوانبهم، واجتهدوا بهم من كل جهة أو من جهة
الدنيا بالإنذار بما جرى على الكفار فيها ومن جهة الآخرة بالتحذير عما أعد لهم فيها، أو الذين
أرسلوا إليهم والذين أرسلوا من قبل.
* (ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا) *: إرسال الرسل.
* (لأنزل ملائكة) *: برسالته.
* (فإنا بما أرسلتم به) *: على زعمكم.
* (كافرون) *: إذ أنتم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا.
* (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق) *: فتعظموا فيها على أهلها بغير
استحقاق.
* (وقالوا من أشد منا قوة) *: اغتروا بقوتهم وشوكتهم. قيل: كان من قوتهم أن

1 - فصلت: 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 263، س 17.
330

فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم
عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم
لا ينصرون 16 وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى
على الهدى فأخذتهم صعقة العذاب الهون بما كانوا
يكسبون 17 ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون 18
الرجل منهم ينزع الصخرة فيقلعها بيده (1).
* (أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) *: قدرة.
* (وكانوا بآياتنا يجحدون) *: يعرفون أنها حق وينكرونها.
* (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) الصرصر: البارد (2).
* (في أيام نحسات) *: قال: مياشيم (3)، وقرئ بالسكون.
* (لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا
ينصرون) *: بدفع العذاب عنهم.
* (وأما ثمود فهديناهم) *: فدللناهم على الحق، بنصب الحجج، وارسال الرسل.
* (فاستحبوا العمى على الهدى) *: فاختاروا الضلالة على الهدى.
في التوحيد: عن الصادق (عليه السلام) وعرفناهم " فاستحبوا العمى على الهدى " وهم
يعرفون (4).
وفي الإعتقادات: عنه (عليه السلام) وجوب الطاعات وتحريم المعاصي، وهم يعرفون (5).
* (فأخذتهم صعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون * ونجينا الذين

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 346، س 10.
2 و 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 363، س 22.
4 - التوحيد: ص 411، ح 4، باب 64 - التعريف والبيان والحجة والهداية.
5 - الاعتقادات في دين الإمامية: ص 17، باب 8 - الاعتقاد في الفطرة والهداية.
331

ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون 19 حتى
إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصرهم وجلودهم بما
كانوا يعملون 20 وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا
أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مرة
وإليه ترجعون 21
آمنوا وكانوا يتقون * ويوم يحشر أعداء الله إلى النار) *: وقرئ بالنون، وضم الشين.
* (فهم يوزعون) *: القمي: أي يجيئون من كل ناحية (1).
وعن الباقر (عليه السلام): يحبس أولهم على آخرهم يعني ليتلاحقوا (2).
* (حتى إذا ما جاءوها) *: إذا حضروها، و " ما " مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور.
* (شهد عليهم سمعهم وأبصرهم وجلودهم بما كانوا يعملون) *: بأن ينطقها الله.
* (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ
وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) *: القمي: نزلت في قوم تعرض عليهم أعمالهم
فينكرونها، فيقولون: ما عملنا شيئا منها فتشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم (3).
قال الصادق (عليه السلام): فيقولون لله: يا رب هؤلاء ملائكتك يشهدون لك، ثم يحلفون بالله ما
فعلوا من ذلك شيئا، وهو قول الله عز وجل: " يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون
لكم " (4) وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فعند ذلك يختم الله عز وجل على ألسنتهم،
وينطق جوارحهم، فيشهد السمع بما سمع مما حرم الله، ويشهد البصر بما نظر به إلى ما حرم الله
عز وجل، وتشهد اليدان بما أخذتا، وتشهد الرجلان بما سعتا فيما حرم الله عز وجل، ويشهد

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 264، س 3.
2 - لم نعثر عليه، بل وجدناه في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 9، س 6، من دون نسبة إلى الإمام.
3 - هكذا في الأصل، وفي تفسير القمي جاء هذا القول ذيل قوله تعالى: " حتى إذا ما جاءوها " دون هذا المكان.
4 - المجادلة: 18.
332

وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصركم ولا
جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون 22
وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من
الخاسرين 23
الفرج بما ارتكب مما حرم الله، ثم أنطق الله عز وجل ألسنتهم فيقولون هم لجلودهم: " لم شهدتم
علينا "؟ الآية (1).
* (وما كنتم تستترون) *: قال: أي من الله (2).
* (أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم) *: قال: الجلود: الفروج (3).
وفي الكافي عنه (عليه السلام): في هذه الآية قال: يعني بالجلود: الفروج، والأفخاذ (4).
وفي الفقيه: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فيها قال: يعني بالجلود: الفروج (5).
* (ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) *: فلذلك اجترأتم على ما فعلتم.
وقيل: معنى الآية كنتم تستترون الناس (6) عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة،
وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم، فما استترتم عليها (7).
وقيل: بل معناه وما كنتم تتركون المعاصي حذرا أن تشهد عليكم جوارحكم بها
لأنكم ما تظنون ذلك، ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون، لجهلكم بالله فهان عليكم
ارتكاب المعاصي لذلك (8).
* (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين) *:

1 و 2 و 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 264، س 7 و 14 و 15.
4 - الكافي: ج 2، ص 36، س 5، ح 1، باب في أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها.
5 - من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 381، س 21، ح 1627 / 1، باب 227 باب الفروض على الجوارح.
6 - هكذا في الأصل، والصحيح: " كنتم تسترون من الناس ".
7 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 347، س 8.
8 - قاله الطبرسي في تفسيره مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 10، س 14.
333

فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من
المعتبين 24 وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم
وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم
من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين 25
إذ صار ما منحوا للاستسعاد به في الدارين سببا لشقاء المنزلين.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن آخر عبد يؤمر به إلى النار، فإذا
أمر به التفت، فيقول الجبار جل جلاله ردوه فيردونه، فيقول له: لم التفت إلي؟ فيقول: يا رب لم
يكن ظني بك هذا، فيقول: وما كان ظنك بي؟ فيقول: يا رب كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي،
وتسكنني جنتك، قال: فيقول الجبار: يا ملائكتي لا وعزتي وجلالي وآلائي وعلوي وارتفاع
مكاني ما ظن بي عبدي هذا ساعة من خير قط، ولو ظن بي ساعة من خير ما روعته بالنار،
أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس من عبد يظن بالله عز وجل خيرا
إلا كان عند ظنه به، وذلك قوله عز وجل: " وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم
فأصبحتم من الخاسرين " (1).
* (فإن يصبروا فالنار مثوى لهم) *: لا خلاص لهم عنها.
* (وإن يستعتبوا) *: يسألوا العتبى، وهي الرجوع إلى ما يحبون.
* (فما هم من المعتبين) *: أي لا يجابوا إلى ذلك، ونظيره قوله تعالى حكاية
" أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " (2).
* (وقيضنا) *: وقدرنا.
* (لهم قرناء) *: القمي: يعني الشياطين من الجن والإنس (3).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 264، س 19.
2 - إبراهيم: 21.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 265، س 6.
334

وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه
لعلكم تغلبون 26 فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا
ولنجزينهم أسوء الذي كانوا يعملون 27 ذلك جزاء أعداء
الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون
28 وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس
نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين 29
* (فزينوا لهم ما بين أيديهم) *: من أمر الدنيا واتباع الشهوات.
* (وما خلفهم) *: من أمر الآخرة وإنكاره.
* (وحق عليهم القول) *: أي كلمة العذاب.
* (في أمم) *: في جملة أمم.
* (قد خلت من قبلهم من الجن والإنس) *: وقد عملوا مثل أعمالهم.
* (إنهم كانوا خاسرين * وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن
والغوا فيه) *: وعارضوه بالخرافات، القمي: وصيروه سخرية ولغوا (1).
* (لعلكم تغلبون) *: تغلبونه على قراءته.
* (فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا
يعملون) *: سيئات أعمالهم، وقد سبق مثله.
* (ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا
يجحدون) *: ينكرون الحق.
* (وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس) *: شيطاني

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 265، س 10.
335

إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة
ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون 30
النوعين الحاملين على الظلالة والعصيان.
في المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يعنون إبليس الأبالسة، وقابيل ابن آدم أول من أبدع
المعصية (1).
والقمي: قال: العالم (عليه السلام) من الجن إبليس الذي رد عليه قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في دار الندوة
وأضل الناس بالمعاصي وجاء بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي بكر فبايعه ومن الإنس فلان (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: هما، ثم قال: وكان فلان شيطانا (3).
أقول: لعل ذلك لأن ولد الزنا يخلق من مائي الزاني والشيطان معا.
وفي رواية: هما والله هما ثلاثا (4)، وقرئ أرنا بالتخفيف.
* (نجعلهما تحت أقدامنا) *: ندسهما انتقاما منهما.
* (ليكونا من الأسفلين) *: ذلا ومكانا.
* (إن الذين قالوا ربنا الله) *: اعترافا بربويته، وإقرارا بوحدانيته.
* (ثم استقاموا) *: على مقتضاه.
القمي: قال: على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) (5). ويأتي ما في معناه.
وفي نهج البلاغة: إني متكلم بعدة الله وحجته، قال الله تعالى: " إن الذين قالوا ربنا الله
ثم استقاموا " الآية، وقد قلتم ربنا الله فاستقيموا على كتابه، وعلى منهاج أمره، وعلى الطريقة
الصالحة من عبادته، ثم لا تمرقوا منها، ولا تبتدعوا فيها، ولا تخالفوا عنها، فإن أهل المروق
منقطع بهم عند الله يوم القيامة (6).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 12، س 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 265، س 11.
3 و 4 - الكافي: ج 8، ص 334 ح 523 و 524.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 265، س 15.
6 - نهج البلاغة ص 253، نصائح للناس، الخطبة 176.
336

نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفى الآخرة ولكم فيها ما
تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون 31 نزلا من غفور
رحيم 32
* (تتنزل عليهم الملائكة) *: في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) (1)، والقمي: قال عند
الموت (2).
* (ألا تخافوا) *: ما تقدمون عليه.
* (ولا تحزنوا) *: على ما خلفتم.
* (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) *: في الدنيا.
* (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا) *: القمي: قال: كنا نحرسكم من الشياطين (3).
* (وفى الآخرة) *: قال: أي عند الموت (4).
* (ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون) *: ما تتمنون من
الدعاء بمعنى الطلب.
* (نزلا من غفور رحيم) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: استقاموا على الأئمة
واحدا بعد واحد (5).
وفي المجمع: عن الرضا (عليه السلام) أنه سئل ما الاستقامة؟ قال: هي والله ما أنتم عليه (6).
وعن الباقر (عليه السلام): نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا، أي نحرسكم في الدنيا وعند الموت وفي
الآخرة (7).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 12، س 15.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 265، س 16.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 265، س 17.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 265، س 17 - 18.
5 - الكافي: ج 1، ص 420، ح 40، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 12، س 14.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 13، س 8.
337

والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: ما يموت موال لنا مبغض لأعدائنا إلا ويحضره رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين، والحسن، والحسين، (عليهم السلام) فيرونه، ويبشرونه، وإن كان غير موال
يراهم بحيث يسوؤه، والدليل على ذلك، قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لحارث الهمداني:
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا (1)
وفي تفسير الإمام (عليه السلام): عند قوله تعالى: " يظنون أنهم ملقوا ربهم " (2) من سورة البقرة
قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة، ولا يتيقن الوصول إلى رضوان الله
حتى يكون وقت نزع روحه، وظهور ملك الموت له، وذلك أن ملك الموت يرد على المؤمن وهو
في شدة علته، وعظيم ضيق صدره بما يخلفه من أمواله، وبما هو عليه من اضطراب أحواله من
معامليه وعياله، وقد بقيت في نفسه حسراتها، واقتطع دون أمانيه، فلم ينلها فيقول له ملك
الموت: مالك تتجرع (3) غصصك قال: لاضطراب أحوالي واقتطاعك لي دون آمالي، فيقول له
ملك الموت: وهل يحزن عاقل من فقد درهم زائف واعتياض ألف ألف ضعف الدنيا، فيقول:
لا، فيقول ملك الموت: فانظر فوقك، فينظر فيرى درجات الجنان وقصورها التي يقصر دونها
الأماني، فيقول ملك الموت: تلك منازلك، ونعمك، وأموالك، وأهلك وعيالك، ومن كان من
أهلك هاهنا وذريتك صالحا فهم هنالك معك، أفترضى بهم بدلا مما هاهنا؟ فيقول: بلى والله،
ثم يقول: انظر فينظر فيرى محمدا، وعليا، والطيبين من آلهما (عليهم السلام) في أعلا عليين، فيقول:
أو تراهم هؤلاء ساداتك وأئمتك، هم هناك جلاسك وأناسك، أفترضى بهم بدلا مما تفارق هنا؟
فيقول: بلى وربي، فذلك ما قال الله عز وجل: " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل
عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا " فما أمامكم من الأهوال فقد كفيتموها، ولا تحزنوا على
ما تخلفونه من الذراري والعيال، فهذا الذي شاهدتموه في الجنان بدلا منهم، " وأبشروا بالجنة
التي كنتم توعدون " هذه منازلكم، وهؤلاء ساداتكم أناسكم وجلاسكم (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 265 - 266.
2 - البقرة: 46.
3 - جرعت الماء جرعا - من باب نفع، وجرعت أجرع - من باب تعب - لغة وهو الابتلاع، والجرعة - من الماء
كاللقمة من الطعام -: وهو ما يجرع مرة واحدة والجمع جرع. المصباح المنير: ص 97، مادة " جرع ".
4 - تفسير الإمام العسكري: ص 239، ح 17.
338

ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صلحا وقال إنني
من المسلمين 33 ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع
بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عدوة كأنه ولى
حميم 34
وفي البصائر عن الباقر (عليه السلام) أنه قيل له: يبلغنا أن الملائكة تتنزل عليكم قال: أي والله
لتنزل علينا فتطأ فرشنا أما تقرأ في كتاب الله تعالى: " إن الذين قالوا ربنا الله " الآية (1).
وفي الخرايج: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: أما والله لربما وسدنا لهم الوسائد في
منازلنا، وقال: هم ألطف بصبياننا منا بهم، وربما التقطنا من زغبها (2) (3).
وفي الكافي: عنه، عن أبيه (عليهما السلام)، في حديث ليلة القدر قال: زعم ابن عباس أنه من الذين:
" قالوا ربنا الله ثم استقاموا " فقلت له: هل رأيت يا ابن عباس الملائكة تخبرك بولايتها لك في
الدنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن؟ قال: فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول: " إنما
المؤمنون إخوة " (4) وقد دخل في هذا جميع الأمة فاستضحكت، ثم قلت صدقت يا ابن عباس (5).
* (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) *: إلى عبادته.
* (وعمل صلحا) *: فيما بينه وبين ربه.
* (وقال إنني من المسلمين) *: العياشي: إنها في علي (عليه السلام) (6).
* (ولا تستوى الحسنة ولا السيئة) *: في الجزاء وحسن العاقبة، " ولا " الثانية

1 - بصائر الدرجات: ص 111، ح 3 الجزء الثاني، باب 17 - في أن الأئمة والملائكة تدخل منازلهم ويطوف
بسطهم ويأتيهم عليهم الصلاة والسلام بالاخبار.
2 - الزغب - محركة -: صغار الشعر ولينه حين يبدو من الصبي، وكذلك من الشيخ حين يرق شعره ويضعف،
ومن الريش أول ما ينبت. مجمع البحرين: ج 2، ص 79، مادة " زغب ".
3 - الخرائج والجرائح: ج 2، ص 850 - 851، ح 65. 4 - الحجرات: 10.
5 - الكافي: ج 1، ص 247، ح 2، باب في شأن انا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها.
6 - تفسير العياشي: ج 1، ص 279، ح 286.
339

وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم 35
وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو
السميع العليم 36
مزيدة لتأكيد النفي.
* (ادفع بالتي هي أحسن) *: ادفع السيئة حيث اعترضتك بالتي هي أحسن منها
وهي الحسنة على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقا أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات.
* (فإذا الذي بينك وبينه عدوة كأنه ولى حميم) *: أي إذا فعلت ذلك صار
عدوك المشاق مثل الولي الشفيق.
القمي: قال: ادفع سيئة من أساء إليك بحسنتك حتى يكون: " الذي بينك وبينه عدوة
كأنه ولى حميم " (1).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: " ولا تستوى الحسنة ولا السيئة " قال:
الحسنة: التقية، والسيئة: الإذاعة، وقال: التي هي أحسن: التقية (2).
* (وما يلقاها) *: وما يلقى هذه السجية، وهي مقابلة الإساءة بالإحسان.
* (إلا الذين صبروا) *: فإنها تحبس النفس عن الإنتقام.
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) إلا الذين صبروا في الدنيا على الأذى (3).
* (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) *: من الخير، وكمال النفس.
في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) وما يلقها إلا كل ذي حظ عظيم (4).
* (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) *: نخس (5) شبه به وسوسته.
* (فاستعذ بالله) *: من شره، ولا تطعه.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 266، س 4.
2 - الكافي: ج 2، ص 218، ح 6، باب التقية.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 13، س 32.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 14، س 1.
5 - نخس الدابة - كنصر وجعل -: غرز مؤخرها بعود ونحوه. مجمع البحرين: ج 4، ص 111، مادة " نخس ".
340

ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا
للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه
تعبدون 37 فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له
بالليل والنهار وهم لا يسئمون 38 ومن آياته أنك ترى
الأرض خشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن
الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شئ قدير 39
* (إنه هو السميع) *: لاستعاذتك.
* (العليم) *: بنيتك، القمي: المخاطبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والمعنى للناس (1).
* (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا
للقمر) *: لأنهما مخلوقان مأموران مثلكم.
* (واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) *: فإن السجود أخص
العبادات هنا موضع السجود، كما رواه في المجمع عنهم (عليهم السلام) (2).
* (فإن استكبروا) *: عن الامتثال.
* (فالذين عند ربك) *: من الملائكة.
* (يسبحون له بالليل والنهار) *: أي دائما.
* (وهم لا يسئمون) *: ولا يملون.
* (ومن آياته أنك ترى الأرض خشعة) *: يابسة متطامنة، مستعار من
الخشوع بمعنى التذلل.
* (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) *: انتفخت بالنبات.
* (إن الذي أحياها) *: بعد موتها.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 226، س 7.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 15.
341

إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في
النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيمة اعملوا ما شئتم
إنه بما تعملون بصير 40 إن الذين كفروا بالذكر لما
جاءهم وإنه لكتب عزيز 41 لا يأتيه البطل من بين
يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد 42
* (لمحيي الموتى إنه على كل شئ قدير * إن الذين يلحدون) *: يميلون عن
الاستقامة.
* (في آياتنا) *: بالطعن، والتحريف، والتأويل بالباطل، والإلغاء فيها.
* (لا يخفون علينا) *: فنجازيهم على إلحادهم. وقد مضى في هذا كلام في المقدمة
السادسة من هذا الكتاب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
* (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيمة اعملوا ما
شئتم) *: تهديد شديد.
* (إنه بما تعملون بصير) *: وعيد بالمجازاة.
* (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم) *: بدل من " إن الذين يلحدون "، أو
مستأنف وخبر " إن " محذوف أو خبره أولئك ينادون، كذا قيل (2).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) بالذكر: يعني القرآن (3).
* (وإنه لكتب عزيز * لا يأتيه البطل من بين يديه) *: قال: لا يأتيه
الباطل من قبل التوراة، ولا من قبل الإنجيل، والزبور (4).

1 - انظر ج 1، ص 83 - 84 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 350، س 1.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 266، س 16.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 266، س 17.
342

ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو
مغفرة وذو عقاب أليم 43 ولو جعلنه قرآنا أعجميا
لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين
آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر
وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد 44
* (ولا من خلفه) *: أي لا يأتيه من بعده كتاب يبطله.
وفي المجمع: عنهما (عليهما السلام) ليس في إخباره عما مضى باطل، ولا في إخباره عما يكون في
المستقبل باطل، بل إخباره كلها موافقة لمخبراتها (1).
* (تنزيل من حكيم) *: أي حكيم.
* (حميد) *: يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه.
* (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة) *: لأنبيائه.
* (وذو عقاب أليم) *: لأعدائهم.
* (ولو جعلنه قرآنا أعجميا) *: قيل: جواب لقولهم: هلا نزل هذا القرآن بلغة
العجم؟ (2)
* (لقالوا لولا فصلت آياته) *: بينت بلسان نفقهه.
* (أأعجمي وعربي) *: أكلام أعجمي ومخاطب عربي.
القمي: لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا: كيف نتعلمه، ولساننا عربي وأتيتنا بقرآن
أعجمي فأحب أن ينزل بلسانهم وفيه قال الله: " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " (3) (4).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 15، س 31.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 350، س 8.
3 - إبراهيم: 4.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 266، س 19.
343

ولقد آتينا موسى الكتب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من
ربك لقضى بينهم وإنهم لفي شك منه مريب 45 من عمل
صلحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلم للعبيد 46
والأعجمي يقال: للذي لا يفهم كلامه، ويقال لكلامه، وقرئ أعجمي بفتح العين
وتوحيد الهمزة على أن يكون منسوبا إلى العجم.
* (قل هو للذين آمنوا هدى) *: إلى الحق.
* (وشفاء) *: من الشك والشبهة.
* (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى) *: لتصامهم عن
سماعه، وتعاميهم عما نريهم من الآيات.
* (أولئك ينادون من مكان بعيد) *: تمثيل لعدم قبولهم واستماعهم له بمن يصاح به
من مسافة بعيدة.
* (ولقد آتينا موسى الكتب فاختلف فيه) *: كما اختلف في القرآن، وهو تسلية
للنبي (صلى الله عليه وآله).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال: اختلفوا كما اختلفت هذه الأمة في الكتاب،
وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير فيقدمهم
فيضرب أعناقهم (1).
* (ولولا كلمة سبقت من ربك) *: بالإمهال.
* (لقضى بينهم) *: باستئصال المكذبين.
* (وإنهم لفي شك منه) *: من القرآن.
* (مريب) *: موجب للإضطراب.
* (من عمل صلحا فلنفسه) *: نفعه.

1 - الكافي: ج 8، ص 287، ح 432.
344

إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرت من أكمامها وما
تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين
شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد 47 وضل عنهم ما
كانوا يدعون من قبل وظنوا مالهم من محيص 48 لا يسأم
الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط 49
* (ومن أساء فعليها) *: ضره.
* (وما ربك بظلم للعبيد) *: فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله.
* (إليه يرد علم الساعة) *: إذا سئل عنها إذ لا يعلمها إلا هو.
* (وما تخرج من ثمرت من أكمامها) *: من أوعيتها، جمع كم بالكسر، وقرئ من
ثمرات بالجمع لاختلاف الأنواع.
* (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) *: إلا مقرونا بعلمه واقعا حسب
تعلقه به.
* (ويوم يناديهم أين شركائي) *: بزعمكم القمي: يعني ما كانوا يعبدون من دون الله (1)
* (قالوا آذناك) *: أعلمناك.
* (ما منا من شهيد) *: من أحد منا يشهد لهم بالشرك إذ تبرأنا منهم لما عاينا الحال،
والسؤال للتوبيخ، أو ما من أحد منا يشاهدهم لأنهم ضلوا عنا.
* (وضل عنهم ما كانوا يدعون) *: يعبدون.
* (من قبل وظنوا) *: وأيقنوا.
* (ما لهم من محيص) *: مهرب.
* (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير) *: القمي: أي لا يمل ولا يعي من أن يدعوا

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 266، س 22.
345

ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي
وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربى إن لي عنده
للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من
عذاب غليظ 50 وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونا
بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض 51
لنفسه بالخير (1).
* (وإن مسه الشر فيئوس قنوط) *: قيل: أي يائس من روح الله وفرجه (2).
* (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته) *: بتفريجها عنه.
* (ليقولن هذا لي) *: حقي أستحقه لما لي من الفضل والعمل، أو لي دائما لا يزول.
* (وما أظن الساعة قائمة) *: تقوم.
* (ولئن رجعت إلى ربى إن لي عنده للحسنى) *: أي ولئن قامت على التوهم كان
لي عند الله الحالة الحسنى من الكرامة، وذلك لاعتقاده أن ما أصابه من نعم الدنيا فلإستحقاق
لا ينفك عنه.
* (فلننبئن الذين كفروا بما عملوا) *: فلنخبرنهم بحقيقة أعمالهم، ولنبصرنهم
خلاف ما اعتقدوا فيها.
* (ولنذيقنهم من عذاب غليظ) *: لا يمكنهم التفصي عنه.
* (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض) *: عن الشكر.
* (ونا بجانبه) *: وانحرف عنه، وذهب بنفسه، وتباعد عنه بكليته تكبرا، والجانب
مجاز عن النفس كالجنب في قوله: " في جنب الله " (1).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 267، س 3.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 351. 3 - الزمر: 56.
346

قل أرءيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن
هو في شقاق بعيد 52 سنريهم آياتنا في الآفاق وفى
أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على
كل شئ شهيد 53
* (وإذا مسه الشر) *: كالفقر، والمرض، والشدة.
* (فذو دعاء عريض) *: كثير.
* (قل أرءيتم) *: أخبروني.
* (إن كان من عند الله) *: أي القرآن.
* (ثم كفرتم به) *: من غير نظر واتباع دليل.
* (من أضل ممن هو في شقاق بعيد) *: من أضل منكم، فوضع الموصول في موضع
الضمير شرحا لحالهم، وتعليلا لمزيد ضلالهم.
* (سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) *: قيل:
يعني سنريهم حججنا ودلائلنا على ما ندعوهم إليه من التوحيد، وما يتبعه في آفاق العالم،
وأقطار السماء والأرض، من الشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والبحار، والأشجار،
والدواب، " وفى أنفسهم " وما فيها من لطائف الصنعة وودائع الحكمة حتى يظهر لهم أنه
الحق (1).
أقول: هذا لقوم يستشهدون بالصنايع على الصانع كما هو دأب المتوسطين من الناس
الذين لا يرضون بمحض التقليد ويرون أنفسهم فوق ذلك.
القمي: " في الآفاق ": الكسوف، والزلازل، وما يعرض في السماء من الآيات، وأما " في
أنفسهم " فمرة بالجوع، ومرة بالعطش، ومرة يشبع، ومرة يروى، ومرة يمرض، ومرة يصح،

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 19، س 21.
347

ومرة يستغني، ومرة يفتقر، ومرة يرضى، ومرة يغضب، ومرة يخاف، ومرة يأمن، فهذا من عظم
دلالة الله على التوحيد.
قال الشاعر:
وفي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد (1)
أقول: وهذا تخصيص للآيات ببعضها مما يناسب أفهام العوام.
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: نريهم في أنفسهم: المسخ، ونريهم في الآفاق:
انتقاض الآفاق عليهم، فيرون قدرة الله عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق، قيل: " حتى يتبين لهم
أنه الحق ": قال: خروج القائم (عليه السلام) هو الحق من عند الله عز وجل، يراه الخلق، لابد منه (2).
وفي رواية: خسف، ومسخ، وقذف، سئل حتى يتبين، قال: دع ذا، ذاك قيام
القائم (عليه السلام) (3).
وفي إرشاد المفيد: عن الكاظم (عليه السلام) قال: الفتن في آفاق الأرض، والمسخ: في أعداء
الحق (4).
أقول: كأنه (عليه السلام) أراد أن ذلك إنما يكون في الرجعة، وعند ظهور القائم (عليه السلام) حيث يرون
من العجائب والغرائب في الآفاق، وفي الأنفس ما يتبين لهم به من أن الإمامة والولاية وظهور
الإمام حق فهذا للجاحدين.
* (أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) *: يعني أولم يكفك شهادة ربك على
كل شئ دليلا عليه.
أقول: هذا للخواص الذين يستشهدون بالله على الله ولهذا خصه به في الخطاب.
وفي مصباح الشريعة: قال الصادق (عليه السلام): العبودية: جوهرة كنهها الربوبية، فما فقد من
العبودية وجد في الربوبية، وما خفى عن الربوبية أصيب في العبودية، قال الله تعالى: " سنريهم
آياتنا في الآفاق " إلى قوله " شهيد " أي موجود في غيبتك وحضرتك (5).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 267، س 7.
2 - الكافي: ج 8، ص 381، ح 575.
3 - الكافي: ج 8، ص 166، ح 181.
4 - الإرشاد للشيخ المفيد: ص 359.
5 - مصباح الشريعة: ص 7.
348

ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شئ
محيط 54
* (ألا إنهم في مرية) *: شك.
* (من لقاء ربهم) *: بالبعث والجزاء.
* (ألا إنه بكل شئ محيط) *: عالم به، مقتدر عليه، لا يفوته شئ، وتأويله يستفاد
مما في المصباح.
في ثواب الأعمال (1)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ حم السجدة كانت له نورا يوم
القيامة مد بصره، وسرورا، وعاش في الدنيا محمودا مغبوطا (2).
وفي الخصال: عنه (عليه السلام) أن العزائم أربع: وعد منها هذه السورة (3).
كما مر في آلم السجدة.
* * *

1 - ثواب الأعمال: ص 113، ح 1، باب ثواب قراءة حم السجدة.
2 -. مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 3، في فضلها.
3 - الخصال: ص 252، ح 124، باب 4 - العزائم التي يسجد فيها أربع سور.
349

سورة الشورى
351

بسم الله الرحمن الرحيم
حم 1 عسق 2 كذلك يوحى إليك وإلى الذين من
قبلك الله العزيز الحكيم 3
سورة حم * عسق: وتسمى سورة الشورى أيضا، وهي مكية، وعدد آيها ثلاث
وخمسون آية كوفي، وخمسون في الباقي.
* (حم * عسق) *: في المعاني: عن الصادق (عليه السلام) معناه: الحكيم المثيب، العالم السميع،
القادر القوي (1).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) هو حروف من اسم الله الأعظم المقطوع، يؤلفه الرسول
والإمام (عليهما السلام) فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب (2).
وعنه (عليه السلام): عس (3): عدد سني القائم (عليه السلام)، وقاف: جبل محيط بالدنيا من زمردة خضراء
فخضرة السماء من ذلك الجبل، وعلم كل شئ في " عسق " (4).
* (كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم) *: وقرئ
يوحى بفتح الحاء.

1 - معاني الأخبار: ص 22، ح 1، باب معنى الحروف المقطعة.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 267، س 18.
3 - هكذا في الأصل، والصحيح: " عسق " كما في المصدر.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 268، س 3.
353

له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلى العظيم 4
تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون
بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو
الغفور الرحيم 5 والذين اتخذوا من دونه أولياء الله
حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل 6 وكذلك أوحينا
إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم
الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير 7
* (له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلى العظيم * تكاد
السماوات) *: وقرئ بالياء.
* (يتفطرن) *: يتشققن من عظمة الله.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) يتصدعن (1)، وقرئ ينفطرن.
* (من فوقهن) *: من جهتهن الفوقانية أو من فوق الأرضين.
* (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) *: القمي:
قال: للمؤمنين من الشيعة التوابين خاصة، ولفظ الآية عام والمعنى خاص (2).
وفي الجوامع: عن الصادق (عليه السلام) ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين (3).
* (ألا إن الله هو الغفور الرحيم * والذين اتخذوا من دونه أولياء الله
حفيظ عليهم) *: رقيب على أحوالهم وأعمالهم فيجازيهم بها.
* (وما أنت) *: يا محمد.
* (عليهم بوكيل * وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى) *:

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 268، س 11.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 268، س 6.
3 - جوامع الجامع: ص 427، س 10، الطبعة الحجرية.
354

ولو شاء الله لجعلهم أمة وحدة ولكن يدخل من يشاء في
رحمته والظالمون ما لهم من ولى ولا نصير 8 أم اتخذوا
من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على
كل شئ قدير 9
أهل أم القرى، وهي مكة. وقد مر وجه تسميتها في سورة الأنعام (1).
* (ومن حولها) *: سائر الأرض.
* (وتنذر يوم الجمع) *: يوم القيامة يجمع فيه الخلائق.
* (لا ريب فيه) *: إعتراض.
* (فريق في الجنة وفريق في السعير) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: خطب
رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس، ثم رفع يده اليمنى قابضا على كفه ثم قال: أتدرون أيها الناس ما في كفي؟
قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: فيها أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم، وقبائلهم إلى يوم القيامة،
ثم رفع يده الشمال، فقال: يا أيها الناس أتدرون ما في كفي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: أسماء
أهل النار، وأسماء آبائهم، وقبائلهم إلى يوم القيامة، ثم قال: حكم الله وعدل، حكم الله وعدل
" فريق في الجنة وفريق في السعير " (2).
* (ولو شاء الله لجعلهم أمة وحدة) *: مهتدين. القمي: لو شاء أن يجعلهم كلهم
معصومين مثل الملائكة بلا طباع لقدر عليه (3).
* (ولكن يدخل من يشاء في رحمته) *: بالهداية.
* (والظالمون مالهم من ولى ولا نصير) *: أي ويدعهم بغير ولي ولا نصير في عذابه.
* (أم اتخذوا) *: بل اتخذوا.

1 - ذيل الآية: 92، انظر ج 3، ص 67 - 68 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - الكافي: ج 1، ص 444، ح 16، باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله).
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 272، س 21.
355

وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله ذلكم الله ربى
عليه توكلت وإليه أنيب 10 فاطر السماوات والأرض
جعل لكم من أنفسكم أزوجا ومن الأنعام أزوجا يذرؤكم
فيه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير 11
* (من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شئ
قدير * وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله) *: القمي: " وما اختلفتم فيه من
شئ " من المذاهب، واخترتم لأنفسكم من الأديان فحكم ذلك كله إلى الله يوم القيامة (1).
وقيل: وما اختلفتم فيه من تأويل المتشابه فارجعوا إلى المحكم من كتاب الله (2).
* (ذلكم الله ربى عليه توكلت) *: في مجامع الأمور.
* (وإليه أنيب) *: أرجع.
* (فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزوجا) *: القمي: يعني
النساء (3).
* (ومن الأنعام أزوجا) *: قال: يعني ذكرا وأنثى (4).
* (يذرؤكم فيه) *: يبثكم ويكثركم.
القمي: يعني النسل الذي يكون من الذكور والإناث (5).
* (ليس كمثله شئ) *: القمي: رد الله على من وصف الله (6). قيل: الكاف زائدة (7).
وقيل: بل المراد المبالغة في نفي المثل عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه
عنه أولى (8).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 273، س 2.
2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 354، س 4.
3 و 4 و 5 و 6 - تفسير القمي: ج 2، ص 273، س 3 و 4 و 5.
7 - قاله الطبرسي في تفسيره مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 24، س 7.
8 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 354، س 11.
356

له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء
ويقدر إنه بكل شئ عليم 12 شرع لكم من الدين ما
وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم
وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على
المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء
ويهدى إليه من ينيب 13
في خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام): " ليس كمثله شئ " إذا كان الشئ من مشيته فكان لا
يشبه مكونه، رواها في مصباح المتهجد (1).
* (وهو السميع البصير) *: لكل ما يسمع ويبصر.
* (له مقاليد السماوات والأرض) *: خزائنها.
* (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) *: يوسع ويقتر على وفق مشيئته.
* (إنه بكل شئ عليم) *: فيفعله على ما ينبغي.
* (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا
به إبراهيم وموسى وعيسى) *: أي شرع لكم من الدين: دين نوح ومحمد (صلى الله عليه وآله)، ومن بينهما
من أرباب الشرائع وهو الأصل المشترك فيما بينهم.
القمي: مخاطبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
* (أن أقيموا الدين) *: قال: أي تعلموا الدين يعني التوحيد، وإقام الصلاة، وإيتاء
الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت، والسنن، والأحكام التي في الكتب، والإقرار بولاية
أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).

1 - مصباح المتهجد: ص 697، س 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 273، س 6.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 273، س 8.
357

* (ولا تتفرقوا فيه) *: ولا تختلفوا فيه.
* (كبر على المشركين) *: عظم عليهم.
* (ما تدعوهم إليه) *: قال: من ذكر هذه الشرائع (1).
* (الله يجتبي إليه من يشاء) *: يختار ويجتلب إلى الدين.
* (ويهدى إليه) *: بالإرشاد والتوفيق.
* (من ينيب) *: من يقبل إليه. القمي: وهم الأئمة الذين اختارهم واجتباهم (2).
وعن الصادق (عليه السلام): " أن أقيموا الدين " قال: الإمام (عليه السلام)، " ولا تتفرقوا فيه ": كناية عن
أمير المؤمنين (عليه السلام)، " ما تدعوهم إليه " من ولاية علي (عليه السلام) " من يشاء " كناية عن علي (عليه السلام) (3).
وفي الكافي: عن الرضا (عليه السلام): نحن الذين شرع الله لنا دينه، فقال في كتابه: " شرع لكم "
يا آل محمد " من الدين ما وصى به نوحا "، وقد وصانا بما وصى به نوحا، " والذي أوحينا
إليك " يا محمد، " وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى " فقد علمنا وبلغنا علم ما علمنا،
واستودعنا علمهم، نحن ورثة أولي العزم من الرسل " أن أقيموا الدين " يا آل محمد " ولا
تتفرقوا فيه "، وكونوا على جماعة، " كبر على المشركين " من أشرك بولاية علي (عليه السلام) " ما
تدعوهم إليه " من ولاية علي (عليه السلام) أن الله يا محمد " ويهدى إليه من ينيب " من يجيبك إلى ولاية
علي (عليه السلام) (4).
وفي البصائر عنه: عن السجاد (عليهما السلام) (5) مثله.
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " كبر على المشركين " بولاية علي (عليه السلام)، " ما
تدعوهم إليه " يا محمد من ولاية علي (عليه السلام) هكذا في الكتاب مخطوطة (6).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 273، س 11.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 273، س 12.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 274، س 1.
4 - الكافي: ج 1، ص 223 - 224، ح 1، باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من
قبلهم.
5 - بصائر الدرجات: ص 139، ذيل ح 1، الجزء الثالث، باب 3 - في أن الأئمة ورثوا علم أولي العزم من الرسل
وجميع الأنبياء وأنهم صلوات الله عليهم أمناء الله في أرضه وعندهم علم البلايا والمنايا وأنساب العرب.
6 - الكافي: ج 1، ص 418، ح 32، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
358

وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا
كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضى بينهم وإن
الذين أورثوا الكتب من بعدهم لفي شك منه مريب 14
وعن الباقر (عليه السلام): إن الله عز وجل بعث نوحا إلى قومه أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون،
ثم دعاهم إلى الله وحده، وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم بعث الأنبياء على ذلك إلى أن قد
بلغوا محمدا (صلى الله عليه وآله) فدعاهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وقال: " شرع لكم من الدين "
إلى قوله " من ينيب " فبعث الأنبياء إلى قومهم بشهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من
عند الله، فمن آمن مخلصا ومات على ذلك أدخله الله الجنة بذلك، وذلك أن الله ليس بظلام
للعبيد، وذلك أن الله لم يكن يعذب عبدا حتى يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي أوجب الله
عليه بها النار، لمن عمل بها فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل
لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا، والشرعة والمنهاج: سبيل وسنة (1).
* (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) *: القمي: قال: لم يتفرقوا
بجهل، ولكنهم تفرقوا لما جاءهم العلم وعرفوه فحسد بعضهم بعضا، وبغى بعضهم على بعض،
لما رأوا من تفاضيل أمير المؤمنين (عليه السلام) بأمر الله فتفرقوا في المذاهب، وأخذوا بالآراء والأهواء (2).
* (ولولا كلمة سبقت من ربك) *: بالإمهال.
* (إلى أجل مسمى لقضى بينهم) *: القمي: قال: لولا أن الله قد قدر ذلك أن يكون في
التقدير الأول لقضي بينهم إذا اختلفوا، وأهلكهم ولم ينظرهم، ولكن أخرهم إلى أجل مسمى (3).
* (وإن الذين أورثوا الكتب من بعدهم لفي شك منه مريب) *: قال: كناية
عن الذين نقضوا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).

1 - الكافي: ج 2، ص 28 - 29، ح 1، باب (1).
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 273، س 13. وفيه: " تفاضل أمير المؤمنين ".
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 273، س 17.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 273، س 19.
359

فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل
آمنت بما أنزل الله من كتب وأمرت لأعدل بينكم الله
ربنا وربكم لنا أعملنا ولكم أعملكم لا حجة بيننا
وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير 15 والذين
يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند
ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد 16
* (فلذلك فادع واستقم كما أمرت) *: قال: يعني لهذه الأمور، والدين الذي تقدم
ذكره، وموالاة أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
" فادع " وعن الصادق (عليه السلام): يعني إلى ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
* (ولا تتبع أهواءهم) *: فيه.
* (وقل آمنت بما أنزل الله من كتب) *: يعني جميع الكتب المنزلة.
* (وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم) *: خالق الكل ومتولي أمره.
* (لنا أعملنا ولكم أعملكم) *: وكل مجازى بعمله.
* (لا حجة بيننا وبينكم) *: لا حجاج بمعنى لا خصومة، إذ الحق قد ظهر ولم يبق
للمحاجة مجال.
* (الله يجمع بيننا) *: يوم القيامة.
* (وإليه المصير) *: مرجع الكل.
* (والذين يحاجون في الله) *: في دينه.
* (من بعد ما استجيب له) *: لدينه أو لرسوله.
* (حجتهم داحضة عند ربهم) *: القمي: أي يحتجون على الله بعد ما شاء الله أن

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 273، س 20.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 274، س 1.
360

الله الذي أنزل الكتب بالحق والميزان وما يدريك لعل
الساعة قريب 17 يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها
والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن
الذين يمارون في الساعة لفي ضلل بعيد 18 الله لطيف
بعباده يرزق من يشاء وهو القوى العزيز 19
يبعث إليهم الرسل فبعث الله إليهم الرسل والكتب فغيروا وبدلوا، ثم يحتجون يوم القيامة،
وحجتهم على الله داحضة، أي باطلة عند ربهم (1).
* (وعليهم غضب ولهم عذاب شديد) *: بمعاندتهم.
* (الله الذي أنزل الكتب بالحق والميزان) *: القمي: قال: الميزان أمير
المؤمنين (عليه السلام) (2).
* (وما يدريك لعل الساعة قريب) *: إتيانها.
* (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) *: إستهزاء.
* (والذين آمنوا مشفقون منها) *: خائفون منها مع اعتناء بها لتوقع الثواب.
* (ويعلمون أنها الحق) *: الكائن لا محالة.
* (ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلل بعيد) *: القمي: كناية عن القيامة
فإنهم كانوا يقولون لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أقم لنا الساعة " وائتنا بما تعدنا ان كنت من
الصادقين " (3)، فقال الله تعالى: " ألا إن الذين يمارون في الساعة " أي يخاصمون (4).
* (الله لطيف بعباده) *: بر بهم بصنوف من البر.
* (يرزق من يشاء) *: قيل: أي يرزق كما يشاء فيخص كلا من عباده بنوع من البر

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 274، س 7.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 274، س 10.
3 - اقتباس من الآية 70 من سورة الأعراف.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 274، س 10.
361

من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد
حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب 20
على ما اقتضته حكمته (1).
* (وهو القوى العزيز) *: المنيع الذي لا يغلب.
* (من كان يريد حرث الآخرة) *: ثوابها شبهه بالزرع من حيث أنه فائدة تحصل
بعمل الدنيا ولذلك قيل: الدنيا مزرعة الآخرة (2).
* (نزد له في حرثه) *: فنعطه بالواحد عشرا إلى سبعمائة فما فوقها.
* (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها) *: شيئا منها على ما قسمنا له.
* (وماله في الآخرة من نصيب) *: إذا الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) المال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد
يجمعهما الله لأقوام (3).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب، ومن
أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة (4).
وفي المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله) من كانت نيته الدنيا فرق الله عليه أمره، وجعل الفقر بين
عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت نيته الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في
قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة (5).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قيل له: " الله لطيف بعباده يرزق من يشاء " قال: ولاية
أمير المؤمنين (عليه السلام)، قيل: " من كان يريد حرث الآخرة " قال: معرفة أمير المؤمنين، والأئمة (عليهم السلام)،
قيل: " نزد له في حرثه " قال نزيده منها يستوفي نصيبه من دولتهم " ومن كان يريد حرث الدنيا

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 356، س 7.
2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 356، س 9.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 274، س 17.
4 - الكافي: ج 1، ص 46، ح 2، باب المستأكل بعلمه والمباهي به.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 27، س 13.
362

أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله
ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم وإن الظالمين لهم عذاب
أليم 21 ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم
والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات
لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير 22 ذلك
الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات
قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف
حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور 23
نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب " قال: ليس له في دولة الحق مع الإمام نصيب (1).
* (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) *: كالشرك وإنكار
البعث، والعمل للدنيا.
* (ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم) *: في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال:
لولا ما تقدم فيهم من الله عز ذكره ما أبقى القائم منهم أحدا (2).
أقول: يعني قائم كل عصر.
* (وإن الظالمين لهم عذاب أليم * ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا) *:
خائفين مما ارتكبوا وعملوا.
* (وهو واقع بهم) *: أي ما يخافونه.
* (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما
يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير * ذلك الذي يبشر الله عباده الذين

1 - الكافي: ج 1، ص 435 - 436، ذيل ح 92، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - الكافي: ج 8، ص 287، ح 432.
363

آمنوا وعملوا الصالحات) *: وقرئ يبشر من أبشره.
* (قل لا أسئلكم عليه) *: على ما أتعاطاه من التبليغ.
* (أجرا) *: نفعا منكم.
* (إلا المودة في القربى) *: أن تؤدوا قرابتي وعترتي، وتحفظوني فيهم، كذا في المجمع
عن السجاد، والباقر، والصادق (عليهم السلام) (1).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام): قال: لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع وقدم
المدينة أتته الأنصار، فقالوا: يا رسول الله إن الله تعالى قد أحسن إلينا، وشرفنا بك، وبنزولك
بين ظهرانينا، فقد فرح الله صديقنا، وكبت عدونا، وقد تأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت
بك العدو، فنحب أن تأخذ ثلث أموالنا حتى إذا قدم عليك وفد مكة وجدت ما تعطيهم، فلم
يرد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهم شيئا، وكان ينتظر ما يأتيه من ربه، فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) وقال:
" قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " ولم يقبل أموالهم، فقال المنافقون: ما أنزل الله
هذا على محمد (صلى الله عليه وآله) وما يريد إلا أن يرفع بضبع (2) ابن عمه، ويحمل علينا أهل بيته يقول أمس:
" من كنت مولاه فعلي مولاه " واليوم " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " (3).
وفي قرب الإسناد: عنه، عن آبائه (عليهم السلام)، لما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أيها الناس إن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم فرضا فهل أنتم
مؤدوه؟ قال: فلم يجبه أحد منهم، فانصرف، فلما كان من الغد، قام فقال: مثل ذلك، ثم قام فيهم
فقال: مثل ذلك، في اليوم الثالث، فلم يتكلم أحد، فقال: أيها الناس إنه ليس من ذهب، ولا من
فضة ولا مطعم، ولا مشرب، قالوا فألقه إذن قال: إن الله تبارك وتعالى أنزل علي: " قل لا
أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " فقالوا: أما هذه فنعم؟ (4).
قال الصادق (عليه السلام): فوالله ما وفى بها إلا سبعة نفر: سلمان، وأبو ذر، وعمار، والمقداد بن

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 28، س 24.
2 - الضبع: العضد كلها، أو وسطها بلحمها، أو الإبط أو ما بين الإبط إلى نصف العضد أعلاه. القاموس المحيط:
ج 3، ص 53 - 54.
3 - الكافي: ج 1، ص 295 - 296، ح 3، باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين (عليه السلام).
4 - قرب الاسناد: ص 78، ح 254.
364

الأسود الكندي، وجابر بن عبد الله الأنصاري، ومولى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يقال له: الثبيت، وزيد
ابن أرقم (1).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) ما يقرب منه مع بسط وبيان (2).
وفي الجوامع: روي أن المشركين قالوا فيما بينهم: أترون أن محمدا (صلى الله عليه وآله) يسأل على ما
يتعاطاه أجرا؟ فنزلت هذه الآية (3).
وتأتي أخبار أخر في هذه الآية عن قريب إن شاء الله.
وفي المحاسن: عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: هي والله فريضة من الله على
العباد لمحمد (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته (4).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: ما يقول أهل البصرة في هذه الآية: " قل لا
أسئلكم " الآية؟ قيل: إنهم يقولون: إنها لأقارب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: كذبوا إنما نزلت فينا
خاصة في أهل البيت: في علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، (عليهم السلام) أصحاب الكساء (5).
وفي المجمع: عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: " قل لا أسئلكم " الآية قالوا يا
رسول الله: من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولدهما (عليهم السلام) (6).

1 - قرب الإسناد: ص 79، ح 255.
2 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 233، ح 1، الولاية السادسة، باب 23 - ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في
الفرق بين العترة والأمة.
3 - جوامع الجامع: ص 425، س 8، الطبعة الحجرية.
4 - المحاسن: ج 1، ص 240، ح 441 / 46، باب 13 - " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ".
5 - الكافي: ج 8، ص 93، ح 66.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 28، س 29، وانظر الكشاف: ج 4، ص 219. وفيه أيضا: عن النبي (صلى الله عليه وآله): حرمت
الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها
فأنا أجازيه عليها غدا إذا لقيني يوم القيامة.
ونقل الفخر الرازي في كتابه التفسير الكبير: ج 27، ص 165 - 166 عن الزمخشري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
من مات على حب آل محمد مات شهيدا، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له، ألا ومن مات على حب
آل محمد مات تائبا، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حب آل محمد
بشره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى
بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل
الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة، ألا ومن مات على
بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات
كافرا، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة.
وأضاف الفخر الرازي، قائلا: آل محمد (صلى الله عليه وآله) هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد
وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشد
التعليقات وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هم الآل، وأيضا اختلف الناس في الآل، فقيل: هم
الأقارب، وقيل: هم أمته، فإن حملناه على القرابة فهم الآل، وإن حملناه على الأمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضا
آل، فثبت أن على جميع التقديرات هم الآل، وأما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه، وروى
صاحب الكشاف أنه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال:
علي وفاطمة وابناهما، فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي (صلى الله عليه وآله) وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد
التعظيم، ويدل عليه وجوه:
الأول: قوله تعالى: " إلا المودة في القربى " ووجه الاستدلال به ما سبق.
الثاني: لا شك أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يحب فاطمة
(عليها السلام)، قال (صلى الله عليه وآله): " فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها "، وثبت
بالنقل المتواتر عن محمد (صلى الله عليه وآله) أنه كان يحب عليا والحسن والحسين، وإذا ثبت ذلك وجب على كل الامه مثله
لقوله: " واتبعوه لعلكم تهتدون "، ولقوله تعالى: " فليحذر الذين يخالفون عن أمره "، ولقوله: " قل إن كنتم تحبون
الله فاتبعوني يحببكم الله "، ولقوله سبحانه: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ".
الثالث: أن الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله: اللهم صل
على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد، وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل، فكل ذلك يدل على أن
حب آل محمد واجب.
وروى القرطبي في تفسيره ج 16، ص 23، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات على حب آل محمد مات شهيدا،
ومن مات على حب آل محمد جعل الله زوار قبره الملائكة والرحمة، من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة
مكتوبا بين عينيه آيس اليوم من رحمة الله، ومن مات على بغض آل محمد لم يرح رائحة الجنة، من مات على بغض
آل بيتي فلا نصيب له في شفاعتي.
365

وعن علي (عليه السلام): قال: فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن، ثم قرأ هذه الآية (1).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقت أنا وعلي من شجرة
واحدة، فأنا أصلها، وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين (عليهما السلام) ثمارها، وأشياعنا
أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى، ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا
والمروة ألف عام، ثم ألف عام، ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالي، ثم لم يدرك محبتنا أكبه الله
على منخريه، ثم تلا: " قل لا أسئلكم " الآية (2).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 29، س 5. 2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 28 - 29.
366

أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على
قلبك ويمح الله البطل ويحق الحق بكلمته إنه عليم بذات
الصدور 24
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل عنها فقال: هم الأئمة (عليهم السلام) (1).
وفي الخصال: عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لم يحب عترتي فهو لإحدى
ثلاث: إما منافق، وإما لزنية، وإما امرء حملت به أمه في غير طهر (2).
* (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور) *: في المجمع:
عن الصادق (عليه السلام) إنها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء (عليهم السلام) (3).
وعن الحسن المجتبى (عليه السلام): إنه قال في خطبة: أنا من أهل بيت الذين افترض الله مودتهم
على كل مسلم، فقال: " قل لا أسئلكم " إلى قوله " حسنا " قال: فاقتراف الحسنة مودتنا أهل
البيت (عليهم السلام) (4).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال: من توالى الأوصياء من آل محمد (صلى الله عليه وآله)،
واتبع آثارهم فذاك نزيده ولاية من مضى من النبيين والمؤمنين الأولين حتى تصل ولايتهم إلى
آدم (عليه السلام) (5).
وعنه (عليه السلام): الإقتراف: التسليم لنا، والصدق علينا، وأن لا يكذب علينا (6).
* (أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك) *: بإمساك
الوحي، وقيل: استبعاد للإفتراء عن مثله بالإشعار على أنه إنما يجترئ عليه من كان مختوما
على قلبه، جاهلا بربه، فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا، وكأنه قال: إن يشأ الله خذلانك

1 - الكافي: ج 1، ص 413، ح 7، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - الخصال: ص 110، ح 82، باب 3 - من لم يحب عترة النبي (صلى الله عليه وآله) فهو لإحدى ثلاث.
3 و 4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 29.
5 - الكافي: ج 8، ص 379، ح 574.
6 - الكافي: ج 1، ص 391، ح 4، باب التسليم وفضل المسلمين.
367

وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات
ويعلم ما تفعلون 25
يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه (1).
* (ويمح الله البطل) *: المفتري.
* (ويحق الحق بكلمته إنه عليم بذات الصدور) *: في الكافي: عن الباقر (عليه السلام)
يقول: لو شئت حبست عنك الوحي فلم تكلم بفضل أهل بيتك ولا بمودتهم، وقد قال الله
تعالى: " ويمح الله البطل ويحق الحق بكلمته " يقول: يحق لأهل بيتك الولاية، " إنه عليم
بذات الصدور " يقول: بما ألقوه في صدورهم من العداوة لأهل بيتك والظلم بعدك (2).
والقمي: عنه (عليه السلام) قال: جاءت الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا إنا قد آوينا ونصرنا
فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك، فأنزل الله عز وجل: " قل لا أسئلكم عليه
أجرا " يعني على النبوة " إلا المودة في القربى " أي في أهل بيته، ثم قال: ألا ترى أن الرجل
يكون له صديق وفي نفس ذلك الرجل شئ على أهل بيته فلا يسلم صدره فأراد الله عز وجل
أن لا يكون في نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) شئ على أمته، ففرض الله عليهم المودة في القربى، فإن
أخذوا أخذوا مفروضا، وإن تركوا تركوا مفروضا، قال: فانصرفوا من عنده، وبعضهم يقول:
عرضنا عليه أموالنا فقال: لا، قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي، وقالت طائفة ما قال: هذا رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وجحدوه، وقالوا كما حكى الله عز وجل: " أم يقولون افترى على الله كذبا " فقال الله
عز وجل: " فإن يشأ الله يختم على قلبك " قال: لو افتريت " ويمح الله البطل " يعني يبطله:
" ويحق الحق بكلمته " يعني بالأئمة، والقائم من آل محمد صلوات عليهم (3).
* (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 357، س 13.
2 - الكافي: ج 8، ص 379 - 380، ح 574.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 275، س 7. وفيه: " بالنبي وبالأئمة ".
368

ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من
فضله والكافرون لهم عذاب شديد 26
تفعلون) *: وقرئ بالياء، في العيون: عن سيد الشهداء (عليه السلام) قال: اجتمع المهاجرون والأنصار
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: إن لك يا رسول الله مؤونة في نفقتك، وفيمن يأتيك من الوفود، وهذه
أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارا مأجورا، اعط ما شئت، وأمسك ما شئت من غير حرج،
قال: فأنزل الله عز وجل عليه الروح الأمين فقال: قل يا محمد: " لا أسئلكم عليه أجرا إلا
المودة في القربى " يعني أن تودوا قرابتي من بعدي، فخرجوا، فقال المنافقون: ما حمل رسول
الله (صلى الله عليه وآله) على ترك ما عرضنا عليه إلا ليحثنا على قرابته من بعده، إن هو إلا شئ افتراه محمد في
مجلسه، وكان ذلك من قولهم عظيما، فأنزل الله تعالى هذه الآية " أم يقولون افتراه قل إن
افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو
الغفور الرحيم " (1) فبعث إليهم النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: هل من حدث؟ فقالوا: أي والله يا رسول الله،
لقد قال: بعضنا: كلا ما عظيما كرهناه فتلا عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الآية فبكوا واشتد بكاؤهم
فأنزل الله عز وجل: " وهو الذي يقبل التوبة " الآية (2).
* (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله
والكافرون لهم عذاب شديد) *: في المجمع: عن ابن عباس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قدم
المدينة واستحكم الإسلام، قالت الأنصار، فيما بينها: نأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونقول له: إن تعرك
أمور، فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك، فأتوه في ذلك، فنزلت: " قل لا
أسئلكم " الآية فقرأها عليهم، وقال: تودون قرابتي من بعدي، فخرجوا من عنده مسلمين
لقوله، فقال المنافقون: إن هذا الشئ افتراه في مجلسه، أراد بذلك أن يذللنا لقرابته من بعده،

1 - الأحقاف: 8.
2 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 235 - 236، ح 1، باب 23 - ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين
العترة والأمة.
369

ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل
بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير 27
فنزلت: " أم يقولون افترى على الله كذبا " فأرسل إليهم فتلاها عليهم، فبكوا واشتد عليهم
فأنزل الله " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " الآية فأرسل في أثرهم فبشرهم وقال:
" ويستجيب الذين آمنوا " وهم الذين سلموا لقوله (1).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: " ويستجيب الذين آمنوا " قال: هو المؤمن
يدعو لأخيه بظهر الغيب، فيقول له الملك: آمين، ويقول العزيز الجبار: ولك مثلا ما سألت وقد
أعطيت ما سألت لحبك إياه (2).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ويزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجبت له النار ممن
أحسن إليهم في الدنيا (3).
* (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض) *: لتكبروا وأفسدوا بطرا.
القمي: قال الصادق (عليه السلام): لو فعل لفعلوا ولكن جعلهم محتاجين بعضهم إلى بعض،
واستعبدهم بذلك، ولو جعلهم كلهم أغنياء لبغوا (4).
* (ولكن ينزل بقدر ما يشاء) *: قال: بما يعلم إنه يصلحهم في دينهم ودنياهم (5).
* (إنه بعباده خبير بصير) *: في الحديث القدسي: إن من عبادي من لا يصلحه إلا
الغنى ولو أفقرته لأفسده، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده، وذلك
أني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم (6).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 29، س 12.
2 - الكافي: ج 2، ص 507، ح 3، باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 30، س 22.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 276، س 7.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 276، س 9.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 30، س 30.
370

وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته
وهو الولي الحميد 28 ومن آياته خلق السماوات
والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء
قدير 29 وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم
ويعفوا عن كثير 30
* (وهو الذي ينزل الغيث) *: المطر الذي يغيثهم من الجدب، ولذلك خص بالنافع،
وقرئ ينزل بالتشديد.
* (من بعد ما قنطوا) *: أيسوا منه.
* (وينشر رحمته) *: في كل شئ من السهل، والجبل، والنبات، والحيوان.
* (وهو الولي) *: الذي يتولى عباده بإحسانه، ونشر رحمته.
* (الحميد) *: المستحق للحمد.
* (ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على
جمعهم إذا يشاء قدير * وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) *: فبسبب
معاصيكم، وقرئ بدون الفاء.
* (ويعفوا عن كثير) *: من الذنوب فلا يعاقب عليها، والآية مخصوصة بالمجرمين فإن
ما أصاب غيرهم فلزيادة الأجر.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: ليس من التواء (1) عرق، ولا نكبة حجر،
ولا عثرة قدم، ولا خدش عود، إلا بذنب، ولما يعفو الله أكثر، فمن عجل الله عقوبة ذنبه في الدنيا
فإن الله أجل وأكرم من أن يعود في عقوبته في الآخرة (2).

1 - ألوى برأسه ولواه: إذا أماله من جانب إلى جانب. مجمع البحرين: ج 1، ص 381. مادة " لوا ".
2 - الكافي: ج 2، ص 445 ح 6، باب تعجيل عقوبة الذنب.
371

وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولى
ولا نصير 31 ومن آياته الجوار في البحر كالأعلم 32
إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك
لآيات لكل صبار شكور 33
وفيه (1)، والقمي: عنه (عليه السلام) أنه سئل أرأيت ما أصاب عليا وأهل بيته (عليهم السلام) من بعده
أهو بما كسبت أيديهم وهم أهل بيت طهارة معصومون؟ فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتوب
إلى الله ويستغفره في كل يوم ولية مائة مرة من غير ذنب، إن الله يخص أولياؤه بالمصائب
ليأجرهم عليها من غير ذنب (2).
وفي المجمع: عن علي (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خير آية في كتاب الله هذه الآية، يا
علي ما من خدش عود، ولا نكبة قدم إلا بذنب، وما عفا الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود
فيه، وما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني على عبده (3).
* (وما أنتم بمعجزين في الأرض) *: فائتين، ما قضى عليكم من المصائب.
* (وما لكم من دون الله من ولى) *: يحرسكم عنها.
* (ولا نصير) *: يدفعها عنكم.
* (ومن آياته الجوار) *: السفن الجارية.
* (في البحر كالأعلم) *: كالجبال.
* (إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره) *: فيبقين ثوابت على ظهر البحر.
* (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) *: لكل من وكل همته وحبس نفسه
على النظر في آيات الله والتفكر في الآية، أو لكل مؤمن كامل الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف

1 - الكافي: ج 2، ص 449 - 450، ح 1، باب نادر أيضا.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 277، س 3.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 31، س 13.
372

أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير 34 ويعلم الذين
يجدلون في آياتنا ما لهم من محيص 35 فما أوتيتم من
شئ فمتع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين
آمنوا وعلى ربهم يتوكلون 36 والذين يجتنبون كبئر
الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون 37
صبر، ونصف شكر، كما ورد في الحديث (1).
* (أو يوبقهن) *: أو يهلكهن، يعني أهلها بإرسال الرياح العاصفة المغرقة.
* (بما كسبوا ويعف عن كثير) *: بإنجائهم.
* (ويعلم الذين يجدلون في آياتنا) *: قيل: عطف على علة مقدرة مثل لينتقم
منهم ويعلم، وقرئ بالرفع على الاستئناف.
* (ما لهم من محيص) *: من محيد من العذاب.
* (فما أوتيتم من شئ فمتع الحياة الدنيا) *: تمتعون به مدة حياتكم.
* (وما عند الله) *: من ثواب الآخرة.
* (خير وأبقى) *: لخلوص نفعه ودوامه.
* (للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * والذين يجتنبون كبئر الاثم
والفواحش) *: وقرئ كبير الإثم، وقد سبق تفسير الكبائر في سورة النساء (2).
* (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: من كظم غيظا وهو
يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمنا وإيمانا يوم القيامة، قال: ومن ملك نفسه إذا رغب، وإذا
رهب، وإذا غضب، حرم الله جسده على النار (3).

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 359. 2 - ذيل الآية: 31، انظر ج 2، ص 226 - 229 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 277، س 12.
373

والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى
بينهم ومما رزقناهم ينفقون 38 والذين إذا أصابهم
البغي هم ينتصرون 39 وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا
وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين 40
وفي هذا المعنى في الكافي (1) وفي غيره أخبار كثيرة (2).
* (والذين استجابوا لربهم) *: قبلوا ما أمروا به، والقمي: قال: في إقامة الإمام (3).
* (وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم) *: تشاور بينهم، لا ينفردون برأي
حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه، وذلك من فرط تيقظهم في الأمور.
والقمي: يشاورون الإمام (عليه السلام) فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم، كما قال الله: " ولو ردوه
إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم " (4) (5).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) ما من رجل يشاور أحدا إلا هدي إلى الرشد (6).
* (ومما رزقناهم ينفقون) *: في سبيل الخير.
* (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) *: على ما جعله الله لهم كراهة
التذلل، وهو وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمهات الفضائل، وهو لا ينافي وصفهم
بالغفران، فإن الغفران ينبئ عن عجز المغفور، والانتصار يشعر عن مقاومة الخصم، والحلم
عن العاجز محمود، وعن المتغلب مذموم لأنه إجراء وإغراء على البغي.
* (وجزاء سيئة سيئة مثلها) *: سمي الثانية سيئة للإزدواج، أو لأنها تسوء من تنزل

1 - الكافي: ج 2، ص 110، ح 5 و 6 و 7، باب كظم الغيظ.
2 - الخصال: ص 104، ح 63، باب الثلاثة وص 570، ح 1، باب الخمسين وما فوقه، والأمالي للشيخ الطوسي:
ص 182، ح 306 / 8، س 21، المجلس السابع.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 277، س 15.
4 - النساء: 83.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 277، س 16.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 33، س 29.
374

ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل 41
إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض
بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم 42
به، وهذا منع عن التعدي في الإنتصار.
* (فمن عفا وأصلح) *: بينه وبين عدوه.
* (فأجره على الله) *: عدة مبهمة تدل على عظم الموعود.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان أجره على الله فليدخل
الجنة، فيقال: من ذا الذي أجره على الله، فيقال: العافون عن الناس يدخلون الجنة بغير حساب (1).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بالعفو، فان العفو لا
يزيد العبد إلا عزا فتعافوا يعزكم الله (2).
* (إنه لا يحب الظالمين) *: المبتدئين بالسيئة، والمتجاوزين في الإنتقام.
* (ولمن انتصر بعد ظلمه) *: بعدما ظلم.
* (فأولئك ما عليهم من سبيل) *: بالمعاتبة والمعاقبة.
في الخصال: عن السجاد (عليه السلام): وحق من أساءك أن تعفو عنه وإن علمت أن العفو نصر
انتصرت قال الله تعالى: " ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل " (3).
وعن الصادق: عن آبائه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاثة إن لم تظلمهم ظلموك:
السفلة، والزوجة، والمملوك (4).
* (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس) *: يبتدؤنهم بالإضرار، أو يطلبون ما
لا يستحقونه تجبرا عليهم.
* (ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم) *: على ظلمهم وبغيهم.

1 - في المجمع: ج 9 - 10، ص 34، س 11.
2 - الكافي: ج 2، ص 108، ح 5، باب العفو.
3 - الخصال: ص 570، ح 1، باب 50. 4 - الخصال: ص 86، ح 15، باب 3 - ثلاثة ان لم تظلمهم ظلموك.
375

ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور 43 ومن يضلل
الله فماله من ولى من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب
يقولون هل إلى مرد من سبيل 44 وتريهم يعرضون
عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفى وقال
الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم
يوم القيمة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم 45
* (ولمن صبر) *: على الأذى.
* (وغفر) *: ولم ينتصر.
* (إن ذلك لمن عزم الأمور) *: أي إن ذلك منه " لمن عزم الأمور ".
* (ومن يضلل الله فما له من ولى من بعده) *: من ناصر يتولاه من بعد خذلان
الله إياه.
* (وترى الظالمين لما رأوا العذاب) *: حين يرونه.
* (يقولون هل إلى مرد من سبيل) *: أي إلى رجعة إلى الدنيا.
* (وتريهم يعرضون عليها) *: أي على النار، ويدل عليها العذاب.
* (خاشعين من الذل) *: متذللين متقاصرين مما يلحقهم من الذل.
* (ينظرون من طرف خفى) *: أي يبتدئ نظرهم إلى النار من تحريك لأجفانهم
ضعيف كالمصبور ينظر إلى السيف (1).
* (وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم) *:
بالتعريض للعذاب المخلد.
* (يوم القيمة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: " ولمن

1 - العبارة مشوشة.
376

وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن
يضلل الله فما له من سبيل 46 استجيبوا لربكم من قبل
أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما
لكم من نكير 47 فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا
إن عليك إلا البلغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها
وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور 48
انتصر بعد ظلمه " يعني القائم (عليه السلام) وأصحابه، إذا قام انتصر من بني أمية، ومن المكذبين، والنصاب،
هو وأصحابه، وهو قول الله تعالى: " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس " الآية، " وترى
الظالمين " آل محمد صلوات الله عليهم حقهم " لما رأوا العذاب "، وعلي هو العذاب في هذا
الوجه، " يقولون هل إلى مرد من سبيل " فنوالي عليا (عليه السلام)، " وتريهم يعرضون عليها خاشعين
من الذل " لعلي (عليه السلام) ينظرون إلى علي (عليه السلام) من طرف خفي، " وقال الذين آمنوا ": يعني آل محمد
صلوات الله عليهم وشيعتهم " ألا إن الظالمين " آل محمد صلوات الله عليهم حقهم " في عذاب
مقيم "، قال: والله يعني النصاب الذين نصبوا العداوة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وذريته والمكذبين (1).
* (وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له
من سبيل) *: إلى الهدى والنجاة.
* (استجيبوا إلى ربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم) *: من الله.
* (من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير) *: إنكار لما اقترفتموه لأنه مثبت في
صحائف أعمالكم تشهد عليهم جوارحكم.
* (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا) *: رقيبا.
* (إن عليك إلا البلغ) *: وقد بلغت.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 278، س 3.
377

لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن
يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور 49 أو يزوجهم
ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير 50
وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من ورآى حجاب
أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء إنه على حكيم 51
* (وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت
أيديهم فإن الإنسان كفور) *: بليغ الكفران ينسى النعمة رأسا ويذكر البلية ويعظمها ولم
يتأمل سببها، وإنما صدر الأولى ب‍ " إذا " والثانية ب‍ " إن " لأن إذاقة النعمة محققة بخلاف إصابة
البلية، وإنما أقام علة الجزاء مقامه في الثانية فوضع (1) الظاهر موضع المضمر: للدلالة على أن
هذا الجنس موسوم بكفران النعمة.
* (لله ملك السماوات والأرض) *: فله أن يقسم النعمة والبلية كيف يشاء.
* (يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور * أو
يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام)
" يهب لمن يشاء إناثا " يعني ليس معهن ذكر، " ويهب لمن يشاء الذكور " يعني ليس معهم أنثى
" أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " أي يهب لمن يشاء ذكرانا وإناثا جميعا يجمع له البنين والبنات أي
يهبهم جميعا لواحد (2).
* (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) *: بأن يشاهد ملكا فيسمع منه أو يقع
في قلبه من غير مشاهدة أحد، وأصل الوحي الكلام الخفي الذي يدرك بسرعة.
* (أو من ورآى حجاب) *: بأن يسمع صوتا من غير مشاهدة.
* (أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء) *: فيسمع من الرسول.

1 - وفي نسخة: [ووضع].
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 278، س 13.
378

وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما
الكتب ولا الأيمن ولكن جعلنه نورا نهدي به من
نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صرط مستقيم 52
القمي: قال: وحي مشافهة، ووحي إلهام، وهو الذي يقع في القلب أو من وراء حجاب،
كما كلم الله نبيه (صلى الله عليه وآله)، وكما كلم الله موسى من النار، " أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء "
قال: وحي مشافهة يعني إلى الناس (1).
* (إنه على) *: عن صفات المخلوقين.
* (حكيم) *: يفعل ما تقتضيه حكمته.
* (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) *: أي أرسلناه إليك بالوحي.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: خلق من خلق الله عز وجل أعظم من جبرئيل
وميكائيل كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخبره ويسدده وهو مع الأئمة (عليهم السلام) من بعده (2).
وفي رواية: منذ أنزل الله ذلك الروح على محمد (صلى الله عليه وآله) ما صعد إلى السماء، وإنه لفينا (3).
* (ما كنت تدرى ما الكتب ولا الأيمن) *: أي قبل الوحي.
* (ولكن جعلنه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) *: في الكافي: عن
الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن العلم أهو شئ يتعلمه العالم من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم
تقرأونه فتعلمون منه، قال: الأمر أعظم من ذلك وأوجب، أما سمعت قول الله عز وجل:
" وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتب ولا الأيمن " ثم قال: أي شئ
يقول أصحابكم في هذه الآية أيقرون أنه كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان؟ فقلت:
لا أدري جعلت فداك ما يقولون، فقال لي: بلا، قد كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان
حتى بعث الله عز وجل الروح التي ذكر في الكتاب، فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم، وهي

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 279، س 9.
2 و 3 - الكافي: ج 1، ص 273، ح 1 و 2، باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة (عليهم السلام).
379

صرط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا
إلى الله تصير الأمور 53
الروح التي يعطيها الله عز وجل من شاء فإذا أعطاها عبدا علمه الفهم (1).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) " ولكن جعلنه نورا " قال: يعني عليا (عليه السلام)، وعلي هو النور
هدى به من هدى من خلقه (2).
* (وإنك لتهدي إلى صرط مستقيم) *: قال (عليه السلام): يعني إنك لتأمر بولاية علي (عليه السلام)
وتدعو إليها، وعلي (عليه السلام) هو الصراط المستقيم (3).
* (صرط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) *: قال: يعني
عليا (عليه السلام)، إنه جعل خازنه على ما في السماوات وما في الأرض من شئ وائتمنه عليه (4).
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال: " وإنك لتهدي إلى صرط مستقيم " يقول: تدعو (5).
* (ألا إلى الله تصير الأمور) *: بارتفاع الوسائط والتعلقات، وفيه وعد ووعيد
للمطيعين، والمجرمين. في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال: وقع مصحف في البحر فوجدوه وقد ذهب
ما فيه إلا هذه الآية " ألا إلى الله تصير الأمور " (6).
وفي ثواب الأعمال (7)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ " حم * عسق " بعثه الله يوم
القيامة ووجهه كالثلج أو كالشمس حتى يقف بين يدي الله عز وجل فيقول: عبدي أدمنت
قراءة " حم * عسق " ولم تدر ما ثوابها؟ أما لو دريت ما هي وما ثوابها لما مللت قراءتها،
ولكن سأجزيك جزاءك أدخلوه الجنة، وله فيها قصر من ياقوتة حمراء أبوابها وشرفها
ودرجها، منها يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، وله فيها حوران من الحور العين،
وألف جارية، وألف غلام من الغلمان المخلدين الذين وصفهم الله عز وجل (8).

1 - الكافي: ج 1، ص 273 - 274، ح 5، باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة (عليهم السلام).
2 و 3 و 4 - تفسير القمي: ج 2، ص 280. 5 - الكافي: ج 5، ص 13، ح 1، باب من يجب عليه الجهاد.
6 - الكافي: ج 2، ص 632، ح 18، باب النوادر.
7 - ثواب الأعمال: ص 113، ثواب من قرأ حم عسق.
8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 20، في فضلها.
380

سورة الزخرف
381

بسم الله الرحمن الرحيم
حم 1 والكتب المبين 2 إنا جعلنه قرأنا عربيا
لعلكم تعقلون 3 وإنه في أم الكتب لدينا لعلى حكيم 4
سورة الزخرف: مكية، عدد آيها ثمان وثمانون آية.
* (حم * والكتب المبين * إنا جعلنه قرأنا عربيا) *: أقسم بالقرآن على
أنه جعله قرآنا عربيا، وهو من البدائع لتناسب القسم والمقسم عليه.
* (لعلكم تعقلون) *: لكي تفقهوا (1) معانيه.
* (وإنه في أم الكتب) *: في اللوح المحفوظ، فإنه أصل الكتب السماوية، وقرئ أم
الكتاب بالكسر.
* (لدينا لعلى) *: رفيع الشأن.
* (حكيم) *: ذو حكمة بالغة، كذا قيل (2).
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام) هو أمير المؤمنين (عليه السلام) " في أم الكتب " يعني الفاتحة، فإنه
مكتوب فيها في قوله تعالى: " اهدنا الصراط المستقيم " (3) قال: " الصراط المستقيم ": هو

1 - وفي نسخة: [تفهموا].
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 362، س 17.
3 - الفاتحة: 6.
383

أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين 5 وكم
أرسلنا من نبي في الأولين 6 وما يأتيهم من نبي إلا كانوا
به يستهزءون 7 فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل
الأولين 8 ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض
ليقولن خلقهن العزيز العليم 9
أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعرفته (1). والقمي: ما في معناه (2).
* (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) *: أنمهلكم فنضرب عنكم الذكر؟ أي نذوده (3)
ونبعده ونعرض عنكم إعراضا.
القمي: استفهام أي ندعكم مهملين لا نحتج عليكم برسول الله (صلى الله عليه وآله) أو بإمام أو بحجج (4).
* (أن كنتم قوما مسرفين) *: لأن كنتم، وقرئ إن بالكسر إخراجا للمحقق مخرج
المشكوك استجهالا لهم.
* (وكم أرسلنا من نبي في الأولين * وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به
يستهزءون) *: تسلية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عن استهزاء قومه.
* (فأهلكنا أشد منهم بطشا) *: أي من القوم المسرفين، لأنه صرف الخطاب عنهم
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مخبرا عنهم. القمي: يعني من قريش (5).
* (ومضى مثل الأولين) *: وسلف في القرآن قصصهم العجيبة، وفيه وعد
للرسول (صلى الله عليه وآله)، ووعيد لهم بمثل ما جرى على الأولين.
* (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز

1 - معاني الأخبار: ص 32، ح 1، باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور من القرآن.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 280، س 19.
3 - الذود: السوق والطرد والدفع كالذياد وهو ذائد. القاموس المحيط: ج 1، ص 293، مادة " ذود ".
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 280 - 281.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 281، س 2.
384

الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم
تهتدون 10 والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا
به بلدة ميتا كذلك تخرجون 11 والذي خلق الأزواج
كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون 12 لتستووا
على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه
وتقولوا سبحن الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين 13
وإنا إلى ربنا لمنقلبون 14
العليم) *: يعني أقروا بعزي وعلمي، وما بعده استئناف.
* (الذي جعل لكم الأرض مهدا) *: فتستقرون فيها.
* (وجعل لكم فيها سبلا) *: تسلكونها.
* (لعلكم تهتدون) *: لكي تهتدوا إلى مقاصدكم أو إلى حكمة الصانع بالنظر في ذلك.
* (والذي نزل من السماء ماء بقدر) *: بمقدار ينفع ولا يضر.
* (فأنشرنا به بلدة ميتا) *: فأحيينا به أرضا لا نبات فيها.
* (كذلك تخرجون) *: تنشرون من قبوركم.
* (والذي خلق الأزواج كلها) *: أصناف المخلوقات.
* (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون) *: في البحر والبر.
* (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) *: تذكروها
بقلوبكم معترفين بها حامدين عليها.
* (وتقولوا سبحن الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) *: مطيقين، يعني
لا طاقة لنا بالإبل، ولا بالفلك، ولا بالبحر لولا أن الله سخره لنا.
* (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) *: أي راجعون، واتصاله بذلك لأن الركوب للتنقل،
385

وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين 15 أم
اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين 16 وإذا بشر أحدهم
بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم 17
والنقلة العظمى هو الإنقلاب إلى الله عز وجل، أو لأنه مخطر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه،
ويستعد للقاء الله.
الكافي: عن الرضا (عليه السلام) فان ركبت الظهر فقل: الحمد لله " الذي سخر لنا هذا " الآية (1).
وعن أبيه (عليهما السلام): وإن خرجت برا فقل: الذي قال الله عز وجل " سبحن الذي سخر
لنا " الآية فإنه ليس من عبد يقولها عند ركوبه فيقع من بعير أو دابة فيصيبه شئ بإذن الله (2).
* (وجعلوا له من عباده جزءا) *: قيل: متصل بقوله: " ولئن سألتهم " أي وجعلوا له
بعد ذلك الإعتراف من عباده ولدا فقالوا: الملائكة بنات الله، سماه جزءا لأن الولد بضعة من
والده (3).
القمي: قوله: " وجعلوا له من عباده جزءا " قال: قالت قريش: إن الملائكة هم بنات الله (4).
* (إن الإنسان لكفور مبين) *: ظاهر الكفران.
* (أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين) *: معنى الهمزة في " أم " للإنكار،
والتعجيب من شأنهم حيث لم يقنعوا بأن جعلوا له جزءا حتى جعلوا له من مخلوقاته أجزاء
أخس مما اختير لهم، وأبغض الأشياء إليهم بحيث إذا بشر بها أحدهم اشتد غمه به كما قال.
* (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا) *: بما جعل لله شبها وذلك أن كل
ولد من كل شئ شبهه وجنسه.

1 - الكافي: ج 5، ص 256، ح 3، باب ركوب البحر للتجارة.
2 - الكافي: ج 3، ص 471 - 472، ح 5، باب صلاة الاستخارة.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 364، س 4.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 281، س 19.
386

أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين 18
وجعلوا الملائكة الذين هم عبد الرحمن إناثا أشهدوا
خلقهم ستكتب شهدتهم ويسئلون 19 وقالوا لو شاء
الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا
يخرصون 20 أم آتيناهم كتبا من قبله فهم به
مستمسكون 21
* (ظل وجهه مسودا) *: صار وجهه أسود في الغاية لما يعتريه من الكآبة.
* (وهو كظيم) *: مملو قلبه من الكرب.
* (أومن ينشأ في الحلية) *: أو يجعلون له من يتربى في الزينة، يعني البنات.
* (وهو في الخصام) *: في المجادلة.
* (غير مبين) *: للحجة، يقال: قلما تتكلم امرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها، أو
من " ينشؤ " بالشديد أي يربي.
* (وجعلوا الملائكة الذين هم عبد الرحمن إناثا) *: كفر آخر، تضمنه مقالهم
شنع به عليهم، وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله أنقصهم رأيا وأخسهم صنفا، وقرئ
" عند الرحمن " على تمثيل زلفاهم.
* (أشهدوا خلقهم) *: أحضروا خلق الله إياهم فشاهدوهم إناثا، فإن ذلك مما يعلم
بالمشاهدة، وهو تجهيل وتهكم بهم، وقرئ وأاشهدوا خلقهم بهمزة مضمومة بعد همزة الاستفهام.
* (ستكتب شهدتهم) *: التي شهدوا بها على الملائكة.
* (ويسئلون) *: عنها يوم القيامة.
* (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا
يخرصون * أم آتيناهم كتبا من قبله) *: من قبل القرآن ينطق على صحة ما قالوه.
387

بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم
مهتدون 22 وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من
نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على
آثارهم مقتدون 23 قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم
عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون 24 فانتقمنا
منهم فانظر كيف كان عقبة المكذبين 25
* (فهم به مستمسكون * بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على
آثارهم مهتدون) *: أي لا حجة لهم على ذلك من جهة العقل، ولا من جهة النقل وإنما
جنحوا فيه إلى تقليد آبائهم الجهلة، و " الأمة " الطريقة التي تؤم.
* (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا
وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) *: تسلية لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ودلالة
على أن التقليد في نحو ذلك ضلال قديم، وفي تخصيص المترفين إشعار بأن التنعم وحب البطالة
صرفهم عن النظر إلى التقليد.
* (قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) *: يعني أتتبعون آباءكم
ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم، وقرئ " قل " وهو حكاية أمر ماض أوحى إلى
النذير، أو خطاب لنبينا (صلى الله عليه وآله)، وقرئ " قال " أي النذير.
* (قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) *: أي وإن كان أهدى، إقناطا للنذير من أن
ينظروا أو يتفكروا فيه.
* (فانتقمنا منهم) *: بالإستئصال.
* (فانظر كيف كان عقبة المكذبين) *: ولا تكترث بتكذيبهم.
388

وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني برآء مما تعبدون 26 إلا
الذي فطرني فإنه سيهدين 27 وجعلها كلمة باقية في
عقبه لعلهم يرجعون 28
* (وإذ قال إبراهيم) *: واذكر وقت قوله هذا ليروا كيف تبرأ عن التقليد وتمسك
بالبرهان، أو ليقلدوه إن لم يكن لهم بد من التقليد فإنه أشرف آبائهم.
* (لأبيه وقومه إنني برآء مما تعبدون) *: برئ من عبادتكم أو معبودكم، مصدر
نعت به.
* (إلا الذي فطرني فإنه سيهدين) *: هداية بعد هداية.
* (وجعلها) *: أي كلمة التوحيد.
* (كلمة باقية في عقبه) *: في ذريته، فيكون فيهم أبدا من يوحد الله، ويدعو إلى
توحيده، ويكون إماما وحجة على الخلائق.
* (لعلهم يرجعون) *: يرجع من أشرك منهم بدعاء من وحده.
وفي الإكمال: عن السجاد (عليه السلام) قال: فينا نزلت هذه الآية " وجعلها كلمة باقية في عقبه "
والإمامة في عقب الحسين (عليه السلام) إلى يوم القيامة (1).
وفي العلل: عن الباقر (عليه السلام) (2)، وفي المعاني (3)، والمناقب (4)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام)
مثله (5).

1 - إكمال الدين واتمام النعمة: ص 323، ح 8، باب 31 - ما أخبر به سيد العابدين (عليه السلام) من وقوع الغيبة
بالقائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام).
2 - علل الشرائع: ص 207، ح 6، باب 156 - العلة التي من أجلها صارت الإمامة في ولد الحسين دون الحسن
صلوات الله عليهما.
3 - معاني الأخبار: ص 131 - 132، ح 1، باب معنى الكلمة الباقية في عقب إبراهيم (عليه السلام).
4 - المناقب لابن شهرآشوب: ج 4، ص 46، س 21، باب في إمامة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فصل في المقدمات.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 45، س 9.
389

بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول
مبين 29 ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به
كافرون 30 وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من
القريتين عظيم 31
وفي الإحتجاج: عن النبي (صلى الله عليه وآله) في خطبة الغدير: معاشر الناس القرآن يعرفكم أن
الأئمة (عليهم السلام) من بعده من ولده وعرفتكم أنهم مني وأنا منهم، حيث يقول الله عز وجل: " وجعلها
كلمة باقية في عقبه " وقلت: لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما (1).
وفي المناقب: إن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن هذه الآية فقال: الإمامة في عقب الحسين (عليه السلام)
يخرج من صلبه تسعة من الأئمة منهم مهدي هذه الأمة (2).
والقمي: لعلهم يرجعون يعني الأئمة (عليهم السلام) يرجعون إلى الدنيا (3).
* (بل متعت هؤلاء وآباءهم) *: هؤلاء المعاصرين للرسول (صلى الله عليه وآله) من قريش
وآبائهم بالمد في العمر والنعمة فاغتروا بذلك وانهمكوا بالشهوات.
* (حتى جاءهم الحق ورسول مبين * ولما جاءهم الحق) *: لينبههم عن
غفلتهم.
* (قالوا هذا سحر وإنا به كافرون) *: ضموا إلى شركهم معاندة الحق
والاستخفاف به.
* (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين) *: من إحدى
القريتين مكة والطائف.

1 - الإحتجاج: ج 1، ص 82، س 6، احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير.
2 - المناقب لابن شهرآشوب: ج 4، ص 46، س 19، باب في إمامة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فصل في المقدمات.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 283، س 9.
390

أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في
الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجت ليتخذ
بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون 32
* (عظيم) *: بالجاه والمال، كالوليد بن مغيرة بمكة وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف،
فإن الرسالة منصب عظيم لا يليق إلا بعظيم، ولم يعلموا إنها رتبة روحانية تستدعي عظيم
النفس بالتحلي (1) بالفضائل والكمالات القدسية لا التزخرف بالزخارف الدنيوية.
* (أهم يقسمون رحمت ربك) *: إنكار فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم، والمراد
بالرحمة: النبوة.
* (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) *: وهم عاجزون عن تدبيرها.
* (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجت) *: وأوقعنا بينهم التفاوت في الرزق وغيره.
* (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) *: ليستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم فيحصل
بينهم تألف وتضام، وينتظم بذلك نظام العالم، لا لكمال في الموسع، ولا لنقص في المقتر، ثم إنه لا
اعتراض لهم علينا في ذلك ولا تصرف فكيف يكون فيما هو أعلى من ذلك.
* (ورحمت ربك) *: هذه يعني النبوة وما يتبعها.
* (خير مما يجمعون) *: مما يجمعه هؤلاء من حطام الدنيا، والعظيم من رزق منها لا منه.
في الإحتجاج (2)، وفي تفسير الإمام (عليه السلام) في سورة البقرة (3)، عن أبيه (عليهما السلام) قال: إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قاعدا ذات يوم بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش وساق
الحديث كما سبق ذكره في سورة بني إسرائيل (4)، إلى أن قال: قال له عبد الله بن أبي أمية: لو

1 - هكذا في الأصل. والصحيح: " عظم النفس والتحلي ".
2 - الإحتجاج: ج 1، ص 26، احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله) على جماعة من المشركين.
3 - ذيل الآية: 108.
4 - ذيل الآية: 93، انظر ج 4، ص 451 - 458 من كتابنا تفسير الصافي.
391

أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من في ما بيننا مالا وأحسنه حالا، فهلا نزل هذا
القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم، إما
الوليد بن المغيرة بمكة، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف، ثم ذكر أشياءا إلى أن قال له
رسول الله (صلى الله عليه وآله): وأما قولك: " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " الوليد بن
المغيرة بمكة أو عروة بالطائف، فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت، ولا خطر له
عنده كما له عندك، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة
ماء، وليس قسمة الله إليك، بل الله القاسم للرحمات، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه، وليس
هو عز وجل ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله وحاله فعرفته بالنبوة لذلك ولا ممن يطمع في
أحد في ماله أو في حاله كما تطمع فيخصه بالنبوة لذلك، ولا ممن يحب أحدا محبة الهوى كما تحب
أنت فتقدم من لا يستحق التقديم وإنما معاملته بالعدل فلا يؤثر لأفضل مراتب الدين وجلاله
إلا الأفضل في طاعته والأجد في خدمته، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله إلا أشدهم
تباطؤوا عن طاعته وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من
تفضله، وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازب، فلا يقال له: إذا تفضلت بالمال على عبد
فلا بد أن يتفضل عليه بالنبوة أيضا لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده، ولا إلزامه
تفضلا، لأنه تفضل قبله بنعمته. ألا ترى يا عبد الله كيف أغنى واحدا وقبح صورته؟ وكيف
حسن صورة واحد وأفقره؟ وكيف شرف واحدا وأفقره؟ وكيف أغنى واحدا ووضعه، ثم
ليس لهذا الغني أن يقول: هلا أضيف إلى يساري جمال فلان، ولا للجميل أن يقول: هلا أضيف
إلى جمالي مال فلان، ولا للشريف أن يقول: هلا أضيف إلى شرفي مال فلان، ولا للوضيع أن
يقول: هلا أضيف إلى ضعتي شرف فلان، ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء، ويفعل كما يشاء،
وهو حكيم في أفعاله، محمود في أعماله، وذلك قوله: " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل
من القريتين عظيم " قال الله تعالى: " أهم يقسمون رحمت ربك " يا محمد " نحن قسمنا بينهم
معيشتهم في الحياة الدنيا " فأحوجنا بعضنا إلى بعض، أحوج هذا إلى مال ذلك، وأحوج ذلك
إلى سلعة هذا، وهذا إلى خدمته، فترى أجل الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في
ضرب من الضروب، إما سلعة معه ليست معه، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن
392

ولولا أن يكون الناس أمة وحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن
لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون 33 ولبيوتهم
أبوابا وسررا عليها يتكئون 34 وزخرفا وإن كل ذلك لما
متع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين 35
يستغني إلا به، وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من ذلك الفقير، فهذا
الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو
معرفته، ثم ليس للملك أن يقول هلا اجتمع إلى مالي علم هذا الفقير، ولا للفقير أن يقول هلا
اجتمع إلى رأي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغني (1).
* (ولولا أن يكون الناس أمة وحدة) *: لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار
في سعة وتنعم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه.
* (لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج) *: ومصاعد.
* (عليها يظهرون) *: يعلون السطوح، وقرئ سقفا مفردا.
* (ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون) *: أي أبوابا وسررا من فضة.
* (وزخرفا) *: وزينة. القمي: " أمة وحدة " أي على مذهب واحد (2).
" وزخرفا " قال: البيت المزخرف بالذهب (3).
وعن الصادق (عليه السلام): لو فعل الله ذلك بهم لما آمن أحد، ولكنه جعل في المؤمنين أغنياء
وفي الكافرين فقراء، وجعل في المؤمنين فقراء، وفي الكافرين أغنياء، ثم امتحنهم بالأمر والنهي
والصبر والرضا (4).

1 - تفسير الإمام العسكري: ص 501 - 508، ح 314، إحتجاجاته (صلى الله عليه وآله) على المشركين وإلزامهم.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 284، س 1.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 284، س 3.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 284، س 4، بتفاوت.
393

وفي الكافي (1)، والعلل: عن السجاد (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية (2) فقال: عني بذلك (3)
أمة محمد (صلى الله عليه وآله) أن يكونوا على دين واحد كفارا كلهم (4)، ولو فعل الله ذلك بأمة محمد (صلى الله عليه وآله) لحزن
المؤمنون، وغمهم ذلك، ولم يناكحوهم، ولم يوارثوهم (5).
وفي العلل: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل " لولا أن يجد عبدي المؤمن في نفسه
لعصبت الكافر بعصابة من ذهب (6).
* (وإن) *: وإنه.
* (كل ذلك لما متع الحياة الدنيا) *: وقرئ لما بالتشديد بمعنى إلا، فتكون " إن " نافية.
* (والآخرة عند ربك للمتقين) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إن الله جل ثناؤه
ليعتذر إلى عبده المؤمن المحوج في الدنيا كما يعتذر الأخ إلى أخيه، فيقول: وعزتي ما أحوجتك
في الدنيا من هوان كان بك علي فارفع هذا السجف فانظر إلى ما عوضتك من الدنيا، قال:
فيرفع فيقول: ما ضرني ما منعتني مع ما عوضتني (7).
أقول: السجف بالمهملة والجيم: الستر، وعنه (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا معشر
المساكين طيبوا نفسا واعطوا الله الرضا من قلوبكم، يثيبكم الله عز وجل على فقركم فإن لم
تفعلوا فلا ثواب لكم (8).
وعنه (عليه السلام) قال: ما كان من ولد آدم (عليه السلام) مؤمن إلا فقيرا ولا كافر إلا غنيا حتى جاء
إبراهيم (عليه السلام) فقال: " ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا " (9) فصير الله في هؤلاء أموالا وحاجة،
وفي هؤلاء أموالا وحاجة (10).

1 - الكافي: ج 2، ص 265، ح 23، باب فضل فقراء المسلمين.
2 - أي " ولولا أن يكون الناس أمة وحدة ".
3 - أشار (عليه السلام) بذلك إلى الناس وأراد (عليه السلام) بأمة محمد من عدا المؤمنين منهم كما دل عليه قوله (عليه السلام) " لحزن
المؤمنون ". منه (قدس سره).
4 - أقول: الظاهر أن جملة " ولو فعل الله ذلك " إلى آخر الحديث تكون شارحة لقوله تعالى: " لجعلنا لمن يكفر
بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة " فهذه الآية تكون موجودة في الكافي والعلل في ضمن الحديث، فلا وجه لحذفها.
5 و 6 - علل الشرائع: ص 589 و 604، ح 33 و 74، باب 385 - نوادر العلل.
7 و 8 - الكافي: ج 2، ص 264 و 263، ح 18 و 14، باب فضل فقراء المسلمين.
9 - الممتحنة: 5. 10 - الكافي: ج 2، ص 262، ح 10، باب فضل فقراء المسلمين.
394

ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين
36 وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون
37 حتى إذا جاءنا قال يليت بيني وبينك بعد المشرقين
فبئس القرين 38
* (ومن يعش عن ذكر الرحمن) *: يتعافى، ويعرض عنه لفرط اشتغاله
بالمحسوسات وانهماكه في الشهوات.
* (نقيض) *: نسبب ونقدر.
* (له شيطانا فهو له قرين) *: يوسوسه ويغويه دائما، وقرئ " يقيض " بالياء.
في الخصال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من تصدى بالإثم أعشى عن ذكر الله تعالى، ومن
ترك الأخذ عمن أمره الله بطاعته قيض له شيطان فهو له قرين (1).
* (وإنهم ليصدونهم عن السبيل) *: وإن الشياطين ليصدون العاشين (2) عن
الطريق الذي من حقه أن يسلك.
* (ويحسبون) *: أي العاشون.
* (أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا) *: أي العاشي، وقرئ " جاءانا " على التثنية
أي العاشي، والشيطان.
* (قال) *: أي العاشي للشيطان.
* (يليت بيني وبينك بعد المشرقين) *: بعد المشرق من المغرب.
* (فبئس القرين) *: أنت.

1 - الخصال: ص 633 - 634، ح 10، باب 400.
2 - العشو: النظر ببصر ضعيف، يقال: عشى يعشو عشوا إذا ضعف بصره وأظلمت عينه كأن عليها غشاوة،
وإذا ذهب البصر قيل: عشي يعشي عشا والرجل أعشى، وعشى عنها إذا أعرض عنها قاصدا لغيرها كقولهم: مال
إليه ومال عنه. مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 48.
395

ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون 39
أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى ومن كان في ضلل
مبين 40 فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون 41 أو
نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون 42
* (ولن ينفعكم اليوم) *: ما أنتم عليه من التمني.
* (إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) نزلت هاتان
الآيتان هكذا: " حتى إذا جاءانا " يعني فلانا وفلانا يقول أحدهما لصاحبه حين يراه: " يليت
بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " فقال الله لنبيه (صلى الله عليه وآله): قل: لفلان وفلان وأتباعهما " لن
ينفعكم اليوم إذ ظلمتم " آل محمد صلوات الله عليهم حقهم " أنكم في العذاب مشتركون " (1).
* (أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى) *: إنكار تعجب من أن يكون هو الذي
يقدر على هدايتهم بعد تمرنهم على الكفر، واستغراقهم في الضلال بحيث صار عشاهم عمى
مقرونا بالصمم.
* (ومن كان في ضلل مبين) *: عطف على العمى باعتبار تغاير الوصفين، وفيه
إشعار بأن الموجب لذلك تمكنهم في ضلال لا يخفى.
* (فإما نذهبن بك) *: أي فإن قبضناك قبل أن نبصرك عذابهم " وما " مزيدة للتأكيد.
* (فإنا منهم منتقمون) *: بعدك.
* (أو نرينك الذي وعدناهم) *: أو إن أردنا أن نريك ما وعدناهم من العذاب.
* (فإنا عليهم مقتدرون) *: لا يفوتوننا. في المجمع: روى أنه (صلى الله عليه وآله) أري ما يلقى أمته
بعده فما زال منقبضا، ولم ينبسط ضاحكا حتى لقى الله تعالى (2).
قال: وروى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: إني لأدناهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 286، س 13.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 49، س 15. وفيه: " ما تلقى أمته ".
396

فاستمسك بالذي أوحى إليك إنك على صرط مستقيم 43
وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون 44
الوداع بمنى حتى قال: لا ألفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم الله
لئن فعلتموها لتعرفنني في الكتيبة التي تضاربكم، ثم التفت إلى خلفه فقال: أو علي أو علي
ثلاث مرات فرأينا أن جبرئيل غمزه، فأنزل الله على أثر ذلك " فإما نذهبن بك فإنا منهم
منتقمون " بعلي بن أبي طالب (1).
أقول: إنما يكون ذلك في الرجعة.
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: " فإما نذهبن بك " يا محمد من مكة إلى المدينة فإنا
رادوك إليها، ومنتقمون منهم بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) (2).
وقد سبق في هذا المعنى أخبار أخر في سورة المؤمنين (3).
* (فاستمسك بالذي أوحى إليك إنك على صرط مستقيم) *: القمي: عن
الباقر (عليه السلام) إنك على ولاية علي (عليه السلام)، وعلي هو الصراط المستقيم (4).
* (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون) *: في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) نحن
قومه، ونحن المسؤولون (5).
وعن الصادق (عليه السلام): إيانا عني، ونحن أهل الذكر، ونحن المسؤولون (6).
وعنه (عليه السلام): الذكر القرآن، ونحن قومه، ونحن المسؤولون (7).
وفي البصائر: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته: أهل الذكر،

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 117، س 13، و ج 9 - 10، ص 49، س 16، والنص للأخير.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 284، س 9.
3 - ذيل الآية: 94، انظر ج 5، ص 195 - 196 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 286، س 19.
5 و 6 و 7 - الكافي: ج 1، ص 210 و 211، ح 1 و 2 و 5، باب ان أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة (عليهم السلام).
397

وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون
الرحمن آلهة يعبدون 45
وهم المسؤولون (1).
* (وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة
يعبدون) *: هل حكمنا بعبادة الأوثان؟ وهل جاءت في ملة من مللهم؟
وفي الكافي (2)، والقمي: عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية من ذا الذي سأله
محمد (صلى الله عليه وآله)؟ وكان بينه وبين عيسى (عليه السلام) خمسمائة سنة، فتلا هذه الآية " سبحن الذي أسرى
بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا " (3)
قال: فكان من الآيات التي أراها الله محمدا (صلى الله عليه وآله) حين أسرى به إلى البيت المقدس أن حشر الله
له الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم أمر جبرئيل (عليه السلام) فأذن شفعا وأقام شفعا ثم قال
في إقامته: حي على خير العمل، ثم تقدم محمد (صلى الله عليه وآله) فصلى بالقوم، فأنزل الله عليه: " وسئل من
أرسلنا " الآية فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): على ما تشهدون؟ وما كنتم تعبدون؟ فقالوا: نشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذت على ذلك مواثيقنا وعهودنا (4).
وفي الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث وأما قوله: " وسئل من أرسلنا من
قبلك من رسلنا " فهذا من براهين نبينا (صلى الله عليه وآله) التي أتاه الله إياها، وأوجب به الحجة على سائر
خلقه، لأنه لما ختم به الأنبياء، وجله الله رسولا إلى جميع الأمم وسائر الملل، خصه بالإرتقاء
إلى السماء عند المعراج، وجمع له يومئذ الأنبياء فعلم منهم ما أرسلوا به وحملوه من عزائم الله
وآياته وبراهينه، فأقروا أجمعين بفضله، وفضل الأوصياء والحجج في الأرض من بعده، وفضل

1 - بصائر الدرجات: ص 57، ح 5، الجزء الأول، باب 18 - في أئمة آل محمد (عليهم السلام) وأن الله قرنهم بنبيه في
السؤال فقال: " وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون ".
2 - الكافي: ج 8، ص 120 - 121، ح 93.
3 - الإسراء: 1.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 284 - 285.
398

ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملايه فقال إني
رسول رب العلمين 46 فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها
يضحكون 47 وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها
وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون 48 وقالوا يا أيه
الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون 49
شيعة وصيه من المؤمنين والمؤمنات، الذين سلموا لأهل الفضل فضلهم، ولم يستكبروا عن
أمرهم، وعرف من أطاعهم ومن عصاهم من أممهم وسائر من مضى ومن غبر أو تقدم أو تأخر (1).
وقد سبق نظير هذين الخبرين في سورة يونس (عليه السلام) (2).
* (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملايه فقال إني رسول رب
العلمين * فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون) *: استهزؤا بها أول ما
رأوها، ولم يتأملوا فيها.
* (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب) *:
كالسنين، والطوفان، والجراد.
* (لعلهم يرجعون * وقالوا يا أيه الساحر) *: قيل: نادوه بذلك في تلك الحال
لشدة شكيمتهم، وفرط حماقتهم، أو لأنهم كانوا يسمون العالم الباهر ساحرا (3).
والقمي: أي يا أيها العالم (4).
* (ادع لنا ربك بما عهد عندك) *: أن يكشف عنا العذاب.

1 - الإحتجاج: ج 1، ص 370، س 3، إحتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق في آي متشابهة.
2 - ذيل الآية: 95، انظر ج 3، ص 544 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 368، س 15.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 285، س 16.
399

فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون 50 ونادى
فرعون في قومه قال يقوم أليس لي ملك مصر وهذه
الأنهار تجرى من تحتي أفلا تبصرون 51 أم أنا خير من
هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين 52 فلولا ألقى عليه
أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين 53
* (إننا لمهتدون * فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) *: عهدهم بالاهتداء.
* (ونادى فرعون في قومه) *: في مجمعهم وفيما بينهم بعد كشف العذاب عنهم مخافة
أن يؤمن بعضهم.
* (قال يقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار) *: النيل وكان معظمهم أربعة.
* (تجرى من تحتي أفلا تبصرون) *: ذلك.
* (أم أنا خير) *: مع هذه المملكة والبسطة.
* (من هذا الذي هو مهين) *: ضعيف حقير، لا يستعد للرياسة.
* (ولا يكاد يبين) *: الكلام لما فيه من الرتة (1) فكيف يصلح للرسالة؟ " وأم " إما
منقطعة والهمزة فيها للتقرير، أو متصلة، والمعنى " أفلا تبصرون " أم تبصرون فتعلمون أني
خير منه؟
* (فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب) *: أي فهلا القي عليه مقاليد الملك إن كان
صادقا، إذ كانوا إذا سودوا رجلا سوروه وطوقوه بطوق من ذهب، وأساورة: جمع أسوار بمعنى
السوار، وقرئ أسورة.
* (أو جاء معه الملائكة مقترنين) *: مقارنين يعينونه أو يصدقونه.

1 - الأرت - بالألف والراء المهملة، والتاء المثناة الفوقانية المشددة: من في كلامه رتة، وهي عجمة لا تعيب
الكلام، مجمع البحرين: ج 2، ص 201، مادة " رتت ".
400

فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما
فاسقين 54
* (فاستخف قومه) *: استخف أحلامهم أو طلب منهم الخفة في مطاوعته ودعاهم.
* (فأطاعوه) *: فيما أمرهم به.
* (إنهم كانوا قوما فاسقين) *: فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق.
في نهج البلاغة: ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون (عليهما السلام) على فرعون
وعليهما مدارع الصوف وبأيديهما العصا فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه ودوام عزه، فقال: ألا
تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك، وهما بما ترون من حال الفقر والذل فهلا
ألقي عليهما أساور من ذهب إعظاما للذهب وجمعه، واحتقارا للصوف ولبسه، ولو أراد الله
سبحانه لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان، ومعادن العقيان، ومغارس الجنان،
وأن يحشر معهم طيور السماء، ووحوش الأرضين لفعل، ولو فعل لسقط البلاء، وبطل الجزاء،
واضمحلت الأنباء، ولما وجب للقائلين أجور المبتلين، ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين،
ولا لزمت الأسماء معانيها، ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوه في عزائمهم، وضعفة فيما ترى
الأعين، من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب، والعيون غنى وخصاصة تملأ الأبصار، والأسماع
أذى ولو كانت الأنبياء (عليهم السلام) أهل قوة لا ترام، وعزة لا تضام، وملك تمد نحوه أعناق الرجال،
وتشد إليه عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار، وأبعد لهم من الاستكبار،
ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مايلة بهم، وكانت السيئات مشتركة، والحسنات
مقتسمة ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الإتباع لرسله، والتصديق بكتبه، والخشوع لوجهه،
والاستكانة لأمره، والاستسلام لطاعته، أمورا له خاصة لا يشوبها من غيرها شائبة، وكل ما
كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل (1).

1 - نهج البلاغة: ص 291 - 292، الخطبة 192. وفيه: " وكانت النيات مشتركة ".
401

فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين 55 فجعلناهم
سلفا ومثلا للآخرين 56
* (فلما آسفونا) * (1): أغضبونا بالإفراط في العناد والعصيان.
* (انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين) *: في اليم في الكافي (2)، والتوحيد: عن
الصادق (عليه السلام) إنه قال: في هذه الآية إن الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا، ولكنه خلق أولياء
لنفسه يأسفون ويرضون، وهم مخلوقون مربوبون، فجعل رضاهم رضاء نفسه، وسخطهم
سخط نفسه، وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك، وليس أن
ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه، ولكن هذا معنى ما قال من ذلك، وقال أيضا: " من أهان
لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها "، وقال: أيضا " من يطع الرسول فقد أطاع الله " (3)،
وقال أيضا: " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله " (4)، وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك،
وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك، ولو كان يصل إلى المكون
الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشأهما لجاز لقائل أن يقول: إن المكون يبيد يوما لأنه
إذا دخله الضجر والغضب دخله التغير، وإذا دخله التغير لم يؤمن عليه بالإبادة ولو كان ذلك
كذلك لم يعرف المكون من المكون، ولا القادر من المقدور، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن
هذا القول علوا كبيرا، هو الخالق للأشياء لا لحاجة وإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف
فيه، فافهم ذلك إن شاء الله (5).
* (فجعلناهم سلفا) *: قدوة لمن بعدهم من الكفار، وقرئ " سلفا " بضمتين.

1 - آسفه فأسف يأسف أسفا: أي أغضبه فغضب وأحزنه فحزن، ويقال: الأسف الغيظ من المغنم إلا أنه ها هنا
بمعنى الغضب. مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 52، في اللغة.
2 - الكافي: ج 1، ص 144، ح 6، باب النوادر.
3 - النساء: 80.
4 - الفتح: 10.
5 - التوحيد: ص 168 - 169، ح 2، باب 26 - معنى رضاه عز وجل وسخطه. بتفاوت يسير.
402

ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون 57 وقالوا
آلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم
خصمون 58
* (ومثلا للآخرين) *: وعظة لهم.
* (ولما ضرب ابن مريم مثلا) *: لعلي بن أبي طالب، حيث قيل: إن فيه شبها منه (1).
* (إذا قومك) *: قريش.
* (منه) *: من هذا المثل.
* (يصدون) *: قيل: أي يضجون فرحا لظنهم أن الرسول صار ملزما به (2).
وقرئ بالضم من الصدود أي يصدون عن الحق، ويعرضون عنه.
وقيل: هنا لغتان (3).
وفي المعاني: عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال في هذه الآية: الصدود في العربية: الضحك (4).
* (وقالوا أآلهتنا خير أم هو) *: وقرئ بإثبات الهمزة للاستفهام.
* (ما ضربوه لك إلا جدلا) *: ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدال والخصومة، لا
لتميز الحق من الباطل.
* (بل هم قوم خصمون) *: شداد الخصومة حراص على اللجاج.

1 - انظر الكافي: ج 8، ص 57، ح 18، باب في أن أمير المؤمنين (عليه السلام) يشبه عيسى بن مريم (عليهما السلام)، وتفسير
القمي: ج 2، ص 286، ومناقب ابن شهرآشوب: ج 3، ص 259، س 24، فصل في مساواته مع عيسى (عليه السلام)،
ومجمع البيان: ج 9 - 10، ص 53، س 9، وتهذيب الأحكام: ج 3، ص 144 - 145، ح 317 / 1، باب 7 - صلاة
الغدير، ويأتي ذكر هذه الأحاديث في ذيل الآية 60 من سورة الزخرف، فراجع.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 369، س 19.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 369، س 21.
4 - معاني الأخبار: ص 220، ح 1، باب معنى الصدود.
403

إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل 59
ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون 60
* (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل * ولو نشاء
لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) *: يخلفونكم في الأرض، يعني أن الله قادر على
أعجب من ذلك.
في الكافي: عن أبي بصير: قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم جالس إذ أقبل أمير
المؤمنين (عليه السلام) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن فيك شبها من عيسى بن مريم لولا أن تقول فيك
طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم (عليه السلام) لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس
إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة، قال: فغضب الأعرابيان، والمغيرة
ابن شعبة، وعدة من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسى بن
مريم، فأنزل الله على نبيه (صلى الله عليه وآله): " ولما ضرب ابن مريم مثلا " إلى قوله: " لجعلنا منكم " يعني من
بني هاشم " ملائكة في الأرض يخلفون " الحديث (1). وقد مضى تمامه في سورة الأنفال (2).
والقمي: عن سلمان الفارسي: (رضي الله عنه)، قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا في أصحابه إذ قال
أنه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى بن مريم (عليه السلام)، فخرج بعض من كان جالس مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ليكون هو الداخل، فدخل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال الرجل لبعض أصحابه: أما رضي
محمد أن فضل عليا علينا حتى يشبهه بعيسى بن مريم، والله لآلهتنا التي كنا نعبدها في الجاهلية
أفضل منه، فأنزل الله في ذلك المجلس: " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يضجون "
فحرفوها " يصدون "، " وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون "
إن علي (عليه السلام): " إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل " فمحي اسمه عن هذا الموضع (3).

1 - الكافي: ج 8، ص 57، ح 18، في أن أمير المؤمنين (عليه السلام) يشبه عيسى بن مريم (عليهما السلام).
2 - ذيل الآية: 34، انظر ج 3، ص 333 - 335 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 286، س 1.
404

وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صرط
مستقيم 61
وفي المناقب: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يدخل من هذا الباب رجل أشبه الخلق بعيسى
فدخل علي (عليه السلام) فضحكوا من هذا القول فنزل: " ولما ضرب " الآيات (1).
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: جئت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يوما فوجدته في ملأ من
قريش فنظر إلي ثم قال: يا علي إنما مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم أحبه قوم فأفرطوا
في حبه فهلكوا، وأبغضه قوم وأفرطوا في بغضه فهلكوا، واقتصد فيه قوم فنجوا فعظم ذلك
عليهم وضحكوا وقالوا: يشبهه بالأنبياء والرسل فنزلت هذه الآية (2).
وفي التهذيب: في دعاء يوم الغدير المروى عن الصادق (عليه السلام) فقد أجبنا داعيك النذير
المنذر محمدا (صلى الله عليه وآله) عبدك ورسولك إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي أنعمت عليه وجعلته مثلا
لبني إسرائيل أنه أمير المؤمنين (عليه السلام) ومولاهم ووليهم إلى يوم القيامة، يوم الدين فإنك قلت:
" إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل " (3).
* (وإنه لعلم للساعة) *: القمي: ثم ذكر خطر أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: " وإنه لعلم
للساعة " (4).
* (فلا تمترن بها واتبعون هذا صرط مستقيم) *: قال: يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) (5).
وقيل: يعني إن نزول عيسى بن مريم (عليه السلام) من أشراط الساعة يعلم به قربها " فلا تمترن
بها " (6).

1 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 3، ص 259، س 24، فصل في مساواته مع عيسى (عليه السلام).
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 53، س 9.
3 - تهذيب الأحكام: ج 3، ص 144 - 145، ح 317 / 1، باب 7 - صلاة الغدير.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 286، س 9.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 286، س 10.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 370، س 9.
405

ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين 62 ولما جاء
عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض
الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون 63 إن الله هو ربى
وربكم فاعبدوه هذا صرط مستقيم 64 فاختلف الأحزاب
من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم 65 هل
ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون 66
الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين 67
* (ولا يصدنكم الشيطان) *: القمي: يعني الثاني عن أمير المؤمنين (1).
* (إنه لكم عدو مبين * ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة
ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون) *: فيما أبلغه عنه.
* (إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه هذا صرط مستقيم * فاختلف
الأحزاب) *: الفرق المتحزبة.
* (من بينهم فويل للذين ظلموا) *: من المتحزبين.
* (من عذاب يوم أليم) *: القيامة.
* (هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة) *: فجأة.
* (وهم لا يشعرون) *: غافلون عنها.
* (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو) *: القمي: يعني الأصدقاء يعادي بعضهم
بعضا، وقال الصادق (عليه السلام): ألا كل خلة كانت في الدنيا في غير الله عز وجل فإنها تصير عداوة
يوم القيامة (2).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 287، س 1.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 287، س 2.
406

يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون 68 الذين
آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين 69 ادخلوا الجنة أنتم
وأزوجكم تحبرون 70 يطاف عليهم بصحاف من ذهب
وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها
خلدون 71
* (إلا المتقين) *: فإن خلتهم لما كانت في الله تبقى نافعة أبد الآباد.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إنه قرأ هذه الآية، فقال: والله ما أراد بها غيركم (1).
وفي مصباح الشريعة: قال الصادق (عليه السلام) واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات
الأرض، وإن أفنيت عمرك في طلبهم، فإن الله عز وجل لم يخلق أفضل منهم على وجه الأرض
من بعد النبيين صلوات الله عليهم، وما أنعم الله تعالى على عبد بمثل ما أنعم به من التوفيق
لصحبتهم، قال الله تعالى: " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " وأظن أن من
طلب في زماننا هذا صديقا بلا عيب بقي بلا صديق (2).
* (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) *: حكاية لما ينادى به
المتقون المتحابون في الله يومئذ.
* (الذين آمنوا بآياتنا) *: القمي: يعني الأئمة (عليهم السلام) (3).
* (وكانوا مسلمين * ادخلوا الجنة أنتم وأزوجكم) *: نساؤكم المؤمنات.
* (تحبرون) *: القمي: أي تكرمون (4).
* (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب) *: الصحفة: القصعة، والكوب:

1 - الكافي: ج 8، ص 35، ح 6، س 6.
2 - مصباح الشريعة: ص 150 - 151، ح 1، باب 71 - في المؤاخاة.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 288، س 17.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 288، س 18.
407

وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون 72 لكم فيها
فكهة كثيرة منها تأكلون 73 إن المجرمين في عذاب
جهنم خلدون 74
كوز لا عروة له.
* (وفيها ما تشتهيه الأنفس) *: وقرئ ما تشتهي الأنفس.
* (وتلذ الأعين) *: بمشاهدته.
* (وأنتم فيها خلدون) *: فإن كل نعيم زائل، موجب لكلفة الحفظ، وخوف الزوال،
ومستعقب للتحسر في ثاني الحال.
في الإحتجاج: عن القائم (عليه السلام) إنه سئل عن أهل الجنة هل يتوالدون إذا دخلوها؟
فأجاب (عليه السلام) إن الجنة لا حمل فيها للنساء، ولا ولادة، ولا طمث، ولا نفاس، ولا شقاء،
بالطفولية، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين كما قال الله: فإذا اشتهى المؤمن ولدا خلقه الله
عز وجل بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم عبرة (1).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: إن الرجل في الجنة يبقى على مائدته أيام الدنيا، ويأكل
في أكلة واحدة بمقدار أكله في الدنيا (2).
* (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) *: قد مر معنى وراثة الجنة.
* (لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون) *: قيل: ولعل تفصيل التنعم بالمطاعم والملابس
وتكريره في القرآن وهو حقير بالإضافة إلى سائر نعم الجنة لما كان بهم من الشدة والفاقة (3).
* (إن المجرمين في عذاب جهنم خلدون) *: القمي: هم أعداء آل محمد صلوات

1 - الإحتجاج: ج 2، ص 310، توقيعات الناحية المقدسة عجل الله تعالى فرجه في جواب مسائل الفقهية.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 288، س 21.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 52، ص 371، س 18.
408

لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون 75 وما ظلمناهم ولكن
كانوا هم الظالمين 76 ونادوا يملك ليقض علينا ربك
قال إنكم ماكثون 77 لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم
للحق كارهون 78 أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون 79
الله عليهم (1).
* (لا يفتر عنهم) *: لا يخفف عنهم.
* (وهم فيه مبلسون) *: القمي: أي آيسون من الخير (2).
* (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين * ونادوا يملك) *: وفي
المجمع: عن علي (عليه السلام) إنه قرأ " يا مال " على الترخيم (3).
قيل: ولعله إشعار بأنهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام ولذلك اختصروا
فقالوا (4).
* (ليقض علينا ربك) *: يعني سل ربك أن يقضي علينا أن يميتنا، من قضى عليه إذا أماته.
* (قال إنكم ماكثون) *: لا خلاص لكم بموت وغيره.
* (لقد جئناكم بالحق) *: بالإرسال والإنزال.
القمي: هو قول الله عز وجل قال: يعني بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) (5).
* (ولكن أكثركم للحق كارهون) *: قال: يعني لولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) (6).
* (أم أبرموا أمرا) *: في تكذيب الحق ورده ولم يقتصروا على كراهته.
* (فإنا مبرمون) *: أمرا في مجازاتهم.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 288، س 22.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 289، س 1.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 56، في القراءة.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 372، س 1.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 289، س 9.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 289، س 11.
409

أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجويهم بلى ورسلنا
لديهم يكتبون 80 قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول
العبدين 81 سبحن رب السماوات والأرض رب
العرش عما يصفون 82
* (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم) *: حديث نفسهم.
* (ونجويهم) *: تناجيهم.
* (بلى) *: نسمعها.
* (ورسلنا) *: والحفظة مع ذلك.
* (لديهم يكتبون) *: القمي: يعني ما تعاهدوا عليه في الكعبة أن لا يردوا الأمر في
أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
أقول: ويأتي بيان ذلك في سورة محمد (صلى الله عليه وآله) (2).
وعن الصادق (عليه السلام) أن هذه الآية نزلت فيهم (3).
* (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العبدين) *: وقرئ ولد بالضم.
القمي: يعني أول الآنفين لله عز وجل أن يكون له ولد (4).
وفي الإحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أي الجاحدين قال: والتأويل في هذا القول:
باطنه مضاد لظاهره (5).
* (سبحن رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون) *: عن كونه ذا
ولد فإن هذه المبدعات منزهة عن توليد المثل فما ظنك بمبدعها وخالقها.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 289، س 13.
2 - ذيل الآية: 26.
3 - الكافي: ج 8، ص 179 - 180، ح 202.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 289، س 15. وفيه: " يعني أول القائلين ".
5 - الإحتجاج: ج 1، ص 372، س 9، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق في آي متشابهة.
410

فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون
83 وهو الذي في السماء إله وفى الأرض إله وهو
الحكيم العليم 84 وتبارك الذي له ملك السماوات
والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون 85
ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفعة إلا من شهد
بالحق وهم يعلمون 86
* (فذرهم يخوضوا ويلعبوا) *: في دنياهم.
* (حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون) *: أي القيامة.
* (وهو الذي في السماء إله وفى الأرض إله) *: مستحق لأن يعبد فيهما.
في الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: في حديث وقوله: " وهو الذي في السماء
إله وفى الأرض إله " وقوله: " وهو معكم أينما كنتم " (1) وقوله: " ما يكون من نجوى ثلثة
إلا هو رابعهم " (2) فإنما أراد بذلك استيلاء أمنائه بالقدرة التي ركبها فيهم على جميع خلقه وأن
فعلهم فعله (3).
* (وهو الحكيم العليم * وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما
بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون) *: وقرئ بالتاء.
* (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفعة) *: القمي: قال: هم الذين عبدوا
في الدنيا لا يملكون الشفاعة لمن عبدهم (4).
* (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) *: بالتوحيد.

1 - الحديد: 4.
2 - المجادلة: 7.
3 - الإحتجاج: ج 1، ص 373، س 4، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق في آي متشابهة.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 290، س 1.
411

ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون 87
وقيله يرب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون 88 فاصفح عنهم
وقل سلم فسوف يعلمون 89
* (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) *: لتعذر المكابرة فيه من فرط ظهوره.
* (فأنى يؤفكون) *: يصرفون من عبادته إلى عبادة غيره.
* (وقيله) *: وقول الرسول، أي ويعلم قوله، أو وقال قوله (1).
وقيل: الهاء زائدة، وقرئ بالجر عطفا على الساعة (2).
* (يرب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون * فاصفح عنهم) *: فاعرض عن دعوتهم
آيسا عن إيمانهم.
* (وقل سلم) *: تسلم منكم ومتاركة.
* (فسوف يعلمون) *: تسلية للرسول (صلى الله عليه وآله)، وتهديد لهم، وقرئ بالتاء.
في ثواب الأعمال (3)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) من قرأ حم الزخرف آمنه الله في قبره من
هوام الأرض، وضغطة القبر حتى يقف بين يدي الله عز وجل، ثم جاءت حتى تدخله الجنة
بأمر الله تبارك وتعالى (4).
* * *

1 - القول: مصدر، والقيل والقال: اسمان له، أو قال قولا وقيلا وقولة ومقالة ومقالا، القاموس المحيط،
وفي الكشاف جعل الواو للقسم و " إن هؤلاء " جوابا له، وفي التفسير الكبير: قدر أذكر أي أذكر قيلة، أو وقت
قيلة. منه (قدس سره).
أقول: راجع القاموس المحيط: ج 4، ص 42، مادة " قول "، والكشاف: ج 4، ص 268، والتفسير الكبير: ج
27، ص 234.
2 - قاله عاصم وحمزة، كما جاء في أنوار التنزيل: ج 2، ص 373، س 8.
3 - ثواب الأعمال: ص 113، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الزخرف.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 38، في فضلها.
412

سورة الدخان
413

بسم الله الرحمن الرحيم
حم 1 والكتب المبين 2 إنا أنزلناه في ليلة مباركة
إنا كنا منذرين 3 فيها يفرق كل أمر حكيم 4
سورة الدخان: مكية، عدد آيها تسع وخمسون آية كوفي، سبع بصري، ست في الباقين.
* (حم * والكتب المبين * إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين *
فيها يفرق كل أمر حكيم) *: في المجمع عن الباقر والصادق (عليه السلام): أي أنزلنا القرآن، والليلة
المباركة: هي ليلة القدر (1).
والقمي: عنهما وعن الكاظم (عليهم السلام) مثله، وزاد أنزل الله سبحانه القرآن فيها إلى البيت
المعمور جملة واحدة، ثم نزل من البيت المعمور على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طول عشرين سنة،
" فيها يفرق ": يعني في ليلة القدر " كل أمر حكيم "، أي يقدر الله عز وجل كل أمر من الحق
والباطل وما يكون في تلك السنة وله فيه البداء والمشية يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء من
الآجال، والأرزاق، والبلايا، والأعراض، والأمراض، ويزيد فيه ما يشاء، وينقص ما يشاء
ويلقيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمة (عليهم السلام) حتى ينتهي
ذلك إلى صاحب الزمان (عليه السلام)، ويشترط له فيه البداء والمشيئة والتقديم والتأخير (2).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل في ليلة القدر: " فيها يفرق كل أمر

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 61، س 11.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 290، س 7.
415

حكيم " يقول: ينزل فيها كل أمر حكيم، والمحكم ليس بشيئين إنما هو شئ واحد فمن حكم بما
ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عز وجل، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه
مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت أنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة
سنة يأمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر الناس بكذا وكذا، وأنه ليحدث لولي الأمر
سوى ذلك كل يوم علم الله الخاص والمكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من
الأمر ثم قرأ " ولو أنما في الأرض من شجرة أقلم " (1) الآية (2).
وعنه (عليه السلام) قال: يا معشر الشيعة خاصموا ب‍ " حم * والكتب المبين * إنا أنزلناه في
ليلة مباركة إنا كنا منذرين " فإنها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3).
وعنه (عليه السلام) قال: لما قبض أمير المؤمنين (عليه السلام)، قام الحسن بن علي (عليهما السلام) في مسجد الكوفة
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: أيها الناس إنه قد قبض في هذه الليلة
رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، ثم قال: والله لقد قبض في هذه الليلة التي قبض
فيها وصي موسى (عليه السلام) يوشع بنت نون (عليه السلام)، والليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم، والليلة
التي نزل فيها القرآن (4).
وقد مضى في المقدمة التاسعة من هذا الكتاب: كلام في هذا الباب (5)، ويأتي تمام الكلام
فيه في سورة القدر إن شاء الله (6).
وعن الكاظم (عليه السلام): إنه سأله نصراني عن تفسير هذه الآية في الباطن، فقال: أما " حم "
فهو محمد (صلى الله عليه وآله)، وهو في كتاب هود الذي انزل عليه، وهو منقوص الحروف، وأما " الكتب
المبين ": فهو أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وأما " الليلة ": ففاطمة (عليها السلام)، وأما قوله: " فيها يفرق كل
أمر حكيم " يقول يخرج منها خير كثير فرجل حكيم ورجل حكيم ورجل حكيم، فقال
الرجل: صف لي الأول والآخر من هؤلاء الرجال فقال: إن الصفات تشتبه، ولكن الثالث من

1 - لقمان: 27.
2 - الكافي: ج 1، ص 248، ح 3، باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها.
3 - الكافي: ج 1، ص 249، ح 6، باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها.
4 - الكافي: ج 1، ص 457، ح 8، باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
5 - انظر ج 1، ص 101 - 103 من كتابنا تفسير الصافي. 6 - الآية: 1.
416

أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين 5 رحمة من ربك إنه هو
السميع العليم 6 رب السماوات والأرض وما بينهما إن
كنتم موقنين 7 لا إله إلا هو يحيى ويميت ربكم ورب
آبائكم الأولين 8 بل هم في شك يلعبون 9 فارتقب
يوم تأتى السماء بدخان مبين 10 يغشى الناس هذا
عذاب أليم 11
القوم أصف لك ما يخرج من نسله وأنه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم إن لم تغيروا
وتحرفوا وتكفروا، وقديما ما فعلتم، الحديث (1).
* (أمرا من عندنا) *: على مقتضى حكمنا.
* (إنا كنا مرسلين) *: من عادتنا إرسال الرسل بالكتب.
* (رحمة من ربك) *: وضع الرب موضع الضمير إشعار بأن الربوبية اقتضت ذلك
فإنه أعظم أنواع التربية.
* (إنه هو السميع العليم) *: يسمع أقوال العباد ويعلم أحوالهم.
* (رب السماوات والأرض وما بينهما) *: وقرئ بالجر.
* (إن كنتم موقنين) *: علمتم أن الأمر كما قلنا.
* (لا إله إلا هو) *: إذ لا خالق سواه.
* (يحيى ويميت) *: كما تشاهدون.
* (ربكم ورب آبائكم الأولين * بل هم في شك يلعبون) *: رد لكونهم موقنين.
* (فارتقب) *: فانتظر لهم.
* (يوم تأتى السماء بدخان مبين * يغشى الناس) *: يحيط بهم.

1 - الكافي: ج 1، ص 478 - 479، ح 4، باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام).
417

ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون 12 أنى لهم الذكرى
وقد جاءهم رسول مبين 13
* (هذا عذاب أليم) *: روي في حديث أشراط الساعة: أول الآيات: الدخان،
ونزول عيسى (عليه السلام)، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر، قيل: وما الدخان؟
فتلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الآية، وقال: يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوما وليلة،
أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام، وأما الكافر فهو كالسكران، يخرج من منخريه وأذنيه ودبره (1).
أقول: أبين بسكون الموحدة وفتح المثناة من تحت رجل ينسب إليه عدن.
وفي الجوامع: عن علي (عليه السلام) دخان يأتي من السماء قبل قيام الساعة يدخل في أسماع
الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ (2) ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام، وتكون
الأرض كلها كبيت أوقد فيه ليس فيه خصاص يمتد ذلك أربعين يوما (3).
والقمي: قال: ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر يغشي الناس كلهم الظلمة فيقولون:
" هذا عذاب أليم " (4) (5).
* (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) *: وعد بالإيمان أن يكشف العذاب عنهم.
* (أنى لهم الذكرى) *: من أين لهم، وكيف يتذكرون بهذه الحالة.
* (وقد جاءهم رسول مبين) *: أبان لهم ما هو أعظم منها في ايجاب الأذكار من
الآيات والمعجزات.

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 347، س 21.
2 - الحنيذ بإهمال الأول وإعجام الآخر بينهما النون ثم الياء: المشوي، والخصاص: الفرجة منه (قدس سره).
3 - جوامع الجامع: ص 438، س 19، الطبعة الحجرية. 4 - تفسير القمي: ج 2، ص 290، س 20.
5 - قيل ذلك حين قحطوا بدعاء النبي (صلى الله عليه وآله) فأصابهم الجهد حتى أكلوا الجيف والعلهز وكان الرجل يري بين
السماء والأرض الدخان وكان يحدث الرجل فيسمع كلامه ولا يراه من الدخان منه (قدس سره).
أقول: العلهز - بكسر العين وإسكان اللام وكسر الهاء قبل الزاي -: القراد الضخم، وقيل: المراد به الوبر
المخلوط بالدم. مجمع البحرين: ج 4، ص 27، مادة " علز ".
418

ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون 14 إنا كاشفوا العذاب
قليلا إنكم عائدون 15 يوم نبطش البطشة الكبرى إنا
منتقمون 16 ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول
كريم 17 أن أدوا إلى عباد الله إني لكم رسول أمين 18
* (ثم تولوا عنه وقالوا معلم) *: قيل: يعني يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف (1).
* (مجنون) *: القمي: قال: قالوا ذلك لما نزل الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخده الغشي
فقالوا: هو مجنون (2).
* (إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون) *: قيل: يعني إلى الكفر غب (3) الكشف (4).
والقمي: يعني إلى القيامة، وقال: ولو كان قوله تعالى: " يوم تأتى السماء بدخان مبين "
في القيامة لم يقل إنكم عائدون، لأنه ليس بعد الآخرة والقيامة حالة يعودون إليها (5).
* (يوم نبطش البطشة الكبرى) *: القمي: قال القيامة، والبطش: التناول بصولة (6) (7).
* (إنا منتقمون * ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون) *: اختبرناهم.
* (وجاءهم رسول كريم * أن أدوا إلى عباد الله) *: يعني أرسلوهم معي، أو
أدوا إلي حق الله من الإيمان وقبول الدعوة يا عباد الله.
القمي: أي ما فرض الله من الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والسنن، والأحكام (8).

1 - قاله البيضاوي في تفسره أنوار التنزيل: ج 2، ص 375، س 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 291، س 3.
3 - الغب - بالكسر -: عاقبة الشئ، والمغبة - بالفتح -: مثله. مجمع البحرين: ج 2، ص 130، مادة " غبب ".
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 375، س 6.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 291، س 4.
6 - الصولة: الوثبة، والمصاولة: المواثبة، لسان العرب: ج 7، ص 444، مادة " صول ".
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 291، س 4.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 291، س 8.
419

وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين 19 وإني
عذت بربي وربكم أن ترجمون 20 وإن لم تؤمنوا لي
فاعتزلون 21 فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون 22
فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون 23 واترك البحر رهوا
إنهم جند مغرقون 24
* (إني لكم رسول أمين) *: غير متهم.
* (وأن لا تعلوا على الله) *: ولا تتكبروا عليه بالإستهانة بوحيه ورسوله.
* (إني آتيكم بسلطان مبين) *: قيل: ولذكر الأمين مع الأداء والسلطان مع العلاء
شأن لا يخفى (1).
* (وإني عذت بربي وربكم) *: التجأت إليه وتوكلت عليه.
* (أن ترجمون) *: أن تأذوني ضربا أو شتما.
* (وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) *: فكونوا بمعزل مني لا علي ولا لي.
* (فدعا ربه) *: بعد ما كذبوه.
* (أن هؤلاء قوم مجرمون) *: قيل: هو تعريض بالدعاء عليهم بذكر ما استوجبوه
به ولذلك سماه دعاء (2).
* (فأسر بعبادي ليلا) *: أي فأوحى الله إليه أن أسر.
* (إنكم متبعون) *: يتبعكم فرعون وجنوده إذا علموا بخروجكم.
* (واترك البحر رهوا) *: القمي: أي جانبا، وخذ على الطريق (3).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 375، س 17. وفيه: " ولذكر الأمين مع الأدباء ".
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 375، س 20.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 291، س 10.
420

كم تركوا من جنت وعيون 25 وزروع ومقام كريم 26
ونعمة كانوا فيها فكهين 27 كذلك وأورثناها قوما
آخرين 28 فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا
منظرين 29
وقيل: أي مفتوحا ذا فجوة واسعة، أو ساكنا على هيئته (1).
* (إنهم جند مغرقون * كم تركوا) *: كثيرا تركوا.
* (من جنت وعيون * وزروع ومقام كريم) *: محافل مزينة ومنازل حسنة.
* (ونعمة) *: وتنعم.
* (كانوا فيها فكهين) *: متنعمين. القمي: قال: النعمة في الأبدان، فاكهين أي
مفاكهين النساء (2).
* (كذلك وأورثناها قوما آخرين * فما بكت عليهم السماء والأرض) *:
قيل: مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم، والاعتداد بوجودهم (3).
القمي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه مر عليه رجل عدو لله ولرسوله فقال: " فما بكت
عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين " ثم مر عليه الحسين (عليه السلام) ابنه فقال: لكن هذا
لتبكين عليه السماء والأرض، وقال: " فما بكت عليهم السماء والأرض " إلا على يحيى بن
زكريا (عليه السلام)، وعلى الحسين بن علي (عليهم السلام) (4).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) قال: بكت السماء على يحيى بن زكريا، وعلى الحسين بن
علي (عليهم السلام) أربعين صباحا ولم تبك إلا عليهما، قيل: فما بكاؤها؟ قال: كانت تطلع حمراء وتغيب

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 376، س 1.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 291، س 12.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 376، س 6.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 291، س 16.
421

ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين 30 من
فرعون إنه كان عاليا من المسرفين 31 ولقد اخترناهم
على علم على العلمين 32 وآتيناهم من الآيات ما فيه
بلاء مبين 33 إن هؤلاء ليقولون 34 إن هي إلا
موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين 35
حمراء (1).
وفي المناقب: عنه (عليه السلام) قال: بكت السماء على الحسين (عليه السلام) أربعين يوما بالدم (2).
وعن القائم (عليه السلام): ذبح يحيى (عليه السلام) كما ذبح الحسين (عليه السلام)، ولم تبك السماء والأرض إلا
عليهما (3).
* (وما كانوا منظرين) *: ممهلين إلى وقت آخر.
* (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين) *: من استعباد فرعون وقتله
أبناءهم.
* (من فرعون إنه كان عاليا) *: متكبرا.
* (من المسرفين) *: في العتو والشرارة.
* (ولقد اخترناهم على علم) *: بأنهم أحقاء بذلك.
* (على العلمين) *: على عالمي زمانهم. القمي: فلفظه عام ومعناه خاص (4).
* (وآتيناهم من الآيات) *: كفلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى.
* (ما فيه بلاء مبين) *: نعمة جلية أو اختبار ظاهر.
* (إن هؤلاء) *: أي كفار قريش فإن قصة فرعون كانت معترضة.
* (ليقولون * إن هي إلا موتتنا الأولى) *: ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 65، س 10.
2 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 4، ص 54، س 7.
3 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 4، ص 85، س 2.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 292، س 8.
422

فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين 36 أهم خير أم قوم تبع
والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين 37 وما
خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين 38 ما
خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون 39 إن يوم
الفصل ميقاتهم أجمعين 40
المزيلة للحياة الدنيوية.
* (وما نحن بمنشرين) *: بمبعوثين.
* (فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين) *: في وعدكم.
* (أهم خير أم قوم تبع) *: تبع الحميري الذي سار بالجيوش وحير الحيرة كان
مؤمنا وقومه كافرين، ولذلك ذمهم دونه.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم (1).
وعن الصادق (عليه السلام): إن تبعا قال للأوس والخزرج: كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي
أما أنا فلو أدركته لخدمته، وخرجت معه (2).
* (والذين من قبلهم) *: كعاد وثمود.
* (أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين) *: كما أن هؤلاء مجرمون.
* (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين) *: لاهين، فيه تنبيه على
ثبوت الحشر.
* (ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون) *: لقلة نظرهم.
* (إن يوم الفصل) *: فصل الحق عن الباطل والمحق عن المبطل.
* (ميقاتهم) *: وقت موعدهم.

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 66، س 20.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 66، س 22.
423

يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون 41 إلا
من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم 42 إن شجرت الزقوم
43 طعام الأثيم 44 كالمهل يغلى في البطون 45
* (أجمعين * يوم لا يغنى مولى عن مولى) *: أي مولى كان.
* (شيئا) *: شيئا من الإغناء.
* (ولا هم ينصرون * إلا من رحم الله) *: بالعفو عنه، وقبول الشفاعة فيه.
* (إنه هو العزيز) *: لا ينصر منه من أراد تعذيبه.
* (الرحيم) *: لمن أراد أن يرحمه.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) أنه قرئ عليه هذه الآية فقال: نحن والله الذي يرحم الله،
ونحن والله الذي استثنى الله لكنا نغني عنهم (1).
وعنه (عليه السلام): والله ما استثنى الله عز ذكره بأحد من أوصياء الأنبياء ولا أتباعهم ما خلا
أمير المؤمنين (عليه السلام) وشيعته، فقال في كتابه، وقوله الحق " يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ولا
هم ينصرون * إلا من رحم الله " يعني بذلك عليا (عليه السلام) وشيعته (2).
والقمي: قال: من والى غير أولياء الله لا يغني بعضهم عن بعض، ثم استثنى، من والى آل
محمد صلوات الله عليهم فقال: " إلا من رحم الله " الآية (3).
* (إن شجرت الزقوم) *: مر معناه في سورة الصافات (4).
* (طعام الأثيم) *: الكثير الآثام. القمي: نزلت في أبي جهل (5).
* (كالمهل) *: قيل: وهو ما يمهل في النار حتى يذوب (6).

1 - الكافي: ج 1، ص 423، ح 56، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - الكافي: ج 8، ص 35، ح 6، س 12.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 292، س 9.
4 - ذيل الآية: 62.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 292، س 11.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 377، س 15.
424

كغلي الحميم 46 خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم 47 ثم
صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم 48 ذق إنك أنت
العزيز الكريم 49 إن هذا ما كنتم به تمترون 50 إن
المتقين في مقام أمين 51
القمي: قال: المهل الصفر المذاب (1).
* (يغلى في البطون) *: وقرئ بالياء.
* (كغلي الحميم) *: القمي: وهو الذي قد حمى وبلغ المنتهى (2).
* (خذوه) *: على إرادة القول والمقول له الزبانية.
* (فاعتلوه) *: فجروه، والعتل الأخذ بمجامع الشئ وجره بقهر، وقرئ بالضم.
* (إلى سواء الجحيم) *: وسطه. والقمي: أي فاضغطوه من كل جانب، ثم أنزلوا به إلى
سواء الجحيم (3).
* (ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم) *: من عذاب هو الحميم.
* (ذق إنك أنت العزيز الكريم) *: أي وقولوا له: ذلك، استهزاءا به.
القمي: وذلك أن أبا جهل كان يقول: أنا العزيز الكريم، فيعير بذلك في النار (4).
وفي الجوامع: روي أن أبا جهل قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): ما بين جبليها أعز ولا أكرم
مني (5)، وقرئ إنك بالفتح أي لأنك.
* (إن هذا) *: هذا العذاب.
* (ما كنتم به تمترون) *: تشكون وتمارون فيه.
* (إن المتقين في مقام) *: في موضع إقامة، وقرئ بفتح الميم.

1 و 2 و 3 و 4 - تفسير القمي: ج 2، ص 292، س 12 و 14 و 16.
5 - جوامع الجامع: ص 440، س 8، الطبعة الحجرية.
425

في جنت وعيون 52 يلبسون من سندس وإستبرق
متقبلين 53 كذلك وزوجناهم بحور عين 54 يدعون
فيها بكل فكهة آمنين 55 لا يذوقون فيها الموت إلا
الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم 56
* (أمين) *: يأمن صاحبه عن الآفة والانتقال.
* (في جنت وعيون * يلبسون من سندس وإستبرق) *: السندس ما رق من
الحرير والإستبرق ما غلظ منه.
* (متقبلين) *: في مجالسهم ليستأنس بعضهم ببعض.
* (كذلك) *: الأمر كذلك.
* (وزوجناهم بحور عين) *: قرناهم بهن ولذلك عدى بالباء، والحوراء: البيضاء،
والعيناء: عظيم العينين. في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار
النار بعث رب العزة عليا (عليه السلام) فأنزلهم منازلهم من الجنة فزوجهم، فعلي والله الذي يزوج أهل
الجنة في الجنة، وما ذاك إلى أحد غيره كرامة من الله وفضلا فضله الله ومن به عليه (1).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: المؤمن يزوج ثمان مائة عذراء، وألف ثيب، وزوجتين
من الحور العين (2).
* (يدعون فيها بكل فكهة) *: يطلبون ويأمرون باحضار ما يشتهون من الفواكه
لا يتخصص شئ منها بمكان ولا زمان.
* (آمنين) *: من الضرر.
* (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) *: التي في الدنيا حين يشارف

1 - الكافي: ج 8، ص 159، ح 154، حديث الناس يوم القيامة.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 82، س 14.
426

فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم 57 فإنما يسرناه
بلسانك لعلهم يتذكرون 58 فارتقب إنهم مرتقبون 59
الجنة، ويشاهدها، بل يحيون فيها دائما.
* (ووقاهم عذاب الجحيم * فضلا من ربك) *: أعطوا ذلك كله تفضلا منه.
* (ذلك هو الفوز العظيم) *: لأنه خلاص عن المكاره (1)، وفوز بالمطالب.
* (فإنما يسرناه بلسانك) *: سهلناه حيث أنزلناه بلغتك، وهو فذلكة للسورة.
* (لعلهم يتذكرون) *: يفهمونه فيتذكرون به لما لم يتذكروا.
* (فارتقب) *: فانتظر ما يحل بهم.
* (إنهم مرتقبون) *: منتظرون ما يحل بك.
في ثواب الأعمال (2)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) من أدمن سورة الدخان في فرائضه
ونوافله بعثه الله من الآمنين يوم القيامة، وظلله تحت عرشه، وحاسبه حسابا يسيرا وأعطاه
كتابه بيمينه (3).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) إنه سئل كيف أعرف أن ليلة القدر تكون في كل سنة؟ قال: إذا أتى
شهر رمضان فاقرأ سورة الدخان في كل ليلة مائة مرة فإذا أتت ليلة ثلاث وعشرين فإنك
ناظر إلى تصديق الذي سألت عنه (4).
* * *

1 - وفي نسخة: [من المكاره].
2 - ثواب الأعمال: ص 114، ح 1، باب ثواب من قرأ سورة الدخان.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 60، في فضلها.
4 - الكافي: ج 1، ص 252، ذيل ح 8، باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها.
427

سورة الجاثية
429

بسم الله الرحمن الرحيم
حم 1 تنزيل الكتب من الله العزيز الحكيم 2 إن في
السماوات والأرض لآيات للمؤمنين 3 وفى خلقكم
وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون 4 واختلف الليل
والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض
بعد موتها وتصريف الريح آيات لقوم يعقلون 5
سورة الجاثية: مكية، عدد آيها سبع وثلاثون آية كوفي، ست في الباقين، اختلافها آية
" حم " كوفي.
* (حم * تنزيل الكتب من الله العزيز الحكيم * إن في السماوات
والأرض لآيات للمؤمنين) *: القمي: وهي النجوم، والشمس، والقمر، وفي الأرض ما
يخرج منها من أنواع النبات للناس والدواب (1).
* (وفى خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون) *: وقرئ بالنصب.
* (واختلف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق) *: من مطر،
سماه رزقا لأنه سببه.
* (فأحيا به الأرض بعد موتها) *: يبسها.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 293، س 8.
431

تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله
وآياته يؤمنون 6 ويل لكل أفاك أثيم 7 يسمع
آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها
فبشره بعذاب أليم 8
* (وتصريف الريح) *: باختلاف جهاتها وأحوالها.
القمي: أي يجئ من كل جانب، وربما كانت حارة، وربما كانت باردة، ومنها: ما يثير
السحاب، ومنها: ما يبسط في الأرض، ومنها: ما يلقح الشجر (1).
* (آيات) *: وقرئ وتصريف الريح.
* (لقوم يعقلون) *: فيه القراءتان، قيل: لعل اختلاف الفواصل لاختلاف الآيات في
الدقة والظهور (2).
* (تلك آيات الله) *: تلك الآيات دلائله.
* (نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته) *: أي بعد آيات الله، وتقديم
اسم الله للمبالغة والتعظيم كما في قولك: أعجبني زيد وكرمه، أو بعد حديث الله وهو القرآن.
* (يؤمنون) *: وقرئ بالياء.
* (ويل لكل أفاك) *: كذاب.
* (أثيم) *: كثير الإثم.
* (يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر) *: يقيم على كفره.
* (مستكبرا) *: عن الإيمان بالآيات، و " ثم " لاستبعاد الإصرار بعد سماع الآيات.
* (كأن لم يسمعها) *: أي كأنه.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 293، س 10.
2 - قاله العمادي في تفسيره أبي السعود: ج 8، ص 68، س 20.
432

وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب
مهين 9 من ورائهم جهنم ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئا
ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم 10
هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز
أليم 11 الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه
بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون 12
* (فبشره بعذاب أليم) *: على إصراره.
* (وإذا علم من آياتنا شيئا) *: وإذا بلغه شئ، وعلم أنه منها.
والقمي: إذا رأى فوضع العلم مكان الرؤية (1).
* (اتخذها هزوا) *: أي الآيات كلها أو الشئ لأنه بمعنى الآية.
* (أولئك لهم عذاب مهين) *: لذلك.
* (من ورائهم جهنم ولا يغنى عنهم) *: ولا يدفع.
* (ما كسبوا) *: من الأموال والأولاد.
* (شيئا) *: من عذاب الله.
* (ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء) *: من الأصنام والرؤساء.
* (ولهم عذاب عظيم) *: لا يتحملونه.
* (هذا هدى) *: أي القرآن.
* (والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم) *: وقرئ " أليم "
بالرفع، و " الرجز ": أشد العذاب.
* (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره) *: بتسخيره وأنتم

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 293، س 14.
433

وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن
في ذلك لآيات لقوم يتفكرون 13 قل للذين آمنوا
يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا
يكسبون 14 من عمل صلحا فلنفسه ومن أساء فعليها
ثم إلى ربكم ترجعون 15
راكبوها.
* (ولتبتغوا من فضله) *: بالتجارة، والغوص، والصيد، وغيرها.
* (ولعلكم تشكرون) *: هذه النعم.
* (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا) *: بأن خلقها نافعة لكم.
* (منه) *: كائنة منه.
* (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) *: في صنائعه.
* (قل للذين آمنوا يغفروا) *: أي قل لهم: اغفروا، " يغفروا " يعني يعفوا ويصفحوا.
* (للذين لا يرجون أيام الله) *: لا يتوقعون وقائعه بأعدائه.
* (ليجزى قوما بما كانوا يكسبون) *: وقرئ لنجزي بالنون، القمي: قال: يقول
لأئمة الحق: لا تدعوا على أئمة الجور حتى يكون الله هو الذي يعاقبهم (1).
وعن الصادق (عليه السلام): قال: قل للذين مننا عليهم بمعرفتنا أن يعرفوا الذين لا يعلمون فإذا
عرفوهم فقد غفروا لهم (2).
* (من عمل صلحا فلنفسه ومن أساء فعليها) *: إذ لها ثواب العمل وعليها
عقابه.
* (ثم إلى ربكم ترجعون) *: فيجازيكم على أعمالكم.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 293، س 21.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 294، س 5.
434

ولقد آتينا بني إسرائيل الكتب والحكم والنبوة ورزقناهم
من الطيبات وفضلناهم على العلمين 16 وآتيناهم
بينت من الامر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم
بغيا بينهم إن ربك يقضى بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه
يختلفون 17 ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها
ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون 18
* (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتب) *: التوراة.
* (والحكم) *: الحكمة أو فصل الخصومات.
* (والنبوة) *: إذ كثر الأنبياء فيهم ما لم يكثر في غيرهم.
* (ورزقناهم من الطيبات) *: مما أحل الله من اللذائذ.
* (وفضلناهم على العلمين) *: عالمي زمانهم.
* (وآتيناهم بينت من الامر) *: أدلة من أمر الدين ويندرج فيها المعجزات.
وقيل: آيات من أمر النبي (صلى الله عليه وآله) مبينة لصدقه (1).
* (فما اختلفوا) *: في ذلك الأمر.
* (إلا من بعد ما جاءهم العلم) *: بحقيقة الحال.
* (بغيا بينهم) *: عداوة وحسدا.
* (إن ربك يقضى بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون) *: بالمؤاخذة
والمجازاة.
* (ثم جعلناك على شريعة) *: طريقة.
* (من الامر) *: أمر الدين.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2 ص 381، س 5.
435

إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم
أولياء بعض والله ولى المتقين 19 هذا بصائر للناس
وهدى ورحمة لقوم يوقنون 20 أم حسب الذين اجترحوا
السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات
سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون 21
* (فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) *: آراء الجهال التابعة للشهوات.
قيل: هم رؤساء قريش قالوا له: ارجع إلى دين آبائك (1).
* (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا) *: مما أراد بك.
* (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض) *: إذ الجنسية علة الانضمام فلا توالوهم
باتباع أهوائهم.
* (والله ولى المتقين) *: فوال الله بالتقى واتباع الشريعة.
القمي: هذا تأديب رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمعنى لامته (2).
* (هذا بصائر للناس) *: بينات تبصرهم وجه الفلاح.
* (وهدى) *: من الضلال.
* (ورحمة) *: من الله.
* (لقوم يوقنون) *: يطلبون اليقين.
* (أم حسب الذين اجترحوا السيئات) *: أم منقطعة، ومعنى الهمزة فيه إنكار
الحسبان، والإجتراح: الإكتساب.
* (أن نجعلهم) *: أن نصيرهم.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 381، س 8.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 294، س 12.
436

وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما
كسبت وهم لا يظلمون 22 أفرأيت من اتخذ إلهه
هويه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل
على بصره غشوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون 23
وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا
الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون 24
* (كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) *: مثلهم.
* (سواء محياهم ومماتهم) *: وقرئ سواء بالنصب.
* (ساء ما يحكمون * وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل
نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) *: بنقص ثواب، وتضعيف عذاب.
* (أفرأيت من اتخذ إلهه هويه) *: قيل: كان أحدهم يستحسن حجرا فيعبده
فإذا رأى أحسن منه رفضه إليه (1).
والقمي: قال: نزلت في قريش كلما هووا شيئا عبدوه، وقال: وجرت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في أصحابه الذين غصبوا أمير المؤمنين (عليه السلام) واتخذوا إماما بأهوائهم (2).
* (وأضله الله على علم) *: وخذله عالما بضلاله وفساد جوهر روحه.
* (وختم) *: الله.
* (على سمعه وقلبه) *: فلا يبالي بالمواعظ ولا يتفكر في الآيات.
* (وجعل على بصره غشوة) *: فلا ينظر بعين الإستبصار والاعتبار، وقرئ " غشوة ".
* (فمن يهديه من بعد الله) *: من بعد إضلاله.
* (أفلا تذكرون * وقالوا ما هي) *: ما الحياة.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 382. 2 - تفسير القمي: ج 2، ص 294.
437

* (إلا حياتنا الدنيا) *: التي نحن فيها.
* (نموت ونحيا) *: قيل: أي نموت نحن ويحيى آخرون ممن يأتون بعدنا (1).
والقمي: هذا مقدم ومؤخر لأن الدهرية لم يقروا بالبعث والنشور بعد الموت، وإنما
قالوا: " نحيي ونموت " (2).
* (وما يهلكنا إلا الدهر) *: إلا مرور الزمان.
* (وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) *: إذ لا دليل لهم عليه.
القمي: فهذا ظن شك، ونزلت هذه الآية في الدهرية، وجرت في الذين فعلوا ما فعلوا
بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمير المؤمنين (عليه السلام) وبأهل بيته (عليهم السلام)، وإنما كان إيمانهم إقرارا بلا تصديق
خوفا من السيف ورغبة في المال (3).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في حديث وجوه الكفر قال: فأما كفر الجحود: فهو
الجحود بالربوبية، وهو قول من يقول لا رب ولا جنة ولا نار، وهو قول صنفين من الزنادقة
يقال لهم: الدهرية، وهم الذين يقولون: " ما يهلكنا إلا الدهر " وهو دين وضعوه لأنفسهم
بالاستحسان منهم على غير تثبت منهم، ولا تحقيق لشئ مما يقولون، قال الله عز وجل " إن
هم إلا يظنون " إن ذلك كما يقولون (4).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر، قال: وتأويله إن
أهل الجاهلية كانوا ينسبون الحوادث المجحفة، والبلايا النازلة إلى الدهر، فيقولون: فعل الدهر
كذا، وكان يسبون الدهر، فقال (عليه السلام): إن فاعل هذه الأمور هو الله تعالى فلا تسبوا فاعلها،
وقيل: معناه فإن الله مصرف الدهر ومدبره، قال: والوجه الأول أحسن فإن كلامهم مملو من
ذلك ينسبون أفعال الله إلى الدهر (5).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 382، س 11.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 294 - 295.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 295، س 2.
4 - الكافي: ج 2، ص 389، ح 1، باب وجوه الكفر.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 78 - 79.
438

وإذا تتلى عليهم آياتنا بينت ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا
بآبائنا إن كنتم صادقين 25 قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم
يجمعكم إلى يوم القيمة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا
يعلمون 26 ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم
الساعة يومئذ يخسر المبطلون 27 وترى كل أمة جاثية
كل أمة تدعى إلى كتبها اليوم تجزون ما كنتم تعملون 28
* (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينت) *: واضحات الدلالة على ما يخالف معتقدهم.
* (ما كان حجتهم) *: ما كان لهم متشبث يعارضونها به.
* (إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين * قل الله يحييكم ثم يميتكم
ثم يجمعكم إلى يوم القيمة لا ريب فيه) *: فإن من قدر على الإبداء قدر على الإعادة.
* (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *: لقلة تفكرهم، وقصور نظرهم على ما يحسونه.
* (ولله ملك السماوات والأرض) *: تعميم للقدرة بعد تخصيصها.
* (ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون * وترى كل أمة جاثية) *:
قيل: أي مجثية من الجثوة وهي الجماعة (1)، أو باركة مستوفزة (2) على الركب (3).
والقمي: أي على ركبها (4).

1 - قال الطريحي في مجمع البحرين: ج 1، ص 81: جثيا: أي على الركب لا يستطيعون القيام بما هم فيه، واحدهم:
جاث: وتلك جلسة المخاصم والمجادل، وفي حديث علي (عليه السلام) " أنا أول من يجثو للخصومة "، أي يجلس على الركب
وأطراف الأصابع عند الحساب. أقول: وهذا المعنى هو الأوضح.
2 - الوفز - ويحرك -: العجلة جمعها أوفاز، وأوفزه أعجله، واستوفز في قعدته: انتصب فيها غير مطمئن، أو
وضع ركبتيه ورفع أليتيه، أو استقل على رجليه ولما يستو قائما وقد تهيأ للوثوب. القاموس المحيط: ج 2، ص
195، مادة " وفز ". 4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 383، س 4.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 295، س 9.
439

هذا كتبنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم
تعملون 29
* (كل أمة تدعى إلى كتبها) *: صحيفة أعمالها، وقرئ كل بالنصب.
* (اليوم تجزون ما كنتم تعملون) *: على تقدير القول.
* (هذا كتبنا) *: قيل: أضاف صحائف أعمالهم إلى نفسه لأنه أمر الكتبة أن يكتبوا
فيها أعمالهم (1).
أقول: ويأتي وجه آخر عن قريب.
* (ينطق عليكم بالحق) *: يشهد عليكم بما عملتم بلا زيادة ولا نقصان.
* (إنا كنا نستنسخ) *: نستكتب الملائكة.
* (ما كنتم تعملون) *: أعمالكم، وفي الكافي (2)، والقمي: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل
عن هذه الآية؟ فقال: إن الكتاب لم ينطق ولن ينطق، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الناطق
بالكتاب، قال الله تعالى: " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق " فقيل: إنا لا نقرؤها هكذا، فقال:
هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله)، ولكنه مما حرف من كتاب الله (3).
أقول: كأنه قرأ (عليه السلام) ينطق بضم الياء وفتح الطاء (4).
وعن الصادق (عليه السلام): أنه سئل عن " ن والقلم " (5) قال: إن الله تعالى خلق القلم من شجرة
في الجنة يقال لها الخلد، ثم قال لنهر في الجنة: كن مدادا فجمد النهر، وكان أشد بياضا من الثلج
وأحلى من الشهد، ثم قال للقلم: اكتب، قال: يا رب ما أكتب؟ قال: اكتب ما كان وما هو كائن
إلى يوم القيامة، فكتب القلم في رق أشد بياضا من الفضة وأصفى من الياقوت، ثم طواه فجعله

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 383، س 6.
2 - الكافي: ج 8، ص 50، ح 11.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 295، س 14. وفيه: " هذا بكتابنا ينطق عليكم بالحق "، وهذا أنسب مما في الكافي.
4 - أقول: لم أر وجها صحيحا لقوله (قدس سره).
5 - القلم: 1.
440

فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في
رحمته ذلك هو الفوز المبين 30 وأما الذين كفروا أفلم
تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين 31
وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما
ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين 32
في ركن العرش، ثم ختم على فم القلم ولا ينطق فلا ينطق أبدا، فهو الكتاب المكنون الذي منه
النسخ كلها، أولستم عربا فكيف لا تعرفون معنى الكلام؟ وأحدكم يقول لصاحبه: انسخ ذلك
الكتاب، أوليس إنما ينسخ من كتاب آخر من الأصل (1)، وهو قوله: " إنا كنا نستنسخ ما كنتم
تعملون " (2).
وفي سعد السعود: في حديث الملكين الموكلين بالعبد إنهما إذا أرادا النزول صباحا
ومساءا ينسخ لهما إسرافيل عمل العبد من اللوح المحفوظ فيعطيهما ذلك فإذا صعدا صباحا
ومساءا بديوان العبد قابله إسرافيل بالنسخ التي انتسخ لهما حتى يظهر أنه كان كما نسخ منه (3).
* (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته) *: التي
من جملتها الجنة.
* (ذلك هو الفوز المبين) *: لخلوصه عن الشوائب.
* (وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم) *: أي فيقال لهم ذلك.
* (فاستكبرتم) *: عن الإيمان بها.
* (وكنتم قوما مجرمين) *: عادتكم الإجرام.
* (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها) *: وقرئ بالنصب.

1 - هكذا في الأصل. وفي المصدر: " إنما ينسخ من كتاب اخذ من الأصل "، وهذا هو الصحيح.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 379 - 380.
3 - سعد السعود: ص 226، س 9.
441

وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به
يستهزءون 33 وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء
يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من نصرين 34
ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا
فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون 35
* (قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين * وبدا
لهم) *: ظهر لهم.
* (سيئات ما عملوا) *: بأن عرفوا قبحها، وعاينوا وخامة عاقبتها.
* (وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) *: وهو الجزاء.
* (وقيل اليوم ننساكم) *: نترككم في العذاب ترك ما ينسى.
* (كما نسيتم لقاء يومكم هذا) *: كما تركتم عدته ولم تبالوا به.
* (ومأواكم النار وما لكم من نصرين) *: يخلصونكم منها.
* (ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا) *: القمي: وهم الأئمة (عليهم السلام) أي كذبتموهم
واستهزأتم بهم (1).
* (وغرتكم الحياة الدنيا) *: فحسبتم أن لا حياة سواها.
* (فاليوم لا يخرجون منها) *: من النار، وقرئ بفتح الياء وضم الراء.
* (ولا هم يستعتبون) *: لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم أي يرضوه لفوات أوانه.
والقمي: ولا يجاوبون ولا يقبلهم الله (2).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 295، س 20.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 295، س 21.
442

فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العلمين 36
وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم 37
* (فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العلمين) *: إذ الكل
نعمة منه.
* (وله الكبرياء في السماوات والأرض) *: إذ ظهر فيها آثار قدرته، في الحديث
القدسي: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدة منهما ألقيته في نار جهنم (1).
* (وهو العزيز) *: الذي لا يغلب.
* (الحكيم) *: فيما قدر وقضى فاحدوه وكبروه وأطيعوا له.
في ثواب الأعمال (2)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ سورة الجاثية كان ثوابها أن لا
يرى النار أبدا، ولا يسمع زفير جهنم ولا شهيقها، وهو مع محمد (صلى الله عليه وآله) (3).
* * *

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 81، س 17. وجاء ما يقرب منه في مرآة العقول: ج 10، ص 184.
2 - ثواب الأعمال: ص 114، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الجاثية.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 70، في فضلها.
443

سورة الأحقاف
445

بسم الله الرحمن الرحيم
حم 1 تنزيل الكتب من الله العزيز الحكيم 2 ما خلقنا
السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى
والذين كفروا عما أنذروا معرضون 3 قل أرءيتم ما
تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم
شرك في السماوات ائتوني بكتب من قبل هذا أو أثرة
من علم إن كنتم صادقين 4
سورة الأحقاف: مكية، عدد آيها خمس وثلاثون آية كوفي، أربع في الباقين.
* (حم * تنزيل الكتب من الله العزيز الحكيم * ما خلقنا السماوات
والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى) *: ينتهي إليه الكل، وهو يوم القيامة، أو
كل واحد وهو آخر مدة بقائه المقدر له.
* (والذين كفروا عما أنذروا معرضون) *: لا يتفكرون فيه ولا يستعدون لحلوله.
* (قل أرءيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم
شرك في السماوات) *: أي أخبروا عن حال آلهتكم بعد تأمل فيها، هل يعقل أن يكون لها
مدخل في أنفسها في خلق شئ من أجزاء العالم فيستحق به العبادة؟
447

ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى
يوم القيمة وهم عن دعائهم غافلون 5 وإذا حشر
الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كفرين 6
* (ائتوني بكتب من قبل هذا) *: من قبل هذا الكتاب، يعني القرآن فإنه ناطق
بالتوحيد.
* (أو أثرة من علم) *: أو بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين، هل فيها ما
يدل على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به؟
* (إن كنتم صادقين) *: في عدواكم، وهو إلزام بعدم ما يدل على ألوهيتهم بوجه ما
نقلا بعد إلزامهم بعدم ما يقتضيها عقلا.
وفي المجمع: قرأ علي (عليه السلام) أو " أثرة " بسكون الثاء من غير ألف (1).
في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: عنى بالكتاب: التوراة
والإنجيل، وأما أثارة من العلم: فإنما عنى بذلك علم أوصياء الأنبياء (2).
* (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له) *: إنكار أن يكون
أحد أضل من المشركين حيث تركوا عبادة السميع المجيب القادر الخبير إلى عبادة من لا
يستجيب لهم لو سمع دعائهم، فضلا عن أن يعلم سرائرهم ويراعي مصالحهم.
* (إلى يوم القيمة) *: ما دامت الدنيا.
* (وهم عن دعائهم غافلون) *: لأنهم إما جمادات، وإما عباد مسخرون مشتغلون
بأحوالهم.
* (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء) *: يضرونهم ولا ينفعونهم.
* (وكانوا بعبادتهم كفرين) *: كل من الضميرين ذو وجهين.

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 82، في القراءة.
2 - الكافي: ج 1، ص 426، ح 72، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
448

وإذا تتلى عليهم آياتنا بينت قال الذين كفروا للحق لما
جاءهم هذا سحر مبين 7 أم يقولون افتراه قل إن
افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون
فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم 8 قل
ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم إن
أتبع إلا ما يوحى إلى وما أنا إلا نذير مبين 9
* (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينت قال الذين كفروا للحق) *: لأجله وفي شأنه.
* (لما جاءهم هذا سحر مبين) *: ظاهر بطلانه.
* (أم يقولون افتراه) *: إضراب عن ذكر تسميتهم إياه سحرا إلى ذكر ما هو أشنع
منه وإنكار له وتعجب.
* (قل إن افتريته) *: على الفرض.
* (فلا تملكون لي من الله شيئا) *: أي إن عاجلني الله بالعقوبة فلا تقدرون على دفع
شئ منها، فكيف أجترأ عليه وأعرض نفسي للعقاب من غير توقع نفع ولا دفع ضر من قبلكم.
* (هو أعلم بما تفيضون فيه) *: تندفعون فيه من القدح في آياته.
* (كفى به شهيدا بيني وبينكم) *: يشهد لي بالصدق والبلاغ، وعليكم بالكذب
والإنكار، وهو وعيد بجزاء إفاضتهم.
* (وهو الغفور الرحيم) *: وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وآمن، وإشعار بحلم الله
عنهم مع جرأتهم، وقد سبق من العيون (1) حديث في شأن نزول هذه الآية في سورة الشورى
عند قوله تعالى: " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " (2).
* (قل ما كنت بدعا من الرسل) *: بديعا منهم أدعوكم إلى ما لم يدعوا إليه أو أقدر

1 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 236، ح 1، باب 23 - ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة
والأمة.
2 - الشورى: 25.
449

قل أرءيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل
على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم
الظالمين 10 وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما
سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم 11
على ما لم يقدروا عليه.
* (وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم) *: في الدارين على التفصيل إذ لا علم لي
بالغيب، وقد سبق في هذه الآية من الاحتجاج (1) حديث في المقدمة السادسة (2).
* (إن أتبع إلا ما يوحى إلى) *: لا أتجاوزه.
* (وما أنا إلا نذير) *: عن عقاب الله.
* (مبين) *: يبين الإنذار عن العواقب بالشواهد المبينة والمعجزات المصدقة.
* (قل أرءيتم إن كان من عند الله) *: أي القرآن.
* (وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل) *: قيل: هو عبد الله بن سلام (3).
وقيل: موسى (عليه السلام) وشهادته ما في التوراة من نعت الرسول (صلى الله عليه وآله) (4).
* (على مثله) *: مما في التوراة من المعاني المصدقة له المطابقة عليه.
* (فآمن) *: أي بالقرآن لما رآه من جنس الوحي مطابقا للحق.
* (واستكبرتم) *: عن الإيمان.
* (إن الله لا يهدى القوم الظالمين) *: استئناف مشعر بأن كفرهم به لضلالهم
المسبب عن ظلمهم، ودليل على الجواب المحذوف أي ألستم ظالمين.
* (وقال الذين كفروا للذين آمنوا) *: لأجلهم.

1 - الاحتجاج: ج 1، ص 367، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق في آي متشابهة.
2 - راجع ج 1، ص 88، من كتابنا تفسير الصافي.
3 و 4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 386، س 7.
450

ومن قبله كتب موسى إماما ورحمة وهذا كتب مصدق
لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين 12
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا
هم يحزنون 13
* (لو كان خيرا) *: أي الإيمان أو ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله).
* (ما سبقونا إليه) *: وهم فقراء وموال ورعاة.
* (وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك) *: كذب.
* (قديم) *: وهو كقولهم أساطير الأولين.
* (ومن قبله) *: ومن قبل القرآن.
* (كتب موسى إماما ورحمة وهذا كتب مصدق) *: لكتاب موسى.
* (لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا) *: وقرئ بالتاء.
* (وبشرى للمحسنين * إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) *: قيل: أي
اجمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم، والاستقامة في الأمور التي هي منتهى العمل،
و " ثم " للدلالة على تأخر رتبة العمل، وتوقف اعتباره على التوحيد (1).
والقمي: قال: استقاموا على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
وقد مر له بيان في حم السجدة (3).
* (فلا خوف عليهم) *: من لحوق مكروه.
* (ولا هم يحزنون) *: على فوات محبوب.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 386، س 21.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 297، س 2.
3 - ذيل الآية 30 من سورة فصلت، انظر ص 337 من هذا الجزء.
451

أولئك أصحب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون
14 ووصينا الإنسان بولديه إحسنا حملته أمه كرها ووضعته
كرها وحمله وفصله ثلثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ
أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت
على وعلى ولدى وأن أعمل صلحا ترضه وأصلح لي في
ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين 15 أولئك
الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم
في أصحب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون 16
* (أولئك أصحب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون * ووصينا
الإنسان بولديه إحسنا) *: وقرئ إحسانا، وفي المجمع: عن علي (عليه السلام) حسنا بفتحتين (1).
* (حملته أمه كرها ووضعته كرها) *: وقرئ بالفتح.
* (وحمله وفصله) *: ومدة حمله وفطامه، وقرئ وفصله.
* (ثلثون شهرا) *: ذلك كله بيان لما تكابده الام في تربية الولد، ومبالغة في التوصية بها.
* (حتى إذا بلغ أشده) *: استحكم قوته وعقله.
* (وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني) *: ألهمني.
* (أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى ولدى وأن أعمل صلحا
ترضه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك) *: عما يشغل عنك.
* (وإني من المسلمين) *: المخلصين لك.
* (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم) *:
وقرئ بالنون فيهما.

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 84، في القراءة.
452

* (في أصحب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) *: في الدنيا، في
الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: لما حملت فاطمة (عليها السلام) بالحسين (عليه السلام) جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن فاطمة (عليها السلام) ستلد غلاما تقتله أمتك من بعدك، فلما حملت فاطمة (عليها السلام)
بالحسين (عليه السلام) كرهت حمله، وحين وضعته كرهت وضعه، ثم قال (عليه السلام): لم تر في الدنيا أم تلد
غلاما تكرهه، ولكنها كرهته لما علمت أنه سيقتل، قال: وفيه نزلت هذه الآية (1).
وفي رواية أخرى: ثم هبط جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويبشرك
بأنه جاعل لذريته الإمامة والولاية والوصية، فقال: إني رضيت، ثم بشر فاطمة بذلك
فرضيت، قال: فلولا أنه قال: " أصلح لي في ذريتي " لكانت ذريته كلهم أئمة، قال: ولم يرضع
الحسين (عليه السلام) من فاطمة ولا من أنثى، وكان يؤتى به النبي (صلى الله عليه وآله) فيضع إبهامه في فيه فيمص منها
ما يكفيه اليومين والثلاثة، فنبت لحم الحسين (عليه السلام) من لحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودمه (2)، ولم يولد
لستة أشهر إلا عيسى بن مريم (عليهما السلام) والحسين (عليه السلام) (3).
وفي العلل: عنه (عليه السلام) ما يقرب منها (4). وزاد القمي ونقص (5).
وفي ارشاد المفيد: رووا أن عمر اتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهم برجمها، فقال له
أمير المؤمنين (عليه السلام): إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك، إن الله تعالى يقول: " وحمله وفصله
ثلثون شهرا " (6) ويقول: " والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم
الرضاعة " (7) فإذا أتمت المرأة الرضاعة لسنتين وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا كان الحمل
منهما ستة أشهر، فخلى عمر سبيل المرأة، وثبت الحكم بذلك يعمل به الصحابة والتابعون، ومن
أخذ عنه إلى يومنا هذا (8).

1 - الكافي: ج 1، ص 464، ح 3، باب مولد الحسين بن علي (عليهما السلام).
2 - ومن هنا ورد الحديث المشهور عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " حسين مني وأنا من حسين "، مضافا إلى أنه ولده،
وقرة عينه، وفلذة كبده، ومهجة قلبه، وثمرة فؤاده، و.
3 - الكافي: ج 1، ص 464 - 465، ح 4، باب مولد الحسين بن علي (عليهما السلام).
4 - علل الشرائع: ص 205 - 206، ح 3، باب 156 - العلة التي من أجلها صارت الإمامة في ولد الحسين دون
الحسن صلوات الله عليهما.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 297، س 5.
6 - الأحقاف: 15.
7 - البقرة: 233.
8 - الإرشاد للشيخ المفيد: ص 110.
453

والذي قال لولديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت
القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد
الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين 17 أولئك
الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من
الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين 18 ولكل درجت مما
عملوا وليوفيهم أعملهم وهم لا يظلمون 19
وفي الخصال: عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا بلغ العبد ثلاثا وثلاثين سنة فقد بلغ أشده، وإذا
بلغ أربعين سنة فقد بلغ وانتهى منتهاه، فإذا طعن في إحدى وأربعين فهو في النقصان، وينبغي
لصاحب الخمسين أن يكون كمن كان في النزع (1).
* (والذي قال لولديه أف لكما أتعدانني) *: وقرئ بنون واحدة مشددة.
* (أن أخرج) *: ابعث.
* (وقد خلت القرون من قبلي) *: فلم يرجع أحد منهم.
* (وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا
أساطير الأولين) *: أباطيلهم التي كتبوها، القمي قال: نزلت في عبد الرحمان بن أبي بكر (2).
* (أولئك الذين حق عليهم القول) *: بأنهم أهل النار.
* (في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين *
ولكل) *: من الفريقين.
* (درجت) *: مراتب.
* (مما عملوا) *: من جزاء ما عملوا من الخير والشر أو من أجل ما عملوا،

1 - الخصال: ص 545، ح 23، باب فيمن عمر أربعين سنة فما فوقها.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 297، س 19.
454

ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيبتكم في
حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما
كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون 20
والدرجات: غالبة في المثوبة، وهاهنا جاءت على التغليب.
* (وليوفيهم أعملهم) *: جزاؤها، وقرئ بالنون.
* (وهم لا يظلمون) *: بنقص ثواب، وزيادة عقاب.
* (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) *: يعذبون بها.
وقيل: تعرض النار عليهم، فقلب مبالغة كقولهم: عرضت الناقة على الحوض (1).
* (أذهبتم طيبتكم) *: لذائذكم، أي يقال لهم: أذهبتم، وقرئ بالاستفهام.
* (في حياتكم الدنيا) *: باستيفائها.
* (واستمتعتم بها) *: فما بقى لكم منها شئ.
القمي قال: أكلتم وشربتم ولبستم وركبتم وهي في بني فلان (2).
* (فاليوم تجزون عذاب الهون) *: قال: العطش (3).
* (بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) *: عن طاعة
الله، في المحاسن: عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) قال: اتي النبي (صلى الله عليه وآله) بخبيص (4) فأبى أن يأكله،
فقيل أتحرمه؟ قال: لا، ولكني أكره أن تتوق (5) إليه نفسي، ثم تلا هذه الآية " أذهبتم طيبتكم
في حياتكم الدنيا " (6).

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 388، س 12.
2 و 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 298، س 6.
4 - الخبيص والخبيصة: طعام معمول من التمر والزبيب والسمن، فعيل بمعنى مفعول، ويجمع على أخبصة. مجمع
البحرين: ج 4، ص 167، مادة " خبص ".
5 - تاقت نفسي إلى الشئ توقا وتوقانا، أي اشتاقت. يقال: المرء تواق إلى ما لم ينل. الصحاح: ج 4، ص 1453،
مادة " توق ".
6 - المحاسن: ج 2، ص 177، ح 1501 / 137، باب 15 - التواضع.
455

واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر
من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف
عليكم عذاب يوم عظيم 21 قالوا أجئتنا لتأفكنا عن
آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصدقين 22 قال إنما
العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أريكم
قوما تجهلون 23
* (واذكر أخا عاد) *: يعني هودا.
* (إذ أنذر قومه بالأحقاف) *: قيل: هي جمع حقف، وهي رمل مستطيل مرتفع فيه
انحناء (1).
القمي: الأحقاف: من بلاد عاد من الشقوق إلى الأجفر، وهي أربعة منازل (2).
* (وقد خلت النذر) *: الرسل.
* (من بين يديه ومن خلفه) *: قبل هود وبعده.
* (ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) *: هائل بسبب شرككم.
* (قالوا أجئتنا لتأفكنا) *: لتصرفنا.
* (عن آلهتنا) *: عن عبادتها.
* (فأتنا بما تعدنا) *: من العذاب على الشرك.
* (إن كنت من الصدقين) *: في وعدك.
* (قال إنما العلم عند الله) *: لا علم لي بوقت عذابكم ولا مدخل لي فيه فأستعجل
به وإنما علمه عند الله فيأتيكم به في وقته المقدر له.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 388، س 17.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 298، س 8.
456

فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض
ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم 24
تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مسكنهم
كذلك نجزى القوم المجرمين 25
* (وأبلغكم ما أرسلت به) *: وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
* (ولكني أريكم قوما تجهلون) *: لا تعلمون أن الرسل بعثوا مبلغين ومنذرين
لا معذبين مقترحين.
* (فلما رأوه عارضا) *: سحابا عرض في أفق السماء.
* (مستقبل أوديتهم) *: متوجه أوديتهم.
* (قالوا هذا عارض ممطرنا) *: أي يأتينا بالمطر.
* (بل هو) *: أي قال هود: " بل هو ".
* (ما استعجلتم به) *: من العذاب.
* (ريح) *: هي ريح.
* (فيها عذاب أليم * تدمر) *: تهلك.
* (كل شئ) *: من نفوسهم وأموالهم.
* (بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مسكنهم) *: أي فجاءتهم الريح فدمرتهم
فأصبحوا، وقرئ " لا ترى " على الخطاب يعني بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم،
وقرئ " لا ترى " بالتاء (1) المضمومة ورفع المساكن.
* (كذلك نجزى القوم المجرمين) *: القمي: كان نبيهم هود، وكانت بلادهم كثيرة
الخير خصبة، فحبس الله عنهم المطر سبع سنين حتى أجدبوا، وذهب خيرهم من بلادهم،

1 - وفي نسخة: [لا يرى بالياء].
457

ولقد مكنهم فيما إن مكنكم فيه وجعلنا لهم سمعا
وأبصرا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا
أفئدتهم من شئ إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم
ما كانوا به يستهزءون 26
وكان هود يقول لهم: ما حكى الله في سورة هود: " استغفروا ربكم ثم توبوا إليه " إلى قوله: " ولا
تتولوا مجرمين " (1) فلم يؤمنوا، وعتوا فأوحى الله إلى هود أنه يأتيهم العذاب في وقت كذا
وكذا، بريح فيها عذاب أليم، فلما كان ذلك الوقت نظروا إلى سحابة قد أقبلت ففرحوا، فقالوا:
" هذا عارض ممطرنا " الساعة تمطر، فقال لهم هود: " بل هو ما استعجلتم به " إلى قوله: " بأمر
ربها "، قال: فلفظه عام ومعناه خاص، لأنها تركت أشياءا كثيرة لم تدمرها وإنما دمرت مالهم
كله، قال: وكل هذه الأخبار من هلاك الأمم تخويف وتحذير لامة محمد (صلى الله عليه وآله) (2).
وروي أن هود لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت
الأحقاف على الكفرة، وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام، ثم كشفت عنهم، واحتملتهم،
وقذفتهم في البحر (3).
* (ولقد مكنهم فيما إن مكنكم فيه) *: " إن " نافية أو شرطية محذوفة الجواب،
أي كان بغيكم أكثر.
* (وجعلنا لهم سمعا وأبصرا وأفئدة) *: ليعرفوا تلك النعم ويستدلوا بها على
مانحها، ويواظبوا على شكرها.
* (فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصرهم ولا أفئدتهم من شئ) *: من الإغناء.
* (إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) *: من

1 - هود: 52.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 298، س 18.
3 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 389، س 15.
458

ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم
يرجعون 27 فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا
آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون 28
وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما
حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين 29
العذاب، القمي: أي قد أعطيناهم فكفروا فنزل بهم العذاب فاحذروا أن لا ينزل بكم ما نزل
بهم (1).
* (ولقد أهلكنا ما حولكم) *: يا أهل مكة.
* (من القرى) *: كحجر ثمود، وقرى قوم لوط.
* (وصرفنا الآيات) *: بتكريرها.
* (لعلهم يرجعون) *: عن كفرهم.
* (فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة) *: فهلا منعتهم من
الهلاك آلهتهم الذين يتقربون بهم إلى الله حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
* (بل ضلوا عنهم) *: غابوا عن نصرهم، وامتنع أن يستمدوا بهم امتناع الاستمداد
بالضال.
* (وذلك إفكهم) *: وذلك الإتخاذ الذي هذا أثره صرفهم عن الحق.
* (وما كانوا يفترون * وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) *: أملناهم إليك،
والنفر دون العشرة، وفي الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنهم كانوا تسعة واحد من جن
نصيبين، والثمان من بني عمرو بن عامر، وذكر أسماءهم (2).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 299، س 7.
2 - الاحتجاج: ج 1، ص 330، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على اليهود من أحبارهم.
459

قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتبا أنزل من بعد موسى مصدقا لما
بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم 30 يا قومنا
أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم
من عذاب أليم 31 ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز
في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلل
مبين 32
* (يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا) *: قال بعضهم لبعض: اسكتوا
لنسمعه.
* (فلما قضى) *: أتم وفرغ عن قراءته.
* (ولوا إلى قومهم منذرين) *: إياهم.
* (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتبا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه
يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به
يغفر لكم من ذنوبكم) *: بعض ذنوبكم.
قيل: هو ما يكون من خالص حق الله فإن المظالم لا تغفر بالإيمان (1).
* (ويجركم من عذاب أليم) *: معد للكفار.
* (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض) *: إذ لا ينجي من مهرب.
* (وليس له من دونه أولياء) *: يمنعونه منه.
* (أولئك في ضلل مبين) *: حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه.
القمي: فهذا كله حكاية الجن، وكان سبب نزول هذه الآية: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج
من مكة إلى سوق عكاظ، ومعه زيد بن حارثة يدعوا الناس إلى الإسلام فلم يجبه أحد، ولم

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 390، س 16.
460

أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي
بخلقهن بقدر على أن يحيى الموتى بلى إنه على كل شئ قدير
33 ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق
قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون 34
يجد أحدا يقبله، ثم رجع إلى مكة فلما بلغ موضعا يقال له: وادي مجنة تهجد بالقرآن في جوف
الليل فمر به نفر من الجن فلما سمعوا قراءته، قال بعضهم لبعض: " أنصتوا " يعني اسكتوا " فلما
قضى " أي فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من القراءة " ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا " إلى قوله:
" في ضلل مبين " فجاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأسلموا وآمنوا، وعلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) شرائع
الإسلام، فأنزل الله عز وجل على نبيه (صلى الله عليه وآله): " قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن " (1)
السورة كلها، فحكى الله عز وجل قولهم، وولى عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا منهم، وكانوا
يعودون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل وقت، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يعلمهم
ويفقههم، فمنهم مؤمنون، وكافرون، وناصبون، ويهود، ونصارى، ومجوس، وهم ولد الجان،
وسئل العالم (عليه السلام) عن مؤمني الجن أيدخلون الجنة؟ فقال: لا، ولكن لله حظائر بين الجنة والنار
يكون فيها مؤمنو الجن وفساق الشيعة (2).
* (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن) *: ولم
يتعب ولم يعجز.
* (بقدر على أن يحيى الموتى) *: " الباء " مزيدة لتأكيد النفي، وقرئ بقدر.
* (بلى إنه على كل شئ قدير * ويوم يعرض الذين كفروا على النار
أليس هذا بالحق) *: الإشارة إلى العذاب.
* (قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) *: إهانة وتوبيخ لهم.

1 - الجن: 1.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 299 - 300.
461

فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم
كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار
بلغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون 35
* (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) *: أولوا الثبات والجد منهم، فإنك من
جملتهم، وأولوا العزم أصحاب الشرائع اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها، وصبروا على مشاقها.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: هم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى،
ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم، قيل: كيف صاروا أولي العزم؟ قال: لأن نوحا بعث بكتاب
وشريعة، وكل من جاء بعد نوح (عليه السلام) أخذ بكتاب نوح (عليه السلام) وشريعته ومنهاجه، حتى جاء
إبراهيم (عليه السلام) بالصحف وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به، فكل نبي جاء بعد إبراهيم (عليه السلام) أخذ
بشريعة إبراهيم (عليه السلام) ومنهاجه وبالصحف، حتى جاء موسى (عليه السلام) بالتوراة وبشريعته ومنهاجه
وبعزيمة ترك الصحف، فكل نبي جاء بعد موسى (عليه السلام) أخذ بالتوراة وبشريعته ومنهاجه، حتى
جاء المسيح (عليه السلام) بالإنجيل وبعزيمة ترك شريعة موسى (عليه السلام) ومنهاجه، فكل نبي جاء بعد المسيح
(عليه السلام) أخذ بشريعته ومنهاجه، حتى جاء محمد (صلى الله عليه وآله) فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه، فحلاله
حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فهؤلاء أولوا العزم من الرسل (عليهم السلام) (1).
وعنه (عليه السلام): سادة النبيين خمسة: وهم أولوا العزم من الرسل، وعليهم دارت الرحى،
نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليه وآله وعليهم وعلى جميع الأنبياء (2).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) ما يقرب من الروايتين (3).
وفي الكافي (4)، والعلل: عن الباقر (عليه السلام) إنما سموا أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد (صلى الله عليه وآله)

1 - الكافي: ج 2، ص 17، ح 2، باب الشرائع.
2 - الكافي: ج 1، ص 175، ح 3، باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام).
3 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 80، ح 13، باب 32 - في ذكر ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من العلل.
4 - الكافي: ج 1، ص 416، ح 22، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
462

والأوصياء من بعده والمهدي وسيرته فأجمع عزمهم أن ذلك كذلك والإقرار به (1).
والقمي: ومعنى أولي العزم أنهم سبقوا الأنبياء إلى الإقرار بالله، والإقرار بكل نبي كان
قبلهم وبعدهم، وعزموا على الصبر مع التكذيب والأذى (2).
* (ولا تستعجل لهم) *: لكفار قريش بالعذاب فإنه نازل بهم في وقته لا محالة.
* (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) * (3): استقصروا
من هوله مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة.
* (بلغ) *: هذا الذي وعظتم به كفاية أو تبليغ من الرسول.
* (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) *: الخارجون عن الإتعاظ، والطاعة.
في ثواب الأعمال (4)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) قال: من قرأ كل ليلة أو كل جمعة سورة
الأحقاف لم يصبه الله تعالى بروعة في الحياة الدنيا، وآمنه من فزع يوم القيامة إن شاء الله (5).
* * *

1 - علل الشرائع: ص 122، ح 1، باب 101 - العلة التي من أجلها سمي أولوا العزم أولي العزم.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 300، س 10.
3 - في روضة الواعظين: قيل للنبي (صلى الله عليه وآله) كم ما بين الدنيا والآخرة؟ قال: غمزة عين، قال الله عز وجل: " كأنهم
يوم يرون. " الآية. منه (قدس سره).
أقول: انظر روضة الواعظين للنيسابوري: ص 448، س 7. وفيه: " غمضة عين ".
4 - ثواب الأعمال: ص 114، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الأحقاف.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 81، في القراءة.
463

سورة محمد
465

بسم الله الرحمن الرحيم
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعملهم 1
سورة محمد (صلى الله عليه وآله): وتسمى سورة القتال أيضا، وهي مدنية عدد آيها أربعون آية
بصري، ثمان وثلاثون كوفي.
* (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعملهم) *: القمي: نزلت في
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين ارتدوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وغصبوا أهل بيته حقهم، وصدوا
عن أمير المؤمنين، وعن ولاية الأئمة (عليهم السلام)، " أضل أعملهم " أي أبطل ما كان تقدم منهم مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الجهاد والنصرة (1).
وعن الباقر (عليه السلام): قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد
والناس مجتمعون بصوت عال: " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعملهم " فقال له
ابن عباس: يا أبا الحسن لم قلت ما قلت؟ قال: قرأت شيئا من القرآن، قال: لقد قلته لأمر، قال:
نعم إن الله يقول في كتابه: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " (2) أفتشهد على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه استخلف أبا بكر، قال: ما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصى إلا إليك، قال: فهلا
بايعتني؟ قال: اجتمع الناس على أبي بكر فكنت منهم، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) كما اجتمع أهل
العجل على العجل هاهنا فتنتم ومثلكم " كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 300، س 19.
2 - الحشر: 7.
467

والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على
محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم 2
ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا البطل وأن الذين آمنوا
اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثلهم 3
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم
فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب
أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم
ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعملهم 4
الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمى فهم لا يرجعون " (1) (2).
* (والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد) *: القمي:
عن الصادق (عليه السلام) قال: " بما نزل على محمد (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) " هكذا نزلت (3).
* (وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم) *: القمي: نزلت في
أبي ذر، وسلمان، وعمار، والمقداد، لم ينقضوا العهد، قال: " وآمنوا بما نزل على محمد " (صلى الله عليه وآله) أي
ثبتوا على الولاية التي أنزلها الله " وهو الحق " يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) " بالهم " أي حالهم (4).
* (ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا البطل) *: قال: وهم الذين اتبعوا أعداء رسول
الله، وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما (5).
* (وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس
أمثلهم) *: القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: في سورة محمد (صلى الله عليه وآله) آية فينا وآية في أعدائنا (6).
* (فإذا لقيتم الذين كفروا) *: في المحاربة.

1 - البقرة: 17 - 18.
2 و 3 و 4 و 5 و 6 - تفسير القمي: ج 2، ص 301، س 1 و 12 و 14 و 18 و 20.
468

* (فضرب الرقاب) *: فاضربوا الرقاب ضربا.
* (حتى إذا أثخنتموهم) *: أكثرتم قتلهم وأغلظتموه، من التثخين وهو الغليظ.
* (فشدوا الوثاق) *: فأسروهم واحفظوهم، والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به.
* (فإما منا بعد وإما فداء) *: فإما أن تمنون منا أو تفدون فداءا، والمراد التخيير بعد
الأسر بين المن والإطلاق، وبين أخذ الفداء.
* (حتى تضع الحرب أوزارها) *: آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح
والكراع، أي ينقضي الحرب ولم يبق إلا مسلم أو مسالم.
في الكافي (1)، والتهذيب: عن الصادق (عليه السلام) قال: كان أبي يقول: إن للحرب حكمين إذا
كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها، فكل أسير اخذ في تلك الحال فإن الإمام
فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم وتركه
يتشحط في دمه حتى يموت، وهو قول الله عز وجل: " إنما جزاء الذين يحاربون الله
ورسوله " (2) الآية، قال: والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها فكل أسير
اخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء من عليهم فأرسلهم، وإن شاء
فاداهم أنفسهم، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا (3).
* (ذلك) *: الأمر ذلك.
* (ولو يشاء الله لانتصر منهم) *: لانتقم منهم بالإستئصال.
* (ولكن ليبلوا بعضكم ببعض) *: ولكن أمركم بالقتال ليبلوا المؤمنين بالكافرين
بأن يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب العظيم، والكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم
ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر.
* (والذين قتلوا في سبيل الله) *: أي جاهدوا، وقرئ قتلوا أي استشهدوا.
* (فلن يضل أعملهم) *: فلن يضيعها.

1 - الكافي: ج 5، ص 32، ح 1 - باب بدون عنوان.
2 - المائدة: 33.
3 - تهذيب الأحكام: ج 6، ص 143، ح 245 / 5، باب 63 - كيفية قتال المشركين ومن خالف الإسلام.
469

سيهديهم ويصلح بالهم 5 ويدخلهم الجنة عرفها لهم 6
يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت
أقدامكم 7 والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعملهم 8
ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعملهم 9 أفلم
يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من
قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثلها 10
* (سيهديهم) *: إلى الجنة.
* (ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنة عرفها لهم) *: القمي: أي وعدها إياهم
وادخرها لهم (1).
* (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله) *: إن تنصروا دينه ورسوله ووصي رسوله.
* (ينصركم) *: على عدوكم.
* (ويثبت أقدامكم) *: في القيام بحقوق الإسلام والمجاهدة مع الكفار.
* (والذين كفروا فتعسا لهم) *: فعثورا وانحطاطا.
* (وأضل أعملهم * ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعملهم) *:
القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) على محمد (صلى الله عليه وآله) بهذه الآية هكذا " ذلك بأنهم
كرهوا ما أنزل الله في علي " إلا أنه كشط الاسم " فأحبط أعملهم " (2).
وفي المجمع: عنه (عليه السلام) قال: كرهوا ما أنزل الله في حق علي (عليه السلام) (3).
* (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم دمر
الله عليهم) *: القمي: أولم ينظروا في أخبار الأمم الماضية أهلكهم وعذبهم (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 302، س 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 302، س 10.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 99، س 3.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 302، س 12.
470

ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى
لهم 11 إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات
جنت تجرى من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون
ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم 12 وكأين
من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم
فلا ناصر لهم 13
* (وللكافرين أمثلها) *: قال: يعني الذين كفروا وكرهوا ما أنزل الله في علي (عليه السلام) لهم
مثل ما كان للأمم الماضية من العذاب والهلاك (1).
* (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا) *: ناصرهم على أعدائهم، القمي: يعني الذين
ثبتوا على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
* (وأن الكافرين لا مولى لهم) *: فيدفع العذاب عنهم، قيل: هذا لا يخالف قوله
تعالى: " وردوا إلى الله مولاهم الحق " (3) فإن المولى فيه بمعنى المالك (4).
* (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنت تجرى من تحتها
الأنهار والذين كفروا يتمتعون) *: ينتفعون بمتاع الدنيا.
* (ويأكلون كما تأكل الأنعام) *: حريصين غافلين عن العاقبة.
* (والنار مثوى لهم) *: منزل ومقام.
* (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم) *:
بأنواع العذاب.
* (فلا ناصر لهم) *: يدفع عنهم.

1 و 2 - تفسير القمي: ج 2، ص 302، س 14 و 15.
3 - يونس: 30.
4 - قاله البيضاوي في تفسير أنوار التنزيل: ج 2، ص 394، س 5.
471

أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا
أهواءهم 14 مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهر
من ماء غير آسن وأنهر من لبن لم يتغير طعمه وأنهر
من خمر لذة للشاربين وأنهر من عسل مصفى ولهم فيها
من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خلد في النار
وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم 15
* (أفمن كان على بينة من ربه) *: القمي: يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
* (كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) *: قال: يعني الذين غصبوه (2).
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) هم المنافقون (3).
* (مثل الجنة) *: أي مثل أهل الجنة، وفي المجمع: عن علي (عليه السلام) أنه قرأ أمثال الجنة
بالجمع (4).
* (التي وعد المتقون فيها أنهر من ماء غير آسن) *: غير متغير الطعم
والريح، وقرئ أسن.
* (وأنهر من لبن لم يتغير طعمه وأنهر من خمر لذة للشاربين) *: لذيذة لا
تكون فيها كراهة وريح ولا غائلة (5) سكر وخمار.
القمي: إذا تناولها ولي الله وجد رائحة المسك فيها (6).
* (وأنهر من عسل مصفى) *: لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرهما.
* (ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خلد في النار) *:

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 302، س 23.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 302، س 23.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 100، س 21.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 99، في القراءة.
5 - الغائلة: الفساد والشر. مجمع البحرين: ج 5، ص 438، مادة " غول ".
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 303، س 4.
472

ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا
للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله
على قلوبهم واتبعوا أهواءهم 16
كمثل من هو خالد في النار.
* (وسقوا ماء حميما) *: مكان تلك الأشربة.
* (فقطع أمعاءهم) *: من فرط الحرارة، القمي: قال: ليس من هو في هذه الجنة
الموصوفة كمن هو في هذه النار كما أن ليس عدو الله كوليه (1).
وعن أبيه (عليه السلام) مرفوعا قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما دخلت الجنة رأيت في الجنة شجرة
طوبى، ويجري نهر في أصل تلك الشجرة يتفجر (2) منه الأنهار الأربعة: نهر " من ماء غير
آسن " إلى قوله " مصفى " (3).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث قال: وليس من مؤمن في الجنة إلا
وله جنان كثيرة معروشات وغير معروشات، وأنهار من خمر، وأنهار من ماء، وأنهار من لبن،
وأنهار من عسل (4).
* (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا
العلم ماذا قال آنفا) *: القمي: فإنها نزلت في المنافقين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن
كان إذا سمع شيئا لم يكن يؤمن به ولم يعه، فإذا خرج قال للمؤمنين: ماذا قال محمد آنفا (5).
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إنا كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيخبرنا بالوحي
فأعيه أنا ومن يعيه فإذا خرجنا قالوا " ماذا قال آنفا " (6).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 303، س 6.
2 - وفي نسخة: [ينفجر].
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 337، س 8.
4 - الكافي: ج 8، ص 99، س 5، ح 69 - حديث الجنان والنوق.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 303، س 9.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 102، س 2.
473

والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم 17 فهل
ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى
لهم إذا جاءتهم ذكراهم 18
* (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم) *: القمي: عن
الباقر (عليه السلام) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يدعو أصحابه فمن أراد الله به خيرا سمع وعرف ما يدعوه
إليه، ومن أراد الله به شرا طبع على قلبه لا يسمع ولا يعقل، وهو قوله تعالى: " أولئك الذين
طبع الله " الآية (1).
* (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم * فهل ينظرون إلا
الساعة) *: فهل ينتظرون غيرها.
* (أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها) *: فقد ظهر أماراتها.
* (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) *: تذكرهم ولا ينفع حينئذ ولا فراغ لهم.
في الخصال: عن الصادق (عليه السلام) قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الساعة؟ فقال: عند إيمان
بالنجوم وتكذيب بالقدر (2).
وفي العلل: عن النبي (صلى الله عليه وآله) في أجوبة مسائل عبد الله بن سلام، أما أشراط الساعة فنار
تحشر الناس من المشرق إلى المغرب (3).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): من أشراط الساعة أن يفشو الفالج
وموت الفجأة (4).
وفي روضة الواعظين: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 303، س 13.
2 - الخصال: ص 62، ح 87، باب 2 - تقوم الساعة عند ظهور علامتين.
3 - علل الشرائع: ص 94 - 95، ح 3، باب 85 - علة النسيان والذكر، وعلة شبه الرجل بأعمامه وأخواله.
4 - الكافي: ج 3، ص 261، ح 39، باب النوادر.
474

الجهل، ويشرب الخمر، ويفشو الزنا، ويقل الرجال، وتكثر النساء حتى أن الخمسين امرأة
فيهن واحد من الرجال (1).
والقمي: عن ابن عباس قال: حججنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجة الوداع فأخذ بحلقة باب
الكعبة، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: ألا أخبركم بأشراط الساعة؟ فكان أدنى الناس منه يومئذ
سلمان رحمة الله عليه، فقال: بلى يا رسول الله، فقال: إن من أشراط القيامة إضاعة الصلاة،
واتباع الشهوات، والميل مع الأهواء، وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدين بالدنيا، فعندها يذاب
قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره.
قال سلمان: إن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إن عندها يليهم أمراء جورة، ووزراء فسقة،
وعرفاء ظلمة، وأمناء خونة.
فقال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إن عندها يكون المنكر معروفا، والمعروف منكرا،
ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، فعندها تكون إمارة النساء، ومشاورة الإماء،
وقعود الصبيان على المنابر، ويكون الكذب ظرفا، والزكاة مغرما، والفئ مغنما، ويجفو الرجل
والديه، ويبر صديقه، ويطلع الكوكب المذنب.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة، ويكون
المطر غيضا (2) ويغيض الكرام غيضا (3)، ويحتقر الرجل المعسر، فعندها تقارب الأسواق إذ
قال هذا لم أبع شيئا، وقال هذا لم أربح شيئا، فلا ترى إلا ذاما لله.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟

1 - روضة الواعظين: ص 485، س 5، مجلس في ذكر أشراط الساعة.
2 - غاض الماء يغيض غيضا: أي قل ونضب في الأرض. مجمع البحرين: ج 4، ص 219، مادة " غيض ".
3 - يغيض الكرام غيضا - بالمعجمتين -: أي فنوا وبادوا. منه (قدس سره).
475

قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم، وإن
سكتوا استباحوهم، ليستأثرون بفيئهم، وليطأون حرمتهم، وليسفكن دماءهم، وليملأن
قلوبهم دغلا ورعبا، فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إن عندها يؤتى بشئ من المشرق، وشئ من
المغرب، يلون أمتي، فالويل لضعفاء أمتي منهم، والويل لهم من الله لا يرحمون صغيرا، ولا
يوقرون كبيرا، ولا يتجافون عن مسئ، جثتهم جثة الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها يكتفي الرجال بالرجال، والنساء
بالنساء، ويغار على الغلمان، كما يغار على الجارية في بيت أهلها، وتشبه الرجال بالنساء،
والنساء بالرجال، وتركبن (1) ذوات الفروج السروج، فعليهن من أمتي لعنة الله.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إن عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع
والكنائس، وتحلى المصاحف، وتطول المنارات، وتكثر الصفوف، قلوب متباغضة وألسن مختلفة.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها تحلى ذكور أمتي بالذهب، ويلبسون
الحرير والديباج، ويتخذون جلود النمور صفافا.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها يظهر الربا، ويتعاملون بالعينة (2)
والرشا، ويوضع الدين، وترفع الدنيا.

1 - وفي المصدر: " ولتركبن ". وهذا هو الأصح.
2 - العينة - بالكسر -: السلعة، وقد جاء ذكرها في الحديث واختلف في تفسيرها، فقال ابن إدريس في السرائر:
العينة: معناه في الشريعة هو: أن يشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها بدون ذلك الثمن نقدا، ليقضي دينا عليه لمن
قد حل له عليه، ويكون الدين الثاني، وهو العينة من صاحب الدين الأول مأخوذ ذلك من العين وهو النقد الحاضر.
وقال: في التحرير: العينة جائزة، فقال في الصحاح: هي السلف. مجمع البحرين: ج 6، ص 288، مادة " عين ".
476

قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها يكثر الطلاق، فلا يقام لله حد، ولن
يضروا الله شيئا.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها تظهر القينات (1) والمعازف، وتليهم
أشرار أمتي.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها يحج أغنياء أمتي للنزهة، ويحج أوساطها
للتجارة، ويحج فقراؤهم للرياء والسمعة، فعندها تكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله،
ويتخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقهون لغير الله، ويكثر أولاد الزنا، ويتغنون بالقرآن،
ويتهافتون بالدنيا.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، ذاك إذا انتهكت المحارم، واكتسبت المآثم، وسلط
الأشرار على الأخيار، ويفشو الكذب، وتظهر اللجاجة، وتفشو الفاقة، ويتباهون في اللباس،
ويمطرون في غير أوان المطر، ويستحسنون الكوبة (2) والمعازف، وينكرون الأمر بالمعروف،
والنهي عن المنكر، حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذل من الأمة، ويظهر قراؤهم وعبادهم
فيما بينهم التلاوم، فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، فعندها لا يخشى الغني على الفقير حتى أن السائل
يسأل الناس فيما بين الجمعتين، لا يصيب أحدا يضع في كفه شيئا.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
فقال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، فعندها يتكلم الروبيضة (3).

1 - القينة - بفتح القاف وتقديم الياء التحتانية على النون -: الأمة المغنية. منه (قدس سره).
2 - الكوبة: هي النرد. وقيل: الطبل. مجمع البحرين: ج 2، ص 164، مادة " كوب ".
3 - الروبيضة: الرجل التافه الحقير. الصحاح: ج 3، ص 1077، مادة " ربض ".
477

فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين
والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم 19 ويقول
الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة
وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون
إليك نظر المغشى عليه من الموت فأولى لهم 20
فقال: سلمان: وما الروبيضة يا رسول الله، فداك أبي وأمي؟
قال: يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلم، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى تخور الأرض
خورة، فلا يظن كل قوم إلا أنها خارت في ناحيتهم فيمكثون ما شاء الله، ثم يمكثون في مكثهم
فتلقى لهم الأرض أفلاذ كبدها، قال: ذهبا وفضة ثم أومى بيده إلى الأساطين، فقال: مثل هذا،
فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضة، فهذا معنى قوله: " فقد جاء أشراطها " (1).
* (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) *: أي إذا علمت سعادة المؤمنين
وشقاوة الكافرين فأثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح
أحوالها وأفعالها وهضمها بالاستغفار لذنبك.
* (وللمؤمنين والمؤمنات) *: ولذنوبهم بالدعاء لهم والتحريص على ما
يستدعي غفرانهم.
* (والله يعلم متقلبكم) *: في الدنيا، فلها مراحل لابد من قطعها.
* (ومثواكم) *: في العقبى فإنها دار إقامتكم.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الاستغفار، وقول لا إله إلا الله
خير العبادة، قال الله العزيز الجبار: " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " (2).
* (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة) *: هلا نزلت سورة في أمر الجهاد.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 303 - 307.
2 - الكافي: ج 2، ص 505، ح 6، باب الاستغفار.
478

طاعة وقول معروف فإذا عزم الامر فلو صدقوا الله لكان
خيرا لهم 21 فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في
الأرض وتقطعوا أرحامكم 22
* (فإذا أنزلت سورة محكمة) *: مبينة لا تشابه فيها.
* (وذكر فيها القتال) *: أي الأمر به.
* (رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشى عليه من
الموت) *: جبنا ومخافة.
* (فأولى لهم) *: فويل لهم.
* (طاعة وقول معروف) *: خير لهم، وعن أبي أنه قرأ: " يقولون طاعة وقول معروف ".
* (فإذا عزم الامر) *: أي جد، أسند عزم أصحاب الأمر إلى الأمر مجازا، وجوابه محذوف.
* (فلو صدقوا الله) *: أي فيما زعموا من الحرص على الجهاد.
* (لكان) *: الصدق.
* (خيرا لهم * فهل عسيتم) *: فهل يتوقع منكم.
* (إن توليتم) *: أمور الناس وتأمرتم عليهم، أو أعرضتم وتوليتم عن الإسلام.
* (أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) *: تناحرا على الولاية وتجاذبا لها أو
رجوعا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من تغاور ومقاتلة مع الأقارب، والمعنى أنهم لضعفهم في
الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم ويقول لهم: " هل عسيتم "،
وقرئ توليتم أي إن تولاكم ظلمة خرجتم معهم، وساعدتموه في الإفساد، وقطيعة الرحم.
ونسب في المجمع هذه القراءة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
وفي الكافي (2)، والقمي: عنه (عليه السلام) أنها نزلت في بني أمية (3).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 103، في القراءة.
2 - الكافي: ج 8، ص 239، ح 325.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 308، س 3.
479

أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصرهم 23
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها 24 إن الذين
ارتدوا على أدبرهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان
سول لهم وأملى لهم 25 ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما
نزل الله سنطيعكم في بعض الامر والله يعلم إسرارهم 26
* (أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم) *: عن استماع الحق.
* (وأعمى أبصرهم) *: فلا يهتدون سبيله.
* (أفلا يتدبرون القرآن) *: في المجمع: عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) يعني " أفلا
يتدبرون القرآن " فيقضون ما عليهم من الحق (1).
* (أم على قلوب أقفالها) *: لا يصل إليها ذكر، ولا ينكشف لها أمر، وإضافة الأقفال
إليها للدلالة على أقفال مناسبة لها، مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة.
في المحاسن: عن الصادق (عليه السلام) إن لك قلبا ومسامع، وأن الله إذا أراد أن يهدي عبدا فتح
مسامع قلبه، وإذا أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه فلا يصلح أبدا، وهو قول الله عز وجل: " أم
على قلوب أقفالها " (2).
* (إن الذين ارتدوا على أدبرهم) *: إلى ما كانوا عليه من الكفر.
* (من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم) *: سهل لهم.
* (وأملى لهم) *: قيل: وأمد لهم في الآمال والأماني (3)، ويأتي له معنى آخر، وقرئ
" وأملي لهم " أي وأنا أملي لهم، أي أمهلهم، " وأملي لهم " على البناء للمفعول.
* (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الامر

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 104، س 30.
2 - المحاسن: ج 1، ص 318 - 319، ح 633 / 35، باب 3 - الهداية من الله عز وجل.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 396 - 397.
480

فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبرهم
27 ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه
فأحبط أعملهم 28
والله يعلم إسرارهم) *: وقرئ على المصدر، في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية، قال:
فلان وفلان ارتدا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: نزلت والله فيهما وفي
أتباعهما، وهو قول الله عز وجل الذي نزل به جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ذلك بأنهم
قالوا للذين كرهوا ما نزل الله " في علي " سنطيعكم في بعض الامر " قال: دعوا بني أمية إلى
ميثاقهم ألا يصيروا الأمر فينا بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا يعطونا من الخمس شيئا، وقالوا: إن
أعطيناهم إياه لم يحتاجوا إلى شئ، ولم يبالوا أن لا يكون الأمر فيهم، فقالوا: " سنطيعكم في
بعض الامر " الذي دعوتمونا إليه وهو الخمس، أن لا نعطيهم منه شيئا والذي نزل الله ما
افترض على خلقه من ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان معهم أبو عبيدة وكان كاتبهم فأنزل الله
" أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون * أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجويهم " الآية (1) (2).
والقمي: ما في معناه بزيادة ونقصان (3). وعنه (عليه السلام): " الشيطان سول لهم " يعني الثاني (4).
وفي المجمع: عنهما (عليهما السلام) إنهم بنو أمية كرهوا ما نزل (5) الله في ولاية علي (عليه السلام) (6).
* (فكيف إذا توفتهم الملائكة) *: فكيف يعملون، ويحتالون حينئذ.
* (يضربون وجوههم وأدبرهم * ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله
وكرهوا رضوانه فأحبط أعملهم) *: لذلك.

1 - الزخرف: 79 - 80.
2 - الكافي: ج 1، ص 420، ح 43، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 308، س 12.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 308، س 11. وفيه: " الشيطان " يعني فلانا " سول لهم " يعني بني فلان، وبني فلان،
وبني أمية. وجاء في س 20: " الشيطان سول لهم " أي هين لهم وهو فلان.
5 - وفي نسخة: [ما أنزل].
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 105، س 30.
481

أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم
29 ولو نشاء لأرينكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم
في لحن القول والله يعلم أعملكم 30
في روضة الواعظين: عن الباقر (عليه السلام) قال: كرهوا عليا (عليه السلام)، أمر الله بولايته يوم بدر،
ويوم حنين، وببطن النخلة، ويوم التروية، ويوم عرفة، ونزلت فيه خمس عشرة آية في الحجة
التي صد فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المسجد الحرام، وبالجحفة، وبخم (1).
والقمي: " ما أسخط الله " يعني موالاة فلان وفلان، وظالمي أمير المؤمنين (عليه السلام) " فأحبط
أعملهم " يعني التي عملوها من الخيرات (2).
* (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم) *: أن لن
يبرز الله لرسوله والمؤمنين أحقادهم.
* (ولو نشاء لأرينكهم) *: لعرفناكهم بدلائل تعرفهم بأعيانهم.
* (فلعرفتهم بسيماهم) *: بعلاماتهم التي نسمهم بها.
* (ولتعرفنهم في لحن القول) *: في أسلوبه وإمالته إلى جهة، تعريض وتورية.
في الأمالي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): قال: قلت: أربع كلمات أنزل الله تعالى تصديقي بها
في كتابه، قلت: المرء مخبوء تحت لسانه فإذا تكلم ظهر فأنزل الله " ولتعرفنهم في لحن القول " (3).
وفي المجمع: عن أبي سعيد الخدري قال: " لحن القول " بغضهم علي بن أبي طالب (عليه السلام)،
قال: وكنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ببغضهم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: وروي
مثل ذلك عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعن عبادة بن الصامت، قال: كنا نبور (4) أولادنا
بحب علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإذا رأينا أحدهم لا يحبه علمنا أنه لغير رشده، قال أنس: ما خفي

1 - روضة الواعظين: ص 106، س 6.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 309، س 3.
3 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 494 / ح 1082 / 51.
4 - باره يبوره: أي جربه واختبره. الصحاح: ج 2، ص 597، مادة " بور ".
482

ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا
أخباركم 31 إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله
وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله
شيئا وسيحبط أعملهم 32 يا أيها الذين آمنوا أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعملكم 33
منافق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد هذه الآية (1).
* (والله يعلم أعملكم) *: فيجازيكم على حسب قصدكم إذ الأعمال بالنيات.
* (ولنبلونكم) *: بالأمر بالجهاد وسائر التكاليف الشاقة.
* (حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) *: على مشاقها.
* (ونبلوا أخباركم) *: عن إيمانكم، وموالاتكم المؤمنين في صدقها وكذبها، وقرئت
الأفعال الثلاثة بالياء ليوافق ما قبلها، ونسبه في المجمع إلى الباقر (عليه السلام) أيضا (2)، وقرئ " ونبلوا "
بسكون الواو أي ونحن نبلوا.
* (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) *: القمي: قال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).
* (وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى) *: قال: قطعوه في أهل بيته بعد
أخذه الميثاق عليهم له.
* (لن يضروا الله شيئا) *: بكفرهم وصدهم.
* (وسيحبط أعملهم * يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول ولا تبطلوا أعملكم) *: في ثواب الأعمال: عن الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله) من قال: سبحان الله، غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال: الحمد لله، غرس الله له

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 106، س 10.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 106، في القراءة.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 309، س 5.
483

إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار
فلن يغفر الله لهم 34 فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم
الأعلون والله معكم ولن يتركم أعملكم 35 إنما الحياة
الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا
يسئلكم أموالكم 36
بها شجرة في الجنة، ومن قال: لا إله إلا الله، غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال: الله
أكبر، غرس الله له بها شجرة في الجنة، فقال رجل من قريش: يا رسول الله إن شجرنا في الجنة
لكثير، قال: نعم، ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها، وذلك أن الله تعالى يقول:
" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعملكم " (1).
* (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله
لهم * فلا تهنوا) *: فلا تضعفوا.
* (وتدعوا إلى السلم) *: ولا تدعوا إلى الصلح خورا وتذللا، وقرئ بكسر السين.
* (وأنتم الأعلون) *: الأغلبون.
* (والله معكم) *: ناصركم.
* (ولن يتركم أعملكم) *: ولن يضيع أعمالكم، من وترت الرجل إذا قتلت متعلقا
له من قريب أو حميم فأفردته عنه من الوتر، شبه به تعطيل ثواب العمل وإفراده منه، والآية
ناسخة لقوله تعالى: " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها " (2) كما مر.
* (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) *: لا ثبات لها.
* (وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم) *: ثواب إيمانكم وتقواكم.

1 - ثواب الأعمال: ص 11، ح 3، باب ثواب من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
2 - الأنفال: 61.
484

إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم 37 ها أنتم
هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن
يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغنى وأنتم الفقراء وإن
تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثلكم 38
* (ولا يسئلكم أموالكم) *: جميع أموالكم، بل يقتصر على جزء يسير كالعشر،
ونصف العشر، وربع العشر.
* (إن يسألكموها فيحفكم) *: فيجهدكم بطلب الكل، والإحفاء: المبالغة وبلوغ الغاية.
* (تبخلوا) *: فلا تعطوا.
* (ويخرج أضغانكم) *: القمي: قال: العداوة التي في صدوركم (1).
* (ها أنتم هؤلاء) *: قيل: أي أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون (2).
والقمي: معناه أنتم يا هؤلاء (3).
* (تدعون لتنفقوا في سبيل الله) *: يعم نفقة الغزو والزكاة وغيرهما.
* (فمنكم من يبخل) *: ناس يبخلون.
* (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) *: فإن نفع الإنفاق وضر الإمساك عائدان إليه.
* (والله الغنى وأنتم الفقراء) *: فما يأمركم به فهو لاحتياجكم، فإن امتثلتم فلكم،
وإن توليتم فعليكم.
* (وإن تتولوا) *: عطف على " وإن تؤمنوا ".
القمي: يعني عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 309، س 8.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 398، س 15.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 309، س 9.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 309، س 10.
485

* (يستبدل قوما غيركم) *: يقم مكانكم قوما آخرين.
القمي: قال: يدخلهم في هذا الأمر (1).
* (ثم لا يكونوا أمثلكم) *: قال: في معاداتكم، وخلافكم، وظلمكم لآل محمد
صلوات الله عليهم. وعن الصادق (عليه السلام): أعني أبناء الموالي المعتقين (2).
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) قال: إن تتولوا يا معشر العرب يستبدل قوما غيركم، يعني
الموالي (3).
وعن الصادق (عليه السلام) قال: قد والله أبدل بهم خيرا منهم الموالي (4).
وفيه روى إن أناسا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين
ذكر الله في كتابه؟ وكان سلمان إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فضرب يده على فخذ سلمان فقال: هذا
وقومه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس (5).
وفي ثواب الأعمال: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ سورة " الذين كفروا " لم يرتب أبدا، ولم
يدخله شك في دينه أبدا، ولم يبله الله تعالى بفقر أبدا، ولا خوف من سلطان أبدا، ولم يزل
محفوظا من الشك والكفر أبدا حتى يموت، فإذا مات وكل الله به في قبره ألف ملك يصلون في
قبره، ويكون ثواب صلاتهم له، ويشيعونه حتى يوقفونه موقف الأمن عند الله تعالى، ويكون
في أمان الله، وأمان محمد (صلى الله عليه وآله) (6). وفي المجمع: مثله بأدنى تفاوت (7).
وعنه (عليه السلام): من أراد أن يعرف حالنا وحال أعدائنا فليقرأ سورة محمد (صلى الله عليه وآله) فإنه يراها
آية فينا وآية فيهم (8).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 309، س 11.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 309، س 14.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 108، س 23.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 108، س 24.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 108، س 20.
6 - ثواب الأعمال: ص 114 - 115، ح 1، باب ثواب قراءة سورة محمد (صلى الله عليه وآله).
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 95، في فضلها.
8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 95، في فضلها.
486

سورة الفتح
487

بسم الله الرحمن الرحيم
إنا فتحنا لك فتحا مبينا 1
سورة الفتح: مدنية، عدد آيها تسع وعشرون آية بالإجماع.
* (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) *: في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لما نزلت هذه الآية: لقد
نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا وما فيها (1).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: سبب نزول هذه السورة وهذا الفتح العظيم: إن الله عز
وجل أمر رسوله في النوم أن يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلقين، فأخبر
أصحابه وأمرهم بالخروج فخرجوا فلما نزل ذي الحليفة أحرموا بالعمرة وساقوا البدن وساق
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستة وستين بدنة وأشعرها عند إحرامه، وأحرموا من ذي الحليفة ملبين
بالعمرة، وقد ساق من ساق منهم الهدي مشعرات مجللات فلما بلغ قريشا ذلك بعثوا خالد بن
الوليد في مائتي فارس كمينا ليستقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يعارضه على الجبال، فلما كان في
بعض الطريق حضرت صلاة الظهر فأذن بلال فصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس، فقال خالد بن
الوليد: لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم فإنهم لا يقطعون صلاتهم ولكن يجئ
الآن لهم صلاة أخرى أحب إليهم من ضياء أبصارهم، فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا إليهم، فنزل
جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصلاة الخوف في قوله عز وجل " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 109، س 1. وفيه: " لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا كلها ".
489

الصلاة " (1) الآية، وهذه الآية في سورة النساء، وقد كتبنا خبر صلاة الخوف فيها (2)، فلما كان
في اليوم الثاني نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحديبية (3) وهي على طرف الحرم، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يستنفر الأعراب في طريقه معه فلم يتبعه أحد، ويقولون: أيطمع محمد وأصحابه أن يدخلوا
الحرم وقد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم أنه لا يرجع محمد وأصحابه إلى المدينة أبدا،
فلما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحديبية خرجت قريش يحلفون باللات والعزى لا يدعون رسول
الله (صلى الله عليه وآله) يدخل مكة، وفيهم عين تطرف فبعث إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني لم آت لحرب وإنما
جئت لأقضي مناسكي وأنحر بدني وأخلي بينكم وبين لحماتها، فبعثوا عروة بن مسعود الثقفي
وكان عاقلا لبيبا وهو الذي أنزل الله فيه: " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من
القريتين عظيم " (4)، فلما أقبل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عظم ذلك وقال: يا محمد تركت قومك وقد
ضربوا الأبنية وأخرجوا العود (5) والمطافيل (6) يحلفون باللات والعزى لا يدعوك تدخل
مكة وحرمهم وفيهم عين تطرف أفتريد أن تبير أهلك وقومك يا محمد؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
ما جئت لحرب وإنما جئت لأقضي مناسكي وأنحر بدني وأخلي بينكم وبين لحماتها، فقال
عروة: والله ما رأيت كاليوم أحدا صد كما صددت، فرجع إلى قريش فأخبرهم، فقالت قريش:
والله لئن دخل محمد مكة وتسامعت به العرب لنذلن ولتجترأن علينا العرب، فبعثوا حفص بن
الأحنف، وسهيل بن عمرو، فلما نظر إليهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ويح قريش قد نهكتهم الحرب
ألا خلوا بيني وبين العرب فإن أك صادقا فإنما أجر الملك إليهم مع النبوة، وإن أك كاذبا كفتهم
ذؤبان العرب لا يسألني اليوم امرء من قريش حطة (7) ليس لله فيها سخط إلا أجبتهم إليه، فلما

1 - النساء: 102. 2 - انظر ج 2، ص 306 - 309 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - الحديبية - بالتخفيف عند الأكثر -: وهي بئر بقرب مكة على طريق جدة دون مرحلة ثم أطلق على الموضع.
ويقال: نصفه في الحل ونصفه في الحرم. مجمع البحرين: ج 2، ص 36، مادة " حدب ".
4 - الزخرف: 31. 5 - العود - بالفتح -: الجمل المسن. مجمع البحرين: ج 3، ص 112، مادة " عود ".
6 - العود المطافيل: النوق التي معها طلقها، وهي قريبة عهد بالنتاج. منه (قدس سره). وذكر الجوهري: المطفل: الظبية
معها طفلها، وهي قريبة عهد بالنتاج وكذلك الناقة. الصحاح: ج 5، ص 1751. مادة " طفل ". وقال الطريحي:
والمطفل: الناقة القريبة العهد بالنتاج معها طفلها. مجمع البحرين: ج 5، ص 411، مادة " طفل ".
7 - حطة: وهي فعلة من حط الشئ يحطه إذا أنزله وألقاه، وفي الحديث: " من ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له
حطة " أي يحط عنه خطاياه وذنوبه. مجمع البحرين: ج 4، ص 242، مادة " حطط ".
490

وافوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالوا: يا محمد ألا ترجع عنا عامك هذا إلى أن ننظر إلى ما يصير أمرك
وأمر العرب، فإن العرب قد تسامعت بمسيرك فإذا دخلت بلادنا وحرمنا استذلتنا العرب
واجترأت علينا ونخلي لك البيت في العام القابل في هذا الشهر ثلاثة أيام حتى تقضي نسكك
وتنصرف عنا، فأجابهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ذلك، وقالوا له: ترد إلينا كل من جاءك من رجالنا
ولا نرد إليك كل من جاءنا من رجالك؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من جاءكم من رجالنا فلا
حاجة لنا فيه، ولكن على أن المسلمين بمكة لا يؤذون في إظهارهم الإسلام ولا يكرهون ولا
ينكر عليهم شئ يفعلونه من شرائع الإسلام، فقبلوا ذلك، فلما أجابهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى
الصلح أنكر عامة أصحابه وأشد ما كان انكارا عمر، فقال: يا رسول الله ألسنا على الحق
وعدونا على الباطل، فقال: نعم، قال: فنعطي الذلة في ديننا، فقال: إن الله عز وجل قد وعدني
ولن يخلفني، قال: ولو أن معي أربعين رجلا لخالفته، ورجع سهيل بن عمرو، وحفص بن
الأحنف إلى قريش فأخبراهم بالصلح، فقال عمر: يا رسول الله ألم تقل لنا أن ندخل المسجد
الحرام ونحلق مع المحلقين، فقال: أمن عامنا هذا وعدتك، قلت لك إن الله عز وجل قد وعدني
أن أفتح مكة وأطوف وأسعى واحلق مع المحلقين، فلما أكثروا عليه، قال لهم: إن لم تقبلوا الصلح
فحاربوهم، فمروا نحو قريش وهم مستعدون للحرب، وحملوا عليهم فانهزم أصحاب
رسول الله (صلى الله عليه وآله) هزيمة قبيحة، ومروا برسول الله (صلى الله عليه وآله)
فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: يا علي خذ السيف
واستقبل قريشا. فأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) سيفه وحمل على قريش، فلما نظروا إلى أمير
المؤمنين (عليه السلام) تراجعوا، ثم قالوا: يا علي بدا لمحمد (صلى الله عليه وآله) فيما أعطانا، فقال: لا، وتراجع أصحاب
رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستحيين، وأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله):
ألستم أصحابي يوم بدر إذ أنزل الله عز وجل فيكم: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم إني
ممدكم بألف من الملائكة مردفين " (1)، ألستم أصحابي يوم أحد " إذ تصعدون ولا تلون على
أحد والرسول يدعوكم في أخراكم " (2)، ألستم أصحابي يوم كذا، ألستم أصحابي يوم كذا،
فاعتذروا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وندموا على ما كان منهم، وقالوا: الله أعلم ورسوله فاصنع ما بدا
لك، ورجع حفص بن الأحنف، وسهيل بن عمرو إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالا: يا محمد قد أجابت

1 - الأنفال: 9.
2 - آل عمران: 153.
491

قريش إلى ما اشترط من إظهار الإسلام وأن لا يكره أحد على دينه، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بالمكتب ودعا أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال له: اكتب، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل
ابن عمرو: لا نعرف الرحمن، اكتب كما كان يكتب آباؤك باسمك اللهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
اكتب باسمك اللهم فإنه اسم من أسماء الله، ثم اكتب هذا ما تقاضى عليه محمد سول الله (صلى الله عليه وآله)
والملأ من قريش، فقال سهيل بن عمرو: ولو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك، اكتب هذا ما
تقاضى عليه محمد بن عبد الله، أتأنف من نسبك يا محمد؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا رسول الله
وإن لم تقروا، ثم قال: امح يا علي واكتب محمد بن عبد الله، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما أمحو اسمك
من النبوة أبدا، فمحاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده، ثم كتب هذا ما اصطلح به محمد بن عبد الله والملأ من
قريش، وسهيل بن عمرو، واصطلحوا على وضع الحرب بينهم عشر سنين على أن يكف
بعضنا عن بعض، وعلى أنه لا إسلال (1) ولا إغلال (2) وإن بيننا وبينهم غيبة مكفوفة، وإن من
أحب أن يدخل في عهد محمد (صلى الله عليه وآله) وعقده فعل، وإن من أحب أن يدخل في عهد قريش
وعقدها فعل، وأنه من أتى محمدا بغير إذن وليه رده إليه، وأنه من أتى قريشا من أصحاب
محمد (صلى الله عليه وآله) لم ترده إليه، وأن يكون الإسلام ظاهرا بمكة، ولا يكره أحد على دينه، ولا يؤذى ولا
يعير، وأن محمدا يرجع عنهم عامه هذا وأصحابه، ثم يدخل علينا في العام القابل مكة فيقيم
فيها ثلاثة أيام، ولا يدخل عليها بسلاح إلا سلاح المسافر، السيوف في القرب، وكتب علي بن
أبي طالب (عليه السلام) وشهد على الكتاب المهاجرون والأنصار، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي إنك
أبيت أن تمحو اسمي من النبوة فوالذي بعثني بالحق نبيا لتجيبن أبنائهم إلى مثلها، وأنت
مضيض (3) مضطهد. فلما كان يوم صفين ورضوا بالحكمين كتب هذا ما اصطلح عليه أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، فقال عمرو بن العاص: لو علمنا إنك أمير

1 - يتسللون: أي يخرجون من الجماعة واحدا واحدا، وسل يسل - من باب قتل -، وانسلت من بين يديه: أي
مضت وخرجت بتأن وتدريج. مجمع البحرين: ج 5، ص 398، مادة " سلل ".
2 - الإغلال: الخيانة أو السرقة الخفية، وقيل: هو الفأرة الظاهرة، وقيل: الإغلال: لبس الدروع، والإسلال: سل
السيوف. مجمع البحرين: ج 5، ص 437، مادة " غلل ".
3 - المضض: وجع المصيبة. ومضضت من الشئ مضا - من باب تعب -: تألمت. مجمع البحرين: ج 4، ص
230، مادة " مضض ".
492

ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته
عليك ويهديك صراطا مستقيما 2
المؤمنين (عليه السلام) ما حاربناك، ولكن اكتب: هذا ما اصطلح عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي
سفيان، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): صدق الله وصدق رسوله، أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، قال:
فلما كتبوا الكتاب قامت خزاعة فقالت: نحن في عهد محمد رسول الله وعقده، وقامت بنو بكر
فقالت: نحن في عهد قريش وعقدها، وكتبوا نسختين، نسخة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونسخة عند
سهيل بن عمرو، ورجع سهيل بن عمرو، وحفص بن الأحنف إلى قريش فأخبروهم، وقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: انحروا بدنكم واحلقوا رؤوسكم، فامتنعوا، وقالوا: كيف ننحر
ونحلق ولم نطف بالبيت، ولم نسع بين الصفا والمروة؟ فاغتم لذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشكا ذلك إلى
أم سلمة، فقالت: يا رسول الله انحر أنت واحلق. فنحر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحلق، فنحر القوم على
حيث يقين وشك وارتياب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعظيما للبدن: رحم الله المحلقين، وقال قوم لم
يسوقوا البدن: يا رسول الله والمقصرين لأن من لم يسق هديا لم يجب عليه الحلق، فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ثانيا: رحم الله المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي، فقالوا: يا رسول الله والمقصرين، فقال:
رحم الله المقصرين، ثم رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحو المدينة فرجع إلى التنعيم ونزل تحت الشجرة
فجاء أصحابه الذين أنكروا عليه الصلح، واعتذروا وأظهروا الندامة على ما كان منهم،
وسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يستغفر لهم، فنزلت آية الرضوان (1).
أقول: هذه القصة مذكورة في روضة الكافي عن الصادق (عليه السلام) بزيادة ونقصان، من
أرادها رجع إليه (2).
* (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) *: علة للفتح من حيث أنه مسبب
عن جهاد الكفار، والسعي في إزاحة الشرك، وإعلاء الدين، وتكميل النفوس الناقصة قهرا
ليصير ذلك بالتدريج اختيارا، وتخليص الضعفة عن أيد الظلمة.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 309 - 314. 2 - الكافي: ج 8، ص 322 - 327، ح 503، صلح الحديبية.
493

في المجمع (1)، والقمي: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية، فقال: ما كان له ذنب
ولا هم بذنب، ولكن الله حمله ذنوب شيعته ثم غفرها له (2).
وفي المجمع: عنه (عليه السلام) إنه سئل عنها، فقال: والله ما كان له ذنب ولكن الله سبحانه ضمن
له أن يغفر ذنوب شيعة علي (عليه السلام) ما تقدم من ذنبهم وما تأخر (3).
قال بعض أهل المعرفة: قد ثبت عصمته (صلى الله عليه وآله) فليس له ذنب، فلم يبق لإضافة الذنب
إليه إلا أن يكون هو المخاطب والمراد أمته، كما قيل إياك أدعو واسمعي يا جارة، قال: " ما تقدم
من ذنبك " من آدم إلى زمانه " وما تأخر " من زمانه إلى يوم القيامة، فإن الكل أمته فإنه ما من
أمة إلا وهي تحت شرع محمد (صلى الله عليه وآله) من اسم الباطن من حيث كان نبيا وآدم بين الماء والطين،
وهو سيد النبيين والمرسلين فإنه سيد الناس، فبشر الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وآله) بقوله: " ليغفر لك الله
ما تقدم من ذنبك وما تأخر " لعموم رسالته إلى الناس كافة، وما يلزم الناس رؤية شخصه
فكما وجه في زمان ظهوره رسوله عليا (عليه السلام) إلى اليمن لتبليغ الدعوة كذلك وجه الرسل والأنبياء
إلى أممهم من حين كان نبيا وآدم بين الماء والطين، فدعا الكل إلى الله، فالكل أمته من آدم إلى
يوم القيامة، فبشره الله بالمغفرة لما تقدم من ذنوب الناس وما تأخر منها، وكان هو المخاطب
والمقصود الناس فيغفر الكل ويسعدهم، وهو اللائق بعموم رحمته التي وسعت كل شئ،
وبعموم مرتبة محمد (صلى الله عليه وآله) حيث بعث إلى الناس كافة بالنص، ولم يقل أرسلناك إلى هذه الأمة
خاصة وإنما أخبر أنه مرسل إلى الناس كافة، والناس من آدم (عليه السلام) إلى يوم القيامة، فهم
المقصودون بخطاب مغفرة الله لما تقدم من ذنبه، ولما تأخر.
أقول: وقد مضى في المقدمة الثالثة ما يؤيد هذا المعنى.
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) قال: إنه سئل عن هذه الآية، فقال: لم يكن أحد عند
مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة
وستين صنما، فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم، وقالوا: " أجعل
الآلهة إلها وحدا " إلى قوله: " إلا اختلق " (4)، فلما فتح الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله) مكة قال تعالى

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 110، س 33.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 314، س 22.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 110، س 31.
4 - ص: 5 - 7.
494

وينصرك الله نصرا عزيزا 3 هو الذي أنزل السكينة في
قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود
السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما 4
له: يا محمد " إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " عند مشركي
أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر، لأن مشركي مكة أسلم بعضهم، وخرج
بعضهم عن مكة، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذ دعا الناس إليه فصار ذنبه
عندهم مغفورا بظهوره عليهم (1).
وفي رواية ابن طاووس عنهم (عليهم السلام)، أن المراد منه " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما
تأخر " عند أهل مكة وقريش يعني ما تقدم قبل الهجرة وبعدها، فإنك إذا فتحت مكة بغير
قتل لهم ولا استيصال ولا أخذهم بما قدموه من العداوة والقتال غفروا ما كانوا يعتقدونه ذنبا
لك عندهم متقدما أو متأخرا وما كان يظهر من عداوته لهم في مقابلة عداوتهم له، فلما رأوه قد
تحكم وتمكن وما استقصى غفروا ما ظنوه من الذنوب (2).
* (ويتم نعمته عليك) *: بإعلاء الدين، وضم الملك إلى النبوة.
* (ويهديك صراطا مستقيما) *: في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرئاسة.
* (وينصرك الله نصرا عزيزا) *: نصرا فيه عز ومنعة.
* (هو الذي أنزل السكينة) *: الثبات والطمأنينة. في الكافي: عنهما (عليهما السلام) هو الإيمان (3).
* (في قلوب المؤمنين) *: القمي: هم الذين لم يخالفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم ينكروا
عليه الصلح (4).
* (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) *: يقينا مع يقينهم برسوخ العقيدة، واطمينان النفس

1 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 202، ح 1، باب 15 - ذكر مجلس آخر للرضا (عليه السلام) عند المأمون في عصمة
الأنبياء (عليهم السلام).
2 - سعد السعود: ص 207 - 208.
3 - الكافي: ج 2، ص 15، ح 1، باب في أن السكينة هي الإيمان. 4 - تفسير القمي: ج 2، ص 315.
495

ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنت تجرى من تحتها
الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند
الله فوزا عظيما 5 ويعذب المنافقين والمنافقات
والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم
دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدلهم جهنم
وساءت مصيرا 6
عليها، أو ليزدادوا إيمانا بالشرائع مع إيمانهم بالله واليوم الآخر، وقد مضى لزيادة الإيمان بيان في
أواخر سورة التوبة (1).
* (ولله جنود السماوات والأرض) *: يدبر أمرها فيسلط بعضها على بعض تارة،
ويوقع فيما بينهم السلم أخرى كما تقتضيه حكمته.
* (وكان الله عليما) *: بالمصالح.
* (حكيما) *: فيما يقدر ويدبر.
* (ليدخل) *: فعل ما فعل، ودبر ما دبر " ليدخل المؤمنين. " الآية.
* (المؤمنين والمؤمنات جنت تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها
ويكفر عنهم سيئاتهم) *: يغطيها ولا يظهرها.
* (وكان ذلك عند الله فوزا عظيما) *: لأنه منتهى ما يطلب من جلب نفع أو دفع ضر.
* (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله
ظن السوء) *: وهو أن لا ينصر رسوله والمؤمنين.
* (عليهم دائرة السوء) *: دائرة ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين لا يتخطاهم،
وقرئ " السوء " بالضم.

1 - ذيل الآية: 124، راجع ج 3، ص 485 - 486 من كتابنا تفسير الصافي.
496

ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما 7
إنا أرسلناك شهدا ومبشرا ونذيرا 8 لتؤمنوا بالله
ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا 9
إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم
فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عهد عليه
الله فسيؤتيه أجرا عظيما 10
القمي: وهم الذين أنكروا الصلح، واتهموا رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
* (وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدلهم جهنم وساءت مصيرا * ولله جنود
السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما * إنا أرسلناك شهدا) *: على أمتك.
* (ومبشرا ونذيرا) *: على الطاعة والمعصية.
* (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه) *: وتقووه بتقوية دينه ورسوله.
* (وتوقروه) *: وتعظموه.
* (وتسبحوه) *: وتنزهوه.
* (بكرة وأصيلا) *: غدوة وعشيا، وقرئ الأربعة بالياء.
* (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) *: لأنه المقصود ببيعته.
* (يد الله فوق أيديهم) *: يعني يدك التي فوق أيديهم في حال بيعتهم إياك إنما هي
بمنزلة يد الله لأنهم في الحقيقة يبايعون الله عز وجل ببيعتك.
في العيون: عن الرضا (عليه السلام) في حديث بيعة الناس له قال: عقد البيعة هو من أعلى
الخنصر إلى أعلى الإبهام، وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر (2).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 315، س 4.
2 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 238 - 239، ح 2، باب 59 - الأسباب التي من أجلها قتل المأمون علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) بالسم.
497

سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا
فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن
يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا
بل كان الله بما تعملون خبيرا 11
وفي إرشاد المفيد: في حديث بيعتهم له قال: فرفع الرضا (عليه السلام) يده فتلقى بها وجهه،
وببطنها وجوههم، فقال له المأمون: أبسط يدك للبيعة، فقال الرضا (عليه السلام): إن رسول الله هكذا
كان يبايع الناس فبايعه الناس، ويده فوق أيديهم (1).
* (فمن نكث) *: نقض العهد.
* (فإنما ينكث على نفسه) *: فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه.
* (ومن أوفى بما عهد عليه الله) *: وفى في مبايعته.
* (فسيؤتيه أجرا عظيما) *: وهو الجنة، وقرئ " عليه " بضم الهاء " فسنؤتيه " بالنون.
القمي: نزلت في بيعة الرضوان: " لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت
الشجرة " (2) واشترط عليهم أن لا ينكروا بعد ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا يفعله ولا يخالفوه
في شئ يأمرهم به، فقال الله عز وجل بعد نزول آية الرضوان: " إن الذين يبايعونك إنما
يبايعون الله يد الله فوق أيديهم " الآية، وإنما رضي الله عنهم بهذا الشرط أن يفوا بعد ذلك بعهد
الله وميثاقه ولا ينقضوا عهده وعقده، فبهذا العقد رضي الله عنهم فقدموا في التأليف آية
الشرط على آية الرضوان وإنما نزلت أولا بيعة الرضوان ثم آية الشرط عليهم فيها (3).
* (سيقول لك المخلفون من الاعراب) *: قيل: هم أسلم (4)، وجهينة (5)،

1 - الإرشاد للشيخ المفيد: ص 311.
2 - الفتح: 18.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 315، س 9.
4 - أسلم: أبو قبيلة في مراد. لسان العرب: ج 6، ص 350، مادة " سلم ".
5 - جهينة: قبيلة، وفي المثل: وعند جهينة الخبر اليقين. الصحاح: ج 5، ص 2096، مادة " جهن ".
498

بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا
وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا 12
ومزينة (1)، وغفار (2)، استفزهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عام الحديبية فتخلفوا واعتلوا بالشغل بأموالهم
وأهاليهم، وإنما خلفهم الخذلان، وضعف العقيدة، والخوف عن مقاتلة قريش أن صدوهم (3).
والقمي: هم الذين استنفرهم في الحديبية، ولما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة من
الحديبية غزا خيبرا فاستأذنه المخلفون أن يخرجوا معه، فقال الله تعالى: " سيقول المخلفون إذا
انطلقتم " إلى قوله: " إلا قليلا " (4) (5).
* (شغلتنا أموالنا وأهلونا) *: إذ لم يكن لنا من يقوم بأشغالهم.
* (فاستغفر لنا) *: من الله على التخلف.
* (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) *: تكذيب لهم في الإعتذار والاستغفار.
* (قل فمن يملك لكم من الله شيئا) *: فمن يمنعكم من مشيئته وقضائه.
* (إن أراد بكم ضرا) *: ما يضركم كقتل أو هزيمة، وخلل في المال والأهل وعقوبة
على التخلف، وقرئ بالضم.
* (أو أراد بكم نفعا) *: ما يضاد ذلك.
* (بل كان الله بما تعملون خبيرا) *: فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه.
* (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا) *: لظنكم أن
المشركين يستأصلونهم.
* (وزين ذلك في قلوبكم) *: فتمكن فيها.

1 - مزينة: قبيلة من مضر، وهو مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. الصحاح: ج 6، ص 2204، مادة " مزن ".
2 - بنو غفار - من كنانة -: رهط أبي ذر الغفاري. الصحاح: ج 2، ص 772، مادة " غفر ".
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 400، س 19.
4 - الفتح: 15.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 315، س 18.
499

ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا 13
ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من
يشاء وكان الله غفورا رحيما 14 سيقول المخلفون إذا
انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن
يبدلوا كلم الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل
فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا 15
* (وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا) *: هالكين عند الله لفساد عقيدتكم،
وسوء نيتكم، القمي: أي قوم سوء (1).
* (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا) *: نبه على
كفرهم، ثم سجل عليه بوضع الظاهر موضع الضمير.
* (ولله ملك السماوات والأرض) *: يدبر كيف يشاء.
* (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما) *: فإن الغفران
والرحمة من دأبه، والتعذيب داخل تحت قضائه بالعرض، ولذلك جاء في الحديث القدسي:
سبقت رحمتي غضبي (2).
* (سيقول المخلفون) *: يعني المذكورين.
* (إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها) *: يعني مغانم خيبر.
* (ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلم الله) *: أن يغيروه وهو وعده لأهل
الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة خيبر، وقرئ كلم الله.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 315، س 18.
2 - الكافي: ج 1، ص 443، س 4، ح 13، باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ووفاته، والجواهر السنية في الأحاديث
القدسية: ص 149، وأنوار التنزيل: ج 2، ص 401، س 14.
500

قل للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس
شديد تقتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا
حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما 16
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على
المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنت تجرى
من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما 17
* (قل لن تتبعونا) *: نفي في معنى النهي.
* (كذلكم قال الله من قبل) *: من قبل تهيئهم للخروج إلى خيبر.
* (فسيقولون بل تحسدوننا) *: أن نشارككم في الغنائم.
* (بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا) *: إلا فهما قليلا، وهو فطنتهم لأمور الدنيا.
* (قل للمخلفين من الاعراب) *: كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة في الذم وإشعارا
بشناعة التخلف.
* (ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد) *: قيل: هم هوازن وثقيف (1).
* (تقتلونهم أو يسلمون) *: أي يكون أحد الأمرين.
* (فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا) *: هو الغنيمة في الدنيا، والجنة في الآخرة.
* (وإن تتولوا كما توليتم من قبل) *: عن الحديبية.
* (يعذبكم عذابا أليما) *: لتضاعف جرمكم.
* (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض
حرج) *: لما أوعد على التخلف، نفى الحرج عن هؤلاء المعذورين استثناءا لهم عن الوعيد.
* (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنت تجرى من تحتها الأنهار) *: قيل:

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 402، س 6.
501

لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة
فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا
قريبا 18 ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما 19
وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف
أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم
صراطا مستقيما 20
فصل الوعد وأجمل الوعيد مبالغة في الوعد لسبق رحمته، ثم جبر ذلك بالتكرير على سبيل
التعميم، فقال: " ومن يتول " الآية (1).
* (ومن يتول يعذبه عذابا أليما) *: إذ الترهيب هنا أنفع من الترغيب، وقرئ
ندخله ونعذبه بالنون.
* (لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) *: قد سبقت قصته.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: كتب علي (عليه السلام) إلى معاوية أنا أول من بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
تحت الشجرة في قوله: " لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة " (2).
* (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم) *: الطمأنينة، وسكون النفس.
* (وأثابهم فتحا قريبا) *: فتح خيبر غب انصرافهم.
* (ومغانم كثيرة يأخذونها) *: يعني مغانم خيبر.
* (وكان الله عزيزا حكيما) *: غالبا مراعيا مقتضى الحكمة.
* (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) *: وهي ما يفئ على المؤمنين إلى يوم القيامة.
* (فعجل لكم هذه) *: يعني مغانم خيبر.
* (وكف أيدي الناس عنكم) *: أيدي أهل خيبر، وحلفائهم.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 402. 2 - تفسير القمي: ج 2، ص 268.
502

وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على
كل شئ قديرا 21 ولو قتلكم الذين كفروا لولوا
الأدبر ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا 22 سنة الله التي قد
خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا 23 وهو الذي
كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن
أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا 24
* (ولتكون آية للمؤمنين) *: أمارة يعرفون بها صدق الرسول في وعدهم.
* (ويهديكم صراطا مستقيما) *: هو الثقة بفضل الله والتوكل عليه.
* (وأخرى لم تقدروا عليها) *: بعد.
* (قد أحاط الله بها وكان الله على كل شئ قديرا * ولو قتلكم الذين
كفروا) *: من أهل مكة ولم يصالحوا.
* (لولوا الأدبر) *: لانهزموا.
* (ثم لا يجدون وليا) *: يحرسهم.
* (ولا نصيرا) *: ينصرهم.
* (سنة الله التي قد خلت من قبل) *: أي سن غلبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى
من الأمم كما قال: " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " (1).
* (ولن تجد لسنة الله تبديلا) *: تغييرا.
* (وهو الذي كف أيديهم عنكم) *: أيدي كفار مكة.
* (وأيديكم عنهم ببطن مكة) *: في داخل مكة.
* (من بعد أن أظفركم عليهم) *: القمي: أي من بعد أن أممتم من المدينة إلى الحرم،

1 - المجادلة: 21.
503

هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى
معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات
لم تعلموهم أن تطأوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم
ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين
كفروا منهم عذابا أليما 25
وطلبوا منكم الصلح من بعد أن كانوا يغزونكم بالمدينة صاروا يطلبون الصلح بعد أن كنتم
تطلبون الصلح منهم (1).
* (وكان الله بما تعملون بصيرا) *: من مقاتلتهم أولا طاعة لرسوله، وكفهم ثانيا
لتعظيم بيته، وقرئ بالياء.
* (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا) *: محبوسا.
* (أن يبلغ محله) *: الهدي ما يهدى إلى مكة، ومحله مكانه الذي يحل فيه نحره.
* (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) *: القمي: يعني بمكة (2).
* (لم تعلموهم) *: لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين.
* (أن تطأوهم) *: أن تواقعوا بهم وتبتدأوهم (3).
* (فتصيبكم منهم) *: من جهتهم.
* (معرة) *: مكروه، كوجوب الدية والكفارة بقتلهم، والتأسف عليهم، وتعيير الكفار
بذلك والإثم بالتقصير في البحث عنهم.
* (بغير علم) *: أي تطأهم غير عالمين بهم، وجواب " لولا " محذوف لدلالة الكلام

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 316، س 8.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 316، س 12.
3 - الظاهر هنا تصحيف، والصحيح: " أن توقعوا بهم وتبيدوهم ".
504

عليه، والمعنى ولولا كراهة أن تهلكوا ناسا مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين بهم فيصيبكم
بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم.
القمي: أخبر الله عز وجل نبيه (صلى الله عليه وآله) أن علة الصلح إنما كان للمؤمنين والمؤمنات الذين
كانوا بمكة، ولو لم يكن صلح وكانت الحرب لقتلوا، فلما كان الصلح آمنوا وأظهروا الإسلام (1).
ويقال: إن ذلك الصلح كان أعظم فتحا على المسلمين من غلبهم (2).
* (ليدخل الله في رحمته) *: علة لما دل عليه كف الأيدي من أهل مكة صونا لمن فيها
من المؤمنين، أي كان ذلك ليدخل الله في توفيقه لزيادة الخير أو الإسلام.
* (من يشاء) *: من مؤمنيهم أو مشركيهم.
* (لو تزيلوا) *: لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض.
* (لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) *: بالقتل والسبي.
القمي: يعني هؤلاء الذين كانوا بمكة من المؤمنين والمؤمنات لو زالوا عنهم وخرجوا
من بينهم لعذبنا الذين كفروا منهم (3).
وعن الصادق (عليه السلام): إنه سئل ألم يكن علي (عليه السلام) قويا في بدنه، قويا في أمر الله؟ فقال: بلى،
قيل: فما منعه أن يدفع أو يمتنع؟ قال: سألت فافهم الجواب: منع عليا (عليه السلام) من ذلك آية من
كتاب الله تعالى، فقيل: وأي آية؟ فقرأ: و " لو تزيلوا " الآية إنه كان لله تعالى ودائع مؤمنون في
أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن علي (عليه السلام) ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع، فلما
خرجت ظهر على من ظهر وقتله، وكذلك قائمنا أهل البيت (عليهم السلام) لا يظهر أبدا حتى تخرج ودائع
الله فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله (4).
وفي الإكمال: عنه (عليه السلام) ما في معناه بأسانيد متعددة، منها: قال (عليه السلام) في هذه الآية: لو
أخرج الله ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين، وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين " لعذبنا

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 316، س 12.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 316، س 14.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 316، س 16.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 316، س 20.
505

إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل
الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة
التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شئ عليما 26
الذين كفروا " (1).
* (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية) *: الأنفة.
* (حمية الجاهلية) *: التي تمنع إذعان الحق.
القمي: يعني قريشا، وسهيل بن عمرو، حين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): لا نعرف الرحمن
الرحيم، وقولهم: لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك، فاكتب محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) (2).
* (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) *: أنزل عليهم الثبات
والوقار فتحملوا حميتهم.
* (وألزمهم كلمة التقوى) *: كلمة الشهادة.
القمي: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال في خطبته (3): وأولى القول: كلمة التقوى (4).
وفي العلل: عنه (صلى الله عليه وآله) إنه قال في تفسير لا إله إلا الله: وهي كلمة التقوى يثقل الله بها
الموازين يوم القيامة (5).
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عنها، فقال: هو الإيمان (6).
وفي المجالس: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن عليا راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني،
وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين (7).

1 - اكمال الدين واتمام النعمة: ص 642، باب 54 - ذكر المعمرين.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 317، س 6.
3 - وفي نسخة: [في خطبة].
4 - تفسير القمي: ج 1، ص 290، س 23.
5 - علل الشرائع: ص 251، س 8، ح 8، باب 182 - علل الشرائع وأصول الإسلام.
6 - الكافي: ج 2، ص 15، ح 5، باب في أن السكينة هي الإيمان.
7 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 386، ح 23، المجلس الثاني والسبعون.
506

لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد
الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا
تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا 27
وفي الخصال: عنه (عليه السلام) قال في خطبته (1): نحن كلمة التقوى وسبيل الهدى (2).
وفي التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في خطبته (3): أنا عروة الله الوثقى، والكلمة
التقوى (4).
وفي الإكمال: عن الرضا (عليه السلام) في حديث له: نحن كلمة التقوى، والعروة الوثقى (5).
* (وكانوا أحق بها وأهلها) *: والمستأهل لها.
* (وكان الله بكل شئ عليما) *: فيعلم أهل كل شئ وييسره له.
* (لقد صدق الله رسوله الرؤيا) *: صدقه في رؤياه.
* (بالحق) *: متلبسا به، فإن ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدر له، وقد سبقت قصته في
أول السورة.
* (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم
ومقصرين) *: محلقا بعضكم ومقصرا آخرون.
* (لا تخافون) *: بعد ذلك.
* (فعلم ما لم تعلموا) *: من الحكمة في تأخير ذلك.
* (فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) *: هو فتح خيبر ليستروح إليه قلوب المؤمنين

1 - وفي نسخة: [في خطبة].
2 - الخصال: ص 432، ح 14، باب 10 - عشر خصال جمعها الله عز وجل لنبيه وأهل بيته صلوات الله عليهم.
3 - وفي نسخة: [في خطبة].
4 - التوحيد: ص 164 - 165، ح 2، باب 22 - معنى جنب الله عز وجل.
5 - اكمال الدين واتمام النعمة: ص 202، ح 6، باب 21 - العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام (عليه السلام).
507

هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله وكفى بالله شهيدا 28 محمد رسول الله والذين
معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تريهم ركعا سجدا
يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر
السجود ذلك مثلهم في التورية ومثلهم في الإنجيل كزرع
أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب
الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا
الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما 29
إلى أن يتيسر الموعود.
* (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) *: وبدين الإسلام.
* (ليظهره على الدين كله) *: ليغلبه على جنس الدين كله بنسخ ما كان حقا
وإظهار فساد ما كان باطلا، ثم بتسليط المسلمين على أهله إذ ما من أهل دين إلا وقد قهر
بالإسلام أو سيقهر، وفيه تأكيد لما وعده بالفتح.
القمي: وهو الإمام (عليه السلام) الذي يظهره الله عز وجل على الدين كله فيملأ الأرض قسطا
وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، قال: وهذا مما ذكرناه أن تأويله بعد تنزيله (1).
أقول: قد سبق تمام الكلام فيه في سورة التوبة (2).
* (وكفى بالله شهيدا) *: على أن ما وعده كائن أو على رسالته.
* (محمد رسول الله) *: جملة مبينة للمشهود به، أو استئناف مع معطوفه وبعدهما خبر.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 317، س 14.
2 - ذيل الآية 33، انظر ج 3، ص 401 - 403 من كتابنا تفسير الصافي.
508

* (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) *: يغلظون على من خالف
دينهم ويتراحمون فيما بينهم كقوله: " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " (1).
* (تريهم ركعا سجدا) *: لأنهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم.
* (يبتغون فضلا من الله ورضوانا) *: الثواب والرضا.
* (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) *: قيل: يريد السمة التي تحدث في
جباههم من كثرة السجود (2).
وفي الفقيه: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عنه؟ فقال: هو السهر في الصلاة (3).
* (ذلك مثلهم في التورية) *: صفتهم العجيبة الشأن المذكورة فيها.
* (ومثلهم في الإنجيل) *: القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: نزلت هذه الآية في اليهود
والنصارى " الذين آتيناهم الكتب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " (4) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
لأن الله عز وجل قد أنزل في التوراة، والإنجيل، والزبور، صفة محمد (صلى الله عليه وآله) وصفة أصحابه،
ومبعثه ومهاجره، وهو قوله: " محمد رسول الله " إلى قوله: " في الإنجيل " فهذه صفته في التوراة،
والإنجيل، وصفة أصحابه، فلما بعثه الله عرفه أهل الكتاب، كما قال الله جل جلاله (5).
* (كزرع أخرج شطئه) *: فراخه، وقرئ بالفتحات.
* (فآزره) *: فقواه من الموازرة، وهي المعاونة، أو من الايزار، وهي الإعانة، وقرئ
فآزره كآجره في أجره.
* (فاستغلظ) *: فصار من الدقة إلى الغلظ.
* (فاستوى على سوقه) *: فاستقام على قصبه جمع ساق، وقرئ سؤقه بالهمزة.
* (يعجب الزراع) *: بكثافته وقوته وغلظه وحسن منظره، قيل: هو مثل ضربه الله

1 - المائدة: 54.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 405، س 15.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 299، ح 1369 / 7، باب 65 - ثواب صلاة الليل.
4 - البقرة: 146.
5 - تفسير القمي: ج 1، ص 33، س 1.
509

للصحابة قلوا في بدو الإسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم بحيث أعجب الناس (1).
* (ليغيظ بهم الكفار) *: علة لتشبيههم بالزرع في زكاته واستحكامه.
* (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) *:
في الأمالي: عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه سئل فيمن نزلت هذه الآية؟ قال: إذا كان يوم القيامة عقد لواء
من نور أنور، ونادى مناد ليقم سيد المؤمنين، ومعه الذين آمنوا، وقد بعث الله محمد (صلى الله عليه وآله) فيقوم
علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيعطي الله اللواء من النور الأبيض بيده، تحته جميع السابقة الأولين من
المهاجرين والأنصار، لا يخالطهم غيرهم، حتى يجلس على منبر من نور رب العزة، ويعرض
الجميع عليه رجلا رجلا، فيعطى أجره ونوره، فإذا أتى على آخرهم قيل لهم: قد عرفتم
موضعكم ومنازلكم من الجنة إن ربكم يقول لكم: عندي لكم مغفرة وأجر عظيم، يعني الجنة،
فيقوم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والقوم تحت لوائه معهم حتى يدخل الجنة، ثم يرجع إلى منبره
ولا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين فيأخذ نصيبه منهم إلى الجنة ويترك أقواما على النار،
الحديث (2).
وفي ثواب الأعمال (3)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام): حصنوا أموالكم ونساءكم وما
ملكت أيمانكم من التلف بقراءة: " إنا فتحنا لك فتحا " فإنه إذا كان ممن يدمن قراءتها نادى
مناد يوم القيامة حتى تسمع الخلائق: أنت من عبادي المخلصين: ألحقوه بالصالحين من عبادي،
وأسكنوه جنات النعيم، واسقوه من الرحيق المختوم (4)، بمزاج الكافور (5).
* * *

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 406، س 2.
2 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 378، ح 810 / 61، المجلس الثالث عشر.
3 - ثواب الأعمال: ص 115، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الفتح.
4 - الرحيق: الخالص من الشراب، وعن الخليل أفضل الخمر وأجودها، والمختوم: أي يختم أوانيه بمسك. مجمع
البحرين: ج 5، ص 167، مادة " رحق ".
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 109، في فضلها.
510

سورة الحجرات
511

بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله
واتقوا الله إن الله سميع عليم 1 يا أيها الذين آمنوا لا
ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول
كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعملكم وأنتم لا تشعرون 2
سورة الحجرات: مدنية، عدد آيها ثماني عشرة آية بالإجماع.
* (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا) *: أمرا، أو أنفسكم، أو لا تتقدموا، ومنه مقدمة
الجيش لمتقدميهم، وقرئ بفتح التاء.
* (بين يدي الله ورسوله) *: قيل: المعنى لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به (1).
وقيل: لا تقدموا في المشي، والمراد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذكر الله تعظيما له وإشعارا
بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله (2).
* (واتقوا الله) *: في التقديم.
* (إن الله سميع) *: لأقوالكم.
* (عليم) *: بأفعالكم.
* (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) *: أي إذا

1 و 2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 406، س 13.
513

كلمتموه فلا تجاوزوا أصواتكم عن صوته.
* (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) *: ولا تبلغوا به الجهر الدائر
بينكم، بل اجعلوا أصواتكم أخفض من صوته، محاماة على الترحيب، ومراعاة للأدب،
وتكرير النداء لاستدعاء مزيد الإستبصار، والمبالغة في الإتعاظ، والدلالة على استقلال
المنادى له، وزيادة الإهتمام به.
* (أن تحبط أعملكم) *: كراهة أن تحبط أعمالكم.
* (وأنتم لا تشعرون) *: إنها محبطة، القمي: نزلت في وفد بني تميم، كانوا إذا قدموا
على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقفوا على باب حجرته فنادوا يا محمد اخرج إلينا، وكانوا إذا خرج
رسول الله (صلى الله عليه وآله) تقدموه في المشي، وكانوا إذا كلموه رفعوا أصواتهم فوق صوته، ويقولون يا
محمد يا محمد ما تقول في كذا كما يكلمون بعضهم بعضا فأنزل الله (1).
وفي الجوامع: عن ابن عباس نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وكان في اذنه وقر،
وكان جهوري الصوت، فكان إذا كلمه رفع صوته، وربما تأذى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصوته، قال:
وروي أنه لما نزلت الآية فقد ثابت فتفقده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبر بشأنه فدعاه فسأله، فقال: يا
رسول الله لقد أنزلت هذه الآية وإني جهوري الصوت فأخاف أن يكون عملي قد حبط، فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): لست هناك فإنك تعيش بخير، وتموت بخير، وإنك من أهل الجنة (2).
وفي تفسير الإمام (عليه السلام): في سورة البقرة عند قوله تعالى: " لا تقولوا راعنا وقولوا
انظرنا " (3) عن الكاظم (عليه السلام) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قدم المدينة وكثر حوله المهاجرون
والأنصار، وكثرت عليه المسائل، وكانوا يخاطبونه بالخطاب العظيم الذي لا يليق به، وذلك أن
الله تعالى كأن قال: " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " الآية، وكان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهم رحيما، وعليهم عطوفا، وفي إزالة الآثام عنهم مجتهدا، حتى أنه كان ينظر إلى
من يخاطبه فيعمد على أن يكون صوته مرتفعا على صوته ليزيل عنه ما توعده الله من إحباط
عمله حتى أن رجلا أعرابيا ناداه يوما خلف حائط بصوت له جهوري يا محمد فأجابه بأرفع

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 318، س 4.
2 - جوامع الجامع: ص 456، س 32، الطبعة الحجرية. 3 - البقرة: 104.
514

إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين
امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم 3 إن
الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون 4
ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله
غفور رحيم 5
من صوته يريد أن لا يأثم الأعرابي بارتفاع صوته (1).
* (إن الذين يغضون أصواتهم) *: يخفضونها.
* (عند رسول الله) *: مراعاة للأدب.
* (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) *: جربها لها، ومرنها عليها.
* (لهم مغفرة) *: لذنوبهم.
* (وأجر عظيم) *: لغضهم وسائل طاعاتهم، والتنكير للتعظيم.
* (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) *: من خارجها، خلفها أو قدامها،
والمراد حجرات نسائه (صلى الله عليه وآله).
* (أكثرهم لا يعقلون) *: إذ العقل يقتضي حسن الأدب، ومراعاة الحشمة لمن كان
بهذا المنصب.
* (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم) *: من الاستعجال والنداء
لما فيه من حفظ الأدب، وتعظيم الرسول (صلى الله عليه وآله) الموجبين للثناء والثواب، والإسعاف بالمسؤول
وفي " إليهم " إشعار بأنه لو خرج لا لأجلهم ينبغي أن يصبروا حتى يفاتحهم بالكلام أو يتوجه
إليهم.
* (والله غفور رحيم) *: حيث اقتصر على النصح، والتقريع لهؤلاء المسيئين الأدب

1 - تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): ص 477، ح 305.
515

يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا
قوما بجهلة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين 6
التاركين تعظيم الرسول (صلى الله عليه وآله).
* (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) *: فتعرفوا وتفحصوا،
وقرئ بالثاء المثلثة والباء الموحدة من التثبت.
ونسبها في المجمع إلى الباقر (عليه السلام) (1)، يعني فتوقفوا حتى يتبين الحال.
* (أن تصيبوا) *: كراهة إصابتكم.
* (قوما بجهلة) *: جاهلين بحالهم.
* (فتصبحوا) *: فتصيروا.
* (على ما فعلتم نادمين) *: مغتمين غما لازما متمنين أنه لم يقع.
روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعث وليد بن عقبة مصدقا إلى بني المصطلق، وكان بينه وبينهم
أحنة (2) فلما سمعوا به استقبلوه فحسبهم مقاتليه، فرجع وقال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): قد ارتدوا
ومنعوا الزكاة فهم بقتالهم فنزلت (3).
ويؤيد هذه الرواية ما في الاحتجاج: عن الحسن المجتبى (عليه السلام) في حديث قال: وأما أنت
يا وليد بن عقبة فوالله ما ألومك أن تبغض عليا وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة، وقتل أباك
صبرا بيده يوم بدر، أم كيف تسبه؟ فقد سماه الله مؤمنا في عشر آيات من القرآن، وسماك فاسقا
وهو قوله: " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " الآية (4).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 131، في القراءة.
2 - الإحنة - بكسر الفاء -: واحدة الإحن، وهي الضغائن، وأحن الرجل يأحن - من باب تعب -: حقد وأظهر
العداوة. مجمع البحرين: ج 6، ص 198، مادة " أحن ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 132، في شأن النزول.
4 - الاحتجاج: ج 1، ص 412، احتجاج الحسن (عليه السلام) على منكري فضله وفضل أبيه (عليهما السلام).
516

واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر
لعنتم ولكن الله حبب إليكم الأيمن وزينه في قلوبكم وكره
إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون 7
والقمي: نزل في عائشة حين رمت مارية القبطية، واتهمتها بجريح القبطي، فأمر رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بقتل جريح ليظهر كذبها وترجع عن ذنبها (1). وقد مضى قصتها في سورة النور (2).
* (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم) *: لوقعتم
في العنت، وهو الجهد والهلاك، وفيه إشعار بأن بعضهم أشار إليه بالإيقاع ببني المصطلق.
* (ولكن الله حبب إليكم الأيمن وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر
والفسوق والعصيان) *: قيل: هو خطاب للمؤمنين الذين لم يفعلوا ذلك ولم يكذبوا
لغرضهم الفاسد تحسينا لهم وتعريضا بذم من فعل (3).
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) " الفسوق ": الكذب (4).
وفي الكافي (5)، والقمي: عن الصادق (عليه السلام): " حبب إليكم الأيمن وزينه في قلوبكم ":
يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، " وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان " يعني الأول، والثاني،
والثالث (6).
وفي المحاسن: عنه (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية، وقيل له: هل للعباد فيما حبب الله صنع؟
قال: لا ولا كرامة (7).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 318، س 14.
2 - ذيل الآية: 11، انظر ج 5، ص 219، من كتابنا تفسير الصافي.
3 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 408، س 20.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 133، س 15.
5 - الكافي: ج 1، ص 426، ح 71، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 319، س 16.
7 - المحاسن: ج 1، ص 316، ح 627 / 29، باب 2 - المعرفة.
517

فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم 8 وإن طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحديهما على
الأخرى فقتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت
فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين 9
وعنه (عليه السلام): الدين: هو الحب، والحب هو الدين (1).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) أنه سئل عن الحب والبغض أمن الإيمان هو؟ فقال: وهل الإيمان
إلا الحب والبغض، ثم تلا هذه الآية (2).
* (أولئك هم الراشدون) *: يعني أولئك الذين فعل الله بهم ذلك، هم الذين أصابوا
الطريق السوي.
* (فضلا من الله ونعمة والله عليم) *: بأحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل.
* (حكيم) *: حين يفضل وينعم بالتوفيق عليهم.
* (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) *: تقاتلوا، والجمع باعتبار المعنى، فإن كل
طائفة جمع.
* (فأصلحوا بينهما) *: بالنصح والدعاء إلى حكم الله.
* (فإن بغت إحديهما على الأخرى) *: تعدت عليها.
* (فقتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله) *: ترجع إلى حكمه وما أمر به.
* (فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل) *: بفصل ما بينهما على ما حكم الله.
قيل: تقييد الإصلاح بالعدل هاهنا لأنه مظنة الحيف من حيث إنه بعد المقاتلة (3).
* (وأقسطوا) *: واعدلوا في كل الأمور.

1 - المحاسن: ج 1، ص 409، ح 931 / 333، باب 34 - الحب والبغض في الله.
2 - الكافي: ج 2، ص 125، ح 5، باب الحب في الله والبغض في الله.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 409، س 10.
518

* (إن الله يحب المقسطين) *: قيل: نزلت في قتال حدث بين الأوس والخزرج في
عهده (صلى الله عليه وآله) بالسعف والنعال (1).
وفي الكافي (2)، والتهذيب (3)، والقمي: عن الصادق، عن أبيه (عليهما السلام) في حديث قال: لما
نزلت هذه الآية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على
التنزيل، فسئل من هو؟ قال: خاصف النعل، يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال عمار بن ياسر:
قاتلت بهذه الراية مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثا وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا
السعفات (4) من هجر (5) لعلمنا إنا على الحق وإنهم على الباطل، وكانت السيرة فيهم من أمير
المؤمنين (عليه السلام) ما كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل مكة يوم فتح مكة فإنهم لم يسب لهم ذرية،
وقال: من أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن،
وكذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم البصرة، نادى فيهم: لا تسبوا لهم ذرية، ولا تجهزوا على
جريح، ولا تتبعوا مدبرا، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن (6).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) إنما جاء تأويل هذه الآية يوم البصرة، وهم أهل هذه الآية، وهم
الذين بغوا على أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان الواجب عليه قتالهم وقتلهم حتى يفيؤوا إلى أمر الله،
ولو لم يفيؤوا لكان الواجب عليه فيما أنزل الله أن لا يرفع السيف عنهم حتى يفيؤوا ويرجعوا
عن رأيهم، لأنهم بايعوا طائعين غير كارهين، وهي الفئة الباغية كما قال الله عز وجل، فكان
الواجب على أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يعدل فيهم حيث كان ظفر بهم، كما عدل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
أهل مكة، إنما من عليهم وعفا، وكذلك صنع علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بأهل البصرة حيث ظفر
بهم مثل ما صنع النبي (صلى الله عليه وآله) بأهل مكة، حذوا النعل بالنعل (7).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 409، س 12.
2 - الكافي: ج 5، ص 11، قطعة من حديث 2، باب وجوه الجهاد.
3 - تهذيب الأحكام: ج 6، ص 136 - 137، ح 230 / 1، باب 59، أصناف من يجب جهاده.
4 - السعفات: جمع سعفة - بالتحريك -: جريدة النخل ما دامت بالخوص، فإن زال عنها قيل: جريدة، وقيل: إذا
يبست سميت سعفة، والرطبة شطبة. مجمع البحرين: ج 5، ص 70، مادة " سعف ".
5 - هجر: مدينة وهي قاعدة البحرين، وربما قيل: الهجر، بالألف واللام، وقيل: ناحية البحرين كلها هجر وهو
الصواب. معجم البلدان: ج 5، ص 393.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 321، س 5.
7 - الكافي: ج 8، ص 180، ح 202.
519

إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله
لعلكم ترحمون 10
* (إنما المؤمنون إخوة) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) بنو أب وأم، وإذا ضرب على
رجل منهم عرق سهر له الآخرون (1).
وعنه (عليه السلام): المؤمن أخو المؤمن عينه (2)، ودليله لا يخونه، ولا يظلمه، ولا يغشه، ولا
يعده عدة فيخلفه (3).
وعن الباقر (عليه السلام): المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه لأن الله خلق المؤمنين من طينة الجنان،
وأجرى في صورهم من ريح الجنة، فلذلك هم إخوة لأب وأم (4).
وفي البصائر: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن تفسير هذا الحديث، إن المؤمن ينظر بنور
الله، فقال: إن الله خلق المؤمن من نوره، وصبغهم في رحمته، وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية على
معرفته يوم عرفهم نفسه، فالمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه، أبوه النور، وأمه الرحمة، وإنما ينظر
بذلك النور الذي خلق منه (5).
أقول: ووجه آخر لأخوة المؤمنين انتسابهم إلى النبي والوصي، فقد ورد أنه (صلى الله عليه وآله) قال:
أنا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة (6). ووجه آخر انتسابهم إلى الإيمان الموجب للحياة الأبدية.

1 - الكافي: ج 2، ص 165، ح 1، باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض.
2 - أي نفسه وذاته، من باب المبالغة للمشاركة في الطينة، أو في الصفات، أو عينه الباصرة فيجب عليه حفظه
كحفظها، أو حافظه أو طليعته بتصرف الأمور النافعة له. منه (قدس سره).
3 - الكافي: ج 2، ص 166، ح 3، باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض.
4 - الكافي: ج 2، ص 166 - 167، ح 7، باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض.
5 - بصائر الدرجات: ص 100، ح 2، الجزء الثاني، باب 11 - ما أخذ الله ميثاق المؤمنين لأئمة آل محمد صلوات
الله عليهم أجمعين بالولاية وخلقهم من نوره وأصبغهم في رحمته وينظرون بنور الله.
6 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 272، ح 13، المجلس الثالث والخمسون، وإكمال الدين وإتمام النعمة: ص
261، ح 7، باب 24، ومعاني الأخبار: ص 52، ح 3، باب 27، وعلل الشرائع: ص 127، ح 2، باب 106،
وعيون أخبار الرضا: ج 2، ص 85، ح 29، باب 32.
520

يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا
خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن
ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم
الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون 11
* (فأصلحوا بين أخويكم) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) صدقة يحبها الله: إصلاح
بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا (1).
وعنه (عليه السلام): لأن أصلح بين اثنين أحب إلي من أن أتصدق بدينارين (2).
وعنه (عليه السلام): إنه قال لمفضل: إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي (3).
وفي رواية: قال: المصلح ليس بكذاب (4).
* (واتقوا الله) *: في مخالفة حكمه والإهمال فيه.
* (لعلكم ترحمون) *: على تقواكم.
* (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم
ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن) *: أي لا يسخر بعض المؤمنين
والمؤمنات من بعض، إذ قد يكون المسخور منه خيرا عند الله من الساخر.
القمي: نزلت في صفية بنت حي بن أحطب، وكانت زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك إن
عائشة وحفصة كانتا تؤذيانها وتشتمانها وتقولان لها: يا بنت اليهودية، فشكت ذلك إلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لها: ألا تجيبنيهما؟ فقالت: بماذا يا رسول الله؟ قال: قولي: إن أبي هارون نبي الله،
وعمي موسى كليم الله، وزوجي محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما تنكران مني؟ فقالت لهما، فقالتا: هذا
علمك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأنزل الله في ذلك: " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر " الآية (5).

1 و 2 و 3 و 4 - الكافي: ج 2، ص 209 و 210، ح 1 و 2 و 3 و 5، باب الإصلاح بين الناس.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 321، س 21.
521

يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن
إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن
يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب
رحيم 12
* (ولا تلمزوا أنفسكم) *: ولا يعب بعضكم بعضا.
* (ولا تنابزوا بالألقاب) *: ولا يدع بعضكم بعضا بلقب السوء.
* (بئس الاسم الفسوق بعد الأيمن) *: أي بئس الذكر المرتفع للمؤمنين، أن
يذكروا بالفسق بعد دخولهم الإيمان واشتهارهم به.
* (ومن لم يتب) *: عما نهي عنه.
* (فأولئك هم الظالمون) *: بوضع العصيان موضع الطاعة، وتعريض النفس
للعذاب.
* (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن) *: كونوا منه على جانب، وإبهام
الكثير ليحتاط في كل ظن ويتأمل حتى يعلم أنه من أي القبيل.
* (إن بعض الظن إثم) *: الإثم: الذنب يستحق به العقوبة، في الكافي: عن الصادق،
عن أمير المؤمنين (عليهما السلام)، قال: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك منه، ولا تظنن
بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا (1).
وفي نهج البلاغة: إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم
يظهر منه خزيه فقد ظلم، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله، ثم أحسن الرجل الظن
برجل فقد غرر (2) (3).

1 - الكافي: ج 2، ص 362، ح 3، باب التهمة وسوء الظن.
2 - غرر: أي أوقع بنفسه في الغرر، وهو الخطر.
3 - نهج البلاغة: ص 489، قصار الحكم 114.
522

* (ولا تجسسوا) *: ولا تبحثوا عن عورات المؤمنين.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تطلبوا عثرات المؤمنين فإنه
من يتبع عثرات أخيه يتبع الله عثرته، ومن يتبع الله عثرته يفضحه ولو في جوف بيته (1).
* (ولا يغتب بعضكم بعضا) *: ولا يذكر بعضكم بعضا بالسوء في غيبته.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن الغيبة، فقال: هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم
يفعل، وتبث عليه أمرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد (2).
وفي رواية: وأما الأمر الظاهر فيه مثل الحدة والعجلة فلا (3).
وعن الكاظم (عليه السلام): من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، ومن
ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته (4).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من عامل الناس فلم يظلمهم،
ومن حدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروته، وظهرت عدالته،
ووجبت أخوته، وحرمت غيبته (5).
ومثله في الكافي (6)، وفي الخصال عن الصادق (عليه السلام) (7)، وفي المجمع: في الحديث: قولوا في
الفاسق ما فيه كي يحذره الناس (8).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله): إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا، ثم قال: إن الرجل يزني
ويتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له إلا أن يغفر له صاحبه (9).
ومثله في الخصال: عن الصادق (عليه السلام) (10).
* (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) *: تمثيل لما يناله المغتاب

1 - الكافي: ج 2، ص 355، ح 5، باب من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم.
2 و 3 و 4 - الكافي: ج 2، ص 357 و 358، ح 3 و 7 و 6، باب الغيبة والبهت.
5 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 30، ح 34، باب 31 - فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة.
6 - الكافي: ج 2، ص 239، ح 28، باب المؤمن وعلاماته وصفاته.
7 - الخصال: ص 208، ح 28، باب 4 - من عامل الناس مجتنبا لثلاث خصال وجبت له عليهم أربع خصال.
8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 135، س 4.
9 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 137، س 14.
10 - الخصال: ص 62 - 63، ح 90، باب 2 - ذنبان أحدهما أشد من الآخر.
523

يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا
وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم
خبير 13
من عرض المغتاب على أفحش وجه مع مبالغات الاستفهام المقرر، وإسناد الفعل إلى أحد
للتعميم وتعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة، وتمثيل الإغتياب بأكل لحم الإخوان وجعل
المأكول أخا وميتا وتعقيب ذلك بقوله: " فكرهتموه " تقريرا وتحقيقا لذلك، وقرئ مشددا.
* (واتقوا الله إن الله تواب رحيم) *: لمن اتقى ما نهي عنه، وتاب مما فرط منه.
في الجوامع: روي أن أبا بكر، وعمر بعثا سلمان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليأتي لهما بطعام،
فبعثه إلى أسامة بن زيد، وكان خازن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رحله، فقال: ما عندي شئ، فعاد
إليهما، فقالا: بخل أسامة، ولو بعثنا سلمان إلى بئر سميحة (1) لغار ماؤها، ثم انطلقا إلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فقال لهما: مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما؟ قالا: يا رسول الله ما تناولنا اليوم لحما،
قال: ظلمتم تفكهون لحم سلمان وأسامة فنزلت (2).
* (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) *: من آدم وحواء.
* (وجعلناكم شعوبا وقبائل) *: القمي: قال: الشعوب: العجم، والقبائل: العرب (3).
ورواه في المجمع عن الصادق (عليه السلام) (4).
* (لتعارفوا) *: ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر بالآباء والقبائل.
* (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *: فإن بالتقوى تكمل النفوس وتتفاضل
الأشخاص، فمن أراد شرفا فليلتمس منها.
القمي: هو رد على من يفتخر بالأحساب والأنساب، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم فتح

1 - سميحة - كجهينة -: بئر بالمدينة غزيرة. القاموس المحيط: ج 1، ص 229، مادة " سمح ".
2 - جوامع الجامع: ص 459، س 3، الطبعة الحجرية، وفيه: " ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة ". وهذا هو الأصح.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 322، س 7.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 138، س 7.
524

قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا
ولما يدخل الأيمن في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا
يلتكم من أعملكم شيئا إن الله غفور رحيم 14
مكة: يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية، وتفاخرها بآبائها، أن
العربية ليست بأب ووالدة، وإنما هو لسان ناطق فمن تكلم به فهو عربي ألا إنكم من آدم وآدم
من التراب، و " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " (1).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) يقول الله تعالى يوم القيامة أمرتكم فضيعتم ما عهدت إليكم
فيه، ورفعتم أنسابكم، فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم، أين المتقون؟ " إن أكرمكم عند الله
أتقاكم " (2).
وفي الفقيه: عن الصادق، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أتقى الناس
من قال الحق فيما له وعليه (3).
وفي الإعتقادات: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن قوله تعالى: " إن أكرمكم عند الله
أتقاكم " قال: أعملكم بالتقية (4). وفي الإكمال: مثله عن الرضا (عليه السلام) (5).
* (إن الله عليم) *: بكم.
* (خبير) *: ببواطنكم.
* (قالت الاعراب آمنا) *: قيل: نزلت في نفر من بني أسد قدموا المدينة في سنة
جدبة وأظهروا الشهادتين، وكانوا يقولون لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أتيناك بالأثقال والعيال، ولم

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 322، س 8.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 138، س 10.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 281 - 282، ح 836 / 16، باب 176 - النوادر. وهو آخر أبواب الكتاب.
4 - الاعتقادات في دين الإمامية: ص 82 - 83، باب 39 - الاعتقاد في التقية.
5 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 371، ح 5، باب 35 - ما روي عن الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) في النص على
القائم وفي غيبته.
525

نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، يريدون الصدقة ويمنون (1).
* (قل لم تؤمنوا) *: به، إذ الإيمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب، ولم يحصل لكم.
* (ولكن قولوا أسلمنا) *: فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وإظهار الشهادة،
وترك المحاربة يشعر به، وكان نظم الكلام أن يقول لا تقولوا: آمنا ولكن قولوا أسلمنا أو لم
تؤمنوا، ولكن أسلمتم، فعدل منه إلى هذا النظم احترازا من النهي عن القول بالإيمان، والجزم
بإسلامهم، وقد فقد شرط اعتباره شرعا.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إن الإسلام قبل الإيمان، وعليه يتوارثون ويتناكحون،
والإيمان عليه يثابون (2).
وعنه (عليه السلام): الإيمان: هو الإقرار باللسان، وعقد في القلب، وعمل بالأركان، والإيمان
بعضه من بعض، وهو دار، وكذلك الإسلام دار، والكفر دار، فقد يكون العبد مسلما قبل أن
يكون مؤمنا، ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، فالإسلام قبل الإيمان وهو يشارك الإيمان،
فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عز وجل
عنها كان خارجا من الإيمان، ساقطا عنه اسم الإيمان، وثابتا عليه اسم الإسلام، فإن تاب
واستغفر عاد إلى دار الإيمان، ولا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال، الحديث (3).
وفي رواية: الإسلام: هو الظاهر الذي عليه الناس من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، فهذا الإسلام،
والإيمان: معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن أقر بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلما وكان ضالا (4).
وعن الباقر (عليه السلام): المسلم: من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن: من ائتمنه
المسلمون على أموالهم وأنفسهم، الحديث (5).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الإسلام علانية، والإيمان في القلب، وأشار إلى

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 411، س 14.
2 - الكافي: ج 1، ص 173، س 7، ح 4، باب الاضطرار إلى الحجة.
3 - الكافي: ج 2، ص 27، ح 1، باب آخر منه. وفيه: " أن الإسلام قبل الإيمان ".
4 - الكافي: ج 2، ص 24 - 25، ح 4، باب أن الإسلام يحقن به الدم وتؤدى به الأمانة وأن الثواب على الإيمان.
5 - الكافي: ج 2، ص 234، ح 12، باب المؤمن وعلاماته وصفاته.
526

إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا
وجهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم
الصادقون 15 قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في
السماوات وما في الأرض والله بكل شئ عليم 16
صدره (1).
* (ولما يدخل الأيمن في قلوبكم) *: توقيت لقولوا.
* (وإن تطيعوا الله ورسوله) *: بالإخلاص وترك النفاق.
* (لا يلتكم من أعملكم) *: لا ينقصكم من أجورها.
* (شيئا) *: من الليت، وقرئ لا يألتكم من الألت وهو لغة فيه.
* (إن الله غفور) *: لما فرط من المطيعين.
* (رحيم) *: بالتفضل عليهم.
* (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) *: لم يشكوا.
* (وجهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) *: في طاعته.
* (أولئك هم الصادقون) *: الذين صدقوا في ادعاء الإيمان.
القمي: قال: نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
* (قل أتعلمون الله بدينكم) *: أتخبرونه بقولكم " آمنا ".
* (والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شئ عليم) *: لا
تخفى عليه خافية، وهو تجهيل لهم وتوبيخ.
روي أنه لما نزلت الآية المتقدمة جاؤوا وحلفوا أنهم مؤمنون معتقدون فنزلت هذه (3).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 138، س 30.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 322، س 15.
3 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 412، س 6.
527

يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن
عليكم أن هديكم للأيمن إن كنتم صادقين 17 إن الله
يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون 18
* (يمنون عليك أن أسلموا) *: يعدون إسلامهم عليك منة.
* (قل لا تمنوا على إسلامكم) *: أي بإسلامكم.
* (بل الله يمن عليكم أن هديكم للأيمن) *: على ما زعمتم، مع أن الهداية لا
تستلزم الإهتداء.
* (إن كنتم صادقين) *: في ادعاء الإيمان.
القمي: نزلت في عثمان يوم الخندق، وذلك أنه مر بعمار بن ياسر وهو يحفر الخندق وقد
ارتفع الغبار من الحفرة، فوضع عثمان كمه على أنفه ومر، فقال عمار: لا يستوي من يعمر
المساجد فيصلي فيها راكعا وساجدا كمن يمر بالغبار حائدا يعرض عنه جاحدا معاندا، فالتفت
إليه عثمان، فقال: يا ابن السوداء إياي تعني، ثم أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: لم ندخل معك لتسب
أعراضنا، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد أقلتك إسلامك فاذهب، فأنزل الله عز وجل: " يمنون
عليك أن أسلموا " إلى قوله: " صادقين "، أي ليسوا هم صادقين (1).
* (إن الله يعلم غيب السماوات والأرض) *: ما غاب فيهما.
* (والله بصير بما تعملون) *: في سركم وعلانيتكم فكيف يخفى عليه ما في ضمائركم،
وقرئ بالياء.
في ثواب الأعمال (2)، والمجمع عن الصادق (عليه السلام): من قرأ سورة الحجرات في كل ليلة أو
في كل يوم كان من زوار محمد (صلى الله عليه وآله) (3).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 322 - 323.
2 - ثواب الأعمال: ص 115، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الحجرات.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 128، في فضلها.
528

سورة ق
529

بسم الله الرحمن الرحيم
ق والقرءان المجيد 1 بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم
فقال الكافرون هذا شئ عجيب 2 أإذا متنا وكنا ترابا
ذلك رجع بعيد 3
سورة ق: مكية وهي خمس وأربعون آية بالإجماع.
* (ق والقرءان المجيد) *: في المعاني عن الصادق (عليه السلام) وأما " ق " فهو الجبل المحيط
بالأرض، وخضرة السماء منه، وبه يمسك الله الأرض أن تميد بأهلها (1).
والقمي: قال: " ق " جبل محيط بالدنيا من وراء يأجوج ومأجوج وهو قسم (2).
* (بل عجبوا) *: القمي: يعني قريشا (3).
* (أن جاءهم منذر منهم) *: قال: يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).
* (فقال الكافرون هذا شئ عجيب * أإذا متنا وكنا ترابا) *: أي أنرجع إذا
متنا وصرنا ترابا.
* (ذلك رجع بعيد) *: القمي: قال: نزلت في أبي بن خلف، قال لأبي جهل: تعال إلي
لأعجبك من محمد (صلى الله عليه وآله) ثم أخذ عظما ففته، ثم قال: يا محمد تزعم أن هذا يحيى (5).

1 - معاني الأخبار: ص 22، ح 1، باب معنى الحروف المقطعة.
2 و 3 و 4 و 5 - تفسير القمي: ج 2، ص 323، س 5 6 و 7 و 8.
531

قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتب حفيظ 4 بل
كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج 5 أفلم ينظروا
إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزينها وما لها من فروج
6 والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل
زوج بهيج 7 تبصرة وذكرى لكل عبد منيب 8 ونزلنا
من السماء ماء مبركا فأنبتنا به جنت وحب الحصيد 9
* (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم) *: ما تأكل من أجساد موتاهم.
* (وعندنا كتب حفيظ) *: حافظ لتفاصيل الأشياء كلها، أو محفوظ عن التغيير.
* (بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج) *: مضطرب، فتارة يقولون: إنه
شاعر، وتارة إنه ساحر، وتارة إنه كاهن، إلى غير ذلك.
* (أفلم ينظروا) *: حين كفروا بالبعث.
* (إلى السماء فوقهم) *: إلى آثار قدرة الله تعالى في خلق العالم.
* (كيف بنيناها) *: رفعناها بلا عمد.
* (وزينها) *: بالكواكب.
* (وما لها من فروج) *: فتوق، بأن خلقها ملساء متلاصقة الطباق.
* (والأرض مددناها) *: بسطناها.
* (وألقينا فيها رواسي) *: جبالا ثوابت.
* (وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج) *: من كل صنف حسن.
* (تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) *: راجع إلى ربه متفكر في بدائع صنعه.
* (ونزلنا من السماء ماء مبركا) *: كثير المنافع، في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال:
532

والنخل باسقات لها طلع نضيد 10 رزقا للعباد وأحيينا به
بلدة ميتا كذلك الخروج 11 كذبت قبلهم قوم نوح وأصحب
الرس وثمود 12 وعاد وفرعون وإخوان لوط 13
وأصحب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد 14
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه الآية: ليس من ماء في الأرض إلا وقد خالطه ماء السماء (1).
* (فأنبتنا به جنت) *: أشجار أو ثمار.
* (وحب الحصيد) *: وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالبر والشعير.
* (والنخل باسقات) *: طوالا أو حوامل، وإفرادها بالذكر لفرط ارتفاعها وكثرة
منافعها.
* (لها طلع نضيد) *: منضود بعضه فوق بعض.
* (رزقا للعباد وأحيينا به) *: بذلك الماء.
* (بلدة ميتا) *: أرضا جدبة لا نماء فيها.
* (كذلك الخروج) *: كما أنزلنا الماء من السماء وأخرجنا به النبات من الأرض
وأحيينا به البلدة الميت يكون خروجكم إحياءا بعد موتكم، وهو جواب لقولهم: " أإذا متنا
وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " (2).
* (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحب الرس) *: الذين رسوا نبيهم في الأرض، أي
رسوه، كما سبق قصتهم في سورة الفرقان (3).
* (وثمود * وعاد وفرعون) *: أراد إياه وقومه ليلائم ما قبله وما بعده.
* (وإخوان لوط * وأصحب الأيكة) *: الغيضة، وهم قوم شعيب كما سبق في

1 - الكافي: ج 6، ص 387، ح 1، باب ماء السماء. 2 - ق: 3.
3 - ذيل الآية: 38، انظر ج 5، ص 288 - 291 من كتابنا تفسير الصافي.
533

أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق
جديد 15
سورة الحجر (1).
* (وقوم تبع) *: كما سبق ذكره في سورة الدخان (2).
* (كل كذب الرسل فحق وعيد) *: فوجب وحل عليه وعيدي، وفيه تسلية
للرسول (صلى الله عليه وآله) وتهديد لهم.
* (أفعيينا بالخلق الأول) *: أفعجزنا عن الإبداء حتى نعجز عن الإعادة.
* (بل هم في لبس من خلق جديد) *: أي هم لا ينكرون قدرتنا عن الخلق الأول،
بل هم في خلط وشبهة في خلق مستأنف لما فيه من مخالفة الإعادة، والتنكير للتعظيم،
والإشعار بأنه على وجه غير متعارف ولا معتاد.
في التوحيد: عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: تأويل ذلك أن الله تعالى إذا
أفنى هذا الخلق، وهذا العالم وسكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، جدد الله عالما غير هذا
العالم، وجدد خلقا من غير فحولة ولا إناث، يعبدونه ويوحدونه، وخلق لهم أرضا غير هذه
الأرض تحملهم، وسماء غير هذه السماء تظلهم، لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد؟
أو ترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم؟ بلى والله لقد خلق ألف ألف عالم وألف ألف آدم، أنت في
آخر تلك العوالم، وأولئك الآدميين (3).
وفي الخصال (4)، والعياشي: عنه (عليه السلام) ما يقرب منه (5). وقد مضى في سورة إبراهيم (6).

1 - ذيل الآية: 78، أنظر ج 4، ص 292 من كتابنا تفسير الصافي. 2 - ذيل الآية: 37، انظر ص 424 من هذا الجزء.
3 - التوحيد: ص 277، ح 2، باب 28 - ذكر عظمة الله جل جلاله.
4 - الخصال: ص 358 - 359، ح 45، باب 7 - خلق الله عز وجل في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين.
5 - تفسير العياشي: ج 2، ص 238، ح 57.
6 - هكذا في الأصل، والصحيح: " وقد مضى هذا المعنى في سورة إبراهيم "، ذيل الآية: 48، انظر ج 4،
ص 254 - 256 من كتابنا تفسير الصافي.
534

ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن
أقرب إليه من حبل الوريد 16 إذ يتلقى المتلقيان عن
اليمين وعن الشمال قعيد 17 ما يلفظ من قول إلا لديه
رقيب عتيد 18
* (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) *: ما تحدث به نفسه، وهو
ما يخطر بالبال، والوسوسة: الصوت الخفي (1).
* (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) *: الحبل: العرق، وإضافته للبيان،
والوريدان: عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها (2) متصلان بالوتين (3) يردان إليه من
الرأس، وحبل الوريد: مثل في القرب.
* (إذ يتلقى المتلقيان) *: إذ يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به، وفيه إشعار بأنه غني عن
استحفاظ الملكين، فإنه أعلم منهما، ومطلع على ما يخفى عليهما، لأنه أقرب إليه منهما، ولكنه
لحكمة اقتضته من تشديد في تثبط العبد عن المعصية، وتأكيد في اعتبار الأعمال وضبطها
للجزاء وإلزام الحجة يوم يقوم الأشهاد.
* (عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب) *:
ملك يرقب عمله.
* (عتيد) *: معد حاضر، في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: ما من قلب إلا وله أذنان على
إحداهما ملك مرشد، وعلى الأخرى شيطان مفتن، هذا يأمره، وهذا يزجره، الشيطان يأمره
بالمعاصي، والملك يزجره عنها، وقوله تعالى: " عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من

1 - الوسوسة: حديث النفس. مجمع البحرين: ج 4، ص 122، مادة " وسوس ".
2 - هكذا في الأصل. والصحيح: " في مقدمه "، وقال الجوهري في الصحاح: ج 2، ص 550. وحبل الوريد: عرق
تزعم العرق أنه من الوتين وهما وريدان مكتنفا صفقي العنق مما يلي مقدمه غليظان.
3 - الوتين: عرق يتعلق بالقلب إذا قطع مات صاحبه. مجمع البحرين: ج 6، ص 324، مادة " وتن ".
535

وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد 19
ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد 20
قول إلا لديه رقيب عتيد " (1).
وفي الجوامع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: كاتب الحسنات على يمين الرجل، وكاتب السيئات
على شماله، وصاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا،
وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو
يستغفر (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام)، عنه (صلى الله عليه وآله) ما يقرب منه، ويستفاد منه إن كليهما ملكان
كاتبان (3). فلعل الكتابين غير الآمر والزاجر.
* (وجاءت سكرة الموت بالحق) *: لما ذكر استبعادهم البعث، وأزاح ذلك بتحقيق
قدرته وعلمه، أعلمهم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب عند الموت، وقيام الساعة، ونبه على
اقترابه بأن عبر عنه بلفظ الماضي، وسكرة الموت شدته الذاهبة بالعقل.
وفي المجمع: في الشواذ " وجاءت سكرة الحق بالموت "، قال: ورواها أصحابنا عن أئمة
الهدى (عليهم السلام) (4).
والقمي: قال: نزلت " وجاءت سكرة الحق بالموت " (5).
* (ذلك ما كنت منه تحيد) *: تميل وتفر عنه، والخطاب للإنسان.
القمي: قال: نزلت في الأول (6).
* (ونفخ في الصور) *: يعني نفخة البعث.

1 - الكافي: ج 2، ص 266 - 267، ح 1، باب أن للقلب أذنين ينفث فيهما الملك والشيطان.
2 - جوامع الجامع: ص 461، س 27، الطبعة الحجرية.
3 - الكافي: ج 2، ص 429 - 430، ح 4، باب من يهم بالحسنة أو السيئة.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 143، في القراءة.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 324، س 2.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 324، س 3.
536

وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد 21 لقد كنت في
غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد
22 وقال قرينه هذا ما لدى عتيد 23 ألقيا في جهنم كل
كفار عنيد 24
* (ذلك يوم الوعيد) *: يوم تحقق الوعيد وانجازه.
* (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) *: في نهج البلاغة: سائق يسوقها إلى
محشرها، وشاهد يشهد عليها بعملها (1).
* (لقد كنت في غفلة من هذا) *: على إضمار القول.
* (فكشفنا عنك غطاءك) *: الغطاء: الحاجب لأمور المعاد، وهو الغفلة والإنهماك في
المحسوسات، والألف بها، وقصور النظر عليها.
* (فبصرك اليوم حديد) *: نافذ لزوال المانع للأبصار.
* (وقال قرينه) *: قيل: الملك الموكل عليه أو الشيطان الذي قيض له (2).
والقمي: أي شيطانه، وهو الثاني (3).
وفي المجمع: عنهما (عليهما السلام) يعني الملك الشهيد عليه (4).
* (هذا ما لدى عتيد) *: هذا ما هو مكتوب عندي، حاضر لدي، أو هذا ما عندي
وفي ملكتي (5) هيأته لجهنم بإغوائي وإضلالي.
* (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد) *: قيل: خطاب من الله للسائق والشهيد (6).

1 - نهج البلاغة: ص 116، الخطبة 85.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 415، س 18.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 324، س 4.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 146، س 29.
5 - هكذا في الأصل. والأصح: " وفي ملكي ".
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 415، س 20.
537

مناع للخير معتد مريب 25 الذي جعل مع الله إلها
آخر فألقياه في العذاب الشديد 26 قال قرينه ربنا ما
أطغيته ولكن كان في ضلل بعيد 27
والقمي: مخاطبة للنبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام)، وذلك قول الصادق (عليه السلام): علي قسيم الجنة والنار (1).
وعن السجاد: عن أبيه، عن جده أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله
تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد كنت أنا وأنت يومئذ عن يمين العرش،
ثم يقول الله تبارك وتعالى لي ولك: قوما فألقيا من أبغضكما وكذبكما في النار (2).
وفي المجمع (3)، والأمالي: من طريق العامة مثله، وزادا وأدخلا الجنة من أحبكما، وذلك
قوله تعالى: " ألقيا في جهنم كل كفار عنيد " (4).
وفي رواية أخرى في الأمالي: قال: نزلت في وفيك يا بن أبي طالب، الحديث (5).
* (مناع للخير) *: كثير المنع للمال عن حقوقه المفروضة.
* (معتد) *: متعد.
* (مريب) *: شاك في الله وفي دينه.
* (الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد * قال
قرينه) *: أي الشيطان المقيض له.
* (ربنا ما أطغيته) *: كأن الكافر قال: هو أطغاني، فقال قرينه: " ما أطغيته ".
* (ولكن كان في ضلل بعيد) *: فأعنته عليه، فإن إغواء الشيطان إنما يؤثر فيمن
كان مختل الرأي مائلا إلى الفجور، كما قال: " وما كان لي عليكم من سلطن إلا أن دعوتكم

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 324، س 6.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 324، س 10.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 147، س 4.
4 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 290، ح 563 / 10، المجلس الحادي عشر.
5 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 368، ح 782 / 33، المجلس الثالث عشر.
538

قال لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد 28 ما
يبدل القول لدى وما أنا بظلم للعبيد 29 يوم نقول
لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد 30
فاستجبتم لي " (1).
القمي: قال: المناع: الثاني، والخير: ولاية علي (عليه السلام)، وحقوق آل محمد صلوات الله
عليهم، ولما كتب الأول كتاب فدك بردها على فاطمة (عليها السلام) منعه الثاني (2)، فهو " معتد مريب *
الذي جعل مع الله إلها آخر " قال: هو ما قال: نحن كافرون بمن جعل لكم الإمامة، والخمس،
وأما قوله: " قال قرينه " أي شيطانه وهو الثاني " ربنا ما أطغيته " يعني الأول (3).
* (قال) *: أي الله.
* (لا تختصموا لدى) *: أي في موقف الحساب فإنه لا فائدة فيه.
* (وقد قدمت إليكم بالوعيد) *: على الطغيان في كتبي، وعلى ألسنة رسلي فلم تبق
لكم حجة.
* (ما يبدل القول لدى) *: بوقوع الخلف فيه، وعفو بعض المذنبين لبعض الأسباب
ليس من التبديل لأنه إنما يكون عمن قضى بالعفو عنه فهو أيضا مما لا يبدل لديه.
* (وما أنا بظلم للعبيد) *: فأعذب من ليس لي تعذيبه.
* (يوم نقول لجهنم) *: وقرئ بالياء.
* (هل امتلأت وتقول هل من مزيد) *: قيل: سؤال وجواب جيئ بهما للتخييل
والتصوير، والمعنى أنها مع اتساعها تطرح فيها الجنة والناس فوجا فوجا حتى تمتلي، لقوله:
" لأملأن جهنم " أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ، أو أنها من شدة

1 - إبراهيم: 22.
2 - وفي المصدر: " شقه الثاني "، وهذا هو الأصح.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 326، س 11. وفيه: وأما قوله: " قال قرينه " أي شيطانه، وهو حبتر، " ربنا ما
أطغيته " يعني زريقا.
539

وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد 31 هذا ما توعدون
لكل أواب حفيظ 32 من خشى الرحمن بالغيب وجاء
بقلب منيب 33 ادخلوها بسلم ذلك يوم الخلود 34
لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد 35
زفيرها وحدتها وتشبثها بالعصاة كالمستكثر لهم والطالب لزيادتهم (1).
والقمي: قال: هو استفهام، لأن الله وعد النار أن يملأها فتمتلي النار، ثم يقول لها: " هل
امتلأت " وتقول: " هل من مزيد "؟ على حد الاستفهام، أي ليس في مزيد، قال: فتقول الجنة يا
رب وعدت النار أن تملأها ووعدتني أن تملأني فلم تملأني وقد ملأت النار، قال: فيخلق الله
يومئذ خلقا فيملأ بهم الجنة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): طوبى لهم لم يروا غموم الدنيا وهمومها (2).
* (وأزلفت الجنة للمتقين) *: قربت لهم.
* (غير بعيد) *: مكانا غير بعيد.
القمي: " أزلفت " أي زينت، " غير بعيد " قال: بسرعة (3).
* (هذا ما توعدون) *: على إضمار القول، وقرئ بالياء.
* (لكل أواب) *: رجاع إلى الله، بدل من المتقين بإعادة الجار.
* (حفيظ) *: حافظ لحدوده.
* (من خشى الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها) *: يقال لهم: ادخلوها.
* (بسلم) *: سالمين من العذاب، وزوال النعم، أو مسلما عليكم من الله وملائكته.
* (ذلك يوم الخلود * لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) *: وهو ما لا يخطر
ببالهم مما لا عين رأت، ولا اذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 416، س 13.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 326، س 18.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 327، س 1.
540

وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في
البلد هل من محيص 36 إن في ذلك لذكرى لمن كان له
قلب أو ألقى السمع وهو شهيد 37
القمي: قال: النظر إلى رحمة الله (1).
وقد مضى في سورة السجدة (2) ولقمان (3) حديث في معنى هذه الآية.
* (وكم أهلكنا قبلهم) *: قبل قومك.
* (من قرن هم أشد منهم بطشا) *: قوة، كعاد وثمود.
* (فنقبوا في البلد) *: فخرقوا البلاد، وتصرفوا فيها أو جالوا في الأرض كل مجال،
وأصل التنقيب: التنقير عن الشئ، والبحث عنه.
* (هل من محيص) *: لهم من الله أو من الموت.
* (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) *: أي قلب واع يتفكر في حقائقه.
في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) في حديث هشام، يعني عقل (4).
* (أو ألقى السمع) *: أصغى لاستماعه.
* (وهو شهيد) *: حاضر بذهنه ليفهم معانيه، وفي تنكير القلب وإبهامه تفخيم
وإشعار بأن كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر كلا قلب.
في المعاني: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنا ذو القلب، ثم تلا هذه الآية في حديث له (5).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 327، س 1.
2 - ذيل الآية: 17، انظر ج 5، ص 547 - 549 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - لم نعثر عليه، والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف أو من النساخ، مع العلم أن سورة لقمان قبل السجدة لا
بعدها.
4 - الكافي: ج 1، ص 16، س 8، ح 12، باب العقل والجهل.
5 - معاني الأخبار: ص 59، س 10، ح 9، باب معاني أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (عليهم السلام).
541

ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما
مسنا من لغوب 38 فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد
ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب 39 ومن الليل
فسبحه وأدبر السجود 40
* (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) *: مر تفسيره
مرارا.
* (وما مسنا من لغوب) *: من تعب وإعياء، وهو رد لما زعمت اليهود من أنه تعالى
بدأ خلق العالم يوم الأحد، وفرغ منه يوم الجمعة، واستراح يوم السبت، واستلقى على العرش.
وفي روضة الواعظين: روي أن اليهود أتت النبي (صلى الله عليه وآله) فسألته عن خلق السماوات
والأرض؟ فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال وما فيهن يوم الثلاثاء،
وخلق يوم الأربعاء: الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، وخلق يوم الخميس: السماء،
وخلق يوم الجمعة: النجوم والشمس والقمر والملائكة، قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال: ثم
استوى على العرش، قالوا: قد أصبت لو أتممت، قالوا: ثم استراح، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) غضبا
شديدا فنزلت " ولقد خلقنا السماوات والأرض " الآية (1).
* (فاصبر على ما يقولون) *: ما يقول المشركون من وصف الحق بما لا يليق بجنابه.
* (وسبح بحمد ربك) *: ونزهه عن الوصف بما يوجب التشبيه حامدا له على ما أنعم
عليك من إصابة الحق وغيرها.
* (قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) *: يعني الفجر والعصر، وقد مضى فضيلة
الوقتين.
* (ومن الليل فسبحه) *: وسبحه بعض الليل.

1 - روضة الواعظين: ص 394، س 14.
542

واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب 41 يوم
يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج 42
* (وأدبر السجود) *: وأعقاب الصلاة، وقرئ بالكسر من أدبرت الصلاة إذا انقضت.
في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: تقول حين تصبح وحين
تمسي عشر مرات: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو
على كل شئ قدير " (1).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن قوله تعالى: " وأدبر السجود " فقال: ركعتان
بعد المغرب (2).
ومثله في المجمع: عن النبي، وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، والحسن المجتبى (عليه السلام) (3).
والقمي: عن الرضا (عليه السلام) قال: أربع ركعات بعد المغرب (4).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) إنه الوتر من آخر الليل (5).
* (واستمع يوم يناد المناد) *: قيل: للبعث وفصل القضاء (6).
والقمي: قال: يناد المنادي باسم القائم واسم أبيه (عليهما السلام) (7).
* (من مكان قريب) *: بحيث يصل نداؤه إلى الكل على سواء.
* (يوم يسمعون الصيحة بالحق) *: القمي: قال: صيحة القائم من السماء (8).
* (ذلك يوم الخروج) *: القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: هي الرجعة (9).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 150، س 18.
2 - الكافي: ج 3، ص 444، ح 11، باب صلاة النوافل.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 150، س 20.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 327، س 12.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 150، س 23.
6 - قاله الزمخشري في تفسيره الكشاف: ج 4، ص 393، والبيضاوي في أنوار التنزيل: ج 2، ص 418.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 327، س 5.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 327، س 6.
9 - تفسير القمي: ج 2، ص 327، س 9.
543

إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير 43 يوم تشقق
الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير 44 نحن
أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرءان من
يخاف وعيد 45
* (إنا نحن نحيي ونميت) *: في الدنيا.
* (وإلينا المصير) *: في الآخرة.
* (يوم تشقق) *: تتشقق، وقرئ بالتخفيف.
* (الأرض عنهم سراعا) *: مسرعين.
* (ذلك حشر) *: بعث وجمع.
* (علينا يسير) *: هين، القمي: قال: في الرجعة (1) (2).
* (نحن أعلم بما يقولون) *: تسلية للرسول (صلى الله عليه وآله) (3)، وتهديد لهم.
* (وما أنت عليهم بجبار) *: بمسلط تقهرهم على الإيمان أو تفعل بهم ما تريد، وإنما
أنت داع.
* (فذكر بالقرءان من يخاف وعيد) *: فإنه لا ينتفع به غيره.
في ثواب الأعمال (4)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) من أدمن في فرائضه ونوافله سورة ق
وسع الله عليه في رزقه، وأعطاه كتابه بيمينه، وحاسبه حسابا يسيرا (5).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 327، س 10.
2 - التفسير بالرجعة في كلتا الآيتين مروي عن الصادق (عليه السلام) في كتاب حسن بن سليمان. منه (قدس سره).
3 - وفي نسخة: [للنبي].
4 - ثواب الأعمال: ص 115، ح 1، باب ثواب قراءة سورة ق.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 140، في فضلها.
544

سورة الذاريات
545

بسم الله الرحمن الرحيم
والذاريات ذروا 1 فالحاملات وقرا 2 فالجاريات
يسرا 3 فالمقسمات أمرا 4
سورة الذاريات: مكية، عدد آيها ستون آية بالإجماع.
* (والذاريات ذروا) *: يعني الرياح تذرو التراب وغيره.
* (فالحاملات وقرا) *: فالسحاب الحاملة للأمطار.
* (فالجاريات يسرا) *: فالسفن الجارية في البحر سهلا.
* (فالمقسمات أمرا) *: الملائكة التي تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرهما.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه سئل عن " الذاريات ذروا "
قال: الريح، وعن " الحاملات وقرا " قال: السحاب، وعن " الجريت يسرا " قال: هي السفن،
وعن " المقسمات أمرا " قال: الملائكة (1).
وفي الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مثله (2).
وفي الفقيه: عن الرضا (عليه السلام) في قوله: " فالمقسمات أمرا " قال: الملائكة تقسم أرزاق بني
آدم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فمن ينام فيما بينهما ينام عن رزقه (3).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 327، س 18.
2 - الاحتجاج: ج 1، ص 386، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) وأجوبته مسائل ابن الكوا.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 319، ح 1454 / 12، باب 78 - كراهية النوم بعد الغداة.
547

إنما توعدون لصادق 5 وإن الدين لوقع 6 والسماء
ذات الحبك 7
والقمي: وهو قسم كله (1).
وفي المجمع: عن الباقر والصادق (عليهما السلام) قالا: لا يجوز لأحد أن يقسم إلا بالله تعالى، والله
سبحانه يقسم بما شاء من خلقه (2).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) ما في معناه (3).
* (إنما توعدون لصادق * وإن الدين لوقع) *: جواب القسم، قيل: كأنه استدل
باقتداره على هذه الأشياء العجيبة المخالفة لمقتضى الطبيعة على اقتداره على البعث للجزاء
الموعود، والدين: الجزاء، والواقع: الحاصل (4).
* (والسماء ذات الحبك) *: قيل: ذات الطرائق الحسنة (5).
وأريد بها مسير الكواكب أو نضدها على طرائق التزيين.
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات الحسن والزينة (6).
والقمي: عن الرضا (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: هي محبوكة إلى الأرض، وشبك
بين أصابعه، فقيل: كيف تكون محبوكة إلى الأرض والله يقول: " رفع السماوات بغير
عمد " (7)؟ فقال: سبحان الله، أليس يقول: " بغير عمد ترونها " (8) فقيل: بلى، فقال: فثم عمد،
ولكن لا ترونها، فقيل: كيف ذلك؟ فبسط كفه اليسرى، ثم وضع يده اليمنى عليها، فقال: هذه
أرض الدنيا، والسماء الدنيا عليها فوقها قبة، والأرض الثانية: فوق السماء الدنيا، والسماء الثانية
فوقها قبة، والأرض الثالثة فوق السماء الثانية، والسماء الثالثة فوقها قبة، والأرض الرابعة فوق

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 327، س 21.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 153، س 1.
3 - الكافي: ج 7، ص 449، ح 1، باب لا يجوز أن يحلف الإنسان إلا بالله عز وجل.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 419، س 7.
5 - قاله الطبرسي في تفسيره مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 153، س 5.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 153، س 6.
7 و 8 - الرعد: 2.
548

إنكم لفي قول مختلف 8 يؤفك عنه من أفك 9 قتل
الخراصون 10
السماء الثالثة، والسماء الرابعة فوقها قبة، والأرض الخامسة فوق السماء الرابعة، والسماء
الخامسة فوقها قبة، والأرض السادسة فوق السماء الخامسة، والسماء السادسة فوقها قبة،
والأرض السابعة فوق السماء السادسة، والسماء السابعة فوقها قبة، وعرش الرحمان تبارك
وتعالى فوق السماء السابعة، وهو قول الله: " الذي خلق سبع سموت طباقا " (1) " ومن الأرض
مثلهن يتنزل الامر بينهن " (2)، فأما صاحب الأمر فهو رسول الله، والوصي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قائم هو على وجه الأرض، فإنما يتنزل الأمر إليه من فوق السماء بين السماوات والأرضين، قيل:
فما تحتنا إلا أرض واحدة؟ فقال: وما تحتنا إلا أرض واحدة وإن الست لهي فوقنا (3).
والعياشي: عنه (عليه السلام) مثله (4) (5).
أقول: لكل سماء ملكوت هو فوق تلك السماء، فكأنه (عليه السلام) جعل ملكوت كل سماء سماء
بالإضافة إليها، وتلك السماء أرضا بالإضافة إليه (6).
* (إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من أفك) *: يصرف عنه من صرف.
في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) " لفي قول مختلف " في أمر الولاية، قال: من أفك عن الولاية
أفك عن الجنة (7). والقمي: ما في معناه (8).
* (قتل الخراصون) *: الكذابون من أصحاب القول المختلف، وأصله الدعاء بالقتل

1 - الملك: 3.
2 - الطلاق: 12.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 328، س 2.
4 - تفسير العياشي: ج 2، ص 203، ح 3.
5 - رواه في المجمع عن العياشي في سورة الطلاق. منه (قدس سره).
أقول: انظر مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 311، س 4.
6 - وفي نسخة: [أقول: كأنه جعل كل سماء أرضا بالإضافة إلى ما فوقها وسماء بالإضافة إلى ما تحتها، فيكون
التعدد باعتبار تعدد سطحيها]. كما جاء في هامش المخطوطة.
7 - الكافي: ج 1، ص 422، ح 48، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية. 8 - تفسير القمي: ج 2، ص 329.
549

الذين هم في غمرة ساهون 11 يسئلون أيان يوم الدين
12 يوم هم على النار يفتنون 13 ذوقوا فتنتكم هذا
الذي كنتم به تستعجلون 14 إن المتقين في جنت
وعيون 15 آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك
محسنين 16 كانوا قليلا من الليل ما يهجعون 17
أجري مجرى اللعن.
القمي: الخراصون: الذين يخرصون الدين بآرائهم من غير علم ولا يقين (1).
* (الذين هم في غمرة) *: في جهل وضلال يغمرهم.
* (ساهون) *: غافلون عما أمروا به.
* (يسئلون أيان يوم الدين) *: متى يكون يوم الجزاء، أي وقوعه.
* (يوم هم على النار يفتنون) *: يحرقون ويعذبون.
* (ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون) *: يقال لهم هذا القول.
* (إن المتقين في جنت وعيون * آخذين ما آتاهم ربهم) *: قابلين لما
أعطاهم راضين به، ومعناه أن كل ما آتاهم حسن مرضي متلقى بالقبول.
* (إنهم كانوا قبل ذلك محسنين) *: قد أحسنوا أعمالهم، وهو تعليل لاستحقاقهم ذلك.
* (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) *: ينامون، تفسير لإحسانهم.
في الكافي (2)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) كانوا أقل الليالي يفوتهم لا يقومون فيها (3).
وفي التهذيب: عن الباقر (عليه السلام) كان القوم ينامون ولكن كلما انقلب أحدهم قال: الحمد

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 329، س 21.
2 - الكافي: ج 3، ص 446، ح 18، باب صلاة النوافل.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 155، س 20. والنص للأول.
550

وبالأسحار هم يستغفرون 18 وفى أموالهم حق للسائل
والمحروم 19 وفى الأرض آيات للموقنين 20 وفى
أنفسكم أفلا تبصرون 21
لله، ولا إله إلا الله والله أكبر (1).
* (وبالأسحار هم يستغفرون) *: في التهذيب (2)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) كانوا
يستغفرون الله في الوتر في آخر الليل سبعين مرة (3).
* (وفى أموالهم حق) *: نصيب يستوجبونه على أنفسهم تقربا إلى الله وإشفاقا على
الناس.
* (للسائل والمحروم) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: المحروم: المحارف الذي
قد حرم كد يده في الشراء والبيع (4).
وعنه، وعن أبيه (عليهما السلام)، أنهما قالا: المحروم: الرجل الذي ليس بعقله بأس، ولا يبسط له
في الرزق وهو المحارف (5).
* (وفى الأرض آيات للموقنين) *: دلائل تدل على عظمة الله، وعلمه، وقدرته،
وإرادته، ووحدته، وفرط رحمته كما قيل:
وفي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد (6).
* (وفى أنفسكم) *: أي وفي أنفسكم آيات إذ ما في العالم شئ إلا وفي الإنسان له نظير

1 - تهذيب الأحكام: ج 2، ص 335، ح 1384 / 240، باب 15 - كيفية الصلاة وصفتها والمفروض من ذلك
والمسنون.
2 - تهذيب الأحكام: ج 2، ص 130، ح 498 / 266، باب 8 - كيفية الصلاة وصفتها وشرح الإحدى وخمسين
ركعة وترتيبها والقراءة فيها.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 155، س 26.
4 - الكافي: ج 3، ص 500، ح 12، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق.
5 - الكافي: ج 3، ص 500، ذيل حديث 12، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق. وفيه: " لم يبسط ".
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 330، س 7، ومجمع البيان: ج 9 - 10، ص 156، س 4.
551

وفى السماء رزقكم وما توعدون 22 فورب السماء
والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون 23
يدل دلالته مع ما انفرد به من الهيئات النافعة، والمناظر البهية، والتركيبات العجيبة، والتمكن
من الأفعال الغريبة، واستنباط الصنايع المختلفة، واستجماع الكمالات المتنوعة.
في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) يعني إنه خلقك سميعا بصيرا تغضب، وترضى، وتجوع،
وتشبع، وذلك كله من آيات الله (1). والقمي: مثله (2).
* (أفلا تبصرون) *: تنظرون نظر من يعتبر.
في الخصال: عن الصادق، عن أبيه، عن أبيه (عليهم السلام) إن رجلا قام إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)
فقال: يا أمير المؤمنين بما عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم، ونقض الهم، لما أن همت فحال بيني
وبين همي، وعزمت فخالف القضاء عزمي، علمت أن المدبر غيري (3).
وفي التوحيد: مثل هذا السؤال والجواب عن الصادق (عليه السلام) (4).
* (وفى السماء رزقكم) *: أسباب رزقكم.
* (وما توعدون) *: قيل: أي الجنة فإنها فوق السماء السابعة (5).
والقمي: قال: المطر ينزل من السماء فتخرج به أقوات العالم من الأرض وما توعدون
من أخبار الرجعة، والقيامة والأخبار التي في السماء (6).
وعن الحسن المجتبى (عليه السلام): أنه سئل عن أرزاق الخلائق، فقال: في السماء الرابعة تنزل
بقدر، وتبسط بقدر (7).
* (فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) *: أي مثل نطقكم

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 156، س 9.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 330، س 8.
3 - الخصال: ص 33، ح 1، باب 2 - معرفة التوحيد بخصلتين.
4 - التوحيد: ص 289، ح 8، باب 41 - في أنه عز وجل لا يعرف إلا به.
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 420، س 19.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 330، س 10.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 271، س 22.
552

هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين 24 إذ دخلوا
عليه فقالوا سلما قال سلم قوم منكرون 25 فراغ إلى
أهله فجاء بعجل سمين 26 فقربه إليهم قال ألا تأكلون 27
فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم 28
فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم 29
كما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي أن لا تشكوا في تحقيق ذلك، وقرئ " مثل " بالرفع.
* (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا
سلما قال سلم) *: عدل به إلى الرفع لقصد الثبات حتى تكون تحيته أحسن من تحيتهم (1)،
وقرئ " سلم ".
* (قوم منكرون) *: أي أنتم قوم منكرون.
* (فراغ إلى أهله) *: فذهب إليهم في خفية من ضيفه، فإن من أدب المضيف أن يبادر
بالقرى حذرا من أن يكفه الضيف أو يصير منتظرا.
* (فجاء بعجل سمين) *: لأنه كان عامة ماله البقر.
* (فقربه إليهم قال ألا تأكلون) *: أي منه.
* (فأوجس منهم خيفة) *: فأضمر منهم خوفا لما رآى إعراضهم عن طعامه لظنه
أنهم جاؤوه لشر.
* (قالوا لا تخف) *: إنا رسل ربك.
* (وبشروه بغلام) *: هو إسحاق.
* (عليم) *: يكمل علمه إذا بلغ.
* (فأقبلت امرأته) *: سارة.

1 - وفي نسخة: [أكثر من تحيتهم].
553

قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم 30 قال فما
خطبكم أيها المرسلون 31 قالوا إنا أرسلنا إلى قوم
مجرمين 32 لنرسل عليهم حجارة من طين 33 مسومة
عند ربك للمسرفين 34
* (في صرة) *: قيل: في صيحة من الصرير (1).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) في جماعة (2). والقمي: مثله (3).
* (فصكت وجهها) *: قيل: فلطمت بأطراف الأصابع جبهتها فعل المتعجب (4).
والقمي: أي غطته (5).
* (وقالت عجوز عقيم) *: أي أنا عجوز عاقر فكيف ألد؟
* (قالوا كذلك قال ربك) *: وإنما نخبرك به عنه.
* (إنه هو الحكيم العليم) *: فيكون قوله حقا، وفعله محكما.
* (قال فما خطبكم أيها المرسلون) *: لما علم أنهم ملائكة، وأنهم لا ينزلون
مجتمعين إلا لأمر عظيم سأل عنه.
* (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) *: يعنون قوم لوط.
* (لنرسل عليهم حجارة من طين) *: يريد السجيل، فإنه طين متحجر.
* (مسومة) *: مرسلة أو معلمة.
* (عند ربك للمسرفين) *: المجاوزين الحد في الفجور.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 421، س 16.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 157، س 26.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 330، س 15.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 421، س 17.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 330، س 15.
554

فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين 35 فما وجدنا فيها
غير بيت من المسلمين 36 وتركنا فيها آية للذين يخافون
العذاب الأليم 37 وفى موسى إذ أرسلناه إلى فرعون
بسلطان مبين 38 فتولى بركنه وقال ساحرا ومجنون 39
* (فأخرجنا من كان فيها) *: في قرى قوم لوط.
* (من المؤمنين) *: ممن آمن بلوط.
* (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) *: غير أهل بيت، وهي منزل لوط كما
في العلل عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1).
* (وتركنا فيها آية) *: علامة عبرة للسيارة.
* (للذين يخافون العذاب الأليم) *: فإنهم المنتفعون بها (2)، وقد مضت هذه القصة
في سورة الأعراف (3) وهود (4) والحجر (5) مفصلة.
* (وفى موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين) *: هو معجزاته كاليد والعصا.
* (فتولى بركنه) *: فأعرض عن الإيمان به كقوله: " ونا بجانبه " (6)، أو فتولى بما كان
يتقوى به من جنوده.
* (وقال سحر) *: أي هو ساحر.
* (أو مجنون) *: كأنه جعل ما ظهر عليه من الخوارق منسوبا إلى الجن وتردد في أنه

1 - علل الشرائع: ص 548، س 21، ح 4، باب 340 - علة تحريم اللواط والسحق.
2 - وفي نسخة: [المعتبرون بها].
3 - ذيل الآية: 84، انظر ج 3، ص 208 - 209 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - ذيل الآية 82، انظر ج 4، ص 63 - 68 من كتابنا تفسير الصافي.
5 - ذيل الآية 58، انظر ج 4، ص 285 من كتابنا تفسير الصافي.
6 - فصلت: 51.
555

فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم 40 وفى عاد
إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم 41 ما تذر من شئ أتت عليه
إلا جعلته كالرميم 42 وفى ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين
43 فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصعقة وهم ينظرون 44
حصل ذلك باختياره وسعيه أو بغيرهما.
* (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) *: فأغرقناهم في البحر.
* (وهو مليم) *: آت بما يلام عليه من الكفر والعناد.
* (وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) *: قيل: سماها عقيما لأنها أهلكتهم،
وقطعت دابرهم، أو لأنها لم تتضمن منفعة (1).
في الفقيه: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) الرياح خمسة، منها: الريح العقيم، فتعوذوا بالله من
شرها (2).
وفيه (3)، وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) إن لله عز وجل جنودا من الريح يعذب بها من عصاه (4).
* (ما تذر من شئ أتت عليه) *: مرت عليه.
* (إلا جعلته كالرميم) *: كالرماد من الرم، وهو البلى والتفتت.
* (وفى ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين) *: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام.
* (فعتوا عن أمر ربهم) *: فاستكبروا عن امتثاله.
* (فأخذتهم الصعقة) *: بعد الثلاثة، وقرئ الصعقة، وهي المرة من الصعق.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 422، س 11.
2 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 345، ح 1527 / 19، باب 81 - صلاة الكسوف والزلازل والرياح
والظلم وعلتها.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 344، ح 1525 / 17، باب 81 - صلاة الكسوف والزلازل والرياح
والظلم وعلتها.
4 - الكافي: ج 8، ص 91، ح 63.
556

فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين 45 وقوم نوح
من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين 46 والسماء بنيناها بأيد
وإنا لموسعون 47 والأرض فرشناها فنعم المهدون 48
ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون 49
* (وهم ينظرون) *: إليها، فإنها جاءتهم معاينة بالنهار.
* (فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين) *: ممتنعين منه، وقد مضت
قصتهم غير مرة.
* (وقوم نوح) *: وقرئ بالجر.
* (من قبل) *: من قبل هؤلاء.
* (إنهم كانوا قوما فاسقين) *: خارجين عن الاستقامة بالكفر والعصيان.
* (والسماء بنيناها بأيد) *: بقوة.
* (وإنا لموسعون) *: قيل: أي لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة، أو لموسعون السماء (1).
* (والأرض فرشناها) *: مهدناها لتستقروا عليها.
* (فنعم المهدون) *: نحن.
* (ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) *: في الكافي: عن الرضا (عليه السلام) في
خطبة: وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له،
ضاد النور بالظلمة، واليبس بالبلل، والخشن باللين، والصرد (2) بالحرور، مؤلفا بين
متعادياتها، مفرقا بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها، وذلك قوله:
" ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " ففرق من قبل وبعد، ليعلم أن لا قبل له، ولا

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 423، س 2.
2 - الصرد - بفتح الصاد وكسر الراء المهملة -: من يجد البرد سريعا. مجمع البحرين: ج 3، ص 85، مادة " صرد ".
557

ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين 50 ولا تجعلوا مع
الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين 51 كذلك ما أتى
الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون 52
أتواصوا به بل هم قوم طاغون 53
بعد، الحديث (1).
* (ففروا إلى الله) *: قيل: فروا من عقابه بالإيمان والتوحيد وملازمة الطاعة (2).
وفي الكافي (3)، والمعاني: عن الباقر (عليه السلام) " ففروا إلى الله " قال: حجوا إلى الله (4).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) مثله (5).
* (إني لكم منه نذير مبين) *: قيل: أي من عذابه المعد لمن أشرك وعصى (6).
* (ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين) *: تكرير للتأكيد، أو
الأول مرتب على ترك الإيمان والطاعة، والثاني على الإشراك.
* (كذلك) *: أي الأمر مثل ذلك، والإشارة إلى تكذيبهم الرسول (صلى الله عليه وآله) وتسميتهم إياه
ساحرا أو مجنونا.
* (ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) *: كالتفسير له.
* (أتواصوا به) *: أي كان الأولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضا بهذا القول
حتى قالوه جميعا.

1 - الكافي: ج 1، ص 139، س 4، ح 4، باب جوامع التوحيد.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 423، س 5.
3 - الكافي: ج 4، ص 256، ح 21، باب فضل الحج والعمرة وثوابهما.
4 - معاني الأخبار: ص 222، ح 1، باب معنى الفرار إلى الله عز وجل.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 160، س 24.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 423، س 6.
558

فتول عنهم فما أنت بملوم 54 وذكر فإن الذكرى تنفع
المؤمنين 55 وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 56
* (بل هم قوم طاغون) *: إضراب عن أن التواصي جامعهم لتباعد أيامهم إلى أن
الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه.
* (فتول عنهم) *: فأعرض عن مجادلتهم بعد ما كررت عليهم الدعوة فأبوا إلا
الإصرار والعناد.
* (فما أنت بملوم) *: على الإعراض بعدما بذلت جهدك في البلاغ.
* (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) *: فإنها تزداد بصيرة.
في الكافي: عن الباقر والصادق (عليهما السلام) أنهما قالا: إن الناس لما كذبوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم
الله تبارك وتعالى بإهلاك أهل الأرض إلا عليا فما سواه بقوله: " فتول عنهم فما أنت بملوم "، ثم
بدا له فرحم المؤمنين، ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله): " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين " (1).
والقمي مثله (2).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) أراد هلاكهم، ثم بدا لله فقال: " وذكر " الآية (3).
وفي المجمع: عن علي (عليه السلام) لما نزلت: " فتول عنهم " لم يبق أحد منا إلا أيقن بالهلكة، فلما
نزل: " وذكر " الآية طابت أنفسنا (4).
* (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) *: في العلل: عن الصادق (عليه السلام) قال:
خرج الحسين بن علي (عليهما السلام) على أصحابه فقال: أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا
ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه، فقال له رجل:
يا بن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله؟ قال: معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي تجب

1 - الكافي: ج 8، ص 103، ح 78.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 330 - 331.
3 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 181، ح 1، باب 13 - في ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع سليمان المروزي متكلم
خراسان عند المأمون في التوحيد.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 161، س 5.
559

ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون 57 إن الله
هو الرزاق ذو القوة المتين 58
عليه طاعته (1).
وعن الصادق (عليه السلام): إنه سئل عن هذه الآية فقال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة، قيل: قوله
تعالى: " ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم "، قال: خلقهم ليفعلوا ما
يستوجبون به رحمته فيرحمهم (2).
والقمي: قال: خلقهم للأمر والنهي والتكليف، وليست خلقة جبران يعبدوه، ولكن
خلقة اختيار ليختبرهم بالأمر والنهي، ومن يطع الله ومن يعصي (3).
وفي حديث آخر: هي منسوخة بقوله: " ولا يزالون مختلفين " (4).
والعياشي: عنه (عليه السلام) إنه سئل عنها قال: خلقهم للعبادة، قيل: قوله: " ولا يزالون مختلفين
* إلا من رحم ربك "، فقال: نزلت هذه بعد تلك (5).
أقول: لما كان خلق العالم إنما هو للإمام الذي لا تخلوا الأرض منه، وخلق الإمام إنما
هو للعبادة الناشئة من المعرفة المورثة لمعرفة أخرى كما حقق في محله، صح أن يقال: خلق الجن
والإنس إنما هو لحصول العبادة، ولما كان الكل داخلا تحت التكليف والعبادة مطلوبة من الكل
اختيارا واختبارا وإن لم يأتمر الكل بسوء اختيار بعضهم جاز أن يقال: خلقهم إنما هو للتكليف
بها، ولما صاروا مختلفين وتمرد أكثرهم عن العبادة بعد كونهم جميعا مأمورين بها جاز أن يقال:
هذه منسوخة بتلك، فالأخبار كلها متلائمة غير مختلفة، ولا نسخ في الحقيقة بالمعنى المعهود
منه، فليتدبر.
* (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) *: كما هو شأن السادة مع

1 و 2 - علل الشرائع: ص 9 و 13، ح 1 و 10، باب 9 - علة خلق الخلق واختلاف أحوالهم.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 331، س 3.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 331، س 5.
5 - تفسير العياشي: ج 2، ص 164، ح 83.
560

فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحبهم فلا يستعجلون
59 فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون 60
عبيدهم (1)، فإنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، تعالى الله عن ذلك.
قيل: ويحتمل أن يقدر بقل، فيكون بمعنى قوله: " قل لا أسئلكم عليه أجرا " (2) (3).
* (إن الله هو الرزاق) *: الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق.
* (ذو القوة المتين * فإن للذين ظلموا) *: رسول الله بالتكذيب، وغصب
حقوق أهل بيته (عليهم السلام)، القمي: ظلموا آل محمد صلوات الله عليهم حقهم (4).
* (ذنوبا) *: نصيبا من العذاب.
* (مثل ذنوب أصحبهم) *: مثل نصيب نظرائهم من الأمم السالفة، وهو مأخوذ
من مقاسمة السقاة الماء بالدلاء، فإن الذنوب هو الدلو العظيم المملو.
* (فلا يستعجلون) *: القمي: العذاب (5).
* (فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون) *: من يوم القيامة أو الرجعة.
في ثواب الأعمال (6)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ سورة الذاريات في يومه أو في
ليلته أصلح الله معيشته، وأتاه برزق واسع، ونور له قبره بسراج يزهر إلى يوم القيامة إن شاء الله (7).
إلى هنا ينتهي الجزء السادس حسب تجزئتنا، ويليه الجزء السابع إن شاء
الله، وأوله سورة الطور، وذلك في غرة شهر رمضان المبارك سنة 1418 ه‍.
قم المقدسة
السيد محسن الحسيني الأميني

1 - هكذا في الأصل. والصحيح أن يقال: " إن شأنه مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم ".
2 - الأنعام: 90. 3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 424، س 1.
4 و 5 - تفسير القمي: ج 2، ص 331 و 330. 6 - ثواب الأعمال: ص 115، ح 1، باب ثواب قراءة
سورة الذاريات.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 151، في فضلها.
561