الكتاب: التفسير الصافي
المؤلف: الفيض الكاشاني
الجزء: ٧
الوفاة: ١٠٩١
المجموعة: مصادر التفسير عند الشيعة
تحقيق: السيد محسن الحسيني الأميني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٦
المطبعة:
الناشر: دار الكتب الإسلامية - إيران - طهران
ردمك:
ملاحظات:

كتاب الصافي
في
تفسير القرآن
1

(الجزء السابع)
* هوية الكتاب:
* اسم الكتاب: كتاب الصافي في تفسير القرآن.
* المؤلف: العارف الحكيم والمحدث الفقيه محمد بن مرتضى
المدعو ب‍ " المولى محسن " الملقب بالفيض الكاشاني.
* تحقيق: العلامة السيد محسن الحسيني الأميني.
* الطبعة الأولى - 1416 ه‍.
* العدد: 2000
* الناشر: دار الكتب الإسلامية - إيران طهران - بازار سلطاني
3

سورة الطور
5

بسم الله الرحمن الرحيم
والطور 1 وكتب مسطور 2 في رق منشور 3
والبيت المعمور 4
سورة الطور: مكية، عدد آيها تسع وأربعون آية.
* (والطور) *: قيل: يريد طور سينين، وهو جبل بمدين سمع فيها موسى (عليه السلام) كلام
الله (1). والقمي: ما يقرب منه (2).
* (وكتب مسطور) *: مكتوب.
* (في رق منشور) *: الرق: الجلد الذي يكتب فيه، استعير لما كتب فيه الكتاب،
وتنكيرهما للتعظيم والإشعار بأنهما ليسا من المتعارف بين الناس.
* (والبيت المعمور) *: القمي: قال: هو في السماء الرابعة، وهو الضراح (3) يدخله
كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه أبدا (4).
في المجمع: عن الباقر (عليه السلام) إنه قال: إن الله وضع تحت العرش أربع أساطين وسماهن

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 424، س 12.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 331، س 12.
3 - الضراح - بضم الضاد المعجمة ثم الراء ثم الحاء المهملة. منه (قدس سره). وقال الطريحي: الضراح - هو بالضم -:
البيت المعمور في السماء الرابعة من المضارحة، وهي المقابلة والمضارعة. مجمع البحرين: ج 2، ص 391،
مادة " ضرح ".
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 331، س 13.
7

والسقف المرفوع 5 والبحر المسجور 6 إن عذاب
ربك لوقع 7
الضراح، وهو البيت المعمور، وقال للملائكة: طوفوا به، ثم بعث ملائكة فقال: ابنوا في الأرض
بيتا بمثاله وقدره، وأمر من في الأرض أن يطوفوا بالبيت (1).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه أبدا (2).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله): البيت المعمور في السماء الدنيا (3).
وعنه (صلى الله عليه وآله): البيت الذي في السماء الدنيا، يقال له: الضراح، وهو بفناء البيت الحرام، لو
سقط لسقط عليه، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون فيه أبدا (4).
أقول: وفي حديث المعراج: إنه في السماء السابعة (5)، رواه القمي (6) والعياشي (7).
* (والسقف المرفوع) *: القمي: قال: السماء (8). ورواه في المجمع: عن علي (عليه السلام) (9).
* (والبحر المسجور) *: قيل: أي المملو وهو المحيط، أو الموقد من قوله: " وإذا
البحار سجرت " (10) (11). والقمي: قال: يسجر يوم القيامة (12).
وروي أن الله يجعل يوم القيامة البحار نارا يسجر بها جهنم (13).
* (إن عذاب ربك لوقع) *: لنازل.

1 - مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 207، س 12.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 163، س 18.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 163، س 19.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 163، س 23.
5 - وقد سبق في سورة البقرة في حديث خلق آدم أنه في الرابعة كما ذكره القمي. منه (قدس سره).
أقول: انظر ج 1، ص 161 - 162 من كتابنا تفسير الصافي، ذيل الآية 30 من سورة البقرة.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 9، س 11.
7 - تفسير العياشي: ج 2، ص 128، ح 43. وفيه: " السماء الرابعة ".
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 331، س 14.
9 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 163، س 26.
10 - التكوير: 6.
11 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 424، س 18.
12 - تفسير القمي: ج 2، ص 331، س 15.
13 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 424، س 19.
8

ماله من دافع 8 يوم تمور السماء مورا 9 وتسير
الجبال سيرا 10 فويل يومئذ للمكذبين 11 الذين هم
في خوض يلعبون 12 يوم يدعون إلى نار جهنم دعا 13
هذه النار التي كنتم بها تكذبون 14 أفسحر هذا أم
أنتم لا تبصرون 15
* (ماله من دافع) *: يدفعه، قيل: وجه دلالة هذه الأمور المقسم بها على ذلك إنها
أمور تدل على كمال قدرة الله وحكمته، وصدق إخباره، وضبط أعمال العباد للمجازاة (1).
* (يوم تمور السماء مورا) *: تضطرب.
* (وتسير الجبال سيرا) *: القمي: أي تسير مثل الريح (2).
وعن السجاد (عليه السلام) في حديث النفختين، وقد سبق في سورة الزمر (3) قال: يعني تبسط (4).
* (فويل يومئذ للمكذبين * الذين هم في خوض يلعبون) *: القمي: قال:
يخوضون في المعاصي (5).
* (يوم يدعون إلى نار جهنم دعا) *: يدفعون إليها بعنف.
* (هذه النار التي كنتم بها تكذبون) *: أي يقال لهم ذلك.
* (أفسحر هذا) *: أي كنتم تقولون للوحي: هذا سحر، فهذا المصداق أيضا سحر.
* (أم أنتم لا تبصرون) *: هذا كما كنتم لا تبصرون في الدنيا ما يدل عليه، وهو تقريع
وتهكم.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 424، س 20.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 332، س 2.
3 - ذيل الآية: 68، انظر ج 6، ص 282 - 284 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 252، س 17.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 332، س 2.
9

اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون
ما كنتم تعملون 16 إن المتقين في جنت ونعيم 17
فكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم 18
كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون 19 متكئين على سرر
مصفوفة وزوجناهم بحور عين 20 والذين آمنوا
واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من
عملهم من شئ كل امرئ بما كسب رهين 21
* (اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا) *: أي ادخلوها على أي وجه شئتم من الصبر
وعدمه فإنه لا محيص لكم عنها (1).
* (سواء عليكم) *: أي الأمران: الصبر، وعدمه.
* (إنما تجزون ما كنتم تعملون) *: تعليل للاستواء.
* (إن المتقين في جنت ونعيم) *: في أية جنات وأي نعيم.
* (فكهين) *: ناعمين متلذذين.
* (بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم * كلوا واشربوا هنيئا بما
كنتم تعملون * متكئين على سرر مصفوفة) *: مصطفة.
* (وزوجناهم بحور عين) *: سبق حديثهن في سورة الدخان (2).
* (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) *: وقرئ " وأتبعناهم ذرياتهم ".

1 - القمي: أي اجترؤا أو لا تجترؤا لأن أحدا لا يصبر على النار. والدليل على ذلك " فما أصبرهم على النار " يعني
ما أجرأهم. منه (قدس سره).
أقول: وجاء في تفسير القمي: ج 2، ص 332، س 8، " أي اجترؤا أو لا تجترؤا. "
2 - ذيل الآية: 54، انظر ج 6، ص 426 من كتابنا تفسير الصافي.
10

* (ألحقنا بهم ذريتهم) *: وقرئ " ذرياتهم "، روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) إن الله يرفع ذرية
المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لتقر بهم عينه، ثم تلا هذه الآية (1).
وفي الكافي (2)، والفقيه (3)، والتوحيد: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: قصرت
الأبناء عن عمل الآباء فالحقوا الأبناء بالآباء لتقر بذلك أعينهم (4).
وفي المجمع: عنه (عليه السلام) قال: أطفال المؤمنين يهدون إلى آبائهم يوم القيامة (5). والقمي:
مثله (6).
وفي الفقيه: عنه (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى كفل إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين
يغذونهم بشجرة في الجنة لها أخلاف كأخلاف البقر في قصر من درة، فإذا كان يوم القيامة
البسوا وطيبوا وأهدوا إلى آبائهم فهم ملوك في الجنة مع آبائهم، وهذا قول الله عز وجل:
" والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم " الآية (7).
* (وما ألتناهم) *: وما نقصناهم، وقرئ بكسر اللام وهو بمعناه.
* (من عملهم من شئ) *: بهذا الإلحاق بل نتفضل عليهم، في الكافي (8)، والقمي:
عن الصادق (عليه السلام): " الذين آمنوا ": النبي وأمير المؤمنين وذريته الأئمة والأوصياء (عليهم السلام)،
" ألحقنا بهم " ولم ننقص ذريتهم الحجة التي جاء بها محمد في علي وحجتهم واحدة وطاعتهم
واحدة (9).
* (كل امرئ بما كسب رهين) *: بعمله مرهون عند الله، فإن عمل صالحا فكه وإلا
أهلكه.

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 426، س 1.
2 - الكافي: ج 3، ص 249، ح 5، باب الأطفال.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 316، ح 1537 / 3، باب 150 - حال من يموت من أطفال المؤمنين.
4 - التوحيد: ص 394، ح 7، باب 61، الأطفال وعدل الله عز وجل فيهم.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 166، س 4.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 332، س 12.
7 - من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 316، ح 1536 / 2، باب 150 - حال من يموت من أطفال المؤمنين.
8 - الكافي: ج 1، ص 275، ح 1، باب في أن الأئمة صلوات الله عليهم في العلم والشجاعة والطاعة سواء.
9 - تفسير القمي: ج 2، ص 332، س 14. وفيه: " بالنبي. ولم ننقص ذريتهم من الحجة التي. ".
11

وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون 22 يتنازعون فيها
كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم 23 ويطوف عليهم غلمان لهم
كأنهم لؤلؤ مكنون 24 وأقبل بعضهم على بعض
يتساءلون 25 قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين 26
* (وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون) *: وزدناهم وقتا بعد وقت ما يشتهون
من أنواع النعم.
* (يتنازعون فيها) *: يتعاطون هم وجلساؤهم بتجاذب.
* (كأسا) *: خمرا، سمي (1) باسم محلها ولذلك أنث ضميرها.
* (لا لغو فيها ولا تأثيم) *: أي لا يتكلمون بلغو الحديث في أثناء شربها ولا يفعلون ما
يؤثم به فاعله كما هو عادة الشاربين في الدنيا، وذلك مثل قوله " لا فيها غول " (2)، وقرئتا بالفتح.
القمي: قال: ليس في الجنة غناء، ولا فحش، ويشرب المؤمن ولا يأثم (3).
* (ويطوف عليهم) *: أي بالكأس.
* (غلمان لهم) *: أي مماليك مخصوصون بهم، وقيل: أولادهم الذين سبقوهم (4).
* (كأنهم لؤلؤ مكنون) *: مصون في الصدف من بياضهم وصفائهم.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه سئل: الخادم كاللؤلؤ، فكيف المخدوم؟ فقال: والذي نفسي
بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب (5).
* (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) *: يسأل بعضهم بعضا عن أحواله وأعماله.
* (قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) *: القمي: أي خائفين من العذاب (6).

1 - وفي نسخة: [سماها].
2 - الصافات: 47.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 332، س 19.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 426، س 10.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 166، س 17.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 232، س 22.
12

فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم 27 إنا كنا من قبل
ندعوه إنه هو البر الرحيم 28 فذكر فما أنت بنعمت ربك
بكاهن ولا مجنون 29 أم يقولون شاعر نتربص به ريب
المنون 30 قل تربصوا فإني معكم من المتربصين 31
* (فمن الله علينا) *: بالرحمة.
* (ووقانا عذاب السموم) *: عذاب النار النافذة في المسام نفوذ السموم.
القمي: قال: السموم: الحر الشديد (1).
* (إنا كنا من قبل) *: من قبل ذلك في الدنيا.
* (ندعوه) *: نعبده.
* (إنه) *: وقرئ بالفتح.
* (هو البر) *: المحسن.
* (الرحيم) *: الكثير الرحمة.
* (فذكر) *: فأثبت على التذكير، ولا تكترث بقولهم.
* (فما أنت بنعمت ربك) *: بحمد الله وإنعامه.
* (بكاهن ولا مجنون) *: كما يقولون.
* (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون) *: ما يقلق النفوس من حوادث
الدهر، وقيل: المنون: الموت (2).
* (قل تربصوا فإني معكم من المتربصين) *: أتربص هلاككم كما تربصون
هلاكي.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 332 - 333.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 426، س 18.
13

أم تأمرهم أحلمهم بهذا أم هم قوم طاغون 32 أم
يقولون تقوله بل لا يؤمنون 33 فليأتوا بحديث مثله إن
كانوا صادقين 34 أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون
35 أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون 36 أم
عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون 37
* (أم تأمرهم أحلمهم) *: عقولهم، القمي: قال: لم يكن في الدنيا أحلم من قريش (1).
* (بهذا) *: بهذا التناقض في القول فإن الكاهن يكون ذا فطنة ودقة نظر، والمجنون
مغطى عقله، والشاعر يكون ذا كلام مخيل موزون، ولا يتأتى ذلك من المجنون.
* (أم هم قوم طاغون) *: مجاوزون الحد في العناد.
* (أم يقولون تقوله) *: اختلقه من تلقاء نفسه.
* (بل لا يؤمنون) *: فيرمون بهذه المطاعن لكفرهم وعنادهم.
* (فليأتوا بحديث مثله) *: مثل القرآن.
* (إن كانوا صادقين) *: في زعمهم إذ فيهم كثير ممن عدوا من الفصحاء، فهو رد
للأقوال المذكورة بالتحدي، أو رد للتقول خاصة، فإن سائر الأقسام ظاهر الفساد.
* (أم خلقوا من غير شئ) *: أم أحدثوا وقدروا من غير محدث ومقدر، فلذلك لا
يعبدونه.
* (أم هم الخالقون) *: أم خلقوا أنفسهم.
* (أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) *: إذ لو أيقنوا لما أعرضوا عن
عبادته.
* (أم عندهم خزائن ربك) *: خزائن رزقه حتى يرزقوا النبوة من شاؤوا، أو خزائن

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 333، س 3.
14

أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين
38 أم له البنت ولكم البنون 39 أم تسألهم أجرا فهم
من مغرم مثقلون 40 أم عندهم الغيب فهم يكتبون 41
أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون 42
علمه حتى يختاروا لها من شاؤوا.
* (أم هم المصيطرون) *: الغالبون على الأشياء يدبرونها كيف شاؤوا، وقرئ بالسين.
* (أم لهم سلم) *: مرتقى إلى السماء.
* (يستمعون فيه) *: صاعدين فيه إلى كلام الملائكة وما يوحى إليهم من علم الغيب
حتى يعلموا ما هو كائن.
* (فليأت مستمعهم بسلطان مبين) *: بحجة واضحة تصدق استماعه.
* (أم له البنت ولكم البنون) *: هو ما قالت قريش أن الملائكة بنات الله، كذا
رواه القمي (1).
وفيه تسفيه لهم وإشعار بأن من هذا رأيه لا يعد من العقلاء، فضلا أن يترقى بروحه إلى
عالم الملكوت فيتطلع على الغيوب.
* (أم تسألهم أجرا) *: على تبليغ الرسالة.
* (فهم من مغرم) *: من التزام غرم.
* (مثقلون) *: محملون الثقل، فلذلك زهدوا في اتباعك.
* (أم عندهم الغيب) *: اللوح المحفوظ المثبت فيه المغيبات.
* (فهم يكتبون) *: منه.
* (أم يريدون كيدا) *: قيل: هو كيدهم في دار الندوة برسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 333، س 7.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 427، س 16.
15

أم لهم إله غير الله سبحن الله عما يشركون 43 وإن
يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم 44
فذرهم حتى يلقوا يومهم الذي فيه يصعقون 45 يوم لا
يغنى عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون 46 وإن للذين
ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون 47
* (فالذين كفروا هم المكيدون) *: هم الذين يحيق بهم الكيد أو يعود عليهم وبال
كيدهم، قيل: وهو قتلهم يوم بدر (1).
* (أم لهم إله غير الله) *: يعينهم ويحرسهم من عذابه.
* (سبحن الله عما يشركون) *: عن إشراكهم، أو شركة ما يشركونه به.
* (وإن يروا كسفا) *: قطعة.
* (من السماء ساقطا يقولوا) *: من فرط طغيانهم وعنادهم.
* (سحاب مركوم) *: هذا سحاب تراكم بعضها على بعض، وهو جواب قولهم:
" فأسقط علينا كسفا من السماء " (2).
* (فذرهم حتى يلقوا يومهم الذي فيه يصعقون) *: وقرئ بفتح العين، قيل: هو
عند النفخة الأولى (3).
* (يوم لا يغنى عنهم كيدهم شيئا) *: في رد العذاب.
* (ولا هم ينصرون) *: يمنعون من عذاب الله.
* (وإن للذين ظلموا) *: القمي: ظلموا آل محمد صلوات الله عليهم حقهم (4).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 427، س 18.
2 - الشعراء: 187.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 428، س 3.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 333، س 9.
16

واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين
تقوم 48 ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم 49
* (عذابا دون ذلك) *: أي دون عذاب الآخرة، القمي: قال: عذاب الرجعة
بالسيف (1).
* (ولكن أكثرهم لا يعلمون) *: ذلك.
* (واصبر لحكم ربك) *: بإمهالهم وإبقائك في عنائهم.
* (فإنك بأعيننا) *: في حفظنا وحرزنا بحيث نراك ونكلؤك (2)، وجمع العين لجمع
الضمير والمبالغة بكثرة أسباب الحفظ.
* (وسبح بحمد ربك حين تقوم) *: القمي: قال: لصلاة الليل (3).
* (ومن الليل فسبحه) *: قال: صلاة الليل (4).
* (وإدبار النجوم) *: إذا أدبرت النجوم من آخر الليل، وقرئ بالفتح أي في أعقابها
إذا غربت أو خفيت.
في المجمع: عنهما (عليهما السلام) في هذه الآية قالا: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقوم من الليل ثلاث
مرات فينظر في آفاق السماء ويقرأ الخمس من آل عمران التي آخرها: " إنك لا تخلف
الميعاد " (5) ثم يفتتح صلاة الليل، الحديث (6).
وعنهما (عليهما السلام): " وإدبار النجوم ": يعني الركعتين قبل صلاة الفجر (7).
ورواه عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي، والحسن بن علي (عليهما السلام) (8).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 333، س 10.
2 - كلاه يكلؤه، مهموز بفتحتين كلاء بالكسر والمد: حفظه، ويجوز التخفيف فيقال: كليته إكلاءا من باب تعب.
مجمع البحرين: ج 1، ص 360، مادة " كلا ".
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 333، س 11.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 333، س 12.
5 - آل عمران: 190 - 194.
6 و 7 و 8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 170، س 12 و 15.
17

وفي الكافي: عن الباقر (1)، والقمي: عن الرضا (عليهما السلام) مثله (2).
وفي ثواب الأعمال (3)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام): من قرأ سورة الطور جمع الله تعالى له
خير الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى (4).
* * *

1 - الكافي: ج 3، ص 444، ح 11، باب صلاة النوافل.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 333، س 13.
3 - ثواب الأعمال: ص 116، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الطور.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 162، في فضلها.
18

سورة النجم
19

بسم الله الرحمن الرحيم
والنجم إذا هوى 1 ما ضل صاحبكم وما غوى 2 وما
ينطق عن الهوى 3 إن هو إلا وحى يوحى 4
سورة النجم: مكية، وعن ابن عباس غير آية منها نزلت بالمدينة " الذين يجتنبون
كبئر الاثم " (1)، وعن الحسن قال: هي مدنية، عدد آيها اثنتان وستون آية كوفي، وآية في
الباقين (2).
* (والنجم إذا هوى) *: أقسم بالنجم إذا سقط (3).
* (ما ضل صاحبكم) *: ما عدل محمد (صلى الله عليه وآله) عن الطريق المستقيم.
* (وما غوى) *: وما اعتقد باطلا، والمراد: نفي ما ينسبون إليه.
* (وما ينطق عن الهوى * إن هو) *: أي الذي ينطق به.
* (إلا وحى يوحى) *: يوحيه الله إليه، في المجالس: عن ابن عباس قال: صلينا العشاء
الآخرة ذات ليلة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما سلم أقبل علينا بوجهه، ثم قال: إنه سينقض كوكب
من السماء مع طلوع الفجر فيسقط في دار أحدكم فمن سقط ذلك الكوكب في داره فهو وصيي

1 - النجم: 32.
2 - أي واحد وستون آية عند غير الكوفيين.
3 - وجاء في هامش المخطوطة نقلا عن كتاب مشارق الأنوار ما نصه: عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن
جعفر بن محمد (عليهم السلام)، قال: " النجم " محمد (صلى الله عليه وآله)، " إذا هوى ": انشرح منه الأنوار، وقال أيضا: " النجم ": قلب
محمد (صلى الله عليه وآله)، " إذا هوى ": إذا انقطع من جميع ما سوى الله تعالى.
21

وخليفتي والإمام من بعدي، فلما كان قرب الفجر جلس كل واحد منا في داره ينتظر سقوط
الكوكب في داره، وكان أطمع القوم في ذلك أبي العباس بن عبد المطلب، فلما طلع الفجر انقض
الكوكب من الهواء فسقط في دار علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي
والذي بعثني بالنبوة لقد وجبت لك الوصية والخلافة والإمامة بعدي، فقال المنافقون - عبد الله
ابن أبي وأصحابه -: لقد ضل محمد في محبة ابن عمه وغوى، وما ينطق في شأنه إلا بالهوى،
فأنزل الله تبارك وتعالى: " والنجم إذا هوى " يقول عز وجل: وخالق النجم إذا هوى " ما ضل
صاحبكم " يعني في محبة علي بن أبي طالب (عليه السلام) " وما غوى * وما ينطق عن الهوى " يعني في
شأنه " إن هو إلا وحى يوحى " (1).
وعن الصادق، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام): ما يقرب منه (2).
والقمي: عن الرضا (عليه السلام) إن النجم: رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3).
وعن الباقر (عليه السلام) يقول: " ما ضل " في علي (عليه السلام) " وما غوى " " وما ينطق " فيه " عن
الهوى " وما كان ما قاله فيه إلا بالوحي الذي أوحي إليه (4).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) " والنجم إذا هوى " قال: أقسم بقبر محمد (صلى الله عليه وآله) إذا قبض " ما ضل
صاحبكم " بتفضيله أهل بيته " وما غوى * وما ينطق عن الهوى " يقول: ما يتكلم بفضل أهل
البيت بهواه، وهو قول الله عز وجل: " إن هو إلا وحى يوحى " (5).
وفي المجالس: عن الصادق (عليه السلام) إن رضى الناس لا يملك، وألسنتهم لا تضبط، وكيف
تسلمون مما لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحجج الله، ألم ينسبوا نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) إلى أنه ينطق
عن الهوى في ابن عمه علي (عليه السلام) حتى كذبهم الله فقال: " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى
يوحى " (6).

1 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 453، ح 4، المجلس الثالث والثمانون.
2 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 468، ح 1، المجلس السادس والثمانون.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 333، س 17.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 334، س 11.
5 - الكافي: ج 8، ص 380، س 5، ح 574.
6 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 91 - 92، ح 3، المجلس الثاني والعشرون.
22

علمه شديد القوى 5 ذو مرة فاستوى 6 وهو بالأفق
الأعلى 7 ثم دنا فتدلى 8 فكان قاب قوسين أو أدنى 9
* (علمه شديد القوى) *: قيل: يعني جبرئيل (1). والقمي يعني الله عز وجل (2).
* (ذو مرة) *: ذو حصافة (3) في عقله ورأيه.
* (فاستوى) *: فاستقام، قيل: يعني جبرئيل استقام على صورته الحقيقية التي خلقه
الله عليها، فإنه روي ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير محمد (صلى الله عليه وآله) مرة في السماء ومرة في
الأرض (4).
والقمي: يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعن الرضا (عليه السلام) ما بعث الله نبيا إلا صاحب مرة سوداء
صافية (5).
* (وهو بالأفق الأعلى) *: قيل: يعني جبرئيل (عليه السلام) (6).
والقمي: يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) (7).
* (ثم دنا) *: قيل: يعني جبرئيل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) (8).
والقمي: يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ربه عز وجل (9).
* (فتدلى) *: فزاد منه دنوا، هذا تأويله وأصل التدلي استرسال مع تعلق.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 429، س 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 334، س 3.
3 - وفي نسخة: [ذو حصافة أي ذو استحكام وهو بالمهملتين]. والحصيف: المحكم العقل. لسان العرب: ج 3،
ص 206، مادة " حصف ".
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 429، س 5.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 334، س 4.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 429، س 8.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 334، س 6.
8 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 429، س 8.
9 - تفسير القمي: ج 2، ص 334، س 6.
23

القمي: قال: إنما نزلت " فتدانا " (1).
وفي العلل: عن الباقر (عليه السلام) " فتدلى " قال: لا تقرأ هكذا، اقرأ " ثم دنا فتدانا " (2).
* (فكان قاب قوسين) *: قدرهما، القمي: قال: كان من الله كما بين مقبض القوس إلى
رأس السية (3) (4).
أقول: ويأتي بيان ذلك وتأويله.
* (أو أدنى) *: قال: بل أدنى من ذلك (5).
وعن الصادق (عليه السلام): أول من سبق من الرسل إلى " بلى " (6) رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك أنه أقرب
الخلق إلى الله، وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل (عليه السلام) - لما أسري به إلى السماء -: تقدم يا محمد
فقد وطأت موطأ لم يطأه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولولا أن روحه ونفسه كانت من ذلك
المكان لما قدر أن يبلغه وكان من الله عز وجل كما قال: " قاب قوسين أو أدنى " أي بل أدنى (7) (8).
وفي العلل: عن السجاد (عليه السلام) أنه سئل عن الله عز وجل هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالى الله
عن ذلك، قيل: فلم أسري بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السماوات وما فيها من
عجائب صنعه، وبدائع خلقه، قيل: فقول الله عز وجل: " ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو
أدنى " قال: ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) دنا من حجب النور، فرأى ملكوت السماوات، ثم تدلى فنظر

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 334، س 7.
2 - علل الشرائع: ص 276 - 277، ح 1، باب 185 - العلة التي من أجلها نهي عن التغوط. والعلة التي من
أجلها سميت سدرة المنتهى.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 334، س 8.
4 - سية القوس - بالتخفيف -: ما عوطف من طرفيه، والجمع سيات. مجمع البحرين: ج 1، ص 240، مادة " سيا ".
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 334، س 9.
6 - أي إلى قوله تعالى: " بلى " في جواب قوله تعالى: " ألست بربكم ".
7 - تفسير القمي: ج 1، ص 246، س 18.
8 - وجاء في هامش المخطوطة عن الكافي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما أسري بي إلى
السماء بلغ بي جبرئيل مكانا لم يطأه قط جبرئيل، فكشف له فأراه الله من نور عظمته ما أحب. قال في الوافي: في
قوله: " فكشف له. إلى آخره " من كلام الرضا (عليه السلام) وفي توحيد الصدوق: " فكشف لي فأراني "، وبتقديم جبرئيل
على " قط " وهو أوضح، وفاعل " أحب " إما " الرسول " وفيه إشارة إلى أن قوة الرؤية على قدر قوة المحبة وسعة
إدراك المحب لا على قدر شدة نور المحبوب لأنه غير متناه وأما " الله " وهو الأظهر أي ما أحب الله أن يريه من
نفسه في ذلك الوقت، وعلى التقديرين لم تتعلق الرؤية بكنه ذاته وتمام حقيقته. الوافي: ج 1، ص 378.
24

من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظن أنه في القرب من الأرض ك‍ " قاب قوسين أو أدنى " (1).
وعنه (عليه السلام): فلما أسري بالنبي (صلى الله عليه وآله) وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب
من حجبه (2). وفي الأمالي: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لما عرج بي إلى السماء ودنوت من ربي عز وجل
حتى كان بيني وبينه " قاب قوسين أو أدنى "، فقال لي: يا محمد من تحب من الخلق؟ قلت: يا
رب عليا، قال: فالتفت يا محمد، فالتفت عن يساري فإذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3).
وفي الإحتجاج: عن السجاد (عليه السلام) قال: أنا ابن من علا فاستعلا فجاز سدرة المنتهى،
فكان من ربه " قاب قوسين أو أدنى " (4).
وعن الكاظم (عليه السلام): أنه سئل عن قوله: " دنا فتدلى " فقال: إن هذه لغة في قريش إذا أراد
الرجل منهم أن يقول: قد سمعت، يقول: قد تدليت، وإنما التدلي الفهم (5).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): إنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة
شهر، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقل من ثلث ليلة حتى انتهى
إلى ساق العرش فدنا بالعلم فتدلى فدلي له من الجنة رفرف أخضر وغشى النور بصره فرأى
عظمة ربه عز وجل بفؤاده ولم يرها بعينه (6) فكان كقاب قوسين بينها وبينه أو أدنى (7).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل كم عرج برسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: مرتين فأوقفه

1 - علل الشرائع: ص 131 - 132، ح 1، باب 112 - علة المعراج.
2 - علل الشرائع: ص 332، ح 4، باب 30 - العلة التي من أجلها يقال في الركوع سبحان ربي العظيم وبحمده،
وفي السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده.
3 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 352، ح 727 / 67، المجلس الثاني عشر.
4 - الاحتجاج: ج 2، ص 39، احتجاج علي بن الحسين زين العابدين على يزيد بن معاوية لما ادخل عليه.
5 - الاحتجاج: ج 2، ص 157، احتجاج أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما السلام) في أشياء شتى على المخالفين.
6 - وجاء في هامش المخطوط عن الوافي ما نصه: بلى إذ ذاته سبحانه لا يجوز أن يكتنه بالقلب كما لا يجوز أن
يدرك بالبصر، بل إنما يجوز أن يطلع بالقلب على شئ من عظمته فحسب، قيل: كما يعتري العين الظاهرة التي هي
بصر الجسد عند التحدق في جرم الشمس عمش يثبطه عن تمام الإبصار فكذلك يعتري العين الباطنة التي هي
بصر العقل عند إدراك الباري القدوس تعالى دهش يكمه عن اكتناه ذاته سبحانه. الوافي: ج 1، ص 375.
7 - الاحتجاج: ج 1، ص 327، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على اليهود من أحبارهم ممن قرأ الصحف والكتب
في معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) وكثير من فضائله.
25

جبرئيل (عليه السلام) موقفا فقال له: مكانك يا محمد، فلقد وقفت موقفا ما وقفه ملك قط، ولا نبي إن
ربك يصلي فقال: يا جبرئيل وكيف يصلي؟ قال: يقول: سبوح قدوس أنا رب الملائكة
والروح، سبقت رحمتي غضبي، فقال: اللهم عفوك عفوك، قال: وكان كما قال الله: " قاب قوسين
أو أدنى " قيل: ما قاب قوسين أو أدنى؟ قال: ما بين سيتها (1) إلى رأسها، قال: فكان بينهما
حجاب يتلألأ بخفق ولا أعلمه إلا وقد قال: زبرجد، فنظر في مثل سم الإبرة إلى ما شاء الله من
نور العظمة، فقال الله تبارك وتعالى: يا محمد، قال: لبيك ربي، قال: من لأمتك من بعدك؟ قال:
الله أعلم، قال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، ثم قال
الصادق (عليه السلام): والله ما جاءت ولاية علي من الأرض، ولكن جاءت من السماء مشافهة (2).
أقول: لا تنافي بين هذه الروايات، وكلها صدر من معدن العلم على مقادير أفهام المخاطبين،
و " سية القوس ": بكسر المهملة قبل المثناة التحتانية المخففة ما عطف من طرفيها، وهو تمثيل
للمقدار المعنوي الروحاني بالمقدار الصوري الجسماني، والقرب المكاني بالدنو المكاني (3) تعالى
الله عما يقول المشبهون علوا كبيرا، فسر الإمام (عليه السلام) مقدار القوسين بمقدار طرفي القوس الواحد
المنعطفين، كأنه جعل كلا منهما قوسا على حدة، فيكون مقدار مجموع القوسين مقدار قوس
واحد، وهي المسماة بقوس الحلقة، وهي قبل أن تتهيأ للرمي، فإنها حينئذ تكون شبه دائرة،
والدائرة تنقسم بما يسمى بالقوس، وفي التعبير عن هذا المعنى بمثل هذه العبارة إشارة لطيفة إلى
أن السائر بهذا السير منه سبحانه نزل وإليه صعد، وأن الحركة الصعودية كانت إنعطافية، وأنها
لم تقع على نفس المسافة النزولية، بل على مسافة أخرى كما حقق في محله.
فسيره كان من الله وإلى الله وفي الله وبالله ومع الله، تبارك وتعالى، والحجاب الذي كان
بينهما (4) هو حجاب البشرية، وإنما يتلألأ لانغماسه في نور الرب تعالى، بخفق أي باضطراب

1 - سية القوس - بالتخفيف -: ما عوطف من طرفيه، والجمع سيات. مجمع البحرين: ج 1، ص 240، مادة " سيا ".
2 - الكافي: ج 1، ص 442 - 443، ح 13، باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ووفاته. 4 - وفي هامش المخطوطة: أي بالرتبة.
4 - وجاء في هامش المخطوطة عن الوافي ما نصه: قال السيد الداماد تغمده الله بغفرانه: الحجب من ضروب
ملائكة الله هي جواهر قدسية، وأنوار عقلية هم حجب أشعة جمال نور الأنوار ووسائط النفوس الكاملة في
الإتصال بجناب رب الأرباب جل سلطانه وبهر برهانه، وفي الحديث: " إن لله سبعا وسبعين حجابا من نور لو
كشف عن وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره " * 1.
وفي رواية: " سبعمائة حجاب " * 2، وفي أخرى: " سبعين ألف حجاب " * 3، وفي أخرى: " حجابه النور لو
كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " * 4.
قال: والنفس الإنسانية إذا استكملت ذاتها الملكوتية، ونفضت جلبابها الهيولاني، ناسبت نوريتها نورية تلك
الأنوار، وشابهت جوهريتها، فاستحقت الإتصال والإنخراط في زمرتها، والاستفادة منها، ومشاهدة أضوائها،
ومطالعة ما في ذواتها من صور الحقائق المنطبعة فيها. الوافي: ج 1، ص 408 - 409.
-
* 1 - عوالي اللئالي: ج 4، ص 106، ح 158، وفيه: " إن لله سبعين حجابا من نور وظلمة، لو كشفها. ". وجاء
ما يقرب منه في بحار الأنوار: ج 58، ص 45، وكذلك في مرآة العقول: ج 9، ص 71.
* 2 - عوالي اللئالي: ج 4، ص 106، قطعة من حديث 158.
* 3 - عوالي اللئالي: ج 4، ص 106، قطعة من حديث 158.
* 4 - النهاية لابن الأثير: ج 2، ص 332، ما يقرب منه.
26

وتحرك، وذلك لما كاد أن يفني عن نفسه بالكلية في نور الأنوار بغلبة سطوات الجلال وبانجذابه
بشراشره إلى جناب القدس المتعال، وهذا هو المعنى بالتدلي المعنوي، ووصف الحجاب
بالزبرجد كناية عن خضرته (1)، وذلك لأن النور الإلهي الذي يشبه بلون البياض في التمثيل
كان قد شابته ظلمة بشرية فصار يتراءى، أي كأنه أخضر على لون الزبرجد، وإنما سأله الله
عز وجل عن خليفته لأنه (صلى الله عليه وآله) كان قد أهمه أمر الأمة (2) وكان في قلبه أن يخلف فيهم خليفته

1 - وجاء في هامش المخطوطة عن الوافي، نقلا عن السيد الداماد (رحمه الله) ما نصه: وإلى ذلك الإشارة بقوله (عليه السلام):
" جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب "، والنور الأخضر: هو النور الموكل على أقاليم
الأرواح الحيوانية التي هي ينابيع عيون الحياة ومنابع خضرتها، والأحمر: هو النور العامل على ولايات المنة
والقوة والقهر، و " النور الأبيض ": هو النور المتولي لأمور إفاضة المعارف والعلوم والصناعات.
وأضاف في القول قائلا عن أستاده أسكنه الله الفردوس: الحجب النورانية متفاوتة النورية، بعضها أخضر،
ومنه أحمر، وأبيض، ومنه غير ذلك، فالنور الأبيض: ما هو أقرب من نور الأنوار، والأخضر ما هو أبعد منه،
فكأنه ممتزج بضرب من الظلمة لقربه من ليالي حجب الأجرام الفلكية وغيرها، والأحمر هو المتوسط بينهما، وما
بين كل اثنين من الثلاثة من الأنوار ما يناسبهما فاعتبر بأنوار الصبح والشفق المختلفة في الألوان لقربها وبعدها
من نور الأنوار الحسية أعني نور الشمس، فالقريب من النهار هو الأبيض، والبعيد منه الممتزج بظلمة الليل هو
الأخضر، والمتوسط بينهما هو الأحمر، ثم ما بين كل اثنين ألوان أخرى مناسبة كالصفرة ما بين الحمرة والبياض،
والبنفسجية ما بين الخضرة والحمرة، فتلك أنوار إلهية واقعة في طريق الذاهب إلى الله بقدمي الصدق والعرفان
لابد من مروره عليها حتى يصل إليه تعالى فربما يتمثل بعض السلاك في كسوة الأمثلة الحسية، وربما لا يتمثل.
الوافي: ج 1، ص 409، س 1.
2 - وفي نسخة: [الإمامة].
27

إذا ارتحل عنهم، وقد علم الله ذلك منه ولذلك سأله عنه، ولما كان الخليفة متعينا عند الله، وعند
رسوله (صلى الله عليه وآله)، قال الله تعالى ما قال، ووصفه بأوصاف لم يكن لغيره أن ينال، وفي هذا الحديث
أسرار غامضة لا ينال إليها أيدي أفهامنا الخافضة، فكلما جهدنا في إبدائها زدنا في إخفائها،
ولا سيما في معنى صلاة الله سبحانه، وطلب العفو من نبيه (صلى الله عليه وآله) في مقابله، ومع ذلك فقد أشرنا
إلى لمعة من ذلك في كتابنا المسمى بالوافي (1) في شرح هذا الحديث، ومن الله الإعانة على فهم

1 - الوافي: ج 3، ص 715. وإليك نصه:
" بيان ": في هذا الحديث أسرار غامضة لا تنال إليها أيدي أفهامنا الخافضة، وإن نظرنا مثل سم الإبرة إلى ما
شاء الله منها فحاولنا كشفه فكلما جهدنا في إبدائه زدنا في إخفائه، ومع ذلك فلا بأس إن أتيت بلمعة منها، لعل الله
يفتح بها بابا لمن كان له أهلا، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والله المستعان.
فأقول - وبالله التوفيق -: إنما أوقفه جبرئيل (صلى الله عليه وآله) ذلك الموقف الذي بلغه لأنه لم يكن له أن يرتقي إلى ما فوقه
كما أشار إليه بقوله: " وقفت موقفا ما وقفه ملك قط ولا نبي "، ثم نبهه على امتناع الجواز عنه بقوله: " إن ربك
يصلي " يعني إن الاسم الذي يربيك من الأسماء الربوبية يصلي للذات المقدسة الإلهية بتنزيهه عما لا يليق بجنابه
أبلغ تسبيح، وتقدسيه أشد تقديس.
ويقول: كما إني ربك يا محمد فإني رب الملائكة الذين من جملتهم من يأتيك بالوحي من عندي، ورب الروح
الذي يسددك بإذني، وإنك كنت تحتاج إلى مربوبي هذين في بلوغك هذا المقام الذي لن يبلغاه، فما أحرى بك أن لا
تقصد ما فوقه ولا تتمناه.
ويقول أيضا: لولا ما كان من سبق رحمتي غضبي، وغلبة أسمائي الجمالية الأسماء الجلالية لما كان لك أن تصل إلى
ما وصلت وتنال ما نلت، فلما تنبه (صلى الله عليه وآله) لذلك واستشعره فعند ذلك طلب العفو من الله سبحانه عما كاد يقع فيه مما
ليس له.
وبالجملة: لما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الموقف الذي ما وقفه غيره كان بمحل أن يخطر بباله ما فيه ضيره بأن يذهل
عن البشرية بما كان قد بقي فيه من البقية، فكان بالحري أن ينبه دون وقوعه في ذلك على أن فوقه ما هو منزه عما
هنالك، فقيل له ما قيل، فطلب العفو من الله الجليل.
" قال: وكان كما قال الله " يعني وكان ذلك الموقف الذي أوقفه ما قال الله.
ولا ينافي هذا ما روي أن جبرئيل (عليه السلام) تأخر عنه واعتذر بأنه لو دنى أنملة من مقامه الذي وصله لاحترق،
لأن إيقافه للنبي لا يستلزم أن يكون معه في مقامه.
و " ألقاب ": المقدار. و " سية القوس ": بكسر المهملة قبل المثناة التحتانية المخففة: ما عطف من طرفيها، وهو
تمثيل للمقدار المعنوي الروحاني بالمقدار الصوري الجسماني، والقرب المكاني بالدنو المكاني، فسر الإمام (عليه السلام)
مقدار القوسين بمقدار طرفي القوس الواحد المنعطفين، كأنه جعل كلا منهما قوسا على حدة، فيكون مقدار مجموع
القوسين مقدار قوس واحد، وهي المسماة بقوس الحلقة، وهي قبل أن تتهيأ للرمي، فإنها حينئذ تكون شبه م
دائرة، والدائرة تنقسم بما يسمى بالقوس.
وفي التعبير عن هذا المعنى بمثل هذه العبارة إشارة لطيفة إلى أن السائر بهذا السير منه سبحانه نزل وإليه صعد
وأن الحركة الصعودية كانت انعطافية، وأنها لم تقع على نفس المسافة النزولية بل على مسافة أخرى، كما مضى
تحقيقه في بيان حديث إقبال العقل وإدباره، فسيره كان من الله وإلى الله وفي الله وبالله ومع الله تبارك الله عز وجل.
" فكان بينهما حجاب ": وهو حجاب البشرية. " يتلألأ ": لانغماسه في نور الرب تعالى.
" بخفق ": أي باضطراب وتحرك، وذلك لما كاد أن يفني عن نفسه بالكلية في نور الأنوار بغلبة سطوات الجلال.
" وقد قال زبرجد ": أي قال: حجاب زبرجد، يعني أخضر وذلك لأن النور الإلهي الذي يشبه لون البياض
كان قد شابته ظلمة بشرية، فصار يتراءى كأنه أخضر على لون الزبرجد.
" فنظر ": أي من وراء الحجاب.
" من لامتك ": إنما سأله عن ذلك لأنه (صلى الله عليه وآله) كان قد أهمه أمر الأمة، وكان في قلبه أن يخلف فيهم خليفة إذا
ارتحل عنهم، وقد علم الله ذلك منه ولذلك سأله عنه، ولما كان الخليفة متعينا عند الله وعند رسوله (صلى الله عليه وآله) قال الله
ما قال ووصفه بأوصاف لم يكن لغيره أن ينال.
" أمير المؤمنين ": أما خبر لعلي أو وصف له، وعلى الأول تكون الجملة قائمة مقام الجواب ب‍ " هو هو، وعلى
التقديرين بيان مع برهان.
" وقائد الغر المحجلين ": الغرة - بالضم -: بياض في الجبهة، ويقال للفرس: أغر، والتحجيل بياض في قوائم
الفرس. قال في النهاية: المحجل: هو الذي يرتفع البياض في قوائمه في موضع القيد، ويجاوز الأرساغ ولا يجاوز
الركبتين لأنها مواضع الأحجال، وهي الخلاخيل والقيود، ولا يكون التحجيل باليد واليدين ما لم يكن رجل أو
رجلان. ومنه الحديث: أمتي الغر المحجلون أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والأقدام، استعار أثر الوضوء في
الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي في وجد الفرس ويديه ورجليه. وقال في الأغر: ومنه
الحديث: غر محجلون من آثار الوضوء. يريد بياض وجوههم بنور الوضوء يوم القيامة.
28

فأوحى إلى عبده ما أوحى 10 ما كذب الفؤاد ما رأى
11 أفتمرونه على ما يرى 12
أسراره.
* (فأوحى إلى عبده ما أوحى) *: في إبهام الموحى به تفخيم له.
القمي: قال: وحي مشافهة (1).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 334، س 9.
29

وفي الإحتجاج: في الحديث الذي سبق ذكره فكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة
البقرة قوله تعالى: " لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه
يحاسبكم به الله " (1) الآية، قال: وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم إلى أن بعث
الله محمدا (صلى الله عليه وآله) وعرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها، وقبلها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وعرضها على أمته فقبلوها، الحديث (2). وقد سبق تمامه في سورة البقرة (3).
* (ما كذب الفؤاد ما رأى) *: في التوحيد: عن الكاظم (عليه السلام) إنه سئل هل رأى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربه عز وجل، فقال: نعم بقلبه رآه، أما سمعت الله يقول: " ما كذب الفؤاد ما
رأى " لم يره بالبصر ولكن رآه بالفؤاد (4).
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إن محمدا (صلى الله عليه وآله) رأى ربه بفؤاده (5).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: رأيت نورا (6).
وفي الكافي (7)، والتوحيد: عن الرضا (عليه السلام) إنه سئل عن ذلك؟ فقال: ما كذب فؤاد
محمد (صلى الله عليه وآله) ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى فقال: " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " فآيات الله
غير الله (8).
أقول: وقد سبق أنه رأى عظمة ربه بفؤاده، وإنما اختلف الأجوبة باختلاف مراتب
أفهام المخاطبين، وغموض المسؤول عنه.
* (أفتمرونه على ما يرى) *: أفتجادلونه عليه من المراء، وقرئ أفتمرونه، أي
أفتغلبونه في المراء أو أفتجحدونه، وعلى تضمين معنى الغلبة.
القمي: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك الوحي، فقال: أوحى إلي أن عليا سيد المؤمنين،

1 - البقرة: 284.
2 - الاحتجاج: ج 1، ص 327، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على اليهود من أحبارهم ممن قرأ الصحف والكتب
في معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) وكثير من فضائله.
3 - ذيل الآية: 286، انظر ج 1، ص 495 - 497 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - التوحيد: ص 116، ح 17، باب 8 - ما جاء في الرؤية.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 174، س 26.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 175، س 4.
7 - الكافي: ج 1، ص 95 - 96، ح 2، باب في إبطال الرؤيا.
8 - التوحيد: ص 110 - 111، ح 9، باب 8 - ما جاء في الرؤية.
30

ولقد رآه نزلة أخرى 13 عند سدرة المنتهى 14
عندها جنة المأوى 15
وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وأول خليفة يستخلفه خاتم النبيين، فدخل القوم في الكلام،
فقالوا: أمن الله أو من رسوله، فقال: الله جل ذكره لرسوله: قل لهم: " ما كذب الفؤاد ما رأى " ثم
رد عليهم فقال: " أفتمرونه على ما يرى " فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد أمرت فيه بغير هذا،
أمرت أن أنصبه للناس فأقول هذا وليكم من بعدي، وأنه بمنزلة السفينة يوم الغرق من دخل
فيها نجا ومن خرج عنها غرق (1).
* (ولقد رآه نزلة أخرى) *: مرة أخرى بنزول ودنو.
* (عند سدرة المنتهى) *: التي ينتهي إليها أعمال أهل الأرض في الصعود كما يأتي.
* (عندها جنة المأوى) *: التي يأوي إليها المتقون.
القمي: " سدرة المنتهى " في السماء السابعة، و " جنة المأوى " عندها (2).
وعن الرضا (عليه السلام): لما أسري به إلى السماء وبلغ عند سدرة المنتهى خرق له في الحجب
مثل سم الإبرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله أن يرى (3).
وعن الباقر (عليه السلام): قال: فلما انتهى إلى سدرة المنتهى تخلف عنه جبرئيل، فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تخذلني؟ فقال: تقدم أمامك فوالله لقد بلغت مبلغا لم
يبلغه خلق من خلق الله قبلك، فرأيت من نور ربي وحال بيني وبينه السبحة، قيل: وما السبحة،
فأومى بوجهه إلى الأرض وبيده إلى السماء، وهو يقول: جلال ربي جلال ربي ثلاث مرات (4).
وفي العلل: عنه (عليه السلام) " ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى " يعني عندها وافى
به جبرئيل حين صعد إلى السماء، فلما انتهى إلى محل السدرة وقف جبرئيل دونها، وقال:
يا محمد إن هذا موقفي الذي وضعني الله عز وجل فيه ولن أقدر على أن أتقدمه ولكن امض أنت

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 334، س 15.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 335، س 9.
3 - تفسير القمي: ج 1، ص 20، س 14.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 243، س 16.
31

إذ يغشى السدرة ما يغشى 16 ما زاغ البصر وما طغى
17 لقد رأى من آيات ربه الكبرى 18
أمامك إلى السدرة، فوقف عندها قال: فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى السدرة وتخلف جبرئيل (عليه السلام)،
قال: إنما سميت سدرة المنتهى لأن أعمال أهل الأرض تصعد بها الملائكة الحفظة إلى محل
السدرة، والحفظة الكرام البررة دون السدرة يكتبون ما يرفع إليهم (1) من أعمال العباد في
الأرض، قال: فينتهون بها إلى محل السدرة، قال: فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرأى أغصانها تحت
العرش وحوله، قال: فتجلى لمحمد (صلى الله عليه وآله) نور الجبار عز وجل فلما غشى محمد (صلى الله عليه وآله) النور شخص
ببصره وارتعدت فرائصه، قال: فشد الله عز وجل لمحمد (صلى الله عليه وآله) قلبه وقوى له بصره حتى رأى
من آيات ربه ما رأى، وذلك قول الله عز وجل: " ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى
* عندها جنة المأوى " يعني الموافاة، قال: فرأى محمد (صلى الله عليه وآله) ما رأى ببصره من آيات ربه
الكبرى، يعني أكبر الآيات، قال (عليه السلام): وإن غلظ السدرة لمسيرة مائة عام من أيام الدنيا، وإن
الورقة منها تغطي أهل الدنيا (2).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: رأيت على كل ورقة من أوراقها ملكا قائما يسبح الله
تعالى (3).
* (إذ يغشى السدرة ما يغشى) *: تعظيم وتكثير لما يغشاها بحيث لا يكتنهها نعت
ولا يحصيها عد. القمي قال: لما رفع الحجاب بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) غشى نوره السدرة (4).
* (ما زاغ البصر) *: ما مال بصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عما رآه.
* (وما طغى) *: وما تجاوزه، بل أثبته إثباتا صحيحا مستقيما.
* (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) *: يعني رأى أكبر الآيات، كما سبق.

1 - وفي نسخة: [ما ترفع إليهم الملائكة].
2 - علل الشرائع: ص 276 - 277، ح 1، باب 185 - العلة التي من أجلها نهي عن التغوط تحت الأشجار
المثمرة. والعلة التي من أجلها سميت سدرة المنتهى.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 175، س 25.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 338، س 8.
32

وفي التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث قال: وقوله في آخر الآيات: " ما زاغ
البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى " رأى جبرئيل في صورته مرتين هذه
المرة، ومرة أخرى، وذلك أن خلق جبرئيل عظيم، فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم
وصفتهم إلا الله رب العالمين (1).
وقيل: ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير محمد (صلى الله عليه وآله) مرتين مرة في السماء ومرة في
الأرض (2).
والقمي: في هذه الآية يقول: لقد سمع كلاما لولا أنه قوي ما قوى (3).
وفي التوحيد: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: رأى جبرئيل على ساقه
الدر مثل القطر على البقل له ستمائة جناح قد ملأ ما بين السماء والأرض (4).
والقمي: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): يا علي إن الله أشهدك معي في سبعة مواطن:
أما أول ذلك: فليلة أسري بي إلى السماء، قال لي جبرئيل: أين أخوك؟ فقلت: خلفته
ورائي، قال: ادع الله فليأتك به، فدعوت الله فإذا مثالك معي وإذ الملائكة وقوف صفوف،
فقلت: يا جبرئيل من هؤلاء؟ قال: هم الذين يباهيهم الله بك يوم القيامة، فدنوت فنطقت بما
كان ويكون إلى يوم القيامة.
والثاني: حين أسري بي في المرة الثانية، فقال لي جبرئيل: أين أخوك؟ قلت: خلفته
ورائي، قال: ادع الله فليأتك به، فدعوت الله فإذا مثالك معي فكشط لي عن سبع سماوات حتى
رأيت سكانها وعمارها وموضع كل ملك منها.
والثالث: حين بعثت إلى الجن، فقال لي جبرئيل: أين أخوك؟ قلت: خلفته ورائي، فقال:
ادع الله فليأتك به، فدعوت الله فإذا أنت معي، فما قلت لهم شيئا ولا ردوا علي شيئا إلا سمعته.
والرابع: خصصنا بليلة القدر وليست لأحد غيرنا.

1 - التوحيد: ص 263، قطعة من حديث 5 وهو طويل، باب 36 - الرد على الثنوية والزنادقة.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 429، س 6، وتفسير الكشاف: ج 4، ص 419، س 5،
وتفسير أبي السعود: ج 8، ص 155.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 335، س 7.
4 - التوحيد: ص 116، ح 18، باب 8 - ما جاء في الرؤية.
33

أفرأيتم اللت والعزى 19 ومناة الثالثة الأخرى 20
ألكم الذكر وله الأنثى 21 تلك إذا قسمة ضيزى 22
والخامس: دعوت الله فيك وأعطاني فيك كل شئ إلا النبوة، فإنه قال: خصصتك بها،
وختمتها بك.
وأما السادس: لما أسري بي إلى السماء جمع الله لي النبيين فصليت بهم، ومثالك خلفي.
والسابع: هلاك الأحزاب بأيدينا (1).
وفي الكافي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ما لله عز وجل آية هي أكبر مني (2).
* (أفرأيتم اللت والعزى * ومناة الثالثة الأخرى) *: هي أصنام كانت لهم،
وقرئت اللات بتشديد التاء، على أنه صورة رجل كان يلت السويق بالسمن، ويطعم الحاج،
و " العزى ": قيل: أصلها تأنيث الأعز، و " مناة ": فعلة من مناه إذا قطعه فإنهم كانوا يذبحون
عندها القرابين، ومنه منى، وقرئ مناءة على أنها مفعلة من النوء كأنهم يستمطرون الأنواء
عندها تبركا بها (3).
القمي: قال: " اللت ": رجل، و " العزى ": امرأة، و " مناة ": صنم بالمسلك الخارج من
الحرم على ستة أميال (4).
* (ألكم الذكر وله الأنثى) *: قيل: إنكار لما قالت قريش إن الملائكة بنات الله وهذه
الأصنام هياكلها أو استوطنها جنيات هن بناته تعالى الله عن ذلك (5).
* (تلك إذا قسمة ضيزى) *: جائرة حيث جعلتم له ما تستنكفون منه، وهي فعلى
من الضيز وهو الجور لكنه كسر فاءه ليسلم الياء، وقرئ بالهمزة من ضأزه إذا ظلمه على أنه

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 335، س 13.
2 - الكافي: ج 1، ص 207، ح 3، باب أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام).
3 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 430، س 12.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 338، س 12.
5 - أنوار التنزيل: ج 3، ص 430، س 15.
34

إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها
من سلطن إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد
جاءهم من ربهم الهدى 23 أم للإنسان ما تمنى 24
فلله الآخرة والأولى 25 وكم من ملك في السماوات لا
تغنى شفعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء
ويرضى 26
مصدر نعت به.
* (إن هي إلا أسماء) *: الضمير للأصنام، أي ما هي باعتبار الألوهية إلا أسماء
تطلقونها عليها لأنكم تقولون إنها آلهة، وليس فيها شئ من معنى الألوهية.
* (سميتموها أنتم وآباؤكم) *: بهواكم.
* (ما أنزل الله بها من سلطن) *: برهان تتعلقون به.
* (إن يتبعون إلا الظن) *: إلا توهم، أن ما هم عليه حق تقليدا وتوهما باطلا.
* (وما تهوى الأنفس) *: وما تشتهيه أنفسهم.
* (ولقد جاءهم من ربهم الهدى) *: الرسول والكتاب فتركوه.
* (أم للإنسان ما تمنى) *: أم منقطعة والهمزة فيه للإنكار، والمعنى ليس له كل ما
يتمناه، والمراد نفي طمعهم في شفاعة الآلهة، وقولهم: " لئن رجعت إلى ربى أن لي عنده
للحسنى " (1)، وقولهم: " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " (2) ونحوها.
* (فلله الآخرة والأولى) *: يعطي منهما ما يشاء لمن يريد، وليس لأحد أن يتحكم
عليه في شئ منهما.
* (وكم من ملك في السماوات لا تغنى شفعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن

1 - فصلت: 50.
2 - الزخرف: 31.
35

إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية
الأنثى 27 وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن
الظن لا يغنى من الحق شيئا 28 فأعرض عن من تولى
عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا 29 ذلك مبلغهم من
العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن
اهتدى 30
الله) *: في الشفاعة.
* (لمن يشاء) *: من الملائكة أن يشفع أو من الناس أن يشفع له.
* (ويرضى) *: ويراه أهلا لذلك فكيف، يشفع الأصنام لعبدتهم.
* (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) *: بأن
سموهم بنات.
* (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق
شيئا) *: فإن الحق الذي هو حقيقة الشئ لا يدرك إلا بالعلم.
* (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا) *: فأعرض
عن دعوته والإهتمام بشأنه فإن من غفل عن الله وأعرض عن ذكره وانهمك في الدنيا بحيث
كانت منتهى همته ومبلغ علمه لا يزيده الدعوة إلا عنادا وإصرارا على الباطل.
* (ذلك مبلغهم من العلم) *: لا يتجاوزه علمهم، والجملة اعتراض مقرر لقصور
هممهم على الدنيا.
* (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) *: أي يعني
إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب فلا تتعب نفسك في دعوتهم إذ ما عليك إلا البلاغ وقد
بلغت.
36

ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين
أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى 31
الذين يجتنبون كبئر الاثم والفواحش إلا اللمم إن ربك
وسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم
أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن
اتقى 32
* (ولله ما في السماوات وما في الأرض) *: خلقا وملكا.
* (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا) *: بعقاب ما عملوا من السوء.
* (ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى) *: بالمثوبة الحسنى.
* (الذين يجتنبون كبئر الاثم) *: ما يكبر عقابه من الذنوب وهو ما رتب الوعيد
عليه بخصوصه، وقد مر بيانه في سورة النساء (1).
وقرئ " كبير الإثم " على إرادة الجنس أو الشرك.
* (والفواحش) *: ما فحش من الكبائر خصوصا.
* (إلا اللمم) *: إلا ما قل وصغر فإنه مغفور من مجتنبي الكبائر، والاستثناء منقطع.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: الفواحش: الزنا والسرقة، واللمم: الرجل يلم
بالذنب فيستغفر الله منه (2).
وعنه (عليه السلام): ما من ذنب إلا وقد طبع عليه عبد مؤمن يهجره الزمان، ثم يلم به، وهو قول
الله تعالى: " الذين يجتنبون كبئر الاثم والفواحش إلا اللمم "، قال: اللمام: العبد الذي يلم

1 - ذيل الآية: 31، انظر ج 2، ص 226 - 229، من كتابنا تفسير الصافي.
2 - الكافي: ج 2، ص 442، ح 3، باب اللمم.
37

بالذنب ليس من سليقته، أي من طبيعته (1).
وفي رواية: قال: الهنة بعد الهنة: أي الذنب بعد الذنب، يلم به العبد (2).
وفي أخرى قال: هو الذنب يلم به الرجل فيمكث ما شاء الله ثم يلمه به بعد (3).
أقول: يلم بالذنب أي يقاربه وينزل إليه فيفعله، وقد طبع عليه أي لعارض عرض له
يمكن زواله عنه، ولهذا يمكنه الهجرة عنه ولو كان مطبوعا عليه في أصل الخلقة، وكان من
سجيته وسليقته لما أمكنه الهجرة عنه، والهنة: كناية عن السيئ.
* (إن ربك وسع المغفرة) *: حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر وله أن يغفر ما
شاء من الذنوب صغيرها وكبيرها لمن يشاء.
* (هو أعلم بكم) *: أعلم بأحوالكم منكم.
* (إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) *: علم أحوالكم،
ومصارف أموركم حين ابتدأ خلقكم من التراب وحيثما صوركم في الأرحام.
* (فلا تزكوا أنفسكم) *: فلا تثنوا عليها بزكاء العمل، وزيادة الخير والطهارة عن
المعاصي والرذائل.
* (هو أعلم بمن اتقى) *: فإنه يعلم التقي وغيره منكم قبل أن يخرجكم من صلب
آدم (عليه السلام).
في العلل: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال: يقول: لا يفتخر أحدكم بكثرة صلاته،
وصيامه، وزكاته، ونسكه، لأن الله عز وجل أعلم بمن اتقى منكم (4).
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عنها؟ فقال: قول الإنسان صليت البارحة،
وصمت أمس ونحو هذا، ثم قال (عليه السلام): إن قوما كانوا يصبحون فيقولون: صلينا البارحة وصمنا
أمس، فقال (عليه السلام): لكني أنام الليل والنهار ولو أجد بينهما شيئا لنمته (5).

1 - الكافي: ج 2، ص 442، ح 5، باب اللمم.
2 - الكافي: ج 2، ص 441، ح 2، باب اللمم.
3 - الكافي: ج 2، ص 441، ح 1، باب اللمم.
4 - علل الشرائع: ص 610، س 15، ح 81، باب 385 - نوادر العلل.
5 - معاني الأخبار: ص 243، ح 1، باب معنى التزكية التي نهي عنها.
38

أفرأيت الذي تولى 33 وأعطى قليلا وأكدى 34
أعنده علم الغيب فهو يرى 35 أم لم ينبأ بما في صحف
موسى 36 وإبراهيم الذي وفى 37
وفي الاحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر
ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعين (1).
والعياشي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل هل يجوز أن يزكي المرء نفسه؟ قال: نعم إذا اضطر
إليه، أما سمعت قول يوسف (عليه السلام): " اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " (2)، وقول
العبد الصالح: " وأنا لكم ناصح أمين " (3) (4).
* (أفرأيت الذي تولى) *: عن اتباع الحق والثبات عليه.
* (وأعطى قليلا وأكدى) *: وقطع العطاء، في المجمع: نزلت الآيات السبع، يعني هذه
وما بعدها في عثمان بن عفان كان يتصدق وينفق، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن سعد
ابن أبي سرح: ما هذا الذي تصنع؟ يوشك أن لا يبقى لك شئ، فقال عثمان: إن لي ذنوبا، وإني
أطلب بما أصنع رضا الله، وأرجو عفوه، فقال له عبد الله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك
ذنوبك كلها، فأعطاه، وأشهد عليه، وأمسك عن النفقة، فنزلت " أفرأيت الذي تولى " أي يوم
أحد حين ترك المركز " وأعطى قليلا " ثم قطع النفقة إلى قوله: " وأن سعيه سوف يرى " فعاد
عثمان إلى ما كان عليه (5).
* (أعنده علم الغيب فهو يرى) *: يعلم أن صاحبه يتحمل عنه.
* (أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى) *: وفرو أتم ما أمر به،

1 - الاحتجاج: ج 1، ص 260، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على معاوية في جواب كتاب كتب إليه وفي غيره من
المواضع وهو من أحسن الحجاج وأصوبها.
2 - يوسف: 55.
3 - الأعراف: 68.
4 - تفسير العياشي: ج 2، ص 181، ح 40.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 178، في شأن النزول.
39

ألا تزر وازرة وزر أخرى 38 وأن ليس للإنسان إلا ما
سعى 39 وأن سعيه سوف يرى 40 ثم يجزيه الجزاء
الأوفى 41
وبالغ بالوفاء (1) بما التزمه على نفسه.
القمي: قال: وفى بما أمره الله به من الأمر والنهي وذبح ابنه (2).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل ما عنى بقوله: " وإبراهيم الذي وفى " قال: كلمات
بالغ فيهن، قيل: وما هن؟ قال: كان إذا أصبح قال: أصبحت وربي محمود، وأصبحت لا أشرك
بالله شيئا، ولا أدعو معه إلها، ولا أتخذ من دونه وليا ثلاثا، وإذا أمسى قال ثلاثا، قال: فأنزل
الله عز وجل في كتابه: " وإبراهيم الذي وفى " (3).
وفي العلل: عن الصادق (عليه السلام) ما في معناه (4).
* (ألا تزر وازرة وزر أخرى) *: أي لم ينبأ بما في صحفهما أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره.
* (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) *: إلا سعيه، أي كما لا يؤاخذ أحد بذنب الغير
لا يثاب بفعله، وما جاء في الأخبار من أن الصدقة والحج ينفعان الميت، فذلك إنما هو لمحبة
زرعها الميت في قلب الناوي له النائب عنه بإحسان أو إيمان أو قرابة أو غير ذلك، فهو من جملة
سعيه، وكذا المريض إنما يكتب له في أيام مرضه ما كان يفعله في أيام صحته لأن في نيته أن لو
كان صحيحا لفعله فهو إنما يثاب بالنية، مع أن المانع له من فعله ليس بيده وإنما غلب الله عليه
فعل فضل الله أن يثيبه.
* (وأن سعيه سوف يرى) *: يراه في الآخرة.
* (ثم يجزيه الجزاء الأوفى) *: أي يجزى العبد سعيه بالجزاء الأوفر.

1 - وفي نسخة: [وبالغ في الوفاء].
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 338، س 20.
3 - الكافي: ج 2، ص 534 - 535، ح 38، باب القول عند الصباح والمساء.
4 - علل الشرائع: ص 37، ح 1، باب 33 - العلة التي من أجلها قال الله عز وجل: " وإبراهيم الذي وفى ".
40

وأن إلى ربك المنتهى 42 وأنه هو أضحك وأبكى 43
وأنه هو أمات وأحيا 44 وأنه خلق الزوجين الذكر
والأنثى 45 من نطفة إذا تمنى 46 وأن عليه النشأة الأخرى 47
* (وأن إلى ربك المنتهى) *: انتهاء الخلائق ورجوعهم، وفي الكافي (1)، والتوحيد:
عن الصادق (عليه السلام) إن الله يقول: " وأن إلى ربك المنتهى " فإذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا (2).
والقمي: مثله مع زيادة (3).
وفي التوحيد: عن الباقر (عليه السلام) قيل له: إن الناس من قبلنا قد أكثروا في الصفة، فما تقول؟
فقال: مكروه، أما تسمع الله عز وجل يقول: " وأن إلى ربك المنتهى " تكلموا فيما دون ذلك (4).
* (وأنه هو أضحك وأبكى) *: القمي: قال: أبكى السماء بالمطر، وأضحك الأرض
بالنبات، قال الشاعر:
كل يوم بأقحوان جديد * تضحك الأرض من بكاء السماء (5)
* (وأنه هو أمات وأحيا) *: لا يقدر على الإماتة والإحياء غيره.
* (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى * من نطفة إذا تمنى) *: القمي: قال:
تتحول النطفة من الدم فتكون أولا دما ثم تصير النطفة في الدماغ في عرق يقال له الوريد، وتمر
في فقار الظهر فلا تزال تجوز فقرا فقرا حتى تصير في الحالبين فتصير أبيض، وأما نطفة المرأة
فإنها تنزل من صدرها (6).
* (وأن عليه النشأة الأخرى) *: الإحياء بعد الموت، وفاء بوعده (7).

1 - الكافي: ج 1، ص 92، ح 2، باب النهي عن الكلام في الكيفية.
2 - التوحيد: ص 456، ح 9، باب النهي عن الكلام والجدال والمراء في الله عز وجل.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 338، س 21.
4 - التوحيد: ص 457 - 458، ح 18، باب 67 - النهي عن الكلام والجدال والمراء في الله عز وجل.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 339، س 3.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 339، س 5.
7 - وفي نسخة: [بعهده].
41

وأنه هو أغنى وأقنى 48 وأنه هو رب الشعرى 49 وأنه
أهلك عادا الأولى 50 وثمودا فما أبقى 51 وقوم نوح من
قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى 52 والمؤتفكة أهوى 53
وقرئ " النشأة " بالمد.
* (وأنه هو أغنى وأقنى) *: وأعطى، القنية وهي ما يتأصل من الأموال.
في المعاني (1)، والقمي: عن الصادق، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) في هذه الآية
قال: أغنى كل انسان بمعيشته وأرضاه بكسب يده (2).
* (وأنه هو رب الشعرى) *: القمي: قال: نجم في السماء يسمى " الشعرى " كانت
قريش وقوم من العرب يعبدونه، وهو نجم يطلع في آخر الليل (3).
* (وأنه أهلك عادا الأولى * وثمودا) *: وقرئ بغير تنوين.
* (فما أبقى) *: الفريقين.
* (وقوم نوح من قبل) *: من قبل عاد وثمود.
* (إنهم كانوا هم أظلم وأطغى) *: من الفريقين لأنهم كانوا يؤذون نوحا، وينفرون
عنه، ويضربونه حتى لا يكون به حراك.
* (والمؤتفكة) *: والقرى التي ائتفكت بأهلها، أي انقلبت، وهي: قرى قوم لوط.
* (أهوى) *: بعد أن رفعها وقلبها.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) هم أهل البصرة، هي المؤتفكة (4).
والقمي: قال: المؤتفكة: البصرة، والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أهل البصرة،
ويا أهل المؤتفكة، ويا جند المرأة وأتباع البهيمة، رغا (3) فأجبتم، وعقر فهربتم، ماؤكم

1 - معاني الأخبار: ص 214 - 215، ح 1، باب معنى الإغناء والإقناء.
2 و 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 339، س 11 و 13. 4 - الكافي: ج 8، ص 180، س 18، ح 202.
5 - رغا البعير يرغو رغاءا: ضج، ورغت الناقة: صوتت فهي راغية. مجمع البحرين: ج 1، ص 192، مادة " رغا ".
42

فغشها ما غشى 54 فبأي آلاء ربك تتمارى 55 هذا
نذير من النذر الأولى 56
زعاق (1)، وأحلامكم رقاق (2)، وفيكم ختم النفاق، ولعنتم على لسان سبعين نبيا، أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني أن جبرئيل (عليه السلام) أخبره أنه طوي له الأرض فرأى البصرة أقرب الأرضين من
الماء، وأبعدها من السماء، فيها تسعة أعشار الشر، والداء العضال (3)، المقيم فيها مذنب، والخارج
منها برحمة، وقد ائتفكت بأهلها مرتين، وعلى الله تمام الثالثة، وتمام الثالثة في الرجعة (4).
* (فغشها ما غشى) *: فيه تهويل، وتعميم لما أصابهم.
* (فبأي آلاء ربك تتمارى) *: تشكك، والخطاب لكل أحد.
في الكافي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) الشك على أربع شعب: على المرية، والهوى، والتردد،
والاستسلام، وهو قول الله تعالى: " فبأي آلاء ربك تتمارى " (5).
قيل: المعدودات وإن كانت نعما ونقما، سماها آلاء من قبل ما في نقمه من العبر والمواعظ
للمعتبرين والانتقام للأنبياء والمؤمنين (6).
والقمي: أي بأي سلطان تخاصم (7).
* (هذا نذير من النذر الأولى) *: القمي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عنها؟ فقال:
إن الله تبارك وتعالى لما ذرأ الخلق في الذر الأول أقامهم صفوفا قدامه، وبعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله)

1 - الزعاق - كغراب -: الماء المر الغليظ الذي لا يطاق شربه. مجمع البحرين: ج 5، ص 177، مادة " زعق ".
2 - الرقيق: خلاف الثخين والغليظ، ومنه الثياب الرقاق، وخبز رقاق - بالضم -: أي رقيق، والرقة - بالكسر -:
ضد القوة والشدة. مجمع البحرين: ج 5، ص 172، مادة " رقق ".
3 - الداء العضال: المرض الصعب الشديد الذي يعجز عنه الطبيب. مجمع البحرين: ج 5، ص 424، مادة " عضل ".
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 339، س 15.
5 - الكافي: ج 2، ص 392، س 11، ح 1، باب دعائم الكفر وشعبه.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 434، س 1.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 340، س 5.
43

أزفت الآزفة 57 ليس لها من دون الله كاشفة 58 أفمن
هذا الحديث تعجبون 59 وتضحكون ولا تبكون 60
وأنتم سامدون 61 فاسجدوا لله واعبدوا 62
حيث دعاهم فآمن به قوم، وأنكره قوم، فقال الله عز وجل: " هذا نذير من النذر الأولى "
يعني محمدا حيث دعاهم إلى الله عز وجل في الذر الأول (1). وفي البصائر: مثله (2).
* (أزفت الآزفة) *: القمي: قال: يعني قربت القيامة (3).
* (ليس لها من دون الله كاشفة) *: ليس لها نفس قادرة على كشفها إلا الله.
* (أفمن هذا الحديث) *: في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) يعني بالحديث ما تقدم من
الأخبار (4).
* (تعجبون) *: إنكارا.
* (وتضحكون) *: استهزاء.
* (ولا تبكون) *: تحزنا على ما فرطتم.
* (وأنتم سامدون) *: القمي: أي لاهون (5). وقيل: مستكبرون (6).
* (فاسجدوا لله واعبدوا) *: أي واعبدوه دون الآلهة.
في ثواب الأعمال (7)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من كان يدمن قراءة والنجم في كل يوم
أو في كل ليلة عاش محمودا بين الناس، وكان مغفورا له، وكان محبوبا بين الناس إن شاء الله (8).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 340، س 8.
2 - بصائر الدرجات: ص 104 - 105، ح 6، الجزء الثاني، باب 14 - في أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرف ما رأى في
الأظلة والذر وغيره.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 340، س 12.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 184، س 2.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 340، س 14.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 434، س 8.
7 - ثواب الأعمال: ص 116، ح 1، باب ثواب قراءة سورة النجم.
8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 170، في فضلها.
44

سورة القمر
45

بسم الله الرحمن الرحيم
اقتربت الساعة وانشق القمر 1
سورة القمر: مكية، وهي خمس وخمسون آية بالإجماع.
* (اقتربت الساعة) *: القمي: قال: اقتربت القيامة فلا يكون بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا
القيامة، وقد انقضت النبوة والرسالة (1)، قال: وروي أيضا، قال: خروج القائم (عليه السلام) (2).
* (وانشق القمر) *: في المجمع: عن ابن عباس، اجتمع المشركون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقالوا: إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن فعلت تؤمنون؟
قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر فسأل ربه أن يعطيه ما قالوا، فانشق القمر فرقتين، ورسول الله (صلى الله عليه وآله)
ينادي يا فلان يا فلان اشهدوا (3).
وعن جبير بن مطعم: انشق القمر على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى صار فرقتين على هذا
الجبل وعلى هذا الجبل، فقال ناس: سحرنا محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال رجل: إن كان سحركم فلم يسحر
الناس كلهم (4).
ورواه القمي عن الصادق (عليه السلام) بنحو آخر (5)، وفيه ما فيه.
قال في المجمع: وإنما ذكر سبحانه اقتراب الساعة مع انشقاق القمر لأن انشقاقه من

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 340، س 17.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 340، س 21.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 186، س 5.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 186، س 13.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 341، س 2.
47

وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر 2 وكذبوا
واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر 3 ولقد جاءهم من
الأنباء ما فيه مزدجر 4 حكمة بلغة فما تغن النذر 5
فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شئ نكر 6
علامة نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله)، ونبوته وزمانه من آيات اقتراب الساعة (1).
* (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) *: مطرد، والقمي: أي صحيح (2).
وقيل: محكم من المرة، يقال: أمررته فاستمر إذا أحكمته فاستحكم (3).
* (وكذبوا واتبعوا أهواءهم) *: وهو ما زين لهم الشيطان من رد الحق بعد ظهوره.
القمي: أي كانوا يعملون برأيهم ويكذبون أنبياءهم (4).
* (وكل أمر مستقر) *: منته إلى غاية.
* (ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر) *: أي متعظ من تعذيب أو وعيد.
* (حكمة بلغة) *: غايتها لا خلل فيها.
* (فما تغن النذر) *: نفي أو استفهام إنكار.
* (فتول عنهم) *: لعلمك إن الإنذار لا ينجع فيهم.
* (يوم يدع الداع إلى شئ نكر) *: فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد مثله، وقرئ
" نكر " بالتخفيف.
القمي: قال: الإمام (عليه السلام) إذا خرج يدعوهم إلى ما ينكرون (5).
وقيل: هو هول يوم القيامة (6). ويأتي ما يؤيده.

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 186، س 19.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 340، س 20.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 434، س 17.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 341، س 13.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 341، س 15.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 435، س 10.
48

خشعا أبصرهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر
7 مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر 8
كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون
وازدجر 9
* (خشعا أبصرهم يخرجون من الأجداث) *: أي يخرجون من قبورهم خاشعا
ذليلا أبصارهم من الهول.
* (كأنهم جراد منتشر) *: في الكثرة والتموج والانتشار في الأمكنة.
* (مهطعين إلى الداع) *: مسرعين مادي أعناقهم إليه، أو ناظرين إليه.
القمي: إذا رجع فيقول: ارجعوا (1).
* (يقول الكافرون هذا يوم عسر) *: صعب، في الكافي: عن السجاد، عن أبيه،
عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) في حديث يوم القيامة قال: فيشرف الجبار تبارك وتعالى عليهم من
فوق عرشه في ظلال من الملائكة، فيأمر ملكا من الملائكة فينادي فيهم: يا معشر الخلائق
أنصتوا واستمعوا منادي الجبار، قال: فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم، قال: فتنكسر أصواتهم
عند ذلك وتخشع أبصارهم، وتضطرب فرائصهم، وتفزع قلوبهم، ويرفعون رؤوسهم إلى
ناحية الصوت مهطعين إلى الداع، قال: فعند ذلك يقول الكافر: " هذا يوم عسر " (2).
* (كذبت قبلهم) *: قبل قومك.
* (قوم نوح فكذبوا عبدنا) *: نوحا.
* (وقالوا مجنون وازدجر) *: فزجر عن التبليغ بأنواع الأذية.
القمي: أي آذوه وأرادوا رجمه (3).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 341، س 16.
2 - الكافي: ج 8، ص 104 - 105، ح 79.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 341، س 18.
49

فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر 10 ففتحنا أبواب السماء
بماء منهمر 11 وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على
أمر قد قدر 12 وحملناه على ذات ألو ح ودسر 13
تجرى بأعيننا جزاء لمن كان كفر 14
* (فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر) *: فانتقم لي منهم، وذلك بعد يأسه منهم.
في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال: لبث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم سرا
وعلانية، فلما أبوا وعتوا، قال رب: " أنى مغلوب فانتصر " (1).
* (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) *: منصب، وهو مبالغة وتمثيل لكثرة
الأمطار، وشدة انصبابها.
* (وفجرنا الأرض عيونا) *: وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون منفجرة، وأصله
وفجرنا عيون الأرض، فغير للمبالغة.
* (فالتقى الماء) *: ماء السماء وماء الأرض.
* (على أمر قد قدر) *: قدره الله عز وجل. في الكافي: عن الصادق، عن أمير
المؤمنين (عليهما السلام) قال: لم تنزل قطرة من السماء من مطر إلا بعدد معدود، ووزن معلوم، إلا ما كان
من يوم الطوفان على عهد نوح (عليه السلام) فإنه نزل ماء منهمر بلا وزن ولا عدد (2).
* (وحملناه على ذات ألواح) *: ذات أخشاب عريضة.
* (ودسر) *: القمي: قال: الألواح: السفينة، والدسر: المسامير، قال: وقيل: الدسر:
ضرب من الحشيش شد به السفينة (3).
* (تجرى بأعيننا) *: بمرأى منا، القمي: بأمرنا وحفظنا (4).

1 - الكافي: ج 8، ص 282 - 283، ح 424.
2 - الكافي: ج 8، ص 239 - 240، ح 326.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 342، س 1.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 342، س 2.
50

ولقد تركناها آية فهل من مدكر 15 فكيف كان عذابي
ونذر 16 ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر 17
كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر 18 إنا أرسلنا عليهم
ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر 19
* (جزاء لمن كان كفر) *: أي فعلنا ذلك جزاءا لنوح، لأنه نعمة كفروها، فإن كل نبي
نعمة من الله ورحمة على أمته.
* (ولقد تركناها آية) *: يعتبر بها إذ شاع خبرها.
* (فهل من مدكر) *: معتبر.
* (فكيف كان عذابي ونذر) *: وإنذاراتي أو رسلي، وقد مضى تمام هذه القصة في
سورة هود (1).
* (ولقد يسرنا القرآن) *: سهلناه.
* (للذكر) *: للإذكار والإتعاظ لمن يذكر بأن صرفنا فيه أنواع المواعظ والعبر.
* (فهل من مدكر) *: متعظ.
* (كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر) *: وإنذاراتي لهم بالعذاب قبل نزوله.
* (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا) *: باردة.
* (في يوم نحس) *: شؤم.
* (مستمر) *: أي مستمر شؤمه إلى مثله.
في العلل: عن الصادق (عليه السلام) الأربعاء يوم نحس مستمر، لأنه أول يوم وآخر يوم من
الأيام التي قال الله عز وجل: " سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما " (2) (3).

1 - ذيل الآية: 25، انظر ج 4، ص 24 من كتابنا تفسير الصافي. 2 - الحاقة: 7.
3 - علل الشرائع: ص 381، ح 2، باب 112 - العلة التي من أجلها سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل شهر صوم
خميسين بينهما أربعاء.
51

تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر 20 فكيف كان
عذابي ونذر 21
وفي العيون: برواية الرضا (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
وفي المجمع: برواية العياشي عن الباقر (عليه السلام) إنه كان في يوم الأربعاء، وزاد العياشي في
آخر الشهر لا يدور (2).
وفي الفقيه (3)، والخصال: عن الباقر (عليه السلام) إن لله عز وجل جنودا من الريح يعذب بها من
عصاه، موكل بكل ريح منهن ملك مطاع، فإذا أراد الله عز وجل أن يعذب قوما بعذاب أوحى
الله إلى الملك الموكل بذلك النوع من الريح الذي يريد أن يعذبهم به فيأمرها الملك فتهيج كما
يهيج الأسد المغضب، ولكل ريح منهن اسم، أما تسمع لقول الله عز وجل: " إنا أرسلنا عليهم
ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر " (4). وفي الكافي ما في معناه (5).
* (تنزع الناس) *: تقلعهم، روي أنهم دخلوا في الشعاب والحفر وتمسك بعضهم
ببعض فنازعتهم الريح منها، وصرعتهم موتى (6).
* (كأنهم أعجاز نخل منقعر) *: أصول نخل منقلع عن مغارسه ساقط على الأرض.
قيل: شبهوا بالأعجاز لأن الريح طيرت رؤوسهم، وطرحت أجسادهم (7).
* (فكيف كان عذابي ونذر) *: كرره للتهويل، وقيل: الأول: لما حاق بهم في الدنيا،

1 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 118، في حديث طويل جدا، والحديث مروي عن الصادق (عليه السلام) باب 34 - العلل
التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنه سمعها من الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) مرة بعد مرة وشيئا بعد شئ فجمعها
وأطلق لعلي بن محمد بن قتيبة النيسابوري روايتها عنه عن الرضا (عليه السلام). 2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 190.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 344، ح 1525 / 17، باب 81 - صلاة الكسوف والزلازل والرياح
والظلم وعلتها.
4 - الخصال: ص 260 - 261، ح 138، باب الأربعة - الرياح الأربع. مع اختلاف وتقديم وتأخير، والنص
للفقيه فراجع.
5 - الكافي: ج 8، ص 91، ح 63، حديث الرياح.
6 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 436 - 437.
7 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 437، س 1.
52

ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر 22 كذبت ثمود
بالنذر 23 فقالوا أبشرا منا وحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلل
وسعر 24 أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر
25 سيعلمون غدا من الكذاب الأشر 26
والثاني: لما يحيق بهم في الآخرة، كما قال أيضا في قصتهم: " لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة
الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى " (1) (2).
وقد مضى تمام القصة في سورة الأعراف (3) وهود (4).
* (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر * كذبت ثمود بالنذر) *:
بالإنذارات والمواعظ، أو الرسل.
* (فقالوا أبشرا منا) *: من جنسنا.
* (وحدا) *: منفردا لا تبع له.
* (نتبعه إنا إذا لفي ضلل وسعر) *: جمع سعير، كأنهم عكسوا عليه، فرتبوا على
اتباعهم إياه ما رتبه على ترك اتباعهم له.
* (أألقي الذكر) *: الكتاب والوحي.
* (عليه من بيننا) *: وفينا من هو أحق منه بذلك.
* (بل هو كذاب أشر) *: حمله بطره على الترفع علينا بادعائه.
* (سيعلمون غدا من الكذاب الأشر) *: الذي حمله أشره على الاستكبار على
الحق وطلب الباطل، أصالح أمن كذبه، وقرئ " ستعلمون " على الالتفات أو حكاية ما أجابهم
به صالح.

1 - فصلت: 16.
2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 437، س 3.
3 - ذيل الآية: 78، انظر ج 3، ص 201 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - ذيل الآية: 58، انظر ج 4، ص 51 من كتابنا تفسير الصافي.
53

إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر 27 ونبئهم
أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر 28 فنادوا
صاحبهم فتعاطى فعقر 29 فكيف كان عذابي ونذر 30
إنا أرسلنا عليهم صيحة وحدة فكانوا كهشيم المحتظر 31
ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر 32 كذبت قوم
لوط بالنذر 33
* (إنا مرسلوا الناقة) *: مخرجوها وباعثوها.
* (فتنة لهم) *: اختبارا.
* (فارتقبهم) *: فانتظرهم وتبصر ما يصنعون.
* (واصطبر) *: على أذاهم.
* (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم) *: مقسوم، لها يوم ولهم يوم.
* (كل شرب محتضر) *: يحضره صاحبه في نوبته.
* (فنادوا صاحبهم) *: قدار بن سالف، أحيمر ثمود.
* (فتعاطى فعقر) *: فاجترأ على تعاطي قتلها فقتلها، أو فتعاطى السيف فقتلها،
والتعاطي تناول الشئ بتكلف.
* (فكيف كان عذابي ونذر * إنا أرسلنا عليهم صيحة وحدة فكانوا
كهشيم المحتظر) *: كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء،
وقد مضى قصتهم مفصلة في سورة الأعراف (1).
* (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر * كذبت قوم لوط بالنذر *

1 - ذيل الآيتين: 78 - 79، انظر ج 3، ص 201 - 206 من كتابنا تفسير الصافي.
54

إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر 34
نعمة من عندنا كذ لك نجزى من شكر 35 ولقد أنذرهم
بطشتنا فتماروا بالنذر 36 ولقد راودوه عن ضيفه
فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر 37
إنا أرسلنا عليهم حاصبا) *: ريحا تحصبهم بالحجارة، أي ترميهم.
* (إلا آل لوط نجيناهم بسحر) *: في آخر الليل.
* (نعمة من عندنا) *: إنعاما منا.
* (كذ لك نجزى من شكر) *: من شكر نعمتنا بالإيمان والطاعة.
* (ولقد أنذرهم) *: لوط.
* (بطشتنا) *: أخذتنا بالعذاب.
* (فتماروا بالنذر) *: فكذبوا بالنذر متشاكين، أو تدافعوا بالإنذار على وجه
الجدال بالباطل.
* (ولقد راودوه عن ضيفه) *: قصدوا الفجور بهم.
* (فطمسنا أعينهم) *: فمسخناها وسويناها بسائر الوجه، أهوى جبرئيل (عليه السلام)
بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم (1).
وفي رواية: أخذ كفا من بطحاء فضرب بها وجوههم، وقال: شاهت الوجوه، فعمي
أهل المدينة كلهم (2).
وقد سبقت الروايتان مع تمام القصة في سورة هود (3).
* (فذوقوا عذابي ونذر) *: فقلنا لهم: ذوقوا على ألسنة الملائكة، أو ظاهر الحال.

1 - راجع أنوار التنزيل: ج 2، ص 438، س 7، وتفسير العياشي: ج 2، ص 155، ح 53.
2 - الكافي: ج 5، ص 546، ذيل حديث 5، باب اللواط.
3 - ذيل الآية: 83، انظر ج 4، ص 63 - 68 من كتابنا تفسير الصافي.
55

ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر 38 فذوقوا عذابي ونذر
39 ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر 40 ولقد
جاء آل فرعون النذر 41 كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم
أخذ عزيز مقتدر 42 أكفاركم خير من أولئكم أم لكم
براءة في الزبر 43 أم يقولون نحن جميع منتصر 44
* (ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر) *: يستقر بهم حتى يسلمهم إلى النار.
* (فذوقوا عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) *:
كرر ذلك في كل قصة إشعارا بأن تكذيب كل رسول مقتض لنزول العذاب، واستماع كل قصة
مستدع للإذكار (1) والإتعاظ، واستئنافا للتنبيه، والإيقاظ لئلا يغلبهم السهو والغفلة، وهكذا
تكرير قوله: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " (2) و " ويل يومئذ للمكذبين " (3) ونحوهما.
* (ولقد جاء آل فرعون النذر) *: اكتفى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك.
* (كذبوا بآياتنا كلها) *: قيل: يعني الآيات التسع (4).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) يعني: الأوصياء (عليهم السلام) كلهم (5).
* (فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) *: أخذ من لا يغالب، ولا يعجزه شئ.
* (أكفاركم) *: يا معشر قريش.
* (خير من أولئكم) *: من هذه الأمم الهالكة.
* (أم لكم براءة في الزبر) *: أي لكم براءة في الكتب أن لا تهلكوا كما هلكوا.
* (أم يقولون نحن جميع منتصر) *: نحن جماعة أمرنا مجتمع منتصر من الأعداء لا نغلب.

1 - وفي نسخة: [للإدكار].
2 - الرحمن: 13.
3 - المرسلات: 15. 4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 438، س 13.
5 - الكافي: ج 2، ص 207، ح 2، باب أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام).
56

سيهزم الجمع ويولون الدبر 45 بل الساعة موعدهم
والساعة أدهى وأمر 46 إن المجرمين في ضلل وسعر
47 يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر
48 إنا كل شئ خلقناه بقدر 49
القمي: قال قريش قد اجتمعنا لننتصر بقتلك يا محمد فأنزل الله " أم يقولون " الآية (1).
* (سيهزم الجمع ويولون الدبر) *: قال: يعني يوم بدر حين هزموا وأسروا وقتلوا (2).
* (بل الساعة موعدهم) *: يعني القيامة موعد عذابهم الأصلي، وما يحيق بهم في
الدنيا فمن طلائعه.
* (والساعة أدهى وأمر) *: أشد وأغلظ وأمر مذاقا من عذاب الدنيا.
* (إن المجرمين في ضلل) *: عن الحق في الدنيا.
* (وسعر) *: ونيران في الآخرة، القمي: وسعير: واد في جهنم عظيم (3).
* (يوم يسحبون في النار على وجوههم) *: يجرون عليها.
* (ذوقوا مس سقر) *: يقال لهم: ذوقوا حر النار وألمها، قيل: سقر: علم لجهنم (4).
وفي ثواب الأعمال: عن الصادق (عليه السلام) إن في جهنم لواديا للمتكبرين، يقال له: سقر، شكا
إلى الله شدة حره، وسأله أن يأذن له أن يتنفس فتنفس فأحرق جهنم (5).
* (إنا كل شئ خلقناه بقدر) *: مقدرا مكتوبا في اللوح قبل وقوعه.
القمي: قال: له وقت وأجل ومدة (6).
وفي الإكمال: عن الصادق (عليه السلام) قال: إن القدرية مجوس هذه الأمة، وهم الذين أرادوا أن

1 و 2 و 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 342، س 8 و 9 و 12.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 439، س 7.
5 - ثواب الأعمال: ص 222، ح 7، باب 16 - عقاب المتكبر.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 342، س 13.
57

وما أمرنا إلا وحدة كلمح بالبصر 50 ولقد أهلكنا
أشياعكم فهل من مدكر 51 وكل شئ فعلوه في الزبر 52
يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية " يوم يسحبون " إلى قوله:
" بقدر " (1).
وقد سئل عن الرقي أتدفع من القدر شيئا؟ فقال: هي من القدر (2).
وفي ثواب الأعمال: عنه (عليه السلام) قال: ما أنزل الله هذه الآيات إلا في القدرية " إن
المجرمين " إلى قوله: " بقدر " (3).
وعن الباقر (عليه السلام): نزلت هذه الآية في القدرية " ذوقوا مس سقر * إنا كل شئ خلقناه
بقدر " (4).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: وجدت لأهل القدر اسما في كتاب الله " إن المجرمين "
إلى قوله: " بقدر "، قال: فهم المجرمون (5).
* (وما أمرنا إلا وحدة) *: القمي: يعني نقول: كن، فيكون (6).
* (كلمح بالبصر) *: في اليسر والسرعة.
* (ولقد أهلكنا أشياعكم) *: أتباعكم وأشباهكم في الكفر من عباد الأصنام.
* (فهل من مدكر) *: متعظ.
* (وكل شئ فعلوه في الزبر) *: مكتوب في كتب الحفظة.

1 - لم نعثر عليه في الإكمال، بل وجدناه في التوحيد: ص 382، ح 29، باب 60 - القضاء والقدر، والظاهر أنه
سهو من قلمه الشريف أو من النساخ.
2 - التوحيد: ص 382، ح 29، باب 60 - القضاء والقدر.
3 - ثواب الأعمال: ص 212، ح 2، باب 10 - عقاب القدرية.
4 - ثواب الأعمال: ص 213، ح 5، باب 10 - عقاب القدرية.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 342، س 15.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 342، س 17.
58

وكل صغير وكبير مستطر 53 إن المتقين في جنت ونهر
54 في مقعد صدق عند مليك مقتدر 55
* (وكل صغير وكبير) *: من الأعمال.
* (مستطر) *: مسطور.
* (إن المتقين في جنت ونهر * في مقعد صدق) *: في مكان مرضي أو حق لا
لغو فيه ولا تأثيم.
* (عند مليك مقتدر) *: مقربين عند من تعالى أمره في الملك والإقتدار بحيث أبهمه
ذوو الأفهام.
في ثواب الأعمال (1)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام): من قرأ سورة " اقتربت الساعة "
أخرجه الله من قبره على ناقة من نوق الجنة (2).
* * *

1 - ثواب الأعمال: ص 116، ح 1، باب ثواب قراءة سورة اقتربت " القمر ".
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 184، في فضلها.
59

سورة الرحمن
61

بسم الله الرحمن الرحيم
الرحمن 1 علم القرآن 2 خلق الإنسان 3 علمه
البيان 4 الشمس والقمر بحسبان 5 والنجم والشجر
يسجدان 6
سورة الرحمن: مكية، وقيل: مدنية، عدد آيها ثمان وسبعون آية.
* (الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان) *: قيل: لما كانت هذه
السورة مشتملة على تعداد النعم الدنيوية والأخروية صدرها ب‍ " الرحمن "، وقدم أجل النعم
وأشرفها، وهو تعليم القرآن، فإنه أساس الدين، ومنشأ الشرع، وأعظم الوحي، وأعز الكتب،
إذ هو بإعجازه واشتماله على خلاصتها مصدق لنفسه، ولها (1)، ثم أتبعه بنعمة خلق الإنسان
وإيتائه بما تميز به عن سائر الحيوان من التعبير عما في الضمير، وإفهام الغير ما أدركه (2).
وفي المجمع: قال الصادق (عليه السلام): " البيان ": الاسم الأعظم الذي علم به كل شئ (3).
* (الشمس والقمر بحسبان) *: يجريان بحساب معلوم مقدر في بروجهما ومنازلهما،
وتنسق (4) بذلك أمور الكائنات، وتختلف الفصول والأوقات، وتعلم السنون والحساب.
* (والنجم) *: النبات الذي ينجم، أي يطلع من الأرض، ولا ساق له.

1 - هكذا في الأصل. والظاهر هنا حذف. والصحيح: " ومصداق لها " أي مصداق لنفس القرآن.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 440، س 4.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 197، س 25.
4 - وفي نسخة: [تتسق].
63

والسماء رفعها ووضع الميزان 7 ألا تطغوا في
الميزان 8 وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان
9 والأرض وضعها للأنام 10 فيها فكهة والنخل ذات
الأكمام 11 والحب ذو العصف والريحان 12
* (والشجر) *: الذي له ساق.
* (يسجدان) *: ينقادان لله فيما يريد بهما طبعا، انقياد الساجدين من المكلفين
طوعا.
* (والسماء رفعها) *: خلقها مرفوعة محلا ومرتبة، فإنها منشأ أقضيته، ومتنزل
أحكامه، ومحل ملائكته.
* (ووضع الميزان) *: العدل، بأن وفر على كل مستعد مستحقه، ووفى كل ذي حق
حقه، حتى انتظم أمر العالم، واستقام كما قال (صلى الله عليه وآله): بالعدل قامت السماوات والأرض (1).
* (ألا تطغوا في الميزان) *: لئلا تطغوا فيه، أي لا تعتدوا ولا تجاوزوا الإنصاف.
* (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) *: ولا تنقصوه فإن من حقه
أن يستوي (2) لأنه المقصود من وضعه.
* (والأرض وضعها) *: خفضها مدحوة.
* (للأنام) *: للخلق.
* (فيها فكهة) *: ضروب مما يتفكه به.
* (والنخل ذات الأكمام) *: أوعية التمر.
* (والحب) *: والثمرة كالحنطة، والشعير، وسائر ما يتغذى به.

1 - عوالي اللئالئ: ج 4، ص 103، ح 150، وأنوار التنزيل: ج 2، ص 440، س 18.
2 - وفي نسخة: [يسوى].
64

* (ذو العصف) *: ذو الورق اليابس كالتبن.
* (والريحان) *: يعني المشموم أو الرزق من قولهم: خرجت أطلب ريحان الله.
القمي: عن الرضا (عليه السلام): " الرحمن * علم القرآن " قال: الله علم القرآن، قيل: " خلق
الإنسان " قال: ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)، قيل: " علمه البيان " قال: علمه بيان كل شئ
يحتاج إليه الناس، قيل: " الشمس والقمر بحسبان " قال: هما بعذاب الله، قيل: الشمس
والقمر يعذبان، قال: سألت عن شئ فأتقنه، إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، تجريان
بأمره، مطيعان له، ضوؤهما من نور عرشه وحرهما من جهنم، فإذا كانت القيامة عاد إلى
العرش نورهما، وعاد إلى النار حرهما، فلا يكون شمس ولا قمر، وإنما عناهما لعنهما الله
أوليس قد روى الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الشمس والقمر نوران في النار؟ قيل: بلى،
قال: أما سمعت قول الناس فلان وفلان شمسا هذه الأمة ونورها؟ فهما في النار، والله ما عنى
غيرهما، قيل: " النجم والشجر يسجدان "، قال: " النجم ": رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد سماه الله في
غير موضع فقال: " والنجم إذا هوى " (1)، وقال: " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " (2)،
فالعلامات: الأوصياء، و " النجم ": رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قيل: " يسجدان "، قال: يعبدان، وقوله:
" والسماء رفعها ووضع الميزان "، قال: " السماء ": رسول الله رفعه الله إليه، و " الميزان ":
أمير المؤمنين صلوات الله عليه نصبه لخلقه، قيل: " ألا تطغوا في الميزان "، قال: لا تعصوا
الإمام، قيل: " وأقيموا الوزن بالقسط "، قال: أقيموا الإمام بالعدل، قيل: " ولا تخسروا
الميزان "، قال: لا تبخسوا الإمام حقه ولا تظلموه، وقوله: " والأرض وضعها للأنام "، قال:
للناس، " فيها فكهة والنخل ذات الأكمام "، قال: يكبر ثمر النخل في القمع ثم يطلع منه، قوله:
" والحب ذو العصف والريحان "، قال: " الحب ": الحنطة، والشعير، والحبوب، و " العصف ":
التبن، و " الريحان ": ما يؤكل منه (3).

1 - النجم: 1.
2 - النحل: 16.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 343، س 4.
65

فبأي آلاء ربكما تكذبان 13 خلق الإنسان من
صلصل كالفخار 14 وخلق الجان من مارج من
نار 15
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان) *: القمي: قال: في الظاهر: مخاطبة الجن والإنس،
وفي الباطن: فلان وفلان (1).
وعن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عنه، قال: قال الله: فبأي النعمتين تكفران؟ أبمحمد (صلى الله عليه وآله)؟
أم بعلي (عليه السلام)؟ (2).
وفي الكافي مرفوعا: أبالنبي (صلى الله عليه وآله)؟ أم بالوصي؟ (3).
ولقد تكلف المفسرون للآلاء في كل موضع من هذه السورة معنى غير معناه في الموضع
الآخر (4)، استنبطوه مما تقدم ذكره، طوينا ذلك (5) مكتفين بما في هذا الحديث، ووجه التكرير
نظير ما مر في سورة القمر (6).
* (خلق الإنسان من صلصل كالفخار) *: والصلصال: الطين اليابس الذي له
صلصلة، والفخار: الخزف، وقد خلق الله آدم من تراب جعله طينا، ثم حمأ مسنونا، ثم
صلصالا، فلا تنافي بين ما ورد بكل منها.
* (وخلق الجان) *: أبا الجن، كما مضى في سورة الحجر (7).
* (من مارج) *: من صاف من الدخان.
* (من نار) *: بيان لمارج، فإنه في الأصل المضطرب من مرج إذا اضطرب.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 344، س 3.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 344، س 6.
3 - الكافي: ج 1، ص 217، ح 2، باب أن النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه: الأئمة (عليهم السلام).
4 - وفي نسخة: [في المواضع الاخر].
5 - وفي نسخة: [طوينا عن ذلك].
6 - انظر ص 52 من هذا الجزء في وجه تكرار الآيات 16 و 18 و 21 و 30.
7 - ذيل الآية: 27، انظر ج 4، ص 271 - 272 من كتابنا تفسير الصافي.
66

فبأي آلاء ربكما تكذبان 16 رب المشرقين ورب
المغربين 17 فبأي آلاء ربكما تكذبان 18 مرج
البحرين يلتقيان 19 بينهما برزخ لا يبغيان 20 فبأي
آلاء ربكما تكذبان 21 يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان 22
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * رب المشرقين ورب المغربين) *: مشرقي
الشتاء، والصيف، ومغربيهما.
في الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: إن مشرق الشتاء
على حدة، ومشرق الصيف على حدة، أما تعرف ذلك من قرب الشمس وبعدها؟ قال: وأما
قوله " رب المشارق والمغارب " فإن لها ثلاثمائة وستين برجا تطلع كل يوم من برج وتغيب في
آخر، فلا تعود إليه إلا من قابل في ذلك اليوم (1).
والقمي: بعد ما فسرهما بما فسرنا، روى عن الصادق (عليه السلام) إن " المشرقين ": رسول الله،
وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، و " المغربين ": الحسن والحسين (عليهما السلام)، قال: وفي أمثالهما
يجري (2) (3).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * مرج البحرين) *: أرسل البحر العذب والبحر الملح.
* (يلتقيان) *: يتجاوران.
* (بينهما برزخ) *: حاجز من قدرة الله.
* (لا يبغيان) *: لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة، وإبطال الخاصية.
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) *: كبار الدر

1 - الإحتجاج: ج 1، ص 386، س 15، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) وأجوبته مسائل ابن الكوا.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 344، س 11. وفيه: وفي أمثالهما تجري.
3 - يعني نور العلم كان يشرق من النبي والوصي ويغرب في الحسنين، وفي أمثالهما يجري: أي لا يختص بهما، بل
ويجري في أمثالهما من الأئمة (عليهم السلام). منه (قدس سره).
67

فبأي آلاء ربكما تكذبان 23 وله الجوار المنشئات في
البحر كالأعلم 24 فبأي آلاء ربكما تكذبان 25 كل
من عليها فان 26
وصغاره. وقيل: " المرجان ": الخرز (1) الأحمر (2)، وقرئ يخرج على البناء للمفعول.
وفي قرب الإسناد: عن الصادق، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام) " يخرج منهما "، قال: من ماء
السماء، ومن ماء البحر، فإذا أمطرت فتحت الأصداف أفواهها في البحر فيقع فيها من ماء المطر
فتخلق اللؤلؤ الصغيرة من القطرة الصغيرة، واللؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة (3).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: علي وفاطمة صلوات الله عليهما، بحران عميقان لا يبغي
أحدهما على صاحبه، " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ": قال: الحسن والحسين (عليهما السلام) (4).
وفي المجمع: عن سلمان الفارسي، وسعيد بن جبير، وسفيان الثوري، إن " البحرين ":
علي وفاطمة (عليهما السلام)، والبرزخ: محمد (صلى الله عليه وآله)، و " اللؤلؤ والمرجان ": الحسن والحسين (عليهما السلام) (5).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * وله الجوار) *: السفن، جمع جارية.
* (المنشئات) *: قيل: المرفوعات الشراع (6)، وقرئ بكسر الشين، أي الرافعات
الشراع (7).
* (في البحر كالأعلم) *: كالجبال، جمع علم وهو الجبل الطويل.
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * كل من عليها) *: من على وجه الأرض.

1 - الخرز - بالتحريك -: الذي ينظم الواحدة خرزة كقصبة وقصب. وخرز الظهر فقاره. مجمع البحرين: ج 4،
ص 17، مادة " خرز ".
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 201، س 19، وأنوار التنزيل: ج 2، ص 441، س 18.
3 - قرب الإسناد: ص 137 - 138، ح 495.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 344، س 16.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 201، س 26.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 442، س 4.
7 - الشراع - ككتاب - للسفينة ما يرفع من فوقها من ثوب فيجريها. مجمع البحرين: ج 4، ص 352، مادة " شرع ".
68

ويبقى وجه ربك ذو الجلل والاكرام 27 فبأي آلاء
ربكما تكذبان 28 يسئله من في السمو ت والأرض كل
يوم هو في شأن 29
* (فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلل والاكرام) *: ذو الإستغناء المطلق،
والفضل العام، وذلك لأنك إذا استقريت (1) جهات الموجودات وتفحصت وجوهها وجدتها
بأسرها فانية في حد ذاتها إلا وجه الله، أي الوجه الذي يلي جهته.
والقمي: " كل من عليها فان " قال: من على وجه الأرض " ويبقى وجه ربك " قال: دين
ربك (2). وعن السجاد (عليه السلام): نحن وجه الله الذي يؤتى منه (3).
وفي المناقب: عن الصادق (عليه السلام) " ويبقى وجه ربك " قال: نحن وجه الله (4).
وفي التوحيد: عن الجواد (عليه السلام) في حديث، وإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصور والهجاء (5)،
ولا ينقطع ولا يزال من لم يزل عالما (6).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * يسئله من في السمو ت والأرض) *:
فإنهم مفتقرون إليه في ذواتهم، وصفاتهم، وسائر ما يهمهم، ويعن (7) لهم، والمراد بالسؤال: ما
يدل على الحاجة إلى تحصيل الشئ نطقا كان أو غيره.
* (كل يوم هو في شأن) *: من إحداث بديع لم يكن كذا، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في
خطبة رواها في الكافي (8).

1 - وفي نسخة: [إذا استقربت].
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 345، س 2.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 345، س 3.
4 - مناقب ابن شهرآشوب: ج 4، ص 214.
5 - الهجاء - ككساء -: تقطيع اللفظ بحروفها. مجمع البحرين: ج 1، ص 470، مادة " هجا ".
6 - التوحيد: ص 193، ذيل حديث 7، باب 29 - أسماء الله تعالى.
7 - عن لي الأمر يعن عنا إذا اعترض. مجمع البحرين: ج 6، ص 283، مادة " عنن ".
8 - الكافي: ج 1، ص 141، س 8، ح 7، باب جوامع التوحيد.
69

فبأي آلاء ربكما تكذبان 30 سنفرغ لكم أيه الثقلان 31
فبأي آلاء ربكما تكذبان 32 يا معشر الجن والإنس إن
استطعتم أن تنفذوا من أقطار السمو ت والأرض
فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان 33
والقمي: قال: يحيي ويميت، ويرزق، ويزيد، وينقص (1).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) في هذه الآية قال: من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا، ويرفع
قوما، ويضع آخرين (2).
قيل: هو الرد لقول اليهود: إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا، أو أنه قد فرغ من الأمر (3).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * سنفرغ لكم أيه الثقلان) *: وقرئ بالياء،
قيل: أي سنتجرد لحسابكم وجزائكم، وذلك يوم القيامة، فإنه ينتهي يومئذ شؤون الخلق كلها
فلا يبقى إلا شأن واحد وهو الجزاء، فجعل ذلك فراغا على سبيل التمثيل (4).
وقيل: تهديد مستعار من قولك لمن تهدده، سأفرغ لك فإن المتجرد للشئ كان أقوى
عليه وأجد فيه، و " الثقلان ": الجن والإنس (5).
والقمي: قال: نحن وكتاب الله، والدليل على ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني تارك فيكم
الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي (6).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن
تنفذوا من أقطار السمو ت والأرض) *: إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السماوات
والأرض هاربين من الله فارين من قضائه.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 345، س 4.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 202، س 22، وأنوار التنزيل: ج 2، ص 442، س 15.
3 و 4 و 5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 442، س 15 و 17 و 18.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 345، س 5.
70

فبأي آلاء ربكما تكذبان 34 يرسل عليكما شواظ من
نار ونحاس فلا تنتصران 35
* (فانفذوا) *: فاخرجوا.
* (لا تنفذون) *: لا تقدرون على النفوذ.
* (إلا بسلطان) *: إلا بقوة وقهر وأنى لكم ذلك؟ أو إن قدرتم أن تنفذوا لتعلموا ما في
السماوات والأرض فانفذوا لتعلموا، لكن لا تنفذون ولا تعلمون إلا ببينة نصبها الله فترجعون
عليها بأفكاركم، كذا قيل (1).
وفي المجمع: قد جاء في الخبر: يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار، ثم ينادون:
" يا معشر الجن والإنس إن استطعتم " إلى قوله " شواظ من نار " (2).
وعن الصادق (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة جمع الله العباد في صعيد واحد وذلك أنه يوحي
إلى السماء الدنيا أن اهبطي بمن فيك، فيهبط أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن
والإنس والملائكة، ثم يهبط أهل السماء الثانية بمثل الجميع مرتين، فلا يزالون كذلك حتى يهبط
أهل سبع سماوات فتصير الجن والإنس في سبع سرادقات من الملائكة، ثم ينادي مناد " يا معشر
الجن والإنس إن استطعتم " الآية، فينظرون فإذا قد أحاط بهم سبعة أطواق من الملائكة (3).
والقمي: ما يقرب منه (4). وقد مر في سورة البقرة عند قوله تعالى: " هل ينظرون إلا أن
يأتيهم الله في ظلل من الغمام " (5).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * يرسل عليكما شواظ) *: لهب.
* (من نار ونحاس) *: دخان (6) أو صفر مذاب يصب على رؤوسهم، وقرئ بكسر

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 442 - 443.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 205، س 20. وفيه: " بالملائكة بلسان من نار ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 205، س 21.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 345، س 8.
5 - الآية: 210، انظر ج 1، ص 373 من كتابنا تفسير الصافي.
6 - عن ابن عباس كما جاء في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 205، س 16.
71

فبأي آلاء ربكما تكذبان 36 فإذا انشقت السماء
فكانت وردة كالدهان 37 فبأي آلاء ربكما تكذبان 38
فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان 39
الشين وهو لغة، ونحاس بالجر.
* (فلا تنتصران) *: فلا تمتنعان.
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * فإذا انشقت السماء فكانت وردة) *:
قيل: أي حمراء كوردة النبات (1). أو كلون الفرس الورد، وهو الأبيض الذي يضرب إلى
الحمرة، أو الصفرة أو الغبرة، ويختلف في الفصول، والوردة: واحدة الورد، فشبه السماء يوم
القيامة في اختلاف ألوانها بذلك (2).
* (كالدهان) *: قيل: كالدهان التي يصب بعضها فوق بعض بألوان مختلفة (3).
وقيل: مذابة كالدهن، وهو اسم لما يدهن به أو جمع دهن (4).
وقيل: هو الأديم الأحمر (5).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا
جان) *: قيل: لأنهم يعرفون بسيماهم (6).
والقمي: قال: منكم يعني من الشيعة، قال: معناه من تولى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتبرأ من
أعدائه، وآمن بالله، وأحل حلاله، وحرم حرامه، ثم دخل في الذنوب ولم يتب في الدنيا عذب

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 443، س 8، ومجمع البيان: ج 9 - 10، ص 206، س 1.
2 - قاله الطبرسي في مجمعه: ج 9 - 10، ص 205 - 206.
3 - قاله الحسن كما في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 206، س 4.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 443، س 11.
5 - قاله الكلبي كما في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 206، س 6، وأنوار التنزيل: ج 2، ص 443، س 11.
6 - جاء في أنوار التنزيل: ج 2، ص 443، س 13: " لأنهم لا يعرفون بسيماهم "، وهذا غير صحيح، بل إنهم
يعرفون بسيماهم لسواد وجوههم وزرقة أعينهم.
72

فبأي آلاء ربكما تكذبان 40 يعرف المجرمون بسيماهم
فيؤخذ بالنواصي والاقدام 41 فبأي آلاء ربكما تكذبان
42 هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون 43 يطوفون
بينها وبين حميم آن 44
بها في البرزخ، ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسئل عنه يوم القيامة (1).
وفي المجمع: عن الرضا (عليه السلام) قال في هذه الآية: إن من اعتقد الحق ثم أذنب ولم يتب في
الدنيا عذب عليه في البرزخ ويخرج يوم القيامة، وليس له ذنب يسئل عنه (2).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * يعرف المجرمون بسيماهم) *: قيل: هو ما
يعلوهم من الكآبة والحزن (3).
* (فيؤخذ بالنواصي والاقدام) *: في البصائر: عن الصادق (عليه السلام) إنه سأل بعض
أصحابه ما يقولون في هذا؟ قال: يزعمون أن الله تبارك وتعالى يعرف المجرمين بسيماهم في يوم
القيامة فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم فيلقون في النار، فقال (عليه السلام): وكيف يحتاج تبارك
وتعالى إلى معرفة خلق هو أنشأهم وهو خلقهم؟ قال: وما ذاك؟ قال (عليه السلام): ذاك لو قام قائمنا (عليه السلام)
أعطاه الله السيماء فيأمر بالكافرين فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، ثم يخبط بالسيف خبطا (4).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون *
يطوفون بينها وبين حميم آن) *: ماء حار بلغ الغاية (5) في الحرارة. وفي المجمع: عنه (عليه السلام)
هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان اصلياها فلا تموتان فيها ولا تحييان (6). والقمي: ما في معناه (7).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 345، س 11.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 206، س 14.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 443، س 16.
4 - بصائر الدرجات: ص 376، ح 8، الجزء السابع، باب 17 - في أن الأئمة (عليهم السلام) أنهم المتوسمون في الأرض
وهم الذين ذكر الله في كتابه " يعرفون الناس بسيماهم ".
5 - وفي نسخة: [بلغ النهاية].
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 203، في القراءة.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 345، س 15.
73

فبأي آلاء ربكما تكذبان 45 ولمن خاف مقام ربه جنتان
46 فبأي آلاء ربكما تكذبان 47 ذواتا أفنان 48
فبأي آلاء ربكما تكذبان 49 فيهما عينان تجريان 50
فبأي آلاء ربكما تكذبان 51 فيهما من كل فكهة
زوجان 52 فبأي آلاء ربكما تكذبان 53 متكئين على
فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان 54
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * ولمن خاف مقام ربه جنتان) *: في الكافي: عن
الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: من علم أن الله يراه، ويسمع ما يقول، ويعلم ما يعمله من خير
أو شر، فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي " خاف مقام ربه ونهى النفس عن
الهوى " (1) (2).
وفي الفقيه: في مناهي النبي (صلى الله عليه وآله): من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها من مخافة
الله عز وجل، حرم الله عليه النار، وآمنه من الفزع الأكبر، وأنجز له ما وعده في كتابه في قوله
عز وجل: " ولمن خاف مقام ربه جنتان " (3).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * ذواتا أفنان) *: ذواتا ألوان من النعيم، أو أنواع
من الأشجار والثمار، جمع فن، أو أغصان، جمع فنن، وهي الغصنة التي تتشعب من فرع الشجر،
وتخصيصها بالذكر لأنها التي تورق وتثمر وتمد الظل.
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * فيهما عينان تجريان * فبأي آلاء ربكما
تكذبان * فيهما من كل فكهة زوجان) *: صنفان غريب ومعهود، أو رطب ويابس.
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * متكئين على فرش بطائنها من إستبرق) *:

1 - النازعات: 40. 2 - الكافي: ج 2، ص 70 - 71، ح 10، باب الخوف والرجاء.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 7 - 8، ح 1، باب 1 - ذكر جمل من مناهي النبي (صلى الله عليه وآله).
74

فبأي آلاء ربكما تكذبان 55 فيهن قصر ت الطرف لم
يطمثهن إنس قبلهم ولا جان 56 فبأي آلاء ربكما
تكذبان 57 كأنهن الياقوت والمرجان 58 فبأي آلاء
ربكما تكذبان 59 هل جزاء الأحسن إلا الأحسن 60
من ديباج ثخين، فما ظنك بالظهاير.
* (وجنى الجنتين دان) *: مجناهما قريب يناله القاعد والمضطجع.
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * فيهن) *: في الجنان.
* (قصر ت الطرف) *: نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن لم يرون غيرهم.
والقمي: قال: الحور العين يقصر الطرف عنها من ضوء نورها (1).
* (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) *: لم يمس الإنسيات إنس ولا الجنيات جن،
وقرئ بضم الميم.
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * كأنهن الياقوت والمرجان) *: في حمرة
الوجنة، وبياض البشرة، وصفائهما.
في المجمع: في الحديث إن المرأة من أهل الجنة يرى مخ ساقها وراء سبعين حلة من
حرير (2).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث مثله بدون قوله من حرير (3).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) ما في معناه مع زيادات (4). وقد مضى في سورة الحج (5).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * هل جزاء الأحسن إلا الأحسن) *:

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 346، س 3.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 208، س 26.
3 - الكافي: ج 8، ص 99، س 18، ح 69، حديث الجنان والنوق.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 82، س 12.
5 - ذيل الآيتين: 23 - 24، انظر ج 5، ص 127 - 129 من كتابنا تفسير الصافي.
75

فبأي آلاء ربكما تكذبان 61 ومن دونهما
جنتان 62
القمي: قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالمعرفة إلا الجنة (1).
ورواه في التوحيد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
وفي العلل: عن الحسن بن علي (عليهما السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: هل جزاء من قال لا إله إلا
الله إلا الجنة (3).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قرأ هذه الآية فقال: هل تدرون ما يقول ربكم؟ قالوا: الله
ورسوله أعلم، قال: فإن ربكم يقول: هل جزاء من أنعمنا عليه بالتوحيد إلا الجنة؟ (4).
وعن العياشي: عن الصادق (عليه السلام)، إن هذه الآية جرت في الكافر والمؤمن، والبر
والفاجر، من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، وليس المكافأة أن تصنع كما صنع حتى
تربى فإن صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء (5).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * ومن دونهما جنتان) *: ومن دون تينك الجنتين
الموعودتين للخائفين مقام ربهم جنتان لمن دونهم.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) جنتان من فضة أبنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب أبنيتهما
وما فيهما (6).
وعن الصادق (عليه السلام): لا تقولن الجنة واحدة، إن الله يقول: " ومن دونهما جنتان "، ولا تقولن:
درجة واحدة، إن الله يقول: " درجت بعضها فوق بعض "، إنما تفاضل القوم بالأعمال (7).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 345، س 17.
2 - التوحيد: ص 28، ح 29، باب 1 - ثواب الموحدين والعارفين.
3 - علل الشرائع: ص 250 - 251، ذيل حديث 8، باب 182 - علل الشرائع وأصول الإسلام.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 208، س 30.
5 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي، بل وجدناه في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 208، س 32. نقلا عن العياشي.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 210، س 16.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 210، س 19.
76

فبأي آلاء ربكما تكذبان 63 مدهامتان 64 فبأي
آلاء ربكما تكذبان 65 فيهما عينان نضاختان 66 فبأي
آلاء ربكما تكذبان 67 فيهما فكهة ونخل ورمان 68
وعنه (عليه السلام): قيل له: الناس يتعجبون منا إذا قلنا يخرج قوم من النار فيدخلون الجنة،
فيقولون لنا: فيكونون مع أولياء الله في الجنة، فقال (عليه السلام): إن الله يقول: " ومن دونهما جنتان " لا
والله ما يكونون مع أولياء الله (1).
والقمي: عنه (عليه السلام) إنه سئل عن قوله: " ومن دونهما جنتان " قال: خضراوتان في الدنيا
يأكل المؤمنون منهما حتى يفرغوا من الحساب (2).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * مدهامتان) *: خضراوتان تضربان إلى السواد
من شدة الخضرة.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: يتصل ما بين مكة والمدينة نخلا (3).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * فيهما عينان نضاختان) *: فوارتان. القمي:
عنه (عليه السلام) قال: تفوران (4).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * فيهما فكهة ونخل ورمان) *: عطفهما على
الفاكهة بيانا لفضلهما، فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء، والرمان فاكهة ودواء.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) الفاكهة مائة وعشرون لونا سيدها الرمان (5).
وعنه (عليه السلام): خمس من فواكه الجنة في الدنيا: الرمان الأمليسي (6)، والتفاح الشيسقان (7)،

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 210، س 24.
2 و 3 و 4 - تفسير القمي: ج 2، ص 345 و 346.
5 - الكافي: ج 6، ص 352، ح 2، باب الرمان.
6 - رمان إمليسي: حلو طيب لا عجم له. لسان العرب: ج 13، ص 176، مادة " ملس ".
7 - الشيسقان: جبلان وموضع قرب المدينة، كما جاء في هامش المخطوطة، وفي معجم البلدان: ج 3، ص 385:
الشيقان: موضع قرب المدينة. هذا ولم نجد في كتب اللغة معنى لكلمة شيسقان بالرغم من الفحص الحثيث عنها،
وهكذا قال العلامة في مرآة العقول: ج 22، ص 187: لم أجدها في كتب اللغة.
77

فبأي آلاء ربكما تكذبان 69 فيهن خير ت حسان 70
فبأي الا ء ربكما تكذبان 71 حور مقصورات في الخيام 72
والسفرجل، والعنب الرازقي (1)، والرطب المشان (2) (3).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * فيهن خير ت حسان) *: في المجمع: عن
النبي (صلى الله عليه وآله) أي نساء خيرات الأخلاق، حسان الوجوه (4).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) هن صوالح المؤمنات العارفات (5).
وفي الفقيه: عنه (عليه السلام) الخيرات الحسان من نساء أهل الدنيا، وهن أجمل من الحور العين (6).
والقمي: قال: جوار نابتات على شط الكوثر، كلما أخذت منها واحدة نبتت مكانها
أخرى (7).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن قول الرجل للرجل جزاك الله خيرا ما يعنى
به؟ قال: إن خيرا: نهر في الجنة مخرجه من الكوثر، والكوثر: مخرجه من ساق العرش، عليه
منازل الأوصياء وشيعتهم، على حافتي ذلك النهر جواري نابتات كلما قلعت واحدة نبتت أخرى،
سمين باسم ذلك النهر، وذلك قوله تعالى: " فيهن خير ت حسان "، فإذا قال الرجل لصاحبه:
جزاك الله خيرا، فإنما يعني بذلك تلك المنازل التي أعدها الله لصفوته، وخيرته من خلقه (8).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * حور مقصور ت في الخيام) *: مخدرات.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: الحور: هن البيض المقصورات المخدرات في خيام الدر

1 - الرازقي: ضرب من عنب الطائف أبيض طويل الحب. لسان العرب: ج 5، ص 204، مادة " رزق ".
2 - المشان: نوع من التمر، قال أبو يوسف: أطيب الرطب: المشان. لسان العرب: ج 13، ص 117، مادة " مشن ".
3 - الكافي: ج 6، ص 349، ح 1، باب الفواكه.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 211، س 7.
5 - الكافي: ج 8، ص 156 - 157، ح 147.
6 - من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 299 - 300، ح 1432 / 15، باب 144 - النوادر.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 346، س 5.
8 - الكافي: ج 8، ص 230 - 231، ح 298.
78

فبأي آلاء ربكما تكذبان 73 لم يطمثهن إنس قبلهم ولا
جان 74 فبأي آلاء ربكما تكذبان 75 متكئين على
رفرف خضر وعبقري حسان 76
والياقوت والمرجان، لكل خيمة أربعة أبواب، على كل باب سبعون كاعبا (1) حجابا لهن
ويأتيهن في كل يوم كرامة من الله عز ذكره يبشر الله عز وجل بهن المؤمنين (2).
والقمي: " حور مقصور ت ": قال: يقصر الطرف عنها (3).
وقيل: مقصورة الطرف على أزواجهن (4).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) الخيمة درة واحدة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية
منها أهل للمؤمن لا يراه الآخرون (5).
وعنه (صلى الله عليه وآله) قال: مررت ليلة أسري به بنهر حافتاه قباب المرجان، فنوديت منه: السلام
عليك يا رسول الله، فقلت: يا جبرئيل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء جوار من الحور العين استأذن
ربهن عز وجل أن يسلمن عليك فأذن لهن، فقلن: نحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا
نبأس، أزواج رجال كرام، ثم قرأ (صلى الله عليه وآله): " حور مقصور ت في الخيام " (6).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان * فبأي
آلاء ربكما تكذبان * متكئين على رفرف) *: وسائد ونمارق (7)، جمع رفرفة.

1 - الكواعب: جمع كاعب، وهي المرأة التي يبدو ثديها للنهود. مجمع البحرين: ج 2، ص 160، مادة " كعب ".
ونهد الثدي نهودا من باب - مقدع ونفع لغة - كعب وأشرف، ويسمى الثدي نهدا لارتفاعه. مجمع البحرين: ج
3، ص 152، مادة " نهد ".
2 - الكافي: ج 8، ص 156 - 157، ح 147.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 346، س 6.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 445، س 4.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 211، س 19.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 211، س 21.
7 - النمارق: الوسائد، واحدتها النمرقة بكسر النون وفتحها. مجمع البحرين: ج 5، ص 342، مادة " نمرق ".
79

فبأي آلاء ربكما تكذبان 77 تبرك اسم ربك ذي
الجلل والاكرام 78
وقيل: الرفرف: ضرب من البسط، أو ذيل الخيمة، وقد يقال لكل ثوب عريض (1).
* (خضر وعبقري حسان) *: قيل: زرابي (2) (3).
وقيل: كل ثوب موشى فهو عبقري (4).
وقيل: العبقري منسوب إلى عبقر، تزعم العرب أنه اسم بلد الجن فينسبون إليه كل
شئ عجيب، والمراد به الجنس، ولذلك وصف بالجمع، وقرئ في الشواذ " رفارف خضر
وعباقري " (5). وفي المجمع: رواها عن النبي (صلى الله عليه وآله) (6).
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان * تبرك اسم ربك) *: تعالى اسمه، فما ظنك بذاته.
* (ذي الجلل والاكرام) *: وقرئ بالرفع صفة للإسم.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال: نحن جلال الله، وكرامته التي أكرم الله تبارك
وتعالى العباد بطاعتنا ومحبتنا (7).
في الكافي: عن جابر بن عبد الله، قال: لما قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الرحمن " على الناس
سكتوا، فلم يقولوا شيئا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الجن كانوا أحسن جوابا منكم لما قرأت عليهم
" فبأي آلاء ربكما تكذبان "، قالوا: لا بشئ من آلاء ربنا نكذب (8).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 445، س 6.
2 - الزرابي بالفتح والتشديد: الطنافس المخملة، واحدها " زربية " مثلثة الزاي. والزابي: البسط أيضا. مجمع
البحرين: ج 2، ص 78، مادة " زرب ".
3 - قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، كما جاء في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 211، س 28.
4 - قاله القتيبي، كما جاء في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 211، س 29.
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 445، س 7.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 209، في القراءة. 7 - تفسير القمي: ج 2، ص 346، س 9.
8 - لم نعثر عليه في الكافي، بل وجدناه في تفسير نور الثقلين: ج 5، ص 187 - 188، وفي البرهان في
تفسير القرآن: ج 4، ص 263، نقلا عن مناقب ابن شهرآشوب. وفيه: " للجن كانوا أحسن جوابا منكم.
قالوا: لا، لا بشئ من آلائك ربنا نكذب ".
80

في ثواب الأعمال: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ سورة " الرحمن " فقال عند كل " فبأي
آلاء ربكما تكذبان ": لا بشئ من آلائك رب أكذب، فإن قرأها ليلا ثم مات، مات شهيدا،
وإن قرأها نهارا ثم مات، مات شهيدا (1). وفي المجمع أخبار أخر في فضلها (2).
* * *

1 - ثواب الأعمال: ص 116 - 117، ح 2، باب ثواب قراءة سورة " الرحمن ".
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 195، في فضلها. وإليك نصها:
أبي بن كعب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قرأ سورة " الرحمن " رحم الله ضعفه، وأدى شكر ما أنعم الله
عليه.
وروي عن موسى بن جعفر، عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لكل شئ عروس، وعروس القرآن سورة
" الرحمن " جل ذكره.
وروى أبو بصير: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لا تدعوا قراءة " الرحمن " والقيام بها فإنها لا تقر في قلوب
المنافقين، وتأتي ربها يوم القيامة في صورة آدمي في أحسن صورة، وأطيب ريح، حتى تقف من الله موقفا لا يكون
أحد أقرب إلى الله سبحانه منها، فيقول لها: من الذي كان يقوم بك في الحياة الدنيا، ويدمن قراءتك؟ فتقول: يا رب
فلان وفلان وفلان، فتبيض وجوههم، فيقول لهم: اشفعوا فيمن أحببتم، فيشفعون حتى لا يبقى لهم غاية، ولا أحد
يشفعون له فيقول لهم ادخلوا الجنة وأسكنوا فيها حيث شئتم.
وعن الصادق (عليه السلام) قال: من قرأ سورة " الرحمن " ليلا يقول عند كل " فبأي آلاء ربكما تكذبان " لا بشئ
من آلائك يا رب أكذب، وكل الله به ملكا إن قرأها في أول الليل يحفظه حتى يصبح، وإن قرأها حين يصبح وكل الله
به ملكا يحفظه حتى يمسي.
81

سورة الواقعة
83

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا وقعت الواقعة 1 ليس لوقعتها كاذبة 2 خافضة
رافعة 3
سورة الواقعة: مكية، وقال ابن عباس وقتادة: إلا آية منها نزلت بالمدينة وهي:
" وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " (1)، قيل: إلا قوله: " ثلة من الأولين " (2)، وقوله: " أفبهذا
الحديث " (3) نزلت في سفره إلى المدينة، عدد آيها تسع وتسعون آية.
* (إذا وقعت الواقعة) *: إذا حدثت القيامة، سماها واقعة لتحقق وقوعها.
* (ليس لوقعتها كاذبة) *: نفس كاذبة (4)، القمي: قال: القيامة هي حق (5).
* (خافضة) *: قال: بأعداء الله (6).
* (رافعة) *: قال: لأولياء الله (7)، وفي الخصال: عن السجاد (عليه السلام) " إذا وقعت الواقعة ":
يعني القيامة، " خافضة " خفضت والله بأعداء الله إلى النار، " رافعة " رفعت والله أولياء الله إلى
الجنة (8).

1 و 2 و 3 - الواقعة: 82 و 13، 39 و 81.
4 - لا نعرف وجها صحيحا لهذا التفسير.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 346، س 13.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 346، س 14. وفيه: " قال: لأعداء الله " وهذا هو الصحيح. فما ذكره الماتن من قوله:
" بأعداء الله " ليس بصحيح.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 346، س 14.
8 - الخصال: ص 64، ح 95، باب 2 - الدنيا والآخرة ككفتي الميزان.
85

إذا رجت الأرض رجا 4 وبست الجبال بسا 5 فكانت
هباء منبثا 6 وكنتم أزواجا ثلثة 7 فأصحب الميمنة
ما أصحب الميمنة 8 وأصحب المشئمة ما أصحب
المشئمة 9 والسابقون السابقون 10 أولئك
المقربون 11 في جنت النعيم 12
* (إذا رجت الأرض رجا) *: حركت تحريكا شديدا.
القمي: قال: يدق بعضها على بعض (1).
* (وبست الجبال بسا) *: قال: قلعت الجبال قلعا (2).
وقيل: فتت كالسويق الملتوت (3).
* (فكانت هباء منبثا) *: غبارا منتشرا.
القمي: قال: الهباء: الذي يدخل في الكوة (4) من شعاع الشمس (5).
* (وكنتم أزواجا) *: أصنافا.
* (ثلثة) *: قال: يوم القيامة (6).
* (فأصحب الميمنة ما أصحب الميمنة) *: قال: وهم المؤمنون من أصحاب
التبعات يوقفون للحساب (7).
* (وأصحب المشئمة ما أصحب المشئمة * والسابقون السابقون) *:
قال: الذين سبقوا إلى الجنة بلا حساب (8).
* (أولئك المقربون * في جنت النعيم) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إن الله

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 346، س 15.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 346، س 15.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 446، س 3.
4 - الكوة - بالضم والفتح والتشديد -: النقبة في الحائط غير نافذة. مجمع البحرين: ج 1، ص 364، مادة " كوى ".
5 و 6 و 7 و 8 - تفسير القمي: ج 2، ص 346، س 16 و 17 و 18 و 19.
86

تبارك وتعالى خلق الخلق ثلاثة أصناف، وهو قوله عز وجل " وكنتم أزواجا ثلثة " الآيات،
قال: ف‍ " السابقون ": هم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاصة الله من خلقه جعل فيهم خمسة أرواح،
أيدهم بروح القدس، فبه عرفوا الأشياء، وأيدهم الله بروح الإيمان، فبه خافوا الله عز وجل،
وأيدهم بروح القوة، فبه قدروا على طاعة الله، وأيدهم بروح الشهوة، فبه اشتهوا طاعة الله عز
وجل، وكرهوا معصيته، وجعل فيهم روح المدرج (1) الذي به يذهب الناس ويجيؤون، وجعل
في المؤمنين أصحاب الميمنة (2) روح الإيمان فبه خافوا الله، وجعل فيهم روح القوة، فبه قووا
على طاعة الله، وجعل فيهم روح الشهوة، فبه اشتهوا طاعة الله، وجعل فيهم روح المدرج
الذي به يذهب الناس ويجيؤون (3).
وفي الأمالي: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه سئل عن هذه الآية فقال: قال لي جبرئيل (عليه السلام): ذاك
علي (عليه السلام) وشيعته، هم السابقون إلى الجنة، المقربون من الله بكرامته (4).
وفي الخصال: عن علي (عليه السلام) قال: " والسابقون السابقون * أولئك المقربون " في نزلت (5).
وفي الإكمال: عن الباقر (عليه السلام) في حديث: ونحن السابقون السابقون، ونحن الآخرون (6).

1 - مدرج - بفتح الميم والراء -: الطريق، ودرج الصبي دروجا: مشى قليلا في أول ما يمشي. مجمع البحرين: ج 2،
ص 299، مادة " درج ".
2 - هكذا في الأصل، وفي الكافي: " وجعل في المؤمنين وأصحاب الميمنة " وهكذا ورد في مرآة العقول: ج 3،
ص 167، مع الواد. إلا أن الماتن ذكر هذه الرواية في كتابه الوافي: ج 3، ص 627، ح 1214 / 1، باب 92 - ما
خصوا (عليهم السلام) به من الأرواح. بدون الواء كما جاء هنا.
هذا وللماتن في الوافي، نفس المصدر السابق بيان وإليك نصه: إنما خلقهم ثلاثة أصناف لأن أصول العوالم
والنشآت ثلاثة: عالم الجبروت: وهو عالم العقل المجرد عن المادة والصورة، وأصحابه السابقون، وفيهم روح
القدس، وعالم الملكوت: وهو عالم المثال والخيال المجرد عن المادة دون الصورة، وأصحابه أصحاب الميمنة، وفيهم
روح الإيمان، وعالم الملك: وهو عالم الشهادة المحسوس المادي، وأصحابه أصحاب المشئمة، وفيهم روح المدرج -
من درج دروجا -: إذا مشى، وعالم الغيب يشمل الأولين، وكذا عالم الأرواح، وربما يطلق الملكوت أيضا على ما
يعمهما. 3 - الكافي: ج 1، ص 271 - 272، ح 1، باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة (عليهم السلام).
4 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 72، ح 104 / 13، المجلس الثالث.
5 - لم نعثر عليه في الخصال، بل وجدناه في عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 65، ح 288، باب 31 - فيما جاء عن
الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة. والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف، أو من النساخ.
6 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 205 - 206، ح 20، باب 21 - العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام (عليه السلام).
87

ثلة من الأولين 13 وقليل من الآخرين 14 على سرر
موضونة 15 متكئين عليها متقبلين 16 يطوف عليهم
ولدن مخلدون 17 بأكواب وأباريق وكأس من معين 18
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال أبي لأناس من الشيعة: أنتم شيعة الله، وأنتم
أنصار الله، وأنتم السابقون الأولون، والسابقون الآخرون، والسابقون في الدنيا إلى ولايتنا،
والسابقون في الآخرة إلى الجنة (1).
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) " السابقون " أربعة: ابن آدم المقتول، وسابق أمة موسى (عليه السلام)
وهو مؤمن آل فرعون، وسابق أمة عيسى (عليه السلام) وهو حبيب النجار، والسابق في أمة محمد (صلى الله عليه وآله)
وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) (2).
* (ثلة من الأولين) *: أي هم كثير من الأولين، يعني الأمم السالفة من لدن آدم (عليه السلام)
إلى محمد (صلى الله عليه وآله).
* (وقليل من الآخرين) *: يعني أمة محمد (صلى الله عليه وآله).
* (على سرر موضونة) *: منسوجة بالذهب، مشبكة بالدر والياقوت.
* (متكئين عليها متقبلين * يطوف عليهم) *: للخدمة.
* (ولدن مخلدون) *: قيل: أي مبقون أبدا على هيئة الولدان وطراوتهم (3).
والقمي: أي مسورون (4). وفي المجمع: عن علي (عليه السلام) هم أولاد أهل الدنيا (5).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن أطفال المشركين، قال: هم خدم أهل الجنة (6).
* (بأكواب وأباريق) *: الكوب: إناء لا عروة له ولا خرطوم، والإبريق: إناء له ذلك.

1 - الكافي: ج 8، ص 212 - 213، ح 259.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 215، س 15.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 446، س 20.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 348، س 10.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 216، س 26.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 216، س 27.
88

لا يصدعون عنها ولا ينزفون 19 وفاكهة مما يتخيرون
20 ولحم طير مما يشتهون 21 وحور عين 22 كأمثل
اللؤلؤ المكنون 23 جزاء بما كانوا يعملون 24 لا
يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما 25 إلا قيلا سلما سلما 26
* (وكأس من معين) *: خمر.
* (لا يصدعون عنها) *: لخمار.
* (ولا ينزفون) *: ولا ينزف عقولهم، أو لا ينفد شرابهم، وقرئ بكسر الزاي.
* (وفاكهة مما يتخيرون) *: أي يختارون.
* (ولحم طير مما يشتهون) *: يتمنون.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيد إدام الجنة اللحم (1).
وفي رواية: اللحم سيد الطعام في الدنيا والآخرة (2).
* (وحور عين) *: وقرئ بالجر.
* (كأمثل اللؤلؤ المكنون) *: المصون عما يضر به في الصفاء والنقاء.
* (جزاء بما كانوا يعملون) *: أي يفعل ذلك كله بهم جزاء لأعمالهم.
* (لا يسمعون فيها لغوا) *: باطلا.
* (ولا تأثيما) *: ولا نسبته إلى الإثم، القمي: قال: الفحش، والكذب، والغناء (3).
* (إلا قيلا) *: قولا.
* (سلما سلما) *: يكون السلام بينهم فاشيا.

1 - الكافي: ج 6، ص 308، ح 3، باب فضل اللحم.
2 - الكافي: ج 6، ص 308، ح 2، باب فضل اللحم.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 348، س 11.
89

وأصحب اليمين ما أصحب اليمين 27 في سدر
مخضود 28 وطلح منضود 29 وظل ممدود 30
* (وأصحب اليمين ما أصحب اليمين) *: القمي: قال: " اليمين ": أمير
المؤمنين (عليه السلام)، و " أصحابه ": شيعته (1).
* (في سدر مخضود) *: مقطوع الشوك.
القمي: قال: شجر لا يكون له ورق ولا شوك فيه (2).
* (وطلح منضود) *: شجر موز أو أم غيلان (3) نضد حمله من أسفله إلى أعلاه.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) إنه قرأ " وطلع منضود " قال: بعضه إلى بعضه (4).
وفي المجمع: روت العامة عن علي (عليه السلام) إنه قرأ رجل عنده: " وطلح منضود " فقال: ما
شأن الطلح إنما هو وطلع كقوله: " ونخل طلعها هضيم " (5)، فقيل له: ألا تغيره؟ فقال: إن القرآن
لا يهاج اليوم ولا يحرك (6).
ورواه عنه ابنه الحسن (عليه السلام)، وقيس بن سعد، ورواه أصحابنا عن يعقوب، قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) " وطلح منضود " قال: لا، " وطلع منضود " (7).
* (وظل ممدود) *: في المجمع: في الخبر أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة
سنة لا يقطعها، إقرؤوا إن شئتم: " وظل ممدود " (8).
قال: وروي أيضا إن أوقات الجنة كغدوات الصيف لا يكون فيه حر ولا برد (9).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث يصف فيه أهل الجنة، قال: ويتنعمون
في جناتهم في ظل ممدود، في مثل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وأطيب من ذلك (10).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 348، س 12.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 348، س 12.
3 - أم غيلان: وهي شجرة ذات أنوار ورائحة طيبة. وفي مجمع البحرين: ج 5، ص 439. وأم غيلان: شجر
معروف، ومنه كثير في طريق مكة.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 348، س 13.
5 - الشعراء: 148.
6 و 7 و 8 و 9 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 218.
10 - الكافي: ج 8، ص 99، س 7، ح 69، حديث الجنان والنوق.
90

وماء مسكوب 31 وفاكهة كثيرة 32 لا مقطوعة ولا
ممنوعة 33
* (وماء مسكوب) *: القمي: أي مرشوش (1).
* (وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة) *: أي لا تنقطع.
* (ولا ممنوعة) *: ولا يمنع أحد من أخذها. القمي: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لما دخلت
الجنة رأيت في الجنة شجرة طوبى، أصلها في دار علي (عليه السلام)، وما في الجنة قصر ولا منزل إلا
وفيها قتر (2) منها أعلاها أسفاط (3) حلل من سندس واستبرق، يكون للعبد المؤمن ألف ألف
سفط، في كل سفط مائة حلة (4)، ما فيها حلة تشبه الأخرى على ألوان مختلفة، وهو ثياب أهل
الجنة، وسطها ظل ممدود في عرض الجنة، وعرض الجنة كعرض السماء والأرض، أعدت
للذين آمنوا بالله ورسله، يسير الراكب في ذلك الظل مسيرة مائتي عام فلا يقطعه، وذلك قوله:
" وظل ممدود "، وأسفلها ثمار أهل الجنة وطعامهم متدلل في بيوتهم يكون في القضيب منها مائة
لون من الفاكهة مما رأيتم في دار الدنيا، ومما لم تروه، وما سمعتم به، وما لم تسمعوا مثلها، وكلما
يجتنى منه شئ ينبت (5) مكانها أخرى، " لا مقطوعة ولا ممنوعة " (6).
وفي الإحتجاج: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل من أين قالوا: إن أهل الجنة يأتي الرجل
منهم إلى ثمرة يتناولها، فإذا أكلها عادت كهيئتها، قال: نعم، ذلك على قياس السراج، يأتي
القابس فيقتبس منه فلا ينقص من ضوئه شيئا، وقد امتلأت منه الدنيا سراجا (7).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 348، س 16.
2 - القتر - بالضم وبضمتين -: الناحية والجانب. القاموس المحيط: ج 2، ص 113، مادة " قتر ". وفي نسخة
[فنن]، والأفنان: أي أغصان، وأحدها فنن: مجمع البحرين: ج 6، ص 294، مادة " فنن ". وفي المصدر " فرع ".
3 - السفط: واحد الأسفاط التي يعبى فيه الطيب ونحوه. مجمع البحرين: ج 4، ص 253، مادة " سفط ".
4 - هكذا في الأصل. وفي المصدر: " في كل سفط مائة ألف حلة ".
5 - هكذا في الأصل. وفي المصدر: " نبتت " مكانها أخرى ". 6 - تفسير القمي: ج 2، ص 336 - 337.
7 - الإحتجاج: ج 2، ص 99، س 6، فيما احتج الصادق (عليه السلام) على الزنديق.
91

وفرش مرفوعة 34 إنا أنشأناهن إنشاء 35 فجعلناهن
أبكارا 36
وفي البصائر: عنه (عليه السلام) في هذه الآية إنه والله ليس حيث يذهب الناس إنما هو العالم وما
يخرج منه (1).
* (وفرش مرفوعة) *: بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة،
وحشوها المسك، والعنبر، والكافور، كذا عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث صفة الجنة. ورواه في
الكافي (2)، والقمي (3)، وقد مر في سورة الزمر (4).
وربما تفسر بالنساء وارتفاعهن على الأرائك، وفي جمالهن أو كمالهن بدليل ما بعدها.
قيل: لما شبه حال السابقين في التنعم بأكمل ما يتصور لأهل المدن شبه حال أصحاب
اليمين بأكمل ما يتمناه أهل البوادي إشعارا بالتفاوت بين الحالين (5).
* (إنا أنشأناهن إنشاء) *: أي ابتدأناهن ابتداء من غير ولادة.
القمي: قال: الحور العين في الجنة (6).
وعن الصادق (عليه السلام): إنه سئل من أي شئ خلقن الحور العين؟ قال: من تربة الجنة
النورانية (7) الحديث. وقد مضى في سورة الحج (8).
* (فجعلناهن أبكارا) *: يعني دائما، وفي كل إتيان.
وفي الإحتجاج: عن الصادق (عليه السلام) سئل كيف تكون الحوراء في كل ما أتاها زوجها
عذراء؟ قال: خلقت من الطيب لا يعتريها عاهة، ولا يخالط جسمها آفة، ولا يجري في ثقبها

1 - بصائر الدرجات: ص 525، ح 3، الجزء العاشر، باب 18 - النوادر في الأئمة (عليهم السلام) وأعاجيبهم.
2 - الكافي: ج 8، ص 97، س 2، ح 69، حديث الجنان والنوق.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 246 - 247. 5 - ذيل الآية: 20، انظر ج 6، ص 263 من كتابنا تفسير الصافي.
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 447، س 12.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 348، س 17.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 82، س 17.
8 - ذيل الآية: 23، انظر ج 5، ص 128 من كتابنا تفسير الصافي.
92

عربا أترابا 37 لأصحاب اليمين 38 ثلة من
الأولين 39
شئ، ولا يدنسها حيض، فالرحم ملتزقة إذ ليس فيه لسوى الإحليل مجرى (1).
* (عربا) *: قيل: متحننات على أزواجهن، متحببات إليهم، جمع عروب.
والقمي: قال: يتكلمن بالعربية (2).
وفي المجمع: في حديث فضل الغزاة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه سئل عن العروبة؟ فقال:
هي الغنجة (3) الرضية الشهية (4)، وقرئ بسكون الراء.
* (أترابا) *: لدات على سن واحد، القمي: يعني مستويات الأسنان (5).
في المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث فضل الغزاة ووصف الجنة على كل سرير
أربعون فراشا غلظ كل فراش أربعون ذراعا على كل فراش زوجة من الحور العين " عربا أترابا " (6).
وفي الجوامع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمطاء (7) رمصاء (8)
جعلهن الله بعد الكبر أترابا على ميلاد واحد في الاستواء كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا (9).
* (لأصحاب اليمين) *: القمي: أصحاب أمير المؤمنين (10).
* (ثلة من الأولين) *: قال: من الطبقة التي كانت مع النبي (صلى الله عليه وآله) (11).

1 - الإحتجاج: ج 2، ص 99، س 12، فيما احتج الصادق (عليه السلام) على الزنديق. وفيه: " في جميع ما أتاها ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 348، س 18.
3 - امرأة غنجة: حسنة الدل، والغنج في الجارية: تكسر وتدلل. لسان العرب: ج 10، ص 131، مادة " غنج ".
4 - مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 538، س 22.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 348، س 19.
6 - مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 538، س 21.
7 - الشمط - بالتحريك -: بياض شعر الرأس يخالط سواده، والرجل أشمط والمرأة شمطاء. مجمع البحرين: ج 4،
ص 258، مادة " شمط ".
8 - الرمص - بالتحريك -: وسخ يجتمع في موق العين، فإن سال فهو غمص وإن جمد فهو رمص. مجمع البحرين:
ج 4، ص 172، مادة " رمص ".
9 - جوامع الجامع: ص 478، س 13، الطبعة الحجرية.
10 و 11 - تفسير القمي: ج 2، ص 348 و 349، س 19 و 1.
93

وثلة من الآخرين 40 وأصحب الشمال ما أصحب
الشمال 41 في سموم وحميم 42 وظل من يحموم 43 لا
بارد ولا كريم 44
* (وثلة من الآخرين) *: قال: بعد النبي (صلى الله عليه وآله) من هذه الأمة (1).
وعن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عنها فقال: " ثلة من الأولين ": حزقيل مؤمن آل فرعون،
" وثلة من الآخرين ": علي بن أبي طالب (عليه السلام) (2).
وفي المجمع: عن جماعة من المفسرين: أي جماعة من الأمم الماضية التي كانت قبل هذه
الأمة، وجماعة من مؤمني هذه الأمة (3).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) مرفوعا: إن جميع الثلتين من أمتي، ثم أيد القول الأول بقوله (صلى الله عليه وآله): إني
لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، ثم تلا هذه الآية (4).
وفي الخصال: عنه (صلى الله عليه وآله): أهل الجنة مائة وعشرون صفا، هذه الأمة منها ثمانون صفا (5).
* (وأصحب الشمال ما أصحب الشمال * في سموم) *: في حر نار ينفذ في
المسام.
* (وحميم) *: ماء متناه في الحرارة.
* (وظل من يحموم) *: من دخان أسود.
* (لا بارد) *: كسائر الظل.
* (ولا كريم) *: ولا نافع. القمي: قال: " الشمال ": أعداء آل محمد صلوات الله عليهم،
وأصحابهم الذين والوهم، " في سموم وحميم "، قال: " السموم ": اسم النار، " والحميم ": ماء قد

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 349، س 2.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 348، س 6.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 219، س 11.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 219 - 220، في ذيل حديث طويل، س 2.
5 - الخصال: ص 601، ح 5، أبواب المائة فما فوقه، أهل الجنة عشرون ومائة صنف.
94

إنهم كانوا قبل ذلك مترفين 45 وكانوا يصرون على
الحنث العظيم 46 وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا
وعظما أإنا لمبعوثون 47 أو آباؤنا الأولون 48 قل
إن الأولين والآخرين 49 لمجموعون إلى ميقات يوم
معلوم 50 ثم إنكم أيها الضالون المكذبون 51 لآكلون
من شجر من زقوم 52 فمالئون منها البطون 53 فشاربون
عليه من الحميم 54 فشاربون شرب الهيم 55
حمى، " وظل من يحموم " قال: ظلمة شديدة الحر " لا بارد ولا كريم " قال: ليس بطيب (1).
* (إنهم كانوا قبل ذ لك مترفين) *: منهمكين في الشهوات.
* (وكانوا يصرون على الحنث العظيم) *: الذنب العظيم، قيل: يعني الشرك (2).
* (وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظما أإنا لمبعوثون * أو آباؤنا
الأولون) *: وقرئ " أو " بالسكون.
* (قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) *: أي
ما وقت به الدنيا، وحد من يوم معين عند الله معلوم له.
* (ثم إنكم أيها الضالون المكذبون) *: بالبعث.
* (لآكلون من شجر من زقوم * فمالئون منها البطون) *: من شدة الجوع.
* (فشاربون عليه من الحميم) *: لغلبة العطش.
* (فشاربون شرب الهيم) *: الإبل التي بها الهيام، وهي داء يشبه الإستسقاء جمع
أهيم، وهيماء، أو الرمال على أنه جمع هيام بالفتح، وهو الرمل الذي لا يتماسك.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 349، س 4.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 448، س 4.
95

هذا نزلهم يوم الدين 56 نحن خلقناكم فلولا تصدقون
57 أفرأيتم ما تمنون 58 أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون
59 نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين 60
في الفقيه (1)، والمحاسن (2)، والمعاني: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن الهيم، قال: الإبل (3).
وفي رواية: الهيم: الرمل (4). والقمي: الهيم الإبل (5)، وقرئ شرب بضم الشين.
* (هذا نزلهم يوم الدين) *: فما ظنك بما يكون لهم بعدما استقروا في الجحيم، وفيه
تهكم بهم لأن النزل ما يعد للنازل تكرمة له.
وقيل: النزل ما ينزل عليه صاحبه (6).
القمي: قال: هذا ثوابهم يوم المجازاة (7).
* (نحن خلقناكم فلولا تصدقون) *: بالخلق أو بالبعث.
* (أفرأيتم ما تمنون) *: ما تقذفونه في الأرحام من النطف.
* (أأنتم تخلقونه) *: تجعلونه بشرا سويا.
* (أم نحن الخالقون * نحن قدرنا بينكم الموت) *: قسمناه عليكم، وأقتنا
موت كل بوقت معين، وقرئ بتخفيف الدال.
* (وما نحن بمسبوقين) *: بمغلوبين.

1 - من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 223، ح 1041 / 12، باب 97 - الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة
وغير ذلك من آداب الطعام.
2 - المحاسن: ج 2، ص 403 - 404، ح 2411 / 36، باب 7.
3 - معاني الأخبار: ص 149 - 150، ح 3، باب معنى شرب الهيم. وفيه: " هي الإبل ".
4 - معاني الأخبار: ص 149 - 150، ح 3، باب معنى شرب الهيم، والمحاسن: ج 2، ص 404، ح 2413 / 38،
باب 7.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 349، س 6.
6 - قاله الطبرسي في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 221، س 24.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 349، س 6.
96

على أن نبدل أمثلكم وننشئكم في ما لا تعلمون 61
ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون 62 أفرأيتم ما
تحرثون 63 أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون 64 لو
نشاء لجعلناه حطما فظلتم تفكهون 65 إنا لمغرمون 66
بل نحن محرومون 67
* (على أن نبدل أمثلكم) *: أن نبدل منكم أشباهكم فنخلق بدلكم.
* (وننشئكم في ما لا تعلمون) *: في نشأة لا تعلمونها.
* (ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون) *: إن من قدر عليها قدر على
النشأة الأخرى. في الكافي: عن السجاد (عليه السلام) العجب كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى وهو
يرى النشأة الأولى (1).
* (أفرأيتم ما تحرثون) *: تبذرون حبه.
* (أأنتم تزرعونه) *: تنبتونه.
* (أم نحن الزارعون) *: المنبتون، في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يقولن أحدكم زرعت،
وليقل حرثت (2).
* (لو نشاء لجعلناه حطما) *: هشيما.
* (فظلتم تفكهون) *: تتحدثون فيه تعجبا وتندما على ما أنفقتم فيه، والتفكه: التنقل
بصنوف الفاكهة، قد استعير للتنقل بالحديث.
* (إنا لمغرمون) *: لملزمون غرامة ما أنفقنا، أو مهلكون لهلاك رزقنا، من الغرام،
وقرئ " أئنا " على الاستفهام.
* (بل نحن) *: قوم.

1 - الكافي: ج 3، ص 258، ح 28، باب النوادر.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 223، س 22.
97

أفرأيتم الماء الذي تشربون 68 أأنتم أنزلتموه من
المزن أم نحن المنزلون 69 لو نشاء جعلنه أجاجا
فلولا تشكرون 70 أفرأيتم النار التي تورون 71 أأنتم
أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون 72 نحن جعلناها
تذكرة ومتاعا للمقوين 73
* (محرومون) *: حرمنا رزقنا.
* (أفرأيتم الماء الذي تشربون) *: أي العذب الصالح للشرب.
* (أأنتم أنزلتموه من المزن) *: من السحاب.
* (أم نحن المنزلون) *: بقدرتنا.
* (لو نشاء جعلنه أجاجا) *: قيل: ملحا (1). والقمي: أي زعاقا (2) (3).
* (فلولا تشكرون) *: أمثال هذه النعم الضرورية.
* (أفرأيتم النار التي تورون) *: تقدحون.
* (أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون) *: يعني الشجرة التي منها الزناد.
* (نحن جعلناها) *: جعلنا نار الزناد.
* (تذكرة) *: القمي: لنار يوم القيامة (4).
وعن الصادق (عليه السلام): إن ناركم هذه جزء من سبعين جزاء من نار جهنم، وقد أطفأت
سبعين مرة بالماء، ثم التهبت، ولولا ذلك ما استطاع آدمي أن يطفأها، وأنها لتؤتى يوم القيامة
حتى توضع على النار فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا جثى على ركبتيه

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 449، س 16.
2 - الزعاق - كغراب - الماء المر الغليظ الذي لا يطاق شربه. مجمع البحرين: ج 5، ص 177، مادة " زعق ".
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 115، س 6، و ج 2، ص 208، س 13. وفي هذين الموردين: الأجاج: المر. بدل من
زعاق.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 349، س 9.
98

فسبح باسم ربك العظيم 74 فلا أقسم بمواقع النجوم 75
وإنه لقسم لو تعلمون عظيم 76
فزعا من صرختها (1).
* (ومتاعا) *: ومنفعة.
* (للمقوين) *: الذين ينزلون القوى (2)، وهي القفر، أو الذين خلت بطونهم أو
مزاودهم من الطعام، من أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها، كذا قيل (3).
والقمي: قال: المحتاجين (4).
* (فسبح باسم ربك العظيم) *: فأحدث التسبيح بذكر اسمه. في المجمع: عن
النبي (صلى الله عليه وآله) لما نزلت هذه الآية قال: اجعلوها في ركوعكم (5)، وفي الفقيه مثله (6).
* (فلا أقسم بمواقع النجوم) *: بمساقطها، وقرئ بموقع.
القمي: قال: معناه فاقسم بمواقع النجوم (7).
وفي المجمع: عن الباقر والصادق (عليهما السلام) إن مواقع النجوم رجوما للشياطين، فكان
المشركون يقسمون بها، فقال سبحانه: " فلا أقسم بها " (8).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: كان أهل الجاهلية يحلفون بها، فقال الله عز وجل:
" فلا أقسم بمواقع النجوم " قال: عظم أمر من يحلف بها (9).
* (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) *: في الفقيه: عن الصادق (عليه السلام) يعني به اليمين بالبراءة

1 - تفسير القمي: ج 1، ص 366، س 8.
2 - وفي نسخة: [القواء]. وقال الجوهري: القوى والقواء - بالمد والقصر - ومنزل قوار: أي لا أنيس به. الصحاح:
ج 6، ص 2470، مادة " قوا ". 3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 449 - 450.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 349، س 10.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 224، س 18.
6 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 206 - 207، ح 932 / 17، باب 45 - وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 349، س 11.
8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 226، س 9.
9 - الكافي: ج 7، ص 450، ح 4، باب أنه لا يجوز أن يحلف الإنسان إلا بالله عز وجل.
99

إنه لقرآن كريم 77 في كتب مكنون 78 لا يمسه إلا
المطهرون 79
من الأئمة (عليهم السلام) يحلف بها الرجل إن ذلك عند الله عظيم، قال: وهذا الحديث في نوادر الحكمة (1).
* (إنه لقرآن كريم) *: كثير النفع لاشتماله على أصول العلوم المهمة في إصلاح المعاش
والمعاد.
* (في كتب مكنون) *: مصون، وهو اللوح كما في حديث تفسير " ن * والقلم " (2).
* (لا يمسه إلا المطهرون) *: لا يطلع على اللوح إلا المطهرون من الكدورات
الجسمانية، أو لا يمس القرآن إلا المطهرون من الأحداث، فيكون نفيا بمعنى نهي.
في التهذيب: عن الكاظم (عليه السلام) قال: المصحف لا تمسه على غير طهر، ولا جنبا، ولا تمس
خطه ولا تعلقه، إن الله تعالى يقول: " لا يمسه إلا المطهرون " (3).
وفي الإحتجاج: لما استخلف عمر سأل عليا (عليه السلام) أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما
بينهم، فقال: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال:
هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم
القيامة: " إنا كنا عن هذا غافلين " (4) أو تقولوا: " ما جئتنا به " (5)، فإن القرآن الذي عندي " لا
يمسه إلا المطهرون " والأوصياء من ولدي، فقال عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم، قال
علي (عليه السلام): نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره، ويحمل الناس عليه فتجري السنة به (6).
أقول: وفي التحقيق لا منافاة بين المعنيين لجواز الجمع بينهما وإرادة كل منهما، أو يكون

1 - من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 237، ح 1123 / 54، باب 98 - الأيمان والنذور والكفارات.
2 - القلم: 1 - 2.
3 - تهذيب الأحكام: ج 1، ص 127، ح 344 / 35، باب 6 - حكم الجنابة وصفة الطهارة منها.
4 - الأعراف: 172.
5 - هود: 53.
6 - الإحتجاج: ج 1، ص 228، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على الأنصار والمهاجرين.
100

تنزيل من رب العلمين 80 أفبهذا الحديث أنتم
مدهنون 81 وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون 82 فلولا
إذا بلغت الحلقوم 83 وأنتم حينئذ تنظرون 84
أحدهما تفسيرا والآخر تأويلا.
* (تنزيل من رب العلمين * أفبهذا الحديث) *: يعني القرآن.
* (أنتم مدهنون) *: متهاونون.
* (وتجعلون رزقكم) *: أي شكر رزقكم.
* (أنكم تكذبون) *: أي بمن أنزله عليكم ورزقكم إياه حيث تنسبون الأشياء إلى
الأنواء (1).
القمي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه قرأ الواقعة فقال: تجعلون شكركم أنكم تكذبون، فلما
انصرف قال: إني قد عرفت أنه سيقول قائل لم قرأ هكذا؟ قرأتها لأني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يقرؤها كذلك، وكانوا إذا أمطروا قالوا: أمطرنا بنوء كذا وكذا، فأنزل الله " وتجعلون شكركم
أنكم تكذبون " (2).
وعن الصادق (عليه السلام) في قوله: " وتجعلون رزقكم " قال: بل هي " وتجعلون شكركم " (3).
* (فلولا إذا بلغت الحلقوم) *: أي النفس.
* (وأنتم حينئذ تنظرون) *: الخطاب لمن حول المحتضر.

1 - الأنواء: جمع نوء - بفتح نون وسكون واو فهمزة - وهو النجم. قال أبو عبيدة: هي ثمانية وعشرون نجما
معروفة المطالع في أزمنة السنة يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر
يقابله في المشرق من ساعته، وانقضاء هذه الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة، وكانت العرب في الجاهلية إذا
سقط منها نجم وطلع الآخر قالوا: لابد أن يكون عند ذلك رياح ومطر فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى
النجم الذي يسقط حينئذ فيقولون: مطرنا بنوء كذا. مجمع البحرين: ج 1، ص 422، مادة " نوا ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 349، س 15.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 349 - 350.
101

ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون 85 فلولا إن
كنتم غير مدينين 86 ترجعونها إن كنتم صادقين 87 فأما
إن كان من المقربين 88 فروح وريحان وجنت نعيم 89
* (ونحن أقرب إليه) *: إلى المحتضر.
* (منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين) *: غير مجزيين
يوم القيامة، أو غير مملوكين مقهورين.
* (ترجعونها) *: ترجعون النفس إلى مقرها.
* (إن كنتم صادقين) *: في تكذيبكم وتعطيلكم، والمعنى إن كنتم غير مملوكين مجزيين
كما دل عليه جحدكم أفعال الله وتكذيبكم بآياته، فلولا ترجعون الأرواح إلى الأبدان بعد
بلوغها الحلقوم (1).
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: إنها إذا بلغت الحلقوم أري منزله من
الجنة فيقول: ردوني إلى الدنيا حتى أخبر أهلي بما أرى، فيقال له: ليس إلى ذلك سبيل (2).
* (فأما إن كان من المقربين) *: أي إن كان المتوفي من السابقين.
* (فروح) *: فله استراحة، وقرئ بضم الراء، ونسبها في المجمع إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
والباقر (عليه السلام) (3). وفسر بالرحمة والحياة الدائمة (4).
* (وريحان) *: ورزق طيب.
* (وجنت نعيم) *: ذات تنعم، في الأمالي (5)، والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: " فروح

1 - العبارة غير مفهومة.
2 - الكافي: ج 3، ص 135، ح 15، باب ما يعاين المؤمن والكافر.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 227، في القراءة.
4 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 451، س 4.
5 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 239، ح 12، س 8، المجلس الثامن والأربعون.
102

وأما إن كان من أصحب اليمين 90 فسلم لك من
أصحب اليمين 91 وأما إن كان من المكذبين
الضالين 92 فنزل من حميم 93 وتصلية جحيم 94
وريحان " يعني في قبره، " وجنت نعيم " يعني في الآخرة (1).
* (وأما إن كان من أصحب اليمين * فسلم لك) *: يا صاحب اليمين.
* (من أصحب اليمين) *: أي من إخوانك يسلمون عليك، كذا قيل (2).
والقمي: يعني من كان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) فسلام لك يا محمد من أصحاب
اليمين أن لا يعذبوا (3).
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي هم شيعتك
فسلم ولدك منهم أن يقتلوهم (4).
* (وأما إن كان من المكذبين الضالين) *: يعني أصحاب الشمال، وإنما وصفهم
بأفعالهم زجرا عنها وإشعارا بما أوجب لهم ما أوعدهم به.
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) في حديث فهؤلاء مشركون (5).
والقمي: أعداء آل محمد صلوات الله عليهم (6).
* (فنزل من حميم * وتصلية جحيم) *: في الأمالي (7)، والقمي: عن الصادق (عليه السلام)
" فنزل من حميم " يعني في قبره، " وتصلية جحيم ": يعني في الآخرة (8).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 350، س 10.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 451، س 5.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 350، س 5.
4 - الكافي: ج 8، ص 260، ح 373.
5 - الكافي: ج 2، ص 30، س 20، ح 1، باب 1.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 350، س 8.
7 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 239، ذيل حديث 12، المجلس الثامن والأربعون.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 350، س 12.
103

إن هذا لهو حق اليقين 95 فسبح باسم ربك
العظيم 96
* (إن هذا) *: أي الذي ذكر في السورة، أو في شأن الفرق.
* (لهو حق اليقين) *: أي حق الخبر اليقين.
* (فسبح باسم ربك العظيم) *: فنزهه بذكر اسمه عما لا يليق بعظمة شأنه.
في ثواب الأعمال: عن الباقر (عليه السلام) من قرأ سورة الواقعة كل ليلة قبل أن ينام لقى الله عز
وجل ووجهه كالقمر في ليلة البدر (1).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قرأها كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا (2).
* * *

1 - ثواب الأعمال: ص 117، ح 3، باب ثواب قراءة سورة الواقعة.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 212، في فضلها.
104

سورة الحديد
105

بسم الله الرحمن الرحيم
سبح لله ما في السمو ت والأرض وهو العزيز الحكيم 1
له ملك السمو ت والأرض يحيي ويميت وهو على كل
شئ قدير 2 هو الأول والاخر والظهر والباطن وهو
بكل شئ عليم 3
سورة الحديد: مدنية، عدد آيها تسع وعشرون آية عراقي، وثمان في الباقين، اختلافها
آيتان " من قبله العذاب " (1) و " الإنجيل " (2) بصري.
* (سبح لله ما في السمو ت والأرض) *: قيل: ذكر هاهنا وفي الحشر، والصف:
بلفظ الماضي وفي الجمعة، والتغابن: بلفظ المضارع إشعارا بأن من شأن ما أسند إليه أن يسبحه
في جميع أوقاته لأنه دلالة جبلية لا تختلف باختلاف الحالات، ومجئ المصدر مطلقا في بني
إسرائيل أبلغ من حيث أنه يشعر بإطلاقه على استحقاق التسبيح من كل شئ، وفي كل حال
فإنما عدى باللام، وهو متعد بنفسه إشعارا بأن إيقاع الفعل لأجل الله وخالصا لوجهه (3).
* (وهو العزيز الحكيم) *: فيه إشعار بما هو المبدأ للتسبيح.
* (له ملك السمو ت والأرض) *: فإنه الخالق لها والمتصرف فيها.
* (يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير * هو الأول) *: قبل كل شئ.

1 - الحديد: 13.
2 - الحديد: 27.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 451، س 14.
107

هو الذي خلق السمو ت والأرض في ستة أيام ثم استوى
على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما
ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم
والله بما تعملون بصير 4
* (والاخر) *: بعد كل شئ.
* (والظهر) *: على كل شئ بالقهر له.
* (والباطن) *: الخبير بباطن كل شئ، و " هو الأول والاخر " أيضا تبتدي منه
الأسباب، وتنتهي إليه المسببات، " والظهر والباطن ": الظاهر وجوده من كل شئ والباطن
حقيقة ذاته فلا يكتنهها العقول.
في الكافي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في خطبة له: الذي ليست لأوليته نهاية، ولا
لآخريته حد ولا غاية، وقال: الذي بطن من خفيات الأمور، وظهر في العقول بما يرى في خلقه
من علامات التدبير (1).
* (وهو بكل شئ عليم) *: يستوي عنده الظاهر والخفي.
* (هو الذي خلق السمو ت والأرض في ستة أيام ثم استوى على
العرش) *: قد مر تفسيره في سورة الأعراف (2).
* (يعلم ما يلج في الأرض) *: كالبذور.
* (وما يخرج منها) *: كالزروع.
* (وما ينزل من السماء) *: كالأمطار.
* (وما يعرج فيها) *: كالأبخرة.

1 - الكافي: ج 1، ص 141، ح 7، باب جوامع التوحيد.
2 - ذيل الآية: 54، انظر ج 3، ص 184 - 187 من كتابنا تفسير الصافي.
108

له ملك السمو ت والأرض وإلى الله ترجع الأمور 5
يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات
الصدور 6 آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم
مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير 7
وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم
وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين 8
* (وهو معكم أين ما كنتم) *: لا ينفك علمه وقدرته عنكم بحال.
* (والله بما تعملون بصير) *: فيجازيكم عليه.
* (له ملك السمو ت والأرض) *: ذكره مع الإعادة كما ذكره مع الإبداء لأنه
كالمقدمة لهما.
* (وإلى الله ترجع الأمور * يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل
وهو عليم بذات الصدور) *: بمكنوناتها.
* (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) *: من الأموال التي
جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها، فهي في الحقيقة له لا لكم، أو التي استخلفكم من قبلكم في
تملكها والتصرف فيها، وفيه توهين للإنفاق على النفس.
* (فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) *: وعد فيه مبالغات.
* (وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم) *: أي عذر
لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه بالحجج والآيات؟
* (وقد أخذ ميثاقكم) *: وقد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان قبل ذلك، وقرئ على البناء
للمفعول.
* (إن كنتم مؤمنين) *: لموجب ما، فإن هذا موجب لا مزيد عليه.
109

هو الذي ينزل على عبده آيات بينت ليخرجكم من
الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم 9 وما لكم
ألا تنفقوا في سبيل الله ولله مير ث السمو ت والأرض لا
يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقتل أولئك
أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقتلوا وكلا وعد
الله الحسنى والله بما تعملون خبير 10
* (هو الذي ينزل على عبده آيات بينت ليخرجكم من الظلمات إلى
النور) *: من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
* (وإن الله بكم لرءوف رحيم * وما لكم ألا تنفقوا) *: وأي شئ لكم في أن لا
تنفقوا.
* (في سبيل الله) *: فيما يكون قربة إليه.
* (ولله مير ث السمو ت والأرض) *: يرث كل شئ فيهما ولا يبقى لأحد مال،
وإذا كان كذلك فإنفاقه بحيث يستخلف عوضا يبقى وهو الثواب كان أولى.
* (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقتل) *: بيان لتفاوت المنفقين
والمقاتلين باختلاف أحوالهم من السبق وقوة اليقين، وتحري الحاجة، وقسيمه محذوف
لوضوحه ودلالة ما بعده عليه، والفتح فتح مكة إذ عز الإسلام به، وكثر أهله، وقلت الحاجة
إلى المقاتلة والإنفاق.
* (أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد) *: من بعد الفتح.
* (وقتلوا وكلا) *: وقرئ بالرفع.
* (وعد الله الحسنى) *: المثوبة الحسنى.
110

من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضعفه له وله أجر
كريم 11 يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم
بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنت تجرى من
تحتها الأنهار خالدين فيها ذ لك هو الفوز العظيم 12
* (والله بما تعملون خبير) *: بظاهره وباطنه فيجازيكم على حسبه.
* (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) *: ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوضه
وحسنه بالإخلاص، وتحري الحلال، وأفضل الجهات له، ومحبة المال، ورجاء الحياة.
* (فيضعفه له) *: فيعطى أجره أضعافا.
* (وله أجر كريم) *: وذلك الأجر كريم في نفسه وإن لم يضاعف، وقرئ " فيضاعفه "
بالنصب و " يضعفه " مرفوعا ومنصوبا.
في الكافي (1)، والقمي: عن الكاظم (عليه السلام): نزلت في صلة الإمام (2).
وفي رواية: في الكافي: في صلة الإمام في دولة الفساق (3).
وعن الصادق (عليه السلام): إن الله لم يسأل خلقه مما في أيديهم قرضا من حاجة به إلى ذلك، وما
كان لله من حق فإنما هو لوليه (4).
* (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم) *: ما يهتدون به إلى الجنة.
* (بين أيديهم وبأيمانهم) *: من حيث يؤتون صحائف أعمالهم.
* (بشراكم اليوم جنت) *: يقال لهم ذلك.

1 - الكافي: ج 1، ص 537، ح 4، باب صلة الإمام (عليه السلام).
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 351، س 13. وفيه: " نزلت في صلة الأرحام (الإمام) ".
3 - الكافي: ج 8، ص 302، ح 461، وفيه: " في دولة الفسقة ".
4 - الكافي: ج 1، ص 537، ح 3، باب صلة الإمام (عليه السلام).
111

يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا
نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا
فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظهره من
قبله العذاب 13 ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى
ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم
الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور 14
* (تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذ لك هو الفوز العظيم * يوم
يقول المنفقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا) *: انتظرونا، أو انظروا إلينا،
وقرئ " أنظرونا " أي أمهلونا.
* (نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم) *: إلى الدنيا.
* (فالتمسوا نورا) *: بتحصيل المعارف الإلهية، والأخلاق الفاضلة، والأعمال
الصالحة، فإن النور يتولد منها.
* (فضرب بينهم بسور) *: بحائط.
* (له باب باطنه فيه الرحمة) *: لأنه يلي الجنة.
* (وظهره من قبله) *: من جهته.
* (العذاب) *: لأنه يلي النار.
* (ينادونهم ألم نكن معكم) *: يريدون موافقتهم في الظاهر.
* (قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم) *: بالنفاق، القمي: قال: بالمعاصي (1).
* (وتربصتم) *: بالمؤمنين الدوائر.
* (وارتبتم) *: وشككتم في الدين.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 351، س 6.
112

فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأويكم
النار هي مولاكم وبئس المصير 15 ألم يأن للذين
آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا
يكونوا كالذين أوتوا الكتب من قبل فطال عليهم الأمد
فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون 16
* (وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله) *: وهو الموت.
* (وغركم بالله الغرور) *: الشيطان أو الدنيا.
* (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية) *: فداء، وقرئ بالتاء.
* (ولا من الذين كفروا) *: ظاهرا وباطنا.
* (مأويكم النار هي مولاكم) *: القمي: قال: هي أولى بكم (1).
* (وبئس المصير) *: النار، القمي: قال: يقسم النور بين الناس يوم القيامة على قدر
إيمانهم، يقسم للمنافق فيكون نوره في إبهام رجله اليسرى فينظر نوره، ثم يقول للمؤمنين
مكانكم حتى أقتبس من نوركم، فيقول المؤمنون لهم: " ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا "
فيرجعون فيضرب بينهم بسور، قال: والله ما عنى بذلك اليهود ولا النصارى، وما عنى به إلا
أهل القبلة (2).
* (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) *: ألم يأت وقته.
* (وما نزل من الحق) *: أي القرآن، وقرئ بالتخفيف.
* (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتب من قبل) *: وقرئ بالياء.
* (فطال عليهم الأمد) *: الزمان.
* (فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) *: خارجون عن دينهم.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 351، س 8.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 351، س 2.
113

اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها قد بينا لكم
الآيات لعلكم تعقلون 17 إن المصدقين والمصدقات
وأقرضوا الله قرضا حسنا يضعف لهم ولهم أجر كريم 18
والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون
والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا
وكذبوا بآياتنا أولئك أصحب الجحيم 19
في الإكمال: عن الصادق (عليه السلام) قال: نزلت هذه الآية في القائم (عليه السلام)، " ولا يكونوا " الآية (1).
أقول: لعل المراد أنها نزلت في شأن غيبة القائم (عليه السلام) وأهلها المؤمنين.
* (اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها) *: في الإكمال: عن الباقر (عليه السلام) قال:
يحييها الله بالقائم (عليه السلام) بعد موتها، يعني بموتها: كفر أهلها، والكافر ميت (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: العدل بعد الجور (3).
وقيل: تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذكر والتلاوة (4).
* (قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) *: كي يكمل عقلكم (5).
* (إن المصدقين والمصدقات) *: أي المتصدقين والمتصدقات، وقرئ بتخفيف
الصاد، أي الذي صدقوا الله ورسوله.
* (وأقرضوا الله قرضا حسنا يضعف لهم ولهم أجر كريم) *: وقرئ " يضعفه ".
* (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند

1 و 2 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 668، ح 12 و 13، باب 58 - في نوادر الكتاب.
3 - الكافي: ج 8، ص 267، ح 390.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 454، س 21.
5 - وفي نسخة: [كي تكمل عقولكم].
114

ربهم) *: في التهذيب: عن السجاد (عليه السلام) إن هذه لنا ولشيعتنا (1).
وفي المحاسن: عن أبيه (عليهما السلام)، قال: ما من شيعتنا إلا صديق شهيد، قيل: أنى يكون ذلك
وعامتهم يموتون على فرشهم؟ فقال: أما تتلو كتاب الله في الحديد: " والذين آمنوا بالله ورسله
أولئك هم الصديقون والشهداء "؟ قال: لو كان الشهداء كما يقولون كان الشهداء قليلا (2).
وفي الخصال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) الميت من شيعتنا صديق، صدق بأمرنا، وأحب
فينا، وأبغض فينا، يريد بذلك الله عز وجل، يؤمن بالله وبرسوله، ثم تلا هذه الآية (3).
والعياشي: عن الباقر (عليه السلام) قال: العارف منكم هذا الأمر المنتظر له، المحتسب فيه الخير
كمن جاهد والله مع القائم (عليه السلام) بسيفه، ثم قال: بل والله كمن جاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيفه، ثم
قال الثالثة: بل والله كمن استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فسطاطه (4)، وفيكم آية من كتاب الله،
قيل: وأي آية؟ قال: قوله الله " والذين آمنوا بالله ورسله " الآية، ثم قال: صرتم والله صادقين
شهداء عند ربكم (5).
وفي المحاسن: عن الصادق (عليه السلام) قال: إن الميت منكم على هذا الأمر شهيد، قيل: وإن
مات على فراشه؟ قال: إي والله، وإن مات على فراشه، حي عند ربه يرزق (6) (7).
وعن الحكم بن عيينة: قال: لما قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) الخوارج يوم النهروان قام إليه
رجل، فقال: يا أمير المؤمنين طوبى لنا إذ شهدنا معك هذا الموقف، وقتلنا معك هؤلاء الخوارج،
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد شهدنا في هذا الموقف أناس لم

1 - تهذيب الأحكام: ج 6، ص 167، ح 318 / 4، باب 78 - الشهداء وأحكامهم.
2 - المحاسن: ج 1، ص 265، ح 512 / 117، باب 32 - المؤمن صديق شهيد، كتاب الصفوة. وفيه: " لو كان
الشهداء ليس إلا كما تقول لكان ".
3 - الخصال: ص 636، س 3، ح 10، باب 400.
4 - الفسطاط - بالسين والطائين المهملات وفي الأول فاء مضمومة ومكسورة، ويقال: بفاء مثلثة -: البيت من
الشعر فوق الخباء. مجمع البحرين: ج 4، ص 265، مادة " فسط ".
5 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي، بل وجدناه في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 238، س 22، نقلا عن العياشي.
6 - المحاسن: ج 1، ص 265، ح 513 / 118، باب 32 - المؤمن صديق شهيد، كتاب الصفوة.
7 - هذا الحديث رواه في الكافي مضمرا. منه (قدس سره).
أقول: انظر الكافي: ج 8، ص 146، ح 120.
115

اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم
وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار
نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطما وفى الآخرة
عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا
إلا متع الغرور 20
يخلق الله آباءهم ولا أجدادهم بعد، فقال الرجل: وكيف شهدنا قوم لم يخلقوا؟ قال: بل قوم
يكونون في آخر الزمان يشركوننا فيما نحن فيه، ويسلمون لنا فأولئك شركاؤنا فيه حقا حقا (1).
وفي رواية قال: إنما يجمع الناس الرضا والسخط فمن رضى أمرا فقد دخل فيه، ومن
سخط فقد خرج منه (2).
* (لهم أجرهم ونورهم) *: أجر الصديقين والشهداء ونورهم.
* (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحب الجحيم * اعلموا أنما
الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) *: لما
ذكر حال الفريقين حقر أمور الدنيا يعني ما لا يتوصل به منها إلى سعادة الآخرة بأن بين أنها
أمور وهمية عديمة النفع سريعة الزوال، وإنما هي لعب يتعب الناس فيه أنفسهم جدا إتعاب
الصبيان في الملاعب من غير فائدة، ولهو يلهون به أنفسهم عما يهمهم، وزينة من ملابس شهية،
ومراكب بهية، ومنازل رفيعة، ونحو ذلك، وتفاخر بالأنساب والأحساب، وتكاثر بالعدة
والعدد، وهذه ستة أمور جامعة لمشتهيات الدنيا مما لا يتعلق منها بالآخرة مترتبة في الذكر
ترتب مرورها على الإنسان غالبا.
* (كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون

1 - المحاسن: ج 1، ص 407 - 408، ح 926 / 328، باب 33 - النية.
2 - المحاسن: ج 1، ص 408، ح 927 / 329، باب 33 - النية.
116

سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء
والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذ لك فضل الله
يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 21 ما أصاب
من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتب من قبل
أن نبرأها إن ذ لك على الله يسير 22
حطما) *: ثم قرر تحقير الدنيا، ومثل لها في سرعة تقضيها، وقلة جدواها بحال نبات أنبته
الغيث واستوى فأعجب به الحراث، أو الكافرون بالله لأنهم أشد إعجابا بزينة الدنيا ولأن
المؤمن إذا رأى معجبا انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها، والكافر لا يتخطى فكره عما
أحس به فيستغرق فيه إعجابا، ثم هاج أي يبس بعاهة فاصفر، ثم صار حطاما، أي هشيما.
* (وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان) *: ثم عظم أمور الآخرة
وأكد ذلك تنفيرا عن الانهماك في الدنيا، وحثا على ما يوجب كرامة العقبى.
* (وما الحياة الدنيا إلا متع الغرور) *: أي لمن أقبل عليها ولم يطلب الآخرة بها.
* (سابقوا) *: سارعوا مسارعة السابقين في المضمار.
* (إلى مغفرة من ربكم) *: إلى موجباتها.
* (وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) *: كعرض مجموعهما إذا بسطتا.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) إن أدنى أهل الجنة منزلا من لو نزل به الثقلان الجن والإنس
لوسعهم طعاما وشرابا، الحديث (1). وقد سبق في سورة الحج (2).
* (أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذ لك فضل الله يؤتيه من يشاء والله
ذو الفضل العظيم * ما أصاب من مصيبة في الأرض) *: كجدب وعاهة.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 82، س 3.
2 - ذيل الآيتين: 23 - 24، انظر ج 4، ص 128 من كتابنا تفسير الصافي.
117

لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا
يحب كل مختال فخور 23
* (ولا في أنفسكم) *: كمرض وآفة.
* (إلا في كتب) *: إلا مكتوبة.
* (من قبل أن نبرأها) *: نخلقها، القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: صدق الله وبلغت
رسله كتابه في السماء علمه بها وكتابه في الأرض علومنا في ليلة القدر وفي غيرها (1).
وفي العلل: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إن ملك الأرحام يكتب كل ما يصيب الإنسان في
الدنيا بين عينيه، فذلك قول الله عز وجل: " ما أصاب من مصيبة " الآية (2).
* (إن ذ لك) *: إن ثبته في كتاب.
* (على الله يسير) *: لاستغنائه فيه عن العدة والمدة.
* (لكيلا تأسوا) *: أي أثبت، وكتب لئلا تحزنوا (3).
* (على ما فاتكم) *: من نعم الدنيا.
* (ولا تفرحوا بما آتاكم) *: أعطاكم الله منها، فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه
الأمر، وقرئ " بما أتيكم " من الإتيان ليعادل ما فاتكم.
في نهج البلاغة: الزهد كله بين كلمتين في القرآن، قال الله تعالى: " لكيلا تأسوا على ما
فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد
بطرفيه (4).
وفي الكافي (5)، والقمي: عن السجاد (عليه السلام) ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله، ثم تلا هذه

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 351، س 19.
2 - علل الشرائع: ص 95، ح 4، باب 84 - العلة التي من أجلها يغتم الإنسان ويحزن من غير سبب ويفرح
ويسر من غير سبب.
3 - العبارة غير مفهومة.
4 - نهج البلاغة: ص 553، قصار الحكم 439.
5 - الكافي: ج 2، ص 128، ح 4، باب ذم الدنيا والزهد فيها.
118

الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله
هو الغنى الحميد 24 لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا
معهم الكتب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا
الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من
ينصره ورسله بالغيب إن الله قوى عزيز 25
الآية (1).
وعن الباقر (عليه السلام): نزلت في أبي بكر وأصحابه واحدة مقدمة وواحدة مؤخرة " لا تأسوا
على ما فاتكم " مما خص به علي بن أبي طالب (عليه السلام)، " ولا تفرحوا بما آتاكم " من الفتنة التي
عرضت لكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
* (والله لا يحب كل مختال فخور) *: فيه إشعار بأن المراد بالأسى: الأسى المانع عن
التسليم لأمر الله، وبالفرح: الفرح الموجب للبطر والاحتيال، إذ قل من يثبت نفسه حال
الضراء والسراء.
* (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) *: بدل من كل مختال، فإن المختال
بالمال يضن (3) به غالبا، أو مبتدأ خبره محذوف لدلالة ما بعده عليه.
* (ومن يتول فإن الله هو الغنى الحميد) *: أي ومن يعرض عن الإنفاق، فإن الله
غني عنه وعن إنفاقه، محمود في ذاته، لا يضره الإعراض عن شكره، ولا ينتفع بالتقرب إليه
بشئ من نعمه، وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق، وقرئ " فإن الله الغني ".
* (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات) *: بالحجج والمعجزات.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 260، س 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 351 - 352، وفيه: " عن الصادق (عليه السلام) ".
3 - الضنين: البخيل الشحيح. مجمع البحرين: ج 6، ص 275، مادة " ضنن ". وقال الجوهري: ضننت بالشئ
أضن: بخلت به، ورجل ضنين: بخيل. لسان العرب: ج 8، ص 94، مادة " ضنن ".
119

* (وأنزلنا معهم الكتب) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية " الكتب ":
الاسم الأكبر الذي يعلم به علم كل شئ الذي كان مع الأنبياء (عليهم السلام)، قال: وإنما عرف مما
يدعى الكتاب: التوراة، والإنجيل، والفرقان: فيها كتاب نوح، وفيها كتاب صالح، وشعيب،
وإبراهيم، فأخبر الله عز وجل " إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى " (1)،
فأين صحف إبراهيم، إنما صحف إبراهيم الاسم الأكبر، وصحف موسى الاسم الأكبر (2).
* (والميزان ليقوم الناس بالقسط) *: بالعدل، القمي: قال: الميزان: الإمام (عليه السلام) (3).
وفي الجوامع: روي أن جبرئيل (عليه السلام) نزل بالميزان فدفعه إلى نوح (عليه السلام) وقال: مر قومك
يزنوا به (4).
* (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) *: فإن آلات الحروب متخذة منه.
في التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يعني السلاح (5).
وفي الإحتجاج: عنه (عليه السلام) إنزاله ذلك خلقه له (6).
* (ومنافع للناس) *: إذ ما من صنعة إلا والحديد آلتها.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إن الله عز وجل أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض، أنزل
الحديد والنار والماء والملح (7).
* (وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) *: باستعمال الأسلحة في مجاهدة
الكفار، والعطف على محذوف دل عليه ما قبله، فإنه يتضمن تعليلا.
* (إن الله قوى) *: على إهلاك من أراد إهلاكه.
* (عزيز) *: لا يفتقر إلى نصرة من أراد نصرته، وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به
ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه.

1 - الأعلى: 18 - 19.
2 - الكافي: ج 1، ص 293، قطعة من حديث 3، باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين (عليه السلام).
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 352، س 17. 4 - جوامع الجامع: ص 482، س 31، الطبعة الحجرية.
5 - التوحيد: ص 266، س 7، ح 5، باب 36 - الرد على الثنوية والزنادقة.
6 - الإحتجاج: ج 1، ص 372، س 8، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق في آي متشابهة.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 241، س 17.
120

ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة
والكتب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون 26 ثم قفينا على
آثرهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل
وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها
ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضو ن الله فما رعوها حق رعايتها
فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون 27
* (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتب فمنهم) *:
فمن الذرية.
* (مهتد وكثير منهم فاسقون) *: خارجون عن الطريق المستقيم، والعدول عن
سنن المقابلة للمبالغة في الذم، والدلالة على أن الغلبة للضلال.
* (ثم قفينا على آثرهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم) *: أي أرسلنا رسولا
بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى (عليه السلام)، والضمير لنوح (عليه السلام)، وإبراهيم (عليه السلام)، ومن أرسلا إليهم أو
من عاصرهما من الرسل لا للذرية، فإن الرسل المقفى بهم من الذرية.
* (وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية
ابتدعوها) *: قيل: هي للمبالغة في العبادة، والرياضة، والانقطاع عن الناس، منسوبة إلى
الرهبان، وهو المبالغ في الخوف من رهب (1).
في الكافي (2)، والفقيه (3)، والعيون: عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: صلاة الليل (4).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 457، س 10.
2 - الكافي: ج 3، ص 488، ح 12، باب النوادر.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 299، ح 1365 / 3، باب 65 - ثواب صلاة الليل.
4 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 282، ح 29، باب 28 - فيما جاء عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) من
الأخبار المتفرقة.
121

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم
كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم
والله غفور رحيم 28
* (ما كتبناها عليهم) *: ما فرضناها عليهم.
* (إلا ابتغاء رضو ن الله) *: ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله.
* (فما رعوها) *: أي فما رعوا جميعا.
* (حق رعايتها) *: لتكذيبهم بمحمد (صلى الله عليه وآله)، كذا في المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله) مرفوعا (1).
* (فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون) *: خارجون عن
الإتباع، في المجمع: عن ابن مسعود قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: يا ابن مسعود
اختلف من كان قبلكم على ثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثنتان وهلك سائرهن، فرقة قاتلوا
الملوك على دين عيسى (عليه السلام) فقتلوهم، وفرقة لم تكن لهم طاقة لموازاة الملوك، ولا أن يقيموا بين
ظهرانيهم، يدعونهم إلى دين الله تعالى، ودين عيسى (عليه السلام)، فساحوا في البلاد، وترهبوا، وهم
الذين قال الله عز وجل: " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم "، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): من آمن
بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون (2).
وفي رواية: قال: ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى (عليه السلام) يعملون بمعاصي الله، فغضب
أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلا القليل، فقالوا: إن ظهرنا
لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه، فتعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله
النبي (صلى الله عليه وآله) الذي وعدنا عيسى (عليه السلام)، يعنون محمدا (صلى الله عليه وآله)، فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا
رهبانية، فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر، ثم تلا هذه الآية (3).
* (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين) *: نصيبين.

1 و 2 و 3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 243، س 9 و 24 و 19.
122

لئلا يعلم أهل الكتب ألا يقدرون على شئ من فضل
الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل
العظيم 29
* (من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم) *:
القمي: قال: نصيبين من رحمته: أحدهما: أن لا يدخله النار، وثانيهما: أن يدخله الجنة،
" ويجعل لكم نورا ": يعني الإيمان (1).
وفي الكافي (2)، والقمي: عن الصادق (عليه السلام) " كفلين من رحمته ": قال: الحسن
والحسين (عليهما السلام)، و " نورا تمشون به ": يعني إماما تأتمون به (3).
وفي المناقب: قال: والنور: علي (عليه السلام) (4).
* (لئلا يعلم أهل الكتب) *: أي ليعلموا، و " لا " مزيدة.
* (ألا يقدرون على شئ من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من
يشاء والله ذو الفضل العظيم) *: في المجمع: ما معناه أنه لما نزل قوله " أولئك يؤتون
أجرهم مرتين بما صبروا " (5) في أهل الكتاب الذين آمنوا بمحمد (صلى الله عليه وآله)، وسمع ذلك الذين لم يؤمنوا
به فخروا على المسلمين فقالوا: يا معشر المسلمين أما من آمن منا بكتابكم وكتابنا فله أجران،
ومن آمن منا بكتابنا فله أجر كأجوركم، فما فضلكم علينا، فنزل: " يا أيها الذين آمنوا "
الآية (6).
وفي رواية: فخر الذين آمنوا منهم بمحمد (صلى الله عليه وآله) على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقالوا:
نحن أفضل منكم لنا أجران ولكم أجر واحد، فنزل: " لئلا يعلم " الآية (7).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 352، س 18.
2 - الكافي: ج 1، ص 430، ح 86، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 352، س 22.
4 - المناقب لابن شهرآشوب: ج 3، ص 380 - 381.
5 - القصص: 54.
6 و 7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 244، س 9 و 16.
123

وفي ثواب الأعمال (1)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ سورة الحديد والمجادلة في
صلاة فريضة أدمنها (2)، لم يعذبه الله حتى يموت أبدا، ولا يرى في نفسه ولا في أهله سواء أبدا،
ولا خصاصة (3) في بدنه (4).
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) من قرأ المسبحات كلها قبل أن ينام لم يمت حتى يدرك
القائم (عليه السلام)، وإن مات كان في جوار رسول الله (صلى الله عليه وآله) (5).
* * *

1 - ثواب الأعمال: ص 117، ح 1، باب ثواب من قرأ سورة الحديد والمجادلة.
2 - هكذا في الأصل وكذلك في مجمع البيان وثواب الأعمال من دون " واو "، والصحيح: " وأدمنها ".
3 - الخصاصة - بالفتح -: الحاجة والفقر، والخلل، والثقب الصغير، وكل ثلمة خصاصة. مجمع البحرين: ج 4،
ص 167، مادة " خصص ".
4 و 5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 229، في فضلها.
124

سورة المجادلة
125

بسم الله الرحمن الرحيم
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله
والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير 1 الذين
يظهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم
إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا
وإن الله لعفو غفور 2
سورة المجادلة: مكية، عدد آيها إحدى وعشرون آية مكي والمدني الأخير، وآيتان في
الباقين، اختلافها آية " في الأذلين " (1)، غير المكي والمدني الأخير.
* (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع
تحاوركما) *: تراجعكما الكلام.
* (إن الله سميع بصير) *: للأقوال والأحوال.
* (الذين يظهرون منكم من نسائهم) *: الظهار: أن يقول الرجل لامرأته: أنت
علي كظهر أمي، مشتق من الظهر، وقرئ " يظهرون " من أظهر و " يظاهرون " من ظاهر.
* (ما هن أمهاتهم) *: على الحقيقة.
* (إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) *: وقرئ " أمهاتهم " بالرفع.

1 - المجادلة: 20.
127

والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير
رقبة من قبل أن يتماسا ذ لكم توعظون به والله بما تعملون
خبير 3 فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن
يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذ لك لتؤمنوا
بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم 4
* (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور) *: لما سلف منه.
* (والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) *: قيل: أي إلى قولهم
بالتدارك بنقض ما يقتضيه (1). ويأتي له تفسير آخر عن قريب.
* (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به) *: لكي ترتدعوا عن مثله.
* (والله بما تعملون خبير) *: لا يخفى عليه خافية.
* (فمن لم يجد) *: الرقبة.
* (فصيام شهرين متتابعين) *: بأن يصوم شهرا ومن الآخر شيئا متصلا به، ثم يتم
الآخر متواليا أو متفرقا.
* (من قبل أن يتماسا) *: بالمجامعة.
* (فمن لم يستطع) *: الصيام من مرض أو عطاش أو غير ذلك.
* (فإطعام ستين مسكينا) *: بقدر شبعهم أو إعطاء مد لكل مسكين.
* (ذ لك لتؤمنوا بالله ورسوله) *: فرض ذلك لتصدقوا بالله ورسوله في قبول
شرائعه ورفض ما كنتم عليه في جاهليتكم.
* (وتلك حدود الله) *: لا يجوز تعديها.
* (وللكافرين) *: الذين لا يقبلونها.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 459، س 5.
128

* (عذاب أليم) *: القمي: قال: كان سبب نزول هذه الآية أنه أول من ظاهر في
الإسلام كان رجلا يقال له: أوس بن الصامت من الأنصار، وكان شيخا كبيرا، فغضب على
أهله يوما، فقال لها: أنت علي كظهر أمي، ثم ندم على ذلك، قال: وكان الرجل في الجاهلية إذا
قال لأهله: أنت علي كظهر أمي حرمت عليه آخر الأبد، وقال أوس لأهله: يا خولة إنا كنا
نحرم هذا في الجاهلية، وقد أتانا الله بالإسلام فاذهبي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاسألي عن ذلك،
فأتت خولة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إن أوس بن الصامت هو
زوجي وأبو ولدي وابن عمي، فقال لي: أنت علي كظهر أمي، وإنا نحرم ذلك في الجاهلية، وقد
أتانا الله بالإسلام بك (1).
وفي الفقيه: عن الصادق (عليه السلام) ما في معناه، وزاد في آخره: فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيتها
المرأة ما أظنك إلا وقد حرمت عليه، فرفعت المرأة يدها إلى السماء، فقالت أشكو إلى الله فراق
زوجي، فأنزل الله يا محمد: " قد سمع الله " إلى قوله: " لعفو غفور "، قال: ثم أنزل الله الكفارة في
ذلك فقال: " الذين يظهرون من نسائهم " إلى قوله: " عذاب أليم " (2).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام): إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إن امرأة من المسلمات أتت
النبي (صلى الله عليه وآله) (3) فقالت: يا رسول الله إن فلانا زوجي وقد نثرت له بطني (4)، وأعنته على دنياه
وآخرته، لم ير مني مكروها أشكوه إلى الله وإليك، فقال: مما تشتكينه؟ قالت لي: إنه قال: أنت
علي حرام كظهر أمي، وقد أخرجني من منزلي فانظر في أمري، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما
أنزل الله تبارك وتعالى كتابا أقضي فيه بينك وبين زوجك، وأنا أكره أن أكون من المتكلفين،
فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى الله عز وجل وإلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانصرفت، قال: فسمع
الله تبارك وتعالى مجادلتها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في زوجها، وما شكت إليه، فأنزل الله عز وجل في
ذلك قرآنا " بسم الله الرحمن الرحيم * قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 353، س 7.
2 - من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 340 - 341، ح 1646 / 4، باب 171 - الظهار.
3 - وفي الكافي: " إن امرأة من المسلمين أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) " ونحو هذا جاء في الوافي: ج 22، ص 901، وهذا
بخلاف ما أثبته الماتن (قدس سره) هنا.
4 - ذكر الماتن في الوافي: ج 22، ص 903، في بيان له: " نثرت له بطني ": أي أكثرت له الولد من بطني.
129

إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من
قبلهم وقد أنزلنا آيات بينت وللكافرين عذاب مهين 5
الله والله يسمع تحاوركما " يعني محاورتها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في زوجها " إن الله سميع بصير *
الذين يظهرون منكم " الآية، قال: فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المرأة فأتته، فقال لها: جيئيني
بزوجك، فأتت به، فقال له: أقلت لامرأتك هذه أنت علي حرام كظهر أمي؟ فقال: قد قلت لها
ذاك، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد أنزل الله تبارك وتعالى فيك وفي امرأتك قرآنا، فقرأ عليه ما
أنزل الله: " قد سمع الله " إلى قوله: " إن الله لعفو غفور "، ثم قال: فضم إليك امرأتك فإنك قد قلت
" منكرا من القول وزورا " وقد عفا الله عنك، وغفر لك، ولا تعد، قال: فانصرف الرجل وهو
نادم على ما قال لامرأته، وكره الله عز وجل ذلك للمؤمنين بعد، وأنزل الله: " الذين يظهرون
من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " قال: يعني ما قال الرجل الأول لامرأته أنت علي حرام كظهر
أمي، قال: فمن قالها بعد ما عفا الله وغفر للرجل الأول فإن عليه تحرير " رقبة من قبل أن
يتماسا " يعني مجامعتها، " ذ لكم توعظون به والله بما تعملون خبير "، قال: " فمن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين " يعني " من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " قال: فجعل
الله عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا، ثم قال: " ذ لك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله " قال:
هذا حد الظهار، ثم قال (عليه السلام): ولا يكون ظهار في يمين، ولا في إضرار ولا في غضب، ولا يكون
ظهار إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين (1).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: إن امرأة. الحديث بأدنى تفاوت في ألفاظه (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن رجل مملك ظاهر من امرأته، قال: لا يكون
ظهار ولا إيلاء حتى يدخل بها (3). وتفاصيل أحكام الظهار تطلب من كتب الأخبار.
* (إن الذين يحادون الله ورسوله) *: يعادونهما، فإن كلا من المتعاديين في حد غير

1 - الكافي: ج 6، ص 152، ح 1، باب الظهار. بتفاوت يسير.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 353، س 17.
3 - الكافي: ج 6، ص 158، ح 21، باب الظهار.
130

يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصه الله ونسوه
والله على كل شئ شهيد 6 ألم تر أن الله يعلم ما في
السمو ت وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلثة إلا
هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذ لك
ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم
القيمة إن الله بكل شئ عليم 7
حد الآخر.
وقيل: يضعون حدودا غير حدودهما (1).
* (كبتوا) *: أخزوا وأهلكوا، وأصل الكبت الكب.
* (كما كبت الذين من قبلهم) *: يعني كفار الأمم الماضية.
* (وقد أنزلنا آيات بينت) *: تدل على صدق الرسول (صلى الله عليه وآله) وما جاء به.
* (وللكافرين عذاب مهين) *: يذهب عزهم وتكبرهم.
* (يوم يبعثهم الله جميعا) *: كلهم لا يدع أحدا أو مجتمعين.
* (فينبئهم بما عملوا) *: أي على رؤوس الأشهاد، تقريرا لعذابهم.
* (أحصه الله) *: أحاط به عددا لم يغب منه شئ.
* (ونسوه) *: لكثرته أو تهاونهم به.
* (والله على كل شئ شهيد) *: لا يغيب عنه شئ.
* (ألم تر أن الله يعلم ما في السمو ت وما في الأرض ما يكون من نجوى
ثلثة) *: من تناجي ثلاثة أو من متناجين ثلاثة.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 460، س 1.
131

* (إلا هو رابعهم) *: إلا الله يجعلهم أربعة إذ هو مشاركهم في الاطلاع عليها (1).
* (ولا خمسة) *: ولا نجوى خمسة.
* (إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذ لك ولا أكثر إلا هو معهم) *: يعلم ما
يجري بينهم.
* (أين ما كانوا) *: فإن علمه بالأشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف
الأمكنة.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) يعني بالإحاطة والعلم لا بالذات، لأن الأماكن محدودة
تحويها حدود أربعة فإذا كان بالذات لزمها الحواية (2) (3).
وسئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الله أين هو؟ فقال: هو هاهنا وهاهنا، وفوق، وتحت،
ومحيط بنا، ومعنا، ثم تلا هذه الآية (4).
أشار (عليه السلام) إلى أنه إنما هو رابع الثلاثة، وسادس الخمسة المتناجين بإحاطته بهم، وغلبته
عليهم، وعلمه بما يتناجون به، وشهوده لديهم في تناجيهم لا أنه واحد منهم، وفي عدادهم
بذاته المقدسة لأن ذلك يستلزم الحد والمكان والحواية (5).
* (ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيمة) *: تقريرا لما يستحقونه من الجزاء.
* (إن الله بكل شئ عليم) *: لا يخفى عليه خافية. في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) نزلت
هذه الآية في فلان وفلان، وأبي عبيدة الجراح، وعبد الرحمان بن عوف، وسالم مولى أبي
حذيفة، والمغيرة بن شعبة، حيث كتبوا الكتاب بينهم، وتعاهدوا، وتواثقوا، لئن مضى

1 - أقول: جاء في تفسير القمي: ج 2، ص 356، س 16، ذيل هذه الآية عن الباقر (عليه السلام)، قال: " فلان وفلان
وابن فلان أمينهم حين اجتمعوا فدخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتابا إن مات محمد أن لا يرجع الأمر فيهم أبدا ".
2 - الكافي: ج 1، ص 126 - 127، ح 5، في قوله تعالى: " ما يكون من نجوى ثلثة إلا هو رابعهم ".
3 - إن قيل: قد قال الله سبحانه: " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة " فكيف التوفيق بينه وبين هذه الآية؟
قلنا: ليس هذه مثل هذه، فإنه هناك أضيف الثالث إلى الثلاثة، وهاهنا لم يضف الرابع إلى الأربعة، بل أضيف إلى
الثلاثة، فالأول صريح في أن الثالث من جنس الثلاثة وفي عدادهم غير قابل للتأويل بخلاف الأخير. منه (قدس سره).
أقول: انظر الوافي: ج 1، ص 402، س 15.
4 - الكافي: ج 1، ص 129 - 130، ذيل حديث 1، باب العرش والكرسي.
5 - انظر الوافي: ج 1، ص 402، س 9.
132

ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه
ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاءوك
حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا
الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير 8
محمد (صلى الله عليه وآله) لا تكون الخلافة في بني هاشم، ولا النبوة أبدا (1). والقمي: ما في معناه (2).
* (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه) *: قيل: نزلت
في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم، ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين، فنهاهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم عادوا لمثل فعلهم (3).
* (ويتناجون بالاثم والعدو ن ومعصيت الرسول) *: أي بما هو إثم وعدوان
للمؤمنين، وتواص بمعصية الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقرئ " وينتجون " ويشهد لها حديث: ما انتجيته بل
الله انتجاه في شأن علي (عليه السلام) (4).
* (وإذا جاء وك حيوك بما لم يحيك به الله) *: فيقولون: السام عليك أو أنعم
صباحا، وأنعم مساء، والله سبحانه يقول: " وسلام على عباده الذين اصطفى " (5).
في روضة الواعظين: روي إن اليهود أتت النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: السام عليك يا محمد،
والسام بلغتهم الموت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وعليكم، فأنزل الله هذه الآية (6).
والقمي: إذا أتوه قالوا له: أنعم صباحا، وأنعم مساءا، وهي تحية أهل الجاهلية، فأنزل
الله هذه الآية، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد أبدلنا الله بخير من ذلك، تحية أهل الجنة: السلام

1 - الكافي: ج 8، ص 179 - 180، ح 202.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 356، س 17.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 460، س 18.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 249، س 18، في الحجة. وإليك نصة: ويشهد لقراءة حمزة قول النبي (صلى الله عليه وآله) في
علي صلوات الرحمان عليه لما قال له بعض أصحابه: أتناجيه دوننا، قال: ما أنا انتجيته بل الله انتجاه.
5 - النمل: 59.
6 - روضة الواعظين: ص 458، س 6.
133

يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم
والعدو ن ومعصيت الرسول وتنجوا بالبر والتقوى
واتقوا الله الذي إليه تحشرون 9 إنما النجوى من
الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا
بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون 10
عليكم (1).
* (ويقولون في أنفسهم) *: فيما بينهم.
* (لولا يعذبنا الله بما نقول) *: هلا يعذبنا بذلك لو كان محمد نبيا.
* (حسبهم جهنم) *: عذابا.
* (يصلونها) *: يدخلونها.
* (فبئس المصير) *: جهنم.
* (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم والعدو ن ومعصيت
الرسول) *: كما يفعله المنافقون.
* (وتنجوا بالبر والتقوى) *: بما يتضمن خير المؤمنين، والإتقاء عن معصية الرسول.
* (واتقوا الله الذي إليه تحشرون) *: فيما تأتون وتذرون، فإنه مجازيكم عليه.
* (إنما النجوى من الشيطان) *: فإنه المزين لها والحامل عليها.
* (ليحزن الذين آمنوا) *: بتوهمهم أنها في نكبة أصابتهم.
* (وليس) *: الشيطان أو التناجي.
* (بضارهم) *: بضار المؤمنين
* (شيئا إلا بإذن الله) *: بمشيئته.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 355، س 2.
134

* (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) *: ولا يبالوا بنجواهم. والقمي: عن الباقر (عليه السلام) إنه
سئل عن قول الله: " إنما النجوى من الشيطان " قال: الثاني (1) (2).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فإن ذلك
يحزنه (3).
وفيه: وقيل: إن المراد بالآية أحلام المنام التي يراها الإنسان في نومه فتحزنه (4).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) كان سبب نزول هذه الآية أن فاطمة (عليها السلام) رأت في منامها أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم أن يخرج هو، وفاطمة، وعلي، والحسن، والحسين (عليهم السلام) من المدينة،
فخرجوا حتى جازوا من حيطان المدينة، فعرض لهم طريقان فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات اليمين
حتى إنتهى إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة ذراء وهي التي في أحد أذنيها
نقط بيض فأمر بذبحها، فلما أكلوا ماتوا في مكانهم فانتبهت فاطمة (عليها السلام) باكية ذعرة، فلم تخبر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، فلما أصبحت جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحمار فأركب عليه فاطمة (عليها السلام)، وأمر
أن يخرج أمير المؤمنين، والحسن، والحسين (عليهم السلام)، من المدينة كما رأت فاطمة (عليها السلام) في نومها، فلما
خرجوا من حيطان المدينة عرض لهم طريقان فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات اليمين كما رأت
فاطمة (عليها السلام) حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء، فاشترى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة ذراء كما رأت
فاطمة (عليها السلام) فأمر بذبحها فذبحت وشويت، فلما أرادوا أكلها قامت فاطمة (عليها السلام) وتنحت ناحية
منهم تبكي مخافة أن يموتوا فطلبها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى وقع عليها وهي تبكي، فقال: ما شأنك
يا بنية؟ قالت: يا رسول الله رأيت البارحة كذا وكذا في نومي، وقد فعلت أنت كما رأيته،
فتنحيت عنكم لئلا أراكم تموتون، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصلى ركعتين ثم ناجى ربه فنزل عليه
جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد هذا شيطان يقال له: " الزها " وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 356، س 16. وفيه: " قال: فلان ".
2 - أقول: وتقدم في ج 4، ص 234، نقلا عن تفسير العياشي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، ذيل الآية 22 من سورة
إبراهيم " وقال الشيطان لما قضى الامر " قال: هو الثاني، وليس في القرآن شئ " وقال الشيطان " إلا وهو الثاني.
وتقدم في ج 6، ص 481 نقلا عن تفسير القمي، ذيل هذه الآية " الشيطان سول لهم ": يعني الثاني، وذكرنا أيضا
في ج 6، ص 539، نقلا عن تفسير القمي، ذيل هذه الآية: " وقال قرينه ": أي شيطانه، وهو الثاني.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 251، س 6.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 251، س 5.
135

يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس
فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع
الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجت والله
بما تعملون خبير 11
ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به، فأمر جبرئيل (عليه السلام) فجاء به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال
له: أنت الذي أريت فاطمة هذه الرؤيا؟ فقال: نعم يا محمد. فبزق عليه ثلاث بزقات قبيحة في
ثلاث مواضع، ثم قال جبرئيل لمحمد (صلى الله عليه وآله): يا محمد إذا رأيت شيئا في منامك تكرهه أو رأى
أحد من المؤمنون فليقل: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون، وأنبياء الله المرسلون، وعباد
الله الصالحون، من شر ما رأيت في رؤياي ويقرأ الحمد، والمعوذتين، وقل هو الله أحد ويتفل
عن يساره ثلاث تفلات، فإنه لا يضره ما رأى، فأنزل الله عز وجل على رسوله: " إنما النجوى
من الشيطان " الآية (1).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) قال: إذا رأى الرجل منكم ما يكره في منامه فليتحول عن شقه
الذي كان عليه نائما وليقل " إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم
شيئا إلا بإذن الله " ثم ليقل: عذت بما عاذت به ملائكة الله المقربون، وأنبياؤه المرسلون، وعباده
الصالحون، من شر ما رأيت، ومن شر الشيطان الرجيم (2).
* (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس) *: توسعوا فيها
فليفسح بعضكم عن بعض، من قولهم: افسح عني أي تنح.
قيل: كانوا يتضامون بمجلس النبي (صلى الله عليه وآله) تنافسا على القرب منه، وحرصا على استماع
كلامه (3)، وقرئ " في المجلس ".

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 355، س 9.
2 - الكافي: ج 8، ص 142، ح 106.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 461، س 8.
136

* (فافسحوا يفسح الله لكم) *: فيما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر
وغيرها.
* (وإذا قيل انشزوا) *: انهضوا للتوسعة.
* (فانشزوا) *: وقرئ بضم الشين فيهما.
القمي: قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا دخل المسجد يقوم له الناس فنهاهم الله أن يقوموا
له، فقال: " تفسحوا " أي وسعوا له في المجلس، " وإذا قيل انشزوا فانشزوا " يعني إذا قال: قوموا
فقوموا (1).
* (يرفع الله الذين آمنوا منكم) *: بالنصر، وحسن الذكر في الدنيا، وإيوائهم
غرف الجنات في الآخرة.
* (والذين أوتوا العلم درجت) *: ويرفع العلماء منهم خاصة مزيد رفعة.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) فضل العالم على الشهيد درجة، وفضل الشهيد على العابد
درجة، وفضل النبي على العالم درجة، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه،
وفضل العالم على سائر الناس كفضلي على أدناهم (2).
وفي الجوامع: عنه (صلى الله عليه وآله): فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر
الكواكب (3).
وعنه (صلى الله عليه وآله): بين العالم والعابد مائة درجة، وبين كل درجتين حضر (4) الجواد المضمر (5)
سبعين سنة (6).
وعنه (صلى الله عليه وآله): تشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء (7).
وفي الفقيه: عن الصادق (عليه السلام) إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد، ووضعت

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 356، س 20.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 253، س 4.
3 - جوامع الجامع: ص 485، س 11، الطبعة الحجرية.
4 - الحضر - بالضم -: العدو من قولهم أحضر الفرس إذا عدا. مجمع البحرين: ج 3، ص 273، مادة " حضر ".
5 - الضامر: المهضم البطن المهزول الجسم. مجمع البحرين: ج 3، ص 374، مادة " ضمر ".
6 - جوامع الجامع: ص 485، س 10، الطبعة الحجرية.
7 - جوامع الجامع: ص 485، س 11، الطبعة الحجرية.
137

يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي
نجويكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن
الله غفور رحيم 12
الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء (1).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد (2).
والأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى (3).
* (والله بما تعملون خبير) *: تهديد لمن لم يمتثل الأمر أو استكرهه.
* (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجويكم
صدقة) *: فتصدقوا قدامها، مستعار ممن له يدان، وفي هذا الأمر تعظيم الرسول وانتفاع
الفقراء، والنهي عن الإفراط في السؤال، والميز بين المخلص والمنافق، ومحب الآخرة، ومحب
الدنيا.
القمي: قال: إذا سألتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاجة فتصدقوا بين يدي حاجتكم ليكون
أقضى لحوائجكم، فلم يفعل ذلك إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنه تصدق بدينار، وناجى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) عشر نجوات (4).
وعن الباقر (عليه السلام): إنه سئل عن هذا الآية، فقال: قدم علي بن أبي طالب (عليه السلام) بين يدي
نجواه صدقة ثم نسختها قوله: " أأشفقتم أن تقدموا " الآية (5).
وبإسناده إلى مجاهد قال: قال علي (عليه السلام): إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي، ولا
يعمل بها أحد بعدي، آية النجوى إنه كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فجعلت أقدم بين يدي

1 - من لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 284، ح 849 / 29، باب 176 - النوادر. وهو آخر أبواب الكتاب.
2 - الكافي: ج 1، ص 33، ح 8، باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء.
3 - راجع باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء العلماء من الكافي: ج 1، ص 33 - 34.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 357، س 1.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 357، س 5.
138

أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجويكم صدقت فإذ لم
تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون 13
كل نجوى أناجيها النبي (صلى الله عليه وآله) درهما، قال: فنسختها قوله: " أأشفقتم " إلى قوله: " خبير بما
تعملون " (1).
وفي الخصال: عنه (عليه السلام) في احتجاجه على أبي بكر، قال: فأنشدك بالله أنت الذي قدم
بين يدي نجواه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) صدقة فناجاه، وعاتب الله تعالى قوما فقال: " أأشفقتم " الآية
أم أنا؟ قال: بل أنت (2).
* (ذ لك) *: أي ذلك التصدق.
* (خير لكم وأطهر) *: لأنفسكم من الزينة وحب المال.
* (فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) *: لمن لم يجد حيث رخص له في المناجاة
بلا تصدق.
* (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجويكم صدقت) *: أخفتم الفقر من تقديم
الصدقة؟ أو أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر؟ وجمع صدقات لجمع المخاطبين
أو لكثرة التناجي.
* (فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم) *: بأن رخص لكم أن لا تفعلوه.
في الخصال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الآية: فهل تكون التوبة إلا عن ذنب (3).
* (فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) *: ولا تفرطوا في أدائهما.
* (وأطيعوا الله ورسوله) *: في سائر الأمور، لعلها تجبر تفريطكم في ذلك.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 357، س 10.
2 - الخصال: ص 552، س 9، ح 30، باب 40 - احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على أبي بكر بثلاث وأربعين خصلة.
3 - الخصال: ص 574، س 22، ح 1، باب 70 - لأمير المؤمنين (عليه السلام) سبعون منقبة لم يشركه فيها أحد من الأئمة.
139

ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم
ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون 14 أعد الله
لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون 15 اتخذوا
أيمنهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين 16
لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولدهم من الله شيئا أولئك
أصحب النار هم فيها خلدون 17
* (والله خبير بما تعملون) *: ظاهرا وباطنا.
* (ألم تر إلى الذين تولوا) *: والوا.
* (قوما غضب الله عليهم) *: يعني اليهود.
* (ما هم منكم ولا منهم) *: لأنهم منافقون مذبذبون بين ذلك.
* (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) *: أن المحلوف عليه كذب، كمن يحلف
بالغموس (1).
* (أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون * اتخذوا أيمنهم
جنة) *: وقاية دون دمائهم وأموالهم.
* (فصدوا عن سبيل الله) *: فصدوا الناس في خلال أمنهم عن دين الله بالتحريش
والتثبيط (2).
* (فلهم عذاب مهين * لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولدهم من الله شيئا

1 - اليمين الغموس - بفتح الغين -: هي اليمين الكاذبة الفاجرة التي يقطع بها الحالف ما لغيره مع علمه أن الأمر
بخلافه، سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار. مجمع البحرين: ج 4، ص 90، مادة " غمس ".
2 - ثبطه عن الأمر: أي أثقله وأقعده، وثبطه عن الأمور: إذا حبسه وشغله عنها. مجمع البحرين: ج 4، ص 240،
مادة " ثبط ".
140

يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم
ويحسبون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون 18
استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب
الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون 19
أولئك أصحب النار هم فيها خلدون) *: وقد سبق مثله.
* (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له) *: أي لله عز وجل.
* (كما يحلفون لكم) *: في الدنيا.
* (ويحسبون أنهم على شئ) *: إذ تمكن النفاق في نفوسهم بحيث يخيل إليهم في
الآخرة أن الأيمان الكاذبة تروج (1) الكذب على الله كما تروجه عليكم في الدنيا.
* (ألا إنهم هم الكاذبون) *: البالغون الغاية في الكذب حيث يكذبون مع عالم
الغيب والشهادة ويحلفون عليه.
* (استحوذ عليهم الشيطان) *: استولى عليهم.
* (فأنساهم ذكر الله) *: لا يذكرونه بقلوبهم ولا بألسنتهم.
* (أولئك حزب الشيطان) *: جنوده وأتباعه.
* (ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) *: لأنهم فوتوا على أنفسهم النعيم
المؤبد وعرضوها للعذاب المخلد.
القمي: قال: نزلت في الثاني لأنه مر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو جالس عند رجل من اليهود
يكتب خبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنزل الله تعالى: " ألم تر إلى الذين تولوا " الآية (2)، فجاء الثاني إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيتك تكتب عن اليهود، وقد نهى الله عز وجل عن ذلك،

1 - روج فلان كلامه: زينه وأبهمه فلا تعلم حقيقته. مجمع البحرين: ج 2، ص 303، مادة " روج ".
2 - المجادلة: 14.
141

إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين 20
كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوى عزيز 21
فقال: يا رسول الله كتبت عنه ما في التوراة من صفتك، وأقبل يقرأ ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وهو (صلى الله عليه وآله) غضبان، فقال له رجل من الأنصار: ويلك أما ترى غضب النبي (صلى الله عليه وآله) عليك؟ فقال:
أعوذ بالله من غضب الله، وغضب رسوله إني إنما كتبت ذلك لما وجدت فيه من خبرك، فقال له
رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فلان لو أن موسى بن عمران (عليه السلام) فيهم قائما ثم أتيته رغبة عما جئت به لكنت
كافرا بما جئت به، وهو قوله: " اتخذوا أيمنهم جنة " (1) أي حجابا بينهم وبين الكفار، وأيمانهم
إقرار باللسان خوفا من السيف ورفع الجزية، وقوله: " يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما
يحلفون لكم " (2) قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الذين غصبوا آل محمد حقهم فيعرض عليهم
أعمالهم فيحلفون له أنهم لم يعملوا منها شيئا كما حلفوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في الدنيا حين حلفوا أن
لا يردوا الولاية في بني هاشم، وحين هموا بقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في العقبة، فلما أطلع الله نبيه (صلى الله عليه وآله)
وأخبره حلفوا له أنهم لم يقولوا ذلك ولم يهموا به حين أنزل الله على رسوله: " يحلفون بالله ما
قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله
ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم " (3)، قال: إذا عرض الله عز وجل ذلك عليهم في
القيامة ينكرونه ويحلفوا له كما حلفوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قوله: " يوم يبعثهم الله جميعا " الآية (4).
وقد سبق فيه حديث آخر في سورة يس (5) وحم السجدة (6).
* (إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين) *: في جملة من هو أذل
خلق الله.
* (كتب الله) *: في اللوح.

1 و 2 - المجادلة: 16 و 18.
3 - التوبة: 74.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 357، س 15. 5 - ذيل الآية: 65، انظر ج 6، ص 163 من كتابنا تفسير الصافي.
6 - ذيل الآية: 21 من سورة فصلت، انظر ج 6، ص 332، من كتابنا تفسير الصافي.
142

لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد
الله ورسوله ولو كانوا آباء هم أو أبناء هم أو إخوانهم أو
عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الأيمن وأيدهم بروح
منه ويدخلهم جنت تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها
رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن
حزب الله هم المفلحون 22
* (لأغلبن أنا ورسلي) *: بالحجة.
* (إن الله قوى) *: على نصر أنبيائه.
* (عزيز) *: لا يغلب عليه في مراده. في المجمع: روي أن المسلمين قالوا لما رأوا ما يفتح
الله عليهم من القرى ليفتحن الله علينا الروم وفارس، فقال المنافقون: أتظنون أن فارس
والروم كبعض القرى التي غلبتم عليها، فأنزل الله هذه الآية (1).
* (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله
ولو كانوا آباء هم أو أبناء هم أو إخوانهم أو عشيرتهم) *: ولو كان المحادون أقرب
الناس إليهم.
* (أولئك) *: أي الذين لم يوادوهم.
* (كتب في قلوبهم الأيمن) *: أثبته فيها.
* (وأيدهم بروح منه) *: من عنده، في الكافي: عنهما (عليهما السلام) هو الإيمان (2).
وعن الصادق (عليه السلام): ما من مؤمن إلا ولقلبه أذنان في جوفه، اذن ينفث فيها الوسواس

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 255، س 6.
2 - الكافي: ج 2، ص 15، ح 1، باب في أن السكينة هي الإيمان.
143

الخناس، وأذن ينفث فيها الملك، فيؤيد الله المؤمن بالملك فلذلك قوله: " وأيدهم بروح منه " (1).
وعن الكاظم (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى أيد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت
يحسن فيه ويتقي، وتغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي فهي معه تهتز سرورا عند
إحسانه وتسيخ (2) في الثرى (3) عند إساءته، فتعاهدوا عباد الله نعمه بإصلاح أنفسكم
تزدادوا يقينا وتربحوا نفيسا ثمينا، رحم الله امرءا هم بخير فعمله، أو هم بشر فارتدع عنه، ثم
قال: نحن نؤيد الروح بالطاعة لله، والعمل له (4).
وعن الباقر (عليه السلام) في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا زنى الرجل فارقه روح الإيمان، قال: هو
قوله: " وأيدهم بروح منه " ذاك الذي يفارقه (5).
* (ويدخلهم جنت تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم
) *: بطاعتهم.
* (ورضوا عنه) *: بقضائه وبما وعدهم من الثواب.
* (أولئك حزب الله) *: جنده وأنصار دينه.
* (ألا إن حزب الله هم المفلحون) *: الفائزون بخير الدارين.
وقد سبق ثواب قراءة هذه السورة في آخر سورة الحديد.
* * *

1 - الكافي: ج 2، ص 267، ح 3، باب أن للقلب أذنين ينفث فيهما الملك والشيطان.
2 - ساخت قوائمه في الأرض تسوخ سوخا وتسيخ سيخا: دخلت فيها وغابت. مجمع البحرين: ج 2، ص 435،
مادة " سوخ ".
3 - الثرى: التراب الندي، وهو الذي تحت الظاهر من وجه الأرض. مجمع البحرين: ج 1، ص 72، مادة " ثرا ".
4 - الكافي: ج 2، ص 268، ح 1، باب الروح الذي أيد به المؤمن.
5 - الكافي: ج 2، ص 280، ح 11، باب الكبائر.
144

سورة الحشر
145

بسم الله الرحمن الرحيم
سبح لله ما في السمو ت وما في الأرض وهو العزيز
الحكيم 1 هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتب
من ديرهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم
ما نعتهم حصونهم من الله فأتهم الله من حيث لم يحتسبوا
وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي
المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار 2
سورة الحشر: مدنية، عدد آيها أربع وعشرون آية بالإجماع.
* (سبح لله ما في السمو ت وما في الأرض وهو العزيز الحكيم * هو
الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتب من ديرهم لأول الحشر) *: أي لأول
جلائهم إلى الشام، وآخر حشرهم إليه يكون في الرجعة، كما مرت الإشارة إليه في سورة
الدخان (1). و " الحشر ": إخراج جمع من مكان إلى آخر.
في المجمع: عن ابن عباس، قال لهم النبي (صلى الله عليه وآله): اخرجوا، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى أرض
المحشر (2).

1 - ذيل الآية: 11، انظر ج 6، ص 418 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 258، س 10.
147

والقمي: عن الحسن المجتبى (عليه السلام) في حديث ملك الروم، ثم يبعث الله نارا من المشرق
ونارا من المغرب ويتبعهما بريحين شديدين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس (1).
والقمي: قال: سبب ذلك أنه كان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود: بني النضير، وقريظة،
وقينقاع، وكان بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد ومدة، فنقضوا عهدهم، وكان سبب ذلك من بني
النضير في نقض عهدهم أنه أتاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من
أصحابه غيلة يعني يستقرض، وكان قصد كعب بن الأشرف فلما دخل على كعب قال: مرحبا
يا أبا القاسم وأهلا، وقام كأنه يصنع له الطعام، وحدث نفسه أن يقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويتبع
أصحابه، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فأخبره بذلك، فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، وقال لمحمد بن
مسلمة الأنصاري: إذهب إلى بني النضير فأخبرهم أن الله تعالى قد أخبرني بما هممتم به من
الغدر، فإما أن تخرجوا من بلدنا وإما أن تأذنوا بحرب، فقالوا: نخرج من بلادك، فبعث إليهم
عبد الله بن أبي ألا تخرجوا وتقيموا وتنابذوا محمدا الحرب فإني أنصركم أنا وقومي وحلفائي
فلو (2) خرجتم خرجت معكم، وإن قاتلتم قاتلت معكم، فأقاموا وأصلحوا حصونهم وتهيأوا
للقتال، وبعثوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنا لا نخرج، فاصنع ما أنت صانع، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكبر
وكبر أصحابه وقال لأمير المؤمنين (عليه السلام): تقدم إلى بني النضير، فأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) الراية،
وتقدم وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأحاط بحصنهم، وغدر بهم عبد الله بن أبي، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إذا ظهر بمقدم بيوتهم حصنوا ما يليهم وخربوا ما يليه، وكان الرجل منهم ممن كان له بيت
حسن خربه، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بقطع نخلهم فجزعوا من ذلك، فقالوا (3): يا محمد إن
الله يأمرك بالفساد إن كان لك هذا فخذوه، وإن كان لنا فلا تقطعه، فلما كان بعد ذلك قالوا: يا
محمد نخرج من بلادك فأعطنا مالنا، فقال: لا، ولكن تخرجون ولكم ما حملت الإبل فلم يقبلوا
ذلك، فبقوا أياما، ثم قالوا: نخرج ولنا ما حملت الإبل، فقال: لا، ولكن تخرجون ولا يحمل أحد
منكم شيئا، فمن وجدنا معه شيئا من ذلك قتلناه، فخرجوا على ذلك ووقع قوم منهم إلى فدك
ووادي القرى، وخرج قوم منهم إلى الشام، فأنزل الله فيهم: " هو الذي أخرج الذين كفروا "

1 - تفسير القمي: ج 2 ص 358.
2 - وفي نسخة: [فإن خرجتم] كما في المصدر.
3 - وفي نسخة: [وقالوا] كما في المصدر.
148

ولولا أن كتب الله عليهم الجلا ء لعذبهم في الدنيا ولهم في
الآخرة عذاب النار 3
الآيات (1).
* (ما ظننتم أن يخرجوا) *: لشدة بأسهم ومنعتهم.
* (وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله) *: إن حصونهم تمنعهم من بأس الله.
* (فأتهم الله) *: أي عذابه، وهو الرعب، والاضطرار إلى الجلاء.
في التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يعني أرسل عليهم عذابا (2).
* (من حيث لم يحتسبوا) *: لقوة وثوقهم.
* (وقذف في قلوبهم الرعب) *: وأثبت فيها الخوف الذي يرعبها أي يملأها.
* (يخربون بيوتهم بأيديهم) *: ضنا (3) بها على المسلمين، وإخراجا لما استحسنوا
من آلاتها.
* (وأيدي المؤمنين) *: فإنهم أيضا كانوا يخربون ظواهرها نكاية وتوسيعا لمجال
القتال (4)، وعطفها على أيديهم من حيث أن تخريب المؤمنين مسبب عن بغضهم، فكأنهم
استعملوهم فيه، وقرئ " يخربون " بالتشديد وهو أبلغ.
* (فاعتبروا يا أولي الأبصار) *: فاتعظوا بحالهم فلا تغدروا، ولا تعتمدوا على غير الله.
* (ولولا أن كتب الله عليهم الجلا ء) *: الخروج من أوطانهم.
* (لعذبهم في الدنيا) *: بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة.
* (ولهم في الآخرة عذاب النار) *: يعني إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 358 - 359.
2 - التوحيد: ص 266، ح 5، باب 36 - الرد على الثنوية والزنادقة.
3 - الضنين: البخيل الشحيح. مجمع البحرين: ج 6، ص 275، مادة " ضنن ".
4 - هكذا في الأصل، والصحيح: " توسيعا لمحال القتال ".
149

ذ لك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله
شديد العقاب 4 ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة
على أصولها فبإذن الله وليخزي الفسقين 5 وما أفاء
الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب
ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ
قدير 6
عذاب الآخرة.
* (ذ لك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب
* ما قطعتم من لينة) *: نخلة كريمة، في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) يعني العجوة، وهي أم التمر،
وهي التي أنزلها الله من الجنة لآدم (1).
* (أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) *: فبأمره، القمي: نزلت فيما عاتبوه
من قطع النخل (2).
* (وليخزي الفسقين) *: وأذن لكم في القطع ليخزيهم على فسقهم بما غاظهم منه.
* (وما أفاء الله على رسوله) *: أي رده عليه، فإن جميع ما بين السماء والأرض لله
عز وجل ولرسوله ولأتباعهم من المؤمنين المتصفين بما وصفهم الله به في قوله: " التائبون
العبدون " (3) الآية، فما كان منه في أيدي المشركين والكفار والظلمة والفجار فهو حقهم أفاء
الله عليهم ورده إليهم، كذا عن الصادق (عليه السلام) في حديث رواه في الكافي (4).
* (منهم) *: من بني النضير.

1 - الكافي: ج 6، ص 347، ح 10، باب التمر.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 360، س 3.
3 - التوبة: 112.
4 - الكافي: ج 5، ص 16، ح 1، باب من يجب عليه الجهاد ومن لا يجب. باختلاف.
150

ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي
القربى واليتامى والمسكين وابن السبيل كي لا يكون
دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما
نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب 7
* (فما أوجفتم عليه) *: فما أجريتم على تحصيله، من الوجيف وهو سرعة السير.
* (من خيل ولا ركاب) *: ما يركب من الإبل غلب فيه.
قيل: وذلك لأن قراهم كانت على ميلين من المدينة فمشوا إليها رجالا غير رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فإنه ركب جملا أو حمارا ولم يجر مزيد قتال، ولذلك لم يعط الأنصار منه شيئا إلا رجلين
أو ثلاثة كانت بهم حاجة (1).
* (ولكن الله يسلط رسله على من يشاء) *: بقذف الرعب في قلوبهم.
* (والله على كل شئ قدير) *: فيفعل ما يريد تارة بالوسائط الظاهرة، وتارة بغيرها.
* (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) *: بيان للأول ولذلك لم يعطف عليه.
* (فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمسكين وابن السبيل) *: في
الكافي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): نحن والله الذين عنى الله بذي القربى الذين قرنهم الله بنفسه
ونبيه (عليه السلام) فقال: " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمسكين وابن السبيل " منا خاصة، ولم يجعل لنا سهما في الصدقة، أكرم الله نبيه
وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس (2).
وفي المجمع: عن السجاد (عليه السلام) هم قرباؤنا، ومساكيننا، وأبناء سبيلنا، قال: وقال جميع
الفقهاء: هم يتامى الناس عامة، وكذلك المساكين وأبناء السبيل، قال: وقد روي أيضا ذلك

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 465، س 4.
2 - الكافي: ج 1، ص 539، ح 1، باب الفئ والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه.
151

عنهم (عليهم السلام) (1). وتمام الكلام فيه قد سبق في سورة الأنفال (2).
* (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) *: كي لا يكون الفئ شيئا يتداوله
الأغنياء، ويدور بينهم كما كان في الجاهلية، وقرئ " تكون " بالتاء و " دولة " بالرفع.
* (وما آتاكم الرسول) *: من الأمر.
* (فخذوه) *: فتمسكوا به.
* (وما نهاكم عنه) *: عن إتيانه.
* (فانتهوا) *: عنه.
* (واتقوا الله) *: في مخالفة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
* (إن الله شديد العقاب) *: لمن خالف، في الكافي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) " واتقوا
الله " في ظلم آل محمد صلوات الله عليهم " إن الله شديد العقاب " لمن ظلمهم (3).
وعن الصادق (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل أدب رسوله حتى قومه على ما أراد، ثم فوض
إليه، فقال عز ذكره: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " فما فوض الله إلى
رسوله فقد فوضه إلينا (4).
وفي رواية: فوض إلى نبيه أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم، ثم تلا هذه الآية (5).
والأخبار في هذا المعنى كثيرة (6)، وزاد في بعضها: فحرم الله الخمر بعينها، وحرم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) كل مسكر، فأجاز الله ذلك له (7)، ولم يفوض إلى أحد من الأنبياء غيره (8).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 261، س 4. وفيه: " هم قربانا ".
2 - ذيل الآية: 41، انظر ج 3، ص 340 - 342 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - الكافي: ج 8، ص 63، س 8، ح 21، خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام).
4 - الكافي: ج 1، ص 268، ح 9، باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الأئمة (عليهم السلام) في أمر الدين.
5 - الكافي: ج 1، ص 267، ح 5، باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الأئمة (عليهم السلام) في أمر الدين.
6 - انظر الكافي: ج 1، ص 265 - 268، باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الأئمة (عليهم السلام) في أمر الدين.
7 - الكافي: ج 1، ص 266، ح 4، باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الأئمة (عليهم السلام) في أمر الدين. وفيه:
" المسكر من كل شراب فأجاز الله له ذلك كله ".
8 - لم نعثر على هذه الجملة في ضمن أي حديث من الكافي، نعم جاء في ج 1، ص 267 - 268، ح 8، قال أبو
عبد الله (عليه السلام): والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الأئمة.
152

للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديرهم وأموالهم
يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله
أولئك هم الصادقون 8 والذين تبوءوا الدار والأيمان
من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم
حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون 9
وفي بعضها: عد أشياء اخر مما أجاز الله (1).
* (للفقراء المهاجرين) *: الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، ومن دار الحرب إلى
دار الإسلام.
قيل: بدل من " لذي القربى "، وما عطف عليه، ومن أعطى أغنياء ذوي القربى خص
الإبدال بما بعده، والفئ بفئ بني النضير (2).
* (الذين أخرجوا من ديرهم وأموالهم) *: أخرجوهم كفار مكة وأخذوا أموالهم.
* (يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله) *: بأنفسهم وأموالهم.
* (أولئك هم الصادقون) *: في إيمانهم.
* (والذين تبوء والدار والأيمن) *: عطف على المهاجرين، أو استئناف خبره يحبون
إذ لم يقسم لهم من الفئ شئ والمراد بهم الأنصار، فإنهم لزموا المدينة والأيمان وتمكنوا فيهما.
وقيل: تبوؤوا دار الهجرة، ودار الإيمان (3).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام): الإيمان بعضه من بعض وهو دار، وكذلك الإسلام دار،

1 - الكافي: ج 1، ص 267، ح 6 و 7، باب التفويض إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الأئمة (عليهم السلام) في أمر الدين.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 465، س 17.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 466، س 1.
153

والكفر دار (1).
* (من قبلهم) *: من قبل هجرة المهاجرين.
* (يحبون من هاجر إليهم) *: ولا يثقل عليهم.
* (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) *: مما أعطي المهاجرون من الفئ
وغيره.
* (ويؤثرون على أنفسهم) *: ويقدمون على أنفسهم.
* (ولو كان بهم خصاصة) *: فقر وحاجة.
* (ومن يوق شح نفسه) *: حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال، وبغض الإنفاق.
* (فأولئك هم المفلحون) *: الفائزون بالثناء العاجل والثواب الآجل.
في الكافي (2)، والفقيه: عن الصادق (عليه السلام): الشح: أشد من البخل، إن البخيل يبخل ما في
يده، والشحيح يشح بما في أيدي الناس، وعلى ما في يديه حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلا
تمنى أن يكون له بالحل والحرام، ولا يقنع بما رزقه الله (3).
في الأمالي عن النبي (صلى الله عليه وآله): إنه جاء إليه رجل فشكا إليه الجوع فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى
بيوت أزواجه فقلن ما عندنا إلا الماء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لهذا الرجل الليلة؟ فقال علي
ابن أبي طالب (عليه السلام): أنا له يا رسول الله، وأتى فاطمة (عليها السلام) فقال لها: ما عندك يا ابنة رسول الله؟
فقالت: ما عندنا إلا قوت العشية، لكنا نؤثر ضيفنا، فقال (عليه السلام): يا ابنة محمد نومي الصبية
واطفئي المصباح، فلما أصبح علي (عليه السلام) غدا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبره الخبر، فلم يبرح حتى
أنزل الله عز وجل: " ويؤثرون على أنفسهم " الآية (4).
وفي الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إنه قال للقوم بعد موت عمر بن الخطاب
في حديث عد المناقب: نشدتكم بالله هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية " ويؤثرون على

1 - الكافي: ج 2، ص 27، ح 1، باب آخر منه وفيه إن الإسلام قبل الإيمان.
2 - الكافي: ج 4، ص 45، ح 7، باب البخل والشح.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 34 - 35، ح 142 / 9، باب 16 - فضل السخاء والجود.
4 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 185، ح 309 / 11، المجلس السابع.
154

والذين جاء وا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا
الذين سبقونا بالأيمن ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين
آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم 10 ألم تر إلى الذين نافقوا
يقولون لأخو نهم الذين كفروا من أهل الكتب لئن
أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن
قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون 11
أنفسهم " الآية غيري؟ قالوا: لا (1).
* (والذين جاء وا من بعدهم) *: من بعد المهاجرين والأنصار، يعم سائر المؤمنين.
* (يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالأيمن) *: أي لإخواننا في
الدين.
* (ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) *: حقدا لهم.
* (ربنا إنك رؤوف رحيم) *: فحقيق بأن تجيب دعاءنا.
* (ألم تر إلى الذين نافقوا) *: القمي: نزلت في ابن أبي وأصحابه (2).
* (يقولون لأخو نهم الذين كفروا من أهل الكتب) *: يعني بني النضير.
* (لئن أخرجتم) *: من دياركم.
* (لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم) *: في قتالكم، أو خذلانكم.
* (أحدا أبدا) *: أي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمين.
* (وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون) *: لعلمه بأنهم لا يفعلون
ذلك.

1 - الإحتجاج: ج 1، ص 209، س 5، احتجاجه (عليه السلام) ومناشدته أصحاب الشورى.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 360، س 5.
155

لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم
ولئن نصروهم ليولن الأدبر ثم لا ينصرون 12 لأنتم
أشد رهبة في صدورهم من الله ذ لك بأنهم قوم لا يفقهون
13 لا يقتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء
جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذ لك
بأنهم قوم لا يعقلون 14
* (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم) *: وكان ذلك،
فإن ابن أبي وأصحابه راسلوا بني النضير بذلك ثم أخلفوهم، كما مر في أول السورة (1).
* (ولئن نصروهم) *: على الفرض والتقدير.
* (ليولن الأدبر) *: إنهزاما.
* (ثم لا ينصرون) *: بعد.
* (لأنتم أشد رهبة) *: مرهوبية.
* (في صدورهم) *: فإنهم كانوا يضمرون مخافتهم من المؤمنين.
* (من الله) *: على ما يظهرونه نفاقا.
* (ذ لك بأنهم قوم لا يفقهون) *: لا يعلمون عظمة الله حتى يخشوه حق خشيته
ويعلموا أنه الحقيق بأن يخشى.
* (لا يقتلونكم) *: اليهود والمنافقون.
* (جميعا) *: مجتمعين.
* (إلا في قرى محصنة) *: بالدروب، والخنادق.
* (أو من وراء جدر) *: لفرط رهبتهم، وقرئ " جدار ".

1 - ذيل الآية: 2.
156

كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب
أليم 15 كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال
إني برى ء منك إني أخاف الله رب العلمين 16 فكان
عقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين 17
* (بأسهم بينهم شديد) *: أي وليس ذلك لضعفهم وجبنهم، فإنه يشتد بأسهم إذا
حارب بعضهم بعضا، بل لقذف الله الرعب في قلوبهم، ولأن الشجاع يجبن والعزيز يذل إذا
حارب الله ورسوله.
* (تحسبهم جميعا) *: مجتمعين متفقين.
* (وقلوبهم شتى) *: متفرقة لافتراق عقائدهم واختلاف مقاصدهم.
* (ذ لك بأنهم قوم لا يعقلون) *: ما فيه صلاحهم، وإن تشتت القلوب يوهن قواهم.
* (كمثل الذين من قبلهم) *: القمي: يعني بني قينقاع (1).
* (قريبا) *: في زمان قريب.
* (ذاقوا وبال أمرهم) *: سوء عاقبة كفرهم في الدنيا.
* (ولهم عذاب أليم) *: في الآخرة.
* (كمثل الشيطان) *: أي مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال ثم نكوصهم
كمثل الشيطان. القمي: ضرب الله في ابن أبي وبني النضير مثلا، فقال: " كمثل الشيطان " (2).
* (إذ قال للإنسان أكفر) *: أغراه للكفر إغراء الآمر المأمور.
* (فلما كفر قال إني برى ء منك) *: تبرأ عنه مخافة أن يشاركه في العذاب ولم ينفعه
ذلك، وقال:
* (إني أخاف الله رب العلمين * فكان عقبتهما أنهما في النار خالدين

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 360، س 7.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 360، س 8.
157

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد
واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون 18 ولا تكونوا كالذين
نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون 19 لا
يستوي أصحب النار وأصحب الجنة أصحب الجنة
هم الفائزون 20
فيها وذلك جزاء الظالمين * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت
لغد) *: ليوم القيامة، سماه به لدنوه، أو لأن الدنيا كلها كيوم، والآخرة غده، وتنكيره للتعظيم.
* (واتقوا الله) *: تكرير للتأكيد.
* (إن الله خبير بما تعملون) *: وهو كالوعيد على المعاصي.
* (ولا تكونوا كالذين نسوا الله) *: نسوا حقه.
* (فأنساهم أنفسهم) *: فجعلهم ناسين لها حتى لم يسمعوا ما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلصها.
* (أولئك هم الفاسقون) *: الكاملون في الفسوق.
* (لا يستوي أصحب النار وأصحب الجنة) *: الذين استمهنوا (1) أنفسهم
فاستحقوا النار، والذين استكملوها فاستاهلوا للجنة.
* (أصحب الجنة هم الفائزون) *: بالنعيم المقيم، في العيون: عن الرضا (عليه السلام) إن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) تلا هذه الآية فقال: " أصحب الجنة ": من أطاعني وسلم لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)
بعدي، وأقر بولايته، و " أصحب النار ": من سخط الولاية، ونقض العهد، وقاتله بعدي (2).

1 - إمتهنه: تبذله، وامتهنه: استخدمه، ومهن مهنا من بابي قتل ونقع: خدم غيره. مجمع البحرين: ج 6،
ص 321، مادة " مهن ".
2 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 280، ح 22، باب 28 - فيما جاء عن الإمام علي بن موسى (عليهما السلام) من الأخبار
المتفرقة.
158

لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خشعا متصدعا
من خشية الله وتلك الأمثل نضربها للناس لعلهم
يتفكرون 21 هو الله الذي لا إله إلا هو علم الغيب
والشهدة هو الرحمن الرحيم 22 هو الله الذي لا إله
إلا هو الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز
الجبار المتكبر سبحن الله عما يشركون 23
* (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خشعا متصدعا من خشية
الله) *: متشققا منها، قيل: تمثيل وتخييل كما مر في قوله: " إنا عرضنا الأمانة " (1)، والمراد توبيخ
الإنسان على عدم تخشعه عند تلاوة القرآن لقساوة قلبه، وقلة تدبره (2).
* (وتلك الأمثل نضربها للناس لعلهم يتفكرون * هو الله الذي لا إله
إلا هو علم الغيب والشهدة) *: قيل: أي ما غاب عن الحس وما حضر له، أو المعدوم
والموجود، أو السر والعلانية (3).
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام): " الغيب ": ما لم يكن، " والشهدة ": ما كان (4).
* (هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس) *:
البليغ في النزاهة عما يوجب نقصانا.
القمي: قال: هو البريئ من شوائب الآفات الموجبات للجهل (5).
* (السلم) *: ذو السلامة من كل نقص وآفة.

1 - الأحزاب: 72.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 468، س 2.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 468، س 5.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 266، س 28.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 360، س 19.
159

هو الله الخلق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح
له ما في السمو ت والأرض وهو العزيز الحكيم 24
* (المؤمن) *: واهب الأمن، القمي: قال: يؤمن أولياءه من العذاب (1).
* (المهيمن) *: الرقيب الحافظ لكل شئ، القمي: قال: أي الشاهد (2).
* (العزيز الجبار) *: الذي ينفذ مشيئته في كل أحد، ولا ينفذ فيه مشيئة كل أحد،
والذي يصلح أحوال خلقه.
* (المتكبر) *: الذي تكبر عن كل ما يوجب حاجة ونقصانا.
* (سبحن الله عما يشركون) *: في التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه سئل ما
تفسير " سبحن الله "؟ فقال: هو تعظيم جلال الله، وتنزيهه عما قال فيه كل مشرك، فإذا قالها
العبد صلى عليه كل ملك (3).
* (هو الله الخلق البارئ المصور) *: كلما يخرج من العدم إلى الوجود فيفتقر إلى
تقدير أولا وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيا، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا، فالله سبحانه
هو الخالق البارئ المصور بالإعتبارات الثلاثة.
* (له الأسماء الحسنى) *: الدالة على محاسن المعاني، في التوحيد: عن الصادق، عن
أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن لله تبارك وتعالى تسعة
وتسعين اسما، مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة، ثم ذكر تلك الأسماء (4).
قال شيخنا الصدوق (رحمه الله): إحصاؤها: هو الإحاطة بها، والوقوف على معانيها، وليس
معنى الإحصاء عدها (5).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 360، س 20.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 360، س 21.
3 - التوحيد: ص 311 - 312، ح 1، باب 45 - معنى سبحان الله.
4 - التوحيد: ص 194 - 195، ح 8، باب 29 - أسماء الله تعالى.
5 - التوحيد: ص 195، ذيل حديث 9، باب 29، أسماء الله تعالى.
160

أقول: وقد ذكرنا لهذا الحديث معاني اخر، وفسرنا كل اسم اسم في كتابنا المسمى بعلم
اليقين، من أرادها فعليه به.
* (يسبح له ما في السمو ت والأرض) *: لتنزهه عن النقائص.
* (وهو العزيز الحكيم) *: الجامع لكل كمال لإندراج الكل في القدرة والعلم.
في ثواب الأعمال (1)، والمجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله): من قرأ سورة الحشر لم يبق جنة، ولا نار،
ولا عرش، ولا كرسي، ولا حجاب، ولا السماوات السبع، والأرضون السبع، والهواء، والريح،
والطير، والشجر، والجبال، والدواب، والشمس، والقمر، والملائكة، إلا صلوا عليه واستغفروا
له، وإن مات في يومه أو ليلته مات شهيدا إن شاء الله تعالى (2).
* * *

1 - ثواب الأعمال: ص 117، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الحشر.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 255 - 256، في فضلها.
161

سورة الممتحنة
163

بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء
تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق
يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم
خرجتم جهدا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم
بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم
فقد ضل سواء السبيل 1
سورة الممتحنة: وقيل: سورة الإمتحان، وقيل: سورة المودة، مدنية، وهي ثلاث عشرة
آية بالإجماع.
* (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء) *: القمي: نزلت في
حاطب بن أبي بلتعة (1)، ولفظ الآية عام، ومعناها خاص، وكان سبب ذلك إن حاطب بن أبي
بلتعة كان قد أسلم وهاجر إلى المدينة، وكان عياله بمكة، فكانت قريش تخاف أن يغزوهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصاروا إلى عيال حاطب وسألوهم أن يكتبوا إلى حاطب يسألوه عن خبر
محمد (صلى الله عليه وآله) هل يريد أن يغزو مكة؟ فكتبوا إلى حاطب يسألوه عن ذلك، فكتب إليهم حاطب
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يريد ذلك، ودفع الكتاب إلى امرأة تسمى صفية، فوضعته في قرونها، ومرت

1 - حاطب بالمهملتين والموحدة، وبلتعة بالموحدة ثم المثناة من فوق بينهما لام، ثم المهملة. منه (قدس سره).
165

إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم
وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون 2
فنزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وأخبره بذلك، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام)،
والزبير بن العوام في طلبها، فلحقوها فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): أين الكتاب؟ فقالت ما معي
شئ، ففتشوها فلم يجدوا معها شيئا، فقال الزبير: ما نرى معها شيئا، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):
والله ما كذبنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا كذب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جبرئيل، ولا كذب جبرئيل
على الله جل ثناؤه، والله لئن لم تظهري الكتاب لأردن رأسك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: تنحيا
عني حتى أخرجه، فأخرجت الكتاب من قرونها، فأخذه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وجاء به إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا حاطب ما هذا؟ فقال حاطب: والله يا رسول الله ما
نافقت، ولا غيرت، ولا بدلت، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله حقا، ولكن أهلي
وعيالي كتبوا إلي بحسن صنع قريش إليهم، فأحببت أن أجازي قريشا بحسن معاشرتهم،
فأنزل الله عز وجل على رسوله (صلى الله عليه وآله): " يا أيها الذين آمنوا " الآية (1).
* (تلقون إليهم بالمودة) *: تفضون إليهم المودة بالمكاتبة، والباء مزيدة.
* (وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم) *: أي من مكة.
* (أن تؤمنوا بالله ربكم) *: بسبب إيمانكم.
* (إن كنتم خرجتم) *: من أوطانكم.
* (جهدا في سبيلي وابتغاء مرضاتي) *: جواب الشرط محذوف دل عليه " لا تتخذوا ".
* (تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم) *: أي منكم، أو
أعلم فعل مضارع، و " الباء " مزيدة.
* (ومن يفعله منكم) *: أي يفعل الإتخاذ.
* (فقد ضل سواء السبيل) *: أخطأه.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 361 - 362.
166

لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيمة يفصل
بينكم والله بما تعملون بصير 3 قد كانت لكم أسوة
حسنة في إبر هيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء
منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا
وبينكم العدوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا
قول إبر هيم لأبيه لاستغفرن لك وما أملك لك من الله من
شئ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير 4
* (إن يثقفوكم) *: يظفروا بكم.
* (يكونوا لكم أعداء) *: ولا ينفعكم إلقاء المودة إليهم.
* (ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء) *: ما يسؤكم كالقتل والشتم.
* (وودوا لو تكفرون) *: وتمنوا ارتدادكم، ومجيئه وحده بلفظ الماضي للإشعار بأنهم
ودوا ذلك قبل كل شئ، وإن ودهم حاصل وإن لم يثقفوكم.
* (لن تنفعكم أرحامكم) *: قراباتكم.
* (ولا أولادكم) *: الذين توالون المشركين لأجلهم.
* (يوم القيمة يفصل بينكم) *: يفرق بينكم بما عراكم من الهول فيفر بعضكم من
بعض، فما لكم ترفضون اليوم حق الله لمن يفر عنكم غدا، وقرئ " يفصل " على البناء للفاعل
وبالتشديد على البنائين.
* (والله بما تعملون بصير) *: فيجازيكم عليه.
* (قد كانت لكم أسوة حسنة) *: قدوة، اسم لما يؤتسى به.
* (في إبر هيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون
من دون الله كفرنا بكم) *: تبرأنا منكم، كذا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: والكفر في هذه
167

ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت
العزيز الحكيم 5
الآية: البراءة رواه في التوحيد (1)، ومثله في الكافي عن الصادق (عليه السلام) (2).
* (وبدا بيننا وبينكم العدوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) *:
فتنقلب العداوة والبغضاء ألفة ومحبة.
* (إلا قول إبر هيم لأبيه لاستغفرن لك) *: استثناء من قوله: " أسوة حسنة "، فإن
استغفاره لأبيه الكافر ليس مما ينبغي أن تأتسوا به، فإنه كان لموعدة وعدها إياه، كما سبق في
سورة التوبة (3).
* (وما أملك لك من الله من شئ) *: من تمام قوله المستثنى، ولا يلزم من استثناء
المجموع استثناء جميع أجزائه.
* (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير) *: متصل بما قبل الاستثناء.
* (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا) *: بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا
نتحمله أو تشمتهم بنا.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: ما كان من ولد آدم مؤمن إلا فقيرا، ولا كافرا إلا غنيا
حتى جاء إبراهيم (عليه السلام)، فقال: " ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا " فصير الله في هؤلاء أموالا
وحاجة، وفي هؤلاء أموالا وحاجة (4).
* (واغفر لنا) *: ما فرط منا.
* (ربنا إنك أنت العزيز الحكيم) *: ومن كان كذلك كان حقيقا بأن يجير المتوكل

1 - التوحيد: ص 260، ح 5، باب 36 - الرد على الثنوية والزنادقة.
2 - الكافي: ج 2، ص 389 - 391، قطعة من حديث 1، باب وجوه الكفر.
3 - ذيل الآية 114، انظر ج 3، ص 473 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - الكافي: ج 2، ص 262، ح 10، باب فضل الفقراء المؤمنين.
168

لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر
ومن يتول فإن الله هو الغنى الحميد 6 عسى الله
أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير
والله غفور رحيم 7 لا ينهكم الله عن الذين لم يقتلوكم
في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا
إليهم إن الله يحب المقسطين 8
ويجيب الداعي.
* (لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة) *: تكرير لمزيد الحث على التأسي
بإبراهيم (عليه السلام)، ولذلك صدر بالقسم، وأكد بما بعده.
* (لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) *: فأشعر بأن ترك التأسي بهم ينبئ عن سوء العقيدة.
* (ومن يتول فإن الله هو الغنى الحميد * عسى الله أن يجعل بينكم وبين
الذين عاديتم منهم مودة والله قدير) *: على ذلك.
* (والله غفور رحيم) *: لما فرط منكم من موالاتهم من قبل، ولما بقي في قلوبكم من
ميل الرحم.
القمي: عن الباقر (عليه السلام): إن الله أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين بالبراءة من قومهم ما داموا كفارا،
فقال: " لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة " إلى قوله: " والله غفور رحيم " قطع الله ولاية المؤمنين
منهم وأظهروا لهم العداوة، فقال: " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة "
فلما أسلم أهل مكة خالطهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وناكحوهم، وتزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله)
حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب (1).
* (لا ينهكم الله عن الذين لم يقتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 362، س 10.
169

إنما ينهكم الله عن الذين قتلوكم في الدين وأخرجوكم
من دياركم وظهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن
يتولهم فأولئك هم الظالمون 9 يا أيها الذين آمنوا إذا
جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن
فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن
حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح
عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا
بعصم الكوافر وسئلوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذ لكم
حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم 10
دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) *: تقضوا إليهم بالعدل.
* (إن الله يحب المقسطين) *: العادلين، روي أن قتيلة بنت عبد العزى قدمت
مشركة على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا، فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت (1).
* (إنما ينهكم الله عن الذين قتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم
وظهروا على إخراجكم) *: كمشركي مكة، فإن بعضهم سعوا في إخراج المؤمنين،
وبعضهم أعانوا المخرجين.
* (أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) *: لوضعهم الولاية في غير
موضعها.
* (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهجر ت فامتحنوهن) *:
فاختبروهن بما يغلب على ظنكم موافقة قلوبهن لسانهن (2) في الإيمان.

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 471، س 2.
2 - وفي نسخة: [ألسنتهن].
170

* (الله أعلم بإيمانهن) *: فإنه المطلع على ما في قلوبهن.
* (فإن علمتموهن مؤمنات) *: بحلفهن، وظهور الإمارات.
* (فلا ترجعوهن إلى الكفار) *: إلى أزواجهن الكفرة.
* (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) *: التكرير للمطابقة، والمبالغة، والأولى:
لحصول الفرقة، والثانية: للمنع عن الاستئناف.
* (وآتوهم ما أنفقوا) *: ما دفعوا إليهن من المهور.
القمي: قال: إذا لحقت امرأة من المشركين بالمسلمين تمتحن بأن تحلف بالله أنه لم يحملها
على اللحوق بالمسلمين بغض لزوجها الكافر ولا حب لأحد من المسلمين، وإنما حملها على
ذلك الإسلام، فإذا حلفت على ذلك قبل إسلامها " وآتوهم ما أنفقوا " يعني ترد المسلمة على
زوجها الكافر صداقها، ثم يتزوجها المسلم (1).
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام): قيل له: إن لامرأتي أختا عارفة على رأينا بالبصرة، وليس
على رأينا بالبصرة إلا قليل، فأزوجها ممن لا يرى رأيها؟ قال: لا، ولا نعمة، إن الله عز وجل
يقول: " فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن " (2).
* (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن) *: فإن الإسلام حال بينهن وبين أزواجهن
الكفرة.
* (إذا آتيتموهن أجورهن) *: فيه إشعار بأن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام
المهر.
* (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) *: فربما تعتصم به الكافرات من عقد ونسب جمع
عصمة، والمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات، وقرئ بتشديد السين.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال: يقول: من كانت عنده امرأة كافرة يعني على
غير ملة الإسلام وهو على ملة الإسلام فليعرض عليها الإسلام، فإن قبلت فهي امرأته وإلا

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 362.
2 - الكافي: ج 5، ص 349، ح 6، باب مناكحة النصاب والشكاك.
171

وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فاتوا
الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم
به مؤمنون 11
فهي بريئة منه، فنهى الله أن يمسك بعصمتها (1).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) قال: لا ينبغي نكاح أهل الكتاب، قيل: وأين تحريمه؟ قال: قوله:
" ولا تمسكوا بعصم الكوافر " (2).
أقول: وقد مضى في سورة المائدة (3) ما يخالف ذلك.
* (وسئلوا ما أنفقتم) *: من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار.
* (وليسألوا ما أنفقوا) *: من مهور أزواجهم المهاجرات.
* (ذ لكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم) *: يشرع ما يقتضيه حكمته.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) يعني: وإن فاتكم شئ من أزواجكم فلحقن بالكفار من أهل
عهدكم فاسألوهم صداقها، وإن لحقن بكم من نسائهم شئ فأعطوهم صداقها " ذ لكم حكم
الله يحكم بينكم " (4).
* (وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار) *: أي سبقكم وانفلت منكم إليهم.
* (فعاقبتم) *: قيل: أي فجاءت عاقبتكم، أي نوبتكم من أداء المهر (5).
أقول: بل المعنى فتزوجتم بأخرى عقيبها، كما يأتي بيانه.
* (فاتوا) *: أيها المؤمنين.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 363، س 4.
2 - الكافي: ج 5، ص 358، ح 8، باب نكاح الذمية.
3 - ذيل الآية: 5، انظر ج 2، ص 379 - 381 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 363، س 11.
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 472.
172

* (الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) *: القمي: يقول: وإن لحقن بالكفار
الذين لا عهد بينكم وبينهم فأصبتم غنيمة " فاتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " (1).
أقول: كأنه جعل معنى فعاقبتم فأصبتم من الكفار عقبى أي غنيمة، يعني فأتوا بدل
الفائت من الغنيمة.
قال: وقال: سبب نزول ذلك إن عمر بن الخطاب كانت عنده فاطمة بنت أبي أمية بن
المغيرة، فكرهت الهجرة معه، وأقامت مع المشركين، فنكحها معاوية بن أبي سفيان، فأمر الله
رسوله أن يعطي عمر مثل صداقها (2).
وفي العلل: عنهما (عليهما السلام) سئلا ما معنى العقوبة هاهنا؟ قال: إن الذي ذهبت امرأته فعاقب
على امرأة أخرى غيرها يعني تزوجها، فإذا هو تزوج امرأة أخرى غيرها فعلى الإمام أن
يعطيه مهر امرأته الذاهبة، فسئلا كيف صار المؤمنون يردون على زوجها المهر بغير فعل منهم
في ذهابها، وعلى المؤمنين أن يردوا على زوجها ما أنفق عليها مما يصيب المؤمنين (3)؟ قال: يرد
الإمام (عليه السلام) عليه أصابوا من الكفار أو لم يصيبوا، لأن على الإمام أن يجيز (4) حاجته من تحت
يده، وإن حضرت القسمة فله أن يسد كل نائبة تنوبه قبل القسمة، وإن بقي بعد ذلك شئ
قسمه بينهم وإن لم يبق شئ فلا شئ لهم (5).
وفي التهذيب: عن الصادق (عليه السلام) مثله إلا أنه قال: على الإمام أن يجيز جماعة من تحت يده (6).
وفي الجوامع: لما نزلت الآية المتقدمة أدى المؤمنون ما أمروا به من نفقات المشركين
على نسائهم، وأبى المشركون أن يؤدوا شيئا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين فنزلت (7).
* (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) *: فإن الإيمان به مما يقتضي التقوى منه.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 363.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 363، س 15، وراجع مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 273، س 26.
3 - وفي المصدر: " مما يصيب المؤمنون ".
4 - وفي المصدر: " أن ينجز ".
5 - علل الشرائع: ص 517، س 13، ح 6، باب 289 - علل نوادر النكاح.
6 - تهذيب الأحكام: ج 6، ص 313، ح 865 / 72، باب 92 - من الزيادات في القضايا والأحكام.
7 - جوامع الجامع: ص 491، س 5، الطبعة الحجرية.
173

يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا
يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن
أولدهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن
ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله
غفور رحيم 12
* (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا
ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولدهن) *: يريد وأد البنات أو الإسقاط.
* (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) *: في الجوامع: كانت المرأة
تلتقط المولود، فتقول لزوجها: هذا ولدي منك، كنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن
الولد الذي تلصقه بزوجها كذبا لأن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين وفرجها الذي تلده به
بين الرجلين (1).
* (ولا يعصينك في معروف) *: في حسنة تأمرهن بها.
القمي: عن الصادق (عليه السلام): هو ما فرض الله عليهن من الصلاة والزكاة وما أمرهن به من
خير (2).
* (فبايعهن) *: بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء.
* (واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: لما
فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة بايع الرجال، ثم جاءت النساء يبايعنه فأنزل الله عز وجل: " يا أيها
النبي " الآية، قالت هند: أما الولد فقد ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا، وقالت أم الحكم بنت

1 - جوامع الجامع: ص 491، س 12، الطبعة الحجرية.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 364، س 15.
174

يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد
يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحب القبور 13
الحارث بن الهشام وكانت عند عكرمة بن أبي جهل: يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا
الله أن لا نعصيك فيه؟ قال: لا تلطمن خدا، ولا تخمشن وجها، ولا تنتفن شعرا، ولا تشققن
جيبا، ولا تسودن ثوبا، ولا تدعين بويل، فبايعهن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هذا، فقالت: يا رسول
الله كيف نبايعك؟ قال: إنني لا أصافح النساء، فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها،
فقال: أدخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة (1).
والقمي: ذكر عبد المطلب مكان هشام، وزاد: ولا تقمن عند قبر (2).
وفي رواية أخرى في الكافي: ولا تنشرن شعرا (3).
وفيه: عنه (عليه السلام) قال: جمعهن حوله ثم دعا بتور (4) برام (5) فصب فيه ماء نضوحا، ثم غمس
يده فيه، ثم قال: اسمعن يا هؤلاء أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا، ولا تسرقن، ولا تزنين،
ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، ولا تعصين بعولتكن في
معروف أأقررتن؟ قلن: نعم، فأخرج يده من التور ثم قال لهن اغمسن أياديكن (6) ففعلن.
فكانت يد رسول الله الطاهرة أطيب من أن يمس بها كف أنثى ليست له بمحرم (7).
* (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم) *: يعني عامة الكفار

1 - الكافي: ج 5، ص 527، ح 5، باب صفة مبايعة النبي (صلى الله عليه وآله) النساء.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 364، س 10.
3 - الكافي: ج 5، ص 526 - 527، ح 3، باب صفة مبايعة النبي (صلى الله عليه وآله) النساء. وفيه: " لا ينشرن شعرا ".
4 - التور - بالفتح فالسكون -: إناء صغير من صفر أو خزف يشرب منه، ويتوضأ فيه. مجمع البحرين: ج 3، ص
234، مادة " تور ".
5 - برام: جبل في بلاد بني سليم عند الحرة من ناحية البقيع.
6 - وفي نسخة: [أيديكن] كما في المصدر.
7 - الكافي: ج 5، ص 526، ح 2، باب صفة مبايعة النبي (صلى الله عليه وآله) النساء.
175

أو اليهود، إذ روي أنها نزلت في بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من
ثمارهم (1).
* (قد يئسوا من الآخرة) *: لكفرهم بها أو لعلمهم بأنه لا حظ لهم فيها لعنادهم
الرسول المنعوت في التوراة المؤيد بالمعجزات.
* (كما يئس الكفار من أصحب القبور) *: أن يبعثوا أو يثابوا أو ينالهم خير
منهم، أو كما يئس الكفار الذين ماتوا فعاينوا الآخرة.
في ثواب الأعمال (2)، والمجمع: عن السجاد (عليه السلام): من قرأ سورة الممتحنة في فرائضه،
ونوافله امتحن الله قلبه للإيمان، ونور له بصره، ولا يصيبه فقر أبدا، ولا جنون في بدنه، ولا في
ولده (3).
* * *

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 472، س 12.
2 - ثواب الأعمال: ص 118، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الممتحنة.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 267، في فضلها.
176

سورة الصف
177

بسم الله الرحمن الرحيم
سبح لله ما في السمو ت وما في الأرض وهو العزيز
الحكيم 1 يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون 2
كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون 3
سورة الصف: وتسمى سورة الحواريين، وسورة عيسى، مدنية، وهي أربع عشرة آية
بلا خلاف.
* (سبح لله ما في السمو ت وما في الأرض وهو العزيز الحكيم * يا أيها
الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) *: روي: أن المسلمين قالوا: لو علمنا أحب
الأعمال إلى الله لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فأنزل الله: " إن الله يحب الذين يقتلون في سبيله
صفا " فولوا يوم أحد فنزلت (1).
والقمي: مخاطبة لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين وعدوه أن ينصروه، ولا يخالفوا أمره،
ولا ينقضوا عهده في أمير المؤمنين (عليه السلام)، فعلم الله أنهم لا يفون بما يقولون، وقد سماهم الله
المؤمنين بإقرارهم وإن لم يصدقوا (2).
* (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) *: المقت: أشد البغض، في نهج
البلاغة: الخلف يوجب المقت عند الله وعند الناس، قال الله تعالى: " كبر مقتا عند الله "

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 473، س 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 365، س 4.
179

إن الله يحب الذين يقتلون في سبيله صفا كأنهم بنين
مرصوص 4 وإذ قال موسى لقومه يقوم لم تؤذونني
وقد تعلمون أنى رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله
قلوبهم والله لا يهدى القوم الفسقين 5
الآية (1).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام): عدة المؤمنين أخاه نذر لا كفارة له، فمن أخلف فبخلف
الله بدأ ولمقته تعرض، وذلك قوله: " يا أيها الذين آمنوا " الآيتين (2).
* (إن الله يحب الذين يقتلون في سبيله صفا) *: مصطفين.
* (كأنهم بنين مرصوص) *: في تراصهم من غير فرجة، والرص: اتصال بعض
البناء بالبعض واستحكامه.
في مصباح المتهجد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة خطب بها يوم الغدير قال:
واعلموا أيها المؤمنون إن الله عز وجل قال: " إن الله يحب الذين يقتلون في سبيله صفا "
أتدرون ما سبيل الله، ومن سبيله؟ أنا سبيل الله الذي نصبني للإتباع بعد نبيه (صلى الله عليه وآله) (3).
* (وإذ قال موسى لقومه يقوم لم تؤذونني وقد تعلمون أنى رسول الله
إليكم) *: والعلم بالرسالة يوجب التعظيم، ويمنع الإيذاء.
في المجمع: روى في قصة قارون: أنه دس إليه امرأة وزعم أنه زنى بها، ورموه بقتل
هارون (4).
* (فلما زاغوا) *: عن الحق.
* (أزاغ الله قلوبهم) *: صرفها عن قبول الحق، والميل إلى الصواب. القمي: أي

1 - نهج البلاغة: ص 444، ومن كتاب له (عليه السلام) 53.
2 - الكافي: ج 2، ص 363 - 364، ح 1، باب خلف الوعد.
3 - مصباح المتهجد: ص 701، س 10.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 278 - 279.
180

وإذ قال عيسى ابن مريم يبنى إسرائيل إني رسول الله
إليكم مصدقا لما بين يدي من التورية ومبشرا برسول
يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا
سحر مبين 6
شكك قلوبهم (1).
* (والله لا يهدى القوم الفسقين * وإذ قال عيسى ابن مريم يبنى
إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التورية ومبشرا برسول
يأتي من بعدي اسمه أحمد) *: يعني محمدا (صلى الله عليه وآله)، والمعنى ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه.
في العوالي: في الحديث إن الله تعالى لما بشر عيسى (عليه السلام) بظهور نبينا (صلى الله عليه وآله) قال له في
صفته: واستوص بصاحب الجمل الأحمر، والوجه الأقمر، نكاح النساء (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) لما أن بعث الله المسيح (عليه السلام) قال: إنه سوف يأتي من بعدي
نبي اسمه أحمد (صلى الله عليه وآله) من ولد إسماعيل، يجيئ بتصديقي وتصديقكم، وعذري وعذركم (3).
وعن الباقر (عليه السلام): لم تزل الأنبياء (عليهم السلام) تبشر بمحمد (صلى الله عليه وآله) حتى بعث الله المسيح عيسى بن
مريم (عليهما السلام)، فبشر بمحمد (صلى الله عليه وآله)، وذلك قوله تعالى: " يجدونه " يعني اليهود والنصارى، مكتوبا:
يعني صفة محمد (صلى الله عليه وآله)، واسمه عندهم يعني في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن
المنكر، وهو قول الله عز وجل يخبر عن عيسى (عليه السلام): " ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " (4).
وفي الفقيه: عنه (عليه السلام) إن اسم النبي (صلى الله عليه وآله) في صحف إبراهيم: الماحي، وفي توراة
موسى (عليه السلام): الحاد، وفي إنجيل عيسى (عليه السلام): أحمد، وفي الفرقان: محمد (صلى الله عليه وآله) (5).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 365، س 10.
2 - عوالي اللئالي: ج 3، ص 282، ح 7.
3 - الكافي: ج 1، ص 293، ح 3، باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين (عليه السلام).
4 - الكافي: ج 8، ص 117، س 3، ح 92، حديث آدم (عليه السلام) مع الشجرة.
5 - من لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 130، ح 454 / 2، باب 72 - الوصية من لدن آدم (عليه السلام).
181

ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى
الأسلم والله لا يهدي القوم الظالمين 7 يريدون ليطفئوا
نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون 8
والقمي: قال: سأل بعض اليهود رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم سميت أحمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: لأني في السماء
أحمد مني في الأرض (1).
وفي الإكمال: عن الصادق (عليه السلام) قال: كان بين عيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله) خمسمائة عام، منها
مائتان وخمسون عاما ليس فيها نبي ولا عالم ظاهر كانوا مستمسكين بدين عيسى (عليه السلام)، ثم
قال: ولا تكون الأرض إلا وفيها عالم (2).
* (فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) *: وقرئ ساحر.
* (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الأسلم) *: أي
لا أحد أظلم ممن يدعى إلى الإسلام الظاهر حقيته الموجب له خير الدارين فيضع موضع
إجابته الإفتراء على الله بتكذيب رسوله وتسمية آياته سحرا.
* (والله لا يهدى القوم الظالمين) *: لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم.
* (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم) *: حجته بطعنهم فيه.
* (والله متم نوره) *: مبلغ غايته بنشره وإعلانه، وقرئ بالإضافة.
* (ولو كره الكافرون) *: إرغاما لهم، في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) " يريدون ليطفئوا "
ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) " بأفواههم والله متم " الإمامة لقوله: " الذين آمنوا بالله ورسوله
والنور الذي أنزلنا " (3) فالنور هو الإمام (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 365، س 13. وفيه: " لم سميت محمدا وأحمد وبشيرا ونذيرا؟ قال: أما محمد فإني في
الأرض محمود، وأما أحمد: فإني في السماء أحمد منه. الحديث.
2 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 161، ح 20، باب 8 - بشارة عيسى بن مريم (عليهما السلام) بالنبي محمد المصطفى.
3 - التغابن: 8. 4 - الكافي: ج 1، ص 195 - 196، ح 6، باب أن الأئمة (عليهم السلام) نور الله عز وجل.
182

هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله ولو كره المشركون 9 يا أيها الذين آمنوا
هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم 10 تؤمنون
بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم
ذ لكم خير لكم إن كنتم تعلمون 11 يغفر لكم ذنوبكم
ويدخلكم جنت تجرى من تحتها الأنهار ومسكن طيبة
في جنت عدن ذ لك الفوز العظيم 12
والقمي: " والله متم نوره " قال: بالقائم من آل محمد (عليهم السلام) إذا خرج يظهره الله على الدين
كله حتى لا يعبد غير الله (1).
* (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) *:
ليغلبه على جميع الأديان.
* (ولو كره المشركون) *: لما فيه من محض التوحيد وإبطال الشرك.
سبق تفسيره في سورة التوبة (2).
* (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم) *: وقرئ بالتشديد.
* (من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله
بأموالكم وأنفسكم ذ لكم خير لكم إن كنتم تعلمون) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) في الآية
الأولى، فقالوا: لو نعلم ما هي لبذلنا فيها الأموال، والأنفس، والأولاد، فقال الله: " تؤمنون
بالله " الآيتين (3).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 365، س 16.
2 - ذيل الآية: 33، انظر ج 3، ص 401 - 403 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 365، س 20.
183

وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين
13 يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى
ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن
أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة
فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظهرين 14
* (يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنت تجرى من تحتها الأنهار ومسكن
طيبة في جنت عدن ذ لك الفوز العظيم * وأخرى تحبونها) *: ولكم إلى هذه النعمة
المذكورة نعمة أخرى محبوبة، وفيه تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل.
* (نصر من الله وفتح قريب) *: عاجل، القمي: يعني في الدنيا بفتح القاف (عليه السلام) (1).
وأيضا قال: فتح مكة (2).
* (وبشر المؤمنين * يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله) *: وقرئ
بالتنوين واللام.
* (كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله) *: أي من جندي
متوجها إلى نصرة الله؟ والحواريون: أصفياؤه، وقد سبق تفسير الحواري في سورة آل عمران (3).
* (قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل
وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظهرين) *: فصاروا
غالبين. في ثواب الأعمال (4)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام): من قرأ سورة الصف وأدمن قراءتها في
فرائضه ونوافله، صفه الله مع ملائكته وأنبيائه المرسلين (5).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 366، س 2.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 366، س 2.
3 - ذيل الآية: 52، انظر ج 2، ص 52 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - ثواب الأعمال: ص 118، ح 1، باب ثواب من قرأ سورة الصف.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 277، في فضلها.
184

سورة الجمعة
185

بسم الله الرحمن الرحيم
يسبح لله ما في السمو ت وما في الأرض الملك القدوس
العزيز الحكيم 1 هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم
يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتب والحكمة
وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين 2
سورة الجمعة: مدنية، وهي إحدى عشرة آية بالإجماع.
* (يسبح لله ما في السمو ت وما في الأرض الملك القدوس العزيز
الحكيم * هو الذي بعث في الأميين) *: الذين ليس معهم كتاب.
* (رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم) *: من خبائث العقائد، والأخلاق.
* (ويعلمهم الكتب والحكمة) *: القرآن، والشريعة.
* (وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين) *: من الشرك، وخبث الجاهلية، القمي:
عن الصادق (عليه السلام) " في الأميين " قال: كانوا يكتبون، ولكن لم يكن معهم كتاب من عند الله، ولا
بعث إليهم رسول فنسبهم الله إلى الأميين (1).
وفي العلل: عن الجواد (عليه السلام) إنه سئل لم سمي النبي الأمي؟ فقال: ما يقول الناس؟ قيل:

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 366، س 13.
187

وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم 3 ذ لك
فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 4 مثل
الذين حملوا التورية ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل
أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا
يهدى القوم الظالمين 5
يزعمون أنه إنما سمي الأمي لأنه لم يحسن أن يكتب، فقال: كذبوا عليهم لعنة الله أنى ذلك، والله
يقول: " هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتب
والحكمة " فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن، والله لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرأ ويكتب باثنين
وسبعين، أو قال بثلاث وسبعين لسانا، وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة، ومكة من
أمهات القرى، وذلك قول الله عز وجل: " لتنذر أم القرى ومن حولها " (1) (2).
وقد مضى هذا الحديث في سورة الأعراف (3).
* (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) *: لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون. قيل: وهم
الذين جاؤوا بعد الصحابة إلى يوم الدين، فإن دعوته وتعليمه يعم الجميع (4).
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام): هم الأعاجم ومن لا يتكلم بلغة العرب، وقال: لو كان
الإيمان في الثريا لنالته رجال من هؤلاء (5).
* (وهو العزيز الحكيم * ذ لك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل
العظيم) *: الذي يستحقر دونه نعم الدنيا ونعيم الآخرة.
* (مثل الذين حملوا التورية) *: علموها وكلفوا العمل بها.

1 - الأنعام: 92. 2 - علل الشرائع: ص 124، ح 1، باب 105 - العلة التي من أجلها سمي النبي الأمي.
3 - ذيل الآية: 157، انظر ج 3، ص 252 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 476، س 4.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 284، س 18.
188

قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون
الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين 6 ولا يتمنونه
أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين 7 قل إن
الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى علم
الغيب والشهدة فينبئكم بما كنتم تعملون 8
* (ثم لم يحملوها) *: لم يعملوا بها ولم ينتفعوا بما فيها.
* (كمثل الحمار يحمل أسفارا) *: كتبا من العلم يتعب في حملها ولا ينتفع بها.
القمي: قال: الحمار يحمل الكتب ولا يعلم ما فيها، ولا يعمل بها، كذلك بنو إسرائيل، قد
حملوا مثل الحمار، لا يعلمون ما فيه ولا يعملون به (1).
* (بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدى القوم
الظالمين * قل يا أيها الذين هادوا) *: تهودوا.
* (إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس) *: إذ كانوا يقولون: نحن أولياء
الله وأحباؤه.
* (فتمنوا الموت) *: فتمنوا من الله أن يميتكم وينقلكم من دار البلية إلى دار الكرامة.
القمي: قال: إن في التوراة مكتوب أن أولياء الله يتمنون الموت (2).
* (إن كنتم صادقين) *: في زعمكم.
* (ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم) *: بسبب ما قدموا من الكفر والمعاصي.
* (والله عليم بالظالمين) *: سبق تمام تفسير هذه الآية في سورة البقرة (3).
* (قل إن الموت الذي تفرون منه) *: وتخافون أن تتمنوه بلسانكم مخافة أن

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 366، س 16.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 366، س 20.
3 - ذيل الآية 95، انظر ج 1، ص 245 من كتابنا تفسير الصافي.
189

يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة
فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذ لكم خير لكم إن كنتم
تعلمون 9
يصيبكم فتؤخذوا بأعمالكم.
* (فإنه ملاقيكم) *: لا تفوتونه لاحق بكم، القمي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أيها
الناس كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر، والأجل مساق النفس إليه، والهرب منه موافاته (1).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: تعد السنين، ثم تعد الشهور، ثم تعد
الأيام، ثم تعد الساعات، ثم تعد النفس، " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا
يستقدمون " (2) (3).
* (ثم تردون إلى علم الغيب والشهدة فينبئكم بما كنتم تعملون) *: بأن
يجازيكم عليه.
* (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة) *: أي اذن لها.
* (من يوم الجمعة) *: قيل: سمي بها لاجتماع الناس فيه للصلاة (4).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) إن الله جمع فيها خلقه لولاية محمد (صلى الله عليه وآله)، ووصيه في الميثاق،
فسماه يوم الجمعة لجمعه فيه خلقه (5).
* (فاسعوا إلى ذكر الله) *: يعني إلى الصلاة، كما يستفاد مما قبله ومما بعده.
قيل: أي فامضوا إليها مسرعين قصدا، فإن السعي: دون العدو (6).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 366 - 367. وفيه: " ملاق في فراره ".
2 - الأعراف: 34.
3 - الكافي: ج 3، ص 262، ح 44، باب النوادر.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 477، س 11.
5 - الكافي: ج 3، ص 415، ح 7، باب فضل يوم الجمعة وليلته.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 477، س 4.
190

وفي المجمع: قرأ عبد الله بن مسعود " فامضوا إلى ذكر الله "، قال: وروي ذلك عن أمير
المؤمنين والباقر والصادق (عليهم السلام) (1).
والقمي: قال: الإسراع في المشي (2). وعن الباقر (عليه السلام): " اسعوا ": أي امضوا (3).
وفي العلل: عن الصادق (عليه السلام) معنى " فاسعوا " هو الإنكفاء (4).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) " فاسعوا إلى ذكر الله " قال: اعملوا، وعجلوا فإنه يوم مضيق
على المسلمين فيه، وثواب أعمال المسلمين فيه على قدر ما ضيق عليهم، والحسنة والسيئة
تضاعف فيه، قال: والله لقد بلغني أن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا يتجهزون للجمعة يوم الخميس
لأنه يوم مضيق على المسلمين (5).
* (وذروا البيع) *: واتركوا المعاملة. في الفقيه: روي أنه كان بالمدينة إذا أذن المؤذن
يوم الجمعة نادى مناد: حرم البيع (6).
* (ذلكم خير لكم) *: أي السعي إلى ذكر الله خير لكم من المعاملة، فإن نفع الآخرة
خير وأبقى.
* (إن كنتم تعلمون) *: الخير والشر، في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال: فرض الله على
الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة وهي
الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصغير، والكبير، والمجنون، والمسافر، والعبد، والمرأة،
والمريض، والأعمى، ومن كان على رأس فرسخين (7).
وفي التهذيب (8)، والفقيه: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل على من تجب الجمعة؟ قال: تجب
على سبعة نفر من المسلمين، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 288، س 11.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 367، س 2.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 367، س 5.
4 - علل الشرائع: ص 357، ح 1، باب 73 - علة السعي إلى الصلاة.
5 - الكافي: ج 3، ص 415، ح 10، باب فضل يوم الجمعة وليلته.
6 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 195، ح 914 / 52، باب 44 - الأذان والإقامة وثواب المؤذنين.
7 - الكافي: ج 3، ص 419، ح 6، باب وجوب الجمعة وعلى كم تجب.
8 - تهذيب الأحكام: ج 3، ص 20، ح 75 / 75، باب 1 - العمل في ليلة الجمعة ويومها.
191

فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل
الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون 10
سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم (1).
أقول: لعل المراد أنها تجب على سبعة حتما وعزيمة من دون رخصة في تركها، وتجب
لخمسة تخييرا، وعلى الأفضل مع الرخصة في تركها وبهذا تتوافق الأخبار المختلفة في الخمسة
والسبعة، ويؤيده تعدية الوجوب باللام في الخمسة، وبعلى في السبعة، وأما إذا كانوا أقل من
خمسة فليس عليهم ولا لهم جمعة، بل عليهم حتما أن يصلوا أربعا.
والأخبار في وجوب الجمعة أكثر من أن تحصى (2).
* (فإذا قضيت الصلاة) *: أديت وفرغ منها.
* (فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) *: في المجمع (3)، والمحاسن: عن
الصادق (عليه السلام): الصلاة يوم الجمعة، والانتشار يوم السبت (4). وفي العيون (5)، والقمي ما في
معناه (6).
وفي المجمع: عنه (عليه السلام) قال: إني لأركب في الحاجة التي كفاها الله ما أركب فيها إلا التماس
أن يراني الله أضحى في طلب الحلال، أما تسمع قول الله عز وجل اسمه " فإذا قضيت الصلاة
فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله " (7).
وبرواية أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) " وابتغوا من فضل الله " ليس بطلب دنيا ولكن عيادة

1 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 267، ح 1222 / 6، باب 57 - وجوب الجمعة وفضلها ومن وضعت عنه
الصلاة والخطبة فيها.
2 - انظر الكافي: ج 3، ص 418 - 419، باب وجوب الجمعة وعلى كم تجب.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 289، س 1.
4 - المحاسن: ج 2، ص 81، ح 1209 / 8، باب 2 - الأيام التي يستحب فيها السفر والحوائج.
5 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 42 - 43، ح 146، باب 31 - فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 367، س 10.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 289، س 2.
192

وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما
عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين 11
مريض، وحضور جنازة، وزيارة أخ في الله (1).
* (واذكروا الله كثيرا) *: واذكروا الله في مجامع أحوالكم، ولا تخصوا ذكره بالصلاة.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من ذكر الله مخلصا في السوق عند غفلة الناس
وشغلهم بما هم فيه كتب الله له ألف حسنة، ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب
بشر (2).
* (لعلكم تفلحون) *: بخير الدارين.
* (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) *: انصرفوا إليها، كذا في المجمع (3)،
والقمي عن الصادق (عليه السلام) (4).
* (وتركوك قائما) *: تخطب على المنبر، كذا روياه (5).
* (قل ما عند الله) *: من الثواب.
* (خير من اللهو ومن التجارة) *: فإن ذلك محقق مخلد بخلاف ما تتوهمون من
نفعهما.
القمي: عن الصادق (عليه السلام) نزلت: " خير من اللهو ومن التجارة للذين اتقوا " (6).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) إنه كان يقرأ: " خير من اللهو ومن التجارة للذين اتقوا " (7).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 288، س 30.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 289، س 11.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 289، س 22.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 367، س 19.
5 - انظر مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 289، س 23، وعوالي اللئالي: ج 2، ص 57، ح 153، والبرهان في
تفسير القرآن: ج 4، ص 336، ح 7.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 367، س 20. وفيه: " قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة " يعني للذين
اتقوا.
7 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 183، ح 5، س 5، في ذكر أخلاق الرضا (عليه السلام) الكريمة ووصف عبادته.
193

* (والله خير الرازقين) *: فتوكلوا عليه واطلبوا الرزق منه.
القمي: قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي بالناس يوم الجمعة ودخلت ميرة وبين يديها
قوم يضربون بالدفوف والملاهي، فترك الناس الصلاة ومروا ينظرون إليهم، فأنزل الله (1).
وفي المجمع: عن جابر بن عبد الله قال: أقبلت عير ونحن نصلي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فانفض الناس إليها، فما بقى غير اثنى عشر رجلا أنا فيهم، فنزلت الآية (2).
وفي رواية: قال (صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد منكم لسال بكم
الوادي نارا (3).
في ثواب الأعمال (4)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) الواجب على كل مؤمن إذا كان لنا
شيعة أن يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة، وسبح اسم ربك الأعلى، وفي صلاة الظهر بالجمعة
والمنافقين، فإذا فعل ذلك فكأنما يعمل بعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان ثوابه وجزاؤه على الله
الجنة (5).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 367، س 11.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 287، س 4.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 287، س 7.
4 - ثواب الأعمال: ص 118، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الجمعة والمنافقين وسبح اسم ربك الأعلى.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 283، في فضلها.
194

سورة المنافقون
195

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا جاءك المنفقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم
إنك لرسوله والله يشهد إن المنفقين لكاذبون 1
اتخذوا أيمنهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما
كانوا يعملون 2
سورة المنافقون: مدنية بالإجماع، وهي إحدى عشر آية.
* (إذا جاءك المنفقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك
لرسوله والله يشهد إن المنفقين لكاذبون) *: لأنهم لم يعتقدوا ذلك لما كانت الشهادة
إخبارا عن علم لأنها من الشهود بمعنى الحضور والإطلاع، لذلك صدق المشهود به وكذبهم في
الشهادة.
في الإحتجاج: عن الباقر (عليه السلام) قال له طاوس اليماني: أخبرني عن قوم شهدوا شهادة
الحق وكانوا كاذبين؟ قال: المنافقون حين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): " نشهد إنك لرسول الله " (1).
* (اتخذوا أيمنهم) *: حلفهم الكاذب.
* (جنة) *: وقاية عن القتل، والسبي.
* (فصدوا عن سبيل الله) *: صدا أو صدودا.

1 - الإحتجاج: ج 2، ص 65، س 14، فيما أجاب الباقر (عليه السلام) عن مسائل طاوس اليماني.
197

ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا
يفقهون 3 وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا
تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة
عليهم هم العدو فاحذرهم قتلهم الله أنى يؤفكون 4
وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم
ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون 5
* (إنهم ساء ما كانوا يعملون) *: من نفاقهم وصدهم.
* (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم) *: حتى تمرنوا على الكفر
واستحكموا فيه.
* (فهم لا يفقهون) *: حقيقة الإيمان ولا يعرفون صحته.
* (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) *: لضخامتها، وصباحتها.
* (وإن يقولوا تسمع لقولهم) *: لذلاقتهم وحلاوة كلامهم.
* (كأنهم خشب مسندة) *: إلى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن العلم والنظر.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) يقول: لا يسمعون ولا يعقلون (1). وقرئ بسكون الشين.
* (يحسبون كل صيحة عليهم) *: أي واقعة عليهم لجبنهم واتهامهم.
* (هم العدو) *: استئناف.
* (فاحذرهم قتلهم الله) *: دعاء عليهم.
* (أنى يؤفكون) *: كيف يصرفون عن الحق.
* (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم) *: عطفوها
إعراضا واستكبارا عن ذلك.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 370، س 13.
198

سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم
إن الله لا يهدى القوم الفسقين 6 هم الذين يقولون لا تنفقوا
على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات
والأرض ولكن المنفقين لا يفقهون 7 يقولون لئن
رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة
ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنفقين لا يعلمون 8
* (ورأيتهم يصدون) *: يعرضون على الاستغفار.
* (وهم مستكبرون) *: عن الإعتذار.
* (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم) *: لرسوخهم
في الكفر.
* (إن الله لا يهدى القوم الفسقين) *: الخارجين عن مظنة الاستصلاح،
لإنهماكهم في الكفر والنفاق.
* (هم الذين يقولون) *: أي للأنصار.
* (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) *: يعنون فقراء المهاجرين.
* (ولله خزائن السماوات والأرض) *: بيده الأرزاق والقسم.
* (ولكن المنفقين لا يفقهون) *: ذلك لجهلهم بالله.
* (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة
ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنفقين لا يعلمون) *: من فرط جهلهم وغرورهم.
القمي: قال: نزلت في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق في سنة خمس من
الهجرة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج إليها، فلما رجع منها نزل على بئر وكان الماء قليلا فيها،
وكان أنس بن سيار حليف الأنصار، وكان جهجاه بن سعيد الغفاري أجيرا لعمر بن الخطاب،
فاجتمعوا على البئر فتعلق دلو سيار بدلو جهجاه، فقال سيار: دلوي، وقال جهجاه: دلوي،
199

فضرب جهجاه يده على وجه سيار فسال منه الدم، فنادى سيار بالخزرج، ونادى جهجاه
بقريش فأخذ الناس السلاح، وكاد أن تقع الفتنة فسمع عبد الله بن أبي النداء، فقال: ما هذا؟
فأخبروه بالخبر فغضب غضبا شديدا، ثم قال: قد كنت كارها لهذا المسير إني لأذل العرب، ما
ظننت أني أبقى إلى أن أسمع مثل هذا، فلا يكن عندي تغيير، ثم أقبل على أصحابه، فقال: هذا
عملكم أنزلتموه منازلكم، وواسيتموهم بأموالكم، ووقيتموهم بأنفسكم، وأبرزتم نحوركم
للقتل، فأرمل نساءكم، وأيتم صبيانكم، ولو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم، ثم قال:
" لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل "، وكان في القوم زيد بن أرقم، وكان
غلاما قد راهق، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ظل شجرة في وقت الهاجرة، وعنده قوم من أصحابه
من المهاجرين والأنصار، فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله بن أبي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لعلك
وهمت يا غلام؟ قال: لا والله ما وهمت، فقال: لعلك غضبت عليه؟ فقال: لا والله ما غضبت
عليه، قال: فلعله سفه عليك؟ قال: لا والله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لشقران مولاه: أحدج (1)،
فأحدج راحلته وركب، وتسامع الناس بذلك، فقالوا: ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليرحل في مثل
هذا الوقت، فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة، فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله
وبركاته، فقال: وعليك السلام، فقال: ما كنت لترحل في مثل هذا الوقت؟ فقال: أوما سمعت
قولا قال صاحبكم؟ قالوا: وأي صاحب لنا غيرك يا رسول الله؟ قال: عبد الله بن أبي، زعم أنه
إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال: يا رسول الله فأنت وأصحابك الأعز
وهو وأصحابه الأذل، فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومه كله لا يكلمه أحد، فأقبلت الخزرج على
عبد الله بن أبي يعذلونه (2)، فحلف عبد الله أنه لم يقل شيئا من ذلك، فقالوا: فقم بنا إلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) حتى نعتذر إليه، فلوى عنقه، فلما جن الليل سار رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليله كله والنهار، فلم
ينزلوا إلا للصلاة، فلما كان من الغد نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونزل أصحابه، وقد أمهدهم الأرض
من السهر الذي أصابهم، فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحلف عبد الله أنه لم يقل
ذلك، وأنه ليشهد أن لا إله إلا الله وأنك لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن زيدا قد كذب علي، فقبل رسول

1 - الحدج - بالكسر -: الحمل، ومركب من مراكب النساء. مجمع البحرين: ج 2، ص 288، مادة " حدج ".
2 - العذل: الملامة. مجمع البحرين: ج 5، ص 422، مادة " عذل ".
200

الله (صلى الله عليه وآله) منه، وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه ويقولون له: كذبت على عبد الله
سيدنا، فلما رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان زيد معه يقول: اللهم إنك لتعلم أني لم أكذب على عبد الله
ابن أبي، فما سار إلا قليلا حتى أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان يأخذه من البرحاء (1) عند نزول
الوحي عليه، فثقل حتى كادت ناقته أن تبرك من ثقل الوحي، فسرى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو
يسكب العرق عن جبهته، ثم أخذ باذن زيد بن أرقم فرفعه من الرحل ثم قال: يا غلام صدق
فوك ووعى قلبك، وأنزل الله فيما قلت قرآنا، فلما نزل جمع أصحابه وقرأ عليهم سورة المنافقين
ففضح الله عبد الله بن أبي (2).
قال القمي: فلما نعتهم الله لرسوله، وعرفهم مشى إليهم عشائرهم فقالوا لهم: قد
افتضحتم ويلكم فأتوا نبي الله يستغفر لكم، فلووا رؤوسهم، وزهدوا في الاستغفار (3).
وفي رواية: إن ولد عبد الله بن أبي أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إن كنت عزمت
على قتله فمرني أن أكون أنا الذي أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الأوس والخزرج أني
أبرهم ولدا بوالده، فإني أخاف أن تأمر غيري فيقتله فلا تطيب نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله
فأقتل مؤمنا بكافر، فأدخل النار، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بل تحسن لك صحابته ما دام معنا (4).
وفي الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى سمى من لم يتبع رسوله في ولاية
وصيه منافقين، وجعل من جحد وصيه إمامته كمن جحد محمدا، وأنزل بذلك قرآنا، فقال: يا
محمد " إذا جاءك المنفقون " بولاية وصيك " قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك
لرسوله والله يشهد إن المنفقين " بولاية علي (عليه السلام) " لكاذبون * اتخذوا أيمنهم جنة فصدوا
عن سبيل الله " والسبيل هو الوصي " إنهم ساء ما كانوا يعملون * ذلك بأنهم آمنوا "
برسالتك و " كفروا " بولاية وصيك " فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " يقول: لا يعقلون

1 - البرح - بالفتح فالسكون -: الشدة والمشقة. مجمع البحرين: ج 2، ص 342، مادة " برح ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 368 - 370.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 370، س 14. وفيه: " فلما نعتهم الله لرسوله وعرفه مساءتهم إليهم وإلى عشائرهم
فقالوا لهم: قد افتضحتم ".
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 370، س 7.
201

يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر
الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون 9 وأنفقوا من
ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا
أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين 10
نبوتك " وإذا قيل لهم ": ارجعوا إلى ولاية علي (عليه السلام) يستغفر لكم النبي (صلى الله عليه وآله) من ذنوبكم " لووا
رؤوسهم "، قال الله: " ورأيتهم يصدون " عن ولاية علي (عليه السلام) " وهم مستكبرون " عليه، ثم
عطف القول من الله بمعرفته بهم، فقال: " سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر
الله لهم إن الله لا يهدى القوم الفسقين " يقول: الظالمين لوصيك (1).
* (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) *: لا
يشغلكم تدبيرها والإهتمام بها عن ذكره كالصلاة وسائر العبادات.
* (ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) *: لأنهم باعوا العظيم الباقي بالحقير
الفاني.
* (وأنفقوا من ما رزقناكم) *: بعض أموالكم ادخارا للآخرة.
* (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) *: أن يرى دلائله.
* (فيقول رب لولا أخرتني) *: أمهلتني.
* (إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) *: وقرئ و " أكون " منصوبا،
في الفقيه: وسئل (عليه السلام) عن قول الله: " فأصدق وأكن من الصالحين "؟ قال: أصدق من الصدقة،
وأكن من الصالحين: أحج (2).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) قال: الصلاح هنا: الحج (3).

1 - الكافي: ج 1، ص 432 - 433، ح 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 142، ح 618 / 68، باب 62 - فضائل الحج.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 296، س 7.
202

ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما
تعملون 11
* (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) إن عند الله كتبا
موقوفة يقدم منها ما يشاء ويؤخر منها ما يشاء، فإذا كان ليلة القدر أنزل الله فيها كل شئ
يكون إلى مثلها، فذلك قوله: " ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها " إذا أنزله الله وكتبه كتاب
السماوات وهو الذي لا يؤخره (1).
* (والله خبير بما تعملون) *: وقرئ بالياء. وقد سبق ثواب قراءة هذه السورة.
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 371، س 1.
203

سورة التغابن
205

بسم الله الرحمن الرحيم
يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله
الحمد وهو على كل شئ قدير 1 هو الذي خلقكم فمنكم
كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير 2 خلق
السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم
وإليه المصير 3
سورة التغابن: مدنية، وقال ابن عباس: مكية غير ثلاث آيات من آخرها، عدد آيها
ثماني عشر آية بالإجماع.
* (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو
على كل شئ قدير * هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) *: في الكافي (1)،
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: عرف الله إيمانهم بولايتنا، وكفرهم
بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم وهم ذر (2).
* (والله بما تعملون بصير * خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم
فأحسن صوركم) *: حيث زينكم بصفوة أوصاف الكائنات، وخصكم بخلاصة خصائص

1 - الكافي: ج 1، ص 413، ح 4، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 371، س 11.
207

يعلم ما في السمو ت والأرض ويعلم ما تسرون وما
تعلنون والله عليم بذات الصدور 4 ألم يأتكم نبأ
الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم 5
ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر
يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غنى حميد 6
زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى لتبعثن ثم
لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير 7
المبدعات، وجعلكم أنموذج جميع المخلوقات.
* (وإليه المصير) *: فأحسنوا سرائركم حتى لا تمسخ بالعذاب ظواهركم.
* (يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله
عليم بذات الصدور) *: فلا يخفى عليه شئ.
* (ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل) *: كقوم نوح، وهود، وصالح.
* (فذاقوا وبال أمرهم) *: ضرر كفرهم في الدنيا، وأصل الوبال: الثقل.
* (ولهم عذاب أليم) *: في الآخرة.
* (ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا) *: أنكروا
وتعجبوا أن يكون الرسل بشرا، والبشر يطلق على الواحد والجمع.
* (فكفروا) *: بالرسل.
* (وتولوا) *: عن التدبر في البينات.
* (واستغنى الله) *: عن كل شئ فضلا عن طاعتهم.
* (والله غنى) *: عن عبادتهم، وغيرها.
* (حميد) *: يحمده كل شئ بلسان حاله.
* (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى) *: تبعثون.
208

فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير
8 يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن
بالله ويعمل صلحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنت تجرى
من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم 9
* (وربى لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم) *: بالمحاسبة والمجازاة.
* (وذلك على الله يسير * فآمنوا بالله ورسوله) *: محمد (صلى الله عليه وآله).
* (والنور الذي أنزلنا) *: قيل: يعني القرآن (1). والقمي: النور: أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
وفي الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) الإمامة هي النور، وذلك قوله تعالى: " فآمنوا بالله
ورسوله والنور الذي أنزلنا " قال: النور هو الإمام (3).
وعن الباقر (عليه السلام): إنه سئل عن هذا الآية فقال: النور والله: الأئمة، لنور الإمام في قلوب
المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله
نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم، ويغشاهم بها (4). والقمي: ما في معناه مع زيادة (5).
* (والله بما تعملون خبير * يوم يجمعكم) *: وقرئ بالنون.
* (ليوم الجمع) *: لأجل ما فيه من الحساب والجزاء، والجمع جمع الأولين والآخرين.
* (ذلك يوم التغابن) *: يغبن فيه بعضهم بعضا، لنزول السعداء منازل الأشقياء لو
كانوا سعداء، وبالعكس.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) في تفسيره قال: ما من عبد مؤمن يدخل الجنة إلا أري مقعده
من النار لو أساء، ليزداد شكرا، وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن،
ليزداد حسرة (6).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 480، س 19. 2 - تفسير القمي: ج 2، ص 371.
3 و 4 - الكافي: ج 1، ص 195 - 196 و 195، ذيل حديث 6 و ح 4، باب أن الأئمة (عليهم السلام) نور الله عز وجل.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 371، س 18.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 299، س 9.
209

والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحب النار خالدين
فيها وبئس المصير 10 ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله
ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شئ عليم 11 وأطيعوا
الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلغ
المبين 12 الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون 13
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام): يوم يغبن أهل الجنة أهل النار (1).
* (ومن يؤمن بالله ويعمل صلحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنت
تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) *: وقرئ بالنون فيهما.
* (ذلك الفوز العظيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحب
النار خالدين فيها وبئس المصير) *: الآيتان بيان للتغابن وتفصيل له.
* (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله) *: إلا بتقديره ومشيئته.
* (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) *: القمي: أي يصدق الله في قلبه فإذا بين الله له اختار
الهدى، ويزيده الله كما قال: " ويزيد الله الذين اهتدوا هدى " (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: إن القلب ليرجج فيما بين الصدر والحنجرة حتى يعقد
على الإيمان فإذا عقد على الإيمان قر، وذلك قول الله عز وجل: " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " (3).
* (والله بكل شئ عليم) *: حتى القلوب وأحوالها.
* (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم) *: فلا بأس عليه.
* (فإنما على رسولنا البلغ المبين) *: وقد بلغ.
* (الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون) *: لأن الإيمان بالتوحيد

1 - معاني الأخبار: ص 156، ح 1، باب معنى يوم التلاق، ويوم التناد، ويوم التغابن، ويوم الحسرة.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 372، س 4.
3 - الكافي: ج 2، ص 421، ح 4، باب سهو القلب.
210

يا أيها الذين آمنوا إن من أزوجكم وأولادكم عدوا لكم
فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور
رحيم 14 إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر
عظيم 15
يقتضي ذلك.
* (يا أيها الذين آمنوا إن من أزوجكم وأولادكم عدوا لكم) *: يشغلكم
عن طاعة الله ويخاصمكم في أمر الدين أو الدنيا.
* (فاحذروهم) *: ولا تأمنوا غوائلهم.
* (وإن تعفوا) *: عن ذنوبهم بترك المعاقبة.
* (وتصفحوا) *: بالإعراض وترك التثريب (1) عليها.
* (وتغفروا) *: بإخفائها وتمهيد معذرتهم فيها.
* (فإن الله غفور رحيم) *: يعاملكم بمثل ما عاملتم، ويتفضل عليكم.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية: إن الرجل كان إذا أراد الهجرة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
تعلق به ابنه وامرأته، وقالوا ننشدك الله أن تذهب عنا، وتدعنا فنضيع بعدك، فمنهم من يطيع
أهله فيقيم فحذرهم الله أبناءهم ونساءهم، ونهاهم عن طاعتهم، ومنهم من يمضي ويذرهم،
ويقول: أما والله لئن لم تهاجروا معي، ثم يجمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة، لا أنفعكم بشئ
أبدا، فلما جمع الله بينه وبينهم أمره الله أن يحسن إليهم ويصلهم، فقال: " وإن تعفوا وتصفحوا
وتغفروا فإن الله غفور رحيم " (2).
* (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) *: اختبار لكم.

1 - التثريب: توبيخ وتعيير واستقصاء في اللوم. مجمع البحرين: ج 2، ص 17، مادة " ثرب ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 372، س 11.
211

فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا
خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم
المفلحون 16
* (والله عنده أجر عظيم) *: لمن آثر محبة الله وطاعته على محبة الأموال والأولاد
والسعي لهم.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه كان يخطب، فجاء الحسن والحسين (عليهما السلام) وعليهما قميصان
أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليهما فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر،
وقال: صدق الله عز وجل: " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان
ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما، ثم أخذ في خطبته (1).
وفي نهج البلاغة: لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة لأنه ليس أحد إلا وهو
مشتمل على فتنة، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن، فإن الله سبحانه يقول:
" واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة " (2).
* (فاتقوا الله ما استطعتم) *: فابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم.
* (واسمعوا) *: مواعظه.
* (وأطيعوا) *: أوامره.
* (وأنفقوا) *: في وجوه الخير خالصا لوجهه.
* (خيرا لأنفسكم) *: إنفاقا خيرا لأنفسكم أو أتوا خيرا أو يكن الإنفاق خيرا، وهو
تأكيد للحث على الإمتثال.
* (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) *: سبق تفسيره (3).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 301، س 4.
2 - نهج البلاغة: ص 483 - 484، قصار الحكم 93.
3 - ذيل الآية 9 من سورة الحشر.
212

إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضعفه لكم ويغفر لكم والله
شكور حليم 17 علم الغيب والشهدة العزيز الحكيم 18
* (إن تقرضوا الله) *: بصرف المال فيما أمره.
* (قرضا حسنا) *: مقرونا بإخلاص وطيب نفس.
* (يضعفه لكم) *: يجعل لكم بالواحد عشرا (1) إلى سبعمائة (2) وأكثر (3)، وقرئ
" يضعفه ".
* (ويغفر لكم) *: ببركة الإنفاق.
* (والله شكور) *: يعطي الجزيل بالقليل.
* (حليم) *: لا يعاجل بالعقوبة.
* (علم الغيب والشهدة) *: لا يخفى عليه شئ.
* (العزيز الحكيم) *: تام القدرة والعلم.
في ثواب الأعمال (4)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام): من قرأ سورة التغابن في فريضة كانت
شفيعة له يوم القيامة وشاهد عدل عند من تجيز شهادتها، ثم لا تفارقه حتى تدخله الجنة (5).
* * *

1 - كما يشهد له قوله تعالى: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "، الأنعام: 160، وانظر الكافي: ج 2، ص 92، ح
21، باب الصبر.
2 - انظر الكافي: ج 2، ص 92، ح 21، باب الصبر.
3 - انظر الكافي: ج 2، ص 26 - 27، ح 5، باب إن الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان.
4 - ثواب الأعمال: ص 118، ح 1، باب ثواب قراءة سورة التغابن.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 296، في فضلها.
213

سورة الطلاق
215

بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا
العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا
يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن
يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث
بعد ذلك أمرا 1
سورة الطلاق: تسمى سورة النساء القصرى، مدنية بالإجماع، عدد آيها إحدى
عشر آية.
* (يا أيها النبي) *: القمي: المخاطبة للنبي (صلى الله عليه وآله) والمعنى للناس (1).
* (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) *: وقت عدتهن، وهو الطهر.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: العدة: الطهر من المحيض (2).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله)، والسجاد، والصادق (عليهما السلام): فطلقوهن في قبل عدتهن (3).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال: أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا أراد الرجل الطلاق
طلقها في قبل عدتها بغير جماع (4).

1 و 2 - تفسير القمي: ج 2، ص 373، س 6 و 8.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 302، في القراءة.
4 - الكافي: ج 6، ص 69، ح 9، باب تفسير طلاق السنة والعدة وما يوجب الطلاق.
217

وعن الباقر (عليه السلام): إنما الطلاق أن يقول لها في قبل العدة بعدما تطهر من محيضها قبل أن
يجامعها: أنت طالق أو اعتدي، يريد بذلك الطلاق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين (1).
* (وأحصوا العدة) *: اضبطوها واكملوها ثلاثة قروء.
* (واتقوا الله ربكم) *: في تطويل العدة والإضرار بهن.
* (لا تخرجوهن من بيوتهن) *: من مساكنهن وقت الفراق حتى تنقضي عدتهن.
* (ولا يخرجن) *: في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) إنما عنى بذلك التي تطلق تطليقة بعد
تطليقة، فتلك التي لا تخرج، ولا تخرج حتى تطلق الثالثة، فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه، ولا
نفقة لها، والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضا تقعد في منزل
زوجها، ولها النفقة، والسكنى حتى تنقضي عدتها (2).
* (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) *: في الفقيه: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عنه، فقال:
إلا أن تزني فتخرج، ويقام عليها الحد (3).
وفي الكافي: عن الرضا (عليه السلام) قال: أذاها لأهل الرجل وسوء خلقها (4).
وعنه (عليه السلام): يعني بالفاحشة المبينة: أن تؤذي أهل زوجها، فإذا فعلت فإن شاء أن
يخرجها من قبل أن تنقضي عدتها فعل (5).
وفي المجمع: عنه، وعن الباقر، والصادق (عليهم السلام) ما في معناه (6).
والقمي: معنى الفاحشة أن تزني، أو تشرف على الرجال، ومن الفاحشة: السلاطة (7)
على زوجها، فإن فعلت شيئا من ذلك حل له أن يخرجها (8).
وفي الإكمال: عن صاحب الزمان (عليه السلام) الفاحشة المبينة: السحق دون الزنى، الحديث (9).

1 - الكافي: ج 6، ص 69، ح 1، باب ما يجب أن يقول من أراد أن يطلق.
2 - الكافي: ج 6، ص 90، ح 5، باب عدة المطلقة وأين تعتد.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 322، ح 1565 / 10، باب 154 - طلاق السنة.
4 و 5 - الكافي: ج 6، ص 97، ح 1 و 2، باب في تأويل قوله تعالى: " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ".
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 304، س 24.
7 - السلاطة: حدة اللسان، يقال: رجل سليط: أي صخاب بذئ اللسان، وامرأة سليطة: كذلك. مجمع
البحرين: ج 4، ص 255، مادة " سلط ".
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 374، س 8.
9 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 459، س 16، ح 21، باب 43 - ذكر من شاهد القائم (عليه السلام) ورآه وكلمه.
218

فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن
بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهدة لله
ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن
يتق الله يجعل له مخرجا 2
* (وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) *: بأن عرضها للعقاب.
* (لا تدرى) *: أي النفس.
* (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) *: وهو الرغبة في المطلقة برجعة أو استئناف.
والقمي: قال: لعله أن يبدو لزوجها في الطلاق فيراجعها (1).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) أحب للرجل الفقيه إذا أراد أن يطلق امرأته أن يطلقها
طلاق السنة، ثم قال: وهو الذي قال الله عز وجل: " لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا "، يعني بعد
الطلاق وانقضاء العدة: التزويج بها من قبل أن تزوج زوجا غيره (2).
وعن الصادق (عليه السلام)، المطلقة تكتحل، وتختضب، وتطيب، وتلبس ما شاءت من الثياب،
لأن الله عز وجل يقول: " لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " لعلها أن تقع في نفسه فيراجعها (3).
* (فإذا بلغن أجلهن) *: شارفن آخر عدتهن.
* (فأمسكوهن) *: راجعوهن.
* (بمعروف) *: بحسن عشرة وإنفاق مناسب.
* (أو فارقوهن بمعروف) *: بإيفاء الحق والتمتيع، وإتقاء الضرار.
* (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *: على الطلاق، القمي: معطوف على قوله: " إذا
طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 374، س 11.
2 - الكافي: ج 6، ص 65 - 66، ح 5، باب تفسير طلاق السنة والعدة وما يوجب الطلاق.
3 - الكافي: ج 6، ص 92، ح 14، باب عدة المطلقة وأين تعتد. 4 - تفسير القمي: ج 2، ص 374، س 14.
219

ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو
حسبه إن الله بلغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا 3
في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) قال لأبي يوسف القاضي: إن الله تبارك وتعالى أمر في كتابه
بالطلاق، وأكد فيه بشاهدين، ولم يرض بهما إلا عدلين، وأمر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا
شهود فأثبتم شاهدين فيما أهمل وأبطلتم الشاهدين فيما أكد (1).
* (وأقيموا الشهدة) *: أيها الشهود عند الحاجة.
* (لله) *: خالصا لوجهه.
* (ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل
له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب) *: القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: في دنياه (2).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قرأها فقال: مخرجا من شبهات الدنيا، ومن غمرات
الموت، وشدائد يوم القيامة (3).
وعنه (صلى الله عليه وآله): إني لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم، " ومن يتق الله " الآية، فما زال
يقولها ويعيدها (4).
وفي نهج البلاغة: مخرجا من الفتن، ونورا من الظلم (5).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) " ويرزقه من حيث لا يحتسب " أي يبارك له فيما أتاه (6).
وفي الفقيه: عنه، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام): من أتاه الله برزق لم يخط إليه برجله، ولم يمد
إليه يده، ولم يتكلم فيه بلسان، ولم يشد إليه ثيابه، ولم يتعرض له، كان ممن ذكره الله عز وجل في
كتابه: " ومن يتق الله " الآية (7).

1 - الكافي: ج 5، ص 387، ح 4، باب التزويج بغير بينة.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 375، س 3. 3 و 4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 306، س 16 و 24.
5 - نهج البلاغة: ص 266، س 12، الخطبة 183.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 306، س 22.
7 - من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 101، ح 399 / 47، باب 58 - المعايش، والمكاسب.، والصناعات.
220

وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام): إن قوما من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نزلت هذه الآية
أغلقوا الأبواب، وأقبلوا على العبادة، وقالوا: قد كفينا، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فأرسل إليهم،
فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا: يا رسول الله تكفل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة،
فقال: إنه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب (1).
وعنه (عليه السلام): هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء ليس عندهم ما يتحملون به إلينا، فيسمعون
حديثنا، ويقتبسون من علمنا، فيرحل قوم فوقهم، وينفقون أموالهم، ويتعبون أبدانهم، حتى
يدخلوا علينا فيسمعوا حديثنا فينقلوه إليهم فيعيه هؤلاء ويضيعه هؤلاء، فأولئك الذين يجعل
الله عز ذكره لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون (2).
* (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) *: كافيه.
* (إن الله بلغ أمره) *: يبلغ ما يريده ولا يفوته مراد، وقرئ بالإضافة.
* (قد جعل الله لكل شئ قدرا) *: تقديرا أو مقدارا لا يتغير، وهو بيان لوجوب
التوكل، وتقرير لما تقدم من الأحكام، وتمهيد لما سيأتي من المقادير.
في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية فقال: للتوكل على الله درجات، منها:
أن تتوكل على الله في أمورك كلها، فما فعل بك كنت عنه راضيا تعلم أنه لا يألوك (3) خيرا وفضلا،
وتعلم أن الحكم في ذلك له، فتوكل على الله بتفويض ذلك إليه، وثق به فيها وفي غيرها (4).
وفي المعاني مرفوعا: جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: يا جبرئيل ما التوكل
على الله؟ فقال: العلم بأن المخلوق لا يضر، ولا ينفع، ولا يعطي، ولا يمنع، واستعمال اليأس من
الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعتمد إلى أحد سوى الله، ولم يرج ولم يخف سوى الله، ولم يطمع
في أحد سوى الله، فهذا هو التوكل (5).

1 - الكافي: ج 5، ص 84، ح 5، باب الرزق من حيث لا يحتسب.
2 - الكافي: ج 8، ص 178 - 179، ح 201.
3 - إلى الرجل: إذا قصر وترك الجهد. مجمع البحرين: ج 1، ص 29، مادة " ألا ".
4 - الكافي: ج 2، ص 65، ح 5، باب التفويض إلى الله والتوكل عليه.
5 - معاني الأخبار: ص 260 - 261، ح 1، باب معنى التوكل على الله عز وجل، والصبر، والقناعة، والرضا،
والزهد، والإخلاص، واليقين.
221

واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن
ثلثة أشهر واللائي لم يحضن وأولت الأحمال أجلهن أن
يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا 4
* (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم) *: فلا يحضن.
* (إن ارتبتم) *: شككتم في أمرهن، أي جهلتم فلا تدرون لكبر ارتفع حيضهن أم لعارض؟
في المجمع: عن أئمتنا (عليهم السلام) هن اللواتي أمثالهن يحضن لأنهن لو كن في سن من لا تحيض لم
يكن للإرتياب معنى (1).
* (فعدتهن ثلثة أشهر) *: روي أنه لما نزلت " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة
قروء " (2)، قيل: فما عدة اللائي لم يحضن، فنزلت (3).
* (واللائي لم يحضن) *: أي واللائي لم يحضن بعد ذلك.
* (وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) *: في المجمع: عنهم (عليهم السلام) هي في
الطلاق خاصة (4).
أقول: يعني دون الموت، فإن عدتهن فيه أبعد الأجلين.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) سئل عن رجل طلق امرأته وهي حبلى وكان في بطنها اثنان
فوضعت واحدا وبقي واحد، قال: تبين بالأول، ولا تحل للأزواج حتى تضع ما في بطنها (5).
وعنه (عليه السلام): سئل عن الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر
وعشر، فقال: إن كان دخل بها فرق بينهما، ثم لم تحل له أبدا، واعتدت بما بقي عليها من الأول،
واستقبلت عدة أخرى من الأخير ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما واعتدت بما بقى
عليها من الأول، وهو خاطب من الخطاب (6).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 307، س 1.
2 - البقرة: 228.
3 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 483، س 18.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 307، س 6.
5 - الكافي: ج 6، ص 82، ح 10، باب طلاق الحامل.
6 - الكافي: ج 5، ص 427، ح 4، باب المرأة التي تحرم على الرجل فلا تحل له أبدا.
222

ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم
له أجرا 5 أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا
تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولت حمل فأنفقوا
عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن
وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى 6
* (ومن يتق الله) *: في أحكامه فيراعي حقوقها.
* (يجعل له من أمره يسرا) *: يسهل عليه أمره ويوفقه للخير.
* (ذلك) *: إشارة إلى ما ذكر من الأحكام.
* (أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله) *: في أمره.
* (يكفر عنه سيئاته) *: فإن الحسنات يذهبن السيئات.
* (ويعظم له أجرا) *: بالمضاعفة.
* (أسكنوهن من حيث سكنتم) *: أي مكانا من سكناكم.
* (من وجدكم) *: من وسعكم.
* (ولا تضاروهن) *: في السكنى.
* (لتضيقوا عليهن) *: فتلجئوهن إلى الخروج.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام): لا يضار الرجل امرأته إذا طلقها فيضيق عليها حتى تنتقل
قبل أن تنقضي عدتها، فإن الله قد نهى عن ذلك، ثم تلا هذه الآية (1).
* (وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) *: فيخرجن من العدة.
القمي: قال: المطلقة التي للزوج عليها رجعة: لها عليه سكنى، ونفقة ما دامت في العدة،
فإن كانت حاملا ينفق عليها حتى تضع حملها (2).

1 - الكافي: ج 6، ص 123، ح 1، باب في قول الله عز وجل: " ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 374، س 16.
223

لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آته
الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا 7
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام): إن المطلقة ثلاثا ليس لها نفقة على زوجها إنما هي التي
لزوجها عليها رجعة (1).
وفي التهذيب: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن المطلقة ثلاثا ألها النفقة والسكنى؟ قال:
أحبلى هي؟ قيل: لا، قال: فلا (2). وفي معناه أخبار أخر (3).
* (فإن أرضعن لكم) *: بعد انقطاع علقة النكاح.
* (فآتوهن أجورهن) *: على الإرضاع.
* (وأتمروا بينكم بمعروف) *: وليأمر بعضكم بعضا بجميل في الإرضاع والأجر.
* (وإن تعاسرتم) *: تضايقتم.
* (فسترضع له أخرى) *: امرأة أخرى، وفيه معاتبة للام على المعاسرة.
* (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آته الله) *:
أي فلينفق كل من الموسر والمعسر ما بلغه من وسعه.
* (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتها) *: إلا وسعها، وفيه تطييب لقلب المعسر.
* (سيجعل الله بعد عسر يسرا) *: أي عاجلا أو آجلا، وهذا الحكم يجري في كل إنفاق.
ففي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل الموسر يتخذ الثياب الكثيرة الجياد
والطيالسة، والقمص الكثيرة يصون بعضها بعضا يتجمل بها أيكون مسرفا؟ قال: لا، لأن الله
عز وجل يقول: " لينفق ذو سعة من سعته " (4).

1 - الكافي: ج 6، ص 104، ح 1، باب أن المطلقة ثلاثا لا سكنى لها ولا نفقة.
2 - تهذيب الأحكام: ج 8، ص 133، ح 462 / 61، باب 6 - عدد النساء.
3 - راجع تهذيب الأحكام: ج 8، ص 133، ح 57 و 58 و 59، باب 6 - عدد النساء.
4 - الكافي: ج 6، ص 443، ح 12، باب اللباس.
224

وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا
شديدا وعذبناها عذابا نكرا 8 فذاقت وبال أمرها وكان
عقبة أمرها خسرا 9 أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا
الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا
10 رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين
آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن
يؤمن بالله ويعمل صلحا يدخله جنت تجرى من تحتها
الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا 11
وفيه (1)، والقمي: عنه (عليه السلام) في قوله: " ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آته الله " قال:
إن أنفق الرجل على امرأته ما يقيم ظهرها مع كسوة، وإلا فرق بينهما (2).
* (وكأين من قرية) *: أهل قرية.
* (عتت عن أمر ربها ورسله) *: أعرضت عنه إعراض العاتي.
* (فحاسبناها حسابا شديدا) *: بالإستقصاء، والمناقشة.
* (وعذبناها عذابا نكرا) *: منكرا، والمراد إما حساب الآخرة وعذابها، وإنما عبر
بالماضي لتحققه، وإما استقصاء ذنوبهم وما أصيبوا به عاجلا.
* (فذاقت وبال أمرها) *: عقوبة كفرها ومعاصيها.
* (وكان عقبة أمرها خسرا) *: لا ربح فيه أصلا.
* (أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولى الألباب الذين آمنوا قد
أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات) *: في العيون: عن

1 - الكافي: ج 5، ص 512، ح 7، باب حق المرأة على الزوج.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 375، س 6.
225

الله الذي خلق سبع سموت ومن الأرض مثلهن يتنزل
الامر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد
أحاط بكل شئ علما 12
الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: " فاسئلوا أهل الذكر " إن الذكر: رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن أهله، قال:
وذلك بين في كتاب الله عز وجل حيث يقول في سورة الطلاق: " فاتقوا الله يا أولي الألباب
الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات " (1).
* (ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور) *: من
الضلالة إلى الهدى.
* (ومن يؤمن بالله ويعمل صلحا يدخله جنت تجرى من تحتها الأنهار
خالدين فيها أبدا) *: وقرئ " ندخله " بالنون.
* (قد أحسن الله له رزقا * الله الذي خلق سبع سموت ومن الأرض
مثلهن) *: في العدد.
* (يتنزل الامر بينهن) *: يجري أمر الله وقضاؤه بينهن وينفذ حكمه فيهن.
* (لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما) *:
علة ل‍ " خلق " أو " يتنزل " أو ما يعمهما، فإن كلا من الأمرين يدل على كمال قدرته وعلمه.
القمي: عن الرضا (عليه السلام) إنه سئل عن قوله الله تعالى: " والسماء ذات الحبك " (2)؟ فقال:
هي محبوكة إلى الأرض وشبك بين أصابعه، ثم بين كيفية خلق السماوات السبع والأرضين
السبع واشتباكهما، وأن السماء الدنيا فوق هذه الأرض قبة عليها، وأن الأرض الثانية فوق
السماء الدنيا، والسماء الثانية فوقها قبة، وهكذا إلى السابعة منها، ثم قال: وهو قول الله: " الذي

1 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 239، وأما التاسعة، ح 1، باب 23 - ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في
الفرق بين العترة والأمة.
2 - الذاريات: 7.
226

خلق سبع سموت طباقا " (1) " ومن الأرض مثلهن يتنزل الامر بينهن "، قال: فأما صاحب
الأمر، فهو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والوصي بعده قائم على وجه الأرض، وإنما يتنزل الأمر إليه من
فوق السماء بين السماوات والأرضين (2).
وقد مضى تمام الحديث على وجهه في سورة الذاريات (3).
وفي ثواب الأعمال (4)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام): من قرأ سورة الطلاق والتحريم في
فريضة، أعاذه الله من أن يكون يوم القيامة ممن يخاف أو يحزن، وعوفي من النار، وأدخله الله
الجنة بتلاوته إياهما ومحافظته عليهما لأنهما للنبي (صلى الله عليه وآله) (5).
* * *

1 - الملك: 3.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 328 - 329.
3 - ذيل الآية: 7
4 - ثواب الأعمال: ص 119، ح 1، باب قراءة سورة الطلاق والتحريم.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 302، في فضلها.
227

سورة التحريم
229

بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات
أزوجك والله غفور رحيم 1
سورة التحريم: مدنية، عدد آيها اثنتا عشرة آية بالإجماع.
* (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزوجك والله
غفور رحيم) *: القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: اطلعت عائشة وحفصة على النبي (صلى الله عليه وآله) وهو مع
مارية، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما أقربها، فأمره الله أن يكفر عن يمينه (1).
وروي أنه خلا بمارية في يوم حفصة أو عائشة، فاطلعت على ذلك حفصة فعاتبته فيه
فحرم مارية فنزلت (2).
وقيل: شرب عسلا عند حفصة فواطأت عائشة، وسودة، وصفية، فقلن له: إنا نشم

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 375، س 18. 2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 485، س 15.
أقول: قال الزمخشري في تفسيره الكشاف: ج 4، ص 562: روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلا بمارية في يوم
عائشة، وعلمت بذلك حفصة، فقال لها: اكتمي علي، وقد حرمت مارية على نفسي، وأبشرك أن أبا بكر وعمر
يملكان بعدي أمر أمتي، فأخبرت به عائشة وكانتا متصادقتين. وقيل: خلا بها في يوم حفصة، فأرضاها بذلك
واستكتمها فلم تكتم، فطلقها واعتزل نساءه، ومكث تسعا وعشرين ليلة في بيت مارية. وروي أن عمر قال لها:
لو كان في آل الخطاب خير لما طلقك، الحديث.
231

قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم
الحكيم 2 وإذ أسر النبي إلى بعض أزوجه حديثا فلما
نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض
فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير 3
منك ريح المغافير (1)، فحرم العسل فنزلت (2). ويأتي تمام الكلام فيه إن شاء الله.
* (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) *: قد شرع لكم تحليلها، وهو حل ما عقدته
بالكفارة.
* (والله مولاكم) *: متولي أموركم.
* (وهو العليم) *: بما يصلحكم.
* (الحكيم) *: المتقن في أفعاله وأحكامه.
* (وإذ أسر النبي إلى بعض أزوجه حديثا فلما نبأت به) *: أخبرت به.
* (وأظهره الله عليه) *: وأطلع الله النبي على الحديث، أي على افشائه.
* (عرف بعضه) *: عرف الرسول بعض ما فعلت.
* (وأعرض عن بعض) *: عن إعلام بعض تكرما، وقرئ " عرف " بالتخفيف.
في المجمع: واختار التخفيف أبو بكر بن أبي عياش، وهو من الحروف العشرة التي قال:
إني أدخلتها في قراءة عاصم من قراءة علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى استخلصت قراءته، يعني

1 - المغافير: صمغ يسيل من شجر العرفط غير أن رائحته ليست بطيبة، روي عن عائشة، أن النبي (صلى الله عليه وآله) شرب
عند حفصة عسلا فتواصينا أن نقول له: أكلت مغافير، وفي رواية: قالت له سودة أكلت مغافير، ويقال له أيضا:
مغاثير، بالثاء المثلثة، وله ريح كريهة منكرة، أرادت صمغ العرفط. لسان العرب: ج 10، ص 94، مادة " غفر ".
2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 485، س 16.
أقول: وقال الزمخشري في تفسيره الكشاف: ج 4، ص 563، روي أنه شرب عسلا في بيت زينب بنت جحش،
فتواطأت عائشة وحفصة، فقالتا له: إنا نشم منك ريح المغافير، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكره التفل، فحرم العسل.
232

قراءة علي (عليه السلام) (1).
* (فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير) *: القمي: كان
سبب نزولها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في بعض بيوت نسائه، وكانت مارية القبطية تكون معه
تخدمه، وكان ذات يوم في بيت حفصة فذهبت حفصة في حاجة لها، فتناول رسول الله (صلى الله عليه وآله)
مارية، فعلمت حفصة بذلك فغضبت، وأقبلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله في يومي،
وفي داري، وعلى فراشي، فاستحيى رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها، فقال: كفي قد حرمت مارية على
نفسي ولا أطأها بعد هذا أبدا، وأنا أفضي إليك سرا إن أنت أخبرت به فعليك لعنة الله والملائكة،
والناس أجمعين، فقالت: نعم ما هو؟ فقال: إن أبا بكر يلي الخلافة بعدي، ثم بعده أبوك، فقالت:
" من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير " فأخبرت حفصة به عائشة من يومها ذلك، وأخبرت
ذلك عائشة أبا بكر، فجاء أبو بكر إلى عمر، فقال له: إن عائشة أخبرتني عن حفصة بشئ ولا
أثق بقولها، فاسأل أنت حفصة، فجاء عمر إلى حفصة، فقال لها: ما هذا الذي أخبرت عنك
عائشة؟ فأنكرت ذلك، وقالت: ما قلت لها من ذلك شيئا، فقال لها عمر: إن هذا حق فأخبرينا
حتى نتقدم فيه، فقالت: نعم، قد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاجتمعوا أربعة على أن يسموا رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه السورة، قال: " وأظهره الله عليه " يعني
أظهره الله على ما أخبرت به، وما هموا به من قتله، " عرف بعضه " أي أخبرها، وقال: لم
أخبرت بما أخبرتك، " وأعرض عن بعض " قال: لم يخبرهم بما يعلم مما هموا به من قتله (2).
وفي المجمع: قيل: إن النبي (صلى الله عليه وآله) خلا في بعض يوم لعائشة مع جاريته أم إبراهيم مارية
القبطية فوقفت حفصة على ذلك، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تعلمي عائشة ذلك، وحرم مارية
على نفسه، فأعلمت حفصة عائشة الخبر، واستكتمتها إياه فأطلع الله نبيه على ذلك وهو قوله:
" وإذ أسر النبي إلى بعض أزوجه حديثا " يعني حفصة، ولما حرم مارية القبطية أخبر حفصة
أنه يملك من بعده أبو بكر، وعمر، فعرفها بعض ما أفشت من الخبر وأعرض عن بعض أن أبا
بكر وعمر يملكان بعدي، قال: وقريب من ذلك ما رواه العياشي عن أبي جعفر (عليه السلام) إلا أنه زاد

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 312، في القراءة.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 375 - 376.
233

إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظهرا عليه فإن
الله هو موله وجبريل وصلح المؤمنين والملائكة بعد
ذلك ظهير 4
في ذلك أن كل واحدة منهما حدثت أباها بذلك، فعاتبهما (1) في أمر مارية، وما أفشتا عليه من
ذلك، وأعرض عن أن يعاتبهما في الأمر الآخر (2).
* (إن تتوبا إلى الله) *: خطاب لحفصة وعائشة على الالتفات للمبالغة في المعاتبة.
* (فقد صغت قلوبكما) *: فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، وهو ميل قلوبكما عن
الواجب من مخالصة الرسول (صلى الله عليه وآله) بحب ما يحبه، وكراهة ما يكرهه.
* (وإن تظهرا عليه) *: وإن تتظاهرا عليه بما يسوءه، وقرئ بالتخفيف.
في المجمع (3)، والأمالي: عن ابن عباس أنه سأل عمر بن الخطاب، من اللتان تظاهرتا
على رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: عائشة وحفصة (4).
وفي الجوامع: عن الكاظم (عليه السلام) إنه قرأ " وإن تظاهروا عليه " (5).
أقول: كأنه أشرك معهما أبويهما.
* (فإن الله هو موله وجبريل وصلح المؤمنين) *: فلن يعدم من يظاهره، فإن
الله ناصره، وجبرئيل رئيس الكروبيين قرينه، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أخوه ووزيره ونفسه.
* (والملائكة بعد ذلك ظهير) *: مظاهرون، القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: " وصلح
المؤمنين ": هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) (6).

1 - هكذا في الأصل. وفي المجمع: " فعاتبهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمر مارية ".
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 314، س 11.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 316، س 7.
4 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 151، ح 249 / 1، المجلس السادس.
5 - جوامع الجامع: ص 499، س 25، الطبعة الحجرية.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 377، س 6.
234

عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزوجا خيرا منكن مسلمت
مؤمنات قانتات تائبات عبدت سائحات ثيبت
وأبكارا 5 يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم
نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا
يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون 6
وفي المجمع: عنه (عليه السلام) قال: لقد عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) أصحابه مرتين، أما مرة
فحيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وأما الثانية: فحيث ما نزلت هذه الآية، فإن الله هو
مولاه، وجبرئيل، وصالح المؤمنين، أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد علي (عليه السلام) وقال: يا أيها الناس هذا
صالح المؤمنين، وقالت أسماء بنت عميس: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: " وصلح المؤمنين " علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) (1).
قال: ووردت الرواية من طريق العام والخاص أن المراد بصالح المؤمنين: علي بن أبي
طالب (عليه السلام) (2).
* (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله) *: وقرئ بالتخفيف.
* (أزوجا خيرا منكن مسلمت مؤمنات قانتات تائبات عبدت
سائحات) *: صائمات.
* (ثيبت وأبكارا) *: وسط العاطف بينهما لتنافيهما، ولأنهما في حكم صفة واحدة، إذ
المعنى مشتملات على الثيبات والأبكار.
* (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم) *: بترك المعاصي وفعل الطاعات.
* (وأهليكم) *: بالنصح والتأديب.
* (نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة) *: تلي أمرها وهم الزبانية.

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 316، س 13.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 316، س 12.
235

يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم
تعملون 7 يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا
عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنت
تجرى من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين
آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون
ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير 8
* (غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) *: في الكافي:
عن الصادق (عليه السلام) لما نزلت هذه الآية جلس رجل من المسلمين يبكي، وقال: عجزت عن
نفسي كلفت أهلي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عما
تنهى عنه نفسك (1).
والقمي: عنه (عليه السلام) قيل له: هذه نفسي أقيها، فكيف أقي أهلي؟ قال: تأمرهم بما أمرهم الله
به، وتنهاهم عما نهاهم الله عنه، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما
عليك (2). وفي الكافي: ما يقرب منه (3).
* (يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون) *: أي
يقال لهم ذلك عند دخولهم النار، والنهي عن الإعتذار لأنه لا عذر لهم، أو العذر لا ينفعهم.
* (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) *: بالغة في النصح، وهو
صفة التائب فإنه ينصح نفسه بالتوبة، وصفت به على الإسناد المجازي مبالغة، وقرئ بضم
النون وهو المصدر.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية، فقال: يتوب العبد من الذنب ثم لا

1 - الكافي: ج 5، ص 62، ح 1، باب 1.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 377، س 12.
3 - الكافي: ج 5، ص 62، ح 2، باب 1.
236

يعود فيه (1).
وفي رواية: قيل له: وأينا لم يعد؟ فقال: إن الله يحب من عباده المفتن (2) التواب (3).
والقمي: عن الكاظم (عليه السلام) في هذه الآية قال: يتوب العبد ثم لا يرجع فيه، وإن أحب
عباد الله إلى الله المفتن التائب (4). وفي الكافي: عنه (عليه السلام) ما في معناه (5) (6).
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام) التوبة النصوح: أن يكون باطن الرجل كظاهره وأفضل (7).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله فستر عليه في الدنيا
والآخرة، قيل: وكيف يستر عليه، قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب، ويوحي إلى
جوارحه اكتمي عليه ذنوبه، ويوحي إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب
فيلقى الله حين يلقاه وليس شئ يشهد عليه بشئ من الذنوب (8).
* (عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنت تجرى من تحتها
الأنهار) *: قيل: ذكر بصيغة الإطماع جريا على عادة الملوك، وإشعارا بأنه تفضل، والتوبة غير
موجب، وأن العبد ينبغي أن يكون بين خوف ورجاء (9).
* (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم
وبأيمانهم) *: في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: يسعى أئمة المؤمنين يوم القيامة بين
أيدي المؤمنين، وبأيمانهم حتى ينزلوهم منازلهم في الجنة (10)، القمي: عنه (عليه السلام) ما يقرب منه (11).
وعن الباقر (عليه السلام): فمن كان له نور يومئذ نجا وكل مؤمن له نور (12).

1 - الكافي: ج 2، ص 432، ح 3، باب التوبة.
2 - من الإفتتان، بمعنى الوقوع في الفتنة. منه (قدس سره).
3 - الكافي: ج 2، ص 432، ح 4، باب التوبة.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 377، س 15.
5 - الكافي: ج 2، ص 432، ذيل حديث 3، باب التوبة.
6 - يعني الذي يكثر ذنبه وتكثر توبته، يذنب الذنب فيتوب منه، ثم يبتلى به فيعود، ثم يتوب، وهكذا، انظر
الوافي: ج 5، ص 1092، ذيل حديث 3628 - 5.
7 - معاني الأخبار: ص 174، ح 3، باب معنى التوبة النصوح.
8 - الكافي: ج 2، ص 430 - 431، ح 1، باب التوبة.
9 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 487، س 17.
10 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 318، س 28.
11 - تفسير القمي: ج 2، ص 378، س 7.
12 - تفسير القمي: ج 2، ص 378، س 4.
237

يا أيها النبي جهد الكفار والمنفقين واغلظ عليهم
ومأويهم جهنم وبئس المصير 9 ضرب الله مثلا
للذين كفروا امرأت نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين
من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا
وقيل ادخلا النار مع الداخلين 10
* (يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير * يا أيها
النبي جهد الكفار والمنفقين) *: في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) إنه قرأ جاهد الكفار
بالمنافقين، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقاتل منافقا قط إنما كان يتألفهم (1).
والقمي: عنه (عليه السلام) في قوله: " جهد الكفار والمنفقين " قال: هكذا نزلت، فجاهد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكفار، وجاهد علي (عليه السلام) المنافقين،
فجهاد علي (عليه السلام) جهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
وقد سبق تمام بيانه في سورة التوبة (3).
* (واغلظ عليهم ومأويهم جهنم وبئس المصير * ضرب الله مثلا
للذين كفروا امرأت نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين
فخانتاهما) * (4): بالنفاق، والتظاهر على الرسولين، مثل الله حال الكفار والمنافقين في أنهم
يعاقبون بكفرهم ونفاقهم، ولا يجابون (5) بما بينهم وبين النبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين من النسبة،
والوصلة (6) بحال امرأة نوح وامرأة لوط، وفيه تعريض بعائشة وحفصة في خيانتهما رسول

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 319، س 3.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 377، س 9.
3 - ذيل الآية: 73، انظر ج 3، ص 436 - 437 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - أقول: جاء في تفسير القمي: ج 2، ص 377، س 19 ذيل هذه الآية: والله ما عنى بقوله: " فخانتاهما " إلا
الفاحشة، وليقيمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق. وكان فلان يحبها فلما أرادت أن تخرج إلى. قال لها فلان: لا
يحل لك أن تخرجي من غير محرم، فزوجت نفسها من فلان.
5 - وفي نسخة: [ولا يحابون].
6 - وفي نسخة: [والمواصلة].
238

وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت
رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله
ونجني من القوم الظالمين 11 ومريم ابنت عمران التي
أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات
ربها وكتبه وكانت من القانتين 12
الله (صلى الله عليه وآله) بإفشاء سره ونفاقهما إياه، وتظاهرهما عليه، كما فعلت امرأتا الرسولين (1).
* (فلم يغنيا عنهما من الله شيئا) *: فلن يغن الرسولان عنهما بحق الزواج إغناء ما.
* (وقيل) *: لهما عند موتهما، أو يوم القيامة.
* (ادخلا النار مع الداخلين) *: الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء.
* (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون) *: ومثل حال المؤمنين في أن
وصلة الكافرين لا تضرهم بحال آسية ومنزلتها عند الله مع أنها كانت تحت أعدى أعداء الله.
* (إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله) *: من
نفسه الخبيثة، وعمله السئ.
* (ونجني من القوم الظالمين) *: من القبط التابعين له في الظلم.
* (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها) *: القمي: قال: لم ينظر إليها (2).
* (فنفخنا فيه) *: في فرجها.
* (من روحنا) *: من روح خلقناه بلا توسط أصل. والقمي: أي روح مخلوقة (3).
* (وصدقت بكلمات ربها وكتبه) *: وقرئ " بكتابه ".

1 - أقول: ويؤيده ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: قوله تعالى: " ضرب الله. " الآية، مثل ضربه الله
لعائشة وحفصة تظاهرتا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأفشتا سره، انظر تأويل الآيات الظاهرة: ص 676.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 378، س 1.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 378، س 2.
239

* (وكانت من القانتين) *: من المواظبين على الطاعة. والقمي: من الداعين (1).
والتذكير للتغليب، والإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال الكاملين حتى
عدت من جملتهم.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربعة:
آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت
محمد (صلى الله عليه وآله) (2).
وفي الخصال: عنه (عليه السلام): أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة (عليها السلام) بنت
محمد (صلى الله عليه وآله)، ومريم بنت عمران، م وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون (3).
وفي الفقيه: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على خديجة (عليها السلام) وهي لما بها، فقال لها: بالرغم منا ما
نرى بك يا خديجة، فإذا قدمت على ضرائرك فاقرأيهن السلام، فقالت: من هن يا رسول الله؟
فقال: مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى (عليه السلام)، وآسية امرأة فرعون، فقالت بالرفاء (4) يا
رسول الله (5).
قد سبق ثواب قراءتها (6).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 378، س 2.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 320، س 6.
3 - الخصال: ص 205 - 206، ح 22، باب 4 - أفضل نساء أهل الجنة أربع.
4 - الرفاء - ككتاب -: الإلتئام والإنفاق والبركة والنماء. مجمع البحرين: ج 1، ص 192، مادة " رفا ".
5 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 84، ح 386 / 41، باب 23 - غسل الميت.
6 - تقدم في آخر سورة الطلاق فراجع.
240

سورة الملك
241

بسم الله الرحمن الرحيم
تبرك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير 1 الذي
خلق الموت والحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو
العزيز الغفور 2
سورة الملك: تسمى سورة المنجية لأنها تنجي صاحبها من عذاب القبر، وتسمى
الواقية، وهي مكية، عدد آيها إحدى وثلاثون آية.
* (تبرك الذي بيده الملك) *: بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلها.
* (وهو على كل شئ قدير * الذي خلق الموت والحيوة) *: القمي: قال:
قدرهما، ومعناه قدر الحياة ثم الموت (1).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام): إن الله خلق الحياة قبل الموت (2).
وعنه (عليه السلام): الحياة والموت خلقان من خلق الله، فإذا جاء الموت فدخل في الإنسان، لم
يدخل في شئ إلا وقد خرجت منه الحياة (3).
* (ليبلوكم) *: ليعاملكم معاملة المختبر بالتكليف.
* (أيكم أحسن عملا) *: وذلك لأن الموت داع إلى حسن العمل، وموجب لعدم

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 378، س 12.
2 - الكافي: ج 8، ص 145، ح 116.
3 - الكافي: ج 3، ص 259، ح 34، باب النوادر.
243

الذي خلق سبع سموت طباقا ما ترى في خلق الرحمن
من تفوت فارجع البصر هل ترى من فطور 3
الوثوق بالدنيا ولذاتها الفانية، والحياة يقتدر معها على الأعمال الصالحة الخالصة.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه سئل عن قوله: " أيكم أحسن عملا " ما عنى به؟ فقال:
يقول: أيكم أحسن عقلا؟ ثم قال: أتمكم عقلا، وأشدكم لله خوفا، وأحسنكم فيما أمر الله به،
ونهى عنه نظرا، وإن كانوا أقلكم تطوعا (1).
وفي رواية: قال: أيكم أحسن عقلا، وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) ليس يعني أكثر عملا، ولكن أصوبكم عملا، وإنما
الإصابة خشية الله، والنية الصادقة، ثم قال: الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل،
والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل، والنية أفضل من العمل
ألا وأن النية هو العمل، ثم تلا قوله عز وجل: " قل كل يعمل على شاكلته " (3)، يعني على
نيته (4).
أقول: لعل المراد بالإبقاء على العمل أن لا يحدث به إرادة الحمد من الناس حتى يبقى
خالصا لله، ولا يخفى أنه أشد من العمل.
* (وهو العزيز) *: الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل.
* (الغفور) *: لمن تاب منهم.
* (الذي خلق سبع سموت طباقا) *: متطابقة (5)، القمي: عن الباقر (عليه السلام) بعضها
فوق بعض (6).
* (ما ترى في خلق الرحمن من تفوت) *: من اختلاف، القمي: قال: يعني من

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 322، س 23.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 322، س 26.
3 - الإسراء: 84.
4 - الكافي: ج 2، ص 16، ح 4، باب الإخلاص.
5 - وفي نسخة: [مطابقة].
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 378، س 14.
244

ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو
حسير 4 ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها
رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير 5
فساد (1)، وقرئ " من تفوت " وهو بمعناه.
* (فارجع البصر هل ترى من فطور) *: من خلل، قيل: يعني قد نظرت إليها
مرارا فانظر إليها مرة أخرى متأملا فيها لتعاين ما أخبرت به من تناسبها واستقامتها (2).
* (ثم ارجع البصر كرتين) *: أي رجعتين أخريين في ارتياد الخلل، والمراد بالتثنية
التكرير والتكثير، كما في لبيك وسعديك.
والقمي: قال: انظر في ملكوت السماوات والأرض (3).
* (ينقلب إليك البصر خاسئا) *: بعيدا عن إصابة المطلوب كأنه طرد عنه طردا
بالصغار.
* (وهو حسير) *: كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة.
* (ولقد زينا السماء الدنيا) *: أقرب السماوات إلى الأرض.
* (بمصابيح) *: القمي: قال: بالنجوم (4).
* (وجعلناها رجوما للشياطين) *: ترجم بها، جمع رجم بالفتح، بمعنى ما يرجم به.
قيل: أريد به انقضاض الشهب المسببة عنها (5).
وقيل: أي رجوما، وظنونا لشياطين الإنس وهم المنجمون (6).
* (وأعتدنا لهم عذاب السعير) *: في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 378، س 15.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 489، س 16.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 378، س 16.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 378، س 18.
5 و 6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 490، س 3.
245

وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير 6 إذا
ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور 7 تكاد تميز من
الغيظ كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير 8
قالوا بلى قد جاء نا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ
إن أنتم إلا في ضلل كبير 9 وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل
ما كنا في أصحب السعير 10
* (وللذين كفروا بربهم) *: من الشياطين وغيرهم.
* (عذاب جهنم وبئس المصير * إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا) *: صوتا
كصوت الحمير.
* (وهي تفور) *: تغلي بهم غليان المرجل (1) بما فيه.
* (تكاد تميز من الغيظ) *: تتفرق غضبا عليهم، وهو تمثيل لشدة اشتعالها.
القمي: قال: من الغيض على أعداء الله (2).
* (كلما ألقى فيها فوج) *: جماعة منهم.
* (سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير) *: يخوفكم هذا العذاب، وهو توبيخ وتبكيت (3).
* (قالوا بلى قد جاء نا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في
ضلل كبير) *: أي فكذبنا الرسل، وأفرطنا في التكذيب حتى نفينا الإنزال والإرسال رأسا،
وبالغنا في نسبتهم إلى الضلال.
* (وقالوا لو كنا نسمع) *: كلام الرسل فنقبله جملة من غير بحث وتفتيش اعتمادا

1 - المرجل: القدر من الحجارة والنحاس. مذكر، وقيل: هو قدر النحاس خاصة، وقيل: هي كل ما طبخ فيها من
قدر وغيرها. لسان العرب: ج 5، ص 160، مادة " رجل ". 2 - تفسير القمي: ج 2، ص 378، س 19.
3 - التبكيت: التقريع، والتوبيخ، ويقال: بكته بالحجة: إذا غلبه. مجمع البحرين: ج 2، ص 192، مادة " بكت ".
246

فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير 11 إن الذين
يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير 12 وأسروا
قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور 13 ألا
يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير 14
على صدقهم.
* (أو نعقل) *: فنفكر في حكمه ومعانيه تفكر المستبصرين.
* (ما كنا في أصحب السعير) *: في عدادهم وفي جملتهم.
* (فاعترفوا بذنبهم) *: حين لا ينفعهم.
* (فسحقا لأصحاب السعير) *: فأسحقهم الله سحقا، أي أبعدهم بعدا من رحمته،
وقرئ " فسحقا " بضمتين.
والقمي: قال: قد سمعوا وعقلوا، ولكنهم لم يطيعوا ولم يقبلوا، كما يدل عليه اعترافهم
بذنبهم (1).
وفي الإحتجاج: في خطبة الغديرية النبوية: إن هذه الآيات في أعداء علي
وأولاده (عليهم السلام)، والتي بعدها في أوليائهم (2).
* (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة) *: لذنوبهم.
* (وأجر كبير) *: تصغر دونه لذائذ الدنيا.
* (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور) *: بالضمائر قبل أن
يعبر بها سرا أو جهرا.
* (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) *: المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 378 - 379.
2 - الإحتجاج: ج 1، ص 79 - 80، احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير على الخلق كلهم، وفي غيره من الأيام بولاية
علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن بعده.
247

هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا
من رزقه وإليه النشور 15 أأمنتم من في السماء أن
يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور 16 أم أمنتم من في
السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير 17
وما بطن وإن صغر ولطف لا يعزب عنه شئ ولا يفوته.
روي أن المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء فيخبر الله بها رسوله، فيقولون:
أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد (صلى الله عليه وآله)، فنبه الله على جهلهم (1).
* (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا) *: لينة، يسهل لكم السلوك فيها.
* (فامشوا في مناكبها) *: في جوانبها أو جبالها.
قيل: هو مثل لفرط التذلل، فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له،
فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شئ منها لم يتذلل (2).
* (وكلوا من رزقه) *: والتمسوا من نعم الله.
* (وإليه النشور) *: المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم.
* (أأمنتم من في السماء) *: يعني الملائكة الموكلين على تدبير هذا العالم، وقرئ
" وأمنتم " بقلب الهمزة الأولى واوا لانضمام ما قبلها، وبقلب الثانية ألفا.
* (أن يخسف بكم الأرض) *: فيغيبكم فيها، كما فعل بقارون.
* (فإذا هي تمور) *: تضطرب.
* (أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) *: أن يمطر عليكم حصباء.
* (فستعلمون كيف نذير) *: كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به، ولكن لا ينفعكم

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 497، س 4.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 497، س 7.
248

ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير 18 أولم يروا
إلى الطير فوقهم صفت ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن
إنه بكل شئ بصير 19 أمن هذا الذي هو جند لكم
ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور 20
العلم حينئذ.
* (ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير) *: إنكاري عليهم بانزال
العذاب، وهو تسلية للرسول (صلى الله عليه وآله)، وتهديد لقومه.
* (أولم يروا إلى الطير فوقهم صفت) *: باسطات أجنحتهن في الجو عند
طيرانها، فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها (1).
* (ويقبضن) *: ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتا بعد وقت للاستعانة به على
التحرك.
* (ما يمسكهن) *: في الجو على خلاف الطبع.
* (إلا الرحمن) *: الواسع رحمته كل شئ.
* (إنه بكل شئ بصير) *: يعلم كيف ينبغي أن يخلقه.
* (أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن) *: يعني أولم
تنظروا في أمثال هذه الصنائع فتعلموا قدرتنا على تعذيبكم بنحو خسف؟ أو إرسال حاصب،
أم هذا الذي تعبدونه من دون الله لكم جند ينصركم من الله؟ أو يرسل عليكم عذابه فهو
كقوله: " أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا " (2)، وفيه إشعار بأنهم اعتقدوا القسم الثاني.
* (إن الكافرون إلا في غرور) *: لا معتمد لهم.

1 - قواديم الطير: مقاديم ريشه، وهي عشر في كل جناح. الصحاح: ج 5، ص 2007، مادة " قدم ".
2 - الأنبياء: 43.
249

أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو
ونفور 21 أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أمن يمشى
سويا على صرط مستقيم 22
* (أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه) *: بإمساك المطر وسائر الأسباب
المحصلة والموصلة له إليكم.
* (بل لجوا) *: تمادوا.
* (في عتو) *: عناد.
* (ونفور) *: وشراد عن الحق لتنفر طباعهم عنه.
* (أفمن يمشى مكبا على وجهه) *: يعثر كل ساعة، ويخر على وجهه لوعورة (1)
طريقه بحيث لا يستأهل أن يسلك.
* (أهدى أمن يمشى سويا) *: قائما سالما من العثار.
* (على صرط مستقيم) *: مستوي الأجزاء والجهة، صالح للسلوك، والمراد تمثيل
للمشرك والموحد بالسالكين والدينين بالمسلكين.
في الكافي (2)، والمعاني: عن الباقر (عليه السلام)، القلوب أربعة: قلب فيه نفاق وإيمان، وقلب
منكوس، وقلب مطبوع، وقلب أزهر أنور، قال: فأما المطبوع: فقلب المنافق، وأما الأزهر:
فقلب المؤمن، إن أعطاه الله عز وجل شكر وإن ابتلاه صبر، وأما المنكوس: فقلب المشرك، ثم
قرأ هذه الآية وذكر الرابع (3).
وفي الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية، فقال: إن الله ضرب مثل من حاد

1 - الوعر: المكان الحزن، ذو الوعورة. ضد السهل. لسان العرب: ج 15، ص 343، مادة " وعر ".
2 - الكافي: ج 2، ص 422 - 423، ح 2، باب في ظلمة قلب المنافق وإن أعطي اللسان، ونور قلب المؤمن وإن
قصر به لسانه.
3 - معاني الأخبار: ص 395، ح 51، باب نوادر المعاني.
250

قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصر
والأفئدة قليلا ما تشكرون 23 قل هو الذي ذرأكم في
الأرض وإليه تحشرون 24 ويقولون متى هذا الوعد إن
كنتم صادقين 25 قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير
مبين 26 فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل
هذا الذي كنتم به تدعون 27
عن ولاية علي (عليه السلام) كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره، وجعل من تبعه سويا على صراط
مستقيم، والصراط المستقيم: أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
* (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصر والأفئدة) *: لتسمعوا
مواعظه وتنظروا إلى صنائعه وتتفكروا وتعتبروا.
* (قليلا ما تشكرون) *: باستعمالها فيما خلقت لأجلها.
* (قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون) *: للجزاء.
* (ويقولون متى هذا الوعد) *: أي الحشر.
* (إن كنتم صادقين) *: يعنون النبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين.
* (قل إنما العلم) *: أي علم وقته.
* (عند الله) *: لا يطلع عليه سواه.
* (وإنما أنا نذير مبين * فلما رأوه زلفة) *: أي ذا قرب.
* (سيئت وجوه الذين كفروا) *: بان عليها الكآبة وساءتها رؤيته.
* (وقيل هذا الذي كنتم به تدعون) *: تطلبون وتستعجلون من الدعاء.
في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) هذه نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه الذين عملوا ما

1 - الكافي: ج 1، ص 433، ح 91، س 11، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
251

قل أرءيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير
الكافرين من عذاب أليم 28 قل هو الرحمن آمنا به
وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلل مبين 29
عملوا يرون أمير المؤمنين (عليه السلام) في أغبط الأماكن لهم فيسئ وجوههم، ويقال لهم: " هذا الذي
كنتم به تدعون " الذي انتحلتم اسمه (1).
وفي المجمع: عنه (عليه السلام)، فلما رأوا مكان علي (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله) " سيئت وجوه الذين
كفروا " يعني الذين كذبوا بفضله (2).
وعن الأعمش: قال: لما رأوا ما لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) عند الله من الزلفى " سيئت
وجوه الذين كفروا " (3).
والقمي: قال: إذا كان يوم القيامة ونظر أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) إليه وإلى ما أعطاه الله
من الكرامة، والمنزلة الشريفة العظيمة، وبيده لواء الحمد، وهو على الحوض يسقي ويمنع تسود
وجوه أعدائه، فيقال لهم: " هذا الذي كنتم به تدعون " منزلته وموضعه واسمه (4).
* (قل أرءيتم إن أهلكني الله) *: أماتني.
* (ومن معي) *: من المؤمنين.
* (أو رحمنا) *: بتأخير آجالنا.
* (فمن يجير الكافرين من عذاب أليم) *: أي لا ينجيهم أحد من العذاب متنا أو
بقينا، وهو جواب لقولهم: " نتربص به ريب المنون " (5).
* (قل هو الرحمن) *: الذي أدعوكم إليه مولى النعم كلها.
* (آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلل مبين) *: منا ومنكم،

1 - الكافي: ج 1، ص 425، ح 68، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 330، س 2.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 330، س 1.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 379، س 4.
5 - الطور: 30.
252

قل أرءيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء
معين 30
وقرئ بالياء.
في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) فستعلمون يا معشر المكذبين حيث أنبأتكم رسالة ربي في
ولاية علي والأئمة (عليهم السلام) من بعده، من هو في ضلال مبين؟ كذا أنزلت (1).
* (قل أرءيتم إن أصبح ماؤكم غورا) *: غائرا في الأرض بحيث لا تناله الدلاء.
* (فمن يأتيكم بماء معين) *: جار أو ظاهر سهل التناول.
القمي: قال: أرأيتم إن أصبح إمامكم غائبا فمن يأتيكم بإمام مثله؟ (2).
وعن الرضا (عليه السلام): إنه سئل عن هذه الآية، فقال: " ماؤكم " أبوابكم الأئمة (عليهم السلام)، والأئمة
أبواب الله، " فمن يأتيكم بماء معين " أي يأتيكم بعلم الإمام (3).
وفي الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) إذا غاب عنكم إمامكم " فمن يأتيكم بإمام " جديد (4).
وفي الإكمال: عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل عن تأويلها؟ فقال: إذا فقدتم إمامكم فلم تروه
فماذا تصنعون (5).
وعنه (عليه السلام) قال: نزلت هذه الآية في الإمام القائم (عليه السلام)، يقول: إن أصبح إمامكم غائبا
عنكم لا تدرون أين هو فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماوات والأرض، وحلال
الله وحرامه؟ ثم قال (عليه السلام): والله ما جاء تأويل هذه الآية، ولابد أن يجئ تأويلها (6).

1 - الكافي: ج 1، ص 421، ح 45، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 379، س 8.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 379، س 11.
4 - الكافي: ج 1، ص 339 - 340، ح 14، باب في الغيبة.
5 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 360، ح 3، باب 34 - ما روي عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) في
النص على القائم (عليه السلام) وغيبته، وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام).
6 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 325 - 326، ح 3، باب 32 - ما أخبر به أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام)
من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام).
253

في ثواب الأعمال (1)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام): من قرأ " تبرك الذي بيده الملك " في
المكتوبة قبل أن ينام لم يزل في أمان الله حتى يصبح، وفي أمانه يوم القيامة حتى يدخل
الجنة (2).
* * *

1 - ثواب الأعمال: ص 119، ح 1، باب ثواب قراءة سورة تبارك.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 320، في فضلها.
254

سورة القلم
255

بسم الله الرحمن الرحيم
ن والقلم وما يسطرون 1
سورة القلم: وتسمى سورة ن، وهي مكية، وقال ابن عباس من أوله إلى قوله:
" سنسمه على الخرطوم " (1) مكي، وما بعده إلى قوله: " لو كانوا يعلمون " (2) مدني، وما بعده
إلى قوله: " يكتبون " (3)، مكي، وما بعده مدني، وهي اثنتان وخمسون آية بالإجماع.
* (ن والقلم وما يسطرون) *: في المعاني: عن سفيان، عن الصادق (عليه السلام) قال: وأما
" ن ": فهو نهر في الجنة، قال الله عز وجل: اجمد، فجمد، فصار مدادا، ثم قال عز وجل للقلم:
اكتب، فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان، وما هو كائن إلى يوم القيامة، فالمداد مداد من نور،
والقلم قلم من نور، واللوح لوح من نور، قال سفيان: فقلت له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين لي أمر
اللوح، والقلم، والمداد فضل بيان، وعلمني مما علمك الله، فقال: يا بن سعيد لولا أنك أهل
للجواب ما أجبتك ف‍ " نون " ملك يؤدي إلى القلم، وهو ملك، والقلم يؤدي إلى اللوح، وهو
ملك، واللوح يؤدي إلى إسرافيل، وإسرافيل يؤدي إلى ميكائيل، وميكائيل يؤدي إلى
جبرئيل، وجبرئيل يؤدي إلى الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم، قال: ثم قال لي: قم يا
سفيان فلا آمن عليك (4).
وفي العلل: عنه (عليه السلام) وأما " ن " فكان نهرا في الجنة أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل،

1 و 2 و 3 - القلم: 16 و 33 و 47.
4 - معاني الأخبار: ص 22 - 23، ح 1، باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور من القرآن.
257

ما أنت بنعمة ربك بمجنون 2 وإن لك لأجرا غير
ممنون 3
قال الله عز وجل له: كن مدادا، ثم أخذ شجرة فغرسها بيده، ثم قال: واليد القوة، وليس بحيث
يذهب إليه المشبهة، ثم قال لها: كوني قلما، ثم قال له: اكتب، فقال له: يا رب وما أكتب؟ قال: ما
هو كائن إلى يوم القيامة، ففعل ذلك، ثم ختم عليه، وقال: لا تنطقن إلى يوم الوقت المعلوم (1).
والقمي: عنه (عليه السلام) أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فكتب ما كان، وما هو كائن إلى
يوم القيامة (2).
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) " ن ": نهر في الجنة، قال الله تعالى له كن مدادا فجمد، وكان
أبيض من اللبن، وأحلى من الشهد، ثم قال للقلم: اكتب، فكتب القلم ما كان، وما هو كائن إلى
يوم القيامة (3). وقد مر حديث آخر في هذا المعنى في سورة الجاثية (4).
وفي الخصال: عنه (عليه السلام) قال: إن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عشرة أسماء: خمسة في القرآن، وخمسة
ليست في القرآن، فأما التي في القرآن: فمحمد، وأحمد، وعبد الله، ويس، ون (صلى الله عليه وآله) (5).
* (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) *: جواب القسم، أي ما أنت بمجنون، منعما عليك
بالنبوة، وحصافة الرأي (6)، وهو جواب لقولهم: " يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون " (7).
* (وإن لك) *: على تحمل أعباء الرسالة وقيامك بمواجبها.
* (لأجرا) *: لثوابا.

1 - علل الشرائع: ص 402، ح 2، باب 142 - علة وجوب الحج والطواف بالبيت وجميع المناسك.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 198، س 19.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 332، س 16.
4 - ذيل الآية: 29، انظر ج 6، ص 440 - 441 من كتابنا تفسير الصافي، وتفسير القمي: ج 2، ص 379 - 380.
5 - الخصال: ص 426، ح 2، باب 10 - أسماء النبي (صلى الله عليه وآله) عشرة. وإليك بقية الحديث: وأما التي ليست في
القرآن: فالفاتح، والخاتم، والكافي، والمقفي، والحاشر.
6 - الحصافة: ثخانة العقل. حصف - بالضم، حصافة -: إذا كان جيد الرأي محكم العقل، والحصيف: الرجل المحكم
العقل. لسان العرب: ج 3، ص 206، مادة " حصف ". 7 - الحجر: 6.
258

وإنك لعلى خلق عظيم 4 فستبصر ويبصرون 5 بأييكم
المفتون 6
* (غير ممنون) *: غير مقطوع، أو غير ممنون به عليك.
* (وإنك لعلى خلق عظيم) *: إذ تحتمل من قومك ما لا يحتمله غيرك (1).
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه، فلما أكمل له
الأدب قال: " إنك لعلى خلق عظيم " (2). وفي رواية: أدب نبيه (صلى الله عليه وآله) على محبته (3).
وفي البصائر مقطوعا: إن الله تعالى أدب نبيه (صلى الله عليه وآله) فأحس تأديبه، فقال: " خد العفو
وأمر بالعرف وأعرض عن الجهلين " (4) فلما كان ذلك أنزل الله: " إنك لعلى خلق عظيم " (5).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) يقول: على دين عظيم (6). ومثله في المعاني (7).
وعنه (عليه السلام): هو الإسلام (8).
* (فستبصر ويبصرون * بأييكم المفتون) *: أيكم الذين فتن بالجنون؟ والباء
مزيدة، أو بأيكم الجنون، على أن المفتون مصدر، أو بأيكم أحرى هذا الاسم أنت أم هم؟ (9).
في المحاسن: عن الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من مؤمن إلا وقد خلص ودي
إلى قلبه، وما خلص ودي إلى قلب أحد إلا وقد خلص ود علي إلى قلبه، كذب يا علي من زعم
أنه يحبني ويبغضك، قال: فقال رجلان من المنافقين: لقد فتن الله رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الغلام،
فأنزل الله تبارك وتعالى: " فستبصر ويبصرون * بأييكم المفتون " قال: نزلت فيهما إلى آخر
الآيات (10).

1 - هكذا في الأصل، والصحيح: " إذ تتحمل من قومك ما لا يتحمله غيرك ".
2 و 3 - الكافي: ج 1، ص 266 و 265، ح 4 و 1، باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الأئمة (عليهم السلام) في أمر الدين.
4 - الأعراف: 199. 5 - بصائر الدرجات: ص 398، ح 3، الجزء الثامن، ب 4 - التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 382، س 17. 7 و 8 - معاني الأخبار: ص 188، ح 1، باب معنى الخلق العظيم.
9 - هكذا في الأصل. والصحيح: " أحرى بهذا الاسم أنت أم هم "؟
10 - المحاسن: ج 1، ص 248 - 249، ح 467 / 72، باب 20 - الحب من كتاب الصفوة.
259

إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين
7 فلا تطع المكذبين 8 ودوا لو تدهن فيدهنون 9 ولا
تطع كل حلاف مهين 10 هماز مشاء بنميم 11 مناع
للخير معتد أثيم 12
وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يمنع عشيرته عن الإسلام، وكان موسرا، وله
عشر بنين، فكان يقول لهم وللحمته (1): من أسلم منكم منعته رفدي، وكان دعيا (2) ادعاه أبوه
بعد ثماني عشرة من مولده، كذا في الجوامع (3).
* (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين * فلا تطع
المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون) *: تلاينهم فيلاينونك.
القمي: قال: أي أحبوا أن تغش في علي (عليه السلام) فيغشون معك (4).
* (ولا تطع كل حلاف) *: كثير الحلف.
* (مهين) *: حقير الرأي.
* (هماز) *: عياب طعان.
* (مشاء بنميم) *: نقال للحديث على وجه السعاية.
* (مناع للخير) *: يمنع الناس عن الخير من الإيمان، والإنفاق، والعمل الصالح.
* (معتد) *: متجاوز في الظلم.
* (أثيم) *: كثير الآثام.

1 - اللحمة - بالضم -: القرابة. المصباح المنير: ص 551، مادة " لحم ".
2 - الدعي: المنسوب إلى غير أبيه. لسان العرب: ج 4، ص 363، مادة " دعا ". وقال الطريحي: لا يكون الرجل
الواحد دعيا لرجل وابنا له، لأن الابن هو المعروف في النسب، والدعي اللاصق في التسمية لا غير، ولا يجتمع في
الشئ أصيل وغير أصيل. مجمع البحرين: ج 1، ص 140، مادة " دعا ".
3 - جوامع الجامع: ص 504، س 6، الطبعة الحجرية. 5 - تفسير القمي: ج 2، ص 380، س 13.
260

عتل بعد ذلك زنيم 13 أن كان ذا مال وبنين 14 إذا
تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين 15
* (عتل) *: جاف غليظ.
* (بعد ذلك) *: بعدما عد من مثالبه.
* (زنيم) *: في المعاني: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن قوله تعالى: " عتل بعد ذلك زنيم "،
فقال: العتل: العظيم الكفر، والزنيم: المستهتر بكفره (1).
وفي المجمع: سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن العتل الزنيم؟ فقال: هو الشديد الخلق الشحيح، الأكول
الشروب الواجد للطعام والشراب، الظلوم للناس، الرحب (2) الجوف (3).
وعنه (صلى الله عليه وآله): لا يدخل الجنة جواظ، ولا جعظري، ولا عتل زنيم، قيل: فما الجواظ؟ قال: كل
جماع مناع، قيل: فما الجعظري؟ قال: الفظ الغليظ، قيل: فما العتل الزنيم؟ قال: كل رحب الجوف،
سيئ الخلق، أكول شروب غشوم (4) ظلوم (5). وعن علي (عليه السلام): " الزنيم ": هو الذي لا أصل له (6).
والقمي: قال: الحلاف: الثاني حلف لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه لا ينكث عهدا " هماز مشاء بنميم ":
قال: كان ينم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويهمز بين أصحابه " مناع للخير ": قال: الخير: أمير المؤمنين (عليه السلام)،
" معتد " قال: أي اعتدى عليه، " عتل بعد ذلك زنيم " قال: العتل: العظيم الكفر، والزنيم: الدعي (7).
* (أن كان ذا مال وبنين) *: لأن كان متمولا مستظهرا بالبنين، وهو إما متعلق ب‍ " لا
تطع " أو بما بعده، وقرئ إن كان على الاستفهام.

1 - معاني الأخبار: ص 149، ح 1، باب معنى العتل والزنيم.
2 - الرحب - بالضم -: السعة. تقول منه: فلان رحب الصدر. والرحب - بالفتح -: الواسع، تقول منه: بلد رحب
وأرض رحبة. الصحاح: ج 1، ص 134، مادة " رحب ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 334، س 27. وفيه: " الرحيب الجوف ".
4 - الغشم: الظلم، والحرب غشوم، لأنها تنال غير الجاني. الصحاح: ج 5، ص 1996، مادة " غشم ".
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 334، س 28. وفيه: " كل رحيب الجوف ".
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 334، س 25.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 380، س 14.
261

سنسمه على الخرطوم 16 إنا بلوناهم كما بلونا أصحب
الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين 17 ولا يستثنون 18
فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون 19
* (إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) *: أي أكاذيبهم، قاله من فرط غروره.
* (سنسمه على الخرطوم) *: على الأنف، قيل: وقد أصاب أنف الوليد جراحة يوم
بدر فبقى على أثره (1).
وقيل: إنه كناية عن أن يذله غاية الإذلال كقولهم: جدع أنفه، ورغم أنفه (2).
والقمي: " إذا تتلى عليه " قال: كنى عن الثاني، قال: " أساطير الأولين ": أي أكاذيب
الأولين، " سنسمه على الخرطوم " قال: في الرجعة إذا رجع أمير المؤمنين (عليه السلام) ويرجع أعداؤه
فيسمهم بميسم معه كما يوسم البهائم على الخراطيم: الأنف والشفتان (3).
أقول: وقد مضى بيانه في تفسير دابة الأرض في سورة النمل (4).
* (إنا بلوناهم) *: اختبرنا أهل مكة بالقحط.
* (كما بلونا أصحب الجنة) *: أصحاب البستان الذي كان بدون صنعا (5).
القمي: عن الباقر (عليه السلام): إن أهل مكة ابتلوا بالجوع كما ابتلي أصحاب الجنة وهي جنة
كانت في الدنيا، وكانت باليمن يقال لها: الرضوان على تسعة أميال من صنعاء (6).
* (إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين) *: ليقطعنها وقت الصباح.
* (ولا يستثنون) *: ولا يقولون إن شاء الله، وإنما سمي استثناء لما فيه من الإخراج.
* (فطاف عليها) *: على الجنة.

1 و 2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 495، س 1 و 2.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 381، س 1. وفيه: " على الخرطوم والأنف والشفتين "، وهذا هو الصحيح.
4 - ذيل الآية: 82، انظر ج 5، ص 391 - 393 من كتابنا تفسير الصافي.
5 - هكذا في الأصل، والصحيح: " الذي كان دون صنعاء بفرسخين ". 6 - تفسير القمي: ج 2، ص 382.
262

فأصبحت كالصريم 20 فتنادوا مصبحين 21 أن اغدوا
على حرثكم إن كنتم صارمين 22 فانطلقوا وهم يتخافتون
23 أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين 24 وغدوا على
حرد قدرين 25 فلما رأوها قالوا إنا لضالون 26
* (طائف) *: بلاء طائف.
* (من ربك وهم نائمون * فأصبحت كالصريم) *: قيل: كالبستان الذي صرم
ثماره بحيث لم يبق فيه شئ، أو كالليل المظلم بإحتراقها واسودادها، أو كالنهار بابيضاضها من
فرط اليبس، والصريمان: الليل والنهار لانصرام أحدهما من الآخر (1).
* (فتنادوا مصبحين * أن اغدوا على حرثكم) *: أخرجوا إليه غدوة ضمن
معنى الإقبال أو الإستيلاء فعدي بعلى.
* (إن كنتم صارمين) *: قاطعين له.
* (فانطلقوا وهم يتخافتون) *: يتسارون فيما بينهم.
* (أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين * وغدوا على حرد قدرين) *:
على نكد (2) قادرين لا غير مكان قدرتهم على الإنتفاع، يعني إنهم عزموا أن يتنكدوا على
المساكين فتنكد عليهم بحيث لم يقدروا فيها إلا على النكد والحرمان.
* (فلما رأوها) *: أول ما رأوها.
* (قالوا إنا لضالون) *: أخطأنا طريق جنتنا، وما هي بها (3).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 495، س 11.
2 - رجل نكد: أي عسر، وعيش نكد: أي قليل، عسر، يقال: نكد عيشهم - بالكسر من باب تعب - ينكد نكدا:
اشتد. الصحاح: ج 2، ص 545، ونحو ذلك جاء في مجمع البحرين: ج 3، ص 152، مادة " نكد ".
3 - العبارة غير مفهومة.
263

بل نحن محرومون 27 قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون
28 قالوا سبحن ربنا إنا كنا ظالمين 29 فأقبل بعضهم
على بعض يتلومون 30 قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين 31
عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون 32
* (بل نحن محرومون) *: أي بعدما تأملوا وعرفوا أنها هي (1)، قالوا: بل نحن حرمنا
خيرها لجنايتنا على أنفسنا.
* (قال أوسطهم) *: خيرهم.
* (ألم أقل لكم لولا تسبحون) *: لولا تذكرون الله، وتشكرونه بأداء حقه،
وتتوبون إليه من خبث نيتكم.
* (قالوا سبحن ربنا إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض
يتلومون) *: يلوم بعضهم بعضا، فإن منهم من أشار بذلك، ومنهم من استصوبه، ومنهم من
سكت راضيا، ومنهم من أنكره.
* (قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين) *: متجاوزين حدود الله.
* (عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها) *: ببركة التوبة، والاعتراف بالخطيئة، وقد
روي أنهم أبدلوا خيرا منها (2).
* (إنا إلى ربنا راغبون) *: راجون العفو طالبون الخير.
في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال: إن الرجل ليذنب الذنب فيدرأ عنه الرزق، وتلا هذه
الآية: " إذ أقسموا ليصرمنها " إلى قوله " وهم نائمون " (3) (4).

1 - ومرجع الضمير في قوله (قدس سره): " أنها هي " غير معلوم.
2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 496، س 7.
3 - القلم: 17 - 19.
4 - الكافي: ج 2، ص 271، ح 12، باب الذنوب.
264

والقمي: عن ابن عباس أنه قيل له: إن قوما من هذه الأمة يزعمون أن العبد قد يذنب
الذنب فيحرم به الرزق، فقال ابن عباس: فوالذي لا إله غيره لهذا أنور في كتاب الله من
الشمس الضاحية، ذكره الله في سورة " ن والقلم " إن شيخا كانت له جنة وكان لا يدخل بيته
ثمرة منها ولا إلى منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه، فلما قبض الشيخ ورثه بنوه، وكان له
خمس من البنين، فحملت جنته في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملت قبل
ذلك، فراحوا الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر، فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل، لم يعاينوا
مثله في حياة أبيهم، فلما نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا، وقال بعضهم لبعض: إن أبانا كان شيخا
كبيرا قد ذهب عقله وخرف فهلموا فلنتعاقد عهدا فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء
المسلمين في عامنا هذا شيئا حتى نستغني وتكثر أموالنا، ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من
السنين المقبلة، فرضي بذلك أربعة وسخط الخامس وهو الذي قال الله: " قال أوسطهم ألم أقل
لكم لولا تسبحون "، فقيل: يا بن عباس كان أوسطهم في السن؟ فقال: لا بل كان أصغر القوم
سنا، وكان أكبرهم عقلا، وأوسط القوم خير القوم، قال الله: " وكذلك جعلناكم أمة
وسطا " (1)، فقال لهم أوسطهم: اتقوا الله، وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا، فبطشوا به
فضربوه ضربا مبرما، فلما أيقن الأخ أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها
لأمرهم غير طائع، فراحوا إلى منازلهم، ثم حلفوا بالله أن يصرموا إذا أصبحوا ولم يقولوا إن
شاء الله، فابتلاهم الله بذلك الذنب، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه،
فأخبر عنهم في الكتاب وقال: " إنا بلوناهم كما بلونا أصحب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها
مصبحين * ولا يستثنون * فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون * فأصبحت
كالصريم "، قال: كالمحترق، فقيل لابن عباس: ما الصريم؟ قال: الليل المظلم، ثم قال: لا ضوء
به ولا نور، فلما أصبح القوم " فتنادوا مصبحين * أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين "
قال: " فانطلقوا وهم يتخافتون "، قيل: وما التخافت يا بن عباس؟ قال: يتسارون، يسار
بعضهم بعضا لكيلا يسمع أحد غيرهم، فقالوا: " لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين * وغدوا
على حرد قدرين " وفي أنفسهم أن يصرموها ولا يعلمون ما قد حل بهم من سطوات الله

1 - البقرة: 143.
265

كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون 33 إن
للمتقين عند ربهم جنت النعيم 34 أفنجعل المسلمين
كالمجرمين 35 ما لكم كيف تحكمون 36 أم لكم كتب
فيه تدرسون 37 إن لكم فيه لما تخيرون 38 أم لكم
أيمن علينا بلغة إلى يوم القيمة إن لكم لما تحكمون 39
ونقمته، فلما رأوها وعاينوا ما قد حل بهم " قالوا إنا لضالون * بل نحن محرومون " فحرمهم الله
ذلك الرزق بذنب كان منهم، ولم يظلمهم شيئا (1).
* (كذلك العذاب) *: مثل ما بلونا به أهل مكة، وأصحاب الجنة: العذاب في الدنيا.
* (ولعذاب الآخرة أكبر) *: أعظم منه.
* (لو كانوا يعلمون) *: لاحترزوا عما يؤديهم إلى العذاب.
* (إن للمتقين عند ربهم جنت النعيم) *: جنات ليس فيها الا التنعم الخالص.
* (أفنجعل المسلمين كالمجرمين) *: إنكار لقولهم إن صح إنا نبعث كما يزعم
محمد (صلى الله عليه وآله) ومن معه لم يفضلونا بل نكون أحسن حالا منهم كما نحن عليه في الدنيا.
* (ما لكم كيف تحكمون) *: التفات فيه تعجيب من حكمهم، واستبعاد له، وإشعار
بأنه صادر من اختلال فكر، واعوجاج رأي.
* (أم لكم كتب) *: من السماء.
* (فيه تدرسون) *: تقرؤون.
* (إن لكم فيه لما تخيرون) *: إن لكم ما تختارونه، وتشتهونه، يقال: تخير الشئ
واختاره: أخذ خيره، وكسر " إن " لمكان اللام، ويحتمل الاستئناف.
* (أم لكم أيمن علينا) *: عهود مؤكدة بالأيمان.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 381 - 382.
266

سلهم أيهم بذلك زعيم 40 أم لهم شركاء فليأتوا
بشركائهم إن كانوا صادقين 41 يوم يكشف عن ساق
ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون 42 خشعة أبصرهم
ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون 43
* (بلغة) *: متناهية في التوكيد.
* (إلى يوم القيمة) *: ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة، لا تخرج عن عهدته حتى
نحكمكم في ذلك اليوم.
* (إن لكم لما تحكمون) *: جواب القسم المضمن في " أم لكم أيمن ".
* (سلهم أيهم بذلك زعيم) *: بذلك الحكم كفيل يدعيه ويصححه.
* (أم لهم شركاء) *: يجعلونهم في الآخرة مثل المؤمنين، أو يشاركونهم في هذا القول،
فهم يقلدونهم إذ لا أقل من التقليد.
* (فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين) *: في دعواهم.
* (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون * خشعة
أبصرهم ترهقهم ذلة) *: يوم يشتد الأمر ويصعب الخطب، وكشف الساق مثل في ذلك،
وأصله تشمير المخدورات عن سوقهن في الهرب، أو يوم يكشف عن أصل الأمر وحقيقته
بحيث يصير عيانا، مستعار من ساق الشجر، وساق الإنسان وتنكيره للتهويل أو للتعظيم.
في المجمع: عن الباقر، والصادق (عليهما السلام) إنهما قالا في هذه الآية: أفحم (1) القوم، ودخلتهم
الهيبة، وشخصت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، لما رهقهم (2) من الندامة والخزي
والذلة (3).

1 - فحم الصبي فحوما وفحاما - بالضم -: بكى حتى انقطع صوته. مجمع البحرين: ج 6، ص 130، مادة " فحم ".
2 - رهق الشئ رهقا - كتعب -: إذا غشيه. مجمع البحرين: ج 5، ص 174، مادة " رهق ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 339، س 26.
267

وفي التوحيد: عن الصادق (عليه السلام) مثله (1).
وفيه (2)، وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) قال: حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون
سجدا ويدبح (3) أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود (4).
وفي المجمع: في الخبر أنه يصير ظهور المنافقين كالسفافيد (5) (6).
وفي الجوامع: وفي الحديث: تبقى أصلابهم طبقا واحدا أي فقارة واحدة لا تثنى (7).
* (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون) *: في التوحيد: عن الصادق (عليه السلام)
" وهم سلمون " أي مستطيعون يستطيعون الأخذ بما أمروا به، والترك لما نهوا عنه، ولذلك
ابتلوا، ثم قال: ليس شئ مما أمروا به، ونهوا عنه إلا ومن الله عز وجل فيه ابتلاء وقضاء (8).
قيل: وفيه وعيد لمن سمع النداء إلى الصلاة فلم يجب، وقعد عن الجماعة (9).
والقمي: قال: يكشف عن الأمور التي خفيت وما غصبوا آل محمد صلوات الله عليهم
حقهم " ويدعون إلى السجود ": قال: يكشف لأمير المؤمنين (عليه السلام) فتصير أعناقهم مثل صياصي
البقر، يعني قرونها فلا يستطيعون أن يسجدوا، وهي عقوبة لأنهم لم يطيعوا الله في الدنيا في
أمره، وهو قوله: " وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون "، قال: إلى ولايته في الدنيا
وهم يستطيعون (10).

1 - التوحيد: ص 154 - 155، ح 2، باب 14 - تفسير قول الله عز وجل " يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى
السجود ".
2 - التوحيد: ص 154، ح 1، باب 14 - تفسير قول الله عز وجل " يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود ".
3 - دبح الرجل - بالباء الموحدة المشددة، والحاء المهملة تدبيحا -: يبسط ظهره ويطأطئ رأسه. مجمع
البحرين: ج 2، ص 348، مادة " دبح ".
4 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 120 - 121، ح 14، باب 11 - ما جاء عن الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) من
الأخبار في التوحيد.
5 - السفود - بالفتح - كتنور: الحديدة التي يشوى بها اللحم، والمعروف صيخ وميخ. مجمع البحرين: ج 3،
ص 70، مادة " سفد ".
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 239، س 30.
7 - جوامع الجامع: ص 505، س 28، الطبعة الحجرية. وفيه: " لا تنثني ".
8 - التوحيد: ص 349، ح 9، باب 56 - الاستطاعة.
9 - انظر مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 339، س 22، وروح المعاني (تفسير الآلوسي): ج 29، ص 36، س 16.
10 - تفسير القمي: ج 2، ص 383، س 1.
268

فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث
لا يعلمون 44 وأملى لهم إن كيدي متين 45 أم تسألهم
أجرا فهم من مغرم مثقلون 46 أم عندهم الغيب فهم
يكتبون 47 فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت
إذ نادى وهو مكظوم 48
* (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث) *: كله إلي فإني أكفيكه.
* (سنستدرجهم) *: سندنيهم من العذاب درجة درجة بالإمهال، وإدامة الصحة،
وازدياد النعمة، وإنساء الذكر.
* (من حيث لا يعلمون) *: إنه استدراج.
* (وأملى لهم) *: وأمهلهم.
* (إن كيدي متين) *: لا يدفع بشئ، سماه كيدا لأنه في صورته، وقد مضى بيان
الاستدراج، وتفسير الآية في سورة الأعراف (1).
* (أم تسألهم أجرا) *: على الإرشاد.
* (فهم من مغرم) *: من غرامة.
* (مثقلون) *: بحملها فيعرضون عنك.
* (أم عندهم الغيب فهم يكتبون) *: منه ما يحكمون، ويستغنون به عن علمك.
* (فاصبر لحكم ربك) *: وهو إمهالهم، وتأخير نصرتك عليهم.
* (ولا تكن كصاحب الحوت) *: يعني يونس، لما دعا على قومه، ثم ذهب مغاضبا لله.
* (إذ نادى) *: في بطن الحوت.

1 - ذيل الآية: 182، انظر ج 3، ص 274 - 276 من كتابنا تفسير الصافي.
269

لولا أن تدركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم 49
فاجتباه ربه فجعله من الصالحين 50 وإن يكاد الذين
كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه
لمجنون 51 وما هو إلا ذكر للعلمين 52
* (وهو مكظوم) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) أي مغموم (1).
* (لولا أن تدركه نعمة من ربه) *: التوفيق للتوبة وقبولها.
القمي: قال: النعمة: الرحمة (2).
* (لنبذ بالعراء) *: بالأرض الخالية عن الأشجار والسقف.
القمي: قال: الموضع الذي لا سقف له (3).
* (وهو مذموم) *: مليم (4).
* (فاجتباه ربه) *: بأن رد الوحي إليه.
* (فجعله من الصالحين) *: من الكاملين في الصلاح، وقد مضى قصته في سورته (5).
* (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون
إنه لمجنون * وما هو إلا ذكر للعلمين) *: يعني إنهم لشدة عداوتهم، وانبعاث بغضهم،
وحسدهم عند سماع القرآن، والدعاء إلى الخير ينظرون إليك شزرا (6) بحيث يكادون يزلون
قدمك فيصرعونك من قولهم: نظر إلي نظرا يكاد يصرعني، أي لو أمكنه بنظره الصرع لفعله.

1 و 2 و 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 383، س 9 و 10.
4 - مليم: من الأم الرجل: أتى بما يلام عليه. مجمع البحرين: ج 6، ص 166، مادة " لوم ". وجاء في لسان العرب:
ج 12، ص 361، قال الفراء: ومن العرب من يقول: المليم بمعنى الملوم.
5 - ذيل الآية: 98 من سورة يونس، انظر ج 3، ص 545 - 552 من كتابنا تفسير الصافي.
6 - الشزر - بالفتح فالسكون -: نظر الغضبان بمؤخر العين، يقال: نظر إليه شزرا: أي نظر غضب. مجمع
البحرين: ج 3، ص 345، مادة " شزر ".
270

في الكافي (1)، والفقيه: عن الصادق (عليه السلام): إنه مر بمسجد الغدير فنظر إلى ميسرة المسجد،
فقال: ذاك موضع قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم نظر إلى
الجانب الآخر، فقال: ذاك موضع فسطاط أبي فلان، وفلان، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي
عبيدة الجراح، فلما أن رأوه رافعا يده قال بعضهم لبعض: انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا
مجنون، فنزل جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية (2).
والقمي: " لما سمعوا الذكر "، قال: لما أخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفضل أمير المؤمنين (عليه السلام)،
قال: " وما هو " يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) " إلا ذكر للعلمين " (3).
قيل: المعنى إنهم يكادون يصيبونك بالعين، إذ روي أنه كان في بني أسد عيانون فأراد
بعضهم على أن يعينه فنزلت (4).
وفي الحديث: إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر (5).
وفي المجمع: جاء في الخبر أن أسماء بنت عميس قالت: يا رسول الله إن بني جعفر
تصيبهم العين فأسترقي لهم؟ قال: نعم، فلو كان شئ يسبق القدر لسبقه العين (6).
وقرئ " ليزلقونك " بفتح الياء.
وفي ثواب الأعمال (7)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ سورة " ن والقلم " في فريضة
أو نافلة آمنه الله عز وجل من أن يصيبه فقر أبدا، وأعاذه الله تعالى إذا مات من ضمة القبر (8).
* * *

1 - الكافي: ج 4، ص 566 - 567، ح 2، باب مسجد غدير خم. وفيه: " ذلك موضع قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ذلك موضع فسطاط. ".
2 - من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 335، ح 1558 / 7، باب 214 - باب الابتداء بمكة والختم بالمدينة،
والصلاة في مسجد غدير خم. وفيه: " عبيدة بن الجراح ".
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 383، س 12.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 498، س 6.
5 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 498، س 9.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 341، س 17.
7 - ثواب الأعمال: ص 119، ح 1، باب ثواب قراءة سورة " ن والقلم ".
8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 330، في فضلها.
271

سورة الحاقة
273

بسم الله الرحمن الرحيم
الحاقة 1 ما الحاقة 2 وما أدريك ما الحاقة 3 كذبت
ثمود وعاد بالقارعة 4 فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية 5
سورة الحاقة: مكية، عدد آيها إحدى وخمسون آية بصري شامي، وآيتان في الباقين.
* (الحاقة) *: قيل: الساعة التي يحق وقوعها أو تحق فيها الأمور، أي تجب وتعرف
حقائقها، أو تقع فيها حواق الأمور من الحساب والجزاء (1).
* (ما الحاقة) *: أي شئ هي؟ وضع الظاهر موضع الضمير تفخيما لشأنها، وتهويلا لها.
* (وما أدريك ما الحاقة) *: وأي شئ أعلمك ما هي؟ أي إنك لا تعلم كنهها،
فإنها أعظم من أن تبلغها دراية.
* (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) *: بالحالة التي تقرع الناس بالأفزاع، والأواهل،
والأجرام بالإنفطار، والانتشار، وإنما وضعت موضع ضمير " الحاقة " زيادة في وصف شدتها.
* (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) *: بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة، وهي الصيحة،
والرجفة. كما مضى بيانه في سورتي الأعراف (2) وهود (3).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 498، س 16.
2 - الآيات: 73 - 79، انظر ج 3، ص 199 - 206 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - ذيل الآية: 67، انظر ج 4، ص 55 من كتابنا تفسير الصافي.
275

وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية 6 سخرها عليهم
سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى
كأنهم أعجاز نخل خاوية 7 فهل ترى لهم من باقية 8
وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة 9
* (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر) *: القمي: أي باردة (1).
* (عاتية) *: قال: قال: خرجت أكثر مما أمرت به (2).
* (سخرها عليهم) *: سلطها الله عليهم بقدرته.
* (سبع ليال وثمانية أيام حسوما) *: متتابعات، القمي: قال: كان القمر منحوسا
بزحل سبع ليال وثمانية أيام حتى هلكوا (3).
أقول: وقد سبق في سورة القمر: أن أول الثمانية وآخرها كانا يوم الأربعاء، وأنه نحس
مستمر (4).
* (فترى القوم فيها صرعى) *: موتى، جمع صريع.
* (كأنهم أعجاز نخل) *: أصول نخل.
* (خاوية) *: متآكلة الأجواف.
* (فهل ترى لهم من باقية) *: قد سبقت قصتهم في سورتي الأعراف (5) وهود (6).
* (وجاء فرعون ومن قبله) *: ومن تقدمه، وقرئ " ومن قبله " أي ومن عنده من أتباعه.
* (والمؤتفكات) *: قرى قوم لوط، والمراد أهلها.
* (بالخاطئة) *: بالخطأ، القمي: " المؤتفكات ": البصرة، و " الخاطئة ": فلانة (7).

1 و 2 و 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 383. 4 - ذيل الآية: 19، انظر ص 51 - 52 من هذا الجزء.
5 - ذيل الآية: 79، انظر ج 3، ص 202 - 206 من كتابنا تفسير الصافي.
6 - ذيل الآية: 59، انظر ج 4، ص 51 - 53 من كتابنا تفسير الصافي.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 384، س 1.
276

فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية 10 إنا لما طغا
الماء حملناكم في الجارية 11 لنجعلها لكم تذكرة وتعيها
أذن وعية 12
* (فعصوا رسول ربهم) *: فعصى كل أمة رسولها.
* (فأخذهم أخذة رابية) *: زائدة في الشدة زيادة أعمالهم في القبح.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) والرابية: التي أربت على ما صنعوا (1).
* (إنا لما طغا الماء) *: جاوز حده المعتاد، يعني في الطوفان.
* (حملناكم في الجارية) *: حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم في سفينة نوح.
* (لنجعلها) *: لنجعل الفعلة، وهي إنجاء المؤمنين، وإغراق الكافرين.
* (لكم تذكرة) *: عبرة، ودلالة على قدرة الصانع، وحكمته، وكمال قهره، ورحمته.
* (وتعيها) *: وتحفظها.
* (أذن وعية) *: من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه بتذكره، وإشاعته، والتفكر فيه،
والعمل بموجبه، وقرئ " اذن " بالتخفيف.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال لعلي (عليه السلام): يا علي إن الله تعالى أمرني أن أدنيك ولا
أقصيك، وأن أعلمك وتعي، وحق على الله أن تعي، فنزل: " وتعيها أذن وعية " (2).
وفيه (3)، وفي العيون (4)، والجوامع: عنه (صلى الله عليه وآله) إنه لما نزلت هذه الآية قال: سألت الله عز
وجل أن يجعلها أذنك يا علي (5).
وفي رواية: لما نزلت قال: اللهم اجعلها اذن علي، ثم قال علي (عليه السلام): فما سمعت شيئا من

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 385، س 3.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 345، س 29.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 346، س 3.
4 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 62، ح 256.
5 - جوامع الجامع: ص 506 - 507، الطبعة الحجرية. وإليك بقية الحديث: " قال: فما نسيت شيئا بعد وما كان
لي أن أنسى ".
277

فإذا نفخ في الصور نفخة وحدة 13 وحملت الأرض
والجبال فدكتا دكة وحدة 14 فيومئذ وقعت الواقعة 15
وانشقت السماء فهي يومئذ واهية 16 والملك على
أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية 17
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنسيته (1). وزاد في أخرى: وما كان لي أن أنسى (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) لما نزلت: " وتعيها أذن وعية " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هي
أذنك يا علي (3).
* (فإذا نفخ في الصور نفخة وحدة) *: لما بالغ في تهويل القيامة وذكر مال المكذبين
بها عاد إلى شرحها، والمراد بالنفخة: النفخة الأولى التي عندها خراب العالم.
* (وحملت الأرض والجبال) *: رفعت من أماكنها.
* (فدكتا دكة وحدة) *: القمي: قال: وقعت، فدك بعضها على بعض (4).
* (فيومئذ) *: فحينئذ.
* (وقعت الواقعة) *: قامت القيامة.
* (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية) *: ضعيفة مسترخية.
* (والملك) *: والجنس المتعارف بالملك.
* (على أرجائها) *: على جوانبها.
* (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) *: في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنهم اليوم
أربعة، فإذا كان يوم القيامة أيدهم بأربعة أخرى فيكونون ثمانية (5).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: حملة العرش، والعرش: العلم، ثمانية: أربعة منا،

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 345، س 28.
2 - جوامع الجامع: ص 507، س 1، الطبعة الحجرية.
3 - الكافي: ج 1، ص 423، ح 57، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 384، س 3.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 346، س 15.
278

يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية 18 فأما من أوتى
كتبه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه 19 إني ظننت
أنى ملق حسابيه 20
وأربعة ممن شاء الله (1).
والقمي: قال: حملة العرش ثمانية، لكل واحد ثمانية أعين، كل عين طباق الدنيا، قال:
وفي حديث آخر قال: حملة العرش ثمانية، أربعة من الأولين، وأربعة من الآخرين، فأما
الأربعة من الأولين فنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى (عليهم السلام)، وأما الأربعة من الآخرين:
فمحمد، وعلي، والحسن، والحسين صلوات الله عليهم، ومعنى يحملون العرش: يعني العلم (2).
* (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) *: سريرة، وقرئ بالياء.
* (فأما من أوتى كتبه بيمينه) *: تفصيل للعرض.
* (فيقول) *: تبجحا (3).
* (هاؤم اقرأوا كتابيه) *: " هاؤم " اسم لخذوا، و " الهاء " في كتابيه ونظائره الآتية
للسكت، تثبت في الوقف، وتسقط في الوصل.
* (إني ظننت) *: أي تيقنت، كذا في التوحيد (4)، والاحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال: والظن ظنان: ظن شك، وظن يقين، فما كان من أمر المعاد من الظن فهو ظن يقين، وما كان
من أمر الدنيا فهو ظن شك (5).
* (أنى ملق حسابيه) *: قال: إني ابعث وأحاسب.

1 - الكافي: ج 1، ص 132، ح 6، باب العرش والكرسي.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 384، س 4.
3 - البجح: الفرح، وبجحته فتبجح: أي فرحته ففرح. مجمع البحرين: ج 2، ص 341، مادة " بجح ".
4 - التوحيد: ص 267، س 19، ح 5، باب 36 - الرد على الثنوية والزنادقة.
5 - الاحتجاج: ج 1، ص 363، س 19، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من
القرآن متشابهة تحتاج إلى التأويل.
279

فهو في عيشة راضية 21 في جنة عالية 22 قطوفها دانية
23 كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية 24
وأما من أوتى كتبه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه 25
القمي: عن الصادق (عليه السلام) كل أمة يحاسبها إمام زمانها، ويعرف الأئمة أولياءهم
وأعداءهم بسيماهم، وهو قوله: " وعلى الأعراف رجال يعرفون " (1)، وهم الأئمة (عليهم السلام) يعرفون
كلا بسيماهم فيعطوا أولياءهم كتابهم بيمينهم فيمروا إلى الجنة بلا حساب، ويعطوا أعداءهم
كتابهم بشمالهم فيمروا إلى النار بلا حساب، فإذا نظر أولياؤهم في كتابهم يقولون لإخوانهم:
" هاؤم اقرأوا كتابيه * إني ظننت أنى ملق حسابيه " (2).
* (فهو في عيشة راضية) *: القمي: أي مرضية (3). فوضع الفاعل مكان المفعول.
* (في جنة عالية * قطوفها) *: جمع قطف، وهو ما يجتنى بسرعة.
* (دانية) *: يتناولها القائم والقاعد.
* (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) *: بما قدمتم من الأعمال
الصالحة في الماضية من أيام الدنيا.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه جاء إليه رجل من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم تزعم
إن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ فقال: والذي نفسي بيده إن الرجل منهم ليؤتى قوة مائة
رجل في الأكل والشرب والجماع، قال: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة؟ فقال:
عرق يفيض مثل ريح المسك فإذا كان ذلك ضمر (4) له بطنه (5).
* (وأما من أوتى كتبه بشماله) *: القمي: قال: نزلت في معاوية (6).

1 - الأعراف: 46.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 384، س 8.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 384، س 14.
4 - الضمر والضمر - العسر والعسر -: الهزال وخفة اللحم. الصحاح: ج 2، ص 722، مادة " ضمر ".
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 165، س 23.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 384، س 15.
280

ولم أدر ما حسابيه 26 يا ليتها كانت القاضية 27 ما
أغنى عنى ماليه 28 هلك عنى سلطانيه 29 خذوه فغلوه
30 ثم الجحيم صلوه 31 ثم في سلسلة ذرعها سبعون
ذراعا فاسلكوه 32
* (فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه) *: يقولها لما يرى من
سوء العاقبة.
* (يا ليتها) *: يا ليت الموتة التي متها.
* (كانت القاضية) *: القاطعة لأمري، فلم ابعث بعدها.
* (ما أغنى عنى ماليه) *: قيل: مالي من المال والتبع (1).
والقمي: يعني ماله الذي جمعه (2).
* (هلك عنى سلطانيه) *: قيل: ملكي وتسلطي على الناس (3). والقمي: أي حجته (4).
* (خذوه) *: يقال لخزنة النار خذوه.
* (فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا
فاسلكوه) *: القمي: عن الصادق (عليه السلام) لو أن حلقة واحدة من السلسلة التي طولها سبعون
ذراعا وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها (5).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) وكان معاوية صاحب السلسة التي قال الله عز وجل: " في سلسلة
ذرعها " الآية، قال: وكان فرعون هذه الأمة (6).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 501، س 7.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 384، س 16.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 501، س 8.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 384، س 17.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 81، س 8.
6 - الكافي: ج 4، ص 243 - 244، ح 1، باب في قوله عز وجل: " سواء العاكف فيه والباد ".
281

إنه كان لا يؤمن بالله العظيم 33 ولا يحض على طعام
المسكين 34 فليس له اليوم ههنا حميم 35 ولا طعام
إلا من غسلين 36 لا يأكله إلا الخاطئون 37 فلا أقسم
بما تبصرون 38
وفي البصائر: عن الباقر (عليه السلام) قال: كنت خلف أبي وهو على بغلته، فنفرت بغلته، فإذا هو
شيخ في عنقه سلسلة، ورجل يتبعه، فقال: يا علي بن الحسين اسقني، فقال الرجل: لا تسقه لا
سقاه الله، قال: وكان الشيخ معاوية (1).
وعنه (عليه السلام): إنه نزل وادي ضجنان (2)، فقال ثلاث مرات: لا غفر الله لك، ثم قال لأصحابه
أتدرون لم قلت ما قلت؟ فقالوا: لم قلت جعلنا الله فداك؟ قال: مر بي معاوية بن أبي سفيان، يجر
في سلسلة قد أدلى لسانه يسألني أن أستغفر له، وأنه ليقال: إن هذا واد من أودية جهنم (3).
والقمي: قال: معنى السلسلة السبعون ذراعا في الباطن: هم الجبابرة السبعون (4).
* (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم * ولا يحض) *: ولا يحث.
* (على طعام المسكين * فليس له اليوم ههنا حميم) *: قريب يحميه.
* (ولا طعام إلا من غسلين) *: غسالة أهل النار، وصديدهم.
القمي: قال: عرق الكفار (5).
* (لا يأكله إلا الخاطئون) *: أصحاب الخطايا، من خطأ الرجل إذا تعمد الذنب.
* (فلا أقسم) *: لا مزيدة.

1 - بصائر الدرجات: ص 304 - 305، ح 1، الجزء السادس، باب 7 - في أن الأئمة (عليهم السلام) يعرضون عليهم
أعداءهم وهم موتى ويرونهم.
2 - ضجنان: جبل بناحية مكة. الصحاح: ج 6، ص 2154، مادة " ضجن ".
3 - بصائر الدرجات: ص 305، ح 3، الجزء السادس، باب 7 - في أن الأئمة (عليهم السلام) يعرضون عليهم أعداءهم
وهم موتى ويرونهم.
4 و 5 - تفسير القمي: ج 2، ص 384، س 18 و 22.
282

وما لا تبصرون 39 إنه لقول رسول كريم 40 وما هو
بقول شاعر قليلا ما تؤمنون 41 ولا بقول كاهن قليلا ما
تذكرون 42 تنزيل من رب العلمين 43 ولو تقول
علينا بعض الأقاويل 44 لأخذنا منه باليمين 45 ثم
لقطعنا منه الوتين 46
* (بما تبصرون * وما لا تبصرون) *: بالمشاهدات، والمغيبات.
* (إنه) *: إن القرآن.
* (لقول رسول كريم) *: على الله، يبلغه عن الله، فإن رسول الله لا يقول عن نفسه،
والمراد: إما محمد (صلى الله عليه وآله) أو جبرئيل (عليه السلام).
* (وما هو بقول شاعر) *: كما تزعمون تارة.
* (قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن) *: كما تدعون أخرى.
* (قليلا ما تذكرون) *: ولذلك يلتبس الأمر عليكم،
قيل: ذكر الإيمان مع نفي الشاعرية والتذكر مع نفي الكاهنية لأن عدم مشابهة القرآن
للشعر أمر بين لا ينكره إلا معاند، بخلاف مباينته للكهانة، فإن العلم بها يتوقف على تذكر
أحوال الرسول، ومعاني القرآن المنافية لطريقة الكهنة، ومعاني أقوالهم، وقرئ بالياء فيهما (1).
* (تنزيل) *: هو تنزيل.
* (من رب العلمين) *: نزله على لسان جبرئيل.
* (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) *: القمي: يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
* (لأخذنا منه باليمين) *: بيمينه أو بقوتنا، القمي: قال: انتقمنا منه بقوة (3).
* (ثم لقطعنا منه الوتين) *: أي نياط قلبه. والقمي: قال: عرق في الظهر يكون منه

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 502، س 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 384، س 23.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 384، س 23.
283

فما منكم من أحد عنه حاجزين 47 وإنه لتذكرة للمتقين
48 وإنا لنعلم أن منكم مكذبين 49 وإنه لحسرة على
الكافرين 50 وإنه لحق اليقين 51 فسبح باسم ربك
العظيم 52
الولد (1). وهو تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه.
* (فما منكم من أحد عنه حاجزين) *: دافعين، يعني إنه لا يتكلف الكذب علينا
لأجلكم مع علمه أنه لو تكلف ذلك لعاقبناه، ثم لم تقدروا على دفع عقوبتنا عنه.
القمي: يعني لا يحجز الله أحد، ولا يمنعه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
* (وإنه لتذكرة للمتقين * وإنا لنعلم أن منكم مكذبين * وإنه لحسرة
على الكافرين) *: إذا رأوا ثواب المؤمنين به.
* (وإنه لحق اليقين) *: اليقين الذي لا ريب فيه.
* (فسبح باسم ربك العظيم) *: فسبح الله بذكر اسمه العظيم، تنزيها له عن الرضا
بالتقول عليه، وشكرا على ما أوحى إليك.
في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) " إنه لقول رسول كريم " يعني جبرئيل عن الله في ولاية
علي (عليه السلام)، قال: قالوا إن محمدا كذب على ربه، وما أمره الله بهذا في ولاية علي، فأنزل الله بذلك
قرآنا فقال: إن ولاية علي (عليه السلام) " تنزيل من رب العلمين * ولو تقول علينا " محمد (صلى الله عليه وآله) " بعض
الأقاويل " الآية، ثم عطف القول، فقال: إن ولاية علي (عليه السلام) " لتذكرة للمتقين " للعالمين، وأن
عليا (عليه السلام) لحسرة على الكافرين، وأن ولايته " لحق اليقين * فسبح " يا محمد " باسم ربك
العظيم "، يقول: اشكر ربك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل (3).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 384، س 24.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 385، س 1.
3 - الكافي: ج 1، ص 433، قطعة من حديث 1، س 13، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
284

والعياشي: عن الصادق (عليه السلام) قال: لما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد علي (عليه السلام) فأظهر ولايته،
قالا جميعا: والله ما هذا من تلقاء الله، ولا هذا إلا شئ أراد أن يشرف به ابن عمه، فأنزل الله:
" ولو تقول علينا بعض الأقاويل " الآيات " أن منكم مكذبين " فلانا فلانا " وإنه لحسرة على
الكافرين " يعني عليا (عليه السلام) (1). والقمي: يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
في ثواب الأعمال: عن الصادق (عليه السلام) أكثر من قراءة الحاقة، فإن قراءتها في الفرائض
والنوافل من الإيمان بالله ورسوله، لأنها إنما نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومعاوية، ولم يسلب
قاريها دينه حتى يلقى الله عز وجل (3).
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) مثله بدون قوله: " لأنها إنما نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام)
ومعاوية " (4).
* * *

1 - تفسير العياشي: ج 2، ص 268 - 269، ح 64.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 385، س 2.
3 - ثواب الأعمال: ص 119، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الحاقة.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 342، في فضلها.
285

سورة المعارج
287

بسم الله الرحمن الرحيم
سأل سائل بعذاب واقع 1 للكافرين ليس له دافع 2
سورة المعارج: مكية، عدد آيها أربع وأربعون آية.
* (سأل سائل بعذاب واقع) *: أي دعا داع به يعني استدعاه، وقرئ " سأل "
بالألف، وهو إما لغة فيه وإما من السيلان.
* (للكافرين) *: في الكافي مقطوعا: إنها نزلت للكافرين بولاية علي (عليه السلام)، قال: هكذا
والله نزل بها جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله)، وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة (عليها السلام) (1).
أقول: ويدل على هذا ما مر في سبب نزولها في سورة الأنفال، عند قوله تعالى: " وإذ
قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب
أليم " (2).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل عن معنى هذه الآية فقال: نار تخرج من المغرب، وملك
يسوقها من خلفها حتى تأتي دار بني سعد بن همام عند مسجدهم فلا تدع دارا لبني أمية إلا
أحرقتها وأهلها، ولا تدع دارا فيها وتر لآل محمد صلوات الله عليهم إلا أحرقتها، وذلك
المهدي، قال: في حديث آخر لما اصطفت الخيلان يوم بدر رفع أبو جهل يده فقال: اللهم إن
محمدا أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه، فأجئه العذاب فأنزل الله تبارك وتعالى: " سأل سائل

1 - الكافي: ج 8، ص 57 - 58، ح 18.
2 - ذيل الآية: 32، انظر ج 3، ص 331 - 332 من كتابنا تفسير الصافي.
289

من الله ذي المعارج 3 تعرج الملائكة والروح إليه في
يوم كان مقداره خمسين ألف سنة 4
بعذاب واقع " (1).
* (ليس له دافع) *: يرده.
* (من الله ذي المعارج) *: ذي المصاعد، وهي الدرجات التي يصعد فيها الكلم
الطيب، والعمل الصالح، ويترقى فيها المؤمنون في سلوكهم، وتعرج الملائكة والروح فيها.
* (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) *:
استئناف لبيان ارتفاع تلك المعارج، وبعد مداها على سبيل تمثيل الملكوت بالملك في نحو
الإمتداد الزماني المنزه عنه الملكوت.
والقمي: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: تعرج الملائكة والروح في صبح ليلة القدر إليه من عند
النبي (صلى الله عليه وآله) والوصي (عليه السلام) (2).
وفي الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أسري به من المسجد
الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف
عام أقل من ثلث ليلة حتى انتهى إلى ساق العرش (3).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إن للقيامة خمسين موقفا كل موقف مقام ألف سنة، ثم تلا
" في يوم " الآية (4).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قيل له: يا رسول الله ما أطول هذا اليوم؟ فقال: والذي نفس
محمد (صلى الله عليه وآله) بيده إنه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا (5).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 385، س 11.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 386، س 2.
3 - الإحتجاج: ج 1، ص 327، س 4، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على اليهود.
4 - الكافي: ج 8، ص 143، ح 108، حديث محاسبة النفس.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 353، س 15.
290

فاصبر صبرا جميلا 5 إنهم يرونه بعيدا 6 ونراه قريبا
7 يوم تكون السماء كالمهل 8 وتكون الجبال كالعهن
9 ولا يسئل حميم حميما 10 يبصرونهم يود المجرم لو
يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه 11 وصحبته وأخيه 12
وعن الصادق (عليه السلام): لو ولي الحساب غير الله لمكثوا فيه خمسين ألف سنة من قبل أن
يفرغوا، والله سبحانه يفرغ من ذلك في ساعة (1).
وعنه (عليه السلام) قال: لا ينتصف ذلك اليوم حتى يصل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في
النار (2).
* (فاصبر صبرا جميلا) *: القمي: أي لتكذيب من كذب أن ذلك يكون (3).
* (إنهم يرونه بعيدا) *: من الإمكان.
* (ونراه قريبا) *: من الوقوع.
* (يوم تكون السماء كالمهل) *: القمي: قال: الرصاص الذائب، والنحاس كذلك
تذوب السماء (4).
* (وتكون الجبال كالعهن) *: كالصوف المصبوغ ألوانا، قيل: لأن الجبال مختلفة
الألوان فإذا بست (5) وطيرت في الجو، أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح (6).
* (ولا يسئل حميم حميما) *: ولا يسأل قريب قريبا عن حاله، وقرئ على البناء للمفعول.
* (يبصرونهم) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: يقول: يعرفونهم ثم لا يتساءلون (7).
* (يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه * وصحبته وأخيه *

1 و 2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 353، س 17 و 18. 3 و 4 - تفسير القمي: ج 2، ص 386.
5 - البس: الحطم. " وبست الجبال بسا " أي فتت حتى صارت كالدقيق. مجمع البحرين: ج 4، ص 53، مادة
" بسس ". 6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 504، س 1.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 386، س 9.
291

وفصيلته التي تأويه 13 ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه
14 كلا إنها لظى 15 نزاعة للشوى 16 تدعوا من أدبر
وتولى 17 وجمع فأوعى 18 إن الإنسان خلق هلوعا
19 إذا مسه الشر جزوعا 20 وإذا مسه الخير منوعا 21
إلا المصلين 22
وفصيلته) *: قيل: وعشيرته التي فصل عنهم (1).
* (التي تأويه) *: تضمه في النسب، وعند الشدائد. والقمي: هي أمه التي ولدته (2).
* (ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه * كلا) *: ردع للمجرم عن الودادة، ودلالة
على أن الإفتداء لا ينجيه.
* (إنها لظى) *: إن النار لهب خالص.
* (نزاعة للشوى) *: وقرئ بالنصب، والشوى: الأطراف، أو جمع شواة، وهي جلدة
الرأس. القمي: قال: تنزع عينيه وتسود وجهه (3).
* (تدعوا من أدبر وتولى) *: قال: تجره إليها (4).
* (وجمع فأوعى) *: وجمع المال، فجعله في وعاء، وكنزه حرصا وتأميلا.
القمي: قال: جمع مالا، ودفنه، ووعاه، ولم ينفقه في سبيل الله (5).
* (إن الإنسان خلق هلوعا) *: شديد الحرص، قليل الصبر.
* (إذا مسه الشر جزوعا) *: القمي: قال: الشر: هو الفقر، والفاقة (6).
* (وإذا مسه الخير منوعا) *: قال: الغنا، والسعة (7).
* (إلا المصلين) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: ثم استثنى فوصفهم بأحسن أعمالهم (8).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 504، س 7.
2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 - تفسير القمي: ج 2، ص 386، س 10 و 12 و 13 و 15 و 16.
292

الذين هم على صلاتهم دائمون 23 والذين في أموالهم
حق معلوم 24 للسائل والمحروم 25 والذين يصدقون
بيوم الدين 26 والذين هم من عذاب ربهم مشفقون 27
* (الذين هم على صلاتهم دائمون) *: قال: يقول: إذا فرض على نفسه شيئا من
النوافل دام عليه (1).
وفي الخصال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): يعني الذين يقضون ما فاتهم من الليل بالنهار، وما
فاتهم من النهار بالليل (2).
* (والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم) *: في الكافي: عن
السجاد (عليه السلام) الحق المعلوم: الشئ يخرجه من ماله ليس من الزكاة ولا من الصدقة المفروضتين،
وهو الشئ يخرجه من ماله، إن شاء أكثر، وإن شاء أقل، على قدر ما يملك، يصل به رحما،
ويقوي به ضعيفا، ويحمل به كلا، ويصل به أخا له في الله، أو لنائبة تنوبه (3). وفي معناه أخبار أخر
(4).
وعن الصادق (عليه السلام)، المحروم: المحارف الذي قد حرم كد يده في الشرى والبيع (5).
وفي رواية: المحروم: الذي ليس بعقله بأس، ولم يبسط له في الرزق، وهو محارف (6).
* (والذين يصدقون بيوم الدين) *: في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال: بخروج القائم (عليه السلام) (7).
* (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون) *: خائفون على أنفسهم.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 386، س 17.
2 - الخصال: ص 628، س 8، ح 101، باب 400.
3 - الكافي: ج 3، ص 500، ح 11، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق.
4 - انظر الكافي: ج 3، ص 498 - 499، ح 8 و 9، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق.
5 - الكافي: ج 3، ص 500، ح 12، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق.
6 - الكافي: ج 3، ص 500، ذيل حديث 12، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق.
7 - الكافي: ج 8، ص 287، ح 432.
293

إن عذاب ربهم غير مأمون 28 والذين هم لفروجهم
حافظون 29 إلا على أزوجهم أو ما ملكت أيمنهم فإنهم
غير ملومين 30 فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم
العادون 31 والذين هم لأمانتهم وعهدهم رعون 32
والذين هم بشهاداتهم قائمون 33 والذين هم على
صلاتهم يحافظون 34
* (إن عذاب ربهم غير مأمون) *: إعتراض يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يأمن
من عذاب الله، وإن بالغ في طاعته.
* (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزوجهم أو ما ملكت
أيمنهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) *:
مضى تفسيرها في سورة المؤمنون (1).
* (والذين هم لأمانتهم وعهدهم رعون) *: حافظون، وقرئ " لأمانتهم ".
* (والذين هم بشهاداتهم قائمون) *: لا يكتمون ولا ينكرون، وقرئ
" بشهاداتهم " لاختلاف الأنواع.
* (والذين هم على صلاتهم يحافظون) *: فيراعون شرائطها، وآدابها.
في الكافي (2)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) قال: هي الفريضة، و " الذين هم على صلاتهم
دائمون " (3) هي النافلة (4).

1 - الآيات: 4 - 7، انظر ج 5، ص 170 - 171 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - الكافي: ج 3، ص 269 - 270، ح 12، باب من حافظ على الصلاة أو ضيعها. إعلم إن ما جاء في الكافي من
السؤال إنما يكون عن هذا الآية: " والذين هم على صلواتهم يحافظون " المؤمنون 9، فأجاب (عليه السلام) وقال: هي
الفريضة. إذن ما استدل الماتن (قدس سره) به في ذيل هذه الآية من سورة المعارج غير صحيح.
3 - المعارج: 23.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 356، س 14.
294

أولئك في جنت مكرمون 35 فمال الذين كفروا قبلك
مهطعين 36 عن اليمين وعن الشمال عزين 37 أيطمع
كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم 38 كلا إنا خلقناهم
مما يعلمون 39
وعن الكاظم (عليه السلام): أولئك أصحاب الخمسين صلاة من شيعتنا (1).
* (أولئك في جنت مكرمون * فمال الذين كفروا قبلك) *: حولك.
* (مهطعين) *: مسرعين.
* (عن اليمين وعن الشمال عزين) *: قيل: فرقا شتى جمع عزة (2).
والقمي: يقول: قعود (3).
وفي الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد ذكر المنافقين، قال: وما زال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يتألفهم ويقربهم ويجلسهم عن يمينه وشماله حتى أذن الله عز وجل له في إبعادهم بقوله:
" واهجرهم هجرا جميلا " (4)، وبقوله: " فمال الذين كفروا قبلك مهطعين " الآيات (5).
* (أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم) *: بلا إيمان، قيل: هو إنكار
لقولهم: لو صح ما يقوله لنكون فيها أفضل حظا منهم كما في الدنيا (6).
* (كلا) *: ردع عن هذا الطمع.
* (إنا خلقناهم مما يعلمون) *: القمي: قال: من نطفة ثم علقة (7).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 357، س 3.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 505، س 10.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 386، س 20.
4 - المزمل: 10.
5 - الاحتجاج: ج 1، ص 377، س 9، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القرآن
متشابهة تحتاج إلى التأويل.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 505، س 12.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 386، س 21.
295

فلا أقسم برب المشرق والمغرب إنا لقادرون 40 على
أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين 41 فذرهم يخوضوا
ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون 42 يوم
يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون 43
أقول: يعني إن المخلوق من النطفة القذرة لا يتأهل لعالم القدس ما لم يستكمل بالإيمان
والطاعة، ولم يتخلق بالأخلاق الملكية.
* (فلا أقسم) *: " لا " مزيدة للتأكيد، وهو شائع في كلامهم. القمي: أي أقسم (1).
* (برب المشرق والمغرب) *: قال: قال: مشارق الشتاء، ومشارق الصيف،
ومغارب الشتاء، ومغارب الصيف (2).
وفي المعاني: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الآية قال: لها ثلاثمائة وستون مشرقا،
وثلاثمائة وستون مغربا، فيومها الذي تشرق فيه لا تعود فيه إلا من قابل، ويومها الذي تغرب
فيه لا تعود فيه إلا من قابل (3).
وفي الإحتجاج: عنه (عليه السلام) فيها قال: لها ثلاثمائة وستون برجا، تطلع كل يوم من برج،
وتغيب في آخر، فلا تعود إليه إلا من قابل في ذلك اليوم (4).
* (إنا لقادرون * على أن نبدل خيرا منهم) *: أي نهلكهم ونأتي بخلق أمثل منهم.
* (وما نحن بمسبوقين) *: بمغلوبين إن أردنا ذلك.
* (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون * يوم

1 - تفسير القمي: ج 3، ص 386، س 21.
2 - تفسير القمي: ج 3، ص 386، س 22. وفيه: " قال: مشارق الشتاء، ومغارب الصيف، ومغارب الشتاء،
ومشارق الصيف ".
3 - معاني الأخبار: ص 221، ح 1، باب معنى المشارق والمغارب.
4 - الإحتجاج: ج 1، ص 386، س 17، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) وأجوبته مسائل ابن الكوا.
296

خشعة أبصرهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا
يوعدون 44
يخرجون من الأجداث) *: من القبور.
* (سراعا) *: مسرعين.
* (كأنهم إلى نصب يوفضون) *: إلى منصوب للعبادة، أو علم يسرعون.
القمي: قال: إلى الداعي يبادرون (1). وقرئ " نصب " بضمتين على الجمع.
* (خشعة أبصرهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون) *: في
الدنيا. في ثواب الأعمال: عن الصادق (عليه السلام) أكثروا من قراءة " سئل سائل " فإن من أكثر قراءتها
لم يسأله الله تعالى يوم القيامة عن ذنب عمله وأسكنه الجنة مع محمد (صلى الله عليه وآله) (2).
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) مثله (3).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 387، س 2، وفيه: " إلى الداعي ينادون ".
2 - ثواب الأعمال: ص 119 - 120، ح 1، باب ثواب من قرأ سورة " سأل سائل ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 350، في فضلها.
297

سورة نوح
299

بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن
يأتيهم عذاب أليم 1 قال يقوم إني لكم نذير مبين 2
أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون 3 يغفر لكم من ذنوبكم
ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو
كنتم تعلمون 4
سورة نوح (عليه السلام): مكية، عدد آيها ثمان وعشرون آية.
* (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب
أليم * قال يقوم إني لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون *
يغفر لكم من ذنوبكم) *: قيل: بعض ذنوبكم وهو ما سبق، فإن الإسلام يجبه (1).
* (ويؤخركم إلى أجل مسمى) *: هو أقصى ما قدر لكم بشرط الإيمان والطاعة.
* (إن أجل الله) *: إن الأجل الذي قدره الله.
* (إذا جاء لا يؤخر) *: فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير.
* (لو كنتم تعلمون) *: صحة ذلك، وتؤمنون به، وفيه دلالة على أنهم لإنهماكهم في

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 506، س 11.
301

قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا 5 فلم يزدهم
دعاء ى إلا فرارا 6 وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا
أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا
واستكبروا استكبارا 7 ثم إني دعوتهم جهارا 8 ثم إني
أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا 9 فقلت استغفروا ربكم
إنه كان غفارا 10 يرسل السماء عليكم مدرارا 11
حب الحياة كأنهم شاكون في الموت.
* (قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا) *: أي دائما.
* (فلم يزدهم دعاء ى إلا فرارا) *: عن الإيمان والطاعة.
* (وإني كلما دعوتهم) *: إلى الإيمان.
* (لتغفر لهم) *: بسببه.
* (جعلوا أصابعهم في آذانهم) *: سدوا مسامعهم عن إستماع حق الدعوة.
* (واستغشوا ثيابهم) *: القمي: قال: استتروا بها (1).
* (وأصروا واستكبروا استكبارا) *: قال: أي عزموا على أن لا يسمعوا شيئا.
* (ثم إني دعوتهم جهارا * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا) *: يعني
دعوتهم مرة بعد أخرى، وكرة بعد أولى، سرا وعلانية، وعلى أي وجه أمكنني و " ثم " لتفاوت
الوجوه، أو لتراخي بعضها عن بعض.
* (فقلت استغفروا ربكم) *: بالتوبة عن العصيان.
* (إنه كان غفارا) *: للتائبين.
* (يرسل السماء عليكم مدرارا) *: كثير الدر.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 387، س 8.
302

ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنت ويجعل لكم
أنهرا 12 ما لكم لا ترجون لله وقارا 13 وقد خلقكم
أطوارا 14 ألم تروا كيف خلق الله سبع سموت طباقا 15
وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا 16 والله
أنبتكم من الأرض نباتا 17
* (ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنت) *: بساتين.
* (ويجعل لكم أنهرا) *: قيل: لما طالت دعوتهم، وتمادى إصرارهم، حبس الله
عنهم القطر أربعين سنة، وأعقم أرحام نسائهم فوعدهم بذلك (1).
وقد سبقت قصتهم في سورة هود (عليه السلام) (2).
* (مالكم لا ترجون لله وقارا) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: لا تخافون لله عظمة (3).
* (وقد خلقكم أطوارا) *: القمي: قال: على اختلاف الأهواء، والإرادات،
والمشيئات (4).
وقيل: أي تارات: ترابا، ثم نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظاما ولحوما، ثم أنشأه خلقا
آخر، فإنه يدل على عظم قدرته، وكمال حكمته (5).
* (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموت طباقا) *: بعضها فوق بعض.
* (وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا) *: مثلها به لأنها تزيل ظلمة
الليل عن وجه الأرض، كما يزيلها السراج عما حوله.
* (والله أنبتكم من الأرض نباتا) *: أنشأكم منها.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 507، س 8.
2 - ذيل الآية: 49، انظر ج 4، ص 44 - 47 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 387، س 11.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 387، س 12.
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 507، س 15.
303

ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا 18 والله جعل لكم
الأرض بساطا 19 لتسلكوا منها سبلا فجاجا 20 قال
نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا
خسارا 21 ومكروا مكرا كبارا 22 وقالوا لا تذرن
آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق
ونسرا 23
* (ثم يعيدكم فيها) *: مقبورين.
* (ويخرجكم إخراجا) *: بالحشر.
* (والله جعل لكم الأرض بساطا) *: تتقلبون عليها.
* (لتسلكوا منها سبلا فجاجا) *: واسعة، جمع فج ضمن السلوك معنى الإتخاذ
فعدى بمن.
* (قال نوح رب إنهم عصوني) *: فيما أمرتهم به.
* (واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) *: واتبعوا رؤساءهم البطرين
بأموالهم المغترين بأولادهم بحيث صار ذلك سببا لزيادة خسارهم في الآخرة، وفيه أنهم إنما
اتبعوهم لوجاهة حصلت لهم بأموال وأولاد أدت بهم إلى الخسار.
القمي: قال: واتبعوا الأغنياء (1). وقرئ " وولده " بالضم والسكون ".
* (ومكروا مكرا كبارا) *: كبيرا في الغاية.
* (وقالوا لا تذرن آلهتكم) *: أي عبادتها.
* (ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) *: ولا تذرن هؤلاء

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 387، س 14.
304

وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضللا 24 مما
خطيئتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله
أنصارا 25
خصوصا.
قيل: هي أسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح، فلما ماتوا صوروا تبركا بهم، فلما
طال الزمان عبدوا، وقد انتقلت إلى العرب (1).
والقمي: قال: كان قوم مؤمنين قبل نوح (عليه السلام) فماتوا فحزن عليهم الناس فجاء إبليس
فاتخذ لهم صورهم ليأنسوا بها فأنسوا بها، فلما جاءهم الشتاء أدخلوهم البيوت فمضى ذلك
القرن، وجاء القرن الآخر فجاءهم إبليس فقال لهم: إن هؤلاء آلهة كان آباؤكم يعبدونها،
فعبدوهم، وضل منهم بشر كثير، فدعا عليهم نوح (عليه السلام) فأهلكهم الله (2).
وفي العلل: عن الصادق (عليه السلام) ما يقرب منه (3).
والقمي: قال: كانت ود: صنما لكلب، وسواع: لهذيل، ويغوث: لمراد، ويعوق: لهمدان،
ونسر: لحصين (4). وقرئ " ودا " بالضم.
* (وقد أضلوا كثيرا) *: يعني الرؤساء، أو الأصنام.
* (ولا تزد الظالمين إلا ضللا) *: القمي: قال: هلاكا، وتدميرا (5).
* (مما خطيئتهم) *: من أجل خطيئاتهم و " ما " مزيدة للتأكيد والتفخيم، وقرئ " مما
خطاياهم ".
* (أغرقوا) *: بالطوفان.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 508، س 7.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 387، س 16.
3 - علل الشرائع: ص 3 - 4، ح 1، باب 3 - العلة التي من أجلها عبدت الأصنام.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 388، س 1.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 388، س 3.
305

وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا 26
إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا 27
رب اغفر لي ولولدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين
والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا 28
* (فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) *: إذ لا يقدر آلهتهم على نصرهم.
* (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) *: أي أحدا.
* (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) *: القمي: عن
الباقر (عليه السلام) إنه سئل ما كان علم نوح حين دعا على قومه أنهم لا يلدوا إلا فاجرا كفارا؟ فقال:
أما سمعت قول الله تعالى لنوح (عليه السلام): " إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " (1) (2).
* (رب اغفر لي ولولدي ولمن دخل بيتي مؤمنا) *: في الكافي (3)، والقمي: عن
الصادق (عليه السلام) يعني الولاية، من دخل في الولاية دخل في بيت الأنبياء (4).
* (وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا) *: القمي: عن
الباقر (عليه السلام) أي خسارا (5).
في ثواب الأعمال (6)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من كان يؤمن بالله ويقرأ كتابه لا يدع
قراءة سورة " إنا أرسلنا نوحا إلى قومه " فأي عبد قرأها محتسبا صابرا في فريضة أو نافلة
أسكنه الله مساكن الأبرار، وأعطاه ثلاث جنان مع جنته كرامة من الله، وزوجه مائتي حوراء،
وأربعة آلاف ثيب إن شاء الله تعالى (7).

1 - هود: 36.
2 - تفسير القمي: تفسير القمي: ج 2، ص 388، س 6.
3 - الكافي: ج 1، ص 423، ح 54، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 388، س 11.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 388، س 12.
6 - ثواب الأعمال: ص 120، ح 1، باب ثواب من قرأ سورة نوح.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 359، في فضلها.
306

سورة الجن
307

بسم الله الرحمن الرحيم
قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا
قرآنا عجبا 1 يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك
بربنا أحدا 2 وأنه تعلى جد ربنا ما اتخذ صحبة ولا
ولدا 3
سورة الجن: هي مكية، عدد آيها ثمان وعشرون آية.
* (قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا) *:
كتابا بديعا مباينا لكلام الناس في حسن نظمه، ودقة معناه.
* (يهدى إلى الرشد) *: إلى الحق والصواب.
* (فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) *: قد سبقت قصتهم في سورة الأحقاف (1).
* (وأنه تعلى جد ربنا) *: قيل: أي عظمته، مستعار من الجد الذي هو البخت (2).
والقمي: قال: هو شئ قالته الجن بجهالة، ولم يرضه الله منهم، ومعنى " جد ربنا " بخت
ربنا (3).

1 - الآيات: 29 - 32، انظر ج 6، ص 459 - 461 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 509، س 15.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 388، س 17.
309

وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا 4 وأنا ظننا أن لن
تقول الإنس والجن على الله كذبا 5 وأنه كان رجال من
الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا 6
وفي التهذيب (1)، والخصال (2)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) إنما هو شئ قالته الجن بجهالة،
فحكى الله عنهم (3).
وقرئ " إنه " بالكسر، وكذا ما بعده إلا قوله " ألو استقاموا " و " أن المسجد ".
* (ما اتخذ صحبة ولا ولدا * وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا) *:
قولا بعيدا عن الحق مجاوزا عن الحد. القمي: أي ظلما (4).
* (وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا) *: اعتذار عن اتباعهم
السفيه في ذلك.
* (وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن) *: القمي: عن
الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال: كان الرجل ينطلق إلى الكاهن الذي يوحي إليه الشيطان فيقول:
قل لشيطانك فلان: قد عاذ بك (5).
* (فزادوهم رهقا) *: فزادوا الجن باستعاذتهم بهم كبرا وعتوا.
والقمي: أي خسرانا (6). قال: كان الجن ينزلون على قوم من الإنس ويخبرونهم
الأخبار التي سمعوها من السماء من قبل مولد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان الناس يكهنون بما
أخبروهم الجن (7).

1 - تهذيب الأحكام: ج 2، ص 316، ح 1290 / 146، باب 15 - كيفية الصلاة وصفتها والمفروض من ذلك
والمسنون. 2 - الخصال: ص 50، ح 59، باب 2 - شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 368، س 33.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 388، س 18.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 389، س 3. وفيه: " قل لشيطانك إن فلانا فقد عاذ بك ".
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 389، س 8.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 389، س 5.
310

وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا 7 وأنا لمسنا
السماء فوجدنها ملئت حرسا شديدا وشهبا 8 وأنا كنا نقعد
منها مقعد للسمع فمن يستمع الان يجد له شهابا رصدا 9
* (وأنهم) *: وأن الإنس.
* (ظنوا كما ظننتم) *: أيها الجن أو بالعكس.
* (أن لن يبعث الله أحدا) *: الآيتان إما من كلام الجن بعضهم لبعض، أو استئناف
كلام من الله، ومن فتح " أن " فيهما جعلهما من الموحى به.
* (وأنا لمسنا السماء) *: التمسناها أي طلبنا بلوغها أو خبرها.
* (فوجدنها ملئت حرسا) *: حراسا اسم جمع.
* (شديدا) *: قويا، وهم الملائكة الذين يمنعونهم عنها.
* (وشهبا) *: جمع شهاب، وهو المضئ المتولد من النار.
* (وأنا كنا نقعد منها مقعد للسمع) *: مقاعد خالية عن الحرس والشهب،
صالحة للترصد، والاستماع.
* (فمن يستمع الان يجد له شهابا رصدا) *: أي شهابا راصدا له، ولأجله يمنعه
عن الاستماع بالرجم، وقد مر بيان ذلك في سورتي الحجر (1) والصافات (2).
وفي الإحتجاج: عن الصادق (عليه السلام) في حديث يذكر فيه سبب أخبار الكاهن قال: وأما
أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد إستراق السمع إذ ذاك، وهي لا تحجب ولا
ترجم بالنجوم، وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من
خبر السماء ويلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله لإثبات الحجة ونفي الشبهة، وكان

1 - ذيل الآية: 18، انظر ج 4، ص 266 - 267 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - ذيل الآية: 10، انظر ج 6، ص 176 من كتابنا تفسير الصافي.
311

وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم
رشدا 10 وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق
قددا 11 وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن
نعجزه هربا 12 وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن
بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا 13
الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها، ثم يهبط
بها إلى الأرض فيقذفها إلى الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من عنده فيختلط الحق بالباطل، فما
أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما أداه إليه شيطانه مما سمعه، وما أخطأ فيه فهو من
باطل ما زاد فيه، فمذ منعت الشياطين عن إستراق السمع انقطعت الكهانة (1).
* (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) *: خيرا (2).
* (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك) *: قوم دون ذلك.
* (كنا طرائق قددا) *: متفرقة من قد إذا قطع، القمي: أي على مذاهب مختلفة (3).
* (وأنا ظنن ا) *: علمنا.
* (أن لن نعجز الله في الأرض) *: كائنين أينما كنا فيها.
* (ولن نعجزه هربا) *: هاربين منها إلى السماء، أو لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا
أمرا ولن نعجزه هربا إن طلبنا.
* (وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا

1 - الإحتجاج: ج 2، ص 81، س 8، باب فيما احتج الصادق (عليه السلام) على الزنديق.
2 - القمي: عن الصادق (عليه السلام): قال: لا بل والله شر أريد بهم حين بايعوا معاوية وتركوا الحسن بن علي صلوات
الله عليهما. منه (قدس سره). انظر تفسير القمي: ج 2، ص 391، س 13.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 389، س 10.
312

وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك
تحروا رشدا 14 وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا 15
وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا 16
رهقا) *: نقصا في الجزاء، ولا أن يرهقه ذلة. القمي: قال: البخس النقصان، والرهق: العذاب (1).
في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) قال: الهدى: الولاية، آمنا بمولانا، فمن آمن بولاية مولاه فلا
يخاف بخسا ولا رهقا، قيل: تنزيل، قال: لا، تأويل (2).
* (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون) *: الجائرون عن طريق الحق.
* (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) *: توخوا (3) رشدا عظيما يبلغهم إلى دار
الثواب.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) أي الذين أقروا بولايتنا (4).
* (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) *: توقد بهم نارها.
* (وألو استقاموا) *: وأنه لو استقاموا.
* (على الطريقة) *: الطريقة المثلى (5).
* (لأسقيناهم ماء غدقا) *: لوسعنا عليهم الرزق، والغدق: الكثير. في المجمع: عن
الصادق (عليه السلام) قال: معناه لأفدناهم علما كثيرا يتعلمونه من الأئمة (عليهم السلام) (6).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 389، س 9.
2 - الكافي: ج 1، ص 432 - 433، ح 19، باب 91 - فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
3 - الوخي: القصد، ومنه قوله: أرجو أن يكون هذا الأمر بحيث توخيت: أي قصدت وأردت. مجمع البحرين:
ج 1، ص 432، مادة " وخا ".
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 389، س 13.
5 - الطريقة المثلى: التي هي أشبه بالحق. وقال الأخفش: المثلى: تأنيث الأمثل كالقصوى تأنيث الأقصى. وقال
الفراء: المثلى في هذه الآية بمنزلة الأسماء الحسنى، وهو نعت للطريقة، وهم الرجال الأشراف، جعلت المثلى مؤنثة
لتأنيث الطريقة. لسان العرب: ج 13، ص 23، مادة " مثل ".
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 372، س 5.
313

لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا
17 وأن المسجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا 18
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) يعني لو استقاموا على ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
والأوصياء من ولده (عليهم السلام)، وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم " لأسقيناهم ماء غدقا " يقول:
لأشربنا قلوبهم الإيمان (1).
* (لنفتنهم فيه) *: لنختبرهم كيف يشكرونه.
* (ومن يعرض عن ذكر ربه) *: القمي: عن ابن عباس قال: " ذكر ربه " ولاية علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) (2).
* (يسلكه) *: يدخله.
* (عذابا صعدا) *: شاقا يعلو المعذب ويغلبه.
* (وأن المسجد لله) *: مختصة به.
* (فلا تدعوا مع الله أحدا) *: في الفقيه: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يعني بالمساجد:
الوجه، واليدين، والركبتين، والإبهامين (3).
وفي الكافي: عن الصادق (4)، والعياشي عن الجواد (عليهما السلام) (5)، والقمي: مثله (6).
وفي الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) إن المساجد: هم الأوصياء (7).
والقمي: عن الرضا (عليه السلام) هم الأئمة (عليهم السلام) (8).

1 - الكافي: ج 1، ص 220، ح 1، باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي (عليه السلام).
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 390، س 17.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 381، ح 1627 / 1، باب 227 - الفروض على الجوارح.
4 - الكافي: ج 3، ص 311 - 312، ح 8، باب افتتاح الصلاة والحد في التكبيرة وما يقال عند ذلك.
5 - تفسير العياشي: ج 1، ص 319 - 320، ح 109. 6 - تفسير القمي: ج 2، ص 390، س 20.
7 - الكافي: ج 1، ص 425، ح 65، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 390، س 21.
314

وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا 19
قل إنما أدعوا ربى ولا أشرك به أحدا 20 قل إني لا
أملك لكم ضرا ولا رشدا 21
* (وأنه لما قام عبد الله) *: يعني محمدا (صلى الله عليه وآله) (1).
* (يدعوه) *: يعبده. القمي: كناية عن الله (2).
* (كادوا) *: قال: يعني قريشا (3).
* (يكونون عليه لبدا) *: قال: أي أبدا (4) (5).
أقول: يعني يتعاونون عليه. واللبد: جمع لبدة بالكسر، وهي ما تلبد بعضه على بعض.
وقرئ بضم اللام جمع لبدة بالضم، وهي لغة.
وقيل: معناه كاد الجن " يكونون عليه " متراكمين من ازدحامهم عليه، تعجبا مما رأوا
من عبادته، وسمعوا من قراءته (6).
* (قل إنما أدعوا ربى ولا أشرك به أحدا) *: فليس ذلك ببدع، ولا منكر يوجب
اطباقكم على مقتي أو تعجبكم، وقرئ " قل " على الأمر للنبي (صلى الله عليه وآله) ليتوافق (7) ما بعده.
* (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا) *: في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) إن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) دعا الناس إلى ولاية علي (عليه السلام) فاجتمعت إليه قريش فقالوا: يا محمد أعفنا من هذا،
فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا إلى الله ليس إلي فاتهموه وخرجوا من عنده، فأنزل الله عز وجل:

1 - قيل: إنما ذكر لفظ العبد للتواضع، فإنه واقع موقع كلامه عن نفسه، والإشعار ربما هو المقتضي لقيامه.
منه (قدس سره). قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 511، س 10.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 391، س 1.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 391، س 1.
4 - أبد - كفرح -: غضب وتوحش. القاموس المحيط: ج 1، ص 273، مادة " أبد ". وجاء في لسان العرب: ج 1،
ص 41، أبد الرجل - بالكسر -: توحش.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 391، س 1.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 511، س 11.
7 - وفي نسخة: [ليوافق].
315

قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا
22 إلا بلغا من الله ورسالته ومن يعص الله ورسوله
فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا 23 حتى إذا رأوا ما
يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا 24
" قل إني لا أملك " الآية (1).
* (قل إني لن يجيرني من الله أحد) *: قال: إن عصيته.
* (ولن أجد من دونه ملتحدا) *: منحرفا وملتجأ.
* (إلا بلاغا من الله ورسالته) *: قيل: استثناء من ملتحدا أي إلا تبليغا من الله آياته
ورسالاته فإنه ملتجأي أو من لا أملك أي لا أملك سوى تبليغ وحي الله بتوفيقه وعونه (2).
في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) إلا بلاغا من الله ورسالاته في علي (عليه السلام)، قيل: هذا تنزيل،
قال: نعم (3).
* (ومن يعص الله ورسوله) *: قال: في ولاية علي (عليه السلام) (4).
* (فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا * حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون
من أضعف ناصرا وأقل عددا) *: هو أو هم، قال: يعني بذلك القائم (عليه السلام) وأنصاره (5).
والقمي: قال: القائم، وأمير المؤمنين (عليهما السلام) في الرجعة (6). وقال أيضا: يعني الموت،
والقيامة (7).

1 - الكافي: ج 1، ص 434، س 1، ح 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 511، س 18.
3 - الكافي: ج 1، ص 434، ح 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 389، س 21.
5 - الكافي: ج 1، ص 434، س 8، ح 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 391، س 2.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 391، س 2.
316

قل إن أدرى أقريب ما توعدون أم يجعل له ربى أمدا 25
علم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا 26 إلا من ارتضى
من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا 27
* (قل إن أدرى) *: ما أدري.
* (أقريب ما توعدون أم يجعل له ربى أمدا) *: أجلا، القمي: لما أخبرهم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ما يكون من الرجعة قالوا: متى يكون هذا؟ قال الله: قل يا محمد: " إن أدرى " الآية (1).
* (علم الغيب فلا يظهر) *: فلا يطلع.
* (على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول) *: في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) في
هذه الآية، قال: وكان محمد (صلى الله عليه وآله) ممن ارتضاه (2).
وفي الخرائج: عن الرضا (عليه السلام) فيها: فرسول الله (صلى الله عليه وآله) عند الله مرتضى، ونحن ورثة ذلك
الرسول الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة (3).
* (فإنه يسلك من بين يديه) *: بين يدي المرتضى.
* (ومن خلفه رصدا) *: القمي: قال: يخبر الله رسوله الذي يرتضيه بما كان قبله من
الأخبار، وما يكون بعده من أخبار القائم (عليه السلام)، والرجعة، والقيامة (4) (5).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 391، س 6.
2 - الكافي: ج 1، ص 256، ح 2، باب نادر فيه ذكر الغيب.
3 - الخرائج والجرائح: ج 1، ص 343، س 15، ح 6، باب 9 - في معجزات الإمام المظلوم المسموم علي بن موسى
الرضا (عليه السلام).
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 391، س 8.
أقول: لم نر وجها صحيحا لذكر هذا الحديث ذيل هذا المقطع من هذه الآية، ومن هنا نرى بأن القمي ذكره ذيل
هذه الآية " علم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا " وهذا هو الصحيح.
5 - وجاء في هامش المخطوطة: عن أبي جعفر (عليه السلام)، الرصد: التعليم من النبي، وقوله: " من بين يديه " يعني يلقى في
قلبه الإلهام ليعلم النبي أنه قد أبلغ رسالات ربه وأحاط بما لديه من العلم، " وأحصى كل شئ عددا " قال: علم م
مما كان وما يكون إلى يوم القيامة، قيل: حتى معرفة كل إنسان بإسمه ونسبه، ومن يموت موتا، ومن يقتل قتلا،
ومن هو أهل الجنة، ومن هو أهل النار. نقلا من مشارق الأنوار.
317

ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم
وأحصى كل شئ عددا 28
وقيل: " رصدا " أي حرسا من الملائكة يحرسونه من اختطاف الشياطين وتخاليطهم (1).
* (ليعلم أن قد أبلغوا) *: قيل: أي ليعلم النبي الموحى إليه أن قد أبلغ جبرئيل
والملائكة النازلون بالوحي، أو ليعلم الله أن قد أبلغ الأنبياء يعني (2) ليتعلق علمه به
موجودا (3).
* (رسالات ربهم) *: كما هي محروسة عن التغير.
* (وأحاط بما لديهم) *: بما عند الرسل.
* (وأحصى كل شئ عددا) *: حتى القطر والرمل.
في ثواب الأعمال (4)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من أكثر قراءة " قل أوحى " لم يصبه في
الحياة الدنيا شئ من أعين الجن، ولا من نفثهم، ولا من سحرهم، ولا من كيدهم، وكان مع
محمد (صلى الله عليه وآله) فيقول: يا رب لا أريد بهم بدلا، ولا أريد أن أبتغي عنهم حولا (5).
* * *

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 512، س 10.
2 - وفي نسخة: [بمعنى] كما في المصدر.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 512، س 11.
4 - ثواب الأعمال: ص 120، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الجن.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 365، في فضلها.
318

سورة المزمل
319

بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها المزمل 1 قم الليل إلا قليلا 2 نصفه أو انقص
منه قليلا 3 أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا 4
سورة المزمل: مكية، وقيل: مدنية، وقيل: بعضها مكي وبعضها مدني، وهي ثماني
عشرة آية المدني الأخير، وتسع عشرة بصري، عشرون في الباقين.
* (يا أيها المزمل) *: أصله المتزمل من تزمل إذا تلفف بها.
القمي: قال: هو النبي (صلى الله عليه وآله) كان يتزمل بثوبه، وينام، فقال الله: " يا أيها المزمل " (1).
* (قم الليل) *: أي إلى الصلاة.
* (إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه) *: في المجمع: عن
الصادق (عليه السلام) قال: القليل: النصف أو أنقص من القليل قليلا، أو زد على القليل قليلا (2).
والقمي: ما يقرب منه (3).
* (ورتل القرآن ترتيلا) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية
فقال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) بينه بيانا، ولا تهذه هذ الشعر (4)، ولا تنثره نثر الرمل، ولكن

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 392، س 4.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 377، س 14.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 392، س 5.
4 - الهذ - بالذال المعجمة المشددة -: سرعة القطع، ثم استعير لسرعة القراءة، يقال: هو يهذ القرآن - من باب
قتل -: أي يسرده ويسرع به، والمعنى لا تسرعوا بقراءة القرآن كما تسرعون في قراءة الشعر ولا تفرقوا بعضه عن
بعض وتنثروه كنثر الرمل ولكن بينوه ورتلوه ترتيلا. مجمع البحرين: ج 3، ص 192، مادة " هذذ ".
321

إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا 5 إن ناشئة الليل هي أشد
وطئا وأقوم قيلا 6
أفزعوا قلوبكم القاسية، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة (1).
وقد مر شرح هذا الحديث، وأخبار اخر في معنى الترتيل في المقدمة الحادية عشرة (2).
* (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) *: قيل: أي القرآن، فإنه لما فيه من التكاليف الشاقة
ثقيل على المكلفين (3).
وقيل: أي ثقيل نزوله عليه، فإنه كان يتغير حاله عند نزوله ويعرق (4).
العياشي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لقد نزلت عليه سورة المائدة وهو على بغلة الشهباء،
وثقل عليه الوحي حتى وقفت وتدلى بطنها حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض (5).
والقمي: " قولا ثقيلا " قال: قيام الليل وهو قوله: " إن ناشئة الليل " الآية (6).
* (إن ناشئة الليل) *: قيل: أي النفس التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة، أي تنهض،
أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث (7).
* (هي أشد وطئا) *: أي كلفة أو ثبات قدم، وقرئ " وطاء " أي مواطأة القلب
اللسان لها أو فيها.
* (وأقوم قيلا) *: وأسد مقالا وأثبت قراءة لحضور القلب وهدو الأصوات.
والقمي: قال: أصدق القول (8).

1 - الكافي: ج 2، ص 614، ح 1، باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن. وفيه: " أفرغوا ".
2 - انظر ج 1، ص 107 - 110، من كتابنا تفسير الصافي.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 513، س 14.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 378، س 15.
5 - تفسير العياشي: ج 1، ص 288، ح 2.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 392، س 8.
7 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 513، س 20.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 392، س 8.
322

إن لك في النهار سبحا طويلا 7 واذكر اسم ربك وتبتل
إليه تبتيلا 8
وفي الفقيه (1)، والتهذيب: عن الصادق (عليه السلام) في قوله: " إن ناشئة الليل " الآية قال: قيام
الرجل عن فراشه يريد به الله عز وجل لا يريد به غيره (2).
وفي رواية: لا يريد إلا الله (3). وفي الكافي (4)، والعلل: عنه (عليه السلام) ما في معناه (5).
* (إن لك في النهار سبحا طويلا) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) يقول: فراغا طويلا
لنومك وحاجتك (6).
* (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا) *: وانقطع إليه بالعبادة وجرد نفسك عما
سواه. القمي: يقول: أخلص إليه إخلاصا (7).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: الدعاء بإصبع واحدة تشير بها (8).
وعنه (عليه السلام): التبتل: الإيماء بالإصبع (9).
وفي المجمع: عنهما (عليهما السلام) إن التبتل هنا: رفع اليدين في الصلاة (10).
وفي رواية: هو رفع يدك إلى الله وتضرعك إليه (11).

1 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 299، ح 1367 / 5، باب 65 - ثواب صلاة الليل.
2 - تهذيب الأحكام: ج 2، ص 336، ح 1385 / 241، باب 15 - كيفية الصلاة وصفتها والمفروض من ذلك
والمسنون.
3 - تهذيب الأحكام: ج 2، ص 119 - 120، ح 451 / 219، باب 8 - كيفية الصلاة وصفتها وشرح الإحدى
وخمسين ركعة وترتيبها والقراءة فيها والتسبيح في ركوعها وسجودها والقنوت فيها.
4 - الكافي: ج 3، ص 446، ح 17، باب صلاة النوافل.
5 - علل الشرائع: ص 363، ح 5، باب 84 - علة صلاة الليل.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 392، س 11.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 392، س 12.
8 - الكافي: ج 2، ص 479، ذيل حديث 2، باب الرغبة والرهبة والتضرع والتبتل والابتهال والاستعاذة والمسألة.
9 - الكافي: ج 2، ص 481، ح 7، باب الرغبة والرهبة والتضرع والتبتل والابتهال والاستعاذة والمسألة.
10 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 379، س 10.
11 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 379، س 10.
323

رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا 9
واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا 10 وذرني
والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلا 11
وفي المعاني: عن الكاظم (عليه السلام) التبتل: أن تقلب كفيك في الدعاء إذا دعوت (1).
والقمي: قال: رفع اليدين وتحريك السبابتين (2).
* (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو) *: وقرئ بالجر (3).
* (فاتخذه وكيلا * واصبر على ما يقولون) *: في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) قال:
ما يقولون فيك (4).
* (واهجرهم هجرا جميلا) *: بأن تجانبهم وتداريهم، وتكل أمرهم إلى الله.
* (وذرني والمكذبين) *: دعني وإياهم، وكل إلي أمرهم، فإن بي غنية عنك في
مجازاتهم. في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) والمكذبين بوصيك، قيل: إن هذا تنزيل؟ فقال: نعم (5).
* (أولى النعمة) *: أرباب التنعم.
* (ومهلهم قليلا) *: في الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث يذكر فيه
المنافقين، قال: وما زال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتألفهم ويقربهم ويجلسهم عن يمينه، وشماله، حتى أذن
الله عز وجل له في إبعادهم بقوله " واهجرهم هجرا جميلا " (6).

1 - معاني الأخبار: ص 369 - 370، ح 2، معنى الرغبة والرهبة والتبتل والابتهال والتضرع والبصبصة في
الدعاء.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 392، س 9.
3 - أي قرئ " رب المشرق " بالجر على أنه بدل من " ربك " في قوله تعالى: " واذكر اسم ربك ".
4 - الكافي: ج 1، ص 434، س 9، ح 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية. وليس فيه لفظ " ما ".
5 - الكافي: ج 1، ص 434، س 10، ح 91، باب فيه نكت وتنف من التنزيل في الولاية.
6 - الإحتجاج: ج 1، ص 377، س 9، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا بآي من القرآن
متشابهة تحتاج إلى التأويل.
324

إن لدينا أنكالا وجحيما 12 وطعاما ذا غصة وعذابا أليما
13 يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا
14 إنا أرسلنا إليكم رسولا شهدا عليكم كما أرسلنا إلى
فرعون رسولا 15
* (إن لدينا أنكالا) *: تعليل للأمر، والنكل: القيد الثقيل.
* (وجحيما * وطعاما ذا غصة) *: وطعاما ينشب في الحلق كالضريع (1) والزقوم (2).
* (وعذابا أليما) *: ونوعا آخرا من العذاب مؤلما لا يعرف كنهه إلا الله، وفسر
بالحرمان عن لقاء الله، لأن النفوس العاصية المنهمكة في الشهوات تبقى مقيدة بحبها، والتعلق
بها عن التخلص إلى عالم القدس، متحرقة بحرقة الفرقة، متجرعة غصة الهجران، معذبة
بالحرمان عن تجلي أنوار القدس.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه سمع قاريا يقرؤها فصعق (3).
* (يوم ترجف الأرض والجبال) *: تضطرب، وتزلزل. والقمي: تخسف (4).
* (وكانت الجبال كثيبا مهيلا) *: قال: مثل الرمل تنحدر (5).
* (إنا أرسلنا إليكم رسولا شهدا عليكم) *: يشهد عليكم يوم القيامة بالإجابة
والإمتناع.
* (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا) *: يعني موسى (عليه السلام)، ولم يعينه لأن المقصود لم

1 - الضريع: نبت بالحجاز مشوم له شوك كبار، يقال له: الشبرق، تأكله الإبل يضرها ولا ينفعها. وعن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال: الضريع شئ يكون في النار يشبه الشوك أمر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار. مجمع
البحرين: ج 4، ص 364، مادة " ضرع ".
2 - الزقوم - بفتح الزاء وتشديد القاف -: شجرة مرة كريهة الطعم والرائحة، يكره أهل النار على تناوله.
والتزقم: التلقم، وتزقم إذا أفرط في شربه. مجمع البحرين: ج 6، ص 79، مادة " زقم ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 380، س 18.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 392، س 13.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 392، س 13.
325

فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا 16 فكيف تتقون
إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا 17 السماء منفطر به كان
وعده مفعولا 18 إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه
سبيلا 19 إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه
وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم
أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم
أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون
من فضل الله وآخرون يقتلون في سبيل الله فاقرءوا ما
تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله
قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله
هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم 20
يتعلق به.
* (فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا) *: ثقيلا.
* (فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا) *: من شدة هوله.
القمي: من الفزع حيث يسمعون الصيحة (1).
قال: يقول كيف إن كفرتم تتقون ذلك اليوم (2).
* (السماء منفطر به) *: منشق.
* (كان وعده مفعولا * إن هذه) *: الآيات الموعدة.
* (تذكرة) *: عظة.
* (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) *: أي تقرب إليه بسلوك التقوى.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 393، س 3.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 393، س 1.
326

* (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه) *: وقرئ " نصفه
وثلثه " بالنصب.
* (وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار) *: لا يعلم مقادير
ساعاتهما كما هي إلا الله.
* (علم أن لن تحصوه) *: أن لن تحصوا تقدير الأوقات، ولن تستطيعوا ضبط
الساعات.
* (فتاب عليكم) *: بالترخيص في ترك القيام المقدر، ورفع التبعة فيه.
* (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) *: فصلوا بما تيسر عليكم من القراءة.
في المجمع: عن الرضا، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، قال: ما تيسر منه لكم فيه خشوع
القلب، وصفاء السر (1).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) في قوله: " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه
وثلثه " ففعل النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك، وبشر الناس به، فاشتد ذلك عليهم، و " علم أن لن تحصوه " وكان
الرجل يقوم ولا يدري متى ينتصف الليل، ومتى يكون الثلثان، وكان الرجل يقوم حتى يصبح
مخافة أن لا يحفظه، فأنزل الله: " إن ربك يعلم أنك تقوم " إلى قوله: " علم أن لن تحصوه " يقول:
متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية " فاقرءوا ما تيسر من القرآن " واعلموا أنه لم
يأت نبي قط إلا خلا بصلاة الليل، ولا جاء نبي قط بصلاة الليل في أول الليل (2).
* (علم أن سيكون منكم مرضى) *: استئناف يبين حكمة أخرى مقتضية
للترخيص والتخفيف.
* (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) *: يسافرون
للتجارة، وتحصيل العلم.
* (وآخرون يقتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة
وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا) *: يريد به سائر الإنفاقات في سبيل الخير.

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 382، س 16.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 392، س 15.
327

القمي: قال: هو غير الزكاة (1).
* (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا) *: أي تجدوه
خيرا، والضمير للفصل والعماد. وقيل: صفة للهاء في " تجدوه " (2).
* (وأعظم أجرا) *: من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت، أو من متاع الدنيا.
* (واستغفروا الله) *: في مجامع أحوالكم، فإنكم لا تخلون من تفريط.
* (إن الله غفور رحيم) *: في ثواب الأعمال (3)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ
سورة المزمل في العشاء الآخرة، أو في آخر الليل، كان له الليل والنهار شاهدين مع سورة
المزمل، وأحياه الله حياة طيبة، وأماته ميتة طيبة (4).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 393، س 5.
2 - قاله الطبرسي في تفسيره مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 382، س 20.
3 - ثواب الأعمال: ص 120، ح 1، باب ثواب قراءة سورة المزمل في العشاء الآخرة.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 375، في فضلها.
328

سورة المدثر
329

بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها المدثر 1 قم فأنذر 2 وربك فكبر 3 وثيابك
فطهر 4
سورة المدثر: مكية، عدد آيها خمسون وست آيات عراقي، وخمس شامي.
* (يا أيها المدثر) *: أي المتدثر به، وهو لابس الدثار.
القمي: قال: تدثر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالمدثر يعني المدثر بثوبه (1).
روي أنه قال: كنت بحراء فنوديت، فنظرت عن يميني وشمالي فلم أر شيئا، فنظرت
فوقي فإذا هو على عرش بين السماء والأرض، يعني الملك الذي ناداه، فرعبت، ورجعت إلى
خديجة فقلت: دثروني، فنزل جبرئيل (عليه السلام) وقال: " يا أيها المدثر " (2).
وفي المجمع (3): ما يقرب منه مع زيادات (4).
* (قم فأنذر * وربك فكبر) *: صفه بالكبرياء عقدا وقولا، روي أنه لما نزلت كبر
وأيقن أنه الوحي، وذلك أن الشيطان لا يأمر بذلك (5).
* (وثيابك فطهر) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: أي فشمر (6).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 393.
2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 516، س 12.
3 - في المجمع: عن جابر بن عبد الله، أنه سئل أي القرآن انزل قبل؟ قال: " يا أيها المدثر " قيل: أو " اقرأ " فقال:
جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم ذكر نحو مما ذكرناه، مع زيادات لا يرتضيها. منه (قدس سره).
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 384، س 19.
5 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 516، س 19.
6 - الكافي: ج 6، ص 455، ح 1، باب تشمير الثياب.
331

والرجز فاهجر 5 ولا تمنن تستكثر 6 ولربك فاصبر 7
فإذا نقر في الناقور 8 فذلك يومئذ يوم عسير 9 على
الكافرين غير يسير 10
وفي رواية يقول: ارفعها ولا تجرها (1).
وعن الكاظم (عليه السلام): إن الله عز وجل قال لنبيه (صلى الله عليه وآله): " وثيابك فطهر " وكانت ثيابه
طاهرة، وإنما أمره بالتشمير (2).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) معناه: فثيابك فقصر (3).
وعنه، عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) قال: غسل الثياب يذهب الهم والحزن، وهو طهور
للصلاة، وتشمير الثياب طهور لها، وقد قال الله سبحانه: " وثيابك فطهر "، أي فشمر (4).
والقمي: تطهيرها هنا: تشميرها (5)، وقال: شيعتنا يطهرون (6).
* (والرجز فاهجر) *: القمي: الرجز: الخبيث (7). وقرئ بالضم وهو لغة فيه.
* (ولا تمنن تستكثر) *: القمي: عن الباقر (عليه السلام) لا تعط العطية تلتمس أكثر منها (8).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال في هذه الآية: لا تستكثر ما عملت من خير لله (9).
* (ولربك فاصبر) *: على مشاق التكليف وأذى المشركين.
* (فإذا نقر في الناقور) *: فإذا نفخ في الصور.
* (فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير) *: تأكيد يشعر

1 و 2 - الكافي: ج 6، ص 455 - 456 و 456، ح 2 و 4، باب تشمير الثياب.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 385، س 9.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 385، س 15.
5 - لم نعثر عليه، بل الموجود في تفسير القمي: ج 2، ص 393، س 10: " تطهيرها: تقصيرها ".
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 393، س 11.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 393، س 11.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 393، س 12.
9 - الكافي: ج 2، ص 498 - 499، ذيل حديث 1، باب ذكر الله عز وجل كثيرا.
332

ذرني ومن خلقت وحيدا 11 وجعلت له مالا ممدودا 12
وبنين شهودا 13 ومهدت له تمهيدا 14 ثم يطمع أن
أزيد 15 كلا إنه كان لآياتنا عنيدا 16 سأرهقه صعودا 17
بيسره على المؤمنين. وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: إن منا إماما مظفرا
مستترا، فإذا أراد الله إظهار أمره نكت في قلبه نكتة فظهر فقام بأمر الله (1).
* (ذرني ومن خلقت وحيدا) *: قيل: نزل في الوليد بن المغيرة عم أبي جهل، فإنه
كان يلقب بالوحيد، سماه الله به تهكما (2).
وقيل: أي ذرني وحدي معه فإني أكفيكه (3).
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) إن الوحيد: من لا يعرف له أب (4).
* (وجعلت له مالا ممدودا) *: مبسوطا كثيرا.
* (وبنين شهودا) *: حضورا معه بمكة يتمتع بلقائهم.
* (ومهدت له تمهيدا) *: وبسطت له في الرئاسة، والجاه العريض حتى لقب ريحانة
قريش، والوحيد.
* (ثم يطمع أن أزيد) *: على ما أوتي، وهو استبعاد لطمعه.
* (كلا إنه كان لآياتنا عنيدا * سأرهقه صعودا) *: سأغشيه عقبة شاقة
المصعد، وهو مثل لما يلقى من الشدائد.
وروي: أن الصعود: جبل من النار يصعد فيه (5) سبعين خريفا (6)، ثم يهوي فيه كذلك

1 - الكافي: ج 1، ص 343، ح 30، باب في الغيبة. 2 - تفسير أبي السعود: ج 9، ص 56، س 15.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 517، س 18.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 387، س 23.
5 - هكذا في الأصل. والصحيح: " يتصعد فيه ".
6 - الخريف: الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف والشتاء، والمراد من قوله (عليه السلام): " يصعد فيه
سبعين خريفا " أي سبعون سنة، لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة واحدة، فإذا انقضى سبعون خريفا فقد
مضت سبعون سنة. م
وفي الكافي: قلت: وما الخريف جعلت فداك؟ قال: زاوية في الجنة يسير الراكب فيها أربعين عاما. انظر
الكافي: ج 3، ص 120، ح 3، باب ثواب عيادة المريض، وجاء في معاني الأخبار: ص 226 في حديث قال (عليه السلام):
والخريف سبعون سنة، وفي مستدرك الوسائل: قلت: وما الخريف؟ قال: زاوية في الجنة مسيرة مائة عام. انظر
مستدرك الوسائل: ج 10، ص 380، ح 12223 / 22، باب 77 - استحباب زيارة المؤمنين خصوصا الصلحاء،
وجاء في بعض الأخبار أن الخريف ألف عام، والعام ألف سنة.
333

إنه فكر وقدر 18 فقتل كيف قدر 19 ثم قتل كيف قدر
20 ثم نظر 21 ثم عبس وبسر 22 ثم أدبر واستكبر 23
فقال إن هذا إلا سحر يؤثر 24 إن هذا إلا قول البشر 25
أبدا (1).
وفي رواية: فإذا وضع يده عليه ذابت، وإذا رفعها عادت، وكذلك رجله (2).
* (إنه فكر وقدر) *: فكر فيما تخيل طعنا في القرآن، وقدر في نفسه ما يقول فيه.
* (فقتل كيف قدر) *: تعجيب من تقديره.
* (ثم قتل كيف قدر) *: تكرير للمبالغة، و " ثم " للدلالة على أن الثانية أبلغ من الأولى.
* (ثم نظر) *: أي في أمر القرآن مرة أخرى.
* (ثم عبس) *: قطب وجهه لما لم يجد فيه طعنا، ولم يدر ما يقول.
* (وبسر) *: اتباع لعبس.
* (ثم أدبر) *: عن الحق.
* (واستكبر) *: عن اتباعه.
* (فقال إن هذا إلا سحر يؤثر) *: يروى، ويتعلم.
* (إن هذا إلا قول البشر) *: القمي: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان شيخا كبيرا

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 518، س 7. وجاء ما يقرب منه في سنن الترمذي: ج 4، ص 605، ح 2576، باب 2 -
صفة قعر جهنم، و ج 5، ص 399 - 400، ح 3326، باب 70 - تفسير القرآن.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 388، س 1.
334

مجربا من دهاة العرب، وكان من المستهزئين برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقعد في
الحجرة ويقرأ القرآن، فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة، فقالوا: يا عبد شمس ما هذا
الذي يقول محمد (صلى الله عليه وآله)؟ أشعر هو أم كهانة أم خطب؟ فقال: دعوني أسمع كلامه، فدنا من رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا محمد أنشدني من شعرك، قال: ما هو شعر، ولكنه كلام الله الذي ارتضته
ملائكته وأنبيائه ورسله، فقال: أتل علي منه شيئا، فقرأ عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حم السجدة (1)،
فلما بلغ قوله: " فإن أعرضوا " يا محمد قريش (2)، فقل لهم: " أنذرتكم صعقة مثل صعقة عاد
وثمود " (3) قال: فاقشعر (4) الوليد، وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته، ومر إلى بيته، ولم يرجع
إلى قريش من ذلك، فمشوا إلى أبي جهل فقالوا: يا أبا الحكم إن أبا عبد شمس صبا (5) إلى دين
محمد، أما تراه لم يرجع إلينا، فغدا أبو جهل إلى الوليد، فقال له: يا عم نكست رؤوسنا
وفضحتنا، وأشمت بنا عدونا وصبوت إلى دين محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال: ما صبوت إلى دينه ولكني
سمعت منه كلاما صعبا تقشعر منه الجلود، فقال له أبو جهل: أخطب هو؟ قال: لا، إن الخطب
كلام متصل، وهذا كلام منثور، ولا يشبه بعضه بعضا، قال: أفشعر هو؟ قال: لا، أما إني لقد
سمعت أشعار العرب بسيطها (6)، ومد يدها (7)، ورملها (8)، ورجزها (9)، وما هو بشعر، قال: فما

1 - أي سورة فصلت.
2 - هكذا في الأصل، وفي المصدر: " أعني قريشا ".
3 - فصلت: 13.
4 - تقشعر منه: أي تنقبض منه، يقال: اقشعر جلد فلان: إذا أخذته. مجمع البحرين: ج 3، ص 458، مادة " قشعر ".
5 - صبا فلان: أي خرج من دينه إلى دين آخر. مجمع البحرين: ج 1، ص 259، مادة " صبا ".
6 - البسيط: جنس من العروض، سمي به لانبساط أسبابه، قال أبو إسحاق: انبسطت فيه الأسباب فصار أوله
مستفعلن فيه سببان متصلان في أوله. لسان العرب: ج 1، ص 409، مادة " بسط ".
7 - المديد: ضرب من العروض، سمي بذلك لامتداد أسبابه وأوتاده، قال أبو إسحاق: سمي مديدا لأنه امتد
سبباه فصار سبب في أوله وسبب بعد الوتد. لسان العرب: ج 13، ص 50، مادة " مدد ".
8 - الرمل: ضرب من عروض يجيئ على فاعلاتن فاعلاتن، وقال ابن سيده: الرمل من الشعر: كل شعر
مهزول غير مؤتلف البناء، وهو مما تسمي العرب من غير أن يحدوا في ذلك شيئا. لسان العرب: ج 5، ص 321،
مادة " رمل ".
9 - الرجز: شعر ابتداء أجزائه سببان ثم وتد، وهو وزن يسهل في السمع، ويقع في النفس، ولذلك جاز أن يقع
فيه المشطور، وهو الذي ذهب شطره، والمنهوك، وهو الذي قد ذهب منه أربعة أجزائه وبقي جزآن. لسان العرب:
ج 5، ص 144، مادة " رجز ".
335

هو؟ قال: دعوني أفكر فيه، فلما كان من الغد، قالوا له: يا أبا عبد شمس ما تقول فيما قلناه؟ قال:
قولوا: هو سحر، فإنه أخذ بقلوب الناس، فأنزل الله عز وجل على رسوله (صلى الله عليه وآله) في ذلك: " ذرني
ومن خلقت وحيدا " (1) وإنما سمي وحيدا لأنه قال لقريش: أنا أتوحد بكسوة البيت سنة،
وعليكم في جماعتكم سنة، وكان له مال كثير وحدائق، وكان له عشر بنين بمكة، وكان له عشر
عبيد عند كل ألف دينار يتجر بها (2).
وفي الجوامع: روي أن الوليد قال لبني مخزوم: والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو
من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة (3)، وإن أعلاه لمثمر، وإن
أسفله لمغدق (4)، وإنه يعلو وما يعلى، فقالت قريش: صبا والله وليد، ليصبأن قريش، فقال أبو
جهل: إني أكفيكموه، وقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه، فقام فأتاهم فقال: تزعمون أن
محمدا (صلى الله عليه وآله) مجنون، فهل رأيتموه يخنق؟ وتقولون: إنه كاهن، فهل رأيتموه يتحدث بما يتحدث
به الكهنة؟ وتزعمون: أنه شاعر، فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط؟ وتزعمون: أنه كذاب، فهل
جربتم عليه شيئا من الكذب؟ فقالوا في كل ذلك اللهم لا، قالوا له: فما هو؟ ففكر فقال: ما هو إلا
ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله، وولده ومواليه، وما يقوله: " سحر يؤثر " (5) عن
أهل بابل فتفرقوا متعجبين منه (6).
وفي رواية أخرى للقمي عن الصادق (عليه السلام): إنها نزلت في عمر (7). في إنكاره الولاية،
وأنه إنما سمي وحيدا: لأنه كان ولد زنا، ثم أول الآيات فيه (8).

1 - المدثر: 11.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 393 - 394. وفي نهايته: " عند كل عبد ألف دينار ".
3 - الطلاوة - مثلثة -: الحسن والبهجة. مجمع البحرين: ج 1، ص 277، مادة " طلا ".
4 - الغدق - بالتحريك -: ماء الكثير القطر. يقال: أغدق المطر يغدق إغداقا فهو مغدق. والغدق - بفتح الدال -:
المطر الكبائر القطر. مجمع البحرين: ج 5، ص 221، مادة " غدق ".
5 - المدثر: 24.
6 - جوامع الجامع: ص 517 - 518، الطبعة الحجرية.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 395، س 4.
8 - أي أن القمي (رحمه الله) قد أول الآيات اللاحقة لهذه الآية بحق عمر.
336

سأصليه سقر 26 وما أدريك ما سقر 27 لا تبقى ولا
تذر 28 لواحة للبشر 29 عليها تسعة عشر 30 وما
جعلنا أصحب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة
للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتب ويزداد الذين
آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتو الكتب والمؤمنون
وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله
بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء
وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر 31
* (سأصليه سقر * وما أدريك ما سقر) *: تفخيم لشأنها.
* (لا تبقى ولا تذر) *: لا تبقى على شئ يلقى فيها، ولا تدعه حتى تهلكه.
* (لواحة للبشر) *: مسودة لأعالي الجلد، في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إن في جهنم
لواديا للمتكبرين، يقال له: سقر، شكا إلى الله عز وجل شدة حره، وسأله أن يأذن له أن
يتنفس، فتنفس فأحرق جهنم (1).
وفي روضة الواعظين: عن الباقر (عليه السلام) إن في جهنم جبلا يقال له: صعود، وإن في صعود
ودايا يقال له: سقر، وإن في سقر لجبا يقال له: هبهب، كلما كشف غطاء ذلك الجب ضج أهل
النار من حره، وذلك منازل الجبارين (2).
* (عليها تسعة عشر) *: ملكا يلون أمرها. القمي: قال: لكل رجل تسعة عشر من
الملائكة يعذبونه (3).

1 - الكافي: ج 2، ص 310، ح 10، باب الكبر.
2 - روضة الواعظين: ص 382، س 13. وفيه: " وإن في صعود لواديا يقال له: سعر، وأن في قعر سعر لجبا ".
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 395، س 1.
337

* (وما جعلنا أصحب النار إلا ملائكة) *: ليخالفوا جنس المعذبين فلا يرقوا
لهم، ولا يستروحون إليهم، ولأنهم أقوى الخلق بأسا، وأشدهم غضبا لله.
روي: إن أبا جهل لما سمع " عليها تسعة عشر " قال لقريش: أيعجز كل عشرة منكم أن
يبطشوا برجل منهم فنزلت (1).
* (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا) *: وما جعلنا عددهم إلا العدد الذي
اقتضى فتنتهم، وهو التسعة عشر.
قيل: افتتانهم به: استقلالهم له، واستهزاؤهم به، واستبعادهم أن يتولى هذا العدد
القليل تعذيب أكثر الثقلين (2).
* (ليستيقن الذين أوتوا الكتب) *: أي ليكتسبوا اليقين بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وصدق
القرآن لما رأوا ذلك موافقا لما في كتابهم.
في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) يستيقنون أن الله ورسوله ووصيه حق (3).
* (ويزداد الذين آمنوا إيمانا) *: بالإيمان به أو بتصديق أهل الكتاب له.
* (ولا يرتاب الذين أوتو الكتب والمؤمنون) *: أي في ذلك، وهو تأكيد
للإستيقان، وزيادة الإيمان، ونفي لما يعرض المتيقن حيثما عراه شبهة.
* (وليقول الذين في قلوبهم مرض) *: شك أو نفاق.
* (والكافرون) *: الجازمون في التكذيب.
* (ماذا أراد الله بهذا مثلا) *: أي شئ أراد بهذا العدد المستغرب، استغراب المثل.
* (كذلك يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء وما يعلم جنود ربك) *:
أصناف خلقه على ما هم عليه.
* (إلا هو وما هي) *: قيل: وما سقر، أو عدة الخزنة، أو السورة (4).

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 519، س 9.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 519، س 11.
3 - الكافي: ج 1، ص 434، س 12، ح 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 519، س 21.
338

كلا والقمر 32 والليل إذ أدبر 33 والصبح إذا أسفر 34
إنها لإحدى الكبر 35 نذيرا للبشر 36 لمن شاء منكم
أن يتقدم أو يتأخر 37 كل نفس بما كسبت رهينة 38
إلا أصحاب اليمين 39
وفي الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) قال: يعني ولاية علي (عليه السلام) (1).
* (إلا ذكرى للبشر) *: إلا تذكرة لهم.
* (كلا) *: ردع لمن أنكرها أو إنكار لأن يتذكروا بها.
* (والقمر * والليل إذ أدبر) *: دبر: بمعنى أدبر، كقبل بمعنى أقبل، أي ولى وانقضى.
وقيل: دبر: أي جاء في أثر النهار، وقرئ " إذا أدبر " من الإدبار (2).
* (والصبح إذا أسفر) *: أضاء.
* (إنها لإحدى الكبر) *: لإحدى البلايا الكبر، في الحديث السابق، قال: الولاية (3).
* (نذيرا للبشر) *: إنذارا لهم أو منذرة.
* (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) *: ليتقدم إلى الخير أو يتأخر عنه، قال في
الحديث السابق: من تقدم إلى ولايتنا اخر عن سقر، ومن تأخر عنها تقدم إلى سقر (4).
* (كل نفس بما كسبت رهينة) *: مرهونة عند الله.
* (إلا أصحاب اليمين) *: فإنهم فكوا رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم، في الحديث
السابق: هم والله شيعتنا (5).
والقمي: قال: " اليمين ": أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأصحابه: شيعته (6).

1 - الكافي: ج 1، ص 434، س 16، ح 19، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - قاله الطبرسي في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 391، س 10.
3 و 4 و 5 - الكافي: ج 1، ص 434، س 17 و 18 و 19، ح 19، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 395، س 16.
339

في جنت يتساءلون 40 عن المجرمين 41 ما سلككم
في سقر 42 قالوا لم نك من المصلين 43 ولم نك نطعم
المسكين 44
* (في جنت يتساءلون * عن المجرمين) *: يسأل بعضهم بعضا، أو يسألون
غيرهم عن حالهم كقولك: تداعيناه أي دعوناه.
* (ما سلككم في سقر) *: حكاية لما جرى بين المسؤولين أو المجرمين.
* (قالوا لم نك من المصلين) *: قيل: يعني الصلاة الواجبة (1).
في نهج البلاغة: تعاهدوا أمر الصلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقربوا بها،
فإنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا " ما
سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين "؟ (2). وفي الكافي: عنه (عليه السلام) مثله (3).
وعن الصادق (عليه السلام): قال: عنى بها: لم نك من أتباع الأئمة الذين قال الله فيهم: " والسابقون
السابقون * أولئك المقربون " (4) أما ترى الناس يسمون الذي يلي السابق في الحلبة (5)
مصليا، فذلك الذي عنى حيث قال: " لم نك من المصلين " أي لم نك من أتباع السابقين (6).
وعن الكاظم (عليه السلام): قال: يعني إنا لم نتول وصي محمد، والأوصياء من بعده (عليهم السلام) ولم نصل
عليهم (8).
* (ولم نك نطعم المسكين) *: ما يجب إعطاؤه. القمي: قال: حقوق آل محمد من

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 520، س 13.
2 - نهج البلاغة: ص 316، الخطبة 199.
3 - الكافي: ج 5، ص 36، ح 1، باب ما كان يوصي أمير المؤمنين (عليه السلام) به عند القتال.
4 - الواقعة: 10 - 11.
5 - الحلبة - بالفتح -: الدفعة من الخيل في الرهان، وخيل تجتمع للسباق من كل أوب للنصرة. القاموس المحيط:
ج 1، ص 58، مادة " حلب ".
6 و 8 - الكافي: ج 1، ص 419 و 434، ح 38 و 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
340

وكنا نخوض مع الخائضين 45 وكنا نكذب بيوم الدين 46
حتى أتنا اليقين 47 فما تنفعهم شفعة الشافعين 48
فما لهم عن التذكرة معرضين 49 كأنهم حمر مستنفرة 50
فرت من قسورة 51 بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى
صحفا منشرة 52
الخمس لذوي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وهم آل محمد (عليهم السلام) (1).
* (وكنا نخوض مع الخائضين) *: نشرع في الباطل مع الشارعين فيه.
* (وكنا نكذب بيوم الدين) *: أي وكنا بعد ذلك كله مكذبين بالقيامة، وتأخيره لتعظيمه.
* (حتى أتنا اليقين) *: الموت.
* (فما تنفعهم شفعة الشافعين) *: لو شفعوا لهم جميعا.
* (فما لهم عن التذكرة معرضين) *: في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) قال: أي عن الولاية
معرضين (2). والقمي: قال: عما يذكر لهم من موالاة أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).
* (كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة) *: شبههم في إعراضهم ونفارهم عن
استماع الذكر بحمر نافرة، فرت من أسد.
* (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) *: قراطيس تنشر وتقرأ.
قيل: وذلك لأنهم قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله): لن نتبعك حتى تأتي كلا منا بكتاب من السماء فيه
من الله إلى فلان اتبع محمدا (صلى الله عليه وآله) (4).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام): وذلك أنهم قالوا: يا محمد قد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 395، س 18.
2 - الكافي: ج 1، ص 434، س 21، ح 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 396، س 1.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 520 - 521.
341

كلا بل لا يخافون الآخرة 53 كلا إنه تذكرة 54 فمن
شاء ذكره 55 وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل
التقوى وأهل المغفرة 56
كان يذنب الذنب فيصبح وذنبه مكتوب عند رأسه وكفارته، فنزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يسألك قومك سنة بني إسرائيل في الذنوب، فإن شاؤوا فعلنا ذلك بهم
وأخذناهم بما كنا نأخذ به بني إسرائيل، فزعموا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كره ذلك لقومه (1).
* (كلا) *: ردع عن اقتراحهم الآيات.
* (بل لا يخافون الآخرة) *: فلذلك أعرضوا عن التذكرة.
* (كلا) *: ردع عن إعراضهم.
* (إنه تذكرة) *: وأي تذكرة؟
* (فمن شاء ذكره * وما يذكرون إلا أن يشاء الله) *: وقرئ بالتاء.
* (هو أهل التقوى) *: حقيق بأن يتقى عقابه.
* (وأهل المغفرة) *: حقيق بأن يغفر لعباده.
في التوحيد: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: قال الله تبارك وتعالى: " أنا أهل أن
اتقى ولا يشرك بي عبدي شيئا، وأنا أهل إن لم يشرك بي عبدي شيئا أن أدخله الجنة "،
وقال (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى أقسم بعزته وجلاله أن لا يعذب أهل توحيده بالنار أبدا (2).
في ثواب الأعمال (3)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقا
على الله عز وجل أن يجعله مع محمد (صلى الله عليه وآله) في درجته ولا يدركه في الحياة الدنيا شقاء أبدا إن شاء
الله تعالى (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 396. 2 - التوحيد: ص 19 - 20، ح 6، باب 1 - ثواب الموحدين والعارفين.
3 - ثواب الأعمال: ص 120، ح 1، باب ثواب قراءة سورة المدثر.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 383، في فضلها.
342

سورة القيامة
343

بسم الله الرحمن الرحيم
لا أقسم بيوم القيمة 1 ولا أقسم بالنفس اللوامة 2
أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه 3 بلى قدرين على
أن نسوي بنانه 4
سورة القيامة: مكية، أربعون آية كوفي، تسع وثلاثون في الباقين، اختلافها آية
" لتعجل به " (1) كوفي.
* (لا أقسم بيوم القيمة) *: " لا " مزيدة للتأكيد.
* (ولا أقسم بالنفس اللوامة) *: التي تلوم نفسها أبدا، وإن اجتهدت في الطاعة.
* (أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه) *: بعد تفرقها، قيل: نزلت في عدي بن
ربيعة، سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أمر القيامة فأخبره به، فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك،
أو يجمع الله هذه العظام (2).
* (بلى) *: نجمعها.
* (قدرين على أن نسوي بنانه) *: بجمع سلامياته (3)، وضم بعضها إلى بعض كما
كانت مع صغرها ولطافتها فكيف بكبار العظام.

1 - القيامة: 16.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 521، س 19.
3 - السلاميات: عظام الأصابع. الصحاح: ج 6، ص 1951، مادة " سلم ".
345

بل يريد الإنسان ليفجر أمامه 5 يسئل أيان يوم
القيمة 6 فإذا برق البصر 7 وخسف القمر 8 وجمع
الشمس والقمر 9 يقول الإنسان يومئذ أين المفر 10
كلا لا وزر 11
القمي: قال: أطراف الأصابع لو شاء الله لسواها (1).
* (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) *: ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان.
القمي: قال: يقدم الذنب، ويؤخر التوبة، ويقول سوف أتوب (2).
* (يسئل أيان يوم القيمة) *: متى يكون، استبعادا واستهزاء.
* (فإذا برق البصر) *: تحير فزعا من برق الرجل إذا نظر إلى البرق فدهش بصره.
القمي: قال: يبرق البصر فلا يقدر أن يطرف (3).
وقرئ بفتح الراء، وهو لغة، أو من البريق من شدة شخوصه.
* (وخسف القمر) *: ذهب ضوؤه.
* (وجمع الشمس والقمر) *: في الغيبة: عن القائم (عليه السلام) إنه سئل متى يكون هذا
الأمر؟ فقال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر، واستدار بهما
الكواكب والنجوم، فقيل: متى؟ فقال: في سنة كذا وكذا، تخرج دابة الأرض من بين الصفا
والمروة، ومعه عصا موسى (عليه السلام)، وخاتم سليمان (عليه السلام)، يسوق الناس إلى المحشر (4).
وقيل: أريد بهذه الآيات ظهور إمارات الموت (5).
* (يقول الإنسان يومئذ أين المفر) *: يقوله قول الآيس من وجدانه المتمني.
* (كلا) *: ردع عن طلب المفر.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 396، س 17، وفيه: " لو شاء الله يسويها ".
2 و 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 396، س 18 و 20.
4 - الغيبة للشيخ الطوسي: ص 161، س 10.
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 522، س 7.
346

إلى ربك يومئذ المستقر 12 ينبأ الإنسان يومئذ بما
قدم وأخر 13 بل الإنسان على نفسه بصيرة 14 ولو
ألقى معاذيره 15
* (لا وزر) *: لا ملجأ، مستعار من الجبل، واشتقاقه من الوزر، وهو الثقل (1).
* (إلى ربك يومئذ المستقر) *: إليه وحده، وإلى حكمه ومشيئته موضع القرار.
* (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) *: القمي: قال: يخبر بما قدم وأخر (2).
وعن الباقر (عليه السلام): بما قدم من خير وشر، وما أخر، فما سن من سنة ليستن بها من بعده،
فإن كان شرا كان عليه مثل وزرهم، ولا ينقص من وزرهم شيئا، وإن كان خيرا كان له مثل
أجورهم، ولا ينقص من أجورهم شيئا (3).
* (بل الإنسان على نفسه بصيرة) *: حجة بينة على أعمالها لأنه شاهد بها، أو عين
بصيرة بها فلا يحتاج إلى الإنباء.
* (ولو ألقى معاذيره) *: ولو جاء بكل ما يمكن أن يعتذر به.
القمي: قال: يعلم ما صنع وإن اعتذر (4).
وفي الكافي (5)، والعياشي: عن الصادق (عليه السلام) قال: ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنة
ويستر سيئا، أليس إذا رجع إلى نفسه يعلم أنه ليس كذلك، والله عز وجل يقول: " بل الإنسان
على نفسه بصيرة " إن السريرة إذا صلحت قويت العلانية (6).

1 - الوزر: الملجأ الذي يلتجأ إليه من الجبل، والوزر: الثقل، تشبيها بوزر الجبل، ويعبر بذلك عن الإثم كما يعبر
عنه بالثقل. المفردات في غريب القرآن: ص 521، مادة " وزر ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 396، س 21.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 397، س 22.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 397، س 1.
5 - الكافي: ج 2، ص 295، ح 11، باب الرياء. نقلا بالمضمون.
6 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي، بل وجدناه في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 396، س 6. نقلا عن تفسير
العياشي.
347

لا تحرك به لسانك لتعجل به 16 إن علينا جمعه وقرآنه
17 فإذا قرأناه فاتبع قرآنه 18 ثم إن علينا بيانه 19
كلا بل تحبون العاجلة 20
وعنه (عليه السلام): إنه تلا هذه الآية فقال: ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى الناس بخلاف ما يعلم الله
منه؟ إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: من أسر سريرة ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر (1).
* (لا تحرك به لسانك لتعجل به) *: لا تحرك يا محمد بالقرآن لسانك قبل أن يتم
وحيه لتأخذه على عجلة مخافة أن ينفلت منك.
في المجمع: عن ابن عباس كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا نزل عليه القرآن عجل بتحريك لسانه،
لحبه إياه، وحرصه على أخذه، وضبطه، ومخافة أن ينساه، فنهاه الله عن ذلك (2).
ويأتي في سبب نزوله وجه آخر عن القمي عن قريب (3).
* (إن علينا جمعه) *: في صدرك.
* (وقرآنه) *: وإثبات قراءته في لسانك، وهي تعليل للنهي.
* (فإذا قرأناه) *: بلسان جبرئيل عليك.
* (فاتبع قرآنه) *: قراءته بتكراره حتى تقرر في ذهنك.
في المجمع: عن ابن عباس، فكان النبي (صلى الله عليه وآله) بعد هذا إذا نزل عليه جبرئيل أطرق فإذا
ذهب قرأ (4).
* (ثم إن علينا بيانه) *: بيان ما أشكل عليك من معانيه.
* (كلا) *: لعله (5) ردع عن إلقاء الإنسان المعاذير مع أنه على نفسه بصيرة، وما بينهما

1 - الكافي: ج 2، ص 294، ح 6، باب الرياء.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 397، س 8.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 397، س 15.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 397، س 16.
5 - قيل: " كلا " هنا ردع للرسول عن عادة العجلة، والصواب ما قلناه. منه (قدس سره). قاله البيضاوي في تفسيره أنوار
التنزيل: ج 2، ص 523، س 3.
348

وتذرون الآخرة 21 وجوه يومئذ ناضرة 22 إلى ربها
ناظرة 23
إعتراض.
* (بل تحبون العاجلة) *: القمي: قال: الدنيا الحاضرة (1).
* (وتذرون الآخرة) *: قال: تدعون (2). وقرئ بالياء فيهما.
* (وجوه يومئذ ناضرة) *: القمي: أي مشرقة (3).
* (إلى ربها ناظرة) *: قال: قال: ينظرون إلى وجه الله أي إلى رحمة الله ونعمته (4).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) قال: يعني مشرقة ينتظر ثواب ربها (5).
وفي التوحيد (6)، والاحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث قال: ينتهي أولياء الله
بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه، ويشربون منه، فتبيض
وجوههم إشراقا، فيذهب عنهم كل قذى (7) ووعث (8) ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا
المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم، قال: فذلك قوله تعالى: " إلى ربها ناظرة " وإنما يعني بالنظر
إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى. وزاد في الإحتجاج: والناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة، ألم
تسمع إلى قوله: " فناظرة بم يرجع المرسلون " (9)، أي منتظرة (10).

1 و 2 و 3 و 4 - تفسير القمي: ج 2، ص 397، س 3 و 4 و 5.
5 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 114 - 115، ح 2، باب 11 - ما جاء عن الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) من الأخبار
في التوحيد. 6 - التوحيد: ص 262، س 7، ح 5، باب 36 - الرد على الثنوية والزنادقة.
7 - القذى - بالفتح والقصر -: ما يقع في العين، والشراب من تراب، أو تبن، أو وسخ، أو غير ذلك. مجمع
البحرين: ج 1، ص 335، مادة " قذا ".
8 - الوعث: المكان السهل الكثير الدهس، تغيب فيه الأقدام، ويشق على من يمشي فيه. الصحاح: ج 1،
ص 296، مادة " وعث ". وقال الطريحي: الوعث: المكان السهل الكثير الرمل الذي يتعب فيه الماشي، ويشق
عليه، ويقال: رمل وعث، وزلة وعثاء. مجمع البحرين: ج 2، ص 269، مادة " وعث ".
9 - النمل: 35.
10 - الإحتجاج: ج 1، ص 361، س 20، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من
349

ووجوه يومئذ باسرة 24 تظن أن يفعل بها فاقرة 25 كلا
إذا بلغت التراقي 26 وقيل من راق 27 وظن أنه
الفراق 28 والتفت الساق بالساق 29 إلى ربك يومئذ
المساق 30 فلا صدق ولا صلى 31 ولكن كذب
وتولى 32
* (ووجوه يومئذ باسرة) *: شديدة العبوس.
* (تظن أن يفعل بها فاقرة) *: داهية تكسر الفقار.
* (كلا) *: ردع على إيثار الدنيا على الآخرة.
* (إذا بلغت التراقي) *: القمي: قال: يعني النفس إذا بلغت الترقوة (1).
* (وقيل من راق) *: قال: يقال له: من يرقيك؟ (2).
* (وظن أنه الفراق) *: علم أنه الذي نزل به فراق الدنيا ومحابها.
* (والتفت الساق بالساق) *: التوت شدة فراق الدنيا بشدة خوف الآخرة.
* (إلى ربك يومئذ المساق) *: القمي: قال: يساقون إلى الله (3).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية فقال: ذلك ابن آدم إذا حل به الموت
قال: هل من طبيب؟ " أنه الفراق " أيقن بمفارقة الأحبة، قال: " والتفت الساق بالساق " التفت
الدنيا بالآخرة، " إلى ربك يومئذ المساق " قال: المصير إلى رب العالمين (4).
* (فلا صدق) *: ما يجب تصديقه.
* (ولا صلى) *: ما فرض عليه.
* (ولكن كذب وتولى) *: عن الطاعة.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 397، س 6.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 397، س 7.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 397، س 8.
4 - الكافي: ج 3، ص 259، ح 32، باب النوادر.
350

ثم ذهب إلى أهله يتمطى 33 أولى لك فأولى 34 ثم
أولى لك فأولى 35 أيحسب الإنسان أن يترك سدى 36
* (ثم ذهب إلى أهله يتمطى) *: يتبختر افتخارا بذلك من المط.
* (أولى لك فأولى) *: قيل: أي ويل لك (1).
* (ثم أولى لك فأولى) *: أي يتكرر ذلك عليك مرة بعد أخرى.
وفي العيون: عن الجواد (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية فقال: يقول الله عز وجل: بعدا لك
من خير الدنيا، وبعدا لك من خير الآخرة (2).
والقمي: قال: كان سبب نزولها: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا إلى بيعة علي (عليه السلام) يوم غدير خم
فلما بلغ الناس وأخبرهم في علي (عليه السلام) وما أراد أن يخبر، رجعوا الناس فاتكى معاوية على
المغيرة بن شعبة، وأبي موسى الأشعري، ثم أقبل يتمطى نحو أهله، ويقول: ما نقر لعلي بالولاية
أبدا، ولا نصدق محمدا (صلى الله عليه وآله) مقالته، فأنزل الله جل ذكره: " فلا صدق ولا صلى " الآيات، فصعد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر وهو يريد البراءة منه، فأنزل الله " لا تحرك به لسانك لتعجل به " فسكت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يسمه (3).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه أخذ بيد أبي جهل، ثم قال له: " أولى لك فأولى * ثم أولى
لك فأولى " فقال أبو جهل: بأي شئ تهددني لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا، وإني
لأعز أهل هذا الوادي فأنزل الله سبحانه كما قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).
* (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) *: مهملا، القمي: قال: لا يحاسب، ولا
يعذب، ولا يسئل عن شئ (5).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 523، س 20.
2 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 54، ح 205، باب 31 - فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 397، س 9.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 401، س 19.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 397، س 17.
351

ألم يك نطفة من منى يمنى 37 ثم كان علقة فخلق فسوى
38 فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى 39 أليس ذلك
بقدر على أن يحيى الموتى 40
* (ألم يك نطفة من منى يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى) *: فقدره فعدله.
* (فجعل منه الزوجين) *: الصنفين.
* (الذكر والأنثى * أليس ذلك بقدر على أن يحيى الموتى) *: في المجمع:
عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه لما نزلت هذه الآية قال: سبحانك اللهم بلى، قال: وهو المروي عن الباقر،
والصادق (عليهما السلام) (1).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) إنه إذا قرأ هذه السورة قال عند فراغها ذلك (2).
وفي ثواب الأعمال (3)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) من أدمن قراءة لا أقسم، وكان يعمل بها
بعثه الله مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبره في أحسن صورة ويبشره ويضحك في وجهه حتى يجوز
على الصراط والميزان (4).
* * *

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 402، س 9.
2 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 183، س 5، ح 5، باب 42 - ذكر ما أتاه المأمون من طرد الناس عن مجلس
الرضا (عليه السلام) والاستخفاف به وما كان من دعائه (عليه السلام).
3 - ثواب الأعمال: ص 121، ح 1، باب ثواب قراءة سورة القيامة.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 393، في فضلها.
352

سورة الإنسان
353

بسم الله الرحمن الرحيم
هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا
1 إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلنه سميعا
بصيرا 2
سورة الإنسان: وتسمى سورة الدهر، قيل مكية كلها، وقيل مدنية كلها، وقيل مدنية
إلا قوله: " ولا تطع " (1) الآية، وهي إحدى وثلاثون آية بالإجماع.
* (هل أتى على الإنسان) *: استفهام تقرير وتقريب، ولذلك فسر بقد.
* (حين من الدهر) *: طائفة من الزمان.
* (لم يكن شيئا مذكورا) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: كان مقدورا غير مذكور (2).
وفي المجمع: عنه (عليه السلام) قال: كان شيئا مقدورا، ولم يكن مكونا (3).
وعن الباقر (عليه السلام) قال: كان شيئا، ولم يكن مذكورا (4). ومثله في المحاسن: عن
الصادق (عليه السلام) (5). وفي المجمع: عنهما (عليهما السلام): كان مذكورا في العلم، ولم يكن مذكورا في الخلق (6).
* (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) *: أخلاط، القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال:

1 - الإنسان: 24. 2 - الكافي: ج 1، ص 147، ح 5، باب البداء. وفيه: " كان مقدرا غير مذكور ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 406، س 22.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 406، س 20.
5 - المحاسن: ج 1، ص 379، ح 836 / 238، باب 24 - العلم من كتاب مصابيح الظلم.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 406، س 21.
355

إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا 3 إنا أعتدنا
للكافرين سلسلا وأغلالا وسعيرا 4 إن الأبرار
يشربون من كأس كان مزاجها كافورا 5
ماء الرجل والمرأة اختلطا جميعا (1).
* (نبتليه) *: نختبره.
* (فجعلنه سميعا بصيرا) *: ليتمكن من استماع الآيات ومشاهدة الدلائل.
* (إنا هديناه السبيل) *: بنصب الدلائل وإنزال الآيات.
القمي: أي بينا له طريق الخير والشر (2).
* (إما شاكرا وإما كفورا) *: في الكافي (3)، والتوحيد: عن الصادق (عليه السلام) قال: عرفناه
إما آخذا، وإما تاركا (4).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) إما آخذ فشاكر، وإما تارك فكافر (5).
* (إنا أعتدنا للكافرين سلسلا) *: بها يقادون.
* (وأغلالا) *: بها يقيدون.
* (وسعيرا) *: بها يحرقون، وقرئ " سلاسلا " للمناسبة.
* (إن الأبرار يشربون من كأس) *: من خمر، وهي في الأصل القدح تكون فيه.
* (كان مزاجها) *: ما يمزج بها.
* (كافورا) *: لبرده، وعذوبته، وطيب عرفه (6).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 398، س 13.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 398، س 8.
3 - الكافي: ج 2، ص 384، ح 4، باب الكفر، وفيه: " إما آخذ فهو شاكر، وإما تارك فهو كافر ".
4 - التوحيد: ص 411، ح 4، باب 64 - التعريف والبيان والحجة والهداية.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 398، س 12.
6 - العرف: وهو طيب الرائحة. مجمع البحرين: ج 5، ص 93، مادة " عرف ".
356

عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا 6 يوفون
بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا 7 ويطعمون
الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا 8
* (عينا يشرب بها عباد الله) *: القمي: أي منها (1).
* (يفجرونها تفجيرا) *: يجرونها حيث شاؤوا إجراءا سهلا. في المجالس: عن
الباقر (عليه السلام) هي عين في دار النبي (صلى الله عليه وآله) يفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين (2).
* (يوفون بالنذر) *: بيان لما رزقوه لأجله، وهو أبلغ في وصفهم بالتوفي على أداء
الواجبات لأن من وفى بما أوجبه على نفسه كان أوفى بما أوجبه الله عليه.
* (ويخافون يوما كان شره مستطيرا) *: شدائده فاشيا منتشرا غاية الإنتشار.
القمي: المستطير: العظيم (3). وفي المجالس: عن الباقر (عليه السلام) يقول: كلوحا (4) عابسا (5).
* (ويطعمون الطعام على حبه) *: حب الطعام، في المجالس: عن الباقر (عليه السلام) يقول:
على شهوتهم للطعام وإيثارهم له (6).
* (مسكينا) *: قال: من مساكين المسلمين (7).
* (ويتيما) *: قال: من يتامى المسلمين (8).
* (وأسيرا) *: قال: من أسارى المشركين (9).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 398، س 16.
2 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 215، س 16، ح 11، المجلس الثالث والأربعون.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 398، س 19.
4 - الكلوح: تكثر في عبوس. مجمع البحرين: ج 2، ص 408، مادة " كلح ".
5 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 215، س 18، ح 11، المجلس الثالث والأربعون. وفيه: " عابسا كلوحا ".
6 و 7 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 215، س 19، ح 11، المجلس الثالث والأربعون.
8 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 215، س 19، ح 11، المجلس الثالث والأربعون.
9 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 215، س 19، ح 11، المجلس الثالث والأربعون.
357

إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا 9
إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا 10
* (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) *: قال: يقولون إذا
أطعموهم ذلك، قال: والله ما قالوا هذا لهم، ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبره الله بإضمارهم،
يقولون: لا نريد منكم جزاءا تكافؤننا به، ولا شكورا تثنون علينا به، ولكنا إنما أطعمناكم
لوجه الله، وطلب ثوابه (1).
* (إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا) *: يعبس فيه الوجوه.
* (قمطريرا) *: شديد العبوس. في المجمع: قد روى الخاص والعام إن الآيات من هذه
السورة وهي قوله: " إن الأبرار يشربون " إلى قوله: " وكان سعيكم مشكورا " نزلت في علي،
وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام)، وجارية لهم تسمى فضة، والقصة طويلة، جملتها: أنه
مرض الحسن، والحسين فعادهما جدهما ووجوه العرب، وقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على
ولديك نذرا، فنذر صوم ثلاثة أيام إن شفاهما الله سبحانه، ونذرت فاطمة (عليها السلام)، وكذلك فضة،
فبرءا وليس عندهم شئ، فاستقرض علي (عليه السلام) ثلاثة أصوع من شعير من يهودي، وروي أنه
أخذها ليغزل له صوفا، وجاء به إلى فاطمة (عليها السلام) فطحنت صاعا منها فاختبزته، وصلى
علي (عليه السلام) المغرب، وقربته إليهم فأتاهم مسكين يدعو لهم وسألهم فأعطوهم، ولم يذوقوا إلا
الماء، فلما كان اليوم الثاني أخذت صاعا فطحنته واختبزته وقدمته إلي علي (عليه السلام) فإذا يتيم
بالباب يستطعم فأعطوه، ولم يذوقوا إلا الماء، فلما كان اليوم الثالث عمدت إلى الباقي فطحنته
واختبزته، وقدمته إلى علي (عليه السلام) فإذا أسير بالباب يستطعم فأعطوه، ولم يذوقوا إلا الماء، فلما
كان اليوم الرابع، وقد قضوا نذورهم أتى علي (عليه السلام)، ومعه الحسن والحسين (عليهما السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
وبهما ضعف، فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونزل جبرئيل (عليه السلام) بسورة " هل أتى " (2).
وفي رواية: إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) آجر نفسه ليسقي نخلا بشئ من شعير ليلة حتى

1 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 215، س 19، ح 11، المجلس الثالث والأربعون.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 404، في شأن النزول.
358

أصبح، فلما أصبح وقبض الشعير طحن ثلثه فجعلوا منه شيئا ليأكلوه يقال له: الحريرة، فلما تم
انضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني، فلما تم انضاجه أتى يتيم
فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الثالث، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فسأل
فأطعموه، وطووا يومهم ذلك (1).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) كان عند فاطمة (عليها السلام) شعير فجعلوه عصيدة، فلما أنضجوها
ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين، فقال المسكين: رحمكم الله أطعمونا مما رزقكم الله، فقام
علي (عليه السلام) فأعطاه ثلثها، فلم يلبث أن جاء يتيم، فقال: اليتيم رحمكم الله، فقام علي (عليه السلام) فأعطاه
الثلث، ثم جاء أسير، فقال: الأسير رحمكم الله، فأعطاه علي (عليه السلام) الثلث الباقي، وما ذاقوها،
فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم، وهي جارية في كل مؤمن فعل ذلك لله عز وجل (2).
وفي المجالس: عن الصادق، عن أبيه (عليهما السلام) ما يقرب مما ذكره في المجمع بالرواية الأولى
ببسط من الكلام مع زيادات من حكاية أفعالهم، وأقوالهم (عليهم السلام) وذكر فيه: وقال الصبيان:
ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام فألبسهما الله عافية فأصبحوا صياما، وفي آخره، فهبط
جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد خذ ما هنأه الله لك في أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ قال:
" هل أتى " إلى قوله: " وكان سعيكم مشكورا " (3) (4).
وفي المناقب: عن أكثر من عشرين من كبار المفسرين، وبرواية أهل البيت (عليهم السلام) عن
الباقر (عليه السلام) ما يقرب مما ذكره في المجالس إلا أنه ليس فيه ذكر صيام الصبيين، وفي آخره: فرآهم
النبي (صلى الله عليه وآله) جياعا، فنزل جبرئيل، ومعه صحفة (5) من الذهب مرصعة بالدر والياقوت، مملوة
من الثريد، وعراق (6) يفوح منها رائحة المسك والكافور، فجلسوا وأكلوا حتى شبعوا، ولم

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 404 - 405.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 398، س 21.
3 - الإنسان: 22. 4 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 212، ح 11، المجلس الثالث والأربعون.
5 - الصحفة - كالقصعة الكبيرة -: منبسطة تشبع الخمسة، والجمع صحاف، مثل كلبة وكلاب. مجمع البحرين:
ج 5، ص 77، مادة " صحف ".
6 - العرق - بالفتح فالسكون -: العظم الذي اخذ عنه اللحم، والجمع عراق بالضم. مجمع البحرين: ج 5، ص 213،
مادة " عرق ".
359

فوقهم الله شر ذلك اليوم ولقهم نضرة وسرورا 11
وجزيهم بما صبروا جنة وحريرا 12 متكئين فيها على
الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا 13
ينقص منها لقمة واحدة، وخرج الحسين (عليه السلام) ومعه قطعة من عراق، فنادته يهودية: يا أهل
بيت الجوع من أين لكم هذه؟ أطعمنيها، فمد يده الحسين (عليه السلام) ليطعمها، فهبط جبرئيل (عليه السلام)
وأخذها من يده، ورفع الصحفة إلى السماء، فقال (صلى الله عليه وآله): لولا ما أراد الحسين (عليه السلام) من إطعام
الجارية تلك القطعة، وإلا لتركت تلك الصحفة في أهل بيتي يأكلون منها إلى يوم القيامة، ونزل:
" يوفون بالنذر "، وكانت الصدقة في ليلة خمس وعشرين من ذي الحجة، ونزلت: " هل أتى " في
اليوم الخامس والعشرين منه (1).
* (فوقهم الله شر ذلك اليوم ولقهم نضرة وسرورا) *: في المجالس: عن
الباقر (عليه السلام) " نضرة " في الوجوه " وسرورا " في القلوب (2).
* (وجزيهم بما صبروا جنة وحريرا) *: قال: جنة يسكنونها، وحريرا يفترشونه
ويلبسونه (3).
* (متكئين فيها على الأرائك) *: قال: الأريكة: السرير، عليه الحجلة (4).
* (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) * (5): قيل: يعني إنه يمر عليهم هواء معتدل، لا
حار محمى، ولا بارد مؤذي (6).

1 - المناقب لابن شهرآشوب: ج 3، ص 373 - 375.
2 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 215، س 24، ح 11، المجلس الثالث والأربعون.
3 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 215، س 25، ح 11، المجلس الثالث والأربعون.
4 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 216، س 1، ح 11، المجلس الثالث والأربعون.
5 - الزمهرير: شدة البرد. مجمع البحرين: ج 3، ص 319، مادة " زمهر ".
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 526، س 13.
360

ودانية عليهم ظللها وذللت قطوفها تذليلا 14 ويطاف
عليهم بانية من فضة وأكواب كانت قواريرا 15 قواريرا
من فضة قدروها تقديرا 16
* (ودانية عليهم ظللها) *: قريبة منهم.
* (وذللت قطوفها تذليلا) *: سهل التناول. القمي: ذلت عليهم ثمارها، ينالها القائم
والقاعد (1).
وفي الكافي: عن النبي (صلى الله عليه وآله): " وذللت قطوفها تذليلا " من قربها منهم، يتناول المؤمن من
النوع الذي يشتهيه من الثمار بفيه وهو متكئ (2).
* (ويطاف عليهم بانية من فضة وأكواب) *: القمي: الأكواب: الأكواز العظام
التي لا أذان لها، ولا عرى (3).
* (كانت قواريرا * قواريرا من فضة) *: أي تكون جامعة بين صفاء الزجاجة
وشفيفها، وبياض الفضة ولينها.
في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) (4)، والقمي: قال: ينفذ البصر في فضة الجنة كما ينفذ في
الزجاج (5). وقرئ " قواريرا " بالتنوين فيهما، وفي الأولى خاصة.
* (قدروها تقديرا) *: قيل: أي قدروها في أنفسهم فجاءت مقاديرها وأشكالها كما
تمنوها، أو قدروها بأعمالهم الصالحة فجاءت على حسبها، أو قدر الطائفون بها شرابها على
قدر اشتهائهم (6).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 399، س 6، وفيه: " دليت عليهم ".
2 - الكافي: ج 8، ص 99، س 2، قطعة من حديث 69 - حديث الجنان والنوق.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 399، س 7.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 410، س 30.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 399، س 12.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 526، س 22.
361

ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا 17 عينا فيها
تسمى سلسبيلا 18 ويطوف عليهم ولدن مخلدون إذا
رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا 19
والقمي: يقول: صنعت لهم على قدر رتبتهم لا تحجر فيها ولا فضل (1).
* (ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا) *: ما يشبه الزنجبيل (2) في الطعم.
قيل: كانت العرب يستلذون الشراب الممزوج به (3).
* (عينا فيها تسمى سلسبيلا) * (4): قيل: لسلاسة انحدارها في الحلق، وسهولة
مساغها على أن تكون " الباء " زائدة، والمراد به أن ينفى عنها لذع (5) الزنجبيل (6).
في الخصال: عن النبي (صلى الله عليه وآله) أعطاني الله خمسا، وأعطى عليا خمسا، أعطاني: الكوثر،
وأعطاه السلسبيل (7).
* (ويطوف عليهم ولدن مخلدون) *: قيل: دائمون (8). والقمي: قال: مستورون (9).
* (إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) *: من صفاء ألوانهم وانبثاثهم في مجالسهم،

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 399، س 9. وفيه: " لا تحجير فيه ولا فصل ".
2 - الزنجبيل: الخمر، وعروق تسري في الأرض، ونباته كالقصب والبردي له قوة مسخنة هاضمة ملينة يسيرا
باهية مذكية وإن خلط برطوبة كبد المعز وجفف وسحق واكتحل به أزال الغشاوة وظلمة البصر. القاموس
المحيط: ج 3، ص 390 - 391، مادة " زنجل ".
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 527، س 1.
4 - السلسبيل: اللين الذي لا خشونة فيه، والخمر وعين في الجنة، والسلسل - كجعفر -: الماء العذب أو البارد.
القاموس المحيط: ج 3، ص 397، مادة " سلسل ".
5 - لذعته النار لذعا - من باب نفع -: أحرقته، ولذعه بلسانه: أوجعه بكلام. مجمع البحرين: ج 4، ص 387،
مادة " لذع ". 6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 527، س 2.
7 - الخصال: ص 293، ح 57، باب 5 - أعطى الله عز وجل نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله) خمسا وأعطى عليا (عليه السلام) خمسا.
8 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 527، س 5.
9 - تفسير القمي: ج 2، ص 399، س 13. وفيه: " مستوون ".
362

وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا 20 عليهم ثياب
سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم
ربهم شرابا طهورا 21
وانعكاس شعاع بعضهم إلى بعض.
* (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) *: في الكافي (1)، والقمي: عن الباقر (عليه السلام) في
حديث يصف فيه حال المؤمن إذا دخل الجنان والغرف إنه قال: في هذه الآية يعني بذلك ولي الله
وما هو من الكرامة والنعيم، والملك العظيم، وأن الملائكة من رسل الله ليستأذنون عليه فلا يدخلون
عليه إلا بإذنه فذلك الملك العظيم (2). وقد مضى تمام الحديث في الرعد (3) والفاطر (4) والزمر (5).
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل ما هذا الملك الكبير الذي كبره الله عز وجل حتى
سماه كبيرا؟ قال: إذا أدخل الله أهل الجنة الجنة، أرسل رسولا إلى ولي من أوليائه فيجد الحجبة
على بابه فتقول له قف حتى نستأذن لك، فما يصل إليه رسول ربه إلا بإذنه فهو قوله: " وإذا
رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا " (6).
وفي المجمع (7)، والقمي: عنه (عليه السلام) قال: أي لا يزول ولا يفنى (8).
* (عليهم ثياب سندس خضر وإستبرق) * (9): يعلوهم ثياب الحرير الخضر ما رق

1 - الكافي: ج 8، ص 98 - 99، قطعة من حديث 69، حديث الجنان والنوق.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 248، س 11.
3 - ذيل الآية: 24، انظر ج 4، ص 204 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - ذيل الآية: 35، انظر ج 6، ص 132 - 133 من كتابنا تفسير الصافي.
5 - ذيل الآية: 20، انظر ج 6، ص 263 من كتابنا تفسير الصافي.
6 - معاني الأخبار: ص 210، ح 1، باب معنى الملك الكبير الذي ذكره الله عز وجل في كتابه العزيز.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 411، س 19.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 399، س 13. وفيه: " لا يزال ولا يفنى ".
9 - الإستبرق: هو ثخين الديباج، يقال: هو أغلظ من الحرير والإبريسم. والسندس: رقيقه. مجمع البحرين:
ج 5، ص 137، مادة " برق ".
363

إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا 22 إنا
نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا 23 فاصبر لحكم ربك
ولا تطع منهم آثما أو كفورا 24
رق منها، واستبرق: ما غلظ. في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) (1)، والقمي: قال: يعلوهم الثياب
فيلبسونها (2).
وقرئ " عاليهم " بالرفع، و " خضر " بالجر، و " استبرق " بالرفع وبالعكس، وبالرفع فيهما.
* (وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا) *: في الكافي (3)،
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) في الحديث السابق، وعلى باب الجنة شجرة إن الورقة منها ليستظل
تحتها ألف رجل من الناس، وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية، قال: فيسقون منها شربة
فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد، ويسقط عن أبشارهم الشعر، وذلك قول الله عز وجل:
" وسقاهم ربهم شرابا طهورا " من تلك العين المطهرة (4).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) قال: يطهرهم عن كل شئ سوى الله (5).
* (إن هذا كان لكم جزاء) *: على إضمار القول.
* (وكان سعيكم مشكورا) *: غير مضيع.
* (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا) *: مفرقا منجما، في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام)
قال: بولاية علي (عليه السلام) (6).
* (فاصبر لحكم ربك) *: بتأخير نصرك على الأعداء.

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 411، س 24.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 399، س 14.
3 - الكافي: ج 8، ص 96، س 5، قطعة من حديث 69، حديث الجنان والنوق.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 54، س 3، وفيه: " مائة ألف من الناس ".
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 411 - 412.
6 - الكافي: ج 1، ص 435، س 1، ح 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
364

واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا 25 ومن الليل فاسجد له
وسبحه ليلا طويلا 26 إن هؤلاء يحبون العاجلة
ويذرون وراء هم يوما ثقيلا 27 نحن خلقناهم وشددنا
أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثلهم تبديلا 28 إن هذه
تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا 29
* (ولا تطع منهم آثما أو كفورا * واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا) *: القمي:
قال: بالغداة ونصف النهار (1).
* (ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا) *: قال: صلاة الليل (2).
في المجمع: عن الرضا (عليه السلام) أنه سئل وما ذلك التسبيح؟ قال: صلاة الليل (3).
وقيل: " بكرة " صلاة الفجر، و " وأصيلا " صلاة الظهران، " ومن الليل فاسجد له "
العشاءان، " وسبحه ليلا طويلا " أي وتهجد له طائفة طويلة من الليل (4).
* (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراء هم) *: أمامهم أو خلف ظهورهم.
* (يوما ثقيلا) *: شديدا.
* (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم) *: وأحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب. القمي:
أي خلقهم (5).
* (وإذا شئنا بدلنا أمثلهم تبديلا) *: أهلكناهم وبدلنا أمثالهم في الخلقة وشدة
الأسر يعني النشأة الآخرة، والمراد تبديلهم بغيرهم ممن يطيع في الدنيا.
* (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) *: تقرب إليه بالطاعة، في

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 399، س 16. وفيه: " بالغدوة ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 399، س 16.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 413، س 17.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 528. 6 - تفسير القمي: ج 2، ص 399.
365

وما تشاء ون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما 30
يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما 31
الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) قال: الولاية (1).
* (وما تشاء ون إلا أن يشاء الله) *: في الخرائج: عن القائم (عليه السلام) إنه سئل عن
المفوضة قال: كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله عز وجل فإذا شاء شئنا، ثم تلا هذه الآية (2).
وقرئ " يشاؤون " بالياء.
* (إن الله كان عليما حكيما) *: لا يشاء إلا ما يقتضيه علمه وحكمته.
* (يدخل من يشاء في رحمته) *: بالهداية والتوفيق للطاعة، في الكافي: عن
الكاظم (عليه السلام) قال: في ولايتنا (3).
* (والظالمين أعد لهم عذابا أليما) *: في ثواب الأعمال (4)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام)
من قرأ " هل أتى على الإنسان " كل غداة خميس زوجه الله من الحور العين ثمانمائة عذراء،
وأربعة آلاف ثيب، وكان مع محمد (صلى الله عليه وآله) (5).
وفي الأمالي: عن الهادي (عليه السلام) من أحب أن يقيه الله شر يوم الاثنين فليقرأ في أول ركعة
من صلاة الغداء " هل أتى على الإنسان "، ثم قرأ " فوقهم الله شر ذلك اليوم " الآية (6) (7).
* * *

1 - الكافي: ج 1، ص 435، س 2، ح 21، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
2 - الخرائج والجرائح: ج 1، ص 459، ذيل حديث 4، والحديث مروي عن أبي محمد الحسن العسكري (عليهما السلام).
3 - الكافي: ج 1، ص 435، س 3، ح 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
4 - ثواب الأعمال: ص 121، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الإنسان.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 402، في فضلها.
6 - الإنسان: 11.
7 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 224، ح 389 / 39، المجلس الثامن.
366

سورة المرسلات
367

بسم الله الرحمن الرحيم
والمرسلات عرفا 1 فالعاصفات عصفا 2 والناشرات
نشرا 3 فالفارقات فرقا 4 فالملقيات ذكرا 5 عذرا
أو نذرا 6
سورة المرسلات: مكية، وهي خمسون آية بلا خلاف.
* (والمرسلات عرفا * فالعاصفات عصفا * والناشرات نشرا *
فالفارقات فرقا * فالملقيات ذكرا * عذرا أو نذرا) *: أقسم بطوائف من الملائكة
أرسلهن الله بالمعروف من أوامره ونواهيه، كذا في المجمع عن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
قيل: فعصفن عصف الرياح في امتثال أمره، أو عصفن الأديان الباطلة بمحوها،
ونشرن الشرائع والعلوم وآثار الهدى في الأرض، ففرقن بين الحق والباطل فألقين إلى الأنبياء
ذكرا عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين، والعذر والنذر مصدران لعذر إذا محا الإساءة، وأنذر إذا
خوف، أو جمعان لعذير ونذير، بمعنى المعذرة والإنذار، أو بمعنى العاذر والمنذر، وقريا
بالسكون (2) (3).
والقمي: " والمرسلات عرفا " قال: آيات يتبع بعضها بعضا، " فالعاصفات عصفا " قال:

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 415، س 7.
2 - وفي نسخة: [وقرئا بسكون الذال].
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 529، س 4.
369

إنما توعدون لواقع 7 فإذا النجوم طمست 8 وإذا
السماء فرجت 9 وإذا الجبال نسفت 10 وإذا الرسل
أقتت 11 لأي يوم أجلت 12
القبر، " والناشرات نشرا " قال: نشر الأموات، " فالفارقات فرقا " قال: الدابة، " فالملقيات
ذكرا " قال: الملائكة، " عذرا أو نذرا " قال: أعذركم وأنذركم بما أقول، وهو قسم (1).
أقول: كأنه أشار بذلك إلى الملائكة المرسلة بآيات الرجعة، وأشراط الساعة،
ولإثارة التراب من القبور، ونشر الأموات منها، وإخراج دابة الأرض، وتفريق المؤمن من
الكافر، وإلقاء الذكر في قلوب الناس.
* (إنما توعدون لوقع) *: جواب القسم، ومعناه إن الذي توعدونه من مجيئ القيامة
كائن لا محالة.
* (فإذا النجوم طمست) *: القمي: قال: يذهب نورها (2).
وعن الباقر (عليه السلام): طموسها: ذهاب ضوئها (3).
* (وإذا السماء فرجت) *: القمي: قال: تنفرج وتنشق (4).
* (وإذا الجبال نسفت) *: جعلت كالرمل، والقمي: أي تقلع (5).
* (وإذا الرسل أقتت) *: القمي: قال: أي بعثت في أوقات مختلفة (6).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) مثله (7). أريد عين لها وقتها الذي يحضرون فيها للشهادة
على الأمم، وقرئ " وقتت ".
* (لأي يوم أجلت) *: القمي: أخرت (8).
قيل: أي يقال: لأي يوم أخرت، وضرب لهم الأجل لجمعهم ليشهدوا على الأمم، وهو

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 400، س 5.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 400، س 9.
3 و 4 و 5 و 6 - تفسير القمي: ج 2، ص 401 و 400، س 3 و 10 و 11.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 415، س 29.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 400، س 11.
370

ليوم الفصل 13 وما أدريك ما يوم الفصل 14 ويل
يومئذ للمكذبين 15 ألم نهلك الأولين 16 ثم نتبعهم
الآخرين 17 كذلك نفعل بالمجرمين 18 ويل يومئذ
للمكذبين 19 ألم نخلقكم من ماء مهين 20 فجعلنه
في قرار مكين 21 إلى قدر معلوم 22 فقدرنا فنعم
القادرون 23
تعظيم لليوم، وتعجيب من هوله (1).
* (ليوم الفصل) *: بيان ليوم التأجيل.
* (وما أدريك ما يوم الفصل * ويل يومئذ للمكذبين) *: بذلك.
* (ألم نهلك الأولين * ثم نتبعهم الآخرين * كذلك نفعل بالمجرمين) *:
بكل من أجرم، في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) يقول: " ويل يومئذ للمكذبين " يا محمد بما أوحيت
إليك من ولاية علي (عليه السلام)، قال: " الأولين " الذين كذبوا الرسول في طاعة الأوصياء
" بالمجرمين "، قال: من أجرم إلى آل محمد صلوات الله عليهم، وركب من وصيه ما ركب (2).
* (ويل يومئذ للمكذبين) *: تأكيد.
* (ألم نخلقكم من ماء مهين) *: نطفة قذرة ذليلة، القمي: منتن (3).
* (فجعلنه في قرار مكين) *: في الرحم.
* (إلى قدر معلوم) *: إلى مقدار معلوم من الوقت، قدره الله للولادة.
* (فقدرنا) *: على ذلك، وقرئ بالتشديد أي " فقدرنا ".

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 529، س 21.
2 - الكافي: ج 1، ص 435، س 8، ح 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 400، س 12.
371

ويل يومئذ للمكذبين 24 ألم نجعل الأرض كفاتا 25
أحياء وأمواتا 26 وجعلنا فيها رواسي شمخت وأسقيناكم
ماء فراتا 27 ويل يومئذ للمكذبين 28 انطلقوا إلى ما
كنتم به تكذبون 29 انطلقوا إلى ظل ذي ثلث شعب 30
* (فنعم القادرون) *: نحن.
* (ويل يومئذ للمكذبين) *: بقدرتنا.
* (ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياء وأمواتا) *: القمي: قال: الكفات: المساكن،
وقال: نظر أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجوعه من صفين إلى المقابر، فقال: هذه كفات الأموات أي
مساكنهم، ثم نظر إلى بيوت الكوفة، فقال: هذه كفات الأحياء، ثم تلا هذه الآية (1).
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام) مثله (2). وفي الكافي: عنه (عليه السلام) في هذه الآية قال: دفن
الشعر، والظفر (3).
* (وجعلنا فيها رواسي شمخت) *: القمي: قال: جبالا مرتفعة (4).
* (وأسقيناكم ماء فراتا) *: عذبا، بخلق الأنهار والمنابع فيها.
* (ويل يومئذ للمكذبين) *: بأمثال هذه النعم.
* (انطلقوا) *: أي يقال لهم: انطلقوا.
* (إلى ما كنتم به تكذبون) *: من العذاب.
* (انطلقوا) *: خصوصا.
* (إلى ظل ذي ثلث شعب) *: القمي: قال: فيه ثلاث شعب من النار (5).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 400، س 13.
2 - معاني الأخبار: ص 342، ح 1، باب معنى الكفات.
3 - الكافي: ج 6، ص 493، ح 1، باب دفن الشعر والظفر.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 400، س 17.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 400، س 19.
372

لا ظليل ولا يغنى من اللهب 31 إنها ترمى بشرر
كالقصر 32 كأنه جملت صفر 33 ويل يومئذ
للمكذبين 34 هذا يوم لا ينطقون 35 ولا يؤذن لهم
فيعتذرون 36
وعن الباقر (عليه السلام) قال: بلغنا - والله أعلم - أنه إذا استوى أهل النار إلى النار لينطلق بهم
قبل أن يدخلوا النار، فيقال لهم: ادخلوا إلى ظل ذي ثلاث شعب من دخان النار، فيحسبون
أنها الجنة، ثم يدخلون النار أفواجا وذلك نصف النهار، وأقبل أهل الجنة فيما اشتهوا من التحف
حتى يعطوا منازلهم في الجنة نصف النهار (1).
* (لا ظليل ولا يغنى من اللهب * إنها ترمى بشرر كالقصر) *: في عظمها.
القمي: قال: شرر النار: كالقصور، والجبال (2).
* (كأنه جملت) *: جمع جمال، جمع جمع جمل.
* (صفر) *: القمي: أي سود (3).
قيل: وذلك لأن سواد الإبل يضرب إلى الصفرة، والأول تشبيه في العظم، وهذا في
اللون، والكثرة، والتتابع، والإختلاط، وسرعة الحركة (4)، وقرئ " جمالة ".
* (ويل يومئذ للمكذبين * هذا يوم لا ينطقون) *: من فرط الحيرة
والدهشة، يعني في بعض مواقفه كما ورد.
* (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) *: عطف على يؤذن، ليس بجواب له ليوهم إن لهم عذرا.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) الله أجل وأعدل وأعظم من أن يكون لعبده عذر لا يدعه

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 113، س 9.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 400، س 19.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 400، س 20.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 531، س 5.
373

ويل يومئذ للمكذبين 37 هذا يوم الفصل جمعناكم
والأولين 38 فإن كان لكم كيد فكيدون 39 ويل
يومئذ للمكذبين 40 إن المتقين في ظلل وعيون 41
وفواكه مما يشتهون 42 كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم
تعملون 43 إنا كذلك نجزى المحسنين 44 ويل يومئذ
للمكذبين 45 كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون 46
يعتذر به، ولكنه فلج (1) فلم يكن له عذر (2).
* (ويل يومئذ للمكذبين * هذا يوم الفصل) *: بين المحق والمبطل.
* (جمعناكم والأولين * فإن كان لكم كيد فكيدون) *: تقريع لهم على كيدهم
للمؤمنين في الدنيا وإظهار لعجزهم يومئذ.
* (ويل يومئذ للمكذبين) *: إذ لا حيلة لهم في التخلص من العذاب.
* (إن المتقين في ظلل وعيون * وفواكه مما يشتهون) *: مستقرون في أنواع
الترفه. القمي: قال: في ظلال من نور أنور من الشمس (3).
في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) في هذه الآية قال: نحن والله وشيعتنا، ليس على ملة
إبراهيم (عليه السلام) غيرنا، وسائر الناس منها براء (4).
* (كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون) *: أي مقولا لهم ذلك.
* (إنا كذلك نجزى المحسنين * ويل يومئذ للمكذبين * كلوا وتمتعوا
قليلا إنكم مجرمون) *: يقال لهم ذلك تذكيرا لهم بحالهم في الدنيا، وبما جنوا على أنفسهم من

1 - الفلج: الفوز والظفر، من فلج الرجل على خصمه: غلبه. مجمع البحرين: ج 2، ص 324، مادة " فلج ".
2 - الكافي: ج 8، ص 178، ح 200.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 400، س 21.
4 - الكافي: ج 1، ص 435، س 11، ح 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
374

ويل يومئذ للمكذبين 47 وإذا قيل لهم اركعوا لا
يركعون 48 ويل يومئذ للمكذبين 49 فبأي حديث
بعده يؤمنون 50
إيثار المتاع القليل على النعيم المقيم.
* (ويل يومئذ للمكذبين) *: حيث عرضوا أنفسهم للعذاب الدائم بالتمتع القليل.
* (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) *: روي أنها نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بالصلاة، فقالوا: لا نحني (1).
وفي رواية: لا نجبي فإنها سبة (2)، رواها في المجمع، قال: فقال لا خير في دين ليس فيه
ركوع وسجود (3).
أقول: لا نحني: بالمهملة والنون أي لا نعطف ظهورنا، وعلى الرواية الثانية بالجيم
والباء الموحدة المشددة أي لا ننكب على وجوهنا، وهما متقاربان.
والقمي: قال: إذا قيل لهم تولوا الإمام لم يتولوه (4).
* (ويل يومئذ للمكذبين * فبأي حديث بعده) *: بعد القرآن، القمي: بعد هذا
الذي أحدثك به (5).
* (يؤمنون) *: إذا لم يؤمنوا به.
في ثواب الأعمال (6)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ " والمرسلات عرفا " عرف الله
بينه وبين محمد (صلى الله عليه وآله) (7).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 419، س 24. وفيه: " لا ننحني ".
2 - السبة - بالضم -: العار، يقال: هذه سبة عليك وعلى عقبك، أي عار تسب به. تاج العروس: ج 3، ص 35،
مادة " سبب ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 419، س 25.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 401، س 1.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 401، س 2.
6 - ثواب الأعمال: ص 121، ح 1، باب ثواب قراءة سورة المرسلات.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 414، في فضلها.
375

سورة النبأ
377

بسم الله الرحمن الرحيم
عم يتساءلون 1 عن النبأ العظيم 2 الذي هم فيه
مختلفون 3
سورة عم: وتسمى سورة النبأ، وهي مكية، عدد آيها إحدى وأربعون آية مكي
بصري، وأربعون في الباقين، اختلافها آية " عذابا قريبا " (1) مكي بصري.
* (عم) *: أصله عن ما.
* (يتساءلون) *: يسأل بعضهم بعضا، في هذا الاستفهام تفخيم لشأن ما يتساءلون عنه.
* (عن النبأ العظيم * الذي هم فيه مختلفون) *: بيان لشأن المفخم، قيل: كانوا
يتساءلون عن البعث (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: " النبأ العظيم " الولاية (3).
وعن الباقر (عليه السلام): سئل عن تفسير " عم يتساءلون " فقال: هي في أمير المؤمنين (عليه السلام)،
كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ما لله عز وجل آية هي أكبر مني، ولا لله نبأ أعظم مني (4).

1 - النبأ: 40.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 532، س 10.
أقول: لم أر وجها صحيحا لهذا القول لعدم وجود اختلاف في البعث عند المسلمين.
3 - الكافي: ج 1، ص 418، ح 34، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
4 - الكافي: ج 1، ص 207، ح 3، باب أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام).
379

كلا سيعلمون 4 ثم كلا سيعلمون 5 ألم نجعل الأرض
مهدا 6 والجبال أوتادا 7 وخلقناكم أزوجا 8
وجعلنا نومكم سباتا 9 وجعلنا الليل لباسا 10
والقمي: عن الرضا (عليه السلام) إنه سئل عنه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما لله نبأ أعظم مني، وما
لله آية أكبر مني، ولقد عرض فضلي على الأمم الماضية على اختلاف ألسنتها فلم تقر لفضلي (1).
وفي العيون: عنه، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليهم السلام)، قال: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي أنت حجة الله، وأنت باب الله، وأنت الطريق إلى الله، وأنت النبأ
العظيم، وأنت الصراط المستقيم، وأنت المثل الأعلى، الحديث (2).
وفي الكافي: في خطبة الوسيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام): إني النبأ العظيم، وعن قليل
ستعلمون ما توعدون (3).
* (كلا سيعلمون) *: ردع عن التساؤل، ووعيد عليه.
* (ثم كلا سيعلمون) *: تكرير للمبالغة، و " ثم " للإشعار بأن الوعيد الثاني أشد،
وقرئ بالتاء.
* (ألم نجعل الأرض مهدا) *: للناس.
* (والجبال أوتادا) *: للأرض.
* (وخلقناكم أزوجا) *: ذكرا وأنثى.
* (وجعلنا نومكم سباتا) *: قطعا عن الإحساس والحركة، استراحة للقوى.
* (وجعلنا الليل لباسا) *: غطاءا يستتر بظلمته من أراد الإختفاء.
والقمي: قال: يلبس على النهار (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 401، س 8. وفيه: " ولم تقر بفضلي ".
2 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 6، ح 13، باب 30 - فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المنثورة.
3 - الكافي: ج 8، ص 30، س 6، ح 4، خطبة الوسيلة. 4 - تفسير القمي: ج 2، ص 401، س 12.
380

وجعلنا النهار معاشا 11 وبنينا فوقكم سبعا شدادا 12
وجعلنا سراجا وهاجا 13 وأنزلنا من المعصرات ماء
ثجاجا 14 لنخرج به حبا ونباتا 15 وجنت ألفافا 16
إن يوم الفصل كان ميقاتا 17 يوم ينفخ في الصور
فتأتون أفواجا 18
* (وجعلنا النهار معاشا) *: وقت معاش، تتقلبون فيه لتحصيل ما تعيشون به.
* (وبنينا فوقكم سبعا شدادا) *: سبع سماوات أقوياء محكمات لا يؤثر فيها مرور
الدهور.
* (وجعلنا سراجا وهاجا) *: متلألأ وقادا، يعني الشمس.
* (وأنزلنا من المعصرات) *: قيل: السحائب إذا أعصرت، أي شارفت أن
تعصرها الرياح فتمطر (1). والقمي: قال: من السحاب (2).
* (ماء ثجاجا) *: منصبا بكثرة.
* (لنخرج به حبا ونباتا) *: ما يقتات به، وما يعتلف من التبن والحشيش.
* (وجنت ألفافا) *: ملتفة بعضها ببعض.
* (إن يوم الفصل كان ميقاتا) *: حدا توقت به الدنيا وتنتهي عنده، أو حدا
للخلائق ينتهون إليه.
* (يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا) *: جماعات من القبور إلى المحشر.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه سئل عن هذه الآية، فقال: يحشر عشرة أصناف من أمتي
أشتاتا قد ميزهم الله من المسلمين، وبدل صورهم، فبعضهم على صورة القردة، وبعضهم على

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 533، س 2.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 401، س 13.
381

وفتحت السماء فكانت أبوابا 19 وسيرت الجبال
فكانت سرابا 20
صورة الخنازير، وبعضهم منكوسون أرجلهم من فوق ووجوههم من تحت، ثم يسحبون
عليها، وبعضهم عمى يتردون (1)، وبعضهم صم بكم لا يعقلون، وبعضهم يمضغون ألسنتهم
فيسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم،
وبعضهم مصلبون على جذوع من نار، وبعضهم أشد نتنا من الجيف، وبعضهم يلبسون جبابا
سابغة من قطران لازقة بجلودهم، فأما الذين على صورة القردة فالقتات (2) من الناس، وأما
الذين على صورة الخنازير فأهل السحت، وأما المنكوسون على رؤوسهم: فأكلة الربا،
والعمي: الجائرون في الحكم، والصم البكم: المعجبون بأعمالهم، والذين يمضغون ألسنتهم:
العلماء، والقضاة الذين خالف أعمالهم أقوالهم، والمقطعة أيديهم وأرجلهم: الذين يؤذون
الجيران، والمصلبون على جذوع من نار: فالسعاة بالناس إلى السلطان، والذين أشد نتنا من
الجيف: فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات، ويمنعون حق الله تعالى في أموالهم، والذين
يلبسون الجباب: فأهل الفخر والخيلاء (3).
* (وفتحت السماء فكانت أبوابا) *: قيل: شقت شقوقا (4). والقمي: قال: انفتح
أبواب الجنان (5).
* (وسيرت الجبال فكانت سرابا) *: قال: تسير الجبال مثل السراب الذي يلمع في

1 - وفي نسخة: [يترددون].
2 - القتات: النمام المزور، من قت الحديث: نمه وأشاعه بين الناس، ومنه " يقت الأحاديث " أي ينمها. وفيه: من
بلغ بعض الناس ما سمع من بعض آخر منهم فهو القتات. وقيل: القتات هو الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون
فينم حديثهم. مجمع البحرين: ج 2، ص 214، مادة " قتت ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 423، س 25.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 533، س 18.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 401، س 15.
382

إن جهنم كانت مرصادا 21 للطاغين مآبا 22 لبثين
فيها أحقابا 23
المفازة (1).
* (إن جهنم كانت مرصادا) *: موضع رصد، القمي: قال: قائمة (2).
* (للطاغين مآبا) *: مرجعا ومأوى.
* (لبثين فيها) *: وقرئ " لبثين ".
* (أحقابا) *: دهورا متتابعة. القمي: قال: الأحقاب: السنون، والحقب: السنة، والسنة:
عددها ثلاثمائة وستون يوما، واليوم كألف سنة مما تعدون (3).
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام) قال: الأحقاب: ثمانية حقب، والحقب: ثمانون سنة،
والسنة ثلاث مائة وستون يوما، واليوم كألف سنة مما تعدون (4).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يخرج من النار من دخلها حتى يمكث فيها أحقابا،
والحقب: بضع وستون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يوما، كل يوم كألف سنة مما تعدون، فلا
يتكلن أحد على أن يخرج من النار (5).
وعن العياشي: عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: هذه في الذين يخرجون
من النار (6). والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: هذه في الذين لا يخرجون من النار (7).

1 و 2 - تفسير القمي: ج 2، ص 401، س 16 و 17.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 402، س 1.
4 - معاني الأخبار: ص 220 - 221، ح 1، باب معنى الأحقاب.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 424، س 18.
6 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي، بل وجدناه في تفسير مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 424، س 19، نقلا عن
العياشي. نعم جاءت نفس هذه العبارات في تفسير العياشي: ج 2، ص 160، ح 68، ذيل الآية 107 من سورة هود.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 402، س 5.
أقول: الظاهر هنا تصحيف، والصحيح: " في الذين يخرجون من النار "، كما جاء في تفسير مجمع البيان: ج 9 -
10، ص 424، س 19، نقلا عن تفسير العياشي، ولأن البقاء في النار لا يحتاج إلى التوقيت بالأحقاب.
383

لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا 24 إلا حميما وغساقا 25
جزاء وفاقا 26 إنهم كانوا لا يرجون حسابا 27 وكذبوا
بآياتنا كذابا 28 وكل شئ أحصيناه كتبا 29 فذوقوا
فلن نزيدكم إلا عذابا 30
* (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما وغساقا) *: قيل: المراد بالبرد ما
يروحهم، وينفس عنهم حر النار (1).
والقمي: بردا أي نوما، قال: البرد: النوم (2).
والغساق قد مضى تفسيره في سورة " ص " (3)، وقرئ بالتشديد.
* (جزاء وفاقا) *: موافقا لأعمالهم وعقائدهم.
* (إنهم كانوا لا يرجون حسابا * وكذبوا بآياتنا كذابا) *: تكذيبا، وفي
المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كذابا بالتخفيف بمعنى الكذب (4).
قيل: وإنما أقيم مقام التكذيب للدلالة على أنهم كذبوا في تكذيبهم (5).
* (وكل شئ أحصيناه كتبا) *: إعتراض.
* (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) *: لكفركم بالحساب، وتكذيبكم بالآيات،
ومجيؤه على طريقة الالتفات للمبالغة. ورد (6): هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار (7).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 534، س 7.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 402، س 6.
3 - ذيل الآية: 57، انظر ج 6، ص 240 من كتابنا تفسير الصافي.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 422، في القراءة.
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 534، س 13.
أقول: لم أر وجها صحيحا لهذا القول.
6 - أي وردت رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله).
7 - الكشاف: ج 4، ص 690، س 9، وأنوار التنزيل: ج 2، ص 534، س 19.
384

إن للمتقين مفازا 31 حدائق وأعنابا 32 وكواعب
أترابا 33 وكأسا دهاقا 34 لا يسمعون فيها لغوا ولا
كذبا 35 جزاء من ربك عطاء حسابا 36
* (إن للمتقين مفازا) *: القمي: قال: يفوزون (1). وعن الباقر (عليه السلام): هي الكرامات (2).
* (حدائق وأعنابا) *: بساتين فيها أنواع الأشجار المثمرة.
* (وكواعب) *: نساء فلكت (3) ثديهن.
* (أترابا) *: لدات على سن واحد.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) " وكواعب أترابا " أي الفتيات الناهدات (4).
* (وكأسا دهاقا) *: ممتلية.
* (لا يسمعون فيها لغوا ولا كذبا) *: وقرئ بالتخفيف أي كذبا أو مكاذبة، إذ لا
يكذب بعضهم بعضا.
* (جزاء من ربك) *: بمقتضى وعده.
* (عطاء حسابا) *: كافيا، في الأمالي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث قال: حتى إذا
كان يوم القيامة حسب لهم حسناتهم ثم أعطاهم بكل واحدة عشرة أمثالها إلى سبع مائة
ضعف، قال الله تعالى: " جزاء من ربك عطاء حسابا "، وقال: " أولئك لهم جزاء الضعف بما
عملوا " (5) (6).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 402، س 9.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 402، س 7.
3 - فلكت ثديها، وأفلك، وفلك، وتفلك: استدار. القاموس المحيط: ج 3، ص 316، مادة " فلك ". وقال
الطريحي: الكواعب: جمع كاعب، وهي المرأة التي يبدو ثديها للنهود. مجمع البحرين: ج 2، ص 160، مادة " كعب ".
وهذا المعنى أصح مما أفاده الماتن (قدس سره).
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 402، س 9.
5 - سبأ: 34.
6 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 26، س 9، ح 31 / 31، المجلس الأول.
385

رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون
منه خطابا 37 يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا
يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا 38 ذلك
اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا 39 إنا أنذرناكم
عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر
يا ليتني كنت تربا 40
* (رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن) *: وقرئ بالرفع فيهما.
* (لا يملكون منه خطابا) *: لا يملك أهل السماوات والأرض خطابه، والاعتراض
عليه في ثواب أو عقاب، لأنهم مملوكون له على الإطلاق، فلا يستحقون عليه اعتراضا، وذلك
لا ينافي الشفاعة بإذنه.
* (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن
وقال صوابا) *: القمي: قال: الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل (عليهما السلام)، كان مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وهو مع الأئمة (عليهم السلام) (1). ورواه في المجمع، عن القمي، عن الصادق (عليه السلام) (2).
وفيه: عنه (عليه السلام) (3)، وفي الكافي: عن الكاظم (عليه السلام): نحن والله المأذون لهم يوم القيامة،
والقائلون صوابا، قيل: ما تقولون إذا تكلمتم؟ قالا: نمجد ربنا، ونصلي على نبينا، ونشفع
لشيعتنا، ولا يردنا ربنا (4).
* (ذلك اليوم الحق) *: الكائن لا محالة.
* (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) *: بالإيمان والطاعة.
* (إنا أنذرناكم عذابا قريبا) *: يعني عذاب الآخرة، وقربه لتحققه فإن ما هو آت

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 402، س 11.
2 و 3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 427، س 3 و 7.
4 - الكافي: ج 1، ص 435، س 13، ح 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
386

قريب، ولأن مبدأه الموت. القمي: قال: في النار (1).
* (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه) *: من خير أو شر.
* (ويقول الكافر يا ليتني كنت تربا) *: في الدنيا، فلم أخلق ولم أكلف، أو في هذا
اليوم، فلم ابعث.
وفي العلل: عن ابن عباس إنه سئل لم كنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) أبا تراب؟ قال: لأنه
صاحب الأرض، وحجة الله على أهلها بعده، وبه بقاؤها وإليه سكونها، قال: ولقد سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنه إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعد الله تبارك وتعالى لشيعة
علي (عليه السلام) من الثواب والزلفى والكرامة، قال: " يا ليتني كنت تربا " أي من شيعة علي (عليه السلام)، وذلك
قول الله عز وجل: " ويقول الكافر يا ليتني كنت تربا " (2). والقمي: ما يقرب من معناه (3).
في ثواب الأعمال (4)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ " عم يتساءلون " لم تخرج سنته
إذا كان يدمنها في كل يوم حتى يزور بيت الله الحرام إن شاء الله تعالى (5).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 402، س 13.
2 - علل الشرائع: ص 156، ح 3، باب 125 - العلة التي من أجلها كنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب (عليه السلام): أبا تراب.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 402، س 14.
4 - ثواب الأعمال: ص 121، ح 1، باب ثواب قراءة سورة النبأ.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 420، في فضلها.
387

سورة النازعات
389

بسم الله الرحمن الرحيم
والنازعات غرقا 1 والناشطات نشطا 2 والسابحات
سبحا 3 فالسابقات سبقا 4 فالمدبرات أمرا 5
سورة النازعات: مكية، عدد آيها ست وأربعون كوفي، وخمس وأربعون في الباقين،
آيتان " ولأنعامكم " (1) حجازي كوفي " طغى " (2) عراقي شامي.
* (والنازعات غرقا * والناشطات نشطا * والسابحات سبحا *
فالسابقات سبقا * فالمدبرات أمرا) *: هذه صفات ملائكة الموت، أقسم الله بهم على
قيام الساعة، وإنما حذف لدلالة ما بعده عليه، وهم الذين ينزعون أرواح الكفار من أبدانهم
بالشدة، " غرقا " أي إغراقا في النزع كما يغرق النازع في القوس فيبلغ به غاية المد، وينشطون
أرواحهم أي ينزعونها ما بين الجلد والأظفار حتى يخرجونها من أجوافهم بالكرب والغم،
ويقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلا رفيقا، ثم يدعونها حتى تستريح كالسابح بالشئ في
الماء يرمى به فتسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة، وتدبر الملائكة أمر العباد من السنة إلى السنة،
كذا في المجمع عن علي (عليه السلام) (3). وعن الصادق (عليه السلام): هو الموت تنزع النفوس (4).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) " فالسابقات سبقا " يعني أرواح المؤمنين تسبق أرواحهم إلى
الجنة (5).

1 و 2 - النازعات: 33 و 37. 3 و 4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 430 و 429، س 14 و 22.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 403، س 2.
391

يوم ترجف الراجفة 6 تتبعها الرادفة 7 قلوب يومئذ
واجفة 8 أبصرها خشعة 9 يقولون أإنا لمردودون في
الحافرة 10 أإذا كنا عظما نخرة 11 قالوا تلك إذا كرة
خاسرة 12 فإنما هي زجرة وحدة 13 فإذا هم بالساهرة 14
* (يوم ترجف الراجفة) *: القمي: قال: تنشق الأرض بأهلها (1).
* (تتبعها الرادفة) *: قال: الرادفة: الصيحة (2).
* (قلوب يومئذ واجفة) *: شديدة الاضطراب من الوجيف.
* (أبصرها خشعة) *: أي أبصار أصحابها ذليلة من الخوف، ولذلك أضافها إلى
القلوب.
* (يقولون أإنا لمردودون في الحافرة) *: في الحالة الأولى، يعنون الحياة بعد الموت
من قوله: رجع فلان في حافرته، أي طريقته التي جاء فيها فحفرها، أي أثر فيها بمشيته.
القمي: قال: قالت قريش: أنرجع بعد الموت (3).
* (أإذا كنا) *: وقرئ " إذا كنا " على الخبر.
* (عظما نخرة) *: بالية، وقرئ " نخرة " وهي أبلغ.
* (قالوا تلك إذا كرة خاسرة) *: ذات خسران، والمعنى: إنها إن صحت فنحن إذا
خاسرون لتكذيبنا بها، وهو استهزاء منهم. القمي: قال: قالوا هذا على حد الاستهزاء (4).
* (فإنما هي زجرة وحدة) *: أي لا تستصعبوها فما هي إلا صيحة واحدة، يعني
النفخة الثانية.
* (فإذا هم بالساهرة) *: فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعدما كانوا أمواتا في
بطنها، والساهرة الأرض البيضاء المستوية.

1 و 2 و 3 و 4 - تفسير القمي: ج 2، ص 403، س 4 و 6 و 7.
392

هل أتاك حديث موسى 15 إذ ناداه ربه بالواد المقدس
طوى 16 اذهب إلى فرعون إنه طغى 17 فقل هل لك
إلى أن تزكى 18 وأهديك إلى ربك فتخشى 19 فأريه
الآية الكبرى 20 فكذب وعصى 21 ثم أدبر يسعى 22
القمي: قال: الزجرة: النفخة الثانية في الصور، والساهرة: موضع بالشام عند بيت
المقدس، وعن الباقر (عليه السلام) في قوله: " أإنا لمردودون في الحافرة " يقول: في الخلق الجديد، وأما
قوله: " فإذا هم بالساهرة " والساهرة: الأرض كانوا في القبور فلما سمعوا الزجرة خرجوا من
قبورهم فاستووا على الأرض (1).
* (هل أتاك حديث موسى) *: أليس قد أتاك حديثه فيسليك على تكذيب قومك،
ويهددهم عليه بأن يصيبهم مثل ما أصاب من هو أعظم منهم.
* (إذ ناديه ربه بالواد المقدس طوى) *: قد مر بيانه في سورة طه (2).
* (اذهب إلى فرعون إنه طغى) *: على إرادة القول.
* (فقل هل لك إلى أن تزكى) *: هل لك ميل إلى أن تتطهر من الكفر والطغيان،
وقرئ " تزكى " بتشديد الزاي.
* (وأهديك إلى ربك) *: وأرشدك إلى معرفته.
* (فتخشى) *: بأداء الواجبات وترك المحرمات، إذ الخشية إنما تكون بعد المعرفة، وهذا
كالبيان لقوله " فقولا له قولا لينا " (3).
* (فأريه الآية الكبرى) *: أي ذهب وبلغ فأراه المعجزة الكبرى.
* (فكذب وعصى * ثم أدبر يسعى) *: أدبر عن الطاعة ساعيا في إبطال أمره.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 403، س 8.
2 - ذيل الآية: 12، انظر ج 5، ص 11 - 13 من كتابنا تفسير الصافي. 3 - طه: 44.
393

فحشر فنادى 23 فقال أنا ربكم الأعلى 24 فأخذه الله
نكال الآخرة والأولى 25 إن في ذلك لعبرة لمن يخشى
26 أأنتم أشد خلقا أم السماء بنها 27 رفع سمكها
فسواها 28 وأغطش ليلها وأخرج ضحاها 29
والأرض بعد ذلك دحاها 30
* (فحشر) *: فجمع جنوده.
* (فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الآخرة والأولى) *:
القمي: النكال: العقوبة، والآخرة قوله: " أنا ربكم الأعلى "، والأولى قوله: " ما علمت لكم من
إله غيري " (1) فأهلكه الله بهذين القولين (2).
وفي الخصال (3)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) إنه كان بين الكلمتين أربعون سنة (4).
وعنه (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال جبرئيل: قلت: يا رب تدع فرعون وقد قال
" أنا ربكم الأعلى "؟ فقال: إنما يقول هذا مثلك من يخاف الفوت (5).
* (إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) *: لمن كان شأنه الخشية.
* (أأنتم أشد خلقا أم السماء بنها * رفع سمكها فسواها * وأغطش
ليلها) *: أظلمه.
* (وأخرج ضحاها) *: وأبرز ضوء شمسها.
* (والأرض بعد ذلك دحاها) *: بسطها ومهدها للسكنى.

1 - القصص: 38.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 403، س 13.
3 - الخصال: ص 539 - 540، ح 11، باب 40 - أملى الله تبارك وتعالى لفرعون بين الكلمتين أربعين سنة.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 432، س 18.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 432، س 21، والخصال: ص 346، ح 15، باب سبعة من أشد الناس عذابا
يوم القيامة.
394

أخرج منها ماءها ومرعاها 31 والجبال أرساها 32 متعا
لكم ولأنعامكم 33 فإذا جاءت الطامة الكبرى 34 يوم
يتذكر الإنسان ما سعى 35 وبرزت الجحيم لمن يرى 36
فأما من طغى 37 وآثر الحياة الدنيا 38 فإن الجحيم
هي المأوى 39
* (أخرج منها ماءها) *: بتفجير العيون.
* (ومرعاها * والجبال أرساها) *: أثبتها.
* (متعا لكم ولأنعامكم * فإذا جاءت الطامة) *: الداهية التي تطم، أي تعلو
على سائر الدواهي.
* (الكبرى) *: التي هي أكبر الطامات. في الإكمال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث أن
الطامة الكبرى: خروج دابة الأرض (1). وجواب " إذا " محذوف دل عليه ما بعده.
* (يوم يتذكر الإنسان ما سعى) *: بأن يراه مدونا في صحيفته، وكان قد نسيها من
فرط الغفلة، وطول المدة. القمي: قال: يذكر ما عمله كله (2).
* (وبرزت الجحيم) *: قال: قال: وأحضرت (3).
* (لمن يرى) *: لكل راء بحيث لا تخفى على أحد.
* (فأما من طغى) *: في الكافي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث من طغى ضل على
عمد بلا حجة (4).
* (وآثر الحياة الدنيا) *: فانهمك فيها، ولم يستعد للآخرة بالعبادة، وتهذيب النفس.
* (فإن الجحيم هي المأوى) *: هي مأواه.

1 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 527، س 10، ح 1، باب حديث الدجال وما يتصل به من أمر القائم (عليه السلام).
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 403، س 20.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 403 - 404.
4 - الكافي: ج 2، ص 394، س 3، ح 1، باب صفة النفاق والمنافق.
395

وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى 40 فإن الجنة
هي المأوى 41 يسئلونك عن الساعة أيان مرسها 42 فيم
أنت من ذكراها 43 إلى ربك منتهاها 44 إنما أنت منذر من
يخشاها 45 كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أوضحها 46
* (وأما من خاف مقام ربه) *: مقامه بين يدي ربه لعلمه بالمبدأ والمعاد.
* (ونهى النفس عن الهوى) *: لعلمه بأن الهوى يرديه.
* (فإن الجنة هي المأوى) *: القمي: قال: هو العبد إذا وقف على معصية الله، وقدر
عليها، ثم تركها مخافة الله، ونهى النفس عنها، فمكافأته الجنة (1). وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام)،
قال: من علم أن الله يراه، ويسمع ما يقول، ويعلم ما يعمله من خير أو شر، فيحجزه ذلك عن
القبيح من الأعمال، فذلك الذي خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى (2).
* (يسئلونك عن الساعة أيان مرسها) *: متى إرساؤها، أي إقامتها وإثباتها.
القمي: قال: متى تقوم (3).
* (فيم أنت من ذكراها) *: في أي شئ أنت من أن تذكر وقتها لهم، أي ما أنت من
ذكرها لهم وتبيين وقتها في شئ فإنه مما استأثره الله بعلمه.
* (إلى ربك منتهاها) *: أي منتهى علمها، القمي: أي علمها عند الله (4).
* (إنما أنت منذر من يخشاها * كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا) *: أي في الدنيا.
* (إلا عشية أو ضحاها) *: أي عشية يوم أو ضحاه، كقوله: إلا ساعة من نهار،
ولذلك أضاف الضحى إلى العشية لأنهما من يوم واحد. القمي: قال: بعض يوم (5).
في ثواب الأعمال (6)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ " والنازعات " لم يمت إلا ريانا،
ولم يبعثه الله إلا ريانا، ولم يدخله الجنة إلا ريانا (7).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 404، س 1.
2 - الكافي: ج 2، ص 80، ح 1، باب اجتناب المحارم.
3 و 4 و 5 - تفسير القمي: ج 2، ص 404. 6 - ثواب الأعمال: ص 121، ح 1، باب ثواب قراءة سورة النازعات.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 428، في فضلها.
396

سورة عبس
397

بسم الله الرحمن الرحيم
عبس وتولى 1 أن جاء ه الأعمى 2 وما يدريك لعله
يزكى 3
سورة عبس: وتسمى سورة السفرة، مكية، عدد آيها اثنتان وأربعون آية حجازي
كوفي، وإحدى وأربعون بصري، وأربعون شامي، والمدني الأول، اختلافها ثلاث آيات
" ولأنعامكم " (1) و " إلى طعامه " (2) و " الصاخة " (3).
* (عبس وتولى * أن جاء ه الأعمى) *: القمي: قال: نزلت في عثمان، وابن أم
مكتوم، وكان ابن أم مكتوم مؤذنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان أعمى، وجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وعنده أصحابه، وعثمان عنده فقدمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عثمان، فعبس عثمان وجهه، وتولى عنه
فأنزل الله: " عبس وتولى " يعني عثمان " أن جاءه الأعمى " (4).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) نزلت في رجل من بني أمية، كان عند النبي (صلى الله عليه وآله) فجاء ابن
أم مكتوم، فلما رآه تقذر منه، وجمع نفسه، وعبس وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله سبحانه
ذلك، وأنكره عليه (5).
* (وما يدريك لعله يزكى) *: القمي: قال: أي يكون طاهرا أزكى (6).

1 و 2 و 3 - عبس: 32 و 24 و 33.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 404 - 405.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 437، في شأن النزول، س 20.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 405، س 3.
399

أو يذكر فتنفعه الذكرى 4 أما من استغنى 5 فأنت له
تصدى 6 وما عليك ألا يزكى 7 وأما من جاءك
يسعى 8 وهو يخشى 9 فأنت عنه تلهى 10 كلا إنها
تذكرة 11
* (أو يذكر) *: قال: قال: يذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
* (فتنفعه الذكرى) *: وقرئ بالنصب.
* (أما من استغنى * فأنت له تصدى) *: تتعرض بالإقبال عليه. القمي: ثم
خاطب عثمان فقال: " أما من استغنى " الآية، قال: أنت إذا جاءك غني تتصدى له وترفعه (2).
* (وما عليك ألا يزكى) *: قال: أي لا تبالي أزكيا كان أو غير زكي إذا كان غنيا (3).
* (وأما من جاءك يسعى) *: قال: يعني ابن أم مكتوم (4).
* (وهو يخشى * فأنت عنه تلهى) *: أي تلهو، ولا تلتفت إليه، وقرئ " تصدى "
بتشديد الصاد. وفي المجمع: وقراءة الباقر (عليه السلام) " تصدى " بضم التاء وفتح الصاد، و " تلهى " بضم
التاء أيضا (5).
أقول: وأما ما اشتهر من تنزيل هذه الآيات في النبي (صلى الله عليه وآله) دون عثمان، فيأباه سياق مثل
هذه المعاتبات الغير اللائقة بمنصبه (صلى الله عليه وآله)، وكذا ما ذكر بعدها إلى آخر السورة كما لا يخفى على
العارف بأساليب الكلام، ويشبه أن يكون من مختلقات أهل النفاق خذلهم الله.
* (كلا) *: ردع عن المعاتب عليه، ومعاودة مثله.
* (إنها تذكرة) *: القمي: قال: القرآن (6).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 405، س 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 405، س 5.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 405، س 6.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 405، س 7.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 436، في القراءة.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 405، س 8.
400

فمن شاء ذكره 12 في صحف مكرمة 13 مرفوعة
مطهرة 14 بأيدي سفرة 15 كرام بررة 16 قتل
الإنسان ما أكفره 17 من أي شئ خلقه 18 من نطفة
خلقه فقدره 19 ثم السبيل يسره 20 ثم أماته فأقبره 21
ثم إذا شاء أنشره 22
* (فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة * مرفوعة) *: قال: قال: عند الله (1).
* (مطهرة) *: منزهة عن أيدي الشياطين.
* (بأيدي سفرة) *: قيل: أي كتبة من الملائكة والأنبياء (2). والقمي: قال: بأيدي الأئمة (3).
* (كرام بررة) *: في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة
الكرام البررة (4).
* (قتل الإنسان ما أكفره) *: دعاء عليه بأشنع الدعوات، وتعجب من إفراطه في
الكفران. في الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أي لعن الإنسان (5).
* (من أي شئ خلقه) *: الاستفهام للتحقير.
* (من نطفة خلقه فقدره) *: فهيأه لما يصلح له من الأعضاء والأشكال أطوارا إلى
أن تم خلقته.
* (ثم السبيل يسره) *: القمي: قال: يسر له طريق الخير (6).
* (ثم أماته فأقبره * ثم إذا شاء أنشره) *: عد الإماتة والإقبار في النعم لأن

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 405، س 8.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 540، س 19.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 405، س 9.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 438، س 20.
5 - الإحتجاج: ج 1، ص 372، س 17، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من
القرآن متشابهة تحتاج إلى التأويل.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 405، س 11.
401

كلا لما يقض ما أمره 23 فلينظر الإنسان إلى طعامه 24
أنا صببنا الماء صبا 25 ثم شققنا الأرض شقا 26 فأنبتنا
فيها حبا 27 وعنبا وقضبا 28 وزيتونا ونخلا 29 وحدائق
غلبا 30 وفاكهة وأبا 31 متعا لكم ولأنعامكم 32
الإماتة وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية، واللذات الخالصة، والأمر بالقبر تكرمة وصيانة
عن السباع.
* (كلا) *: ردع للإنسان عما هو عليه.
* (لما يقض ما أمره) *: لم يقض بعد من لدن آدم إلى هذه الغاية ما أمره الله بأسره، إذ
لا يخلو أحد من تقصير ما.
* (فلينظر الإنسان إلى طعامه) *: اتباع للنعم الذاتية بالنعم الخارجية.
* (أنا صببنا الماء صبا) *: وقرئ " أنا " بالفتح.
* (ثم شققنا الأرض شقا) *: أي بالنبات.
* (فأنبتنا فيها حبا * وعنبا وقضبا) *: يعني الرطبة، القمي: قال: القضب: ألقت (1) (2).
* (وزيتونا ونخلا * وحدائق غلبا) * (3): عظاما، وصف به الحدائق لتكاثفها،
وكثرة أشجارها.
* (وفاكهة وأبا) *: ومرعى، القمي: قال: الأب: الحشيش للبهائم (4).
* (متعا لكم ولأنعامكم) *: في إرشاد المفيد: روي أن أبا بكر سئل عن قول

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 406، س 7.
2 - ألقت: الرطب من علف الدواب ويابسه، وعن الأزهري ألقت: حب بري لا ينبته الآدمي. مجمع البحرين:
ج 2، ص 214، مادة " قتت ".
3 - الغلب: الغلاظ، يقال: شجرة غلبا أي غليظة. مجمع البحرين: ج 2، ص 134، مادة " غلب ". وما فسره
الماتن (قدس سره) بالعظام لا وجه له.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 406، س 8.
402

الله تعالى: " وفاكهة وأبا "، فلم يعرف معنى الأب من القرآن، وقال: أي سماء تظلني أم
أي أرض تقلني أم كيف أصنع إن قلت في كتاب الله بما لا أعلم، أما الفاكهة فنعرفها،
وأما الأب فالله أعلم به، فبلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) مقالته في ذلك، فقال: سبحان الله! أما علم
أن الأب هو الكلأ والمرعى، وأن قوله سبحانه: " وفاكهة وأبا " اعتداد من الله بإنعامه
على خلقه فيما غذاهم به، وخلقه لهم ولأنعامهم مما تحيى به أنفسهم، وتقوم به
أجسادهم (1).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) إنه قيل له: في قوله: " فلينظر الإنسان إلى طعامه " ما
طعامه؟ قال: علمه الذي يأخذه عمن يأخذه (2).
أقول: وذلك لأن الطعام يشمل طعام البدن وطعام الروح جميعا، كما أن الإنسان
يشمل البدن والروح معا، فكما أنه مأمور بأن ينظر إلى غذائه الجسماني ليعلم أنه نزل من
السماء من عند الله سبحانه بأن صب الماء صبا إلى آخر الآيات، فكذلك مأمور بأن ينظر
إلى غذائه الروحاني الذي هو العلم ليعلم أنه نزل من السماء من عند الله عز وجل، بأن
صب أمطار الوحي إلى أرض النبوة وشجرة الرسالة وينبوع الحكمة فأخرج منها حبوب
الحقائق وفواكه المعارف لتغتذي بها أرواح القابلين للتربية، فقوله (عليه السلام): " علمه الذي
يأخذه عمن يأخذه " أي ينبغي له أن يأخذ علمه من أهل بيت النبوة الذين هم مهابط
الوحي، وينابيع الحكمة، الآخذون علومهم من الله سبحانه حتى يصلح لأن يصير غذاء
لروحه دون غيرهم ممن لا رابطة بينه وبين الله من حيث الوحي والإلهام، فإن علومهم إما
حفظ أقاويل رجال ليس في أقوالهم حجة، وإما آلة جدال لا مدخل لها في المحجة، وليس
شئ منهما من الله عز وجل، بل من الشيطان فلا يصلح غذاء للروح والإيمان، ولما كان
تفسير الآية ظاهرا لم يتعرض له، وإنما تعرض لتأويلها، بل التحقيق أن كلا المعنيين مراد من
اللفظ بإطلاق واحد.

1 - الإرشاد للشيخ المفيد: ص 107.
2 - الكافي: ج 1، ص 49 - 50، ح 8، باب النوادر.
403

فإذا جاءت الصاخة 33 يوم يفر المرء من أخيه 34
وأمه وأبيه 35 وصحبته وبنيه 36 لكل امرئ منهم
يومئذ شأن يغنيه 37
* (فإذا جاءت الصاخة) * (1): أي النفخة، وصفت بها مجازا لأن الناس يضجون لها.
* (يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصحبته وبنيه) *: لاشتغاله
بشأنه وعلمه بأنهم لا ينفعونه، أو للحذر من مطالبتهم بما قصر في حقهم، وتأخير الأحب
فالأحب للمبالغة، كأنه قيل: يفر من أخيه، بل من أمه وأبيه، بل من صاحبته وبنيه.
في العيون: عن الرضا (عليه السلام) قال: قام رجل يسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن هذه الآية من
هم؟ قال: قابيل يفر من هابيل (عليه السلام)، والذي يفر من أمه موسى (عليه السلام)، والذي يفر من أبيه
إبراهيم (عليه السلام)، يعني الأب المربي لا الوالد، والذي يفر من صاحبته لوط، والذي يفر من ابنه
نوح (عليه السلام)، ويفر من ابنه كنعان (2).
وفي الخصال: عن الحسين بن علي (عليهما السلام) مثله بدون قوله: " يعني الأب المربي لا الوالد "
وقال: مصنفه: إنما يفر من أمه موسى خشية أن يكون قصر فيما وجب عليه من حقها، وإبراهيم
إنما يفر من الأب المربي المشرك لا من الأب الوالد وهو تارخ (3).
* (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) *: القمي: قال: شغل يشغله عن غيره (4).
وفي المجمع: عن سودة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبعث الناس حفاة

1 - الصاخة - بتشديد الخاء -: يعني القيامة، فإنها تصخ الأسماع أي تقرعها وتصمها. مجمع البحرين: ج 2،
ص 437، مادة " صخخ ".
2 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 245، س 14، ح 1، باب 24 - ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من خبر الشامي وما
سأل عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) في جامع الكوفة.
3 - الخصال: ص 318، ح 102، باب 5 - يفر يوم القيامة خمسة من خمسة.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 406، س 10.
404

وجوه يومئذ مسفرة 38 ضاحكة مستبشرة 39 ووجوه
يومئذ عليها غبرة 40 ترهقها قترة 41 أولئك هم
الكفرة الفجرة 42
عراة، عزلا (1) (2) يلجمهم العرق ويبلغ شحمة الآذان، قالت: قلت: يا رسول الله وا سوأتاه
ينظر بعضنا إلى بعض إذا جاء (3)، قال: شغل الناس عن ذلك، وتلا هذه الآية (4).
* (وجوه يومئذ مسفرة) *: مضيئة.
* (ضاحكة مستبشرة) *: بما ترى من النعيم.
* (ووجوه يومئذ عليها غبرة) *: غبار وكدورة.
* (ترهقها قترة) *: يغشاها سواد ظلمة.
* (أولئك هم الكفرة الفجرة) *: الذين جمعوا إلى الكفر والفجور فلذلك يجمع إلى
سواد وجوههم الغبرة.
في ثواب الأعمال (5)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ سورة " عبس وتولى " و " إذا
الشمس كورت " كانت تحت جناح الله من الجنان، وفي ظل الله وكرامته، وفي جنانه، ولا يعظم
ذلك على الله إن شاء الله تعالى (6).
* * *

1 - العزل: جمع أعزل، وهو الأغلف، والأعزل: الأجرد الذي لا شعر له، ومنه الحديث: " إذا كان يوم القيامة بعث
الله الناس من حفرهم عزلا " أي جردا لا شعر لهم. مجمع البحرين: ج 5، ص 423، مادة " عزل ".
2 - وفي نسخة: [غرلا]، وفي لسان العرب: ج 10، ص 58، غرل: جمع أغرل، والأغرل: الأقلف.
3 - هكذا في الأصل، والظاهر أن جملة " إذا جاء " زائدة ولا توجد في المصدر.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 440، س 29.
5 - ثواب الأعمال: ص 121، ح 1، باب ثواب قراءة سورة عبس وإذا الشمس كورت.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 435، في فضلها.
405

سورة التكوير
407

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا الشمس كورت 1 وإذا النجوم انكدرت 2 وإذا
الجبال سيرت 3 وإذا العشار عطلت 4 وإذا الوحوش
حشرت 5 وإذا البحار سجرت 6
سورة التكوير: مكية، وهي تسع وعشرون آية.
* (إذا الشمس كورت) * (1): لف ضوؤها فذهب انبساطه في الآفاق.
القمي: قال: تصير سوداء مظلمة (2).
* (وإذا النجوم انكدرت) *: قال: يذهب ضوؤها (3).
* (وإذا الجبال سيرت) *: قال: تسير، كما قال: " تحسبها جامدة وهي تمر مر
السحاب " (4) (5).
* (وإذا العشار) *: النوق اللاتي أتت على حملهن عشرة أشهر، جمع عشراء.
* (عطلت) *: القمي: قال: الإبل تتعطل إذا مات الخلق فلا يكون من يحلبها (6).
* (وإذا الوحوش حشرت) *: جمعت من كل جانب أو بعثت.
* (وإذا البحار سجرت) *: قال: تتحول البحار التي حول الدنيا كلها نيرانا (7)،

1 - يقال: كورت كما تكور العمامة، أي تلف ضوؤها فيذهب انتشاره. مجمع البحرين: ج 3، ص 477، مادة " كور ".
2 و 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 407، س 3 و 4.
4 - النمل: 88.
5 و 6 و 7 - تفسير القمي: ج 2، ص 407، س 5 و 6 و 7.
409

وإذا النفوس زوجت 7 وإذا الموؤدة سئلت 8 بأي
ذنب قتلت 9 وإذا الصحف نشرت 10
وقرئ " سجرت " بالتخفيف.
* (وإذا النفوس زوجت) *: قال: من الحور العين، وعن الباقر (عليه السلام): أما أهل الجنة
فزوجوا الخيرات الحسان، وأما أهل النار فمع كل إنسان منهم شيطان يعني قرنت نفوس
الكافرين والمنافقين بالشياطين فهم قرناؤهم (1).
* (وإذا الموؤدة سئلت * بأي ذنب قتلت) *: يعني أن المدفونة حية سئلت عن
سبب قتلها، تبكيتا لوائدها. القمي: قال: كانت العرب يقتلون البنات للغيرة، فإذا كان يوم
القيامة سئلت الموؤدة بأي ذنب قتلت (2).
وفي المجمع: عنهما (عليهما السلام) بفتح الميم والواو قال: والمراد بذلك الرحم والقرابة، وأنه سئل
قاطعها عن سبب قطعها (3). وعن الباقر (عليه السلام): يعني قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن قتل في جهاد (4).
وفي رواية أخرى قال: هو من قتل في مودتنا وولايتنا (5).
والقمي: عنه (عليه السلام) قال: من قتل في مودتنا (6).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: يقول: أسألكم عن المودة التي أنزلت
عليكم فضلها مودة ذي القربى بأي ذنب قتلتموهم (7). وفي المناقب: عن الباقر (عليه السلام) مثله (8).
* (وإذا الصحف نشرت) *: القمي: قال: صحف الأعمال (9)، وقرئ بالتشديد.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 407، س 8.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 407، س 13.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 442، في القراءة والحجة.
4 و 5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 442، في الحجة.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 407، س 16.
7 - الكافي: ج 1، ص 295، س 2، ح 3، باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين (عليه السلام).
8 - المناقب لابن شهرآشوب: ج 4، ص 84، س 10، فصل في مقتله (عليه السلام). بتفاوت يسير وإضافات.
9 - تفسير القمي: ج 2، ص 407 - 408.
410

وإذا السماء كشطت 11 وإذا الجحيم سعرت 12 وإذا
الجنة أزلفت 13 علمت نفس ما أحضرت 14 فلا
أقسم بالخنس 15 الجوار الكنس 16
* (وإذا السماء كشطت) *: قلعت وأزيلت، القمي: قال: أبطلت (1).
* (وإذا الجحيم سعرت) *: أوقدت إيقادا شديدا، وقرئ بالتشديد.
* (وإذا الجنة أزلفت) *: قربت من المؤمنين.
* (علمت نفس ما أحضرت) *: جواب إذا.
* (فلا أقسم بالخنس) *: القمي: قال: أي أقسم بالخنس، وهو اسم النجوم (2).
وفي المجمع: هي النجوم تخنس بالنهار، وتبدو بالليل (3). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): هي
خمسة أنجم: زحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد (4).
أقول: ولهذا وصفت بالجوار فإن هذه الخمسة هي السيارات الرواجع، وهو يؤيد ما
قيل: أن الخنس بمعنى الرواجع من خنس إذا تأخر (5).
* (الجوار) *: السيارات تجري في أفلاكها.
* (الكنس) *: قيل: المتواريات تحت ضوء الشمس (6).
والقمي: قال: النجوم تكنس بالنهار فلا تبين (7).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل عنها؟ فقال: إمام يخنس سنة ستين ومائتين، ثم
يظهر كالشهاب يتوقد في الليلة الظلماء، وإن أدركت زمانه قرت عينك (8).
وفي الإكمال: ما يقرب منه (9).

1 و 2 - تفسير القمي: ج 2، ص 408، س 1 و 7.
3 و 4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 446، س 1 و 3.
5 و 6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 543، س 5 و 6.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 408، س 7.
8 - الكافي: ج 1، ص 341، ح 23، باب في الغيبة.
9 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 330، ح 14، باب 32 - ما أخبر به أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) من
وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام).
411

والليل إذا عسعس 17 والصبح إذا تنفس 18 إنه لقول
رسول كريم 19 ذي قوة عند ذي العرش مكين 20
مطاع ثم أمين 21
* (والليل إذا عسعس) *: أقبل ظلامه أو أدبر، وهو من الأضداد.
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا أدبر بظلامه (1). والقمي: قال: إذا أظلم (2).
* (والصبح إذا تنفس) *: قال: إذا ارتفع (3).
قيل: عبر بالتنفس عن إقبال روح ونسيم (4).
* (إنه) *: أي القرآن.
* (لقول رسول كريم) *: يعني جبرئيل فإنه قاله عن الله.
* (ذي قوة عند ذي العرش مكين) *: عند الله ذي مكانة.
* (مطاع) *: في ملائكته.
* (ثم أمين) *: على الوحي، و " ثم " يحتمل اتصاله بما قبله وبما بعده.
في المجمع: في الحديث: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجبرئيل: ما أحسن ما أثنى عليك ربك!
" ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين " فما كانت قوتك؟ وما كانت أمانتك؟ فقال:
أما قوتي فإني بعثت إلى مدائن، لوط وهي أربع مدائن في كل مدينة أربع مائة ألف مقاتل سوى
الذراري، فحملتهم من الأرض السفلى، حتى سمع أهل السماوات أصوات الدجاج، ونباح
الكلاب، ثم هويت بهن فقلبتهن، وأما أمانتي فإني لم أؤمر بشئ فعدوته إلى غيره (5).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لجبرئيل لما نزلت: " وما أرسلناك إلا رحمة للعلمين " (6) هل

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 446، س 5.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 408، س 8.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 408، س 8.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 543، س 8.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 446، س 15.
6 - الأنبياء: 107.
412

وما صاحبكم بمجنون 22 ولقد رآه بالأفق المبين 23
وما هو على الغيب بضنين 24
أصابك من هذه الرحمة شئ؟ قال: نعم، إني كنت أخشى عاقبة الأمر فآمنت بك لما أثنى الله
علي بقوله: " ذي قوة عند ذي العرش مكين " (1).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) في قوله: " ذي قوة عند ذي العرش مكين " قال: يعني
جبرئيل قلت قوله: " مطاع ثم أمين " قال: يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو المطاع عند ربه الأمين يوم
القيامة (2).
* (وما صاحبكم بمجنون) *: قال: يعني النبي (صلى الله عليه وآله) في نصبه أمير المؤمنين (عليه السلام) علما
للناس (3).
أقول: هو رد لما بهته المنافقون.
* (ولقد رآه) *: قيل: ولقد رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) جبرئيل (عليه السلام) (4).
* (بالأفق المبين) *: بمطلع الشمس الأعلى. في الخصال: عن الصادق (عليه السلام) سئل ما
الأفق المبين؟ قال: قاع بين يدي العرش فيه أنهار تطرد (5) فيه من القدحان (6) عدد النجوم (7).
* (وما هو) *: قيل: وما محمد (صلى الله عليه وآله) (8).

1 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 67، س 21.
2 و 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 408، س 14 و 15.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 543، س 14.
5 - الأنهار تطرد - بالكسر والتشديد -: أي تجري. مجمع البحرين: ج 3، ص 92، مادة " طرد ".
6 - القدح - بالتحريك -: إناء واسع يسع - على ما قيل -: ما يروي رجلين وثلاثة، والجمع أقداح مثل سبب
وأسباب. مجمع البحرين: ج 2، ص 402، مادة " قدح ". وقال العلامة المجلسي في كتابه مرآة العقول: ج 2،
ص 425: والقدحان - بضم القاف وسكون الدال - جمع قدح بالتحريك وهو إناء يروي رجلين.
7 - الخصال: ص 582، ح 5، باب 70 - ثواب من استغفر الله عز وجل كل يوم من شعبان سبعين مرة. وانظر
معاني الأخبار: ص 229، باب معنى الأفق المبين، وثواب الأعمال: ص 165، باب ثواب من استغفر الله في كل
يوم من شعبان سبعين مرة.
8 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 543، س 15.
413

وما هو بقول شيطن رجيم 25 فأين تذهبون 26 إن
هو إلا ذكر للعلمين 27 لمن شاء منكم أن يستقيم 28
وما تشاء ون إلا أن يشاء الله رب العلمين 29
* (على الغيب) *: على ما يخبر من الوحي وغيره.
* (بضنين) *: بمتهم، من الظنة وهي التهمة، وقرئ بالضاد من الضن وهو البخل، أي لا
يبخل بالتبليغ والتعليم.
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: وما هو تبارك وتعالى على نبيه بغيبه بضنين عليه (1).
* (وما هو بقول شيطن رجيم) *: قال: يعني الكهنة الذين كانوا في قريش فنسب
كلامهم إلى كلام الشياطين الذين كانوا معهم يتكلمون على ألسنتهم، فقال: " وما هو بقول
شيطن رجيم " مثل أولئك (2).
* (فأين تذهبون) *: قال: أين تذهبون في علي (عليه السلام)؟ يعني ولايته أين تفرون منها؟ (3).
* (إن هو إلا ذكر للعلمين) *: قال: لمن أخذ الله ميثاقه على ولايته (4).
* (لمن شاء منكم أن يستقيم) *: قال: في طاعة علي (عليه السلام) والأئمة (عليهم السلام) من بعده (5).
* (وما تشاء ون إلا أن يشاء الله رب العلمين) *: قال: لأن المشيئة إليه تبارك
وتعالى لا إلى الناس (6).
وعن الكاظم (عليه السلام): إن الله عز وجل جعل قلوب الأئمة (عليهم السلام) موردا لإرادته فإذا شاء الله
شيئا شاؤوه، وهو قوله: " وما تشاء ون إلا أن يشاء الله رب العلمين " (7).
وثواب قراءة السورة قد سبق في سورة " عبس ".

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 408، س 16.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 408، س 17.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 408، س 20.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 408، س 21.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 408، س 22.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 409، س 1.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 409، س 3.
414

سورة الإنفطار
415

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا السماء انفطرت 1 وإذا الكواكب انتثرت 2 وإذا
البحار فجرت 3 وإذا القبور بعثرت 4 علمت نفس ما
قدمت وأخرت 5 يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم 6
سورة انفطرت: وتسمى سورة الإنفطار، مكية، عدد آيها تسع عشرة آية بلا خلاف.
* (إذا السماء انفطرت) *: انشقت.
* (وإذا الكواكب انتثرت) *: تساقطت متفرقة.
* (وإذا البحار فجرت) *: فتح بعضها إلى بعض، فصار الكل بحرا واحدا.
* (وإذا القبور بعثرت) *: قلب ترابها واخرج موتاها، قيل: إنه مركب من بعث وراء
الإثارة (1).
القمي: قال: تنشق الأرض، فيخرج الناس منها (2).
* (علمت نفس ما قدمت وأخرت) *: أي من خير وشر، وقيل: وما أخرت من
سنة حسنة استن بها بعده، أو سنة سيئة استن بها بعده، وهو جواب " إذا " (3).
* (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم) *: أي شئ خدعك وجرأك على

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 544، س 8.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 409، س 13.
3 - قاله عبد الله بن مسعود، كما جاء في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 499، س 7.
417

الذي خلقك فسواك فعدلك 7 في أي صورة ما شاء
ركبك 8 كلا بل تكذبون بالدين 9
عصيانه.
قيل: ذكر " الكريم " للمبالغة في المنع عن الاغترار، والإشعار بما به يغره الشيطان فإنه
يقول له: افعل ما شئت فإن ربك كريم لا يعذب أحدا (1).
وقيل: إنما قال سبحانه: " الكريم " دون سائر أسمائه وصفاته لأنه كأنه لقنه الجواب
حتى يقول: غرني كرم الكريم (2).
في المجمع: روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما تلا هذه الآية قال: غره جهله (3).
* (الذي خلقك فسواك) *: جعل أعضاءك سليمة مسواة معدة لمنافعها.
* (فعدلك) *: جعل بنيتك معتدلة متناسبة الأعضاء، وقرئ بالتخفيف أي عدل بعض
أعضائك ببعض حتى اعتدلت.
* (في أي صورة ما شاء ركبك) *: أي ركبك في أي صورة شاء و " ما " مزيدة.
في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) (4)، والقمي: قال: لو شاء ركبك على غير هذه الصورة (5).
* (كلا) *: ردع عن الاغترار بكرم الله.
* (بل تكذبون بالدين) *: إضراب إلى ما هو السبب الأصلي للإغترار، والدين:
الجزاء أو الإسلام. القمي: قال: برسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) (6).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 544، س 11.
2 - قاله أبو بكر الوراق، كما جاء في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 449، س 20.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 449، س 14.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 449، س 31.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 409، س 17.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 409، س 18.
418

وإن عليكم لحافظين 10 كراما كتبين 11 يعلمون ما
تفعلون 12
* (وإن عليكم لحافظين) *: قال: الملكان الموكلان بالإنسان (1).
* (كراما كتبين) *: يعلمون ما تفعلون، يبادرون بكتابة الحسنات لكم، ويتوانون
بكتابة السيئات عليكم لعلكم تتوبون وتستغفرون.
في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) قال: إن العبد إذا هم بالحسنة خرج نفسه طيب الريح، فقال
صاحب اليمين لصاحب الشمال: قف فإنه قد هم بالحسنة، فإذا هو عملها كان لسانه قلمه، وريقه
مداده فأثبتها له، وإذا هم بالسيئة، خرج نفسه منتن الريح، فيقول صاحب الشمال لصاحب
اليمين: قف فإنه قد هم بالسيئة، فإذا هو فعلها كان ريقه مداده، ولسانه قلمه (2) فأثبتها عليه (3).
قيل: إنما سموا كراما لأنهم إذا كتبوا حسنة يصعدون به إلى السماء، ويعرضون على الله
تعالى ويشهدون على ذلك فيقولون: إن عبدك فلان عمل حسنة كذا وكذا، وإذا كتبوا من العبد
سيئة يصعدون به إلى السماء مع الغم والحزن، فيقول الله تعالى: ما فعل عبدي؟ فيسكتون حتى
يسأل الله ثانيا وثالثا، فيقولون: إلهي أنت ستار وأمرت عبادك أن يستروا عيوبهم استر
عيوبهم، وأنت علام الغيوب، ولهذا يسمون كراما كاتبين (4).
* (يعلمون ما تفعلون) *: في الإحتجاج: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل ما علة الملكين
الموكلين بعباده يكتبون ما عليهم ولهم، والله عالم السر وما هو أخفى؟ قال: استعبدهم بذلك،
وجعلهم شهودا على خلقه ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة، وعن

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 409، س 18.
2 - أقول: قال الماتن (قدس سره) ذيل هذا الحديث في كتابه الوافي: ج 5، ص 1022، ح 3516 / 3: إنما جعل الريق
واللسان آلة لإثبات الحسنة والسيئة، لأن بناء الأعمال إنما هو على ما عقد في القلب من التكلم بها، وإليه الإشارة
بقوله سبحانه: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصلح يرفعه " فاطر: 10، وهذا الريق واللسان الظاهر صورة
لذلك المعنى كما قيل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
3 - الكافي: ج 2، ص 429، ح 3، باب من يهم بالحسنة أو السيئة. 4 - رياض السالكين: ج 2، ص 241 بتفاوت.
419

إن الأبرار لفي نعيم 13 وإن الفجار لفي جحيم 14
يصلونها يوم الدين 15 وما هم عنها بغائبين 16 وما
أدريك ما يوم الدين 17 ثم ما أدراك ما يوم الدين 18
يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله 19
معصيته أشد انقباضا، وكم من عبد يهم بمعصية فذكر مكانهم فارعوى (1) وكف، فيقول: ربي
يراني وحفظتي علي بذلك تشهد (2).
* (إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم) *: بيان لما يكتبون لأجله.
* (يصلونها) *: يقاسون حرها.
* (يوم الدين * وما هم عنها بغائبين) *: لخلودهم فيها، وقيل: معناه وما يغيبون
عنها قبل ذلك إذ كانوا يجدون سمومها في القبور (3).
* (وما أدريك ما يوم الدين * ثم ما أدريك ما يوم الدين) *: تعجيب
وتفخيم لشأن اليوم، أي كنه أمره بحيث لا يدركه دراية دار.
* (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله) *: وحده، تقرير لشدة هوله
وفخامة أمره. في المجمع: عن الباقر (عليه السلام) إذا كان يوم القيامة بادت الحكام فلم يبق حاكم إلا
الله (4). وقرئ " يوم " بالرفع. في ثواب الأعمال (5)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ هاتين
السورتين وجعلهما نصب عينيه في صلاة الفريضة والنافلة " " إذا السماء انفطرت " و " إذا
السماء انشقت " لم يحجبه الله من حاجة، ولم يحجزه من الله حاجز، ولم يزل ينظر إلى الله، وينظر
الله إليه حتى يفرغ من حساب الناس (6).

1 - ارعوى عن القبيح: ارتدع، ويرعوي عنه: يكف. مجمع البحرين: ج 1، ص 191، مادة " رعا ".
2 - الإحتجاج: ج 2، ص 95، س 10، احتجاج الصادق (عليه السلام) على الزنديق.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 545. 4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 450.
5 - ثواب الأعمال: ص 121، ح 1، باب ثواب قراءة سورة " إذا السماء انفطرت " و " إذا السماء انشقت ".
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 447، في فضلها.
420

سورة المطففين
421

بسم الله الرحمن الرحيم
ويل للمطففين 1 الذين إذا اكتالوا على الناس
يستوفون 2
سورة المطففين: وتسمى سورة التطفيف، مكية، وقيل: مدنية إلا ثماني آيات منها، وهي
" إن الذين أجرموا " (1) إلى آخر السورة، عدد آيها ست وثلاثون بالإجماع.
* (ويل للمطففين) *: أي للمبخسين، القمي: قال: الذين يبخسون المكيال
والميزان (2).
وعن الباقر (عليه السلام) قال: نزلت على نبي الله (صلى الله عليه وآله) حين قدم المدينة، وهم يومئذ أسوء الناس
كيلا، فأحسنوا بعد عمل الكيل، فأما " الويل ": فبلغنا والله أعلم أنها بئر في جهنم (3).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) وأنزل في الكيل: " ويل للمطففين " ولم يجعل الويل لأحد حتى
يسميه كافرا، قال الله تعالى: " فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم " (4) (5).
* (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون) *: أي إذا اكتالوا من الناس حقوقهم
يأخذونها وافية.

1 - المطففين: 29.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 410، س 7.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 410، س 8.
4 - مريم: 37.
5 - الكافي: ج 1، ص 32، س 2، ح 1، باب 1.
423

وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون 3 ألا يظن أولئك
أنهم مبعوثون 4 ليوم عظيم 5 يوم يقوم الناس لرب
العلمين 6 كلا إن كتب الفجار لفي سجين 7 وما
أدريك ما سجين 8 كتب مرقوم 9
* (وإذا كالوهم أو وزنوهم) *: أي إذا كالوا للناس أو وزنوا لهم.
* (يخسرون * ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون) *: أليس يوقنون أنهم
مبعوثون، كذا عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، رواه في الإحتجاج (1).
* (ليوم عظيم) *: عظمه لعظم ما يكون فيه.
* (يوم يقوم الناس لرب العلمين) *: لحكمه، في المجمع: جاء في الحديث: أنهم
يقومون في رشحهم (2) إلى أنصاف آذانهم (3).
وفي حديث آخر: يقومون حتى يبلغ الرشح إلى أطراف آذانهم (4).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: مثل الناس يوم القيامة إذا قاموا لرب العالمين مثل
السهم في القراب (5) ليس له من الأرض إلا موضع قدمه كالسهم في الكنانة (6) لا يقدر أن
يزول هاهنا ولا هاهنا (7).
* (كلا) *: ردع عن التطفيف، والغفلة عن البعث والحسان.
* (إن كتب الفجار لفي سجين * وما أدريك ما سجين * كتب

1 - الإحتجاج: ج 1، ص 372، س 22، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من
القرآن متشابهة تحتاج إلى التأويل.
2 - الرشح: العرق، وفي حديث القيامة: " حتى يبلغ الرشح آذانهم " أي العرق. مجمع البحرين: ج 2، ص 352،
مادة " رشح ". 3 و 4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 452، س 20 و 21.
5 - قراب السيف - بالكسر -: جفنه، وهو وعاء السيف. مجمع البحرين: ج 2، ص 143، مادة " قرب ".
6 - الكنانة - بالكسر -: هي التي يجعل فيها السهام من أدم. مجمع البحرين: ج 6، ص 302، مادة " كنن ".
7 - الكافي: ج 8، ص 143، ح 110، حديث محاسبة النفس.
424

ويل يومئذ للمكذبين 10 الذين يكذبون بيوم الدين
11 وما يكذب به إلا كل معتد أثيم 12 إذا تتلى عليه
آياتنا قال أساطير الأولين 13 كلا بل ران على قلوبهم
ما كانوا يكسبون 14
مرقوم) *: القمي: قال: ما كتب الله لهم من العذاب لفي سجين (1).
وعن الباقر (عليه السلام) السجين: الأرض السابعة، وعليون: السماء السابعة (2).
وفي المجمع: عنه (عليه السلام) قال: أما المؤمنون فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السماء فتفتح لهم
أبوابها، وأما الكافر: فيصعد بعمله وروحه حتى إذا بلغ إلى السماء نادى مناد اهبطوا به إلى
سجين، وهو واد بحضرموت، يقال له: برهوت (3).
في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) أنه سئل عن قوله تعالى: " إن كتب الفجار لفي سجين "
قال: هم الذين فجروا في حق الأئمة (عليهم السلام) واعتدوا عليهم (4).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: هو فلان وفلان (5).
* (ويل يومئذ للمكذبين * الذين يكذبون بيوم الدين) *: قال: الأول والثاني (6).
* (وما يكذب به إلا كل معتد أثيم * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير
الأولين) *: قال: وهو الأول والثاني، كانا يكذبان رسول الله (صلى الله عليه وآله) (7).
* (كلا) *: ردع عن هذا القول.
* (بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) *: في الكافي (8)، والعياشي: عن

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 410، س 17.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 410، س 19.
3 - مجمع البيان: ج 3 - 4، ص 418، س 29.
4 - الكافي: ج 1، ص 435، س 15، ذيل حديث 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 411، س 2.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 411، س 3.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 411، س 4.
8 - الكافي: ج 2، ص 273، ح 20، باب الذنوب.
425

كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون 15 ثم إنهم لصالوا
الجحيم 16 ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون 17 كلا
إن كتب الأبرار لفي عليين 18
الباقر (عليه السلام) قال: ما من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنبا خرج في تلك النكتة
نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي
البياض فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا، وهو قول الله عز وجل: " كلا بل ران
على قلوبهم ما كانوا يكسبون " (1).
* (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) *: في العيون (2)، والتوحيد: عن
الرضا (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية، فقال: إن الله تعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه
فيه عباده، ولكنه يعني أنهم عن ثواب ربهم لمحجوبون (3).
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ثوابه ودار كرامته (4).
* (ثم إنهم لصالوا الجحيم) *: يدخلون النار ويصلون بها.
* (ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون) *: في الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) قال: يعني
أمير المؤمنين (عليه السلام)، قيل: تنزيل؟ قال: نعم (5).
* (كلا إن كتب الأبرار لفي عليين) *: القمي: أي ما كتب لهم من الثواب (6).

1 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي، بل وجدناه في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 453، س 23، نعم عثرنا على ما
يقرب منه في تفسير العياشي: ج 1، ص 321، ح 110.
2 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 125، ح 19، باب 11 - ما جاء عن الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) من الأخبار في
التوحيد.
3 - التوحيد: ص 265، س 10، ح 5، باب 36 - الرد على الثنوية والزنادقة.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 454، س 3.
5 - الكافي: ج 1، ص 435، ذيل حديث 91، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 411، س 12.
426

وما أدريك ما عليون 19 كتب مرقوم 20 يشهده
المقربون 21
* (وما أدريك ما عليون * كتب مرقوم * يشهده المقربون) *: في
الكافي: عن الباقر (عليه السلام) قال: إن الله خلقنا من أعلى عليين، وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه،
وخلق أبدانهم من دون ذلك، وقلوبهم تهوى إلينا لأنها خلقت مما خلقنا، ثم تلا هذه الآية " كلا
إن كتب الأبرار لفي عليين * وما أدريك ما عليون * كتب مرقوم * يشهده المقربون "
وخلق عدونا من سجين، وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه، وأبدانهم من دون ذلك،
فقلوبهم تهوى إليهم لأنها خلقت مما خلقوا منه، ثم تلا هذه الآية " كلا إن كتب الفجار لفي
سجين * وما أدريك ما سجين * كتب مرقوم * ويل يومئذ للمكذبين " (1).
أقول: الأفاعيل المتكررة والإعتقادات الراسخة في النفوس بمنزلة النقوش الكتابية
في الألواح، فمن كانت معلوماته أمورا قدسية، وأخلاقه زكية، وأعماله صالحة، يأتي كتابه
بيمينه، أي من جانبه الأقوى الروحاني، وهو جهة عليين، وذلك لأن كتابه من جنس الألواح
العالية، والصحف المكرمة المرفوعة المطهرة (2) " بأيدي سفرة * كرام بررة " (3) " يشهده
المقربون " (4)، ومن كانت معلوماته مقصورة على الجرميات، وأخلاقه سيئة، وأعماله خبيثة
يأتي كتابه بشماله، أي من جانبه الأضعف الجسماني، وهو جهة سجين، وذلك لأن كتابه من
جنس الأوراق السفلية، والصحائف الحسية القابلة للإحتراق، فلا جرم يعذب بالنار، وإنما
عود الأرواح إلى ما خلقت منه كما قال الله سبحانه: " كما بدأكم تعودون " (5) فما خلق من عليين
فكتابه في عليين، وما خلق من سجين فكتابه في سجين.

1 - الكافي: ج 1، ص 390، ح 4، باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهم (عليهم السلام).
2 - اقتباس من قوله تعالى: " صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة "، عبس 13 - 14.
3 - عبس: 15 - 16.
4 - المطففين: 21.
5 - الأعراف: 92.
427

إن الأبرار لفي نعيم 22 على الأرائك ينظرون 23
تعرف في وجوههم نضرة النعيم 24 يسقون من رحيق
مختوم 25 ختمه مسك وفى ذلك فليتنافس المتنافسون
26 ومزاجه من تسنيم 27
* (إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون) *: على الأسرة في الحجال
ينظرون إلى ما يسرون به من النعيم.
* (تعرف في وجوههم نضرة النعيم) *: بهجة التنعم وبريقه، وقرئ " تعرف " على
بناء المفعول و " نضرة " بالرفع.
* (يسقون من رحيق) *: شراب خالص.
* (مختوم * ختمه مسك) *: قيل: أي مختوم أوانيه بالمسك مكان الطين، ولعله
تمثيل لنفاسته (1).
والقمي: قال: ماء إذا شربه المؤمن وجد رائحة المسك فيه (2).
أقول: لعله أراد به أنه يجدها في آخر شربه، وقرئ " خاتمه " بفتح التاء، أي ما يختم به.
* (وفى ذلك فليتنافس المتنافسون) *: فليرتغب المرتغبون.
* (ومزاجه من تسنيم) *: علم لعين بعينها سميت تسنيما لإرتفاع مكانها، أو رفعة
شرابها. قيل: هو مصدر سنمه إذا رفعه لأنه أرفع شراب أهل الجنة، أو لأنها تأتيهم من
فوق (3).
والقمي: قال: أشرف شراب أهل الجنة يأتيهم من عالي يسنم عليهم في منازلهم (4).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 547، س 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 411، س 16.
3 - قاله القمي في تفسيره: ج 2، ص 411، س 20.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 411، س 21. وفيه: " يأتيهم في عالي تسنيم ".
428

عينا يشرب بها المقربون 28 إن الذين أجرموا كانوا من
الذين آمنوا يضحكون 29 وإذا مر وأبهم يتغامزون 30
وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين 31
* (عينا يشرب بها المقربون) *: قال: وهم آل محمد صلوات الله عليهم، يقول الله:
" السابقون السابقون * أولئك المقربون " (1) رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وخديجة، وعلي بن أبي
طالب (عليه السلام)، وذرياتهم تلحق بهم، يقول الله: " ألحقنا بهم ذريتهم " (2)، والمقربون يشربون من
تسنيم صرفا، وسائر المؤمنين ممزوجا (3).
قيل: إنما يشربونها صرفا لأنهم لم يشتغلوا بغير الله (4).
* (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) *: يستهزؤن.
* (وإذا مروا بهم يتغامزون) *: يغمض بعضهم بعضا، ويشيرون بأعينهم.
* (وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين) *: متلذذين بالسخرية منهم. قال:
يسخرون (5). وقرئ " فكهين ".
القمي: " إن الذين أجرموا " الأول والثاني، ومن تابعهما، " يتغامزون " برسول الله (صلى الله عليه وآله)،
إلى آخر السورة (6).
وفي المجمع: قيل: نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وذلك إنه كان في نفر من المسلمين
جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا، ثم رجعوا إلى أصحابهم
فقالوا: رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه، فنزلت الآيات قبل أن يصل علي وأصحابه إلى

1 - الواقعة: 10 - 11.
2 - الطور: 21.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 411 - 412.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 547، س 7.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 412، س 6.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 411، س 9.
429

وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون 32 وما أرسلوا
عليهم حافظين 33 فاليوم الذين آمنوا من الكفار
يضحكون 34 على الأرائك ينظرون 35 هل ثوب
الكفار ما كانوا يفعلون 36
النبي (صلى الله عليه وآله) (1).
وعن ابن عباس: " إن الذين أجرموا ": منافقو قريش، و " الذين آمنوا ": علي بن أبي
طالب (عليه السلام) (2).
* (وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون) *: وإذا رأوا المؤمنين نسبوهم إلى الضلال.
* (وما أرسلوا عليهم) *: على المؤمنين.
* (حافظين) *: يحفظون عليهم أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم.
* (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون) *: حين يرونهم أذلاء مغلولين في
النار، وروي أنه يفتح لهم باب إلى الجنة فيقال لهم: اخرجوا إليها، فإذا وصلوا أغلق دونهم
فيضحك المؤمنون منهم (3).
* (على الأرائك ينظرون * هل ثوب الكفار) *: هل أثيبوا.
* (ما كانوا يفعلون) *: في ثواب الأعمال (4)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ في
الفريضة " ويل للمطففين " (5) أعطاه الله الأمن يوم القيامة من النار، ولا يراها ولا يمر على
جسر جهنم، ولا يحاسب يوم القيامة إن شاء الله تعالى (6).
* * *

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 457، س 2.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 457، س 5.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 457، س 13، وأنوار التنزيل: ج 2، ص 547، س 14.
4 - ثواب الأعمال: ص 122، ح 1، باب ثواب قراءة سورة المطففين.
5 - المطففين: 1.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 451، في فضلها.
430

سورة الإنشقاق
431

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا السماء انشقت 1 وأذنت لربها وحقت 2 وإذا
الأرض مدت 3
سورة الإنشقاق: وتسمى سورة انشقت، عدد آيها ثلاث وعشرون آية.
* (إذا السماء انشقت) *: قيل: بالغمام لقوله تعالى: " يوم تشقق السماء بالغمام " (1) (2).
وروي عن علي (عليه السلام): تنشق من المجرة (3). القمي: قال: يوم القيامة (4).
* (وأذنت لربها) *: واستمعت له، أي انقادت لتأثير قدرته حين أراد انشقاقها انقياد
المطواع الذي يأذن للأمير ويذعن له.
* (وحقت) *: وجعلت حقيقة بالإستماع والانقياد.
* (وإذا الأرض مدت) *: بسطت بأن تزال جبالها، وآكامها.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: تبدل الأرض غير الأرض، والسماوات فيبسطها ويمدها
مد الأديم العكاظي (5) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا (6).

1 - الفرقان: 25. 2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 548، س 3.
3 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 548، س 2.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 412، س 12.
5 - عكاظ: اسم سوق بناحية مكة، كانوا يجتمعون به في كل سنة فيقيمون شهرا يتبايعون به ويتناشدون
الأشعار ويتفاخرون، وكل متاع فاخر يباع في ذلك الشهر هناك وينقل إلى أطراف الأرض، وينسب إليه، فيقال:
أديم عكاظي، فلما جاء الإسلام هدم ذلك السوق. مجمع البحرين: ج 4، ص 287، مادة " عكظ ".
6 - مجمع البيان: ج 5 - 6، ص 324، س 24.
433

وألقت ما فيها وتخلت 4 وأذنت لربها وحقت 5 يا أيها
الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه 6 فأما من
أوتى كتبه بيمينه 7 فسوف يحاسب حسابا يسيرا 8
وينقلب إلى أهله مسرورا 9
* (وألقت ما فيها) *: ما في جوفها من الكنوز والأموات.
* (وتخلت) *: وتكلفت في الخلو أقصى جهدها حتى لم يبق شئ في باطنها.
القمي: قال: تمد الأرض فتنشق فيخرج الناس منها (1).
* (وأذنت لربها) *: في الإلقاء والتخلية.
* (وحقت) *: للإذن، وجواب " إذا " محذوف.
* (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) *: ساع إليه سعيا إلى لقاء
جزائه.
* (فأما من أوتى كتبه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا) *: سهلا لا
مناقشة فيه. في المعاني: عن الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل محاسب معذب، فقال له
قائل: يا رسول الله فأين قول الله عز وجل: " فسوف يحاسب حسابا يسيرا "؟ قال: ذلك
العرض يعني التصفح (2).
وفي الجوامع: روي أن الحساب اليسير: هو الإثابة على الحسنات، والتجاوز عن
السيئات، ومن نوقش في الحساب عذب (3).
* (وينقلب إلى أهله مسرورا) *: إلى عشيرته المؤمنين، والحور العين.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 412، س 14.
2 - معاني الأخبار: ص 262، ح 1، باب معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله): كل محاسب معذب.
3 - جوامع الجامع: ص 535، س 15، الطبعة الحجرية.
434

وأما من أوتى كتبه وراء ظهره 10 فسوف يدعوا ثبورا
11 ويصلى سعيرا 12 إنه كان في أهله مسرورا 13 إنه
ظن أن لن يحور 14 بلى إن ربه كان به بصيرا 15 فلا
أقسم بالشفق 16 والليل وما وسق 17 والقمر إذا
اتسق 18 لتركبن طبقا عن طبق 19
* (وأما من أوتى كتبه وراء ظهره) *: قيل: أي يؤتى كتابه بشماله من وراء
ظهره (1). وقيل: تغل يمناه إلى عنقه وتجعل يسراه وراء ظهره (2).
* (فسوف يدعوا ثبورا) *: يتمنى الثبور، ويقول: وا ثبوراه، وهو الهلاك.
والقمي: الثبور: الويل (3).
* (ويصلى سعيرا) *: وقرئ " يصلى " بالتشديد من التصلية.
* (إنه كان في أهله مسرورا) *: بطرا بالمال والجاه فارغا عن الآخرة.
* (إنه ظن أن لن يحور) *: لن يرجع بعدما يموت.
* (بلى) *: يرجع.
* (إن ربه كان به بصيرا) *: عالما بأعماله فلا يمهله (4)، بل يرجعه ويجازيه.
* (فلا أقسم بالشفق) *: القمي: الحمرة بعد غروب الشمس (5).
* (والليل وما وسق) *: وما جمعه وستره.
* (والقمر إذا اتسق) *: اجتمع وتم بدرا.
* (لتركبن طبقا عن طبق) *: حالا بعد حال مطابقة لأختها.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 548، س 13.
2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 548، س 13.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 412، س 20.
4 - وفي نسخة: [فلا يهمله]، وهذا هو الأصح.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 412 - 413.
435

فما لهم لا يؤمنون 20 وإذا قرئ عليهم القرآن لا
يسجدون 21
في الإكمال: عن الصادق (عليه السلام) أي " لتركبن طبقا عن طبق " أي سير من كان قبلكم (1).
وفي الجوامع: عنه (عليه السلام) لتركبن سنن من كان قبلكم من الأولين وأحوالهم (2).
وفي الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أي لتسلكن سبيل من كان قبلكم من الأمم في
الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء (3).
وفي الكافي (4)، والقمي: عن الباقر (عليه السلام) أولم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقا عن طبق في
أمر فلان وفلان وفلان (5).
والقمي: يقول: لتركبن سبيل من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، لا
تخطؤون طريقهم، ولا يخطئ شبر بشبر، وذراع بذراع، وباع بباع، حتى أن لو كان من قبلكم
دخل حجر ضب لدخلتموه، قالوا: اليهود والنصارى تعني يا رسول؟ قال: فمن أعني لينقض
عرى الإسلام عروة عروة، فيكون أول ما تنقضون من دينكم الأمانة (6) وآخره الصلاة (7).
وقرئ " لتركبن " بالفتح على خطاب الإنسان باعتبار اللفظ.
* (فما لهم لا يؤمنون * وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) *: لا يخضعون
أو لا يسجدون لتلاوته.

1 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 481 - 482، ح 6، باب 44 - علة الغيبة.
2 - جوامع الجامع: ص 535، س 27، الطبعة الحجرية.
3 - الإحتجاج: ج 1، ص 369، س 23، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من
القرآن متشابهة تحتاج إلى التأويل.
4 - الكافي: ج 1، ص 415، ح 17، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 413، س 9.
6 - وفي نسخة: [فيكون أول ما تنقضون من دينكم: الإمامة]، كما جاء في المصدر.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 413، س 3.
436

بل الذين كفروا يكذبون 22 والله أعلم بما يوعون 23
فبشرهم بعذاب أليم 24 إلا الذين آمنوا وعملوا
الصالحات لهم أجر غير ممنون 25
في الجوامع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قرأ ذات يوم " واسجد واقترب " (1) فسجد هو ومن معه
من المؤمنين، وقريش تصفق فوق رؤوسهم وتصفر، فنزلت (2).
* (بل الذين كفروا يكذبون * والله أعلم بما يوعون) *: بما يضمرون في
صدورهم من الكفر والعداوة.
* (فبشرهم بعذاب أليم) *: استهزاء بهم.
* (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) *: إستثناء منقطع أو متصل، والمراد من
تاب وآمن منهم.
* (لهم أجر غير ممنون) *: غير مقطوع، أو غير ممنون به عليهم.
وقد سبق ثواب قراءتها في سورة الإنفطار.
* * *

1 - العلق: 19.
2 - جوامع الجامع: ص 535، س 29، الطبعة الحجرية.
437

سورة البروج
439

بسم الله الرحمن الرحيم
والسماء ذات البروج 1 واليوم الموعود 2 وشاهد
ومشهود 3
سورة البروج: مكية، اثنتان وعشرون آية بالإجماع.
* (والسماء ذات البروج) *: يعني البروج الاثني عشر، وقد سبق بيانها في سورة
الحجر (1).
* (واليوم الموعود) *: القمي: أي يوم القيامة (2).
وفي المجمع: " اليوم الموعود " يوم القيامة في قول جميع المفسرين، وهو اليوم الذي
يجازى فيه الخلائق، ويفصل فيه القضاء (3).
* (وشاهد ومشهود) *: القمي: قال: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم القيامة (4).
وفي المعاني: عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن ذلك فقال: ما قيل لك؟ فقال السائل: قالوا:
الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة، فقال أبو جعفر (عليه السلام): ليس كما قيل لك، الشاهد: يوم
عرفة، والمشهود: يوم القيامة، أما تقرأ القرآن؟ قال الله عز وجل: " ذلك يوم مجموع له الناس
وذلك يوم مشهود " (5) (6).

1 - ذيل الآية 16، انظر ج 4، ص 265 - 266 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 413، س 17.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 466، س 20.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 413، س 18.
5 - هود: 103.
6 - معاني الأخبار: ص 299، ح 5، باب معنى الشاهد والمشهود ومعنى اليوم المجموع له الناس.
441

قتل أصحب الأخدود 4 النار ذات الوقود 5 إذ هم
عليها قعود 6 وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود 7
وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد 8
الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شئ
شهيد 9
وعن الصادق (عليه السلام): الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة، والموعود: يوم القيامة (1).
وفي المجمع: عن الحسن المجتبى (عليه السلام) إنه سئل عن ذلك، فقال: أما الشاهد: فمحمد، وأما المشهود:
فيوم القيامة، أما سمعت الله سبحانه يقول: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا
ونذيرا " (2)، وقال: " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " (3) (4).
وفي الكافي (5)، والمعاني: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن ذلك؟ قال: النبي (صلى الله عليه وآله)، وأمير
المؤمنين (عليه السلام) (6).
* (قتل أصحب الأخدود) *: أي الخد، وهو الشق في الأرض.
* (النار ذات الوقود * إذ هم عليها قعود) *: على جوانبها قاعدون.
* (وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود * وما نقموا) *: وما أنكروا.
* (منهم إلا أن يؤمنوا) *: إلا لأن يؤمنوا.
* (بالله العزيز الحميد * الذي له ملك السماوات والأرض والله على
كل شئ شهيد) *: في المجمع: عن العياشي، عن الباقر (عليه السلام) قال: أرسل علي (عليه السلام) إلى أسقف

1 - معاني الأخبار: ص 299، ح 3، باب معنى الشاهد والمشهود ومعنى اليوم المجموع له الناس.
2 - الأحزاب: 45.
3 - هود: 103.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 466 - 467.
5 - الكافي: ج 1، ص 425، ح 69، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
6 - معاني الأخبار: ص 299، ح 7، باب معنى الشاهد والمشهود ومعنى اليوم المجموع له الناس.
442

نجران يسأله عن أصحاب الأخدود فأخبره بشئ، فقال (عليه السلام): ليس كما ذكرت، ولكن
سأخبرك عنهم، إن الله بعث رجلا حبشيا نبيا، وهم حبشة، فكذبوه، فقاتلهم، فقتلوا أصحابه
وأسروه وأسروا أصحابه، ثم بنوا له حيرا (1)، ثم ملؤوه نارا ثم جمعوا الناس فقالوا: من كان
على ديننا وأمرنا فليعزل، ومن كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النار معه، فجعل أصحابه
يتهافتون في النار، فجاءت امرأة معها صبي لها ابن شهر، فلما هجمت على النار هابت ورقت
على ابنها فناداها الصبي لا تهابي وارمي بي وبنفسك في النار، فإن هذا والله في الله قليل، فرمت
بنفسها في النار وصبيها، وكان ممن تكلم في المهد (2). وفي المحاسن: عنه (عليه السلام) ما في معناه (3).
والقمي: قال: كان سببهم إن الذي هيج الحبشة على غزوة اليمن ذو نواس (4) وهو آخر
من ملك من حمير تهود، واجتمعت معه حمير على اليهودية، وسمى نفسه يوسف، وأقام على
ذلك حينا من الدهر، ثم أخبر أن بنجران بقايا قوم على دين النصرانية، وكانوا على دين
عيسى (عليه السلام) وعلى حكم الإنجيل، ورأس ذلك الدين عبد الله بن برياس، فحمله أهل دينه على
أن يسير إليهم، ويحملهم على اليهودية، ويدخلهم فيها، فسار حتى قدم نجران، فجمع من كان
بها على دين النصرانية، ثم عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها، فأبوا عليه فجادلهم
وعرض عليهم وحرض الحرض (5) كله، فأبوا عليه، وامتنعوا عن (6) اليهودية والدخول فيها،
واختاروا القتل فاتخذ لهم أخدودا، وجمع فيه من الحطب، وأشعل فيه النار، فمنهم من أحرق
بالنار، ومنهم من قتل بالسيف، ومثل بهم كل مثلة فبلغ عدد من قتل وأحرق بالنار عشرين
ألفا، وأفلت رجل منهم يدعى دوس ذو بغلتان على فرس له وركضه، واتبعوه حتى أعجزهم

1 - الحير - بالفتح - مخفف حائر، وهو الحظيرة، والموضع الذي يتحير فيه الماء، ومنه: " عمل لإبراهيم (عليه السلام) حيرا
وجمع فيه الحطب ". مجمع البحرين: ج 3، ص 281، مادة " حير ".
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 465 - 466.
3 - المحاسن: ج 1، ص 389، ح 866 / 268، باب 29 - اليقين والصبر في الدين، من كتاب مصابيح الظلم.
4 - قال في القاموس: النوس التذبذب، وذو نواس بالضم: زرعة بن حسان من أذواء اليمن لذؤابة كانت تنوس
على ظهره، كذا في القاموس. منه (قدس سره).
أقول: انظر القاموس المحيط: ج 2، ص 256، مادة " نوس ".
5 - حرض المؤمنين على القتال: أي حثهم، والتحريض على القتال والحث والإحماء عليه. مجمع البحرين: ج 4،
ص 199، مادة " حرض ".
6 - وفي نسخة: [من]، كما في المصدر.
443

في الرمل، ورجع ذو نواس إلى ضيعة من جنوده فقال الله: " قتل أصحب الأخدود " إلى قوله:
" العزيز الحميد " (1).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: كان ملك فيمن كان قبلكم له ساحر، فلما مرض
الساحر، قال: إني قد حضر أجلي فادفع إلي غلاما أعلمه السحر، فدفع إليه غلاما، وكان
يختلف إليه وبين الساحر والملك راهب، فمر الغلام بالراهب فأعجبه كلامه وأمره، فكان يطيل
عنده القعود، فإذا أبطأ على الساحر ضربه وإذا أبطأ عن أهله ضربوه، فشكا ذلك إلى الراهب
فقال: يا بني إذا استبطأك الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا استبطأك أهلك فقل: حبسني
الساحر، فبينما هو ذات يوم إذا بالناس قد غشيتهم دابة عظيمة، فقال: اليوم أعلم أمر الساحر
أفضل أم أمر الراهب، فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك فاقتل هذه
الدابة فرمى فقتلها، ومضى الناس فأخبر بذلك الراهب فقال: يا بني إنك ستبتلى، فإذا ابتليت
فلا تدل علي، قال: وجعل يداوي الناس فيبرأ الأكمه والأبرص، فبينما هو كذلك إذ عمى
جليس للملك، فأتاه وحمل إليه مالا كثيرا فقال: اشفني ولك ما هاهنا، فقال: أنا لا أشفي أحدا
ولكن الله يشفي، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك، قال: فآمن فدعا الله فشفاه، فذهب فجلس
إلى الملك، فقال: يا فلان من شفاك؟ فقال: ربي، قال: أنا، قال: لا ربي وربك الله، قال: أو أن لك
ربا غيري؟ قال: نعم، ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل به حتى دله على الغلام فبعث إلى الغلام
فقال: لقد بلغ من أمرك أن تشفي الأكمه والأبرص؟ قال: ما أشفي أحدا ولكن ربي يشفي، قال:
أو أن لك ربا غيري؟ قال: نعم ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل به حتى دله على الراهب فوضع
المنشار عليه فنشره حتى وقع شقاه، فقال للغلام: ارجع عن دينك، فأبى فأرسل معه نفرا
وقال: إصعدوا به جبلا كذا وكذا، فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه منه، قال: فعلوا به الجبل،
فقال: اللهم اكفينهم بما شئت، فرجف بهم الجبل، فتدهدهوا أجمعون، وجاء إلى الملك، فقال: ما
صنع أصحابك، فقال: كفانيهم الله، فأرسل به مرة أخرى، قال: انطلقوا به فلججوه (2) في البحر
فإن رجع وإلا فغرقوه فانطلقوا به في قرقور (3) فلما توسطوا به البحر قال: اللهم اكفينهم بما

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 413 - 414. 2 - التلجلج: التردد. مجمع البحرين: ج 2، ص 327، مادة " لجج ".
3 - القرقور - كعصفور -: السفينة الطويلة أو العظيمة. القاموس المحيط: ج 2، ص 116، مادة " القر ".
444

إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم
عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق 10 إن الذين آمنوا
وعملوا الصالحات لهم جنت تجرى من تحتها الأنهار
ذلك الفوز الكبير 11
شئت، فانكفأت بهم السفينة، وجاء حتى قام بين يدي الملك، فقال: ما صنع أصحابك؟ فقال:
كفانيهم الله، ثم قال: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، اجمع الناس ثم اصلبني على جذع
ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضعه على كبد القوس، ثم قل باسم رب الغلام فإنك ستقتلني، قال:
فجمع الناس وصلبه ثم أخذ سهما من كنانته فوضعه على كبد القوس، وقال: باسم رب الغلام،
فرمى فوقع في صدغه فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فقيل له: أرأيت ما كنت تخاف قد
نزل والله بك؟ آمن الناس، فأمر بالأخدود فخددت على أفواه السكك، ثم أضرمها نارا، فقال:
من رجع عن دينه فدعوه، ومن أبى فاقحموه فيها فجعلوا يقتحمونها، وجاءت امرأة بابن لها،
فقال لها: يا أمه اصبري فإنك على الحق، قال ابن المسيب: كنا عند عمر بن الخطاب إذ ورد
عليه أنهم احتفروا فوجدوا ذلك الغلام وهو واضع يده على صدغه، فكلما مدت يده عادت
إلى صدغه فكتب عمر واروه حيث وجدتموه (1).
* (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) *: بلوهم بالأذى.
* (ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم) *: بكفرهم.
* (ولهم عذاب الحريق) *: العذاب الزائد في الإحراق بفتنتهم. وقيل: المراد بالذين
فتنوا: أصحاب الأخدود، وبعذاب الحريق: ما روى أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم (2).
* (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنت تجرى من تحتها

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 464 - 465. في قصة أصحاب الأخدود.
2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 551، س 8.
445

إن بطش ربك لشديد 12 إنه هو يبدئ ويعيد 13 وهو
الغفور الودود 14 ذو العرش المجيد 15 فعال لما
يريد 16 هل أتاك حديث الجنود 17 فرعون وثمود 18
بل الذين كفروا في تكذيب 19 والله من ورائهم محيط
20 بل هو قرآن مجيد 21 في لوح محفوظ 22
الأنهار ذلك الفوز الكبير) *: إذ الدنيا وما فيها يصغر دونه.
* (إن بطش ربك لشديد) *: مضاعف عنفه، فإن البطش أخذ بعنف.
* (إنه هو يبدئ ويعيد) *: يبدأ الخلق ويعيده.
* (وهو الغفور الودود) *: لمن تاب وأطاع.
* (ذو العرش المجيد) *: العظيم في ذاته وصفاته.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) في قوله: " ذو العرش المجيد " قال: فهو الله الكريم المجيد (1).
* (فعال لما يريد) *: لا يمتنع عليه مراد.
* (هل أتاك حديث الجنود * فرعون وثمود) *: أريد بفرعون هو وقومه والمعنى
قد عرفت تكذيبهم للرسل وما حاق بهم، فتسل واصبر على تكذيب قومك، وحذرهم مثل
ما أصابهم.
* (بل الذين كفروا في تكذيب) *: لا يرعوون عنه.
* (والله من ورائهم محيط) *: لا يفوتونه.
* (بل هو قرآن مجيد) *: بل هذا الذي كذبوا به كتاب شريف وحيد في النظم
والمعنى.
* (في لوح محفوظ) *: من التحريف والتبديل، وقرئ " محفوظ " بالرفع.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 414، س 21.
446

القمي: قال: عن الصادق (عليه السلام) قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس وعنده جبرئيل (عليه السلام) إذ
حانت من جبرئيل نظرة قبل السماء. إلى أن قال: قال جبرئيل (عليه السلام): إن هذا إسرافيل
حاجب الرب وأقرب خلق الله منه، واللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء، فإذا تكلم الرب
تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه، ثم ألقاه إلينا نسعى به في السماوات
والأرض (1).
والقمي: قال: اللوح له طرفان، طرف على يمين العرش، وطرف على جبهة إسرافيل،
فإذا تكلم الرب جل ذكره بالوحي، ضرب اللوح جبين إسرافيل، فنظر في اللوح، فيوحى بما
في اللوح إلى جبرئيل (عليه السلام) (2).
في ثواب الأعمال (3)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ " والسماء ذات البروج " في
فرائضه فإنها سورة النبيين (عليهم السلام) كان محشره وموقفه مع النبيين والمرسلين والصالحين إن شاء
الله (4).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 27 - 28.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 414 - 415.
3 - ثواب الأعمال: ص 122، ح 1، باب ثواب قراءة سورة البروج.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 458، في فضلها.
447

سورة الطارق
449

بسم الله الرحمن الرحيم
والسماء والطارق 1 وما أدريك ما الطارق 2 النجم
الثاقب 3
سورة الطارق: مكية، عدد آيها ست عشر آية بلا خلاف.
* (والسماء والطارق) *: الكوكب الذي يبدو بالليل.
* (وما أدريك ما الطارق * النجم الثاقب) *: المضئ كأنه يثقب الأفلاك
بضوئه فينفذ فيها.
القمي: قال: " الطارق * النجم الثاقب " وهو نجم العذاب، ونجم القيامة، وهو زحل في
أعلى المنازل (1).
وفي الخصال: عن الصادق (عليه السلام) إنه قال لرجل من أهل اليمن: ما زحل عندكم في
النجوم؟ قال اليماني: نجم نحس، فقال (عليه السلام): لا تقولن هذا، فإنه نجم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو نجم
الأوصياء (عليهم السلام)، وهو " النجم الثاقب " الذي قال الله عز وجل في كتابه، فقال له اليماني: فما يعني
بالثاقب؟ قال: لأن مطلعه في السماء السابعة، وأنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا، فمن
ثم سماه الله عز وجل " النجم الثاقب " (2).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 415، س 6.
2 - الخصال: ص 489 - 490، ح 68، باب 12 - البروج إثنا عشر، والبر إثنا عشر، والبحور إثنا عشر،
والعوالم إثنا عشر.
451

إن كل نفس لما عليها حافظ 4 فلينظر الإنسان مم خلق 5
خلق من ماء دافق 6 يخرج من بين الصلب والترائب 7
إنه على رجعه لقادر 8 يوم تبلى السرائر 9
* (إن كل نفس لما عليها حافظ) *: جواب القسم أي إن الشأن كل نفس لعليها
حافظ رقيب ف‍ " إن " هي المخففة و " اللام " الفاصلة، و " ما " مزيدة، وقرئ " لما " بالتشديد على
أنها بمعنى إلا، و " إن " نافية.
القمي: " حافظ " قال: الملائكة (1).
* (فلينظر الإنسان مم خلق) *: ليعلم صحة إعادته فلا يملي على حافظه إلا ما
ينفعه في عاقبته.
* (خلق من ماء دافق) *: الدفق: صب فيه دفع. القمي: قال: النطفة التي تخرج
بقوة (2).
* (يخرج من بين الصلب والترائب) *: بين صلب الرجل، وترائب المرأة، وهي
عظام صدرها. القمي: الصلب: الرجل، والترائب: المرأة، وهي صدرها (3).
* (إنه) *: أي الخالق ويدل عليه خلق.
* (على رجعه لقادر) *: قال: كما خلقه من نطفة يقدر أن يرده إلى الدنيا وإلى
القيامة (4).
* (يوم تبلى السرائر) *: تختبر وتتعرف وتتميز بين ما طاب منها وما خبث.
القمي: قال: يكشف عنها (5).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه سئل ما هذه السرائر التي ابتلى الله بها العباد في الآخرة؟

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 415، س 8.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 415، س 14.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 415، س 15.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 415، س 15.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 415، س 16.
452

فماله من قوة ولا ناصر 10 والسماء ذات الرجع 11
والأرض ذات الصدع 12 إنه لقول فصل 13 وما هو
بالهزل 14
فقال: سرائركم: هي أعمالكم من الصلاة، والصيام، والزكاة، والوضوء، والغسل من الجنابة،
وكل مفروض، لأن الأعمال كلها سرائر خفية، فإن شاء الرجل قال: صليت ولم يصل، وإن شاء
قال: توضأت ولم يتوضأ، فذلك قوله: " يوم تبلى السرائر " (1).
* (فماله) *: فما للإنسان.
* (من قوة ولا ناصر) *: القمي: عن أبي بصير قال: ما له من قوة يقوى بها على
خالقه، ولا ناصر من الله ينصره إن أراد به سوءا (2).
* (والصماء ذات الرجع) *: قيل: ترجع في كل دورة إلى الموضع الذي تحركت
عنه (3). والقمي: قال: ذات المطر (4).
قيل: إنما سمي المطر رجعا وأوبا لأن الله يرجعه وقتا فوقتا (5).
* (والأرض ذات الصدع) *: قال: ذات النبات (6).
أقول: يعني تتصدع بالنبات وتنشق بالعيون.
* (إنه لقول فصل) *: في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) يعني إن القرآن يفصل بين الحق
والباطل بالبيان عن كل واحد منها (7).
* (وما هو بالهزل) *: فإنه جد كله.

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 472، س 1.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 416، س 6.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 553، س 1.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 416، س 1.
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 553، س 1.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 416، س 2.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 472، س 13.
453

إنهم يكيدون كيدا 15 وأكيد كيدا 16 فمهل الكافرين
أمهلهم رويدا 17
* (إنهم يكيدون كيدا) *: في إبطاله وإطفاء نوره.
* (وأكيد كيدا) *: وأقابلهم بكيدي في استدراجهم، وانتقامي منهم بحيث لا يحتسبون.
* (فمهل الكافرين) *: فلا تشتغل بالانتقام منهم، ولا تستعجل بإهلاكهم.
* (أمهلهم رويدا) *: إمهالا يسيرا. القمي: قال: دعهم قليلا (1).
في ثواب الأعمال (2)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من كان قراءته في فرائضه بالسماء
والطارق كانت له عند الله يوم القيامة جاه ومنزلة، وكان من رفقاء النبيين (عليهم السلام) وأصحابهم في
الجنة (3).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 416، س 4.
2 - ثواب الأعمال: ص 122، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الطارق.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 469 في فضلها.
454

سورة الأعلى
455

بسم الله الرحمن الرحيم
سبح اسم ربك الأعلى 1
سورة الأعلى: مكية، وقيل: مدنية، وهي تسع عشر آية بالإجماع.
* (سبح اسم ربك الأعلى) *: القمي: قال: قل سبحان ربي الأعلى (1).
وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا قرأت " سبح اسم ربك الأعلى " فقل: سبحان ربي
الأعلى، وإن كنت في الصلاة فقل فيما بينك وبين نفسك (2).
وعن ابن عباس: كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا قرأ سورة " سبح اسم ربك الأعلى " قال: سبحان
ربي الأعلى (3). وكذلك روي عن علي (عليه السلام) (4).
وفي التهذيب (5)، والعياشي: عن عقبة بن عامر الجهني قال: لما نزلت " فسبح باسم
ربك العظيم " (6) قال رسول الله: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت " سبح اسم ربك الأعلى "
قال: اجعلوها في سجودكم (7).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 416، س 14.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 474، س 20.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 473، س 1، في فضلها.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 473، س 2، في فضلها.
5 - تهذيب الأحكام: ج 2، ص 313، ح 1273 / 129، باب 15 - كيفية الصلاة وصفتها والمفروض من ذلك
والمسنون.
6 - الواقعة: 74.
7 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي، بل عثرنا عليه في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 473، في فضلها، نقلا عن
العياشي.
457

الذي خلق فسوى 2 والذي قدر فهدى 3 والذي
أخرج المرعى 4 فجعله غثاء أحوى 5 سنقرئك فلا
تنسى 6 إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى 7
قيل: وكانوا يقولون في الركوع: اللهم لك ركعت، وفي السجود: اللهم لك سجدت (1).
* (الذي خلق فسوى) *: خلق كل شئ فسوى خلقه بأن جعل له ما به يتأتى كماله
ويتم معاشه.
* (والذي قدر فهدى) *: القمي: قال: قدر الأشياء بالتقدير الأول، ثم هدى إليها من
يشاء (2). وقرئ قدر بالتخفيف. وفي المجمع: هو قراءة علي (عليه السلام) (3).
* (والذي أخرج المرعى) *: القمي: قال: أي النبات (4).
* (فجعله) *: بعد إخراجه.
* (غثاء أحوى) *: يابسا أسود، القمي: قال: يصير هشيما بعد بلوغه ويسود (5).
* (سنقرئك) *: قال: أي نعلمك (6).
* (فلا تنسى * إلا ما شاء الله) *: القمي: قال: ثم استثنى لأنه لا يؤمن عليه
النسيان، لأن الذي لا ينسى هو الله (7).
وفي المجمع: عن ابن عباس قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا نزل عليه جبرئيل بالوحي يقرأه
مخافة أن ينساه، فكان لا يفرغ جبرئيل من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله، فلما نزلت هذه
الآية لم ينس بعد ذلك شيئا (8).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 553، س 14.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 416، س 15.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 473، في فضلها.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 416، س 16.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 417، س 1.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 417، س 2.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 417، س 3.
8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 475، س 10.
458

ونيسرك لليسرى 8 فذكر إن نفعت الذكرى 9 سيذكر
من يخشى 10 ويتجنبها الأشقى 11 الذي يصلى النار
الكبرى 12 ثم لا يموت فيها ولا يحيى 13 قد أفلح من
تزكى 14 وذكر اسم ربه فصلى 15
* (إنه يعلم الجهر وما يخفى) *: ما ظهر من أحوالكم، وما بطن.
* (ونيسرك لليسرى) *: للطريقة اليسرى في حفظ الوحي.
* (فذكر إن نفعت الذكرى * سيذكر من يخشى) *: سيتعظ وينتفع بها من
يخشى الله.
* (ويتجنبها) *: ويتجنب الذكرى.
* (الأشقى * الذي يصلى النار الكبرى) *: القمي: قال: نار يوم القيامة (1).
* (ثم لا يموت فيها) *: فيستريح.
* (ولا يحيى) *: حياة تنفعه فيكون كما قال الله: " ويأتيه الموت من كل مكان وما هو
بميت " (2).
* (قد أفلح من تزكى) *: تطهر من الشرك والمعصية.
* (وذكر اسم ربه) *: بقلبه ولسانه.
* (فصلى) *: القمي: قال: " قد أفلح من تزكى " قال: زكاة الفطر إذا أخرجها قبل صلاة
العيد، " وذكر اسم ربه فصلى " قال: صلاة الفطر والأضحى (3).
وفي الفقيه: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن قول الله عز وجل: " قد أفلح من تزكى "؟

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 417، س 6.
2 - إبراهيم: 17.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 417، س 8.
459

بل تؤثرون الحياة الدنيا 16 والآخرة خير وأبقى 17
إن هذا لفي الصحف الأولى 18 صحف إبراهيم
وموسى 19
قال: من أخرج الفطرة، قيل: " وذكر اسم ربه فصلى " قال: خرج إلى الجبانة (1) فصلى (2).
في الكافي: عن الرضا (عليه السلام) قال لرجل ما معنى قوله تعالى: " وذكر اسم ربه فصلى "؟
قال: كلما ذكر اسم ربه قام فصلى، فقال: لقد كلف الله هذا شططا (3)، قال: فكيف هو؟ فقال: كلما
ذكر اسم ربه فصلى على محمد وآله (عليهم السلام) (4).
* (بل تؤثرون الحياة الدنيا) *: وقرئ بالياء.
* (والآخرة خير وأبقى) *: فإن نعيمها خالص عن الغوائل (5) لا انقطاع له.
* (إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبر هيم وموسى) *: إشارة إلى ما
سبق من قوله: " قد أفلح ".
في الخصال: عن أبي ذر أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كم أنزل الله من كتاب؟ قال: مائة
كتاب وأربعة كتب، أنزل الله على شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى
إبراهيم عشرين صحيفة، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، قال: قلت: يا رسول الله
فما كانت صحف إبراهيم (عليه السلام)؟ قال: كانت أمثالا كلها، وكان فيها: أيها الملك المبتلى المغرور إني
لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها

1 - الجبانة: الصحراء، وتسمى بها المقابر، لأنها تكون في الصحراء، تشبيه للشئ بموضعه. مجمع البحرين: ج 6،
ص 224، مادة " جبن ".
2 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 323، ح 1378 / 22، باب 79 - صلاة العيدين.
3 - الشطط: الجور، والظلم، والبعد عن الحق. مجمع البحرين: ج 4، ص 258، مادة " شطط ".
4 - الكافي: ج 2، ص 494 - 495، ح 18، باب الصلاة على النبي محمد وأهل بيته (عليهم السلام).
5 - الغوائل: جمع غائلة، وهي الحقد: مجمع البحرين: ج 5، ص 437، مادة " غول ".
460

وإن كانت من كافر، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجي
فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيما صنع الله عز وجل إليه، وساعة يخلو
فيها بحظ نفسه من الحلال (1)، فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات، واستجمام (2) للقلوب،
وتوديع (3) لها، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، فإن من
حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه، وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث: مرمة
لمعاش، أو تزود لمعاد، أو تلذذ في غير محرم، قال: قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟
قال: كانت عبرا كلها، وفيها: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟ ولمن أيقن بالنار كيف
يضحك؟ ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ ولمن يؤمن بالقدر كيف
ينصب (4)؟ ولمن أيقن بالحساب لم لا يعمل؟ قال: قلت: فهل في أيدينا مما أنزل الله عليك شئ
مما كان في صحف إبراهيم وموسى (عليهما السلام)؟ قال: يا أبا ذر إقرأ " قد أفلح من تزكى " إلى آخر
السورة (5).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إن الله عز وجل لم يعط الأنبياء شيئا إلا وقد أعطاه
محمدا (صلى الله عليه وآله)، قال: وقد أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله) جميع ما أعطى الأنبياء، وعندنا الصحف التي قال الله
عز وجل: " صحف إبراهيم وموسى " قيل: هي الألواح؟ قال: نعم (6).
في ثواب الأعمال (7)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ " سبح اسم ربك الأعلى " في
فريضة أو نافلة قيل له يوم القيامة: ادخل الجنة من أي أبواب الجنة شئت إن شاء الله (8).

1 - وساعة يخلو عطف على ثلاث ساعات، يعني ثلاث ساعات وساعة أخرى. منه (قدس سره).
أقول: لا وجه لهذا التوجيه أبدا، لأن في المصدر: " أن يكون له ساعات ".
2 - الجمام - بالفتح -: الراحة. مجمع البحرين: ج 6، ص 30، مادة " جمم ".
3 - هكذا في الأصل، وفي المصدر: " وتوزيع لها "، وفي معاني الأخبار: " وتفريغ لها "، انظر ص 334.
4 - النصب: التعب. مجمع البحرين: ج 2، ص 171، مادة " نصب ".
أقول: ورد في بعض نسخ معاني الأخبار المخطوطة: " ولمن يؤمن بالقدر كيف يغضب "، وهذا هو الصحيح.
5 - الخصال: ص 524 - 525، ح 13، باب 20 - الخصال التي سأل عنها أبو ذر (رحمه الله) رسول الله (صلى الله عليه وآله).
6 - الكافي: ج 1، ص 225، ح 5، باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم.
7 - ثواب الأعمال: ص 122، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الأعلى.
8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 473، في فضلها.
461

وعنه (عليه السلام): الواجب على كل مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة،
و " سبح اسم ربك الأعلى " (1).
* * *

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 283، في فضل قراءة سورة الجمعة.
462

سورة الغاشية
463

بسم الله الرحمن الرحيم
هل أتاك حديث الغشية 1 وجوه يومئذ خشعة 2
عاملة ناصبة 3 تصلى نارا حامية 4 تسقى من عين آنية 5
سورة الغاشية: مكية، عدد آيها ست وعشرون آية بلا خلاف.
* (هل أتاك حديث الغشية) *: الداهية التي تغشى الناس بشدائدها، يعني: يوم
القيامة.
* (وجوه يومئذ خشعة) *: ذليلة.
* (عاملة ناصبة) *: عملت ونصبت في أعمال لا تنفعها يومئذ.
* (تصلى نارا حامية) *: متناهية في الحر، وقرئ بضم التاء.
* (تسقى من عين آنية) *: بلغت أناها في الحر.
القمي: هم الذين خالفوا دين الله، وصلوا وصاموا ونصبوا لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو
قوله " عاملة ناصبة " عملوا ونصبوا، فلا يقبل منهم شئ من أفعالهم، و " تصلى " وجوههم
" نارا حامية " (1).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 418، س 5.
أقول: الظاهر إن قول الماتن (قدس سره): " القمي: هم الذين خالفوا " إلى قوله: " فلا يقبل منهم شئ من أفعالهم "
يكون تفسيرا لقوله تعالى: " عاملة ناصبة "، فعلى هذا ينبغي أن يذكر هذا التفسير في ذيلها، ولا مجال لذكره في
ذيل هذه الآية " تسقى من عين آنية ". نعم قد فسر القمي قوله تعالى: " تصلى " بقوله: وجوههم، وهكذا فسر
" نارا حامية * تسقى من عين آنية " بقوله: لها أنين من شدة حرها.
465

ليس لهم طعام إلا من ضريع 6 لا يسمن ولا يغنى من
جوع 7
* (ليس لهم طعام إلا من ضريع * لا يسمن ولا يغنى من جوع) *: قال:
قال: عرق أهل النار وما يخرج من فروج الزواني (1).
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) الضريع: شئ يكون في النار يشبه الشوك أمر من الصبر،
وأنتن من الجيفة، وأشد حرا من النار، سماه الله الضريع (2).
وفي رواية القمي عنه (صلى الله عليه وآله)، عن جبرئيل: لو أن قطرة من الضريع قطرت في شراب
أهل الدنيا لمات أهلها من نتنها (3).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: لا يبالي الناصب صلى أم زنى، وهذه الآية نزلت
فيهم " عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية " (4).
وعنه، عن أبيه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: كل ناصب وإن تعبد واجتهد فمنسوب إلى
هذه الآية: " عاملة ناصبة " (5). وفي المجالس (6)، والمجمع: عنه (عليه السلام) مثله (7).
وفي رواية القمي: كل من خالفكم وإن تعبد واجتهد، الحديث (8).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) في قوله تعالى: " هل أتاك حديث الغشية " قال: يغشاهم
القائم (عليه السلام) بالسيف، " خشعة " قال: لا تطيق الإمتناع، " عاملة " قال: عملت بغير ما أنزل الله

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 418، س 8.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، 479، ح 12.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 81، س 7.
4 - الكافي: ج 8، ص 160 - 161، ح 162.
أقول: ينبغي سرد هذه الرواية وما بعدها ذيل الآية: " عاملة ناصبة ".
5 - الكافي: ج 8، ص 212 - 213، ح 259.
6 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 500 - 501، ح 4، المجلس التسعون.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 479، س 6.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 419، س 9. وإليك بقية الحديث: " واجتهد فمنسوب إلى هذه الآية ".
466

وجوه يومئذ ناعمة 8 لسعيها راضية 9 في جنة عالية
10 لا تسمع فيها لغية 11 فيها عين جارية 12 فيها
سرر مرفوعة 13 وأكواب موضوعة 14 ونمارق
مصفوفة 15 وزرابي مبثوثة 16
" ناصبة " قال: نصبت غير ولاة أمر الله " تصلى نارا حامية " قال: تصلى نار الحرب في الدنيا
على أهل القائم (عليه السلام)، وفي الآخرة نار جهنم (1).
وفي رواية: " الغشية ": الذين يغشون الإمام (عليه السلام) " لا يسمن ولا يغنى من جوع " قال:
لا ينفعهم الدخول، ولا يغنيهم القعود (2).
* (وجوه يومئذ ناعمة) *: ذات بهجة، القمي: هم أتباع أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).
* (لسعيها راضية) *: قال: يرضى الله بما سعوا فيه (4).
* (في جنة عالية * لا تسمع فيها لغية) *: قال: الهزل والكذب (5). وقرئ على
بناء المفعول بالتاء وبالياء.
* (فيها عين جارية) *: لا ينقطع جريها.
* (فيها سرر مرفوعة) *: رفيعة السمك أو القدر.
* (وأكواب موضوعة) *: الكوب: إناء لا عروة له.
* (ونمارق مصفوفة) *: بعضها إلى بعض، القمي: البسط والوسائد (6).
* (وزرابي مبثوثة) *: قال: قال: كل شئ خلقه الله في الجنة له مثال في الدنيا إلا
الزرابي فإنه لا يدرى ما هي (7).

1 - الكافي: ج 8، ص 50، ح 13.
2 - الكافي: ج 8، ص 201 - 202، ح 201.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 418، س 9.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 418، س 10.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 418، س 11.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 418، س 15.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 418، س 16.
467

أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت 17 وإلى السماء
كيف رفعت 18 وإلى الجبال كيف نصبت 19 وإلى
الأرض كيف سطحت 20 فذكر إنما أنت مذكر 21
لست عليهم بمصيطر 22
وقيل: النمارق: المساند، والزرابي: البسط الفاخرة جمع زربية، مبثوثة: أي مبسوطة (1).
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لولا أن الله تعالى قدرها لهم لالتمعت أبصارهم بما
يرون (2).
* (أفلا ينظرون) *: نظر اعتبار.
* (إلى الإبل كيف خلقت) *: خلقا دالا على كمال قدرته، وحسن تدبيره حيث
خلقها لجر الأثقال إلى البلاد النائية، فجعلها عظيمة باركة للحمل، ناهضة بالحمل، منقادة لمن
اقتادها، طوال الأعناق، لتنوء بالأوقار، ترعى كل نابت، وتحتمل العطش (3) ليتأتى لها قطع
البراري والمفاوز، قال الله تعالى: " وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق
الأنفس " (4) مع ما لها من منافع اخر.
* (وإلى السماء كيف رفعت) *: بلا عمد.
* (وإلى الجبال كيف نصبت) *: راسخة لا تميل.
* (وإلى الأرض كيف سطحت) *: بسطت حتى صارت مهادا.
وفي المجمع: عن علي (عليه السلام) إنه قرأ بفتح أوائل هذه الحروف كلها، وضم التاء (5).
* (فذكر إنما أنت مذكر) *: فلا عليك إن لم ينظروا، ولم يذكروا، إذ ما عليك إلا البلاغ.
* (لست عليهم بمصيطر) *: بمتسلط، وقرئ بالسين.

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 555، س 15.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 480، س 4.
3 - هكذا في الأصل. والظاهر: " تتحمل العطش ".
4 - النحل: 7.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 477، في القراءة.
468

إلا من تولى وكفر 23 فيعذبه الله العذاب الأكبر 24 إن
إلينا إيابهم 25 ثم إن علينا حسابهم 26
القمي: قال: لست بحافظ ولا كاتب عليهم (1).
* (إلا من تولى وكفر) *: لكن من تولى وكفر.
* (فيعذبه الله العذاب الأكبر) *: الغليظ الشديد الدائم.
* (إن إلينا إيابهم) *: رجوعهم ومصيرهم بعد الموت.
* (ثم إن علينا حسابهم) *: جزاءهم على أعمالهم.
في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين لفصل
الخطاب دعي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودعي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فيكسى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلة خضراء
تضئ ما بين المشرق والمغرب، ويكسى علي (عليه السلام) مثلها، ويكسى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلة وردية
يضئ بها ما بين المشرق والمغرب، ويكسى علي (عليه السلام) مثلها، ثم يصعدان عندها، ثم يدعى بنا
فيدفع إلينا حساب الناس، فنحن والله ندخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار (2).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 419، س 2.
2 - الكافي: ج 8، ص 159، ح 154، حديث الناس يوم القيامة.
ومن هنا يلاحظ ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بأنه قسيم الجنة
والنار، على اختلاف التعابير مع مضمون واحد، منها قوله (صلى الله عليه وآله): علي قسيم الجنة والنار. بحار الأنوار: ج 38،
ص 95، ح 11. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): يا علي أنت قسيم الجنة والنار. بحار الأنوار: ج 37، ص 254، ح 1. ومنها
قوله (صلى الله عليه وآله): وذلك أن عليا (عليه السلام) يومئذ قسيم الجنة والنار.
بحار الأنوار ج 7، ص 326،. ومنها قوله (صلى الله عليه وآله) مخاطبا
لعلي (عليه السلام): فأنت قسيم الجنة وأنت قسيم النار. بحار الأنوار: ج 39، ص 199، ح 12.
وهكذا جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) روايات متعددة في حق نفسه بأنه قسيم الجنة والنار.
منها قوله (عليه السلام): إني قسيم الله بين الجنة والنار. بحار الأنوار: ج 26، ص 153، ح 42، وص 317، ح 85. ومنها
قوله (عليه السلام): أنا قسيم الجنة والنار. بحار الأنوار: ج 8، ص 336، ح 6، و ج 25، ص 354. ومنها قوله (عليه السلام): وأنا
قسيم الله بين الجنة والنار. بحار الأنوار: ج 25، ص 352، ح 1، و ج 39، ص 198، ح 11، وغير ذلك من
الروايات التي لا يسعنا درجها في هذا المقام.
469

وعن الكاظم (عليه السلام): إلينا إياب هذا الخلق، وعلينا حسابهم، فما كان لهم من ذنب بينهم
وبين الله عز وجل حتمنا على الله في تركه لنا، فأجابنا إلى ذلك، وما كان بينهم وبين الناس
استوهبناه منهم وأجابوا إلى ذلك، وعوضهم الله عز وجل (1).
وفي الأمالي: عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة وكلنا الله بحساب شيعتنا، فما
كان لله سألنا الله أن يهبه لنا فهو لهم، وما كان لنا فهو لهم (2).
في ثواب الأعمال (3)، والمجمع: عنه (عليه السلام) من أدمن قراءة " هل أتاك حديث الغشية " في
فريضة أو نافلة غشاه الله برحمته في الدنيا والآخرة، وأتاه الأمن يوم القيامة من عذاب النار إن
شاء الله تعالى (4).
* * *

1 - الكافي: ج 8، ص 162، ح 167.
2 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 406، ح 911 / 59، المجلس الرابع عشر.
3 - ثواب الأعمال: ص 122، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الغاشية.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 477، في فضلها.
470

سورة الفجر
471

بسم الله الرحمن الرحيم
والفجر 1 وليال عشر 2 والشفع والوتر 3 والليل
إذا يسر 4
سورة الفجر: مكية، وهي اثنتان وثلاثون آية كوفي شامي، تسع وعشرين بصري.
* (والفجر * وليال عشر) *: أقسم الله بانفجار الصبح.
القمي: قال: ليس فيها واو وإنما هو: الفجر وليال عشر، قال: عشر ذي الحجة (1).
* (والشفع والوتر) *: وقرئ بالفتح، قيل: أي الأشياء كلها شفعها ووترها (2).
والقمي: قال: " الشفع ": ركعتان، و " الوتر ": ركعة، قال: وفي حديث آخر قال:
" الشفع ": الحسن والحسين (عليهما السلام)، و " الوتر ": أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).
وفي المجمع: عن الباقر والصادق (عليهما السلام) " الشفع ": يوم التروية، و " الوتر " يوم عرفة (4).
* (والليل إذا يسر) *: قيل: إذا يمضي، كقوله: " والليل إذا أدبر " (5) (6).
القمي: قال: هي ليلة جمع (7) (8).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 419، س 13.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 556، س 17.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 419، س 14.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 485، س 11.
5 - المدثر: 33. 6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 556، س 21.
7 - جمع: وهي ليلة المزدلفة التي تجمع فيها صلاة المغرب والعشاء.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 419، س 17.
473

هل في ذلك قسم لذي حجر 5 ألم تر كيف فعل ربك بعاد 6
إرم ذات العماد 7 التي لم يخلق مثلها في البلد 8 وثمود
الذين جابوا الصخر بالواد 9 وفرعون ذي الأوتاد 10
الذين طغوا في البلد 11 فأكثروا فيها الفساد 12
* (هل في ذلك قسم لذي حجر) *: يعتبره، القمي: عن الباقر (عليه السلام) يقول: لذي
عقل (1). والمقسم عليه محذوف، أي ليعذبن كما يدل عليه ما بعده.
* (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) *: يعني أولاد عاد بن عوص بن ارم بن سام بن
نوح (عليه السلام)، قوم هود سموا باسم أبيهم كذا قيل (2).
* (إرم) *: عطف بيان لعاد، على تقدير مضاف، أي سبط إرم أو أهل إرم.
* (ذات العماد) *: ذات البناء الرفيع، أو القدود الطوال.
* (التي لم يخلق مثلها في البلد) *: قيل: كان لعاد ابنان: شداد، وشديد، فملكا
وقهرا، ثم مات شديد فخلص الأمر لشداد، وملك المعمورة، ودانت له ملوكها، فسمع بذكر
الجنة فبنى على مثالها في بعض صحارى عدن جنة وسماه إرم، فلما تم سار إليها بأهله فلما كان
منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا (3).
* (وثمود الذين جابوا الصخر) *: قطعوه، واتخذوه منازل، لقوله: " وتنحتون من
الجبال بيوتا " (4).
* (بالواد) *: وادي القرى.
* (وفرعون ذي الأوتاد) *: مضى الوجه في تسميته بذي الأوتاد في سورة ص (5).
* (الذين طغوا في البلد * فأكثروا فيها الفساد) *: بالكفر والظلم.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 419، س 16.
2 و 3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 557، س 6 و 9.
4 - الشعراء: 149. 5 - ذيل الآية: 12، انظر ج 6، ص 220 من كتابنا تفسير الصافي.
474

فصب عليهم ربك سوط عذاب 13 إن ربك لبالمرصاد
14 فأما الإنسان إذا ما ابتله ربه فأكرمه ونعمه فيقول
ربى أكرمن 15 وأما إذا ما ابتله فقدر عليه رزقه
فيقول ربى أهانن 16 كلا بل لا تكرمون اليتيم 17 ولا
تحضون على طعام المسكين 18
* (فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد) *: المكان الذي
يترقب فيه الرصد. في المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) معناه إن ربك قادر على أن يجزي أهل
المعاصي جزاءهم (1). وعن الصادق (عليه السلام) قال: المرصاد: قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد
بمظلمة عبد (2). ويأتي حديث آخر فيه (3).
* (فأما الإنسان إذا ما ابتله ربه) *: اختبره بالغنى واليسر.
* (فأكرمه ونعمه) *: بالجاه والمال.
* (فيقول ربى أكرمن * وأما إذا ما ابتله) *: اختبره بالفقر والتقتير.
* (فقدر عليه رزقه) *: فضيق عليه وقتر.
* (فيقول ربى أهانن) *: لقصور نظره، وسوء فكره، فإن التقتير قد يؤدي إلى كرامة
الدارين، والتوسعة قد تفضي إلى قصد الأعداء والإنهماك في حب الدنيا، ولذلك ذمه على قوليه
وردعه، وقرئ " أكرمن وأهانن " بغير ياء وبالتشديد في " قدر ".
* (كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحضون على طعام المسكين) *: أي بل
فعلهم أسوء من قولهم، وأدل على تهالكهم بالمال، وهو أنهم لا يكرمون اليتيم بالتفقد (4)
والمبرة، وإغنائهم من (5) ذل السؤال، ولا يحثون أهلهم على طعام المسكين، فضلا عن غيرهم.

1 و 2 و 3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 487.
4 - هكذا في الأصل، والظاهر هنا تصحيف، والصحيح: " لا يكرمون اليتيم بالنفقة والمبرة ".
5 - وفي نسخة: [عن].
475

وتأكلون التراث أكلا لما 19 وتحبون المال حبا جما 20
كلا إذا دكت الأرض دكا دكا 21 وجاء ربك والملك صفا
صفا 22 وجيئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان
وأنى له الذكرى 23
* (وتأكلون التراث) *: الميراث.
* (أكلا لما) *: ذا لم، أي جمع بين الحلال والحرام، فإنهم كانوا لا يورثون النساء
والصبيان، ويأكلون أنصباءهم، أو يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام عالمين بذلك.
* (وتحبون المال حبا جما) *: كثيرا مع حرص وشهوة، وقرئ بالياء فيها.
* (كلا) *: ردع لهم عن ذلك، وما بعده وعيد عليه.
* (إذا دكت الأرض دكا دكا) *: دكا بعد دك حتى صارت منخفضة الجبال والتلال،
أو هباءا منبثا. القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: هي الزلزلة (1).
* (وجاء ربك) *: أي أمر ربك، كذا في التوحيد (2). والعيون: عن الرضا (عليه السلام): أي ظهرت
آيات قدرته، وآثار قهره، مثل ذلك بما يظهر عند حضور السلطان من آثار هيبته وسياسته (3).
* (والملك صفا صفا) *: بحسب منازلهم ومراتبهم.
* (وجيئ يومئذ بجهنم) *: كقوله: " وبرزت الجحيم " (4).
القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: لما نزلت هذه الآية " وجيئ يومئذ بجهنم " سئل عن ذلك
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أخبرني الروح الأمين أن الله لا إله غيره إذا أبرز الخلائق، وجمع الأولين
والآخرين، اتي بجهنم، تقاد بألف زمام، أخذ بكل زمام مائة ألف تقودها من الغلاظ

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 420، س 11.
2 - التوحيد: ص 266، ح 5، باب 36 - الرد على الثنوية والزنادقة.
3 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 125 - 126، ح 19، باب 11 - ما جاء عن الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) من
الأخبار في التوحيد.
4 - الشعراء: 91، والنازعات: 36.
476

يقول يا ليتني قدمت لحياتي 24 فيومئذ لا يعذب عذابه
أحد 25 ولا يوثق وثاقه أحد 26
الشداد (1)، لها هدة، وغضب، وزفير، وشهيق، وأنه لتزفر الزفرة فلولا أن الله أخرهم للحساب
لأهلكت الجميع، ثم يخرج منها عنق فيحيط بالخلائق البر منهم والفاجر، ما خلق الله عبدا من
عباد الله ملكا ولا نبيا إلا ينادي رب نفسي نفسي، وأنت يا نبي الله تنادي أمتي أمتي، ثم يوضع
عليها الصراط أدق من الشعر، وأحد من حد السيف، عليها ثلاثة قناطر، فأما واحدة: فعليها
الأمانة والرحم، والثانية: فعليها الصلاة، والثالثة: فعليها رب العالمين لا إله غيره، فيكلفون
الممر عليها فيحبسهم الرحم والأمانة، فإن نجوا منها حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان
المنتهى إلى رب العالمين، وهو قوله: " إن ربك لبالمرصاد " (2)، والناس على الصراط، فمتعلق بيد
وتزل قدم ويستمسك بقدم، والملائكة حولها ينادون: يا حليم اعف، واصفح، وعد بفضلك،
وسلم سلم، والناس يتهافتون في النار كالفراش فيها، فإذا نجا ناج برحمة الله مر بها، فقال:
الحمد لله، وبنعمته تتم الصالحات وتزكوا الحسنات، والحمد لله الذي نجاني منك بعد إياس بمنه
وفضله إن ربنا لغفور شكور (3). وفي الكافي ما في معناه (4).
* (يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى) *: أي منفعة الذكرى.
* (يقول يا ليتني قدمت لحياتي) *: أي لحياتي هذه، أو وقت حياتي في الدنيا أعمالا
صالحة.
* (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) *: أي مثل عذابه.
* (ولا يوثق وثاقه أحد) *: أي مثل وثاقه لتناهيه في كفره وعناده.
القمي: قال: هو الثاني (5). وقرئ على بناء المفعول فيهما.

1 - هكذا في الأصل. وفي المصدر: " اتى بجهنم تقاد بألف زمام مع كل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد ".
وهذا هو الصحيح.
2 - الفجر: 14.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 421، س 2.
4 - الكافي: ج 8، ص 312 - 313، ح 486.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 421، س 18. وفيه: " قال: هو فلان ".
477

يا أيتها النفس المطمئنة 27 ارجعي إلى ربك راضية
مرضية 28 فادخلي في عبدي 29 وادخلي جنتي 30
وفي المجمع، رواها عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1)، وهي أحسن: لما في توجيه الأولى من التكلف بتقدير
" إلا الله " أو غير ذلك.
* (يا أيتها النفس المطمئنة) *: على إرادة القول، وهي التي اطمأنت إلى الحق.
* (ارجعي إلى ربك) *: كما بدأت منه.
* (راضية مرضية * فادخلي في عبدي * وادخلي جنتي) *: في الكافي: عن
الصادق (عليه السلام) إنه سئل هل يكره المؤمن على قبض روحه؟ قال: لا والله، إنه إذا أتاه ملك الموت
ليقبض روحه جزع عند ذلك، فيقول له ملك الموت: يا ولي الله لا تجزع فوالذي بعث
محمدا (صلى الله عليه وآله) لأنا أبر بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينيك فانظر، قال:
ويمثل له رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين، والأئمة من
ذريتهم (عليهم السلام)، فيقال له: هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين،
والأئمة (عليهم السلام) رفقاؤك، فيفتح عينيه فينظر فينادي روحه مناد من قبل رب العزة فيقول:
" يا أيتها النفس المطمئنة " إلى محمد وأهل بيته (عليهم السلام)، " ارجعي إلى ربك راضية " بالولاية
" مرضية " بالثواب " فادخلي في عبدي " يعني محمدا (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، " وادخلي جنتي "
فما من شئ أحب إليه من استلال (2) روحه، واللحوق بالمنادي (3). والقمي: قال ما في
معناه مختصرا (4). وعنه (عليه السلام) في هذه الآية: يعني الحسين بن علي (عليهما السلام) (5). في ثواب الأعمال (6)،
والمجمع: عنه (عليه السلام) اقرؤوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم فإنها سورة الحسين بن علي
عليهما الصلاة والسلام، من قرأها كان مع الحسين (عليه السلام) يوم القيامة في درجته من الجنة (7).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 489. 2 - السل: انتزاعك الشئ وإخراجه برفق. مجمع البحرين: ج 5،
ص 398، مادة " سلل ". 3 - الكافي: ج 3، ص 127 - 128، ح 2، باب أن المؤمن لا يكره على قبض روحه.
4 و 5 - تفسير القمي: ج 2، ص 422. 6 - ثواب الأعمال: ص 123، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الفجر.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 481، في فضلها.
478

سورة البلد
479

بسم الله الرحمن الرحيم
لا أقسم بهذا البلد 1 وأنت حل بهذا البلد 2 ووالد
وما ولد 3
سورة البلد: مكية، وهي عشرون آية بلا خلاف.
* (لا أقسم بهذا البلد * وأنت حل بهذا البلد) *: قيل: أي أقسم بهذا البلد
الحرام يعني مكة لشرف من حل به، وهو النبي (صلى الله عليه وآله) (1).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) قال: كانت قريش تعظم البلد، وتستحل محمدا (صلى الله عليه وآله) فيه،
فقال الله: " لا أقسم بهذا البلد * وأنت حل بهذا البلد "، يريد أنهم استحلوك فيه، فكذبوك
وشتموك، وكان لا يأخذ الرجل منهم فيه قاتل أبيه ويتقلدون لحاء شجرة الحرم فيأمنون
بتقليدهم إياه، فاستحلوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لم يستحلوا من غيره، فعاب الله ذلك عليهم (2).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) ما يقرب منه (3).
والقمي: " البلد " مكة، " وأنت حل بهذا البلد " قال: كانت قريش لا يستحلون أن
يظلموا أحدا في هذا البلد، ويستحلون ظلمك فيه (4).
* (ووالد وما ولد) *: وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) يعني آدم (عليه السلام) وما ولد من الأنبياء

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 492 - 493، نقلا بالمعنى. 2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 493.
3 - الكافي: ج 7، ص 450، ح 4، باب أنه لا يجوز أن يحلف الإنسان.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 422، س 11.
481

لقد خلقنا الإنسان في كبد 4 أيحسب أن لن يقدر عليه
أحد 5 يقول أهلكت مالا لبدا 6
والأوصياء (عليهم السلام) وأتباعهم (1). والقمي: مثله (2).
وفي الكافي مرفوعا، قال أمير المؤمنين: وما ولد من الأئمة (عليهم السلام) (3).
* (لقد خلقنا الإنسان في كبد) *: قيل: أي في تعب ومشقة، فإنه يكابد مصائب
الدنيا وشدائد الآخرة (4). والقمي: أي منتصبا (5).
وفي العلل: عن الصادق (عليه السلام) أنه قيل له: إنا نرى الدواب في بطون أيديها الرقعتين مثل
الكي فمن أي شئ ذلك؟ فقال: ذلك موضع منخريه في بطن أمه، وابن آدم منتصب في بطن أمه
وذلك قول الله تعالى: " لقد خلقنا الإنسان في كبد " وما سوى ابن آدم فرأسه في دبره ويداه بين
يديه (6).
* (أيحسب أن لن يقدر عليه أحد) *: فينتقم منه.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: يعني يقتل في قتلة ابنة النبي (صلى الله عليه وآله) (7).
أقول: لعله أريد به الثالث.
* (يقول أهلكت مالا لبدا) *: كثيرا من تلبد الشئ إذا اجتمع.
القمي: لبد أي مجتمعا (8).
وفي الحديث السابق قال: يعني الذي جهز به النبي (صلى الله عليه وآله) في جيش العسرة (9).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 493، س 14.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 422، س 13.
3 - الكافي: ج 1، ص 414، ح 11، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 559، س 17.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 422، س 14.
6 - علل الشرائع: ص 495، ح 1، باب 247 - علة الكي على أيدي الدواب ونتاج البغل.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 423، س 6.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 422، س 15.
9 - تفسير القمي: ج 2، ص 423، س 7.
482

أيحسب أن لم يره أحد 7 ألم نجعل له عينين 8 ولسانا
وشفتين 9 وهديناه النجدين 10 فلا اقتحم العقبة 11
وعنه (عليه السلام) قال: هو عمرو بن عبد ود، حين عرض عليه علي بن أبي طالب (عليه السلام) الإسلام
يوم الخندق، وقال: فأين ما أنفقت فيكم مالا لبدا؟ وكان أنفق مالا في الصد عن سبيل الله،
فقتله علي (عليه السلام) (1).
* (أيحسب أن لم يره أحد) *: القمي: قال: في فساد كان في نفسه (2).
* (ألم نجعل له عينين) *: يبصر بهما.
* (ولسانا) *: يترجم به عن ضمائره.
* (وشفتين) *: يستر بهما فاه، ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب وغيرها.
* (وهديناه النجدين) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: نجد الخير والشر (3).
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) سبيل الخير، وسبيل الشر (4).
وعنه (عليه السلام) إنه قيل له: إن أناسا يقولون في قوله: " وهديناه النجدين " أنهما الثديان؟
فقال: لا، هما الخير والشر (5).
* (فلا اقتحم العقبة) *: أي فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة وهو الدخول في
أمر شديد.
قيل: العقبة: الطريق في الجبل، استعارها لما فسرها به من الفك والإطعام (6).
والقمي: قال: العقبة: الأئمة من صعدها فك رقبته من النار (7).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 422، س 16.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 423، س 8.
3 - الكافي: ج 1، ص 163، ح 4، باب البيان والتعريف ولزوم الحجة.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 494، س 11.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 494، س 13.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 560، س 5.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 422، س 20.
483

وما أدريك ما العقبة 12 فك رقبة 13 أو إطعام في
يوم ذي مسغبة 14 يتيما ذا مقربة 15 أو مسكينا ذا
متربة 16
* (وما أدريك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة) *:
ذي مجاعة.
* (يتيما ذا مقربة) *: ذا قرابة.
* (أو مسكينا ذا متربة) *: ذا فقر، القمي: قال: لا يقيه من التراب شئ (1). وقرئ
" وفك رقبة أو إطعام ".
في الكافي: عن الرضا (عليه السلام) إذا أكل اتي بصحفة فتوضع قرب مائدته، فيعمد إلى أطيب
الطعام مما يؤتى به، فيأخذ من كل شئ شيئا فيضع في تلك الصحفة، ثم يأمر بها للمساكين، ثم
يتلو هذه الآية " فلا اقتحم " ثم يقول: علم الله أنه ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة، فجعل
لهم السبيل إلى الجنة (2).
وعن الصادق (عليه السلام): من أطعم مؤمنا حتى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ما له من
الأجر في الآخرة، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا الله رب العالمين، ثم قال: من موجبات
المغفرة إطعام المسلم السغبان ثم تلا " أو إطعام " الآية (3).
وعنه (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: من أكرمه الله بولايتنا فقد جاز العقبة، ونحن
تلك العقبة التي من اقتحمها نجا، ثم قال الناس: كلهم عبيد النار غيرك وأصحابك، فإن الله فك
رقابكم من النار بولايتنا أهل البيت (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 422 - 423.
2 - الكافي: ج 4، ص 52، ح 12، باب فضل إطعام الطعام.
3 - الكافي: ج 2، ص 201، ح 6، باب إطعام المؤمن.
4 - الكافي: ج 1، ص 430 - 431، ح 88، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.
484

ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا
بالمرحمة 17 أولئك أصحب الميمنة 18 والذين
كفروا بآياتنا هم أصحب المشئمة 19 عليهم نار
مؤصدة 20
وفيه (1)، والقمي: عنه (عليه السلام): بنا تفك الرقاب وبمعرفتنا، ونحن المطعمون في يوم الجوع،
وهو المسغبة (2).
* (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة *
أولئك أصحب الميمنة) *: القمي: قال: أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).
* (والذين كفروا بآياتنا) *: قال: الذين خالفوا أمير المؤمنين (عليه السلام) (4).
* (هم أصحب المشئمة) *: قال: أصحاب المشئمة: هم أعداء آل محمد (عليهم السلام) (5).
* (عليهم نار مؤصدة) *: قال: أي مطبقة (6)، وقرئ بالهمزة.
في ثواب الأعمال (7)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من كان قراءته في فريضة " لا أقسم
بهذا البلد " كان في الدنيا معروفا أنه من الصالحين، وكان في الآخرة معروفا إن له من الله
مكانا، وكان يوم القيامة من رفقاء النبيين (عليهم السلام)، والشهداء والصالحين (8).
* * *

1 - لم نعثر عليه في الكافي، بل وجدناه في بحار الأنوار: ج 69، ص 364، س 3.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 423، س 15.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 423، س 1.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 423، س 2.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 423، س 3.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 423، س 3.
7 - ثواب الأعمال: ص 123، ح 1، باب ثواب قراءة سورة البلد.
8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 490، في فضلها.
485

سورة الشمس
487

بسم الله الرحمن الرحيم
والشمس وضحها 1 والقمر إذا تلها 2 والنهار إذا
جلها 3 والليل إذا يغشها 4
سورة الشمس: مكية، عدد آيها ست عشرة آية مكي، والمدني الأول، وخمس عشر في
الباقين، اختلافها آية " فعقروها " (1) المكي والمدني الأول.
* (والشمس وضحها) *: امتداد ضوئها، وانبساطه، وإشراقه.
* (والقمر إذا تلها) *: طلع عند غروبها آخذا من نورها.
* (والنهار إذا جلها) *: عند انبساطه.
* (والليل إذا يغشها) *: فيظلم الآفاق ويلبسها سواده.
في الكافي (2)، والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: الشمس: رسول الله (صلى الله عليه وآله)، به أوضح الله
للناس دينهم، والقمر: أمير المؤمنين (عليه السلام)، تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونفثه بالعلم نفثا، والليل: أئمة
الجور الذين استبدوا بالأمر دون آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، وجلسوا مجلسا كان آل الرسول أولى به
منهم فغشوا دين الله بالظلم والجور، فحكى الله فعلهم، فقال: " والليل إذا يغشها " قال: قلت:
" والنهار إذا جلها " قال: ذلك الإمام من ذرية فاطمة (عليها السلام) يسئل عن دين رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فيجليه لمن سأله، فحكى الله عز وجل قوله، فقال: " والنهار إذا جلها " (3).

1 - الشمس: 14.
2 - الكافي: ج 8، ص 50، ح 12.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 424، س 5.
489

والسماء وما بنها 5 والأرض وما طحاها 6 ونفس
وما سويها 7 فألهمها فجورها وتقويها 8 قد أفلح
من زكها 9 وقد خاب من دسها 10
* (والسماء وما بنها) *: والقادر الذي بناها.
* (والأرض وما طحاها) *: والصانع الذي دحاها.
* (ونفس وما سويها) *: والخالق الذي سواها، أي عدل خلقها.
القمي: قال: خلقها وصورها (1).
* (فألهمها فجورها وتقويها) *: قال: أي عرفها وألهمها ثم خيرها فاختارت (2).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: بين لها ما تأتي وما تترك (3).
* (قد أفلح من زكها * وقد خاب من دسها) *: في المجمع: عنهما (عليهما السلام) مثل ما
في الكافي، وزاد: قد أفلح من أطاع، وقد خاب من عصى (4).
والقمي: " من زكها ": يعني نفسه طهرها، و " من دسها ": أي أغواها (5).
وعن الصادق (عليه السلام): " من زكها " قال: أمير المؤمنين (عليه السلام) زكاه ربه، " من دسها ": قال:
هو الأول والثاني في بيعته إياه حيث مسح على كفه (6).
قيل: " قد أفلح " جواب القسم وحذف اللام للطول (7).
وقيل: بل استطرد بذكر أحوال النفس، والجواب محذوف تقديره ليدمدمن الله على
كفار مكة لتكذيبهم رسوله كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحا (8).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 424، س 12.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 424، س 13.
3 - الكافي: ج 1، ص 163، ح 3، باب البيان والتعريف ولزوم الحجة.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 498، س 25.
5 و 6 - تفسير القمي: ج 2، ص 424، س 14 و 17.
7 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 561، س 14.
8 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 561، س 17.
490

كذبت ثمود بطغواها 11 إذ انبعث أشقها 12 فقال لهم
رسول الله ناقة الله وسقيها 13 فكذبوه فعقروها فدمدم
عليهم ربهم بذنبهم فسواها 14 ولا يخاف عقبها 15
* (كذبت ثمود بطغواها) *: بسبب طغيانها.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: يقول: الطغيان حملها على التكذيب (1).
* (إذ انبعث أشقها) *: أشقى ثمود، وهو قدار بن سالف.
القمي: قال: الذي عقر الناقة (2).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): من أشقى الأولين؟ قال: عاقر
الناقة، قال: صدقت، فمن أشقى الآخرين؟ قال: لا أعلم يا رسول، قال: الذي يضربك على
هذه، وأشار إلى يافوخه (3) (4).
* (فقال لهم رسول الله) *: صالح.
* (ناقة الله) *: أي ذروا ناقة الله واحذروا عقرها.
* (وسقيها) *: فلا تذودوها عنها.
* (فكذبوه) *: فيما حذرهم من حلول العذاب إن فعلوا.
* (فعقروها فدمدم عليهم ربهم) *: فأطبق عليهم العذاب.
* (بذنبهم) *: بسببه.
* (فسواها) *: فسوى الدمدمة فلم يفلت منها صغير ولا كبير.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 424، س 19.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 424، س 21.
3 - اليافوخ - بالياء المثناة التحتانية وبعد الياء فاء وقبلها ألف ثم واو وفي آخره خاء معجمة -: هو الموضع الذي
يتحرك من رأس الطفل إذا كان قريب العهد في الولادة. وفي بعض كتب أهل اللغة اليافيخ واليافوخ: أعلى الدماغ
وجمعه يآفيخ. مجمع البحرين: ج 2، ص 448، مادة " يفخ ".
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 499، س 6.
491

القمي: قال: أخذهم بغتة، وغفلة بالليل (1).
* (ولا يخاف عقبها) *: قيل: أي عاقبة الدمدمة، فيبقى بعض الإبقاء، والواو
للحال (2).
والقمي: قال: من بعد هؤلاء الذين أهلكناهم لا يخافون (3).
وقرئ " فلا يخاف "، ورواها في المجمع عن الصادق (عليه السلام) قال: وكذلك في مصاحف أهل
المدينة والشام (4).
في ثواب الأعمال (5)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من أكثر قراءة والشمس، والليل،
والضحى، وألم نشرح، في يوم أو ليلة لم يبق شئ بحضرته إلا شهد له يوم القيامة، حتى شعره،
وبشره، ولحمه، ودمه، وعروقه، وعصبه، وعظامه، وجميع ما أقلت الأرض منه، ويقول الرب
تبارك وتعالى: قبلت شهادتكم لعبدي، وأجزتها له، انطلقوا به إلى جناتي حتى يتخير منها
حيث ما أحب فأعطوه من غير من، ولكن رحمة مني وفضلا وهنيئا لعبدي (6).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 425، س 1.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 562، س 4.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 425، س 1.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 497، في القراءة.
5 - ثواب الأعمال: ص 123، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الشمس، والليل، والضحى، وألم نشرح.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 496، في فضلها.
492

سورة الليل
493

بسم الله الرحمن الرحيم
والليل إذا يغشى 1 والنهار إذا تجلى 2 وما خلق الذكر
والأنثى 3
سورة الليل: مكية، عدد آيها إحدى وعشرون آية بالإجماع.
* (والليل إذا يغشى) *: يغشى الشمس أو النهار.
* (والنهار إذا تجلى) *: ظهر بزوال ظلمة الليل.
القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: الليل في هذا الموضع: الثاني، غشي أمير المؤمنين (عليه السلام) في
دولته التي جرت له عليه، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يصبر في دولتهم حتى تنقضي، " والنهار إذا تجلى "
قال: النهار: هو القائم (عليه السلام) منا أهل البيت (عليهم السلام) إذا قام غلب دولة الباطل، قال: والقرآن ضرب
فيه الأمثال للناس، وخاطب الله نبيه (صلى الله عليه وآله) به ونحن، فليس يعلمه غيرنا (1).
* (وما خلق الذكر والأنثى) *: القمي: إنما يعني والذي خلق الذكر والأنثى (2).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) و " خلق الذكر والأنثى " بغير " ما " ونسبها إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أيضا (3).
وفي المناقب: عن الباقر (عليه السلام) الذكر: أمير المؤمنين (عليه السلام)، والأنثى: فاطمة (عليها السلام) (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 425، س 11. وفيه: " الليل في هذا الموضع: فلان غشي. ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 425، س 6.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 500، في القراءة.
4 - المناقب لابن شهرآشوب: ج 3، ص 320، س 2.
495

إن سعيكم لشتى 4 فأما من أعطى واتقى 5 وصدق
بالحسنى 6 فسنيسره لليسرى 7 وأما من بخل
واستغنى 8 وكذب بالحسنى 9 فسنيسره للعسرى 10
وما يغنى عنه ماله إذا تردى 11
* (إن سعيكم لشتى) *: إن مساعيكم لمختلفة. القمي: هو جواب القسم، قال: منكم
من يسعى في الخير، ومنكم من يسعى في الشر (1).
* (فأما من أعطى) *: بالطاعة.
* (واتقى) *: المعصية.
* (وصدق بالحسنى) *: بالكلمة الحسنة، والمثوبة من الله.
والقمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: بالولاية، وكذا قال في نظيره الآتي (2).
* (فسنيسره لليسرى) *: فسنوفقه حتى تكون الطاعة أيسر الأمور عليه.
* (وأما من بخل) *: بما أمر به.
* (واستغنى) *: بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى.
* (وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى) *: فسنخذله حتى تكون الطاعة له
أعسر شئ.
* (وما يغنى عنه ماله إذا تردى) *: إذا هلك. القمي: قال: نزلت في رجل من
الأنصار كانت له نخلة في دار رجل، وكان يدخل عليه بغير إذن فشكا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لصاحب النخلة: بعني نخلتك هذه بنخلة في الجنة، فقال: لا أفعل، فقال:
بعنيها بحديقة في الجنة، فقال له: لا أفعل، وانصرف، فمضى إليه أبو الدحداح واشتراها منه،
وأتى إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله خذها واجعل لي في الجنة الحديقة التي قلت لهذا، فلم

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 425، س 7.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 426، س 17.
496

يقبلها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لك في الجنة حدائق وحدائق، فأنزل الله في ذلك: " فأما من أعطى
واتقى * وصدق بالحسنى " يعني أبا الدحداح، الآية (1).
ورواه في قرب الإسناد عن الرضا (عليه السلام)، وفيه: أن أبا الدحداح اشتراها منه بحائطه،
وأنه قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): فلك بدلها نخلة في الجنة، قال: " فأما من أعطى " يعني النخلة،
" وصدق بالحسنى " يعني بوعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
ورواه في المجمع، عن ابن عباس، إلا أنه قال: إن رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل
فقير ذي عيال، وكان الرجل إذا جاء فدخل الدار وصعد النخلة ليأخذ منها التمر فربما سقطت
التمرة فيأخذها صبيان الفقير، فينزل الرجل من النخلة حتى يأخذ التمرة من أيديهم، فإن
وجدها في في أحدهم أدخل إصبعه حتى يخرج التمرة من فيه، فشكا ذلك الرجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله)،
ثم ساق الحديث إلى أن قال: فاشتراها منه أبو الدحداح بأربعين نخلة، فذهب إلى النبي (صلى الله عليه وآله)،
فقال: يا رسول الله إن النخلة قد صارت لي فهي لك، فذهب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى صاحب الدار
فقال له: النخلة لك ولعيالك، فأنزل الله " والليل إذا يغشى " السورة (3).
وفي الكافي (4)، والجوامع: عن الباقر (عليه السلام) " فأما من أعطى " مما أتاه الله، " واتقى * وصدق
بالحسنى " أي بأن الله يعطي بالواحد عشرا إلى مائة ألف فما زاد " فسنيسره لليسرى " لا يريد
شيئا من الخير إلا يسر الله له، " وأما من بخل " بما أتاه الله " وكذب بالحسنى " بأن الله يعطي بالواحد
عشرا إلى مائة ألف " فسنيسره للعسرى " لا يريد شيئا من الشر إلا يسر له " وما يغنى عنه ماله
إذا تردى " قال: والله ما تردى من جبل ولا من حائط ولا في بئر، ولكن تردى في نار جهنم (5).
وفي المناقب: عنه (عليه السلام): " فأما من أعطى واتقى " آثر بقوته، وصام حتى وفى بنذره، وتصدق
بخاتمه وهو راكع، وآثر المقداد بالدينار على نفسه " وصدق بالحسنى " وهي الجنة والثواب من
الله " فسنيسره " لذلك بأن جعله إماما في الخير، وقدوة، وأبا للأئمة (عليهم السلام) يسره الله لليسرى (6).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 425 - 426.
2 - قرب الإسناد: ص 355 - 356، ح 1273.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 501، س 15.
4 - الكافي: ج 4، ص 46 - 47، ح 5، باب النوادر. وفيه: " بأن الله يعطي بالواحدة عشرة ".
5 - جوامع الجامع: ص 544، س 12، الطبعة الحجرية.
6 - المناقب لابن شهرآشوب: ج 3، ص 320، س 3.
497

إن علينا للهدى 12 وإن لنا للآخرة والأولى 13
فأنذرتكم نارا تلظى 14 لا يصلاها إلا الأشقى 15
الذي كذب وتولى 16 وسيجنبها الأتقى 17 الذي يؤتى
ماله يتزكى 18 وما لأحد عنده من نعمة تجزى 19 إلا
ابتغاء وجه ربه الأعلى 20 ولسوف يرضى 21
* (إن علينا للهدى) *: القمي: قال: علينا أن نبين لهم (1).
* (وإن لنا للآخرة والأولى) *: فنعطي في الدارين ما نشاء لمن نشاء.
* (فأنذرتكم نارا تلظى) *: تتلهب.
* (لا يصلها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى) *: في المجمع: في الرواية المتقدمة
يعني صاحب النخلة (2). والقمي: يعني هذا الذي بخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3).
وعن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: في جهنم واد فيه نار لا يصلاها إلا الأشقى، أي
فلان الذي كذب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام)، وتولى عن ولايته، ثم قال: النيران بعضها دون
بعض، فما كان من نار بهذا الوادي فللنصاب (4).
* (وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتى ماله يتزكى) *: القمي: قال: أبو
الدحداح (5). وكذا في المجمع في الرواية السابقة (6).
* (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) *: فيقصد بإيتائه مكافأتها.
* (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) *: ولكن يؤتيه لله تعالى خالصا مخلصا.
* (ولسوف يرضى) *: إذا أدخله الله الجنة. وقد سبق ثواب قراءتها في سورة الشمس.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 426، س 5.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 501، س 29.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 426، س 6.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 426، س 12.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 426، س 7. وفيه: " ابن الدحداح ". والصحيح ما أثبتناه.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 501، س 29.
498

سورة الضحى
499

بسم الله الرحمن الرحيم
والضحى 1 والليل إذا سجى 2 ما ودعك ربك وما
قلى 3
سورة الضحى: مكية، عدد آيها عشر آيات بلا خلاف.
* (والضحى) *: أقسم بوقت ارتفاع الشمس.
* (والليل إذا سجى) *: وبالليل إذا سكن أهله، وركد ظلامه.
* (ما ودعك ربك) *: ما قطعك قطع المودع. في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) " ما ودعك "
بالتخفيف بمعنى ما تركك (1).
* (وما قلى) *: وما أبغضك. القمي: عن الباقر (عليه السلام)، وذلك أن جبرئيل (عليه السلام) أبطأ على رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وأنه كانت أول سورة نزلت " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، ثم أبطأ عليه، فقالت خديجة:
لعل ربك قد تركك فلا يرسل إليك، فأنزل الله تبارك وتعالى: " ما ودعك ربك وما قلى " (2).
وفي الجوامع: روي أن الوحي قد احتبس عنه أياما، فقال المشركون: إن محمدا (صلى الله عليه وآله)
ودعه ربه وقلاه (3)، فنزلت (4).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 503، في القراءة.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 428، س 3.
3 - قليته أقليه قلى: إذا أبغضه. والقلاء - بالفتح والمد -: البغض. مجمع البحرين: ج 1، ص 349، مادة " قلى ".
4 - جوامع الجامع: ص 544، س 28، الطبعة الحجرية.
501

وللآخرة خير لك من الأولى 4 ولسوف يعطيك ربك
فترضى 5 ألم يجدك يتيما فآوى 6 ووجدك ضالا
فهدى 7 ووجدك عائلا فأغنى 8
* (وللآخرة خير لك من الأولى) *: القمي: عن الصادق (عليه السلام) قال: يعني الكرة (1).
* (ولسوف يعطيك ربك فترضى) *: قال: يعطيك من الجنة حتى ترضى (2).
وفي المجمع: عنه (عليه السلام) قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة (عليها السلام) وعليها كساء من ثلة
الإبل، وهي تطحن بيدها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أبصرها، فقال لها:
يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقد أنزل الله تعالى علي: " ولسوف يعطيك ربك
فترضى " (3).
وفي المناقب: عنه (عليه السلام) مثله، وفيه بعد قوله بحلاوة الآخرة، فقالت: يا رسول الله الحمد
لله على نعمائه، والشكر على آلائه، فأنزل الله: " ولسوف يعطيك ربك فترضى " (4).
وفي المجمع: قال الصادق (عليه السلام): رضي جدي أن لا يبقى في النار موحد (5).
وعن محمد بن علي - ابن الحنفية - أنه قال: يا أهل العراق تزعمون أن أرجى آية في
كتاب الله تعالى: " يا عبادي الذين أسرفوا " الآية (6) وإنا أهل البيت نقول: أرجى آية في كتاب
الله عز وجل: " ولسوف يعطيك ربك فترضى " هي والله الشفاعة ليعطينها في أهل لا إله إلا الله
حتى يقول: رب رضيت (7).
* (ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا
فأغنى) *: تعديد لما أنعم عليه، تنبيها على أنه كما أحسن إليه فيما مضى، يحسن إليه فيما يستقبل،
ومعناه في الظاهر ظاهر.

1 و 2 - تفسير القمي: ج 2، ص 427، س 8 و 9.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 505، س 10.
4 - المناقب لابن شهرآشوب: ج 3، ص 342.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 505، س 13.
6 - الزمر: 53.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 505، س 8.
502

فأما اليتيم فلا تقهر 9 وأما السائل فلا تنهر 10 وأما
بنعمة ربك فحدث 11
والعياشي: عن الرضا (عليه السلام) " يتيما " فردا لا مثل لك في المخلوقين، فآوى الناس إليك،
" ووجدك ضالا " أي ضالة في قوم لا يعرفون فضلك فهداهم الله إليك، " ووجدك عائلا " تعول
أقواما بالعلم فأغناهم الله بك (1). والقمي: عن أحدهما (عليهما السلام) ما في معناه (2).
والقمي: قال: اليتيم: الذي لا مثل له، ولذلك سميت الدرة اليتيمة، لأنه لا مثل لها،
" ووجدك عائلا فأغنى " قال: فأغناك بالوحي، فلا تسأل عن شئ أحدا، " ووجدك ضالا
فهدى " قال: وجدك ضالا في قوم لا يعرفون فضل نبوتك فهداهم الله بك (3).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) في حديث عصمة الأنبياء (عليهم السلام): " ألم يجدك يتيما فآوى "
يقول: ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس، " ووجدك ضالا " يعني عند قومك، " فهدى " أي
هداهم الله إلى معرفتك، " ووجدك عائلا فأغنى " يقول: بأن جعل دعاءك مستجابا (4).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من علي ربي وهو أهل المن، وسئل الصادق (عليه السلام) لم أوتم
النبي (صلى الله عليه وآله) عن أبويه؟ فقال: لئلا يكون لمخلوق عليه حق (5).
* (فأما اليتيم فلا تقهر) *: القمي: قال: أي لا تظلم، والمخاطبة للنبي (صلى الله عليه وآله) والمعنى
للناس (6).
* (وأما السائل فلا تنهر) *: أي لا تطرد.
* (وأما بنعمة ربك فحدث) *: قال: بما أنزل الله عليك وأمرك به من الصلاة والزكاة

1 - لم نعثر عليه في العياشي، بل وجدناه في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 506، س 14، نقلا عن العياشي.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 427، س 11.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 427، س 15.
4 - عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 199 - 200، ح 1، باب 15 - ذكر مجلس آخر للرضا (عليه السلام) عند المأمون في
عصمة الأنبياء (عليهم السلام).
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 506، س 16.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 427، س 18.
503

والصوم والحج والولاية، وبما فضلك الله به فحدث (1).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) معناه: فحدث بما أعطاك الله، وفضلك ورزقك، وأحسن
إليك، وهداك (2).
وفي المحاسن: عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: أمره أن يحدث بما أنعم الله عليه من
دينه (3).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: فحدث بدينه، وما أعطاه الله، وما أنعم به عليه (4).
وعنه (عليه السلام) قال: إذا أنعم الله على عبده بنعمة فظهرت عليه سمي حبيب الله محدثا بنعمة
الله، وإذا أنعم الله على عبده بنعمة فلم تظهر عليه، سمي بغيض الله مكذبا بنعمة الله (5).
سبق ثواب قراءتها في سورة الشمس.
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 428، س 1.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 507، س 8.
3 - المحاسن: ج 1، ص 344، ح 712 / 114، باب 9 - الدين، من كتاب مصابيح الظلم.
4 - الكافي: ج 2، ص 94، ح 5، باب الشكر.
5 - الكافي: ج 6، ص 438، ح 2، باب التجمل وإظهار النعمة.
504

سورة الإنشراح
سورة التين
سورة العلق
سورة القدر
505

بسم الله الرحمن الرحيم
ألم نشرح لك صدرك 1 ووضعنا عنك وزرك 2 الذي
أنقض ظهرك 3
سورة الإنشراح: مكية، عدد آيها ثماني آيات بالإجماع.
* (ألم نشرح لك صدرك) *: قيل: ألم نفسحه بالعلم، والحكمة، وتلقي الوحي، والصبر
على الأذى والمكاره، حتى وسع مناجاة الحق، ودعوة الخلق فكان غائبا حاضرا (1).
القمي: قال: بعلي (عليه السلام) فجعلناه وصيك، قال: وحين فتح مكة ودخلت قريش في
الإسلام شرح الله صدره وسره (2).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قيل له: أينشرح الصدر؟ قال: نعم، قالوا: يا رسول الله
وهل لذلك علامة يعرف بها؟ قال: نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود،
والإعداد للموت قبل نزوله (3).
* (ووضعنا عنك وزرك) *: ما ثقل عليك احتماله، القمي: قال: ثقل الحرب (4).
* (الذي أنقض ظهرك) *: قيل: أي أثقل ظهرك حتى حمله على النقيض، وهو

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 565، س 3.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 428، س 9.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 508، س 12.
4 - لم نعثر عليه، والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف أو من النساخ.
507

ورفعنا لك ذكرك 4 فإن مع العسر يسرا 5 إن مع
العسر يسرا 6 فإذا فرغت فانصب 7 وإلى ربك
فارغب 8
صوت الرجل من ثقل الحمل (1).
وهو مثل معناه لو كان حملا لسمع نقيض ظهره.
* (ورفعنا لك ذكرك) *: القمي: قال: تذكر إذا ذكرت، وهو قول الناس: أشهد أن لا
إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) في هذه الآية قال: قال لي جبرئيل (عليه السلام): قال الله عز وجل: إذا
ذكرت ذكرت معي (3).
* (فإن مع العسر) *: لضيق الصدر، والوزر المنقض للظهر، وضلال القوم، وإيذائهم.
* (يسرا) *: كشرح الصدر، ووضع الوزر، وتوفيق القوم للإهتداء والطاعة، فلا تيأس
من روح الله إذا عراك ما يغمك.
* (إن مع العسر يسرا) *: تأكيد أو استئناف بوعد يسر آخر، كثواب الآخرة.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه خرج مسرورا فرحا وهو يضحك ويقول: لن يغلب عسر
يسرين " فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا " (4).
قيل: الوجه فيه إن العسر معرف باللام فلا يتعدد سواء كان للعهد أو الجنس، واليسر
منكر، فالثاني غير الأول (5).
* (فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب) *: قيل: يعني إذا فرغت من عبادة

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 565، س 7.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 428، س 12.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 508، س 30.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 509، س 6.
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 565، س 16.
508

عقبها بأخرى وأوصل بعضها ببعض ولا تخل وقتا من أوقاتك فارغا لم تشغله بعبادة (1).
وفي المجمع: عن الباقر والصادق (عليهما السلام) " فإذا فرغت " من الصلاة المكتوبة " فانصب " إلى
ربك في الدعاء، وارغب إليه في المسألة يعطك (2).
وعن الصادق (عليه السلام) هو الدعاء في دبر الصلاة وأنت جالس (3).
والقمي: عنه (عليه السلام) قال: " فإذا فرغت فانصب " من نبوتك " فانصب " عليا " وإلى ربك
فارغب " في ذلك (4).
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) في حديث قال: يقول: " فإذا فرغت فانصب " علمك، وأعلن
وصيك فأعلمهم فضله علانية، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، الحديث، قال: وذلك حين
اعلم بموته ونعيت إليه نفسه (5).
والقمي: قال: " إذا فرغت " من حجة الوداع " فانصب " أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب (عليه السلام) (6).
والمستفاد من هذه الأخبار أنه بكسر الصاد من النصب بالتسكين بمعنى الرفع والوضع،
يعني فإذا فرغت من أمر تبليغ الرسالة، وما يجب عليك إنهاؤه من الشرائع والأحكام فانصب
علمك بفتح اللام أي ارفع علم هدايتك للناس وضع من يقوم به خلافتك موضعك حتى يكون
قائما مقامك من بعدك بتبليغ الأحكام وهداية الأنام، لئلا ينقطع خيط الهداية والرسالة بين الله
وبين عباده، بل يكون ذلك مستمرا بقيام إمام مقام إمام أبدا إلى يوم القيامة.
قال الزمخشري في كشافه: ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة أنه قرأ " فانصب "
بكسر الصاد، أي فانصب عليا (عليه السلام) للإمامة، قال: ولو صح هذا للرافضي لصح للناصبي أن
يقرأ هكذا ويجعله أمرا بالنصب الذي هو بغض علي (عليه السلام) وعداوته (7).
أقول: نصب الإمامة والخليفة بعد تبليغ الرسالة أو الفراغ من العبادة أمر معقول بل

1 - قاله الآلوسي في تفسيره روح المعاني: ج 30، ص 71 - 72.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 509، س 30.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 509، س 32.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 429، س 2.
5 - الكافي: ج 1، ص 294، س 9، ح 3، باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين (عليه السلام).
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 428، س 15.
7 - الكشاف: ج 4، ص 772، س 18.
509

واجب لئلا يكون الناس بعده في حيرة وضلالة فيصح أن يترتب عليه، وأما بغض علي (عليه السلام)
وعداوته فما وجه ترتبه على تبليغ الرسالة أو العبادة، وما هو وجه معقوليته؟ على أن كتب
العامة مشحونة بذكر محبة النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) وإظهاره فضله للناس مدة حياته، وأن حبه
إيمان وبغضه كفر (1)، انظروا إلى هذا الملقب بجار الله العلامة كيف أعمى الله بصيرته بغشاوة حمية
التعصب في مثل هذا المقام حتى أتى بمثل هذا المنكر والزور بلى " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن
تعمى القلوب التي في الصدور " (2). سبق ثواب قراءتها.
في المجمع: عن العياشي، عن الصادق (عليه السلام) لا تجمع سورتين في ركعة واحدة إلا
" الضحى " و " ألم نشرح " و " ألم تر كيف " و " لإيلاف قريش " (3).
* * *

1 - أقول: روى الزمخشري في كتابه الكشاف: ج 4، ص 220 - 221 في ذيل الآية 23 من سورة الشورى، عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من مات على حب آل محمد مات شهيدا، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له،
ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان، ألا ومن
مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة
كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة، ألا ومن مات
على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة،
ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض
آل محمد مات كافرا، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة.
2 - الحج: 46.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 543 - 544.
510

بسم الله الرحمن الرحيم
والتين والزيتون 1 وطور سينين 2 وهذا البلد
الأمين 3
سورة التين: مكية، وهي ثماني آيات.
* (والتين والزيتون) *: قيل: خصهما من الثمار بالقسم لأن التين فاكهة طيبة لا فضلة
له، وغذاء لطيف سريع الهضم، ودواء كثير النفع، فإنه يلين الطبع، ويحلل البلغم، ويطهر
الكليتين، ويزيل رمل المثانة، ويفتح سدة الكبد والطحال، ويسمن البدن (1).
وفي الحديث: إنه يقطع البواسير، وينفع من النقرس (2)، والزيتون فاكهة وإدام، ودواء،
وله دهن لطيف كثير المنافع (3).
* (وطور سينين) *: قيل: يعني به الجبل الذي ناجى عليه موسى ربه، وسينين وسينا:
اسمان للموضع الذي هو فيه (4).
* (وهذا البلد الأمين) *: أي الأمن يعني مكة. وفي الخصال (5)، والمعاني: عن

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 566، س 3.
2 - النقرس - بالكسر -: ورم ووجع في مفاصل الكعبين وأصابع الرجلين. القاموس المحيط: ج 2، ص 255،
مادة " نقس ".
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 566، س 5.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 556، س 7.
5 - الخصال: ص 225، ح 58، باب 4 - أن الله عز وجل اختار من كل شئ أربعة.
511

لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم 4 ثم رددناه أسفل
سافلين 5 إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم
أجر غير ممنون 6
الكاظم (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تبارك وتعالى اختار من البلدان أربعة، فقال
تعالى: " والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين " ف‍ " التين ": المدينة،
و " الزيتون ": البيت المقدس، " وطور سينين ": الكوفة، " وهذا البلد الأمين ": مكة (1).
والقمي: قال: " التين ": رسول الله (صلى الله عليه وآله) و " الزيتون ": أمير المؤمنين (عليه السلام)، و " طور
سينين ": الحسن والحسين (عليهما السلام)، " وهذا البلد الأمين ": الأئمة (عليهم السلام) (2).
وفي المناقب: عن الكاظم (عليه السلام) " التين والزيتون " الحسن والحسين (عليهما السلام)، و " طور
سينين ": علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و " هذا البلد الأمين ": محمد (صلى الله عليه وآله) (3).
* (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) *: تعديل بأن خص بانتصاب القامة،
وحسن الصورة، واستجماع خواص الكائنات، ونظائر سائر الموجودات.
* (ثم رددناه أسفل سافلين) *: قيل: بأن جعلناه من أهل النار (4).
القمي: نزلت في الأول (5).
وفي المناقب: عن الكاظم (عليه السلام) قال: " الإنسان ": الأول، " ثم رددناه أسفل سافلين ":
ببغضه أمير المؤمنين (عليه السلام) (6).
* (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) *: قال: علي

1 - معاني الأخبار: ص 364 - 365، ح 1، باب معنى التين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 429، س 7.
3 - المناقب لابن شهرآشوب: ج 3، ص 393 - 394، في معالي أمورهما.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 556، س 11.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 429، س 9.
6 - المناقب لابن شهرآشوب: ج 3، ص 394، في معالي أمورهما.
512

فما يكذبك بعد بالدين 7 أليس الله بأحكم
الحكمين 8
ابن أبي طالب (عليه السلام) (1).
* (فما يكذبك بعد) *: فأي شئ يكذبك يا محمد دلالة أو نطقا بعد ظهور هذه
الدلائل، كذا قيل (2).
* (بالدين) *: في حديث المناقب: بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3). وقيل: بالجزاء (4).
والقمي: " إلا الذين آمنوا " قال: ذاك أمير المؤمنين (عليه السلام) " بالدين " قال: بأمير
المؤمنين (عليه السلام)، " فلهم أجر غير ممنون " أي لا يمن عليهم به (5).
* (أليس الله بأحكم الحكمين) *: تحقيق لما سبق، يعني أليس الذي فعل ذلك من
الخلق والرد بأحكم الحاكمين صنعا وتدبيرا، ومن كان كذلك كان قادرا على الإعادة والجزاء.
في المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) (6)، وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) إنهما قالا عند الفراغ منها: بلى
وأنا على ذلك من الشاهدين (7).
وفي الخصال: مثله عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما علم به أصحابه (8).
في ثواب الأعمال (9)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ " والتين " في فرائضه ونوافله
أعطي من الجنة حيث يرضى (10).

1 - المناقب لابن شهرآشوب: ج 3، ص 394، س 3، في معالي أمورهما.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 566، س 13.
3 - المناقب لابن شهرآشوب: ج 3، ص 394، س 4، في معالي أمورهما.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 566، س 14.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 430، س 2.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 512، س 6.
7 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 183، س 3، ح 5، باب 44 - في ذكر أخلاق الرضا (عليه السلام) الكريمة ووصف
عبادته.
8 - الخصال: ص 629، س 17، ح 10، باب 400.
9 - ثواب الأعمال: ص 123، ح 1، باب ثواب قراءة سورة والتين.
10 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 510، في فضلها.
513

بسم الله الرحمن الرحيم
اقرأ باسم ربك الذي خلق 1 خلق الإنسان من علق 2
اقرأ وربك الأكرم 3 الذي علم بالقلم 4 علم الإنسان
ما لم يعلم 5
سورة العلق: مكية، عدد آيها عشرون آية حجازي، وتسع عشرة عراقي، وثماني
عشرة شامي، اختلافها آيتان " الذي ينهى " (1) غير الشامي " لئن لم ينته " (2) حجازي.
* (اقرأ باسم ربك الذي خلق) *: خلق جميع المخلوقات على مقتضى حكمته
وأخرجهم من العدم إلى الوجود بكمال قدرته.
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) إنها أول سورة نزلت، قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) على محمد (صلى الله عليه وآله)
فقال: يا محمد إقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال: " اقرأ باسم ربك الذي خلق " يعني خلق نورك القديم
قبل الأشياء (3).
* (خلق الإنسان من علق) *: من دم جامد بعد النطفة.
* (اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم) *: القمي: قال: علم الإنسان بالكتابة
التي بها تتم أمور الدنيا في مشارق الأرض ومغاربها (4).
* (علم الإنسان ما لم يعلم) *: من أنواع الهدى والبيان.

1 و 2 - العلق: 9 و 15.
3 و 4 - تفسير القمي: ج 2، ص 430، س 9 و 16.
515

كلا إن الإنسان ليطغى 6 أن رآه استغنى 7 إن إلى ربك
الرجعي 8 أرأيت الذي ينهى 9 عبدا إذا صلى 10
القمي: عن الباقر (عليه السلام) قال: يعني علم عليا من الكتابة لك ما لم يعلم قبل ذلك (1).
قيل: عدد سبحانه مبدأ أمر الإنسان ومنتهاه إظهارا لما أنعم عليه من نقله من أخس
المراتب إلى أعلاها تقريرا لربوبيته وتحقيقا لأكرميته (2).
* (كلا) *: ردع لمن كفر بنعمة الله لطغيانه.
* (إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى) *: أي رأى نفسه مستغنية.
القمي: قال: إن الإنسان إذا استغنى يكفر ويطغى وينكر إلى ربه الرجعي (3).
* (إن إلى ربك الرجعي) *: الخطاب للإنسان على الالتفات تهديدا وتحذيرا من
عاقبة الطغيان.
* (أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى) *: ماذا يكون جزاؤه وما يكون حاله.
القمي: قال: كان الوليد بن المغيرة ينهى الناس عن الصلاة وأن يطاع الله ورسوله،
فقال: " أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى " (4).
في المجمع: جاء في الحديث إن أبا جهل قال: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا:
نعم، قال: فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، فقيل له: هاهو ذلك يصلي،
فانطلق ليطأ على رقبته فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فقالوا: ما لك يا أبا
الحكم؟ قال: إن بيني وبينه خندقا من نار، وهولا وأجنحة، وقال نبي الله: والذي نفسي بيده لو
دنا منى لاختطفته الملائكة عضوا عضوا، فأنزل الله سبحانه: " أرأيت الذي ينهى " إلى آخر
السورة (5).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 430، س 12.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 567، س 1.
3 و 4 - تفسير القمي: ج 2، ص 430، س 18 و 19.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 515، س 11.
516

أرأيت إن كان على الهدى 11 أو أمر بالتقوى 12
أرأيت إن كذب وتولى 13 ألم يعلم بأن الله يرى 14
كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية 15 ناصية كذبة خاطئة
16 فليدع ناديه 17
* (أرأيت إن كان على الهدى) *: يعني العبد المنهي عن الصلاة، وهو محمد (صلى الله عليه وآله).
* (أو أمر بالتقوى) *: عن الشرك، يعني أمر بالإخلاص والتوحيد ومخافة الله تعالى
كيف يكون حال من ينهاه عن الصلاة ويزجره عنها.
* (أرأيت إن كذب) *: من ينهاه.
* (وتولى) *: عن الإيمان وأعرض عن قبوله والإصغاء إليه ما الذي يستحق بذلك من
العقاب.
* (ألم يعلم بأن الله يرى) *: ما يفعله ويعلم ما يصنعه.
* (كلا) *: ردع للناهي.
* (لئن لم ينته) *: عما هو فيه.
* (لنسفعا بالناصية) *: لنأخذن بناصيته ولنسجننه بها إلى النار، والسفع: القبض
على الشئ وجذبه بشدة.
* (ناصية كذبة خاطئة * فليدع ناديه) *: أي أهل ناديه ليعينوه، وهو المجلس
الذي ينتدي فيه القوم.
روي: أن أبا جهل مر برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يصلي فقال: ألم أنهك، فأغلظ له رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، فقال أبو جهل: أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا، فنزلت (1).
والقمي: قال: لما مات أبو طالب، نادى أبو جهل والوليد (عليهما لعائن الله) هلموا
فاقتلوا محمدا فقد مات الذي كان ناصره، فقال الله: " فليدع ناديه " (2).

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 568، س 14.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 431، س 1.
517

سندع الزبانية 18 كلا لا تطعه واسجد
واقترب 19
* (سندع الزبانية) *: ليجروه إلى النار، وهو في الأصل الشرط، واحدها زبنية.
القمي: قال: كما دعا إلى قتل محمد - رسول الله (صلى الله عليه وآله) - نحن أيضا ندع الزبانية (1).
* (كلا) *: ردع أيضا للناهي.
* (لا تطعه) *: وأثبت أنت على عبادة ربك.
* (واسجد) *: ودم على سجودك.
* (واقترب) *: وتقرب إلى ربك. في الكافي (2)، والعيون: عن الرضا (عليه السلام) أقرب ما
يكون العبد من الله عز وجل وهو ساجد، وذلك قوله تعالى: " واسجد واقترب " (3).
وفي الفقيه: عن الصادق (عليه السلام) (4)، وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) ما في معناه (5).
وفي الخصال (6)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) إن العزائم أربع " اقرأ باسم ربك الذي خلق "
و " النجم " وتنزيل السجدة، وحم السجدة، وزاد في المجمع: وما عداها في جميع القرآن مسنون
وليس بمفروض (7). في العيون: عن الرضا، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) إن أول سورة نزلت " بسم
الله الرحمن الرحيم * اقرأ باسم ربك " وآخر سورة نزلت " إذا جاء نصر الله " (8). وفي
الكافي: عن الصادق (عليه السلام) مثله (9). في ثواب الأعمال (10)، والمجمع: عنه (عليه السلام) من قرأ في يومه أو
ليلته " اقرأ باسم ربك " ثم مات في يومه أو في ليلته مات شهيدا، وبعثه الله شهيدا، وأحياه
شهيدا، وكان كمن ضرب بسيفه في سبيل الله مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) (11).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 431. 2 - الكافي: ج 3، ص 264 - 265، ح 3، باب فضل الصلاة.
3 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 7، ح 15، باب 30. 4 - من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 134، ح 628 / 7، باب 30.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 516.
6 - الخصال: ص 252، ح 124، باب 4.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 516، س 13.
8 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 6، ح 12، باب 30.
9 - الكافي: ج 2، ص 628، ح 5. 10 - ثواب الأعمال: ص 124، ح 1، باب ثواب قراءة " اقرأ باسم ربك ".
11 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 512، في فضلها.
518

بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أنزلناه في ليلة القدر 1 وما أدريك ما ليلة القدر 2
ليلة القدر خير من ألف شهر 3
سورة القدر: مكية، وقيل مدنية، عدد آيها ست آيات مكي شامي، خمس في الباقين،
اختلافها آية " ليلة القدر " (1) الثالث مكي شامي.
* (إنا أنزلناه في ليلة القدر) *: يعني القرآن.
* (وما أدريك ما ليلة القدر) *: فيه تفخيم لها، وإنما سميت بليلة القدر لأن فيها
يقدر كل شئ يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل.
في المعاني: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أتدري ما معنى
ليلة القدر؟ فقلت: لا يا رسول الله، فقال: إن الله تعالى قدر فيها ما هو كائن إلى يوم القيامة،
فكان فيما قدر ولايتك وولاية الأئمة (عليهم السلام) من ولدك إلى يوم القيامة (2).
وقد مضى معنى نزول القرآن فيها في المقدمة التاسعة من هذا الكتاب (3).
* (ليلة القدر خير من ألف شهر) *: في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: أري رسول
الله (صلى الله عليه وآله) في منامه أن بني أمية يصعدون على منبره من بعده، ويضلون الناس عن الصراط

1 - القدر: 3.
2 - معاني الأخبار: ص 315، ح 1، باب معنى ليلة القدر.
3 - انظر ج 1، ص 101 - 103 من كتابنا تفسير الصافي.
519

القهقرى، فأصبح كئيبا حزينا، قال: فهبط عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لي
أراك كئيبا حزينا؟ قال: يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي
يضلون الناس عن الصراط القهقرى، فقال: والذي بعثك بالحق نبيا إني ما اطلعت عليه، فعرج
إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها قال: " أفرأيت إن متعناهم سنين *
ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " (1)، وأنزل عليه: " إنا أنزلناه في
ليلة القدر * وما أدريك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر " جعل الله تعالى ليلة
القدر لنبيه (صلى الله عليه وآله) خيرا من ألف شهر ملك بني أمية (2). وفي معناه أخبار أخر فيه وفي
غيره (3) (4).
والقمي: قال: رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نومه كأن قرودا تصعد منبره، فغمه ذلك، فأنزل
الله سورة القدر " إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدريك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من
ألف شهر " تملكه بنو أمية ليس فيها ليلة القدر (5).
وفي المجمع: عن ابن عباس قال: ذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل من بني إسرائيل أنه حمل
السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر، فعجب من ذلك عجبا شديدا وتمنى أن يكون ذلك
في أمته، فقال: يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا، وأقلها أعمالا، فأعطاه الله ليلة القدر،
وقال: " ليلة القدر خير من ألف شهر " الذي حمل الإسرائيلي السلاح في سبيل الله لك ولامتك
من بعدك إلى يوم القيامة في كل رمضان (6).
في الكافي: عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل عن قوله تعالى: " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " (7) قال:
نعم ليلة القدر، وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلا في ليلة

1 - الشعراء: 205 - 207.
2 - الكافي: ج 4، ص 159، ح 10، باب في ليلة القدر.
3 - الكافي: ج 8، ص 222 - 223، ح 280.
4 - من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 101، ح 453 / 8، باب 53 - الغسل في الليالي المخصوصة. وفي ليلة القدر،
والاحتجاج: ج 1، ص 410 - 411، احتجاج الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) على منكري فضله وفضل أبيه.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 431، س 15.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 520، س 20.
7 - الدخان: 3.
520

تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر 4
سلم هي حتى مطلع الفجر 5
القدر (1).
وعنه (عليه السلام): إنه سئل عن ليلة القدر فقال: التمسها ليلة إحدى وعشرين، أو ليلة ثلاث
وعشرين (2).
وفي رواية: ليلة تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، قيل: فإن أخذت
إنسانا الفترة أو علة ما المعتمد عليه من ذلك؟ فقال: ثلاث وعشرون (3).
وعن أحدهما (عليهما السلام): إن علامتها أن يطيب ريحها، وإن كانت في برد دفئت، وإن كانت في
حر بردت (4).
وفي رواية العامة: لا حارة ولا باردة تطلع الشمس في صبيحتها ليس لها شعاع (5).
وعن الصادق (عليه السلام): العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر (6).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل تعرفون ليلة القدر؟ فقال: وكيف لا نعرف والملائكة
يطوفون بنا فيها (7).
* (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) *: القمي: قال: تنزل
الملائكة، وروح القدس على إمام الزمان، ويدفعون إليه ما قد كتبوه (8).

1 - الكافي: ج 4، ص 157، ح 6، باب في ليلة القدر.
2 - الكافي: ج 4، ص 156، ح 1، باب في ليلة القدر.
3 - من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 103، ح 460 / 15، باب 53 - الغسل في الليالي المخصوصة في شهر
رمضان، وما جاء في العشر الأواخر، وفي ليلة القدر.
4 - الكافي: ج 4، ص 157، ح 3، باب في ليلة القدر.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 520، س 14.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 520، س 18، بدون الإسناد.
7 - تفسير القمي: ج 2، ص 432، س 1.
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 431، س 13.
521

وعن الصادق (عليه السلام) قال: إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى السماء
الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء الله في تلك السنة، الحديث (1).
وقد مر في سورة الرعد (2)، وفي الكافي ما في معناه (3).
وعنه (عليه السلام): إن الروح أعظم من جبرئيل، وأن جبرئيل من الملائكة، وأن الروح هو
خلق أعظم من الملائكة، أليس يقول الله تبارك وتعالى: " تنزل الملائكة والروح " (4).
* (سلم هي حتى مطلع الفجر) *: القمي: قال: تحية يحيى بها الإمام إلى أن يطلع
الفجر (5).
وفي الكافي: عن السجاد (عليه السلام) يقول: يسلم عليك يا محمد ملائكتي وروحي، سلامي من
أول ما يهبطون إلى مطلع الفجر (6).
وفي دعائه لدخول شهر رمضان: سلام دائم البركة إلى طلوع الفجر على من يشاء من
عباده بما أحكم من قضائه (7). وقرئ " مطلع الفجر " بكسر اللام.
في ثواب الأعمال (8)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) من قرأ " إنا أنزلناه في ليلة القدر " فجهر
بها صوته كان كالشاهر سيفه في سبيل الله، ومن قرأها سرا كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله،
ومن قرأها عشر مرات محا الله عنه ألف ذنب من ذنوبه (9).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 1، ص 366، س 20.
2 - ذيل الآية: 39، انظر ج 4، ص 214 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - الكافي: ج 4، ص 157، ح 3، باب في ليلة القدر.
4 - الكافي: ج 1، ص 386 - 387، ح 1، باب مواليد الأئمة (عليهم السلام).
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 431، س 18.
6 - الكافي: ج 1، ص 248، س 19، ح 4، باب في شأن " إنا أنزلناه في ليلة القدر " وتفسيرها.
7 - الصحيفة السجادية: ص 213 - 214، دعاء 44 - وكان من دعائه (عليه السلام) إذا دخل شهر رمضان.
8 - ثواب الأعمال: ص 124، ح 1، باب ثواب قراءة سورة " إنا أنزلناه ".
9 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 516، في فضلها.
522

سورة البينة
سورة الزلزلة
سورة العاديات
سورة القارعة
523

بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتب والمشركين منفكين
حتى تأتيهم البينة 1 رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة 2
فيها كتب قيمة 3
سورة البينة: سورة " لم يكن "، وتسمى سورة البرية، وسورة القيامة، مدنية، وقيل:
مكية، وهي تسع آيات مصري، ثمان في الباقين، اختلافها آية " مخلصين له الدين " (1) بصري.
* (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتب والمشركين منفكين حتى تأتيهم
البينة) *: القمي: يعني قريشا قال: هم في كفرهم " حتى تأتيهم البينة " (2).
وعن الباقر (عليه السلام): إن البينة محمد (صلى الله عليه وآله) (3).
وفي المجمع: اللفظ لفظ الاستقبال، ومعناه المضي (4).
* (رسول من الله) *: بيان للبينة.
* (يتلوا صحفا مطهرة) *: في السماء لا يمسها إلا الملائكة المطهرون.
* (فيها كتب قيمة) *: مكتوبات مستقيمة عادلة غير ذات عوج.
وقيل: مطهرة عن الباطل، وأريد بالصحف ما تضمنه الصحف من المكتوب فيها لأن

1 - البينة: 4.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 432، س 6.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 432، س 7.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 523، س 1.
525

وما تفرق الذين أوتوا الكتب إلا من بعد ما جاء تهم
البينة 4 وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين
حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة 5
إن الذين كفروا من أهل الكتب والمشركين في نار جهنم
خالدين فيها أولئك هم شر البرية 6
النبي (صلى الله عليه وآله) كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن كتاب، ولكنه لما تلا مثل ما في الصحف كان كالتالي
لها (1).
* (وما تفرق الذين أوتوا الكتب) *: عما كانوا عليه.
* (إلا من بعد ما جاء تهم البينة) *: قيل: يعني لم يزل كانوا مجتمعين في تصديق
محمد (صلى الله عليه وآله) حتى بعثه الله، فلما بعثه تفرقوا في أمره واختلفوا، فآمن به بعضهم وكفر آخرون (2).
القمي: قال: لما جاءهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرآن خالفوه وتفرقوا بعده (3).
* (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) *: أي لا يشركون به.
* (حنفاء) *: ما يلين عن العقائد الزائغة. القمي: قال: طاهرين (4).
* (ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) *: أي دين الملة القيمة.
* (إن الذين كفروا من أهل الكتب والمشركين في نار جهنم خالدين
فيها) *: القمي: قال: أنزل الله عليهم القرآن فارتدوا وكفروا وعصوا أمير المؤمنين (عليه السلام) (5).
* (أولئك هم شر البرية) *: أي الخليقة، وقرئ " البريئة " بالهمزة.

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 523، س 7، وانظر أنوار التنزيل: ج 2، ص 570، س 5، والكشاف: ج 4،
ص 782، وروح المعاني: ج 30، ص 201.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 523، س 16، وانظر أنوار التنزيل: ج 2، ص 570، س 7، والكشاف: ج 4،
ص 782، وروح المعاني: ج 30، ص 202.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 432، س 9.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 432، س 9.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 432، س 11.
526

إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير
البرية 7 جزاؤهم عند ربهم جنت عدن تجرى من
تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا
عنه ذلك لمن خشى ربه 8
* (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) *: القمي:
قال: نزلت في آل محمد صلوات الله عليهم (1).
وفي الأمالي: عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فأقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام)
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قد أتاكم أخي، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثم قال: والذي نفسي بيده
إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ثم قال: إنه أولكم إيمانا معي، وأوفاكم بعهد الله،
وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية، قال:
فنزلت: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية "، قال: وكان أصحاب
محمد (صلى الله عليه وآله) إذا أقبل علي (عليه السلام) قالوا: جاء خير البرية (2).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) في هذه الآية: إنه التفت إلى علي (عليه السلام) وقال: هم والله أنت وشيعتك يا
علي، وميعادك وميعادهم الحوض غدا، غر محجلين متوجين (3). وفي المجمع: ما في معناه (4).
وفي المحاسن: عن الباقر (عليه السلام) قال: هم شيعتنا أهل البيت (5).
* (جزاؤهم عند ربهم جنت عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها
أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه) *: لأنه بلغهم أقصى أمانيهم.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 432، س 13.
2 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 251 - 252، ح 448 / 41، المجلس التاسع.
3 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 405 - 406، ح 909 / 57، المجلس الرابع عشر.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 524، س 6.
5 - المحاسن: ج 1، ص 275، ح 537 / 142، باب 36 - ما نزل في الشيعة من القرآن.
527

* (ذلك لمن خشى ربه) *: فإن الخشية ملاك الأمر والباعث على كل خير.
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال لرجل من الشيعة: أنتم أهل الرضا عن الله جل ذكره،
برضاه عنكم، والملائكة إخوانكم في الخير، فإذا اجتهدتم ثم ادعوا، وإذا غفلتم اجهدوا، وأنتم
خير البرية، دياركم لكم جنة، وقبوركم لكم جنة، للجنة خلقتم، وفي الجنة نعيمكم، وإلى
الجنة تصيرون (1).
في ثواب الأعمال (2)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) قال: من قرأ سورة " لم يكن " كان بريئا من
الشرك، وادخل في دين محمد (صلى الله عليه وآله)، وبعثه الله عز وجل مؤمنا، وحاسبه حسابا يسيرا (3).
* * *

1 - الكافي: ج 8، ص 365 - 366، ذيل حديث 556.
2 - ثواب الأعمال: ص 124، ح 1، باب ثواب قراءة سورة " لم يكن ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 521، في فضلها.
528

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا زلزلت الأرض زلزالها 1 وأخرجت الأرض أثقالها 2
وقال الإنسان مالها 3 يومئذ تحدث أخبارها 4
سورة الزلزلة: وتسمى سورة الزلزال، مدنية عن ابن عباس وقتادة، مكية عن
الضحاك وعطاء، عدد آيها ثمان آيات كوفي والمدني الأول، تسع في الباقين، اختلافها آية
" أشتاتا " (1) غير الكوفي والمدني الأول.
* (إذا زلزلت الأرض زلزالها) *: اضطرابها.
* (وأخرجت الأرض أثقالها) *: من الدفائن أو الأموات، جمع ثقل، وهو متاع البيت.
والقمي: قال: من الناس (2).
* (وقال الإنسان مالها) *: قال: قال ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).
* (يومئذ تحدث أخبارها) *: في الخرائج: عن الباقر (عليه السلام) إنه قرئت هذه السورة عند
أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أنا الإنسان، وإياي تحدث أخبارها (4).
وفي العلل: عن تميم بن حاتم، قال: كنا مع علي (عليه السلام) حيث توجهنا إلى البصرة، قال: فبينما
نحن نزول إذا اضطربت الأرض، فضربها علي (عليه السلام) بيده الشريفة وقال لها: مالك؟ ثم أقبل
علينا بوجهه الكريم، ثم قال لنا: أما إنها لو كانت الزلزلة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه

1 - الزلزلة: 6.
2 و 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 433، س 5 و 4.
4 - الخرائج والجرائح: ج 1، ص 177، ح 10، باب 2 - في معجزات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
529

بأن ربك أوحى لها 5 يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا
أعملهم 6
العزيز لأجابتني، ولكنها ليست بتلك (1). وفي الكافي ما في معناه (2).
وفي العلل: عن فاطمة (عليها السلام) قال: أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر، وفزع الناس
إلى أبي بكر وعمر، فوجدوهما قد خرجا فزعين إلى علي (عليه السلام) فتبعهما الناس إلى أن انتهوا إلى
باب علي (عليه السلام) فخرج عليهم غير مكترث (3) لما هم فيه، فمضى واتبعه الناس حتى انتهوا إلى
تلعة (4) فقعد عليها وقعدوا حوله وهم ينظرون إلى حيطان المدينة ترتج جائية وذاهبة، فقال
لهم علي (عليه السلام): كأنكم قد هالكم ما ترون، قالوا: وكيف لا يهولنا ولم نر مثلها قط، قال: فحرك
شفتيه، ثم ضرب الأرض بيده الشريفة، ثم قال: مالك اسكني، فسكنت بإذن الله فتعجبوا من
ذلك أكثر من تعجبهم الأول حيث خرج إليهم قال لهم: فإنكم قد عجبتم من صنيعي؟ قالوا:
نعم، قال: أنا الرجل الذي قال الله: " إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها *
وقال الإنسان مالها " فأنا الإنسان الذي يقول لها مالك " يومئذ تحدث أخبارها " إياي تحدث (5).
وفي المجمع: جاء في الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله
أعلم، قال: أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمله على ظهرها، تقول: عمل كذا وكذا،
ويوم كذا فهذا أخبارها (6).
* (بأن ربك أوحى لها) *: أي تحدث بسبب إيحاء ربك لها، أو بإيحاء ربك لها.
* (يومئذ يصدر الناس) *: من القبور إلى الموقف.

1 - علل الشرائع: ص 555، ح 5، باب 343 - علة الزلزلة، وفيه: حدثني تميم بن جذيم.
2 - الكافي: ج 8، ص 255 - 256، ح 366.
3 - في الحديث: " لا يكترث لهذا الأمر " أي لا يعبأ به ولا يباليه. مجمع البحرين: ج 2، ص 262، مادة " كرث ".
4 - التلعة - بالفتح فالسكون -: ما ارتفع من الأرض، والجمع تلاع: كالكلبة والكلاب. والتلعة أيضا: ما انهبط
من الأرض، فهي من الأضداد. مجمع البحرين: ج 4، ص 309، مادة " تلع ".
5 - علل الشرائع: ص 556، ح 8، باب 343 - علة الزلزلة. 6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 526.
530

فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره 7 ومن يعمل مثقال ذرة
شرا يره 8
* (أشتاتا) *: متفرقين بحسب مراتبهم. القمي: قال: يحيون أشتاتا مؤمنين، وكافرين،
ومنافقين (1).
* (ليروا أعملهم) *: قال: ليقفوا على ما فعلوه (2).
* (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) *:
وقرئ " يره " بضم الياء فيهما. ورواها في المجمع عن علي (عليه السلام) (3).
قيل: هي أحكم آية في القرآن، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسميها الجامعة (4).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره " قال: يقول: إن
كان من أهل النار، وقد كان عمل في الدنيا مثقال ذرة خيرا، يره يوم القيامة حسرة أنه كان
عمله لغير الله، " ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " قال: يقول: إن كان من أهل الجنة عمل شرا
يرى ذلك الشر يوم القيامة، ثم غفر له (5).
في ثواب الأعمال (6)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) لا تملوا من قراءة " إذا زلزلت الأرض "
فإن من كانت قراءته في نوافله لم يصبه الله بزلزلة أبدا، ولم يمت بها ولا بصاعقة ولا بآفة من
آفات الدنيا، فإذا مات أمر به إلى الجنة، فيقول الله عز وجل: عبدي أبحتك جنتي فاسكن منها
حيث شئت وهويت لا ممنوعا ولا مدفوعا (7). وفي الكافي ما في معناه مع زيادات (8).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 433، س 5.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 433، س 6.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 527، س 14.
4 - قاله عبد الله بن مسعود، كما جاء في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 527، س 14.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 433 - 434.
6 - ثواب الأعمال: ص 124 - 125، باب ثواب قراءة سورة " إذا زلزلت ".
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 524، في فضلها.
8 - الكافي: ج 2، ص 626، ح 24، باب فضل القرآن.
531

بسم الله الرحمن الرحيم
والعاديات ضبحا 1 فالموريات قدحا 2
سورة العاديات: مدنية عن ابن عباس وقتادة، وقيل: مكية، عدد آيها إحدى عشرة
آية بالإجماع.
* (والعاديات ضبحا) *: قيل: أقسم الله بخيل الغزاة تعدو فتضبح ضبحا، وهو
صوت أنفاسها عند العدو (1).
وفي المجمع: عن علي (عليه السلام) هي الإبل حين ذهب إلى غزوة بدر تمد أعناقها في السير فهي
تضبح أي تضبع (2) (3).
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): هي الإبل من عرفة إلى مزدلفة، ومن مزدلفة إلى منى (4).
* (فالموريات قدحا) *: فالتي توري النار، أي تخرجها بحوافرها من حجارة
الأرض. القمي: قال: كانت بلادهم فيها حجارة فإذا وطأتها سنابك الخيل كانت تنقدح منها
النهار (5).

1 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 572، س 3.
2 - ضبعه - كمنعه -: مد إليه ضبعه للضرب، والخيل والإبل ضبعا وضبوعا محركة، مدت أضباعها في سيرها
كضبعت تضبيعا وهي ناقة ضابع، والبعير أسرع. القاموس المحيط: ج 3، ص 54، مادة " ضبع ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 529، س 2.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 529، س 3.
5 - تفسير القمي: ج 2، ص 439، س 10.
533

فالمغيرات صبحا 3 فأثرن به نقعا 4 فوسطن به جمعا
5 إن الإنسان لربه لكنود 6 وإنه على ذلك لشهيد 7
وإنه لحب الخير لشديد 8
* (فالمغيرات) *: تغير أهلها على العدو.
* (صبحا) *: في وقت الصبح، القمي: أي صبحهم بالغارة (1).
* (فأثرن به نقعا) *: فهيجن بذلك الوقت غبارا، القمي: أي ثارت الغبرة من ركض
الخيل (2).
* (فوسطن به جمعا) *: من جموع الأعداء. القمي: قال: توسط المشركون بجمعهم (3).
كأنه أراد به إحاطتهم بالمشركين أو هو من غلط الكتاب والصحيح المشركين.
وفي المجمع: عن علي (عليه السلام) إنه قرأ " فوسطن " بالتشديد (4).
* (إن الإنسان لربه لكنود) *: هو جواب القسم، والكنود: الكفور.
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أتدرون من الكنود؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:
الكنود الذي يأكل وحده ويمنع رفده، ويضرب عبده (5).
* (وإنه على ذلك لشهيد) *: قيل: يشهد على نفسه بالكنود لظهور أثره عليه، أو أن
الله على كنوده لشهيد (6).
* (وإنه لحب الخير) *: قيل المال (7). وقيل: الحياة (8).

1 و 2 - تفسير القمي: ج 2، ص 439. 3 - تفسير القمي: ج 2، ص 442. وفيه: " توسط المشركين ".
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 528، في القراءة. 5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 530، س 2.
6 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 572، س 11.
7 - قاله الطبرسي في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 530، س 7، وهكذا قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل:
ج 2، ص 572، س 12، وراجع روح المعاني: ج 30، ص 218 - 219.
8 - قاله علي بن إبراهيم في تفسيره القمي: ج 2، ص 439، س 20.
534

أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور 9 وحصل ما في الصدور
10 إن ربهم بهم يومئذ لخبير 11
* (لشديد) *: لبخيل، أو لقوي مبالغ فيه.
* (أفلا يعلم إذا بعثر) *: بعث.
* (ما في القبور) *: من الموتى.
* (وحصل) *: جمع وظهر.
* (ما في الصدور * إن ربهم بهم يومئذ لخبير) *: عليم بما أعلنوا وما أسروا
فيجازيهم. في الأمالي: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن هذه السورة، قال: وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عمر بن الخطاب في سرية فرجع منهزما يجبن أصحابه ويجبنونه، فلما انتهى إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال
لعلي (عليه السلام): أنت صاحب القوم، فهيئ أنت ومن تريد من فرسان المهاجرين والأنصار، فوجه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: أكمن النهار، وسر الليل، ولا تفارقك العين، قال: فانتهى علي (عليه السلام) إلى
ما أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسار إليهم، فلما كان عند وجه الصبح أغار عليهم فأنزل الله على
نبيه (صلى الله عليه وآله) " والعاديات " إلى آخرها (1).
والقمي: عنه (عليه السلام) إنها نزلت في أهل واد اليابس اجتمعوا اثني عشر ألف فارس،
وتعاقدوا وتعاهدوا وتواثقوا على أن لا يتخلف رجل عن رجل، ولا يخذل أحد أحدا، ولا يفر
رجل عن صاحبه حتى يموتوا كلهم على حلف واحد، ويقتلوا محمدا (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي
طالب (عليه السلام)، فنزل جبرئيل فأخبره بقصتهم وما تعاقدوا عليه وما تواثقوا، وأمره أن يبعث أبا
بكر إليهم في أربعة آلاف فارس من المهاجرين والأنصار، فصعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر فحمد
الله فأثنى عليه، ثم قال: يا معشر المهاجرين والأنصار إن جبرئيل قد أخبرني أن أهل وادي
اليابس اثنى عشر ألفا قد استعدوا وتعاهدوا وتعاقدوا على أن لا يغدر رجل منهم بصاحبه،

1 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 407، ح 913 / 61، المجلس الرابع عشر.
535

ولا يفر عنه، ولا يخذله حتى يقتلوني وأخي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأمرني أن أسير إليهم أبا
بكر في أربعة آلاف فارس فخذوا في أمركم واستعدوا لعدوكم وانهضوا إليهم على اسم الله
وبركته يوم الاثنين إن شاء الله، فأخذ المسلمون عدتهم وتهيؤوا، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر
بأمره، وكان فيما أمره به أنه إذا رآهم أن يعرض عليهم الإسلام فإن تابعوا وإلا واقعهم - أي
حاربهم - وقتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم، واستباح أموالهم، وخرب ضياعهم وديارهم،
فمضى أبو بكر (1) ومن معه من المهاجرين والأنصار في أحسن عدة وأحسن هيأة، يسير بهم
سيرا رفيقا حتى انتهوا إلى أهل وادي اليابس، فلما بلغ القوم نزول القوم عليهم، ونزل أبو بكر
وأصحابه قريبا منهم، خرج إليهم من أهل وادي اليابس ماءتا رجل مدججين (2) بالسلاح،
فلما صادفوهم قالوا لهم: من أنتم؟ ومن أين أقبلتم؟ وأين تريدون؟ ليخرج إلينا صاحبكم
حتى نكلمه فخرج إليهم أبو بكر في نفر من أصحابه المسلمين فقال لهم: أنا أبو بكر صاحب
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالوا: ما أقدمك علينا؟ قال: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أعرض عليكم
الإسلام، وأن تدخلوا فيما دخل فيه المسلمون، ولكم ما لهم وعليكم ما عليهم، وإلا فالحرب
بيننا وبينكم قالوا له: أما واللات والعزى لولا رحم ماسة، وقرابة قريبة لقتلناك وجميع
أصحابك قتلة تكون حديثا لمن يكون بعدكم، فارجع أنت ومن معك وارتجوا العافية، فإنا إنما
نريد صاحبكم بعينه وأخاه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال أبو بكر لأصحابه: يا قوم، القوم أكثر
منكم أضعافا، وأعد منكم، وقد نأت داركم عن إخوانكم من المسلمين، فارجعوا نعلم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بحال القوم، فقالوا له جميعا: خالفت يا أبا بكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أمرك به، فاتق
الله وواقع القوم ولا تخالف قول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: إني أعلم ما لا تعلمون، والشاهد يرى ما
لا يرى الغائب، فانصرف وانصرف الناس أجمعون فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بمقالة القوم له وما رد
عليهم أبو بكر، فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا بكر خالفت أمري ولم تفعل ما أمرتك، وكنت لي
والله عاصيا فيما أمرتك، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا معشر

1 - هكذا في الأصل، وفي المصدر هكذا: " فإن تابعوا وإلا واقعهم فيقتل مقاتليهم، ويسبي ذراريهم، ويستبيح
أموالهم، ويخرب ضياعهم وديارهم، ومضى فلان ".
2 - المدجج والمدجج: الشاك في السلاح. القاموس المحيط: ج 1، ص 187، مادة " دجج ".
536

المسلمين إني أمرت أبا بكر أن يسير إلى أهل وادي اليابس وأن يعرض عليهم الإسلام
ويدعوهم إلى الله، فإن أجابوه وإلا واقعهم، وإنه سار إليهم وخرج إليه منهم مائتا رجل، فلما
سمع كلامهم وما استقبلوه به انتفخ (1) صدره، ودخله الرعب منهم، وترك قولي، ولم يطع أمري،
وإن جبرئيل أمرني عن الله أن أبعث إليهم عمر مكانه في أصحابه في أربعة آلاف فارس، فسر
يا عمر على اسم الله، ولا تعمل كما عمل أبو بكر أخوك، فإنه قد عصى الله وعصاني، وأمره بما
أمر به أبا بكر، فخرج عمر والمهاجرون والأنصار الذين كانوا مع أبي بكر يقتصد بهم في
سيرهم حتى شارف القوم، وكان قريبا منهم بحيث يراهم ويرونه، وخرج إليهم مائتا رجل،
فقالوا له ولأصحابه مثل مقالتهم لأبي بكر، فانصرف وانصرف الناس معه، وكاد أن يطير قلبه
مما رأى من عدة القوم وجمعهم، ورجع يهرب منهم، فنزل جبرئيل وأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما
صنع عمر وأنه قد انصرف، وانصرف المسلمون معه، فصعد النبي (صلى الله عليه وآله) المنبر فحمد الله وأثنى
عليه وأخبر بما صنع عمر، وما كان منه وأنه قد انصرف وانصرف المسلمون معه مخالفا لأمري
عاصيا لقولي، فقدم عليه فأخبره بمثل ما أخبر به صاحبه، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عمر
عصيت الله في عرشه، وعصيتني وخالفت قولي، وعملت برأيك، قبح الله رأيك، وإن
جبرئيل (عليه السلام) قد أمرني أن أبعث علي بن أبي طالب (عليه السلام) في هؤلاء المسلمين، وأخبرني أن الله
سيفتح (2) عليه، وعلى أصحابه، فدعا عليا (عليه السلام) وأوصاه بما أوصى به أبو بكر وعمر وأصحابه
الأربعة آلاف، وأخبره أن الله سيفتح عليه وعلى أصحابه.
فخرج علي (عليه السلام) ومعه المهاجرون والأنصار وسار بهم غير سير أبي بكر وعمر، وذلك
أنه أعنف (3) بهم في السير حتى خافوا أن ينقطعوا من التعب، وتحفى دوابهم (4)، فقال لهم: لا
تخافوا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أمرني بأمر وأخبرني أن الله سيفتح علي وعليكم، فابشروا
فإنكم على خير وإلى خير، فطابت نفوسهم وقلوبهم، وساروا على ذلك السير التعب حتى إذا

1 - النفخ - الكبر. لسان العرب: ج 14، ص 228، مادة " نفخ ".
2 - وفي نسخة: [يفتح].
3 - العنف - مثلث العين -: الشدة والمشقة، ضد الرفق، وكلما في الرفق من الخير ففي العنف من الشدة مثله.
مجمع البحرين: ج 5، ص 104، مادة " عنف ".
4 - حف به العدو حفوفا: أسرع، وحفيف الفرس: دوي جريه. مجمع البحرين: ج 5، ص 38، مادة " حفف ".
537

كانوا قريبا منهم حيث يرونهم ويراهم أمر أصحابه أن ينزلوا، وسمع أهل واد اليابس بمقدم
علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأصحابه، فأخرجوا إليهم منهم مائتا رجل شاكين بالسلاح، فلما رآهم
علي (عليه السلام) خرج إليهم في نفر من أصحابه فقالوا لهم: من أنتم؟ ومن أين أنتم؟ ومن أين أقبلتم؟
وأين تريدون؟ قال: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخوه، ورسوله إليكم،
أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، ولكم إن آمنتم ما للمسلمين،
وعليكم ما على المسلمين من خير وشر، فقالوا له: إياك أردنا، وأنت طلبتنا؟ قد سمعنا مقالتك
فخذ حذرك واستعد للحرب العوان (1)، واعلم إنا قاتلوك، وقاتلوا أصحابك، والموعود فيما
بيننا وبينك غدا ضحوة، وقد أعذرنا فيما بيننا وبينك، فقال لهم علي (عليه السلام): ويلكم تهددوني
بكثرتكم وجمعكم، فأنا أستعين بالله وملائكته والمسلمين عليكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم، فانصرفوا إلى مراكزهم، وانصرف علي (عليه السلام) إلى مركزه، فلما جنه الليل أمر
أصحابه أن يحسنوا إلى دوابهم ويقضموا (2) ويسرجوا، فلما انشق عمود الصبح صلى بالناس
بغلس (3) ثم أغار عليهم بأصحابه فلم يعلموا حتى وطأهم الخيل، فما أدرك آخر أصحابه حتى
قتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم، واستباح أموالهم، وخرب ديارهم، وأقبل بالأسارى والأموال
معه، فنزل جبرئيل وأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما فتح الله على علي (عليه السلام) وجماعة المسلمين، فصعد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأخبر الناس بما فتح الله على المسلمين، وأعلمهم
أنه لم يصب منهم إلا رجلين، ونزل، فخرج يستقبل عليا (عليه السلام) في جميع أهل المدينة من المسلمين
حتى لقيه على ثلاثة أميال من المدينة، فلما رآه علي (عليه السلام) مقبلا نزل عن دابته، ونزل النبي (صلى الله عليه وآله)
حتى التزمه، وقبل ما بين عينيه، فنزل جماعة المسلمين إلى علي (عليه السلام) حيث نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وأقبل بالغنيمة والأسارى وما رزقهم الله من أهل وادي اليابس، ثم قال جعفر بن محمد (عليهما السلام):

1 - العوان من الحروب: التي قوتل فيها مرة بعد مرة، كأنهم جعلوا الأولى بكرا. الصحاح: ج 6، ص 2168،
مادة " عون ".
2 - القضم: الأكل بأطراف الأسنان إذا أكل يابسا. يقال: قضمت الدابة شعيرها - من باب تعب -: كسرته
بأطراف أسنانها. مجمع البحرين: ج 6، ص 140، مادة " قضم ".
3 - الغلس - بالتحريك -: الظلمة آخر الليل، ومنه التغليس، وهو السير بغلس. مجمع البحرين: ج 4، ص 90،
مادة " غلس ".
538

ما غنم المسلمون مثلها قط إلا أن يكون من خيبر فإنها مثل خيبر، وأنزل الله تعالى في ذلك
اليوم هذه السورة: " والعاديات ضبحا "، يعني بالعاديات: الخيل تعدو بالرجال، والضبح:
ضبحها في أعنتها ولجمها، " فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا " فقد أخبرك إنها غارت
عليهم صبحا، " فأثرن به نقعا " قال: يعني الخيل يأثرن بالوادي نقعا " فوسطن به جمعا * إن
الإنسان لربه لكنود " قال: لكفور، " وإنه على ذلك لشهيد * وإنه لحب الخير لشديد " قال:
يعنيهما، قد شهدا جميعا وادي اليابس وكانا لحب الحياة حريصين " أفلا يعلم " إلى آخر
السورة، قال: نزلت الآيتان فيهما خاصة يضمران ضمير السوء ويعملان به، فأخبر الله
خبرهما وفعالهما (1).
القمي: أيضا في قوله: " إن الإنسان لربه لكنود " أي لكفور، وهم الذين أمروا وشاوروا
على أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يدع الطريق مما حسدوه، وكان علي (عليه السلام) أخذهم على غير الطريق
الذي أخذ فيه أبو بكر وعمر، فعلموا أنه يظفر بالقوم، فقال عمرو بن العاص لأبي بكر: إن عليا
غلام حدث لا علم له بالطريق وهذا طريق سبع لا يأمن فيه السباع، فمشوا إليه فقالوا: يا أبا
الحسن هذا الطريق الذي أخذت فيه طريق سبع، فلو رجعت إلى الطريق، فقال أمير
المؤمنين (عليه السلام): الزموا رحالكم وكفوا عما لا يعنيكم، واسمعوا، وأطيعوا، فإني أعلم بما أصنع،
فسكتوا، " وإنه على ذلك لشهيد " على العدواة، " وإنه لحب الخير لشديد " يعني حب الحياة،
حيث خافوا السباع على أنفسهم، فقال الله: " أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في
الصدور " أي يجمع ويظهر، " إن ربهم بهم يومئذ لخبير " (2).
في ثواب الأعمال (3)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ سورة العاديات وأدمن قراءتها
بعثه الله عز وجل مع أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم القيامة خاصة، وكان في حجره ورفقائه (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 434 - 439.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 439، س 13.
اعلم أن جميع صيغ الجمع والضمائر الموجودة في هذا الحديث وردت في تفسير القمي على صيغة التثنية.
3 - ثواب الأعمال: ص 125، ح 1، باب ثواب قراءة سورة العاديات.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 527، في فضلها.
539

بسم الله الرحمن الرحيم
القارعة 1 ما القارعة 2 وما أدريك ما القارعة 3
يوم يكون الناس كالفراش المبثوث 4 وتكون الجبال
كالعهن المنفوش 5 فأما من ثقلت موازينه 6
سورة القارعة: مكية، وهي إحدى عشر آية كوفي حجازي، ثمان بصري شامي.
* (القارعة) *: التي تقرع الناس بالإقراع، والإجرام بالإنفطار، والانتشار.
* (ما القارعة) *: ما هي، أي أي شئ هي؟ على التعظيم لشأنها والتهويل لها، فوضع
الظاهر موضع المضمر لأنه أهول لها. القمي: يرددها الله لهولها، وفزع الناس بها (1).
* (وما أدريك ما القارعة) *: وأي شئ أعلمك ما هي؟ أي أنك لا تعلم كنهها،
فإنها أعظم من أن تبلغها دراية أحد.
* (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) *: في كثرتهم، وذلتهم، وانتشارهم،
واضطرابهم.
* (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) *: كالصوف ذي الألوان المندوف، لتفرق
أجزائها، وتطايرها في الجو.
* (فأما من ثقلت موازينه) *: بالحسنات، بأن ترجحت مقادير أنواع حسناته.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 440، س 3.
541

فهو في عيشة راضية 7 وأما من خفت موازينه 8
فأمه هاوية 9 وما أدريك ما هيه 10 نار حامية 11
* (فهو في عيشة) *: في عيش.
* (راضية) *: ذات رضى أي مرضية.
* (وأما من خفت موازينه) *: من الحسنات بأن لم تكن له حسنة يعبؤ بها أو
ترجحت سيئاته على حسناته. وقد مضى تحقيق الوزن والميزان في سورة الأعراف (1).
* (فأمه هاوية) *: فمأواه النار يأوي إليها كما يأوي الولد إلى أمه، والهاوية: من أسماء
النار. والقمي: قال: أم رأسه، يقلب في النار على رأسه (2).
أقول: يعني يهوي فيها على أم رأسه.
* (وما أدريك ما هيه * نار حامية) *: ذات حمى، أي شديدة الحرارة.
في ثواب الأعمال (3)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) قال: من قرأ سورة القارعة وأكثر من
قراءتها آمنه الله من فتنة الدجال أن يؤمن به، ومن فيح (4) جهنم يوم القيامة (5).
* * *

1 - ذيل الآية: 8، انظر ج 3، ص 144 - 145 من كتابنا تفسير الصافي.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 440، س 7.
3 - ثواب الأعمال: ص 125، ح 1، باب ثواب قراءة سورة القارعة. وفيه: " قال: من قرأ وأكثر من قراءة
القارعة آمنه الله عز وجل من فتنة الدجال إن شاء الله ".
4 - الفيح: شيوع الحر، ويقال بالواو من فاحت القدر تفيح وتفوح: إذا غلت، وشبه بنار جهنم، ويحتمل الحقيقة
وأنه أرسل من نارها إنذارا للجاحدين وكفارة لذنوب غيرهم. مجمع البحرين: ج 2، ص 401، مادة " فيح ".
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 530، في فضلها. وفيه: " قال: من قرأ القارعة آمن الله ومن قيح جهنم يوم
القيامة ". والقيح: المدة لا يخالطها دم، يقال: قاح الجرح قيحا - من باب باع: - سال قيحه. مجمع البحرين: ج 2،
ص 405، مادة " قيح ".
542

سورة التكاثر
سورة العصر
سورة الهمزة
سورة الفيل
543

بسم الله الرحمن الرحيم
ألهاكم التكاثر 1 حتى زرتم المقابر 2
سورة التكاثر: مدينة، وقيل: مكية، ثمان آيات بالإجماع.
* (ألهاكم التكاثر) *: شغلكم التباهي بالكثرة.
* (حتى زرتم المقابر) *: حتى إذا استوعبتم عدد الأحياء صرتم إلى المقابر فتكاثرتم
بالأموات، عبر عن انتقالهم إلى ذكر الموتى بزيارة المقابر.
وقيل: معناه ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم، مضيعين أعماركم في
طلب الدنيا عما هو أهم لكم، وهو السعي لآخرتكم، فتكون زيارة القبور كناية عن الموت (1).
وفي نهج البلاغة ما يؤيد المعنى الأول، حيث قال (عليه السلام) بعد تلاوته لهذه السورة:
أفبمصارع آبائهم يفخرون، أم بعديد الهلكى يتكاثرون (2). قال: ولأن يكونوا عبرا أحق من
أن يكونوا مفتخرا، ولأن يهبطوا بهم جناب ذلة أحجى (3) من أن يقوموا بهم مقام عزة (4).
وفي روضة الواعظين: عن النبي (صلى الله عليه وآله) ما يدل على المعنى الثاني، قال: إنه قرأ " ألهاكم
التكاثر " فقال: تكاثر الأموال جمعها من غير حقها ومنعها من حقها وشدها في الأوعية " حتى
زرتم المقابر " حتى دخلتم قبوركم (5).

1 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 574، س 1.
2 - نهج البلاغة: ص 338، الخطبة: 221.
3 - الحجى - بالكسر والقصر -: العقل، وأولي الحجى: أصحاب العقول، وأحجى: أجدر وأحق. مجمع البحرين:
ج 1، ص 95 - 96، مادة " حجا ".
4 - نهج البلاغة: ص 338، الخطبة: 221.
5 - روضة الواعظين: ص 493، مجلس في ذكر القبر.
545

كلا سوف تعلمون 3 ثم كلا سوف تعلمون 4 كلا لو
تعلمون علم اليقين 5 لترون الجحيم 6 ثم لترونها عين
اليقين 7 ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم 8
وفي المجمع: عنه (صلى الله عليه وآله) أنه تلا هذه السورة فقال: يقول ابن آدم: ما لي مالي، ومالك من
مالك، إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت (1).
* (كلا سوف تعلمون) *: في حديث الروضة السابق قال: لو دخلتم قبوركم (2).
* (ثم كلا سوف تعلمون) *: قال: لو خرجتم من قبوركم إلى محشركم (3).
* (كلا لو تعلمون علم اليقين) *: قال: وذلك حين يؤتى بالصراط فينصب بين
جسري جهنم (4).
وفي المحاسن: عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: " لو تعلمون علم اليقين " قال: المعاينة (5).
* (لترون الجحيم) *: وقرئ بضم التاء، ورواها في المجمع عن علي (عليه السلام) (6).
* (ثم لترونها عين اليقين) *: ولعل ذلك حين ورودها.
* (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) *: في الروضة، في الرواية السابقة قال: عن خمس:
عن شبع البطون، وبارد الشراب، ولذة النوم، وظلال المساكن، واعتدال الخلق (7).
وفي المجمع: عنهما (عليهما السلام) هو الأمن والصحة (8).
وفي العيون: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: الرطب، والماء البارد (9).
وفي الفقيه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل نعيم مسؤول عنه صاحبه إلا ما كان في غزو أو حج (10).

1 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 534، س 9. 2 و 3 و 4 - روضة الواعظين: ص 493، مجلس في ذكر القبر.
5 - المحاسن: ج 1، ص 385، ح 852 / 254، باب 29 - اليقين والصبر في الدين، من كتاب مصابيح الظلم.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 533، في القراءة.
7 - روضة الواعظين: ص 493، مجلس في ذكر القبر. 8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 534، س 27.
9 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 38، ح 110، باب 31 - فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المجموعة.
10 - من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 142، ح 620 / 70، باب 62 - فضائل الحج، وفضل العمرة في رجب.
546

وفي المجالس: عن الصادق (عليه السلام) قال: من ذكر اسم الله على الطعام لم يسئل عن نعيم ذلك
الطعام (1).
والقمي: عنه (عليه السلام) قال: تسئل هذه الأمة عما أنعم الله عليهم برسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم بأهل بيته (2).
وفي الإحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث: أن النعيم الذي يسئل عنه: رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ومن حل محله من أصفياء الله، فإن الله أنعم بهم على من اتبعهم من أوليائهم (3).
والعياشي: عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله أبو حنيفة عن هذه الآية فقال له: ما النعيم عندك
يا نعمان؟ قال: القوت من الطعام، والماء البارد، فقال: لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتى
يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه، قال: فما النعيم جعلت
فداك؟ فقال: نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين،
وبنا ألف الله بين قلوبهم وجعلهم إخوانا بعد أن كانوا أعداء، وبنا هداهم الله للإسلام، وهو النعمة
التي لا تنقطع، والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم به عليهم، وهو النبي (صلى الله عليه وآله) وعترته (عليهم السلام) (4).
وفي رواية: أنه (عليه السلام) قال له: بلغني أنك تفسر النعيم في هذه الآية بالطعام، والطيب،
والماء البارد في اليوم الصائف؟ قال: نعم، قال: لو دعاك رجل وأطعمك طعاما طيبا وسقاك
ماءا باردا ثم امتن عليك به إلى ما كنت تنسبه؟ قال: إلى البخل، قال: أفيبخل الله تعالى؟ قال: فما
هو؟ قال: حبنا أهل البيت (عليهم السلام) (5).
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) قال: ليس في الدنيا نعيم حقيقي، فقال له بعض الفقهاء ممن
حضره: فيقول الله تعالى: " ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم " أما هذا النعيم في الدنيا وهو الماء
البارد، فقال له الرضا (عليه السلام)، وعلا صوته: كذا فسرتموه أنتم وجعلتموه على ضروب، فقالت
طائفة: هو الماء البارد، وقال غيرهم: هو الطعام الطيب، وقال آخرون: هو النوم الطيب، ولقد

1 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص 246، ح 13، المجلس التاسع والأربعون.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 440، س 16.
3 - الإحتجاج: ج 1، ص 375، س 6، احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القرآن
متشابهة تحتاج إلى التأويل.
4 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي، بل وجدناه في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 534، نقلا عن العياشي.
5 - بحار الأنوار: ج 10، ص 220 - 221، ح 20.
547

حدثني أبي، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليهم السلام): إن أقوالكم هذه ذكرت عنده في قول الله عز وجل:
" ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم " فغضب وقال: إن الله عز وجل لا يسأل عباده عما تفضل عليهم
بذلك، ولا يمن بذلك عليهم، والإمتنان بالإنعام مستقبح من المخلوقين فكيف يضاف إلى الخالق
عز وجل ما لا يرضى المخلوق به؟ ولكن النعيم: حبنا أهل البيت وموالاتنا، يسأل الله عنه بعد
التوحيد والنبوة، لأن العبد إذا وفى بذلك أداه إلى نعيم الجنة الذي لا يزول (1).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال: إن الله عز وجل أكرم وأجل من أن
يطعمكم طعاما فيسوغكموه ثم يسألكم عنه، ولكن يسألكم عما أنعم عليكم بمحمد وآل محمد
صلى الله عليه وعليهم (2). وفي رواية عن الباقر (عليه السلام): إنما يسألكم عما أنتم عليه من الحق (3).
وفي المحاسن: عن الصادق (عليه السلام) قال: ثلاثة لا يحاسب العبد المؤمن عليهن: طعام يأكله،
وثوب يلبسه، وزوجة صالحة تعاونه وتحصن بها فرجه (4).
وفي رواية قال: إن الله أكرم من أن يسأل مؤمنا عن أكله وشربه (5).
أقول: لعل التوفيق بين الأخبار بأن يقال: لا يسئل أحد عن ضروري المطعم
والملبس وغيرهما، وإنما يسئل عما زاد على الضرورة (6)، ومن خالف الحق، ولا يسئل أهل
الحق إلا عما أنعم به عليه من الحق.
في ثواب الأعمال (7)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ سورة " ألهاكم التكاثر " في
فريضة كتب الله له أجر مائة شهيد، ومن قرأها في نافلة كتب له أجر خمسين شهيدا، وصلى
معه في فريضته أربعون صفا من الملائكة إن شاء الله (8).

1 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 129، ح 8، باب 35 - ما كتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون في محض الإسلام وشرائع
الدين. 2 و 3 - الكافي: ج 6، ص 280، ح 3 و 5، باب آخر في التقدير، وأن الطعام لا حساب له.
4 و 5 - المحاسن: ج 2، ص 163، ح 1445 / 82 و 1446 / 83، باب 6 - لا سرف في الطعام من كتاب المأكل.
6 - هكذا في الأصل، وجاء في هامش المخطوطة: " وإنما يسئل عما زاد على الضرورة، وعما أنعم الله به من
الإرشاد إلى مودة أهل البيت (عليهم السلام) وطاعتهم كيف صنع لهم ".
7 - ثواب الأعمال: ص 125، ح 1، باب ثواب قراءة سورة " ألهاكم التكاثر ". وفيه: " ثواب وأجر مائة
شهيد. كتب الله له ثواب خمسين شهيدا "، الحديث.
8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 523 - 533، في فضلها. وفيه: " من قرأ سورة " ألهاكم التكاثر " في فريضة
كتب له ثواب وأجر مائة شهيد، ومن قرأها في نافلة كان له ثواب خمسين شهيدا "، الحديث.
548

بسم الله الرحمن الرحيم
والعصر 1 إن الإنسان لفي خسر 2 إلا الذين آمنوا
وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر 3
سورة العصر: مكية، وهي ثلاث آيات بالإجماع، اختلافها آيتان " والعصر " (1) غير
المكي والمدني الأخير، " بالحق " (2) مكي والمدني الأخير.
* (والعصر * إن الإنسان لفي خسر) *: قيل: أقسم بصلاة العصر، أو بعصر النبوة
إن الإنسان لفي خسران في مساعيهم، وصرف أعمارهم في مطالبهم (3).
* (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) *: فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا، ففازوا
بالحياة الأبدية، والسعادة السرمدية.
* (وتواصوا بالحق) *: بالثابت الذي لا يصح إنكاره من اعتقاد أو عمل.
* (وتواصوا بالصبر) *: عن المعاصي وعلى الطاعات والمصائب، وهذا من عطف
الخاص على العام.
وفي الإكمال: عن الصادق (عليه السلام) قال: " العصر " عصر خروج القائم (عليه السلام) " إن الإنسان لفي
خسر " يعني أعداءنا، " إلا الذين آمنوا " يعني بإيابنا، " وعملوا الصالحات " يعني بمواساة

1 - العصر: 1.
2 - العصر: 3.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 574، س 18.
549

الإخوان، " وتواصوا بالحق " يعني بالإمامة، " وتواصوا بالصبر " يعني بالعترة (1).
والقمي: عنه (عليه السلام) قال: استثنى أهل صفوته من خلقه حيث قال: " إن الإنسان لفي
خسر * إلا الذين آمنوا " يقول: آمنوا بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، و " وتواصوا بالحق " ذرياتهم
ومن خلفوا بالولاية، تواصوا بها، وصبروا عليها (2).
وفي المجمع: عن علي (عليه السلام) (3)، والقمي: عن الصادق (عليه السلام) إنهما قرآ: " والعصر إن الإنسان
لفي خسر إلى آخر الدهر " (4).
في ثواب الأعمال (5)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ " والعصر " في نوافله بعثه الله
يوم القيامة مشرقا وجهه، ضاحكا سنه، قريرا عينه، حتى يدخل الجنة (6).
* * *

1 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 656، ح 1، باب 58 - في نوادر الكتاب. وفيه: " يعني بآياتنا ".
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 441، س 9.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 536، س 20.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 441، س 4.
5 - ثواب الأعمال: ص 125 - 126، ح 1، باب ثواب قراءة سورة العصر.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 535، في فضلها.
550

بسم الله الرحمن الرحيم
ويل لكل همزة لمزة 1 الذي جمع مالا وعدده 2 يحسب
أن ماله أخلده 3 كلا لينبذن في الحطمة 4
سورة الهمزة: مكية، وهي تسع آيات بالإجماع.
* (ويل لكل همزة لمزة) *: أصل الهمز: الكسر، واللمز: الطعن، وشاعا في كسر
الأعراض بالطعن.
القمي: قال: " همزة " الذي يغمز الناس، ويستحقر الفقراء، وقوله: " لمزة " الذي يلوي
عنقه ورأسه، ويغضب إذا رآى فقيرا أو سائلا (1).
* (الذي جمع مالا وعدده) *: وجعله عدة للنوازل، أو عدة مرة بعد أخرى.
والقمي: قال: أعده ووضعه (2). وقرئ جمع بالتشديد للتكثير.
* (يحسب أن ماله أخلده) *: تركه خالدا في الدنيا. القمي: قال: ويبقيه (3).
* (كلا لينبذن) *: ليطرحن.
* (في الحطمة) *: القمي: النار التي تحطم كل شئ (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 441، س 14.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 441، س 16.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 441، س 17.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 441، س 18.
551

وما أدريك ما الحطمة 5 نار الله الموقدة 6 التي تطلع
على الأفئدة 7 إنها عليهم مؤصدة 8 في عمد ممددة 9
* (وما أدريك ما الحطمة * نار الله الموقدة) *: التي أوقدها الله، وما أوقده الله
لا يقدر أن يطفأه غيره.
* (التي تطلع على الأفئدة) *: القمي: قال: تلتهب على الفؤاد (1).
* (إنها عليهم مؤصدة) *: قال: مطبقة (2).
* (في عمد ممددة) *: أي موثقين في أعمد ممدودة.
القمي: قال: إذا مدت العمد عليهم كان والله الخلود (3).
والعياشي: عن الباقر (عليه السلام) ما في معناه (4). وقرئ " عمد " بضمتين.
في ثواب الأعمال (5)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ " ويل لكل همزة لمزة " في
فريضة من فرائضه بعد الله عنه الفقر، وجلب عليه الرزق، ويدفع عنه ميتة السوء (6).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 441، س 19.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 442، س 1.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 442، س 2.
4 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي، بل عثرنا عليه في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 538، نقلا عن العياشي.
5 - ثواب الأعمال: ص 126، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الهمزة.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 536، في فضلها.
552

بسم الله الرحمن الرحيم
ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل 1 ألم يجعل كيدهم
في تضليل 2 وأرسل عليهم طيرا أبابيل 3 ترميهم
بحجارة من سجيل 4 فجعلهم كعصف مأكول 5
سورة الفيل: خمس آيات بالإجماع.
* (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم) *: في هدم
الكعبة.
* (في تضليل) *: في تضييع وإبطال، بأن دمرهم وعظم شأنها.
* (وأرسل عليهم طيرا أبابيل) *: جماعات.
* (ترميهم بحجارة من سجيل) *: من طين متحجر معرب سنك گل.
* (فجعلهم كعصف مأكول) *: كورق زرع وقع فيه الأكال (1)، أو أكل حبه فبقى
صفرا منه، أو كتبن أكلته الدواب.
القمي: قال: نزلت في الحبشة حين جاؤوا بالفيل ليهدموا به الكعبة، فلما أدنوه من باب
المسجد قال له عبد المطلب: تدري أين يأم بك؟ قال برأسه: لا، قال: أتوا بك لتهدم كعبة الله،

1 - قال الطريحي: " كعصف مأكول " أي كزرع مأكول، والمأكول: الذي اخذ ما فيه من الحب فاكل، وبقي هو لا
حب فيه، يعني جعلهم كزرع قد اكل حبه، وبقي تبنه. مجمع البحرين: ج 5، ص 100، مادة " عصف ".
553

أتفعل ذلك؟ فقال برأسه: لا، فجهدت به الحبشة ليدخل المسجد فامتنع، فحملوا عليه
بالسيوف وقطعوه، فأرسل الله عليهم طيرا أبابيل، قال: بعضها إلى أثر بعض، " ترميهم بحجارة
من سجيل " قال: كان مع كل طير ثلاثة أحجار، حجر في منقاره، وحجران في مخالبه، وكانت
ترفرف على رؤوسهم، وترمي في دماغهم، فيدخل الحجر في دماغهم، ويخرج من أدبارهم،
وينتقض أبدانهم، فكانوا كما قال: " فجعلهم كعصف مأكول "، قال: العصف: التبن، والمأكول:
هو الذي يبقى من فضله (1).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) ما في معناه بروايتين مع زيادات واختلافات في ألفاظه،
وقال في إحداهما: وبعث الله عليهم الطير كالخطاطيف في مناقيرها حجر كالعدسة أو نحوها،
فكانت تحاذي برأس الرجل ثم يرسلها على رأسه فتخرج من دبره حتى لم يبق منهم أحد إلا
رجل هرب، فجعل يحدث الناس بما رأى، إذ طلع عليه طائر منها فرفع رأسه فقال: هذا الطير
منها، وجاء الطير حتى حاذى رأسه ثم ألقاها عليه فخرجت من دبره فمات (2).
وعن الباقر (عليه السلام): إنه سئل عن قوله تعالى " وأرسل عليهم طيرا أبابيل " قال: كان طير
ساف جاءهم من قبل البحر، رؤوسها كأمثال رؤوس السباع، وأظفارها كأظفار السباع، من
الطير مع كل طائر ثلاثة أحجار في رجليه حجران، وفي منقاره حجر، فجعلت ترميهم بها حتى
جدرت أجسادهم فقتلهم بها، وما كان قبل ذلك رئي شئ من الجدري ولا رأوا من ذلك
الطير قبل ذلك اليوم ولا بعده، قال: ومن أفلت منهم يومئذ انطلق حتى إذا بلغوا حضرموت،
وهو واد دون اليمن أرسل الله عليهم سيلا فغرقهم أجمعين، قال: وما رئي في ذلك الوادي ماء قط
قبل ذلك اليوم بخمس عشرة سنة، قال: ولذلك سمي حضرموت حين ماتوا فيه (3).
وفي العلل: عنه (عليه السلام) ما يقرب منه (4). وفي قرب الإسناد: عن الكاظم (عليه السلام) إن أبرهة بن
يكسوم، قاد الفيل إلى بيت الله الحرام ليهدمه، قبل مبعث النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال عبد المطلب: إن لهذا

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 442، س 6.
2 - الكافي: ج 4، ص 216، ح 2، باب ورود تبع وأصحاب الفيل البيت، وحفر عبد المطلب زمزم، وهدم قريش
الكعبة
3 - الكافي: ج 8، ص 84، ح 44.
4 - علل الشرائع: ص 521، ح 2، باب 297 - العلة التي من أجلها نهي الفرار من الوباء.
554

البيت ربا يمنعه، ثم جمع أهل مكة فدعا، وهذا بعد ما أخبره سيف بن ذي يزن، فأرسل الله
عليهم طيرا أبابيل ترميهم، ودفعهم عن مكة وأهلها (1). وفي الأمالي في هذه القصة
زيادات (2).
قيل: وكان السبب فيه أن أبرهة بن الصباح الأشرم ملك اليمن من قبل أصحمة
النجاشي بنى كنيسة بصنعاء، وسماها القليس، وأراد أن يصرف إليها الحاج، فخرج رجل من
كنانة فقعد فيها ليلا فأغضبه ذلك، فحلف ليهدمن الكعبة، فخرج بجيشه ومعه فيل قوي اسمه
محمود، إلى آخر القصة (3).
في ثواب الأعمال (4)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ في فرائضه " ألم تر كيف فعل
ربك " شهد له يوم القيامة كل سهل وجبل ومدر، بأنه كان من المصلين، وينادي يوم القيامة
مناد: صدقتم على عبدي، قبلت شهادتكم له وعليه، أدخلوه الجنة ولا تحاسبوه، فإنه ممن
أحبه الله وأحب عمله (5). قد سبق أن هذه السورة مع ما بعدها تقرآن في الصلاة معا (6).
وفي المجمع: عن العياشي، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: " ألم تر كيف فعل ربك " و " لإيلاف
قريش " سورة واحدة (7). قال: وروي أن أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه (8).
* * *

1 - قرب الإسناد: ص 319، ح 1228، ونقله المجلسي في بحاره: ج 17، ص 226، ح 1، ورواه الراوندي في
الخرائج والجرائح: ج 1، ص 114، ح 189.
2 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 80، ح 120 / 29، المجلس الثالث.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 576، س 10.
4 - ثواب الأعمال: ص 126، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الفيل ولإيلاف قريش.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 539، في فضلها.
6 - سبق في نهاية سورة الإنشراح.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 544، س 2.
8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 544، س 3.
555

سورة قريش
سورة الماعون
سورة الكوثر
سورة الكافرون
سورة النصر
557

بسم الله الرحمن الرحيم
لإيلاف قريش 1 إيلافهم رحلة الشتاء والصيف 2
فليعبدوا رب هذا البيت 3 الذي أطعمهم من جوع
وآمنهم من خوف 4
سورة قريش: مكية، وهي خمس آيات حجازي، أربع آيات عند غيرهم، اختلافها
آية " من جوع " (1) حجازي.
* (لإيلاف قريش) *: وهو متعلق بقوله " فليعبدوا " (2) أو " كعصف مأكول " (3) أو
بمحذوف كاعجبوا.
* (إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي
أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) *: القمي: قال: نزلت في قريش لأنه كان معاشهم
من الرحلتين، رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام، وكانوا يحملون من مكة
الأدم، واللب، وما يقع من ناحية البحر من الفلفل وغيره، فيشترون بالشام الثياب
والدرمك (4)، والحبوب، وكانوا يتألفون في طريقهم، ويثبتون في الخروج في كل خرجة رئيسا

1 - قريش: 4.
2 - قريش: 3.
3 - الفيل: 5.
4 - الدرمك - كجعفر -: دقيق الحواري، والتراب الناعم، ودرمك: عدا أو قارب الخطو والبناء ملسه.
القاموس المحيط: ج 3، ص 301، مادة " درك ".
559

من رؤوساء قريش، وكان معاشهم من ذلك، فلما بعث الله نبيه (صلى الله عليه وآله) استغنوا عن ذلك لأن
الناس وفدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحجوا إلى البيت، فقال الله: " فليعبدوا رب هذا البيت *
الذي أطعمهم من جوع " فلا يحتاجون أن يذهبوا إلى الشام " وآمنهم من خوف " يعني خوف
الطريق (1).
في ثواب الأعمال (2)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام): من أكثر قراءة لإيلاف قريش بعثه الله
يوم القيامة على مركب من مراكب الجنة حتى يقعد على موائد النور يوم القيامة إن شاء الله (3).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 444، س 5.
2 - ثواب الأعمال: ص 126، ح 1، باب ثواب قراءة سورة الفيل ولإيلاف.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 539، في فضل سورة الفيل.
560

بسم الله الرحمن الرحيم
أرأيت الذي يكذب بالدين 1 فذلك الذي يدع اليتيم
2 ولا يحض على طعام المسكين 3 فويل للمصلين 4
سورة الماعون: وتسمى سورة أرأيت، مكية، وقيل: مدنية، وهي سبع آيات أو ست.
* (أرأيت الذي يكذب بالدين) *: بالجزاء، القمي: قال: نزلت في أبي جهل وكفار
قريش (1).
* (فذلك الذي يدع اليتيم) *: قال: يدفعه، يعني عن حقه (2).
قيل: كان أبو جهل وصيا ليتيم فجاءه عريانا يسأله من مال نفسه فدفعه، وأبو سفيان
نحر جزورا، فسأله يتيم لحما فقرعه بعصا (3).
* (ولا يحض) *: ولا يرغب.
* (على طعام المسكين) *: لعدم اعتقاده بالجزاء، ولذلك رتب الجملة على
" يكذب " بالفاء.
* (فويل للمصلين) *: الفاء جزائية، يعني إذا كان عدم المبالاة باليتيم والمسكين من
تكذيب الدين، فالسهو عن الصلاة التي هي عماد الدين والرياء ومنع الزكاة أحق بذلك،
ولذلك رتب عليه الويل.

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 444، س 16.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 444، س 16.
3 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 578، س 1.
561

الذين هم عن صلاتهم ساهون 5 الذين هم يراء ون 6
ويمنعون الماعون 7
* (الذين هم عن صلاتهم ساهون) *: غافلون غير مبالين بها.
القمي: قال: عنى به تاركون، لأن كل إنسان يسهو في الصلاة (1).
وفي المجمع: عن العياشي، عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن هذه الآية أهي وسوسة
الشيطان؟ فقال: لا، كل أحد يصيبه هذا، ولكن أن يغفلها ويدع أن يصلي في أول وقتها (2).
والقمي: عنه (عليه السلام) قال: هو تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر (3).
وفي الخصال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس عمل أحب إلى الله عز وجل من الصلاة فلا
يشغلنكم عن أوقاتها شئ من أمور الدنيا، فإن الله عز وجل ذم أقواما فقال: " الذين هم عن
صلاتهم ساهون " يعني إنهم غافلون استهانوا بأوقاتها (4).
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) قال: هو الترك لها والتواني عنها (5).
وفيه (6)، وفي الكافي: عن الكاظم (عليه السلام) قال: هو التضييع (7).
* (الذين هم يراء ون) *: الناس بصلاتهم ليثنوا عليهم.
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يريد بهم المنافقين الذين لا يرجون لها ثوابا إن
صلوا، ولا يخافون عليها عقابا إن تركوا، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها، فإذا كانوا مع
المؤمنين صلوها رياءا، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا وهو قوله: " الذين هم يراءون " (8).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 444، س 18.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 548، س 3.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 444، س 19.
4 - الخصال: ص 621، س 14، ح 10، باب 400 - علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربع مائة
باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 548، س 6.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 548، س 7.
7 - الكافي: ج 3، ص 268، ح 5، باب من حافظ على صلاته أو ضيعها.
8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 547، س 7.
562

* (ويمنعون الماعون) *: القمي: مثل السراج والنار والخمير وأشباه ذلك مما يحتاج
إليه الناس (1).
قال: وفي رواية أخرى: الخمس والزكاة (2).
وفي المجمع: عن علي، والصادق (عليهما السلام) هو الزكاة المفروضة (3).
ومرفوعا: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الدلو والفاس، وما لا يمنع كالماء والملح (4).
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: هو القرض تقرضه، والمعروف تصنعه، ومتاع البيت
تعيره، ومنه الزكاة، قيل: إن لنا جيرانا إذا أعرناهم متاعا كسروه وأفسدوه، فعلينا جناح أن
نمنعهم، فقال: لا ليس عليكم جناح أن تمنعوهم إذا كانوا كذلك (5).
في ثواب الأعمال (6)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) من قرأ سورة " أرأيت الذي يكذب
بالدين " في فرائضه ونوافله قبل الله صلاته وصيامه ولم يحاسبه بما كان منه في الحياة الدنيا (7).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 444، س 20.
2 - تفسير القمي: ج 2، ص 444، س 21.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 548، س 8.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 548، س 9.
5 - الكافي: ج 3، ص 498، ح 8، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق.
6 - ثواب الأعمال: ص 126، ح 1، باب ثواب قراءة " أرأيت ".
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 546، في فضلها.
563

بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أعطينك الكوثر 1
سورة الكوثر: مكية، وقيل: مدنية، وهي ثلاث آيات بالإجماع.
* (إنا أعطينك الكوثر) *: الخير المفرط الكثرة، فسر (1) بالعلم، والعمل، والنبوة،
والكتاب، وبشرف الدارين، وبالذرية الطيبة.
وفي المجمع: عن الصادق (عليه السلام) هو الشفاعة (2).
وعنه (عليه السلام): قال: هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه (صلى الله عليه وآله) عوضا من ابنه (3). والقمي: مثله (4).
وفي الأمالي: عن ابن عباس، قال: لما نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) " إنا أعطينك الكوثر "
قال له علي بن أبي طالب (عليه السلام): ما الكوثر يا رسول الله؟ قال: نهر أكرمني الله به، قال علي (عليه السلام):
إن هذا النهر شريف فانعته لنا يا رسول الله، قال: نعم يا علي، الكوثر نهر يجري تحت عرش الله
تعالى، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد، حصاه الزبرجد،
والياقوت، والمرجان، حشيشه الزعفران، ترابه المسك الأذفر، قواعده تحت عرش الله عز
وجل، ثم ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جنب أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا علي هذا النهر لي ولك

1 - هكذا في الأصل، والعبارة غير مفهومة، ولعل الأنسب هكذا: الخير المفرط الكثرة من العلم، والعمل،
والنبوة، والكتاب، وشرف الدارين، وبالذرية الطيبة.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 549، س 25.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 549، س 17.
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 445، س 3.
565

ولمحبيك من بعدي (1).
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه سئل عنه حين نزلت السورة؟ فقال: نهر وعدنيه ربي
عليه خير كثير، وهو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد نجوم السماء، فيختلج
القرن (2) منهم، فأقول: يا رب إنهم من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (3).
وفي الخصال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعي عترتي على
الحوض، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا، وليعمل عملنا، فإن لكل أهل بيت نجيبا، ولنا نجيب، ولنا
شفاعة، ولأهل مودتنا شفاعة، فتنافسوا في لقائنا على الحوض فإنا نذود عنه أعداءنا، ونسقي
منه أحباءنا وأولياءنا، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، حوضنا فيه مشعبان (4)
ينصبان من الجنة، أحدهما من تسنيم (5)، والآخر من معين، على حافتيه الزعفران، وحصاه

1 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 69 - 70، ح 102 / 11، المجلس الثالث.
أقول: ومن هنا قال الشاعر:
إن في الجنة نهرا من لبن * لعلي وحسين وحسن
كل من كان محبا لهم * يدخل الجنة من دون حزن
2 - الإختلاج: الجذب والنزع، والقرن من الناس: أهل زمان واحد. منه (قدس سره).
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 549، س 18.
أقول: وجاء في صحيح البخاري: ج 7، ص 207، عن أنس، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: ليردن علي ناس من
أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك. وهكذا في
نفس الصفحة: عن سهل بن سعد، قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب، ومن شرب لم
يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم، قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش،
فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم، فقال: اشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها، فأقول: إنهم
مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي.
ونحوه عن سهل بن سعد ج 8، ص 87. وغير ذلك من الروايات في أبواب مختلفة الدالة على أن بعض
أصحابه (صلى الله عليه وآله) ارتدوا وانقلبوا على أعقابهم القهقرى.
4 - هكذا في الأصل، وفي المصدر: [حوضنا مترع فيه مثعبان]. وحوض ترع - بالتحريك، ومترع -: أي مملوء.
لسان العرب: ج 2، ص 29، مادة " ترع ". والثعب: مسيل الوادي والجمع: ثعبات. لسان العرب: ج 2، ص 97،
مادة " ثعب ".
5 - تسنيم: هو عين في الجنة، وهو أشرف شراب في الجنة، وقيل: هو نهر يجري في الهواء وينصب في أواني أهل
الجنة بحسب الحاجة. مجمع البحرين: ج 6، ص 92، مادة " سنم ".
566

فصل لربك وانحر 2 إن شانئك هو
الأبتر 3
اللؤلؤ وهو الكوثر (1).
* (فصل لربك) *: فدم على الصلاة.
* (وانحر) *: في المجمع: عن الصادق (عليه السلام) هو رفع يديك حذاء وجهك (2).
وفي رواية: فقال بيده هكذا، يعني استقبل بيده حذاء وجهه القبلة في افتتاح الصلاة (3).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما نزلت هذه السورة قال النبي (صلى الله عليه وآله) لجبرئيل (عليه السلام): ما هذه النحيرة
التي أمرني بها ربي؟ قال: ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا
كبرت، وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة
في السماوات السبع، فإن لكل شئ زينة، وإن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة (4).
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) إنه سئل عنه فقال: النحر: الإعتدال في القيام أن يقيم صلبه
ونحره (5).
أقول: وفي تفسير العامة: إن المراد بالصلاة صلاة العيد، وبالنحر: نحر الهدي
والأضحية (6).
* (إن شانئك) *: مبغضك.
* (هو الأبتر) *: الذي لا عقب له، إذ لا يبقى له نسل، ولا حسن ذكر، وأما أنت فتبقى
ذريتك، وحسن صيتك، وآثار فضلك إلى يوم القيامة، ولك في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف.

1 - الخصال: ص 624، س 18، ح 10، باب 400 - علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربع مائة
باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه.
2 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 550، س 7.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 550، س 8.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 550، س 11.
5 - الكافي: ج 3، ص 336 - 337، ح 9، باب القيام والقعود في الصلاة.
6 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 578، س 18.
567

القمي: قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسجد، وفيه عمرو بن العاص، والحكم بن العاص،
فقال عمرو: يا أبا الأبتر، وكان الرجل في الجاهلية إذا لم يكن له ولد سمي أبتر، ثم قال عمرو:
إني لأشنئ محمدا أي أبغضه، فأنزل الله على رسوله السورة " إن شانئك " أي مبغضك " هو
الأبتر " يعني لا دين له ولا نسب (1).
في ثواب الأعمال (2)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من كانت قراءته " إنا أعطينك
الكوثر " في فرائضه ونوافله، سقاه الله من الكوثر يوم القيامة، وكان محدثه عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في أصل طوبى (3).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 445، س 4.
2 - ثواب الأعمال: ص 126 - 127، ثواب قراءة سورة الكوثر.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 548، في فضلها.
568

بسم الله الرحمن الرحيم
قل يا أيها الكافرون 1 لا أعبد ما تعبدون 2 ولا أنتم
عبدون ما أعبد 3 ولا أنا عابد ما عبدتم 4 ولا أنتم
عبدون ما أعبد 5 لكم دينكم ولى دين 6
سورة الكافرون: وتسمى سورة الجحد، وعن ابن عباس وقتادة أنها مدنية، وهي ست
آيات بالإجماع.
* (قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عبدون ما
أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عبدون ما أعبد * لكم دينكم ولى
دين) *: لا تتركونه ولا أتركه. في الأمالي: إن نفرا من قريش اعترضوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) منهم
عتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة، والعاص بن سعد، فقالوا: يا محمد هلم
فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد، فنشرك نحن وأنت في الأمر، فإن يكن الذي نحن عليه الحق فقد
أخذت بحظك منه، وإن يكن الذي أنت عليه الحق فقد أخذنا بحظنا منه، فأنزل الله تبارك
وتعالى السورة (1).
قيل في سبب التكرير: أن الأول فيما يستقبل، فإن " لا " لا تدخل إلا على مضارع بمعنى
الاستقبال، والثاني في الحال أو فيما سلف (2).

1 - الأمالي للشيخ الطوسي: ص 19 - 20، ح 22 / 22، المجلس الأول.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 579، س 6، وانظر تفسير الكشاف: ج 4، ص 808.
569

والقمي: سأل أبو شاكر الديصاني أبا جعفر الأحول عن ذلك، قال: فهل يتكلم الحكيم
بمثل هذا القول، ويكرره مرة بعد مرة، فلم يكن عند الأحول في ذلك جواب، فدخل المدينة
فسأل الصادق (عليه السلام) عن ذلك فقال: كان سبب نزولها وتكرارها أن قريشا قالت لرسول
الله (صلى الله عليه وآله): تعبد إلهنا سنة، ونعبد إلهك سنة، وتعبد إلهنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فأجابهم الله
بمثل ما قالوا، الحديث (1).
في ثواب الأعمال (2)، والمجمع: عنه (عليه السلام) من قرأ " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله
أحد " في فريضة من الفرائض غفر الله له ولوالديه وما ولد، وإن كان شقيا محي من ديوان
الأشقياء، وأثبت في ديوان السعداء، وأحياه الله سعيدا، وأماته شهيدا وبعثه شهيدا (3).
وفي المجمع (4)، والكافي: عنه (عليه السلام) قال: كان أبي يقول: " قل يا أيها الكافرون " ربع
القرآن (5). وزاد في المجمع: وكان إذا فرغ منها قال: أعبد الله وحده أعبد الله وحده (6).
وفيه (7)، والقمي: عنه (عليه السلام): إذا فرغت منها فقل: ديني الإسلام ثلاثا (8).
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 445، س 12. وفي نهاية الحديث: قال أبو شاكر: هذا ما حمله الإبل من الحجاز،
كناية عن أخذ العلم من أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام).
2 - ثواب الأعمال: ص 127، ح 1، باب ثواب قراءة سورة " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 551، في فضلها.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 551، في فضلها.
5 - الكافي: ج 2، ص 621، ح 7، باب فضل القرآن.
6 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 551، في فضلها.
7 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 551، في فضلها. وفيه: " فقل: ديني الإسلام ثلاث مرات ".
8 - تفسير القمي: ج 2، ص 446، س 3. وفيه: " وكان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا فرغ من قراءتها يقول: ديني
الإسلام " ثلاثا.
570

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا جاء نصر الله والفتح 1 ورأيت الناس يدخلون في
دين الله أفواجا 2 فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان
توابا 3
سورة النصر: مدنية، وهي ثلاث آيات بالإجماع.
* (إذا جاء نصر الله) *: إياك على أعدائك.
* (والفتح) *: فتح مكة.
* (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا) *: جماعات، كأهل مكة،
والطائف، واليمن، وسائر قبائل العرب.
* (فسبح بحمد ربك) *: فنزهه حامدا له على أن صدق وعده.
* (واستغفره) *: هضما لنفسك أو لامتك.
* (إنه كان توابا) *: رحيما، القمي: قال: نزلت بمنى في حجة الوداع، فلما نزلت قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): نعيت إلي نفسي (1).
قيل: ولعل ذلك لدلالتها على تمام الدعوة، وكمال أمر الدين (2).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 446 - 447.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 580، س 11.
571

وفي الكافي (1)، والعيون: عن الصادق (عليه السلام) إن أول ما نزل: " اقرأ باسم ربك " وآخره:
" إذا جاء نصر الله " (2).
وفي المجمع: عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بآخره ولا يقوم ولا يقعد ولا يجئ
ولا يذهب إلا قال: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فسألناه عن ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله):
إني أمرت بها، ثم قرأ هذه السورة (3).
في ثواب الأعمال (4)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) من قرأ " إذا جاء نصر الله " في نافلة أو
فريضة نصره الله على جميع أعدائه، وجاءه يوم القيامة ومعه كتاب ينطق، قد أخرجه الله من
جوف قبره، فيه أمان من جسر جهنم، ومن النار، ومن زفير جهنم، فلا يمر على شئ يوم
القيامة إلا بشره وأخبره بكل خير حتى يدخل الجنة، ويفتح له في الدنيا من أسباب الخير ما لم
يتمن، ولم يخطر على قلبه (5).
* * *

1 - الكافي: ج 2، ص 628، ح 5، باب النوادر.
2 - عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 6، ح 12، باب 30.
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 554، س 19.
4 - ثواب الأعمال: ص 127، ح 1، باب ثواب قراءة سورة النصر.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 553، في فضلها.
572

سورة المسد
سورة الإخلاص
سورة الفلق
سورة الناس
573

بسم الله الرحمن الرحيم
تبت يدا أبى لهب وتب 1 ما أغنى عنه ماله وما كسب
2 سيصلى نارا ذات لهب 3 وامرأته حمالة الحطب 4
في جيدها حبل من مسد 5
سورة المسد: وتسمى سورة أبي لهب، مكية، خمس آيات بالإجماع.
* (تبت يدا أبى لهب) *: أي خسرت وهلكت، فإن التباب: خسران يؤدي إلى
الهلاك. قيل: أريد بيديه نفسه، كقوله: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " (1) (2).
وقيل: بل المراد دنياه وأخراه (3).
* (وتب) *: إخبار بعد إخبار، أو دعاء عليه بعد دعاء.
* (ما أغنى عنه ماله وما كسب) *: حين نزل به التباب. قيل: أنه مات بالعدسة (4)
بعد وقعة بدر بأيام معدودة، وترك ثلاثا حتى أنتن، ثم استؤجر بعض السودان فدفنوه (5).
* (سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته) *: وهي أم جميل، أخت أبي سفيان.
* (حمالة الحطب) *: قيل: يعني حطب جهنم، فإنها كانت تحمل الأوزار بمعاداة

1 - البقرة: 195. 2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 580، س 18.
3 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 580، س 20.
4 - العدسة: هي بثرة تشبه العدسة تخرج في مواضع من الجسد من جنس الطاعون تقتل صاحبها غالبا. لسان
العرب: ج 9، ص 81، مادة " عدس ".
5 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 581، س 7.
575

الرسول (صلى الله عليه وآله)، وتحمل زوجها على إيذائه (1). وقيل: بل أريد به حزمة الشوك والحسك كانت
تحملها فتنثرها بالليل في طريق رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2). وقرئ بالنصب على الشتم.
* (في جيدها حبل من مسد) *: أي مما مسد، أي فتل يعني من نار.
القمي: " تبت يدا أبى لهب " قال: أي خسرت لما اجتمع مع قريش في دار الندوة
وبايعهم على قتل محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان كثير المال، فقال الله: " ما أغنى عنه ماله وما
كسب * سيصلى نار ذات لهب " عليه فتحرقه، " وامرأته حمالة الحطب " قال: كانت أم جميل
بنت صخر وكانت تنم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتنقل أحاديثه إلى الكفار " حمالة الحطب " أي
احتطبت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) " في جيدها " أي في عنقها، " حبل من مسد " أي من نار، قال:
وكان اسم أبي لهب عبد مناف، فكناه الله لأن منافا صنم يعبدونه (3).
وفي المجمع: في قوله تعالى: " وأنذر عشيرتك الأقربين " (4) عن ابن عباس قال: لما
نزلت هذه الآية صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الصفا فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش،
فقالوا: مالك، قال: أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقوني؟
قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قال أبو لهب: تبا لك ألهذا دعوتنا جميعا،
فأنزل الله عز وجل: " تبت يدا أبى لهب وتب " السورة (5).
وفي قرب الإسناد: عن الكاظم (عليه السلام) في حديث آيات النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ومن ذلك أن أم جميل
امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة تبت، ومع النبي (صلى الله عليه وآله) أبو بكر بن أبي قحافة، فقال: يا رسول
الله، هذه أم جميل محفظة أي مغضبة، تريدك، ومعها حجر تريد أن ترميك به، فقال: إنها لا تراني،
فقالت لأبي بكر: أين صاحبك؟ قال: حيث شاء الله، قالت: لقد جئته ولو أراه لرميته، فإنه هجاني،
واللات والعزى إني لشاعرة، فقال أبو بكر: يا رسول الله لم ترك، قال: لا، ضرب الله بيني وبينها
حجابا (6). في ثواب الأعمال (7)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا قرأتم " تبت يدا أبى لهب
وتب " فادعوا على أبي لهب فإنه كان من المكذبين بالنبي (صلى الله عليه وآله) وبما جاء من عند الله تعالى (8).

1 و 2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 581، س 9 و 11.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 448، س 3.
4 - الشعراء: 214.
5 - مجمع البيان: ج 7 - 8، ص 206، س 26.
6 - قرب الإسناد: ص 329، ح 1228.
7 - ثواب الأعمال: ص 127، ح 1، باب ثواب قراءة سورة تبت. 8 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 558، في فضلها.
576

بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد 1 الله الصمد 2 لم يلد ولم يولد 3
ولم يكن له كفوا أحد 4
سورة الإخلاص: مكية، وقيل: مدنية، وسميت سورة التوحيد، وهي خمس آيات.
* (قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا
أحد) *: وقرئ " كفوا " بالتسكين وبالتحريك وقلب الهمزة واوا.
القمي: وكان سبب نزولها أن اليهود جاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت له: ما نسبة ربك،
فأنزل الله (1).
وفي الكافي (2)، والتوحيد: عن الصادق (عليه السلام) قال: إن اليهود سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقالوا: أنسب لنا ربك، فلبث ثلاثا لا يجيبهم، ثم نزلت: " قل هو الله أحد " إلى آخرها (3).
وفي التوحيد: عن الباقر (عليه السلام) في تفسيرها قال: " قل " أي أظهر ما أوحينا إليك ونبأناك
به بتأليف الحروف التي قرأناها لك، ليهدي بها من " ألقى السمع وهو شهيد " (4)، وهو اسم
مكنى مشار به إلى غائب " فالهاء " تنبيه على معنى ثابت، و " الواو " إشارة إلى الغائب عن
الحواس، كما أن قولك: " هذا " إشارة إلى المشاهد عند الحواس، وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 448، س 12.
2 - الكافي: ج 1، ص 91، ح 1، باب النسبة.
3 - التوحيد: ص 93، ح 8، باب 4 - معنى " قل هو الله أحد ".
4 - ق: 37.
577

بحرف إشارة إلى المشاهد (1) المدرك، فقالوا: هذه آلهتنا المدركة المحسوسة (2) بالأبصار، فأشر
أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه، فأنزل الله تبارك
وتعالى: " قل هو " فالهاء تثبيت للثابت، والواو إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس
الحواس، وأنه تعالى عن ذلك، بل هو مدرك الأبصار، ومبدع الحواس (3).
ثم قال (عليه السلام): الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته، والإحاطة بكيفيته،
ويقول العرب: أله الرجل إذا تحير في الشئ فلم يحط به علما، ووله: إذا فزع إلى شئ مما يحذره
ويخافه، والإله هو المستور عن حواس الخلق (4).
قال (عليه السلام): الأحد الفرد المتفرد، والأحد والواحد بمعنى واحد، وهو المتفرد الذي لا نظير
له، والتوحيد: الإقرار بالوحدة، وهو الإنفراد، والواحد المتباين الذي لا ينبعث من شئ، ولا
يتحد بشئ، ومن ثم قالوا: إن بناء العدد من الواحد، وليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع
على الواحد، بل يقع على الاثنين، فمعنى قوله: " الله أحد " أي المعبود الذي يأله الخلق عن
إدراكه، والإحاطة بكيفيته، فرد بإلهيته، متعال عن صفات خلقه (5).
قال (عليه السلام): وحدثني أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي (عليهم السلام) أنه قال:
" الصمد ": الذي لا جوف له، و " الصمد ": الذي قد انتهى سؤدده، و " الصمد ": الذي لا يأكل
ولا يشرب، و " الصمد ": الذي لا ينام، و " الصمد ": الدائم الذي لم يزل ولا يزال (6).
قال (عليه السلام): كان محمد بن الحنفية يقول: " الصمد ": القائم بنفسه، الغني عن غيره، وقال
غيره " الصمد ": المتعالي عن الكون، والفساد، و " الصمد ": الذي لا يوصف بالتغاير (7).
قال (عليه السلام): " الصمد ": السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر، ولا ناه (8).

1 - وفي نسخة: [الشاهد].
2 - وفي نسخة: [المحسوسة المدركة].
3 - التوحيد: ص 88، ح 1، باب 4 - معنى " قل هو الله أحد ".
4 - التوحيد: ص 89، ذيل حديث 2، باب 4 - معنى " قل هو الله أحد ".
5 - التوحيد: ص 90، ذيل حديث 2، باب 4 - معنى " قل هو الله أحد ".
6 - التوحيد: ص 90، ح 3، باب 4 - معنى " قل هو الله أحد ".
7 - التوحيد: ص 90، ذيل حديث 3، باب 4 - معنى " قل هو الله أحد ".
8 - التوحيد: ص 90، ذيل حديث 3، باب 4 - معنى " قل هو الله أحد ".
578

قال: وسئل علي بن الحسين (عليهما السلام) عن " الصمد " فقال: " الصمد ": الذي لا شريك له،
ولا يؤوده حفظ شئ، ولا يعزب عنه شئ (1).
قال الراوي: قال زيد بن علي (عليه السلام): " الصمد ": الذي إذا أراد شيئا قال له: " كن
فيكون " (2)، و " الصمد ": الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا، وأشكالا وأزواجا، وتفرد
بالوحدة بلا ضد، ولا شكل، ولا مثل، ولا ند (3).
قال: وحدثني الصادق، عن أبيه (عليهما السلام)، إن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي (عليهما السلام)
يسألونه عن " الصمد ": فكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه، ولا تتكلموا فيه بغير علم، فقد سمعت
جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار، وأن الله سبحانه
قد فسر " الصمد " فقال: " الله أحد * الله الصمد " ثم فسره فقال: " لم يلد ولم يولد * ولم يكن
له كفوا أحد "، " لم يلد ": لم يخرج منه شئ كثيف كالولد، وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من
المخلوقين، ولا شئ لطيف كالنفس، ولا تنشعب منه البدوات، كالسنة، والنوم، والخطرة،
والهم، والحزن، والبهجة، والضحك، والبكاء، والخوف، والرجاء، والرغبة، والسأمة، والجوع،
والشبع، تعالى عن أن يخرج منه شئ، وأن يتولد منه شئ كثيف أو لطيف، " ولم يولد ": ولم
يتولد من شئ، ولم يخرج من شئ كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشئ من
الشئ، والدابة من الدابة، والنبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار، ولا كما
تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين، والسمع من الاذن، والشم من الأنف،
والذوق من الفم، والكلام من اللسان، والمعرفة والتمييز من القلب، وكالنار من الحجر لا، بل هو
الله الصمد الذي لا من شئ، ولا في شئ، ولا على شئ، مبدع الأشياء وخالقها، ومنشئ
الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم " الله

1 - التوحيد: ص 90، ذيل حديث 3، باب 4 - معنى " قل هو الله أحد ".
2 - يس: 82.
3 - التوحيد: ص 90، ح 4، باب 4 - معنى " قل هو الله أحد ".
579

الصمد " الذي " لم يلد ولم يولد "، " علم الغيب والشهدة الكبير المتعال " (1)، " ولم يكن له
كفوا أحد " (2).
قال الراوي: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: قدم وفد من فلسطين على الباقر (عليه السلام) فسألوه
عن مسائل فأجابهم، ثم سألوه عن الصمد، فقال: تفسيره فيه، " الصمد ": خمسة أحرف: ف‍
" الألف " دليل على إنيته، وهو قوله عز وجل: " شهد الله أنه لا إلا إله إلا هو " (3) وذلك تنبيه
وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس، و " اللام ": دليل على إلهيته بأنه هو الله، و " الألف
واللام " مدغمان كما لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع، ويظهران في الكتابة، دليلان
على أن إلهيته بلطفه خافية، لا تدرك بالحواس، ولا تقع في لسان واصف، ولا اذن سامع، لأن
تفسير الإله هو الذي أله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أو بوهم، لا بل هو مبدع
الأوهام، وخالق الحواس، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة دليل على أن الله تعالى أظهر ربوبيته في
إبداع الخلق، وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير
روحه كما أن " لام " الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة من حواسه الخمس، فإذا نظر إلى
الكتابة ظهر له ما خفى ولطف، فمتى تفكر العبد في ماهية الباري وكيفيته أله فيه وتحير، ولم تحط
فكرته بشئ يتصور له لأنه عز وجل خالق الصور، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عز وجل
خالقهم، ومركب أرواحهم في أجسادهم، وأما " الصاد " فدليل على أنه عز وجل صادق،
وقوله صدق، وكلامه صدق، ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق، ووعد بالصدق دار
الصدق، وأما " الميم " فدليل على ملكه، وأنه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه، وأما
" الدال " فدليل على دوام ملكه، وأنه عز وجل دائم تعالى عن الكون والزوال، بل هو عز وجل
مكون الكائنات الذي كأن بتكوينه كل كائن، ثم قال (عليه السلام): لو وجدت لعلمي الذي أتاني الله
عز وجل حملة لنشرت التوحيد، والإسلام، والإيمان، والدين، والشرائع من الصمد، وكيف لي
بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء، ويقول على

1 - الرعد: 9.
2 - التوحيد: ص 90 - 91، ح 5، باب 4 - معنى " قل هو الله أحد ".
3 - آل عمران: 18.
580

المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين الجوانح مني علما جما هاه هاه، ألا لا أجد من يحمله، ألا
وإني عليكم من الله الحجة البالغة، ف‍ " لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما
يئس الكفار من أصحب القبور " (1).
ثم قال الباقر (عليه السلام): الحمد لله الذي من علينا، ووفقنا لعبادة الأحد الصمد الذي لم يلد ولم
يولد ولم يكن له كفوا أحدا، وجنبنا عبادة الأوثان حمدا سرمدا وشكرا واصبا، وقوله
عز وجل: " لم يلد ولم يولد "، يقول: " لم يلد " فيكون له ولد يرثه ملكه، " ولم يولد " فيكون له
والد يشركه في ربوبيته، وملكه، " ولم يكن له كفوا أحد " فيعازه (2) في سلطانه (3).
وفي المجمع: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه سأله رجل عن تفسير هذه السورة، فقال: " قل
هو الله أحد " بلا تأويل عدد، " الصمد ": بلا تبعيض بدد " لم يلد ": فيكون موروثا هالكا، " ولم
يولد ": فيكون إلها مشاركا، " ولم يكن له ": من خلقه " كفوا أحد " (4).
وفي نهج البلاغة: لم يولد فيكون في العز مشاركا (5).
وفي الكافي: عن السجاد (عليه السلام) إنه سئل عن التوحيد، فقال: إن الله عز وجل علم أنه
يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله: " قل هو الله أحد " والآيات من سورة الحديد
إلى قوله: " عليم بذات الصدور " (6) فمن رام وراء ذلك فقد هلك (7).
وعن الرضا (عليه السلام): أنه سئل عن التوحيد فقال: كل من قرأ " قل هو الله أحد " وآمن بها
فقد عرف التوحيد، قيل: كيف يقرؤها؟ قال: كما يقرؤها الناس، وزاد فيها: كذلك الله ربي
مرتين (8).
وعن الباقر (عليه السلام): " قل هو الله أحد ": ثلث القرآن (9).
وفي الإكمال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: من قرأ " قل هو الله أحد ": مرة فكأنما قرأ ثلث

1 - الممتحنة: 13.
2 - وفي نسخة: [فينازعه].
3 - التوحيد: ص 92 - 93، ح 6، باب 4 - معنى " قل هو الله أحد ". وفيه: " فيعاونه في سلطانه ".
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 566، س 28.
5 - نهج البلاغة: ص 260، الخطبة: 182.
6 - الحديد: 1 - 6.
7 - الكافي: ج 1، ص 91، ح 3، باب النسبة.
8 - الكافي: ج 1، ص 91، ح 4، باب النسبة.
9 - الكافي: ج 2، ص 621، ح 7، باب فضل القرآن.
581

القرآن، ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن
كله (1).
وفي ثواب الأعمال (2)، والمجمع: عن الصادق (عليه السلام): من مضى به يوم واحد فصلى فيه
خمس صلوات ولم يقرأ فيها ب‍ " قل هو الله أحد " قيل له: يا عبد الله لست من المصلين (3).
وعنه (عليه السلام): من مضت له جمعة ولم يقرأ فيها ب‍ " قل هو الله أحد " ثم مات مات على دين
أبي لهب (4).
* * *

1 - إكمال الدين وإتمام النعمة: ص 542، ح 6، باب 50 - سياق حديث معمر المغربي.
2 - ثواب الأعمال: ص 127، ح 1، باب ثواب قراءة " قل هو الله أحد ".
3 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 561، س 15.
4 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 561، س 16.
582

بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الفلق 1 من شر ما خلق 2
سورة الفلق: مدنية في أكثر الأقاويل، وقيل: مكية، عدد آيها خمس بالإجماع.
* (قل أعوذ برب الفلق) *: ما يفلق عنه، أي يفرق عنه، وخص عرفا بالصبح،
ولذلك فسر به.
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن الفلق؟ قال: صدع (1) في النار، فيه سبعون
ألف دار، في كل دار سبعون ألف بيت، في كل بيت سبعون ألف أسود، في جوف كل أسود
سبعون ألف جرة سم، لابد لأهل النار أن يمروا عليها (2).
والقمي: قال: " الفلق ": جب في جهنم، يتعوذ أهل النار من شدة حره، سأل الله أن
يأذن له أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم، الحديث (3).
* (من شر ما خلق) *: قيل: خص عالم الخلق بالإستعاذة منه لإنحصار الشر فيه، فإن
عالم الأمر خير كله (4).

1 - الصدع: الشق في الشئ الصلب. لسان العرب: ج 7، ص 302، مادة " صدع ".
2 - معاني الأخبار: ص 227، ح 1، باب معنى الفلق.
3 - تفسير القمي: ج 2، ص 449، س 12.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 583، س 3.
583

ومن شر غاسق إذا وقب 3 ومن شر النفاثات في العقد
4 ومن شر حاسد إذا حسد 5
* (ومن شر غاسق) *: ليل عظم ظلامه، كقوله: " إلى غسق الليل " (1).
* (إذا وقب) *: دخل ظلامه في كل شئ.
قيل: خص الليل لأن المضار فيه تكثير، ويعسر الدفع، ولذلك قيل: الليل أخفى
للويل (2).
* (ومن شر النفاثات في العقد) *: من شر النفوس، أو النساء السواحر اللواتي
يعقدن عقدا في خيوط، وينفثن عليها، والنفث: النفخ مع ريق.
* (ومن شر حاسد إذا حسد) *: إذا ظهر حسده وعمل بمقتضاه، فإنه لا يعود ضرره
منه، قبل ذلك إلى المحسود، بل يخص به لإغتمامه بسروره.
وفي المعاني مرفوعا: إنه قال في هذه الآية: أما رأيته إذا فتح عينيه، وهو ينظر إليك هو
ذاك (3).
قيل: خص الحسد بالإستعاذة منه لأنه العمدة في الإضرار (4).
في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كاد الحسد أن يغلب القدر (5).
في طب الأئمة: عن الصادق (عليه السلام) إن جبرئيل (عليه السلام) أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد، قال:
لبيك يا جبرئيل، قال: إن فلانا سحرك، وجعل السحر في بئر بني فلان فابعث إليه، يعني البئر
أوثق الناس عندك، وأعظمهم في عينيك، وهو عديل نفسك حتى يأتيك بالسحر، قال: فبعث

1 - الفجر: 78.
2 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 583، س 6.
3 - معاني الأخبار: ص 227 - 228، ح 1، باب معنى شر الحاسد إذا حسد.
4 - قاله البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل: ج 2، ص 583، س 15.
5 - الكافي: ج 2، ص 307، ح 4، باب الحسد.
584

النبي (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقال: انطلق إلى بئر أزوان فإن فيها سحرا سحرني به لبيد
ابن أعصم اليهودي فائتني به، قال (عليه السلام): فانطلقت في حاجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهبطت، فإذا ماء
البئر صار كأنه الجنا (1) من السحر فطلبته مستعجلا حتى انتهيت إلى أسفل القليب فلم أظفر
به، قال الذين معي: ما فيه شئ فاصعد، قلت: لا والله ما كذبت ولا كذب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما
نفسي بيده مثل أنفسكم، يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم طلبت طلبا بلطف فاستخرجت حقا (2)،
فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: افتحه، ففتحته وإذا في الحق قطعة كرب النخل في جوفه وتر عليه
إحدى عشرة عقدة، وكان جبرئيل (عليه السلام) انزل يومئذ بالمعوذتين على النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله)
يا علي اقرأها على الوتر، فجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى فرغ منها،
وكشف الله عز وجل عن نبيه ما سحر، وعافاه (3).
وفي رواية: إن جبرئيل وميكائيل أتيا النبي (صلى الله عليه وآله) فجلس أحدهما عن يمينه، والآخر
عن شماله، فقال جبرئيل لميكائيل: ما وجع الرجل؟ فقال ميكائيل: هو مطبوب (4)، فقال
جبرئيل: ومن طبه، قال: لبيد بن أعصم اليهودي، ثم ذكر الحديث (5).
وعن الصادق (عليه السلام) إنه سئل عن المعوذتين أهما من القرآن؟ فقال: نعم هما من القرآن،
فقال الرجل: ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود، ولا في مصحفه، فقال (عليه السلام): أخطأ ابن
مسعود، أو قال: كذب ابن مسعود، هما من القرآن، قال الرجل: فأقرأ بهما في المكتوبة؟ قال:
نعم، وهل تدري ما معنى المعوذتين؟ وفي أي شئ أنزلتا؟ إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سحره لبيد بن

1 - والجنا: الذهب. القاموس المحيط: ج 4، ص 314، مادة جنا ". وجاء في بعض النسخ " حناء " كما في بحار
الأنوار: ج 92، ص 364 - 365، ح 6.
2 - الحق والحقة - بالضم -: معروفة، هذا المنحوت من الخشب والعاج وغيره. لسان العرب: ج 3، ص 261،
مادة " حقق ".
3 - طب الأئمة: ص 113. وفيه: " بئر ذروان "، وقال الفيروزآبادي في القاموس المحيط: ج 4، ص 330،
س 15، مادة " ذرو ": وبئر ذروان بالمدينة، أو هو ذو أروان بسكون الراء، وقيل: بتحريكه أصح.
4 - المطبوب: المسحور، قال أبو عبيدة: طب أي سحر، يقال منه - رجل مطبوب -: أي مسحور - كنوا بالطب
عن السحر، تفاؤلا بالبرء، كما كنوا عن اللذيع، فقالوا: سليم، وعن المفازة: وهي مهلكة، فقالوا مفازة، تفاؤلا
بالفوز والسلامة. لسان العرب: ج 8، ص 114، مادة " طبب ".
5 - طب الأئمة: ص 113.
585

أعصم اليهودي، فقال أبو بصير: وما كاد أو عسى أن يبلغ من سحره، قال الصادق (عليه السلام): بلى
كان النبي (صلى الله عليه وآله) يرى أنه يجامع وليس يجامع، وكان يريد الباب ولا يبصره حتى يلمسه بيده،
والسحر حق وما سلط السحر إلا على العين والفرج، فأتاه جبرئيل فأخبره بذلك، فدعا
عليا (عليه السلام) وبعثه ليستخرج ذلك من بئر أزوان، وذكر الحديث (1). وروت العامة ما يقرب من
ذلك (2).
والقمي: عن الصادق (عليه السلام): كان سبب نزول المعوذتين أنه وعك (3) رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنزل
عليه جبرئيل بهاتين السورتين فعوذه بهما (4). وفي المجمع ما يقرب منه (5).
والقمي: عن الباقر (عليه السلام) قيل له: إن ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف، فقال:
كان أبي يقول: إنما فعل ذلك ابن مسعود برأيه، وهما من القرآن (6).
وفي الكافي: عن جابر، قال: أمنا أبو عبد الله (عليه السلام) في صلاة المغرب فقرأ المعوذتين، ثم
قال: هما من القرآن (7).
في ثواب الأعمال (8)، والمجمع: عن الباقر (عليه السلام) قال: من أوتر بالمعوذتين، و " قل هو الله
أحد " قيل له: يا عبد الله أبشر فقد قبل الله وترك (9).
* * *

1 - طب الأئمة: ص 114.
2 - أنوار التنزيل: ج 2، ص 583، س 8.
3 - الوعك: الحمى، ووعكته الحمى من باب وعد: اشتدت عليه فهو موعوك. مجمع البحرين: ج 5، ص 298،
مادة " وعك ".
4 - تفسير القمي: ج 2، ص 450، س 11.
5 - مجمع البيان: ج 9 - 10، 568، في شأن النزول.
6 - تفسير القمي: ج 2، ص 450، س 19.
7 - الكافي: ج 3، ص 317، ح 26، باب قراءة القرآن.
8 - ثواب الأعمال: ص 129، ح 1، باب ثواب قراءة المعوذتين.
9 - مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 567، في فضلها.
586

بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الناس 1 ملك الناس 2 إله الناس 3
من شر الوسواس الخناس 4 الذي يوسوس في صدور
الناس 5 من الجنة والناس 6
سورة الناس: مدنية، وهي مثل سورة الفلق لأنها إحدى المعوذتين، وهي ست آيات
بلا خلاف.
* (قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر
الوسواس) *: يعني الموسوس، عبر عنه بالوسواس مبالغة.
* (الخناس) *: الذي عادته أن يخنس أي يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه.
القمي: الخناس: اسم الشيطان (1).
* (الذي يوسوس في صدور الناس) *: إذا غفلوا عن ذكر ربهم.
* (من الجنة والناس) *: بيان للوسواس. في الكافي (2)، والعياشي: عن الصادق (عليه السلام)
أنه قال: ما من مؤمن إلا ولقلبه أذنان في جوفه، اذن ينفث فيها الوسواس الخناس، وأذن ينفث
فيها الملك، فيؤيد الله المؤمن بالملك، وذلك قوله: " وأيدهم بروح منه " (3) (4).

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 450، س 4.
2 - الكافي: ج 2، ص 267، ح 3.
3 - المجادلة: 22.
4 - لم نعثر عليه في تفسير العياشي، بل عثرنا عليه في مجمع البيان: ج 9 - 10، ص 571، س 23، نقلا عن العياشي.
587

والقمي: عنه (عليه السلام): ما من قلب إلا وله أذنان على أحدهما ملك مرشد، وعلى الآخر
شيطان مفتن، هذا يأمره، وذا يزجره، كذلك من الناس شيطان يحمل الناس على المعاصي كما
يحمل الشيطان من الجن (1).
وقد مضى تفسير شياطين الإنس في سورة الأنعام (2). وقد سبق سبب نزول السورة
وثواب تلاوتها في تفسير أختها (3).
تم كتاب الصافي واتفق لتاريخ " عام تمامه هذا الكلام " وكان التمام " في آخر العام "
والحمد لله والصلاة على رسول الله وأهل بيته ومن انتفع بمواعظه، وفرغ من تسويده مؤلفه أقل
العباد عملا، وأكثرهم زللا، وأعظمهم رجاءا وأملا، المسئ الملقب بمحسن محمد بن مرتضى
غفر الله له ذنوبه، وستر عيوبه، وكفر عنه سيئاته، وضاعف حسناته، وحشره مع محمد وأهل
بيته المعصومين، وفي زمرتهم في عليين وجعلهم شفعاءه في يوم الدين، وعمم نفع هذا الكتاب
الذي هو في تفسير القرآن عماد وسناد لأولي الألباب عامة الطلاب، وأشرك مؤلفه في أجر
انتفاعهم منه من غير أن ينقصهم من الأجر والثواب، إنه بالإجابة جدير، وهو على كل شئ
قدير.
هذا وقد تم بعون الله ومنه تحقيق هذا الكتاب ومقابلته مع النسخة
الخطية، وتصحيحه واستخراج مصادره، وأقواله، وشرح مفرداته، وإخراجه
بهذه الحلة القشيبة خلال أربعة أعوام، وكان ذلك في ليلة العيد، الحادي عشر
من شهر ذي القعدة سنة 1418 ه‍.
قم المقدسة
السيد محسن الحسيني الأميني
* * *

1 - تفسير القمي: ج 2، ص 450، س 7.
2 - ذيل الآية: 112، انظر ج 3، ص 86 - 87 من كتابنا تفسير الصافي.
3 - ذيل سورة الفلق.
588