الكتاب: القول المقنع في الرد على الألباني المبتدع
المؤلف: الحافظ ابن الصديق المغربي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: في أصل الكتاب لا يوجد معلومات هوية الكتاب

القول المقنع
في الرد على
الألباني المبتدع
لأبي الفضل الشيخ
عبد الله بن الصديق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الأكرمين.
وبعد: فمنذ ثلاثين سنة، طبعت رسالة (بداية السول في تفضيل الرسول)
بتعليقاتي. ثم طبعت مرة ثانية بتلك التعليقات، وطبعت مرة ثالثة بتعليقات الشيخ محمد
ناصر الألباني، وقد تعرض لي في مقدمة تعليقاته، وتهجم علي، وهو هجام، مع
اعترافه بأنه استفاد من النسخة التي صححتها تصحيح بعض الأخطاء في
المخطوطة التي علق عليها. وأبى أن يترك اعترافه، دون أن يشفعه بما يكدر صفوه،
فلمزني بأشياء حصلت في تلك الرسالة، أذكرها وأجيب عنها بحول الله.
قال: أولا، لقد جرى الشيخ في تخريج الأحاديث، على سنن جمهور المخرجين،
فهو لا يعني إلا نادرا ببيان مرتبة الأسانيد من الصحة والضعف، بل ولا الأحاديث.
وأقول: لم أبين الأسانيد، لأن الرسالة في الفضائل النبوية، ولتلك الأحاديث ما
يؤيدها من القرآن والسنة الصحيحة. على أن مما قرره العلماء من المحدثين
والفقهاء وغيرهم جواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والترغيب والترهيب ما
لم يكن موضوعا، ونص على هذا الإمام أحمد وابن المبارك والسفيانان وغيرهم من
الأئمة، واستمر العمل على هذا في جميع الأعصار، إلا أن ابن العربي المعافري شذ
عن الجمهور، فقال: لا يجوز العمل بالضعيف في الفضائل والترغيب والترهيب،
وتبعه القنوجي في نزل الأبرار، وقلدهما الألباني، لولوعه باتباع الشواذ. على أن
1

ابن العربي خالف الجمهور قولا ونظرا فقط. أما في العمل فقد عمل بالضعيف في
الفضائل في كتابه سراج المريدين وهو من نفائس كتبه، وفي شرح الترمذي وشرح
الموطأ، وفي الأحكام أيضا. والجمهور الذين أجازوا العمل بالضعيف في الفضائل
ونحوها، اقتدوا بصنيع الشارع، حيث تجاوز في الفضائل، ما لم يتجاوز في
الفرائض والأحكام.
وإليك أمثلة من ذ لك:
صلاة النافلة أجاز أن تصلي من قعود مع القدرة على القيام ويجوز أن تصلي
ركعة قياما وركعة قعودا، ففي صحيح مسلم والسنن، عن عائشة أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كان يصلي ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا قاعدا، وفي الصحيحين
عنها أنها لم تر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي صلاة الليل قاعدا حتى أسن،
وكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين أو أربعين آية ثم
ركع، ثم يفعل في الركعة الثانية كذلك.
مثال ثان: روى الشيخان عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أوتر على بعيره. يفيد جواز صلاة النافلة على الدابة.
مثال ثالث: روى الشيخان عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وآله
وسلم يصلي في السفر، على راحلته حيث توجهت به، وفي الصحيحين أيضا عن
عامر بن ربيعة، رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي السبحة بالليل في السفر
على ظهر راحلته، وهذا لا يجوز في صلاة الفريضة.
مثال رابع: صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الليل صفات
منها عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي تسع ركعات لا
يجلس فيها إلا في الثامنة، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد
فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا، رواه مسلم في صحيحه.
ومنها عن عائشة أيضا قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما
كبر وضعف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة، ثم ينهض ولا يسلم فيصلي
السابعة ثم يسلم تسليمة، رواه النسائي.
2

ومنها عن عائشة أيضا قالت: لما أسن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأخذ اللحم صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن ثم يصلي ركعتين بعد أن يسلم
رواه النسائي.
ومنها عن عائشة: أن النبي صلى الله وآله وسلم كان يوتر بخمس لا
يجلس إلا في آخرهن، رواه النسائي.
هذه صفات كلها صحيحة، ولا يجوز شئ منها في صلاة الفريضة.
مثال خامس: تبييت النية قبل الفجر في صيام الفريضة واجب لا يصح الصوم
إلا به، وفي صوم التطوع ليس بواجب، روى مسلم والأربعة عن عائشة قالت: دخل
علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم، فقال: " هل عندكم من شئ؟ "
فقلنا: لا، فقال " فإني إذن صائم " ثم أتانا يوما آخر، فقلنا يا رسول الله أهدي لنا
حيس، فقال " أرينيه، فلقد أصبحت صائما، فأكل.
زاد النسائي: قال " يا عائشة إن منزلة من صام في غير رمضان أو في
التطوع، بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء فأعطاه وبخل منها بما
شاء فأمسكه ".
يستفاد من الحديث مثال سادس، وهو: من صام تطوعا يجوز له أن يفطر ولا
يتم صومه، ولا إثم عليه ولا قضاء.
مثال سابع: الترتيب بين المناسك في الحج مندوب، وقد سئل النبي صلى الله
عليه وآله وسلم عن عكسه، فقال: " لا حرج ").
روى الشيخان عن عبد الله بن عمرو، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وأتاه رجل يوم النحر، وهو واقف عند الجمرة، فقال يا رسول الله حلقت
قبل أن أرمي؟ قال: " ارم ولا حرج، " وأتاه آخر، فقال: إني ذ بحت قبل أن أرمي؟
قال: " ارم ولا حرج "، وأتاه آخر، فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي؟ قال:
" ارم ولا حرج " فما سئل يومئذ عن شئ إلا قال " افعل ولا حرج ".
هذا مدرك الذين أجازا العمل بالضعيف في الفضائل ونحوها، غير أنهم
احتاطوا مع ذلك، فاشترطوا للعمل به ثلاثة شروط:
3

أحدها: أن يكون معناه مندرجا تحت أصل عام مثل آية، أو حديث صحيح، أو
قاعدة من قواعد الشريعة.
ثانيها: ألا يكون ضعفه شديدا كالواهي ونحوه.
ثالثها: ألا يعتقد ثبوته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. على أن
قولهم: لا يجوز العمل بالضعيف في الأحكام، ليس على عمومه، لأن الأئمة عملوا
بالحديث الضعيف في كثير من الأحكام، وللحافظ ابن الملقن كتاب جمع فيه الأحاديث
الضعيفة التي عمل بها الأئمة مجتمعين أو منفردين، ورتبه على الأبواب الفقهية
وهو جدير بأن يطبع، وفي تدريسي لنيل الأوطار بزاويتنا الصديقية ألفت أنظار الطلبة
إلى الأحاديث التي عمل بها الأئمة أو الجمهور، وهي ضعيفة، مع علمهم بضعفها.
قال الألباني: وثانيا رأيته يعتمد على تحسين التومذي، وظني به أنه يعلم أنه
متساهل كما صرح بذلك الذهبي وغيره من الحفاظ النقاد.
وأقول: لم أعتمد على تحسين الترمذي في تلك الرسالة إلا مرة أو مرتين على
الأكثر، ولم يكن تقليدا بل إقرار له، لأنه صواب.
ذكر الذهبي في الميزان، في ترجمة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف
تضعيف الأئمة له وأن بعضهم نسبه إلى الكذب، ثم قال: وأما الترمذي فروى من
حديثه " الصلح جائز بين المسلمين " وصححه، ولهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح
الترمذي ا ه‍ وتعقبه الحافظ العراقي في شرح الترمذي، فقال: لا يقبل هذا الطعن منه
في حق الترمذي وإنما جهل الترمذي من لا يعرفه، كابن حزم، وإلا فهو إمام يعتمد
عليه، ولا يمتنع أن يخالف اجتهاده اجتهاد غيره في بعض الرجال، وكأنه رأى ما رآه
البخاري، فإنه روى عنه أنه قال. حديث كثير عن أبيه عن جده في العيدين
إنه حديث حسن ا ه‍ فهذا الحافظ العراقي وهو من الحفاظ النقاد، يصرح أن
الترمذي إمام معتمد عليه، وأن ما اعتبره الذهبي تساهلا منه، هو في الحقيقة اختلاف
في الاجتهاد، فإطلاق التساهل على الترمذي، مما لا ينبغي، نعم قد تعقبته في تحسينه
أو تصحيحه، في كثير من مؤلفاتي وتعليقاتي. والألباني يعتمد على المناوي وعلى
القاري، وأين درجتهما من الترمذي.
4

قال الألباني رابعا: يعزو الحديث لغير المشاهير من أصحاب السنن وغيرهم
ممن ألف في الصحيح، فهو لما خرج الحديث الأول " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " عزاه
لابن أبي عاصم في الأدب، الخ كلامه.
وأقول: هذا التعقب غفلة منه كبيرة، ذ لك أن مؤلف الرسالة قال في الخصلة
الأولى: أنه ساد الكل، فقال: " أنا سيد ولد أدم ولا فخر "، فعزوت الحديث لمن رواه
بهذا اللفظ، وقال في الخصلة 18: أنه كما ذكر السؤدد مطلقا فقد قيده بيوم القيامة.
فعزوت الحديث مقيدا إلى كتب الصحاح والسنن والمسانيد المشهورة، ولم أخالف
القاعدة في العزو، لكن الألباني غفل وذهل.
وقولي في حديث ابن مسعود " الخلق عيال الله ". سنده جيد، سهو لا أدري
كيف حصل لي؟ بل أوقعني فيه صنيع الحافظ السخاوي قال: ونحو هذا أنه ذكر
حديث عائشة في المستدرك بلفظ " أنا سيد ولد أدم وعلي سيد العرب " فقال: وهو
حديت ضعيف، خلافا لقول الذهبي أنه موضوع، وهذا تبجح بارد، وتطاول على
الحافظ الذهبي بدون مبرر (1)، لأن مدار الحديث على حسين بن علوان، وعمر
الوجيهي وغيرهما من الوضاعين، وقد أقر الحافظ العسقلاني الذهبي على وضعه
فانظر لسان الميزان، 4 - 289 - 290 وفي ظني أن ابن تيمية أيضا قال بوضعه في كتابه
الحجة منهاج السنة ا ه‍ وأقول: أولا: حديت " أنا سيد ولد أدم وعلي سيد العرب "
ضعيف كما قلت في تعليقاتي على بداية السول.
وقول الذهبي: موضوع، غلو غير مقبول. ذلك أن الحديث ورد من غير طريق
ابن علوان وعمر الوجيهي، فرواه الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " من سيد العرب؟ " قالوا: أنت يا رسول الله،
فقال: " أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب "، قال الحافظ الهيثمي: فيه خاقان بن عبد
الله بن الأهتم ضعفه أبو داود. قلت: خاقان ذكره ابن أبي حاتم في الجرح ولم يجرحه،
وعبارته: خاقان بن عبد الله بن الأهتم أخو يحيى بن أبي الحجاج المنقري روى عن

(1) هذا التعبير خطأ لا وجه له وإن استعمله بعض من يدعي الأدب والصواب أن يقال: بدون مسوغ.
5

الحكم بن عتيبة وعلي بن زيد بن جدعان، روى عنه عبد الصمد بن عبد الوارث
ومسدد وهشام بن الكلبي. سمعت أبي يقول بعض ذلك، وبعضه من قبلي ا ه‍ وهو
بصري، والبصريون أبعد الناس عن التشيع. طريق آخر، روى الحاكم في المستدرك
من طريق عمر بن الحسن الراسبي ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن
عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أنا سيد ولد آدم وعلي سيد
العرب ".
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وفيه عمر بن الحسن وأرجو أنه
صدوق ولولا ذلك لحكمت بصحته على شرط الشيخين ا ه‍ قلت: إسناد الحديث نظيف
ليس فيه كذاب ولا متهم، وعمر بن الحسن هو الراسبي، ذكره ابن أبي حاتم في
الجر ح والتعديل، فقال ما نصه: عمر بن الحسن الراسبي البصري، روى عن القاسم
بن الفضل الحداني وديلم بن غزوان وسكين بن عبد العزيز، روى عنه محمد بن
موسى الحرشي ا ه‍ ولم يجرحه بشئ، وبمقتضى القاعدة المقررة يكون تعديل الحاكم له
مقبولا، لكن الذهبي يعقب قول الحاكم: أرجو أنه صدوق، فقال: أظن أنه هو الذي
وضع هذا، وهو تعنت شديد وقول بالظن، والظن أكذب الحديث. والعجب من الحافظ
كيف وافق الذهبي على هذا الحكم المتعنت، وغفل عما تقتضيه القاعدة في هذا
المقام؟! والكمال لله تعالى. فالحديث بهذين الطريقين طريق أنس، وطريق عائشة لا
يبعد أن يكون من قبيل الحسن لغيره.
ثانيا: الحامل للذهبي على الحكم بوضع الحديث، فهمه أن الحديث يقتضي
تفضيل علي على الشيخين رض الله تعالى عنهم. وعلى أساس هذا الفهم، رد هو
وغيره كثيرا من الأحاديث في فضل علي عليه السلام. وحكموا بوضعها أو نكارتها.
ولم يسلم من نقدهم بهذا الفهم إلا قليل وأيد ذلك عندهم أن المبتدع إذا روى حديثا
يؤيد بدعته، ترد روايته، ونفذوا هذه القاعدة بدقة فيما يرويه الشيعة من فضائل
علي عليه السلام. بل يستنكرون الحديث الوارد في فضله، ولو لم يكن في سنده
شيعي. روى الحاكم من طريق عامر بن السمط عن أ بي الجحاف داود بن أبي عوف
عن معاوية بن ثعلبه عن أبي ذ ر قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " يا علي
من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك يا علي فقد فارقني " قال الحاكم: صحيح
الإسناد. ووافقه الذهبي وزاد: بل منكر، والحديث رواه البزاز، وقال الهيثمي: رجاله
ثقات. وإنما استنكره الذهبي لأمرين: أن هذا اللفظ لم يرد في حق أحد الشيخين، وأنه
يفيد الطعن في معاوية وفرقته.
6

وقد يدعون بطلان حديث صحيح في فضل علي عليه السلام ويستدلون بما هو
أشد بطلانا من الدعوى.
مثال ذلك ما رواه أحمد في فضائل الصحابة والحاكم في المستدرك والخطيب
في تاريخ بغداد من طريق أحمد بن الأزهر ثنا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى
علي بن أبي طالب، فقال " أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة من أحبك فقد أحبني
وحبيبك حبيب الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله والويل لمن أبغضك بعدي.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة، وإذا
انفرد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح، سمعت أبا عبد الله القرشي يقول:
سمعت أحمد بن يحيى الحلواني يقول: لما ورد أبو الأزهر من صنعاء، وذاكر أهل
بغداد بهذا الحديث، أنكره يحيى بن معين، فلما كان يوم مجلسه، قال في آخر
المجلس: أين هذا الكذاب النيسابوري الذي يذكر عن عبد الرزاق هذا الحديث؟ فقام
أبو الأزهر، فقال: هو ذا أنا، فضحك يحيى بن معين من قوله وقيامه في المجلس،
فقربه وأدناه، ثم قال له: كيف حدثك عبد الرزاق بهذا ولم يحدث به غيرك؟ فقال:
اعلم يا أبا زكريا أني قدمت صنعاء، وعبد الرزاق غائب في قرية له بعيدة، فخرجت
إليه وأنا عليل، فلما وصلت إليه سألني عن خراسان، فحدثته بها وكتبت عنه
وانصرفت معه إلى صنعاء فلما ودعته قال لي قد وجب حقك علي فأنا أحدثك بحديث
لم يسمعه مني غيرك فحدثني والله بهذا الحديث لفظا فصدقه يحيى بن معين واعتذر
إليه ا ه‍ كلام الحاكم.
وكتب الذهبي على قوله صحيح على شرط الشيخين، ما نصه: هذا وإن كان
رواته ثقات، فهو منكر، وليس ببعيد من الوضع، وإلا لأي شئ حد ث به عبد الرزاق
سرا ولم يجسر أن يتفوه به لأحمد وابن معين والخلق الذين رحلوا إليه ا ه‍ ثم وافق
على الحكاية التي رواها الحاكم، وفيها بيان سبب تخصيص أبي الأزهر بهذا الحديث،
وتصديق يحيى بن معين له. فلم يبق لاستنكاره حجة إلا التعنت.
وقد ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 7 - 356 وقال: رواه غير واحد عن أبي
الأزهر، وما ضعفه ولا استنكره. وقال الخطيب في التاريخ: وقد روته محمد بن
الأزهر من عهدته إذ قد تربع على روايته ا ه‍.
7

وبعد هذا فاسمع ما قيل في الحكم ببطلانه ووضعه: روى الخطيب عن أبي
حامد بن الشرقي: أنه سئل عن حديث أبي الأزهر عن عبد الرزاق عن معمر في
فضائل علي؟. فقال: هذا حديث باطل، والسبب فيه: أن معمرا كان له ابن أخ
رافضي، وكان معمر يمكنه من كتبه، فأدخل عليه هذا الحديث، وكان معمر رجلا
مهيبا لا يقدر عليه أحد في السؤال والمراجعة، فسمعه عبد الرزاق من كتاب ابن أخي
معمر ا ه‍ قلت: هذا كلام بأصل جدا، وبيان ذلك: أن ابن أخي معمر، شخص وهمي لا
وجود له، ولا يعرف أخ لمعمر. وكيف يوجد ابن بدون أب غير عيسى عليه السلام؟
وعلى فرض وجود هذا الابن المزعوم، فلم يكن معمر ليمكنه من كتبه يعبث فيها.
كيف وهو ثقة إمام ولو فرض إدخال شئ في كتبه من الابن المزعوم، فيكون في غير
رواية عبد الرزاق ولا بد، لأن روايته عن معمر متقنة. قال أحمد: حديث عبد الرزاق
عن معمر أحب إلي من حديث هؤلاء البصريين، كان معمر يتعهد كتبه وينظر فيها
باليمن، وكان يحدثهم حفظا بالبصرة، فكيف يتعهد كتبه ويحدث بها عبد الرزاق وفيها
دخيل لابن أخيه المزعوم، ولم يشعر به؟ هل حدث بها وهو نائم.؟ أو مغلوب على
عقله؟ ثم إن معمرا كان ثبتا في الزهري بصفة خاصة، قال ابن معين: أثبت الناس في
الزهري مالك ومعمر، وقال ابن معنى أيضا: معمر أثبت في الزهري من ابن عيينة،
وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: معمر أحب إليك في الزهري أو ابن عيينة أو
صالح بن كيسان أو يونس؟ فقال في كل ذلك، معمر. وقال الغلابي: ابن معين يقدم
مالك بن أنس على أصحاب الزهري ثم معمرا. فهلا كان ابن أخيه المزعوم أدخل عليه
الحديث في غير روايته عن الزهري!! ومن هنا يعلم أن الذي اختلق حكاية ابن أخي
معمر، ليبطل بها الحديث لم يوفق في حبكها وصياغتها، فكانت تحمل بطلانها في
تضاعيفها، ويأبى الله إلا أن يظهر الحق ويخذل الباطل.
ثالثا: اتخذ النواصب وتبعهم كثير من أهل السنة انخداعا بهم، مسألة احتمال
الحديث تفضيل علي على الشيخين تكأة يستندون إليها في رد أحاديث كثيرة في فضل
علي عليه السلام، كما سبق.
وابن تيمية أكثر الطعن في أحاديث فضل علي عليه السلام، تجد ذلك في منهاجه
واضحا، فلا يعتمد عليه فيما يطعن فيه من تلك الأحاديث، لأن فيه انحرافا عن علي
عليه السلام، كما نبه عليه الحافظ في ترجمته من الدرر الكامنة. وقال في لسان
الميزان: لكن وجدته - يعني ابن تيمية - كثير التحامل إلى الغاية في در الأحاديث التي يوردها بن المطهر وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات، لكنه در في رده
8

- يعني المنهاج - كثيرا من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها
لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره، والانسان عرضة للنسيان وكم
من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحيانا إلى تنقيص علي رضي الله عنه ا ه‍ ج 6
ص 319 / 320 والألباني حريص كل الحرص على تلقيب ابن تيمية بشيخ الإسلام، مع
أنه لقب مبتدع، لا أصل له عن السلف إلا ما جاء بإسناد واه عن عبد الله بن أبي رأس
المنافقين: أنه رأى أبا بكر رضي الله عنه وجماعة من الصحابة، فقال لأصحابه:
انظروا كيف أصرف هؤلاء السفهاء فتقدم إلى أبي بكر، فصافحه وسماه شيخ
الإسلام نفاقا ومداهنة، ثم إن الإسلام دين الله أنزله على رسوله. فكيف يكون أحد
شيخا له؟!. والعجيب في أمر هذا الألباني أنه يحرص على تلقيب ابن تيمية بهذا
اللقب المبتدع، ويعيب على الذين يسودون النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
الصلاة عليه ويعتبر لفظ السيادة بدعة؟! ويعتبر الذين يذكرونها مبتدعة! مع أن
سيادته صلى الله عليه وآله وسلم ثابتة بالتواتر، ومعلومة بالضرورة لكل مسلم.
رابعا: قال الفيومي في المصباح: وساد يسود سيادة، والاسلام السؤدد وهو
المجد والشرف، فهو سيد والأنثى سيدة قلت: فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام
" علي سيد العرب " أنه ذو الشرف والمجد فيهم، لأنه من أهل البيت فقد صح عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه جمع علينا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله
عنهم، ثم أدخلهم تحت ثوبه وجللهم بكساء كان عليه، ثم قال: " هؤلاء أهل بيتي
فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فسر قول الله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، ولهذا الحديث طرق عن أم سلمة وعائشة
وواثلة بن الأسقع وأبي سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص وغيرهم فهو حديث
مستفيض.
فعلي عليه السلام سيد العرب لكونه من أهل البيت النبوي، وهذه خصوصية
له، خصه الله بها. وأهل المشرق يطلقون لفظ السيد على الرجل من أهل البيت.
وخصوصية أخرى لعلي رضي الله عنه، وهي أنه يقال له: عليه السلام، لأن
هذه الكلمة تقال لأهل البيت، ولا يقال لغيرهم، وإن كان أفضل منهم كأبي بكر وعمر
رضي الله عنهما.
ولعلي عليه السلام خصوصية ثالثة، وهي أنه إذا صلى شخص على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم، صلى على آله معه، دخل علي دخولا أوليا. وننبه هنا
9

على خطأ وقع من جماهير المسلمين، قلد فيه بعضهم بعضا ولم يتفطن له إلا الشيعة.
ذلك أن الناس حين يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكرون معه
أصحابه، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سأله الصحابة فقالوا: كيف
نصلي عليك؟ أجابهم بقوله: " قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد " وفي رواية "
اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته " ولم يأت في شئ من طرق الحديث ذكر
أصحابه، مع كثرة الطرق وبلوغها حد التواتر، فذكر الصحابة في الصلاة على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم، زيادة على ما علمه الشارع، واستدرك عليه، وهو لا
يجوز. وأيضا فإن الصلاة حق للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولآله، لا دخل
للصحابة فيها، لكن يترضى عنهم.
للصحابة فيها، لكن يترضى عنهم.
وروى مالك حديث أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي
عليك؟ فقال: " قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل
إبراهيم ".
قال ابن عبد البر في التمهيد: استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد هم
أزواجه وذريته خاصة لقوله في حديث مالك عن نعيم المجمر وفي غير حديث مالك " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ". وفي هذا الحديث " اللهم صل على محمد
وأزواجه وذريته "، قالوا: فجائز أن يقول الرجل لكل من كان من أزواج محمد صلى الله عليه
وآله وسلم، ومن ذريته: صلى الله عليك، إذا واجهه، وصلى الله عليه، إذا غاب عنه،
ولا يجوز ذلك في غيرهم ا ه‍ وأهل الكساء هم أساس الذرية وأصلها.
10

فائدة
حصل خلاف كبير في توجيه التشبيه في الصلاة الإبراهيمية، وذكروا وجوها
كثيرة، وألف العلامة محمد موسى الروحاني البازي كتابا سماه " فتح العليم لحل أشكال
التشبيه العظيم في حديث كما صليت على إبراهيم ". ذكر فيه سبعة وثمانين ومائة
جواب، وألهمني الله جوابا رافعا للإشكال، ذكرته في كتاب فضائل النبي في القرآن.
وحاصله: أن التشبيه نوعان:
الأول: إلحاق مفضول بفاضل، نحو زيد كالبدر، وأبو يوسف كأبي حنيفة،
والشجاع كالأسد.
والآخر: إلحاق متأخر، بمتقدم من غير نظر إلى المفاضلة بينهما، بل قد يكون
المتأخر أفضل من المتقدم. نحو قول الله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا
الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) شبه استخلاف
المسلمين باستخلاف اليهود، لكونه سابقا في الوجود، مع أن استخلاف المسلمين
أعم وأقوى. والتشبيه في الصلاة الإبراهيمية من هذا النوع، والمعنى: اللهم صل على محمد كما سبقت الصلاة منك على إبراهيم من غير اعتبار مفاضلة بينهما. وإن
كانت الصلاة على محمد في الواقع أفضل منها على إبراهيم وبهذا زال الإشكال، ولم
يبق محل لكثرة القيل والقال. وهذه الفائدة ذكرناها استطرادا، متممة لبحث الصلاة
على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
خامسا: عاب الألباني مخالفتي للذهبي، واعتبرها تبجحا باردا وتطاولا على
مقامه بدون مسوغ. وأقول: هنا يصح ذكر الحديث " يبصر أحدكم القذى في عين
أخيه وينسى الجذع في عينه " فالألباني أكثر الناس تطاولا على مقام أئمة كبار، مع
تبجح أبراد من الثلج، وسفه سمج، ويكفيه ذما وعابا أنه تطاول على مقام الإمام مسلم
بن الحجاج الحافظ العلم وضعف أحاديثه في صحيحه الذي هو أحد الصحيحين
اللذين تلقتهما الإمامة بالقبول، ولهما عند الحفاظ جلالة ومهابة، وليته ضعف تلك
الأحاديث بعلم ومعرفة، ولكن بجهل ووقاحة. وقد تتبع تلميذنا الأستاذ المحقق
الفاضل محمود سعيد: الأحاديث التي ضعفها، بالنقد والتزييف حديثا حديثا في كتاب
سماه " تنبيه المسلم إلى تعدي الألباني على صحيح مسلم ". وبين سقوط تضعيفه
11

بالقواعد الحديثية، من قرأ هذا الكتاب، تبين له أن الألباني ضعيف في علم الحديث
متنا ورجالا، بخلاف ما يدعيه لنفسه. وميزة أخرى لهذا الكتاب: أن صاحبه عف
اللسان، ينتقد بلطف، ويناقش بأدب، لا تجد فيه لفظا نابيا، ولا دعوى عريضة، بخلاف
الألباني، فإنه كثير الدعوى، سفيه اللسان شتام هجام فيه زعارة، وعرامة قبيحة، كأنه
لم يقرأ الأحاديث الذامة لسوء الخلق، والناهية عن السب والشتم.
ومن معايبه - وما أكثرها - لمزه لمن يخالفه بالابتداع، فهو عند نفسه: قسيم
النار، من كان معه فهو سني يستحق الجنة، ومن خالفه فهو مبتدع، يستحق النار،
ومن تبجحه السخيف، قوله في تعليقاته على كتاب السنة لابن أبي عاصم ج 1 / 76.
وقد خرجت أسماء هؤلاء الأئمة - يعني الذين ضعفوا أبا حنيفة رضي الله عنه، في
الأحاديث الضعيفة، بما لا تراه في كتاب آخر، ولدينا مزيد ا ه‍ وفي هذه الجملة
سخافات:
منها: تطاوله على مقام الإمام أبي حنيفة أحد أئمة المسلمين وهو ثقة عدل.
ومنها تبجحه بأن ما جاء به لا يوجد عند غيره ونقول له: مادح نفسه يقرنك
السلام.
ومنها وهو أشدها سخافة وقبحا: تمثله بالآية الكريمة. وإذا قال الله تعالى
(ولدينا مزيد) فهو حق لأن عطاءه ليس له حد، ونعمه ليس لها عد.
لكن ماذا عند
الألباني من المزيد غير الجهل والوقاحة؟!. وذكر في مقدمة شرح العقيدة الطحاوية
ص: 67 طبعة رابعة، عبارة: العصمة لله وحده.
وهذه العبارة لا تجوز في جانب الله، ولا يصح إضافة العصمة وصفا تعالى.
ذلك أن العصمة ملكة تقوم بشخص النبي تحول دون وقوع المعصية منه، وهي
خاصة بالأنبياء والملائكة، فيقال: النبي معصوم، والملك معصوم، وعند الأشعرية:
أن الملك ليس بمعصوم، وهذا خطأ. ولعلهم استندوا إلى حديث هاروت وماروت
وقصتهما مع الزهرة، وهو حديث باطل، وأن صححه ابن حبان، والكمال لله.
ومما يدل على تقليد الألباني في الرجال، وقلة اطلاعه، أنه في تعليقه على
كتاب صفة الفتوى والمفتي والمستفتي لما ذكر مؤلف الكتاب حديث " من أفتى الناس
بغير علم، لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض ". كتب عليه الألباني: إسناده
ضعيف، فيه عبد الله ابن بشر عن علي بن موسى الرضا. الأول لم أجد من ترجم له
12

والآخرة، قال ابن حبان يروي عن أبيه العجائب كأنه كان يهم ويخطئ ا ه‍. فاقتصار
الألباني على كلام ابن حبان في تضعيف على الرضا، قصور ينبئ عن قلة اطلاع
وكثرة جهل، فقد نقل أبو سعد ابن السمعاني كلام ابن حبان كما نقله الألباني، مع
أحاديث منكرة رويت من طريقة، وقال: والخلل في رواياته من رواته فإنه ما روى
عنه إلا متروك اه. ونقل الذهبي في ترجمته من الميزان، قول ابن طاهر: يأتي عن
آبائه بعجائب، وقال عقبه: إنما الشأن في ثبوت السند إليه، وإلا فالرجل قد كذب
عليه ووضع عليه نسخة سائرها كذب على جده جعفر الصادق ا ه‍. وقال في المغني:
علي بن موسى بن جعفر الرضا، عن آبائه. قال ابن طاهر، يأتي عن آبائه بعجائب.
قلت الشأن في صحة الإسناد إليه: فإنه كذب عليه وعلى جده ا ه‍ وأظن الألباني
اطلع على بعض هذه النقول أو جميعها، لكنه أثر كلام ابن حبان، لنصب عنده.
والتشيع الذي شم رائحته منا، خير من النصب الذي شممنا رائحته منه. وما أحسن
قول الإمام الشافعي رضي الله عنه:
يا راكبا قف بالمحصب من منى * * واهتف بقاعد خيفها والناهض
إن كان رفضا حب آل محمد * * فليشهد الثقلان أني رافضي
ومن أخطائه الدالة على قلة فهمه، وضعفه في قواعد الاستنباط: أنه اختار
للمصلي أن يقول في تشهده: السلام على النبي، ولا يقول: السلام عليك أيها النبي، مع أن الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثبت فيها التشهد بلفظ الخطاب.
ففي الصحيحين عن أبو مسعود قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم بيدي، وعلمني التشهد كما يعلمني سورة من القرآن. قال " قل التحيات لله
والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين، أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ". ورواه
بقية الستة كذلك.
وفي صحيح مسلم والأربعة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن. فذكر مثل تشهد ابن
مسعود.
13

ورواه مسلم والأربعة إلا الترمذي عن أبي موسى قال: خطبنا رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم، وبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا فقال " إذا صليتم وكان عند
القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته " الحديث.
وهكذا ثبت التشهد بخطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السلام عليه،
من حديث ابن عمر وجابر وسلمان الفارسي وابن الزبير وعائشة وأبي يعيد الخدري
وغيرهم وهو تواتر، وواظب عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو سنة من قول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله. وأخذ به الشافعية، فقالوا بوجوب الخطاب
في السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. لكن ثبت في صحيح البخاري بعد
روايته للحديث عن ابن مسعود قوله: بين ظهرانينا فلما قبض، قلنا: السلام يعني
على النبي.
قال الحافظ في فتح الباري: كذا وقع في البخاري، وأخرجه أبو عوانة في
صحيحه والسراج والجوزقي وأبو نعيم الإصبهاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي
نعيم شيخ البخاري فيه، بلفظ: فلما قبض قلنا السلام على النبي، بحذف لفظ يعني.
وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم.
قال السبكي في شرح المنهاج، بعد أن ذكر هذه الرواية عن أبي عوانة: وحده: إن صح هذا عن الصحابة، دل على أن الخطاب في السلام على النبي صلى الله عليه
وآله وسلم غير واجب، فيقال: السلام على النبي: قلت: قد صح بلا ريب، وقد وجدت
له متابعا قويا، قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء: أن الصحابة كانوا
يقولون - النبي صلى الله عليه وآله وسلم حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات
قالوا: السلام على النبي، وهذا إسناد صحيح ا ه‍ كلام الحافظ. قلت: كلام عطاء
هذا، عنعنه ابن جريح كما في مصنف عبد الرزاق ج 2 ص 204 وابن جريح مدلس،
فلا يقبل ما عنعنه.
قال الألباني: وقول ابن مسعود: فقلنا السلام على النبي. يعني أن الصحابة
رضي الله عنهم كانوا يقولون السلام عليك أيها النبي في التشهد. والنبي حي بينهم،
فلما مات عدلوا عن ذلك وقالوا: السلام على النبي، ولا بد أن يكون بتوقيف منه،
ويؤيده إن عائشة رضي الله عنها كذلك كانت تعلمهم التشهد في الصلاة، السلام على
النبي، رواه السراج في مسنده والمخلص في في فوائده بسندين صحيحين عنها ا ه‍
14

وهذا الكلام يدل على جهل عريض. وقد أغرب بعزو أثر عائشة إلى السراج والمخلص
خلص الله الألباني من جهله، مع أنه في مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق،
وجهل الألباني فيما قاله يتبين بوجوه:
الأول: أن قول ابن مسعود: فلما قبض قلنا السلام على النبي، ليس عن
توقيف بل هو اجتهاد منه وممن وافقه، استنادا منهم إلى أن الوفاة تناسبها الغيبة،
وهو خطأ، لما سيأتي:
الثاني: لو كان عند ابن مسعود توقيف بذلك، لصرح به بأن يقول: فلما
قبض قلنا بأمره أو بإرشاد، فلما لم يقل دل على أنه رأي له محض.
الثالث: أن التشهد يتعلق بالصلاة التي هي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين،
وكان الصحابة يتعلمونه، كما يتعلمون السورة من القرآن، فلو كان عندهم توقيف،
لنقلوه إلينا كما نقلوا ألفاظ التشهد، لأنه قيد متمم لها، وهم يعرفون إن نقل المقيد
بدون قيد لا يجوز.
الرابع: أنه ثبت بالأسانيد الصحيحة في الموطأ ومصنف ابن أبي شيبة
ومصنف عبد الرزاق وغيرها عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر رضي الله
عنه يعلم الناس التشهد على المنبر، وهو يقول: قولوا: التحيات لله الزاكيات لله
الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. الخ. هكذا علم عمر التشهد
على منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحضرة المهاجرين والأنصار، ولو كان
توقيف بتغيير صيغة السلام، لما خفي على عمر، ولو خفي عليه، لنبهه بعض
الصحابة الذين سمعوا تعليمه.
ومثل هذا ما رواه الطحاوي في معاني الآثار عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان
الكتاب، ثم ذكر مثل تشهد ابن مسعود رضي الله عنه، لكن في سنده زيد العمي. ومثله
ما رواه الطبراني من طريق إسماعيل بن عياش عن حريز بن عثمان عن راشد بن
سعد عن معاوية بن أبي سفيان أنه كان يعلم الناس التشهد وهو على المنبر:
التحيات لله والصلوات والطيبات فذكر مثل تشهد ابن مسعود.
الخامس: روى الطبراني بإسناد صحيح عن الشعبي قال: كان ابن مسعود
يقول بعد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته: السلام علينا من ربنا: فهذه
15

الجملة زادها ابن مسعود اجتهادا منه، فكذلك تغيير صيغة السلام من الخطاب إلى
الغيبة، اجتهادا منه أيضا.
السادس: أن البيهقي روى في سننه عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها
قالت: هذا تشهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم: التحيات لله إلى آخره، مثل تشهد
ابن مسعود. قال النووي في الخلاصة: إسناده جيد: وهو يفيد أن تشهد النبي صلى
الله عليه وآله وسلم مثل تشهدنا، وهي فائدة حسنة ا ه‍.
السابع: روى أبو عاصم قال أخبرنا ابن جريح قال: سئل وأنا أسمع عن
التشهد؟ فقال، التحيات لله، وذكر تشهد ابن عباس، ثم قال: لقد سمعت عبد الله بن
الزبير يقولهن على المنبر، يعلمهن الناس، ولقد سمعت عبد الله ابن عباس يقول مثل
ما سمعت ابن الزبير يقول، قلت: فلم يختلف ابن الزبير وابن عباس؟ فقال: لا،
أخرجه الطحاوي. ووقع هذا الأثر في مصنف عبد الرزاق بصيغة الغيبة وما هنا
أرجح، لأنه أحال على تشهد ابن عباس، والسلام فيه بصيغة الخطاب.
الثامن: أن المسلمين المقيمين في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة
واليمن وأطراف الجزيرة العربية، كانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في تشهد الصلاة بصيغة الخطاب ولم يأمرهم بتغيير صيغة السلام، لكونهم غائبين
عنه.
التاسع: أن وفاته صلى الله عليه وآله وسلم لا تستوجب تغيير السلام من
الخطاب إلى الغيبة، لأن سلامنا عليه يبلغه حيث كنا، روى أحمد والنسائي عن ابن
مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إن لله في الأرض ملائكة
سياحين يبلغوني عن أمتي السلام " صححه ابن حبان. وللحديث طرق كثيرة.
العاشر: قال ابن حزم أثناء الرد على من زعم أن رسالة النبي تنتهي بانتقاله،
ما نصه: وكذلك ما أجمع الناس عليه، وجاء به النص، من قول كل مصل فرضا أو
نافلة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ا ه‍ من كتاب الفصل ج 1
ص 89، لابن القيم قريب من هذا المعنى في كتاب الروح.
وقال ابن تيمية في الجواب الباهر: والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم
قد شرع للمسلمين في كل صلاة، وشرع للمسلمين إذا دخل أحدهم المسجد أي مسجد
16

كان، فالنوع الأول كل مصل صلاة يقول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ا ه‍. وقال في موضع آخر من هذا الكتاب: وهم يقولون في الصلاة: السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته، كما كانوا يقولون ذلك في حياته ا ه‍.
الحادي عشر: أن قول ابن مسعود: فلما قبض قلنا السلام على النبي، لا
يجوز أن يكون نسخا لما علمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التشهد للصحابة
كما كان يعلمهم السورة من القرآن، لأن النسخ لا يثبت إلا بوحي، ولا وحي بعده صلى
الله عليه وآله وسلم. ولا يثبت بقول الصحابي كما يقرر في الأصول. بل غاية ما
يفيد قول ابن مسعود أن يكون قرينة على أن الخطاب غير واجب، فلو قال مصل في
بعض الأحيان: السلام على النبي، صحت صلاته.
وقال الشافعية: تبطل لأن الخطاب عندهم وأحب. وهم أسعد بالدليل، وأحق
بموافقة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " وعهدنا
بالألباني، يظهر الحرص على التمسك بالوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
فما بالنا نراه في هذه المسألة يحيد عن اللفظ النبوي المتواتر والمتوارث بين الأمة
جيلا عن جيل. ثم يختار لفظا يزعم أنه عن توقيف؟!.
ولا غرابة في ذلك، فإنه يتكلم على فقه الحديث وهو لا يعرف الأصول، ولا
يحسن قواعد الاستنباط، فخبط خبط عشواء ويتيه في ضلالة عمياء، يجعل المحكم
منسوخا والمخصوص عاما، والموقوف مرفوعا كما هنا. ولو أنه اقتصر على الكلام في سند الحديث - على تخليط له فيه - لكان خيرا له وأفضل، وأستر لحاله وأجمل،
على أنه كثيرا ما يضعف الحديث بالهوى والعصبية، متعاميا عن المتابعات
والشواهد، ويريد إحياء أقول ميتة كقول ابن العربي لا يجوز العمل بالضعيف في
فضائل الأعمال ويزعم أن إقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أمر يفيد
استحبابه، وعلى هذا فالسلام على المصلي يستحب، وكل الضب مستحب. وتارة
يرمي بقاعدة أصولية في غير موضعها، فيؤكد بذلك جهله بعلم الأصول، فقد استعمل
في كتاب الجنائز قول الأصوليين: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فضحكنا
من حسن استعماله لهذه القاعدة!! وتارة يتحمس للتغليظ في حكم، فيؤدي به الحماس
17

إلى الزيادة على الشارع. ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(اعفوا للحي خالفوا المجوس - اشتمل الحديث على الأمر بإعفاء اللحي وتعليله
بمخالفة المجوس، لأنهم يحلقون لحاهم. فلم يقف الألباني عند هذا التعليل واعتبره
غير كاف في الزجر عن حلق اللحي، فعلله بعلتين أخريين ذكرهما في رسالة أدب
الزفاف، وهما تغيير خلق الله والتشبيه بالنساء وزيادة هاتين العلتين تعتبر استدراكا
على الشارع، والاستدراك على الشارع لا يجوز، لأنه لا ينسى فيذكر ولا يغفل فينبه.
وبالجملة فلألباني في استنباطه وغيرها سقطات عظيمة يتحمل وزرها ووزر من
يقلده فيها، لإقدامه على الخوض في ما لا يحسنه، وقد أخطأ من زعمه وهابيا بل هو
أعمق من الوهابيين تعصبا وأشد منهم تعنتا، وأجمد على بعض النصوص بغير فهم
وأكثر ظاهرية من ابن حزم، مع سلاطة في اللسان وصلابة في العناد لا تخطر بخلد
إنسان، وهذا شعار أدعياء السنة والسلفية في هذا الزمان.
وبلغنا عنه أنه أفتى بمنع إعطاء الزكاة للمجاهدين الأفغانيين، نصرهم الله،
فخالف نص القرآن في قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من
الله) وأجمع العلماء على أن سبيل الله، هو الجهاد، ولا دليل للألباني على مخالفة
النص والاجماع إلا عقيدة. وهو في الحقيقة الضال المضل، يسعى في التفريق بين
المسلمين، ويعمل على خذلان المجاهدين الذين أوجب الله نصرهم وإمدادهم بالمال
والسلاح والعتاد، والله تعالى يقول: (إنما المؤمنون إخوة) والنبي صلى الله عليه
وآله وسلم يقول: " المسلم أخو المسلم " وتواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم
تواترا قطعيا معلوما بالضرورة أنه كان يكتفي في إسلام المرء بالشهادتين ولم يشترط
سيئا آخر غيرهما، وجرى على هذا صحابته الكرام، وتابعوهم بإحسان. فما بال هذا
الألباني المبتدع، يفرق بين المسلمين ويضلل جمهورهم كالأشعرية الذين منهم
المالكية والشافعية، وبعض الحنابلة، وكالماتريدية الذين هم الحنفية. ولم يبق من
المسلمين سني إلا هو ومن على شاكلته من الحشوية والمجسمة الذين ينسبون إلى
الله تعالى ما لا يليق بجلاله.
وآية فساد عقيدته أن العلماء عابوا على ابن تيمية قوله بإثبات حوادث لا أول
لها، ورجح حديث " كان الله ولم يكن شئ قبله " على حديث " كان الله ولم يكن شئ غيره " وكلاهما في صحيح البخاري، ليوافق الحديث قوله المخالف لقول الله تعالى
18

(الله خالق كل شئ... وخلق كل شئ فقدره تقديرا)، (إنا كل شئ خلقناه بقدر)
ولإجماع المسلمين على أن الله كان وحده لا شئ معه، ثم أوجد العالم، وابن تيمية لم
يفهم الحديثين، فلجأ إلى الترجيح بينهما فأخطأ. والصواب الذي لم يوفق إليه أن
حديث كان الله ولم يكن شئ قبله، أو كان الله قبل كل شئ، يبين معن اسمه تعالى
الأول. وحديث كان الله ولم يكن شئ غيره، يبين معنى اسمه الواحد الأحد. ثم أخطأ
خطأ آخر حيث زعم أن مع الله تعالى في الأزل حوادث لا أول لها بالنوع لا بالعين
والنوع لا وجود له إلا في جزئي من جزئياته كما تقرر في علم المنطق، وزعم أن
الناس اشتبه عليهم الفرق بين النوع والعين، لا بل هو الذي اشتبه عليه الحال.
والعين هو الجزئي الذي لا يتحقق وجود النوع إلا به والمقصود أن ابن تيمية انفرد
بهذه المقالة الشنعاء، وعابها العلماء عليه، واطلع عليها الألباني، فكان تعقيبه
عليها: أن قال: وليته لم يقلها. ولم يزد على ذلك، كأنه خالف في فرع من فروع
الطهارة، وكان الواجب عليه أن يشتد في إنكار هذه المقالة وبيان فسادها ومخالفتها
للقرآن والاجماع، لأنها تتعلق بالعقيدة، لكنه يشتد فقط ويبالغ في إنكار السبحة
وقراءة القرآن على الميت ونحو هذا من المسائل التي لا تعد من الضروريات في
الدين. فأيهما صلى الله عليه وآله في الأزل؟! معارضا قوله تعالى (الله خالق كل شئ)
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " كان الله ولم يكن شئ غيره "؟!!. وهكذا شأن
هذا الألباني وإخوانه الزائغين يتشددون في مسائل هينة، ويحابون بعضهم البعض
على حساب الدين والعقيدة!.
ولو أن تلك المقالة صدرت عن أشعري أو صوفي، لوفع الألباني عقيرته
بإنكارها وإكفار قائلها، لكن حيث صدرت عن شيخ الإسلام ابن تيمية، اكتفى بقوله:
ليته لم يقله!!.
19

سلف ابن تيمية في مقالته تلك، عبد الله بن ميمون الإسرائيلي صاحب كتاب
دلالة الحائرين، وأنعم به سلفا!!. ومن أخطائه في الرجال: أنه يعزو في الضعيفة إلى
فوائد أبي عثمان البجيرمي بالباء الموحدة، وهذا الخطأ تكرر منه بتكرر العزو إلى
الفوائد، والصواب: النجيرمي بالنون، وهي نسبة إلى نجيرم، بفتح النون وكسر
الجيم، بليدة قرب البصرة نسب إليها قوم من أهل الأدب واللغة والحديث.
ومن قبيح تعنته - وكل تعنت قبيح - ما كتبه على صلاة ابن مسعود التي رواها
إسماعيل القاضي وابن ماجة، بلفظ: اللهم اجعل صلاتك ورحمتك وبركاتك على سيد
المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير ورسول
الرحمة، اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون، وذكر الصلاة
الإبراهيمية. فعلق عليه الألباني بقوله: قال الحافظ ابن حجر: إسناده ضعيف، ذكر ذلك في فتوى له في عدم مشروعية وصفه صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة ضعيف، ذكر
ذلك في فتوى له في عدم مشروعية وصفه صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة في
الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وهي فتوى مهمة، جرى الحافظ فيها على
طريقة السلف في الاتباع وترك الابتداع ا ه‍ وهذا جمود شديد، وتزمت ممقوت، يشبه
نكتة تحكى عن فلاح، ذهب إلى فقيه القرية، يسأله عن يمين أوقعها صهره على بنته
التي تسمى فاطمة، فأخبره الفقيه بحكم اليمين، وقرأ عليه نس الحكم في كتاب الفقه
الموجود فيه، فقال له الفلاح: لكن لم يذكر اسم بنتي فاطمة!! وهذا المبتدع، يريد أن
يثبت فزيادة السيادة بدعة، والناطق بها مبتدع، فلقد حظر واسعا، ونطق هجرا.
وما أتى إلا من قبل جهله بقواعد علم الأصول التي كيف يكون جمع الأدلة،
والتوفيق بينها، حتى تصير في خط مستقيم، لا تناقض بينها ولا تعارض.
فنحن حين نذكر السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لم
نزدها من قبل أنفسنا، ولكن من قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتواتر
" أنا سيد ولد آدم ". فضممنا هذا الحديث إلى حديث الصلاة عليه صلى الله عليه وآله
وسلم، وعملنا بالدليلين، وهذا مستند ابن مسعود في وصف النبي صلى الله عليه
وآله وسلم بسيد المرسلين.
20

وكثير من الأحكام بل غالبها لم تستفد من دليل واحد بل من دليلين أو أكثر،
فالصلاة عرفت أركانها وشروطها وسننها ومبطلاتها، من عدة أدلة. وكذلك الصيام
والزكاة والحج، وهي أركان الإسلام.
وهذا من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى بيان ولكن المتزمتين لا يفهمون.
والمبتدع الألباني، وقع في البدعة التي ينعاها علينا، وهو لا يشعر، لضعف
فهمه، وقلة إدراكه.
فهو حين يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته كتبه، يصلي
على أصحابه معه، وزيادة الصحابة بدعة (لما تقدم بيانه).
أرأيت كيف وقع في البدعة وهو ينعاها على غيره؟!!. نسأل السلامة والتوفيق. ومن جهله بعلم الأصول، وهو جهل فاضح: أنه جعل القراءة خلف الإمام
في الصلاة الجهرية منسوخة، بزيادة مدرجة في الحديث.
قال في صف صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ص 80 ثم نهاهم عن
القراءة كلها في الجهرية، وذلك حينما انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، وفي
رواية أنها صلاة الصبح، فقال " إني أقول ما لي أنازع " قال أبو هريرة: فانتهى الناس عن القراءة
مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما جهر فيه بالقراءة حين سمعوا ذلك من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرأوا في أنفسهم سرا فيما لا يجهر فيه الإمام
ا ه‍.
كتب هذا تحت ترجمة: نسخ القراءة وراء الإمام في الجهرية. وهذا جهل
كبير، يتبين بالوجوه الآتية:
الأول
ليس في الحديث نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن القراءة خلف
الإمام، روى مسلم والنسائي عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم صلى الظهر فجعل رجل يقرأ خلفه (سبح اسم ربك الأعلى) فلما انصرف قال:
21

" أيكم قرأ؟ " فقال الرجل: أنا، فقال: " لقد ظننت أن بعضكم خالجنيها ". قال شعبة:
قلت لقتادة: كأنه كرهه، قال: لو كرهه لنهى عنه وحيث لم يوجد نهي، فلا نسخ
يصح.
الثاني
قال البيهقي في المعرفة قوله: فانتهى الناس عن القراءة، من كلام الزهري،
قاله محمد بن يحيى الذهلي صاحب الزهريات، ومحمد بن إسماعيل البخاري وأبو
داود، واستدلوا على ذلك برواية الأوزاعي حيث ميزه من الحديث وجعله من قول
الزهري وكيف يصح ذلك عن أبي هريرة وأبو هريرة يأمر بالقراءة خلف الإمام فيما جهر
به وفيما خافت ا ه‍. وكذا قال الترمذي في السنن، ولو صح عن أبي هريرة لم يكن فيه
دليل نسخ، لأن النسخ لا يثبت إلا بقول الشارع كما هو مقرر في الأصول، ولا يثبت
بقول صحابي فضلا عن تابعي.
الثالث
أنه لم يثبت نهي عن القراءة مع الإمام إلا مقيدا باستثناء الفاتحة. ففي صحيح
ابن حبان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى بأصحابه، فلما
قضى صلاته أقبل عليهم بوجهه فقال: " أتقرأون في صلاتكم خلف الإمام والإمام
يقرأ؟! ". فسكتوا، قالها ثلاثا، فقال قائل: إنا لنفعل قال: " فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم
بفاتحة الكتاب في نفسه ". ورواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، وقال الحافظ
الهيثمي: رجاله ثقات.
وروى أحمد عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
" تقرأون خلفي؟! " قالوا نعم، قال: " فلا تفعلوا إلا بأم القرآن ".
وروى أحمد أيضا بإسناد صحيح عن رجل من الصحابة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم " لعلكم تقرأون والإمام يقرأ؟! " قالها ثلاثا، قالوا: أنا
لنفعل ذلك، قال: " فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه ". وروى أبو
داود والترمذي عن عبادة بن الصامت قال كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله
22

وسلم في صلاة الفجر، فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال " لعلكم تقرأون خلف
إمامكم؟! ". قلنا نعم، هذا (2). يا رسول الله. قال: " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا
صلاة لمن لم يقرأ بها حسنه الترمذي وصححه البخاري في جزء القراءة وابن
حبان والحاكم وغيرهم، وما أعل به من عنعنة ابن إسحاق مردود بقول البيهقي. وقد
رواه إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق فذكر سماعه فيه من مكحول،
فصار الحديث بذلك موصولا صحيحا ا ه‍.
وقال الخطائي: إسناده جيد لا طعن فيه، وقال الحافظ في التلخيص الحبير
وتخريج أحاديث الأذكار: إسناده حسن، وروى الدارقطني عن عبادة بن الصامت أيضا
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا يقرأن أحدكم شيئا من القرآن إذا جهرت
بالقراءة إلا بأم القرآن ". قال الدارقطني: رواته كلهم ثقات.
أما النهي عن القراءة مطلقا فلم يثبت أبدا، فكيف يدعي الألباني نسخ قراءة
الفاتحة؟! أليس هذا جهلا واضحا؟.
الرابع تقرر في علم الأصول: أن الجمع بين الأدلة واجب، لا يجوز العدول عنه إذا
كان ممكنا بوجه من الوجوه.
والجمع هنا ممكن بوضوح، والأحاديث نفسها بشير إليه. فالذين قرأوا مع النبي
صلى الله عليه وآله وسلم جهروا بالقراءة، فلذلك قال: " ظننت أن أحدكم
خالجنيها... ما لي أنازع؟ ". وكانوا يقرأون السورة مثل سبح حرصا على حفظها منه
صلى الله عليه وآله وسلم فأرشدهم إلى الإنصات وترك الجهر لئلا يحصل تشويش
وأمرهم مع ذلك بقراءة الفاتحة في أنفسهم. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " وإذا
قرأ فأنصتوا ". معناه لا تجهروا بالقراءة، وهم مأمورون بقراءة الإمام له قراءة ". حديث ضعيف بجميع طرقه، ولو فرضنا أنه يتقوى بتلك الطرق الضعيفة، لا يتجاوز أن يكون
له أصل فلا يرقى إلى معارضة حديث الفاتحة المتواتر كما قال البخاري.

(2) بتشديد الذال المعجمة: أي سريعا.
23

ثم حمل القراءة فيه على قراءة الفاتحة غلط لا مسوغ له. بل المراد قراءة
السورة وأدعية الركوع والسجود، والمعنى: أن الإمام يكفي المأموم عن قراءة
السورة. وعن قراءة الأدعية الواردة في الركوع والسجود وفي القيام من الركوع
وفي الجلوس بين السجدتين. أما الفاتحة فهي مخصوصة من عموم القراءة لأنها
ركن في الصلاة والإمام يتحمل المندوبات فقط، ولا يتحمل الأركان كما هو معلوم
بالضرورة من كتب الشريعة الإسلامية.
الخامس
علم مما ذكرنا أن دعوى النسخ باطلة، نشأت عن ضيق أفق وضعف في
الفهم، والألباني يتحمل إثمها وإثم من قلده فيها وعليه ينطبق حديث: " ومن سن
سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شئ ".
وهل أسوأ من إبطال حديث صحيح وإلغائه من درجة الحجية والعمل بدعوى خاطئة
جريئة لا مخطئة، ولا لصاحبها عذر مقبول. وغلطاته كثيرة متنوعة في الرجال، وفي
التصحيح والتضعيف، وفي فهم الحديث، وفي الاستنباط منه، وفي الجرأة على
الأئمة الأعلام، وفي لمز كل من خالفه بالابتداع، أما الإنصاف وعفة اللسان فيسمع
عنهما ولا يحسهما من نفسه، نسأل الله الهداية والتوفيق.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الأكرمين، ورضي الله عن صحابته والتابعين.
أبو الفضل عبد الله بن محمد
ابن الصديق
عفي عنه
24