الكتاب: التفسير الصافي
المؤلف: الفيض الكاشاني
الجزء: ٤
الوفاة: ١٠٩١
المجموعة: مصادر التفسير عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: رمضان ١٤١٦ - ١٣٧٤ ش
المطبعة: مؤسسة الهادي - قم المقدسة
الناشر: مكتبة الصدر - طهران
ردمك:
ملاحظات:

تفسير الصافي (4)
1

(هوية الكتاب)
الكتاب: تفسير الصافي
المؤلف: فيلسوف الفقهاء المولى محسن الفيض الكاشاني (قدس سره)
الطبعة: الثانية
العدد: 5000 نسخة
القطع: وزيري
عدد الصفحات مجلدات الخمس: 2288 صفحة
ليتوغراف: آرمان
المطبعة: مؤسسة الهادي - قم المقدسة
تاريخ الطبعة: شهر رمضان 1416 قمرية - 1374 شمسية
الناشر: مكتبة الصدر - بطهران - شارع ناصر خسرو تليفون 397696
السعر: 850 تومان
2

تفسير الصافي
تأليف
فيلسوف الفقهاء، وفقيه الفلاسفة، أستاذ عصره
ووحيد دهره، المولى محسن الملقب به الفيض الكاشاني
المتوفى سنة 1091 ه‍
الجزء الرابع
3

سورة الفرقان مكية كلها وقال ابن عباس
إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدنية من قوله والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى
قوله غفورا رحيما عدد آيها سبع وسبعون آية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) تبارك الذي نزل الفرقان على عبده تكاثر خيره من البركة وهي كثرة الخير
وقد سبق تفسير الفرقان في سورة آل عمران ليكون العبد أو الفرقان للعلمين نذيرا
للجن والأنس منذرا أو إنذارا كالنكير بمعنى الإنكار
(2) الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا كما زعمه النصارى ولم
يكن له شريك في الملك كقول الثنوية وخلق كل شئ فقدره تقديرا
القمي عن الرضا عليه السلام قال تدري ما التقدير قيل لا قال هو وضع الحدود
من الآجال والأرزاق والبقاء والفناء تدري ما القضاء قيل لا قال هو إقامة العين
(3) واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون لأن عبدتهم
ينحتونهم ويصورونهم ولا يملكون ولا يستطيعون لأنفسهم ضرا دفع ضر ولا نفعا ولا
جلب نفع ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ولا يملكون إماتة أحد وإحيائه أولا
وبعثه ثانيا ومن كان كذلك فبمعزل عن الألوهية
(4) وقال الذين كفروا إن هذا يعنون القرآن إلا إفك كذب مصروف عن وجهه
افتراه اختلقه وأعانه عليه قوم آخرون
القمي قالوا هذا الذي يقرأه رسول الله صلى الله عليه وآله ويخبرنا به إنما يتعلمه من اليهود ويكتبه
من علماء النصارى ويكتب عن رجل يقال له ابن قبيطة ينقله عنه بالغداة والعشي
فحكى سبحانه وتعالى قولهم فرد عليهم
4

وعن الباقر (عليه السلام) الإفك الكذب وقوم آخرون يعنون أبا فكيهة وحبرا
وعداسا وعابسا مولى حويطب فقد جاؤوا ظلما وزورا
(5) وقالوا أساطير الأولين ما سطره المتقدمون اكتتبها كتبها بنفسه أو استكتبها
فهي تملى عليه بكرة وأصيلا
القمي قول النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة
(6) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض لأنه أعجزكم عن آخركم
بفصاحته وتضمن أخبارا عن مغيبات مستقبلة وأشياء مكنونة لا يعلمها إلا عالم
الأسرار فكيف تجعلونه أساطير الأولين إنه كان غفورا رحيما فلذلك لا يعجل في
عقوبتكم على ما تقولون مع كمال قدرته واستحقاقكم إن يصب عليكم العذاب
صبا
(7) وقالوا مال هذا الرسول ما لهذا الذي يزعم الرسالة وفيه استهانة وتهكم يأكل
الطعام كما نأكل ويمشي في الأسواق لطلب المعاش كما نمشي والمعنى إن صح
دعواه فما باله لم يخالف حاله حالنا وذلك لعمههم وقصور نظرهم على المحسوسات فإن
تميز الرسل ممن عداهم ليس بأمور جسمانية وإنما هو بأحوال نفسانية كما أشار إليه
بقوله قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى إنما إلهكم إله وحد لولا أنزل إليه ملك فيكون
معه نذيرا ليعلم صدقه بتصديق الملك
(8) أو يلقى إليه كنز فيستظهر به ويستغني عن تحصيل المعاش أو تكون له
جنة يأكل منها على سبيل التنزل أي إن لم يلق إليه كنز فلا أقل أن يكون له بستان كما
للدهاقين والمياسير فيتعيش بريعه وقرئ نأكل بالنون وقال الظالمون إن تتبعون ما
تتبعون إلا رجلا مسحورا سحر فغلب على عقله قيل وضع الظالمون موضع ضميرهم
تسجيلا عليهم بالظلم فيما قالوا
والقمي عن الباقر عليه السلام نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله
بهذه الآية هكذا وقال الظالمون لآل محمد عليهم السلام حقهم إن يتبعون إلا رجلا مسحورا
5

(9) انظر كيف ضربوا لك الأمثل قالوا فيك الأقوال الشاذة واخترعوا لك
الأحوال النادرة فضلوا عن الطريق الموصل إلى معرفة خواص النبي صلى الله عليه
وآله والتميز بينه وبين المتنبي فخبطوا خبط عشواء فلا يستطيعون سبيلا إلى القدح
في نبوتك أو إلى الرشد والهدى
والقمي عن الباقر عليه السلام إلى ولاية علي عليه السلام وعلي هو السبيل
(10) تبارك الذي إن شاء جعل لك في الدنيا خيرا من ذلك مما قالوه
ولكن أخره إلى الآخرة لأنه خير وأبقى جنت تجرى من تحتها الأنهر ويجعل لك
قصورا وقرئ يجعل بالرفع
في الاحتجاج وتفسير الإمام عليه السلام في سورة البقرة عند قوله سبحانه أم
تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل قال الإمام عليه السلام قلت لأبي
علي بن محمد عليهما السلام هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يناظر اليهود
والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم قال مرارا كثيرة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه
وآله كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة فابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي فقال
يا محمد لقد أدعيت دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا زعمت أنك رسول رب العالمين
وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشرا مثلنا يأكل
كما نأكل ويمشي في الأسواق كما نمشي وهذا ملك الروم وهذا ملك الفارس لا
يبعثان رسولا إلا كثير مال عظيم خطير له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام
ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك
ونشاهده بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ما أنت
يا محمد إلا مسحورا ولست بنبي ثم اقترحوا أشياء كثيرة مضى ذكرها في سورة بني
إسرائيل ويأتي ذكر بعضها في سورة الزخرف إن شاء الله فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شئ تعلم ما قاله عبادك فأنزل
الله عليه يا محمد وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام إلى قوله قصورا مع آيات اخر قد
مضت قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عبد الله أما ما ذكرت من إني آكل
6

الطعام كما تأكلون وزعمت أنه لا يجوز لأجل هذه أن أكون لله رسولا فإنما الأمر لله
يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود وليس لي ولا لأحد الاعتراض بلم وكيف ألا
ترى أن الله كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا وأعز بعضا وأذل بعضا
وأصح بعضا وأسقم بعضا وشرف بعضا ووضع بعضا كلهم ممن
يأكل الطعام ثم ليس للفقراء أن يقولوا لم أفقرتنا وأغنيتهم ولا
للوضعاء أن يقولوا لم وضعتنا وشرفتهم ولا للزمناء والضعفاء أن يقولوا لم أزمنتنا
وأضعفتنا وصححتهم ولا للأذلاء أن يقولوا لم أذللتنا وأعززتهم ولا لقباح الصور أن
يقولوا لم أقبحتنا وجملتهم بل إن قالوا ذلك كانوا على ربهم رادين وله في أحكامه
منازعين وبه كافرين ولكن جوابه لهم أنا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز
المذل المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي والانقياد لحكمي فإن
سلمتم كنتم عبادا مؤمنين وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين ثم أنزل
الله عليه يا محمد قل إنما أنا بشر مثلكم يعني آكل الطعام يوحى إلى إنما إلهكم إله
واحد يعني قل لهم أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصني بالنبوة كما يخص بعض
البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر فلا تنكروا أن يخصني أيضا
بالنبوة ثم أجاب عن مقترحاتهم الأخر بما سبق ذكره في سورتي بني إسرائيل والأنعام
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وأما قولك ما أنت إلا رجل مسحور فكيف أكون
كذلك وقد تعلمون إني في صحة التميز والعقل فوقكم فهل جربتم علي مذ نشأت إلى
أن استكملت أربعين سنة خزية أو ذلة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفها من
الرأي أتظنون أن رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته
وذلك ما قال الله انظر كيف ضربوا لك الأمثل فضلوا فلا يستطيعون سبيلا إلى أن يثبتوا
عليك عمى بحجة أكثر دعاويهم الباطلة التي تبين عند التحصيل بطلانها
(11) بل كذبوا بالساعة فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوية فظنوا أن
الكرامة إنما هي بالمال وطعنوا فيك بفقرك وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا نارا
شديدة الأسعار
(12) إذا رأتهم إذا كانت بمرئ منهم من مكان بعيد
في المجمع عن الصادق عليه السلام والقمي قال من مسيرة سنة سمعوا لها
7

تغيظا وزفيرا صوت تغيظ
(13) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين
القمي قال مقيدين بعضهم مع بعض دعوا هنالك ثبورا هلاكا أي يتمنون
هلاكا وينادونه
(14) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا اي يقال لهم ذلك وادعوا ثبورا كثيرا لأن
عذابكم أنواع كثيرة
(15) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء
ومصيرا
(16) لهم فيها ما يشاؤون خالدين كان على ربك وعدا مسؤولا كان ما يشاؤون
موعودا حقيقا بأن يسئل ويطلب أو سأله الناس بقولهم ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك
أو الملائكة بقولهم وأدخلهم جنت عدن
(17) ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله يعم كل معبود سواه فيقول أي
للمعبودين وقرئ بالنون فيهما أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل
لإخلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد النصيح وهو استفهام تقريع
وتبكيت للعبدة
(18) قالوا سبحانك تعجبا مما قيل لهم لأنهم إما ملائكة وأنبياء معصومون
أو جمادات لا تقدر على شئ أو إشعارا بأنهم الموسومون بتسبيحه وتوحيده فكيف
يليق بهم إضلال عبيده أو تنزيها لله عن الأنداد ما كان ينبغي لنا ما يصح أن نتخذ من
دونك من أولياء في المجمع عن الباقر عليه السلام إنه قرأ نتخذ بضم النون وفتح
الخاء ولكن متعتهم وآباءهم بأنواع النعم واستغرقوا في الشهوات حتى نسوا الذكر
حتى غفلوا عن ذكرك والتذكر لآلائك والتدبر في آياتك وكانوا قوما بورا هالكين
(19) فقد كذبوكم التفات إلى العبدة بالاحتجاج والإلزام على حذف القول
والمعنى فقد كذبكم المعبودون بما تقولون في قولكم إنهم آلهة وهؤلاء أضلونا وقرء
8

بالياء أي كذبوكم بقولهم سبحانك ما كان ينبغي لنا فما يستطيعون اي المعبودون وقرء
بالتاء على خطاب العابدين صرفا دفعا للعذاب عنكم ولا نصرا فيعينكم عليه ومن
يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا وهو النار
(20) وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا انهم ليأكلون الطعام ويمشون في
الأسواق جواب لقولهم مال لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق
في المجمع عن علي عليه السلام انه قرء يمشون بضم الياء وبفتح الشين
المشددة اي يمشيهم حوائجهم أو الناس وجعلنا بعضكم أيها الناس لبعض فتنة
ابتلاء ومن ذلك ابتلاء الفقراء بالأغنياء والمرسلين بالمرسل إليهم ومناصبتهم لهم
العداوة وإيذاؤهم لهم وهو تسلية للنبي صلى الله عليه وآله على ما قالوه بعد نقضهم
أتصبرون علة للجعل اي لنعلم أيكم يصبر وحث على الصبر على ما افتتنوا به وكان
ربك بصيرا بمن يصبر وبمن لا يصبر
(21) وقال الذين لا يرجون لقاءنا بالخير لكفرهم بالبعث وأصل اللقاء
الوصول لولا هلا انزل علينا الملائكة فيخبرونا بصدق محمد أو يكونون رسلا الينا أو
نرى ربنا فيأمرنا بتصديقه واتباعه لقد استكبروا في أنفسهم في شأنها وعتو وتجاوزوا
الحد في الظلم عتوا كبيرا بالغا أقصى مراتبه حيث عاينوا المعجزات القاهرة فأعرضوا عنها
واقترحوا لأنفسهم الخبيثة ما سدت دونه مطامح النفوس القدسية
(22) يوم يرون الملائكة ملائكة الموت أو العذاب لا بشرى يومئذ للمجرمين
ويقولون حجرا محجورا يستعيذون منهم ويطلبون من الله ان يمنع لقاءهم وهي مما
كانوا يقولون عند لقاء عدو أو هجوم مكروه
(23) وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا
في الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الآية فقال إن كانت
اعمالهم لأشد بياضا من القباطي فيقول الله عز وجل له كوني هباء منثورا وذلك
انهم كانوا إذا شرع لهم الحرام اخذوه وفي رواية لم يدعوه
9

والقمي عن الباقر عليه السلام قال يبعث الله يوم القيامة قوما بين أيديهم نور
كالقباطي ثم يقول له كن هباء منثورا ثم قال اما والله انهم كانوا يصومون ويصلون
ولكن كانوا إذا عرض لهم شئ من الحرام اخذوه وإذا ذكر لهم شئ من فضل أمير
المؤمنين عليه السلام أنكروه قال والهباء المنثور هو الذي تراه يدخل البيت في الكوة
من شعاع الشمس
وفي البصائر عن الصادق عليه السلام انه سئل اعمال من هذه فقال اعمال
مبغضينا ومبغضي شيعتنا
(24) أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا مكانا يستقر فيه في أكثر الأوقات
للتجالس والتحادث وأحسن مقيلا مكانا يؤوي إليه للاسترواح قيل تجوز له من مكان
القيلولة على التشبيه إذ لا نوم في الجنة
وفي الكافي في حديث سؤال القبر عن أمير المؤمنين عليه السلام قال ثم يفتحان
له بابا إلى الجنة ثم يقولان له نم قرير العين نوم الشاب الناعم فان الله يقول أصحاب
الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا
والقمي عن الباقر عليه السلام بلغنا والله أعلم انه إذا استوى أهل النار إلى النار
لينطلق بهم قبل ان يدخلوا النار فيقال لهم ادخلوا إلى ظل ذي ثلث شعب من دخان
النار فيحسبون انها الجنة ثم يدخلون النار أفواجا وذلك نصف النهار واقبل أهل الجنة
فيما اشتهوا من التحف حتى يعطوا منازلهم في الجنة نصف النهار فذلك قول الله عز
وجل أصحاب الجنة يومئذ الآية
وعن الصادق عليه السلام لا ينتصف ذلك اليوم حتى يقبل أهل الجنة في الجنة
وأهل النار في النار
(25) ويوم تشقق السماء تتشقق وقرئ بتشديد الشين بالغمام بسبب طلوع
الغمام منها قيل هو الغمام المذكور في قوله هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظلل
من الغمام والملائكة ونزل الملائكة تنزيلا وقرء وينزل من الانزال ونصب الملائكة قيل
10

اي في ذلك الغمام بصحائف الأعمال
والقمي عن الصادق عليه السلام الغمام أمير المؤمنين
(26) الملك يومئذ الحق للرحمن الثابت له لأن كل ملك يبطل يومئذ ولا يبقي
الا ملكه وكان يوما على الكافرين عسيرا شديدا
(27) ويوم يعض الظالم على يديه من فرط الحسرة
القمي قال الأول يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا
القمي عن الباقر عليه السلام عليا وليا
(28) يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا قال يعني الثاني
(29) لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جائني قال يعني الولاية وكان الشيطان قال
وهو الثاني للانسان خذولا
وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة الوسيلة قال في مناقب لو
ذكرتها لعظم بها الارتفاع وطال لها الاستماع ولئن تقمصها دوني الأشقيان ونازعاني
فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالة فليس ما عليه وردها ولبئس ما
لأنفسهما مهدا يتلاعنان في دورهما ويتبرء كل منهما من صاحبه يقول لقرينه إذا التقيا
يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين فيجيبه الأشقى على وثوبه يا ليتني لم
أتخذك خليلا لقد أضللتني عن الذكر بعد إذ جائني وكان الشيطان للانسان خذولا فأنا
الذكر الذي عنه ضل والسبيل الذي عنه مال والايمان الذي به كفر والقرآن الذي إياه
هجر والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب
وفي الاحتجاج عنه عليه السلام في احتجاجه على بعض الزنادقة قال إن الله
ورى أسماء من اغتروا فتن خلقه وضل وأضل وكنى عن أسمائهم في قوله ويوم يعض
الظالم على يديه الآيتين
(30) وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا بأن تركوه
وصدوا عنه
11

(31) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين كما جعلناه لك فاصبر
كما صبروا وكفى بربك هاديا ونصيرا لك عليهم وقد سبق في المقدمة السادسة
حديث من الإحتجاج فيه بيان لهذه الآية
(32) وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن اي انزل عليه كخبر بمعنى اخبر
لئلا يناقض قوله جملة واحدة دفعة واحدة كالكتب الثلاثة كذلك لنثبت به فؤادك اي
كذلك أنزلناه مفرقا لنقوي بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه ولأنه إذا نزل به جبرئيل
حالا بعد حال يثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا وقرأناه عليك شيئا بعد شئ على تؤدة
وتمهل في عشرين سنة
(33) ولا يأتونك بمثل سؤال عجيب كأنه مثل في البطلان يريدون به القدح
في نبوتك الا جئناك بالحق الدامغ له في جوابه وأحسن تفسيرا وبما هو أحسن بيانا
ومعنى من سؤالهم
(34) الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله انه سئل كيف يحشر الكافر على
وجهه يوم القيامة قال إن الذي امشاه على رجليه قادر ان يمشيه على وجهه يوم
القيامة
(35) ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا يؤازره في
الدعوة واعلاء الكلمة
(36) فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا يعني فرعون وقومه فدمرناهم
تدميرا اي فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام فدمرناهم على التأكيد بالنون
الثقيلة وفي رواية فدمراهم قال وهذا كأنه امر لموسى وهارون ان يدمراهم
(37) وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم بالطوفان وجعلناهم للناس آية
عبرة واعتدنا للظالمين عذابا أليما
(38) وعادا وثمود وجعلنا عادا وثمود أيضا وأصحاب الرس وقرونا وأهل
12

اعصار بين ذلك كثيرا لا يعلمها الا الله
(39) وكلا ضربنا له الأمثال بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين اعذارا
وانذارا فلما أصروا أهلكوا كما قال وكلا تبرنا تتبيرا فتناه تفتينا ومنه التبر لفتات الذهب
والفضة
وفي المعاني والقمي عن الصادق عليه السلام يعني كسرنا تكسيرا وزاد القمي
قال هي لفظة بالنبطية
في العيون والعلل عن الرضا عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه الحسين
ابن علي عليه السلام قال اتى علي ابن أبي طالب عليه السلام قبل مقتله بثلاثة أيام
رجل من اشراف تميم يقال له عمرو فقال يا أمير المؤمنين اخبرني عن أصحاب الرس
في اي عصر كانوا وأين كانت منازلهم ومن كان ملكهم وهل بعث الله إليهم رسولا أم
لا وبما إذا أهلكوا فاني أجد في كتاب الله تعالى ذكرهم ولا أجد خبرهم فقال علي
عليه السلام لقد سئلت عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك ولا يحدثك به أحد بعدي
الا عني وما في كتاب الله تعالى آية الا وانا أعرفها واعرف تفسيرها وفي اي مكان نزلت
من سهل أو جبل وفي اي وقت من ليل أو نهار وان هنا لعلما جما وأشار إلى صدره
ولكن طلابه يسير وعن قليل تندمون لو فقدتموني كان من قصصهم يا أخا تميم انهم
كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال له شاه درخت كان يافث بن نوح غرسها على
شفيرة عين يقال لها روشاب كانت أنبتت لنوح بعد الطوفان وإنما سموا أصحاب الرس
لأنهم رسوا نبيهم في الأرض وذلك بعد سليمان بن داود وكانت لهم اثنتا عشرة قرية
على شاطئ نهر يقال له الرس من بلاد المشرق وبهم سمي ذلك النهر ولم يكن يومئذ
في الأرض نهر اغزر منه ولا أعذب منه ولا قرى أكثر ولا اعمر منها تسمى إحداهن
ابان والثانية آذر والثالثة دي والرابعة بهمن والخامسة اسفندار والسادسة فروردين
والسابعة اردي بهشت والثامنة خرداد والتاسعة مرداد والعاشرة تير والحادية عشر مهر
والثانية عشر شهريور وكانت أعظم مداينهم اسفندار وهي التي ينزلها ملكهم وكان
يسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن سادن بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم (عليه السلام) وبها
13

العين والصنوبرة وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة فنبتت الحبة
وصارت شجرة عظيمة وحرموا ماء العين والأنهار ولا يشربون منها ولا انعامهم ومن
فعل ذلك قتلوه ويقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد ان ينقص من حياتها ويشربون
هم وانعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل
قرية عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة من حرير فيها من
أنواع الصور ثم يأتون بشاة وبقر فيذبحونهما قربانا للشجرة ويشعلون فيها النيران
بالحطب فإذا سطع دخان تلك الذبايح وقتارها في الهواء وحال بينهم وبين النظر إلى
السماء خروا سجدا للشجرة يبكون ويتضرعون إليها ان ترضى عنهم وكان الشيطان
يجئ فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي اني قد رضيت عنكم عبادي
فطيبوا نفسا وقروا عينا فيرفعون رؤوسهم عند ذلك ويشربون الخمر ويضربون
بالمعازف ويأخذون الدست بند فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون
وإنما سمت العجم شهورها بابان ماه وآذر ماه وغيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى
لقول أهلها بعضهم لبعض هذا عيد شهر كذا وعيد شهر كذا حتى إذا كان عيد قريتهم
العظمى اجتمع إليه صغيرهم وكبيرهم فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا من ديباج
عليه أنواع الصور له اثنا عشر بابا كل باب لأهل قرية منهم ويسجدون للصنوبرة خارجا
من السرادق ويقربون لها الذبايح اضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم فيجئ
إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا ويتكلم من جوفها كلاما جهوريا
ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها فيرفعون رؤوسهم من
السجود وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ولا يتكلمون من الشرب والغرف
فيكونون على ذلك اثنى عشر يوما ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون فلما
طال كفرهم بالله عز وجل وعبادتهم غيره بعث الله سبحانه إليهم نبيا من بني إسرائيل
من ولد يهود بن يعقوب فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل
ومعرفته وربوبيته فلا يتبعونه فلما رأى شدة تماديهم في الغي والضلال وتركهم قبول ما
دعاهم إليه من الرشد والنجاح وحضر عيد قريتهم العظمى قال يا رب ان عبادك أبوا الا
تكذيبي والكفر بك وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضر فأيبس شجرهم اجمع
14

وارهم قدرتك وسلطانك فأصبح القوم وقد يبس شجرهم فهالهم ذلك وقطع بهم
وصاروا فرقتين فرقة قالت سحر آلهتكم هذا الرجل الذي يزعم أنه رسول اله السماء
والأرض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه وفرقة قالت لا بل غضب
آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عبادة غيرها فحجبت
حسنها وبهائها لكي تغضبوا عليه فتضروا منه فأجمع رأيهم على قتله فاتخذوا أنابيب
طوالا من رصاص واسعة الأفواه ثم أرسلوها في قرار العين إلى أعلى الماء واحدة فوق
الأخرى مثل اليراع ونزحوا ما فيها من الماء ثم حفروا في قرارها بئر ضيقة المدخل
عميقة وأرسلوا فيها نبيهم والقموا فاها صخرة عظيمة ثم اخرجوا الأنابيب من الماء
وقالوا نرجو الان ان ترضى عنا آلهتنا إذا رأت انا قد قتلنا من كان يقع فيها ويصد عن
عبادتها ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان فبقوا عامة
يومهم يسمعون أنين نبيهم وهو يقول سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي فارحم
ضعف ركني وقلة حيلتي وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة دعوتي حتى مات فقال
الله تعالى لجبرئيل يا جبرئيل أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي وامنوا مكري
وعبدوا غيري وقتلوا رسولي ان يقوموا لغضبي ويخرجوا من سلطاني كيف وانا المنتقم
ممن عصاني ولم يخش عقابي واني حلفت بعزتي لأجعلنهم عبرة ونكالا للعالمين
فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك الا بريح عاصفة شديدة الحمرة فتحيروا فيها وذعروا
منها وتضام بعضهم إلى بعض ثم صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت تتوقد
وأظلتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبة جمرا يلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب
الرصاص في النار فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه ونزول نقمته ولا حول ولا قوة الا
بالله العلي العظيم، والقمي الرس نهر بناحية آذربايجان
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام انه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن
السحق فقال حدها حد الزاني فقالت المرأة ما ذكر الله عز وجل ذلك في القرآن فقال
بلى فقالت وأين هو قال هن أصحاب الرس
والقمي عنه عليه السلام قال دخلت امرأة مع مولاة لها على أبي عبد الله عليه
السلام فقالت ما تقول في اللواتي مع اللواتي قال هن في النار إذا كان يوم القيامة اتي
15

بهن فألبسن جلبابا من نار وخفين من نار وقناعا من نار وادخل في أجوافهن وفروجهن
أعمدة من نار وقذف بهن في النار فقالت ليس هذا في كتاب الله قال نعم قالت أين هو
قال قوله وعادا وثمود وأصحاب الرس فهن الرسيات
وفي المجمع عنهما عليهما السلام ان سحق النساء كان في أصحاب الرس
وبلفظ آخر كان نساؤهم سحاقات
(40) ولقد اتوا يعني قريشا مروا مرارا في متاجرهم إلى الشام على القرية التي
أمطرت مطر السوء
القمي عن الباقر عليه السلام واما القرية التي أمطرت مطر السوء فهي سدوم
قرية قوم لوط أمطر الله عليهم حجارة من سجيل يقول من طين أفلم يكونوا يرونها في
مرار مرورهم فيتعظون بما يرون فيها من آثار عذاب الله بل كانوا لا يرجون نشورا بل
كانوا كفرة لا يتوقعون نشورا ولا عاقبة فلذلك لم ينظروا ولم يتعظوا فمروا بها كما مرت
ركابهم
(41) وإذا رأوك ان يتخذونك الا هزوا ما يتخذونك الا موضع هزء أهذا الذي
بعث الله رسولا اي يقولون ذلك تهكما واستهزاء
(42) ان كاد انه كاد ليضلنا عن آلهتنا ليصرفنا عن عبادتها بفرط اجتهاده في
الدعاء إلى التوحيد وكثرة ما يورد مما يسبق إلى الذهن انها حجج ومعجزات لولا أن
صبرنا عليها ثبتنا عليها واستمسكنا بعبادتها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من
أضل سبيلا فيه وعيد ودلالة على أنه لا يمهلهم وان أمهلهم
(43) أرأيت من اتخذ إلهه هواه بأن اطاعه وبنى عليه دينه لا يسمع حجة ولا
يتبصر دليلا أفأنت تكون عليه وكيلا حفيظا تمنعه عن الشرك والمعاصي وحاله هذا
فالاستفهام الأول للتقرير والتعجب والثاني للإنكار
(44) أم تحسب بل أتحسب ان أكثرهم يسمعون أو يعقلون فتجدي لهم
الآيات والحجج فتهتم بشأنهم وتطمع في ايمانهم وهو أشد مذمة مما قبله حتى حق
16

بالإضراب عنه إليه وتخصيص الأكثر لأنه كان منهم من آمن ومنهم من عقل الحق
وكابر استكبارا أو خوفا على الرياسة ان هم الا كالانعام في عدم انتفاعهم بقرع الآيات
آذانهم وعدم تدبرهم فيما شاهدوا من الدلائل والمعجزات بل هم أضل سبيلا من
الانعام لأنها تنقاد من يتعهدها وتميز من يحسن إليها ممن يسئ إليها وتطلب ما ينفعها
وتجتنب ما يضرها وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون احسان الرحمن من إساءة
الشيطان ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد
المضار ولأنها لو لم تعتقد حقا ولم تكتسب خيرا لم تعتقد باطلا ولم تكتسب شرا
بخلاف هؤلاء ولأن جهالتها لا تضر بأحد وجهالة هؤلاء تؤدي إلى هيج الفتن وصد
الناس عن الحق ولأنها غير متمكنة من تحصيل الكمال فلا تقصير منها ولا ذم وهؤلاء
مقصرون مستحقون أعظم العقاب على تقصيرهم، القمي قال نزلت في قريش وذلك أنه
ضاق عليهم المعاش فخرجوا من مكة وتفرقوا وكان الرجل إذا رأى شجرة حسنة أو
حجرا حسنا هواه فعبده وكانوا ينحرون لها النعم ويلطخونها بالدم ويسمونها سعد
صخرة وكان إذا أصابهم داء في إبلهم وأغنامهم جاؤوا إلى الصخرة فيتمسحون بها
الغنم والإبل فجاء رجل من العرب بابل له يريد ان يتمسح بالصخرة إبله ويتبارك عليها
فنفرت إبله وتفرقت فقال الرجل اتيت إلى سعد ليجمع شملنا فشتتنا من سعد فما نحن
من سعد وما صخر الا صخرة مستودة من الأرض لا تهدي لغي ولا رشد ومر به رجل
من العرب والثعلب يبول عليه فقال:
ورب يبول الثعلبان برأسه * لقد ذل من بالت عليه الثعالب
(45) ألم تر إلى ربك ألم تنظر إلى صنعه كيف مد الظل كيف بسطه
القمي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال الظل ما بين طلوع الفجر إلى
طلوع الشمس قيل وهو أطيب الأحوال فان الظلمة الخالصة تنفر الطبع وتسد النظر
وشعاع الشمس يسخن الهواء ويبهر البصر ولذلك وصف به الجنة فقال وظل ممدود
ولو شاء لجعله ساكنا ثابتا من السكنى أو غير متقلص من السكون بأن يجعل الشمس
مقيمة على وضع واحد ثم جعلنا الشمس عليه دليلا فإنه لا يظهر للحس حتى تطلع
فيقع ضوؤها على بعض الاجرام فلولاها لما عرف الظل ولا يتفاوت الا بسبب حركتها
17

(46) ثم قبضناه الينا اي أزلناه بايقاع الشعاع موقعه لما عبر عن احداثه بالمد
بمعنى التيسير عبر عن ازالته بالقبض إلى نفسه الذي هو في معنى الكف قبضا
يسيرا قليلا قليلا حسبما ترتفع الشمس لتنتظم بذلك مصالح الكون ويتحصل به ما لا
يحصى من منافع الخلق
(47) وهو الذي جعل لكم الليل لباسا شبه ظلامه باللباس في ستره والنوم
سباتا راحة للأبدان بقطع المشاغل واصل السبت القطع وجعل النهار نشورا ذا نشور
اي انتشار ينتشر فيه الناس وفيه إشارة إلى أن النوم واليقظة أنموذج للموت والنشور
وفي الحديث النبوي كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون
(48) وهو الذي ارسل الرياح بشرا اي ناشرات للسحاب أو مبشرات على
اختلاف القراء كما مضى في سورة الأعراف بين يدي رحمته يعني قدام المطر وأنزلنا
من السماء ماء طهورا مطهرا أو بليغا في الطهارة وصفه به اشعارا بالنعمة فيه وتتميما
للمنة فيما بعده فان الماء الطهور أهنأ وانفع مما خالطه ما يزيل طهوريته
(49) لنحيي به بلدة ميتا بالنبات وتذكر ميتا لأن البلدة في معنى البلد
ونسقيه مما خلقنا انعاما وأناسي كثيرا
(50) ولقد صرفناه بينهم قيل صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وساير
الكتب أو المطر بينهم في البلدان المختلفة في الأوقات المتغايرة والصفات المتفاوتة
من وابل وطل وغيرهما
وفي الفقيه عن النبي صلى الله عليه وآله قال ما اتى على أهل الدنيا يوم واحد
منذ خلقها الله عز وجل الا والسماء فيها يمطر فيجعل الله ذلك حيث يشاء ليذكروا
ليتفكروا ويعرفوا كمال القدرة وحق النعمة في ذلك ويقوموا بشكره ويعتبروا بالصرف
عنهم واليهم فأبى أكثر الناس الا كفورا الا كفران النعمة وقلة الاكتراث لها وجحودها
بأن يقولوا أمطرنا نبأ كذا من غير أن يروه من الله ويجعلوا الأنوار وسايط مسخرات
(51) ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا نبيا ينذر أهلها فيخف عليك أعباء النبوة
لكن قصرنا الامر عليك اجلالا لك وتعظيما لشأنك وتفضيلا لك على سائر الرسل
فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد في الدعوة واظهار الحق
18

(52) فلا تطع الكافرين فيما يريدونك عليه وهو تهييج له وللمؤمنين
وجاهدهم به بالقرآن أو تبرك طاعتهم جهادا كبيرا يعني انهم يجتهدون في ابطال حقك
فقابلهم بالاجتهاد في مخالفتهم وإزاحة باطلهم فان مجاهدة السفهاء بالحجج أكبر من
مجاهدة الأعداء بالسيف
(53) وهو الذي مرج البحرين خلاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا
يتمازجان من مرج دابته إذا خلاها هذا عذب فرات بليغ العذوبة وهذا ملح أجاج بليغ
الملوحة
في الكافي عنهما عليهما السلام ان الله جل وعز عرض ولايتنا على المياه فما
قبل ولايتنا عذب وطاب وما جحد ولايتنا جعله الله مرا وملحا أجاجا وجعل بينهما
برزخا حاجزا من قدرته وحجرا محجورا قيل تنافرا بليغا أو حدا محدودا وذلك
كدجلة تدخل البحر فتشقه فتجري في خلاله فراسخ لا يتغير طعمها، والقمي يقول
حراما محرما ان يغير واحد منهما طعم الآخر
(54) وهو الذي خلق من الماء بشرا قيل يعني الذي خمر به طينة آدم (ع) ثم
جعله جزء من مادة البشر ليجتمع ويسلسل ويقبل الاشكال بسهولة أو النطفة فجعله
نسبا وصهرا فقسمه قسمين ذوي نسب أي ذكورا ينسب إليهم وذوات صهر اي إناثا
يصاهر بهن وكان ربك قديرا حيث خلق من مادة واحدة بشرا ذا أعضاء مختلفة وطباع
متباعدة وجعله قسمين متقابلين
في الكافي عن الباقر عليه السلام والقمي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن
هذه الآية فقال إن الله تبارك وتعالى خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه
فبرأها من أسفل أضلاعه فجرى بذلك الضلع بينهما سبب ونسب ثم زوجها إياه
فجرى بينهما بسبب ذلك صهر فذلك قوله نسبا وصهرا فالنسب ما كان بسبب الرجال
والصهر ما كان بسبب النساء
وفي المجمع عن ابن سيرين نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي
طالب عليه السلام زوج فاطمة عليا وهو ابن عمه وزوج ابنته فكانت نسبا وصهرا
19

وفي المعاني عن الباقر عن أمير المؤمنين عليهما السلام قال ألا واني
مخصوص في القرآن بأسماء احذروا ان تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم انا الصهر يقول
الله عز وجل وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا
وفي الأمالي باسناده إلى انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله قال قلت
له يا رسول الله علي أخوك قال نعم علي أخي قلت يا رسول الله صف لي كيف علي
أخوك قال إن الله عز وجل خلق ماء تحت العرش قبل ان يخلق آدم بثلاثة آلاف عام
واسكنه في لؤلؤة خضراء في غامض علمه إلى أن خلق آدم فلما خلق آدم نقل ذلك
الماء من اللؤلؤة فأجراه في صلب آدم إلى أن قبضه الله تعالى ثم نقله إلى صلب
شيث فلم يزل ذلك الماء ينقل من ظهر إلى ظهر حتى صار في عبد المطلب ثم شقه
عز وجل نصفين فصار نصفه في أبي عبد الله بن عبد المطلب ونصفه في أبي طالب
فانا من نصف الماء وعلي من النصف الآخر فعلي أخي في الدنيا والآخرة ثم قرء
رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الذي خلق من الماء بشرا الآية، وفي روضة
الواعظين قال رسول الله صلى الله عليه وآله خلق الله عز وجل نطفة بيضاء مكنونة
فنقلها من صلب إلى صلب حتى نقلت النطفة إلى صلب عبد المطلب فجعل نصفين
فصار نصفها في عبد الله ونصفها في أبي طالب فأنا من عبد الله وعلي من أبي طالب
وذلك قول الله عز وجل وهو الذي خلق الآية
(55) ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه
ظهيرا يظاهر الشيطان في العداوة والشرك
في البصائر عن الباقر عليه السلام انه سئل عنها فقال تفسيرها في بطن القرآن
علي هو ربه في الولاية والرب هو الخالق الذي لا يوصف
أقول: يعني ان الرب على الإطلاق الغير المقيد بالولاية هو الله الخالق جل
ذكره
والقمي قد يسمى الانسان ربا كقوله تعالى اذكرني عند ربك وكل مالك لشئ
يسمى ربه وقوله تعالى وكان الكافر على ربه ظهيرا فقال الكافر الثاني وكان علي أمير
20

المؤمنين عليه السلام ظهيرا
(56) وما أرسلناك الا مبشرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين
(57) قل ما أسئلكم عليه على تبليغ الرسالة الذي يدل عليه الا مبشرا ونذيرا
من اجر الا من شاء الا فعل من شاء ان يتخذ إلى ربه سبيلا ان يتقرب إليه ويطلب
الزلفى عنده بالإيمان والطاعة فصور ذلك في صورة الاجر من حيث إنه مقصود فعله
واستثناء منه قطعا لشبهة الطمع واظهارا لغاية الشفقة
(58) وتوكل على الحي الذي لا يموت في استكفائه شرورهم والاغناء من
أجورهم فإنه الحقيق بأن يتوكل عليه دون الاحياء الذين يموتون فإنهم إذا ماتوا ضاع
من توكل عليهم وسبح بحمده ونزهه عن صفات النقصان مثنيا عليه بأوصاف الكمال
طالبا لمزيد الانعام بالشكر على سوابغه وكفى به بذنوب عباده خبيرا ما ظهر منها وما
بطن فلا عليك ان آمنوا أو كفروا
(59) الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على
العرش قد سبق الكلام فيه في سورة الأعراف ولعل ذكره لزيادة تقرير لكونه حقيقا بأن
يتوكل عليه من حيث إنه الخالق للكل والمتصرف فيه وتحريص على الثبات والتأني
في الأمر فإنه تعالى مع كمال قدرته وسرعة نفاذ امره خلق الأشياء على تؤدة وتدرج
وقد مضى هذا المعنى في كلامهم عليهم السلام الرحمن خبر للذي ان جعلته مبتدأ
ولمحذوف ان جعلته صفة للحي أو بدل من المستكن في استوى فسئل به خبيرا
فاسئل عما ذكر من الخلق والاستواء أو عن انه هو الرحمن
وفي المجمع روي أن اليهود حكوا عن ابتداء خلق الأشياء بخلاف ما اخبر الله
تعالى عنه فقال سبحانه فسئل به خبيرا والسؤال كما يعدي بعن لتضمنه معنى
التفتيش يعدي بالباء لتضمنه معنى الاعتناء ويجوز أن يكون صلة خبيرا والخبير هو الله
سبحانه أو جبرئيل أو من وجده في الكتب المتقدمة ليصدقك فيه كذا قيل
أقول: ويحتمل أن يكون المراد بها الرسل المتقدمة فيكون السؤال في عالم
21

الأرواح كقوله تعالى واسئل من قد أرسلنا قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة
يعبدون وقيل الضمير للرحمن والمعنى ان أنكروا اطلاقه على الله فسأل عنه من
يخبرك من أهل الكتاب لتعرفوا مجئ ما يرادفه في كتبهم
(60) وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن قيل لأنهم ما كانوا
يطلقونه على الله أو لأنهم ظنوا انه أراد به غيره تعالى، القمي قال جوابه الرحمن علم
القرآن خلق الانسان علمه البيان أنسجد لما تأمرنا وقرء بالياء وزادهم نفورا عن
الإيمان يعني الامر بسجود الرحمن
(61) تبارك الذي جعل في السماء بروجا يعني البروج الاثني عشر وقد سبق
بيانها في سورة الحجر وجعل فيها سراجا يعني الشمس لقوله وجعل الشمس سراجا
وقرء سرجا بضمتين فيشمل الكواكب الكبار
وفي الجوامع عنهم عليهم السلام لا تقرء سرجا وإنما هي سراجا وهي الشمس
وقمرا منيرا مضيئا بالليل
في الإهليلجة عن الصادق عليه السلام في كلام له وجعل فيها سراجا وقمرا
منيرا يسبحان في فلك يدور بهما دائبين يطلعهما تارة ويؤفلهما أخرى حتى تعرف عدة
الأيام والشهور والسنين وما يستأنف من الصيف والربيع والشتاء والخريف أزمنة
مختلفة باختلاف الليل والنهار
(62) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة يخلف كل منهما الآخر بأن يقوم مقامه
فيما ينبغي ان يفعل فيه لمن أراد ان يذكر وقرء بالتخفيف أو أراد شكورا
في الفقيه عن الصادق عليه السلام كل ما فاتك بالليل فاقضه بالنهار قال الله
تبارك وتعالى وتلا هذه الآية ثم قال يعني ان يقضي الرجل ما فاته بالليل بالنهار وما فاته
بالنهار بالليل
وفي التهذيب والقمي عنه عليه السلام ما يقرب منه، وزاد القمي وهو من سر آل
محمد المكنون
22

(63) وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا
في المجمع عن الصادق عليه السلام هو الرجل يمشي بسجيته التي جبل عليها
لا يتكلف ولا يتبختر
والقمي عن الباقر عليه السلام أنه قال في هذه الآية الأئمة يمشون على الأرض
هونا خوفا من عدوهم
وعن الكاظم عليه السلام انه سئل عنه فقال هم الأئمة عليهم السلام يتقون في
مشيهم
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام انه سئل عنه قال هم الأوصياء مخافة من عدوهم
وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما تسليما منكم ومتاركة لكم لا خير بيننا ولا شر
(64) والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما في الصلاة وتخصيص البيتوتة لأن العبادة
بالليل احمز وابعد من الرياء
(65) والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ان عذابها كان غراما لازما
ومنه الغريم لملازمته
القمي عن الباقر عليه السلام يقول ملازما لا يفارق
أقول: وهو إيذان بأنهم مع حسن مخالفتهم مع الخلق واجتهادهم في عبادة
الحق وجلون من العذاب مبتهلون إلى الله في صرفه عنهم لعدم اعتدادهم باعمالهم
ولا وثوقهم على استمرار أحوالهم
(66) انها سائت مستقرا ومقاما الجملتان يحتملان الحكاية والابتداء من الله
(67) والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وقرء بكسر التاء من اقتر وكان
بين ذلك قواما
القمي الاسراف الانفاق في المعصية في غير حق ولم يقتروا لم يبخلوا عن حق
الله عز وجل والقوام العدل والانفاق فيما امر الله به
23

وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله من اعطى في غير حق فقد أسرف
ومن منع من حق فقد قتر
وعن علي عليه السلام ليس في المأكول والمشروب سرف وان كثر
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنما الاسراف فيما أفسد المال واضر
بالبدن قيل فما الاقتار قال اكل الخبز والملح وأنت تقدر على غيره قيل فما القصد قال
الخبز واللحم واللبن والخل والسمن مرة هذا ومرة هذا
وعنه عليه السلام انه تلا هذه الآية فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده فقال هذا
الاقتار الذي ذكره الله في كتابه ثم قبض قبضة أخرى فأرخى كفه كلها ثم قال هذا
الاسراف ثم اخذ قبضة أخرى فأرخى بعضها وامسك بعضها وقال هذا القوام
(68) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله
اي حرمها بمعنى حرم قتلها الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما جزاء اثم
(69) يضاعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهانا وقرء يضاعف بالرفع
وبحذف الألف والتشديد مرفوعا ومجزوما ويتبعه يخلد في الرفع والجزم
القمي اثام واد من أودية جهنم من صفر مذاب قدامها حدة في جهنم يكون فيه
من عبد غير الله ومن قتل النفس التي حرم الله ويكون فيه الزناة ويضاعف لهم فيه
العذاب
(70) الا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات
وكان الله غفورا رحيما
في الأمالي عن الباقر عليه السلام انه سئل عن قول الله عز وجل فأولئك يبدل
الله سيئاتهم حسنات فقال يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يوقف بموقف
الحساب فيكون الله تعالى هو الذي يتولى حسابه لا يطلع على حسابه أحدا من الناس
فيعرفه ذنوبه حتى إذا أقر بسيئاته قال الله عز وجل للكتبة بدلوها حسنات واظهروها
للناس فيقول الناس حينئذ ما كان لهذا العبد سيئة واحدة ثم يأمر الله به إلى الجنة فهذا
24

تأويل الآية وهي في المذنبين من شيعتنا خاصة
وعن الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه
وآله حبنا أهل البيت يكفر الذنوب ويضاعف الحسنات وان الله ليتحمل من محبينا أهل البيت
ما عليهم من مظالم العباد الا ما كان منهم على اضرار وظلم للمؤمنين فيقول
للسيئات كوني حسنات
وفي العيون عنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان يوم
القيامة تجلى الله عز وجل لعبده المؤمن فيقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا ثم يغفر له لا يطلع
الله على ذلك ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ويستر عليه ما يكره ان يقف عليه أحد ثم يقول
لسيئاته كوني حسنات
والقمي عنه عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة أوقف الله عز وجل المؤمن بين
يديه وعرض عليه عمله فينظر في صحيفته فأول ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه وترتعد
فرائصه ثم تعرض عليه حسناته فتفرح لذلك نفسه فيقول الله عز وجل بدلوا سيئاته
حسنات وأظهروها للناس فيبدل الله لهم فيقول الناس اما كان لهؤلاء سيئة واحدة وهو
قوله تعالى يبدل الله سيئاتهم حسنات والأخبار في هذا المعنى كثيرة
وفي حديث أبي إسحاق الليثي عن الباقر عليه السلام الذي ورد في طينة المؤمن
وطينة الكافر ما معناه ان الله سبحانه يأمر يوم القيامة بأن تؤخذ حسنات أعدائنا فترد
على شيعتنا وتؤخذ سيئات محبينا فترد على مبغضينا قال وهو قول الله تعالى فأولئك يبدل
الله سيئاتهم حسنات يبدل الله سيئات شيعتنا حسنات ويبدل الله حسنات أعدائنا
سيئات
وفي روضة الواعظين عن النبي صلى الله عليه وآله ما من جلس قوم يذكرون الله
الا نادى لهم مناد من السماء قوموا فقد بدل الله سيئاتكم حسنات
(71) ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله يرجع إليه متابا
25

القمي يقول لا يعود إلى شئ من ذلك باخلاص ونية صادقة
(72) والذين لا يشهدون الزور
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال هو الغناء
وفي المجمع عنهما عليهما السلام مثله
والقمي قال الغناء ومجالس اللهو وإذا مروا باللغو (1) مروا كراما معرضين عنه
مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه ومن ذلك الاغضاء عن الفحشاء
والصفح عن الذنوب والكناية مما يستهجن التصريح به
في المجمع عن الباقر عليه السلام هم الذين إذا أرادوا ذكر الفرج كنوا عنه
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه أين نزلتم قالوا
على فلان صاحب القيان فقال كونوا كراما ثم قال اما سمعتم قول الله عز وجل في كتابه
وإذا مروا باللغو مروا كراما
وفي العيون عن محمد بن أبي عباد وكان مشتهرا بالسماع وبشرب النبيذ قال
سألت الرضا عليه السلام عن السماع فقال لأهل الحجاز رأي فيه وهو في حيز الباطل
واللهو اما سمعت الله عز وجل يقول وإذا مروا باللغو مروا كراما
(73) والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا لم يقيموا
عليها غير واعين لها ولا متبصرين بما فيها كمن لا يسمع ولا يبصر بل اكبوا عليها
سامعين بآذان واعية ومبصرين بعيون راعية
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال مستبصرين ليسوا بشكاك
(74) والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا وقرء وذريتنا قرة أعين
بتوفيقهم للطاعة وحيازة الفضائل فان المؤمن إذا شاركه أهله في طاعة الله سر به قلبه
وقربهم عينه لما يرى من مساعدتهم له في الدين وتوقع لحوقهم به في الجنة واجعلنا
26

للمتقين اماما
في الجوامع عن الصادق عليه السلام إيانا عني وفي رواية هي فينا
وفي المناقب عن سعيد بن جبير قال هذه الآية والله خاصة في أمير المؤمنين
عليه السلام كان أكثر دعائه يقول ربنا هب لنا من أزواجنا يعني فاطمة وذريتنا الحسن
والحسين عليهم السلام قرة أعين قال أمير المؤمنين عليه السلام والله ما سئلت ربي
ولدا نضير الوجه ولا سألت ولدا أحسن القامة ولكن سئلت ربي ولدا مطيعين لله
خائفين وجلين منه حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله قرت به عيني قال واجعلنا للمتقين
اماما نقتدي بمن قبلنا من المتقين فيقتدي المتقون بنا من بعدنا
والقمي عن الصادق عليه السلام قال نحن هم أهل البيت قال وروي ان أزواجنا
خديجة وذرياتنا فاطمة وقرة عيننا الحسن والحسين واجعلنا للمتقين اماما علي بن أبي
طالب والأئمة عليهم السلام قال وقرء عنده هذه الآية فقال قد سألوا الله عظيما ان
يجعلهم للمتقين أئمة فقيل له كيف هذا يا ابن رسول الله قال إنما انزل الله واجعل لنا
من المتقين اماما
وفي الجوامع عنه عليه السلام ما يقرب منه
(75) أولئك يجزون الغرفة بما صبروا أعلى مواضع الجنة ويلقون فيها وقرء
بفتح الياء والتخفيف تحية وسلاما يحييهم الملائكة ويسلمون عليهم أو يحيي
بعضهم بعضا ويسلم عليه
(76) خالدين فيها لا يموتون ولا يخرجون حسنت مستقرا ومقاما
(77) قل ما يعبؤ بكم ربى
القمي عن الباقر عليه السلام يقول ما يفعل ربي بكم لولا دعاؤكم
في المجمع عن العياشي عن الباقر عليه السلام انه سئل كثرة القراءة أفضل أو
كثرة الدعاء قال كثرة الدعاء أفضل وقرء هذه الآية فقد كذبتم بما أخبرتكم به حيث
27

خالفتموه فسوف يكون لزاما يكون جزاء التكذيب لازما يحيق بكم لا محالة
في ثواب الأعمال والمجمع عن الكاظم عليه السلام من قرء هذه السورة في
كل ليلة لم يعذبه الله ابدا ولم يحاسبه وكان منزله في الفردوس الأعلى اللهم ارزقنا
تلاوته
28

سورة الشعراء مكية كلها
غير قوله والشعراء يتبعهم الغاوون الآيات إلى آخر السورة فإنها نزلت بالمدينة
عدد آيها مائتان وسبع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) طسم في المجمع عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله لما
أنزلت طسم قال الطاء طور سينا والسين إسكندرية والميم مكة وقال الطاء شجرة
طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد المصطفى صلى الله عليه وآله
والقمي قال طسم هو من حروف اسم الله الأعظم
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام واما طسم فمعناه انا الطالب السميع
المبدئ المعيد
(2) تلك آيات الكتاب المبين (3) لعلك باخع نفسك قاتل نفسك الا يكونوا مؤمنين
(4) ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية دلالة ملجأة إلى الايمان وبلية قاسرة
عليه فظلت أعناقهم لها خاضعين منقادين
في الكافي عن الصادق عليه السلام ان القائم عليه السلام لا يقوم حتى ينادي
مناد من السماء تسمع الفتاة في خدرها ويسمعه أهل المشرق والمغرب وفيه نزلت هذه
الآية ان نشأ ننزل الآية
والقمي عنه عليه السلام في هذه الآية قال تخضع رقابهم يعني بني أمية وهي
الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر عليه السلام
29

وفي ارشاد المفيد عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال سيفعل الله ذلك بهم
قيل من هم قال بنو أمية وشيعتهم قيل وما الآية قال ركود الشمس ما بين زوال الشمس
إلى وقت العصر وخروج صدر ووجه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه وذلك في
زمان السفياني وعندها يكون بواره وبوار قومه
وفي الاكمال عن الرضا عليه السلام في حديث يصف فيه القائم عليه السلام
قال وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول الا
ان حجة الله قد ظهرت عند بيت الله فاتبعوه فان الحق معه وفيه وهو قول الله عز وجل
ان نشأ ننزل عليهم الآية
(5) وما يأتيهم من ذكر من الرحمن بوحيه إلى نبيه صلى الله عليه وآله محدث
مجدد انزاله الا كانوا عنها معرضين الا جددوا اعراضا واصرارا على ما كانوا عليه
(6) فقد كذبوا اي بالذكر بعد اعراضهم وامعنوا في تكذيبه بحيث أدى بهم إلى
الاستهزاء فسيأتيهم انباء ما كانوا به يستهزؤن من أنه كان حقا أم باطلا وكان حقيقا بان
يصدق ويعظم قدره أو يكذب فيستخف امره
(7) أولم يروا إلى الأرض أولم ينظروا إلى عجائبها كم أنبتنا فيها من كل زوج
صنف كريم محمود كثير المنفعة
(8) ان في ذلك لآية على أن منبتها تام القدرة والحكمة سابغ النعمة والرحمة
وما كان أكثرهم مؤمنين
(9) وان ربك لهو العزيز الغالب القادر على الانتقام من الكفرة الرحيم حيث
أمهلهم
(10) وإذ نادى ربك موسى ان ائت القوم الظالمين بالكفر والاستعباد بني إسرائيل
وذبح أولادهم
(11) قوم فرعون لعل الاقتصار على القوم للعلم بان فرعون أولى بذلك الا
يتقون تعجيب من افراطهم في الظلم واجترائهم
(12) قال رب انى أخاف ان يكذبون
30

(13) ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ليقوى به قلبي
وينوب منابي إذا اعتراني الحبسة في اللسان
(14) ولهم على ذنب تبعة ذنب وهو قتل القبطي سماه ذنبا على زعمهم فأخاف
ان يقتلون به قبل أداء الرسالة
(15) قال كلا فاذهبا إجابة له إلى الطلبتين يعني ارتدع يا موسى عما تظن
فاذهب أنت والذي طلبته بآياتنا انا معكم يعني موسى وهارون وفرعون مستمعون
لما يجري بينكما وبينه فأظهر كما عليه
(16) فاتيا فرعون فقولا انا رسول رب العالمين افرد الرسول لأنه مصدر
وصف به فإنه مشترك بين المرسل والرسالة
(17) ان ارسل معنا بني إسرائيل خلهم يذهبوا معنا إلى الشام
(18) قال اي فرعون لموسى بعد ان اتياه فقالا له ذلك ألم نربك فينا في منازلنا
وليدا طفلا ولبثت فينا من عمرك سنين
(19) وفعلت فعلتك التي فعلت يعني قتل القبطي وبخه به معظما إياه بعد
ما عدد عليه نعمه وأنت من الكافرين بنعمتي
القمي عن الصادق عليه السلام قال لما بعث الله موسى إلى فرعون اتى بابه
فاستأذن عليه فلم يأذن له فضرب بعصاه الباب فاصطكت الأبواب مفتحة ثم دخل
على فرعون فأخبره اني رسول رب العالمين وسأله ان يرسل معه بني إسرائيل فقال له
فرعون كما حكى الله ألم نربك إلى قوله وفعلت فعلتك التي فعلت يعني قتلت الرجل
وأنت من الكافرين يعني كفرت نعمتي
(20) قال فعلتها إذا وانا من الضالين قيل من الجاهلين
وفي العيون عن الرضا عليه السلام انه سئل عن ذلك مع أن الأنبياء معصومون
فقال وانا من الضالين عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مداينك
أقول: لعل المراد انه ورى لفرعون فقصد الضلال عن الطريق وفرعون إنما
31

فهم منه الجهل والضلال عن الحق فان الضلال عن الطريق لا يصلح عذرا للقتل
(21) ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربى حكما حكمة وجعلني من
المرسلين
(22) وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل اي وتلك التربية نعمة
تمنها علي بها ظاهرا وهي في الحقيقة تعبيدك بني إسرائيل وقصدهم بذبح أبنائهم
فإنه السبب في وقوعي إليك وحصولي في تربيتك ويحتمل تقدير همزة الانكار اي أو
تلك نعمة تمنها علي وهي ان عبدت
(23) قال فرعون وما رب العالمين لما سمع جواب ما طعن به فيه ورأي أنه لم
يرعوا بذلك شرع في الاعتراض على دعواه فبدء بالاستفسار عن حقيقة المرسل
(24) قال رب السماوات والأرض وما بينهما عرفه بأظهر خواصه وآثاره
في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة جوامع التوحيد قال الذي
سألت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا ببعض بل وصفته بفعاله ودلت عليه بآياته ان
كنتم موقنين علمتم ذلك
(25) قال لمن حوله الا تستمعون جوابه سألته عن حقيقته وهو يذكر افعاله
القمي في الحديث السابق قال وإنما سأله عن كيفية الله فقال موسى رب
السماوات والأرض وما بينهما ان كنتم موقنين فقال فرعون متعجبا لأصحابه الا
تستمعون اسأله عن الكيفية فيجيبني عن الحق
أقول: يعني عن الثبوت
(26) قال ربكم ورب آبائكم الأولين عدل إلى ما لا يشك في افتقاره إلى
مصور حكيم وخالق عليم ويكون أقرب إلى الناظر وأوضح عند المتأمل
(27) قال إن رسولكم الذي ارسل إليكم لمجنون اسأله عن شئ ويجيبني
عن آخر وسماه رسولا على السخرية
32

(28) قال رب المشرق والمغرب وما بينهما تشاهدون كل يوم انه يأتي
بالشمس من المشرق ويذهب به إلى المغرب على وجه نافع ينتظم به أمور الخلق ان
كنتم تعقلون إن كان لكم عقل علمتم ان لا جواب لكم فوق ذلك لا ينهم أولا ثم لما
رأى شدة شكيمتهم خاشنهم وعارضهم بمثل مقالتهم
(29) قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين عدل إلى التهديد
على المحاجة بعد الانقطاع وهكذا ديدن المعاند المحجوج
(30) قال أولو جئتك بشئ مبين اي أتفعل ذلك ولو جئتك بشئ مبين على
صدق دعواي يعني المعجزة فإنها الجامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته
والدلالة على صدق مدعي نبوته
(31) قال فات به ان كنت من الصادقين
(32) فالقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ظاهر الثعبانية
في المجمع عن الباقر عليه السلام فالتقمت الإيوان بلحييها فدعاه ان يا موسى
أقلني إلى غد ثم كان من امره ما كان
(33) ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال قد حال شعاعها بينه وبين
وجهه
والقمي في الحديث السابق قال فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين فلم يبق أحد
من جلساء فرعون الا هرب ودخل فرعون من الرعب ما لم يملك نفسه فقال فرعون يا
موسى أنشدك بالله وبالرضاع الا ما كففتها عني ثم نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين
فلما اخذ موسى العصا رجعت إلى فرعون نفسه وهم بتصديقه فقام إليه هامان فقال له
بينا أنت اله تعبد إذ صرت تابعا تعبد
(34) قال للملأ حوله ان هذا لساحر عليم فائق في علم السحر
(35) يريد ان يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون بهره سلطان
المعجزة حتى حطه عن دعوى الربوبية إلى مؤامرة القوم وائتمارهم
33

(36) قالوا ارجه واخاه اخر أمرهما وابعث في المدائن حاشرين شرطا
يحشرون السحرة
(37) يأتوك بكل سحار عليم يفضلون عليه في هذا الفن
(38) فجمع السحرة لميقات يوم معلوم لما وقت به من ساعات يوم معين وهو
وقت الضحى يوم الزينة كما سبق في سورة طه
(39) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون فيه استبطاء لهم في الاجتماع حثا على
مبادرتهم إليه
(40) لعلنا نتبع السحرة ان كانوا هم الغالبين لعلنا نتبعهم في دينهم ان غلبوا
كأن مقصودهم الأصلي ان لا يتبعوا موسى لا ان يتبعوا السحرة فساقوا الكلام مساق
الكناية
(41) فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين
(42) قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين التزم لهم الأجر والقربة عنده زيادة عليه ان
غلبوا
(43) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون اي بعد ما قالوا له اما ان تلقى واما ان
نكون نحن الملقين
(44) فالقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون انا لنحن الغالبون اقسموا
بعزته على أن الغلبة لهم لفرط اعتقادهم في أنفسهم واتيانهم بأقصى ما يمكن ان
يؤتى به من السحر وهي من اقسام الجاهلية وفي الاسلام لا يصح الحلف الا بالله عز
وجل
(45) فالقى موسى عصاه فإذا هي تلقف تتبلع وقرء بالتخفيف ما يأفكون ما
يقلبونه عن وجهه بتمويههم وتزويرهم فيخيلون حبالهم وعصيهم انها حيات تسعى
(46) فالقي السحرة ساجدين لعلمهم بأن مثله لا يتأتى بالسحر وإنما عبر عن
الخرور بالإلقاء ليشاكل ما قبله ويدل على أنهم لما رأوا ما رأوا لم يتمالكوا أنفسهم
34

وكأنهم اخذوا فطرحوا على وجوههم وانه تعالى ألقاهم بما خولهم من التوفيق
(47) قالوا آمنا برب العالمين
(48) رب موسى وهارون ابدال للتوضيح ودفع للتوهم والاشعار على أن
الموجب لايمانهم ما اجراه على أيديهما
(49) قال آمنتم له وقرء بهمزتين قبل ان آذن لكم انه لكبيركم الذي علمكم
السحر فعلمكم شيئا دون شئ ولذلك غلبكم أو فواعدكم ذلك تواطأتم عليه أراد به
التلبيس على قومه كي لا يعتقدوا انهم آمنوا على بصيرة وظهور حق فلسوف تعلمون
وبال ما فعلتم لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين
(50) قالوا لا ضير لا ضرر علينا في ذلك انا إلى ربنا منقلبون بما توعدنا إليه
فان الصبر عليه ممحاة للذنوب موجب للثواب والقرب من الله
(51) انا نطمع ان يغفر لنا ربنا خطايانا ان كنا أول المؤمنين من أهل المشهد
وقرء ان بكسر الهمزة
القمي في الحديث السابق قال عليه السلام وكان فرعون وهامان قد تعلما السحر وإنما
غلبا الناس بالسحر وادعى فرعون الربوبية بالسحر فلما أصبح بعث في المدائن
حاشرين مدائن مصر كلها وجمعوا الف ساحر واختاروا من الألف مأة ومن المأة
ثمانين فقال السحرة لفرعون قد علمت أنه ليس في الدنيا اسحر منا فان غلبنا موسى
فما يكون لنا عندك قال إنكم إذا لمن المقربين عندي أشارككم في ملكي قالوا فان
غلبنا موسى وأبطل سحرنا علمنا أن ما جاء به ليس من قبل السحر ولا من قبل الحيلة
آمنا به وصدقناه قال فرعون ان غلبكم موسى صدقته انا أيضا معكم ولكن اجمعوا
كيدكم اي حيلتكم قال وكان موعدهم يوم عيد لهم فلما ارتفع النهار وجمع فرعون
الخلق والسحرة وكانت له قبة طولها في السماء ثمانون ذراعا وقد كانت ألبست
الحديد والفولاذ المصقول وكانت إذا وقعت الشمس عليها لم يقدر أحد ان ينظر إليها
من لمع الحديد ووهج الشمس وجاء فرعون وهامان وقعدا عليها ينظران واقبل
35

موسى ينظر إلى السماء فقالت السحرة لفرعون انا نرى رجلا ينظر إلى السماء ولم يبلغ
سحرنا السماء وضمنت السحرة من في الأرض فقالوا لموسى اما ان تلقى واما ان
نكون نحن الملقين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فالقوا حبالهم وعصيهم فأقبلت
تضطرب مثل الحيات فقالوا بعزة فرعون انا لنحن الغالبون فأوجس في نفسه خيفة
موسى فنودي لا تخف انك أنت الاعلى والق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ان ما
صنعوا كيد ساحر فألقى موسى العصا فذابت في الأرض مثل الرصاص ثم طلع رأسها
وفتحت فاها ووضعت شدقها العليا على رأس قبة فرعون ثم دارت وأرخت شفتها
السفلى والتقمت عصا السحرة وحبالهم وغلبت كلهم وانهزم الناس حين رأوها
وعظمها وهولها بما لم تر العين ولا وصف الواصفون مثله فقتل في الهزيمة من وطئ
الناس بعضهم بعضا عشرة آلاف رجل وامرأة وصبي ودارت على قبة
فرعون قال فأحدث فرعون وهامان في ثيابهما وشاب رأسهما من
الفزع ومر موسى في الهزيمة مع الناس فناداه الله عز وجل خذها
ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى فرجع موسى ولف على
يده عبائه وكانت عليه ثم ادخل يده في فمها فإذا هي عصا كما كانت وكان كما قال الله
عز وجل فالقى السحرة ساجدين لما رأوا ذلك قالوا آمنا برب العالمين رب موسى
وهارون فغضب فرعون عند ذلك غضبا شديدا وقال آمنتم له قبل ان آذن لكم انه
لكبيركم يعني موسى الذي علمكم السحر الآية فقالوا له كما حكى الله عز وجل لا
ضير الآيتين فحبس فرعون من آمن بموسى في السجن حتى انزل الله عز وجل عليهم
الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم فأطلق عنهم
(52) وأوحينا إلى موسى ان أسر بعبادي قيل وذلك بعد سنين أقام بين أظهرهم
يدعوهم إلى الحق ويظهر لهم الآيات فلم يزيدوا الا عتوا وفسادا انكم متبعون يتبعكم
فرعون وجنوده
(53) فأرسل فرعون حين اخبر بسراه في المدائن حاشرين العساكر ليتبعوهم
(54) ان هؤلاء لشرذمة قليلون على إرادة القول
36

القمي عن الباقر عليه السلام يقول عصبة قليلة
(55) وانهم لنا لغائظون لفاعلون ما يغيظنا
(56) وانا لجميع حاذرون وانا لجميع من عادتنا الحذر واستعمال الحزم في
الأمور وقرء بحذف الألف
القمي في الحديث السابق فخرج موسى ببني إسرائيل ليقطع بهم البحر وجمع
فرعون أصحابه وبعث في المدائن حاشرين وحشر الناس وقدم مقدمته في ستة مأة
الف وركب هو في الف الف وخرج كما حكى الله
(57) فأخرجناهم من جنات وعيون
(58) وكنوز ومقام كريم يعني المنازل الحسنة والمجالس البهية
(59) كذلك مثل ذلك الاخراج وأورثناها بني إسرائيل
(60) فاتبعوهم مشرقين داخلين في وقت شروق الشمس
(61) فلما تراء الجمعان تقاربا بحيث رأى كل منهما الآخر قال أصحاب
موسى انا لمدركون لملحقون
(62) قال كلا لن يدركوكم فان الله وعدكم الخلاص منهم ان معي ربي
بالحفظ والنصرة سيهدين طريق النجاة منهم
(63) فأوحينا إلى موسى ان اضرب بعصاك البحر فانفلق اي ضرب فانفلق
فكان كل فرق كالطود العظيم كالجبل المنيف الثابت في مقره فدخلوا في شعابها
(64) وأزلفنا وقربنا ثم الآخرين فرعون وقومه حتى دخلوا على أثرهم
مداخلهم
(65) وأنجينا موسى ومن معه أجمعين بحفظ البحر على تلك الهيئة حتى
عبروا
(66) ثم أغرقنا الآخرين باطباقه عليهم
37

(67) ان في ذلك لآية وآية آية وما كان أكثرهم مؤمنين وما تنبه عليها أكثرهم إذ
لم يؤمن بها أحد ممن بقي في مصر من القبط وبنو إسرائيل بعدما نجوا سألوا بقرة
يعبدونها واتخذوا العجل وقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
(68) وان ربك لهو العزيز المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه
القمي في الحديث السابق فلما قرب موسى (عليه السلام) من البحر وقرب فرعون من
موسى قال أصحاب موسى انا لمدركون قال موسى كلا ان معي ربي سيهدين اي
سينجين فدنا موسى من البحر فقال له انفرق فقال البحر استكبرت يا موسى ان
انفرق لك ولم أعص الله عز وجل طرفة عين وقد كان فيكم العاصي فقال له موسى
فاحذر ان تعصي وقد علمت أن آدم اخرج من الجنة بمعصيته وإنما لعن إبليس
بمعصيته فقال البحر ربي عظيم مطاع امره ولا ينبغي لشئ ان يعصيه فقام يوشع بن
نون فقال لموسى يا نبي الله ما امرك ربك قال بعبور البحر فاقحم يوشع فرسه في الماء
فأوحى الله عز وجل إلى موسى ان اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فكان كل فرق
كالطود العظيم اي كالجبل العظيم فضرب له في البحر اثني عشر طريقا فأخذ كل
سبط منهم في طريق فكان الماء قد ارتفع وبقيت الأرض يابسة طلعت الشمس فيبست
كما حكى الله عز وجل فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى
ودخل موسى (ع) وأصحابه البحر وكان أصحابه اثني عشر سبطا فضرب الله عز وجل
لهم في البحر اثنى عشر طريقا فأخذ كل سبط في طريق وكان الماء قد ارتفع
على رؤوسهم مثل الجبال فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى في طريقه فقالوا يا
موسى أين اخواننا فقال لهم معكم في البحر فلم يصدقوه فأمر الله عز وجل البحر فصار
طاقات حتى كان ينظر بعضهم إلى بعض ويتحدثون واقبل فرعون وجنوده فلما انتهى
إلى البحر قال لأصحابه ألا تعلمون اني ربكم الاعلى قد فرج لي البحر فلم يجسر
أحد ان يدخل البحر وامتنعت الخيل منه لهول الماء فتقدم فرعون حتى جاء إلى
ساحل البحر فقال له منجمه لا تدخل البحر وعارضه فلم يقبل منه واقبل على فرس
حصان فامتنع الحصان ان يدخل الماء فعطف عليه جبرئيل وهو على ماذيانة
فتقدمه فدخل فنزل الفرس إلى الرمكة فطلبها ودخل البحر واقتحم أصحابه خلفه فلما
38

دخلوا كلهم حتى كان آخر من دخل من أصحابه وآخر من خرج أصحاب موسى امر
الله عز وجل الرياح فضربت البحر بعضه ببعض فأقبل الماء يقع عليهم مثل الجبال
فقال فرعون عند ذلك آمنت انه لا اله الا الذي آمنت به بنو إسرائيل وانا من المسلمين
فأخذ جبرئيل كفا من حماة فدسها في فيه ثم قال الآن وقد عصيت من قبل وكنت من
المفسدين وقد مر بعض هذه القصة في سورة يونس وآخر في سورة طه
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال إن قوما ممن آمن بموسى قالوا لو آتينا
عسكر فرعون وكنا فيه ونلنا من دنياه فإذا كان الذي ترجوه من ظهور موسى صرنا إليه
ففعلوا فلما توجه موسى ومن معه هاربين من فرعون ركبوا دوابهم واسرعوا في السير
ليلحقوا بموسى وعسكره فيكونوا معهم فبعث الله عز وجل ملكا فضرب وجوه دوابهم
فردهم إلى عسكر فرعون فكانوا فيمن غرق مع فرعون
(69) واتل عليهم على مشركي العرب نبأ إبراهيم
(70) إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون سألهم ليريهم ان ما يعبدونه لا يستحق
العبادة
(71) قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين أطالوا جوابهم تحججا وافتخارا
(72) قال هل يسمعونكم إذ تدعون يسمعون دعاءكم
(73) أو ينفعونكم على عبادتكم لها أو يضرون من اعرض عنها
(74) قالوا بل وجدنا آبائنا كذلك يفعلون اضربوا على جوابه والتجؤوا إلى
التقليد
(75) قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون
(76) أنتم وآباؤكم الأقدمون
(77) فإنهم عدو لي يريد عدو لكم ولكنه صور الامر في نفسه تعريضا له
لأنه انفع في النصح من التصريح والبدئة بنفسه في النصيحة ادعى للقبول الا رب
39

العالمين استثناء منقطع أو متصل على أن الضمير لكل معبود عبدوه وكان من آبائهم
من عبد الله
(78) الذي خلقني فهو يهدين لأنه يهدي كل مخلوق لما خلق له من أمور
المعاش والمعاد كما قال الذي أحسن كل شئ خلقه ثم هدى هداية مدرجة من مبدء
الايجاد إلى منتهى اجله
(79) والذي هو يطعمني ويسقين
(80) وإذا مرضت فهو يشفين إنما لم ينسب المرض إليه لأن مقصوده تعديد
النعم ولأنه في غالب الامر إنما يحدث بتفريط الانسان في مطاعمه ومشاربه وفي أوامر
الله ونواهيه كما قال الله سبحانه ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم
(81) والذي يميتني عد الموت من جملة النعم واضافه إلى الله لأنه لأهل
الكمال وصلة إلى نيل المحاب التي يستحقر دونها الحياة الدنيوية وخلاص من أنواع
المحن والبلية ثم يحيين في الآخرة
(82) والذي أطمع ان يغفر لي خطيئتي يوم الدين ذكر ذلك هضما لنفسه
وتعليما للأمة ان يجتنبوا المعاصي ويكونوا على حذر وطلب لأن يغفر لهم ما يفرط
منهم واستغفار لما عسى ان يندر منه من خلاف الأولى وحمل الخطيئة على كلماته
الثلاث اني سقيم بل فعله كبيرهم وقوله هي أختي لا وجه له لأنها معاريض وليست
بخطايا
(83) رب هب لي حكما كمالا في العلم والعمل استعد به لخلافة الحق
ورياسة الخلق والحقني بالصالحين ووفقني للكمال في العمل لانتظم به في عداد
الكاملين في الصلاح
(84) واجعل لي لسان صدق في الآخرين جاها وحسن صيت في الدنيا يبقى
اثره إلى يوم الدين ولذلك ما من أمة الا وهم محبون له مثنون عليه
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام
لسان صدق للمرء يجعله الله في الناس خير له من المال يأكله ويورثه أو المراد
واجعل صادقا من ذريتي يجدد أصل ديني ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه
40

وهو محمد وعلي والأئمة عليهم السلام من ذريتهما
القمي قال هو أمير المؤمنين عليه السلام
(85) واجعلني من ورثة جنة النعيم في الآخرة وقد سبق معنى الوراثة فيها في
سورة المؤمنين
(86) واغفر لأبي بالهداية والتوفيق للايمان انه كان من الضالين طريق الحق
وإنما دعا له بالمغفرة لما وعده بأنه سيؤمن كما قال الله تعالى وما كان استغفار إبراهيم
لأبيه الا عن موعدة وعدها إياه
(87) ولا تخزني بمعاتبتي على ما فرطت من الخزي بمعنى الهوان أو من
الخزاية بمعنى الحياء يوم يبعثون الضمير للعباد لأنهم معلومون
(88) يوم لا ينفع مال ولا بنون
(89) الا من اتى الله بقلب سليم اي لا ينفعان أحدا الا مخلصا سليم القلب
في المجمع عن الصادق عليه السلام قال هو القلب الذي سلم من حب
الدنيا وفي الكافي عنه عليه السلام انه سئل عن هذه الآية فقال القلب السليم الذي
يلقى ربه وليس فيه أحد سواه قال وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط وإنما أرادوا
بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة
وفي مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام صاحب النية الصادقة صاحب
القلب السليم لأن سلامة القلب من هواجس المذكورات تخلص النية لله في الأمور
كلها ثم تلا هذه الآية
(90) وأزلفت الجنة للمتقين بحيث يرونها من الموقف فيتبجحون بأنهم
المحشورون إليها
(91) وبرزت الجحيم للغاوين فيرونها مكشوفة ويتحسرون على أنهم
المسوقون إليها وفي اختلاف الفعلين ترجيح لجانب الوعد
(92) وقيل لهم أينما كنتم تعبدون
41

(93) من دون الله أين آلهتكم الذين تزعمون أنهم شفعاؤكم هل ينصرونكم
بدفع العذاب عنكم أو ينتصرون بدفعه عن أنفسهم لأنهم وآلهتهم يدخلون النار
(94) فكبكبوا فيها هم والغاوون اي الآلهة وعبدتهم والكبكبة تكرير الكب
. لتكرير معناه كأن من القى في النار ينكب مرة بعد أخرى حتى يستقر في قعرها
في الكافي والقمي عن الصادق عليه السلام هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم
خالفوه إلى غيره
القمي وفي خبر آخر هم بنو أمية والغاوون بني العباس
(95) وجنود إبليس أجمعون
في الكافي عن الباقر عليه السلام جنود إبليس ذريته من الشياطين
(96) قالوا وهم فيها يختصمون
(97) تالله ان كنا أي كنا لفي ضلال مبين
(98) إذ نسويكم برب العالمين
القمي يقولون لمن تبعوهم أطعناكم كما أطعنا الله فصرتم أربابا
(99) وما أضلنا الا المجرمون
في الكافي عن الباقر عليه السلام يعني المشركين الذين اقتدوا بهم هؤلاء
فاتبعوهم على شركهم وهم قوم محمد صلى الله عليه وآله ليس فيهم من اليهود
والنصارى أحد وتصديق ذلك قول الله عز وجل كذبت قبلهم قوم نوح كذب أصحاب
الأيكة كذب قوم لوط ليس هم اليهود الذين قالوا عزير ابن الله ولا النصارى الذين
قالوا المسيح ابن الله سيدخل الله اليهود والنصارى النار ويدخل كل قوم باعمالهم
وقولهم وما أضلنا الا المجرمون إذ دعونا إلى سبيلهم ذلك قول الله عز وجل فيهم حين
جمعهم إلى النار قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فاتهم عذابا ضعفا من النار
وقوله كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا برئ بعضهم من بعض
42

ولعن بعضهم بعضا يريد ان بعضهم يحج بعضا رجاء الفلج فيفلتوا من عظم ما نزل
بهم وليس بأوان بلوى ولا اختبار ولا قبول معذرة ولا حين نجاة
(100) فما لنا من شافعين
(101) ولا صديق حميم
في المحاسن عن الصادق عليه السلام الشافعون الأئمة عليهم السلام
والصديق من المؤمنين
والقمي عنهما عليهما السلام والله لنشفعن في المذنبين من شيعتنا حتى يقول
أعداؤنا إذا رأوا ذلك فما لنا من شافعين ولا صديق حميم
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام ان الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب وان
المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنة فيقول يا رب جاري كان يكف عني الأذى فيشفع فيه
فيقول الله تبارك وتعالى انا ربك وانا أحق من كافي عنك فيدخله الله الجنة وماله من
حسنة وان أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين انسانا فعند ذلك يقول أهل النار فما لنا
من شافعين ولا صديق حميم
وفي المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان الرجل يقول في الجنة ما فعل صديقي
فلان وصديقه في الجحيم فيقول الله اخرجوا له صديقه إلى الجنة فيقول من بقي
في النار فما لنا من شافعين ولا صديق حميم
(102) فلو ان لنا كرة فنكون من المؤمنين
القمي قال من المهتدين قال لأن الايمان قد لزمهم بالاقرار
(103) ان في ذلك لآية لحجة وعظة لمن أراد ان يستبصر بها ويعتبر وما كان
أكثرهم مؤمنين به
(104) وان ربك لهو العزيز القادر على تعجيل الانتقام الرحيم بالامهال لكي
يؤمنوا هم أو واحد من ذريتهم
(105) كذبت قوم نوح المرسلين قد مر الكلام في تكذيبهم
وفي الاكمال عن الباقر عليه السلام انه قدم على قوم مكذبين للأنبياء الذين
كانوا بينه وبين آدم (عليه السلام) وذلك قوله تعالى كذبت قوم نوح المرسلين يعني من كان بينه
43

وبين آدم (عليه السلام)
(106) إذ قال لهم أخوهم نوح لأنه كان منهم الا تتقون الله فتتركوا عبادة غيره
(107) اني لكم رسول امين مشهور بالأمانة فيكم
(108) فاتقوا الله وأطيعون فيما أمركم به من التوحيد والطاعة لله
(109) وما أسئلكم عليه على ما انا عليه من الدعاء والنصح من اجر ان اجرى
الا على رب العالمين
(110) فاتقوا الله وأطيعون كرره للتأكيد والتنبيه على دلالة كل واحد من أمانته
وحسم طمعه لوجوب طاعته فيما يدعوهم إليه فكيف إذا اجتمعا
(111) قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون
القمي قال الفقراء
أقول: أشاروا بذلك إلى أن اتباعهم ليس عن نظر وبصيرة وإنما هو لتوقع مال
ورفعة
(112) قال وما علمي بما كانوا يعملون انهم عملوه اخلاصا أو طمعا في طعمة
وما علي الا الاعتبار الظاهر
(113) ان حسابهم الا على ربى فإنه المطلع على البواطن لو تشعرون لعلمتم
ذلك ولكنكم تجهلون فتقولون ما لا تعلمون
(114) وما انا بطارد المؤمنين جواب لما أوهم قولهم من استدعاء طردهم
وتوقيف ايمانهم عليه حيث جعلوا اتباعهم المانع عنه
(115) ان انا الا نذير مبين لا يليق بي طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء
(116) قالوا لئن لم تنته يا نوح عما تقول لتكونن من المرجومين من
المشتومين أو المضروبين بالحجارة
(117) قال رب ان قومي كذبون
44

(118) فافتح بيني وبينهم فتحا فاحكم بيني وبينهم ونجني ومن معي من
المؤمنين
(119) فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون المملو
القمي عن الباقر عليه السلام المشحون المجهز الذي قد فرغ منه ولم يبق
الا دفعه
(120) ثم أغرقنا بعد اي بعد انجائه الباقين من قومه
(121) ان في ذلك لآية شاعت وتواترت وما كان أكثرهم مؤمنين
(122) وان ربك لهو العزيز الرحيم
(123) كذبت عاد قبيلة عاد وهو اسم أبيهم المرسلين
(124) إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون
(125) اني لكم رسول أمين
(126) فاتقوا الله وطيعون
(127) وما أسئلكم عليه من اجر ان اجرى الا على رب العالمين
(128) أتبنون بكل ريع بكل مكان مرتفع آية قيل اي علما للمارة أو بناء لا
تحتاجون إليه تعبثون ببنائه لاستغنائكم عنه بالنجوم للاهتداء أو بمنازلكم للسكنى
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله ان كل بناء يبنى وبال على صاحبه
يوم القيامة الا ما لا بد منه
(129) وتتخذون مصانع قيل مآخذ الماء أو قصورا مشيدة وحصونا لعلكم
تخلدون فتحكمون بنيانها
(130) وإذا بطشتم بسوط أو سيف بطشتم جبارين متسلطين غاشمين بلا
رأفة ولا قصد تأديب ولا نظر في العاقبة
القمي قال يقتلون بالغضب من غير استحقاق
(131) فاتقوا الله بترك هذه الأشياء وأطيعون فيما أدعوكم إليه
45

(132) واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون كرره مرتبا على امداد الله إياهم بما
يعرفونه من أنواع النعم تعليلا وتنبيها على الوعد عليه بدوام الامداد والوعيد على تركه
بالانقطاع
(133) أمدكم بانعام وبنين
(134) وجنات وعيون
(135) انى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم
(136) قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين فانا لا نرعوي عما
نحن عليه
(137) ان هذا الا خلق الأولين اي ما هذا الذي جئت به إلا عادة الأولين كانوا
يلفقون مثله أو ما هذا الذي نحن عليه من الدين الا خلق الأولين ونحن بهم مقتدون
وقرء بفتح الخاء ما هذا الذي جئنا به الا كذب الأولين أو ما خلقنا هذا الا خلقهم
نحيى ونموت مثلهم ولا بعث ولا حساب كذا قيل
(138) وما نحن بمعذبين على ما نحن عليه
(139) فكذبوه فأهلكناهم بريح صرصر ان في ذلك لآية وما كان أكثرهم
مؤمنين
(140) وان ربك لهو العزيز الرحيم
(141) كذبت ثمود المرسلين
(142) إذ قال لهم أخوهم صالح الا تتقون
(143) انى لكم رسول امين
(144) فاتقوا الله وأطيعون
(145) وما أسئلكم عليه من اجر ان اجرى الا على رب العالمين
46

(146) أتتركون فيما هيهنا آمنين
(147) في جنات وعيون
(148) وزروع ونخل طلعها هضيم لطيف لين أو متدلي منكسر من كثرة
الحمل
(149) وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين حاذقين وقرء بحذف الألف اي
بطرين
(150) فاتقوا الله وأطيعون
(151) ولا تطيعوا امر المسرفين
(152) الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فيه دلالة على خلوص
فسادهم
(153) قالوا إنما أنت من المسحرين قيل اي من الذين سحروا كثيرا حتى
غلب على عقلهم أو من ذوي السحر وهي الرية اي من الاناسي
القمي يقول أجوف مثل خلق الناس ولو كنت رسولا ما كنت مثلنا
(154) ما أنت الا بشر مثلنا تأكيد على المعنى الثاني فات بآية ان كنت من
الصادقين في دعواك
(155) قال هذه ناقة اي بعدما أخرجها الله من الصخرة بدعائه كما اقترحوها
على ما سبق حديثه لها شرب نصيب من الماء ولكم شرب يوم معلوم فاقتصروا على
شربكم ولا تزاحموها في شربها
في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام قال أول عين نبعت في الأرض هي
التي فجرها الله لصالح فقال لها شرب ولكم شرب يوم معلوم
(156) ولا تمسوها بسوء كضرب وعقر فيأخذكم عذاب يوم عظيم عظم
اليوم لعظم ما يحل به وهو أبلغ من تعظيم العذاب
47

(157) فعقروها اسند العقر إلى كلهم لأن عاقرها إنما عقر برضاهم ولذلك
اخذوا جميعا فأصبحوا نادمين على عقرها عند معاينة العذاب
(158) فاخذهم العذاب العذاب الموعود
في نهج البلاغة إنما يجمع الناس الرضا والسخط وإنما عقر ناقة ثمود رجل
واحد فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا فقال سبحانه فعقروها فأصبحوا نادمين فما
كان الا ان خارت ارضهم بالخسفة خوار السكة المحماة في الأرض الخوارة إن في
ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين
(159) وان ربك لهو العزيز الرحيم
(160) كذبت قوم لوط المرسلين
(161) إذ قال لهم أخوهم لوط الا تتقون
(162) انى لكم رسول امين
(163) فاتقوا الله وأطيعون
(164) وما أسئلكم عليه من اجر ان اجرى الا على رب العالمين
(165) أتأتون الذكران من العالمين
(166) وتذرون ما خلق لكم ربكم لأجل استمتاعكم من أزواجكم بل أنتم
قوم عادون متجاوزون عن حد الشهوة أو مفرطون في المعاصي
(167) قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين من المنفيين من بين
أظهرنا
(168) قال إني لعملكم من القالين من المبغضين غاية البغض
(169) رب نجني وأهلي مما يعملون اي من شؤمه وعذابه
(170) فنجيناه وأهله أجمعين أهل بيته والمتبعين له على دينه بإخراجهم من
48

بينهم وقت حلول العذاب بهم
(171) الا عجوزا هي امرأة لوط في الغابرين مقدرة في الباقين في العذاب
(172) ثم دمرنا الآخرين أهلكناهم
(173) وأمطرنا عليهم مطرا حجارة فسآء مطر المنذرين قد سبق قصتهم في
سورة الأعراف
(174) ان في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين
(175) وان ربك لهو العزيز الرحيم
(176) كذب أصحاب الأيكة المرسلين الأيكة غيضة تنبت ناعم الشجر
(177) إذ قال لهم شعيب الا تتقون
في الجوامع في الحديث ان شعيبا أخا مدين ارسل إليهم والى أصحاب
الأيكة
(178) انى لكم رسول امين
(179) فاتقوا الله وأطيعون
(180) وما أسئلكم عليه من اجر ان اجرى الا على رب العالمين
(181) أوفوا الكيل اتموه ولا تكونوا من المخسرين حقوق الناس بالتطفيف
(182) وزنوا بالقسطاس المستقيم بالميزان السوي
(183) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تنقصوا شيئا من حقوقهم ولا تعثوا في
الأرض مفسدين بالقتل والغارة وقطع الطريق
(184) واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين وذوي الجبلة الأولين يعني من
تقدمهم من الخلائق
القمي قال الخلق الأولين
49

(185) قالوا إنما أنت من المسحرين
(186) وما أنت الا بشر مثلنا قيل اتوا بالواو للدلالة على أنه جامع بين وصفين
منافيين للرسالة مبالغة في تكذيبه وان وانه نظنك لمن الكاذبين في دعواك
(187) فاسقط علينا كسفا من السماء قطعة منها وقرء بفتح السين ان كنت من
الصادقين في دعوتك
(8 18) قال ربى اعلم بما تعملون وبعذابه منزل عليكم ما أوجبه في وقته
المقدر له
(189) فكذبوه فاخذهم عذاب يوم الظلة
القمي يوم حر وسمايم قال فبلغنا والله أعلم انه أصابهم حر وهم في بيوتهم
فخرجوا يلتمسون الروح من قبل السحابة التي بعث الله عز وجل فيها العذاب فلما
غشيتهم اخذتهم الصيحة فأصبحوا في دارهم جاثمين وقيل سلط الله عليهم الحر
سبعة أيام حتى غلت أنهارهم فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا
فاحترقوا انه كان عذاب يوم عظيم
(190) ان في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين
(191) وان ربك لهو العزيز الرحيم
(192) وانه لتنزيل رب العالمين
(193) نزل به الروح الأمين اي جبرئيل فإنه امين الله على وحيه وقرء بتشديد
الزاي ونصب الروح والأمين
(194) على قلبك لتكون من المنذرين
في الكافي والبصائر عن الباقر عليه السلام هي الولاية لأمير المؤمنين عليه
السلام
والقمي عن الصادق عليه السلام الولاية التي نزلت لأمير المؤمنين عليه السلام
50

يوم الغدير
(195) بلسان عربي مبين واضح المعنى
في الكافي عن أحدهما عليهما السلام انه سئل عنه فقال يبين الألسن ولا تبينه
الألسن
وفي العلل عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال ما انزل الله تبارك وتعالى
كتابا ولا وحيا الا بالعربية فكان يقع في مسامع الأنبياء بألسنة قومهم وكان يقع في
مسامع نبينا صلى الله عليه وآله بالعربية فإذا كلم به قومه كلمهم بالعربية فيقع في
مسامعهم بلسانهم وكان أحد لا يخاطب رسول الله صلى الله عليه وآله بأي لسان
خاطبه الا وقع في مسامعه بالعربية كل ذلك يترجم جبرئيل عنه تشريفا من الله له
(صلى الله عليه وآله وسلم)
(196) وانه لفي زبر الأولين وان معناه أو ذكره لفي كتب الأنبياء الأولين
(197) أولم يكن لهم آية على صحة القرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وآله
وقرء تكن بالتاء وآية بالرفع ان يعلمه علماء بني إسرائيل ان يعرفوه بنعته المذكور في
كتبهم
(198) ولو نزلناه على بعض الأعجمين
(199) فقراه عليهم ما كانوا به مؤمنين لفرط عنادهم واستنكافهم من اتباع
العجم
القمي عن الصادق عليه السلام لو نزلنا القرآن على العجم ما آمنت به العرب
وقد نزل على العرب فآمنت به العجم فهذه في فضيلة العجم
(20) كذلك سلكناه أدخلنا معانيه في قلوب المجرمين ثم لم يؤمنوا به
عنادا
(201) لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم الملجئ إلى الإيمان
51

(202) فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون باتيانه
(203) فيقولوا هل نحن منظرون تحسرا وتأسفا
(204) أفبعذابنا يستعجلون فيقولون أمطر علينا حجارة من السماء فاتنا بما تعدنا
وحالهم عند نزول العذاب طلب النظرة
(205) أفرأيت ان متعناهم سنين
(206) ثم جائهم ما كانوا يوعدون
(207) ما اغنى عنهم ما كانوا يمتعون لم يغن عنهم تمتعهم المتطاول في دفع
العذاب وتخفيفه
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال أري رسول الله صلى الله عليه وآله في
منامه بني أمية يصعدون منبره من بعده يضلون الناس عن الصراط القهقري فأصبح
كئيبا حزينا فهبط جبرئيل فقال يا رسول الله ما لي أراك كئيبا حزينا قال يا جبرئيل اني
رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط
القهقري فقال والذي بعثك بالحق نبيا ان هذا شئ ما اطلعت عليه فعرج إلى
السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها قال أفرأيت ان متعناهم
سنين الآيات وانزل عليه انا أنزلناه قال جعل الله عز وجل ليلة القدر لنبيه خيرا من
ألف شهر ملك بني أمية
(208) وما أهلكنا من قرية الا لها منذرون انذروا أهلها الزاما للحجة
(209) ذكرى تذكرة وما كنا ظالمين فنهلك قبل الإنذار
(210) وما تنزلت به الشياطين كما زعم المشركون انه من قبيل ما يلقي به
الشياطين على الكهنة
(211) وما ينبغي لهم وما يصح لهم ان ينزلوا به وما يستطيعون وما
يقدرون
(212) انهم عن السمع لكلام الملائكة لمعزولون اي مصروفون عن استماع
القرآن من السماء قد حيل بينهم وبين السمع بالملائكة والشهب قيل وذلك لأنه
مشروط بمشاركة في صفا الذات وقبول فيضان الحق ونفوسهم خبيثة ظلمانية
شريرة
52

(213) فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين من قبيل إياك أعني
واسمعي يا جارة فإنه كان منزها عن أن يشرك بالله طرفة عين
(214) وأنذر عشيرتك الأقربين فان الاهتمام بشأنهم أهم
في العيون وفي المجالس عن الرضا عليه السلام وأنذر عشيرتك الأقربين
ورهطك المخلصين قال هكذا في قراءة أبي بن كعب وهي ثابتة في مصحف عبد الله
ابن مسعود قال وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله عز وجل
بذلك الآل فذكره لرسول الله صلى الله عليه وآله
وفي المجمع نسب القراءة إلى الصادق عليه السلام وابن مسعود
والقمي قال نزلت في رهطك منهم المخلصين قال نزلت بمكة فجمع رسول
الله صلى الله عليه وآله بني هاشم وهم أربعون رجلا كل واحد منهم يأكل الجذع
ويشرب القربة فاتخذ لهم طعاما يسيرا بحسب ما أمكن فأكلوا حتى شبعوا فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله من يكون وصيي ووزيري وخليفتي فقال أبو لهب جزما
سحركم محمد صلى الله عليه وآله فتفرقوا فلما كان اليوم الثاني امر رسول الله صلى
الله عليه وآله ففعل بهم مثل ذلك ثم سقاهم اللبن حتى رووا فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله أيكم يكون وصيي ووزيري وخليفتي فقال أبو لهب جزما سحركم محمد
فتفرقوا فلما كان اليوم الثالث امر رسول الله صلى الله عليه وآله ففعل بهم مثل ذلك ثم
سقاهم اللبن فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله أيكم يكون وصيي ووزيري
وينجز عداتي ويقضي ديني فقام علي وكان أصغرهم سنا واخمشهم ساقا وأقلهم مالا
فقال انا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أنت هو، وفي المجمع عن
طريق العامة ما يقرب منه وزاد في آخره فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب اطع ابنك
فقد امره عليك وأورده
في العلل باختصار مع هذه الزيادة والقمي وقوله ورهطك منهم المخلصون قال
علي بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن والحسين والأئمة من آل محمد صلوات
الله عليهم
53

(215) واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين لين جانبك لهم مستعار من
خفض الطائر جناحه إذا أراد ان ينحط
في مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام قد امر الله أعز خلقه وسيد بريته
محمد صلى الله عليه وآله بالتواضع فقال واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين
والتواضع مزرعة الخشوع والخشية والحياء وانهن لا يتبين الا منها وفيها ولا يسلم
الشرف التام الحقيقي الا للمتواضع في ذات الله
(216) فان عصوك فقل انى برئ مما تعملون
القمي فان عصوك يعني من بعدك في ولاية علي عليه السلام والأئمة عليهم
السلام قال ومعصية رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ميت كمعصيته وهو حي
(217) وتوكل على العزيز الرحيم الذي يقدر على قهر أعدائه ونصر أوليائه
يكفك شر من يعصيك وقرء فتوكل
(218) الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين
القمي عن الباقر عليه السلام قال الذي يريك حين تقوم في النبوة وتقلبك في
الساجدين قال في أصلاب النبيين وفي المجمع عنهما عليهما السلام قالا في أصلاب
النبيين نبي بعد نبي حتى اخرجه من صلب أبيه عن نكاح غير سفاح من لدن آدم عليه
السلام
وعن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا ترفعوا قبلي ولا
تضعوا قبلي فاني أراكم من خلفي كما أراكم من امامي ثم تلا هذه الآية
أقول: يعني رؤوسكم في الصلاة
(219) انه هو السميع العليم
(220) هل أنبئكم على من تنزل الشياطين لما بين ان القرآن لا يصح أن يكون
مما تنزلت به الشياطين اكد ذلك ببيان من تنزلت عليه
(221) تنزل على كل أفاك أثيم كذاب شديد الإثم
54

(222) يلقون السمع وأكثرهم كاذبون اي الأفاكون يلقون السمع إلى
الشياطين فيتلقون منهم ظنونا وامارات لنقصان علمهم فيضمون إليها على حسب
تخيلاتهم أشياء لا يطابق أكثرها
في الكافي عن الباقر عليه السلام ليس من يوم ولا ليلة الا وجميع الجن
والشياطين تزور أئمة الضلالة ويزور أئمة الهدى عددهم من الملائكة حتى إذا اتت
ليلة القدر فهبط فيها من الملائكة إلى ولي الأمر خلق الله أو قال قيض الله عز وجل من
الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي الضلالة فأتوه بالافك والكذب حتى لعله يصبح فيقول
رأيت كذا وكذا فلو سأل ولي الأمر عن ذلك لقال رأيت شيطانا أخبرك بكذا وكذا حتى
يفسر له تفسيرا ويعلمه الضلالة التي هو عليها
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال هم سبعة المغيرة
وبنان وصايد وحمزة بن عمارة البربري والحارث الشامي وعبد الله بن الحارث وأبو
الخطاب
(224) والشعراء يتبعهم الغاوون وقرء بالتخفيف قيل هو استيناف أبطل به كونه
شاعرا كما زعمه المشركون يعني ان اتباع محمد صلى الله عليه وآله ليسوا بغاوين
فكيف يكون شاعرا
والقمي قال نزلت في الذين غيروا دين الله وخالفوا امر الله عز وجل هل رأيتم
شاعرا قط يتبعه أحد وإنما عنى بذلك الذين وضعوا دينا بآرائهم فيتبعهم الناس على
ذلك
وفي المعاني عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال هل رأيت شاعرا يتبعه
أحد إنما هم قوم تفقهوا لغير الله فضلوا وأضلوا
وفي المجمع عن العياشي عن الصادق (عليه السلام) هم قوم تعلموا وتفقهوا بغير
علم فضلوا وأضلوا
وفي الاعتقادات عنه عليه السلام انه سئل عن هذه الآية فقال هم
القصاص (2)
(225) ألم تر انهم في كل واد يهيمون قيل وذلك لأن أكثر كلمات الشعراء
55

خيالات لا حقيقة لها القمي يعني يناظرون بالأباطيل ويجادلون بالحجج المضلين
وفي كل مذهب يذهبون يعني بهم المغيرين دين الله
(6 22) وانهم يقولون ما لا يفعلون قال يعظون الناس ولا يتعظون وينهون عن
المنكر ولا ينتهون ويأمرون بالمعروف ولا يعملون قال وهم الذين غصبوا آل محمد
صلوات الله عليهم حقهم
(227) الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد
ما ظلموا قيل هو استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله ويكون
أكثر اشعارهم في التوحيد والثناء على الله تعالى والحث على طاعته ولو قالوا هجوا
أرادوا به الانتصار ممن هجاهم من الكفار ومكافأة هجاة المسلمين كحسان بن ثابت
وكعب بن مالك وكعب بن زبير
والقمي ثم ذكر آل محمد صلوات الله عليهم وشيعتهم المهتدين فقال الا
الذين آمنوا الآية
أقول: يمكن التوفيق بين التفسيرين بإرادة كلا المعنيين فان حجج المبطلين
من أهل الجدل أيضا أكثرها خيالات شعرية لا حقيقة لها وتمويهات لا طائل تحتها
كأقاويل الشعراء وكلا الفريقين سيان في أنهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا
يفعلون الا ان ذكر اتباع الغاوين إنما هو بالنظر إلى من له رياسة في الاضلال من أهل
المذاهب الباطلة وانكار أحد المعنيين
في الحديث يرجع إلى انكار الحصر فيه ثم ليس المراد بالشعر المذموم الكلام
المنظوم باعتبار نظمه كيف وان من الشعر لحكمة يعني من المنظوم وان منه لموعظة وان
منه لثناء على الله وعلى أوليائه بل باعتبار التشبيب بالحرام وتمزيق الاعراض ومدح
من لا يستحق ونحو ذلك
وفي العيون عن الصادق عليه السلام قال من قال فينا بيت شعر بني الله بيتا في
الجنة وقال ما قال فينا قائل شعرا حتى يؤيد بروح القدس
56

وفي المجمع عن كعب بن مالك أنه قال يا رسول الله ماذا تقول في الشعراء قال إن
المؤمن مجاهد بسيفه والذي نفسي بيده لكأنما يرضخونهم بالنبل قال وقال النبي
صلى الله عليه وآله لحسان بن ثابت اهجهم أو هاجهم وروح القدس معك
وفي الجوامع قال لكعب بن مالك اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم
من النبل
وفي الكتاب الكشي عن الصادق عليه السلام يا معشر الشيعة علموا أولادكم
شعر العبدي فإنه على دين الله
وفي المعاني عنه عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية ما هذا الذكر الكثير
قال من سبح بتسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام فقد ذكر الله كثيرا
وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام من ذكر الله عز وجل في السر فقد
ذكر الله كثيرا ان المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر فقال الله
تعالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب
ينقلبون
القمي ثم ذكر أعدائهم ومن ظلمهم فقال جل ذكره وسيعلم الذين ظلموا آل
محمد حقهم أي منقلب ينقلبون هكذا والله نزلت
وفي الجوامع نسب هذه القراءة إلى الصادق عليه السلام
في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من قرء سور الطواسين
الثلاث في ليلة الجمعة كان من أولياء الله وفي جواره وكنفه ولم يصبه في الدنيا بؤس
ابدا وأعطى في الآخرة من الجنة حتى يرضى وفوق رضاه وزوجه الله مأة زوجة من
الحور العين
وزاد في المجمع وأسكنه الله في جنة عدن وسط الجنة مع النبيين والمرسلين
والوصيين الراشدين
57

سورة النمل مكية
عدد آيها ثلاث وتسمعون آية حجازي اربع بصري شامي ثلاث كوفي
واختلافها آيتان وأولو بأس شديد حجازي من قوارير غير الكوفي
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) طس
في المعاني عن الصادق عليه السلام واما طس فمعناه انا الطالب السميع
تلك آيات القرآن وكتاب مبين
(2) هدى وبشرى للمؤمنين
(3) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون
(4) ان الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم اعمالهم بأن جعلناها مشتهاة
لطبايعهم محبوبة لأنفسهم فهم يعمهون عنها لا يدركون ما يتبعها
(5) أولئك الذين لهم سوء العذاب كالقتل والأسر يوم بدر وهم في الآخرة هم
الأخسرون أشد الناس خسرانا لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة
(6) وانك لتلقى القرآن لتؤتاه من لدن حكيم عليم أي حكيم وأي عليم
(7) إذ قال موسى لأهله انى آنست نارا سأتيكم منها بخبر اي عن حال الطريق
لأنه قد ضله أو آتيكم منها بشهاب قبس شعلة نار مقبوسة وقرء بتنوينها والعدتان على
سبيل الظن ولذلك عبر عنهما في طه بصيغة الترجي والترديد للدلالة على أنه ان لم
يظفر بهما جميعا ظفر بأحدهما بناء على ظاهر الامر وثقة بالله لعلكم تصطلون رجاء
ان تستدفؤا بها
58

(8) فلما جائها نودي ان بورك من في النار من في مكان النار وهو البقعة
المباركة المذكورة في قوله تعالى نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة ومن
حولها ومن حول مكانها وسبحان الله رب العالمين من تمام ما نودي به لئلا يتوهم من
سماع كلامه تشبها وللتعجب من عظمة ذلك الأمر
(9) يا موسى انه انا الله العزيز الحكيم انا القوي القادر على ما يبعد من
الأوهام كقلب العصا حية الفاعل كل ما يفعله بحكمة وتدبير
(10) والق عصاك ونودي ان الق عصاك فلما رآها تهتز تتحرك باضطراب كأنها
جآن حية خفيفة سريعة ولى مدبرا ولم يعقب ولم يرجع من عقب المقاتل اذكر بعد ما
فر يا موسى لا تخف من غير ثقة بي انى لا يخاف لدى المرسلون
(11) الا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فانى غفور رحيم قيل فيه تعريض
لموسى بوكزه القبطي والاستثناء منقطع أو متصل وثم بدل مستأنف معطوف على
محذوف اي من ظلم ثم بدل ذنبه بالتوبة، والقمي معنى الا من ظلم ولا من ظلم فوضع
حرف مكان حرف
(12) وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء آفة
في المعاني عن الصادق عليه السلام قال من غير برص في تسع آيات في
جملتها أو معها على أن التسع هي الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم
والطمسة والحدب في بواديهم والنقصان في مزارعهم ولمن عدا العصا واليد من
التسع ان يعد الأخيرين واحدا ولا يعد الفلق لأنه لم يبعث به إلى فرعون كذا قيل إلى
فرعون وقومه انهم كانوا قوما فاسقين تعليل للارسال
(13) فلما جائتهم آياتنا بأن جاءهم موسى بها مبصرة بينة اسم فاعل اطلق
للمفعول اشعارا بأنها لفرط اجتلائها للابصار بحيث تكاد تبصر نفسها لو كانت مما
تبصر
وفي المجمع عن السجاد عليه السلام انه قرء مبصرة بفتح الميم والصاد اي
59

مكانا يكثر فيه التبصرة قالوا هذا سحر مبين واضح سحريته
(14) وجحدوا بها وكذبوا بها واستيقنتها أنفسهم وقد استيقنتها ظلما لأنفسهم
وعلوا ترفعا من الإيمان والانقياد فانظر كيف كان عاقبة المفسدين وهو الغرق في
الدنيا والحرق في الآخرة
(15) ولقد آتينا داود وسليمان علما طائفة من العلم أو علما اي علم وقالا
الحمد لله فعلا شكرا له ما فعلا وقال الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده
المؤمنين يعم من لم يؤت علما أو مثل علمهما وفيه دليل على فضل العلم وشرف
أهله حيث شكراه على العلم وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه وما أوتيا من الملك
الذي لم يؤت غيرهما وتحريض للعالم على أن يحمد الله على ما اتاه من فضله وان
يتواضع ويعتقد انه وان فضل على كثير فقد فضل عليه كثير
(16) وورث سليمان داود الملك والنبوة
في الكافي عن الجواد عليه السلام انه قيل له انهم يقولون في حداثة سنك فقال إن
الله أوحى إلى داود ان يستخلف سليمان عليه السلام وهو صبي يرعى الغنم
فأنكر ذلك عباد بني إسرائيل وعلماؤهم فأوحى الله إلى داود ان خذ عصا المتكلمين
وعصا سليمان واجعلهما في بيت واختم عليها بخواتيم القوم فإذا كان من الغد فمن
كانت عصاه أورقت وأثمرت فهو الخليفة فأخبرهم داود (عليه السلام) فقالوا قد رضينا وسلمنا وقال
يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ تشهيرا لنعمة الله وتنويها بها
ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزة
في البصائر عن الصادق عليه السلام انه تلا رجل عنده هذه الآية فقال (عليه السلام) ليس
فيها من وإنما هي وأوتينا كل شئ ان هذا لهو الفضل المبين الذي لا يخفى على
حد
في الجوامع عن الصادق عليه السلام يعني الملك والنبوة
والقمي عنه عليه السلام أعطي سليمان بن داود مع علمه معرفة المنطق بكل
60

لسان ومعرفة اللغات ومنطق الطير والبهائم والسباع وكان إذا شاهد الحروب تكلم
بالفارسية وإذا قعد لعماله وجنوده وأهل مملكته تكلم بالرومية وإذا خلا بنسائه تكلم
بالسريانية والنبطية وإذا قام في محرابه لمناجاة ربه تكلم بالعربية وإذا جلس للوفود
والخصماء تكلم بالعبرانية
وفي المجمع عنه عن أبيه عليهما السلام قال أعطي سليمان بن داود ملك
مشارق الأرض ومغاربها فملك سبعمأة سنة وستة اشهر ملك أهل الدنيا كلهم من
الجن والإنس والشياطين والدواب والطير والسباع وأعطي علم كل شئ ومنطق كل
شئ وفي زمانه صنعت للصنايع العجيبة التي سمع بها الناس وذلك قوله علمنا منطق
الطير
وفي البصائر عنه عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام لابن عباس ان
الله علمنا منطق الطير كما علم سليمان بن داود عليه السلام ومنطق كل دابة في بر
وبحر وعنه عليه السلام ان سليمان بن داود (عليه السلام) قال علمنا منطق الطير وأوتينا من كل
شئ وقد والله علمنا منطق الطير وعلم كل شئ
وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام قال إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من
الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شئ فيه الروح ومن لم تكن هذه الخصال فيه فليس هو
بإمام
وعن الباقر عليه السلام انه وقع عنده زوج ورشان على الحايط فهدلا هديلهما
فرد عليهما كلامهما فمكثا ساعة ثم نهضا فلما طارا على الحايط هدل الذكر على
الأنثى ساعة ثم نهضا فسئل (عليه السلام) ما هذا الطير فقال كل شئ خلقه الله من طير وبهيمة
أو شئ فيه روح فهو اسمع لنا وأطوع من ابن آدم ان هذا الورشان ظن بامرأته فحلفت
له ما فعلت فقالت ترضى بمحمد بن علي (عليه السلام) فرضيا بي فأخبرته انه لها ظالم
فصدقها
والاخبار في هذا المعنى عنهم عليهم السلام كثيرة
61

(17) وحشر وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون
يحبسون
القمي عن الباقر عليه السلام يحبس أولهم على آخرهم يعني ليتلاحقوا
(18) حتى إذا اتوا على واد النمل القمي قعد على كرسيه وحملته الريح
فمرت به على وادي النمل وهو واد ينبت فيه الذهب والفضة وقد وكل به النمل وهو
قول الصادق عليه السلام ان لله واديا ينبت الذهب والفضة وقد حماه الله بأضعف
خلقه وهو النمل لو رامته النجاتي ما قدرت عليه قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا
مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون انهم يحطمونكم إذ لو شعروا
لم يفعلوا
(19) فتبسم ضاحكا من قولها
في العيون عن الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السلام في قوله عز وجل فتبسم
ضاحكا من قولها قال لما قالت النملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم
سليمان وجنوده حملت الريح صوت النملة إلى سليمان وهو مار في الهواء والريح قد
حملته فوقف وقال علي بالنملة فلما أتي بها قال سليمان يا أيتها النملة اما علمت اني
نبي الله واني لا اظلم أحدا قالت النملة بلى قال سليمان فلم تحذرينهم ظلمي وقلت
يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم قالت النملة خشيت ان ينظروا إلى زينتك فيفتتنوا بها
فيعبدون غير الله عز وجل ثم قالت النملة أنت أكبر أم أبوك داود قال سليمان بل أبي
داود قالت النملة فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود عليه
السلام قال سليمان ما لي بهذا علم قالت النملة لأن أباك داود (عليه السلام) داوى جرحه بود
فسمى داود وأنت يا سليمان أرجو ان تلحق بأبيك ثم قالت النملة هل تدري لم
سخرت لك الريح من بين ساير المملكة قال سليمان ما لي بهذا علم قالت النملة
يعني عز وجل بذلك لو سخرت لك جميع المملكة كما سخرت لك هذه الريح لكان
زوالها من بين يديك كزوال الريح تبسم ضاحكا من قولها
أقول: ولعل النملة أرادت بقولها لأن أباك داود (عليه السلام) داوى جرحه بود ان اسم
62

أبيك كان ذلك فخفف وإنما عبرت عنه بهذه العبارة إشارة إلى علة التسمية وعلى هذا
يزيد حروف اسم أبيه على اسمه وقال رب أوزعني ان اشكر نعمتك اجعلني اوزع
شكر نعمتك عندي اي اكفه وارتبطه بحيث لا ينفلت عني ولا انفك عنه التي أنعمت
على وعلى ولدى ادرج فيه ذكر والديه تكثيرا للنعمة وان اعمل صالحا ترضيه اتماما
للشكر واستدامة للنعمة وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين في عدادهم في
الجنة
في البصائر عن الصادق عليه السلام كان سليمان عنده اسم الله الأكبر الذي إذا
سئل به أعطي وإذا دعي أجاب ولو كان اليوم احتاج الينا
(20) وتفقد الطير وتعرف الطير فلم يجد فيها الهدهد فقال مالي لا أرى
الهدهد أم كان من الغائبين القمي وكان سليمان إذا قعد على كرسيه جاءت جميع
الطير التي سخرها الله له فتظل الكرسي والبساط بجميع من عليه عن حر الشمس
فغاب عنه الهدهد من بين الطير فوقع الشمس من موضعه في حجر سليمان فرفع رأسه
وقال كما حكى الله عز وجل
(21) لأعذبنه عذابا شديدا كنتف ريشه أو جعله مع ضده في قفص أو لأذبحنه
ليعتبر به أبناء جنسه أو ليأتيني وقرء بنونين أولهما مفتوحة مشددة بسلطان مبين بحجة
تبين عذره والحلف في الحقيقة على الأولين بتقدير عدم الثالث
في الكافي عن الكاظم عليه السلام وإنما غضب عليه لأنه كان يدله على الماء
قال فهذا وهو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان وقد كانت الريح والنمل والجن
والانس والشياطين المردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكان الطير
يعرفه وان الله يقول في كتابه ولو أن قرآنا سيرت الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به
الموتى وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال ويقطع به البلدان
ويحيى به الموتى ونحن نعرف الماء تحت الهواء الحديث
(22) فمكث غير بعيد زمانا غير مديد يريد به الدلالة على سرعة رجوعه وقرء
بضم الكاف فقال أحطت بما لم تحط به يعني حال سبا وفي مخاطبته إياه بذلك تنبيه
63

على أنه في أدنى خلق الله من أحاط علما بما لم يحط به ليتحاقر إليه نفسه ويتصاغر
لديه علمه وجئتك من سبأ بنبأ يقين بخبر محقق وقرء سبأ بفتح الهمزة وبدونها
(23) انى وجدت امرأة تملكهم يعني بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن ريان
أوتيت من كل شئ يحتاج إليه الملوك ولها عرش عظيم
(24) وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان
اعمالهم فصدهم عن السبيل سبيل الحق والصواب فهم لا يهتدون إليه
(25) الا يسجدوا لله فصدهم لأن لا يسجدوا أو زين لهم ان لا يسجدوا أو لا
يهتدون إلى أن يسجدوا بزيادة لا كقوله ما منعك ان لا تسجد وقرء بالتخفيف على أنها
للتنبيه ويا للنداء ومناداه محذوف اي الا يا قوم اسجدوا الذي يخرج الخبأ في
السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون وصف له بما يوجب اختصاصه
باستحقاق السجود من التفرد بكمال القدرة والعلم حثا على سجوده وردا على من
يسجد لغيره والخبأ ما خفى في غيره واخراجه اظهاره وهو يعم اشراق الكواكب وانزال
الأمطار وانبات النبات بل الإنشاء فإنه اخراج ما في الشئ بالقوة إلى الفعل والإبداع
فإنه اخراج ما في العدم إلى الوجود ومعلوم انه يختص بالله سبحانه والقمي في
السماوات المطر وفي الأرض النبات
(26) الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم الشامل للمخلوقات كلها
(27) قال سننظر سنتعرف من النظر بمعنى التأمل أصدقت أم كنت من
الكاذبين
(28) اذهب بكتابي هذا فالقه إليهم ثم تول عنهم ثم تنح عنهم إلى مكان
قريب تتوارى فيه فانظر ماذا يرجعون ماذا يرجع بعضهم إلى بعض من القول، القمي
قال الهدهد انها في حصن منيع قال سليمان الق كتابي على قبتها فجاء الهدهد فألقى
الكتاب في حجرها فارتاعت من ذلك وجمعت جنودها وقال لهم كما حكى الله عز
وجل
64

(29) قالت اي بعد ما القي إليها يا أيها الملأ انى القى إلى كتاب كريم
القمي اي مختوم وفي الجوامع عن النبي صلى الله عليه وآله قال كرم الكتاب ختمه
(30) انه من سليمان استيناف كأنه قيل لها ممن هو وما هو فقالت إنه اي
الكتاب أو العنوان من سليمان وانه وان المكتوب بسم الله الرحمن الرحيم
(31) الا تعلوا على واتوني مسلمين مؤمنين أو منقادين وهذا الكلام في غاية
الوجازة مع كمال الدلالة على المقصود لاشتماله على البسملة الدالة على ذات
الصانع وصفاته والنهي عن الترفع الذي هو أم الرذائل والامر بالإسلام الجامع
لأمهات الفضائل وليس الامر فيه بالانقياد قبل إقامة الحجة على رسالته حتى يكون
استدعاء للتقليد فان القاء الكتاب إليها على تلك الحالة من أعظم الأدلة
(2 3) قالت يا أيها الملأ أفتوني في امرى اذكروا ما تستصوبون فيه ما كنت
قاطعة امرا حتى تشهدون الا بمحضركم كأنها استعطفتهم بذلك ليمالؤها على
الإجابة
(33) قالوا نحن أولوا قوة بالأجساد والعدد
في الاكمال عن الصادق عليه السلام ما يخرج القائم الا في اولي قوة وما يكون
أولو قوة الا عشرة آلاف وأولو باس شديد بشدة وشجاعة والامر إليك موكول فانظري
ماذا تأمرين من المقاتلة والصلح نطعك ونتبع رأيك
(34) قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها بنهب الأموال وتخريب
الديار وجعلوا أعزة أهلها أذلة بالإهانة والأسر وكذلك يفعلون
القمي فقال الله تعالى وكذلك يفعلون
(35) وانى مرسلة إليهم بهدية فناظرة منتظرة
كذا في الإحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام بم يرجع المرسلون من حاله
حتى اعمل بحسب ذلك
65

والقمي قالت إن كان هذا نبيا من عند الله كما يدعي فلا طاقة لنا به فان الله عز
وجل لا يغلب ولكن سأبعث إليهم بهدية فإن كان ملكا يميل إلى الدنيا قبلها وعلمت
انه لا يقدر علينا فبعثت حقة فيها جوهرة عظيمة وقالت للرسول قل له يثقب هذه
الجوهرة بلا حديد ولا نار فأتاه الرسول بذلك فأمر سليمان بعض جنوده من الديدان
فأخذ خيطا في فمه ثم ثقبها واخذ الخيط من الجانب الآخر
(6 3) فلما جاء سليمان اي الرسول وما أهدت إليه قال أتمدونن بمال وقرء
بنون واحدة مشددة على الإدغام فما اتاني الله من النبوة والملك الذي لا مزيد عليه
خير مما اتيكم فلا حاجة لي إلى هديتكم ولا وقع لها عندي بل أنتم بهديتكم تفرحون
لأنكم لا تعلمون الا ظاهرا من الحياة الدنيا
(37) ارجع أيها الرسول إليهم إلى بلقيس وقومها فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم
بها لا طاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة بهم على مقاتلتها ولنخرجنهم منها من سبا أذلة
بذهاب ما كانوا فيه من العز وهم صاغرون اسراء مهانون
القمي فرجع إليها الرسول فأخبرها بذلك وبقوة سليمان فعلمت انه لا محيص
لها فخرجت وارتحلت نحو سليمان
(38) قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين
القمي لما علم سليمان باقبالها نحوه قال ذلك قيل أراد بذلك ان يريها بعض ما
خصه الله تعالى به من العجائب الدالة على عظيم القدرة وصدقه في دعوى النبوة
ويختبر عقلها بأن ينكر عرشها فنظر أتعرفه أم تنكره
(39) قال عفريت خبيث مارد من الجن انا آتيك به قبل ان تقوم من مقامك
مجلسك للحكومة قيل وكان يجلس إلى نصف النهار وانى عليه على حمله لقوى
امين لا اختزل منه شيئا ولا أبدله
(40) قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك
القمي قال سليمان يعني بعد مقالة العفريت أريد اسرع من ذلك فقال آصف بن برخيا
66

انا آتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك فدعا الله عز وجل بالاسم الأعظم فخرج السرير
من تحت كرسي سليمان
وفي روضة الواعظين عن النبي صلى الله عليه وآله انه سئل عن الذي عنده علم
من الكتاب قال ذلك وصي أخي سليمان بن داود
وفي البصائر والكافي عن الباقر عليه السلام ان اسم الله الأعظم على ثلاثة
وسبعين حرفا وإنما كان عند أصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه
وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت اسرع من طرفة
عين وعندنا نحن من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا وحرف عند الله استأثر به في
علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وفي رواية أخرى من البصائر
فتكلم به فانخسفت الأرض ما بينه وبين السرير والتقت القطعتان وحول من هذه إلى
هذه
وفي أخرى من الكافي عن الهادي عليه السلام قال فتكلم به فانخرقت له
الأرض فيما بينه وبين سبا فتناول عرش بلقيس حتى سيره إلى سليمان ثم انبسطت
الأرض في أقل من طرفة عين
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام قال إن الأرض طويت له
وعن العياشي عن الهادي عليه السلام قال الذي عنده علم من الكتاب فهو آصف بن
برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه أصف لكنه (عليه السلام) أحب ان يعرف الجن والإنس
انه الحجة من بعده وذلك من علم سليمان أودعه أصف بأمر الله ففهمه الله
ذلك لئلا يختلف في إمامته ودلالته كما فهم سليمان (عليه السلام) في حياة داود (عليه السلام) لتعرف
إمامته ونبوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق فلما رآه رأى العرش مستقرا عنده
حاصلا بين يديه قال تلقيا للنعمة بالشكر على شاكلة المخلصين من عباد الله هذا
من فضل ربى تفضل به علي من غير استحقاق ليبلوني أأشكر بأن أراه فضلا من الله
بلا حول مني ولا قوة وأقوم بحقه أم اكفر بأن أجد نفسي في البين أو اقصر في أداء
مواجبه ومن شكر فإنما يشكر لنفسه فإنه به يستجلب لها دوام النعمة ومزيدها ومن كفر
67

فان ربى غنى عن شكره كريم بالإنعام عليه ثانيا
(41) قال نكروا لها عرشها بتغيير هيئته وشكله ننظر أتهتدي أم تكون من
الذين لا يهتدون إلى معرفته
(42) فلما جاءت قيل أهكذا عرشك تشبيها عليها زيادة في امتحان عقلها قالت
كأنه هو ولم تقل هو هو لاحتمال أن يكون مثله وذلك من كمال عقلها وأوتينا العلم من
قبلها وكنا مسلمين قيل هي من تتمة كلامها كأنها ظنت انه أراد بذلك اختبار عقلها
واظهار معجزة لها فقالت وأوتينا العلم بكمال قدرة الله وصحة نبوتك قبل هذه
الحالة
(43) وصدها ما كانت تعبد من دون الله اي وصدها عبادتها الشمس عن
التقدم إلى الإسلام انها كانت من قوم كافرين وقرء بفتح الهمزة على البدل اي صدها
نشوها بين اظهر الكفار أو على التعليل
(44) قيل لها ادخلي الصرح القصر وقيل عرصة الدار فلما رأته حسبته لجة
وكشفت عن ساقيها قال إنه ان ما تظنيه ماء صرح ممرد مملس من قوارير من الزجاج
قالت رب انى ظلمت نفسي بعبادتي للشمس وقيل بظني بسليمان فإنها حسبت انه
يغرقها في اللجة وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين فيما امر به عباده روي أنه امر
قبل قدومها فبنى قصر صحنه من زجاج ابيض واجري من تحته الماء والقى فيه
حيوانات البحر ووضع سريره في صدره فجلس عليه فلما أبصرته ظنت ماء راكدا
فكشفت عن ساقيها
والقمي وكان قد امر ان يتخذ لها بيتا من قوارير ووضعه على الماء ثم قيل لها
ادخلي الصرح وظنت انه ماء فرفعت ثوبها وأبدت ساقيها فإذا عليهما شعر كثير فقيل
لها انه صرح ممرد من قوارير قالت رب انى ظلمت الآية فتزوجها سليمان وهي بلقيس
بنت الشراح الحميرية وقال سليمان للشياطين اتخذوا لها شيئا يذهب هذا الشعر عنها
فعملوا الحمامات وطبخوا النورة فالحمامات والنورة مما اتخذته الشياطين لبلقيس
وكذا الأرحبية التي تدور على الماء
68

(45) ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا ان اعبدوا الله فإذا هم فريقان
يختصمون
القمي عن الباقر عليه السلام قال يقول مصدق ومكذب قال الكافرون منهم
أتشهدون ان صالحا مرسل من ربه قال المؤمنون انا بالذي ارسل به مؤمنون
قال الكافرون منهم إنا بالذي آمنتم به كافرون وقالوا يا صالح ائتنا باية ان كنت من
الصادقين فجاءهم بناقة فعقروها وكان الذي عقرها ازرق احمر ولد زنا
(46) قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة بالعقوبة قبل التوبة فإنهم
كانوا يقولون إن صدق ايعاده تبنا، القمي انهم سألوه قبل ان تأتيهم الناقة ان يأتيهم
بعذاب اليم فأرادوا بذلك امتحانه فقال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة يقول
بالعذاب قبل الرحمة لولا تستغفرون الله قبل نزوله لعلكم ترحمون بقبولها فإنها لا
تقبل حينئذ
(47) قالوا اطيرنا بك وبمن معك تشأمنا إذ تتابعت علينا الشدائد وأوقع بيننا
افتراق منذ اخترعتم دينكم
القمي أصابهم جوع شديد فقالوا هذا من شؤمك وشؤم الذين معك أصابنا
هذا وهي الطيرة قال طائركم عند الله قال يقول خيركم وشركم من عند الله بل أنتم
قوم تفتنون تختبرون بتعاقب السراء والضراء
(48) وكان في المدينة تسعة رهط تسعة نفر يفسدون في الأرض ولا
يصلحون اي شأنهم الافساد الخالص عن شوب الصلاح
القمي كانوا يعملون في الأرض بالمعاصي
(49) قالوا قال بعضهم لبعض تقاسموا بالله اي تحالفوا امر مقول أو خبر وقع
بدلا لنبيتنه وأهله لنباغتن صالحا وأهله ليلا ثم لنقولن لوليه لولي دمه وقرء لتبيتنه
ولتقولن بالتاء وصيغة الجمع على خطاب بعضهم لبعض ما شهدنا مهلك أهله فضلا
ان تولينا اهلاكهم وهو يحتمل المصدر والزمان والمكان وقرء بفتح اللام مع فتح الميم
69

وضمها وانا لصادقون ونحلف انا لصادقون أو والحال انا لصادقون يعنون نوري
والقمي يقول لنفعلن
(50) ومكروا مكرا بهذه المواضعة ومكرنا مكرا بأن جعلناها سببا لإهلاكهم و
هم لا يشعرون بذلك
روي أنه كان لصالح في الحجر مسجد في شعب يصلي فيه فقالوا زعم أنه
يفرغ منا إلى فنفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث فذهبوا إلى الشعب ليقتلوه فوقع
عليهم صخرة جبالهم فطبقت عليهم فم الشعب فهلكوا ثمة وهلك الباقون في
أماكنهم بالصيحة
والقمي فأتوا صالحا ليلا ليقتلوه وعند صالح ملائكة يحرسونه فلما اتوه قاتلتهم
الملائكة في دار صالح رجما بالحجارة فأصبحوا في داره مقتلين واخذت قومه الرجفة
فأصبحوا في دارهم جاثمين
(51) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم انا دمرناهم وقرء بفتح الهمزة وقومهم
أجمعين
(52) فتلك بيوتهم خاوية خالية من خوي البطن إذا خلا أو ساقطة منهدمة من
خوي النجم إذا سقط بما ظلموا بسبب ظلمهم ان في ذلك لآية لقوم يعلمون
فيتعظون
(53) وأنجينا الذين آمنوا صالحا ومن معه وكانوا يتقون الكفر والمعاصي
فلذلك خصوا بالنجاة
(54) ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون تعلمون خبثها أو
يبصرها بعضكم من بعض وكانوا يعلنون
(55) ائنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء اللاتي خلقن لذلك بل أنتم
قوم تجهلون سفهاء
(56) فما كان جواب قومه الا ان قالوا اخرجوا آل لوط من قريتكم انهم أناس
يتطهرون يتنزهون عن افعالنا
70

(57) فأنجيناه وأهله الا امرأته قدرناها من الغابرين قدرنا كونها من الباقين في
العذاب وقرء قدرناها بالتخفيف
(58) وأمطرنا عليهم مطرا فسآء مطر المنذرين مضى مثله
(59) قل الحمد لله وسلم على عباده الذين اصطفى
في الجوامع عنهم (عليه السلام) والقمي قال هم آل محمد صلوات الله عليه وعليهم الله
خير أم ما تشكرون وقرء بالياء الزام لهم وتهكم به وتسفيه لرأيهم
(60) امن بل أم من خلق السماوات والأرض وانزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به
حدائق ذات بهجة عدل عن الغيبة إلى التكلم لتأكيد اختصاص الفعل بذاته كما قال ما
كان لكم ان تنبتوا شجرها شجر الحدائق أإله مع الله أغيره يقرن به ويجعل له شريكا
وهو المتفرد بالخلق والتكوين بل هم قوم يعدلون عن الحق وهو التوحيد
(61) امن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها انهارا جارية وجعل لها رواسي
جبالا يتكون فيها المعادن وينبع من حضيضها المنابع وجعل بين البحرين العذب
والملح حاجزا برزخا وقد مر بيانه في سورة الفرقان أإله مع الله بل أكثرهم لا
يعلمون الحق فيشركون
(62) امن يجيب المضطر الذي أحوجه شدة ما به إلى اللجأ إلى الله إذا
دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض خلفاء فيها بأن ورثكم سكناها
والتصرف فيها ممن كان قبلكم أإله مع الله الذي متعكم بهذه النعم قليلا ما
تذكرون اي تذكرون الاءه تذكرا قليلا وما مزيدة وقرء بتشديد الذال وبالياء معه
القمي عن الصادق عليه السلام قال نزلت في القائم من آل محمد صلى الله
عليه وآله هو والله المضطر إذا صلى في المقام ركعتين ودعا الله عز وجل فأجابه
ويكشف السوء ويجعله خليفة في الأرض وفي رواية فيكون أول من يبايعه جبرئيل ثم
الثلاثمأة والثلاثة عشر رجلا وقد سبق كلام آخر في هذه الآية في سورة البقرة عند
قوله تعالى أجيب دعوة الداع
71

(63) امن يهديكم في ظلمات البر والبحر بالنجوم وعلامات الأرض ومن
يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته يعني المطر أإله مع الله يقدر على شئ من ذلك
تعالى الله عما يشركون
(64) امن يبدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض اي بأسباب
سماوية وأرضية أإله مع الله يفعل ذلك قل هاتوا برهانكم على أن غيره يقدر على شئ من
ذلك ان كنتم صادقين في اشراككم
(65) قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب الا الله
في نهج البلاغة ان أمير المؤمنين عليه السلام اخبر يوما ببعض الأمور التي لم يأت
بعد فقيل له أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب فضحك (ع) وقال ليس هو بعلم غيب إنما
هو تعلم من ذي علم وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله ان الله عنده
علم الساعة الآية فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى وقبيح أو جميل وسخي أو
بخيل وشقي أو سعيد ومن يكون للنار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا فهذا علم الغيب
الذي لا يعلمه الا الله وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه ودعا لي ان يعيه صدري
وتضم عليه جوارحي وما يشعرون إيان يبعثون متى ينشرون
(66) بل ادارك تتابع حتى استحكم علمهم في الآخرة
القمي يقول علموا ما كانوا جهلوا في الدنيا وقرء بدون الألف مع تخفيف الدال
وتشديدها بل هم في شك منها في حيرة بل هم منها عمون لاختلال بصيرتهم قيل
الاضرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم
(67) وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا ائنا لمخرجون من الأجداث أو من
الفناء إلى الحياة وتكرير الهمزة للمبالغة في الانكار وقرء بحذف الأولى وبحذفهما واننا
بالنونين
(68) لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل ان هذا الا أساطير الأولين
أكاذيبهم التي هي كالاسمار
72

(69) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين تهديد لهم على
التكذيب وتخويف بأن ينزل عليهم مثل ما نزل بالمكذبين قبلهم والتعبير عنهم بالمجرمين
ليكون لطفا للمجرمين في ترك الجرائم
(70) ولا تحزن عليهم على تكذيبهم واعراضهم ولا تكن في ضيق في حرج صدر
وقرء بكسر الضاد مما يمكرون من مكرهم فان الله يعصمك من الناس
(71) ويقولون متى هذا الوعد العذاب الموعود ان كنتم صادقين
(72) قل عسى أن يكون ردف لكم تبعكم ولحقكم والقمي اي قد قرب من خلفكم
بعض الذي تستعجلون حلوله قيل هو عذاب يوم بدر
(73) وان ربك لذو فضل على الناس بتأخيره عقوبتهم على المعاصي ولكن
أكثرهم لا يشكرون لا يعرفون حق النعمة فلا يشكرونه بل يستعجلون بجهلهم
وقوعه
(74) وان ربك ليعلم ما تكن صدورهم ما تخفيه وما يعلنون من عداوتك
فيجازيهم عليه
(75) وما من غائبة في السماء والأرض خافية فيهما الا في كتاب مبين
في الكافي عن الكاظم عليه السلام في حديث وان في كتاب الله لآيات ما يراد بها امر
الا ان يأذن الله به مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون جعله الله لنا في أم الكتاب ان الله يقول
وما من غائبة الآية ثم قال ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فنحن الذين اصطفينا
الله وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شئ
(76) ان هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون كالتشبيه
والنزيه وأحوال الجنة والنار وعزير والمسيح
(77) وانه لهدى ورحمة للمؤمنين فإنهم المشفعون به
(78) ان ربك يقضى بينهم بين بني إسرائيل بحكمه اي بحكمته أو بما يحكم به وهو
الحق وهو العزيز فلا يرد قضاءه العليم بحقيقة ما يقضي فيه وحكمته
73

(79) فتوكل على الله ولا تبال بمعاداتهم انك على الحق المبين وصاحب الحق
حقيق بالوثوق بحفظ الله ونصره
(80) انك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء وقرء بالياء المفتوحة ورفع الصم
إذا ولوا مدبرين شبهوا بالموتى والصم لعدم انتفاعهم بما يتلى عليهم
(81) وما أنت بهادي العمى وقرء تهدى العمى عن ضلالتهم حيث إن الهداية لا
تحصل الا بالبصر ان تسمع ما يجدي اسماعك الا من يؤمن بآياتنا من هو في علم الله
كذلك فهم مسلمون مخلصون
(82) وإذا وقع القول عليهم وهو ما وعدوا به من الرجعة عند قيام المهدي عليه
السلام كما يأتي بيانه عن قريب أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا
لا يوقنون وقرء تكلمهم بالتخفيف من الكلم بمعنى الجرح
وفي الجوامع عن الباقر عليه السلام قال كلم الله من قرء تكلمهم ولكن تكلمهم
بالتشديد
والقمي عن الصادق عليه السلام قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير
المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملا ووضع رأسه عليه فحركه برجله
ثم قال له قم يا دابة الأرض فقال رجل من أصحابه يا رسول الله ايسمى بعضنا بعضا بهذا
الاسم فقال لا والله ما هو الا له خاصة وهو الدابة الذي ذكره الله في كتابه فقال عز وجل وإذا
وقع القول عليهم الآية ثم قال يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة
ومعك ميسم تسم به أعداءك فقال رجل لأبي عبد الله عليه السلام ان العامة يقولون إن
هذه الدابة إنما تكلمهم فقال أبو عبد الله كلمهم الله في نار جهنم إنما هو يكلمهم من
الكلام
وعنه عليه السلام قال قال رجل لعمار بن ياسر يا أبا اليقظان ان آية في كتاب الله قد
أفسدت قلبي وشككتني فقال واية آية هي قال قوله عز وجل وإذا وقع القول عليهم الآية فأية
دابة هذه قال عمار والله ما اجلس ولا آكل ولا اشرب حتى أريكها فجاء عمار مع الرجل إلى
أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل تمرا وزبدا فقال يا أبا اليقظان هلم فاقبل عمار وجلس
يأكل معه فتعجب الرجل منه فلما قام عمار قال الرجل سبحان الله انك حلفت ان لا تأكل ولا
74

تشرب ولا تجلس حتى تريني الدابة قال عمار قد أريتكها ان كنت تعقل
وفي المجمع انه روى العياشي هذه القصة بعينها عن أبي ذر أيضا
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام ولقد أعطيت
الست علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب واني لصاحب الكرات ودولة الدول
واني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس
في الاكمال عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث بعد ان ذكر الدجال ومن
يقتله قال الا ان بعد ذلك الطامة الكبرى قيل وما ذلك يا أمير المؤمنين قال خروج دابة
الأرض من عند الصفا ومعها خاتم سليمان (عليه السلام) وعصا موسى (عليه السلام) تضع الخاتم على وجه
كل مؤمن فينطبع فيه هذا مؤمن حقا وتضعه على وجه كل كافر فيكتب هذا كافر حقا حتى أن
المؤمن لينادي الويل لك حقا يا كافر وان الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن وددت اني كنت
مثلك فأفوز فوزا عظيما ثم ترفع الدابة رأسها من بين الخافقين بإذن الله جل جلاله وذلك بعد
طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة فلا تقبل توبة ولا ينفع نفسا ايمانها لم تكن
آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا
ثم قال عليه السلام لا تسألوني عما يكون بعد هذا فإنه عهد إلي حبيبي رسول الله
صلى الله عليه وآله ان لا اخبر به غير عترتي
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال دابة الأرض طولها ستون ذراعا لا
يدركها طالب ولا يفوتها هارب فتسم المؤمن بين عينيه ويكتب بين عينيه مؤمن وتسم
الكافر بين عينيه ويكتب بين عينيه كافر ومعها عصا موسى (عليه السلام) وخاتم سليمان (عليه السلام) فتجلو
وجه المؤمن بالعصا وتخطم انف الكافر بالخاتم حتى يقال يا مؤمن ويا كافر
وعن أمير المؤمنين عليه السلام انه سئل عن الدابة فقال اما والله ما لها ذنب وان لها
للحية
(83) ويوم نحشر من كل أمة فوجا يعني يوم الرجعة ممن يكذب بآياتنا يعني بالأئمة
عليهم السلام فهم يوزعون يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا
75

(84) حتى إذا جاؤوا إلى المحشر قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما اماذا
كنتم تعملون أم اي شئ كنتم تعملون بعد ذلك وهو للتبكيت إذ لم يفعلوا غير التكذيب
(85) ووقع القول عليهم حل بهم العذاب الموعود بما ظلموا بسبب ظلمهم وهو
التكذيب بآيات الله فهم لا ينطقون بالاعتذار لشغلهم بالعذاب
القمي عن الصادق عليه السلام في الحديث الذي مضى في تفسير الدابة أولا قال
والدليل على أن هذا في الرجعة قوله ويوم نحشر من كل أمة فوجا الآية قال الآيات أمير
المؤمنين والأئمة عليهم السلام فقال الرجل ان العامة تزعم أن قوله عز وجل ويوم نحشر من
كل أمة فوجا عنى في يوم القيامة فقال عليه السلام فيحشر الله عز وجل يوم القيامة من كل أمة
فوجا ويدع الباقين لا ولكنه في الرجعة واما آية القيامة فهي وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا
وعنه عليه السلام ليس أحد من المؤمنين قتل الا ويرجع حتى يموت ولا يرجع الا من
محض الايمان محضا ومن محض الكفر محضا وفي الكافي عنه عليه السلام في قوله بعثنا
عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد انهم قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وترا
لآل محمد صلوات الله عليهم الا قتلوه وقد سبق تمام الحديث في سورة بني إسرائيل فلا
حاجة بنا إلى اعادته قال في المجمع وقد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد
صلوات الله عليهم في أن الله تعالى سيعيد عند قيام المهدي عليه السلام قوما ممن تقدم
موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويتبهجوا بظهور دولته ويعيد أيضا
قوما من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العقاب في القتل على أيدي
شيعته أو الذل والخزي مما يشاهدون من علو كلمته ولا يشك عاقل ان هذا مقدور لله تعالى
غير مستحيل في نفسه وقد فعل الله ذلك في الأمم الخالية ونطق القرآن بذلك في عدة
مواضع مثل قصة عزير وغيره على ما فسرناه في موضعه وصح عن النبي صلى الله عليه وآله
قوله سيكون في أمتي كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى
لو أن أحدهم دخل حجر ضب لدخلتموه
أقول: وقد صنف الحسن بن سليمان الحلي طاب ثراه كتابا في فضائل أهل البيت
عليهم السلام أورد فيه اخبارا كثيرة في اثبات الرجعة وتفاصيل أحوالها وذكر فيه ان الدابة
76

أمير المؤمنين عليه السلام في اخبار كثيرة متوافقة المعاني ونقل أكثرها من كتاب سعد بن
عبد الله المسمى بمختصر البصائر ولنورد هنا من كتابه حديثا واحدا ومن أراد سائرها
فليراجع إليه وهو ما رواه عن الأصبغ بن نباته ان عبد الله الكوا اليشكري قام إلى أمير
المؤمنين عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين ان أناسا من أصحابك يزعمون أنهم يردون بعد
الموت فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) نعم تكلم بما سمعت ولا تزد في الكلام مما قلت لهم قال
قلت لا أؤمن بشئ مما قلتم فقال له أمير المؤمنين عليه السلام ويلك ان الله عز وجل ابتلى
قوما بما كان من ذنوبهم فأماتهم قبل آجالهم التي سميت لهم ثم ردهم إلى الدنيا ليسوفوا
ارزاقهم ثم أماتهم بعد ذلك قال فكبر على الكوا ولم يهتد له فقال له أمير المؤمنين عليه
السلام ويلك تعلم أن الله عز وجل قال في كتابه واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا
فانطلق بهم معه ليشهدوا له إذا رجعوا عند الملأ من بني إسرائيل ان ربي قد كلمني فلو انهم
سلموا ذلك وصدقوا به لكان خير لهم ولكنهم قالوا لموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
قال الله تعالى فاخذتكم الصاعقة يعني الموت وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم
لعلكم تشكرون افترى يا بن الكوا ان هؤلاء قد رجعوا إلى منازلهم بعد ما ماتوا فقال ابن الكوا
وما ذاك ثم أماتهم مكانهم فقال له أمير المؤمنين عليه السلام ويلك أوليس قد أخبرك في
كتابه حيث يقول وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى فهذا بعد الموت إذ
بعثهم وأيضا مثلهم يا ابن الكوا الملأ من بني إسرائيل حيث يقول الله عز وجل ألم تر إلى
الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم وقوله عز
وجل في عزير حيث اخبر الله فقال أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها فقال إني
يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله واخذه بذلك الذنب مأة عام ثم بعثه ورده إلى الدنيا فقال
كم لبثت فقال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مأة عام فلا تشك يا ابن الكوا في
قدرة الله عز وجل
(86) ألم يروا انا جعلنا الليل ليسكنوا فيه بالنوم والقرار والنهار مبصرا قيل أصله
ليبصروا فيه فبولغ فيه بجعل الأبصار حالا من أحواله المجبول عليها ان ذلك لآيات
لقوم يؤمنون
(87) ويوم ينفخ في الصور في القرن روي أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عنه
77

فقال قرن من نور التقمه إسرافيل فوصف بالسعة والضيق واختلف في أن أعلاه
ضيق وأسفله واسع أو بالعكس ولكل وجه وورد ان فيه ثقبا بعدد كل انسان ثقبة فيها روحه
ففزع من في السماوات ومن في الأرض من الهول وعبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه الا من
شاء الله ان لا يفزع بأن يثبت قلبه وكل اتوه داخرين صاغرين وقرء بقصر الهمزة وفتح التاء
(88) وترى الجبال تحسبها جامدة ثابتة في مكانها وهي تمر مر السحاب في
السرعة قيل وذلك لأن اجرام الكبار إذا تحركت في سمت واحد لا تكاد تتبين حركتها صنع الله
الذي اتقن كل شئ احكم خلقه وسواه على ما ينبغي انه خبير بما يفعلون عالم بظواهر
الافعال وبواطنها فيجازيهم عليها وقرء بالتاء
(89) من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون وقرء بالإضافة
(90) ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في لنار فكبوا فيها وجوههم هل تجزون
الا ما كنتم تعملون على إرادة القول القمي قال الحسنة والله ولاية أمير المؤمنين عليه السلام
والسيئة والله اتباع أعدائه وفي الكافي عن الصادق عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام
في هذه الآية قال الحسنة معرفة الولاية وحبنا أهل البيت والسيئة انكار الولاية وبغضنا أهل البيت
ثم قرء لآية وعن الباقر عليه السلام في قوله تعالى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا
قال من تولى الأوصياء من آل محمد صلوات الله عليهم واتبع آثارهم فذاك يزيده ولاية من
مضى من النبيين والمؤمنين الأولين حتى يصل ولايتهم إلى آدم (ع) وهو قول الله من جاء
بالحسنة فله خير منها ندخله لجنة وفي روضة الواعظين عنه عليه السلام في هذه قال الحسنة
ولاية علي وحبه والسيئة عداوته وبغضه ولا يرفع معهما عمل وقد مضى في آخر سورة الأنعام
حديث في صدر الآيتين
(91) إنما أمرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها القمي يعني مكة شرفها الله
تعالى في الكافي عن الصادق عليه السلام ان قريشا لما هدموا الكعبة وجدوا في قواعده
حجرا فيه كتاب لم يحسنوا قراءته حتى دعوا رجلا قرأه فإذا فيه انا الله ذو بكة حرمتها يوم
خلقت السماوات والأرض ووضعتها بين هذين الجبلين وحففتها بسبعة املاك حفا، وعنه
عليه السلام لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة فأمر
78

بصور في الكعبة فطمست فأخذ بعضادتي الباب فقال الا ان الله قد حرم مكة يوم خلق
السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله عز وجل إلى يوم القيامة لا ينفر صيدها ولا
يعضد شجرها ولا يختلي خلالها ولا تحل لقطتها الا لمنشد فقال العباس يا
رسول الله الإذخر فإنه للقبر والبيوت فقال رسول الله الا الإذخر وله كل شئ
خلقا وملكا وأمرت ان أكون من المسلمين المنقادين
(92) وان اتلوا القرآن وان أواظب على تلاوته لتنكشف لي حقائقه في تلاوته شيئا
فشيئا فمن اهتدى باتباعه إياي في ذلك فإنما يهتدى لنفسه فان منافعه عائدة إليه ومن ضل
بمخالفتي فقل إنما انا من المنذرين فلا علي من وبال ضلاله شئ إذ ما على الرسول الا
البلاغ وقد بلغت
(93) وقل الحمد لله على نعمة النبوة وعلى ما علمني ربي ووفقني للعمل به
سيريكم آياته إذا رجعتم إلى الدنيا ورجعوا فتعرفونها فتعرفون انها آيات الله حين لا تنفعكم
المعرفة، القمي قال الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام إذا رجعوا إلى الدنيا
يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم في الدنيا قال أمير المؤمنين عليه السلام والله ما لله آية أكبر مني
وما ربك بغافل عما تعملون فلا تحسبوا ان تأخير عذابكم لغفلة من اعمالكم وقرء بالياء
وقد مضى ثواب قراءة الطواسين الثلاث
79

سورة القصص مكية
عدد آيها ثمان وثمانين آية اختلافها آيتان طسم كوفي يسقون غير الكوفي
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) طسم (2) تلك آيات الكتاب المبين
(3) نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بعض نبأهما بالحق محقين لقوم يؤمنون
لأنهم المنتفعون به
(4) ان فرعون علا في الأرض أرض مصر وجعل أهلها شيعا فرقا يشيعون
يستضعف طائفة منهم وهم بنو إسرائيل يذبح أبنائهم ويستحيى نسائهم وذلك لأن كاهنا
قال له يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده وذلك كان من غاية حمقه فإنه لو
صدق لم يندفع بالقتل وان كذب فما وجهه انه كان من المفسدين فلذلك اجترء على قتل
خلق كثير من أولاد الأنبياء لتخيل فاسد
(5) ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ان نتفضل عليهم حال من
يستضعف أو حكاية حال ماضية ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين
(6) ونمكن لهم في الأرض نسلطهم فيها ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما
كانوا يحذرون من ذهاب ملكهم وهلاكهم وقرء ويرى بالياء ورفع الأسماء في الغيبة عن
أمير المؤمنين عليه السلام قال هم آل محمد صلوات الله عليهم ى بعث الله مهديهم بعد
جهدهم فيعزهم ويذل أعداءهم وفي نهج البلاغة قال عليه السلام لتعطفن الدنيا علينا بعد
شماسها عطف الضروس على ولدها وتلا عقيب ذلك ونريد ان نمن الآية وفي نظر أبو
جعفر عليه السلام إلى أبي عبد الله عليه السلام يمشي فقال أترى هذا هذا من الذين قال الله
عز وجل ونريد ان نمن على الذين استضعفوا الآية وفي المعاني عن الصادق عليه السلام ان
رسول الله صلى الله عليه وآله نظر إلى علي والحسن والحسين عليهم السلام فبكى وقال
80

أنتم المستضعفون بعدي ان الله عز وجل يقول ونريد الآية فقيل للصادق عليه السلام ما
معنى ذلك يا ابن رسول الله قال معناه انكم الأئمة بعدي ان الله عز وجل يقول ونريد ان نمن
على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة الآية ثم قال فهذه الآية جارية فينا إلى يوم
القيامة وفي المجالس عنه عليه السلام في هذه الآية قال هي لنا أو فينا وفي الاكمال والغيبة
ان القائم عليه السلام لما تولد نطق بهذه الآية والقمي اخبر الله نبيه صلى الله عليه وآله بما
لقي موسى وأصحابه من فرعون من القتل والظلم ليكون تعزية له فيما يصيبه في أهل بيته
صلوات الله عليهم من أمته ثم بشره بعد تعزيته انه يتفضل عليهم بعد ذلك ويجعلهم خلفاء
في الأرض وأئمة على أمته ويردهم إلى الدنيا مع أعدائهم حتى ينتصفوا منهم فقال ونريد ان
نمن الآية قال ونرى فرعون وهامان وجنودهما يعني الذين غصبوا آل محمد
حقهم وقوله منهم أي من آل محمد ما كانوا يحذرون أي من القتل والعذاب
قال ولو كانت هذه الآية نزلت في موسى وفرعون لقال ونرى فرعون وهامان
وجنودهما منه ما كانوا يحذرون أي من موسى ولم يقل
منهم فلما تقدم قوله ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة علمنا أن
المخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله وبالجملة حمل الأخبار الواردة في ذلك على تفسير
الآية بضرب من التكلف واستشهد له بكلمات لهم (ع) لا دلالة فيها على مطلوبه والصواب
ان يحمل الأخبار على التأويل كما في ساير الأخبار الواردة في نظائرهن من الآيات ومعلوم
ان الضمير في منهم راجع إلى الذين استضعفوا يعني بني إسرائيل كساير الضماير في
الجوامع عن السجاد عليه السلام والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا ان الأبرار منا أهل البيت
وشيعتهم بمنزلة موسى وشيعته وان عدونا وأشياعهم بمنزلة فرعون وأشياعه
(7) وأوحينا إلى أم موسى ان ارضعيه ما أمكنك اخفاؤه فإذا خفت عليه الصوت
فالقيه في اليم في النيل ولا تخافي عليه ضيعة ولا شدة ولا تحزني لفراقه انا رادوه إليك عن
قريب بحيث تأمنين عليه وجاعلوه من المرسلين
(8) فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا تعليل لالتقاطهم إياه بما هو عاقبته
ومؤداه تشبيها له بالغرض الحامل عليه وقرء بضم الحاء والتسكين ان فرعون وهامان
وجنودهما كانوا خاطئين
81

(9) وقالت امرأة فرعون اي لفرعون حين أخرجته من التابوت قرة عين لي ولك هو
قرة عين لنا في المجمع عن ابن عباس قال فرعون قرة عين لك فاما لي فلا قال رسول الله
صلى الله عليه وآله والذي يحلف به لو أقر فرعون بأن يكون له قرة عين كما أقرت امرأته لهداه
الله به كما هداها ولكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه لا تقتلوه عسى ان ينفعنا فإن فيه مخايل
اليمن ودلائل النفع أو نتخذه ولدا ونتبناه فإنه أهل له وهم لا يشعرون انه الذي ذهب ملكهم
على يديه
(10) وأصبح فؤاد أم موسى فارغا صفرا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة ان
كادت لتبدى به انها كادت لتظهر بأمره وقصته
القمي عن الباقر عليه السلام كادت تخبر بخبره أو تموت ثم حفظت نفسها لولا أن
ربطنا على قلبها بالصبر والثبات لتكون من المؤمنين من المصدقين بوعد الله أو الواثقين
بحفظه
في الاكمال عن الباقر عليه السلام في حديث في بيان هذه القصة قال فلما خافت
عليه الصوت أوحى الله تعالى إليها ان اعملي التابوت ثم اجعليه فيه ثم اخرجيه ليلا
فاطرحيه في نيل مصر فوضعته في التابوت ثم دفعته في اليم فجعل يرجع إليها وجعلت
تدفعه في الغمر وان الريح ضربته فانطلقت به فلما رأته قد ذهب به الماء همت ان تصيح
فربط الله على قلبها
(11) وقالت لأخته قصيه اتبعي اثره وتتبعي خبره فبصرت به عن جنب عن بعد
وهم لا يشعرون انها تقص وانها أخته
(12) وحرمنا عليه المراضع ومنعناه ان يرتضع من المرضعات من قبل من قبل
قصصها اثره فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون لا يقصرون
في ارضاعه وتربيته
وفي الجوامع روي أنها لما قالت وهم له ناصحون قال هامان انها لتعرفه وتعرف أهله
قالت إنما أرادت وهم للملك ناصحون
82

(13) فرددناه إلى أمه كي تقر عينها بولدها ولا تحزن بفراقه ولتعلم ان وعد الله حق
علم مشاهدة ولكن أكثرهم لا يعلمون قد سبقت هذه القصة في حديث القمي عن الباقر
عليه السلام مفصلة في سورة طه وأوردها في الاكمال بأبسط منها
(14) ولما بلغ أشده في المعاني عن الصادق عليه السلام ثمان عشرة سنة واستوى
التحى اتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين
القمي عن الباقر عليه السلام في حديثه الذي سبق قال فلم يزل موسى عند فرعون
في أكرم كرامة حتى بلغ مبلغ الرجال وكان ينكر عليه ما يتكلم به موسى من التوحيد حتى هم
به فخرج موسى من عنده
وفي الاكمال عن الباقر عليه السلام قال وكانت بنو إسرائيل تطلب وتسأل عنه فعمي
عليهم خبره فبلغ فرعون انهم يطلبونه ويسألون عنه فأرسل إليهم وزاد عليهم في العذاب
وفرق بينهم ونهاهم عن الاخبار به والسؤال عنه قال فخرجت بنو إسرائيل ذات ليلة مقمرة
إلى شيخ لهم عنده علم فقالوا كنا نستريح إلى الأحاديث فحتى متى نحن في هذا البلاء قال
والله انكم لا تزالون فيه حتى يجئ الله بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن
عمران غلام طوال جعد فبينا هم كذلك إذ اقبل موسى يسير على بغلة حتى وقف عليهم فرفع
الشيخ رأسه فعرفه بالصفة فقال له ما اسمك قال موسى قال ابن من قال ابن عمران فوثب إليه
الشيخ فأخذ بيده فقبلها وثاروا إلى رجله فقبلوها فعرفهم وعرفوه واتخذ شيعة فمكث بعد
ذلك ما شاء الله ثم خرج
(15) ودخل المدينة مدينة من مدائن فرعون
كذا في العيون عن الرضا عليه السلام على حين غفلة من أهلها قالوا وذلك بين
المغرب والعشاء فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه أحدهما ممن
شايعه على دينه يعني من بني إسرائيل والآخر من مخالفيه يعني القبط
القمي في حديثه السابق قال أحدهما يقول بقول موسى والآخر يقول بقول فرعون
فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فسأله ان يغيثه بالإعانة ولذلك عدى بعلى
83

وقرء استعانه
في المجمع عن الصادق عليه السلام قال ليهنئكم الاسم قيل وما الاسم قال الشيعة
ثم تلا هذه الآية فوكزه موسى فضرب القبطي بجمع كفه فقضى عليه قيل اي فقتله واصله
انهى حياته من قوله وقضينا إليه ذلك الأمر
وفي العيون سئل الرضا عليه السلام عن هذه الآية مع أن الأنبياء معصومون فقال
فقضى عليه اي على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات قال هذا من عمل الشيطان
انه عدو مضل مبين قال عليه السلام يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله
موسى من قتله
(16) قال رب انى ظلمت نفسي قال (عليه السلام) يقول وضعت نفسي غير موضعها بدخول
هذه المدينة فاغفر لي قال (عليه السلام) يعني استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني فغفر له انه
هو الغفور الرحيم
(17) قال رب بما أنعمت على قال عليه السلام يعني من القوة حتى قتلت رجلا
بوكزة فلن أكون ظهيرا للمجرمين قال (عليه السلام) بل أجاهدهم في سبيلك بهذه القوة حتى
ترضى
في الاكمال في الحديث السابق قال وكان موسى (عليه السلام) قد أعطي بسطة في الجسم
وشدة في البطش قال فذكره الناس وشاع امره وقالوا ان موسى قتل رجلا من آل فرعون
(18) فأصبح في المدينة خائفا يترقب يترصد الاستفادة فإذا الذي استنصره
بالأمس يستصرخه يستغيثه على آخر قال له موسى انك لغوي مبين بين الغواية في حديث
العيون قال قال له قاتلت رجلا بالأمس وتقاتل هذا اليوم لأوذينك وأراد ان يبطش به
(19) فلما ان أراد ان يبطش بالذي هو عدو لهما لموسى والإسرائيلي لأنه لم يكن
على دينهما ولأن القبط كانوا أعداء لبني إسرائيل قال يا موسى أتريد ان تقتلني كما قتلت
نفسا بالأمس ان تريد الا أن تكون جبارا في الأرض متطاولا على الناس وما تريد أن تكون
من المصلحين بينهم في حديث قال قال وهو من شيعته
84

أقول: لعل المراد أن الإسرائيلي قال ذلك وكأنه لما سما غويا ظن أنه يبطش به
والقمي عن الباقر عليه السلام في حديثه السابق فلما كان من الغد جاء آخر فتشبث
بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى فاستغاث بموسى فلما نظر صاحبه إلى موسى قال له
أتريد ان تقتلني فخلى عن صاحبه وهرب
(20) وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى ان الملاء يأتمرون بك
يتشاورون بسببك وإنما سمى التشاور ايتمارا لأن كلا من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر
ليقتلوك فاخرج انى لك من الناصحين قيل هو مؤمن آل فرعون وكان ابن عم موسى والقمي
في حديثه السابق وكان خازن فرعون مؤمنا بموسى قد كتم ايمانه ستمأة سنة وهو الذي قال
الله عز وجل وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه قال وبلغ فرعون خبر قتل موسى
الرجل فطلبه ليقتله فبعث المؤمن إلى موسى ان الملاء يأتمرون بك ليقتلوك الآية
(21) فخرج منها خائفا يترقب لحوق طالب قال رب نجني من القوم الظالمين
خلصني منهم واحفظني من لحوقهم القمي في حديثه السابق قال يلتفت يمنة ويسرة ويقول
رب نجني من القوم الظالمين قال ومر نحو مدين وكان بينه وبين مدين مسيرة ثلاثة أيام
(22) ولما توجه تلقاء مدين قبالة مدين قرية شعيب قيل سميت باسم مدين بن
إبراهيم ولم يكن في سلطان فرعون قال عسى ربى ان يهديني سواء السبيل
في الاكمال في الحديث السابق فخرج من مصر بغير ظهر ولا دابة ولا خادم تخفظه
الأرض مرة وترفعه أخرى حتى انتهى إلى ارض مدين فانتهى إلى أصل شجرة فنزل فإذا
تحتها بئر
(23) ولما ورد ماء مدين اي البئر وجد عليه أمة من الناس جماعة كثيرة مختلفين
يسقون مواشيهم ووجد من دونهم في مكان أسفل من مكانهم امرأتين تذودان تمنعان
أغنامهما عن الماء لئلا تختلط بأغنامهم قال ما خطبكما ما شأنكما تذودان قالتا لا نسقي
حتى يصدر الرعاء يصرف الرعاة مواشيهم عن الماء حذرا عن مزاحمة الرجال وقرء يصدر
بفتح الياء وضم الدال اي ينصرف وأبونا شيخ كبير كبير السن لا يستطيع ان يخرج للسعي
85

فيرسلنا اضطرارا
(24) فسقى لهما مواشيهما رحمة عليهما
القمي في حديثه فلما بلغ ماء مدين رأى بئرا يستقي الناس منها لأغنامهم ودوابهم
فقعد ناحية ولم يكن اكل منذ ثلاثة أيام شيئا فنظر إلى جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا
تدنوان من البئر فقال لهما مالكما لا تستقيان فقالتا كما حكى الله فرحمهما موسى ودنا من
البئر فقال لمن على البئر استقى لي دلوا ولكم دلوا وكان الدلو يمده عشرة رجال فاستقى
وحده دلوا لمن على البئر ودلوا لبنتي شعيب وسقى أغنامهما
في الجوامع روي أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله الا سبعة
رجال وقيل عشرة وقيل أربعون فأقله وحده وسألهم دلوا فأعطوه دلوا لا ينزحها الا عشرة
فاستقى بها وحده مرة واحدة فروى غنمهما واصدرهما (1) ثم تولى إلى الظل في الاكمال في
حديثه إلى الشجرة فجلس فيها فقال رب انى لما أنزلت إلى من خير فقير
القمي في حديثه وكان شديد الجوع
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام سأل الطعام وفي نهج البلاغة والله
ما سأل الله عز وجل الا خبز يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ولقد كانت خضرة البقل ترى من
شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه
وفي الاكمال روي أنه قال ذلك وهو محتاج إلى شق تمرة
(25) فجائته إحديهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك ليكافيك
اجر ما سقيت لنا جزاء سقيك لنا القمي في حديثه فلما رجعت ابنتا شعيب (عليه السلام) إلى شعيب
(عليه السلام) قال لهما أسرعتما الرجوع فأخبرتاه بقصة موسى (عليه السلام) ولم تعرفاه فقال شعيب لواحدة
منهن اذهبي إليه فادعيه لنجزيه اجر ما سقى لنا فجاءت إليه كما حكى الله فقام موسى (عليه السلام)
معها ومشت امامه فسففتها الرياح فبان عجزها فقال موسى (عليه السلام) تأخري ودليني على
الطريق بحصاة تلقينها امامي اتبعها فأنا من قوم لا ينظرون في ادبار النساء فلما جائه وقص
86

عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين يريد فرعون وقومه
(26) قالت إحديهما يا أبت استأجره لرعي الغنم ان خير من استأجرت القوى
الأمين
القمي في حديثه فقال لها شعيب اما قوته فقد عرفته بأنه يستقي الدلو وحده فبم
عرفت أمانته فقالت إنه لما قال لي تأخري عني ودليني على الطريق فأنا من قوم لا ينظرون في
ادبار النساء عرفت انه ليس من الذين ينظرون اعجاز النساء فهذه أمانته
وفي الفقيه عن الكاظم عليه السلام قال قال لها شعيب يا بنية هذا قوي قد عرفته برفع
الصخرة والأمين من أين عرفتيه قالت يا أبت اني مشيت قدامه فقال امشي من خلفي فان
ضللت فارشديني إلى الطريق فأنا من قوم لا ننظر في ادبار النساء
وفي المجمع ما يقرب منه عن أمير المؤمنين عليه السلام
(27) قال إني أريد ان أنكحك احدى ابنتي هاتين على أن تأجرني (1) ثماني حجج
فان أتممت عشرا فمن عندك فاتمامه من عندك تفضلا لا من عندي الزاما عليك وما أريد ان
أشق عليك بالزام اتمام العشر ستجدني إن شاء الله من الصالحين في حسن المعاملة
ولين الجانب والوفاء بالمعاهدة
(28) قال ذلك بيني وبينك لا نخرج عنه أيما الأجلين أطولهما وأقصرهما قضيت
وفيتك إياه فلا عدوان على فلا تعتدي علي بطلب الزيادة والله على ما نقول من المشارطة
وكيل شاهد حفيظ
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله انه سئل اي الأجلين قضى قال أوفاهما
وأبطأهما وفي رواية وان سئلت اية الابنتين تزوج فقل الصغرى منهما وهي التي جاءت
وقالت يا أبت استأجره
وعن الصادق عليه السلام انه سئل أيتهما التي قالت إن أبي يدعوك قال التي تزوج بها
قيل فأي الأجلين قضى قال أوفاهما وأبعدهما عشر سنين قيل فدخل بها قبل ان يمضي
87

الشرط أو بعد انقضائه قال قبل ان ينقضي قيل فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة
شهرين أيجوز ذلك قال إن موسى علم أنه سيتم له شرطه قيل كيف قال علم أنه سيبقى حتى
يفي
والقمي عنه عليه السلام قال لا يحل النكاح اليوم في الإسلام بإجارة بأن يقول اعمل
عندك كذا وكذا سنة على أن تزوجني أختك أو ابنتك قال هو حرام لأنه ثمن رقبتها وهي أحق
بمهرها قال في الفقيه وفي حديث آخر إنما كان ذلك لموسى بن عمران لأنه علم من طريق
الوحي هل يموت قبل الوفاء أم لا فوفى بأتم الأجلين
وفي الاكمال عن النبي صلى الله عليه وآله ان يوشع بن نون وصي موسى عاش بعد
موسى ثلاثين سنة وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى فقال انا أحق منك بالامر
فقاتلها فقتل مقاتليها وأحسن أسرها
(29) فلما قضى موسى الأجل وسار باهله بامرأته انس من جانب الطور نارا أبصر
من الجهة التي تلي الطور
القمي في حديثه السابق أنه قال لشعيب لابد لي ان ارجع إلى وطني وأمي وأهل بيتي
فما لي عندك فقال شعيب (عليه السلام) ما وضعت أغنامي في هذه السنة من غنم بلق فهو لك
فعمد موسى عندما أراد ان يرسل الفحل على الغنم إلى عصاه فقشر منه بعضه وترك بعضه
وغرزه في وسط مربض الغنم والقى عليه كساء أبلق ثم ارسل الفحل على الغنم فلم تضع
الغنم في تلك السنة الا بلقا فلما حال عليه الحول حمل موسى امرأته وزوده شعيب من عنده
وساق غنمه فلما أراد الخروج قال لشعيب ابغي عصا يكون معي وكانت عصي الأنبياء عنده
قد ورثها مجموعة في بيت فقال له شعيب ادخل هذا البيت وخذ عصا من بين العصي فدخل
فوثبت إليه عصى نوح وإبراهيم وصارت في كفه فأخرجها ونظر إليها شعيب فقال ردها وخذ
غيرها فردها ليأخذ غيرها فوثبت إليه تلك بعينها فردها حتى فعل ذلك ثلاث مرات فلما رأى
شعيب (عليه السلام) ذلك قال له اذهب فقد خصك الله عز وجل بها فساق غنمه فخرج يريد مصرا فلما
صار في مفازة ومعه أهله أصابهم برد شديد وريح وظلمة وجنهم الليل فنظر موسى إلى نار قد
ظهرت كما قال الله تعالى فلما قضى موسى الأجل الآية قال لأهله امكثوا انى آنست نارا
88

لعلى آتيكم منها بخبر بخبر الطريق
في المجمع عن الباقر عليه السلام لما قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت
المقدس أخطأ الطريق ليلا فرأى نارا قال لأهله امكثوا انى آنست نارا أو جذوة عود غليظ
وقرء بالفتح والضم من النار لعلكم تصطلون تستدفؤون بها
(30) فلما اتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن قيل من الشاطئ الأيمن لموسى
في البقعة المباركة
في التهذيب عن الصادق عليه السلام شاطئ الوادي الأيمن الذي ذكره الله تعالى
في القرآن هو الفرات والبقعة المباركة هي كربلاء من الشجرة قيل كانت نابتة على
الشاطئ ان يا موسى انى انا الله رب العالمين هذا وان خالف ما في طه والنمل لفظا فلا
يخالفه في المعنى
(31) وان الق عصاك فلما رآها تهتز اي فألقاها فصارت ثعبانا واهتزت فلما رآها
تهتز كأنها جان حية في الهيئة والجثة أو في السرعة ولى مدبرا منهزما من الخوف ولم يعقب
ولم يرجع يا موسى نودي يا موسى اقبل ولا تخف انك من الآمنين من المخاوف فإنه لا
يخاف لدي المرسلون القمي في الحديث الذي سبق قال فأقبل نحو النار يقتبس فإذا شجرة
ونار تلتهب عليها فلما ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت إليه ففزع وعدا ورجعت النار إلى
الشجرة فالتفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة فرجع الثانية ليقتبس فأهوت نحوه فعدا
وتركها ثم التفت وقد رجعت إلى الشجرة فرجع إليها الثالثة فأهوت إليه فعدا ولم يعقب اي
لم يرجع فناداه الله عز وجل ان يا موسى انى انا الله رب العالمين قال موسى فما الدليل على
ذلك قال الله عز وجل ما في يمينك يا موسى قال هي عصاي قال القها يا موسى فألقاها فإذا
هي حية تسعى ففزع منها موسى وعدا فناداه الله عز وجل خذها ولا تخف انك من الآمنين
(32) اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء قال اي من غير علة وذلك أن
موسى كان شديد السمرة فأخرج يده من جيبه فأضاءت له الدنيا واضمم إليك جناحك من
الرهب وقرء بضم الراء وبفتحتين ولعل ذلك لاخفاء الخوف عن العدو أو لتسكينه بناء على
ما يقال إن الخوف يسكن بوضع اليد على الصدر فذانك وقرء بتشديد النون برهانان حجتان
89

من ربك مرسلا بهما إلى فرعون وملائه انهم كانوا قوما سوء فاسقين
(33) قال رب انى قتلت منهم نفسا فأخاف ان يقتلون بها
(34) وأخي هارون هو افصح منى لسانا فأرسله معي ردءا معينا وقرء بغير همز
يصدقني بتخليص الحق وتقرير الحجة وتزييف الشبهة وقرء مجزوما انى أخاف ان يكذبون
ولساني لا يطاوعني عند المحاجة
(35) قال سنشد عضدك بأخيك سنقويك به ونجعل لكما سلطانا غلبة فلا
يصلون اليكما باستيلاء بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون
(36) فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا الا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في
آبائنا الأولين
(37) وقال وقرء بغير واو موسى ربى اعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له
عاقبة الدار العاقبة المحمودة لدار الدنيا التي هي الجنة لأنها خلقت مجازا إلى الآخرة وقرء
يكون بالياء انه لا يفلح الظالمون لا يفوزون بالهدى في الدنيا وحسن العاقبة في العقبى
(38) وقال فرعون يا أيها الملا ما علمت لكم من اله غيري نفي علمه بإله غيره دون
وجوده كأنه كان شاكا فيه ولذا امر ببناء الصرح
قيل في تفسير الكلبي عن ابن عباس ان جبرئيل قال لرسول الله يا محمد لو رأيتني
وفرعون يدعو بكلمة الاخلاص آمنت انه لا اله الا الذي آمنت به بنو إسرائيل وانا من
المسلمين وانا أدسه في الماء والطين لشدة غضبي عليه مخافة ان يتوب فيتوب الله عز وجل
عليه قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وما كان شدة غضبك عليه يا جبرئيل قال لقوله انا
ربكم الاعلى وهي كلمته الآخرة منهما وإنما قالها حين انتهى إلى البحر وكلمته الأولى ما
علمت لكم من إله غيري فكان بين الأولى والآخرة أربعون سنة فأوقد لي يا هامان على
الطين فاجعل لي صرحا لعلى اطلع إلى اله موسى وانى لأظنه من الكاذبين
القمي في حديثه السابق فبنى هامان له في الهواء صرحا حتى بلغ مكانا في الهواء لا
يتمكن الانسان ان يقوم عليه من الرياح القائمة في الهواء فقال لفرعون لا نقدر ان نزيد على
90

هذا فبعث الله عز وجل رياحا فرمت به فاتخذ فرعون وهامان عند ذلك التابوت وعمدا إلى
أربعة انسر فأخذا افراخها وربياها حتى إذا بلغت القوة وكبرت عمد إلى جوانب التابوت
الأربعة فغرزا في كل جانب منه خشبة وجعلا على رأس كل خشبة لحما وجوعا الانسر وشدا
ارجلها بأصل الخشبة فنظرت الانسر إلى اللحم فأهوت إليه وصفقت بأجنحتها وارتفعت
بهما في الهواء وأقبلت تطير يومها فقال فرعون لهامان انظر إلى السماء هل بلغناها فنظر
هامان فقال أرى السماء كما كنت أراها من الأرض في البعد فقال انظر إلى الأرض فقال لا
أرى الأرض ولكن أرى البحار والماء قال فلم يزل النسر يرتفع حتى غابت الشمس وغابت
عنهما البحار والماء فقال فرعون يا هامان انظر إلى السماء فنظر إلى السماء فقال أراها كما
كنت أراها من الأرض فلما جنهم الليل نظر هامان إلى السماء فقال فرعون هل بلغناها قال
أرى الكواكب كما كنت أراها من الأرض ولست أرى من الأرض الا الظلمة قال ثم حالت
الرياح القائمة في الهواء فأقبلت التابوت بهما فلم يزل يهوى بهما حتى وقع على الأرض
وكان فرعون أشد ما كان عتوا في ذلك الوقت
(39) واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق بغير الاستحقاق قال الله تعالى
الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار ولا أبالي وظنوا
انهم الينا لا يرجعون بالنشور وقرء بفتح الياء وكسر الجيم
(40) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم كما مر بيانه وفيه فخامة وتعظيم لشأن الآخذ
واستحقار للمأخوذين كأنه اخذهم مع كثرتهم في كف وطرحهم في اليم فانظر كيف كان
عاقبة الظالمين
(41) وجعلناهم أئمة قدوة للضلال يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون بدفع
العذاب عنهم
في الكافي عن الصادق عليه السلام ان الأئمة في كتاب الله امامان قال الله تبارك
وتعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لا بأمر الناس يقدمون أمر الله قبل أمرهم وحكم
الله قبل حكمهم قال وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار يقدمون أمرهم قبل أمر الله
وحكمهم قبل حكم الله ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عز وجل
91

(42) واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة طردا عن الرحمة ويوم القيمة هم من المقبوحين
ممن قبح وجوههم
(43) ولقد اتينا موسى الكتاب التوراة من بعد ما أهلكنا القرون الأولى أقوام نوح
وهود وصالح ولوط
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا أمة ولا أهل
قرية بعذاب من السماء منذ انزل التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية التي مسخوا قردة
ألم تر ان الله تعالى قال ولقد آتينا موسى الكتاب الآية بصائر للناس وهدى ورحمة
لعلهم يتذكرون
(44) وما كنت بجانب الغربي بجانب جبل الطور الغربي حيث كلم الله فيه موسى
إذ قضينا أوحينا إلى موسى الامر وكلمناه وما كنت من الشاهدين لتكليمه
(45) ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر فحرفت الأخبار وتغيرت الشرايع
واندرست العلوم فأوحينا إليك وما كنت ثاويا مقيما في أهل مدين وهم شعيب والمؤمنون
به تتلو عليهم قيل يعني فتقرأ على أهل مكة آياتنا التي فيها قصتهم ولكنا كنا مرسلين إياك
ومخبرين لك بها
(46) وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك ولكن علمناك رحمة
لتنذر قوما ما اتيهم من نذير من قبلك لوقوعهم في فترة بينك وبين من تقدمك من الأنبياء
لعلهم يتذكرون يتعظون
في العيون عن النبي صلى الله عليه وآله لما بعث الله عز وجل موسى بن عمران
واصطفاه نجيا وفلق له البحر ونجى بني إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح رأى مكانه من ربه
عز وجل فقال رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا من قبلي فقال الله جل جلاله يا موسى
اما علمت أن محمدا أفضل عندي من جميع ملائكتي وجميع خلقي قال موسى يا رب فإن كان
محمد أكرم عندك من جميع خلقك فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي قال الله جل جلاله يا
92

موسى اما علمت أن فضل آل محمد صلوات الله عليهم على جميع آل النبيين كفضل محمد
صلى الله عليه وآله على جميع المرسلين فقال موسى يا رب فإن كان آل محمد صلوات الله
عليهم كذلك فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من أمتي ظللت عليهم الغمام وأنزلت عليهم
المن والسلوى وفلقت لهم البحر فقال الله عز وجل يا موسى اما علمت أن فضل أمة محمد
صلى الله عليه وآله على جميع الأمم كفضله على جميع خلقي قال موسى (عليه السلام) يا رب ليتني
كنت أراهم فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى لن تراهم وليس هذا أوان ظهورهم ولكن سوف
تراهم في الجنان جنات عدن والفردوس بحضرة محمد صلى الله عليه وآله في نعيمها
يتقلبون وفي حيرانها يتبجحون أفتحب ان أسمعك كلامهم قال نعم الهي قال الله جل
جلاله قم بين يدي واشدد ميزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ففعل ذلك
موسى فنادى ربنا عز وجل يا أمة محمد فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم وأرحام
أمهاتهم لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك
قال فجعل الله عز وجل تلك الإجابة شعارا لحاج ثم نادى ربنا عز وجل يا أمة محمد ان
قضائي عليكم ان رحمتي سبقت غضبي وعفوي قبل عقابي فقد استجبت لكم قبل ان
تدعوني وأعطيتكم من قبل أن تسألوني من لقيني بشهادة ان لا إله الا الله وحده لا شريك له
وان محمدا عبده ورسوله صادق في أقواله محق في افعاله وان علي بن أبي طالب عليه
السلام أخوه ووصيه من بعده ووليه، ويلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد
(صلى الله عليه وآله وسلم) وان أوليائه المصطفين الطاهرين المطهرين المثابين العجائب آيات الله
ودلائل حجج الله من بعدهما أوليائه ادخله جنتي وان كانت ذنوبه مثل زبد البحر قال
فلما بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وآله قال يا محمد ما كنت بجانب الطور
نادينا أمتك بهذه الكرامة ثم قال عز وجل لمحمد صلى الله عليه وآله قل الحمد لله رب
العالمين على ما اختصني به من هذه الفضيلة وقال لأمته قولوا الحمد لله
رب العالمين على ما اختصنا به من هذه الفضائل
(47) ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت الينا رسولا
فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين جوابه محذوف يعني لولا قولهم إذا اصابتهم عقوبة بسبب
كفرهم ومعاصيهم ربنا هلا أرسلت الينا رسولا يبلغنا آياتك فنتبعها ونكون من المصدقين ما
أرسلناك اي إنما أرسلناك قطعا لعذرهم والزاما للحجة عليهم
93

(48) فلما جائهم الحق من عندنا قالوا لولا اوتى مثل ما اوتى موسى من
الكتاب جملة واليد والعصا وغيرهما اقتراحا وتعنتا أولم يكفروا بما اوتى موسى من
قبل يعني باناء جنسهم في الرأي والمذهب وهم كفرة زمان موسى قالوا ساحران قيل
يعني موسى (عليه السلام) ومحمد صلى الله عليه وآله والقمي قال موسى وهارون وقرء سحران
مبالغة أو يعنون بهما التوراة والقرآن تظاهرا تعاونا بتوافق الكتابين أو باظهار تلك
الخوارق وقالوا انا بكل منهما أو بكل من الأنبياء كافرون
(49) قل فاتوا بكتاب من عند الله هو اهدى منهما مما نزل على موسى وعلي
اتبعه ان كنتم صادقين
(50) فإن لم يستجيبوا لك فاعلم إنما يتبعون أهوائهم إذ لو اتبعوا حجة لأتوا
بها ومن أضل ممن اتبع هواه استفهام بمعنى النفي بغير هدى من الله
في الكافي عن الكاظم عليه السلام في هذه الآية قال يعني من اتخذ دينه راية
بغير امام من أئمة الهدى
وفي البصائر عن الصادق (عليه السلام) مثله ان الله لا يهدى القوم الظالمين الذين ظلموا
أنفسهم بانهماكهم في اتباع الهوى
(51) ولقد وصلنا لهم القول اتبعنا بعضه بعضا في الانزال ليتصل التذكير أو
في النظم لتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد والنصايح بالعبر
في الكافي عن الكاظم عليه السلام امام إلى امام
والقمي عن الصادق عليه السلام اما من بعد امام لعلهم يتذكرون فيطيعون
(52) الذين اتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون قيل نزلت في مؤمني أهل الكتاب
(53) وإذا يتلى عليهم قالوا امنا به اي بأنه كلام الله انه الحق من ربنا انا كنا من
قبله مسلمين لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة
94

(54) أولئك يؤتون اجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤن بالحسنة السيئة
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال بما صبروا على التقية وقال الحسنة
التقية والسيئة الإذاعة والقمي قال هم الأئمة عليهم السلام قال وقال الصادق عليه
السلام نحن صبر وشيعتنا اصبر منا وذلك انا صبرنا على ما نعلم وصبروا على ما لا
يعلمون قال وقوله ويدرؤن بالحسنة السيئة اي يدفعون سيئة من أساء إليهم بحسناتهم
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله اتبع الحسنة السيئة تمحها ومما رزقناهم
ينفقون في سبيل الخير
(55) وإذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه تكرما القمي قال اللغو الكذب واللهو والغناء
قال وهم الأئمة عليهم السلام يعرضون عن ذلك كله وقالوا للاغين لنا اعمالنا ولكم اعمالكم
سلام عليكم متاركة لهم وتوديعا لا نبتغي الجاهلين لا نطلب صحبتهم ولا نريدها
(56) انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو اعلم بالمهتدين
القمي قال نزلت في أبي طالب كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يا عم قل لا إله
الا الله انفعك بها يوم القيامة فيقول يا ابن أخي انا اعلم بنفسي فلما مات شهد العباس
ابن عبد المطلب عند رسول الله صلى الله عليه وآله انه تكلم بها عند الموت فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله اما انا فلم اسمعها منه وأرجو ان أنفعه يوم القيامة وقال لو
قمت المقام المحمود لشفعت في أمي وأبي وعمي واخ كان لي مواخيا في الجاهلية
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام ان مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسروا
الايمان وأظهروا الشرك فأتاهم الله اجرهم مرتين
أقول: إنما أسر الايمان واظهر الشرك ليكون أقدر على نصرة النبي صلى الله
عليه وآله كما يستفاد من اخبار اخر
وعنه عليه السلام قيل له انهم يزعمون أن أبا طالب عليه السلام كان كافرا فقال
كذبوا كيف يكون كافرا وهو يقول
ألم تعلموا انا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب
95

وفي حديث آخر كيف يكون أبو طالب كافرا وهو يقول لقد علموا ان ابننا لا
يكذب: لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل * وابيض يستسقي الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
أقول: خط في أول الكتب اي هذا الحكم مثبت في الكتاب الأول اي اللوح
المحفوظ والأبيض الرجل النقي العرض والثمال ككتاب الغياث الذي يقوم بأمر قومه
والأرملة من لا زوج لها من النساء
وعن الكاظم عليه السلام انه سئل أكان رسول الله صلى الله عليه وآله محجوجا
بأبي طالب فقال لا ولكنه كان مستودعا للوصايا فدفعها إليه صلى الله عليه وآله قيل
فدفع إليه الوصايا على أنه محجوج به فقال لو كان محجوجا به ما دفع إليه الوصية قيل
فما كان حال أبي طالب قال أقر بالنبي صلى الله عليه وآله وبما جاء به ودفع إليه
الوصايا ومات من يومه
أقول: معنى محجوجا بابي طالب ان أبا طالب كان حجة عليه قبل ان يبعث
وأريد بالوصايا وصايا الأنبياء عليهم السلام على أنه محجوج به يعني على أن يكون
النبي صلى الله عليه وآله حجة عليه ويعني بقوله ما دفع إليه الوصية ان الوصية إنما
تنتقل ممن له التقدم
وعن الصادق عليه السلام قال لما توفى أبو طالب نزل جبرئيل على رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال يا محمد اخرج من مكة فليس لك بها ناصر وثارت قريش
بالنبي صلى الله عليه وآله فخرج هاربا حتى جاء إلى جبل مكة يقال له الحجون فصار
إليه
وعنه عليه السلام قال قال نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه
وآله فقال يا محمد ان ربك يقرؤك السلام ويقول اني قد حرمت النار على صلب
أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب
والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب وزاد في
رواية وفاطمة بنت أسد
96

وفي بشارة المصطفى عنه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال كان
ذات يوم جالسا بالرحبة والناس مجتمعون فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين انك
بالمكان الذي أنزلك الله به وأبوك يعذب بالنار فقال له مه فض الله فاك والذي بعث
محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله تعالى فيهم
لأبي يعذب بالنار وابنه قسيم النار ثم قال والذي بعث محمدا بالحق ان نور أبي طالب
يوم القيامة ليطفي أنوار الخلق الا خمسة أنوار نور محمد ونوري ونور فاطمة ونوري
الحسن والحسين ومن ولده من الأئمة عليهم السلام لأن نوره من نورنا الذي خلقه الله
عز وجل من قبل خلق آدم بألفي عام
وفي المجمع قد ذكرنا في سورة الأنعام ان أهل البيت عليهم السلام قد
اجمعوا على أن أبا طالب مات مسلما وتظاهرت الروايات بذلك عنهم عليهم السلام
وأوردنا هناك طرفا من اشعاره الدالة على تصديقه للنبي صلى الله عليه وآله وتوحيده
فان استيفاء جميعه لا يسع له الطوامير وما روي من ذلك في كتب المغازي وغيرها
أكثر من أن يحصى يكاشف فيها من كاشف النبي صلى الله عليه وآله ويناضل عنه
ويصحح نبوته وقال بعض الثقات قصايده في هذا المعنى التي تنفث في عقد السحر
وتغبر في وجه الدهر تبلغ قدر مجلد وأكثر من هذا ولا شك في أنه لم يختبر تمام
مجاهرة الأعداء استصلاحا لهم وحسن تدبير في دفع كيادهم لئلا يجلؤ الرسول إلى
ما ألجؤه إليه بعد موته
(57) وقالوا ان نتبع الهدى معك نتخطف من ارضنا نخرج منها
القمي قال نزلت في قريش حين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى
الإسلام والهجرة ورواه ابن طاوس عن أمير المؤمنين عليه السلام
وفي روضة الواعظين عن السجاد عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قال
والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الأمر الأبيض والأسود ومن على رؤوس الجبال
ولجج البحار ولادعون إليه فارس والروم فجبرت قريش واستكبرت وقالت لأبي طالب
اما تسمع إلى ابن أخيك ما يقول والله لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا من
97

ارضنا ولقلعت الكعبة حجرا حجرا فأنزل الله تعالى هذه الآية أولم نمكن لهم حرما
آمنا أولم نجعل مكانهم حرما ذا أمن بحرمة البيت يجبى إليه يحمل إليه ويجمع فيه
وقرء بالتاء ثمرات كل شئ من كل اوب رزقا من لدنا فإذا كان هذا حالهم وهم عبدة
الأصنام فكيف نعرضهم للتخوف وللتخطف إذا كانوا موحدين ولكن أكثرهم لا
يعلمون جهلة لا يتفطنون له
(58) وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها وكم من أهل قرية كانت حالهم
كحالكم في الامن وخفض العيش حتى اشروا فدمر الله به عليهم وخرب ديارهم
فتلك مساكنهم خاوية لم تسكن من بعدهم الا قليلا من شوم معاصيهم وكنا نحن الوارثين
(59) وما كان ربك وما كانت عادته مهلك القرى حتى يبعث في أمها في
أصلها لأن أهله تكون أفطن وأنبل رسولا يتلو عليهم آياتنا لالزام الحجة وقطع
المعذرة وما كنا مهلكي القرى الا وأهلها ظالمون بتكذيب الرسل والعتو في الكفر
(60) وما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها تتمتعون وتتزينون به مدة
حياتكم المنقضية وما عند الله وهو ثوابه خير من ذلك لأنه لذة خالصة وبهجة كاملة
وأبقى لأنه ابدي أفلا تعقلون فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير وقرء بالتاء
(61) أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا وزينتها
الذي هو مشوب بالآلام مكدر بالمتاعب مستعقب للتحسر على الانقطاع ثم هو يوم
القيمة من المحضرين للحساب أو العذاب وهذه الآية كالنتيجة للتي قبلها
(62) ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون تزعمونهم
شركائي
(63) قال الذين حق عليهم القول اي قوله لأملأن جهنم من الجنة والناس
أجمعين وغيره من آيات الوعيد ربنا هؤلاء الذين أغوينا اي هؤلاء هم الذين أغويناهم
أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك منهم ومما اختاروهم من الكفر ما كانوا إيانا
يعبدون وإنما يعبدون أهواءهم
98

(64) وقيل ادعوا شركائكم فدعوهم من فرط الحيرة فلم يستجيبوا لهم
لعجزهم عن الإجابة والنصرة ورأوا العذاب وانهم كانوا يهتدون لوجه من الحيل
يدفعون به العذاب أولو للتمني اي تمنوا انهم كانوا مهتدين
(65) ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين
(66) فعميت عليهم الانباء يومئذ لا تهتدي إليهم واصله فعموا عن الانباء لكنه
عكس مبالغة ودلالة على أن ما يحضر الذهن إنما يرد عليه من خارج فإذا أخطأ لم
يكن له حيلة إلى استحضاره فهم لا يتسائلون لا يسأل بعضهم بعضا عن الجواب
(67) فاما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين عسى
تحقيق على عادة الكرام أو لترجي من التائب بمعنى فليتوقع ان يفلح
القمي ان العامة قد رووا ان ذلك يعني النداء في القيامة واما الخاصة
فعن الصادق عليه السلام قال إن العبد إذا دخل قبره وفزع منه يسأل عن النبي
صلى الله عليه وآله فيقال له ماذا تقول في هذا الرجل الذي كان بين أظهركم فإن كان
مؤمنا قال اشهد أنه رسول الله جاء بالحق فيقال له ارقد رقدة لا حلم فيها ويتنحى عنه
الشيطان ويفسح له في قبره سبعة اذرع ويرى مكانه من الجنة وإذا كان كافرا قال ما
أدري فيضرب ضربة يسمعها كل من خلق الله الا الإنسان ويسلط عليه الشيطان وله
عينان من نحاس أو نار تلمعان كالبرق الخاطف فيقول له انا أخوك ويسلط عليه
الحيات والعقارب ويظلم عليه قبره ثم يضغطه ضغطة تختلف أضلاعه عليه ثم قال
عليه السلام بأصابعه فشرجها
(68) وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة اي التخير كالطيرة
بمعنى التطير يعني ليس لأحد من خلقه ان يختار عليه أوليس لأحد ان يختار شيئا الا
بقدرته ومشيته واختياره سبحان الله تنزيها له ان ينازعه أحد أو يزاحم اختياره وتعالى
عما يشركون عن اشراكهم
القمي قال يختار الله عز وجل الإمام وليس لهم ان يختاروا
99

وفي الكافي والمجالس عن الرضا عليه السلام في حديث فضل الإمام وصفته
قال هل تعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم إلى أن قال لقد
راموا صعبا وقالوا افكا وضلوا ضلالا بعيدا ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة
وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل وما كانوا مستبصرين رغبوا عن اختيار
الله واختيار رسول الله إلى اختيارهم والقرآن يناديهم وربك يخلق ما يشاء ويختار لهم
الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون وقال عز وجل وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا
قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم
وفي الاكمال عن القائم عليه السلام انه سئل عن العلة التي تمنع القوم من اختيار
الإمام لأنفسهم قال مصلح أم مفسد قيل مصلح قال فهل يجوز ان تقع خيرتهم على
المفسد بعد ان لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد قيل بلى قال فهي
العلة وأوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك ثم قال عليه السلام اخبرني عن الرسل الذين
اصطفاهم الله عز وجل وانزل عليهم الكتاب وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم اعلام
الأمم واهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى هل يجوز مع وفور عقلهم إذ هما
بالاختيار ان يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان انهما مؤمن قيل لا قال هذا موسى
كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي إليه اختار من أعيان قومه ووجوه
عسكره لميقات ربه عز وجل سبعين رجلا ممن لا يشك في ايمانهم واخلاصهم فوقع
خيرته على المنافقين قال الله عز وجل واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا إلى
قوله لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فلما وجدنا اختيار
من قد اصطفاه الله عز وجل للنبوة واقعا على الافسد دون الأصلح وهو يظن أنه
الأصلح دون الأفسد علمنا أن الاختيار لا يجوز ان يقع الا ممن يعلم ما تخفي الصدور
وتكن الضماير وتنصرف إليه السرائر وان لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد
وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا الصلاح
أقول: هذه الأخبار تدل على التفسير الأول للآية
ويدل في التفسير الثاني ما روي في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام
100

في كلام له قال وتعلم أن نواصي الخلق بيده فليس لهم نفس ولحظة الا بقدرته
ومشيته وهم عاجزون عن اتيان أقل شئ في مملكته الا باذنه وارادته قال الله تعالى
وربك يخلق ما يشاء ويختار الآية
(69) وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون القمي قال ما عزموا عليه
من الاختيار
أقول: وعلى التفسير الأول يجوز أن يكون المعنى وربك هو الذي يعلم ما
تكنه الصدور وتخفيه الضماير دون غيره فله ان يختار للنبوة والإمامة وغيرهما دونهم
ولعله إلى هذا المعنى أشير في أواخر حديث الاكمال بقوله علمنا أن الاختيار لا يجوز
ان يقع الا ممن يعلم ما تخفي الصدور وتكن الضماير وتنصرف إليه السرائر
(70) وهو الله المستحق للعبادة لا إله إلا هو لا أحد يستحقها الا هو له الحمد
في الأولى والآخرة لأنه المولى للنعم كلها عاجلها وآجلها يحمده المؤمنون في
الآخرة كما حمدوه في الدنيا بقولهم الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن الحمد لله
الذي صدقنا وعده ابتهاجا بفضله والتذاذا بحمده وله الحكم القضاء النافذ في كل
شئ واليه ترجعون بالنشور
(71) قل أرأيتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيمة من اله غير
الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون سماع تدبر واستبصار
(72) قل أرأيتم ان جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيمة من اله غير
الله يأتيكم بليل تسكنون فيه استراحة عن متاعب الأشغال أفلا تبصرون ولعله لم
يصف الضياء بما يقابله لأن الضوء نعمة في ذاته مقصود بنفسه ولا كذلك الليل ولأن
منافع الضوء أكثر مما يقابله ولذلك قرن به أفلا تسمعون وبالليل أفلا تبصرون لأن
استفادة العقل من السمع أكثر من استفادته من البصر
(73) ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه في الليل ولتبتغوا من
فضله في النهار بأنواع المكاسب ولعلكم تشكرون
101

ولكي تعرفوا نعمة الله في ذلك فتشكروه عليها
(74) ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون تقريع بعد تقريع
للاشعار بأنه لا شئ اجلب لغضب الله من الاشراك به ولأن الأول لتقرير فساد
رأيهم والثاني لبيان انه لم يكن عن برهان
(75) ونزعنا وأخرجنا من كل أمة شهيدا يشهد عليهم بما كانوا عليه
القمي عن الباقر عليه السلام يقول من كل فرقة من هذه الأمة امامها فقلنا
للأمم هاتوا برهانكم على صحة ما تتدينون به فعلموا حينئذ ان الحق لله وضل
عنهم وغاب عنهم غيبة الضايع ما كانوا يفترون من الباطل
(76) ان قارون كان من قوم موسى قيل كان ابن عمه يصهر بن فاحث بن
لاوي وكان ممن آمن به
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام وهو ابن خالته ولا تنافي بين الخبرين
فبغى عليهم فطلب الفضل عليهم فتكبر واتيناه من الكنوز من الأموال المدخرة ما
ان مفاتحه مفاتيح صنادقه جمع مفتح بالكسر لتنؤا بالعصبة لثقل الجماعة الكثيرة
أولى القوة
القمي العصبة ما بين العشرة إلى تسعة عشرة قال كان يحمل مفاتيح خزائنه
العصبة أولوا القوة إذ قال له قومه لا تفرح لا تبطر ان الله لا يحب الفرحين
اي بزخارف، الدنيا في الخصال عن الصادق عن أبيه عليهما السلام أوحى الله تعالى
إلى موسى عليه السلام لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كل حال فان كثرة
ذكري تنسي الذنوب وترك ذكري يقسي القلوب
وفي التوحيد عنه عليه السلام ان كانت العقوبة عن الله تعالى حقا فالفرح
لماذا
(77) وابتغ فيما اتاك الله من الغنى الدار الآخرة بصرفه فيما يوجبها لك ولا
تنس ولا تترك تصيبك من الدنيا
102

في المعاني عنه عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال لا
تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك ان تطلب بها الآخرة وأحسن إلى
عباد الله كما أحسن الله إليك فيما أنعم الله عليك أو أحسن الشكر والطاعة كما أحسن
الله إليك بالانعام ولا تبغ الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين
في مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام فساد الظاهر من فساد الباطن
ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن خان الله في السر هتك الله سره في
العلانية وأعظم الفساد ان يرضى العبد بالغفلة عن الله تعالى إذ هذا الفساد يتولد من
طول الأمد والحرص والكبر كما اخبر الله تعالى في قصة قارون في قوله ولا تبغ
الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين وكانت هذه الخصال من صنع قارون
واعتقاده واصلها من حب الدنيا وجمعها ومتابعة النفس وهواها وإقامة شهواتها وحب
المحمدة وموافقة الشيطان واتباع خطراته وكل ذلك مجتمع تحت الغفلة عن الله
ونسيان منته
(78) قال إنما أوتيته على علم عندي
القمي يعني ماله وكان يعمل الكيميا أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من
القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون
القمي لا يسئل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء
(79) فخرج على قومه في زينته القمي في الثياب المصبغات يجرها
بالأرض وقيل إنه خرج على بغلة شهباء عليه الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه
أربعة آلاف على زيه قال الذين يريدون الحياة الدنيا على ما هو عادة الناس من
الرغبة فيها يا ليت لنا مثل ما اوتى قارون تمنوا مثله لا عينه حذرا عن الحسد انه لذو
حظ عظيم من الدنيا
(80) وقال الذين أوتوا العلم بأحوال الآخرة للمتمنين
القمي قال لهم الخالص من أصحاب موسى ويلكم ثواب الله خير لمن آمن
103

وعمل صالحا مما أوتي قارون بل من الدنيا وما فيها ولا يلقها اي هذه الكلمة التي
تكلم بها العلماء الا الصابرون على الطاعات وعن المعاصي
(81) فخسفنا به وبداره الأرض في مناهي الفقيه ونهى ان يختال الرجل في
مشيه وقال من لبس ثوبا فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنم وكان قرين قارون
لأنه أول من اختال فخسف الله به وبداره الأرض فما كان له من فئة أعوان ينصرونه
من دون الله فيدفعون عنه عذابه وما كان من المنتصرين الممتنعين منه روي أن
موسى بأهله بأخيه هارون وبنيه فخسف به وبأهله وماله ومن وازره من قومه
والقمي وكان سبب هلاك قارون انه لما اخرج موسى (عليه السلام) بني إسرائيل من
مصر وأنزلهم البادية انزل الله عليهم المن والسلوى إلى أن قال ففرض الله عليهم
دخول مصر وحرمها عليهم أربعين سنة وكانوا يقومون من أول الليل ويأخذون في
قراءة التوراة والدعاء والبكاء وكان قارون منهم وكان يقرء التوراة ولم يكن فيهم
أحسن صوتا منه وكان يسمى المنون لحسن قراءته وكان يعمل الكيميا فلما طال
الأمر على بني إسرائيل في التيه والتوبة وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم في
التوبة وكان موسى (عليه السلام) يحبه فدخل عليه موسى فقال له يا قارون قومك في التوبة
وأنت قاعد ههنا ادخل معهم والا ينزل بك العذاب فاستهان به واستهزء بقوله فخرج
موسى من عنده مغتما فجلس في فناء قصره وعليه جبة شعر وفي رجله نعلان من
جلد حمار شراكهما من خيوط شعر بيده العصا فأمر قارون ان يصب عليه رماد قد
خلط بالماء فصب عليه فغضب موسى (عليه السلام) غضبا شديدا وكان في كتفه شعرات كان
إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم فقال موسى (عليه السلام) يا رب ان لم تغضب لي
فلست لك بنبي فأوحى الله عز وجل إليه قد أمرت الأرض ان تطيعك فمرها بما
شئت وقد كان قارون قد امر ان يغلق باب القصر فأقبل موسى فأومى إلى الأبواب
فانفرجت ودخل عليه فلما نظر إليه قارون علم أنه قد أوتي بالعذاب فقال يا موسى
أسئلك بالرحم الذي بيني وبينك فقال له موسى يا ابن لاوي لا تزدني من كلامك يا
ارض خذيه فدخل القصر بما فيه في الأرض ودخل قارون في الأرض إلى ركبتيه
فبكى وحلفه بالرحم فقال له موسى يا ابن لاوي لا تزدني من كلامك يا ارض خذيه
104

فابتلعته بقصره وخزائنه وهذا ما قال موسى لقارون يوم أهلكه الله عز وجل فعيره الله
عز وجل بما قاله لقارون فعلم موسى (عليه السلام) ان الله تبارك وتعالى قد عيره بذلك فقال يا
رب ان قارون دعاني بغيرك ولو دعاني بك لأجبته فقال الله عز وجل يا ابن لاوي ولا
تزدني من كلامك فقال موسى يا رب لو علمت أن ذلك لك رضى لأجبته فقال الله يا
موسى وعزتي وجلالي وجودي ومجدي وعلو مكاني لو أن قارون كما دعاك دعاني
لأجبته ولكنه لما دعاك وكلته إليك يا ابن عمران لا تجزع من الموت فاني كتبت
الموت على كل نفس وقد مهدت لك مهادا لو قد وردت عليه لقرت عيناك فخرج
موسى (عليه السلام) إلى جبل طور سيناء مع وصيه وصعد موسى (عليه السلام) الجبل فنظر إلى رجل
قد اقبل ومعه مكتل ومسحاة فقال له موسى (عليه السلام) ما تريد قال إن رجلا من أولياء
الله قد توفي وانا احفر له قبرا فقال له موسى (عليه السلام) أفلا أعينك عليه قال بلى قال فحفر
القبر فلما فرغا أراد الرجل ان ينزل إلى القبر فقال له موسى ما تريد قال ادخل القبر
فانظر كيف مضجعه فقال له موسى انا أكفيك فدخل موسى فاضطجع فيه فقبض
ملك الموت روحه وانضم عليه الجبل والقمي في سورة يونس وقد سأل بعض
اليهود أمير المؤمنين عليه السلام عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه فقال يا
يهودي اما السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه فإنه الحوت الذي حبس يونس
في بطنه فدخل في بحر القلزم ثم خرج إلى بحر مصر ثم دخل بحر طبرستان ثم
خرج في دجلة الغور قال ثم مرت به تحت الأرض حتى لحقت بقارون وكان
قارون هلك في أيام موسى ووكل الله به ملكا يدخله في الأرض كل يوم قامة رجل
وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره فسمع قارون صوته فقال للملك
الموكل به انظرني فاني اسمع كلام آدمي فأوحى الله إلى الملك الموكل به انظره
فأنظره ثم قال قارون من أنت قال يونس انا المذنب الخاطي يونس بن متى قال فما
فعل شديد الغضب لله موسى بن عمران قال هيهات هلك قال فما فعل الرؤوف
الرحيم على قومه هارون بن عمران قال هلك قال فما فعلت كلثم بنت عمران التي
كانت سميت لي قال هيهات ما بقي من آل عمران أحد فقال قارون اسفا على آل
عمران فشكر الله تعالى له على ذلك فأمر الموكل به ان يرفع عنه العذاب أيام الدنيا
105

فرفع عنه الحديث ويأتي تمامه في سورة الصافات
والعياشي عن الباقر عليه السلام قال إن يونس عليه السلام لما اذاه قومه
وساق الحديث إلى أن قال فألق نفسه فالتقمه الحوت فطاف به البحار السبعة حتى
صار إلى البحر المسجور وبه يعذب قارون فسمع قارون دويا فسأل الملك عن ذلك
فأخبره انه يونس وان الله حبسه في بطن الحوت فقال له قارون أتأذن لي ان أكلمه
فأذن له فسأله عن موسى فأخبره انه مات فبكى ثم سأله عن هارون (عليه السلام) فأخبره انه
مات فبكى وجزع جزعا شديدا وسأله عن أخته كلثم وكانت مسماة له فأخبره انها
ماتت فبكى وجزع جزعا شديدا قال فأوحى الله إلي الملك الموكل به ان ارفع عنه
العذاب بقية أيام الدنيا لرقته على قرابته
(82) وأصبح الذين تمنوا مكانه منزلته بالأمس منذ زمان قريب يقولون
ويكان الله القمي قال هي لغة سريانية يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر
بمقتضى مشيته لا لكرامة تقتضي البسط ولا لهوان يوجب القبض لولا أن من الله
علينا فلم يعطنا ما تمنينا لخسف بنا لتوليده فينا ما ولده فيه فخسف به لأجله وقرء
بفتح الإخاء والسين ويكانه لا يفلح الكافرون لنعمة الله
(83) تلك الدار الآخرة التي سمعت خبرها وبلغك وصفها نجعلها للذين لا
يريدون علوا في الأرض غلبة وقهرا ولا فسادا ظلما على الناس
في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام انه كان يمشي في الأسواق وهو
وال يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرء هذه
الآية ويقول نزلت في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس
وعنه عليه السلام قال الرجل ليعجبه شراك نعله فيدخل في هذه الآية وفي رواية ان
الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها
والقمي عن الصادق عليه السلام العلو الشرف والفساد النباء
وعنه عليه السلام أنه قال لحفص بن غياث يا حفص ما منزلة الدنيا من نفسي
الا بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها اكلت منها يا حفص ان الله تبارك وتعالى علم ما
106

العباد عاملون والى ما هم صايرون فحلم عنهم عند اعمالهم السيئة لعله السابق
فيهم فلا يغرنك حسن الطلب ممن لا يخاف الفوت ثم تلا قوله تلك الدار الآخرة
الآية وجعل يبكي ويقول ذهبت والله الأماني عند هذه الآية فاز والله الأبرار تدري
من هم هم الذين لا يؤذون الذر كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا
الحديث والعاقبة المحمودة للمتقين من اتقى ما لا يرضاه الله
(84) من جاء بالحسنة فله خير منها ذاتا وقدرا ووصفا وقد مضى في هذه الآية
حديث في آخر سورة الأنعام وفي نظيرها في آخر سورة النمل ومن جاء بالسيئة فلا
يجزى الذين عملوا السيئات وضع فيه الظاهر موضع الضمير تهجينا لحالهم بتكرير
اسناد السيئة إليهم الا ما كانوا يعملون مثل ما كانوا يعملون حذف المثل مبالغة
في المماثلة
(85) ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد اي معاد
القمي عن السجاد قال يرجع إليكم نبيكم وأمير المؤمنين والأئمة عليهم
السلام
وعن الباقر عليه السلام انه ذكر عنده جابر فقال رحم الله جابرا لقد بلغ من
علمه انه كان يعرف تأويل هذه الآية يعني الرجعة قل ربى اعلم من جاء بالهدى
ومن هو في ضلال مبين يعني به نفسه والمشركين
(86) وما كنت ترجو ان يلقى إليك الكتاب الا رحمة من ربك ولكن ألقاه
رحمة منه فلا تكونن ظهيرا للكافرين قيل بمداراتهم والتحمل عنهم والإجابة إلى
طلبتهم
والقمي قال المخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى للناس
(87) ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك إلى
عبادته وتوحيده ولا تكونن من المشركين
(88) ولا تدع مع الله إلها آخر
107

القمي المخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى للناس وهو قول الصادق
عليه السلام ان الله بعث نبيه بإياك أعني واسمعي يا جارة لا إله إلا هو كل شئ
هالك الا وجهه
في الكافي عن الصادق عليه السلام إنما عنى بذلك وجه الله الذي يؤتى
منه
وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام ان الله عز وجل أعظم من أن يوصف
بالوجه لكن معناه كل شئ هالك الا دينه والوجه الذي يؤتى منه
أقول: يعني بالوجه الذي يؤتى منه الذي يهدي العباد إلى الله تعالى والى
معرفته من نبي أو وصي أو عقل كامل بذلك وفي فإنه وجه الله الذي يؤتى الله منه
وذلك لأن الوجه ما يواجه به والله سبحانه إنما يواجه به عباده ويخاطبهم بواسطة نبي أو
وصي أو عقل كامل
وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام قال كل شئ هالك الا من اخذ طريق
الحق وعنه عليه السلام من اتى الله بما امره من طاعة محمد والأئمة صلوات الله
عليهم من بعده فهو الوجه الذي لا يهلك ثم قرء ومن يطع الرسول فقد أطاع الله
وفي الكافي عنه عليه السلام ما في معناه والمراد ان كل مطيع لله ولرسوله
متوجه إلى الله فهو باق في الجنان أبد الآبدين وهو وجه الله في خلقه به يواجه الله
تعالى عباده ومن هو بخلافه فهو في النيران مع الهالكين وقراءة الآية إشارة إلى أن
طاعته للرسول توجه منه إلى الله والى وجهه وتوجه من الله تعالى إلى خلقه وهو
السبب في تسميته وجه الله واضافته إليه
وفي التوحيد عنه عليه السلام نحن وجه الله الذي لا يهلك
وعنه عليه السلام الا وجهه قال دينه وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير
المؤمنين عليه السلام دين الله ووجهه وعينه في عباده ولسانه الذي ينطق به ويده
على خلقه ونحن وجه الله الذي يؤتى منه لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم رؤية
108

قيل وما الرؤية قال الحاجة فإذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع بنا ما
أحب
والقمي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال فيفنى كل شئ ويبقى وجه
الله أعظم من أن يوصف ولكن معناه كل شئ هالك الا دينه ونحن الوجه الذي
يؤتى منه لن نزال في عباده
اجل وأعظم من ذلك وإنما وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام المراد
كل شئ هالك الادينه لأن المحال ان يهلك منه كل شئ ويبقى الوجه هو
وذكر مثل ما في التوحيد يهلك من ليس منه الا ترى أنه قال كل من عليها فان ويبقى
وجه ربك ففصل بين خلقه ووجهه
أقول: وورد في حديث آخر عنهم عليهم السلام ان الضمير في وجهه راجع
إلى الشئ وعلى هذا فمعناه ان وجه الشئ لا يهلك وهو ما يقابل منه إلى الله وهو
روحه وحقيقته وملكوته ومحل معرفة الله منه التي تبقى بعد فناء جسمه وشخصه
والمعنيان متقاربان وربما يفسر الوجه بالذات وليس بذلك البعيد له الحكم القضاء
النافذ في الخلق واليه ترجعون للجزاء بالحق قد سبق ثواب قراءة هذه السورة في
آخر سورة الشعراء
109

سورة العنكبوت مكية كلها
في قول مدنية في آخر مكية إلا عشر آيات من أولها فإنها مدنية في ثالث
عدد آيها تسع وستون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) ألم
(2) أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون لا يختبرون
في المجمع عن الصادق عليه السلام معنى يفتنون يبتلون في أنفسهم
وأموالهم وعن النبي صلى الله عليه وآله انه لما نزلت هذه الآية قال لا بد من فتنة
تبتلى بها الأمة بعد نبيها ليتعين الصادق من الكاذب لأن الوحي قد انقطع وبقي
السيف وافتراق الكلمة إلى يوم القيامة
وفي نهج البلاغة قام رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة وهل سألت
رسول الله عنها فقال علي عليه السلام لما انزل الله سبحانه قوله ألم أحسب الناس الآية
علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله بين أظهرنا فقلت يا رسول الله ما هذه الفتنة
التي أخبرك الله بها فقال يا علي ان أمتي سيفتنون من بعدي فقلت يا رسول الله
أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وجيزت عني
الشهادة فشق ذلك علي فقلت لي ابشر فان الشهادة من ورائك فقال لي ان ذلك
كذلك فكيف صبرك اذن فقلت يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من
مواطن البشرى والشكر فقال يا علي سيفتنون بأموالهم ويمنون بدينهم على ربهم
ويتمنون رحمته ويأمنون سطوته ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء
الساهية فيستحلون الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع قلت يا رسول الله
110

فبأي المنازل أنزلهم أبمنزلة ردة أم بمنزلة فتنة فقال بمنزلة فتنة
والقمي عن الكاظم عليه السلام قال جاء العباس إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)
فقال انطلق يبايع لك الناس فقال له أمير المؤمنين عليه السلام أوتراهم فاعلين قال
نعم قال فأين قوله عز وجل ألم أحسب الناس الآية
وفي الكافي عنه عليه السلام انه قرء هذه الآية ثم قال ما الفتنة قيل الفتنة في
الدين فقال يفتنون كما يفتن الذهب ثم قال يخلصون كما يخلص الذهب
(3) ولقد فتنا الذين من قبلهم اختبرناهم فان ذلك سنة قديمة جارية في
الأمم كلها فلا ينبغي ان يتوقع خلافه فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين
فليعلمنهم في الوجود ممتحنين بحيث يتميز الذين صدقوا في الايمان والذين كذبوا
فيه بعد ما كان يعلمهم قبل ذلك انهم سيوجدون ويمتحنون
وفي المجمع عن أمير المؤمنين والصادق عليهما السلام انهما قرءا بضم الياء
وكسر اللام فيهما من الاعلام اي ليعرفنهم الناس
(4) أم حسب الذين يعملون السيئات الكفر والمعاصي ان يسبقونا ان
يفوتونا فلا نقدر ان نجازيهم على مساوئهم ساء ما يحكمون
(5) من كان يرجوا لقاء الله فان اجل الله لآت القمي قال من أحب لقاء
الله جاءه الأجل
وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام يعني من كان يؤمن بأنه مبعوث
فان وعد الله لات من الثواب والعقاب قال فاللقاء ههنا ليس بالرؤية واللقاء هو
البعث وهو السميع لأقوال العباد العليم بعقايدهم واعمالهم
(6) ومن جاهد
القمي قال نفسه عن اللذات والشهوات والمعاصي فإنما يجاهد لنفسه لأن
منفعته لها ان الله لغني عن العالمين فلا حاجة به إلى طاعتهم
111

(7) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم
أحسن الذي كانوا يعملون أحسن جزاء اعمالهم
(8) ووصينا الانسان بوالديه حسنا القمي قال هما اللذان ولداه وان جاهداك
لتشرك بي ما ليس لك به علم بآلهيته عبر عن نفيها بنفي العلم بها اشعارا بان ما لا
يعلم صحته لا يجوز اتباعه وان لم يعلم بطلانه فضلا عما علم بطلانه فلا تطعهما
في ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم
تعملون بالجزاء عليه
(9) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين في جملتهم
(10) ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس
كعذاب الله القمي قال إذا اذاه انسان أو اصابه ضر وفاقة أو خوف من الظالمين
دخل معهم في دينهم فرأى أن ما يفعلونه هو مثل عذاب الله الذي لا ينقطع ولئن
جاء نصر من ربك فتح وغنيمة
والقمي يعني القائم عليه السلام ليقولن انا كنا معكم في الدين فأشركونا فيه
أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين من الاخلاص والنفاق
(11) وليعلمن الله الذين آمنوا بقلوبهم وليعلمن المنافقين فيجازي
الفريقين
(12) وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم
القمي قال كان الكفار يقولون للمؤمنين كونوا معنا فان الذي تخافون أنتم
ليس بشئ فإن كان حقا نتحمل نحن ذنوبكم فيعذبهم الله عز وجل مرتين مرة
بذنوبهم ومرة بذنوب غيرهم وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ انهم لكاذبون
(13) وليحملن أثقالهم أثقال ما اقترفته أنفسهم وأثقالا مع أثقالهم وأثقالا
اخر معها لما تسببوا له بالاضلال والحمل على المعصية من غير أن ينقص من أثقال
من تبعهم شئ وليسئلن يوم القيمة سؤال تقريع وتبكيت عما كانوا يفترون من
112

الأباطيل الذي أضلوا بها
(14) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما
في الاكمال عن الباقر عليه السلام لم يشاركه في نبوته أحد وفي الكافي عنه
عليه السلام يدعوهم سرا وعلانية فلما أبوا وعتوا قال رب اني مغلوب فانتصر
فاخذهم الطوفان وهم ظالمون
(15) فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين يتعظون ويستدلون
بها
(16) وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم مما أنتم عليه
ان كنتم تعلمون
(17) إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون افكا وتكذبون كذبا في
تسميتها آلهة وادعاء شفاعتها عند الله ان الذين تعبدون من دون الله لا يملكون
لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون
(18) وان تكذبوا وان تكذبوني قيل هي من جملة قصة إبراهيم (عليه السلام) والقمي
انقطع خبر إبراهيم وخاطب الله أمة محمد صلى الله عليه وآله فقال وان تكذبوا إلى
قوله لهم عذاب اليم ثم عطف على خبر إبراهيم (عليه السلام) فقال وما كان جواب قومه فهذا
من المنقطع المعطوف
أقول: الوجه فيه ان مساق قصة إبراهيم (عليه السلام) لتسلية الرسول والتنفيس عنه
بان أباه خليل الله كان ممنوا بنحو ما منى به من شرك القوم وتكذيبهم وتشبيه حاله
فيهم بحال إبراهيم (عليه السلام) في قومه ولذلك توسط مخاطبتهم بين طرفي قصته فقد
كذب أمم من قبلكم الرسل فلم يضرهم تكذيبهم وإنما ضر أنفسهم فكذا تكذيبهم
وما على الرسول الا البلاغ المبين
(19) أولم يروا وقرء بالتاء على تقدير القول كيف يبدؤ الله الخلق ثم يعيده
ان ذلك على الله يسير إذ لا يفتقر في فعله إلى شئ
113

(20) قل سيروا في الأرض خطاب لمحمد صلى الله عليه وآله ان كانت
هذه الآية معترضة في قصة إبراهيم كما ذكره
القمي وحكاية كلام الله إبراهيم (عليه السلام) ان كانت من جملة قصته فانظروا كيف
بدء الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة وقرء بفتح الشين والمد ان الله على كل
شئ قدير
(21) يعذب من يشاء ويرحم من يشاء واليه تقلبون تردون
(22) وما أنتم بمعجزين في الأرض ربكم عن ادراككم ولا في السماء ان
فررتم من قضائه بالتواري في إحديهما وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير
يحرسكم عن بلائه
(23) والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي
لإنكار هم البعث والجزاء وأولئك لهم عذاب اليم بكفرهم
(24) فما كان جواب قومه قوم إبراهيم (عليه السلام) له الا ان قالوا اقتلوه أو حرقوه
قيل وكان ذلك قول بعضهم لكن لما قال فيهم ورضي به الباقون اسند إلى كلهم
فأنجاه الله من النار اي فقذفوه فيها فأنجاه منها بأن جعلها عليه بردا وسلاما ان في
ذلك في انجائه منها لآيات هي حفظه من اذى النار واخمادها مع عظمها في زمان
يسير وانشاء روض مكانها لقوم يؤمنون لأنهم المنتفعون بها
(25) وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم وقرء بالإضافة منصوبة
ومرفوعة في الحياة الدنيا اي لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها ثم
يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض
في الكافي عن الصادق عليه السلام يعني يتبرء بعضكم من بعض وفي
التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام الكفر في هذه الآية البراءة يقول فيبرء
بعضكم من بعض قال ونظيرها في سورة إبراهيم (عليه السلام) قول الشيطان انى كفرت بما
أشركتمون من قبل وقول إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن كفرنا بكم اي تبرأنا
114

منكم ويلعن بعضكم بعضا اي يقوم التناكر والتلاعن بينكم أو بينكم وبين الأوثان
كقوله ويكونون عليهم ضدا
في الكافي عن الصادق عليه السلام ليس قوم ائتموا بامام في الدنيا الا جاء
يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه الا أنتم ومن كان على مثل حالكم
وفي المحاسن عنه عليه السلام اما ترضون ان يأتي كل قوم يلعن بعضهم
بعضا الا أنتم ومن قال بمقالتكم ومأواكم النار وما لكم من ناصرين يخلصونكم
منها
(26) فآمن له لوط وكان ابن خالته كما سبق في قصتهما وقال إني مهاجر
إلى ربى قيل مهاجر من قومي إلى حيث امرني ربي
القمي قال المهاجر من هجر السيئات وتاب إلى الله انه هو العزيز الذي
يمنعني من أعدائي الحكيم الذي لا يأمرني الا بما فيه صلاحي
في الاكمال عن الباقر عليه السلام ان إبراهيم عليه السلام كان نبوته بكوثي
وهي قرية من قرى السواد يعني به الكوفة قال فيها بدا أول امره ثم هاجر منها
وليست بهجرة قتال وذلك قول الله عز وجل اني مهاجر إلى ربي سيهدين
(27) ووهبنا له اسحق ويعقوب ولدا ونافلة حين أيس عن الولادة من عجوز
عاقر ولذلك لم يذكر إسماعيل وجعلنا في ذريته النبوة فكثر منهم الأنبياء والكتاب
يشمل الكتب الأربعة والصحف وآتيناه اجره في الدنيا باعطاء الولد في غير أوانه
والذرية الطيبة التي من جملتهم خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وأمير المؤمنين
عليهم السلام وعترتهما الطيبين واستمرار النبوة فيهم وأنتما الملل إليه والصلاة
والثناء عليه إلى آخر الدهر وانه في الآخرة لمن الصالحين لفي عداد الكاملين في
الصلاح
(28) ولوطا إذ قال لقومه أإنكم وقرء بحذف همزة الاستفهام على الخبر
لتأتون الفاحشة الفعلة البالغة في القبح ما سبقكم بها من أحد من العالمين
115

(29) ائنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتتعرضون للسابلة (2) بالفاحشة
والفضيحة حتى انقطعت الطرق وتأتون في ناديكم في مجالسكن الغاصة ولا يقال
النادي الا لما فيه أهله المنكر
في المجمع عن الرضا عليه السلام كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير
حشمة ولا حياء والقمي قال كان يضرط بعضهم على بعض
وفي العوالي عن النبي صلى الله عليه وآله هو الخذف فما كان جواب قومه
الا ان قالوا ائتنا بعذاب الله ان كنت من الصادقين
(30) قال رب انصرني على القوم المفسدين بابتداع الفاحشة فيمن
بعدهم
(31) ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى بالبشارة بالولد والنافلة قالوا انا
مهلكوا أهل هذه القرية قرية سدوم ان أهلها كانوا ظالمين
(32) قال إن فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجينه وقرء بالتخفيف
وأهله الا امرأته كانت من الغابرين الباقين في العذاب
(33) ولما ان جاءت رسلنا لوطا سئ بهم جاءته المساءة والغم بسببهم
وضاق بهم ذرعا وضاق بشأنهم وتدبير أمرهم ذرعه اي طاقته وقالوا لما رأوا فيه من
اثر الضجرة لا تخف ولا تحزن انا منجوك وقرء بالتخفيف وأهلك الا امرأتك كانت
من الغابرين
(34) انا منزلون وقرء بالتشديد على أهل هذه القرية رجزا من السماء عذابا
منها بما كانوا يفسقون بسبب فسقهم
(35) ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون هي منزل لوط بقي عبرة للسيارة
كما سبق في قصتهم المشروحة في سورة هود
(36) والى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وأرجو اليوم الآخر
116

وافعلوا ما ترجون به ثوابه وقيل إنه من الرجاء بمعنى الخوف ولا تعثوا في الأرض
مفسدين
(37) فكذبوه فاخذتهم الرجفة الزلزلة الشديدة التي فيها الصيحة فأصبحوا
في دارهم جاثمين باركين على الركب ميتين
(38) وعادا وثمود اي واذكرهما وأهلكناهما وقد تبين لكم من مساكنهم
بعض مساكنهم إذا نظرتم إليها عند مروركم بها وزين لهم الشيطان اعمالهم من
الكفر والمعاصي فصدهم عن السبيل السبيل السوي الذي بين لهم الرسل وكانوا
مستبصرين متمكنين من النظر والاستبصار ولكنهم لم يفعلوا
(39) وقارون وفرعون وهامان قدم قارون لشرف نسبه ولقد جائهم موسى
بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فائتين بل أدركهم امر الله
(40) فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا حصباء كقوم لوط
ومنهم من اخذته الصيحة كمدين وثمود ومنهم من خسفنا به الأرض كقارون ومنهم
من أغرقنا كفرعون وقومه وقوم نوح وما كان الله ليظلمهم فيعاقبهم بغير جرم ولكن
كانوا أنفسهم يظلمون بالتعريض للعذاب
(41) مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء فيما اتخذوه معتمدا ومتكلا
كمثل العنكبوت اتخذت بيتا فيما نسجه في الوهن والخور وان أوهن البيوت
لبيت العنكبوت لا بيت أوهن وأقل وقاية للحر والبرد منه لو كانوا يعلمون يرجعون
إلى علم لعلموا ان هذا مثلهم
(42) ان الله يعلم ما تدعون وقرء بالياء من دونه من شئ وهو العزيز
الحكيم
(43) وتلك الأمثال يعني هذا المثل ونظائره نضربها للناس تقريبا لما بعد
من أفهامهم وما يعقلها الا العالمون الذين يتدبرون الأشياء على ما ينبغي
القمي يعني آل محمد صلوات الله عليهم
117

وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله انه تلا هذه الآية فقال العالم
الذي عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه
(44) خلق الله السماوات والأرض بالحق ان في ذلك لآية للمؤمنين لأنهم
المنتفعون بها
(45) أتل ما أوحى إليك من الكتاب تقربا إلى الله بقراءته وتحفظا لألفاظه
واستكشافا لمعانيه وأقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر القمي
قال من لم تنهه الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم تزدده من الله عز وجل الا بعدا
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله مثله وروي ان فتى من الأنصار
كان يصلي الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وآله ويرتكب الفواحش فوصف
ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال إن صلاته تنهاه يوما ما فلم يلبث ان تاب
وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام قال الصلاة حجزة الله وذلك انها تحجز
المصلي عن المعاصي ما دام في صلاته ثم تلا هذه الآية
وفي الكافي عن سعد الخفاف عن الباقر عليه السلام انه سأله هل يتكلم
القرآن فتبسم ثم قال رحم الله الضعفاء من شيعتنا انهم أهل تسليم ثم قال نعم يا
سعد والصلاة تتكلم ولها صورة وخلق تأمر وتنهى قال فتغير لذلك لوني وقلت هذا
شئ لا أستطيع ان أتكلم به في الناس فقال عليه السلام وهل الناس الا شيعتنا
فمن لم يعرف الصلاة فقد انكر حقنا ثم قال يا سعد أسمعك كلام القرآن قال سعد
فقلت بلى صلى الله عليك فقال إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله
أكبر فالنهي كلام والفحشاء والمنكر رجال ونحن ذكر الله ونحن أكبر
أقول: الفحشاء والمنكر الأولان إذ هما صورتهما وخلقهما والصلاة من
ينهى عنهما وهو معروف ولذكر الله أكبر
القمي عن الباقر عليه السلام يقول ذكر الله لأهل الصلاة أكبر من ذكرهم إياه
الا ترى انه يقول اذكروني أذكركم
118

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى ولذكر الله أكبر قال
ذكر الله عندما أحل وحرم والله يعلم ما تصنعون
(46) ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن قد مضى تفسيره في
سورة النحل عند قوله تعالى وجادلهم بالتي هي أحسن الا الذين ظلموا منهم
بالافراط والاعتداء وقولوا آمنا بالذي انزل الينا وانزل إليكم هو من المجادلة بالتي
هي أحسن
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا تصدقوا أهل الكتاب ولا
تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وبكتبه ورسله فان قالوا باطلا لم تصدقوهم وان قالوا حقا
لم تكذبوهم والهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون مطيعون له خاصة ولعل فيه
تعريضا باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
(47) وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به
القمي هم آل محمد صلوات الله عليهم ومن هؤلاء قال يعني أهل الإيمان
من أهل القبلة من يؤمن به وما يجحد بآياتنا مع ظهورها الحجة عليها الا الكافرون
القمي يعني ما يجحد بأمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام الا الكافرون
(48) وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك فان ظهور هذا
الكتاب الجامع لأنواع العلوم الشريفة على أمي لم يعرف بالقراءة والتعلم خارق
للعادة وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفى ونفي للتجوز في الاسناد إذا لارتاب
المبطلون اي لو كنت ممن تخط وتقرء لقالوا لعله تعلمه أو التقطه من كتب
الأقدمين القمي هذه الآية معطوفة على قوله في سورة الفرقان اكتتبها فهي تملى
عليه بكرة وأصيلا فرد الله عليهم فقال كيف يدعون ان الذي تقرؤه أو تخبر به تكتبه
عن غيرك وأنت ما كنت تتل من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب
المبطلون اي شكوا
وفي العيون عن الرضا عليه السلام في حديث ومن آياته انه كان يتيما فقيرا
119

راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا ولم يختلف إلى معلم ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص
الأنبياء واخبارهم حرفا حرفا واخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة
(49) بل هو القرآن آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم
في الكافي عن الباقر عليه السلام انه تلا هذه الآية فأومى بيده إلى صدره
وعنه عليه السلام انه تلاها فقال ما بين دفتي المصحف قيل من هم قال من عسى
ان يكونوا غيرنا
وعن الصادق عليه السلام هم الأئمة عليهم السلام وقال نحن وإيانا عني في
اخبار كثيرة وما يجحد بآياتنا الا الظالمون
(50) وقالوا لولا انزل عليه آية من ربه مثل ناقة صالح وعصا موسى (عليه السلام)
ومائدة عيسى (عليه السلام) وقرء آيات قل إنما الآيات عند الله ينزلها كما يشاء لست أملكها
فأتاكم بما تقترحونه وإنما انا نذير مبين ليس من شأني الا الإنذار بما أعطيت من
الآيات
(51) أولم يكفهم اية مغنية عما اقترحوه انا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم
يدوم تلاوته عليهم ان في ذلك اي في ذلك الكتاب والذي هو آية مستمرة وحجة مبينة
لرحمة لنعمة عظيمة وذكرى لقوم يؤمنون وتذكرة لمن همه الإيمان دون التعنت
روي أن أناسا من المسلمين اتوا رسول الله صلى الله عليه وآله بكتف كتب فيها
بعض ما يقوله اليهود قال كفى بها ضلالة قوم ان يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء
به غير نبيهم فنزلت
(52) قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا بصدقي وقد صدقني بالمعجزات يعلم
ما في السماوات والأرض فلا يخفى عليه حالي وحالكم والذين آمنوا بالباطل وهو ما
يعبد من دون الله وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون في صفقتهم حيث اشتروا
الكفر بالإيمان
(53) ويستعجلونك بالعذاب بقولهم أمطر علينا حجارة من السماء ولولا اجل
120

مسمى لكل عذاب وقوم لجائهم العذاب عاجلا وليأتينهم بغتة فجأة في الدنيا كوقعة
بدر أو في الآخرة عند نزول الموت بهم وهم لا يشعرون باتيانه
(54) يستعجلونك بالعذاب وان جهنم لمحيطة بالكافرين لإحاطة أسبابها
بهم
(55) يوم يغشهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول وقرء بالنون
ذوقوا ما كنتم تعملون
(56) يا عبادي الذين آمنوا ان ارضى واسعة فإياي فاعبدون اي إذا لم يتيسر
لكم العبادة في بلدة فهاجروا إلى حيث يتمشى لكم ذلك
القمي عن الباقر عليه السلام قال يقول لا تطيعوا أهل الفسق من الملوك فان
خفتموهم ان يفتنوكم عن دينكم فان ارضي واسعة وهو يقول فيم كنتم قالوا كنا
مستضعفين في الأرض فقال ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام إذا عصى الله في ارض أنت بها فاخرج
منها إلى غيرها
وفي الجوامع عن النبي صلى الله عليه وآله من فر بدينه من ارض إلى ارض وإن كان
شبرا من الأرض استوجب بها الجنة وكان رفيق إبراهيم (عليه السلام) ومحمد صلى الله
عليه وآله
(57) كل نفس ذائقة الموت تناله لا محالة ثم الينا ترجعون وقرئ بالياء قد مر
في سورة آل عمران اخبار في هذه الآية
(58) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم لننزلنهم وقرء لنثوينهم بالثاء
من الثواء اي لنقيمنهم من الجنة غرفا عوالي تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم
اجر العاملين
(59) الذين صبروا على المحن والمشاق وعلى ربهم يتوكلون ولا يتوكلون الا
على الله
121

(60) وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم
القمي قال كانت العرب يقتلون أولادهم مخافة الجوع فقال الله الله يرزقها
وإياكم وقيل لما أمروا بالهجرة قال بعضهم كيف نقدم بلدة ليس لنا فيها معيشة
فنزلت
وفي المجمع عن ابن عمر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى
بعض حيطان الأنصار فأخذ يأكل تمرا وقال هذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ولو
شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ما ملك كسرى وقيصر فكيف بك يا بن عمر إذا بقيت
مع قوم يخبئون رزق سنتهم لضعف اليقين فوالله ما برحنا حتى نزلت هذه الآية وهو
السميع العليم لقولكم وبضميركم
(61) ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن
الله فانى يؤفكون يصرفون عن توحيده بعد اقرارهم بذلك بالفطرة
(62) الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له لمن يبسط على التعاقب
أو لمن يشاء لإبهامه ان الله بكل شئ عليم يعلم مصالحهم ومفاسدهم
(63) ولئن سئلتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها
ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون فيتناقضون حيث يقرون بأنه خالق
كل شئ ثم إنهم يشركون به الأصنام
(64) وما هذه الحياة الدنيا الا لهو ولعب الا كما يلهي ويلعب به الصبيان
يجتمعون عليه ويتبهجون به ساعة ثم يتفرقون متعبين وان الدار الآخرة لهى الحيوان
لهي دار الحياة الحقيقية لامتناع طريان الموت عليها وفي لفظة الحيوان من المبالغة
ما ليست في لفظة الحياة لبناء فعلان على الحركة والاضطراب اللازم للحياة لو كانوا
يعلمون لم يؤثروا عليها الدنيا التي حياتها عارضة سريعة الزوال
(65) فإذا ركبوا في الفلك على ما هم عليه من الشرك دعوا الله مخلصين له
الدين كائنين في صورة من اخلص دينه من المؤمنين حيث لا يذكرون الا الله ولا
122

يدعون سواه لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد الا هو فلما نجاهم إلى البر إذا هم (1)
يشركون فاجاؤا المعاودة إلى الشرك
(66) ليكفروا بما اتيناهم لكي يكونوا كافرين بشركهم نعمة النجاة وليتمتعوا
باجتماعهم على عبادة الأصنام وتوادهم عليها وقرء بسكون اللام فسوف يعلمون عاقبة
ذلك حين يعاقبون
(67) أولم يروا يعني أهل مكة انا جعلنا حرما آمنا اي جعلنا بلدهم مصونا عن
النهب والتعدي آمنا أهله عن القتل والسبي ويتخطف الناس من حولهم يختلسون
قتلا وسبيا إذ كانت العرب حوله في تغاور وتناهب أفبالباطل بعد هذه النعمة
الظاهرة وغيرها مما لا يقدر عليه الا الله بالصنم أو الشيطان يؤمنون وبنعمة الله
يكفرون حيث أشركوا به غيره
(68) ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا بأن زعم أن له شريكا أو كذب
بالحق لما جائه حين جاءه من غير تأمل وتوقف أليس في جهنم مثوى للكافرين
(69) والذين جاهدوا فينا في حقنا يشمل جهاد الأعادي الظاهرة والباطنة
لنهدينهم سبلنا سبل السير الينا والوصول إلى جنابنا
وفي الحديث من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم وان الله لمع
المحسنين بالنصر والإعانة
القمي الذين جاهدوا فينا اي صبروا وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله
لنهدينهم سبلنا اي لنثبتنهم
وعن الباقر عليه السلام هذه الآية لآل محمد صلوات الله عليهم وأشياعهم
وفي المعاني عنه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال الا واني
مخصوص في القرآن بأسماء احذروا ان تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم انا المحسن
يقول الله عز وجل ان الله لمع المحسنين
123

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة العنكبوت
والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو والله من أهل الجنة لا استثني فيه ابدا
ولا أخاف ان يكتب الله علي في يميني اثما وان لهاتين السورتين من الله لمكانا
124

سورة الروم مكية
الا قوله فسبحان الله حين تمسون عدد آيها ستون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) آلم
(2) غلبت الروم غلبتها فارس
(3) في أدنى الأرض قيل اي أدنى ارض العرب منهم أو أدنى ارضهم من
العرب وهم من بعد غلبهم سيغلبون
(4) في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد قيل من قبل كونهم غالبين وهو
وقت كونهم مغلوبين اي له الامر حين غلبوا وحين يغلبون ليس شئ منهما الا
بقضائه
وفي الخرائج عن الزكي عليه السلام انه سئل عنه عليه السلام فقال له الامر من
قبل ان يأمر به وله الامر من بعد ان يأمر به يقضي بما يشاء
والقمي عن الباقر عليه السلام لله الامر من قبل ان يأمر ومن بعد ان يقضي بما
يشاء ويومئذ ويوم يغلبون يفرح المؤمنون
(5) بنصر الله ينصر من يشاء فينصر هؤلاء تارة وهؤلاء أخرى
وهو العزيز الرحيم ينتقم من عباده بالنصر عليهم تارة ويتفضل عليهم
بنصرهم أخرى قيل غلبت فارس الروم وظهروا عليهم على عهد رسول الله صلى الله
عليه وآله ففرح بذلك كفار قريش من حيث إن أهل فارس كقريش لم يكونوا أهل
كتاب وساء ذلك المسلمين وكان بيت المقدس لأهل الروم كالكعبة للمسلمين
125

فدفعتهم فارس عنه ثم ظهرت الروم على فارس يوم الحديبية
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام انه سئل عن هذه الآية فقال إن لها تأويلا لا
يعلمه الا الله والراسخون في العلم من آل محمد صلوات الله عليهم ان رسول الله
صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة واظهر الإسلام كتب إلى ملك الروم كتابا
وبعث به مع رسول يدعوه إلى الإسلام وكتب إلى ملك فارس كتابا يدعوه إلى الإسلام
وبعثه إليه مع رسوله فاما ملك الروم فعظم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأكرم
رسوله واما ملك فارس فإنه استخف بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله ومزقه
واستخف برسوله وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم وكان المسلمون يهوون ان
يغلب ملك الروم ملك فارس وكانوا لناحية ارجا منهم لملك فارس فلما غلب ملك
فارس ملك الروم كره ذلك المسلمون واغتموا به فأنزل الله عز وجل بذلك كتابا ألم
غلبت الروم في أدنى الأرض يعني غلبتها فارس في أدنى الأرض وهي الشامات وما
حولها وهم يعني فارس من بعد غلبهم الروم سيغلبون يعني يغلبهم المسلمون في
بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من
يشاء
قال فلما غزا المسلمون فارس وافتتحوها فرح المسلمون بنصر الله عز وجل قيل
أليس الله يقول في بضع سنين وقد مضى للمؤمنين سنون كثيرة مع رسول الله صلى
الله عليه وآله وفي امارة أبي بكر وإنما غلب المؤمنون فارس في امارة عمر فقال ألم
أقل لك ان لهذا تأويلا وتفسيرا وللقرآن ناسخ ومنسوخ اما تسمع لقول الله عز وجل لله
الامر من قبل ومن بعد يعني إليه المشية في القول إن يؤخر ما قدم ويقدم ما اخر في
القول إلى يوم تحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين وذلك قوله عز وجل
ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله اي يوم تحتم القضاء بالنصر
والقمي عنه عليه السلام مثله الا انه لم يذكر قوله يعني يغلبهم المسلمون ولا
قوله فلما غزا المسلمون إلى قوله بنصر الله وبناء الروايتين على قراءة سيغلبون بضم
الياء مع ضم غلبت وقرئ في الشواذ غلبت بالفتح وسيغلبون بالضم وعليه بناء ما في
126

كتاب الاستغاثة لابن ميثم قال لقد روينا من طريق علماء أهل البيت في اسرارهم
وعلومهم التي خرجت منهم إلى علماء شيعتهم ان قوما ينسبون إلى قريش وليسوا من
قريش بحقيقة النسب وهذا مما لا يعرفه الا معدن النبوة وورثة علم الرسالة وذلك مثل
بني أمية ذكروا انهم ليسوا من قريش وان أصلهم من الروم وفيهم تأويل هذه الآية ألم
غلبت الروم معناه انهم غلبوا على الملك وسيغلبهم على ذلك بنو العباس
(6) وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون
(7) يعلمون ظهرا من الحياة الدنيا ما يشاهدون منها وهم عن الآخرة التي
هي غايتها والمقصود منها هم غافلون لا تخطر ببالهم القمي قال يرون حاضر الدنيا
ويتغافلون عن الآخرة
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام انه سئل عن قوله تعالى يعلمون ظاهرا
من الحياة الدنيا فقال منه الزجر والنجوم
(8) أولم يتفكروا في أنفسهم أولم يحدثوا التفكر فيها أو أولم يتفكروا في
امر أنفسهم فإنها أقرب إليهم من غيرها ومرآة يجتلى للمستبصر ما يتجلى له في ساير
المخلوقات ليتحقق لهم قدرة مبدعها على اعادتها قدرته على ابداعها ما خلق الله
السماوات والأرض وما بينهما الا بالحق واجل مسمى تنتهي عنده ولا تبقى بعده
وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون جاحدون يحسبون ان الدنيا أبدية وان
الآخرة لا تكون
(9) أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة.
الذين من قبلهم تقرير
لسيرهم في أقطار الأرض ونظرهم إلى آثار المدمرين قبلهم
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام ان معناه أولم ينظروا في القرآن كانوا
أشد منهم قوة كعاد وثمود وأثاروا الأرض وقلبوا وجهها لاستنباط المياه واستخراج
المعادن وزرع البذور وغيرها وعمروها وعمروا الأرض أكثر مما عمروها من عمارة
أهل مكة إياها فإنهم أهل واد غير ذي زرع لا تبسط لهم في غيرها وفيه تهكم بهم من
127

حيث إنهم مغترون بالدنيا مفتخرون بها وهم أضعف حالا فيها وجاءتهم رسلهم
بالبينات بالآيات الواضحات فما كان الله ليظلمهم فيدمرهم من غير جرم ولا تذكير
ولكن كانوا أنفسهم يظلمون حيث علموا ما أدى إلى تدميرهم
(10) ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى قيل اي ثم كان عاقبتهم العقوبة وضع
الظاهر موضع الضمير للدلالة على ما اقتضى أن يكون تلك عاقبتهم والسوأى تأنيث
أسوء وقرئ عاقبة بالنصب ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون قيل أن كذبوا اما
بدل أو هو خبر كان والسوأ مصدر اساؤا أو مفعوله بمعنى ثم كان عاقبة الذين اقترفوا
الخطيئة ان طبع الله على قلوبهم حتى كذبوا الآيات واستهزؤا بها
(11) الله يبدؤ الخلق ينشئهم ثم يعيده يبعثهم ثم إليه ترجعون للجزاء وقرئ
بالياء
(12) ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون يسكتون متحيرين آيسين
(13) ولم يكن لهم من شركائهم ممن أشركوهم بالله شفعاء يجيرونهم من
عذاب الله وكانوا بشركائهم كافرين
(14) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون القمي قال إلى الجنة والنار
(15) فاما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون
القمي اي يكرمون واصله السرور
(6 1) واما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب
محضرون لا يغيبون عنه
(17) فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون
(18) وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون قيل اخبار في
معنى الأمر بتنزيه الله سبحانه وتعالى والثناء عليه في هذه الأوقات التي تظهر فيها
قدرته ويتجدد فيها نعمته وقيل الآية جامعة للصلوات الخمس تمسون صلاة المغرب
128

والعشاء وتصبحون صلاة الفجر وعشيا صلاة العصر وتظهرون صلاة الظهر
(19) يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي
القمي قال يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن
ورواه في المجمع عنهما عليهما السلام كما مر ويحيي
الأرض بعد موتها
وكذلك تخرجون من قبوركم وقرئ بفتح التاء
في الكافي عن الكاظم عليه السلام في قوله يحيى الأرض بعد موتها قال ليس
يحييها بالقطر ولكن يبعث الله رجالا فيحيون العدل فتحيي الأرض لاحياء العدل
ولإقامة الحد فيه انفع في الأرض من القطر أربعين صباحا
(20) ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون
(21) ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها لتميلوا إليها
وتألفوا بها فان الجنسية علة للضم والاختلاف سبب للتنافر وجعل بينكم مودة
ورحمة بواسطة الزواج ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون فيعلمون ما في ذلك من
الحكم
(22) ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم لغاتكم
وألوانكم بياض الجلد وسواده وما بينهما ان في ذلك لآيات للعالمين وقرئ بكسر
اللام
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال الإمام عليه السلام إذا بصر الرجل
عرفه وعرف لونه وان سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو ان الله يقول ومن
آياته خلق السماوات والأرض الآية قال وهم العلماء فليس يسمع شيئا من الامر ينطق
به الا عرفه ناج أو هالك فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم
(23) ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله منامكم في الزمانين
لاستراحة البدن وطلب معاشكم فيهما أو منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلف وضم
بين الزمانين والفعلين بعاطفين اشعارا بأن كلا من الزمانين وان اختص بأحدهما فهو
129

صالح للآخر عند الحاجة ويؤيده سائر الآيات الواردة فيه ان في ذلك لآيات لقوم
يسمعون سماع تفهم واستبصار فان الحكمة فيه ظاهرة
(24) ومن آياته يريكم البرق خوفا من الصاعقة وللمسافر وطمعا في الغيب
وللمقيم وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بالنبات بعد موتها يبسها ان في ذلك
لآيات لقوم يعقلون يستعملون عقولهم في استنباط أسبابها وكيفية تكونها ليظهر لهم
كمال قدرة الصانع وحكمته
(25) ومن آياته ان تقوم السماء والأرض بأمره قيامهما بإقامته لهما وارادته لقيامهما
ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ثم خروجكم من القبور بغتة إذا دعاكم من
الأرض دعوة واحدة بلا توقف
(26) وله من في السماوات والأرض كل له قانتون منقادون لفعله فيهم لا يمتنعون
عليه
(27) وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده بعد هلاكهم وهو أهون عليه والإعادة
أسهل عليه من الابداء بالإضافة إلى قدركم والقياس على أصولكم والا فهما عليه
سواء وله المثل الاعلى الوصف العجيب الشأن الذي ليس لغيره ما يساويه أو يدانيه
في التوحيد عن الصادق عليه السلام ولله المثل الاعلى الذي لا يشبهه شئ
ولا يوصف ولا يتوهم فذلك المثل الأعلى
وفي العيون عن الرضا عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه
السلام وأنت المثل الأعلى وفي رواية أنه قال في آخر خطبته نحن كلمة التقوى وسبيل
الهدى والمثل الأعلى وفي الزيارة الجامعة الجوادية (عليه السلام) السلام على أئمة الهدى إلى
قوله وورثة الأنبياء والمثل الأعلى في السماوات والأرض يصفه به ما فيهما دلالة
ونطقا وهو العزيز القادر الذي لا يعجز عن ابداء وإعادة الحكيم الذي يجري الافعال
على مقتضى حكمته
(28) ضرب لكم مثلا من أنفسكم منتزعا من أحوالها التي هي أقرب
130

الأمور إليكم هل لكم مما ملكت ايمانكم من مماليككم من شركاء فيما رزقناكم
من الأموال وغيرها فأنتم فيه سواء فتكونون أنتم وهم فيه سواء يتصرفون فيه
كتصرفكم مع أنهم بشر مثلكم وانها معارة لكم تخافونهم ان تستبدوا بتصرف فيه
كخيفتكم أنفسكم كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض كذلك نفصل الآيات نبينها
فان التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها لقوم يعقلون يستعملون عقولهم في تدبر
الأمثال
والقمي كان سبب نزولها ان قريشا والعرب كانوا إذا حجوا يلبون وكانت تلبيتهم
لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا
شريك لك وهي تلبية إبراهيم والأنبياء فجاءهم إبليس في صورة شيخ وقال لهم ليست
هذه تلبية اسلافكم قالوا وما كانت تلبيتهم قال كانوا يقولون لبيك اللهم لبيك لا شريك
لك الا شريكا هو لك فتفرق القريش من هذا القول فقال لهم إبليس على رسلكم
حتى اتي على آخر كلامه فقالوا ما هو فقال الا شريك هو لك تملكه وما يملكك الا
ترون انه يملك الشريك وما ملكه فرضوا بذلك وكانوا يلبون بهذا قريش خاصة فلما
بعث الله عز وجل رسوله انكر ذلك عليهم وقال هذا شرك فأنزل الله عز وجل ضرب
لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت ايمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه
سواء اي ترضون أنتم فيما تملكون أن يكون لكم فيه شريك وإذا لم ترضوا أنتم أن يكون
لكم فيما تملكون شريك فكيف ترضون ان تجعلوا إلي شريكا فيما أملك
(29) بل اتبع الذين ظلموا بالإشراك أهوائهم بغير علم جاهلين لا يكفهم
شئ فان العالم إذا اتبع هواه ردعه علمه فمن يهدى من أضل الله فمن يقدر على
هدايته وما لهم من ناصرين يخلصونهم من الضلالة ويحفظونهم عن آفاتها
(30) فأقم وجهك للدين حنيفا
القمي اي طاهرا قيل هو تمثيل للاقبال والاستقامة عليه والاهتمام به
وفي الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام قال هي الولاية
وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام قال امره ان يقيم وجهه للقبلة ليس فيه
131

شئ من عبادة الأوثان
والقمي عنه عليه السلام انه سئل عنه قال يقيم للصلاة لا يلتفت يمينا ولا
شمالا فطرت الله التي فطر الناس عليها
في الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل عنه عليه السلام ما تلك الفطرة
قال هي الاسلام فطرهم الله حين اخذ ميثاقهم على التوحيد قال الست بربكم وفيهم
المؤمن والكافر
وعنه عليه السلام قال إن الله خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها لا
يعرفون ايمانا بشريعة ولا كفرا بجحودهم ثم بعث الله الرسل يدعون العباد إلى
الإيمان به فمنهم من هدى الله ومنهم من لم يهده
وفيه وفي التوحيد عنه عليه السلام في اخبار كثيرة قال فطرهم على التوحيد
وعن الباقر عليه السلام فطرهم على المعرفة به
والقمي عنه عليه السلام قال هو لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله
إلى ههنا التوحيد
وفي البصائر والتوحيد عن الصادق عليه السلام قال على التوحيد ومحمد
رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي أمير المؤمنين عليه السلام
وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام قال فطرهم على التوحيد عند الميثاق على
معرفة انه ربهم قال لولا ذلك لم يعلموا من ربهم ولا من رازقهم لا تبديل لخلق الله لا
يقدر أحد ان يغيره ذلك الدين القيم المستوى الذي لا عوج فيه ولكن أكثر الناس لا
يعلمون استقامته
(31) منيبين إليه راجعين إليه مرة بعد أخرى واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا
من المشركين
(32) من الذين فرقوا دينهم اختلفوا فيما يعبدونه على اختلاف أهوائهم وقرئ
فارقوا اي تركوا وكانوا شيعا فرقا يشايع كل امامها الذي أضل دينها كل حزب بما
لديهم فرحون مسرورون ظنا بأنه الحق
132

(33) وإذا مس الناس ضر شدة دعوا ربهم منيبين إليه راجعين إليه من دعاء
غيره ثم إذا أذاقهم منه رحمة خلاصا من تلك الشدة إذا فريق منهم بربهم يشركون
فأجاؤا الاشراك بربهم الذي عافاهم
(34) ليكفروا بما آتيناهم اللام فيه للعاقبة فتمتعوا التفات فسوف تعلمون
عاقبة تمتعكم
(35) أم أنزلنا عليهم سلطانا حجة أو ذا سلطان اي من معه برهان فهو يتكلم
بما كانوا به يشركون باشراكهم
(36) وإذا أذقنا الناس رحمة نعمة من صحة أو سعة فرحوا بها بطروا بسببها
وان تصبهم سيئة شدة بما قدمت أيديهم بشؤم معاصيهم إذا هم يقنطون من رحمته
وقرئ بكسر النون
(37) أولم يروا ان الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر فما لهم لم يشكروا ولم
يحتسبوا في السراء والضراء كالمؤمنين ان في ذلك لآيات لقوم يؤمنون يستدلون بها
على كمال القدرة والحكمة
(38) فات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون
وجه الله يقصدون بمعروفهم إياه خالصا وأولئك هم المفلحون حيث حصلوا بما
بسط لهم النعيم المقيم
في المجمع عنهما عليهما السلام انه لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله
عليه وآله اعطى فاطمة فدكا وسلمه إليها وقد سبق في سورة بني إسرائيل الكلام في
هذا المعنى مستوفى
(39) وما اتيتم من ربا هدية يتوقع بها مزيد مكافاة وقرء اتيتم بالقصر ليربو في
امال الناس ليزيد ويزكو في أموالهم يعني ينمو فيها ثم يرجع إليه وقرئ بالتاء
المضمومة وسكون الواو فلا يربوا عند الله فلا يزكو عنده يعني لا يثاب عليه من عند
الله
133

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال الربا ربائان ربا يؤكل وربا لا يؤكل
فأما الذي يؤكل فهديتك إلى الرجل تطلب منه الثواب أفضل منها فذلك الربا الذي
يؤكل وهو قول الله عز وجل وما اتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله
واما الذي لا يؤكل فهو الذي نهى الله عنه وأوعد عليه النار
والقمي عنه عليه السلام الربا ربائان أحدهما حلال والآخر حرام فأما الحلال
فهو ان يقرض الرجل أخاه قرضا طمعا ان يزيده ويعوضه بأكثر مما يأخذه بلا شرط
بينهما فان أعطاه أكثر مما اخذه على غير شرط بينهما فهو مباح له وليس له ثواب عند
الله فيما اقرضه وهو قوله فلا يربو عند الله واما الحرام فالرجل يقرض قرضا ويشترط ان
يرد أكثر مما اخذه فهذا هو الحرام
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام هو ان يعطي الرجل العطية أو يهدي الهدية
ليثاب أكثر منها فليس فيه اجر ولا وزر وما اتيتم من زكاة تريدون وجه الله تبتغون به
وجهه خالصا فأولئك هم المضعفون ذووا الأضعاف من الثواب في الأجل والمال
في العاجل
القمي اي ما بررتم به اخوانكم وأقرضتموهم لا طمعا في الزيادة
وقال الصادق عليه السلام على باب الجنة مكتوب القرض بثمانية عشر
والصدقة بعشرة
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام فرض الله الصلاة تنزيها عن الكبر
والزكاة تسبيبا للرزق وفي الفقيه عن فاطمة عليها السلام ما يقرب منه
(40) الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم
من يفعل من ذلكم من شئ سبحانه وتعالى عما يشركون وقرئ بالتاء
في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: الحريص محروم ومع حرمانه مذموم في اي شئ كان وكيف لا يكون محروما
وقد فر من وثاق الله وخالف قول الله تعالى حيث يقول الله الذي خلقكم ثم رزقكم
134

(1 4) ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس
القمي قال في البر فساد الحيوان إذا لم تمطر وكذلك هلاك دواب البحر بذلك
قال الصادق عليه السلام حياة دواب البحر بالمطر فإذا كف المطر ظهر الفساد في البر
والبحر وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي
وفي الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام قال ذاك والله حين قالت الأنصار منا
أمير ومنكم أمير ليذيقهم بعض الذي عملوا بعض جزائه فان تمامه في الآخرة لعلهم
يرجعون عما هم عليه
(42) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل
لتشاهدوا مصداق ذلك
في الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الآية فقال عنى بذلك اي
انظروا في القرآن فاعلموا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه كان
أكثرهم مشركين اي كان سوء عاقبتهم لفشو الشرك فيهم
(43) فأقم وجهك للدين القيم البليغ الاستقامة من قبل ان يأتي يوم لا مرد
له من الله لتحتم مجيئه يومئذ يصدعون يتصدعون اي يتفرقون فريق في الجنة وفريق
في السعير
(44) من كفر فعليه كفره اي وباله وهو النار المؤبدة ومن عمل صالحا
فلأنفسهم يمهدون يسوون منازلهم في الجنة
في المجمع عن الصادق عليه السلام قال إن العمل الصالح ليسيق صاحبه إلى
الجنة فيمهد له كما يمهد لاحدكم خادمه فراشه
(45) ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله انه لا يحب
الكافرين اكتفى عن ذكر جزائهم بالفحوى
(46) ومن آياته ان يرسل الرياح رياح الرحمة مبشرات بالمطر وليذيقكم من
رحمته المنافع التابعة لها ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله يعني تجارة البحر
135

ولعلكم تشكرون ولتشكروا نعمة الله فيها
(47) ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من
الذين أجرموا بالتدمير وكان حقا علينا نصر المؤمنين فيه اشعار بأن الانتقام لهم
واظهار لكرامتهم حيث جعلهم مستحقين على الله ان ينصرهم
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله ما من امرء مسلم يرد عن عرض أخيه
الا كان حقا على الله ان يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم قرأ وكان حقا علينا نصر
المؤمنين
وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام قال حسب المؤمن نصرة ان يرى عدوه
يعمل بمعاصي الله
(48) الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا القمي اي ترفعه فيبسطه في السماء
كيف يشاء سائرا وواقفا مطبقا وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك
ويجعله كسفا قيل قطعا اي يبسطه تارة وأخرى يجعله قطعا
والقمي قال بعضه على بعض فترى الودق المطر يخرج من خلاله
وفي المجمع عن علي عليه السلام من خلله فإذا أصاب به من يشاء من عباده
يعني بلادهم وأراضيهم إذا هم يستبشرون بمجئ الخصب
(49) وان كانوا من قبل ان ينزل عليهم المطر من قبله تكرير للتأكيد
لمبلسين لابسين
(50) فانظر إلى آثار رحمة الله أثر الغيث من النبات والأشجار وأنواع الثمار
وقرئ اثار كيف يحيى الأرض بعد موتها ان ذلك يعني الذي قدر على احياء الأرض
بعد موتها لمحيي الموتى ليحييهم لا محالة وهو على كل شئ قدير
(51) ولئن أرسلنا ريحا فراوه مصفرا قيل فرأوا الأثر والزرع فإنه مدلول عليه
بما تقدم وقيل السحاب لأنه إذا كان مصفرا لم يمطر لظلوا من بعده يكفرون قيل هذه
الآيات ناعية على الكفار بقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم
136

وسوء رأيهم فان النظر السوي يقتضي ان يتوكلوا على الله ويلتجئوا إليه بالاستغفار إذا
احتبس القطر عنهم ولم ييئسوا من رحمته وان يبادروا إلى الشكر والاستدامة بالطاعة
إذا أصابهم برحمته ولم يفرطوا في الاستبشار وان يصبروا على بلائه إذا ضرب
زروعهم بالاصفرار ولم يكفروا نعمه
(52) فإنك لا تسمع الموتى وهم مثلهم لما سدوا عن الحق مشاعرهم ولا
تسمع الصم الدعاء وقرئ بالياء مفتوحة ورفع الصم إذا ولوا مدبرين قيل قيد الحكم
ليكون أشد استحالة فان الأصم المقبل وان لم يسمع الكلام تفطن منه بواسطة
الحركات شيئا
(53) وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم ان تسمع الا من يؤمن بآياتنا لأنه
الذي يتلقى اللفظ ويتدبر المعنى فهم مسلمون لما تأمرهم به
(54) الله الذي خلقكم من ضعف ابتدءكم ضعفاء أو خلقكم من أصل
ضعيف وهو النطفة ثم جعل من بعد ضعف قوة وهو بلوغكم الأشد ثم جعل من بعد
قوة ضعفا وشيبة إذا اخذ منكم السن يخلق ما يشاء من ضعف وقوة وشيبة وقرئ بفتح
الضاد في الجميع وهو العليم القدير
(55) ويوم تقوم الساعة القيامة وهي من الأسماء الغالبة يقسم المجرمون ما
لبثوا في الدنيا أو في القبور غير ساعة استقلوا مدة لبثهم كذلك مثل ذلك التصرف عن
الصدق كانوا يؤفكون يصرفون في الدنيا
(56) وقال الذين أوتوا العلم والايمان
في الكافي والعيون عن الرضا عليه السلام في الحديث الذي يصف فيه الإمامة
والإمام قال فقلدها صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام
بأمر الله عز وجل على رسم ما فرض الله تعالى فصارت في ذريته الأصفياء الذين اتيهم
الله تعالى العلم والإيمان بقوله وقال الذين أوتوا العلم والايمان الآية لقد لبثتم في
كتاب الله في علمه وقضائه وما أوجبه لكم وكتبه إلى يوم البعث الذي أنكرتموه فهذا
137

يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون انه حق لتفريطكم في النظر فقد تبين لكم بطلان
انكاركم
القمي هذه الآية مقدمة ومؤخرة وإنما هو وقال الذين أوتوا العلم والايمان في
كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث
(57) فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم وقرئ بالياء ولا هم يستعتبون لا
يدعون إلى ما يقتضي اعتابهم اي إزالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إليه في
الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته اي استرضاني فأرضيته
(58) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية
ليقولن الذين كفروا من فرط عنادهم وقسوة قلوبهم ان أنتم يعنون الرسول والمؤمنين
الا مبطلون مزورون
(59) كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون
(60) فاصبر على أذاهم ان وعد الله بنصرتك واظهار دينك على الدين كله
حق لا بد من انجازه ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ولا يحملنك على الخفة والقلق
بتكذيبهم وايذائهم فإنهم شاكون ضالون لا يستبدع منهم ذلك والقمي اي لا يغضبك
وثواب قراءة هذه السورة قد سبق ذكره اللهم ارزقنا تلاوته بمحمد وآله عليهم
السلام
138

سورة لقمان مكية
عن ابن عباس ثلاث آيات نزلن بالمدينة ولو أن ما في الأرض إلى آخرهن وعدد آيها
ثلاث وثلاثون اية حجازي اربع في الباقين
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) ألم
(2) تلك آيات الكتاب الحكيم ذي الحكمة أو المحكم آياته
(3) هدى ورحمة وقرئ بالرفع للمحسنين
(4) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون بيان
لاحسانهم أو تخصيص لهذه الثلاثة من شعبه لفضل اعتداد بها
(5) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون لاستجماعهم العقيدة
الحقة والعمل الصالح
(6) ومن الناس من يشترى لهو الحديث ما يلهي عما يعني كالأحاديث التي
لا أصل لها والأساطير التي لا اعتبار فيها والمضاحيك وفضول الكلام
القمي قال الغناء وشرب الخمر وجميع الملاهي ويأتي تمام القول فيه عن
قريب ليضل وقرئ بفتح الياء عن سبيل الله القمي قال يحيدهم عن طريقه بغير علم
بحال ما يشتريه ويتخذها وقرء بالنصب هزوا ويتخذ السبيل سخرية أولئك لهم عذاب
مهين لإهانتهم الحق بايثار الباطل عليه
(7) وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا متكبرا لا يعبؤ بها كان لم يسمعها كان
في اذنيه وقرا ثقلا لا يقدر ان يسمع فبشره بعذاب اليم اعلمه به وإنما ذكر البشارة
139

على التهكم
القمي عن الباقر عليه السلام هو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة من بني
عبد الدار بن قصي وكان النضر ذا رواية لأحاديث الناس واشعارهم يقول الله تعالى
وإذا تتلى عليه آياتنا الآية
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام قال هو الطعن في الحق والاستهزاء به
وما كان أبو جهل وأصحابه يجيؤون به إذ قال يا معاشر قريش الا أطعمكم من الزقوم
الذي يخوفكم به صاحبكم ثم ارسل إلى زبد وتمر فقال هو الزقوم الذي يخوفكم به
قال ومنه الغناء
وفي المعاني والكافي عنه عليه السلام قال منه الغناء وفي الكافي عن الباقر
عليه السلام الغناء مما أوعد الله عليه النار وتلا هذه الآية
وعنه عليه السلام انه سئل عن كسب المغنيات فقال التي يدخل عليها الرجال
حرام والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس وهو قول الله عز وجل ومن الناس الآية
(8) ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم اي لهم نعيم جنات
فعكس للمبالغة
(9) خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الذي لا يغلبه شئ فيمنعه عن
انجاز وعده ووعيده الحكيم الذي لا يفعل الا ما يستدعيه حكمته
(10) خلق السماوات بغير عمد ترونها صفة لعمد
القمي عن الرضا عليه السلام ثم عمد ولكن لا ترونها والقى في الأرض
رواسي جبالا شوامخ ان تميد بكم كراهة ان تميل بكم قيل إن بساطة اجزائها تقتضي
تبدل احيازها وأوضاعها لامتناع اختصاص كل منها لذاته أو لشئ من لوازمه بحيز
ووضع معينين وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج
كريم من كل صنف كثير المنفعة
(11) هذا خلق الله مخلوقه فاروني ماذا خلق الذين من دونه حتى استحقوا
140

مشاركته في الألوهية بل الظالمون في ضلال مبين اضراب عن تبكيتهم إلى
التسجيل عليهم بالضلال
(12) ولقد اتينا لقمان الحكمة
في الكافي عن الكاظم عليه السلام قال الفهم والعقل
والقمي عن الصادق عليه السلام قال اوتى معرفة امام زمانه ان اشكر لله
ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه لأن نفعه عائد إليها وهو دوام النعمة واستحقاق مزيدها
ومن كفر فان الله غنى لا يحتاج إلى الشكر حميد حقيق بالحمد حمد أو لم يحمد أو
محمود ينطق بحمده جميع مخلوقاته
في الكافي عن الصادق عليه السلام شكر كل نعمة وان عظمت ان يحمد الله
عز وجل عليها وفي رواية وإن كان فيما أنعم عليه حق أداه
وفي أخرى عنه عليه السلام من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدى
شكرها
وعنه عليه السلام أوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام) يا موسى اشكرني حق
شكري فقال يا رب وكيف أشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به الا وأنت
أنعمت به علي قال يا موسى الآن شكرتني حين علمت أن ذلك مني
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال حقا أقول لم يكن لقمان نبيا
ولكن كان عبدا كثير التفكر حسن اليقين أحب الله فأحبه ومن عليه بالحكمة كان نائما
نصف النهار إذ جاءه نداء يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم
بين الناس بالحق فأجاب الصوت ان خيرني ربي قبلت العافية ولم اقبل البلا وان هو
عزم علي فسمعا وطاعة فاني اعلم أنه ان فعل بي ذلك أعانني وعصمني فقالت
الملائكة بصوت لا يريهم لم يا لقمان قال لأن الحكم أشد المنازل وأكدها يغشاه
الظلم من كل مكان ان وفى فبالحري ان ينجو وان أخطأ أخطأ طريق الجنة ومن يكن
في الدنيا ذليلا وفي الآخرة شريفا خير من أن يكون في الدنيا شريفا وفي الآخرة ذليلا
141

ومن تختر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة فعجبت الملائكة من حسن
منطقة فنام نومة فاعطي الحكمة فانتبه يتكلم بها ثم كان يوازر داود (عليه السلام) بحكمته فقال
له داود طوبى لك يا لقمان أعطيت الحكمة وصرفت عنك البلوى
والقمي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عز
وجل فقال اما والله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم
ولا جمال ولكنه كان رجلا قويا في امر الله متورعا في الله ساكتا سكيتا عميق النظر
طويل الفكر حديد النظر مستغن بالعبر لم ينم نهارا قط ولم يتك في مجلس قط ولم
يتفل في مجلس قط ولم يعبث بشئ قط ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط
ولا اغتسال لشدة تستره وعموق نظره وتحفظه في امره ولم يضحك من شئ قط
مخافة الاثم في دينه ولم يغضب قط ولم يمازح انسانا قط ولم يفرح بشئ بما أوتيه
من الدنيا ان اتاه من امر الدنيا ولا حزن منها على شئ قط وقد نكح من النساء وولد له
الأولاد الكثيرة وقدم أكثرهم افراطا فما بكى على موت أحد منهم ولم يمر
برجلين يختصمان أو يقتتلان الا أصلح بينهما ولم يمض عنهما حتى تحابا ولم يسمع
قولا قط من أحد استحسنه الا سأله عن تفسيره وعمن اخذه فكان يكثر مجالسة الفقهاء
والحكماء وكان يغشي القضاة والملوك والسلاطين فيرثي للقضاة مما ابتلوا به ويرحم
الملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه
ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان وكان يداوي قلبه بالتفكر ويداوي نفسه بالعبر
وكان لا يظعن الا فيما ينفعه ولا ينظر الا فيما يعنيه فبذلك أوتي الحكمة ومنح
العصمة وان الله تبارك وتعالى امر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت
العيون بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا يا لقمان هل لك ان
يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس فقال لقمان ان امرني ربي بذلك
فالسمع والطاعة لأنه ان فعل بي ذلك أعانني عليه وعلمني وعصمني وان هو خيرني
قبلت العافية
فقالت الملائكة يا لقمان لم قلت ذلك قال لأن الحكم بين الناس بأشد
المنازل من الدين وأكثر فتنا وبلاء ما يخذل ولا يعان ويغشاه الظلم من كل مكان
142

وصاحبه منه بين أمرين ان أصاب فيه الحق فبالحري ان يسلم وان أخطأ أخطأ طريق
الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلا ضعيفا كان أهون عليه في المعاد من أن يكون فيه
حكما سريا شريفا ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتاهما تزول هذه ولا
يدرك تلك قال فعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه فلما امسى
واخذ مضجعه من الليل انزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم
وغطاه بالحكمة غطاء فاستيقظ وهو احكم الناس في زمانه وخرج على الناس فنطق
بالحكمة ويبثها فيها قال فلما أوتي الحكم بالخلافة ولم يقبلها امر الله عز وجل
الملائكة فنادت داود (عليه السلام) بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله عز
وجل الخلافة في الأرض وابتلى فيها غير مرة وكل ذلك يهوى في الخطأ يقبله الله
تعالى ويغفر له وكان لقمان يكثر زيارة داود (عليه السلام) ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه
وكان داود (عليه السلام) يقول له طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية وأعطي
داود الخلافة وابتلى بالحكم والفتنة
(13) وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى تصغير اشفاق وقرئ بكسر الياء
وباسكانها لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم لأنه تسوية بين من لا نعمة الا منه
ومن لا نعمة منه
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام الظلم ثلاثة ظلم يغفره الله وظلم لا يغفره
الله وظلم لا يدعه الله فاما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك واما الظلم الذي يغفره
فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله واما الظلم الذي لا يدعه الله فالمداينة بين
العباد
(14) ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن تضعف ضعفا فوق
ضعف فإنها لا يزال يتضاعف ضعفها وقرئ بفتح الهاء وفصاله في عامين وفطامه في
انقضاء عامين وكانت ترضعه في تلك المدة والجملتان اعتراض مؤكد للتوصية في
حقها ان اشكر لي ولوالديك إلى المصير فأحاسبك على شكرك وكفرك
في العيون عن الرضا عليه السلام في حديث وأمرنا بالشكر له وللوالدين فمن
143

لم يشكر والديه لم يشكر الله وعنه عليه السلام من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم
يشكر الله عز وجل
(15) وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم باستحقاقه
الاشتراك تقليدا لهما يعني ما ليس فلا تطعهما في ذلك وصاحبهما في الدنيا
معروفا صحابا معروفا يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم
في الكافي عن الصادق عليه السلام ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وآله
فقال يا رسول الله أوصني فقال لا تشرك بالله شيئا وان حرقت بالنار وعذبت الا وقلبك
مطمئن بالإيمان ووالديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين وان أمراك ان تخرج
من أهلك ومالك فافعل فان ذلك من الإيمان
وعنه عليه السلام جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله من
ابر قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أباك
وعن الرضا عليه السلام قيل له ادعو لوالدي ان كانا لا يعرفان الحق قال ادع
لهما وتصدق عنهما وان كانا حيين لا يعرفان الحق فدارهما فان رسول الله صلى الله
عليه وآله قال إن الله بعثني بالرحمة لا بالعقوق
وفي العيون عنه عليه السلام وبر الوالدين واجب وان كانا مشركين ولا طاعة
لهما في معصية الخالق ولا لغيرهما فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وفي
مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام بر الوالدين من حسن معرفة
العبد بالله إذ لا عبادة أسرع بلوغا بصاحبها إلى رضاء الله تعالى
من حرمة الوالدين المسلمين لوجه الله تعالى لأن حق الوالدين
مشتق من حق الله تعالى إذا كانا على منهاج الدين والسنة ولا يكونان يمنعان
الولد من طاعة الله إلى معصيته ومن اليقين إلى الشك ومن الزهد إلى الدنيا ولا
يدعوانه إلى خلاف ذلك فإذا كانا كذلك فمعصيتهما طاعة وطاعتهما معصية قال الله
تعالى وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما واما في باب
العشرة فدارهما وارفق بهما واحتمل اذاهما نحو ما احتملا عنك في حال صغرك ولا
144

تضيق عليهما بما قد وسع الله عليك من المأكول والملبوس ولا تحول بوجهك عنهما
ولا ترفع صوتك فوق أصواتهم فان تعظيمهما من الله تعالى وقل لهما بأحسن القول
والطفه فان الله لا يضيع اجر المحسنين واتبع سبيل من أناب إلى بالتوحيد والاخلاص
والطاعة
والقمي عن الباقر عليه السلام يقول اتبع سبيل محمد صلى الله عليه وآله ثم إلى
مرجعكم جميعا فأنبئكم بما كنتم تعملون الآيتان معترضتان في تضاعيف وصية لقمان
تأكيدا لما فيها من النهي عن الشرك كأنه قال وقد وصينا بمثل ما وصى به وذكر
الوالدين للمبالغة في ذلك فإنهما مع أنهما تلوا الباري في استحقاق التعظيم والطاعة
لا يجوز ان يستحقا في الاشراك فما ظنك بغيرهما
(16) يا بنى وقرئ بكسر الياء انها (1) ان تك مثقال حبة من خردل اي الخصلة
من الإساءة أو الاحسان تك مثلا في الصغر كحبة الخردل وقرئ مثقال بالرفع فالهاء
للقصة والكون تامة فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض في اخفى مكان
واحرزه وأعلاه وأسفله يأت بها الله يحضرها ويحاسب عليها
والقمي قال من الرزق يأتيك به الله ان الله لطيف يصل علمه إلى كل خفي
خبير عالم بكنهه
العياشي عن الصادق عليه السلام اتقوا المحقرات من الذنوب فان لها طالبا لا
يقولن أحدكم أذنب واستغفر الله ان الله يقول إن تك مثقال حبة من خردل الآية رواه
في المجمع عنه عليه السلام وفي الكافي عن الباقر عليه السلام مثله
(17) يا بنى وقرئ بكسر الياء واسكانها أقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن
المنكر واصبر على ما أصابك من الشدائد
في المجمع عن علي عليه السلام من المشقة والأذى في الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر ان ذلك من عزم الأمور قطعه قطع ايجاب والزام ومنه الحديث ان
145

الله يحب ان يؤخذ برخصه كما يحب ان يؤخذ بعزائمه
(18) ولا تصعر خدك للناس ولا تمل وجهك من الناس تكبرا ولا تعرض عمن
يكلمك استخفافا به
كذا في المجمع عن الصادق عليه السلام قيل هو من الصعر وهو داء يعتري
البعير فيلوي عنقه والقمي اي لا تذل للناس طمعا فيما عندهم وقرئ لا تصاعر ولا
تمش في الأرض مرحا فرحا وهو البطر
والقمي عن الباقر عليه السلام يقول بالعظمة ان الله لا يحب كل مختال فخور
علة النهي
في المجالس والفقيه عن النبي صلى الله عليه وآله انه نهى ان يختال الرجل في
مشيته وقال من لبس ثوبا فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنم وكان قرين قارون
لأنه أول من اختال فخسف به وبداره الأرض ومن اختال فقد نازع الله في جبروته
(19) واقصد في مشيك توسط فيه بين الدبيب والاسراع
والقمي اي لا تعجل
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام قال سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن
واغضض من صوتك اقصر منه والقمي أي لا ترفعه ان انكر الأصوات أوحشها
لصوت الحمير
في الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل عنه عليه السلام فقال العطسة
القبيحة
وفي المجمع عنه عليه السلام قال هي العطسة المرتفعة القبيحة والرجل يرفع
صوته بالحديث رفعا قبيحا الا أن يكون داعيا أو يقرء القرآن والقمي عنه عليه السلام
في قول الله تعالى وإذ قال لقمان لابنه الآيات قال فوعظ لقمان ابنه باثار حتى تفطر
وانشق وكان فيما وعظ به ان قال يا بني انك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها
واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد يا بني
146

جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك وخذ من الدنيا بلاغا ولا
ترفضها فتكون عيالا على الناس ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك وصم صوما يقطع
شهوتك ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فان الصلاة أحب إلى الله من الصيام يا بني
ان الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الإيمان واجعل
شراعها التوكل واجعل زادك فيها تقوى الله فان نجوت فبرحمة الله وان هلكت
فبذنوبك يا بني ان تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا ومن عنى بالأدب اهتم به ومن اهتم
به تكلف علمه ومن تكلف علمه اشتد له طلبه ومن اشتد له طلبه أدرك منفعته فاتخذه
عادة فإنك تخلف في سلفك وتنفع به من خلفك ويرتجيك فيه راغب ويخشى صولتك
راهب وإياك والكسل عنه والطلب لغيره فان غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة
وإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة واجعل في أيامك ولياليك
وساعاتك لنفسك نصيبا في طلب العلم فإنك لن تجد له تضييعا أشد من تركه ولا
تمارين فيه لجوجا ولا تجادلن فقيها ولا تعادين سلطانا ولا تماشين ظلوما ولا
تصادقنه ولا تواخين فاسقا نطفا ولا تصاحبن متهما واخزن علمك كما تخزن
ورقك
يا بني خف الله عز وجل خوفا لو اتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت ان
يعذبك وارج الله رجاء لو وافيت القيامة باثم الثقلين رجوت ان يغفر الله لك فقال له
ابنه يا أبت وكيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد فقال له لقمان يا بني لو استخرج قلب
المؤمن فشق لوجد فيه نوران نور للخوف ونور للرجاء لو وزنا ما رجح أحدهما على
الاخر بمثقال ذرة فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله عز وجل ومن يصدق ما
قال الله عز وجل يفعل ما أمر الله عز وجل ومن لم يفعل ما أمر الله لم
يصدق ما قال الله فان هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض فمن يؤمن
بالله ايمانا صادقا يعمل لله خالصا ناصحا فقد آمن بالله صادقا
ومن أطاع الله خافه ومن خافه فقد أحبه ومن أحبه فقد اتبع امره
ومن اتبع امره استوجب جنته ومرضاته ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان عليه سخط
الله نعوذ بالله من سخط الله
147

يا بني لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فما خلق الله خلقا هو أهون عليه
منها الا ترى انه لم يجعل نعيمها ثواب للمطيعين ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين
(20) ألم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات بأن جعله أسبابا لمنافعكم
وما في الأرض بأن مكنكم من الانتفاع به وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة
محسوسة ومعقولة ما تعرفونه وما لا تعرفونه وقرئ نعمه على الجمع
والقمي عن الباقر عليه السلام اما النعمة الظاهرة فالنبي صلى الله عليه وآله وما
جاء به من معرفة الله وتوحيده واما النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا
وفي الاكمال والمناقب عن الكاظم عليه السلام النعمة الظاهرة الامام الظاهر
والباطنة الامام الغائب
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله اما ما ظهر فالاسلام وما سوى
الله من خلقك وما أفضل عليك من الرزق واما ما بطن فستر مساوي عملك ولم
يفضحك به
وفي الأمالي عن الباقر عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه
السلام قل: ما أول نعمة ابلاك الله عز وجل وانعم عليك بها قال إن خلقني
جل ثناؤه ولم أك شيئا مذكورا قال صدقت فما الثانية قال إن أحسن بي إذ خلقني
فجعلني حيا لا مواتا قال صدقت فما الثالثة قال إن أنشأني وله الحمد في أحسن صورة
واعدل تركيب قال صدقت فما الرابعة قال إن جعلني متفكرا راعيا لا ساهيا قال
صدقت فما الخامسة قال إن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها وجعل لي سراجا
منيرا قال صدقت فما السادسة قال إن هداني الله لدينه ولم يضلني عن سبيله قال
صدقت فما السابعة قال إن جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها قال صدقت فما
الثامنة قال إن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا قال صدقت فما التاسعة قال إن سخر لي
سماءه وارضه وما فيهما وما بينهما من خلقه قال صدقت فما العاشرة قال إن جعلنا
سبحانه ذكرانا قواما على حلائلنا لا إناثا قال صدقت فما بعدها قال كثرت نعم الله يا
نبي الله فطابت وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله
148

وقال ليهنئك الحكمة ليهنئك العلم يا أبا الحسن فأنت وارث علمي والمبين لأمتي ما
اختلفت فيه من بعدي الحديث
ومن الناس من يجادل في الله في توحيده وصفاته بغير علم مستفاد من برهان
ولا هدى راجع إلى رسول أو وصي رسول ولا كتاب منير أنزله بل تقليد من لا
يجوز تقليده
(21) وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو
كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير القمي عن الباقر عليه السلام هو النضر بن
الحارث قال له رسول الله صلى الله عليه وآله اتبع ما انزل إليك من ربك قال بل اتبع ما
وجدت عليه آبائي
(22) ومن يسلم وجهه إلى الله بان فوض امره إليه واقبل بشراشره عليه وهو
محسن في عمله فقد استمسك بالعروة الوثقى تعلق بأوثق ما يتعلق به
القمي قال بالولاية والى الله عاقبة الأمور إذ الكل صائر إليه
(23) ومن كفر فلا يحزنك كفره فإنه لا يضرك الينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا
ان الله عليم بذات الصدور
(24) نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ
(25) ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله لوضوح البرهان
بحيث اضطروا إلى الاذعان
في التوحيد عن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل
مولود يولد على الفطرة يعني على المعرفة بأن الله عز وجل خالقه فذلك قول الله عز
وجل ولئن سئلتهم الآية
وعن الجواد عليه السلام انه سئل ما معنى الواحد فقال اجتماع الألسن عليه
بالتوحيد كما قال الله عز وجل ولئن سئلتهم الآية قل الحمد لله على الزامهم والجائهم إلى
الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم بل أكثرهم لا يعلمون ان ذلك يلزمهم
149

(26) لله ما في السماوات والأرض لا يستحق العبادة فيهما غيره ان الله هو
الغنى عن حمد الحامدين الحميد المستحق للحمد وان لم يحمد
(27) ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر
والبحر المحيط بسعته مدادا ممدودا بسبعة أبحر فأغنى عن ذكر المداد بمده لأنه من
مد الدواة وامدها والبحر بالنصب
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام انه قرئ والبحر مداده ما نفدت كلمات
الله يكتبها بتلك الأقلام المداد إن الله عزيز لا يعجزه شئ حكيم لا يخرج عن علمه
وحكمته أمر
القمي وذلك أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن
الروح فقال الروح من امر ربى وما أوتيتم من العلم الا قليلا قالوا نحن خاصة قال بل
الناس عامة قالوا فكيف يجتمع هذا يا محمد أتزعم انك لم تؤت من العلم الا قليلا
وقد أوتيت القرآن وأوتينا التوراة وقد قرأت ومن يؤت الحكمة وهي التوراة فقد اوتى
خيرا كثيرا فأنزل الله تبارك وتعالى ولو أن ما في الأرض الآية يقول علم الله أكثر من
ذلك وما أوتيتم كثير فيكم قليل عند الله
(28) ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة قيل الا كخلقها وبعثها
إذ لا يشغله شأن عن شأن
القمي عن الباقر عليه السلام بلغنا والله أعلم انهم قالوا يا محمد خلقنا
أطوارا نطفا ثم علقا ثم أنشأنا خلقا آخر كما تزعم وتزعم انا نبعث في ساعة واحدة
فقال الله ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة إنما يقول له كن فيكون ان الله سميع
بصير لا يشغله سمع عن سمع ولا ابصار عن ابصار
(29) ألم تر ان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل
القمي يقول ما ينقص من الليل يدخل في النهار وما ينقص من النهار يدخل في
الليل وسخر الشمس والقمر كل من النيرين يجرى في فلكه إلى اجل مسمى
150

القمي يقول كل واحد منهما يجري إلى منتهاه لا يقصر عنه ولا يجاوزه وان الله
بما تعملون خبير عالم بكنهه
(30) ذلك إشارة إلى الذي ذكر من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع
واختصاص الباري عز اسمه بها بان الله هو الحق وان ما تدعون من دونه الباطل وقرئ
بالياء وان الله هو العلى الكبير المترفع على كل شئ والمتسلط عليه
(31) ألم تر ان الفلك تجرى في البحر بنعمة الله باحسانه في تهيئة أسبابه
القمي قال السفن تجري في البحر بقدرة الله ليريكم من آياته دلائله ان في ذلك
لآيات لكل صبار شكور قيل اي لكل من حبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكر
في الآئه والشكر لنعمائه
والقمي قال الذي يصبر على الفقر والفاقة ويشكر الله على جميع أحواله
أقول: ولعله أراد به من لا يركب البحر لطلب الرزق ويعتبر لمن ركبه لذلك
وقيل أريد بالصبار الشكور المؤمن وفي الحديث الإيمان نصفان نصف صبر
ونصف شكر رواه في المجمع
أقول: راكب البحر بين خوف من الغرق ورجاء للخلاص فهو لا يزال بين بلية
ونعمة والبلية تطلبه بالصبر والنعمة تطلبه بالشكر فهو صبار شكور
(32) وإذا غشيهم علاهم وغطاهم يعني في البحر موج كالظلل كما يظل من
جبل أو سحاب أو غيرهما دعوا الله مخلصين له الدين لزوال ما ينازع الفطرة من
الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد
القمي اي صالح وما يجحد بآياتنا الا كل ختار غدار بنقض العهد الفطري وما كان في
البحر والختر أشد الغدر
والقمي قال الختار الخداع كفور للنعم
(33) يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده لا يقضي
151

عنه وقرئ لا يجزي من اجزاء اي لا يغني ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ان وعد الله
حق بالثواب والعقاب
القمي قال ذلك القيامة فلا تغرنكم الحياة الدنيا بتشويقها في الكافي عن
السجاد عليه السلام الدنيا دنياءان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة ولا يغرنكم بالله الغرور
الشيطان بان يرجيكم التوبة والمغفرة فيجرئكم على المعاصي
(34) ان الله عنده علم الساعة علم وقت قيامها وينزل الغيث في انائه المقدرة
له والمحل المعين له في علمه وقرئ بالتشديد ويعلم ما في الأرحام في نهج البلاغة
من ذكر أو أنثى وقبيح أو جميل وسخي أو بخيل وشقي أو سعيد ومن يكون للنار حطبا
أو في الجنان للنبيين مرافقا وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا من خير أو شر وربما تعزم
على شئ فتفعل خلافه وما تدرى نفس باي ارض تموت
القمي عن الصادق عليه السلام هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها ملك مقرب
ولا نبي مرسل وهي من صفات الله تعالى
وفي نهج البلاغة فهذا هو علم الغيب الذي لا يعلمه أحد الا الله
وفي المجمع جاء في الحديث ان مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن الا الله وقرأ
هذه الآية وقد روى عن أئمة الهدى ان هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التفصيل
والتحقيق غيره تعالى
أقول: وإنما قيل على التفصيل والتحقيق لأنهم عليهم السلام ربما كانوا
يخبرون عن بعض هذه على الإجمال وإنما كان ذلك تعلما من ذي علم كما قاله أمير
المؤمنين عليه السلام ان الله عليم يعلم الأشياء كلها خبير يعلم بواطنها كما يعلم
ظواهرها
في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر عليه السلام من قرأ سورة لقمان في ليلة
وكل الله به في ليلته ملائكة يحفظونه من إبليس وجنوده حتى يصبح وإذا قرأها بالنهار
لم يزالوا يحفظونه من إبليس عليه اللعنة وجنوده حتى يمسي
152

سورة السجدة
مكية الا ثلاث آيات منها فإنها نزلت بالمدينة أفمن كان مؤمنا إلى تمام الآيات
عدد آيها تسع وعشرون اية بصري وثلاثون في الباقين
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) ألم
(2) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين
(3) أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما اتيهم من نذير من
قبلك إذ كانوا أهل الفترة لعلهم يهتدون بانذارك إياهم
(4) الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على
العرش سبق تفسيره في سورة الأعراف ما لكم من دونه من ولى ولا شفيع إذا جاوزتم
امره أفلا تتذكرون بمواعظ الله
(5) يدبر الامر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره الف
سنة مما تعدون
القمي يعني الأمور التي يدبرها والأمر والنهي الذي امر به واعمال العباد كل
هذا يظهر يوم القيامة فيكون مقدار ذلك اليوم الف سنة من سني الدنيا وقد سبق في
سورة الحج اخبار في هذا المعنى
(6) ذلك عالم الغيب والشهادة فيدبر أمرها على وفق الحكمة العزيز الغالب
على امره الرحيم على العباد في تدبيره
(7) الذي أحسن كل شئ خلقه موفرا عليه ما يستعده ويليق به على وفق
153

الحكمة والمصلحة وقرء بفتح اللام وبدء خلق الانسان من طين القمي قال هو آدم
(8) ثم جعل نسله ذريته سميت به لأنها تنسل منه أي تنفصل من سلالة القمي نسله
اي ولده من سلالة قال هو الصفوة من الطعام والشراب من ماء
مهين قال النطفة المني
(9) ثم سواه قومه بتصوير أعضائه على ما ينبغي
القمي استحاله من نطفة إلى علقة ومن علقة إلى مضغة حتى نفخ فيه الروح
ونفخ فيه من روحه اضافه إلى نفسه تشريفا واظهارا بأنه خلق عجيب وان له
لشأنا له مناسبة ما إلى الحضرة الربوبية ولأجله من عرف نفسه فقد عرف ربه وقد
مضى في معنى الروح اخبار في سورة الحجر وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة
خصوصا لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا قليلا ما تشكرون شكرا قليلا
(10) وقالوا أإذا ضللنا في الأرض اي صرنا ترابا مخلوطا بتراب الأرض لا
نتميز عنه أو غبنا فيها وقرء بحذف الهمزة
وفي الجوامع عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قرء بالمهملة وكسر اللام من
صل اللحم إذا أنتن ائنا لفي خلق جديد يجدد خلقنا وقرئ بحذف الهمزة بل هم بلقاء
ربهم كافرون
في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام يعني البعث فسماه الله عز وجل
لقائه
(11) قل يتوفاكم يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئا ولا يبقى منكم أحدا ملك
الموت الذي وكل بكم بقبض أرواحكم واحصاء اجالكم ثم إلى ربكم ترجعون
للحساب والجزاء
القمي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما
أسري بي إلى السماء رأيت ملكا من الملائكة بيده لوح من نور لا يلتفت يمينا ولا
154

شمالا مقبلا عليه كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرئيل قال هذا ملك الموت مشغول
في قبض الأرواح فقلت ادنني منه يا جبرئيل لأكلمه فأدناني منه فقلت له يا ملك
الموت اكل من مات أو هو ميت فيما بعد أنت تقبض روحه قال نعم قلت وتحضرهم
بنفسك قال نعم ما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله عز وجل لي ومكنني منها الا
كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف شاء وما من دار في الدنيا الا وادخلها في كل يوم
خمس مرات وأقول إذا بكى أهل البيت على ميتهم لا تبكوا عليه فان لي إليكم عودة
وعودة حتى لا يبقى منكم أحد
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كفى بالموت طامة يا جبرئيل فقال جبرئيل
ما بعد الموت اطم وأعظم من الموت
(12) ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم من الحياء والخزي
ربنا قائلين ربنا أبصرنا ما وعدتنا وسمعنا منك تصديق رسلك فارجعنا إلى الدنيا نعمل
صالحا انا موقنون إذ لم يبق لنا شك بما شاهدنا
القمي أبصرنا وسمعنا في الدنيا ولم نعمل به
(13) ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح
بالتوفيق له
القمي قال لو شئنا ان نجعلهم كلهم معصومين لقدرنا ولكن حق القول منى
ثبت قضائي وسبق وعيدي لأملئن جهنم من الجنة والناس أجمعين
(14) فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا انا نسيناكم
القمي اي تركناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون من التكذيب
والمعاصي
(15) إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها وعظوا بها خروا سجدا خوفا من
عذاب الله وسبحوا بحمد ربهم ونزهوه عما لا يليق به كالعجز عن البعث حامدين له
155

شكرا على ما وفقهم للاسلام واتاهم الهدى وهم لا يستكبرون عن الإيمان والطاعة
(16) تتجافى جنوبهم ترتفع وتتنحى عن المضاجع الفرش ومواضع النوم
في المجمع عنهما عليهما السلام هم المتهجدون بالليل الذين يقومون عن
فرشهم للصلاة يدعون ربهم داعين إياه خوفا من سخطه وطمعا في رحمته ومما
رزقناهم ينفقون في وجوه الخير
في العلل عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال لعلك ترى ان القوم لم
يكونوا ينامون لابد لهذا البدن ان تريحه حتى يخرج نفسه فإذا خرج النفس استراح
البدن ورجع الروح قوة على العمل قال نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام واتباعه
من شيعتنا ينامون في أول الليل فإذا ذهب ثلثا الليل أو ما شاء الله فزعوا إلى ربهم
راغبين مرهبين طامعين فيما عنده فذكرهم الله في كتابه فأخبركم بما أعطاهم انه أسكنهم
في جواره وأدخلهم جنته وأمنهم خوفهم واذهب رعبهم
وفي الكافي عنه عليه السلام وفي المجالس عن الصادق عليه السلام وفي
المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله الا أخبرك بأبواب الخير قيل نعم قال الصوم جنة
من النار والصدقة تكفر الخطيئة وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله وفي رواية
يذكر الله وفي أخرى يناجي ربه ثم قرأ هذه الآية تتجافى جنوبهم
وفي الأمالي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال لا ينامون حتى يصلوا
العتمة
(17) فلا تعلم نفس ما اخفى لهم وقرئ بسكون الياء من قرة أعين مما تقربه
عيونهم جزاء بما كانوا يعملون
القمي عن الصادق عليه السلام ما من عمل حسن يعمله العبد الا وله ثواب في
القرآن الا صلاة الليل فان الله عز وجل لم يبين ثوابها لعظم خطره عنده فقال جل ذكره
تتجافى جنوبهم إلى قوله يعملون ثم قال إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم
جمعة فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمن ملكا معه حلتان فينتهي إلى باب
156

الجنة فيقول استأذنوا لي على فلان فيقال له هذا رسول ربك على الباب فيقول
لأزواجه اي شئ ترين علي أحسن فيقلن يا سيدنا والذي أباحك الجنة ما رأينا عليك
شيئا أحسن من هذا بعث إليك ربك فيتزر بواحدة ويتعطف بالأخرى فلا يمر بشئ
الا أضاء له حتى ينتهي إلى الموعد فإذا اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى فإذا
نظروا إليه خروا سجدا فيقول عبادي ارفعوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا يوم
عبادة قد رفعت عنكم المؤنة فيقولون يا رب واي شئ أفضل مما أعطيتنا أعطيتنا
الجنة فيقول لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا فيرجع المؤمن في كل جمعة
سبعين ضعفا مثل ما في يديه وهو قوله ولدينا مزيد وهو يوم الجمعة ليلتها ليلة غراء
ويومها يوم أزهر فأكثروا فيها من التسبيح والتكبير والتهليل والثناء على الله والصلاة
على محمد وآله قال فيمر المؤمن فلا يمر بشئ الا أضاء له فينتهي إلى أزواجه
فيقلن والذي أباحنا الجنة يا سيدنا ما رأيناك قط أحسن منك الساعة فيقول اني قد
نظرت إلى نور ربي ثم قال إن أزواجه لا يغرن ولا يحضن ولا يصلفن قال الراوي
قلت جعلت فداك اني أردت ان أسألك عن شئ استحي منه قال سل قلت في الجنة
غناء قال إن في الجنة شجرا يأمر الله رياحها فتهب فتضرب تلك الشجرة بأصوات لم
يسمع الخلايق بمثلها حسنا ثم قال هذا عوض لمن ترك السماع للغناء في الدنيا من
مخافة الله
قال قلت جعلت فداك زدني فقال إن الله خلق جنة بيده ولم ترها عين ولم
يطلع عليها مخلوق يفتحها الرب كل صباح فيقول ازدادي ريحا وازدادي طيبا وهو قول
الله فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون
وفي المحاسن عنهما عليهما السلام قالا قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما
أسري بي رأيت في الجنة نهرا ابيض من اللبن واحلى من العسل وأشد استقامة من
السهم فيه أباريق عدد النجوم على شاطئه قباب الياقوت الأحمر والدر الأبيض فضرب
جبرئيل بجناحيه فإذا هو مسكة ذفرة ثم قال والذي نفس محمد صلى الله عليه وآله بيده
ان في الجنة لشجرا يتصفق بالتسبيح بصوت لم يسمع الأولون والآخرون يثمر ثمرا
157

كالرمان يلقي ثمرة إلى الرجل فيشقها عن سبعين حلة والمؤمنون على الكراسي وهم
الغر المحجلون حيث شاؤوا من الجنة فبينا هم كذلك إذ أشرفت عليهم امرأة من
فوقه تقول سبحان الله يا عبد الله ما لنا منك دولة فيقول من أنت فتقول انا من اللواتي
قال الله فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة أعين
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله يقول الله تعالى أعددت لعبادي
الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعتكم عليه
اقرؤا ان شئتم فلا تعلم نفس الآية
أقول: بله ككتف بمعنى دع أو سوى
(18) أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا خارجا عن الإيمان لا يستوون في
الشرف والمثوبة
(19) اما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا النزل ما يعد
للنازل من طعام وشراب وصلة بما كانوا يعملون
(20) واما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا ان يخرجوا منها أعيدوا
فيها عبارة عن خلودهم فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون إهانة
لهم وزيادة في غيظهم
القمي قال إن جهنم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما فإذا بلغوا أسفلها
زفرت بهم جهنم فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد فهذه حالهم
(21) ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر أي قبل أن يصلوا
إلى الآخرة
القمي قال العذاب الأدنى عذاب الرجعة بالسيف لعلهم يرجعون قال فإنهم
يرجعون في الرجعة حتى يعذبوا
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام ان العذاب الأدنى عذاب القبر قال
والأكثر في الرواية عن الباقر والصادق عليهما السلام ان العذاب الأدنى الدابة
158

والدجال
القمي عن الباقر عليه السلام قال إن علي بن أبي طالب عليه السلام والوليد بن
عقبة تشاجرا فقال الفاسق الوليد بن عقبة انا والله ابسط منك لسانا واحد منك شأنا
وامثل جثوا في الكتيبة فقال علي عليه السلام اسكت إنما أنت فاسق فأنزل الله هذه
الآيات
وفي الاحتجاج عن الحسن المجتبى عليه السلام في حديث له واما أنت يا وليد
ابن عقبة فوالله ما ألومك ان تبغض عليا وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة وقتل أباك
صبرا بيده يوم بدر أم كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنا في عشر آيات من القرآن
وسماك فاسقا وهو قول الله عز وجل أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون
أقول: الاخبار مستفيضة من طريق العامة والخاصة بأن هذه الآيات نزلت في
علي عليه السلام والوليد
(22) ومن اظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم اعرض عنها فلم يتفكر فيها وثم
لاستبعاد الاعراض عنها مع فرط وضوحها وارشادها إلى أسباب السعادة بعد التذكير
بها انا من المجرمين منتقمون فكيف بمن كان اظلم من كل ظالم
(23) ولقد اتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه قيل من لقاء موسى
عليه السلام ربه في الآخرة
كذا عن النبي صلى الله عليه وآله وجعلناه هدى لبنى إسرائيل
(24) وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وقرئ بكسر اللام والتخفيف
القمي قال كان في علم الله انهم يصبرون على ما يصيبهم فجعلهم أئمة
وعن الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال الأئمة في كتاب الله امامان
قال الله تعالى وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لا بأمر الناس يقدمون امر الله قبل أمرهم
وحكم الله قبل حكمهم الحديث وكانوا بآياتنا يوقنون لامعانهم فيها النظر
159

(25) ان ربك هو يفصل بينهم يوم القيمة يقضي فيميز الحق من الباطل بتمييز
المحق من المبطل فيما كانوا فيه يختلفون من امر الدين
(26) أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون اي كثرة من أهلكناهم
يمشون في مساكنهم قيل يعني أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديارهم ان في ذلك
لآيات أفلا يسمعون سماع تدبر واتعاظ
(27) أولم يرو انا نسوق الماء إلى الأرض الجرز التي جرز نباتها اي قطع
وأزيل
القمي قال الأرض الخراب فنخرج به زرعا تأكل منه انعامهم كالتبن والورق
وأنفسهم كالحب والثمر أفلا يبصرون فيستدلون به على كمال قدرته وفضله
(28) ويقولون متى هذا الفتح ان كنتم صادقين في الوعد به
(29) قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا ايمانهم ولا هم ينظرون ولا
يمهلون
(30) فاعرض عنهم وانتظر انهم منتظرون
القمي هو مثل ضربه الله في الرجعة والقائم عليه السلام فلما اخبرهم رسول
الله صلى الله عليه وآله بخبر الرجعة قالوا متى هذا الفتح ان كنتم صادقين وهذه
معطوفة على قوله ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر
في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة السجدة في
كل ليلة جمعة أعطاه الله كتابه بيمينه ولم يحاسبه بما كان منه وكان من رفقاء محمد
وأهل بيته عليه وآله السلام وفي ثواب الأعمال عنه عليه السلام من اشتاق إلى الجنة
والى صفتها فليقرأ الواقعة ومن أحب ان ينظر إلى صفة النار فليقرأ سجدة ولقمان وفي
الخصال عنه عليه السلام قال إن العزائم اربع اقرأ باسم ربك الذي خلق والنجم
وتنزيل السجدة وحم السجدة والله يعلم
160

سورة الأحزاب
مدنية وهي ثلاث وسبعون آية بالاجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين
القمي وهذا هو الذي قال الصادق عليه السلام ان الله بعث نبيه بإياك أعني
واسمعي يا جارة فالمخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى للناس في المجمع نزلت
في أبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور السلمي قدموا المدينة
ونزلوا على عبد الله بن أبي بعد غزوة أحد بأمان من رسول الله صلى الله عليه وآله
يكلموه فقاموا وقام معهم عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد بن أبي سرح
وطعمة بن أبي بيرق فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا
محمد ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات وقل ان لها شفاعة لمن عبدها وندعك
وربك فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عمر بن الخطاب ائذن لنا يا
رسول الله في قتلهم فقال إني أعطيتهم الأمان وامر (ص) فاخرجوا من المدينة ونزلت
الآية ولا تطع الكافرين من أهل مكة أبا سفيان وأبا الأعور وعكرمة والمنافقين ابن أبي
وابن سعد وطعمة ان الله كان عليما بالمصالح والمفاسد حكيما لا يحكم الا بما
يقتضيه الحكمة
(2) واتبع ما يوحى إليك من ربك ان الله كان بما تعملون خبيرا وقرئ
بالياء
(3) وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا
(4) ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ما جمع قلبين في جوف رد لما
زعمت العرب من أن اللبيب الأريب له قلبان
161

في المجمع نزلت في أبي معمر حميد بن معمر بن حبيب الفهري وكان لبيبا
حافظا لما يسمع وكان يقول إن في جوفي لقلبين اعقل بكل واحد منهما أفضل من
عقل محمد صلى الله عليه وآله وكانت قريش تسميه ذا القلبين فلما كان يوم بدر وهزم
المشركون وفيهم أبو معمر يلقاه أبو سفيان بن حرب وهو اخذ بيده احدى نعليه
والأخرى في رجله فقال له يا أبا معمر ما حال الناس قال انهزموا قال فما بالك احدى
نعليك في يدك والأخرى في رجلك فقال أبو معمر ما شعرت الا انهما في رجلي
فعرفوا يومئذ انه لم يكن له الا قلب واحد لما نسي نعله في يده
والقمي عن الباقر عليه السلام قال قال علي بن أبي طالب عليه السلام لا
يجتمع حبنا وحب عدونا في جوف انسان ان الله لم يجعل لرجل قلبين في جوفه
فيحب بهذا ويبغض بهذا فأما محبنا فيخلص الحب لنا كما يخلص الذهب بالنار لا
كدر فيه فمن أراد أن يعلم حبنا فليمتحن قلبه فان شارك في حبنا حب عدونا فليس منا
ولسنا منه والله عدوهم وجبرئيل وميكائيل والله عدو للكافرين
وفي الأمالي ما يقرب منه
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام ما جعل الله لرجل من قلبين يحب بهذا
قوما ويحب بهذا أعداءهم
وفي مصباح الشريعة عنه عليه السلام فمن كان قلبه متعلقا في صلاته بشئ
دون الله فهو قريب من ذلك الشئ بعيد عن حقيقة ما أراد الله منه في صلاته ثم تلا
هذه الآية وما جعل أزواجكم اللائي وقرئ بالياء وحده بدون همزة تظاهرون منهن وقرئ
بضم التاء وتشديد الظاء وبحذف الألف وتشديد الظاء والهاء أمهاتكم (1) وما جمع
الزوجية والأمومة في امرأة رد لما زعمت العرب ان من قال لزوجته أنت علي كظهر
أمي صارت زوجته كالأم له ويأتي تمام الكلام فيه في سورة المجادلة إن شاء الله وما
جعل أدعيائكم أبنائكم وما جمع الدعوة والبنوة في رجل رد لما زعمت العرب إن

(1) يقال: ظاهر من امرأته وتظاهر وتظهر: وهو ان يقول لها (أنت علي كظهر أمي) وكانت العرب تطلق نساءها
في الجاهلية بهذا اللفظ فلما جاء الإسلام نهى عنه وأوجب عليه الكفارة.
162

دعي الرجل ابنه ولذلك كانوا يقولون لزيد بن حارثة الكلبي عتيق رسول الله ابن محمد
صلى الله عليه وآله
القمي عن الصادق عليه السلام قال كان سبب ذلك أن رسول الله لما تزوج
خديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها ورأي زيدا يباع ورآه غلاما
كيسا حصيفا فاشتراه فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وآله دعاه إلى الإسلام
فأسلم وكان يدعى زيد مولى محمد صلى الله عليه وآله فلما بلغ حارثة بن شراحيل
الكلبي خبر ولده زيد قدم مكة وكان رجلا جليلا فأتى أبا طالب فقال يا أبا طالب إن
ابني وقع عليه السبي وبلغني أنه صار إلى ابن أخيك نسأله إما أن يبيعه وإما أن
يفاديه وإما أن يعتقه فكلم أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله هو حر فليذهب حيث شاء فقام حارثة فأخذ بيد زيد فقال له يا بني
إلحق بشرفك وحسبك فقال زيد لست أفارق رسول الله صلى الله عليه وآله أبدا فقال
له أبوه فتدع حسبك ونسبك وتكون عبدا لقريش فقال زيد لست أفارق رسول الله ما
دمت حيا
فغضب أبوه وقال يا معشر قريش اشهدوا إني قد برئت منه وليس هو ابني
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اشهدوا أن زيدا ابني أرثه ويرثني فكان يدعى زيد
ابن محمد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبه وسماه زيد الحب فلما هاجر رسول
الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش وأبطأ عنه يوما فأتى رسول
الله صلى الله عليه وآله منزله يسأله عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا
بفهر لها فدفع رسول الله صلى الله عليه وآله الباب فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال
سبحان الله خالق النور وتبارك الله أحسن الخالقين ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعا عجيبا وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها زيد هل لك أن أطلقك حتى يتزوجك رسول
الله صلى الله عليه وآله فلعلك قد وقعت في قلبه فقالت أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني
رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء زيد إلى رسول الله فقال بأبي أنت وأمي يا رسول
الله أخبرتني زينب بكذا وكذا فهل لك أن أطلقها حتى تتزوجها فقال له رسول الله
163

صلى الله عليه وآله لا اذهب واتق الله وأمسك عليك زوجك ثم حكى الله عز وجل فقال
أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله
أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها إلى قوله وكان أمر الله مفعولا
فزوجه الله تعالى من فوق عرشه فقال المنافقون يحرم علينا نساء أبنائنا ويتزوج امرأة
ابنه زيد فأنزل الله عز وجل في هذا وما جعل أدعياءكم أبناءكم إلى قوله يهدى
السبيل
أقول وتأتي قصة تزويج زينب من رسول الله صلى الله عليه وآله بنحو آخر
في هذه السورة إن شاء الله ذلكم قولكم بأفواهكم لا حقيقة له كقول من يهذي
والله يقول الحق ما له وهو يهدى السبيل سبيل الحق
(5) ادعوهم لآبائهم انسبوهم إليهم هو أقسط عند الله أعدل أريد
به مطلق الزيادة لا التفضيل ومعناه البالغ في الصدق فإن لم
تعلموا ابائهم لتنسبوهم إليهم فإخوانكم في الدين فهم إخوانكم في
الدين ومواليكم وأولياؤكم فيه فيقولوا هذا أخي ومولاي بهذا التأويل وليس عليكم
جناح فيما أخطأتم به ولا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين قبل النهي أو بعده
على النسيان أو سبق اللسان ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما يعفو
عن المخطي
(6) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم يعني أولى بهم في الأمور كلها فإنه لا
يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فلذلك أطلق
فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم وأمره أنفذ عليهم من أمرها وشفقتهم
عليه أتم من شفقتهم عليها
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله إنه لما أراد غزوة تبوك وأمر الناس
بالخروج قال قوم نستأذن آبائنا وأمهاتنا فنزلت هذه الآية
وعن الباقر والصادق عليهما السلام أنهما قرءا وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم
164

والقمي قال نزلت وهو أب لهم
أقول: يعني في الدين والدنيا جميعا أما في الدين فإن كل نبي أب لامته من جهة أنه
أصل فيما به الحياة الأبدية ولذلك صار المؤمنون إخوة وورد أيضا عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه قال أنا وعلي أبوا هذه الأمة كما مر في سورة البقرة وذلك لأنهما في هذا المعنى سواء
إلا أن عليا عليه السلام بعد النبي وأما في الدنيا فلإلزام الله إياه مؤنتهم وتربية أيتامهم ومن يضيع
منهم
القمي جعل الله عز وجل المؤمنين أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل
رسول الله أباهم لمن لم يقدر أن يصون نفسه ولم يكن له مال وليس له على نفسه ولاية
فجعل الله تعالى لنبيه الولاية على المؤمنين وجعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو
قول رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم
قالوا بلى
ثم أوجب لأمير المؤمنين عليه السلام ما أوجبه لنفسه عليهم من الولاية فقال
ألا من كنت مولاه فعلي مولاه فلما جعل الله النبي صلى الله عليه وآله أبا للمؤمنين
ألزمه مؤنتهم وتربية أيتامهم فعند ذلك صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فقال
من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا فعلي والي فألزم الله نبيه للمؤمنين ما يلزم
الوالد للولد وألزم المؤمنين من الطاعة له ما يلزم الولد للوالد فكذلك ألزم أمير المؤمنين
ما ألزم رسول الله من بعد ذلك وبعده الأئمة واحدا واحدا قال والدليل على أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام هما والدان قوله واعبدوا الله ولا
تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسنا فالوالدان رسول الله صلى الله عليه وأمير المؤمنين
عليه السلام
وقال الصادق عليه السلام فكان اسلام عامة اليهود بهذا السبب لأنهم أمنوا على
أنفسهم وعيالاتهم
وفي العلل عن الكاظم عليه السلام أنه سئل لم كنى النبي صلى الله عليه وآله
165

بأبي القاسم فقال لأنه كان له ابن يقال له القاسم فكني به فقال السائل يا بن رسول الله
هل تراني أهلا للزيادة فقال نعم أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال أنا
وعلي أبوا هذه الأمة قال بلى قال أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله أب
لجميع أمته وعلي منهم قال بلى قال أما علمت أن عليا عليه السلام قاسم الجنة والنار
قال بلى قال
فقيل له أبو القاسم لأنه أبو قاسم الجنة والنار قال بلى قال وما معنى ذلك
فقال إن شفقة النبي صلى الله عليه وآله على أمته كشفقة الاباء على الأولاد وأفضل
أمته علي عليه السلام ومن بعده شفقة علي عليه السلام عليهم كشفقته لأنه وصيه
وخليفته والأمام من بعده فلذلك قال أنا وعلي أبوا هذه الأمة وصعد النبي صلى الله
عليه وآله المنبر فقال من ترك دينا أو ضياعا فعلي وإلي ومن ترك مالا فلورثته فصار
بذلك أولى من آبائهم وأمهاتهم وصار أولى بهم من أنفسهم وكذلك أمير المؤمنين عليه
السلام بعده جرى ذلك له مثل ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله
وفي الكافي عن سليم بن قيس قال سمعت عبد الله بن جعفر الطيار يقول كنا
عند معاوية أنا والحسن والحسين عليهما السلام وعبد الله بن عباس وعمر بن أم سلمة
وأسامة بن زيد فجرى بيني وبين معاوية كلام فقلت لمعاوية سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم أخي علي بن أبي طالب أولى
بالمؤمنين من أنفسهم فإذا استشهد فالحسن بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم
ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين
أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا علي ثم ابنه محمد بن علي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم وستدركه يا حسين ثم تكمله اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين عليهم
السلام
قال عبد الله بن جعفر واستشهدت الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر
ابن أم سلمة وأسامة بن زيد فشهدوا لي عند معاوية قال سليم وقد سمعت ذلك من
سلمان وأبي ذر والمقداد وذكروا أنه سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله
166

وعن الصادق عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال أنا أولى بكل مؤمن
من نفسه وعلي أولى به من بعدي فقيل له ما معنى ذلك فقال قول النبي صلى الله عليه
وآله من ترك دينا أو ضياعا فعلى والي ومن ترك مالا فلورثته فالرجل ليست له على نفسه
ولاية إذا لم يكن له مال وليس له على عياله أمر ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة والنبي
وأمير المؤمنين ومن بعدهما سلام الله عليهم ألزمهم هذا فمن هناك صاروا أولى بهم
من أنفسهم وما كان سبب اسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله
صلى الله عليه وآله وأنهم أمنوا على أنفسهم وعيالاتهم
وفي نهج البلاغة في حديث له قال فوالله إني لأولى الناس بالناس وأزوجه
أمهاتهم منزلات منزلتهن في التحريم مطلقا وفي استحقاق التعظيم ما دمن على طاعة
الله
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في حديث وأزواج رسول الله صلى الله عليه
وآله في الحرمة مثل أمهاتهم
وفي الاكمال عن القائم عليه السلام انه سئل عن معنى الطلاق الذي فوض
رسول الله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال إن الله تقدس اسمه عظم شأن
نساء النبي صلى الله عليه وآله فخصهن بشرف الأمهات فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق ما دمن على الطاعة فأيتهن عصت الله بعدي
بالخروج عليك فأطلقها في الأزواج وأسقطها من تشرف الأمهات ومن شرف امومة
المؤمنين وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله في حكمه المكتوب
القمي قال نزلت في الإمامة
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فيمن نزلت قال نزلت
في الأمرة إن هذه الآية جرت في ولد الحسين عليه السلام من بعده فنحن أولى بالأمر
وبرسول الله صلى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار
أقول: وقد مضت هذه الآية بعينها في آخر سورة الأنفال وأنها نزلت في نسخ
التوارث بالهجرة والنصرة والتوفيق بنزول هذه في الأمرة وتلك في الميراث لا يلايم
167

الاستثناء في هذه الآية ولا ما يأتي في بيانه إلا أن يقال إن الأمرة تأويل كما يستفاد مما
يأتي نقلا من العلل عند قوله تعالى إنما يريد الله الآية وبالتعميم في الآيتين يرتفع
التخالف من المؤمنين والمهاجرين صلة لأولي الأرحام أي أولوا الأرحام بحق القرابة
أولى بالأمرة أو بالميراث من المؤمنين بحق الدين والمهاجرين بحق الهجرة وإن
حملنا الآية على الميراث احتمل أيضا أن يكون بيانا لأولي الأرحام إلا أن تفعلوا
إلى أوليائكم معروفا يعني به الوصية
في الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل أي شئ للموالي فقال ليس لهم
من الميراث إلا ما قال الله عز وجل إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في
الكتاب مسطورا أي ما ذكر في الآيتين في اللوح ثابت كذا قيل
(7) وإذ أخذنا مقدر باذكر من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم
وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا القمي قال هذه الواو زيادة في قوله
ومنك إنما هو منك ومن نوح فأخذ الله عز وجل الميثاق لنفسه على الأنبياء ثم أخذ
لنبيه صلى الله عليه وآله على الأنبياء والأئمة عليهم السلام ثم أخذ للأنبياء على رسوله
(8) ليسئل الصادقين عن صدقهم فعلنا ذلك ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء
الذين صدقوا عهدهم فيظهر صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما كأنه قيل فأثاب
المؤمنين وأعد للكافرين
(9) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمه الله عليكم إذ جائتكم جنود يعني الأحزاب
وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير فأرسلنا عليهم ريحا ريح الدبور وجنودا لم
تروها الملائكة وكان الله بما تعملون بصيرا من حفر الخندق وقرئ بالياء يعني
من التحزب والمحاربة
(10) إذ جاؤكم من فوقكم من أعلى الوادي ومن أسفل منكم من أسفل
الوادي وإذ زاغت الابصار مالت عن مستوى نظرها حيرة وشخوصا وبلغت القلوب
الحناجر رعبا فان الرية تنتفخ من شدة الروع فترتفع بارتفاعها إلى رأس الحنجرة
وهي منتهى الحلقوم وتظنون بالله الظنونا الأنواع من الظن وقرئ بحذف الألف في
168

الوصل ومطلقا
(11) هنالك ابتلى المؤمنون اختبروا فظهر المخلص من المنافق والثابت من
المتزلزل وزلزلوا زلزالا شديدا من شدة الفزع
(12) وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله من
الظفر وإعلاء الدين الا غرورا وعدا باطلا
(13) وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب أهل مدينة لا مقام لكم لا موضع قيام
لكم ههنا وقرئ بضم الميم على أنه مكان أو مصدر من الإقامة فارجعوا إلى منازلكم
هاربين ويستأذن فريق منهم النبي للرجوع يقولون إن بيوتنا عورة غير حصينة وأصلها
الخلل وما هي بعورة
في المجمع عن الصادق عليه السلام بل هي رفيعة السمك حصينة
والعياشي عن الباقر عليه السلام كان بيوتهم في أطراف البيوت حيث ينفرد
الناس فأكذبهم قال وما هي بعورة ان يريدون الا فرارا من القتال
(14) ولو دخلت عليهم من أقطارها من جوانبها ثم سئلوا الفتنة الردة
ومقاتلة المسلمين لاتوها لأعطوها وقرء بالقصر وما تلبثوا بها بالفتنة أي باعطائها إلا
يسيرا
(15) ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسؤولا
عن الوفاء به
(16) قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل فإنه لابد لكل أحد
من حتف أنف أو قتل في وقت معين سبق به القضاء وجرى عليه القلم وإذا لا تمتعون
إلا قليلا أي وإن نفعكم الفرار مثلا فمتعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتيع إلا تمتيعا أو
زمانا قليلا
(17) قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوء أو أراد بكم رحمة
ولا يجدون لهم من دون الله وليا ينفعهم ولا نصيرا يدفع الضرر عنهم
169

(18) قد يعلم الله المعوقين منكم المثبطين عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وهم المنافقون والقائلين لاخوانهم هلم إلينا قربوا أنفسكم إلينا ولا يأتون البأس إلا
قليلا ولا يقاتلون إلا قليلا
(19) أشحة عليكم قيل بخلاء عليكم بالمعاونة أو النفقة في سبيل الله أو الظفر
والغنيمة فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم في أحداقهم كالذي
يغشى عليه كنظر المغشي عليه من الموت من معالجة سكرات الموت خوفا ولواذا بك
فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنايم سلقوكم ضربوكم بألسنة حداد ذربة يطلبون الغنيمة
والسلق البسط والقهر باليد أو باللسان أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا إخلاصا
فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا هينا
(20) يحسبون الأحزاب لم يذهبوا أي هؤلاء لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم
ينهزموا وقد انهزموا وإن يأت الأحزاب كرة ثانية يودوا لو أنهم بأدون في
الاعراب تمنوا أنهم خارجون إلى البدو وحاصلون بين الأعراب يسئلون كل قادم من
جانب المدينة عن أنبائكم عما جرى عليكم ولو كانوا فيكم هذه الكرة ولم يرجعوا إلى
المدينة وكان قتال ما قاتلوا إلا قليلا رياء وخوفا عن التعيير
القمي نزلت هذه الآيات في قصة الأحزاب من قريش والعرب الذين تحزبوا
على رسول الله قال وذلك أن قريشا تجمعت في سنة خمس من الهجرة وساروا إلى
العرب وحلبوا واستفزوهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وآله فوافوا في عشرة آلاف
ومعهم كنانة وسليم وفزارة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله حين أجلا بني النضير
وهم بطن من اليهود من المدينة وكان رئيسهم حي بن أخطب وهم يهود من بني هارون
على نبينا وآله وعليه السلام فلما أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبر وخرج حي بن
أخطب إلى قريش بمكة وقال لهم إن محمدا قد وتركم ووترنا وأجلانا من المدينة من
ديارنا وأموالنا وأجلى بني عمنا بني قنيقاع فسيروا في الأرض واجمعوا حلفائكم
وغيرهم حتى نسير إليهم فإنه قد بقي من قومي بيثرب سبع مأة مقاتل وهم بنو قريظة
وبينهم وبين محمد عهد وميثاق وأنا أحملهم على نقض العهد بينهم وبين محمد
170

ويكونون معنا عليهم فتأتون أنتم من فوق وهم من أسفل وكان موضع بني قريظة من
المدينة على قدر ميلين وهو الموضع الذي يسمى بئر بني المطلب فلم يزل يسير معهم
حي بن أخطب في قبايل العرب حتى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة
والأقرع بن حابس في قومه وعباس بن مرداس في بني سليم فبلغ ذلك رسول الله
صلى الله عليه وآله فاستشار أصحابه وكانوا سبعمأة رجل فقال سلمان الفارسي (ره) يا
رسول الله إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة قال فما نصنع قال نحفر خندقا يكون
بينك وبينهم حجابا فيمكنك معهم المطاولة ولا يمكنهم أن يأتونا من كل وجه فإنا كنا
معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم من عدونا نحفر الخنادق فتكون الحرب
من مواضع معروفة فنزل جبرئيل على رسول الله فقال أشار بصواب فأمر رسول الله
صلى الله عليه وآله بمسحه من ناحية أحد إلى راتج وجعل على كل عشرين خطوة
وثلاثين خطوة قوم من المهاجرين والأنصار يحفرونه فحملت المساحي والمعاول
وبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ معولا فحفر في موضع المهاجرين بنفسه
وأمير المؤمنين عليه السلام ينقل التراب من الحفرة حتى عرق رسول الله صلى الله
عليه وآله وعي وقال لا عيش إلا عيش الآخرة اللهم اغفر للأنصار والمهاجرين فلما
نظر الناس رسول الله صلى الله عليه وآله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقلوا التراب
فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر وقعد رسول الله صلى الله عليه وآله في
مسجد الفتح فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول
فيه فبعثوا جابر بن عبد الله الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يعلمه بذلك
قال جابر فجئت إلى المسجد ورسول الله مستلق على قفاه ورداؤه تحت رأسه وقد شد
على بطنه حجرا فقلت يا رسول الله أنه قد عرض لنا جبل لا تعمل المعاول فيه فقام
مسرعا حتى جاءه ثم دعا بماء في إناء فغسل وجهه وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه ثم
شرب ومج من ذلك الماء في فيه ثم صبه على ذلك الحجر ثم أخذ معولا فضرب
ضربة فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور الشام ثم ضرب أخرى فبرقت برقة نظرنا فيها
إلى قصور المدائن ثم ضرب أخرى فبرقت برقة أخرى فنظرنا فيها إلى قصور اليمن
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أما إنه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت
171

فيها البرق ثم انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل فقال جابر فعلمت أن رسول الله
صلى الله عليه وآله مقوى أي جايع لما رأيت على بطنه الحجر فقلت يا رسول الله هل
لك في الغذاء قال ما عندك يا جابر فقلت عناق وصاع من شعير فقال تقدم وأصلح ما
عندك قال جابر فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير وذبحت العنز وسلختها
وأمرتها أن تخبز وتطبخ وتشوي فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله قد فرغنا فاحضر مع من أحببت فقام إلى
شفير الخندق ثم قال يا معاشر المهاجرين والأنصار أجيبوا جابر قال جابر وكان في
الخندق سبعمأة رجل فخرجوا كلهم ثم لم يمر بأحد من المهاجرين والأنصار إلا قال
أجيبوا جابر فتقدمت وقلت لأهلي قد والله أتاك محمد رسول الله صلى الله عليه وآله
بما لا قبل لك به فقالت أعلمته أنت بما عندنا قال نعم قالت فهو أعلم بما أتى قال
جابر فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله فنظر في القدر ثم قال اغرفي وأبقي ثم
نظر في التنور ثم قال أخرجي وأبقي ثم دعا بصحفة وثرد فيها وغرف فقال يا جابر
أدخل علي عشرة عشرة فأدخلت عشرة فأكلوا حتى نهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار
أصابعهم ثم قال يا جابر علي بالذراع فأتيته بالذراع فأكلوه ثم قال أدخل علي عشرة
فأدخلتهم حتى أكلوا ونهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ثم قال يا جابر على
بالذراع فأكلوا وخرجوا ثم قال: أدخل على عشرة فأدخلتهم فأكلوا
حتى نهلوا وما ترى في القصعة إلا آثار أصابعهم ثم قال علي بالذراع
فأتيته فقلت يا رسول الله كم للشاة من الذراع قال ذراعان فقلت والذي بعثك
بالحق لقد أتيتك بثلاثة فقال أما لو سكت يا جابر أكل الناس كلهم من الذراع قال جابر
فأقبلت أدخل عشرة عشرة فيأكلون حتى أكلوا كلهم وبقي والله لنا من ذلك الطعام ما
عشنا به أياما قال وحفر رسول الله صلى الله عليه وآله الخندق وجعل له ثمانية أبواب
وجعل على كل باب رجلا من المهاجرين ورجلا من الأنصار مع جماعة يحفظونه
وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال فنزلوا الزغابة ففرغ رسول الله صلى الله عليه وآله
من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيام وأقبلت قريش ومعهم حي بن أخطب فلما
نزلوا العقيق جاء حي بن أخطب إلى بني قريظة في جوف الليل وكانوا في احصنهم قد
تمسكوا بعهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدق باب الحصن فسمع كعب بن أسيد فقال لأهله هذا
قرع الباب أخوك قد شأم قومه وجاء الان يشأ منا ويهلكنا ويأمرنا نقض العهد بيننا
172

وبين محمد صلى الله عليه وآله وقد وفى لنا محمد صلى الله عليه وآله وأحسن جوارنا
فنزل إليه من غرفته فقال له من أنت قال حي بن أخطب قد جئتك بعز الدهر فقال كعب
بل جئتني بذل الدهر فقال كعب هذه قريش في قادتها وسادتها قد نزلت بالعقيق مع
حلفائهم من كنانة وهذه فزارة مع قادتها وسادتها قد نزلت الزغابة وهذه سليم وغيرهم
قد نزلوا حصن بني ذبيان ولا يفلت محمد وأصحابه من هذا الجمع أبدا فافتح الباب
وانقض العهد الذي بينك وبين محمد صلى الله عليه وآله فقال كعب لست بفاتح لك
الباب ارجع من حيث جئت فقال حي ما يمنعك من فتح الباب إلا حشيشتك التي في
التنور مخافة أن أشركك فيها فافتح فإنك امن من ذلك فقال له كعب لعنك الله لقد
دخلت علي من باب دقيق ثم قال افتحوا له الباب ففتح له فقال ويلك يا كعب انقض
العهد الذي بينك وبين محمد صلى الله عليه وآله ولا ترد رأيي فان محمدا لا يفلت من
هذا الجمع أبدا فإن فاتك هذا الوقت لا تدرك مثله أبدا قال فاجتمع كل من كان في
الحصن من رؤساء اليهود مثل غزال بن شمول وياسر بن قيس ورفاعة بن زيد والزبير
بن ياطا فقال لهم كعب ما ترون قالوا أنت سيدنا والمطاع فينا وصاحب عهدنا وعقدنا
فان نقضت نقضنا معك وان أقمت أقمنا معك وان خرجت خرجنا معك فقال الزبير بن
ياطا وكان شيخا كبيرا مجربا وقد ذهب بصره قد قرأت التوراة التي أنزلها الله تعالى في
سفرنا بأنه يبعث نبيا في آخر الزمان يكون مخرجه بمكة ومهاجره في هذه البحيرة
يركب الحمار العري ويلبس الشملة بالكسيرات يجترني والتميرات وهو الضحوك
القتال في عينيه الحمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى
يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر فإن كان هو هذا فلا يهولنه هؤلاء وجمعهم ولو
نادى على هذه الجبال الرواسي لغلبها فقال حي ليس هذا ذاك ذلك النبي صلى الله
عليه وآله من بني إسرائيل وهذا من العرب من ولد إسماعيل ولا يكونوا بنو إسرائيل
أتباعا لولد إسماعيل (عليه السلام) أبدا لأن الله قد فضلهم على الناس جميعا وجعل فيهم النبوة
والملك وقد عهد إلينا موسى (عليه السلام) أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار
وليس مع محمد آية وإنما جمعهم جمعا وسحرهم ويريد أن يغلبهم بذلك فلم يزل
يقلبهم على رأيهم حتى أجابوه فقال لهم أخرجوا الكتاب الذي بينكم وبين محمد
173

صلى الله عليه وآله فأخرجوه فأخذ حي بن أخطب ومزقه وقال قد وقع الأمر فتجهزوا
وتهيؤوا للقتال وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك فغمه غما شديدا وفزع
أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لسعد بن معاذ وأسيد بن حصين وكانا من
الأوس وكانت بنو قريظة حلفاء الأوس إئتيا بني قريظة فانظرا ما صنعوا فإن كانوا
نقضوا العهد فلا تعلما أحدا إذا رجعتما إلى وقولا عضل القارة فجاء سعد بن معاذ
وأسيد بن حصين إلى باب الحصن فأشرف عليهم كعب من الحصن فشتم سعدا
وشتم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له سعد إنما أنت ثعلب في جحر لتولين
قريش وليحاصرنك رسول لله صلى الله عليه وآله ثم لينزلنك على الصغر والقماع
وليضربن عنقك ثم رجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالا له عضل والقارة فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله لعلنا نحن أمرناهم بذلك وذلك أنه كان على عهد رسول الله
عيون لقريش يتجسسون أخباره وكانت عضل والقارة قبيلتان من العرب دخلا في
الإسلام ثم غدرا فكان إذا غدر أحد ضرب بهما المثل فيقال عضل القارة ورجع حي
ابن أخطب إلى أبي سفيان وقريش فأخبرهم بنقض بني قريظة العهد بينهم وبين رسول
الله صلى الله عليه وآله ففرحت قريش بذلك فلما كان في جوف الليل جاء نعيم بن
مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقد كان أسلم قبل قدوم قريش
بثلاثة أيام فقال يا رسول الله قد آمنت بالله وصدقتك وكتمت إيماني عن الكفرة فإن
أمرتني أن آتيك بنفسي وأنصرك بنفسي فعلت وإن أمرتني أن أخذل بين اليهود وبين
قريش فعلت حتى لا يخرجوا من حصنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أخذل
بين اليهود وبين قريش فإنه أوقع عندي قال فتأذن لي أن أقول فيك ما أريد قال قل ما
بدا لك فجاء إلى أبي سفيان فقال له أتعرف مودتي لكم ونصحي ومحبتي أن ينصركم
الله على عدوكم وقد بلغني أن محمدا قد وافق اليهود أن يدخلوا بين عسكركم ويميلوا
عليكم ووعدهم إذا فعلوا ذلك أن يرد عليهم جناحهم الذي قطعه بنو النضير وقينقاع
فلا أرى أن تدعوهم يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم رهنا تبعثوا به إلى مكة فتأمنوا
مكرهم وغدرهم فقال له أبو سفيان وفقك الله وأحسن جزاك مثلك أهدى النصايح ولم
يعلم أبو سفيان بإسلام نعيم ولا أحد من اليهود ثم جاء من فوره ذلك إلى بني قريظة
174

فقال له يا كعب تعلم مودتي لكم وقد بلغني أن أبا سفيان قال نخرج بهؤلاء اليهود
فنضعهم في نحر محمد صلى الله عليه وآله فان ظفروا كان الذكر لنا دونهم وإن
كانت علينا كانوا هؤلاء مقاديم الحرب فما أرى لكم أن تدعوهم يدخلوا عسكركم
حتى تأخذوا منهم عشرة من أشرافهم يكونون في حصنكم إنهم إن لم يظفروا بمحمد
صلى الله عليه وآله لم يرجعوا حتى يردوا عليكم عهدكم وعقدكم بين محمد صلى الله
عليه وآله وبينكم لأنه إن ولت قريش ولم يظفر بمحمد غزاكم محمد صلى الله عليه
وآله فتقتلكم فقالوا أحسنت وأبلغت في النصيحة لا نخرج من حصننا حتى نأخذ منهم
رهنا يكونون في حصننا وأقبلت قريش فلما نظروا إلى الخندق قالوا هذه مكيدة ما
كانت العرب تعرفها قبل ذلك فقيل لهم هذا من تدبير الفارسي الذي معه فوافى عمرو
ابن عبد ود وهبيرة بن وهب وضرار بن الخطاب إلى الخندق وكان رسول الله صلى الله
عليه وآله قد صف أصحابه بين يديه فصاحوا بخيلهم حتى طفروا الخندق إلى
جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصار أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلهم
خلف وقدموا
رسول الله بين أيديهم
وقال رجل من المهاجرين وهو فلان لرجل بجنبه من إخوانه أما ترى هذا
الشيطان عمروا أما والله ما يفلت من بين يديه أحد فهلموا ندفع إليه محمد صلى الله
عليه وآله ليقتله ونلحق نحن بقومنا فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وآله في
ذلك الوقت قد يعلم الله المعوقين منكم إلى قوله تعالى وكان ذلك على الله يسيرا
وركز عمرو بن عبد ود رمحه في الأرض وأقبل يجول جولة ويرتجز ويقول:
ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز * ووقفت إذ جبن الشجاع مواقف القرن المناجز
إني كذلك لم أزل متسرعا نحو الهزاهز * إن الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من لهذا الكلب فلم يجبه أحد فوثب إليه
أمير المؤمنين عليه السلام فقال أنا له يا رسول الله فقال يا علي هذا عمرو بن عبد ود
175

فارس نبيل (5) فقال أنا علي بن أبي طالب فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله ادن
مني فدنا منه فعممه بيده ودفع إليه سيفه ذا الفقار وقال له اذهب وقاتل بهذا وقال اللهم
احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته فمر أمير
المؤمنين عليه السلام يهرول في مشيته وهو يقول:
لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز * ذو نية وبصيرة والصدق منجي كل فائز
إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز * من ضربة نجلاء يبقى صيتها بعد الهزاهز
فقال له عمرو من أنت قال أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول لله صلى الله
عليه وآله وختنه فقال والله إن أباك كان لي صديقا ونديما وإني أكره أن أقتلك ما أمن
ابن عمك حين بعثك إلى أن أختطفك برمحي هذا فأتركك شائلا بين السماء
والأرض لا حي ولا ميت فقال له أمير المؤمنين عليه السلام قد علم ابن عمي أنك إن
قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة فقال عمرو
وكلتاهما لك يا علي تلك إذا قسمة ضيزى فقال علي عليه السلام دع هذا يا عمرو
وإني سمعت منك وأنت متعلق بأستار الكعبة تقول لا يعرض على أحد في الحرب
ثلاث خصال إلا أجبته إلى واحدة منها وأنا أعرض عليك ثلاث خصال فأجبني إلى
واحدة قال هات يا علي قال تشهد أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله صلى الله عليه
وآله قال نح عني هذا فسأل الثانية فقال أن ترجع وترد هذا الجيش عن رسول الله
صلى الله عليه وآله فإن يك صادقا فأنتم أعلا به عينا وإن يك كاذبا كفتكم ذؤبان
العرب أمره فقال إذا لا تتحدث نساء قريش بذلك ولا تنشد الشعراء في أشعارها أني
جبنت ورجعت إلى عقبي من الحرب وخذلت قوما رأسوني عليهم فقال له أمير
المؤمنين عليه السلام فالثالثة أن تنزل إلى قتالي فإنك فارس وأنا راجل حتى أنابذك
فوثب عن فرسه وعرقبه وقال * خصلة ما ظننت أن أحدا من العرب يسومني عليها
ثم بدأ فضرب أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف على رأسه فاتقاه أمير المؤمنين عليه
السلام بالدرقة فقطعها وثبت السيف على رأسه فقال له علي عليه السلام أما كفاك أني
بارزتك وأنت فارس العرب حتى استعنت علي بظهير فالتفت عمرو إلى خلفه فضربه
أمير المؤمنين عليه السلام مسرعا على ساقيه فقطعهما جميعا وارتفعت بينهما عجاجة
176

فقال المنافقون قتل علي بن أبي طالب عليه السلام ثم انكشفت العجاجة ونظروا فإذا
أمير المؤمنين عليه السلام على صدره وقد أخذ بلحيته يريد أن يذبحه ثم أخذ رأسه
وأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله والدماء تسيل على رأسه من ضربة عمرو
وسيفه يقطر منه الدم وهو يقول والرأس بيده
أنا ابن عبد المطلب * الموت خير للفتى من الهرب
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي ماكرته قال نعم يا رسول الله الحرب
خديعة وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله الزبير إلى هبيرة بن وهب فضربه على
رأسه ضربة فلقت هامته وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله عمر بن الخطاب أن يبارز
ضرار بن الخطاب فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر سهما فقال له ضرار ويلك يا ابن
صهاك أترميني في مبارزة والله لئن رميتني لا تركت عدويا بمكة إلا قتلته فانهزم عند
ذلك عمر ومر نحوه ضرار وضربه ضرار على رأسه بالقناة ثم قال احفظها يا عمر فإني
آليت أن لا أقتل قرشيا ما قدرت عليه فكان عمر يحفظ له ذلك بعد ما ولى ولاه فبقي
رسول الله صلى الله عليه وآله يحاربهم في الخندق خمسة عشر يوما فقال أبو سفيان
لحي بن أخطب ويلك يا يهودي أين قومك فسار حي بن أخطب إليهم فقال ويلكم
اخرجوا فقد نابذكم محمد الحرب فلا أنتم مع محمد صلى الله عليه وآله ولا أنتم مع
قريش فقال كعب لسنا خارجين حتى تعطينا قريش عشرة من أشرافهم رهنا يكونون في
حصننا إنهم إن لم يظفروا بمحمد صلى الله عليه وآله لم يبرحوا حتى يرد محمد علينا
عهدنا وعقدنا فإنا لا نأمن أن تفر قريش ونبقى نحن في عقر دارنا ويغزونا محمد
صلى الله عليه وآله فيقتل رجالنا ويسبي نساءنا وذرارينا وإن لم نخرج لعله يرد علينا
عهدنا فقال له حي بن أخطب تطمع في غير مطمع قد نابذت العرب محمد الحرب
فلا أنتم مع محمد صلى الله عليه وآله ولا أنتم مع قريش فقال كعب هذا من شومك
إنما أنت طائر تطير مع قريش غدا وتتركنا في عقر دارنا ويغزونا محمد صلى الله عليه
وآله فقال له هل لك عهد الله علي وعهد موسى أنه إن لم تظفر قريش بمحمد صلى
الله عليه وآله إني أرجع معك إلى حصنك يصيبني ما يصيبك فقال كعب هو الذي قد
قلته لك إن أعطتنا قريش أشرافهم رهنا يكونون عندنا وإلا لم نخرج فرجع حي بن
177

أخطب إلى قريش فأخبرهم فلما قال يسألون الرهن قال أبو سفيان هذا والله أول الغدر
قد صدق نعيم بن مسعود لا حاجة لنا في إخوان القردة والخنازير فلما طال على
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الأمر واشتد عليهم الحصار وكانوا في برد
شديد وأصابتهم مجاعة وخافوا من اليهود خوفا شديدا وتكلم المنافقون بما حكى الله
عز وجل عنهم ولم يبق أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلا نافق إلا
القليل وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخبر أصحابه أن العرب تتحزب علي
ويجيئوننا من فوق وتغدر اليهود وتخافهم من أسفل وأنه يصيبهم جهد شديد ولكن
يكون العاقبة لي عليهم فلما جاءت قريش وغدرت اليهود قال المنافقون ما وعدنا الله
ورسوله إلا غرورا وكان قوم لهم دور في أطراف المدينة فقالوا يا رسول الله تأذن لنا أن
نرجع إلى دورنا فإنها في أطراف المدينة وهي عورة ونخاف اليهود أن يغيروا عليها
وقال قوم هلموا فنهرب ونصير في البادية ونستجير بالأعراب فإن الذي كان يعدنا
محمد صلى الله عليه وآله كان باطلا كله ورسول الله صلى الله عليه وآله أمر أصحابه
أن يحرسوا المدينة بالليل وكان أمير المؤمنين عليه السلام على العسكر كله بالليل
يحرسهم فإن تحرك أحد من قريش نابذهم وكان أمير المؤمنين عليه السلام يجوز
الخندق ويصير إلى قرب قريش حيث يراهم فلا يزال الليل كله قائما وحده يصلي فإذا
أصبح رجع إلى مركزه ومسجد أمير المؤمنين عليه السلام هناك معروف يأتيه من يعرفه
فيصلي فيه وهو من مسجد الفتح إلى العقيق أكثر من غلوة النشاب فلما رأى
رسول الله صلى الله عليه وآله من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد إلى مسجد
الفتح وهو الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم فدعا الله عز وجل وناجاه فيما وعده
وكان مما دعاه أن قال يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين ويا كاشف
الكرب العظيم أنت مولاي ووليي وولي آبائي الأولين إكشف عنا غمنا وهمنا وكربنا
واصرف عنا شر هؤلاء القوم بقوتك وحولك وقدرتك فنزل جبرئيل فقال يا محمد إن
الله عز وجل قد سمع مقالتك وأجاب دعوتك وأمر الدبور وهي الريح مع الملائكة أن
تهزم قريشا والأحزاب وبعث الله عز وجل على قريش الدبور فانهزموا وقلعت
أخبيتهم ونزل جبرئيل (عليه السلام) فأخبره بذلك فنادى رسول الله صلى الله عليه وآله حذيفة
178

ابن اليمان رضي الله عنه وكان قريبا منه فلم يجبه ثم ناداه ثانيا فلم يجبه ثم ناداه ثالثا
فقال لبيك يا رسول الله قال أدعوك فلا تجيبني قال يا رسول الله بأبي أنت وأمي من
الخوف والبرد والجوع فقال ادخل في القوم وائتني بأخبارهم ولا تحدثن حدثا حتى
ترجع إلي فإن الله عز وجل قد أخبرني أنه قد أرسل الرياح على قريش وهزمهم قال
حذيفة فمضيت وأنا أنتفض من البرد فوالله ما كان إلا بقدر ما جزت الخندق حتى كأني
في الحمام فقصدت خبأ عظيما فإذا نار تخبو وتوقد وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلى
خصيتيه على النار وهو ينتفض من شدة البرد ويقول يا معشر قريش إن كنا نقاتل أهل
السماء بزعم محمد صلى الله عليه وآله فلا طاقة لنا بأهل السماء وإن كنا نقاتل أهل
الأرض فنقدر عليهم ثم قال لينظر كل رجل منكم إلى جليسه لا يكون لمحمد عين
فيما بيننا قال حذيفة فبادرت أنا فقلت للذي عن يميني من أنت فقال أنا عمرو بن
العاص ثم قلت للذي عن يساري من أنت قال أنا معاوية وإنما بادرت إلى ذلك لئلا
يسألني أحد من أنت ثم ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة فلولا أن رسول الله صلى
الله عليه وآله قال لا تحدث حدثا حتى ترجع إلي لقدرت أن أقتله ثم قال أبو سفيان
لخالد ابن الوليد يا با سليمان لا بد من أن أقيم أنا وأنت على ضعفاء الناس ثم قال
ارتحلوا إنا مرتحلون ففروا منهزمين فلما أصبح رسول الله (ص) قال لأصحابه لا
تبرحوا فلما طلعت الشمس دخلوا المدينة وبقي رسول الله (ص) في نفر يسير وكان
ابن عرقد الكناني رمى سعد بن معاذ بسهم في الخندق فقطع أكحله
فنزفه الدم فقبض سعد على أكحله بيده ثم قال اللهم إن كنت أبقيت من حرب
قريش شيئا فأبقني لها فلا أجد أحب إلي من محاربتهم من قوم حاربوا الله ورسوله وإن
كانت الحرب قد وضعت أوزارها بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين قريش
فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة فأمسك الدم وتورمت يده
وضرب له رسول الله صلى الله عليه وآله في المسجد خيمة وكان يتعاهده بنفسه
فأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمه الله عليكم الآيات إلى قوله إذ
جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم يعني بني قريظة حين غدروا وخافهم أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله إذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر إلى قوله إن
179

يريدون إلا فرارا وهم الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله تأذن لنا نرجع إلى
منازلنا فإنها في أطراف المدينة ونخاف اليهود عليها فأنزل الله فيهم إن بيوتنا عورة إلى
قوله وكان ذلك على الله يسيرا ونزلت هذه الآية في الثاني لما قال لعبد الرحمان بن
عوف هلم ندفع محمد صلى الله عليه وآله إلى قريش فنلحق نحن بقومنا
(21) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة في أفعاله وأخلاقه كثباته في
الحرب ومقاساته للشدائد وغير ذلك وقرء بضم الهمزة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر
وذكر الله كثيرا قرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية إلى ملازمة الطاعة فإن
المؤتسي بالرسول من كان كذلك
(22) ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق
الله ورسوله
القمي وصف الله المؤمنين المصدقين بما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه
وآله ما يصيبهم في الخندق من الجهد وما زادهم قال يعني ذلك البلاء والجهد
والخوف إلا إيمانا وتسليما
روى أن النبي صلى الله عليه وآله قال سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم
والعاقبة لكم عليهم وقال إنهم سائرون إليكم بعد تسع أو عشر
(23) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وفوا بعهدهم فمنهم من
قضى نحبه نذره والنحب النذر استعير للموت لأنه كنذر لازم في الرقبة ومنهم من
ينتظر الشهادة وما بدلوا العهد ولا غيروه تبديلا شيئا من التبديل فيه تعريض لأهل
النفاق ومرض القلب بالتبديل
القمي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى رجال صدقوا قواما عاهدوا الله عليه
قال الا يفروا أبدا فمنهم من قضى نحبه أي أجله وهو حمزة وجعفر بن أبي طالب
ومنهم من ينتظر أجله يعني عليا عليه السلام
وفي الخصال عنه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث له مع
180

يهودي قال ولقد كنت عاهدت الله تعالى ورسوله أنا وعمي حمزة وأخي جعفر وابن عمي
عبيدة على أمر وفينا به لله تعالى ولرسوله فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم لما أراد
الله تعالى فأنزل الله تعالى فينا من المؤمنين رجال صدقوا الآية
وفي المجمع عن علي عليه السلام قال فينا نزلت رجال صدقوا قال فأنا والله
المنتظر وما بدلت تبديلا
وفي سعد السعود عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى وكونوا مع الصادقين قال
كونوا مع علي بن أبي طالب وآل محمد صلوات الله عليهم قال الله تعالى من
المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه وهو حمزة بن عبد
المطلب ومنهم من ينتظر وهو علي عليه السلام يقول الله وما بدلوا تبديلا وفي المناقب
أن أصحاب الحسين عليه السلام بكربلاء كانوا كل من أراد الخروج ودع الحسين
عليه السلام وقال السلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه وعليك السلام ونحن خلفك
ويقرء فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام المؤمن مؤمنان فمؤمن صدق بعهد الله
ووفى بشرطه وذلك قول الله عز وجل رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وذلك الذي لا
يصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة وذلك ممن يشفع ولا يشفع له ومؤمن كحامة
الزرع يعوج أحيانا ويقوم أحيانا فذلك ممن يصيبه أهوال الدنيا وأهوال الآخرة وذلك
ممن يشفع له ولا يشفع وعنه عليه السلام لقد ذكركم الله في كتابه فقال من المؤمنين
رجال صدقوا الآية إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا وإنكم لما تبدلون
بنا غيرنا
وعنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي من أحبك ثم
مات فقد قضى نحبه ومن أحبك ولم يمت فهو ينتظر وما طلعت شمس ولا غربت إلا
طلعت عليه برزق وايمان وفي نسخة نور
(24) ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين المبدلين إن شاء أو
يتوب عليهم إن تابوا أو يوفقهم للتوبة إن الله كان غفورا رحيما لمن تاب
181

(25) ورد الله الذين كفروا يعني الأحزاب بغيظهم متغيظين لم ينالوا خيرا
غير ظافرين وكفى الله المؤمنين القتال
في المجمع عن الصادق عليه السلام بعلى بن أبي طالب عليه السلام وقتله
عمرو بن عبد ود فكان ذلك سبب هزيمة القوم وكان الله قويا على إحداث ما يريده
عزيزا غالبا على كل شئ
(26) وأنزل الذين ظاهروهم ظاهروا الأحزاب القمي نزلت في بني قريظة من
أهل الكتاب من صياصيهم من حصونهم وقذف في قلوبهم الرعب الخوف فريقا
تقتلون وتأسرون فريقا
(27) وأورثكم أرضهم وديارهم مزارعهم وحصونهم وأموالهم نقودهم
ومواشيهم وأثاثهم وأرضا لم تطؤها وكان الله على كل شئ قديرا، القمي فلما
دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة واللواء معقود أراد أن يغتسل من الغبار
فناداه جبرئيل عذيرك من محارب والله ما وضعت الملائكة لامتها فكيف تضع
لامتك إن الله عز وجل يأمرك أن لا تصلي العصر إلا ببني قريظة فإني متقدمك ومزلزل
بهم حصنهم إنا كنا في آثار القوم نزجرهم زجرا حتى بلغوا حمراء الأسد فخرج
رسول الله صلى الله عليه وآله فاستقبله حارثة بن نعمان فقال له ما الخبر يا حارثة فقال
بأبي أنت وأمي يا رسول الله هذا دحية الكلبي ينادي في الناس ألا لا يصلين العصر
أحد إلا في بني قريظة فقال ذاك جبرئيل ادعوا عليا عليه السلام فجاء أمير المؤمنين
عليه السلام فقال له ناد في الناس لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فجاء أمير
المؤمنين عليه السلام فنادى فيهم فخرج الناس فبادروا إلى بني قريظة فخرج رسول
الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام بين يديه مع الراية العظمى وكان
حي بن أخطب لما انهزمت قريش جاء فدخل حصن بني قريظة فجاء أمير المؤمنين
عليه السلام فأحاط بحصنهم فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن يشتمهم
ويشتم رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على حمار
فاستقبله أمير المؤمنين عليه السلام فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا تدن من
الحصن فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي لعلهم شتموني إنهم لو رأوني
لأذلهم الله ثم دنا رسول الله صلى الله عليه وآله من حصنهم فقال يا إخوة القردة
182

والخنازير وعبدة الطاغوت أتشتموني إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم فأشرف
عليهم كعب بن أسيد من الحصن فقال والله يا أبا القاسم ما كنت جهولا فاستحيى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى سقط الرداء من ظهره
حياء مما قاله وكان حول الحصن نخل كثير فأشار إليه رسول الله بيده
فتباعد عنه وتفرق في المفازة وأنزل رسول الله صلى الله عليه وآله
العسكر حول حصنهم فحاصرهم ثلاثة أيام فلم يطلع أحد منهم رأسه
فلما كان بعد ثلاثة أيام نزل إليه غزال بن شمول فقال يا محمد تعطينا ما أعطيت
إخواننا من بني النضير أحقن دماءنا ونخلي لك البلاد وما فيها ولا نكتمك شيئا فقال لا
أو تنزلون على حكمي فرجع وبقوا أياما فبكى النساء والصبيان إليهم وجزعوا جزعا
شديدا فلما اشتد عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله فأمر رسول الله صلى الله
عليه وآله بالرجال فكتفوا وكانوا سبعمأة وأمر بالنساء فعزلوا وقامت الأوس إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله حلفاؤنا وموالينا من دون الناس نصرونا على
الخروج في المواطن كلها وقد وهبت لعبد الله بن أبي سبعمأة ذارع وثلاث مأة حاسر
في صبيحة واحدة وليس نحن بأقل من عبد الله بن أبي فلما أكثروا على رسول الله
صلى الله عليه وآله قال لهم أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم فقالوا
بلى ومن هو قال سعد بن معاذ قالوا قد رضينا بحكمه فأتوا به في محفة (1) واجتمعت
الأوس حوله يقولون له يا أبا عمرو اتق الله وأحسن في حلفائك ومواليك فقد نصرونا
ببغاث والحدائق والمواطن كلها فلما أكثروا عليه قال لقد آن لسعد أن لا يأخذه في الله
لومة لائم فقالت الأوس واقوماه ذهبت والله بنو قريظة اخر الدهر وبكى النساء
والصبيان إلى سعد فلما سكتوا قال لهم سعد يا معشر اليهود أرضيتم بحكمي فيكم
قالوا بلى قد رضينا بحكمك والله قد رجونا نصفك ومعروفك وحسن نظرك فعاد عليهم
القول فقالوا بلى يا أبا عمرو فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إجلالا له فقال
له ما ترى بأبي أنت وأمي يا رسول الله فقال احكم فيهم يا سعد فقد رضيت بحكمك
فيهم فقال قد حكمت يا رسول الله أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم وتقسم

(1) المحفة - بالكسر -: مركب للنساء كالهودج إلا أنها لا تقبب.
183

غنائمهم وأموالهم بين المهاجرين والأنصار فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
قد حكمت بحكم الله عز وجل فوق سبعة أرقعة ثم انفجر جرح سعد بن معاذ فما
زال ينزفه الدم حتى قضى وساقوا الأسارى إلى المدينة فأمر رسول الله صلى الله عليه
وآله بأخدود فحفرت بالبقيع فلما أمسى أمر بإخراج رجل رجل فكان يضرب عنقه
فقال حي بن أخطب لكعب بن أسيد ما ترى يصنع بهم فقال له ما يسؤك أما ترى
الداعي لا يطلع والذي يذهب لا يرجع فعليكم بالصبر والثبات على دينكم فأخرج
كعب ابن أسيد مجموعة يده إلى عنقه وكان جميلا وسيما فلما نظر إليه رسول الله صلى
الله عليه وآله قال له يا كعب أما نفعك وصية ابن الحواس الحبر الذكي الذي قدم
عليكم من الشام فقال تركت الخمر والخمير وجئت إلى البؤس والتمور لنبي يبعث
مخرجه بمكة ومهاجره في هذه البحيرة يجتزني بالكسيرات والتميرات ويركب الحمار
العري في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى
منكم يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر فقال قد كان ذلك يا محمد ولولا أن اليهود
يعيروني أني جزعت عند القتل لآمنت بك وصدقتك ولكني على دين اليهود عليه
أحيى وعليه أموت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قدموه فاضربوا عنقه فضربت ثم
قدم حي بن أخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله يا فاسق كيف رأيت صنع الله
بك فقال والله يا محمد ما ألوم نفسي في عداوتك ولقد قلقلت كل مقلقل وجهدت كل
الجهد ولكن من يخذله الله يخذل ثم قال حين قدم للقتل لعمري ما لام ابن أخطب
نفسه ولكنه من يخذله الله يخذل فقدم فضرب عنقه فقتلهم رسول الله صلى الله عليه
وآله في البردين (1) بالغداة والعشي في ثلاثة أيام وكان يقول اسقوهم العذب
وأطعموهم الطيب وأحسنوا أساراهم حتى قتلهم كلهم فأنزل الله عز وجل على رسوله
فيهم وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم الآية أي من حصونهم
(28) يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا السعة والتنعم فيها
وزينتها وزخارفها فتعالين أمتعكن أعطكن المتعة وأسرحكن سراحا جميلا طلاقا
من غير ضرار وبدعة برغبة

(1) الابردان: الغداة والعشي.
184

(29) وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات
منكن أجرا عظيما استحقر دونه الدنيا وزينتها
القمي كان سبب نزولها أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوة
خيبر وأصاب كنز آل أبي الحقيق قلن أزواجه أعطنا ما أصبت فقال لهن رسول الله
صلى الله عليه وآله قسمته بين المسلمين على ما أمر الله عز وجل فغضبن من ذلك قلن
لعلك ترى أنك إن طلقتنا أن لا نجد الأكفاء من قومنا يتزوجونا
فأنف الله لرسوله فأمره أن يعتزلهن فاعتزلهن رسول الله
صلى الله عليه وآله في مشربة أم إبراهيم تسعة وعشرين يوما حتى
حضن وطهرن ثم أنزل الله عز وجل هذه الآية وهي آية التخيير فقامت أم
سلمة أول من قامت فقالت قد اخترت الله ورسوله فقمن كلهن فعانقنه وقلن مثل ذلك
فأنزل الله تعالى ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء الآية
قال الصادق عليه السلام من آوى فقد نكح ومن أرجى فقد طلق فقوله عز وجل
ترجى من تشاء منهن مع هذه الآية يا أيها النبي قل لأزواجك الآية وقد أخرت عنها في
التأليف
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في عدة روايات أن زينب بنت جحش قالت
لرسول الله صلى الله عليه وآله لا تعدل وأنت نبي فقال تربت يداك إذا لم أعدل من
يعدل قالت دعوت الله يا رسول الله لتقطع يداي فقال لا ولكن لتتربان فقالت إنك إن
طلقتنا وجدنا في قومنا أكفاء فاحتبس الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله تسعا
وعشرين ليلة قال فأنف الله لرسوله فأنزل الله عز وجل يا أيها النبي قل لأزواجك
الآيتين فاخترن الله ورسوله ولم يكن شئ ولو اخترن أنفسهن لبن
وعن الصادق عليه السلام أن زينب قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله لا
تعدل وأنت رسول الله وقالت حفصة إن طلقتنا وجدنا أكفاءنا من قومنا فاحتبس الوحي
عن رسول الله صلى الله عليه وآله عشرين يوما قال فأنف الله لرسوله فأنزل يا أيها
النبي قل لأزواجك الآيتين قال فاخترن الله ورسوله ولو اخترن أنفسهن لبن وإن اخترن
185

الله ورسوله فليس بشئ
وعنه عليه السلام أن بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله قالت أيرى محمد
صلى الله عليه وآله أنه لو طلقنا ان لا نجد الأكفاء من قومنا قال فغضب الله عز وجل له
من فوق سبع سماوات فأمره فخيرهن حتى انتهى إلى زينب بنت جحش فقامت فقبلته
وقالت أختار الله ورسوله
وعنه عليه السلام أنه سئل عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها بانت قال لا إنما
هذا شئ كان لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة امر بذلك ففعل ولو اخترن
أنفسهن لطلقهن وهو قول الله تعالى قل لأزواجك إن كنتن الآية
(30) يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة ظاهر قبحها يضاعف لها
العذاب ضعفين ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه لأن الذنب منهن أقبح وقرء يضعف
بتشديد العين وبالنون ونصب العذاب وكان ذلك على الله يسيرا لا يمنعه عن
التضعيف كونهن نساء النبي وكيف وهو سببه
القمي عن الصادق عليه السلام قال الفاحشة الخروج بالسيف
(31) ومن يقنت منكن ومن يدم على الطاعة لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها
أجرها مرتين مرة على الطاعة ومرة على طلبهن رضاء لنبي صلى الله عليه وآله
بالقناعة وحسن المعاشرة وغير ذلك وقرء نعمل ونؤتها بالنون فيهما وأعتدنا لها رزقا
كريما في الجنة زيادة على أجرها
القمي عن الباقر عليه السلام قال كل ذلك في الآخرة حيث يكون الأجر يكون
العذاب
(32) يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن الله فلا تخضعن
بالقول قيل فلا تجبن بقولكن خاضعا لينا مثل قول المريبات فيطمع الذي في قلبه
مرض فجور وقلن قولا معروفا حسنا بعيدا عن الريبة
(33) وقرن في بيوتكن من الوقار أو القرار وقرء بفتح القاف ولا تبرجن تبرج
186

الجاهلية الأولى
في الإكمال عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث أن يوشع
ابن نون وصي موسى عليه السلام عاش بعد موسى ثلاثين سنة وخرجت عليه صفراء
بنت شعيب زوجة موسى عليه السلام فقالت أنا أحق منك بالأمر فقاتلها فقتل مقاتلتها
وأحسن أسرها وأن ابنة أبي بكر ستخرج على علي في كذا وكذا ألفا من أمتي فيقاتلها
فيقتل مقاتلتها ويأسرها فيحسن أسرها وفيها أنزل الله تعالى وقرن في بيوتكن ولا
تبرجن تبرج الجاهلية الأولى يعني صفراء بنت شعيب
والقمي عن الصادق عن أبيه عليهما السلام في هذه الآية قال أي سيكون
جاهلية أخرى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله في سائر ما أمركن به
ونهاكن عنه إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
القمي ثم انقطعت مخاطبة نساء النبي صلى الله عليه وآله وخاطب أهل بيت
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال إنما يريد الله الآية ثم عطف على نساء النبي صلى
الله عليه وآله فقال واذكرن ما يتلى ثم عطف على آل محمد صلوات الله عليهم فقال
إن المسلمين الآية
وعن الباقر عليه السلام نزلت هذه الآية في رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي
ابن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وذلك في بيت أم سلمة زوجة
النبي صلى الله عليه وآله فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين وفاطمة
والحسن والحسين صلوات الله عليهم ثم ألبسهم كساء له خيبريا ودخل معهم فيه ثم
قال اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللهم أذهب عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله قال أبشري يا أم سلمة فإنك
على خير وعن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام أن جهالا من الناس يزعمون
إنه إنما أراد الله بهذه الآية أزواج النبي صلى الله عليه وآله وقد كذبوا وأثموا وأيمن الله
ولو عنى أزواج النبي صلى الله عليه وآله لقال ليذهب عنكن الرجس ويطهركن تطهيرا
كان الكلام مؤنثا كما قال واذكرن ما يتلى في بيوتكن ولا تبرجن ولستن كأحد من
النساء
187

والعياشي عن الباقر عليه السلام ليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير
القرآن إن الآية ينزل أولها في شئ وأوسطها في شئ وآخرها في شئ ثم قال إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا من ميلاد الجاهلية
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال يعني الأئمة عليهم
السلام وولايتهم من دخل فيها دخل في بيت النبي صلى الله عليه وآله
وعنه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في حديث أوصيكم بكتاب الله وأهل
بيتي فإني سألت الله عز وجل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما على الحوض فأعطاني
ذلك وقال لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم وقال إنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن
يدخلوكم في باب ضلالة قال فلو سكت رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يبين من
أهل بيته لادعاها آل فلان وآل فلان ولكن الله عز وجل أنزل في كتابه لنبيه صلى الله
عليه وآله إنما يريد الله الآية وكان علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام
فأدخلهم رسول الله صلى الله عليه وآله تحت الكساء في بيت أم سلمة ثم قال اللهم
إن لكل نبي أهلا وثقلا وهؤلاء أهل بيتي وثقلي فقالت أم سلمة ألست من أهلك
فقال إنك إلى خير ولكن هؤلاء أهلي وثقلي وقال في آخر الحديث الرجس هو الشك
والله لا نشك في ربنا أبدا
وفي الخصال في احتجاج علي عليه السلام على أبي بكر قال فأنشدك بالله ألي
ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك قال بل لك ولأهل بيتك قال
فأنشدك بالله أنا صاحب دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وأهلي وولدي يوم الكساء
اللهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار أم أنت قال بل أنت وأهل بيتك وفي احتجاجه
عليه السلام على الناس يوم الشورى قال أنشدكم بالله هل فيكم أحد أنزل الله
فيه آية التطهير على رسوله إنما يريد الله الآية فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله كساء
خيبريا فضمني وفيه فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ثم قال يا رب هؤلاء أهل
بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا غيري قالوا اللهم لا
وفي الإكمال عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في جمع من المهاجرين
188

والأنصار في المسجد أيام خلافة عثمان أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في
كتابه إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فجمعني
وفاطمة وابني حسنا وحسينا عليهم السلام وألقى علينا كساه وقال اللهم إن هؤلاء أهل
بيتي ولحمتي يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم ويخرجني ما يخرجهم فأذهب
عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة وأنا يا رسول الله فقال أنت أو إنك على
خير إنما أنزلت في وفي أخي وفي ابنتي وفي ابني وفي تسعة من ولد ابني الحسين
عليهم السلام خاصة ليس معنا أحد غيرنا فقالوا كلهم نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك
فسألنا رسول الله فحدثنا كما حدثتنا أم سلمة رضي الله عنها
وفي العلل عن الصادق عليه السلام نزلت هذه الآية في النبي وأمير المؤمنين
والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام فلما قبض الله عز وجل نبيه كان أمير
المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين عليهم السلام ثم وقع تأويل هذه الآية وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وكان علي بن الحسين عليهما السلام ثم
جرت في الأئمة من ولده الأوصياء عليهم السلام فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم
معصية الله عز وجل
أقول: الروايات في نزول هذه الآية في شأن الخمسة أصحاب العباء من
طريق الخاصة والعامة أكثر من أن يحصى وقد ذكر في المجمع من طريق العامة منها
ما ذكر من أراده فليطلبه منه
(34) واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة من الكتاب الجامع
بين الأمرين إن الله كان لطيفا خبيرا
(35) إن المسلمين والمسلمات الداخلين في السلام المنقادين لحكم الله
والمؤمنين والمؤمنات المصدقين بما يجب أن يصدق
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله المسلم من سلم المسلمون من يده
ولسانه والمؤمن من أمن جاره بوائقه وما آمن بي من بات شبعان وجاره طاو
189

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن الأيمان ما وقر في القلوب والإسلام ما
عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء والأيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك
الأيمان
أقول: ويؤيد هذا قول الله سبحانه قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا
أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم والقانتين والقانتات المداومين على الطاعة
والصادقين والصادقات في القول والعمل والصابرين والصابرات على الطاعات وعن
المعاصي والخاشعين والخاشعات المتواضعين لله بقلوبهم وجوارحهم والمتصدقين
والمتصدقات من أموالهم ابتغاء مرضات الله والصائمين والصائمات لله بنية صادقة
والحافظين فروجهم والحافظات عن الحرام والذاكرين الله كثيرا والذاكرت
بقلوبهم وألسنتهم أعد الله لهم مغفرة لذنوبهم وأجرا عظيما على طاعتهم
وفي المجمع عن مقاتل بن حيان لما رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع
زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت هل
نزل فينا شئ من القرآن قلن لا فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله
إن النساء لفي خيبة وخسار فقال ومم ذلك قالت لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر
الرجال فأنزل الله تعالى هذه الآية
(36) وما كان ما صح لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون
وقرء بالياء لهم الخيرة من أمرهم أن يختاروا من أمرهم شيئا بل يجب أن
يجعلوا اختيارهم تبعا لاختيار الله ورسوله والخيرة ما يتخيره وقد مر في هذه الآية
حديث في سورة القصص ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا
القمي عن الباقر عليه السلام وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله خطب
على زيد بن حارثة زينب بنت جحش الأسدية من بني أسد بن خزيمة وهي بنت عمة
النبي صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله حتى أوامر نفسي فأنزل الله عز وجل وما
كان لمؤمن ولا مؤمنة الآية فقالت يا رسول الله أمري بيدك فزوجها إياه الحديث
ويأتي تمامه عن قريب
190

(37) وإذ تقول للذي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق وهو زيد
بن حارثة أمسك عليك زوجك زينب واتق الله في أمرها فلا تطلقها وتخفى في نفسك
ما الله مبديه وهو أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها وتخشى الناس تعييرهم
إياك به والله أحق أن تخشاه إن كان فيه ما يخشى
في المجمع عن السجاد عليه السلام أن الذي أخفاه في نفسه هو أن الله
سبحانه أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها فلما جاء زيد وقال له أريد أن
أطلق زينب قال له أمسك عليك زوجك فقال سبحانه لم قلت أمسك عليك زوجك
وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك فلما قضى زيد منها وطرا حاجة بحيث ملها ولم
يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها (1) زوجناكها وقرء في الشواذ زوجتكها وفي
الجوامع أنها قراءة أهل البيت عليهم السلام قال:
قال الصادق عليه السلام ما قرأتها على أبي إلا كذلك إلى أن قال وما قرء علي
عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله إلا كذلك قال وروي أن زينب كانت تقول
للنبي صلى الله عليه وآله إني لأدل عليك بثلث ما من نسائك امرأة تدل بهن جدي
وجدك واحد وزوجنيك الله والسفير جبرئيل لكيلا يكون على المؤمنين حرج في
أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا علة للتزويج وكان أمر الله مفعولا
(38) ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله تم له وقدر
القمي عن الباقر عليه السلام في تمام الحديث السابق قال فزوجها إياه فمكث
عند زيد ما شاء الله ثم أنهما تشاجرا في شئ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فنظر
إليها رسول الله صلى الله عليه وآله فأعجبته فقال زيد يا رسول الله أتأذن لي في
طلاقها فإن فيها كبرا وإنها لتؤذيني بلسانها فقال رسول الله (ص) اتق الله وأمسك
عليك زوجك وأحسن إليها ثم إن زيدا طلقها وانقضت عدتها فأنزل الله عز وجل
نكاحها على رسوله
قال وروي فيه أيضا غير هذا وقد نقلناه عند قوله تعالى وما جعلنا أدعيائكم أبنائكم
في أول هذه السورة

(1) عدتها: ولم يكن في قلبه ميل إليها ولا وحشة من فراقها
191

أقول: قد ذكرنا هناك تلك الرواية
وفي العيون عن الرضا عليه السلام في حديث عصمة الأنبياء قال وأما محمد
وقول الله عز وجل وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه
فإن الله تعالى عرف نبيه صلى الله عليه وآله أسماء أزواجه في دار الدنيا وأسماء أزواجه
في الآخرة وإنهن أمهات المؤمنين واحدى من سمى له زينب بنت جحش وهي يومئذ
تحت زيد بن حارثة فأخفى اسمها في نفسه ولم يبده لكيلا يكون أحد من المنافقين
يقول أنه قال في امرأة في بيت رجل أنها إحدى أزواجه من أمهات المؤمنين وخشي قول
المنافقين قال الله عز وجل وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه يعني في نفسك وأن
الله عز وجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حوا من آدم وزينب من رسول الله
بقوله عز وجل فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها وفاطمة من علي عليه السلام
وعنه عليه السلام في حديث آخر في عصمة الأنبياء أيضا أن رسول الله صلى الله
عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال
لها سبحان الذي خلقك وإنما أراد بذلك تنزيه الله عن قول من زعم أن الملائكة
بنات الله فقال الله عز وجل فأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم
لتقولون قولا عظيما فقال النبي صلى الله عليه وآله لما رآها تغتسل سبحان الله الذي
خلقك أن يتخذ ولدا يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال فلما عاد إلى منزله أخبرته امرأته
بمجئ الرسول وقوله لها سبحان الله الذي خلقك فلم يعلم زيد ما أراد بذلك فظن أنه
قال ذلك لما أعجب من حسنها فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول
الله إن امرأتي في خلقها سوء وإني أريد طلاقها فقال له النبي (ص) أمسك عليك
زوجك واتق الله الآية وقد كان الله عز وجل عرفه عدد أزواجه وأن تلك المرأة منهن
فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد وخشي الناس أن يقولوا أن محمدا صلى الله عليه
وآله يقول لمولاه أن امرأتك ستكون لي زوجة فيعيبونه بذلك فأنزل الله وإذ تقول للذي
أنعم الله عليه يعني بالإسلام وأنعمت عليه يعني بالعتق أمسك عليك زوجك الآية ثم
إن زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه فزوجها الله تعالى من نبيه صلى الله عليه وآله
وأنزل بذلك قرانا فقال عز وجل فلما قضى زيد وطرا الآية ثم علم عز وجل أن
192

المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل ما كان على النبي صلى الله عليه وآله من حرج فيما
فرض الله له سنة الله سن ذلك سنة في الذين خلوا من قبل من الأنبياء وهي نفي
الحرج عنهم فيما أباح لهم وكان أمر الله قدرا مقدورا قضاء مقضيا وحكما قطعيا
(39) الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى
بالله حسيبا فينبغي أن لا يخشى إلا منه
(40) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم في الحقيقة فيثبت بينه وبينه ما بين
الولد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها
القمي نزلت في زيد بن حارثة قالت قريش يعيرنا محمد بدعي بعضنا بعضا وقد
ادعى هو زيدا
أقول: لا ينتقض عمومه بكونه أبا للقاسم والطيب والطاهر وإبراهيم لأنهم لم
يبلغوا مبلغ الرجال ولو بلغوا كانوا رجاله لا رجالهم وكذلك لا ينتقض بكونه أبا للأئمة
المعصومين عليهم السلام لأنهم رجاله ليسوا برجال الناس مع أنهم لا يقاسون بالناس
في المجمع قد صح أنه صلى الله عليه وآله قال للحسن إن ابني هذا سيد وقال
أيضا للحسن والحسين عليهما السلام ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا
أقول: يعني قاما بالإمامة أو قعدا عنها وقال إن كل بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلا
أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم وقد مضى في سورتي النساء والأنعام ما يدل على أنهما ابنا
رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن رسول الله وكل رسول أبو أمته لا مطلقا بل من
حيث أنه شفيق ناصح لهم واجب التوقير والطاعة عليهم وزيد منهم وليس بينه وبينه
ولادة محرمة للمصاهرة وغيرها وخاتم النبيين وآخرهم الذي ختمهم أو ختموا
على اختلاف القراءتين
في المناقب عن النبي صلى الله عليه وآله قال أنا خاتم الأنبياء وأنت يا علي
خاتم الأولياء وقال أمير المؤمنين عليه السلام ختم محمد صلى الله عليه وآله ألف
نبي وإني ختمت ألف وصي وأني كلفت ما لم يكلفوا وكان الله بكل شئ عليما فيعلم
193

من يليق أن يختم به النبوة وكيف ينبغي شأنه
(41) يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا يغلب الأوقات ويعم أنواع ما هو
أهله من التقديس والتمجيد والتهليل والتحميد
(42) وسبحوه بكرة وأصيلا أول النهار
وآخره خصوصا لفضلهما على سائر الأوقات لكونهما مشهودين
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال ما من شئ إلا وله حد ينتهي إليه إلا
الذكر فليس له حد ينتهي إليه فرض الله الفرائض فمن أداهن فهو حدهن وشهر رمضان
فمن صامه فهو حده والحج فمن حج فهو حده إلا الذكر فإن الله عز وجل لم يرض منه
بالقليل ولم يجعل له حدا ينتهي إليه
وعنه عليه السلام شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا
وعنه عليه السلام تسبيح فاطمة الزهراء من الذكر الكثير الذي قال الله اذكروا
الله ذكرا كثيرا والأخبار في الذكر الكثير أكثر من أن تحصى
(43) هو الذي يصلى عليكم بالرحمة وملئكته بالاستغفار لكم والاهتمام بما
يصلحكم ليخرجكم من الظلمات إلى النور من ظلمات الكفر والمعاصي إلى نور
الأيمان والطاعة وكان بالمؤمنين رحيما حيث اعتنى بصلاح أمرهم وإنافة قدرهم
واستعمل في ذلك الملائكة المقربين
في الكافي عن الصادق عليه السلام من صلى على محمد وآل محمد عشرا
صلى الله عليه وملائكته مأة مرة ومن صلى على محمد وآل محمد مأة مرة صلى الله
عليه وملائكته ألفا أما تسمع قول الله هو الذي يصلى عليكم وملائكته الآية
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال صلت الملائكة على وعلى
علي عليه السلام سبع سنين وذلك أنه لم يصل فيها أحد غيري وغيره
(44) تحيتهم يوم يلقونه سلام قيل هو من إضافة المصدر إلى المفعول أي
يحيون يوم لقاءه بالسلامة من كل مكروه وآفة
في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام اللقاء هو البعث فافهم جميع ما
في كتاب الله من لقاءه فإنه يعني بذلك البعث كذلك قوله يوم يلقونه سلام يعني
أنه لا يزول الأيمان عن قلوبهم يوم يبعثون وأعد لهم أجرا كريما هي الجنة
(45) يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا على من بعثت إليهم بتصديقهم
194

وتكذيبهم ونجاتهم وضلالهم ومبشرا ونذيرا
(46) وداعيا إلى الله بإذنه وبتيسيره
في العلل عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في جواب نفر من اليهود حين
سألوه لأي شئ سميت محمد أو أحمد وأبا القاسم وبشيرا ونذيرا وداعيا أما الداعي
فإني ادعوا الناس إلى دين ربي عز وجل وأما النذير فاني أنذر بالنار من عصاني وأما
البشير فإني ابشر بالجنة من أطاعني وسراجا منيرا يستضاء به عن ظلمات الجهالة
ويقتبس من نوره أنوار البصائر
(47) وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا على سائر الأمم أو على أجر
أعمالهم
(48) ولا تطع الكافرين والمنافقين تهييج له على ما هو عليه من مخالفتهم
ودع أذاهم إياك وإيذائك إياهم وتوكل على الله فإنه يكفيكهم وكفى بالله وكيلا موكلا
إليه الأمر في الأحوال كلها
القمي أنها نزلت بمكة قبل الهجرة بخمس سنين قال فهذا دليل على خلاف
التأليف
(49) يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن تجامعوهن فما لكم عليهن من عدة أيام يتربصن فيها بأنفسهن تعتدونها
تستوفون عددها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا من غير ضرر ولا منع حق
في الكافي عن الصادق عليه السلام في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها قال
عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا وإن لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على نحو
ما يتمتع به مثلها من النساء
وفي الفقيه والتهذيب عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال متعوهن أي
إحملوهن بما قدرتم عليه من معروف فإنهن يرجعن بكآبة ووحشة وهم عظيم وشماتة
من أعدائهن فإن الله كريم يستحي ويحب أهل الحياء إن أكرمكم أشدكم إكراما
لحلائلكم وقد مضى تمام الكلام فيه في سورة البقرة
195

(50) يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن مهورهن
لأن المهر أجر على البضع وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك بالسبي وبنات عمك
وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن
وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين
في الكافي عن الباقر عليه السلام جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى
الله عليه وآله فدخلت عليه وهو في منزل حفصة والمرأة متلبسة متمشطة فدخلت على
رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله إن المرأة لا تخطب الزوج وأنا امرأة
أيم لا زوج لي منذ دهر ولا ولد فهل لك من حاجة فإن تك فقد وهبت نفسي لك إن
قبلتني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله خيرا ودعا لها ثم قال يا أخت الأنصار
جزاكم الله عن رسول الله خيرا فقد نصرني رجالكم ورغبت في نساؤكم فقالت لها
حفصة ما أقل حيائك وأجراك وأنهمك للرجال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
كفي عنها يا حفصة فإنها خير منك رغبت في رسول الله فلمتها وعيبتها ثم قال للمرأة
انصرفي رحمك الله فقد أوجب الله لك الجنة لرغبتك في وتعرضك لمحبتي وسروري
وسيأتيك أمري إن شاء الله تعالى فأنزل الله عز وجل وامرأة مؤمنة الآية قال فأحل الله
عز وجل هبة المرأة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وآله ولا يحل ذلك لغيره
والقمي كان سبب نزولها إن امرأة من الأنصار أتت رسول الله صلى الله عليه
وآله وقد تهيأت وتزينت فقالت يا رسول الله هل لك في حاجة وقد وهبت نفسي لك
فقالت لها عائشة قبحك الله ما أنهمك للرجال فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله
مه يا عائشة فإنها رغبت في رسول الله صلى الله عليه وآله إذ زهدتن فيه ثم قال رحمك
الله ورحمكم يا معاشر الأنصار ينصرني رجالكم وترغب في نساؤكم إرجعي رحمك
الله فإني أنتظر أمر الله عز وجل فأنزل الله تعالى وامرأة مؤمنة الآية فلا تحل الهبة إلا
لرسول الله صلى الله عليه وآله
وفي المجمع قيل إنها لما وهبت نفسها للنبي قالت عائشة ما بال النساء يبذلن
أنفسهن بلا مهر فنزلت الآية فقالت عائشة ما أرى الله تعالى إلا يسارع في هواك فقال
196

رسول الله صلى الله عليه وآله وإنك إن أطعت الله سارع في هواك
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله
بخمس عشرة امرأة ودخل بثلاث عشرة منهن وقبض عن تسع فأما اللتان لم يدخل بهما
فعمرة والسناة واما الثلاث عشرة اللواتي دخل بهن فأولهن خديجة بنت خويلد ثم
سودة بنت زمعة ثم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية ثم أم عبد الله ثم عائشة بنت
أبي بكر ثم حفصة بنت عمر ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث أم المساكين ثم زينب
بنت جحش ثم أم حبيب رملة بنت أبي سفيان ثم ميمونة بنت الحارث ثم زينب بنت
عميس ثم جويرية بنت الحارث ثم صفية بنت حي بن أخطب واللاتي وهبت نفسها
للنبي خولة بنت حكيم السلمي وكان له سريتان يقسم لها مع أزواجه مارية القبطية
وريحانة الخندقية والتسع اللواتي قبض عنهن عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت
جحش وميمونة بنت الحارث وأم حبيب بنت أبي سفيان وصفية وجويرية وسودة
وأفضلهن خديجة بنت خويلد ثم أم سلمة ثم ميمونة قد علمنا ما فرضنا عليهم في
أزواجهم من الشرائط والحصر في الأربع وما ملكت أيمانهم والجملة اعتراض لكيلا
يكون عليك حرج أي خلص إحلالها لك لمعان تقتضي التوسيع عليك وكان الله
غفورا لما يعسر التحرز عنه رحيما بالتوسعة في مظان الحرج
(51) ترجى من تشاء منهن تؤخرها ولم تنكحها أو تطلقها وقرء بغير همز
وتؤوي إليك من تشاء وتضم إليك وتمسك من تشاء
في الكافي عن الصادق عليه السلام وفي المجمع عنهما عليهما السلام من
آوى فقد نكح ومن أرجى فلم ينكح وفي رواية القمي ومن أرجى فقد طلق كما مرت
ومن ابتغيت طلبت ممن عزلت فلا جناح عليك في شئ من ذلك ذلك أدنى أن تقر
أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن ذلك التفويض إلى مشيتك أقرب إلى قرة
عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعا لأنه حكم كلهن فيه سواء ثم إن سويت بينهن
وجدن ذلك تفضلا منك وإن رجحت بعضهن علمن أنه بحكم الله فتطمئن نفوسهن
والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما بذات الصدور حليما لا يعجل بالعقوبة
197

فهو حقيق بأن يتقى
(52) لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج من مزيدة لتأكيد
الاستغراق ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شئ رقيبا
قيل المعنى لا يحل لك النساء من بعد الأجناس المذكورة اللاتي نص على احلالهن
لك ولا أن تبدل بهن أزواجا من أجناس اخر وقيل معناه لا يحل لك النساء من بعد
نسائك اللاتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله وهن التسع مكافأة لهن على اختيارهن الله
ورسوله
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال إنما عني به لا يحل لك
النساء اللاتي حرم الله عليك في هذه الآية حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم
إلى آخرها ولو كان الأمر كما يقولون كان قد أحل لكم ما لم يحل له لأن أحدكم
يستبدل كلما أراد ولكن الأمر ليس كما يقولون إن الله عز وجل أحل لنبيه صلى الله
عليه وآله أن ينكح من النساء ما أراد إلا ما حرم في هذه الآية في سورة النساء
ومثله عن الصادق عليه السلام في عدة روايات وفي بعضها أراكم وأنتم
تزعمون أنه يحل لكم ما لم يحل لرسول الله صلى الله عليه وآله وفي بعضها أحاديث
آل محمد صلوات الله عليهم خلاف أحاديث الناس
القمي لا تحل لك النساء من بعد ما حرم عليه في سورة النساء وقوله ولا أن
تبدل بهن من أزواج معطوف على قصة امرأة زيد ولو أعجبك حسنهن أي لا تحل لك
امرأة رجل تتعرض لها حتى يطلقها وتزوجها أنت ولا تفعل هذا الفعل بعد
أقول: وهذه الأخبار كما ترى وكذا ما قاله
القمي رزقنا الله فهمها وقيل هذه الآية منسوخة بقوله ترجى من تشاء منهن
وتؤوي إليك من تشاء فإنه وإن تقدمها قراءة فهو مسبوق بها نزولا
(53) يا أيها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام
تدعون إليه غير ناظرين إناه غير منتظرين وقته أو إدراكه من أنى الطعام إذا أدرك ولكن
198

إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا تفرقوا ولا تمكثوا ولا مستأنسين لحديث إن
ذلكم كان يؤذى النبي لتضيق المنزل عليه وعلى أهله واشتغاله بما لا يعنيه فيستحيي
منكم من إخراجكم والله لا يستحى من الحق فيأمركم بالخروج وإذا سئلتموهن متاعا
شيئا ينتفع به فاسئلوهن المتاع من وراء حجاب الستر
القمي لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله بزينب بنت جحش وكان يحبها
فأولم ودعا أصحابه وكان أصحابه إذا أكلوا يحبون أن يتحدثوا عند رسول الله صلى الله
عليه وآله وكان يحب أن يخلو مع زينب فأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا
بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى قوله من وراء حجاب وذلك أنهم كانوا يدخلون بلا
إذن
وفي العلل عن الصادق عليه السلام قال كان جبرئيل إذا أتى النبي قعد بين يديه
قعدة العبد وكان لا يدخل حتى يستأذنه ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن من الخواطر
الشيطانية (1) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وآله أن تفعلوا ما
يكرهه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا من بعد وفاته أو فراقه إن ذلكم كان
عند الله عظيما ذنبا عظيما
(54) إن تبدوا شيئا كنكاحهن على ألسنتكم أو تخفوه في صدوركم فإن الله
كان بكل شئ عليما فيعلم ذلك فيجازيكم به القمي كان سبب نزولها أنه لما أنزل الله
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وحرم الله نساء النبي صلى الله
عليه وآله على المسلمين غضب طلحة فقال يحرم محمد علينا نساءه ويتزوج هو
بنسائنا لئن أمات الله محمدا لنركضن بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل
نسائنا فأنزل الله عز وجل وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله الآية
أقول: وهذا الحكم يشمل اللواتي لم يدخل بهن
ففي الكافي عن الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وآله تزوج امرأة
من بني عامر بن صعصعة يقال لها سناة وكانت من أجمل أهل زمانها فلما نظرت إليها

(1) اي ليس لكم ايذاء رسول الله صلى الله عليه وآله بمخالفة ما أمر به في نسائه ولا في شئ من الأشياء.
199

عائشة وحفصة قالت لتغلبنا هذه على رسول الله صلى الله عليه وآله بجمالها فقالتا لها
لا يرى منك رسول الله صلى الله عليه وآله حرصا فلما دخلت على رسول الله صلى
الله عليه وآله تناولها بيده فقالت أعوذ بالله فانقبضت يد رسول الله صلى الله عليه وآله
عنها وطلقها وألحقها بأهلها وتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة من كندة بنت
أبي الجون فلما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله ابن مارية القبطية قالت
لو كان نبيا ما مات ابنه فألحقها رسول الله صلى الله عليه وآله بأهلها قبل أن يدخل بها
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وولى الناس أبو بكر أتته العامرية والكندية
وقد خطبتا فاجتمع أبو بكر وعمر وقالا لهما اختارا إن شئتما الحجاب وإن شئتما الباه
فاختارتا الباه فتزوجتا فجذم أحد الزوجين وجن الاخر وقال الراوي فحدثت بهذا
الحديث زرارة والفضيل فرويا عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال ما نهى الله عز وجل
عن شئ إلا وقد عصي فيه حتى لقد أنكحوا أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله من
بعده وذكر هاتين العامرية والكندية ثم قال لو سئلتهم عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل
أن يدخل بها أتحل لابنه لقالوا لا فرسول الله أعظم حرمة من آبائهم وفي المناقب
رواية بأن هذا الحكم يجري في الوصي أيضا
وفي الكافي مرفوعا إليهم عليهم السلام في قول الله عز وجل وما كان لكم أن
تؤذوا رسول الله قالوا في علي والأئمة عليهم السلام كالذين آذوا موسى عليه السلام
فبرأه الله مما قالوا
(55) لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا
أبناء أخواتهن استثناء لمن لا يجب الاحتجاب عنهم روي أنه لما نزلت آية الحجاب
قال الاباء والأبناء والأقارب يا رسول الله أو نكلمهن أيضا من وراء حجاب فنزلت ولا
نسائهن يعني النساء المؤمنات ولا ما ملكت أيمانهن وقد مضى بيانه في سورة النور
واتقين الله فيما أمرتن به إن الله كان على كل شئ شهيد الا يخفى عليه خافية
(56) إن الله وملئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا
تسليما
200

في ثواب الأعمال عن الكاظم عليه السلام أنه سئل ما معنى صلاة الله وصلاة
ملائكته وصلاة المؤمن قال صلاة الله رحمة من الله وصلاة الملائكة تزكية منهم له
وصلاة المؤمنين دعاء منهم له
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال الصلاة من
الله عز وجل رحمة ومن الملائكة تزكية ومن الناس دعاء وأما قوله عز وجل سلموا
تسليما يعني التسليم فيما ورد عنه عليه السلام قيل فكيف نصلي
على محمد وآله قال تقولون صلوات الله وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع
خلقه على محمد وآل محمد والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته قيل فما ثواب
من صلى على النبي صلى الله عليه وآله بهذه الصلوات قال الخروج من الذنوب والله
كهيئة يوم ولدته أمه
والقمي قال صلوات الله عليه تزكية له وثناء عليه وصلاة الملائكة مدحهم له
وصلاة الناس دعاؤهم له والتصديق والإقرار بفضله وقوله وسلموا تسليما يعني سلموا
له بالولاية وبما جاء به
وفي المحاسن عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال أثنوا عليه
وسلموا له
وفي العيون عن الرضا عليه السلام في مجلسه مع المأمون قال وقد علم
المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه الآية قيل يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك
فكيف الصلاة عليك فقال تقولون اللهم صلي على محمد وآل محمد كما صليت
وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد فهل بينكم معاشر الناس في هذا
خلاف قالوا لا قال المأمون هذا مما لا خلاف فيه أصلا وعليه إجماع الأمة فهل عندك
في الال شئ أوضح من هذا في القرآن قال نعم أخبروني عن قول الله تعالى يس
والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم فمن عني بقوله يس قالت
العلماء يس محمد (ص) لم يشك فيه أحد قال عليه السلام فإن الله أعطى محمدا وآل
محمد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلا من عقله وذلك أن الله لم يسلم على
201

أحد إلا على الأنبياء فقال تبارك وتعالى سلام على نوح في العالمين وقال سلام على
إبراهيم وقال سلام على موسى وهارون ولم يقل سلام على آل نوح ولم يقل سلام على
آل إبراهيم ولم يقل سلام على آل موسى وهارون وقال سلام على آل يس يعني آل
محمد صلوات الله عليهم فقال قد علمت أن في معدن النبوة شرح هذا وبيانه
وعنه عليه السلام فيما كتبه في شرايع الدين والصلاة على النبي صلى الله عليه
وآله واجبة في كل موطن وعند العطاس والرياح وغير ذلك وفي الخصال مثله عن
الصادق عليه السلام
وفي الكافي والفقيه عن الباقر عليه السلام وصل على النبي كلما ذكرته أو ذكره
ذاكر عندك في أذان وغيره
وفي الكافي عنه عليه السلام قال لما قبض النبي صلى الله عليه وآله صلت عليه
الملائكة والمهاجرون والأنصار فوجا فوجا قال:
وقال أمير المؤمنين عليه السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في
صحته وسلامته إنما أنزلت هذه الآية في الصلاة علي بعد قبض الله لي إن الله وملئكته
يصلون الآية وفيه مرفوعا قال إن موسى ناجاه الله تعالى فقال له في مناجاته وقد ذكر
محمدا فصل عليه يا ابن عمران فإني أصلي عليه وملائكتي
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام لهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر
قوله صلوا عليه والباطن قوله سلموا تسليما أي سلموا لمن وصاه واستخلفه عليكم
فضله وما عهد به إليه تسليما قال وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف
حسه وصفا ذهنه وصح تمييزه
(57) إن الذين يؤذون الله ورسوله يرتكبون ما يكرهانه من الكفر والمخالفة
لعنهم الله أبعدهم من رحمته في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا يهينهم مع
الإيلام القمي قال نزلت في من غصب أمير المؤمنين عليه السلام حقه وأخذ حق
فاطمة عليها السلام وأذاها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله من آذاها في حياتي
202

كمن اذاها بعد موتي ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي ومن آذاها فقد آذاني
ومن آذاني فقد آذى الله وهو قول الله عز وجل إن الذين يؤذون الله ورسوله وفي
المجمع عن علي عليه السلام أنه قال وهو آخذ بشعره حدثني رسول الله صلى الله
عليه وآله وهو آخذ بشعره فقال من آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله
ومن آذى الله فعليه لعنة الله
وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام قال أخر رسول الله صلى الله عليه وآله
ليلة من الليالي العشاء الآخرة ما شاء الله فجاء عمر فدق الباب فقال يا رسول الله نام
النساء نام الصبيان فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ليس لكم أن تؤذوني ولا
تأمروني إنما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا
(58) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا بغير جناية استحقوا
بها فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ظاهر
القمي يعني عليا وفاطمة عليهما السلام وهي جارية في الناس كلهم
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين
المؤذون لأوليائي فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم فيقال هؤلاء الذين آذوا
المؤمنين ونصبوا لهم وعاندوهم وعنفوهم في دينهم ثم يؤمر بهم إلى جهنم
وفي الخصال عن الباقر عليه السلام الناس رجلان مؤمن وجاهل فلا تؤذي
المؤمن ولا تجهل على الجاهل فتكون مثله والقمي عن النبي صلى الله عليه وآله من
بهت مؤمنا أو مؤمنة أقيم في طينة خبال أو يخرج مما قال
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام ما في معناه وفي آخره وسئل وما طينة
خبال قال من فروج المومسات
(59) يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من
جلابيبهن يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة ومن للتبعيض فإن
المرأة ترخي بعض جلبابها وتتلفع ببعض ذلك أدنى أن يعرفن يميزن من الإماء
203

والقينات فلا يؤذين فلا يؤذينهن أهل الريبة بالتعرض لهن وكان الله غفورا لما سلف
رحيما بعباده حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئيات منها القمي كان سبب نزولها
أن النساء كن يخرجن إلى المسجد ويصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا
كان بالليل وخرجن إلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة يقعد الشباب لهن في
طريقهن فيؤذونهن ويتعرضون لهن فأنزل الله يا أيها النبي الآية
(60) لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض شك والمرجفون في
المدينة الذين يرجفون أخبار السوء عن سرايا المسلمين ونحوها وأصله التحريك من
الرجفة وهي الزلزلة سمى به الأخبار الكاذبة لكونه متزلزلا غير ثابت لنغرينك بهم
لنأمرنك بقتالهم وإجلائهم أو ما يضطرهم إلى طلب الجلاء ثم لا يجاورونك فيها في
المدينة إلا قليلا زمانا أو جوازا قليلا
القمي نزلت في قوم منافقين كانوا في المدينة يرجفون برسول الله صلى الله
عليه وآله إذا خرج في بعض غزواته يقولون قتل واسر فيغتم المسلمون لذلك ويشكون
ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله في ذلك لئن لم ينته الآية قال مرض
أي شك لنغرينك أي لنأمرنك بإخراجهم من المدينة
(61) ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا
القمي عن الباقر عليه السلام فوجبت عليهم اللعنة يقول الله بعد اللعنة أينما
ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا
(62) سنة الله في الذين خلوا من قبل سن الله ذلك في الأمم الماضية وهو أن
يقتل الذين نافقوا الأنبياء وسعوا في وهنهم بالإرجاف ونحوه أينما ثقفوا ولن تجد لسنة
الله تبديلا لأنه لا يبدلها ولا يقدر أحد على تبديلها
(63) يسئلك الناس عن الساعة عن وقت قيامها قل إنما علمها عند الله لم
يطلع عليها ملكا ولا نبيا وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا شيئا قريبا
(64) إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا نار شديدة الإيقاد
204

(65) خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا يحفظهم ولا نصيرا يدفع العذاب
عنهم
(66) يوم تقلب وجوههم في النار تصرف عن جهة إلى جهة أو من حال
إلى حال يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا فلن نبتلى بهذا العذاب وقرئ كما
في الظنونا وكذلك السبيل في السبيلا
(67) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وقرء ساداتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا
(68) ربنا اتهم ضعفين من العذاب مثل ما اتينا منه لأنهم ضلوا وأضلونا
والعنهم لعنا كبيرا أي لعنا هو أشد اللعن وأعظمه وقرء كثيرا بالمثلثة أي كثير العدد
القمي هي كناية عن الذين غصبوا آل محمد صلوات الله عليهم حقهم يا ليتنا
أطعنا الله وأطعنا الرسولا يعني في أمير المؤمنين عليه السلام والسادة والكبراء هما
أول من بدء بظلمهم وغصبهم فأضلونا السبيلا أي طريق الجنة والسبيل أمير
المؤمنين عليه السلام
(69) يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا
فأظهر براءته من مقولهم وكان عند الله وجيها ذا قربة ووجاهة
القمي عن الصادق عليه السلام إن بني إسرائيل كانوا يقولون ليس لموسى ما
للرجال وكان موسى إذا أراد الاغتسال ذهب إلى موضع لا يراه فيه أحد من الناس
فكان يوما يغتسل على شط نهر وقد وضع ثيابه على صخرة فأمر الله عز وجل الصخرة
فتباعدت عنه عليه السلام حتى نظر بنو إسرائيل إليه فعلموا أن ليس كما قالوا فأنزل
الله الآية
وفي المجالس عنه عليه السلام إن رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط ألم
ينسبوا إلى موسى أنه عنين وآذوه حتى برأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها
وفي المجمع عن علي عليه السلام أن موسى وهارون عليهما السلام صعدا
الجبل فمات هارون عليه السلام فقالت بنو إسرائيل أنت قتلته فأمر الله الملائكة
205

فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرفوا أنه قد
مات وبرأه الله من ذلك ومرفوعا أن موسى (عليه السلام) كان حيئيا ستيرا يغتسل وحده فقال ما
يتستر منا إلا لعيب بجلده إما برص وإما أدرة فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر
فمر الحجر بثوبه فطلبه موسى (عليه السلام) فرآه بنو إسرائيل عريانا كأحسن الرجال خلقا فبرأه
الله مما قالوا
(70) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا
(71) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم
في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه قال لعباد بن كثير الصوفي البصري
ويحك يا عباد غرك أن عف بطنك وفرجك إن الله عز وجل يقول في كتابه يا أيها الذين
آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح أعمالكم اعلم أنه لا يقبل الله منك شيئا حتى
تقول قولا عدلا ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما
في الكافي والقمي عن الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل ومن يطع الله
ورسوله في ولاية علي عليه السلام والأئمة عليهم السلام من بعده فقد فاز فوزا عظيما
هكذا نزلت
(72) إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها
وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا
أقول: ما قيل في تفسير هذه الآية في مقام التعميم إن المراد بالأمانة التكليف
وبعرضها عليهن النظر إلى استعدادهن وبإبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة
والاستعداد وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه
من القوة الغضبية والشهوية وهو وصف للجنس باعتبار الأغلب وكل ما ورد في تأويلها
في مقام التخصيص يرجع إلى هذا المعنى كما يظهر بالتدبر
في العيون والمعاني عن الرضا عليه السلام في هذه الآية قال الأمانة الولاية من
ادعاها بغير حق فقد كفر
206

أقول: يعني بالولاية الأمرة والأمام يحتمل إرادة القرب من الله
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام هي ولاية أمير المؤمنين عليه السلام
وفي البصائر عن الباقر عليه السلام هي الولاية أبين أن يحملنها كفرا وحملها
الإنسان والإنسان أبو فلان
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام الأمانة الولاية والإنسان أبو الشرور
المنافق
وعنه عليه السلام ما ملخصه أن الله عرض أرواح الأئمة على السماوات
والأرض والجبال فغشيها نورهم وقال في فضلهم ما قال ثم قال فولايتهم أمانة عند
خلقي فأيكم يحملها بأثقالها ويدعيها لنفسه فأبت من ادعاء منزلتها وتمني محلها من
عظمة ربهم فلما أسكن الله آدم عليه السلام وزوجته الجنة وقال لهما ما قال حملهما
الشيطان على تمني منزلتهم فنظر إليهم بعين الحسد فخذلا حتى أكلا من شجرة
الحنطة وساق الحديث إلى أن قال فلم يزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة
ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من أمتهم فيأبون حملها ويشفقون من ادعائها
وحملها الإنسان الذي قد عرف بأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة وذلك قول الله عز
وجل إنا عرضنا الأمانة الآية
والقمي الأمانة هي الإمامة والأمر والنهي والدليل على أن الأمانة هي الإمامة
قوله عز وجل للأئمة إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها يعني الإمامة فالأمانة
هي الإمامة عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها أن يدعوها أو
يغصبوها أهلها وأشفقن منها وحملها الانسان يعني الأول إنه كان ظلوما جهولا
أقول: ويدل على أن تخصيص الأمانة بالولاية والإمامة اللتين مرجعهما واحد
والإنسان بالأول في هذه الأخبار لا ينافي صحة إرادة عمومها لكل أمانة وتكليف
وشمول الإنسان كل مكلف لما عرفت في مقدمات الكتاب من تعميم المعاني وإرادة
الحقائق وفي نهج البلاغة في جملة وصاياه للمسلمين ثم أداء الأمانة فقد خاب من
207

ليس أهلها إنها عرضت على السماوات المبنية والأرض المدحوة والجبال ذات الطول
المنصوبة فلا أطول ولا أعرض ولا أعلا ولا أعظم منها ولو امتنع شئ بطول أو عرض
أو قوة أو عز لامتنعن ولكن أشفقن من العقوبة وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن وهو
الإنسان إنه كان ظلوما جهولا
وفي الكافي ما يقرب منه وفي العوالي أن عليا عليه السلام إذا حضر وقت
الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلون فيقال له مالك يا أمير المؤمنين فيقول جاء وقت
الصلاة وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها
وأشفقن منها
وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الرجل يبعث إلى الرجل
يقول له ابتع لي ثوبا فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق
فيعطيه من عنده قال لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه إن الله عز وجل يقول إنا عرضنا
الأمانة الآية قال وإن كان عنده خير مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده
أقول: لا منافاة بين هذه الأخبار حيث خصصت الأمانة تارة بالولاية والأخرى
بما يعم كل أمانة وتكليف لما عرفت في مقدمات الكتاب من جواز تعميم اللفظ
بحيث يشمل المعاني المحتملة كلها بإرادة الحقايق تارة والتخصيص بواحد واحد
أخرى ثم أقول ما يقال في تأويل هذه الآية في مقام التعميم أن المراد بالأمانة
التكليف بالعبودية لله على وجهها والتقرب بها إلى الله سبحانه كما ينبغي لكل عبد
بحسب استعداده لها وأعظمها الخلافة الإلهية لأهلها ثم تسليم من لم يكن من أهلها
لأهلها وعدم ادعاء منزلتها لنفسه ثم سائر التكاليف والمراد بعرضها على السماوات
والأرض والجبال النظر إلى استعدادهن لذلك وبإبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عبارة
عن عدم اللياقة لها وبحمل الإنسان إياها تحمله لها من غير استحقاق تكبرا على أهلها
ومع تقصيره بحسب وسعه في أدائها وبكونه ظلوما جهولا ما غلب عليه من القوة
الغضبية والشهوية وهو وصف للجنس باعتبار الأغلب فهذه حقائق معانيها الكلية وكل
ما ورد في تأويلها في مقام التخصيص يرجع إلى هذه الحقايق كما يظهر عند التدبر
208

والتوفيق من الله
(73) ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب
الله على المؤمنين والمؤمنات تعليل للحمل من حيث أنه نتيجته وذكر التوبة في الوعد
اشعار بأن كونهم ظلوما جهولا في جبلتهم لا يخليهم من فرطات وكان الله غفورا
رحيما حيث تاب على فرطاتهم وأثاب بالفوز على طاعتهم
في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من كان كثير القراءة
لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد صلى الله عليه وآله وأزواجه وزاد في
ثواب الأعمال ثم قال سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من
سورة البقرة ولكن نقصوها وحرفوها
209

سورة سبأ مكية
عدد آيها خمس وخمسون آية شامي أربع في الباقين اختلافها آية عن يمين
وشمال
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض كلمه نعمة من الله فله
الحمد في الدنيا وله الحمد في الآخرة لأن نعمها أيضا من الله كلها وهو الحكيم الذي
أحكم أمر الدارين الخبير ببواطن الأشياء
(2) يعلم ما يلج يدخل في الأرض من مطر أو كنز أو ميت وما يخرج منها من
ماء أو فلز أو نبات أو حيوان وما ينزل من السماء من مطر وملك أو رزق وما يعرج فيها
من عمل أو ملك وهو الرحيم الغفور للمقصرين في شكر نعمه
(3) وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة إنكار لمجيئها أو استبطاء استهزاء بالوعد
به قل بلى وربى رد لكلامهم وإثبات لما تفوه لتأتينكم عالم الغيب تكرير لإيجابه
مؤكدا بالقسم مقررا له بوصف المقسم به بصفات تقرر إمكانه وتنفي استبعاده وقرئ
علام وبالرفع لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وقرئ لا يعزب
بالكسر ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين رفعهما بالابتداء والجملة
مؤكدة لنفي العزوب وقرئ بالفتح على نفي الجنس
القمي عن الصادق عليه السلام قال أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فكتب
ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات علة لإتيانها
وبيان لما يقتضيه أولئك لهم مغفرة ورزق كريم لا تعب فيه ولا من عليه
(5) والذين سعوا في آياتنا بالأبطال وتزهيد الناس فيها معاجزين مسابقين كي
يفوتونا وقرئ معجزين أي مثبطين عن الأيمان من أراده أولئك لهم عذاب من رجز من
210

سئ العذاب أليم مؤلم وقرئ بالرفع
(6) ويرى الذين أوتوا (1) العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق
القمي قال هو أمير المؤمنين عليه السلام صدق رسول الله بما أنزل الله عليه
وقرئ برفع الحق ويهدى إلى صراط العزيز الحميد الذي هو التوحيد والتدرع بلباس
التقوى
(7) وقال الذين كفروا قال بعضهم لبعض هل ندلكم على رجل يعنون النبي
صلى الله عليه وآله ينبئكم يحدثكم بأعجب الأعاجيب إذا مزقتم كل ممزق إنكم
لفي خلق جديد إنكم تنشئون خلقا جديدا بعد أن تفرق أجسادكم كل تمزيق وتفريق
بحيث تصير ترابا
(8) أفترى على الله كذبا أم به جنة جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه بل
الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد رد من الله عليهم ترديدهم
(9) أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم ما أحاط بجوانبهم من السماء
والأرض مما يدل على كمال قدرة الله وأنهم في سلطانه تجري عليهم قدرته إن نشأ
نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء لتكذيبهم الآيات بعد ظهور
البينات وقرئ بالياء في ثلاثتهن وكسفا بتحريك السين إن في ذلك النظر والفكر فيهما
وما يدلان عليه لاية لدلالة لكل عبد منيب راجع إلى ربه فإنه يكون كثير التأمل في
أمره
(10) ولقد اتينا داود منا فضلا يا جبال أوبى ارجعي معه التسبيح
القمي أي سبحي لله والطير أي رجعي أيضا أو أنت والطير وقرئ بالرفع وألنا له
الحديد جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير إحماء وطرق
القمي قال كان داود إذا مر بالبراري يقرأ الزبور تسبح الجبال والطير معه

(1) يعني القرآن هو الحق، اي يعلمونه الحق لأنهم يتدبرونه ويتفكرون فيه فيعلمون بالنظر والاستدلال انه ليس
من قبل البشر.
211

والوحوش وألان الله له الحديد مثل الشمع حتى كان يتخذ منه ما أحب وقال أعطي
داود وسليمان ما لم يعط أحدا من أنبياء الله من الآيات علمهما منطق الطير وألان
لهما الحديد والصفر من غير نار وجعلت الجبال يسبحن مع داود
(11) أن اعمل سابغات دروعا واسعات وقدر في السرد في نسجها بحيث
تتناسب حلقها أو في مساميرها في الدقة والغلظة فلا تغلق ولا تحرق
في قرب الأسناد عن الرضا عليه السلام قال الحلقة بعد الحلقة والقمي قال
المسامير التي في الحلقة واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير
(12) ولسليمان الريح وسخرنا له الريح وقرئ بالرفع غدوها شهر ورواحها
شهر جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك
القمي قال كانت الريح تحمل كرسي سليمان فتسير به بالغداة مسيرة شهر
وبالعشي مسيرة شهر وأسلنا له عين القطر القمي الصفر وقيل أسال له النحاس
المذاب من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا وكان ذلك باليمن
ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا ومن يعدل منهم
عما أمرناه به من طاعة سليمان نذقه من عذاب السعير قيل عذاب الآخرة وقيل عذاب
الدنيا
(13) يعملون له ما يشاء من محاريب قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بها
لأنها يذب عنها ويحارب عليها وتماثيل وصورا
في الكافي والمجمع عن الصادق عليه السلام والله ما هي تماثيل الرجال
والنساء ولكنها الشجر وشبهه وجفان صحاف كالجواب كالحياض الكبار جمع جابية
من الجباية وقدور راسيات ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها اعملوا آل داود
شكرا وقليل من عبادي الشكور المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر
أوقاته ومع ذلك لا يوفي حقه لأن توفيقه للشكر نعمة يستدعي شكرا آخر لا إلى نهاية
ولذلك قيل الشكور من يرى عجزه عن الشكر
212

(14) فلما قضينا عليه الموت أي على سليمان ما دلهم على موته إلا دابة
الأرض أي الأرضة والأرض فعلها أضيفت إليه تأكل منسأته عصاه من نسأه إذا طرده
فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين في المجمع
وفي الشواذ تبينت الأنس ثم نسبها إلى السجاد والصادق عليهما السلام ويأتي ذكرها
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال إن الله عز وجل أوحى إلى سليمان بن
داود (عليه السلام) أن آية موتك أن شجرة تخرج من بيت المقدس يقال لها الخرنوبة قال فنظر
سليمان يوما فإذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس فقال لها ما اسمك
قالت الخرنوبة قال فولى سليمان مدبرا إلى محرابه فقام فيه متكئا على عصاه فقبض
روحه من ساعته قال فجعلت الجن والأنس يخدمونه ويسعون في أمره كما كانوا وهم
يظنون أنه حي لم يمت يغدون ويروحون وهو قائم ثابت حتى دبت الأرضة من عصاه
فأكلت منسأته فانكسرت وخر سليمان إلى الأرض أفلا تسمع لقوله عز وجل فلما خر
تبينت الجن الآية
وفي العلل عن الباقر عليه السلام قال أمر سليمان بن داود (عليه السلام) الجن فصنعوا له
قبة من قوارير فبينا هو متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجن كيف يعملون
وينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبة ففزع منه فقال له من أنت
قال أنا الذي لا أقبل الرشا ولا أهاب الملوك أنا ملك الموت فقبضه وهو متكئ على
عصاه في القبة والجن ينظرون إليه قال فمكثوا سنة يدأبون له حتى بعث الله عز وجل
الأرضة فأكلت منسأته وهي العصا فلما خر تبينت الجن الآية قال عليه السلام فالجن
يشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان فما تكاد تراها في مكان إلا وعندها ماء
وطين
والقمي قال لما أوحى الله إلى سليمان أنك ميت أمر الشياطين أن تتخذ له بيتا
من قوارير ووضعوه في لجة البحر ودخله سليمان فاتكى على عصاه وكان يقرء الزبور
والشياطين حوله ينظرون إليه ولا يجسرون أن يبرحوا فبينا هو كذلك إذ حانت منه
التفاتة ثم ذكر كالحديث السابق ثم قال فلما خر على وجهه تبينت الأنس أن الجن لو
كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين فهكذا نزلت هذه الآية وذلك أن
213

الأنس كانوا يقولون إن الجن يعلمون الغيب فلما سقط سليمان (عليه السلام) على وجهه علموا
أن لو يعلم الجن الغيب لم يعملوا سنة لسليمان (عليه السلام) وهو ميت ويتوهمونه حيا
وفي العيون والعلل عن الرضا عن أبيه عليهم السلام إن سليمان بن
داود (عليه السلام) قال ذات يوم لأصحابه إن الله تعالى وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي
سخر لي الريح والجن والانس والطير والوحوش وعلمني منطق الطير وآتاني من كل
شئ ومع جميع ما أوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم إلى الليل وقد أحببت أن
أدخل قصري في غد فأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي ولا تأذنوا لأحد علي لئلا يرد
علي ما ينقص على يومي قالوا نعم فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى
موضع من قصره ووقف متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه مسرورا بما أوتي فرحا بما
أعطي إذ نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره فلما
بصر به سليمان (عليه السلام) قال له من أدخلك إلى هذا القصر وقد أردت أن أخلو فيه اليوم فبإذن
من دخلت قال الشاب أدخلني هذا القصر ربه وبإذنه دخلت فقال ربه أحق به مني فمن
أنت قال أنا ملك الموت قال وفيما جئت قال جئت لأقبض روحك قال امض لما أمرت
به فهذا يوم سروري وأبى الله عز وجل أن يكون لي سرور دون لقائه فقبض ملك
الموت روحه وهو متكئ على عصاه فبقي سليمان متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء
الله والناس ينظرون إليه وهم يقدرون انه حي فافتتنوا فيه واختلفوا فمنهم من قال قد
بقي سليمان (عليه السلام) متكئا على عصاه هذه الأيام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم
يشرب إنه لربنا الذي يجب علينا أن نعبده وقال قوم إن سليمان ساحر وأنه يرينا أنه
واقف متكئ على عصاه يسحر أعيننا وليس كذلك فقال المؤمنون إن سليمان هو عبد
الله ونبيه يدبر الله أمره بما يشاء فلما اختلفوا بعث الله عز وجل الأرضة فدبت في عصاه
فلما أكلت جوفه انكسرت العصا وخر سليمان من قصره على وجهه فشكرت الجن
للأرضة صنيعها فلأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان إلا وعندها ماء وطين وذلك
قول الله عز وجل فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل
منسأته يعني عصاه فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا الآية
ثم قال الصادق عليه السلام والله ما نزلت هذه الآية هكذا وإنما نزلت فلما خر
214

تبينت الأنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين
وفي الاحتجاج عن الصادق عليه السلام أنه سئل كيف صعدت الشياطين إلى
السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود (عليه السلام) من
البناء ما يعجز عنه ولد آدم قال غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق غذاهم
التنسم والدليل على ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع ولا يقدر الجسم
الكثيف على الارتقاء إليها إلا بسلم أو بسبب
في الإكمال عن النبي صلى الله عليه وآله عاش سليمان بن داود سبعمأة سنة
واثنتي عشرة سنة
(15) لقد كان لسبأ لأولاد سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان (1)
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل عن سبأ أرجل هو أم امرأة
فقال هو رجل من العرب ولد له عشرة تيامن منهم ستة وتشام منهم أربعة فأما الذين
تيامنوا فالأزد وكندة ومذحج والأشعرون والأنمار وحمير قيل ما أنمار قال الذين منهم
خثعم وبجيلة وأما الذين تشأموا فعاملة وجذام ولحم وغسان في مساكنهم موضع
سكناهم قيل وهي باليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث وقرئ بالأفراد
ثم بفتح الكاف وكسره آية علامة دالة على وجود الصانع المختار وأنه قادر على ما
يشاء من الأمور العجيبة جنتان جماعتان من البساتين عن يمين وشمال جماعة عن
يمين بلدهم وجماعة عن شماله كل واحدة منهما في تقاربها وتضايقها كأنه جنة
واحدة كذا قيل كلوا من رزق ربكم واشكروا له على إرادة القول بلدة طيبة ورب
غفور وقرئ الكل بالنصب
(16) فأعرضوا عن الشكر فأرسلنا عليهم سيل العرم أي العظيم الشديد
القمي قال إن بحرا كان في اليمن وكان سليمان (عليه السلام) أمر جنوده أن يجروا لهم
خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة عظيمة من

(1) المراد من سبأ هنا القبيلة الذين هم أولاد سبأ بن يشخب.
215

الصخر والكلس حتى يفيض على بلادهم وجعلوا للخليج مجاري فكانوا إذا أرادوا
أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه وكانت لهم جنتان عن يمين وشمال
عن مسيرة عشرة أيام فيها يمر المار لا يقع عليه الشمس من التفافها فلما عملوا
بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا بعث الله عز وجل على
ذلك السد الجرذ وهي الفارة الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي لا تستقلها الرجال
وترمي بها فلما رآى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد فما زال الجرذ تقلع الحجر
حتى خربوا ذلك السد فلم يشعروا حتى غشيهم السيل وخرب بلادهم وقلع أشجارهم وهو
قوله تعالى لقد كان لسبأ الآية إلى قوله سيل العرم أي العظيم الشديد وبدلناهم
بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط مر بشع
القمي وهو أم غيلان وأثل وشئ من سدر قليل قيل معطوفان على أكل
لا خمط فإن الأثل هو الطرفاء ولا ثمر له ووصف السدر بالقلة لأن جناه وهو النبق مما
يطيب أكله ولذلك تغرس في البساتين وتسميته البدل جنتين للمشاكلة والتهكم
(17) ذلك جزيناهم بما كفروا بكفرانهم النعمة وهل نجازى إلا الكفور إلا
البليغ في الكفران وقرئ بالنون ونصب الكفور
(18) وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها بالتوسعة على أهلها قيل هي
قرى الشام والقمي قال مكة قرى ظاهرة متواصلة يظهر بعضها لبعض وقدرنا فيها
السير بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت في أخرى سيروا فيها على إرادة القول ليالي
وأياما متى شئتم من ليل أو نهار آمنين
(19) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا أشروا النعمة وملوا العافية فسألوا الله أن
يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزود
الأزواد فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة وقرئ بعد
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام ربنا باعد بلفظ الخبر على أنه شكوى منهم
لبعد سفرهم إفراطا منهم في الترفيه وعدم الاعتداد بما أنعم الله عليهم فيه وظلموا
أنفسهم حيث بطروا النعمة فجعلناهم أحاديث يتحدث الناس بهم تعجبا وضرب مثل
216

فيقولون تفرقوا أيدي سبأ ومزقناهم كل ممزق وفرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان
منهم بالشام وأنمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان إن في ذلك فيما ذكر لايات لكل
صبار عن المعاصي شكور على النعم
في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال هؤلاء قوم
كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض وأنهار جارية وأموال ظاهرة فكفروا نعم
الله عز وجل وغيروا ما بأنفسهم من عافية الله فغير الله ما بهم من نعمة وأن الله لا يغير ما
بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فأرسل الله عليهم سيل العرم فغرق قراهم وخرب
ديارهم وذهب بأموالهم وأبدلهم مكان جنتيهم جنتين ذواتي اكل خمط وأثل وشئ من
سدر قليل
وفي الاحتجاج عن الباقر عليه السلام في حديث الحسن البصري في هذه
الآية قال عليه السلام بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن فنحن القرى التي بارك الله
فيها وذلك قول الله عز وجل فيمن أقر بفضلنا حيث أمرهم أن يأتونا فقال وجعلنا بينهم
وبين القرى التي باركنا فيها أي جعلنا بينهم وبين شيعتهم القرى التي باركنا فيها قرى
ظاهرة والقرى الظاهرة الرسل والنقلة عنا إلى شيعتنا وفقهاء شيعتنا وقوله سبحانه وقدرنا
فيها السير والسير مثل للعلم سير به فيها ليالي وأياما مثل لما يسير من العلم في الليالي
والأيام عنا إليهم في الحلال والحرام والفرائض والأحكام آمنين فيها إذا أخذوا عن
معدنها الذي أمروا أن يأخذوا منه آمنين من الشك والضلال والنقلة من الحرام
إلى الحلال
وعن السجاد عليه السلام إنما عنى بالقرى الرجال ثم تلا آيات في هذا المعنى
من القرآن قيل فمن هم قال نحن هم قال أولم تسمع إلى قوله سيروا فيها ليالي وأياما
آمنين قال آمنين من الزيغ
وفي الإكمال عن القائم عليه السلام في هذه الآية قال نحن والله القرى التي
بارك الله فيها وأنتم القرى الظاهرة
وفي العلل عن الصادق عليه السلام في حديث أبي حنيفة الذي سبق صدره في
217

آخر المقدمة الثانية سيروا فيها ليالي وأياما آمنين قال مع قائمنا أهل البيت عليهم
السلام
(20) ولقد (1) صدق عليهم إبليس ظنه صدق في ظنه وهو قوله لأضلنهم
ولأغوينهم وقرئ بالتشديد أي حققه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين
(21) وما كان له عليهم من سلطان تسلط واستيلاء بوسوسة واستغواء إلا
لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ليتميز المؤمن من الشاك أراد
بحصول العلم حصول متعلقه وربك على كل شئ حفيظ
في الكافي عن الباقر عليه السلام قال كان تأويل هذه الآية لما قبض رسول الله
صلى الله عليه وآله والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله أنه ينطق
عن الهوى فظن بهم إبليس ظنا فصدقوا ظنه
والقمي عن الصادق عليه السلام لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن ينصب
أمير المؤمنين عليه السلام للناس في قوله يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك
في علي بغدير خم فقال من كنت مولاه فعلي مولاه فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر
وحثوا التراب على رؤوسهم فقال لهم إبليس مالكم قالوا إن هذا الرجل قد عقد
اليوم عقدة لا يحلها شئ إلى يوم القيامة فقال لهم إبليس كلا إن الذين حوله قد
وعدوني فيه عدة لن يخلفوني فأنزل الله عز وجل على رسوله ولقد صدق عليهم إبليس
ظنه الآية
(22) قل للمشركين ادعوا الذين زعمتم آلهة من دون الله فيما يهمكم من
جلب نفع أو دفع ضر لا يملكون مثقال ذرة من خير أو شر في السماوات ولا في
الأرض في أمرهما وما لهم فيهما من شرك من شركة لا خلقا ولا ملكا وما له منهم من
ظهير يعينه على تدبير أمرهما
(23) ولا تنفع الشفاعة عنده ولا تنفعهم شفاعة أيضا كما يزعمون إلا لمن أذن

(1) الضمير في عليهم يعود إلى أهل سبا وقيل إلى الناس كلهم الا من أطاع الله.
218

له أن يشفع وقرئ بضم الهمزة
القمي قال لا يشفع أحد من أنبياء الله وأولياء الله ورسله يوم القيامة حتى يأذن
يوم القيامة والشفاعة له وللأئمة عليهم السلام ثم بعد ذلك للأنبياء
وعن الباقر عليه السلام ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى
شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة ثم إن لرسول الله صلى الله عليه وآله
الشفاعة في أمته ولنا الشفاعة في شيعتنا ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم ثم قال وأن
المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر وأن المؤمن ليشفع حتى لخادمه يقول يا رب حق
خدمتي كان يقيني الحر والبرد حتى إذا فزع عن قلوبهم يعني يتربصون فزعين حتى
إذا كشف الفزع عن قلوبهم وقرئ على البناء للفاعل قالوا قال بعضهم لبعض ماذا
قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير ذو العلو والكبرياء
القمي عن الباقر عليه السلام وذلك أن أهل السماوات لم يسمعوا وحيا فيما بين
أن بعث عيسى بن مريم (عليه السلام) إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وآله فلما بعث الله
جبرئيل إلى محمد صلى الله عليه وآله سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع
الحديد على الصفا فصعق أهل السماوات فلما فرغ من الوحي انحدر جبرئيل كلما مر
بأهل سماء فزع عن قلوبهم يقول كشف عن قلوبهم فقال بعضهم لبعض ماذا قال
ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير
(24) قل من يرزقكم من السماوات والأرض تقرير لقوله لا يملكون قل الله
إذ لا جواب سواه وفيه إشعار بأنهم إن سكتوا أو تلعثموا في الجواب مخافة الإلزام فهم
مقرون به بقلوبهم وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين أي وإن أحد الفريقين
من الموحدين والمشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال المبين وهو أبلغ من
التصريح لأنه في صورة الأنصاف المسكت للخصم المشاغب قيل اختلاف
الحرفين لأن الهادي كمن صعد منارا ينظر الأشياء ويطلع عليها أو ركب جوادا يركضه
حيث يشاء والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك لا يرى أو محبوس في مطمورة لا
219

يستطيع أن يتفصى منها
(25) قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون هذا أدخل في الأنصاف
وأبلغ في الأخبات حيث أسند الأجرام إلى أنفسهم والعمل إلى المخاطبين
(26) قل يجمع بيننا ربنا يوم القيامة ثم يفتح بيننا بالحق يحكم ويفصل بأن
يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار وهو الفتاح الحاكم الفاصل العليم بما ينبغي أن
يقضي به
(27) قل أروني الذين ألحقتم به شركاء لأرى بأي صفة ألحقتموهم بالله في
استحقاق العبادة وهو استفسار عن شبهتهم بعد إلزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم
كلا ردع لهم عن المشاركة بعد إبطال المقايسة بل هو الله العزيز الحكيم الموصوف
بالغلبة وكمال القدرة والحكمة وهؤلاء الملحقون متسمة بالذلة متأبية عن قبول العلم
والقدرة رأسا
(28) وما أرسلناك إلا كآفة للناس إلا لرسالة عامة لهم من الكف فإنها إذا
عمتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا
يعلمون فيحملهم جهلهم على مخالفتك
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا
صلى الله عليه وآله شرايع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى على نبينا وآله وعليهم السلام
إلى أن قال وأرسله كافة إلى الأبيض والأسود والجن والأنس
وفي روضة الواعظين عن السجاد عليه السلام إن أبا طالب سأل النبي صلى
الله عليه وآله يا ابن أخ إلى الناس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصة قال لا بل إلى
الناس أرسلت كافة الأبيض والأسود والعربي والعجمي (1) والذي نفسي بيده لأدعون
إلى هذا الأمر الأبيض والأسود من على رؤوس الجبال ومن في لجج البحار ولأدعون

(1) ويؤيده الحديث المروي عن ابن عباس (ره) عن النبي (ص) قال أعطيت خمسا ولا أقول فخرا: بعثت
إلى الأحمر والأسود وجعلت في الأرض طهورا ومسجدا وأحل لي المغنم ولم يحل لأحد قبلي ونصرت بالرعب فهو يسير
أمامي مسيرة شهر وأعطيت الشفاعة فادخرتها لأمتي يوم القيامة.
220

السنة فارس والروم
والقمي عن الصادق عليه السلام إنه قال لرجل سأله أخبرني عن الرسول كان
عاما للناس أليس قد قال الله عز وجل في محكم كتابه وما أرسلناك إلا كافة للناس
لأهل الشرق والغرب وأهل السماء والأرض من الجن والأنس هل بلغ رسالته إليهم
كلهم قال لا أدري قال إن رسول الله لم يخرج من المدينة فكيف أبلغ أهل الشرق
والغرب ثم قال إن الله تعالى أمر جبرئيل (عليه السلام) فاقتلع الأرض بريشة من جناحه ونصبها
لرسول الله صلى الله عليه وآله فكانت بين يديه مثل راحته في كفيه ينظر إلى أهل
الشرق والغرب ويخاطب كل قوم بألسنتهم ويدعوهم إلى الله عز وجل وإلى نبوته
بنفسه فما بقيت قرية ولا مدينة إلا ودعاهم النبي صلى الله عليه وآله بنفسه
(29) ويقولون متى هذا الوعد الموعود بقوله يجمع بيننا ربنا إن كنتم
صادقين يخاطبون به رسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنين
(30) قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون إذا فاجأكم
وهو جواب تهديد في مقابل تعنتهم وإنكارهم
(31) وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولا بما
تقدمه من الكتب الدالة على البعث ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم في
موضع المحاسبة يرجع بعضهم إلى بعض القول يتحاورون ويتراجعون القول يقول
الذين استضعفوا لأتباع للذين استكبروا للرؤساء لولا أنتم لولا إضلالكم وصدكم
إيانا عن الأيمان لكنا مؤمنين باتباع الرسول
(32) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ
جائكم بل كنتم مجرمين أنكروا أنهم كانوا صادين لهم عن الأيمان وأثبتوا أنهم
هم الذين صدوا أنفسهم حيث أعرضوا عن الهدى وآثروا التقليد عليه
(33) وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إضراب
عن إضرابهم أي لم يكن إجرامنا الصاد بل مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا حتى أغرتم
221

علينا رأينا إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب
وأضمر الفريقان الندامة عن الضلالة والإضلال وأخفاها كل عن صاحبه مخافة
التعيير
القمي قال يسرون الندامة في النار إذا رأوا ولي الله فقيل يا ابن رسول الله وما
يغنيهم إسرارهم الندامة وهم في العذاب قال يكرهون شماتة الأعداء وجعلنا الاغلال
في أعناق الذين كفروا أي في أعناقهم فجاء بالظاهر تنويها بذمهم وإشعارا بموجب
إغلالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون أي لا يفعل بهم ما يفعل إلا جزاء على
أعمالهم
(34) وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون
تسلية لرسول الله مما مني به من قومه وتخصيص المتنعمين بالتكذيب لأن الداعي
المعظم إلى التكبر والمفاخرة بزخارف الدنيا والانهماك في الشهوات والاستهانة بمن
لم يحظ منها ولذلك ضم المفاخرة والتهكم إلى التكذيب
(35) وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا فنحن أولى بما تدعونه إن أمكن وما نحن
بمعذبين إما لأن العذاب لا يكون أو لأنه أكرمنا بذلك فلا يهيننا بالعذاب
(36) قل ردا لحسبانهم إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسع لمن يشاء
ويضيق على من يشاء وليس ذلك لكرامة وهو ان ولكن أكثر الناس لا يعلمون إن ذلك
كذلك في نهج البلاغة وأما الأغنياء من مترفة الأمم فتعصبوا لاثار مواقع النعم فقالوا
نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين فإن كان لابد من العصبية فليكن تعصبكم
لمكارم الخصال ومحامد الأفعال ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجد والنجد
من بيوتات العرب ويعاسيب القبايل بالأخلاق الرغيبة والأحلام العظيمة والأخطار
الجليلة والآثار المحمودة
(37) وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى قربة إلا من آمن
وعمل صالحا بانفاق ماله في سبيل الله وتعليم ولده الخير والصلاح فأولئك لهم جزاء
الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون من المكاره وقرئ بالتوحيد
222

القمي عن الصادق عليه السلام وقد ذكر رجل الأغنياء ووقع فيهم فقال عليه
السلام اسكت فإن الغني إذا كان وصولا برحمه بارا بإخوانه أضعف الله له الأجر
ضعفين لأن الله يقول وما أموالكم الآية
وفي العلل ما يقرب منه
(38) والذين يسعون في آياتنا بالرد والطعن معاجزين أولئك في العذاب
محضرون
(39) قل إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له هذا في شخص
واحد باعتبار وقتين وما سبق في شخصين فلا تكرير وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه
عوضا إما عاجلا أو آجلا وهو خير الرازقين فإن غيره وسط في إيصال رزقه لا حقيقة
لرازقيته
القمي عن الصادق عليه السلام قال إن الرب تبارك لثلث الأخير وأمامه ملك ينادي
هل من تائب يتاب عليه هل من مستغفر يغفر له هل من سائل فيعطى سؤله اللهم اعط
كل منفق خلفا وكل ممسك تلفا إلى أن يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد أمر الرب
إلى عرشه فيقسم الأرزاق بين العباد ثم قال وهو قول الله وما أنفقتم من شئ فهو
يخلفه
وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام من بسط يده بالمعروف إذا وجده
يخلف الله له ما أنفق في دنياه ويضاعف له في آخرته
وعن النبي صلى الله عليه وآله من صدق بالخلف جاد بالعطية وفي رواية من
أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة وقيل للصادق عليه السلام إني أنفق ولا أرى
خلفا قال أفترى الله عز وجل أخلف وعده قيل لا قال فمم ذلك قيل لا أدري قال لو أن
أحدكم اكتسب المال من حله لم ينفق درهما إلا أخلف عليه
وعن الرضا عليه السلام قال لمولى له هل أنفقت اليوم شيئا فقال لا والله فقال
223

عليه السلام فمن أين يخلف الله علينا
(40) ويوم نحشرهم جميعا المستكبرين والمستضعفين ثم نقول للملائكة
أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون تقريعا للمشركين وتبكيتا وإقناطا لهم عما يتوقعون من
شفاعتهم وتخصيص الملائكة لأنهم أشرف شركائهم والصالحون للخطاب منهم وقرئ
بالياء فيها
(41) قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم أنت الذي نواليه من دونهم لا
موالاة بيننا وبينهم كأنهم بينوا بذلك برأتهم عن الرضا بعبادتهم ثم أضربوا عن ذلك
ونفوا أنهم عبدوهم على الحقيقة بقولهم بل كانوا يعبدون الجن أي الشياطين حيث
أطاعوهم في عبادة غير الله أكثرهم بهم مؤمنون
(42) فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا إذ الأمر فيه كله له لأن
الدار دار جزاء وهو المجازي وحده ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم
بها تكذبون
(43) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا يعنون به النبي صلى الله عليه وآله
إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم فيستتبعكم بما يستبدعه وقالوا ما هذا
يعنون القرآن إلا إفك كذب مفترى على الله وقال الذين كفروا للحق لما جائهم إن
هذا إلا سحر مبين
(44) وما آتيناهم من كتب يدرسونها تدعوهم إلى ما هم عليه وما أرسلنا إليهم
قبلك من نذير ينذرهم على تركه فمن أين وقع لهم هذه الشبهة
(45) وكذب الذين من قبلهم كما كذبوا وما بلغوا معشار ما آتيناهم قيل وما بلغ
هؤلاء عشر ما آتينا أولئك من القوة وطول العمر وكثرة المال أو ما بلغ أولئك عشر ما آتينا
هؤلاء من البينات والهدى
أقول: كأنه أريد على التقديرين أن أولئك كانوا أحرى بتكذيب رسلهم من
هؤلاء وعليه يحمل ما رواه القمي مرفوعا قال كذب الذين من قبلهم رسلهم وما بلغ ما
224

اتينا رسلهم معشار ما اتينا محمدا وآل محمد عليهم السلام أو يحمل على أن المراد
أن فضائل محمد وآله أحرى بالحسد والتكذيب وإيتاء محمد وآل محمد صلى الله
عليه وآله إيتاء لهم فلا ينافي الحديث ظاهر القرآن فكذبوا رسلي لا تكرير فيه لأن
الأول مطلق والثاني مقيد فكيف كان نكير أي إنكاري لهم بالتدمير فليحذر هؤلاء
من مثله
(46) قل إنما أعظكم بواحدة أرشدكم وأنصح لكم بخصلة واحدة (1) أن
تقوموا لله معرضين عن المراء والتقليد مثنى وفرادى متفرقين اثنين اثنين أو واحد
واحد فإن الازدحام يشوش الخاطر ويخلط القول ثم تتفكروا في أمري وما جئت به
لتعلموا حقيته ما بصاحبكم من جنة فتعلموا ما به من جنون يحمله على ذلك إن هو إلا
نذير لكم بين يدي عذاب شديد أي قدامه
في الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام قال إنما أعظكم بولاية علي عليه
السلام هي الواحدة التي قال الله
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث إن الله جل ذكره أنزل
عزائم الشرايع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة كما خلق السماوات والأرض في
ستة أيام ولو شاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر لخلق ولكنه جعل الأناة والمداراة
مثالا لامنائه وإيجابا للحجة على خلقه فكان أول ما قيدهم به الإقرار بالوحدانية
والربوبية والشهادة بأن لا إله إلا الله فلما أقروا بذلك تلاه بالإقرار لنبيه بالنبوة والشهادة
له بالرسالة فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم
الزكاة ثم الصدقات وما يجري مجراها من مال الفئ فقال المنافقون هل بقي لربك
علينا بعد الذي فرض علينا شئ آخر يفرضه فتذكره لتسكن أنفسنا إلى أنه لم يبق غيره
فأنزل الله في ذلك قل إنما أعظكم بواحدة يعني الولاية فأنزل الله إنما وليكم الله
ورسوله الآية
(47) قل ما سئلتكم من أجر على الرسالة فهو لكم

(1) وقيل بكلمة واحدة وهي كلمة التوحيد وقيل بطاعة الله.
225

القمي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال وذلك أن رسول الله صلى الله
عليه وآله سأل قومه أن يودوا أقاربه ولا يؤذوهم وأما قوله فهو لكم يقول ثوابه لكم
وفي المجمع عنه عليه السلام معناه إن أجر ما دعوتكم إليه من إجابتي وذخره هو
لكم دوني
وفي الكافي عنه عليه السلام يقول أجر المودة الذي لم أسألكم غيره فهو لكم
تهتدون به وتنجون من عذاب يوم القيامة إن أجرى إلا على الله وهو على كل شئ
شهيد مطلع يعلم صدقي وخلوص نيتي
(48) قل إن ربى يقذف بالحق يلقيه وينزله على من يجتبيه من عباده علام
الغيوب
(49) قل جاء الحق الاسلام وما يبدئ الباطل وما يعيد وزهق الباطل أي
الشرك بحيث لم يبق له أثر
في الأمالي عن الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السلام دخل رسول الله صلى الله
عليه وآله مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده ويقول
جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد
وفي المجمع مثله عن ابن مسعود
(50) قل إن ضللت عن الحق فإنما أضل على نفسي فإن وبال ضلالي عليها
وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربى إنه سميع قريب يسمع كل قول ويرى كل فعل وإن
كان خفيا
(51) ولو ترى إذ فزعوا لرأيت فظيعا فلا فوت فلا يفوتون الله بهرب أو
حصن
القمي عن الباقر عليه السلام قال إذ فزعوا من الصوت وذلك الصوت من
السماء وأخذوا من مكان قريب قال من تحت أقدامهم خسف بهم
226

وعنه عليه السلام لكأني أنظر إلى القائم عليه السلام وقد أسند ظهره إلى
الحجر وساق الحديث إلى أن قال فإذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفياني
فيأمر الله عز وجل الأرض فتأخذ بأقدامهم وهو قوله عز وجل ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت
وأخذوا من مكان قريب
(52) وقالوا آمنا به قال يعني بالقائم من آل محمد وقيل بمحمد صلى الله عليه
وآله وأنى لهم التناوش التناول يعني تناول الأيمان من مكان بعيد يعني بعد انقضاء
زمان التكليف قال إنهم طلبوا الهدى من حيث لا ينال وقد كان لهم مبذولا من حيث
ينال
(53) وقد كفروا به من قبل يعني أوان التكليف ويقذفون بالغيب ويرجمون
بالظن ويتكلمون بما لم يظهر لهم من مكان بعيد من جانب بعيد من أمره
(54) وحيل بينهم وبين ما يشتهون قال يعني أن لا يعذبوا كما فعل
بأشياعهم من قبل قال يعني من كان قبلهم من المكذبين هلكوا إنهم كانوا في شك
مريب
في المجمع عن السجاد والحسن بن الحسن بن علي عليهما السلام في هذه
الآية هو جيش البيداء يؤخذون من تحت أقدامهم وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه ذكر فتنة
تكون بين أهل المشرق والمغرب قال فبينا هم كذلك يخرج عليهم السفياني من
الوادي اليابس في فور ذلك حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين جيشا إلى المشرق وآخر
إلى المدينة حتى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة يعني بغداد فيقتلون فيها أكثر
من ثلاثة آلاف ويفضحون أكثر من مأة امرأة ويقتلون بها ثلاثمأة كبش من بني العباس
ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها ثم يخرجون متوجهين إلى الشام فتخرج
راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر ويستنقذون ما
في أيديهم من السبي والغنائم ويحل الجيش الثاني بالمدينة فينهبونها ثلاثة أيام
بلياليها ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبرئيل
فيقول يا جبرئيل اذهب فأبدهم فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم عندها ولا يفلت
227

منهم إلا رجلان من جهينة فلذلك جاء القول (وعند جهينة الخبر اليقين) فذلك قوله
تعالى ولو ترى إذ فزعوا الآية قال وروى أصحابنا في أحاديث المهدي عن أبي
جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام مثله
وفي ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من قرأ الحمدين جميعا
حمد سبأ وحمد فاطر في ليلة لم يزل في ليله في حفظ الله وكلاءته فإن قرأهما في
نهاره لم يصبه في نهاره مكروه وأعطي من خير الدنيا وخير الآخرة ما لم يخطر على
قلبه ولم يبلغ مناه
228

سورة الملائكة مكية
قال الحسن إلا آيتين إن الذين يتلون الكتاب الله الآية ثم أورثنا الكتاب الآية
عدد آيها خمس وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) الحمد لله فاطر السماوات والأرض مبدعهما من الفطر بمعنى الشق كأنه
شق العدم بإخراجهما منه جاعل الملائكة رسلا وسائط بين الله وبين أنبيائه
والصالحين من عباده يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة أولى
أجنحة مثنى وثلث ورباع ذوي أجنحة متعددة ينزلون بها ويعرجون ويسرعون بها نحو
ما أمروا به
في الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله الملائكة على ثلاثة أجزاء جزء له
جناحان وجزء له ثلاثة أجنحة وجزء له أربعة أجنحة قيل لعله لم يرد خصوصية الأعداد
ونفي ما زاد عليها لما روي عنه عليه السلام أنه رأى جبرئيل عليه السلام ليلة المعراج وله ستمأة
ألف جناح
أقول: ولعله إلى ذلك أشير بقوله تعالى يزيد في الخلق ما يشاء
وفي الإكمال عنه عليه السلام إن لله تبارك وتعالى ملكا يقال له دردائيل كان له
ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح والجناح هواء والهواء كما بين السماء والأرض
والقمي عن الصادق عليه السلام قال خلق الله الملائكة مختلفة وقد رأى رسول الله
صلى الله عليه وآله جبرئيل وله ستمأة جناح على ساقه الدر مثل القطر على البقل
قد ملأ ما بين السماء والأرض وقال إذا أمر الله عز وجل ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا
صارت رجله اليمنى في السماء السابعة والأخرى في الأرض السابعة وأن لله ملائكة
229

أنصافهم من برد وأنصافهم من نار يقولون يا مؤلفا بين البرد والنار ثبت قلوبنا على
طاعتك وقال إن لله ملكا بعد ما بين شحمة اذنه إلى عينه مسيرة خمسمأة عام
بخفقان (1) الطير وقال إن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون وإنما يعيشون
بنسيم العرش وأن لله عز وجل ملائكة ركعا إلى يوم القيامة وأن لله عز وجل ملائكة
سجدا إلى يوم القيامة ثم قال أبو عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله
ما من شئ مما خلق الله عز وجل أكثر من الملائكة وأنه ليهبط في كل يوم أو في كل
ليلة سبعون ألف ملك فيأتون البيت الحرام فيطوفون به ثم يأتون رسول الله صلى الله
عليه وآله ثم يأتون أمير المؤمنين عليه السلام فيسلمون عليه ثم يأتون الحسين عليه
السلام فيقيمون عنده فإذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى السماء ثم لا يعودون
أبدا
وقال أبو جعفر عليه السلام إن الله عز وجل خلق إسرافيل وجبرائيل وميكائيل من
تسبيحة واحدة وجعل لهم السمع والبصر وجودة العقل وسرعة الفهم وقال
أمير المؤمنين عليه السلام في خلقة الملائكة وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سمواتك فليس
فيهم فترة ولا عندهم غفلة ولا فيهم معصية هم أعلم خلقك بك وأخوف خلقك لك
وأقرب خلقك منك وأعملهم بطاعتك لا يغشيهم نوم العيون ولا سهو العقول ولا فترة
الأبدان لم يسكنوا الأصلاب ولم يضمهم الأرحام ولم تخلقهم من ماء مهين أنشأتهم
إنشاء فأسكنتهم سمواتك وأكرمتهم بجوارك وائتمنتهم على وحيك وجنبتهم الآفات
ووقيتهم البلبات وطهرتهم من الذنوب ولولا قوتك لم يقووا ولولا تثبيتك لم يثبتوا ولولا
رحمتك لم يطيعوا ولولا أنت لم يكونوا أما إنهم على مكانتهم منك وطاعتهم إياك
ومنزلتهم عندك وقلة غفلتهم عن أمرك لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم
ولازرؤا على أنفسهم ولعلموا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك سبحانك خالقا ومعبودا
ما أحسن بلاءك عند خلقك
وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه سئل عن قدرة الله عز وجل فقام
خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن لله تبارك وتعالى ملائكة لو أن ملكا منهم هبط

(1) خفق الطائر اي طار واخفق إذا ضرب بجناحيه.
230

إلى الأرض ما وسعته لعظم خلقته وكثرة أجنحته ومنهم من لو كلفت الجن والأنس أن
يصفوه ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته وكيف يوصف من ملائكته
من سبع مأة عام ما بين منكبه وشحمة اذنيه ومنهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته
دون عظم بدنه ومنهم من السماوات إلى حجزته ومنهم من قدمه على غير قرار في
جو الهواء الأسفل والأرضون إلى ركبتيه منهم من لو القي في نقرة إبهامه جميع
المياه لوسعتها ومنهم لو ألقيت السفينة من دموع عينيه لجرت دهر الداهرين فتبارك
الله أحسن الخالقين وفي الكافي عن الثمالي قال دخلت على علي بن الحسين عليهما
السلام فاحتبست في الدار ساعة ثم دخلت البيت وهو يلتقط شيئا وأدخل يده من وراء
الستر فناوله من كان في البيت فقلت جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقطه أي شئ هو
قال فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا نجعله سبحا لأولادنا قلت جعلت فداك
فإنهم ليأتونكم فقال يا أبا حمزة إنهم ليزاحمونا على تكائنا وفي هذا المعنى أخبار
كثيرة فيه وفي البصائر يزيد في الخلق ما يشاء على مقتضى حكمته
في التوحيد عن الصادق عليه السلام إن القضاء والقدر خلقان من خلق الله والله
يزيد في الخلق ما يشاء
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله هو الوجه الحسن والصوت الحسن
والشعر الحسن إن الله على كل شئ قدير
(2) ما يفتح الله للناس ما يطلق لهم من رحمة كنعمة وأمن وصحة وعلم ونبوة
وولاية
والقمي عن الصادق عليه السلام قال والمتعة من ذلك فلا ممسك لها يحبسها
وما يمسك فلا مرسل له يطلقه من بعده من بعد إمساكه وهو العزيز الغالب على ما
يشاء ليس لأحد أن ينازعه فيه الحكيم لا يفعل إلا بعلم وإتقان
(3) يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم إحفظوها بمعرفة حقها والاعتراف
بها وطاعة منعمها هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو
فأنى تؤفكون فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى إشراك غيره به وقرئ غير مجرورا
231

(4) وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك أي فتأس بهم في الصبر على
تكذيبهم وإلى الله ترجع الأمور فيجازيك وإياهم على الصبر والتكذيب
(5) يا أيها الناس إن وعد الله بالحشر والجزاء حق لا خلف فيه فلا تغرنكم
الحياة الدنيا فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة والسعي لها ولا يغرنكم بالله
الغرور الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية
(6) إن الشيطان لكم عدو عدواة عامة قديمة فاتخذوه عدوا في عقايدكم
وأفعالكم وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم إنما يدعوا حزبه ليكونوا من
أصحاب السعير تقرير لعداوته وبيان لغرضه
(7) الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة
وأجر كبير وعيد لمن أجاب دعاءه ووعد لمن خالفه
(8) أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا كمن لم يزين له بل وفق حتى عرف
الحق فحذف الجواب لدلالة ما بعده عليه فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء
في الكافي عن الكاظم عليه السلام أنه سئل عن العجب الذي يفسد العمل
فقال للعجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب أنه
يحسن صنعا فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات
على غيهم وإصرارهم على التكذيب إن الله عليم بما يصنعون فيجازيهم عليه
القمي مرفوعا قال نزلت في زريق وحبتر
(9) والله الذي أرسل الرياح وقرئ الريح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت
فأحيينا به الأرض بالمطر النازل منه بعد موتها بعد يبسها
في الكافي والقمي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل عن السحاب أين
يكون قال يكون على شجر على كثيب على شاطئ البحر يأوي إليه فإذا أراد الله عز
وجل أن يرسله أرسل ريحا فأثارته فوكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق وهو البرق
فيرتفع
232

وزاد في الكافي ثم قرأ هذه الآية والله الذي أرسل الرياح الآية قال والملك اسمه
الرعد كذلك النشور أي مثل إحياء الموات إحياء الأموات وقد سبق من تفسير الأمام
(عليه السلام) في قصة البقرة أن الله عز وجل ينزل بين نفختي الصور بعدما ينفخ النفخة الأولى
من دون السماء الدنيا من البحر المسجور الذي قال الله تعالى والبحر المسجور وهو مني
كمني الرجال فيمطر ذلك على الأرض فيلقى الماء المني مع الأموات البالية فينبتون من
الأرض ويحيون
وفي المجالس والقمي عن الصادق عليه السلام إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر
السماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم
(10) من كان يريد العزة الشرف والمنعمة فلله العزة جميعا أي فليطلبها من
عنده فإن كلها له
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز
فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه
قيل بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح
والقمي قال كلمة الإخلاص والإقرار بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله من
عند الله من الفرائض والولاية ترفع العمل الصالح إلى الله
وعن الصادق عليه السلام الكلم الطيب قول المؤمن لا إله إلا الله محمد
رسول الله علي ولي الله وخليفة رسول الله صلوات الله عليهما قال والعمل الصالح
الاعتقاد بالقلب أن هذا هو الحق من عند الله لا شك فيه من رب العالمين
وعن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن لكل قول
مصداقا من عمل يصدقه أو يكذبه فإذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله رفع قوله بعمله
إلى الله وإذا قال وخالف عمله قوله رد قوله على عمله الخبيث وهوى به في النار
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال ولايتنا أهل البيت وأومى
بيده إلى صدره فمن لم يتولنا لم يرفع الله له عملا
233

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام من قال لا إله إلا الله مخلصا
طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرق الأبيض فإذا قال ثانية لا إله
إلا الله مخلصا خرقت أبواب السماء وصفوف الملائكة حتى تقول الملائكة بعضها
لبعض اخشعوا لعظمة أمر الله فإذا قال ثالثة مخلصا لا إله إلا الله لم تنته دون العرش
فيقول الجليل اسكتي فوعزتي وجلالي لأغفرن لقائلك بما كان فيه ثم تلا هذه الآية
إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه يعني إذا كان عمله خالصا ارتفع قوله
وكلامه والذين يمكرون السيئات المكرات السيئات قيل يعني مكرات قريش للنبي
صلى الله عليه وآله في دار الندوة وتدارئهم (1) الرأي في إحدى ثلاث حبسه وقتله
وإجلائه
أقول: ويشمل مكرات أصحاب السقيفة في رد وصية النبي صلى الله عليه
وآله للوصي وغير ذلك لهم عذاب شديد لا يؤبه دونه بما يمكرون به ومكر أولئك هو
يبور يفسد ولا ينفذ وفي العاقبة يحيق بهم
(11) والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا ذكرانا وإناثا وما
تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه إلا معلومة له وما يعمر من معمر ولا ينقص من
عمره إلا في كتاب القمي يعني يكتب في كتاب قال وهو رد على من ينكر البداء
وفي الجوامع قيل معناه لا يطول عمر ولا ينقص إلا في كتاب وهو أن يكتب في
اللوح لو أطاع الله فلان بقي إلى وقت كذا وإذا عصى نقص من عمره الذي وقت له
وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله إن الصدقة وصلة الرحم تعمران الديار
وتزيدان في الأعمار
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام ما نعلم شيئا يزيد في العمر إلا صلة
الرحم حتى أن الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم فيزيد الله عز
وجل في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثا وثلاثين سنة ويكون أجله ثلاثا وثلاثين سنة
فيكون قاطعا للرحم فينقصه الله ثلاثين سنة في عمره ويجعل أجله إلى ثلاث
سنين والأخبار في هذا

(1) يتدارؤن الحديث اي يتدافعونه فكل منهم يدفع قول صاحبه بما ينفعه من القول.
234

المعنى كثيرة جدا إن ذلك على الله يسير إشارة إلى الحفظ والزيادة والنقص
(12) وما يستوى البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج
القمي عن الباقر عليه السلام الأجاج هو المر قيل هو مثل للمؤمن والكافر ومن
كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها اللئالي واليواقيت وترى الفلك فيه
مواخر (1) تشق الماء بجريها القمي يقول الفلك مقبلة ومدبرة بريح واحدة لتبتغوا من
فضله من فضل الله بالنقلة فيها ولعلكم تشكرون على ذلك
(13) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل
يجرى لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون
من قطمير القمي قال الجلدة الرقيقة التي على ظهر النوى
(14) إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم لأنهم جماد ولو سمعوا على سبيل
الفرض ما استجابوا لكم لعدم قدرتهم عليها ويوم القيمة يكفرون بشرككم ولا ينبئك
مثل خبير ولا يخبرك بالأمر مخبر مثل خبير به أخبرك وهو الله سبحانه فإنه الخبير به
على الحقيقة دون سائر المخبرين والمراد تحقيق ما أخبر به عن حال آلهتهم ونفي ما
يدعون لهم
(15) يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله في أنفسكم وأحوالكم والله هو الغنى
الحميد المستغني على الإطلاق المنعم على سائر الموجودات حتى استحق عليهم
الحمد
(16) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد بقوم آخرين أطوع منكم
(17) وما ذلك على الله بعزيز بمتعذر أو متعسر
(18) ولا تزر وازرة وزر أخرى ولا تحمل نفس آثمة اثم نفس أخرى وأما قوله
وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ففي الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال
أضلالهم مع أثقال ضلالهم وكل ذلك أوزارهم ليس فيها شئ من أوزار غيرهم وإن

(1) مواخر: جواري تشق الماء شقا.
235

تدع مثقلة نفس أثقلها الأوزار إلى حملها تحمل بعض أوزارها لا يحمل منه شئ لم
تجب بحمل شئ منه نفى أن يحمل عنها ذنبها كما نفى أن يحمل عليها ذنب غيرها
ولو كان ذا قربى ولو كان المدعو ذا قرابتها أضمر المدعو لدلالة إن تدع عليه إنما تنذر
الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة فإنهم المنتفعون بالإنذار لا غير ومن
تزكى ومن تطهر عن دنس المعاصي فإنما يتزكى لنفسه إذ نفعه لها وإلى الله المصير
فيجازيهم على تزكيتهم وما يستوى الأعمى والبصير الكافر والمؤمن
(19) وما يستوى الأعمى والبصير
(20) ولا الظلمات ولا النور ولا الباطل ولا الحق (21) ولا الظل ولا الحرور ولا
الثواب ولا العقاب ولا لتأكيد نفي الاستواء وتكريرها على الشقين لمزيد التأكيد
والحرور من الحر غلب على السموم القمي الظل الناس والحرور البهائم
(22) وما يستوي الاحياء ولا الأموات تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلغ من
الأول ولذلك كرر الفعل وقيل للعلماء والجهلاء إن الله يسمع من يشاء هدايته فيوفقه
لفهم آياته والاتعاظ بعظاته وما أنت بمسمع من في القبور المصرين على الكفر
(23) إن أنت إلا نذير فما عليك إلا الأنذار وأما الاستماع فلا عليك ولا حيلة
لك إليه في المطبوع على قلوبهم
(24) إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة أهل عصر إلا خلا مضى
فيها نذير من نبي أو وصي نبي القمي قال لكل زمان إمام
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام لم يمت محمد إلا وله بعيث نذير قال فإن
قيل لا فقد ضيع رسول الله صلى الله عليه وآله من في أصلاب الرجال من أمته قيل وما
يكفيهم القرآن قال بلى إن وجدوا له مفسرا قيل وما فسره رسول الله صلى الله عليه وآله
قال بلى قد فسره لرجل واحد وفسر للأمة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب
عليه السلام
(25) وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جائتهم رسلهم بالبينات
بالمعجزات الشاهدة على نبوتهم وبالزبر وبالكتاب المنير كصحف
236

إبراهيم عليه
(26) ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير أي إنكاري بالعقوبة
(27) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن
الجبال جدد أي ذو جدد أي خطط وطرائق بيض وحمر مختلف ألوانها بالشدة
والضعف وغرابيب سود ومنها غرابيب متحدة اللون والغربيب تأكيد للأسود وحقه أن
يتبع المؤكد قدم لمزيد التأكيد لما فيه من التأكيد باعتبار الإضمار والأظهار
(28) ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه كذلك كاختلاف الثمار
والجبال إنما يخشى الله من عباده العلماء إذ شرط الخشية معرفة المخشى والعلم
بصفاته وأفعاله فمن كان أعلم به كان أخشى منه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله
إني أخشاكم لله أتقاكم له إن الله عزيز غفور تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه
معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب من عصيانه
في المجمع عن الصادق عليه السلام يعني بالعلماء من صدق قوله فعله ومن لم
يصدق فعله قوله فليس بعالم وفي الحديث أعلمكم بالله أخوفكم لله
وفي الكافي عن السجاد عليه السلام وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان
فمن عرف الله خافه وحثه الخوف على العمل بطاعة الله وأن أرباب العلم وأتباعهم
الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه وقد قال الله إنما يخشى الله من عباده العلماء
وعن الصادق عليه السلام إن من العبادة شدة الخوف من الله ثم تلا هذه الآية
وفي مصباح الشريعة عنه عليه السلام دليل الخشية التعظيم لله والتمسك
بخالص الطاعة وأوامره والخوف والحذر ودليلهما العلم ثم تلا هذه الآية
(29) إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا
وعلانية يرجون تجارة لن تبور لن تكسد ولن تهلك بالخسران والتجارة تحصيل
الثواب بالطاعة
(30) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله على ما يقابل أعمالهم
237

في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله هو الشفاعة لمن وجب له النار ممن
صنع إليه معروفا في الدنيا إنه غفور لفرطاتهم شكور لطاعاتهم أي مجازيهم عليها
(31) والذي أوحينا إليك من الكتاب يعني القرآن هو الحق مصدقا لما بين
يديه من الكتب السماوية إن الله بعباده لخبير بصير عالم بالبواطن والظواهر
(32) ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا يعني العترة الطاهرة
خاصة فمنهم ظالم لنفسه لا يعرف إمام زمانه ومنهم مقتصد يعرف الأمام ومنهم سابق
بالخيرات بإذن الله هو الأمام
في البصائر عن الباقر عليه السلام هي في ولد علي وفاطمة عليهما السلام
وفي الكافي عنه عليه السلام قال السابق بالخيرات الأمام والمقتصد العارف
للأمام والظالم لنفسه الذي لا يعرف الأمام
وعن الصادق عليه السلام إنه قيل له إنها في الفاطميين فقال ليس حيث تذهب
ليس يدخل في هذا من أشار بسيفه ودعا الناس إلى ضلال فقيل أي شئ الظالم
لنفسه قال الجالس في بيته لا يعرف حق الأمام والمقتصد العارف بحق الأمام والسابق
بالخيرات الأمام
وعن الكاظم عليه السلام أنه تلا هذه الآية قال فنحن الذين اصطفانا الله تعالى
عز وجل وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كل شئ
وعن الرضا عليه السلام إنه سئل عنها قال ولد فاطمة عليها السلام والسابق
بالخيرات الأمام والمقتصد العارف بالإمام والظالم لنفسه الذي لا يعرف الأمام
وفي العيون عنه عليه السلام أراد الله بذلك العترة الطاهرة ولو أراد الأمة لكانت
بأجمعها في الجنة لقول الله فمنهم ظالم لنفسه الآية ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال
جنات عدن يدخلونها الآية فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم
وفي الخرائج عن الزكي عليه السلام كلهم من آل محمد صلى الله عليه وآله
الظالم لنفسه الذي لا يقر بالإمام عليه السلام والمقتصد العارف بالإمام والسابق
238

بالخيرات الإمام عليه السلام
وعن الصادق عليه السلام أن فاطمة عليها السلام لعظمها على الله حرم الله
ذريتها على النار وفيهم نزلت ثم أورثنا الكتاب الآية ثم فسر الفرق الثلاث بما مر
وفي المجمع عنه عليه السلام الظالم لنفسه منا من لا يعرف حق الأمام
والمقتصد منا من يعرف حق الأمام والسابق بالخيرات هو الأمام وهؤلاء كلهم مغفور
لهم
وفي الاحتجاج عنه عليه السلام أنه سئل عنها وقيل له إنها لولد فاطمة عليها
السلام خاصة فقال أما من سل سيفه ودعا الناس إلى نفسه إلى الضلال من ولد فاطمة
عليها السلام فليس بداخل في هذه الآية قيل من يدخل فيها قال الظالم لنفسه الذي لا
يدعو الناس إلى ضلال ولا هدى والمقتصد منا أهل البيت العارف حق الأمام
والسابق بالخيرات الأمام
وفي المناقب عنه عليه السلام نزلت في حقنا وحق ذرياتنا
وفي رواية عنه وعن أبيه عليهما السلام هي لنا خاصة وإيانا عنى
وعن الباقر عليه السلام هم آل محمد صلوات الله عليهم
وفي المعاني عنه عليه السلام أنه سئل عنها فقال نزلت فينا أهل البيت فقيل
فمن الظالم لنفسه قال من استوت حسناته وسيئاته منا أهل البيت فهو الظالم لنفسه
فقيل من المقتصد منكم قال العابد لله في الحالين حتى يأتيه اليقين فقيل فمن السابق
منكم بالخيرات قال من دعا والله إلى سبيل ربه وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ولم
يكن للمضلين عضدا ولا للخائنين خصيما ولم يرض بحكم الفاسقين إلا من خاف
على نفسه ودينه ولم يجد أعوانا
وعن الصادق عليه السلام أنه سئل عنها فقال الظالم يحوم حول نفسه
والمقتصد يحوم حول قلبه والسابق يحوم حول ربه عز وجل
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام أما الظالم لنفسه منا فمن عمل عملا
239

صالحا وآخر سيئا وأما المقتصد فهو المتعبد المجتهد وأما السابق بالخيرات فعلي
والحسن والحسين عليهم السلام ومن قتل من آل محمد صلوات الله عليهم شهيدا
وفي سعد السعود (1) عنه عليه السلام هي لنا خاصة أما السابق بالخيرات فعلي
ابن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام والشهيد منا وأما المقتصد فصائم
بالنهار وقائم بالليل وأما الظالم لنفسه ففيه ما في الناس وهو مغفور له ذلك هو الفضل
الكبير إشارة إلى التوريث أو الاصطفاء أو السبق
(33) جنات عدن يدخلونها
في المعاني عن الصادق عليه السلام يعني المقتصد والسابق
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله في هذه الآية قال وأما السابق
فيدخل الجنة بغير حساب وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا وأما الظالم لنفسه
فيحبس في المقام ثم يدخل الجنة فهم الذين قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن
يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ وقرئ لؤلؤا بالنصب ولباسهم فيها حرير
(34) وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور للمذنبين شكور
للمطيعين
(35) الذي أحلنا دار المقامة دار الإقامة من فضله من إنعامه وتفضله لا يمسنا
فيها نصب تعب ولا يمسنا فيها لغوب كلال إذ لا تكليف فيها ولا كد أتبع نفي النصب
نفي ما يتبعه مبالغة القمي قال النصب العناء واللغوب الكسل والضجر ودار المقامة
دار البقاء
في الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا دخل المؤمن منازله في الجنة وضع على رأسه تاج الملك والكرامة والبس حلل
الذهب والفضة والدر والياقوت منظوما في الإكليل تحت التاج والبس سبعين حلة
حرير بألوان مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر وذلك قوله

(1) من مصنفات الزاهد السيد جمال العارفين أبي القاسم علي بن موسى الطاووس الحسني.
240

تعالى يحلون فها من أساور الآية قال فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمتها تمشي
مقبلة وحولها وصفاؤها عليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد
صبغن بالمسك وعنبر وعلى رأسها تاج الكرامة وفي رجلها نعلان من ذهب مكللتان
بالياقوت واللؤلؤ شراكهما ياقوت احمر فإذا دنت من ولي الله وهم ان يقوم إليها شوقا
تقول له يا ولي الله ليس هذا يوم تعب ولا نصب ولا تقم انا لك وأنت لي فيغشيها
مقدار خمسمأة عام من أعوام الدنيا لا يملها ولا تمله قال فينظر إلى عنقها فإذا عليها
قلادة من قصب ياقوت احمر وسطها لوح مكتوب أنت يا ولي الله حبيبي وانا الحوراء
حبيتك إليك تناهت نفسي والي تناهت نفسك ثم يبعث الله إليه الف ملك يهنونه
بالجنة ويزوجونه الحوراء الحديث وقد مر تمامه في سورة الرعد.
وفي سعد السعود عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث يذكر فيه ما أعد الله
لمحبي علي عليه السلام يوم القيامة قال فإذا دخلوا منازلهم وجدوا الملائكة يهنونهم
بكرامة ربهم حتى إذا استقروا قرارهم قيل لهم هل وجدتهم ما وعد ربك حقا قالوا نعم
ربنا رضينا فارض عنا قال برضاي عنكم ويحبكم أهل بيت نبيي حللتم داري
وصافحتم الملائكة فهنيئا عطاء غير مجذوذ ليس فيه تنغيص قالوا
الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن الآية.
(36) والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم لا يحكم عليهم بموت ثان
فيموتوا أو يستريحوا ولا يخفف عنهم من عذابها بل كلما خبت زيدوا سعيرا
كذلك نجزي كل كفور وقرئ يجزى على بناء المفعول.
(37) وهم يصطرخون فيها يستغيثون بالصراخ ربنا أخر نعمل صالحا غير
الذي كنا نعمل باضمار القول أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجائكم النذير
جواب من الله وتوبيخ لهم وما يتذكر فيه يتناول كل عمر يمكن فيه من التذكر
وفي الفقيه والخصال والمجمع عن الصادق عليه السلام وهو توبيخ لابن ثماني
عشرة سنة وفي نهج البلاغة العمر الذي اعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة.
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله مرفوعا من عمرة الله ستين سنة فقد
241

أعذر عليه فذوقوا فما للظالمين من نصير يدفع العذاب عنهم.
(38) إن الله عالم غيب السماوات والأرض لا يخفي عليه خافية فلا يخفى
عليه أحوالهم إنه عليم بذات الصدور.
(39) هو الذي جعلكم خلائف في الأرض القمي إليكم مقاليد التصرف فيها
أو جعلكم خلفا بعد خلف فمن كفر فعليه كفره جزاء كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم
عند ربهم إلى مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا بيان له والتكرير للدلالة على أن
اقتضاء الكفر لكل واحد من الامرين مستقل باقتضاء قبحة ووجوب التجنب عنه
والمراد بالمقت وهو أشد البغض مقت الله والخسار خسار الآخرة.
(40) قل أرأيتم شركائكم أخبروني عن هؤلاء الشركاء الذين تدعون من دون
الله يعني آلهتهم والإضافة إليهم لأنهم جعلوهم شركاء لله أو لأنفسهم فيما يملكونه
أروني ماذا خلقوا من الأرض بدل من أرأيتم أم لهم شرك في السماوات شركة مع الله
في خلقها فاستحقوا بذلك شركة في الألوهية ذاتية أم اتيناهم اي الشركاء أو المشركين
كتابا ينطق على انا اتخذنا شركاء فهم على بينة منه على حجة من ذلك الكتاب بأن
لهم شركة جعلية وقرئ على بينات إشارة إلى أنه لا بد في مثله من تعاضد الدلائل بل
إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا بأنهم شفعاؤهم عند الله يشفعون لهم
بالتقرب إليهم.
(41) ان الله يمسك السماوات والأرض ان تزولا ولئن زالتا ان أمسكهما
من أحد من بعده من بعد الله أو من بعد الزوال إنه كان حليما غفورا حيث أمسكهما
وكانتا جديرتين بأن تهدا هدا كما قال عز وجل تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق
الأرض.
في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه سئل عن الله عز وجل يحمل
العرش أم العرش يحمله فقال عليه السلام عز وجل حامل العرش والسماوات
والأرض وما فيهما وما بينهما وذلك قول الله تعالى ان الله يمسك السماوات والرض
ان تزولا الآية.
242

وفي الاكمال عن الرضا عليه السلام في حديث بنا يمسك الله السماوات
والأرض ان تزولا وعنهم عليهم السلام لولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها
(42) وأقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جائهم نذير ليكونن أهدي من احدى
الأمم قيل وذلك أن قريشا لما بلغهم ان أهل الكتاب كذبوا رسولهم قالوا لعن الله
اليهود والنصاري لو اتانا رسول لنكونن أهدي من احدى الأمم ويأتي في هذا المعنى
حديث في سورة ص إن شاء الله فلما جائهم نذير يعني محمد صلى الله عليه وآله ما
زادهم اي النذير أو مجئيه الا نفورا تباعدا عن الحق.
(43) استكبارا في الأرض ومكر السئ ولا يحيق ولا يحيط المكر السئ
الا باهله وهو الماكر قيل وقد حاق بهم يوم بدر فهل ينظرون ينتظرون الا سنة الأولين
سنة الله فيهم بتعذيب مكذبيهم فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله
تحويلا إذ لا يبدلها بجعل التعذيب غيره ولا يحولها بنقله إلى غيرهم.
(44) أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم قيل
استشهاد عليهم بما يشاهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار
الماضين والقمي قال أولهم ينظروا في القرآن وفي أخبار الأمم الهالكة وكانوا أشد
منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شئ ليسبقه ويفوته في السماوات ولا في الرض
انه كان عليما بالأشياء كلها قديرا عليها.
(45) ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا من المعاصي ما ترك على ظهرها ظهر
الأرض من دابة تدب عليها بشؤم معاصيهم ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمى فإذا جاء
أجلهم فان الله كان بعبادة بصيرا فيجازيهم على اعمالهم قد سبق ثواب قراءتها في
آخر سؤرة سبأ.
243

سورة يس
مكية عند الجميع قال ابن عباس الا آية منها وهي قوله وإذا قيل لهم انفقوا
نزلت بالمدينة عدد آيها ثلاث وثمانون آية كوفي اثنتان في الباقين
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) يس قد مضى نظائره وقيل معناه يا انسان بلغة طي.
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام واما يس فاسم من أسماء النبي صلى الله عليه وآله ومعناه يا أيها السامع الوحي
وفي الخصال عن الباقر عليه السلام قال إن لرسول الله صلى الله عليه وآله
عشرة أسماء خمسة في القرآن وخمسة ليست في القرآن فأما التي في القرآن فمحمد
واحمد وعبد الله ويس ون.
وفي الكافي عنهما عليهما السلام هذا محمد اذن لهم في التسمية به فمن أذن
لهم في يس يعني التسمية وهو اسم النبي صلى الله عليه وآله.
وفي العيون عن الرضا عليه السلام في حديث له في مجلس المأمون قال
أخبروني عن قول الله تعالى يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط
مستقيم من عنى بقوله يس قالت العلماء يس محمد لم يشك فيه أحد الحديث وقد
سبق تمامه في سورة الأحزاب عند قوله تعالى صلوا عليه وسلموا تسليما ويأتي أيضا
في سورة الصافات مع حديث آخر من الاحتجاج في ذلك انشاء الله.
وفي المجالس عن أمير المؤمنين عليه السلام في قوله عز وجل سلام على آل
ياسين قال يس محمد ونحن آل محمد.
244

(2) والقرآن الحكيم الواو للقسم
(3) انك لمن المرسلين.
(4) على صراط مستقيم، وهو التوحيد والاستقامة في الأمور.
والقمي قال الصادق عليه السلام يس اسم رسول الله صلى الله عليه وآله
والدليل على ذلك قوله تعالى انك لمن المرسلين على صراط مستقيم قال على
الطريق الواضح.
(5) تنزيل العزيز الرحيم قال القرآن وقرئ بالرفع
(6) لتنذر قوما ما انذر آباؤهم فهم غافلون (1).
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال لتنذر القوم الذين أنت فيهم كما انذر
آباؤهم فهم غافلون عن الله وعن رسوله وعن وعيده.
(7) لقد حق القول على أكثرهم قال ممن لا يقرون بولاية علي
أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام من بعده فهم لا يؤمنون قال بإمامة أمير
المؤمنين والأوصياء عليهم السلام من بعده فلما لم يقروا كانت عقوبتهم ما ذكر الله.
(8) انا جعلنا في أعناقهم اغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون القمي قد
رفعوا رؤوسهم.
(9) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون
القمي عن الباقر عليه السلام يقول فأعميناهم فهم لا يبصرون الهدي اخذ الله
سمعهم وابصارهم وقلوبهم فأعماهم عن الهدى.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال هذا في الدنيا وفي الآخرة في نار جهنم
مقمحون.
القمي.
القمي نزلت في أبي جهل بن هشام ونفر من أهل بيته وذلك أن النبي صلى الله

(1) عما تضمنه القرآن وعما أنذر الله به من نزول العذاب والغفلة مثل السهور وهو ذهاب المعنى عن النفس.
245

عليه وآله قام يصلي وقد حلف أبو جهل لعنه الله لئن رآه يصلي ليدمغنه فجاءه ومعه
حجر والنبي صلى الله عليه وآله قائم يصلي فجعل كلما رفع الحجر ليرميه أثبت الله
عز وجل يده إلى عنقه ولا يدور الحجر بيده فلما رجع إلى أصحابه سقط
الحجر من يده ثم قام رجل آخر وهو من رهطه أيضا
فقال: أنا أقتله فلما دنا منه جعل يستمع قراءة رسول الله
صلى الله عليه وآله فأرعب فرجع إلى أصحابه فقال حال بيني وبينه كهيئة الفحل
يخطر بذنبه فخفت ان أتقدم.
(10) وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون بالله ولا بولاية علي عليه
السلام ومن بعده قيل إنه جعلنا في أعناقهم اغلالا فهم مقمحون قد رفعوا رؤوسهم
وجعلنا من بين أيديهم سدا الآيتين تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم
بحيث لا تغني الآيات والنذر بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم والاغلال واصلة إلى
أذقانهم فلا يخليهم يطأطئون فهم مقموحون رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم في أنهم
لا يلتفتون لفت الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤوسهم له وبمن
أحاط بهم سدان فغطى أبصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم في أنهم
محبوسون في مطمورة الجهالة ممنوعون عن النظر في الآيات والدلائل وقرئ سدا
بالضم وهو لغة فيه.
(11) إنما تنذر من اتبع الذكر في الكافي في الحديث السابق يعني
أمير المؤمنين عليه السلام وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة واجر كريم.
(12) انا نحن نحيي الموتى الأموات بالبعث والجهال بالهداية ونكتب ما
قدموا ما أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة واثارهم كعلم علموه وخطوة مشوا بها
إلى المساجد وكإشاعة باطل وتأسيس ظلم.
في المجمع ان بني سلمة كانوا في ناحية من المدينة فشكوا إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله بعد منازلهم من المسجد والصلاة معه فنزلت الآية وكل شئ
246

أحصيناه في امام مبين قيل يعني اللوح المحفوظ والقمي يعني في كتاب مبين وعن
أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال انا والله الامام المبين أبين الحق من الباطل ورثته
من رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفي المعاني عن الباقر عن أبيه عن جده عليهم السلام قال لما نزلت هذه الآية
على رسول الله صلى الله عليه وآله وكل شئ أحصيناه في امام مبين قام أبو بكر وعمر
من رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفي المعاني عن الباقر عن أبيه عن جده عليهم السلام قال لما نزلت هذه الآية
على رسول الله صلى الله عليه وآله وكل شئ أحصيناه في امام مبين قام أبو بكر وعمر
من مجلسهما وقالا يا رسول الله هو التوراة قال لا قالا فهو الإنجيل قالا لا قالا فهو
القرآن قال لا قال فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
هو هذا انه الامام الذي أحصي الله فيه علم كل شئ
وفي الاحتجاج عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث قال معاشر الناس ما
من علم الا علمنيه ربي وانا علمته عليا وقد أحصاه الله في وكل علم علمت فقد
أحصيته في إمام المتقين وما من علم الا علمته عليا.
(13) واضرب لهم مثلا أصحاب القرية قرية أنطاكية إذ جائها المرسلون قيل
أرسلهم الله أو أرسلهم عيسى على نبينا واله وعليه السلام بأمر الله.
(14) إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا فقوينا بثالث هو شمعون فقالوا انا
إليكم مرسلون
القمي عن الباقر عليه السلام انه سئل عن تفسير هذه الآية فقال بعث الله رجلين
إلى أهل مدينة أنطاكية فجاءاهم بما لا يعرفون فغلظوا عليهما فأخذوهما وحبسوهما
في بيت الأصنام فبعث الله الثالث فدخل المدينة فقال ارشدوني إلى باب الملك قال
فلما وقف على الباب قال انا رجل كنت أتعبد في فلاة من الأرض وقد أحببت ان اعبد
اله الملك فأبلغوا كلامه الملك فقال أدخلوه إلى بيت الآلهة فأدخلوه فمكث سنة مع
صاحبيه فقال لهما بهذا ينقل قوم من دين إلى دين بالخرق أفلا رفقتما ثم قال لهما الا
تقران بمعرفتي ثم ادخل على الملك فقال له الملك بلغني انك كنت تعبد الهي فلم
أزل وأنت أخي فسلني حاجتك فقال ما لي من حاجة أيها الملك ولكن رأيت رجلين
في بيت الآلهة فما حالهما قال الملك هذان رجلان أتياني ببطلان ديني ويدعواني إلى
إله سماوي فقال أيها الملك فمناظرة جميلة فان يكن الحق لهما اتبعناهما وان يكن
الحق لنا دخلا معنا في ديننا وكان لهما ما لنا وعليهما ما علينا قال فبعث الملك اليهما
247

فلما دخلا إليه قال لهما صاحبهما ما الذي جئتماني به قالا جئنا ندعوه إلى عبادة الله
الذي خلق السماوات والأرض ويخلق في الأرحام ما يشاء ويصور كيف يشاء وأنبت
الأشجار والثمار وانزل القطر من السماء قال فقال لهما إلهكما هذا الذي تدعوان إليه
وإلى عبادته ان جئنا بأعمى أيقدر أن يرده صحيحا قالا إن سألناه أن يفعل
فعل ان شاء قال: أيها الملك علي بأعمى لم يبصر شيئا قط
قال فاتي به فقال لهما ادعوا إلهكما ان يرد بصر هذا فقاما
وصليا ركعتين فإذا عيناه مفتوحتان وهو ينظر إلى السماء فقال أيها الملك على بأعمى
آخر فأتي به قال فسجد سجدة ثم رفع رأسه فإذا الأعمى يبصر فقال أيها الملك حجة
بحجة علي بمقعد فاتي به فقال لهما مثل ذلك فصلينا ودعوا الله فإذا المقعد قد
أطلقت رجلاه وقام يمشي فقال أيها الملك علي بمقعد آخر فأتى به فصنع به كما صنع
أول مرة فانطلق المقعد فقال أيها الملك قد اتيا بحجتين واتينا بمثلهما ولكن بقي
شئ واحد فإن كان هما فعلاه دخلت معهما في دينهما ثم قال أيها الملك بلغني انه
كان للملك ابن واحد ومات فان أحياه الههما دخلت معهما في دينهما فقال له الملك
وانا أيضا معك ثم قال لهما قد بقيت هذا الخصلة الواحدة قد مات ابن الملك فادعوا
إلهكما ان يحييه قال فخرا ساجدين لله عز وجل وأطالا السجود ثم رفع رؤسهما وقالا
للملك ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره إن شاء الله قال فخرج الناس ينظرون
فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب قال فاتي به الملك فعرف انه ابنه
فقال ما حالك يا بني قال كنت ميتا فرأيت رجلين بين يدي ربي الساعة ساجدتين
يسألانه ان يحييني فأحياني قال يا بني تعرفهما إذا رأيتهما قال نعم قال فخرج الناس
جملة إلى الصحراء فكان يمر عليه رجل رجل فيقول له أبوه انظر فيقول لا ثم مروا
عليه بأحدهما بعد جمع كثير فقال هذا أحدهما وأشار بيده إليه ثم مروا أيضا بقوم
كثيرين حتى رأى صاحبه الاخر فقال وهذا الاخر قال فقال النبي عليه السلام صاحب
الرجلين اما انا فقد آمنت بإلهكما وعلمت ان ما جئتما به هو الحق قال فقال الملك وانا
أيضا آمنت بإلهكما وآمن أهل مملكته كلهم.
وفي المجمع قال وهب بن منبه بعث عيسى هذين الرسولين إلى أنطاكية فأتياها
248

ولم يصلا إلى ملكها وطالت مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله
فغضب وامر بحبسهما وجلد كل واحد منهما مأة جلدة فلما كذب الرسولان وضربا
بعث عيسى عليه السلام شمعون الصفا رأس الحواريين على اثرهما لينصرهما فدخل
شمعون البلدة منكرا فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به فرفعوا خبره إلى
الملك فدعاه ورضي عشرته وأنس به وأكرمه ثم قال له ذات يوم أيها الملك بلغني انك
حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل سمعت قولهما
قال الملك حال الغضب بيني وبين ذلك قال فان رأى الملك دعاهما حتى يتطلع ما
عندهما فدعاهما الملك فقال لهما شمعون من أرسلكما إلى ههنا قالا الله الذي خلق
كل شئ لا شريك له قال وما اتاكما قالا ما تتمناه فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام
مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة فما زالا يدعوان الله حتى انشق
موضع
البصر فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارا مقلتين (1) يبصر بهما
فتعجب الملك فقال شمعون للملك ليس لي عنك سر ان إلهنا الذي نعبده لا يضر ولا
ينفع ثم قال الملك للرسولين ان قدر إلهكما على احياء ميت آمنا به وبكما قالا إلهنا
قادر على كل شئ فقال الملك ان هيهنا ميتا مات منذ سبعة أيام لم ندفنه حتى يرجع
أبوه وكان غائبا فجاؤوا بالميت وقد تغير وأروح فجعلا يدعوان ربهما علانية وجعل
شمعون يدعو ربه سرا فقام الميت وقال لهم اني قد مت منذ سبعة أيام وأدخلت في
سبعة أودية من النار وانا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله فتعجب الملك فلما علم
شمعون ان قوله اثر في الملك دعاه إلى الله فآمن وآمن من أهل مملكته قوم وكفر
آخرون وقد روى مثل ذلك العياشي بأسناده عن الثمالي وغيره عن أبي جعفر وأبي عبد
الله عليهم السلام الا ان في بعض الروايات بعث الله الرسولين إلى أنطاكية ثم بعث
الثالث وفي بعضها ان عيسى عليه السلام أوحى الله إليه ان يبعثهما ثم بعث وصيه
شمعون ليخلصهما وان الميت الذي أحياه الله بدعائهما كان ابن الملك وانه قد خرج
من قبره ينفض التراب من رأسه فقال له يا بني ما حالك قال كنت ميتا فرأيت رجلين

(1) المقلة شمعة العين التي تجمع السواد والبياض.
249

ساجدين يسألان الله أين يحييني قال يا بني فهما إذا رأيتهما قال نعم فأخرج الناس
إلى الصحراء فكان يمر عليه رجل بعد رجل فمر أحدهما بعد جمع كثير فقال هذا
أحدهما ثم مر الاخر فعرفهما وأشار بيده اليهما فآمن الملك وأهل مملكته إلى هنا
كلام صاحب المجمع.
(15) قالوا ما أنتم الا بشر مثلنا لا مزية لكم علينا تقتضي اختصاصكم بما
تدعون وما انزل الرحمن من شئ وحي ورسالته ان أنتم الا تكذبون في دعوى
رسالته.
(16) قالوا يعلم انا إليكم لمرسلون الاستشهاد بعلم الله يجري مجري القسم.
(17) وما علينا الا البلاغ المبنى.
(18) قالوا انا تطيرنا بكم تشاءمنا بكم قيل ذلك لاستغرابهم ما ادعوه به
وتنفرهم عنه.
والقمي تطيرنا بكم قال بأسمائكم لئن لم تنتهوا عن مقالتكم هذه نرجمنكم
وليمسنكم منا عذاب اليم.
(19) قالوا طائركم معكم سبب شؤمكم معكم وهو سوء عقيدتكم
وأعمالكم أئن ذكرتم أئن وعظتم به تطيرتم أو توعدتم بالرجم والتعذيب فحذف
الجواب بل أنتم قوم مسرفون عادتكم الاسراف.
(20) وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين.
القمي قال نزلت في حبيب النجار إلى قوله وجعلني من المكرمين قيل إنه ممن
امن بمحمد صلى الله عليه وآله وبينهما ست مأة سنة وقيل كان في غار يعبد الله فلما
بلغه خبر الرسل اظهر دينه.
وفي المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله قال الصديقون ثلاثة حبيب النجار
مؤمن آل يس الذي يقول اتبعوا المرسلين الآية وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن
250

أبي طالب عليه السلام وهو أفضلهم.
وفي الجوامع عنه صلى الله عليه وآله قال سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة
عين علي بن أبي عليه السلام وصاحب يس ومؤمن آل فرعون فهم الصديقون
وعلي أفضلهم.
وفي الخصال عنه عليه السلام قال ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين مؤمن آل
يس وعلي بن أبي طالب عليه السلام وآسية امرأة فرعون.
(21) اتبعوا من لا يسئلكم اجرا على النصح وتبليغ الرسالة وهم مهتدون إلى
خير الدارين.
(2) وما لي لا اعبد الذي فطرني تلطف في الارشاد بإيراده في معرض.
المناصحة لنفسه وامحاض النصح حيث أراد لهم ما أراد لنفسه والمراد تقريعهم على
تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره قال واليه ترجعون مبالغة في التهديد ثم
عاد إلى المساق الأول فقال.
(23) أأتخذ من دونه آلهة ان يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا لا
تنفعني شفاعتهم ولا ينقذون بالنصر والمظاهرة.
(24) اني إذا لفي ضلال مبين بين لا يخفي على عاقل. (25) اني آمنت بربكم الذي خلقكم أو هو خطاب للرسول بعد ما أراد القوم ان
يقتلوه فاسمعون فاسمعوا ايماني.
(26). قيل ادخل الجنة قيل له ذلك لما قتلوه بشرى بأنه من أهل الجنة أو اكراما
واذنا له في دخولها قال يا ليت قومي يعلمون.
(27) بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين
في الجوامع ورد في حديث مرفوعا انه نصح قومه حيا وميتا.
(28) وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء لاهلاكهم كما أرسلنا
251

يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة وما كنا منزلين وما صح في حكمتنا ان ننزل
إذ قدرنا لكل شئ سببا وجعلنا ذلك سببا لانتصارك من قومك وقيل ما موصولة معطوفة
على جند اي وما كنا منزلين على من قبلهم من حجارة وريح وأمطار شديدة.
(29) ان كانت ما كانت الاخذة الا صيحة واحدة صاح بها جبرئيل عليه السلام
فإذا هم خامدون ميتون شبهوا بالنار رمزا إلى أن الحي كالنار الساطع والميت
كرمادها.
(30) يا حسرة على العباد تعالى فهذا أوانك.
وفي الجوامع عن السجاد عليه السلام يا حسرة العباد على الإضافة إليهم
لاختصاصها بهم من حيث إنها موجهة إليهم ما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزؤن
فان المستهزئين بالناصحين المخلصين الموط بنصحهم خير الدارين احقاء بأن
يتحسروا ويتحصر عليهم وقد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين.
(31) ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون انهم إليهم لا يرجعون.
(32) وان كل لما جميع لدينا محضرون ان مخففة من الثقيلة وما مزيدة
للتأكيد وقرئ لما بالتشديد بمعني الا فيكون ان نافية.
(33) وآية لهم الأرض الميتة وقرئ بالتشديد أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه
يأكلون قيل قدم الصلة للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به.
(34) وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فهيا من العيون.
(35) ليأكلوا من ثمره ثمر ما ذكر وقرئ بضمتين وما عملته أيديهم مما يتخذ
منه كالعصير والدبس ونحوهما وقرئ بلا هاء وقيل ما نفية أفلا يشكرون.
(36) سبحان الذي خلق الأزواج كلها الأنواع والأصناف مما تنبت الأرض من
النبات والشجر ومن أنفسهم الذكر والأنثى ومما لا يعلمون وأزواجا مما لا يطلعهم
الله عليه
252

القمي عن الصادق عليه السلام ان النطفة تقع من السماء إلى الأرض على
النبات والثمر والشجر فيأكل الناس منه والبهائم فيجري فيهم.
(7 3) وآية لهم الليل نسلخ منه النهار نزيله ونكشف عن مكانه مستعار من سلخ
الشاة فإذا هم مظلمون داخلون في الظلام.
في الكافي عن الباقر عليه السلام يعني قبض محمد صلى الله عليه وآله
وظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل بيته.
(38) والشمس تجري لمستقر لها لحد معين ينتهي إليه دورها.
وفي المجمع عنهما عليهما السلام لا مستقر لها بنصب الراء اي لا سكون لها
فإنها متحركة دائما ذلك تقدير العزيز العليم.
(39) والقمر وقرئ بالنصب قدرناه قدرنا مسيرة منازل وهي ثمانية وعشرون
منزلا ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه حتى عاد كالعرجون
القديم كالشمراخ المعجون العتيق.
(40) لا الشمس ينبغي لها يصح لها ويتسهل ان تدرك القمر ولا الليل سابق
النهار وكل في فلك يسبحون يسيرون فيه بانبساط.
القمي عن الباقر عليه السلام يقول الشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل
لا ينبغي للشمس أن يكون مع ضوء القمر في الليل ولا يسبق الليل النهار يقول لا
يذهب الليل حتى يدركه النهار وكل في فلك يسبحون يقول يجئ وراء الفلك
الاستدارة.
أقول: يعني يجئ تابعا لسير الفلك على الاستدارة.
وفي المجمع عن العياشي عن الرضا عليه السلام ان النهار خلق قبل الليل وفي
قول تعالى ولا الليل سابق النهار قال اي سبقه النهار.
وفي الاحتجاج عن الصادق عليه السلام خلق النهار قبل الليل والشمس قبل
253

القمر والأرض قبل السماء.
وزاد في الكافي وخلق النور قبل الظلمة.
(41) وآية لهم انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون المملوء أي فلك نوح
عليه السلام كما في قوله ذرية من حملنا مع نوح وحمل الله ذريتهم فيها حمله آبائهم
الأقدمين وفي أصلابهم ذرياتهم وتخصيص الذرية لأنه أبلغ في الامتنان وادخل في
التعجب مع الايجاز.
في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث انه سئل فما التسعون
فقال الفلك المشحون اتخذ نوح فيه تسعين بيتا للبهائم وقيل ذريتهم أولادهم الذين
يبعثون إلى تجاراتهم أو صبيانهم ونسائهم الذين يستصحبونهم فان الذرية تقع عليهم
لأنهن مزارعها وتخصيصهم لان استقرارهم فيها أشق وتماسكهم فيها أعجب.
والقمي قال السفن الممتلية وكأنه ناظر إلى المعنى الأخير لتعميمه الفلك.
(42) وخلقنا لهم من مثله من مثل الفلك ما يركبون من الانعام والدواب ولا سيما
الإبل فإنها سفائن البر أو من السفن والزوارق.
(43) وان نشأ (1) نغرقهم فلا صريخ لهم فلا مغيث لهم يحرسهم من الغرق
ولا هم ينقذون ينجون به من الموت.
(44) الا رحمة منا ومتاعا الا لرحمة وليتمتع بالحياة إلى حين زمان قدر لآجالهم.
(45) وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم في المجمع عن الصادق
عليه السلام معناه اتقوا ما بين أيديكم من الذنوب وما خلفكم من العقوبة لعلكم
ترحمون لتكونوا راجين رحمة الله وجواب إذا محذوف دل عليه ما بعده كأنه قيل
اعرضوا.
(46) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين لأنهم اعتادوه
وتمرنوا عليه.
(47) وإذا قيل لهم انفقوا مما رزقكم الله على محاويجكم قال الذين كفروا

(1) أي وان نشأ إذا حملناهم في السفن نغرقهم بتهييج الرياح والأمواج.
254

للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه اما تهكم به من اقرارهم بالله وتعليقهم
الأمور بمشيئة الله واما ايهام بأن الله لما كان قادرا على أن يطعمهم فلم يطعمهم فنحن
أحق بذلك وهذا من فرطا جهالتهم فان الله يطعم بأسباب منها حث الأغنياء على
اطعام الفقراء وتوفيقهم له ان أنتم الا في ضلال مبين.
(48) ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين يعنو ان وعد البعث.
(49). ما ينظرون الا صيحة واحدة هي النفخة الأولى تأخذوهم وهم يخصمون
يعني يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم أمرها كقوله فأخذتهم
الساعة بغتة.
(50) فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.
القمي قال ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم
يتخاصمون فيموتون كلهم في مكانهم لا يرجع أجد إلى منزله ولا يوصي بوصية
وفي المجمع في الحديث تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فيما
يطويانه حت يتقوم الساعة والرجل يرفع اكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم
والرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم.
(51) ونفخ في الصور اي مرة ثانية كما يأتي في سورة الزمر فإذا هم من
الاجدات من القبور إلى ربهم (1) ينسلون يسرعون.
(52) قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا.
في الجوامع عن علي عليه السلام انه قرئ من بعثنا على من الجارة والمصدر
هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون.
القمي عن الباقر عليه السلام قال فان القوم كانوا في القبور فلما قاموا حسبوا
انهم كانوا نياما قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا قالت الملائكة هذا ما وهد الرحمن
وصدق المرسلون.

(1) أي إلى الموضع الذي يحكم الله فيه ولا حكم فيه لغيره هناك.
255

(53) ان كانت الا صحية واحدة هي النفخة الأخيرة فإذا هم جميع لدينا
محضرون بمجرد الصيحة وفي ذلك تهوين امر البعث والحشر واستغناؤه عن
الأسباب التي ينوط بها فيما يشاهدون.
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال كان أبو ذر رحمه الله يقول في خطبته
وما بين الموت والبعث الا كنومة نمتها ثم استيقظت منها الحديث.
والقمي عنه عليه السلام قال إذا أمات الله أهل الأرض لبث كمثل ما خلق الله
الخلق ومثل ما أماتهم واضعاف ذلك ثم أمات أهل سماء الدنيا ثم لبث مثل ما خلق
الله الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل سماء الدنيا وأضاف
ذلك ثم أمات أهل السماء الثانية ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ما أمات
أهل الأرض وأهل السماء الدنيا والسماء الثانية واضعاف ذلك ثم أمات أهل السماء
الثالثة ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل أسماء الدنيا
والسماء الثانية والثالثة وأضعاف ذلك في كل سماء مثل ذلك واضعاف ذلك
ثم أمات ميكائيل ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كله واضعاف ذلك ثم
أمات جبرئيل ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كله واضعاف ذلك ثم أمات
إسرافيل ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق وثمل ذلك كله واضعاف ذلك ثم أمات ملك
الموت ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كله واضعاف ذلك ثم يقول الله عز
وجل لمن الملك اليوم فيرد على نفسه لله الواحد القهار أين الجبارون أين الذين ادعوا
معي إلها آخر أين المتكبرون ونخوتهم ثم يبعث الخلق قال الراوي فقلت ان هذا الامر
كائن طول ذلك فقال أرأيت ما كان هل علمت به فقلت لا قال فكذلك هذا.
(54) فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون الا ما كنتم تعلمون.
(55) ان أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون متلذذون في النعمة وابهامه
العظيم مات هم فيه.
القمي قال في افتضاض العذاري فاكهون قال يفاكهون النساء ويلاعبونهن.
256

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام شغلوا بافتضاض العذارى قال
وحواجبهن كالأهلة وأشفار أعينهن كقوادم النسور
(56) هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك السرر المزينة متكؤن
القمي عن الباقر عليه السلام قال الأرائك السرر عليها الحجال
وعنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا جلس المؤمن على
سريره اهتز سريره فرحا في حديث قد سبق بعضه في أواخر سورة فاطر
(57) لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون قيل افتعال من الدعاء وقيل أي يتمنون من
قولهم ادع علي ما شئت أي تمنه وقيل ما يدعونه في الدنيا من الجنة ودرجاتها
(58) سلام قولا من رب رحيم يقال لهم قولا كائنا من جهته يعني أن الله يسلم
عليهم
القمي قال السلام منه هو الأمان
(59) وامتازوا اليوم أيها المجرمون وانفردوا عن المؤمنين وذلك حين يسار
بالمؤمنين إلى الجنة كقوله تعالى ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون
القمي قال إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتى
يلجمهم العرق فينادوا يا رب حاسبنا ولو إلى النار قال فيبعث الله عز وجل رياحا
فتضرب بينهم وينادي مناد وامتازوا اليوم أيها المجرمون فيميز بينهم فصار المجرمون
في النار ومن كان في قلبه الأيمان صار إلى الجنة
(60) ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان جعلها عبادة الشيطان
لأنه الامر بها المزين لها وقد ثبت أن كل من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد
عبده كما قال الله عز وجل اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله حيث أحلوا
لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فأطاعوهم ومن عبد غير الخالق فقد عبد هواه كما قال
الله تعالى أفرأيت من اتخذ إلهه هويه ومن عبد هواه فقد عبد الشيطان
257

في الكافي عن الصادق عليه السلام من أطاع رجلا في معصيته فقد عبده وعن
الباقر عليه السلام من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق يروي عن الله فقد
عبد الله عز وجل وإن كان الناطق يروي عن الشيطان فقد عبد الشيطان إنه لكم عدو
مبين
(61) وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم إشارة إلى ما عهد إليهم أو إلى عبادة
الله
(62) ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أي خلقا كثيرا وفيه لغات متعددة وقرئ بها
أفلم تكونوا تعقلون
(63) هذه جهنم التي كنتم توعدون
(64) اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ذوقوا حرها اليوم بكفركم في الدنيا
(65) اليوم نختم على أفواههم نمنعها عن الكلام وتكلمنا أيديهم وتشهد
أرجلهم بما كانوا يكسبون
القمي قال إذا جمع الله عز وجل الخلق يوم القيامة دفع إلى كل إنسان كتابه
فينظرون فيه فينكرون أنهم عملوا من ذلك شيئا فتشهد عليهم الملائكة فيقولون يا رب
ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون أنهم لم يعملوا من ذلك شيئا وهو قول الله عز وجل
يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم فإذا فعلوا ذلك ختم الله على
ألسنتهم وتنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام وليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما
تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال الله عز
وجل فأما من أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا
(66) ولو نشاء لطمسنا على أعينهم لمسحنا أعينهم حتى تصير ممسوحة
فاستبقوا الصراط فاستبقوا إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه فأنى يبصرون الطريق
وجهة السلوك فضلا عن غيره
258

(67) ولو نشاء لمسخناهم بتغيير صورهم وإبطال قواهم على مكانتهم مكانهم
بحيث يخمدون فيه
القمي يعني في الدنيا وقرئ مكاناتهم فما استطاعوا مضيا ذهابا ولا يرجعون ولا
رجوعا أو لا يرجعون عن تكذيبهم
(68) ومن نعمره نطل عمره ننكسه في الخلق نقلبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه
وانتقاص بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدو أمره وقرئ بالتخفيف أفلا يعقلون إن من
قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ فإنه مشتمل عليهما وزيادة غير أنه على
تدرج وقرئ بالتاء
(69) وما علمناه الشعر بتعليم القرآن يعني ليس ما أنزلنا عليه من صناعة الشعر
في شئ أي مما يتوخاه الشعراء من التخيلات المرغبة والمنفرة ونحوهما مما لا
حقيقة له ولا أصل وإنما هو تمويه محض موزونا كان أو غير موزون وما ينبغي له يعني
هذه الصناعة
القمي قال كانت قريش تقول إن هذا الذي يقوله محمد شعر فرد الله عز وجل
عليهم قال ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله شعرا قط
أقول: كأن المراد أنه لم يقل كلاما شعريا لا أنه لم يقل كلاما موزونا فإن
الشعر يطلق على المعنيين جميعا ولهذا عدوا القرآن شعرا مع أنه ليس بمقفى ولا
موزون
وقد ورد في الحديث أن من الشعر لحكمة يعني من الكلام الموزون وقد نقل
عنه صلى الله عليه وآله كلمات موزونة كقوله أنا النبي صلى الله عليه وآله لا كذب أنا
ابن عبد المطلب وقوله هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت وغير ذلك وما
روته العامة أنه كان يتمثل بالأبيات على غير وجهها لتصير غير موزونة لم يثبت فإن
صح فلعله إنما فعل ذلك لئلا يتوهموا أنه شاعر وأن كلامه كلام شعري فإن الوزن
والقافية ليسا بنقص في الكلام ولو كانا نقصا ما أتى بهما أمير المؤمنين عليه السلام
وقد استفاض عنه الأبيات وكذا عن ساير الأئمة وإنما النقص في الكلام الشعري
259

قال في المجمع وقد صح أنه صلى الله عليه وآله كان يسمع الشعر ويحث عليه
وقال لحسان بن ثابت لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك إن
هو إلا ذكر عظة وقرآن مبين كتاب سماوي يتلى في المعابد
(70) لينذر وقرئ بالتاء من كان حيا
في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام أي عاقلا والقمي يعني مؤمنا حي
القلب وفي معناه خبر آخر مر في سورة الأنعام عند قوله أو من كان ميتا فأحييناه
والمعنيان متقاربان ويحق القول وتجب كلمة العذاب على الكافرين المصرين على
الكفر
(71) أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا قيل يعني مما تولينا إحداثه ولم
يقدر على إحداثه غيرنا وذكر الأيدي وإسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة في
الاختصاص والتفرد بالأحداث والقمي أي بقوتنا خلقناها أنعاما خصها بالذكر لما فيها
من بدايع الفطرة وكثرة المنافع فهم لها مالكون يتصرفون فيها بتسخيرنا إياها لهم
(72) وذللناها لهم فصيرناها منقادة لهم فإن الإبل مع قوتها وعظمتها يسوقها
الطفل فمنها ركوبهم مركوبهم ومنها يأكلون أي يأكلون لحمه
(73) ولهم فيها منافع بما يكسبون بها ومن الجلود والأصواف والأوبار
ومشارب من ألبانها أفلا يشكرون نعم الله في ذلك
(74) واتخذوا من دون الله آلهة أشركوها به في العبادة لعلهم ينصرون رجاء
أن ينصروهم
(75) لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون
القمي عن الباقر عليه السلام يقول لا يستطيع الآلهة لهم نصرا وهم للآلهة جند
محضرون قيل أي معدون لحفظهم والذب عنهم أو محضرون أثرهم في النار
(76) فلا يحزنك قولهم في الله بالشرك والإلحاد أو فيك بالتكذيب والتهجين
إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون فنجازيهم عليه وكفى بذلك تسلية لك
260

(77) أو لم ير الانسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين القمي أي ناطق
عالم بليغ قيل تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه في إنكارهم الحشر
(78) وضرب لنا مثلا أمرا عجيبا وهو نفي القدرة على إحياء الموتى ونسي
خلقه خلقنا إياه قال من يحيى العظام وهي رميم منكرا إياه مستبعدا له والرميم ما بلى
من العظام
(79) قل يحييها الذي أنشأها أول مرة فإن قدرته كما كانت وهو بكل خلق
عليم يعلم تفاصيل المخلوقات وكيفية خلقها وأجزائها المتفتتة المتبددة أصولها
وفصولها ومواقعها وطريق تميزها وضم بعضها إلى بعض
العياشي عن الصادق عليه السلام قال جاء أبي بن خلف فأخذ عظما باليا من
حائط ففته ثم قال يا محمد إذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا فنزلت
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله وعن الصادق عليه السلام
أن الروح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء وفسحة وروح المسئ في ضيق
وظلمة والبدن يصير ترابا كما منه خلق وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها مما
أكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات
الأرض وبعلم عدد الأشياء ووزنها وأن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب فإذا
كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور فتربو الأرض ثم تمخض مخض السقاء
فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء والزبد من اللبن إذا
مخض فتجمع تراب كل قالب إلى قالبه فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح فتعود
الصور بإذن المصور كهيئتها وتلج الروح فيها فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا
(80) الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا قيل بأن يسحق المرخ (1) على
العفار وهما خضرا وان يقطر منهما الماء فتنقدح النار
القمي وهو المرخ والعفار يكون في ناحية من بلاد العرب فإذا أرادوا أن

(1) المرخ شجر سريع الوري.
261

يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر ثم أخذوا عودا فحركوه فيه فيستوقدون منه النار فإذا
أنتم منه توقدون لا تشكون في أنها نار تخرج منه
(81) أوليس الذي خلق السماوات والأرض مع كبر جرمهما وعظم شأنهما
بقادر على أن يخلق مثلهم في الصغر والحقارة وقرئ يقدر بلى جواب من الله وهو
الخلاق العليم كثير المخلوقات والمعلومات
في الاحتجاج عن الصادق عليه السلام وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر
الله به نبيه صلى الله عليه وآله أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحيائه له فقال
حاكيا عنه وضرب لنا مثلا ونسي خلقه الآية فأراد من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال
كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم قال قل يحييها الذي أنشأها أول مرة
أفيعجز من ابتدأه لا من شئ أن يعيده بعد أن يبلي بل ابتداؤه أصعب عندكم من
إعادته ثم قال الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا أي إذا أكمن النار الحارة في
الشجر الأخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة من بلى أقدر ثم قال
أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر الآية أي إذا كان خلق السماوات والأرض
أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي فكيف جوزتم من
الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم
من إعادة البالي
(82) إنما أمره إنما شأنه إذا أراد شيئا أن يقول له كن تكون فيكون فهو يكون
أي يحدث وقرئ بالنصب وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في
حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة قطعا
لمادة الشبهة
في العيون عن الرضا عليه السلام كن منه صنع وما يكون به المصنوع
وفي نهج البلاغة إنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه قال يقول ولا يلفظ ويريد ولا
يضمر وقال يريد بلا همة وقد سبق أخبار أخر في هذا المعني في سورة البقرة
وغيرها
262

والقمي قال خزائنه في الكاف والنون
(83) فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ تنزيه له عما ضربوا له وتعجيب عما
قالوا فيه وملكوت كل شئ ما يقوم به ذلك الشئ من عالم الأرواح والملائكة وإليه
ترجعون وعد ووعيد للمقرين والمنكرين وقرئ بفتح التاء
في ثواب الأعمال عن الباقر عليه السلام من قرأ يس في عمره مرة واحدة كتب
الله له بكل خلق في الدنيا وبكل خلق في الآخرة وفي السماء بكل واحد ألفي ألف
حسنة ومحى عنه مثل ذلك ولم يصبه فقر ولا غرم ولا هدم ولا نصب ولا جنون ولا
جذام ولا وسواس ولا داء يضره وخفف الله عنه سكرات الموت وأهواله وولي قبض
روحه وكان ممن يضمن الله له السعة في معيشته والفرج عند لقائه والرضا بالثواب في
آخرته وقال الله للملائكة أجمعين من في السماوات ومن في الأرض قد رضيت عن
فلان فاستغفروا له
وفيه وفي المجمع عن الصادق عليه السلام أن لكل شئ قلبا وان قلب القرآن
يس الحديث وذكر فيه ثوابا كثيرا لقراءتها
263

سورة الصافات مكية
عدد آيها مأة وإحدى وثمانون آية بصري وآيتان في الباقي واختلافها آيتان
وما كانوا يعبدون غير البصري وكلهم يعدون وإن كانوا ليقولون غير أبي جعفر
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) والصافات صفا القمي قال الملائكة والأنبياء ومن صف لله وعبده
(2) فالزاجرات زجرا قال الذين يزجرون الناس
(3) فالتاليات ذكرا قال الذين يقرءون الكتاب من الناس قال فهو قسم وجوابه
(4) إن إلهكم لواحد
(5) رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق مشارق الكواكب أو
مشارق الشمس فإن لها كل يوم مشرقا وبحسبها المغارب ولذا اكتفى بذكرها مع أن
الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة
(6) إنا زينا السماء الدنيا القربى منكم بزينة الكواكب وقرئ بتنوين زينة وجر
الكواكب ونصبها
(7) وحفظا من كل شيطان مارد برمي الشهب القمي قال المارد الخبيث
(8) لا يسمعون إلى الملاء الاعلى الملائكة وأشرافهم وقرئ بالتشديد من
التسمع وهو تطلب السماع ويقذفون ويرمون
القمي يعني الكواكب التي يرمون بها من كل جانب من جوانب السماء إذا
قصدوا صعوده
(9) دحورا للدحور وهو الطرد ولهم عذاب واصب
264

القمي عن الباقر عليه السلام أي دائم موجع قد وصل إلى قلوبهم
(10) إلا من خطف الخطفة اختلس كلام الملائكة مسارقة فأتبعه فتبعه شهاب
ثاقب مضئ كأنه يثقب الجو بضوئه والشهاب ما يرى كأن كوكبا انقض القمي وهو ما
يرمون به فيحرقون
وعن الصادق عليه السلام في حديث المعراج قال فصعد جبرئيل فصعدت معه
إلى السماء الدنيا وعليها ملك يقال له إسماعيل وهو صاحب الخطفة التي قال الله إلا
من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب وتحته سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون
ألف ملك الحديث وقد مر
(11) فاستفتهم فاستخبرهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا (1) من الملائكة
والسماوات والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشهب الثواقب إنا خلقناهم من
طين لازب
القمي يعني يلزق باليد
(12) بل عجبت من قدرة الله وانكارهم البعث وقرئ بضم التاء
ونسبها في الجوامع إلى علي عليه السلام ويسخرون من تعجبك أو ممن
يصفني بالقدرة
(13) وإذا ذكروا لا يذكرون وإذا وعظوا بشئ لا يتعظون به أو إذا ذكر لهم ما
يدل على صحة الحشر ما ينتفعون به لبلادتهم وقلة فكرهم
(14) وإذا رأوا آية معجزة تدل على صدق القائل به يستسخرون يبالغون في
السخرية ويقولون إنه سحر أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها
(15) وقالوا إن هذا يعنون ما يرونه إلا سحر مبين ظاهر سحريته
(16) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون بالغوا في الإنكار ولا سيما في

(1) وقيل من الأمم الماضية والقرون السالفة. يريد انهم ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم ممن أهلكنا من الأمم.
265

هذه الحال وقرئ بطرح الهمزة الأولى تارة والثانية أخرى
(17) أوآباؤنا الأولون وقرئ بسكون الواو في أو
(18) قل نعم وأنتم داخرون صاغرون
(19) فإنما هي زجرة واحدة فإنما البعثة صيحة واحدة هي النفخة الثانية من
زجر الراعي غنمه إذا صاح عليها فإذا هم ينظرون فإذا هم قيام من مراقدهم أحياء
يبصرون أو ينتظرون ما يفعل بهم
(20) وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين يوم الحساب والمجازاة
(21) هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون جواب الملائكة أو قول بعضهم
لبعض والفصل والقضاء والفرق بين المحسن والمسئ
(22) احشروا الذين ظلموا
القمي قال الذين ظلموا آل محمد صلوات الله عليهم حقهم وأزواجهم
وأشباههم وما كانوا يعبدون من
(23) دون الله من الأصنام وغيرها زيادة في تحسيرهم وتخجيلهم
فاهدوهم إلى صراط الجحيم
القمي عن الباقر عليه السلام يقول ادعوهم إلى طريق الجحيم
(24) وقفوهم إحبسوهم في الموقف إنهم مسؤولون قيل عن عقائدهم
وأعمالهم
والقمي قال عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام
ومثله في الأمالي والعيون عن النبي صلى الله عليه وآله
وفي العلل عنه عليه السلام أنه قال في تفسير هذه الآية لا يجاوز قدما عبد حتى
يسئل عن أربع عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيما أفناه وعن ماله من أين جمعه وفيما
أنفقه وعن حبنا أهل البيت عليهم السلام
266

(25) ما لكم لا تناصرون لا ينصر بعضكم بعضا بالتخليص وهو توبيخ
وتقريع
(26) بل هم اليوم مستسلمون منقادون لعجزهم أو متسالمون يسلم بعضهم
بعضا ويخذله
القمي يعني العذاب
(27) وأقبل بعضهم على بعض يتسائلون يسأل بعضهم بعضا للتوبيخ
(28) قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قيل يعني عن أقوى الوجوه
وأيمنه
(29) قالوا بل لم تكونوا مؤمنين
(30) وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين
(31) فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون
القمي قال العذاب
(32) فأغويناكم إنا كنا غاوين
(33) فإنهم فإن الأتباع والمتبوعين يومئذ في العذاب مشتركون كما كانوا
في الغواية مشتركين
(34) إنا كذلك نفعل بالمجرمين بالمشركين
(35) إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون
(36) ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون يعنون النبي صلى الله عليه
وآله
(7 3) بل جاء بالحق وصدق المرسلين رد عليهم بأن ما جاء به من التوحيد
حق قام به البرهان وتطابق عليه المرسلون
267

(38) إنكم لذائقوا العذاب الأليم بالإشراك وتكذيب الرسول
(39) وما تجزون إلا ما كنتم تعملون
(40) إلا عباد الله المخلصين استثناء منقطع
(41) أولئك لهم رزق معلوم
(42) فواكه وهم مكرمون
في الكافي عن الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث
يصف فيه أهل الجنة قال وأما قوله أولئك لهم رزق معلوم قال يعلمه الخدام
فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه وأما قوله فواكه وهم مكرمون قال فإنهم
لا يشتهون شيئا في الجنة إلا أكرموا به
(43) في جنات النعيم
(44) على سرر متقابلين
(45) يطاف عليهم بكأس بإناء فيه خمر من معين من شراب معين أو نهر
معين أي جار ظاهر للعيون أو خارج من العيون وصف به خمر الجنة لأنها تجري
كالماء
(46) بيضاء لذة للشاربين قيل وصفها بلذة إما للمبالغة أو لأنها تأنيث لذ
بمعنى لذيذ
(47) لا فيها غول غائلة وفساد كما في خمر الدنيا كالخمار ولا هم عنها
ينزفون قيل أي يسكرون من نزف إذا ذهب عقله
والقمي أي لا يطردون منها وقرئ بكسر الزاي
(48) وعندهم قاصرات الطرف قصرن أبصارهن على أزواجهن عين عيناء
فسرت تارة بواسعات العيون لحسانها وأخرى بالشديدة بياض العين الشديدة
سوادها
268

(49) كأنهن بيض مكنون شبههن ببيض النعام الذي تكنه بريشها مصونا
من الغبار ونحوه في الصفاء والبياض المخلوط بأدنى صفرة فإنه أحسن ألوان
الأبدان كذا قيل
(50) فأقبل بعضهم على بعض يتسائلون عن المعارف والفضائل وما
جرى لهم وعليهم في الدنيا فإنه ألذ اللذات كما قيل وما بقيت من اللذات إلا
أحاديث الكرام على المدام
(51) قال قائل منهم في مكالمتهم إني كان لي قرين جليس في الدنيا
(52) يقول أئنك لمن المصدقين يوبخني على التصديق بالبعث
(53) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون لمجزيون من الدين بمعنى
الجراء
(54) قال أي ذلك القائل لجلسائه هل أنتم مطلعون إلى أهل النار لأريكم
ذلك القرين وقيل والقائل هو الله أو بعض الملائكة يقول لهم هل تحبون أن
تطلعوا على أهل النار لأريكم ذلك القرين فتعلموا أين منزلتكم من منزلتهم
(55) فاطلع عليهم فرآه أي قرينه في سواء الجحيم
القمي عن الباقر عليه السلام يقول في وسط الجحيم
(56) قال تالله إن كدت لتردين إن كدت لتهلكني بالإغواء
(57) ولولا نعمة ربى بالهداية والعصمة لكنت من المحضرين معك
فيها
(58) أفما نحن بميتين عطف على محذوف أي نحن مخلدون منعمون
فما نحن بميتين أي بمن شأنه الموت
(59) إلا موتتنا الأولى التي كانت في الدنيا وما نحن بمعذبين كالكفار
(60) إن هذا لهو الفوز العظيم
269

(61) لمثل هذا فليعمل العاملون
القمي عن الباقر عليه السلام قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار
النار جئ بالموت فيذبح كالكبش بين الجنة والنار ثم يقال خلود فلا موت أبدا
فيقول أهل الجنة أفما نحن بميتين الآيات
(62) أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم شجرة ثمرها نزل أهل النار وفيه
دلالة على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقام للنازل ولهم ما وراء
ذلك ما يقصر عنه الأفهام وكذلك الزقوم لأهل النار قيل هو اسم شجرة صغيرة
الورق ذفرة مرة تكون بتهامه سميت به الشجرة الموصوفة
(63) إنا جعلناها فتنة للظالمين محنة وعذابا لهم في الآخرة أو ابتلاء في
الدنيا
في المجمع روي أن قريشا لما سمعت هذه الآية إن شجرة الزقوم طعام
الأثيم قالت ما نعرف هذه الشجرة قال ابن الزبعرى الزقوم بكلام البربر التمر
والزبد وفي رواية بلغة اليمن فقال أبو جهل لجاريته يا جارية زقمينا فأتته الجارية
بتمر وزبد فقال لأصحابه تزقموا بهذا الذي يخوفكم به محمد صلى الله عليه وآله
فيزعم أن النار تنبت الشجر والنار تحرق الشجر فأنزل الله سبحانه إنا جعلناها فتنة
للظالمين
(64) إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم منبتها في قعر جهنم
وأغصانها ترفع إلى دركاتها
(65) طلعها حملها مستعار من طلع التمر كأنه رؤوس الشياطين في تناهي
القبح والهول قيل هو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق في الحسن بالملك
(66) فإنهم لآكلون منها فمالؤن منها البطون لغلبة الجوع
(67) ثم إن لهم عليها أي بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش وطال
270

استسقاؤهم لشوبا من حميم لشرابا من غساق أو صديد مشوبا بماء حميم يقطع
أمعائهم
(68) ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم فإن الزقوم والحميم نزل يقدم إليهم
قبل دخولها وقيل الحميم خارج عنها لقوله تعالى هذه جهنم التي يكذب بها
المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن يوردون إليه كما يورد الإبل إلى الماء ثم
يردون إلى الجحيم
(69) إنهم ألفوا آبائهم ضالين
(70) فهم على آثارهم يهرعون تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد بتقليد
الاباء في الظلال والإهراع الإسراع الشديد كأنهم يزعجون على الإسراع على
أثرهم وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على بحث ونظر
(71) ولقد ضل قبلهم قبل قومك أكثر الأولين
(72) ولقد أرسلنا فيهم منذرين أنبياء أنذروهم من العواقب
(73) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين من الشدة والفظاعة
(74) إلا عباد الله المخلصين إلا الذين تنبهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم
لله وقرئ بالفتح أي الذين أخلصهم الله لدينه والخطاب مع الرسول صلى الله عليه
وآله والمقصود خطاب قومه فإنهم أيضا سمعوا أخبارهم ورأوا آثارهم
(75) ولقد نادانا نوح شروع في تفصيل القصص بعد إجمالها أي
ولقد دعانا حين أيس من قومه فلنعم المجيبون أي فأجبناه أحسن الإجابة فوالله
لنعم المجيبون نحن
(76) ونجيناه وأهله من الكرب العظيم من أذى قومه والغرق
(77) وجعلنا ذريته هم الباقين إذ هلك من هلك
القمي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية يقول الحق والنبوة والكتاب
271

والأيمان في عقبه وليس كل من في الأرض من بني آدم من ولد نوح قال الله عز
وجل في كتابه احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول
منهم ومن آمن وما آمن معه إلا قليل وقال أيضا ذرية من حملنا مع نوح
(78) وتركنا عليه في الآخرين من الأمم
(79) سلام على نوح في العالمين قيل أي تركنا عليه فيهم التحية بهذه
الكلمة والدعاء بثبوتها في الملائكة والثقلين وقيل بل هو سلام من الله عليه
ومفعول تركنا محذوف مثل الثنا
وفي الإكمال عن الصادق عليه السلام في حديث طويل وبشرهم نوح بهود
وأمرهم باتباعه وأن يقيموا الوصية كل عام فينظروا فيها ويكون عيدا لهم كما
أمرهم آدم فظهرت الجبرية من ولد حام ويافث فاستخفى ولد سام بما عندهم من
العلم جرت على سام بعد نوح الدولة لحام ويافث وهو قول الله عز وجل تركنا
عليه في الآخرين يقول تركت على نوح دولة الجبارين ويعزي الله محمدا صلى
الله عليه وآله بذلك قال وولد لحام السند والهند والحبش وولد لسام العرب
والعجم وجرت عليهم الدولة وكانوا يتوارثون الوصية عالم بعد عالم حتى بعث
الله عز وجل هودا
(80) إنا كذلك نجزى المحسنين يعني إنه مجازاة له على إحسانه
(81) إنه من عبادنا المؤمنين
(82) ثم أغرقنا الآخرين يعني كفار قومه
(83) وإن من شيعته ممن شايعه في الأيمان وأصول الشريعة لإبراهيم
في المجمع والقمي عن الباقر عليه السلام ليهنئكم الاسم قيل وما هو قال
الشيعة قيل إن الناس يعيروننا بذلك قال أما تسمع قول الله وإن من شيعته
لإبراهيم وقوله فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه
(84) إذ جاء ربه بقلب سليم من حب الدنيا وقد مضى في معناه أخبار
272

في سورة الشعراء
(85) إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون
(86) أئفكا آلهة دون الله تريدون آلهة دون الله إفكا فقدم للعناية
(87) فما ظنكم برب العالمين بمن هو حقيق بالعبادة حتى أشركتم به
غيره وآمنتم من عذابه
(88) فنظر نظرة في النجوم فرأى مواقعها واتصالاتها
(89) فقال إني سقيم قيل أراهم إنه استدل بها على إنه مشارف للسقم لئلا
يخرجوه إلى معبدهم لأنهم كانوا منجمين وذلك حين سألوه أن يعيد معهم وكان أغلب
أسقامهم الطاعون وكانوا يخافون العدوي
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام والله ما كان سقيما وما كذب وفي المعاني
والقمي عن الصادق عليه السلام مثله وزاد وإنما عنى سقيما في دينه مرتادا
قال في المعاني وقد روى أنه عني بقوله إني سقيم أي سأسقم وكل ميت سقيم
وقد قال الله عز وجل لنبيه إنك ميت أي ستموت
وفي الكافي عن الصاق عليه السلام في هذه الآية قال إنه حسب فرأى ما يحل
بالحسين عليه السلام فقال إني سقيم لما يحل بالحسين
والعياشي عنه عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى خلق روح القدس فلم
يخلق خلقا أقرب إليه منها وليست بأكرم خلقه إليه فإذا أراد أمر ألقاه إليه فألقاه إلى
النجوم فجرت به
(90) فتولوا عنه مدبرين إلى عيد لهم
(91) فراغ إلى آلهتهم فذهب إليها في خفية فقال أي للأصنام استهزاء ألا
تأكلون يعني الطعام الذي كان عندهم
273

(92) ما لكم لا تنطقون بجوابي (1)
(93) فراغ عليهم فمال عليهم مستخفيا والتعدية بعلى للاستعلاء وكراهة
الميل ضربا باليمين يضربهم ضربا بها
(94) فأقبلوا إليه إلى إبراهيم بعدما رجعوا فرأوا أصنامهم مكسرة وبحثوا عن
كاسرها فظنوا أنه هو كما شرحه في قوله من فعل هذا بآلهتنا الآية يزفون يسرعون
وقرئ على البناء للمفعول أي يحملون على الزفيف
(95) قال أتعبدون ما تنحتون ما تنحتونه من الأصنام
(96) والله خلقكم وما تعملون وما تعملونه فإن جوهرها بخلقه ونحتها
باقتداره
(97) قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم في النار الشديدة
(98) فأرادوا به كيدا فإنه لما قهرهم بالحجة قصدوا تعذيبه بذلك لئلا يظهر
للعامة عجزهم فجعلناهم الأسفلين الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهانا منيرا على
علو شأنه حيث جعل النار عليه بردا وسلاما وقد مضت قصته في سورة الأنبياء
(99) وقال إني ذاهب إلى ربى سيهدين في الكافي عن الصادق عليه السلام
يعني بيت المقدس
وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في جواب من اشتبه عليه من
الآيات قال ولقد أعلمتك إن رب شئ من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ولا يشبه
كلام البشر وسأنبئك بطرف منه فيكفي إنشاء الله من ذلك قول إبراهيم إني ذاهب إلى
ربى سيهدين فذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة واجتهادا وقربة إلى الله جل وعز ألا ترى
أن تأويله على غير تنزيله
(100) رب هب لي من الصالحين بعض الصالحين يعينني على الدعوة

(1) وقيل معناه بالقسم الذي سبق وهو قوله (تالله لأكيدن أصنامكم).
274

والطاعة ويؤنسني في الغربة يعني الولد لان لفظة الهبة غالبة فيه
(101) فبشرناه بغلام حليم قيل ما نعت الله نبيا بالحلم لعزة وجوده غير
إبراهيم وابنه
(102) فلما بلغ معه السعي أي فلما وجد وبلغ أن يسعى معه في أعماله قال يا
بنى إني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى من الرأي قيل وإنما شاوره وهو
حتم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله فيثبت قدمه إن جزع ويأمن عليه إن سلم
وليوطن نفسه عليه فيهون ويكتسب المثوبة بالانقياد له قبل نزوله وقرئ ماذا ترى بضم التاء
وكسر الراء قال يا أبت افعل ما تؤمر ما تؤمر به وإنما ذكر بلفظ المضارع لتكرر الرؤيا
ستجدني إن شاء الله من الصابرين
(103) فلما أسلما استسلما لأمر الله أو أسلم الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه
وفي المجمع عن أمير المؤمنين والصادق عليهما السلام انهما قرءا فلما
سلما من التسليم وتله للجبين صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض وهو أحد
جانبي الجبهة
(104) وناديناه أن يا إبراهيم
(105) قد صدقت الرؤيا بالعزم والإتيان بما كان تحت قدرتك من ذلك
وجواب لما محذوف تقديره كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به المقال من
استبشارهما وشكرهما لله على ما أنعم عليهما من رفع البلاء بعد حلوله والتوفيق لما
لم يوفق غيرهما لمثله وإظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب العظيم إلى
غير ذلك إنا كذلك نجزى المحسنين
(106) إن هذا لهو البلاء المبين الابتلاء البين الذي يتميز فيه المخلص من
غيره أو المحنة البينة الصعوبة فإنه لا أصعب منها
(107) وفديناه بذبح عظيم بما بدله عظيم القدر أو الجثة سمين
275

العياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل كم كان بين بشارة إبراهيم عليه
السلام بإسماعيل وبين بشارته بإسحق قال كان بين البشارتين حمس سنين قال الله
سبحانه فبشرناه بغلام حليم يعني إسماعيل وهي أول بشارة بشر الله بها إبراهيم عليه
السلام في الولد ولما ولد لإبراهيم إسحق عليهما السلام من سارة وبلغ إسحق ثلاث
سنين أقبل إسماعيل إلى اسحق وهو في حجر إبراهيم فنحاه وجلس في مجلسه
فبصرت به سارة فقالت يا إبراهيم نحي ابن هاجر ابني من حجرك ويجلس هو مكانه
لا والله لا تجاورني هاجر وابنها في بلاد أبدا فنحهما عني وكان إبراهيم عليه السلام
مكرما لسارة يعزها ويعرف حقها وذلك لأنها كانت من ولد الأنبياء وبنت خالته فشق
ذلك على إبراهيم عليه السلام واغتم لفراق إسماعيل فلما كان في الليل أتى إبراهيم
آت من ربه فأراه الرؤيا في ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بموسم مكة فأصبح إبراهيم
عليه السلام حزينا للرؤيا التي رآها فلما حضر موسم ذلك العام حمل إبراهيم عليه
السلام هاجر وإسماعيل في ذي الحجة من أرض الشام فانطلق بهما إلى مكة ليذبحه
في الموسم فبدأ بقواعد البيت الحرام فلما رفع قواعده خرج إلى منى حاجا وقضى
نسكه بمنى ثم رجع إلى مكة فطاف بالبيت أسبوعا ثم انطلقا فلما صارا في السعي قال
إبراهيم عليه السلام لإسماعيل يا بنى إني أرى في المنام أنى أذبحك في الموسم
عامي هذا فماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر فلما فرغا من سعيهما انطلق به إبراهيم
عليه السلام إلى منى وذلك يوم النحر فلما انتهى إلى الجمرة الوسطى وأضجعه لجنبه
الأيسر وأخذ الشفرة ليذبحه نودي أن يا إبراهيم عليه السلام قد صدقت الرؤيا إلى
آخره وفدي إسماعيل عليه السلام بكبش عظيم فذبحه وتصدق بلحمه على
المساكين
وعنه عليه السلام أنه سئل عن صاحب الذبح فقال هو إسماعيل عليه السلام
وعن الباقر عليه السلام مثله والقمي عن الصادق عليه السلام مثله
وفي الفقيه عنه عليه السلام إنه سئل عن الذبيح من كان فقال إسماعيل عليه
السلام لأن الله تعالى ذكر قصته في كتابه ثم قال وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين
276

قال وقد اختلفت الروايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل عليه السلام ومنها ما
ورد بأنه إسحق ولا سبيل إلى رد الأخبار متى صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن
سحق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه وكان يصبر لأمر الله
ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله ذلك من قلبه
فسماه الله بين الملائكة ذبيحا لتمنيه لذلك قال وقد ذكرت إسناد ذلك
في كتاب النبوة متصلا بالصادق عليه السلام
أقول: ويؤيد هذا أن البشارة بإسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب فلا يناسب
الأمر بذبحه مراهقا
وفي الكافي عنهما عليهما السلام يذكران أنه لما كان يوم التروية قال جبرئيل
لإبراهيم عليه السلام ترو من الماء فسميت التروية ثم أتى منى فأباته بها ثم غدا به إلى
عرفات فضرب خباه بنمرة دون عرفة فبنى مسجدا بأحجار بيض وكان يعرف أثر
مسجد إبراهيم عليه السلام حتى أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة حيث يصلي
الأمام يوم عرفة فصلى بها الظهر والعصر ثم عمد به إلى عرفات فقال هذه عرفات
فاعرف بها مناسكك واعترف بذنبك فسمي عرفات ثم أفاض إلى المزدلفة فسميت
المزدلفة لأنه ازدلف إليها ثم قام على المشعر الحرام فأمر الله أن يذبح ابنه وقد رأى
فيه شمائله وخلائقه وأنس ما كان إليه فلما أصبح أفاض من المشعر إلى منى فقال لامه
زوري البيت أنت واحتبس الغلام فقال يا بني هات الحمار والسكين حتى أقرب
القربان سئل الراوي ما أراد بالحمار والسكين قال أراد أن يذبحه ثم يحمله فيجهزه
ويدفنه قال فجاء الغلام بالحمار والسكين فقال يا أبت أين القربان قال ربك يعلم أين
هو يا بني أنت والله هو إن الله قد أمرني بذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما
تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين قال فلما عزم على الذبح قال يا أبت خمر
وجهي وشد وثاقي قال يا بني الوثاق مع الذبح والله لا أجمعهما عليك اليوم قال الباقر
عليه السلام فطرح له قرطان الحمار ثم أضجعه عليه وأخذ المدية فوضعها على
حلقه قال فأقبل شيخ فقال ما تريد من هذا الغلام قال أريد أن أذبحه فقال سبحان الله
277

غلام لم يعص الله طرفة عين تذبحه فقال نعم إن الله قد أمرني بذبحه فقال بل ربك
ينهاك عن ذبحه وإنما أمرك بهذا الشيطان في منامك قال ويلك الكلام الذي سمعت
هو الذي بلغ بي ما ترى لا والله لا أكلمك ثم عزم على الذبح فقال الشيخ يا إبراهيم
إنك إمام يقتدى بك فإن ذبحت ولدك ذبح الناس أولادهم فمهلا فأبى أن يكلمه ثم
قال عليه السلام فأضجعه عند الجمرة الوسطى ثم أخذ المدية فوضعها على حلقه ثم
رفع رأسه إلى السماء ثم انتحى عليه المدية فقلبها جبرئيل عليه السلام عن حلقه فنظر
إبراهيم فإذا هي مقلوبة فقلبها إبراهيم عليه السلام على حدها وقلبها جبرئيل عليه
السلام على قفاها ففعل ذلك مرارا ثم نودي من ميسرة مسجد الخيف (1) يا إبراهيم
(عليه السلام) قد صدقت الرؤيا واجتر الغلام من تحته وتناول جبرئيل الكبش من قلة بثير فوضعه
تحته وخرج الشيخ الخبيث حتى لحق بالعجوز حين نظرت إلى البيت والبيت في
وسط الوادي فقال ما شيخ رأيته بمنى فنعت نعت إبراهيم عليه السلام قالت ذاك بعلي
قال فما وصيف رأيته معه ونعت نعته فقالت ذاك ابني قال فإني رأيته أضجعه وأخذ
المدية ليذبحه قالت كلا ما رأيته إبراهيم (عليه السلام) أرحم الناس وكيف رأيته يذبح ابنه قال
ورب السماء والأرض ورب هذه البنية لقد رأيته أضجعه وأخذ المدية ليذبحه قالت لم
قال زعم أن ربه أمره بذبحه قالت فحق له أن يطيع ربه قال فلما قضت مناسكها فرقت
أن يكون قد نزل في ابنها شئ فكأني أنظر إليها مسرعة في الوادي واضعة يدها على
رأسها وهي تقول رب لا تؤاخذني بما عملت بأم إسماعيل قال فلما جاءت سارة
فأخبرت الخبر قامت إلى ابنها تنظر فإذا أثر السكين خدوشا في حلقه ففزعت واشتكت
وكان بدو مرضها الذي هلكت فيه قال عليه السلام أراد أن يذبحه في الموضع الذي
حملت أم رسول الله صلى الله عليه وآله عند الجمرة الوسطى فلم يزل مضربهم
يتوارثون به كابر عن كابر حتى كان آخر من ارتحل منه علي بن الحسين عليهما السلام
في شئ كان بين بني هاشم وبين بني أمية فارتحل فضرب بالعرين
والعياشي والقمي عن الصادق عليه السلام ما يقرب منه بزيادة ونقصان

(1) الخيف ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء ومنه سمي مسجد الخيف بمني.
278

وزاد القمي ونزل الكبش على الجبل الذي عن يمين مسجد منى نزل من
السماء وكان يأكل في سواد ويمشي في سواد أقرن قيل ما كان لونه قال كان أملح
أغبر
وفي العيون عن الرضا عليه السلام قال لما أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام
أن يذبح مكان ابنه إسماعيل عليه السلام الكبش الذي أنزل عليه تمنى إبراهيم عليه
السلام أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بيده وأنه لم يؤمر بذبح الكبش
مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده بيده فيستحق
بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب فأوحى الله عز وجل إليه يا إبراهيم من
أحب خلقي إليك قال يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلى من حبيبك محمد صلى الله
عليه وآله فأوحى الله عز وجل إليه يا إبراهيم هو أحب إليك أو نفسك قال بل هو أحب
إلي من نفسي قال فولده أحب إليك أو ولدك قال بل ولده قال فذبح ولده ظلما على
أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي قال يا رب بل ذبحه على
أيدي أعدائه أوجع لقلبي قال يا إبراهيم إن طائفة تزعم أنها من أمة محمد صلى الله
عليه وآله ستقتل الحسين عليه السلام ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش
ويستوجبون بذلك سخطي فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك فتوجع قلبه وأقبل يبكي
فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل عليه السلام لو
ذبحته بيدك بجزعك على الحسين عليه السلام وقتله وأوجبت لك أرفع درجات أهل
الثواب على المصائب وذلك قول الله عز وجل وفديناه بذبح عظيم ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم وسئل عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله أنا ابن الذبيحين قال
يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام وعبد الله بن عبد المطلب أما
إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله تعالى به إبراهيم (عليه السلام) فلما بلغ معه السعي
وهو لما عمل مثل عمله قال يا بنى إني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال
يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما عزم على ذبحه فداه الله بذبح
عظيم بكبش أملح يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد
ويبول ويبعر في سواد وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاما وما خرج من
279

رحم أنثى وإنما قال الله تعالى له كن فكان ليفتدي به إسماعيل عليه السلام فكل ما
يذبح بمنى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة فهذا أحد الذبيحين ثم ذكر قصة
الذبيح الاخر ثم قال والعلة التي من أجلها دفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل عليه
السلام هي العلة التي من أجلها دفع الله الذبح عن عبد الله وهي كون النبي صلى الله
عليه وآله والأئمة عليهم السلام في صلبهما فببركة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة
عليهم السلام دفع الذبح عنهما عليهما السلام فلم تجر السنة في الناس بقتل
أولادهم ولولا ذلك لوجب على الناس كل أضحى التقرب إلى الله تعالى ذكره بقتل
أولادهم وكل ما يتقرب به الناس من أضحية فهو فداء لإسماعيل إلى يوم القيامة
وفي الكافي عنه عليه السلام لو خلق الله مضغة هي أطيب من الضأن لفدى بها
إسماعيل عليه السلام
(108) وتركنا عليه في الآخرين
(109) سلام على إبراهيم (ع) سبق بيانه في قصة نوح (ع)
(110) كذلك نجزى المحسنين
(111) إنه من عبادنا المؤمنين
(2 11) وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين
(113) وباركنا عليه على إبراهيم (ع) وعلى إسحق أفضنا عليهما بركات
الدين والدنيا ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه بالكفر والمعاصي مبين ظاهر ظلمه
وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في أعقابهما لا
يعود عليهما بنقيصه وعيب
(114) ولقد مننا على موسى وهارون أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع
الدينية والدنيوية
(115) ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم من تغلب الفرعون أو الغرق
280

(116) ونصرناهم فكانوا هم الغالبين على فرعون وقومه
(117) وآتيناهما الكتاب المستبين البليغ في بيانه وهو التوراة
(118) وهديناهما الصراط المستقيم الطريق الموصل إلى الحق والصواب
(119) وتركنا عليهما في الآخرين
(120) سلام على موسى وهارون
(121) إنا كذلك نجزى المحسنين
(122) إنهما من عبادنا المؤمنين سبق مثل ذلك
(123) وإن إلياس لمن المرسلين
(124) إذ قال لقومه ألا تتقون
(125) أتدعون بعلا أتعبدونه وتطلبون الخير منه القمي قال كان لهم صنم
يسمونه بعلا قال وسمي الرب بعلا وتذرون أحسن الخالقين وتتركون عبادته
(126) الله ربكم ورب آبائكم الأولين وقرئ بالنصب
(127) فكذبوه فإنهم لمحضرون أي في العذاب
(128) إلا عباد الله المخلصين مستثني من الواو لا من المحضرين لفساد
المعنى
(129) وتركنا عليه في الآخرين
(130) سلام على آل ياسين
القمي ثم ذكر عز وجل آل محمد صلوات الله عليهم فقال وتركنا عليه في
الآخرين سلام على آل ياسين فقال يس محمد وآل محمد الأئمة عليهم السلام
وفي المعاني عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام في هذه
الآية قال يس محمد ونحن آل يس
281

وفي الجوامع عن ابن عباس آل يس آل محمد صلوات الله عليهم ويس اسم
من أسمائه وقد مضى في سورة الأحزاب عند قوله تعالى وسلموا تسليما وفي أول
سورة يس أخبار في تسمية النبي صلى الله عليه وآله بيس ويؤيد هذه القراءة كونهما
مفصولين في مصحف امامهم وقرء آل ياسين فقيل هو لغة في الياس كسينا وسنين
وقيل جمع له أريد به هو وأتباعه وفيه أنه لو كان كذلك لكان معرفا وقيل يس اسم أبي
إلياس على قراءة ال ياسين ليناسب ما بعده ونظم ساير القصص كما في قراءة
الياسين
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال إن الله سمى النبي بهذا
الاسم حيث قال يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين لعلمه أنهم يسقطون سلام
على آل محمد صلوات الله عليهم كما أسقطوا غيره وفيه دلالة على قراءة آل يس وأن
المراد بهم آل محمد صلوات الله عليهم
(131) إنا كذلك نجزى المحسنين
(132) إنه من عبادنا المؤمنين
(133) وإن لوطا لمن المرسلين
(134) إذ نجيناه وأهله أجمعين
(135) إلا عجوزا في الغابرين
(136) ثم دمرنا الآخرين وقد مضى تفسيرها
(137) وإنكم لتمرون عليهم قيل أي على منازلهم في متاجركم إلى الشام فإن
سدوم في طريقه مصبحين داخلين في الصباح
(138) وبالليل أفلا تعقلون أفليس فيكم عقل تعتبرون به
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الآية فقال تمرون عليهم
في القرآن إذا قرأتم القرآن تقرؤن ما قص الله عليكم من خبرهم
282

(139) وإن يونس لمن المرسلين
(140) إذ أبق هرب وأصل الإباق الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه
بغير إذن ربه حسن اطلاقه عليه إلى الفلك المشحون المملو
(141) فساهم فقارع أهله فكان من المدحضين فصار من المغلوبين بالقرعة
وأصله المزلق عن مقام الظفر
في الفقيه عن الباقر عليه السلام في حديث قال إنه لما ركب مع القوم فوقفت
السفينة في اللجة واستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرات قال فمضى يونس
إلى صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمى بنفسه
وعن الصادق عليه السلام ما تقارع قوم ففوضوا أمرهم إلى الله عز وجل إلا
خرج سهم المحق وقال أي قضية أعدل من القرعة إذا فوضوا الأمر إلى الله أليس الله
عز وجل يقول فساهم فكان من المدحضين
وفي الكافي عنه عليه السلام ما يقرب منه
(142) فالتقمه الحوت وهو مليم داخل في الملامة أو آت بما يلام عليه أو
مليم نفسه
القمي عن الصادق عليه السلام في قصة يونس وقومه كما سبق ذكر صدرها في
سورته قال فغضب يونس ومر على وجهه مغاضبا لله كما حكى الله حتى انتهى إلى
ساحل البحر فإذا سفينة قد شحنت وأرادوا أن يدفعوها فسألهم يونس أن يحملوه
فحملوه فلما توسطوا البحر بعث الله حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة فنظر إليه يونس
ففزع منه وصار إلى مؤخرة السفينة فدار إليه الحوت ففتح فاه فخرج أهل السفينة فقالوا
فينا عاص فتساهموا فخرج يونس وهو قول الله عز وجل فساهم فكان من المدحضين
فأخرجوه فألقوه في البحر فالتقمه ومر به في الماء
(143) فلو لا أنه كان من المسبحين الذاكرين لله كثيرا بالتسبيح
(144) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون
283

(145) فنبذناه بالعراء بالمكان الخالي عما يغطيه من شجر أو نبت وهو سقيم
مما ناله
(146) وأنبتنا عليه شجرة من يقطين من شجرة تنبسط على وجه الأرض ولا
تقوم على ساق القمي قال الدبا
(147) وأرسلناه إلى مأة ألف أو يزيدون
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام إنه قرأ ويزيدون بالواو
وفي الكافي عنه عليه السلام يزيدون ثلاثين ألفا
(148) فامنوا فمتعناهم إلى حين إلى أجلهم المقضي
القمي عن أمير المؤمنين عليه السلام إن الحوت قد طاف به في أقطار الأرض
والبحار ومر بقارون إلى أن قال فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني
كنت من الظالمين كما سبق ذكره في سورة القصص قال فاستجاب له وأمر الحوت أن
يلفظه فلفظه على ساحل البحر وقد ذهب جلده ولحمه وأنبت الله عليه شجرة من
يقطين وهي الدبا فأظلته من الشمس فسكن ثم أمر الله الشجرة فتنحت عنه ووقعت
الشمس عليه فجزع فأوحى الله إليه يا يونس لم لم ترحم مأة ألف أو يزيدون وأنت
تجزع من ألم ساعة قال يا رب عفوك عفوك فرد الله عليه بدنه ورجع إلى قومه وآمنوا به
وعن الباقر عليه السلام قال لبث يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام ونادى في
الظلمات ظلمة بطن الحوت وظلمة الليل وظلمة البحر أن لا إله إلا أنت سبحانك إني
كنت من الظالمين فاستجاب له ربه فأخرجه الحوت إلى الساحل ثم قذفه فألقاه
بالساحل وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهو القرع فكان يمصه ويستظل به وبورقه
وكان تساقط شعره ورق جلده وكان يونس يسبح الله ويذكر الله بالليل والنهار فلما أن
قوى واشتد بعث الله دودة فأكلت أسفل القرع فدبلت القرعة ثم يبست فشق ذلك
على يونس فظل حزينا فأوحى الله إليه ما لك حزينا يا يونس قال يا رب هذه الشجرة
التي كانت تنفعني سلطت عليها دودة فيبست قال يا يونس أحزنت لشجرة لم تزرعها
284

ولم تسقها ولم تعن بها أن يبست حين استغنيت عنها ولم تحزن لأهل نينوى أكثر من
مأة ألف ينزل عليهم العذاب إن أهل نينوى قد آمنوا واتقوا فارجع إليهم فانطلق يونس
إلى قومه فلما دنى من نينوى استحيى أن يدخل فقال لراع لقيه إئت أهل نينوى فقل لهم
إن هذا يونس قد جاء قال الراعي أتكذب أما تستحيي ويونس قد غرق في البحر
وذهب قال له يونس اللهم إن هذه الشاة تشهد لك إني يونس ونطقت الشاة له بأنه
يونس فلما أتى الراعي قومه وأخبرهم أخذوه وهموا بضربه فقال إن لي بينة بما أقول
قالوا فمن يشهد لك قال هذه الشاة تشهد فشهدت بأنه صادق وأن يونس قد رده الله
إليكم فخرجوا يطلبونه فوجدوه فجاؤوا به وآمنوا وحسن إيمانهم فمتعهم الله إلى حين
وهو الموت وأجارهم من ذلك العذاب
(149) فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون القمي قال قالت قريش إن
الملائكة هم بنات الله فرد الله عليهم
(150) أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون إذ لا يمكن معرفة مثل ذلك إلا
بالمشاهدة
(151) ألا إنهم من إفكهم ليقولون
(152) ولد الله وإنهم لكاذبون فيما يتدينون به
(153) أصطفى البنات على البنين استفهام إنكار واستبعاد وقرئ بكسر الهمزة
بحذف الهمزة لدلالة أم بعدها عليها أو بإضمار القول أي لكاذبون في قولهم
اصطفى
(154) ما لكم كيف تحكمون بما لا يرتضيه عقل
(155) أفلا تذكرون أنه منزه عن ذلك
(156) أم لكم سلطان مبين حجة واضحة نزلت عليكم من السماء بأن
الملائكة بناته
(157) فأتوا بكتابكم الذي انزل عليكم إن كنتم صادقين في دعواكم
(158) وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا
القمي يعني إنهم قالوا الجن بنات الله وقيل يعني الملائكة سموا بها لاستتارهم
285

وقيل قالوا إن الله صاهر الجن فخرجت الملائكة وقيل قالوا الله والشيطان أخوان
تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ولقد علمت الجنة إنهم إن المشركين
لمحضرون
القمي يعني إنهم في النار
(159) سبحان الله عما يصفون من الولد والنسب
(160) إلا عباد الله المخلصين
(161) فإنكم وما تعبدون عود إلى خطابهم
(162) ما أنتم عليه على الله بفاتنين مفسدين الناس بالإغواء
(163) إلا من هو صال الجحيم إلا من سبق في علمه أنه من أهل النار
يصلاها لا محالة
(164) وما منا إلا له مقام معلوم
القمي عن الصادق عليه السلام قال نزلت في الأئمة والأوصياء من آل محمد
صلوات الله عليهم وقيل هي حكاية اعتراف الملائكة بالعبودية للرد على عبدتهم
والمعنى وما منا أحد إلا له مقام معلوم في المعرفة والعبادة والانتهاء إلى أمر الله في
تدبير العالم قيل ويحتمل أن يكون من قوله سبحان الله حكاية قولهم
(165) وإنا لنحن الصافون في أداء الطاعة ومنازل الخدمة
(166) وإنا لنحن المسبحون المنزهون الله عما لا يليق به ولعل الأول إشارة
إلى درجاتهم في الطاعة وهذا في المعرفة في نهج البلاغة في وصف الملائكة صافون
لا يتزايلون ومسبحون لا يسأمون والقمي قال جبرئيل يا محمد إنا لنحن الصافون وإنا
لنحن المسبحون
وعن الصادق عليه السلام كنا أنوارا صفوفا حول العرش نسبح فيسبح أهل
286

السماء بتسبيحنا إلى أن هبطنا إلى الأرض فسبحنا فسبح أهل الأرض بتسبيحنا وإنا
لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون الحديث
(167) وإن كانوا ليقولون أي مشركوا قريش
(168) لو أن عندنا ذكرا من الأولين كتابا من الكتب التي نزلت عليهم
(169) لكنا عباد الله المخلصين أخلصنا العبادة له ولم نخالف مثلهم
(170) فكفروا به لما جاءهم الذكر الذي هو أشرف الأذكار والمهيمن عليها
القمي عن الباقر عليه السلام هم كفار قريش كانوا يقولون لو أن عندنا ذكرا من
الأولين قاتل الله اليهود والنصارى كيف كذبوا أنبيائهم اما والله لو كان عندنا ذكرا من
الأولين لكنا عباد الله المخلصين يقول الله عز وجل فكفروا به حين جاءهم به محمد
صلى الله عليه وآله فسوف يعلمون عاقبة كفرهم
(171) ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أي وعدنا لهم بالنصر والغلبة وهو
قوله
(172) إنهم لهم المنصورون
(173) وإن جندنا لهم الغالبون
(174) فتول عنهم فأعرض عنهم حتى حين هو الموعد لنصرك عليهم قيل هو
يوم بدر وقيل يوم الفتح
(175) وأبصرهم على ما ينالهم حينئذ والمراد بالأمر الدلالة على أن ذلك
كائن قريب كأنه قدامه فسوف يبصرون ما قضينا لك من التأييد والنصرة والثواب في
الآخرة وسوف للوعيد لا للتبعيد
(76 1) أفبعذابنا يستعجلون روي أنه لما نزل فسوف يبصرون قالوا متى هذا
فنزل
287

(177) فإذا نزل بساحتهم فإذا نزل العذاب بفنائهم شبهه بجيش هجمهم فأناخ
بفنائهم بغتة فسآء صباح المنذرين صباحهم قيل الصباح مستعار من صباح الجيش
المبيت لوقت نزول العذاب ولما كثرت فيهم الهجوم والغارة في الصباح سموا الغارة
صباحا وإن وقعت في وقت آخر
(178) وتول عنهم حتى حين
(179) وأبصر فسوف يبصرون تأكيد إلى تأكيد وإطلاق بعد تقييد للأشعار بأنه
يبصر وأنهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من أصناف المسرة وأنواع المساءة أو الأول
لعذاب الدنيا والثاني لعذاب الآخرة والقمي فإذا نزل بساحتهم يعني العذاب إذا
نزل ببني أمية وأشياعهم في آخر الزمان فسوف يبصرون قال أبصروا حين لا ينفعهم
البصر قال فهذه في أهل الشبهات والضلالات من أهل القبلة
(180) سبحان ربك رب العزة عما يصفون عما قاله المشركون
في التوحيد عن الباقر عليه السلام إن الله علا ذكره كان ولا شئ غيره وكان
عزيزا ولا عز كان قبل عزه وذلك قوله سبحانه سبحان ربك رب العزة
وفي الكافي عنه عليه السلام ما يقرب منه
(181) وسلام على المرسلين تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم
(182) والحمد لله رب العالمين على ما أفاض عليهم وعلى من اتبعهم من
النعم وحسن العاقبة وفيه تعليم المؤمنين كيف يحمدونه ويسلمون على رسله
وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى
فليقل إذا أراد أن يقوم من مجلسه سبحان ربك الآيات الثلاث
وفي الفقيه والمجمع عنه عليه السلام ما يقرب منه
وفي ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة الصافات
في كل يوم جمعة لم يزل محفوظا من كل آفة مدفوعا عنه كل بلية في الحياة الدنيا
288

مرزوقا في الدنيا في أوسع ما يكون من الرزق ولم يصبه الله في ماله وولده ولا بدنه
بسوء من كل شيطان رجيم ولا من جبار عنيد وإن مات في يومه أو ليلته بعثه الله شهيدا
وأدخله الجنة مع الشهداء في درجة من الجنة
وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام إنه لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا
عجل الله تعالى راحته إن شاء الله
289

سورة ص مكية
عدد آيها ثمان وثمانون آية كوفي وست حجازي بصري شامي
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) ص قد سبق تأويله
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام وأما ص فعين تنبع من تحت العرش
وهي التي توضأ منها النبي صلى الله عليه وآله لما عرج به ويدخلها جبرئيل كل يوم
دخلة فينغمس فيها ثم يخرج منها فينفض أجنحته فليس من قطرة تقطر من أجنحته إلا
خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا يسبح الله ويقدسه ويكبره ويحمده إلى يوم القيامة
وفي الكافي عنه عليه السلام في حديث المعراج ثم أوحى الله إلي يا محمد
ادن من صاد فاغسل مساجدك وطهرها وصل لربك فدنا رسول الله صلى الله عليه وآله
من صاد وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن الحديث
وفي العلل عن الكاظم عليه السلام في حديث أنه سئل وما صاد الذي امر أن
يغتسل منه يعني النبي صلى الله عليه وآله لما أسرى به فقال عين تتفجر من ركن من
أركان العرش يقال لها ماء الحياة وهو ما قال الله عز وجل ص والقرآن ذي الذكر
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام أنه اسم من أسماء. الله تعالى أقسم به
والقرآن ذي الذكر مقسم به عطفا على صاد وجوابه محذوف أي أنه لحق
يدل عليه قوله تعالى
(2) بل الذين كفروا في عزة وشقاق أي ما كفر به من كفر لخلل وجد فيه بل
الذين كفروا في استكبار عن الحق وخلاف لله ورسوله ولذلك كفروا به
290

والقمي قال هو قسم وجوابه بل الذين كفروا وهو يرجع إلى ما قلناه
(3) كم أهلكنا قبلهم من قرن وعيد لهم على كفرهم به استكبارا وشقاقا فنادوا
استغاثة ولات حين مناص أي ليس الحين حين منجى ومفر زيدت التاء على لا
للتأكيد
(4) وعجبوا أن جائهم منذر منهم بشر مثلهم وقال الكافرون وضع فيه الظاهر
موضع الضمير غضبا عليهم وذما لهم وإشعارا بأن كفرهم جسرهم على هذا القول
هذا ساحر فيما يظهره معجزة كذاب فيما يقول على الله
(5) أجعل الآلهة إلها وحدا إن هذا لشئ عجاب بليغ في العجب فإنه
خلاف ما أطبق عليه آباؤنا
(6) وانطلق الملأ منهم أن امشوا قائلين بعضهم لبعض امشوا واصبروا واثبتوا
على آلهتكم على عبادتها فلا ينفعكم مكالمته إن هذا لشئ يراد قيل أي إن هذا
لشئ من ريب الزمان يراد بنا فلا مرد له وقيل إن هذا الذي يدعيه من الرياسة
والترفع على العرب لشئ يريده كل أحد
(7) ما سمعنا بهذا بالذي يقوله في الملة الآخرة في الملة التي أدركنا عليها
آبائنا إن هذا إلا اختلاق كذب اختلقه
القمي قال نزلت بمكة لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وآله الدعوة بمكة اجتمعت
قريش إلى أبي طالب عليه السلام وقالوا يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سفه أحلامنا
وسب آلهتنا وأفسد شباننا وفرق جماعتنا فإن كان الذي يحمله على ذلك العدم جمعنا
له مالا حتى يكون أغنى رجل في قريش ونملكه علينا فأخبر أبو طالب رسول الله صلى
الله عليه وآله فقال لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما أردته ولكن
يعطوني كلمة يملكون بها العرب ويدين لهم بها العجم ويكونون ملوكا في الجنة فقال
لهم أبو طالب ذلك فقالوا نعم وعشر كلمات فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله
يشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا ندع ثلاثمائة وستين
إلها ونعبد إلها واحدا فأنزل الله سبحانه بل عجبوا أن جائهم منذر منهم إلى قوله إلا
اختلق أي تخليط أأنزل عليه الذكر إلى قوله من الأحزاب
291

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من
قريش فدخلوا على أبي طالب فقالوا إن ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا فادعه ومره
فليكف عن آلهتنا ونكف عن إلهه قال فبعث أبو طالب إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله فدعاه فلما دخل النبي صلى الله عليه وآله لم ير في البيت إلا مشركا فقال السلام
على من اتبع الهدى ثم جلس فخبره أبو طالب بما جاؤوا له فقال أو هل لهم في كلمة
خير لهم من هذا يسودون بها العرب ويطأون أعناقهم فقال أبو جهل نعم وما هذه
الكلمة قال تقولون لا إله إلا الله قال فوضعوا أصابعهم في آذانهم وخرجوا هرابا وهم
يقولون ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق فأنزل الله في قولهم ص
والقرآن إلى قوله إلا اختلاق
(8) أأنزل عليه الذكر من بيننا انكار لاختصاصه بالوحي وهو مثلهم أو أدون
منهم في الشرف والرياسة لقولهم لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم
وأمثال ذلك دليل على أن مبدأ تكذيبهم لم يكن إلا الحسد وقصور النظر على الحطام
الدنيوي بل هم في شك من ذكرى من القرآن والوحي لميلهم إلى التقليد وإعراضهم
عن الدليل بل لما يذوقوا عذاب بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال شكهم
والمعنى أنهم لا يصدقون به حتى يمسهم العذاب فيلجئهم إلى تصديقه
(9) أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب بل أعندهم خزائن رحمته
وفي تصرفهم حتى يصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن شاؤوا فيتخيروا للنبوة بعض
صناديدهم يعني أن النبوة عطية من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده لا مانع له
فإنه العزيز الغالب الذي لا يغلب الوهاب الذي له أن يهب كل ما يشاء لمن يشاء
(10) أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما أم لهم مدخل في هذا العالم
الذي هو جزء يسير من خزائنه فليرتقوا في الأسباب أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في
المعارج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم فينزلوا
الوحي إلى من يستصوبون وهو غاية التهكم لهم وقيل أريد بالأسباب السماوات لأنها
أسباب الحوادث السفلية
292

(11) جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب أي هم جند ما من الكفار المتحزبين
على الرسل
القمي يعني الذين تحزبوا عليك يوم الخندق وقيل مهزوم أي مكسور عما
قريب فمن أين لهم التدابير الإلهية والتصرف في الأمور الربانية أو فلا تكترث لما
يقولون وهنا لك إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الابتداء لهذا القول
(12) كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد في العلل عن الصادق
عليه السلام أنه سئل عن قوله تعالى وفرعون ذو الأوتاد لأي شئ سمي ذا الأوتاد
فقال لأنه كان إذا عذب رجلا بسطه على الأرض على وجهه ومد يديه ورجليه فأوتدها
بأربعة أوتاد في الأرض وربما بسطه على خشب منبسط فوتد رجليه ويديه بأربعة أوتاد
ثم تركه على حاله حتى يموت فسماه الله عز وجل فرعون ذا الأوتاد
والقمي عمل الأوتاد التي أراد أن يصعد بها إلى السماء
(13) وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وأصحاب الغيضة وهم قوم شعيب
أولئك الأحزاب يعني المتحزبين على الرسل الذي جعل الجند المهزوم منهم
(14) إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب
(15) وما ينظر هؤلاء وما ينتظر قومك أو الأحزاب جميعا إلا صيحة واحدة هي
النفخة ما لها من فواق قيل أي من توقف مقدار فواق وهو ما بين الحلبتين أو رجوع
وترداد فإنه فيه يرجع اللبن إلى الضرع والقمي أي لا يفيقون من العذاب وقرء بضم
الفاء وهما لغتان
(16) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قسطنا من العذاب الذي توعدنا به في
المعاني عن أمير المؤمنين عليه السلام في معناه قال نصيبهم من العذاب قبل يوم
الحساب استعجلوا ذلك استهزاء
(17) اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد في التوحيد عن الباقر
عليه السلام اليد في كلام العرب القوة والنعمة ثم تلا هذه الآية إنه أواب قيل أي
293

رجاع إلى مرضاة الله لقوته في الدين
والقمي أي دعاء قيل كان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم نصف الليل
(18) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن قد سبق تفسيره في سورة الأنبياء وسبأ
بالعشي والاشراق حين تشرق الشمس أي تضئ ويصفو شعاعها
(19) والطير محشورة إليه من كل جانب كل له أواب كل من الجبال والطير
لأجل تسبيحه رجاع التسبيح
(20) وشددنا ملكه وقويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود
وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب قيل هو فصل الخصام يتميز الحق عن الباطل
وقيل الكلام المفصول الذي لا يشتبه على السامع
وفي العيون عن الرضا عليه السلام إنه معرفة اللغات
وفي الجوامع عن علي عليه السلام هو قوله البينة على المدعي واليمين على
المدعى عليه وقد ورد أخبار كثيرة بأن أئمتنا عليهم السلام أعطوا الحكمة وفصل
الخطاب
(21) وهل أتاك نبأ الخصم فيه تعجيب وتشويق إلى استماعه إذ تسوروا
المحراب إذ تصعدوا سور الغرفة
(22) إذ دخلوا على داود ففزع منهم لأنهم نزلوا عليه من فوق وفي يوم
الاحتجاب والحرس على الباب قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض
فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط ولا تجر في الحكومة واهدنا إلى سواء الصراط إلى
وسطه وهو العدل
(23) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة هي الأنثى من
الضأن وقد يكنى بها عن المرأة فقال أكفلنيها ملكنيها وأصله واجعلني أكفلها أو
اجعلها كفلي أي نصيبي وعزني في الخطاب وغلبني في مخاطبته إياي
294

(24) قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء
الشركاء الذين خلطوا أموالهم جمع خليط ليبغي ليتعدى بعضهم على بعض إلا الذين
آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وهم قليل ما مزيدة للإبهام والتعجب من قلتهم
وظن داود أنما فتناه امتحناه بتلك الحكومة هل تنبه بها فاستغفر ربه وخر راكعا
ساجدا وأناب ورجع إلى الله بالتوبة
(25) فغفرنا له ذلك أي ما استغفر عنه وإن له عندنا لزلفى لقربة بعد المغفرة
وحسن مآب مرجع في الجنة
(26) يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع
الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما
نسوا يوم الحساب قد سبق في سورة لقمان كلام في خلافة داود عليه السلام
وفي العيون عن الرضا عليه السلام في حديث عصمة الأنبياء قال وأما داود فما
يقول من قبلكم فيه فقيل يقولون إن داود عليه السلام كان يصلي في محرابه إذ تصور
له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور فقطع داود (عليه السلام) صلاته وقام ليأخذ
الطير فخرج الطير إلى الدار فخرج في أثره فطار الطير إلى السطح فصعد السطح في
طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حيان فاطلع داود (عليه السلام) في أثر الطير فإذا بامرأة أوريا
تغتسل فلما نظر إليها هواها وكان قد أخرج أوريا في بعض غزواته فكتب إلى صاحبه
أن قدم أوريا أمام التابوت فقدم فظفر أوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود (عليه السلام)
فكتب إليه ثانية أن قدمه أمام التابوت فقدم فقتل أوريا فتزوج داود (عليه السلام) بامرأته قال
فضرب الرضا عليه السلام يده على جبهته وقال إنا لله وإنا إليه راجعون لقد نسبتم نبيا
من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حتى خرج في أثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل فقيل
يا ابن رسول الله فما كانت خطيئته فقال ويحك إن داود (عليه السلام) إنما ظن أنه ما خلق الله عز
وجل خلقا هو أعلم منه فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا المحراب فقالا له
خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء
الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في
295

الخطاب فعجل داود (عليه السلام) على المدعى عليه فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى
نعاجه ولم يسأل المدعى البينة على ذلك ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له ما
تقول فكان هذا خطيئته رسم حكم لا ما ذهبتم إليه ألا تسمع الله تعالى يقول يا داود
إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق إلى آخر الآية فقيل يا
ابن رسول الله فما قصته مع أوريا قال الرضا عليه السلام إن المرأة في أيام داود (عليه السلام)
كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا فأول من أباح الله تعالى أن يتزوج بامرأة
قتل بعلها داود (عليه السلام) فتزوج بامرأة أوريا لما قتل وانقضت عدتها منه فذلك الذي شق على
الناس من قبل أوريا
والقمي عن الصادق عليه السلام ما يقرب مما روته العامة وكذبه الرضا عليه
السلام كما مر مع زيادات وفيه ما فيه وعن الباقر عليه السلام في قوله وظن داود (عليه السلام)
أي علم وأناب أي تاب وذكر أن داود (عليه السلام) كتب إلى صاحبه أن لا تقدم أوريا بين يدي
التابوت ورده فقدم أوريا إلى أهله ومكث ثمانية أيام ثم مات
وفي المجالس عن الصادق عليه السلام قال إن رضا الناس لا يملك وألسنتهم
لا تضبط ألم ينسبوا إلى داود (عليه السلام) أنه تبع الطير حتى نظر إلى امرأة أوريا فهواها وأنه
قدم زوجها أمام التابوت حتى قتل ثم تزوج بها
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لا أوتي برجل يزعم أن
داود (عليه السلام) تزوج امرأة أوريا إلا جلدته حدين حد للنبوة وحد للإسلام وروي أنه قال من
حدث بحديث داود (عليه السلام) على ما يرويه القصاص جلدته مأة وستين
(27) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا لا حكمة فيه ذلك ظن
الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار بسبب هذا الظن
(28) أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض
إنكار للتسوية أم نجعل المتقين كالفجار قيل كأنه أنكر التسوية أو لا بين المؤمنين
والكافرين ثم بين المتقين من المؤمنين والمجرمين منهم ويجوز أن يكون تكريرا
للإنكار الأول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية من الحكيم الرحيم
296

والقمي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال الذين آمنوا
وعملوا الصالحات أمير المؤمنين وأصحابه كالمفسدين في الأرض قال حبتر وزيق
وأصحابهما أم نجعل المتقين أمير المؤمنين كالفجار حبتر وزلام وأصحابهما وهذه
الألفاظ كنايات عن الثلاثة
وفي الكافي عنه عليه السلام قال لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة
أهل الباطل لأن الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل ألم يعرفوا وجه قول
الله في كتابه إذ يقول أم نجعل الذين آمنوا الآية
في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام إن لأهل التقوى علامات يعرفون
بها صدق الحديث وأداء الأمانة والوفاء بالعهد وقلة الفخر والتحمل وصلة الأرحام
ورحمة الضعفاء وقلة المؤاتاة للنساء وبذل المعروف وحسن الخلق وسعة الحلم
واتباع العلم فيما يقرب إلى الله تعالى وفي رواية أخرى عنه عليه السلام قال الفاجر إن
ائتمنته خانك وإن صاحبته شأنك وإن وثقت به لم ينصحك
(29) كتاب أنزلناه إليك مبارك نفاع ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب
الثاقبة
القمي عن الصادق عليه السلام ليدبروا آياته أمير المؤمنين والأئمة عليهم
السلام فهم أولو الألباب قال وكان أمير المؤمنين عليه السلام يفتخر بها ويقول ما
أعطي أحد قبلي ولا بعدي مثل ما أعطيت
(30) ووهبنا لداود سليمان نعم العبد أي نعم العبد سليمان إنه أواب كثير
الرجوع إلى الله بالتوبة والذكر
(31) إذ عرض عليه بالعشي بعد الظهر الصافنات الجياد الصافن الخيل الذي
يقوم على طرف سنبك يد أو رجل وهو من الصفات المحمودة في الخيل والجياد قيل
جمع جواد أو جود وهو الذي يسرع في جريه وقيل الذي يجود بالركض وقيل جمع
جيد
297

(32) فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربى قيل أصل أحببت أن يعدى
بعلى لأنه بمعنى آثرت لكن لما أنيب مناب أنبت عدى تعديته بعن وقيل هو بمعنى
تقاعدت وحب الخير مفعول له والخير المال الكثير والمراد به هنا الخيل التي شغلته
عن الذكر وفي الحديث الخيل معقود بنواصيها الخير حتى توارت بالحجاب غربت
الشمس شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها وإضمارها من غير ذكر لدلالة العشي
عليه
(33) ردوها على الضمير للشمس فطفق مسحا فأخذ يسمح مسحا بالسوق
والأعناق
في الفقيه عن الصادق عليه السلام قال إن سليمان بن داود (عليه السلام) عرض عليه
ذات يوم بالعشي الخيل فاشتغل بالنظر إليها حتى توارث الشمس بالحجاب فقال
للملائكة ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها فردوها فقام فمسح ساقيه
وعنقه وأمر أصحابه الذين فأتتهم الصلاة معه بمثل ذلك وكان ذلك وضوءهم للصلاة
ثم قام فصلى فلما فرغ غابت الشمس وطلعت النجوم وذلك قول الله عز وجل ووهبنا
لداود سليمان إلى قوله والأعناق
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام إن هذه الخيل كانت شغلته عن
صلاة العصر حتى فات وقتها قال وفي روايات أصحابنا أنه فاته أول الوقت
وفي الكافي والفقيه عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل إن
الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا قال يعني مفروضا وليس يعني وقت فوتها إذا
جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم يكن صلاته هذه مؤداة ولو كان ذلك كذلك لهلك
سليمان بن داود (عليه السلام) حين صلاها لغير وقتها ولكنه متى ما ذكرها صلاها
وفي العلل عنه عليه السلام ما يقرب منه
وفي المجمع قال ابن عباس سألت عليا عليه السلام عن هذه الآية فقال ما
بلغك فيها يا ابن عباس قلت بلى سمعت كعبا يقول اشتغل سليمان بعرض الأفراس
298

حتى فاتته الصلاة فقال وردها علي يعني الأفراس وكانت أربعة عشر فأمر بضرب
سوقها وأعناقها بالسيف قتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها
فقال علي عليه السلام كذب كعب لكن اشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يوم لأنه
أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب فقال بأمر الله للملائكة الموكلين
بالشمس ردوها علي فردت فصلى العصر في وقتها وأن أنبياء الله لا يظلمون ولا
يأمرون بالظلم لأنهم معصومون مطهرون
والقمي ذكر قريبا مما قاله كعب ثم روى قصة خاتمه عن الصادق عليه السلام
وأنه ضل عنه أربعين يوما ما بسبب قتله الخيل سرقه شيطان وجلس مكانه في تلك المدة
إلى آخر ما ذكره مما لا يليق بالأنبياء إلا إذا كان مرموزا وأريد به شئ آخر كما سبق
مثله في قصة هاروت وماروت
(34) ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله أن سليمان قال يوما في مجلسه
لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله
ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد قال
ثم قال فوالذي نفس محمد صلى الله عليه وآله بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في
سبيل الله فرسانا والجسد الذي كان على كرسيه كان هذا وعن الصادق عليه السلام أن
الجن والشياطين لما ولد لسليمان (عليه السلام) ابن قال بعضهم لبعض إن عاش له ولد لنلقين
منه ما لقينا من أبيه من البلاء فأشفق منهم عليه فاسترضعه في المزن وهو السحاب فلم
يشعر إلا وقد وضع على كرسيه ميتا تنبيها على أن الحذر لا ينفع من القدر وإنما عوتب
على خوفه من الشياطين وقيل الجسد ذاك الشيطان الذي كان قد جلس مكانه على
كرسيه سمي بالجسد الذي لا روح فيه لأنه كان متمثلا بما لم يكن كذلك وهذا قول
العامة الراوين لتلك القصة التي فيها ذكر الخاتم إلا أنهم ذكروا في سبب ابتلائه
بسلب ملكه أنه كانت امرأته تعبد في بيته صورة أربعين يوما وهو لم يشعر بذلك
(35) قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب
299

(36) فسخرنا له الريح فذللناها لطاعته إجابة لدعوته تجرى بأمره رخاء لينة لا
تزعزع حيث أصاب أراد
(37) والشياطين كل بناء وغواص
(38) وآخرين مقرنين في الأصفاد قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا
عن الشر كذا قيل والقمي هم الذين عصوا سليمان حين سلبه الله ملكه وقد سبق
بعض هذا القصة في سورة سبأ
(39) هذا عطاؤنا أي هذا الذي أعطيناك من الملك والبسطة والتسلط على ما
لم يسلط به غيرك عطاؤنا فامنن أو أمسك فاعط من شئت وامنع من شئت بغير حساب
غير محاسب على منة وإمساكه لتفويض التصرف فيه إليك
(40) وإن له عندنا لزلفى في الآخرة مع ماله من الملك العظيم في الدنيا
وحسن مآب هو الجنة
في العلل عن الكاظم عليه السلام انه سئل أيجوز أن يكون نبي الله بخيلا فقال
لا فقيل فقول سليمان (عليه السلام) رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي
ما وجهه وما معناه فقال الملك ملكان ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس
وملك مأخوذ من قبل الله تعالى ذكره كملك آل إبراهيم وملك طالوت وذي
القرنين فقال سليمان هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي أن
يقول أنه مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس فسخر الله عز وجل له الريح تجرى بأمره
رخاء حيث أصاب وجعل غدوها شهرا ورواحها شهرا وسخر الله عز وجل له الشياطين
كل بناء وغواص وعلم منطو الطير ومكن له في الأرض فعلم الناس في وقته وبعده أن
ملكه لا يشبه ملك الملوك الجبارين من الناس والمالكين بالغلبة والجور قيل فقول
رسول الله صلى الله عليه وآله رحم الله أخي سليمان بن داود (عليه السلام) ما كان أبخله فقال
لقوله وجهان أحدهما ما كان أبخله بعرضه وسوء القول فيه والوجه الاخر يقول ما كان
أبخله إن كان أراد ما كان يذهب إليه الجهال
300

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى هذا عطاؤنا الآية قال
أعطي سليمان (عليه السلام) ملكا عظيما ثم جرت هذه الآية في رسول الله صلى الله عليه وآله
فكان له أن يعطي من شاء وما شاء ويمنع من شاء ما شاء وأعطاه أفضل مما أعطى
سليمان (عليه السلام) لقوله ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
وعن الرضا عليه السلام أنه قيل له حقا علينا أن نسألكم قال نعم قيل حقا
عليكم أن تجيبونا قال لا ذاك إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل أما تسمع قول الله
تعالى هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب
(41) واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسني الشيطان بنصب وقرئ
بفتح النون وبفتحتين وعذاب ألم وهو حكاية لكلامه
(42) اركض برجلك حكاية لما أجيب به أي اضرب برجلك إلى الأرض هذا
مغتسل بارد وشراب أي فضربها فنبعت عين فقيل هذا مغتسل أي تغتسل به وتشرب منه
فيبرئ باطنك وظاهرك
(43) ووهبنا له أهله ومثلهم معهم بأن أحييناهم بعد موتهم
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل كيف أوتي مثلهم معهم قال أحيى
لهم من ولده الذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم مثل الذين هلكوا يومئذ
والقمي عنه عليه السلام قال أحيى الله له أهله الذين كانوا قبل البلية وأحيى له
الذين ماتوا وهو في البلية رحمة منا وذكرى لأولي الألباب لينتظروا الفرج بالصبر
واللجأ إلى الله فيما يحيق بهم
(44) وخذ بيدك ضغثا حزمة صغيرة من خشب فاضرب به ولا تحنث وذلك أنه
حلف أن يضرب زوجته في أمر ثم ندم عليه فحل الله يمينه بذلك وهي رخصة باقية
في الحدود كما ورد عنهم عليهم السلام إنا وجدناه صابرا فيما أصابه في النفس
والأهل والمال نعم العبد أيوب (ع) إنه أواب مقبل بشراشره على الله
في العلل عن الصادق عليه السلام قال إنما كانت بلية أيوب (عليه السلام) التي ابتلى بها
301

في الدنيا لنعمة أنعم الله بها عليه فأدى شكرها وكان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب
دون العرش فلما صعد عمل أيوب (عليه السلام) بأداء شكر النعمة حسده إبليس فقال يا رب إن
أيوب (عليه السلام) لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته فلو حلت بينه وبين دنياه ما أدى إليك
شكر نعمة فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة فقال قد سلطتك على
دنياه فلم يدع له دنيا ولا ولدا إلا أهلك كل ذلك وهو يحمد الله عز وجل ثم رجع إليه
فقال يا رب أن أيوب يعلم إنك سترد إليه دنياه التي أخذتها منه فسلطني على بدنه تعلم
أنه لا يؤدي شكر نعمة قال عز وجل قد سلطتك على بدنه ما عدا عينيه وقلبه ولسانه
وسمعه قال فانقض مبادرا خشية أن تدركه رحمة الله عز وجل فيحول بينه وبينه فنفخ
في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطا نقطا
وعن الكاظم عليه السلام مثله وزاد قلما اشتدت به البلاء وكان في آخر بلية جاء
أصحابه فقالوا يا أيوب ما نعلم أحدا ابتلي بمثل هذه البلية إلا لسريرة شر فلعلك أسررت
سوء في الذي تبدي لنا قال فعند ذلك ناجى أيوب (عليه السلام) ربه عز وجل فقال رب ابتليتني
بهذه البلية وأنت تعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا التزمت أخشنهما على بدني ولم
آكل أكلة قط إلا وعلى خواني يتيم فلو أن لي منك مقعد الخصم لأدليت بحجتي قال
فعرضت له سحابة فنطق فيها ناطق فقال يا أيوب أدل بحجتك قال فشد عليه ميزره
وجثا على ركبتيه فقال ابتليتني بهذه البلية وأنت تعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا
التزمت أخشنهما على بدني ولم آكل أكلة من طعام إلا وعلى خواني يتيم قال فقيل له
يا أيوب من حبب إليك الطاعة قال فأخذ كفا من تراب فوضعه في فيه ثم قال أنت يا
رب
وعن الصادق عليه السلام إن الله تبارك وتعالى ابتلى أيوب (ع) بلا ذنب فصبر
حتى عير وإن الأنبياء لا يصبرون على التعيير
وفي الكافي عنه عليه السلام إن الله تعالى يبتلي المؤمن بكل بلية ويميته بكل
ميتة ولا يبتليه بذهاب عقله أما ترى أيوب (ع) كيف سلط إبليس على ماله وعلى أهله
وعلى كل شئ منه ولم يسلطه على عقله ترك له يوحد الله عز وجل وفي رواية فسلط
302

على أيوب (ع) فشوه خلقه ولم يسلطه على دينه
وفي الخصال والعلل عنه عليه السلام ابتلى أيوب سبع سنين بلا ذنب
وفي الخصال عنه عن أبيه عليهما السلام قال إن أيوب عليه السلام ابتلي بغير
ذنب سبع سنين وأن الأنبياء معصومون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا
ولا كبيرا وقال إن أيوب مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة ولا
خرجت منه مدة (1) من دم ولا قيح ولا استقذره أحد رآه ولا استوحش منه أحد شاهده
ولا تدود شئ من جسده وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه
المكرمين عليه وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بماله عند ربه
تعالى ذكره من التأييد والفرج وقد قال النبي صلى الله عليه وآله أعظم الناس بلاء
الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل وإنما ابتلاه الله بالبلاء العظيم الذي يهون معه
على جميع الناس لئلا يدعوا له معه الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله تعالى ذكره أن
يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى
على ضربين استحقاق واختصاص ولئلا يحقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا
مريضا لمرضه وليعلموا أنه يسقم من يشاء متى شاء كيف شاء بأي شئ شاء ويجعل
ذلك عبرة لمن يشاء وشقاوة لمن يشاء وسعادة لمن يشاء وهو عز وجل في جميع ذلك
عدل في قضائه وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولا قوة إلا بالله
والقمي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن بلية أيوب (ع) التي ابتلي بها في
الدنيا لأي علة كانت قال لنعمة أنعم الله عز وجل عليه بها في الدنيا وأدى شكرها وكان
في ذلك الزمان لا يحجب إبليس عن دون العرش فلما صعد ورأي شكر نعمة أيوب
(ع) حسده إبليس فقال يا رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته
من الدنيا ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبدا فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه
لا يؤدي إليك شكر نعمة أبدا فقيل له قد سلطتك على ما له وولده
قال فانحدر إبليس فلم يبق له مالا ولا ولدا إلا أعطبه فازداد أيوب

(1) المدة بالكسر وتشديد المهملة: ما يجتمع في الجرح من التقيح الغليظ.
303

لله شكرا وحمدا قال فسلطني على زرعه قال قد فعلت فجمع شياطينه فنفخ
فيه فاحترق فازداد أيوب (ع) لله شكرا وحمدا فقال يا رب فسلطني على غنمه فسلطه على
غنمه فأهلكها فازداد أيوب (ع) لله شكرا وحمدا فقال يا رب سلطني على بدنه فسلطه
على بدنه ما خلا عقله وعينيه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه فبقي
في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود فكانت تخرج من بدنه
فيردها فيقول لها ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه ونتن حتى أخرجوه أهل
القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية وكانت امرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب
ابن إسحاق بن إبراهيم (ع) تتصدق من الناس وتأتيه بما تجده قال فلما طال عليه البلاء
ورأي إبليس صبره أتى أصحابا لأيوب (ع) كانوا رهبانا في الجبال وقال لهم مروا بنا
إلى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته فركبوا بغالا شهباء فجاؤوا فلما دنوا منه نفرت
بغالهم من نتن ريحه فنظر بعضهم إلى بعض ثم مشوا إليه وكان فيهم شاب حدث
السن فقعدوا إليه فقالوا يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله كان يملكنا إذا سألناه وما
نرى ابتلائك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحدا إلا من أمر كنت تستره فقال
أيوب وعزة ربي أنه ليعلم إني ما أكلت طعاما إلا ويتيم
أو ضعيف يأكل معي وما عرض لي أمر ان كلاهما طاعة لله إلا أخذت بأشدهما
على بدني فقال الشاب سوءة لكم عيرتم نبي الله حتى أظهر من عبادة ربه ما
كان يسترها فقال أيوب يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجتي بعث الله
عز وجل إليه غمامة فقال يا أيوب أدل بحجتك فقد أقعدت مقعد الحكم وها أنا ذا
قريب ولم أزل فقال يا رب إنك لتعلم أنه لم يعرض لي أمر ان قط كلاهما لك طاعة إلا
أخذت بأشدهما على نفسي ألم أحمدك ألم أشكرك ألم أسبحك قال فنودي من
الغمامة بعشرة آلاف لسان يا أيوب من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون وتحمده
وتسبحه وتكبره والناس عنه غافلون أتمن على الله بما لله فيه المنة عليك قال فأخذ
التراب فوضعه في فيه ثم قال لك العتبى يا رب أنت فعلت ذلك بي فأنزل الله عليه
ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان وأطرا وأنبت
الله عليه روضة خضراء ورد عليه أهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدثه
304

ويؤنسه فأقبلت امرأته معها الكسرة فلما انتهت إلى الموضع إذ الموضع متغير وإذا
رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت يا أيوب ما دهاك فناداها أيوب فأقبلت فلما
رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله عز وجل شكرا فرأى ذؤابتها مقطوعة
وذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ما تحمله إلى أيوب من الطعام وكانت حسنة الذوائب
فقالوا لها بيعينا ذؤابتك هذه حتى نعطيك فقطعتها ودفعتها إليهم وأخذت منهم طعاما
لأيوب فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها أن يضربها مأة فأخبرته أنه كان
سببه كيت وكيت فاغتم أيوب من ذلك فأوحى الله عز وجل إليه خذ بيدك ضغثا فاضربه
ولا تحنث فأخذ عذقا مشتملا على مأة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من
يمينه قال فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء ورد عليه أهله الذين ماتوا بعد ما
أصابهم البلاء كلهم أحياهم الله له فعاشوا معه وسئل أيوب (ع) بعد ما عافاه الله أي
شئ كان أشد عليك مما مر عليك فقال شماتة الأعداء قال فأمطر الله عليه في داره
جرادة الذهب وكان يجمعه فكان إذا ذهبت الريح منه بشئ عدا خلفه فرده فقال له
جبرئيل أما تشبع يا أيوب قال ومن يشبع من رزق ربه عز وجل
أقول: لعل المراد ببدنه الذي قيل في الرواية الأولى أنه لم ينتن رائحته ولم
يتدود بدنه الأصلي الذي يرفع من الأنبياء والأوصياء إلى السماء الذي خلق من طينته
خلقت منها أرواح المؤمنين وببدنه الذي قيل في هذه الرواية أنه أنتن وتدود بدنه
العنصري الذي هو كالغلاف لذلك ولا مبالاة للخواص به فلا تنافي بين الروايتين
(45) واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولى الأيدي والابصار القمي
عن الباقر عليه السلام قال أولوا القوة في العبادة والبصر فيها
(46) إنا أخلصناهم بخالصة جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لا شوب
فيها هي ذكرى الدار أي تذكرهم للآخرة دائما فإن خلوصهم في الطاعة بسببها وذلك
لأنه كان مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه واطلاق الدار
للأشعار بأنها الدار الحقيقية والدنيا معبر
(47) وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار
305

(48) واذكر إسماعيل واليسع قيل هو ابن أخطوب استخلفه إلياس على بني إسرائيل
ثم استنبأ وذا الكفل هو يوشع بن نون كما مر في سورة الأنبياء وكل من
الأخيار
(49) هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب مرجع
(50) جنات عدن مفتحة لهم الأبواب
(51) متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب قيل الاقتصار على
الفاكهة للأشعار بأن مطاعمهم لمحض التلذذ فإن التغذي للتحلل ولا تحلل ثمة
(52) وعندهم قاصرات الطرف لا ينظرن إلى غير أزواجهن أتراب لذات
بعضهن لبعض لا عجوز فيهن ولا صبية
(53) هذا ما توعدون ليوم الحساب لأجله وقرئ بالياء
(54) إن هذا لرزقنا ماله من نفاد انقطاع
(55) هذا الأمر هذا وإن للطاغين لشر مآب
(56) جهنم يصلونها فبئس المهاد القمي وهم الأول والثاني وبنو أمية
(57) هذا فليذوقوه حميم وغساق وقرئ بالتخفيف هو ما يغسق أي يسيل من
صديد أهل النار
والقمي قال الغساق واد في جهنم فيه ثلاثمائة وثلاثون قصرا في كل قصر ثلاثمائة
بيت في كل بيت أربعون زاوية في كل زاوية شجاع في كل شجاع ثلاثمائة وثلاثون
عقربا في حمة كل عقرب ثلاثمائة وثلاثون قلة من سم لو أن عقربا نضحت سمها
على أهل جهنم لوسعهم سمها
(58) وآخر وقرئ واخر على الجمع من شكله قيل من مثل المذوق أو
العذاب في الشدة أو مثل الذائق أزواج أصناف والقمي وهم بنو العباس
(59) هذا فوج مقتحم معكم حكاية ما يقال لرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار
306

ودخل معهم فوج تبعهم في الضلال والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها
في المجمع والقمي عن النبي صلى الله عليه وآله أن النار تضيق عليهم كضيق
الزج بالرمح لا مرحبا بهم دعاء من المتبوعين على اتباعهم إنهم صالوا النار القمي
فيقول بنو أمية لا مرحبا بهم
(60) قالوا أي الأتباع للرؤساء بل أنتم لا مرحبا بكم بل أنتم أحق بما قلتم
لضلالكم وإضلالكم أنتم قدمتموه لنا القمي فيقول بنو فلان بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم
قدمتموه لنا بدأتم بظلم آل محمد صلوات الله عليهم فبئس القرار فبئس المقر جهنم
(61) قالوا القمي ثم يقول بنو أمية ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في
النار وذلك أن تزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين من العذاب قال يعنون الأول
والثاني
(62) وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار القمي ثم يقول أعداء
آل محمد صلوات الله عليهم في النار ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار في
الدنيا وهم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام
(63) اتخذناهم سخريا هزوا صفة أخرى لرجالا وقرئ بالضم وبهمزة
الاستفهام على أنه إنكار لأنفسهم وتأنيب لها في الاستسخار منهم أم زاغت عنهم
الابصار مالت فلا نريهم وأم معادلة لما لنا لا نرى على أن المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم
كأنهم قالوا ليسوا ههنا أم زاغت عنهم أبصارنا
(64) إن ذلك لحق تخاصم أهل النار فيما بينهم
القمي وذلك قول الصادق عليه السلام إنكم لفي الجنة تحبرون وفي النار
تطلبون وزاد في البصائر فلا توجدون
وفي الكافي عنه عليه السلام قال لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوكم في
النار بقوله وقالوا ما لنا لا نرى الآية قال والله ما عنى الله ولا أراد بهذا غيركم صرتم
عند أهل هذا العالم من أشرار الناس وأنتم والله في الجنة تحبرون وفي النار تطلبون
307

وفي رواية أما والله لا يدخل النار منكم اثنان لا والله ولا واحد والله أنكم الذين قال
الله تعالى وقالوا ما لنا الآية ثم قال طلبوكم والله في النار فما وجدوا منكم أحدا وفي
أخرى إذا استقر أهل النار في النار يتفقدونكم فلا يرون منكم أحدا فيقول بعضهم
لبعض ما لنا الآية قال وذلك قول الله تعالى إن ذلك لحق تخاصم أهل النار
يتخاصمون فيكم كما كانوا يقولون في الدنيا
وفي المجمع والجوامع ما يقرب منه
(65) قل يا محمد للمشركين إنما أنا منذر أنذركم عذاب الله وما من إله إلا
الله الواحد الذي لا شريك له ولا يتبعض القهار لكل شئ
(66) رب السماوات والأرض وما بينهما منه خلقها وإليه أمرها العزيز الذي
لا يغلب إذا عاقب الغفار الذي يغفر ما يشاء من الذنوب لمن يشاء وفي هذه
الأوصاف تقرير للتوحيد ووعد ووعيد للموحدين والمشركين وتكرير ما يشعر بالوعيد
وتقديمه لأن المدعى هو الأنذار
(67) قل هو نبا عظيم
(68) أنتم عنه معرضون قيل أي ما أنبأكم به وقيل ما بعده من نبأ آدم
والقمي يعني أمير المؤمنين عليه السلام
وفي البصائر عن الباقر عليه السلام هو والله أمير المؤمنين عليه السلام وعن
الصادق عليه السلام النبأ الإمامة
(69) ما كان لي من علم بالملأ الاعلى إذ يختصمون إذا لاطلاع على كلام
الملائكة وتقاولهم لا يحصل إلا بالوحي
(70) إن يوحى إلى إلا إنما أنا نذير مبين أي إلا لأنما وقرئ إنما بالكسر على
الحكاية
القمي عن الباقر عليه السلام في حديث المعراج وقد مر صدره في أول
سورة بني إسرائيل (ع) قال فلما انتهى به إلى سدرة المنتهى تخلف عنه جبرئيل
308

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا جبرئيل أفي هذا الموضع تخذلني فقال تقدم
أمامك فوالله لقد بلغت مبلغا لم يبلغه أحد من خلق الله قبلك فرأيت من نور ربي
وحال بيني وبينه السبحة سئل الإمام عليه السلام وما السبحة فأومى بوجهه إلى
الأرض وبيده إلى السماء وهو يقول جلال ربي ثلاث مرات قال يا محمد قلت لبيك
يا رب قال فيم اختصم الملأ الأعلى قال قلت سبحانك لا علم لي إلا ما علمتني
قال فوضع يده أي يد القدرة بين كتفي فوجت بردها بين ثديي قال فلم يسألني عما
مضى ولا عما بقي إلا علمته فقال يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى قال قلت في
الكفارات والدرجات والحسنات فقال لي يا محمد قد انقطع أكلك وانقضت نبوتك
فمن وصيك فقلت يا رب قد بلوت خلقك فلم أر أحدا من خلقك أطوع لي من
علي فقال ولي يا محمد فقلت يا رب إني قد بلوت خلقك فلم أر في خلقك أحدا
أشد حبا لي من علي بن أبي طالب عليه السلام قال ولي يا محمد فبشره بأنه راية
الهدى وإمام أوليائي ونور لمن أطاعني والكلمة التي ألزمتها المتقين من أحبه فقد
أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني مع ما أني أخصه بما لم أخص به أحدا فقلت يا
رب أخي وصاحبي ووزيري ووارثي فقال إنه أمر قد سبق إنه مبتلى ومبتلى به مع ما
أني قد نحلته ونحلته ونحلته ونحلته أربعة أشياء عقدها بيده ولا يفصح بها عقدها
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال قال لي ربي أتدري فيم
يختصم الملأ الأعلى فقلت لا قال اختصموا في الكفارات والدرجات فأما
الكفارات فإسباغ الوضوء في السبرات ونقل الأقدام إلى الجماعات وانتظار الصلاة
بعد الصلاة وأما الدرجات فافشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس
نيام
وفي الخصال بنحو آخر قريب منه
(71) إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين
(72) فإذا سويته عدلت خلقته ونفخت فيه من روحي وأحييته بنفخ الروح
فيه وإضافته إلى نفسه لشرفه وطهارته
فقعوا له ساجدين فخروا له ساجدين تكرمة وتبجيلا له وقد مر الكلام فيه في سورة
البقرة
309

(73) فسجد الملائكة كلهم أجمعون
(74) إلا إبليس استكبر تعظم وكان من الكافرين في علم الله
(75) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي
في العيون والتوحيد عن الرضا عليه السلام قال يعني بقدرتي وقوتي
والقمي عن الصادق عليه السلام لو أن الله تعالى خلق الخلق كلهم بيده لم
يحتج في خلق آدم أنه خلقه بيده فيقول ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أفترى
الله يبعث الأشياء بيده استكبرت أم كنت من العالين تكبرت من غير استحقاق أو
كنت ممن علا واستحق التفوق
(76) قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين مر بيانه في سورة
الأعراف
(77) قال فاخرج منها فإنك رجيم
(78) وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين
(79) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون
(80) قال فإنك من المنظرين
(81) إلى يوم الوقت المعلوم مر بيانه في سورة الحجر
(82) قال فبعزتك فبسلطانك وقهرك لأغوينهم أجمعين
(83) إلا عبادك منهم المخلصين الذين أخلصهم الله أو أخلصوا قلوبهم لله
على اختلاف القراءتين
(84) قال فالحق والحق أقول أي فاحق الحق وأقوله
والقمي فقال الله الحق أي إنك تفعل ذلك والحق أقوله وقرئ برفع الأول على
الابتداء أي الحق يميني أو الخبر أي أنا الحق
310

(85) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين
(86) قل ما أسئلكم عليه من أجر على التبليغ وما أنا من المتكلفين
المتصنعين
في الكافي عن الباقر عليه السلام قال لأعداء الله أولياء الشيطان أهل
التكذيب والإنكار قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين يقول متكلفا أن
أسألكم ما لستم بأهله فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض أما يكفي محمدا
صلى الله عليه وآله أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على
رقابنا فقالوا ما أنزل الله هذا وما هو إلا شئ يتقوله يريد ان يرفع أهل بيته على رقابنا
ولئن قتل محمد صلى الله عليه وآله أو مات لننزعنها من أهل بيته ثم لا نعيدها فيهم
أبدا
وفي التوحيد عن الرضا عن أمير المؤمنين عليهما السلام إن المسلمين قالوا
لرسول الله صلى الله عليه وآله لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس
على الإسلام لكثر عددنا وقوينا على عدونا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما
كنت لألقى الله تعالى ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا وما أنا من المتكلفين
في الجوامع عن النبي صلى الله عليه وآله قال للمتكلف ثلاث علامات ينازع
من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام عن لقمان مثله
وعنه عليه السلام ومن العلماء من يضع نفسه للفتاوي ويقول سلوني ولعله لا
يصيب حرفا واحدا والله لا يحب المتكلفين فذاك في الدرك السادس من النار
وفي مصباح الشريعة عنه عليه السلام قال المتكلف مخطئ وإن أصاب
المتكلف لا يستجلب في عاقبة أمره إلا الهوان وفي الوقت إلا التعب والعناء
والشقاء والمتكلف ظاهره وباطنه نفاق وهما جناحان بهما يطير المتكلف وليس في
الجملة من أخلاق الصالحين ولا من اشعار المتقين التكلف في أي باب كان قال
311

الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله قل ما أسئلكم من اجر وما انا من المتكلفين
(87) إن هو إلا ذكر عظة للعالمين
(88) ولتعلمن نبأه من الوعد والوعيد بعد حين
في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال عند خروج القائم عليه
السلام
في ثواب الأعمال والمجمع عن العياشي عن الباقر عليه السلام من قرأ سورة
ص في ليلة الجمعة أعطي من خير الدنيا والآخرة ما لم يعط أحدا من الناس إلا نبي
مرسل أو ملك مقرب وأدخله الله الجنة وكل من أحب من أهل بيته حتى خادمه
الذي يخدمه وإن لم يكن في حد عياله ولا حد من يشفع فيه
312

سورة الزمر
وتسمى أيضا سورة الغرف وهي مكية كلها
وقيل سوى ثلاث آيات نزلن بالمدينة قل يا عبادي إلى آخرهن وقيل غير آية
قل يا عبادي عدد آيها خمس وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم
(2) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين من الشرك
والرياء
(3) ألا لله الدين الخالص لأنه المتفرد بصفات الألوهية والاطلاع على
الأسرار والضمائر والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا يقربونا إلى الله
زلفى بإضمار القول إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون من أمور الدين
فيعاقب كلا بقدر استحقاقه وقيل بإدخال المحق الجنة والمبطل النار والضمير
للكفرة ومقابليهم أولهم ولمعبوديهم فإنهم يرجون شفاعتهم وهم يلعنونهم
في الاحتجاج عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث ثم أقبل صلى الله
عليه وآله على مشركي العرب فقال وأنتم فلم عبدتم الأصنام من دون الله فقالوا
نتقرب بذلك إلى الله تعالى فقال أو هي سامعة مطيعة لربها عابدة له حتى تتقربوا
بتعظيمها إلى الله قالوا لا قال فأنتم الذين تنحتونها بأيديكم قالوا نعم قال فلأن
تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم
بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم
وفي قرب الأسناد عن الصادق عن أبيه عليهما السلام إن رسول الله صلى الله
عليه وآله قال إن الله تبارك وتعالى يأتي يوم القيامة بكل شئ يعبد من دونه من
313

شمس أو قمر أو غير ذلك ثم يسأل كل إنسان عما كان يعبد فيقول من عبد غيره ربنا
إنا كنا نعبدها لتقربنا إليك زلفى قال فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة اذهبوا بهم
وبما كانوا يعبدون إلى النار ما خلا من استثنيت فإن أولئك عنها مبعدون إن الله لا
يهدى لا يوفق للاهتداء إلى الحق من هو كاذب كفار فإنهما فاقدا البصيرة
(4) لو أراد الله أن يتخذ ولدا كما زعموا ونسبوا إليه الملائكة والمسيح
وعزير لاصطفى لاختار مما يخلق ما يشاء قيل أي ما كان يتخذ الولد باختيارهم حتى
يضيفوا إليه من شاؤوا بل كان يختص من خلقه من يشاء لذلك نظيره لو أردنا أن
نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا سبحانه عن الشريك والصاحبة والولد هو الله الواحد
القهار ليس له في الأشياء شبيه ولا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم
كذا في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في معنى وأحديته تعالى
(5) خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار
على الليل يغشي كل واحد منهما الاخر كأنه يلف عليه لف اللباس باللابس أو
يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفافة أو يجعله كارا عليه كرورا متتابعا تتابع أكوار
العمامة وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى ألا هو العزيز الغالب
على كل شئ الغفار حيث لم يعاجل بالعقوبة
(6) خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها قد سبق تفسيره في سورة
النساء وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج أهلي ووحشي من البقر والضأن والمعز
وبخاتي وعراب من الإبل كما مر بيانه في سورة الأنعام
في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الآية قال إنزاله ذلك
خلقه إياه يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق حيوانا سويا من بعد عظام
مكسوة لحما من بعد عظام عارية من بعد مضغة من بعد علقة من بعد نطفة في نهج
البلاغة أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام وشغف الأستار نطفة دهاقا وعلقة
محاقا وجنينا وراضعا ووليدا ويافعا في ظلمات ثلث
314

في المجمع عن الباقر عليه السلام والقمي قال ظلمة البطن وظلمة الرحم
وظلمة المشيمة
وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام مثله وزاد حيث لا حيلة له في طلب
غذاء ولا دفع أذى ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرة فإنه يجري إليه من دم
الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فلا يزال ذلك غذاؤه حتى إذا أكمل خلقه
واستحكم بدنه وقوى أديمه على مباشرة الهواء وبصره على ملاقاة الضياء هاج
الطلق بأمه فأزعجه أشد إزعاج فأعنفه حتى يولد ذلكم الله ربكم الذي هذه
أفعاله هو المستحق لعبادتكم والمالك له الملك لا إله إلا هو إذ لا يشاركه في
الخلق غيره فأنى تصرفون يعدل بكم عن عبادته إلى الأشراك
(7) إن تكفروا فإن الله غنى عنكم عن إيمانكم ولا يرضى لعباده الكفر
لاستضرارهم به رحمة عليهم وإن تشكروا يرضه لكم لأنه سبب فلا حكم وقرئ
بإسكان الهاء وبإشباع ضمتها
القمي فهذا كفر النعم وفي المحاسن مرفوعا قال الكفر ههنا الخلاف والشكر
الولاية والمعرفة ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم
تعملون بالمحاسبة والمجازاة إنه عليم بذات الصدور فلا يخفى عليه خافية من
أعمالكم
(8) وإذا مس الانسان ضر دعا ربه منيبا إليه لزوال ما ينازع العقل في الدلالة
على أن مبدأ الكل منه سبحانه ثم إذا خوله أعطاه تفضلا فإن التخويل مختص
بالتفضل نعمة منه من الله نسي ما كان يدعوا إليه أي الضر الذي كان يدعو الله إلى
كشفه من قبل من قبل النعمة وجعل لله أندادا شركاء ليضل عن سبيله وقرئ بفتح الياء
قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار أمر تهديد فيه إشعار بأن الكفر نوع تشه
لا مستند له واقناط للكافرين من التمتع في الآخرة القمي نزلت في أبي فلان
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال نزلت في أبي
الفصيل إنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله عنده ساحرا فكان إذا مسه الضر يعني
315

السقم دعا ربه منيبا إليه يعني تائبا إليه من قوله في رسول الله ما يقول ثم إذ خوله نعمة
منه يعني العافية نسي ما كان يدعو إليه من قبل يعني نسي التوبة إلى الله تعالى مما كان
يقول في رسول الله صلى الله عليه وآله إنه ساحر ولذلك قال الله عز وجل قل تمتع
بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار يعني إمرتك على الناس بغير حق من الله عز وجل
ومن رسوله قال ثم عطف القول من الله عز وجل في علي عليه السلام يخبر بحاله
وفضله عند الله تبارك وتعالى فقال
(9) أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه
قل هل يستوى الذين يعلمون أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله والذين لا
يعلمون أن محمدا رسول الله أو أنه ساحر كذاب إنما يتذكر أولوا الألباب ثم قال هذا
تأويله
وفيه وفي العلل عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى آناء الليل ساجدا أو قائما
قال يعني صلاة الليل
وفي الكافي عنه عليه السلام إنما نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون
وشيعتنا أولوا الألباب
وعن الصادق عليه السلام لقد ذكرنا الله وشيعتنا وعدونا في آية واحدة من كتابه
فقال قل هل يستوى الآية ثم فسرها بما ذكر وعن الحسن المجتبى عليه السلام
والقمي أولوا الألباب هم أولو العقول وقرئ أمن هو بتخفيف الميم
(10) قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم بلزوم طاعته للذين أحسنوا في
هذه الدنيا حسنة الظرف إما متعلق بأحسنوا أو بحسنة وعلى الأول تشمل الحسنة
حسنة الدارين وعلى الثاني لا ينافي نيل حسنة الآخرة أيضا والحسنة في الدنيا
كالصحة والعافية
في الأمالي عن أمير المؤمنين عليه السلام إن المؤمن يعمل لثلث من الثواب
إما لخير فإن الله يثيبه بعمله في دنياه ثم تلا هذه الآية ثم قال فمن أعطاهم الله في
316

الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة وأرض الله واسعة فمن تعسر عليه التوفر على
الإحسان في وطنه فليهاجر إلى حيث تمكن منه إنما يوفى الصابرون على مشاق
الطاعة من احتمال البلاء ومهاجرة الأوطان لها أجرهم بغير حساب أجرا لا يهتدي إليه
حساب الحساب
العياشي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا
نشرت الدواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ولم ينشر لهم ديوان ثم
تلا هذه الآية
وفي الكافي عنه عليه السلام إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون
باب الجنة فيضربونه فيقال لهم من أنتم فيقولون نحن أهل الصبر فيقال لهم على ما
صبرتم فيقولون كنا نصبر على طاعة الله ونصبر عن معاصي الله فيقول الله عز وجل
صدقوا ادخلوهم الجنة وهو قول الله عز وجل إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير
حساب
(11) قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين موحدا له
(12) وأمرت لان أكون أول المسلمين مقدمهم في الدنيا والآخرة
(13) قل إني أخاف إن عصيت ربى بترك الاخلاص عذاب يوم عظيم
(14) قل الله أعبد مخلصا له ديني امتثالا لأمره
(15) فاعبدوا ما شئتم من دونه تهديد وخذلان لهم قل إن الخاسرين الكاملين
في الخسران الذين خسروا أنفسهم وأهليهم
القمي عن الباقر عليه السلام يقول غبنوا يوم القيمة ألا ذلك هو الخسران
المبين
(16) لهم من فوقهم ظلل من النار أطباق منها تظلهم ومن تحتهم ظلل
أطباق قيل وهي ظلل الآخرين ذلك يخوف الله به عباده ذلك العذاب هو الذي
317

يخوفهم به ليجتنبوا ما يوقعهم فيه يا عباد فاتقون ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي
(17) والذين اجتنبوا الطاغوت البالغ غاية الطغيان أن يعبدوها وأنابوا إلى الله
وأقبلوا إليه بشر اشرهم غما سواه لهم البشرى بالثواب على ألسنة الرسل وعلى ألسنة
الملائكة عند حضور الموت
في المجمع عن الصادق عليه السلام قال أنتم هم ومن أطاع جبارا فقد عبده
فبشر عباد
(18) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يميزون بين الحق والباطل
ويؤثرون الأفضل
في الكافي عن الكاظم عليه السلام إن الله بشر أهل العقل والفهم في كتابه
فقال فبشر
وعن الصادق عليه السلام هو الذي يسمع الحديث فيحدث به كما سمعه لا
يزيد فيه ولا ينقص منه وفي رواية هم المسلمون لآل محمد صلوات الله عليهم
الذين إذا سمعوا الحديث لم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه جاؤوا به كما سمعوه أولئك
الذين هديهم الله لدينه وأولئك هم أولوا الألباب العقول السليمة عن منازعة الوهم
والعادة
(19) أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار إنكار واستبعاد
لإنقاذه من حق عليه الكلمة من النار بالسعي في دعائه إلى الأيمان ودلالة على أن من
حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه
(20) لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف علالي بعضها فوق
بعض مبنية بنيت بناء المنازل على الأرض تجرى من تحتها الأنهار وعد الله لا
يخلف الله الميعاد
في الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام سأل علي رسول الله صلوات الله
عليهما عن تفسير هذه الآية بماذا بنيت هذه الغرف يا رسول الله فقال يا علي عليه
318

السلام تلك غرف بناها الله لأوليائه بالدر والياقوت والزبرجد سقوفها الذهب محبوكة
بالفضة لكل غرفة منها ألف باب من ذهب على كل باب منها ملك موكل به وفيها فرش
مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة وحشوها المسك والعنبر
والكافور وذلك قول الله تعالى وفرش مرفوعة الحديث وقد سبق بعضه في سورة الفاطر
وبعضه في سورة الرعد
(21) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض عيونا
وركايا ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج يثور عن منبته بالجفاف فتريه
مصفرا من يبسه ثم يجعله حطاما فتاتا إن في ذلك لذكرى لتذكير آياته لا بد من صانع
حكيم دبره وسواه وبأنه مثل الحياة الدنيا فلا يغتر بها لأولي الألباب إذ لا يتذكر به
غيرهم
(22) أفمن شرح الله صدره للاسلام حتى تمكن فيه بيسر فهو على نور من
ربه
في روضة الواعظين عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قرء هذه الآية فقال إن
النور إذا وقع في القلب انفسخ له وانشرح قالوا يا رسول الله فهل لذلك علامة يعرف
بها قال التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل
نزوله
والقمي قال نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام والعامة نزلت في حمزة وعلي
وما بعده في أبي لهب وولده فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله من أجل ذكره وهي أشد
تأبيا عن قبوله من القاسي عنه بسبب آخر فمن أبلغ هنا من
القمي عن الصادق عليه السلام القسوة والرقة من القلب وهو قوله فويل الآية
أولئك في ضلال مبين
(23) الله نزل أحسن الحديث يعني القرآن كتابا متشابها يشبه بعضه بعضا في
الأعجاز وتجاوب النظم وصحة المعنى والدلالة على المنافع العامة كذا قيل مثاني
319

ثنى فيه القول يتكرر كذا ورد في أحد وجوه تسمية فاتحة الكتاب بها وقد مر لها معان
اخر في سورة الحجر وإنما وصف الواحد بالجمع لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل وإن
جعل مثاني تميزا لمتشابها يكون المعنى متشابهة تصاريفه قيل الفائدة في التكرير
والتثنية أن النفوس تنفر عن النصيحة والمواعظ فما لم يكرر عليها عودا بعد بدء لم
يرسخ فيها
أقول: وهو قوله سبحانه ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم
يتذكرون تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم تنقبض وتشمئز خوفا مما فيه من الوعيد
وهو مثل في شدة الخوف
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا اقشعر جلد العبد من خشية
الله تتحات عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها ثم تلين جلودهم
وقلوبهم إلى ذكر الله تطمئن إليه بالرحمة وعموم المغفرة ذلك هدى الله يهدى به من
يشاء ومن يضلل الله ومن يخذله فما له من هاد يخرجه من الضلال
(24) أفمن يتقى بوجهه يجعله درعه يقي به نفسه بأنه يكون مغلولة يداه إلى
عنقه فلا يقدر ان يتقي إلا بوجهه سوء العذاب يوم القيمة كمن هو آمن منه فحذف
الخبر كما حذف في نظائره وقيل للظالمين أي لهم فوضع الظاهر موضعه تسجيلا
عليهم بالظلم وإشعارا بالموجب لما يقال لهم ذوقوا ما كنتم تكسبون أي وباله
(25) كذب الذين من قبلهم فأتهم العذاب من حيث لا يشعرون من الجهة
التي كانت لا تخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها
(26) فأذاقهم الله الخزي الذل في الحياة الدنيا كالمسخ والخسف والقتل
والسبي والأجلاء ولعذاب الآخرة المعد لهم أكبر لشدته ودوامه لو كانوا يعلمون
لاعتبروا به واجتنبوا عنه
(27) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل يحتاج إليه الناظر في أمر
دينه لعلهم يتذكرون يتعظون به
320

(28) قرآنا عربيا غير ذي عوج لا اختلال فيه بوجه ما لعلهم يتقون
(29) ضرب الله مثلا للمشرك والموحد رجلا فيه شركاء متشاكسون متنازعون
مختلفون ورجلا سلما لرجل خالصا لواحد ليس لغيره عليه سبيل وقرئ سالما قيل
مثل للمشرك على ما يقتضيه مذهبه من أن يدعي كل واحد من معبوديه عبوديته
ويتنازعون فيه بعبد متشارك فيه جمع يتجاذبونه ويتعاورونه في مهامهم المختلفة في
تحيره وتوزع قلبه والموحد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل
والقمي مثل ضربه الله عز وجل لأمير المؤمنين عليه السلام ولشركائه الذين
ظلموه وغصبوه قوله متشاكسون أي متباغضون وقوله ورجلا سلما لرجل أمير المؤمنين
سلم لرسول الله صلوات الله عليهما
وفي المعاني عن أمير المؤمنين عليه السلام قال ألا وإني مخصوص في القرآن
بأسماء إحذروا أن تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم أنا السلم لرسول الله صلى الله عليه
وآله يقول الله عز وجل ورجلا سلما لرجل
في المجمع عنه عليه السلام أنا ذلك الرجل السلم لرسول الله صلى الله عليه
وآله
والعياشي عن الباقر عليه السلام الرجل السلم لرجل حقا علي وشيعته
وفي الكافي عنه عليه السلام أما الذي فيه شركاء متشاكسون فلان الأول يجمع
المتفرقون ولايته وهم في ذلك يلعن بعضهم بعضا ويبرء بعضهم من بعض وأما رجل
سلم لرجل فلان الأول حقا وشيعته
أقول: أراد عليه السلام بفلان الأول في أول ما قال أبا بكر فإنه كان أول
الخلفاء باطلا وفيما قاله ثانيا أمير المؤمنين عليه السلام فإنه كان أول الخلفاء حقا
وإنما قيد الثاني بقوله حقا ولم يقيد الأول بقوله باطلا لاحتياج الثاني إلى تلك القرينة
في فهم المراد منه بخلاف الأول كما لا يخفى فالوجه في تخالف أصحاب أبي بكر أن
أبا بكر لم يكن سلما لله ولرسوله لا في أمر الأمارة ولا فيما يتبنى عليها من الأحكام
321

وكان أصحابه أصحاب أهواء وآراء وهي مما يجري فيه الاختلاف بخلاف
أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته فإنهم كانوا سلما لله ولرسوله وكانوا أصحاب نص
من الله ورسوله ولا اختلاف فيه ولذلك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام اعتقدوه
مفترض الطاعة بخلاف أصحاب أبي بكر هل يستويان مثلا الحمد لله لا يشاركه
فيه سواه لأنه المنعم بالذات بل أكثرهم لا يعلمون فيشركون به غيره لفرط جهلهم
(30) إنك ميت وإنهم ميتون فإن الكل بصدد الموت
(31) ثم إنكم يوم القيمة عند ربكم تختصمون
القمي يعني أمير المؤمنين عليه السلام ومن غصبه حقه
(32) فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جائه قال يعني بما
جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله من الحق وولاية أمير المؤمنين عليه السلام أليس
في جهنم مثوى مقام للكافرين
(33) والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون
في المجمع عنهم عليهم السلام والقمي جاء بالصدق محمد وصدق به
أمير المؤمنين عليه السلام
(34) لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك جزاء المحسنين
(35) ليكفر الله عنهم أسوء الذي عملوا فضلا عن غيره ويجزيهم أجرهم
بأحسن الذي كانوا يعملون فيعدلهم محاسن أعمالهم بأحسنها في زيادة الأجر
وعظمه لفرط إخلاصهم فيها
(36) أليس الله بكاف عبده وقرئ عباده ويخوفونك بالذين من دونه قيل قالت
قريش إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا لعيبك إياها
والقمي يعني يقولون لك يا محمد اعفنا من علي عليه السلام ويخوفونك بأنهم
يلحقون بالكفار ومن يضلل الله فما له من هاد
322

(37) ومن يهد الله فما له من مضل إذ لا راد لفعله أليس الله بعزيز غالب منيع
ذي انتقام ينتقم من أعدائه
(38) ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله لوضوح البرهان
على تفرده بالخالقية قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن
كاشفات ضره أي أرأيتم بعدما تحققتم أن خالق العالم هو الله أن آلهتكم إن أراد الله
أن يصيبني ضرا هل يكشفنه أو أرادني برحمة بنفع هل هن ممسكات رحمته
فيمسكنها عني وقرئ بتنوين التاءين ونصب المفعولين قل حسبي الله كافيا في إصابة
الخير ورفع الضرر وروي أن النبي صلى الله عليه وآله سألهم فسكتوا فنزلت وفي إيراد
الضمائر مؤنثات على ما يصفونها به تنبيه على كمال ضعفها عليه يتوكل المتوكلون
لعلمهم بأن الكل منه
(39) قل يا قوم اعملوا على مكانتكم على حالكم وقرئ مكاناتكم إني عامل
أي على مكانتي فسوف تعلمون
(40) من يأتيه عذاب يخزيه من المغلوب في الدارين فإن خزي أعدائه دليل
غلبته وقد أخزاهم الله يوم بدر ويحل عليه عذاب مقيم دائم وهو عذاب النار
(41) إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس لمصالحهم في معاشهم ومعادهم بالحق
متلبسا به فمن اهتدى فلنفسه نفع به نفسه ومن ضل فإنما يضل عليها فإن وباله لا
يتخطاها وما أنت عليهم بوكيل لتجبرهم على الهدى وإنما عليك البلاغ
(42) الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها أي يقبضها عن
الأبدان بأن يقطع تعلقها عنها وتصرفها فيها ظاهرا وباطنا وذلك عند الموت أو ظاهرا لا
باطنا وهي في النوم فيمسك التي قضى عليها الموت لا يردها إلى البدن ويرسل
الأخرى أي النائمة إلى بدنها عند اليقظة إلى أجل مسمى هو الوقت المضروب
لموته
العياشي عن الباقر عليه السلام قال ما من أحد ينام إلا عرجت نفسه إلى السماء
323

وبقيت روحه في بدنه وصار بينهما سبب كشعاع الشمس فان أذن الله في قبض
الأرواح أجابت الروح النفس وإن أذن الله في رد الروح أجابت النفس الروح وهو قوله
سبحانه الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية فما رأت في ملكوت السماوات فهو مما له
تأويل وما رأت فيما بين السماء والأرض فهو مما يخيله الشيطان ولا تأويل له وقد
مضى الوجه في التوفيق بين نسبة التوفي تارة إلى الله وأخرى إلى ملك الموت وأخرى
إلى ملائكة اخر في سورة النساء إن في ذلك لايات على كمال قدرته وحكمته وشمول
رحمته لقوم يتفكرون
(43) أم اتخذوا بل اتخذ قريش من دون الله شفعاء تشفع لهم عند الله قل
أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون أيشفعون ولو كانوا على هذه الصفة كما
تشاهدونهم
(44) قل لله الشفاعة جميعا لا يشفع أحد إلا بإذنه له ملك السماوات
والأرض لا يملك أحد أن يتكلم في أمره دون إذنه ورضاه ثم إليه ترجعون في
القيامة
(45) وإذا ذكر الله وحده دون آلهتهم اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون
بالآخرة انقبضت ونفرت وإذا ذكر الذين من دونه قيل يعني الأوثان إذا هم يستبشرون
لفرط افتتانهم بها ونسيانهم حق الله سبحانه القمي نزلت في فلان وفلان
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عنها فقال إذا ذكر الله وحده
بطاعة من أمر الله بطاعته من آل محمد صلوات الله عليهم اشمأزت قلوب الذين لا
يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين لم يأمر الله بطاعتهم إذا هم يستبشرون
(46) قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم
بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون فأنت وحدك تقدر أن تحكم بيني وبينهم فإني
تحيرت في كفرهم وعجزت في عنادهم وشدة شكيمتهم
(47) ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء
324

العذاب يوم القيمة وعيد شديد وإقناط كلي لهم من الخلاص وبدا لهم من الله ما لم
يكونوا يحتسبون زيادة مبالغة فيه وهو نظير قوله فلا تعلم نفس ما أخفى لهم في الوعد
(48) وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن وأحاط بهم
جزاؤه
(49) فإذا مس الانسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا أعطيناه إياها تفضلا
قال إنما أوتيته على علم على علم مني بوجوه كسبه أو بأني سأعطاه لمالي من
استحقاقه كذا قيل بل هي فتنة امتحان له أيشكر أم يكفر ولكن أكثرهم لا يعلمون
ذلك
(50) قد قالها الذين من قبلهم يعني هذه الكلمة كقارون وقومه فإنه قاله ورضي
به قومه فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من متاع الدنيا
(51) فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء المشركين بالعتو
سيصيبهم سيئات ما كسبوا كما أصاب أولئك وقد أصابهم بالقحط والقتل وما هم
بمعجزين فائتين
(52) أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لايات
لقوم يؤمنون
(53) قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم أفرطوا في الجناية عليها
بالإسراف في المعاصي لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور
الرحيم والقمي قال نزلت في شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام خاصة
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام لقد ذكركم الله في كتابه إذ يقول يا عبادي
الآية قال والله ما أراد بهذا غيركم
وفي المعاني والقمي عن الباقر عليه السلام قال وفي
شيعة ولد فاطمة عليها السلام أنزل الله عز وجل هذه الآية خاصة
وفي المحاسن عن الصادق عليه السلام ما على ملة إبراهيم غيركم وما يقبل إلا
325

منكم ولا يغفر الذنوب إلا لكم
وعن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال ما في القرآن آية أوسع من يا عبادي
الذين أسرفوا الآية
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال ما أحب أن لي الدنيا وما فيها
بهذه الآية
(54) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا
تنصرون
(55) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة
وأنتم لا تشعرون بمجيئه فتداركون به
(56) أن تقول نفس كراهة أن تقول يا حسرتي على ما فرطت بما قصرت في
جنب الله في حقه وطاعته وقربه
في المحاسن عن الباقر عليه السلام إن أشد الناس حسرة يوم القيامة الذين
وصفوا العدل ثم خالفوه وهو قوله عز وجل أن تقول نفس الآية
وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام في هذه الآية قال جنب الله أمير المؤمنين
عليه السلام وكذلك من كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع إلى أن ينتهى الأمر إلى
آخرهم
وفي الإكمال والعياشي عن الباقر عليه السلام نحن جنب الله
وفي المناقب عنه وعن أبيه وابنه عليهم السلام هذه الآية جنب الله علي
عليه السلام وهو حجة الله على الخلق يوم القيامة
وعن الرضا عليه السلام قال في ولاية علي عليه السلام
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنا جنب الله وفي الاحتجاج عنه عليه السلام
في حديث وقد زاد جل ذكره في التبيان وإثبات الحجة بقوله في أصفيائه وأوليائه أن
326

تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله تعريفا للخليقة قربهم ألا ترى إنك
تقول فلان إلى جنب فلان إذا أردت أن تصف قربه منه إنما جعل الله تبارك وتعالى في
كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه لعلمه بما يحدثه
في كتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه منه وتلبيسهم ذلك على الأمة ليعينوهم
على باطلهم فأثبت فيه الرموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في تركها وترك
غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه وإن كنت لمن الساخرين المستهزئين
بأهله يعني فرطت وأنا ساخر
(57) أو تقول لو أن الله هداني بالإرشاد إلى الحق لكنت من المتقين الشرك
والمعاصي
(58) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين في
العقيدة والعمل ولو للدلالة على أنه لا يخلو من هذه الأقوال تحيرا أو تعللا بما لا طائل
تحته
(59) بلى قد جائتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين رد من
الله عليه لما تضمنه قوله لو أن الله هداني من معنى النفي
القمي يعني بالآيات الأئمة عليهم السلام
(60) ويوم القيمة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة.
القمي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال من ادعى أنه إمام وليس بإمام
قيل وإن كان علويا فاطميا قال وإن كان علويا فاطميا
وفي الكافي والعياشي مثله أليس في جهنم مثوى مقام للمتكبرين عن الأيمان
والطاعة
القمي عنه عليه السلام قال أن في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر شكا إلى
الله شدة حره وسأله أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم
(61) وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم بفلاحهم وقرئ بالجمع لا يمسهم
327

السوء ولا هم يحزنون
(62) الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل يتولى التصرف فيه
(63) له مقاليد السماوات والأرض مفاتيحها لا يملك أمرها ولا يتمكن من
التصرف فيها غيره وهو كناية عن قدرته وحفظه لها والذين كفروا بآيات الله أولئك هم
الخاسرون
(64) قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون
في الجوامع روى أنهم قالوا استلم بعض آلهتنا نؤمن بإلهك فنزلت
(65) ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك من الرسل لئن أشركت ليحبطن
عملك ولتكونن من الخاسرين
(66) بل الله فاعبد رد لما أمروه به وكن من الشاكرين أنعامه عليك القمي
هذه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى لامته وهو ما قال الصادق عليه السلام
إن الله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وآله بإياك أعني واسمعي يا جارة والدليل على
ذلك قوله تعالى بل الله فاعبد وكن من الشاكرين وقد علم أن نبيه صلى الله عليه وآله
يعبده ويشكره ولكن استعبد نبيه بالدعاء إليه تأديبا لامته
وعن الباقر عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال تفسيرها لئن أمرت بولاية
أحد مع ولاية علي عليه السلام من بعدك ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام يعني إن أشرك في الولاية غيره قال بل الله
فاعبد وكن من الشاكرين يعني بل الله فاعبد بالطاعة وكن من الشاكرين أن عضدتك
بأخيك وابن عمك
(67) وما (1) قدروا الله حق قدره ما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه
حيث وصفوه بما لا يليق به

(1) أي ما عظم الله حق عظمته إذ عبدوا غيره وأمروا نبيه (ص) بعبادة غيره.
328

في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له لما شبهه العادلون
بالخلق المبعض المحدود في صفاته ذي الأقطار والنواحي المختلفة في طبقاته وكان
عز وجل الموجود بنفسه لا بأداته انتفى أن يكون قدروه حق قدره فقال تنزيها بنفسه عن
مشاركة الأنداد وارتفاعها عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد وما قدروا الله
حق قدره الآية فما دلك القرآن عليه من صفته فاتبعه ليتوسل بينك وبين معرفته وأتم به
واستضئ بنور هدايته فإنها نعمة وحكمة أوتيتها فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين وما
دلك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى
عليهم السلام أثره فكل علمه إلى الله عز وجل فإن ذلك منتهى حق الله عليك
وعن الباقر عليه السلام إن الله لا يوصف وكيف يوصف وقد قال في كتابه وما
قدروا الله حق قدره فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك
والقمي قال نزلت في الخوارج والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات
مطويات بيمينه تنبيه على عظمته وحقارة المخلوقات العظام التي تتحير فيها الأوهام
بالإضافة إلى قدرته ودلالته على أن تخريب العالم أهون شئ عليه كذا قيل والقبضة
المرة من القبض أطلقت بمعنى القبضة وهي المقدار المقبوض بالكف
في التوحيد عن الصادق عليه السلام قبضته يعني ملكه لا يملكها معه أحد قال
اليمين واليد القدرة والقوة مطويات بيمينه يعني بقوته وقدرته سبحانه وتعالى عما
يشركون
(68) ونفخ في الصور يعني المرة الأولى فصعق من في السماوات ومن في
الأرض خروا ميتين إلا من شاء الله
في المجمع روي مرفوعا هم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله سأل جبرئيل عن هذه الآية من ذا الذي
لم يشأ الله أن يصعقهم قال هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش ثم نفخ فيه
أخرى نفخة أخرى فإذا هم قيام ينظرون قائمون من قبورهم يقلبون أبصارهم في
الجواب
329

القمي عن السجاد عليه السلام أنه سئل عن النفختين كم بينهما قال ما شاء الله
قيل فأخبرني يا ابن رسول الله كيف ينفخ فيه فقال أما النفخة الأولى فإن الله عز وجل
يأمر إسرافيل فيهبط إلى الدنيا ومعه الصور وللصور رأس واحد وطرفان وبين رأس كل
طرف منهما إلى الاخر مثل ما بين السماء والأرض فإذا رأت الملائكة إسرافيل قد هبط
إلى الدنيا ومعه الصور قالوا قد أذن الله في موت أهل الأرض وفي موت أهل السماء
قال فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس وهو مستقبل الكعبة فإذا رآه أهل الأرض
قالوا قد أذن الله تعالى في موت أهل الأرض فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من
الطرف الذي يلي الأرض فلا يبقى في الأرض ذو روح إلا صعق ومات ويخرج
الصوت من الطرف الذي يلي السماوات فلا يبقى في السماوات ذو روح إلا صعق
ومات إلا إسرافيل قال فيقول الله لإسرافيل يا إسرافيل مت فيموت إسرافيل فيمكثون
في ذلك ما شاء الله ثم يأمر السماوات فتمور ويأمر الجبال فتسير وهو قوله تعالى يوم
تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا يعني تبسط وتبدل الأرض غير الأرض يعني
بأرض لم تكسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أول مرة
ويعيد عرشه على الماء كما كان أول مرة مستقلا بعظمته وقدرته قال فعند ذلك ينادي
الجبار تبارك وتعالى بصوت من قبله جهوري يسمع أقطار السماوات والأرضين لمن
الملك اليوم فلا يجيبه مجيب فعند ذلك يقول الجبار عز وجل مجيبا لنفسه لله الواحد
القهار وأنا قهرت الخلائق كلهم وأمتهم إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي
ولا وزير وأنا خلقت خلقي بيدي وأنا أمتهم بمشيئتي وأنا أحييهم بقدرتي قال فينفخ
الجبار نفخة أخرى في الصور فيخرج الصوت من إحدى الطرفين الذي يلي السماوات
فلا يبقى في السماوات أحد إلا حي وقام كما كان ويعود حملة العرش ويحضر الجنة
والنار ويحشر الخلائق للحساب قال الراوي فرأيت علي بن الحسين عليهما السلام
يبكي عند ذلك بكاء شديدا
وعن الصادق عليه السلام إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على
الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم وقال أتى جبرئيل رسول الله
صلى الله عليه وآله فأخذ بيده وأخرجه إلى البقيع فانتهى به إلى قبر فصوت بصاحبه
330

فقال قم بإذن الله فخرج منه رجل أبيض الرأس واللحية يمسح التراب عن رأسه وهو
يقول الحمد لله والله أكبر فقال جبرئيل عد بإذن الله تعالى ثم انتهى به إلى قبر آخر فقال
قم بإذن الله فخرج منه رجل مسود الوجه وهو يقول يا حسرتاه يا ثبوراه ثم قال له
جبرئيل عد إلى ما كنت فيه بإذن الله عز وجل فقال يا محمد هكذا يحشرون يوم القيامة
فالمؤمنون يقولون هذا القول وهؤلاء يقولون ما ترى
(69) وأشرقت الأرض بنور ربها قيل بما أقام فيها من العدل سماه نورا لأنه
يزين به البقاع ويظهر الحقوق كما سمي الظلم ظلمة ففي الحديث الظلم ظلمات يوم
القيامة
والقمي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال رب الأرض إمام الأرض
قيل فإذا خرج يكون ماذا قال إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر
ويجتزؤون بنور الإمام عليه السلام
وفي إرشاد المفيد عنه عليه السلام قال إذا قام قائمنا أشرقت الأرض بنور ربها
واستغنى العباد عن ضوء الشمس ونور القمر وذهبت الظلمة ووضع الكتاب للحساب
وجئ بالنبيين والشهداء القمي الشهداء الأئمة عليهم السلام والدليل على ذلك قوله
تعالى في سورة الحج ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا أنتم يا معشر الأئمة
شهداء على الناس وقضى بينهم بين العباد بالحق وهم لا يظلمون
(70) ووفيت كل نفس ما عملت جزاؤه وهو أعلم بما يفعلون فلا يفوته شئ
من أفعالهم
(71) وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا أفواجا متفرقة بعضها في أثر بعض
على تفاوت أقدامهم في الضلالة والشرارة حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها ليدخلوها
وقرئ بتخفيف التاء وقال لهم خزنتها تقريعا وتوبيخا ألم يأتكم رسل منكم من جنسكم
يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة
العذاب على الكافرين كلمة الله بالعذاب علينا وهو الحكم عليهم بالشقاوة وأنهم من
أهل النار
331

(72) قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين قد مضى
اخبار بيان أبواب جهنم في سورة الحجر
(73) وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة إسراعا بهم إلى دار الكرامة
ويساقون راكبين كما مر في سورة مريم (ع) زمرا على تفاوت مراتبهم في الشرف وعلو
الطبقة حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها قيل حذف جواب إذا للدلالة على أن لهم حينئذ
من الكرامة والتعظيم ما لا يحيط به الوصف وأن أبواب الجنة تفتح لهم قبل مجيئهم
منتظرين وقال لهم خزنتها سلام عليكم لا يعتريكم بعد مكروه طبتم طهرتم من
دنس المعاصي
القمي أي طاب مواليدكم لأنه لا يدخل الجنة إلا طيب المولد فادخلوها
خالدين
في الخصال عن الصادق عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال إن للجنة
ثمانية أبواب باب يدخل منه النبيون والصديقون وباب يدخل منه الشهداء والصالحون
وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا فلا أزال واقفا على الصراط أدعو وأقول رب
سلم شيعتي ومحببي وأنصاري وأوليائي ومن تولاني في دار الدنيا فإذا النداء من بطنان
العرش قد أجيبت دعوتك وشفعت في شيعتك ويشفع كل رجل من شيعتي ومن
تولاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه
وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد أن لا إله إلا الله ولم يكن في قلبه مثقال
ذرة من بغضنا أهل البيت
وعن الباقر عليه السلام أحسنوا الظن بالله واعلموا أن للجنة ثمانية أبواب عرض
كل باب منها مسيرة أربعمائة سنة
(74) وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده بالبعث والثواب وأورثنا الأرض
القمي عن الباقر عليه السلام يعني أرض الجنة نتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم
أجر العاملين الجنة
332

(75) وترى الملائكة حافين محدقين من حول العرش يسبحون بحمد
ربهم ذاكرين له بوصفي جلاله وإكرامه تلذذا به وفيه إشعار بأن منتهى درجات
العليين وأعلى لذايذهم هو الاستغراق في صفات الحق وقضى بينهم بالحق بين
الخلق وقيل الحمد لله رب العالمين أي على ما قضى بيننا بالحق والقائلون هم
المؤمنون
في ثواب الأعمال عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة الزمر استخفاها من
لسانه أعطاه الله من شرف الدنيا والآخرة وأعزه بلا مال ولا عشيرة حتى يهابه من يراه
وحرم جسده على النار وبنى له في الجنة ألف مدينة في كل مدينة ألف قصر في كل
قصر مأة حوراء وله مع هذا عينان تجريان وعينان نضاختان وجنتان مدهامتان وحور
مقصورات في الخيام وذواتا أفنان ومن كل فاكهة زوجان
وفي المجمع مثله بدون قوله استخفاها من لسانه وقوله ذواتا أفنان إلى آخره
333

سورة المؤمن مكية
وقال ابن عباس وقتادة إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة إن الذين
يجادلون إلى قوله لا يعلمون عدد آيها خمس وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) حم قد سبق تأويله
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام واما حم فمعناه الحميد المجيد
(2) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم
(3) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ذي الفضل بترك
العقاب المستحق لا إله إلا هو فيجب الأقبال الكلي على عبادته إليه المصير فيجازي
المطيع والعاصي
(4) ما يجادل في آيات الله بالطعن فيها وإدحاض الحق إلا الذين كفروا
في الإكمال عن النبي صلى الله عليه وآله قال لعن المجادلون في دين الله على
لسان سبعين نبيا ومن جادل في آيات الله فقد كفر ثم تلا هذه الآية
وروي عنه صلى الله عليه وآله إن جدالا في القرآن كفر وإنما نكر لجواز الجدال
لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ به ورد مطاعنهم فيه فلا يغررك
تقلبهم في البلاد بالتجارات المربحة فإنهم مأخوذون عن قريب بكفرهم أخذ من
قبلهم
(5) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم والذين تحزبوا على الرسل
وناصبوهم بعد قوم نوح كعاد وثمود وهمت كل أمة من هؤلاء برسولهم ليأخذوه
334

ليتمكنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيبه وجادلوا بالباطل بما لا حقيقة له ليدحضوا به
الحق ليزيلوه به فأخذتهم بالإهلاك جزاء لهم فكيف كان عقاب فإنكم تمرون على
ديارهم وترون أثره أو تتلون قصصهم في القرآن وهو تقرير فيه تعجيب
(6) وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار القمي عن
الباقر عليه السلام يعني بني أمية
(7) الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم يذكرون الله
بمجامع الثناء من صفات الجلال والإكرام ويؤمنون به أخبر عنهم بالأيمان إظهارا
لفضله وتعظيما لأهله ويستغفرون للذين آمنوا في العيون عن الرضا عليه السلام
للذين آمنوا بولايتنا
في الكافي عن الصادق عليه السلام إن لله ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور
شيعتنا كما يسقط الريح الورق في أوان سقوطه وذلك قوله تعالى الذين يحملون العرش
الآية قال استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق ربنا يقولون ربنا وسعت كل شئ
رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم
(8) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم
وذرياتهم ليتم سرورهم إنك أنت العزيز الذي لا يمتنع عليه مقدور الحكيم الذي لا
يفعل إلا ما تقتضيه حكمته ومن ذلك الوفاء بالوعد
(9) وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم
القمي الذين يحملون العرش يعني رسول الله صلى الله عليه وآله والأوصياء
عليهم السلام من بعده يحملون علم الله ومن حوله يعني الملائكة الذين آمنوا يعني
شيعة آل محمد صلوات الله عليهم للذين تابوا من ولاية فلان وفلان وبني أمية واتبعوا
سبيلك أي ولاية ولي الله ومن صلح يعني من تولى عليا عليه السلام وذلك صلاحهم
فقد رحمته يعني يوم القيامة وذلك هو الفوز العظيم لمن نجاه الله من هؤلاء يعني
ولاية فلان وفلان
335

وفي عباده الكافي مرفوعا إن الله عز وجل أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطي
خصلة منها جميع أهل السماوات والأرض لنجوا بها ثم تلا هذه الآية
(10) إن الذين كفروا ينادون يوم القيامة فيقال لهم لمقت الله أكبر من مقتكم
أنفسكم أي لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم الأمارة بالسوء إذ تدعون إلى
الايمان فتكفرون القمي إن الذين كفروا يعني بني أمية إلى الايمان يعني إلى ولاية
علي عليه السلام
(11) قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين
القمي عن الصادق عليه السلام ذلك في الرجعة
أقول: لعل المراد أن التثنية إنما تتحقق بالرجعة أو يقولون ذلك في الرجعة
بسبب الإحياء والإماتة اللتين في القبر للسؤال فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من
سبيل فهل إلى نوع خروج من العذاب من طريق فنسلكه وذلك إنما يقولونه من فرط
قنوطهم تعللا وتحيرا ولذلك أجيبوا بما أجيبوا
(12) ذلكم الذي أنتم فيه بأنه بسبب أنه إذا دعى الله وحده كفرتم بالتوحيد وإن
يشرك به تؤمنوا بالإشراك
القمي عن الصادق عليه السلام يقول إذا ذكر الله وحده بولاية من أمر الله بولايته
كفرتم وإن يشرك به من ليست له ولاية تؤمنوا بأن له ولاية
وفي الكافي عنه عليه السلام إذا دعي الله وحده وأهل الولاية كفرتم فالحكم
لله العلى الكبير من أن يشكر به ويسوى بغيره حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد
(13) هو الذي يريكم آياته الدالة على التوحيد وسائر ما يجب أن يعلم وينزل
لكم من السماء رزقا أسباب رزق وما يتذكر إلا من ينيب يرجع عن الإنكار بالإقبال
عليها والتفكر فيها
(14) فادعوا الله مخلصين له الدين من الشرك ولو كره الكافرون إخلاصكم
وشق عليهم
336

(15) رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح من أمره على من يشاء من
القمي قال روح القدس وهو خاص برسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة
عليهم السلام لينذر يوم التلاق يوم القيامة
في المعاني عن الصادق عليه السلام والقمي قال يوم يلتقي أهل السماء وأهل
الأرض
(16) يوم هم بارزون خارجون من قبورهم لا يسترهم شئ لا يخفى على الله
منهم شئ من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم لمن الملك اليوم لله الواحد القهار حكاية
لما يسئل عنه ولما يجاب به بما دل عليه ظاهر الحال فيه من زوال الأسباب وارتفاع
الوسايط وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما
(17) اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب إذ
لا يشغله شأن عن شأن
في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث تفسير الحروف قال
والميم ملك الله يوم لا مالك غيره ويقول الله لمن الملك اليوم ثم تنطق أرواح أنبيائه
ورسله وحججه فيقولون لله الواحد القهار فيقول الله جل جلاله اليوم تجزى الآية
وفي نهج البلاغة وأنه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شئ معه كما كان
قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان عدمت عند
ذلك الآجال والأوقات وزالت السنون والساعات فلا شئ إلا الواحد القهار الذي إليه
مصير جميع الأمور بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها وبغير امتناع منها كان فناؤها ولو
قدرت على الامتناع لدام بقاؤها وقد مضى حديث آخر في هذا المعنى في أواخر
سورة الزمر
والقمي عن الصادق عليه السلام في حديث إماتة الله أهل الأرض وأهل السماء
والملائكة قال ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك ثم يقول
337

الله عز وجل لمن الملك اليوم فيرد على نفسه لله الواحد القهار أين الجبارون أين
الذين ادعوا معي إلها آخر أين المتكبرون ونخوتهم ثم يبعث الخلق
(18) وأنذرهم يوم الآزفة أي القيامة سميت بها لأزوفها أي قربها إذ القلوب
لدى الحناجر فإنها ترتفع عن أماكنها فتلتصق بحلوقهم فلا تعود فيتروحوا ولا تخرج
فيستريحوا كاظمين على الغم القمي قال مغمومين مكروبين ما للظالمين من حميم
قريب مشفق ولا شفيع يطاع يشفع
في التوحيد عن الباقر عليه السلام ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلا ساءه ذلك وندم
عليه
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله كفى بالندم توبة وقال من سرته حسنته وساءته
سيئته فهو مؤمن فإن من لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة
وكان ظالما والله تعالى يقول ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع
(19) يعلم خائنة الأعين استراق النظر
في المعاني عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن معناها فقال ألم تر إلى
الرجل ينظر إلى الشئ وكأنه لا ينظر إليه فذلك خائنة الأعين
وفي المجمع في حديث ابن أبي سرح فقال له عباد بن بشير يا رسول الله إن
عيني ما زالت في عينك انتظار أن تؤمى إلي فأقتله فقال إن الأنبياء لا يكون لهم خائنة
الأعين وما تخفى الصدور من الضمائر
(20) والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه وقرئ بالتاء لا يقضون بشئ
تهكم بهم إن الله هو السميع البصير تقرير لعلمه بخائنة الأعين وقضائه بالحق ووعيد
لهم على ما يقولون ويفعلون وتعريض بحال ما يدعون من دونه
(21) أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم ما
لحال الذين كذبوا الرسل قبلهم كعاد وثمود كانوا هم أشد منهم قوة قدرة وتمكنا وقرئ
منكم وآثارا في الأرض مثل القلاع والمدائن الحصينة فأخذهم بذنوبهم وما كان لهم
338

من الله من واق يمنع العذاب عنهم
(22) ذلك الأخذ بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه
قوى متمكن مما يريده غاية التمكن شديد العقاب لا يؤبه بعقاب دون عقابه
(23) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا بالمعجزات وسلطان مبين وحجة قاهرة
ظاهرة
(24) إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب يعنون موسى عليه
السلام
(25) فلما جائهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه
واستحيوا نساءهم أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم أو لا كي يصدوا عن مظاهرة
موسى وما كيد الكافرين إلا في ضلال في ضياع
(26) وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه قاله تجلدا وعدم مبالاة
بدعائه قيل كانوا يكفونه عن قتله ويقولون إنه ليس الذي تخافه بل هو ساحر ولو قتلته
ظن أنك عجزت عن معارضته بالحجة وتعلله بذلك مع كونه سفاكا في أهون شئ
دليل على أنه تيقن أنه نبي فخاف من قتله أو ظن أنه لو حاوله لم يتيسر له
في العلل عن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الآية ما كان يمنعه قال
منعته رشدته ولا يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلا أولاد الزنا إني أخاف إن لم أقتله
أن يبدل دينكم أن يغير ما أنتم عليه من عبادته وعبادة الأصنام كقوله ويذرك وآلهتك أو
أن يظهر في الأرض الفساد ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج وقرئ بالواو على
معنى الجمع وبفتح الياء والهاء ورفع الفساد
(27) وقال موسى أي لقومه لما سمع كلامه إني عذت بربي وربكم من كل
متكبر لا يؤمن بيوم الحساب
(28) وقال رجل مؤمن من آل فرعون من أقربائه
في العيون عن الرضا عليه السلام كان ابن خاله وفي خبر آخر كان ابن عمه كما
339

يأتي يكتم إيمانه القمي قال كتم إيمانه ست مأة سنة
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام التقية من ديني ودين آبائي ولا دين لمن
لا تقية له والتقية ترس الله في الأرض لأن مؤمن آل فرعون لو أظهر الإسلام لقتل
وفي المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله الصديقون ثلاثة وعد منهم حزقيل
مؤمن آل فرعون وقد مر تمامه أتقتلون رجلا أتقصدون قتله أن يقول لأن يقول ربى
الله وحده وقد جائكم بالبينات من ربكم أضافه إليهم بعد ذكر البينات احتجاجا
عليهم واستدراجا لهم إلى الاعتراف به ثم أخذهم بالاحتجاج من باب الاحتياط وإن
يك كاذبا فعليه كذبه لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله وإن يك صادقا
يصبكم بعض الذي يعدكم فلا أقل من أن يصيبكم بعضه وفيه مبالغة في التحذير
وإظهار للإنصاف وعدم التعصب ولذلك قدم كونه كاذبا إن الله لا يهدى من هو
مسرف كذاب قيل احتجاج ثالث ذو وجهين أحدهما أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه
الله إلى البينات ولما عضده بتلك المعجزات وثانيهما أن من خذله الله وأهلكه فلا
حاجة لكم إلى قتله ولعله أراد به المعنى الأول وخيل إليهم الثاني لتلين شكيمتهم وعرض
به فرعون بأنه مسرف كذاب لا يهديه الله سبيل الصواب
(29) يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين غالبين عالين في الأرض أرض مصر
فمن ينصرنا من بأس الله إن جائنا أي فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله بقتله
فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد وإنما أدرج نفسه فيه ليريهم أنه معهم ومساهمهم فيما
ينصح لهم قال فرعون ما أريكم ما أشير عليكم إلا ما أرى واستصوبه من قتله وما
أهديكم إلا سبيل الرشاد طريق الصواب
(30) وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم في تكذيبه والتعرض له مثل
يوم الأحزاب مثل أيام الأمم الماضية المتحزبة على الرسل يعني وقايعهم وجمع
الأحزاب مع التفسير أغنى عن جميع اليوم
(31) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود مثل سنة الله فيهم حين استأصلهم
وأهلكهم جزاء بما كانوا عليه من الكفر وإيذاء الرسول والذين من بعدهم كقوم لوط وما
340

الله يريد ظلما للعباد فلا يعاقبهم بغير ذنب ولا يخلي الظالم منهم بغير انتقام
(32) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم ينادي فيه بعضهم بعضا
في المعاني عن الصادق عليه السلام يوم التناد يوم ينادي فيه بعضهم بعضا في
المعاني عن الصادق عليه السلام يوم التناد يوم ينادي أهل النار أهل الجنة أفيضوا علينا
من الماء أو مما رزقكم الله
(33) يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم يعصمكم من عذابه ومن
يضلل الله فما له من هاد
(34) ولقد جائكم يوسف من قبل موسى بالبينات بالمعجزات فما زلتم في
شك مما جائكم به من الدين
في المجمع عن الباقر عليه السلام في حديث أنه سئل كان يوسف رسولا نبيا
فقال نعم أما تسمع قول الله تعالى لقد جائكم يوسف من قبل بالبينات وقد مر تمامه في
سورة يوسف (ع) حتى إذا هلك مات قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل
الله في العصيان من هو مسرف مرتاب شاك فيما يشهد به البينات لغلبة الوهم
والانهماك في التقليد
(35) الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان بغير حجة أتاهم بل إما بتقليد
أو شبهة داحضة كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب
متكبر جبار وقرئ قلب بالتنوين
(36) وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا بناء مكشوفا عاليا من صرح الشئ
إذا ظهر لعلى أبلغ الأسباب الطريق
(37) أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وقرئ بالنصب على جواب الترجي
وإني لأظنه كاذبا في دعوى الرسالة وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن
السبيل سبيل الرشاد وقرئ وصد على أن فرعون صد الناس عن الهدى بأمثال هذه
التمويهات والشبهات وما كيد فرعون إلا في تباب أي خسار
341

(38) وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم بالدلالة سبيل الرشاد
(39) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع تمتع يسير لسرعة زوالها وإن الآخرة
هي دار القرار لخلودها
(40) من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها عدلا من الله سبحانه ومن عمل صالحا
من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب بغير تقدير
وموازنة بالعمل أضعافا مضاعفة فضلا من الله ورحمة
(41) ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجوة وتدعونني إلى النار
(42) تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به بربوبيته علم والمراد نفي
المعلوم والأشعار بأن الألوهية لا بد لها من برهان واعتقادها لا يصح إلا عن إيقان وأنا
أدعوكم إلى العزيز الغفار المستجمع لصفات الألوهية من كمال القدرة والغلبة
والتمكن من المجازاة والقدرة على التعذيب والغفران
(43) لا جرم لا رد لما دعوه إليه وجرم بمعنى حق أن ما تدعونني إليه ليس له
دعوة في الدنيا ولا في الآخرة قيل أي حق عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أو عدم دعوة
مستجابة لها وأن مردنا إلى الله بالموت وأن المسرفين في الضلالة والطغيان هم
أصحاب النار
(44) فستذكرون عند معاينة العذاب ما أقول لكم من النصيحة وأفوض
أمري إلى الله ليعصمني من كل سوء إن الله بصير بالعباد فيحرسهم
(45) فوقيه الله سيئات ما مكروا شدائد مكرهم القمي يعني مؤمن آل
فرعون وحاق بال فرعون سوء العذاب
في الكافي والمحاسن عن الصادق عليه السلام في هذه الآية أما لقد سطوا
عليه وقتلوه ولكن أتدرون ما وقاه وقاه أن يفتنوه في دينه
والقمي عنه عليه السلام والله لقد قطعوه إربا إربا ولكن وقاه الله أن يفتنوه في
دينه
342

وفي الاحتجاج عنه عليه السلام في حديث له قال كان حزقيل يدعوهم إلى
توحيد الله ونبوة موسى (ع) وتفضيل محمد على جميع رسل الله وخلقه وتفضيل علي
ابن أبي طالب والخيار من الأئمة عليهم السلام على ساير أوصياء النبيين وإلى البراءة
من ربوبية فرعون فوشى به الواشون إلى فرعون وقالوا إن حزقيل يدعو إلى مخالفتك
ويعين أعداءك على مضادتك فقال لهم فرعون ابن عمي وخليفتي على ملكي وولي
عهدي إن فعل ما قلتم فقد استحق العذاب على كفره بنعمتي وإن كنتم عليه كاذبين
فقد استحققتم أشد العذاب لإيثاركم الدخول في مساءة فجاء بحزقيل وجاء بهم
فكاشفوه وقالوا أأنت تجحد ربوبية فرعون الملك وتكفر بنعماه فقال حزقيل أيها
الملك هل جربت علي كذبا قط قال لا قال فسلهم من ربهم قالوا فرعون هذا قال ومن
خالقكم قالوا فرعون هذا قال ومن رازقكم الكافل لمعايشكم والدافع عنكم مكارهكم
قالوا فرعون هذا قال حزقيل أيها الملك فأشهدك وكل من حضرك أن ربهم هو ربي
وخالقهم هو خالقي ورازقهم هو رازقي ومصلح معايشهم هو مصلح معايشي لا رب
لي ولا رازق غير ربهم وخالقهم ورازقهم وأشهدك ومن حضرك أن كل رب ورازق
وخالق سوى ربهم وخالقهم ورازقهم فأنا برئ منه ومن ربوبيته وكافر بإلهيته يقول
حزقيل هذا وهو يعني أن ربهم هو الله ربي ولم يقل إن الذي قالوا أنه ربهم هو ربي
وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره وتوهم وتوهموا أنه يقول فرعون ربي
وخالقي ورازقي فقال لهم فرعون يا رجال السوء يا طلاب الفساد في ملكي ومريدي
الفتنة بيني وبين ابن عمي وهو عضدي أنتم المستحقون لعذابي لإرادتكم فساد أمري
وإهلاك ابن عمي والفت في عضدي ثم أمر بالأوتاد فجعل في ساق كل واحد منهم
وتد وفي صدره وتد ومر أصحاب أمشاط الحديد فشقوا بها لحومهم من أبدانهم فذلك
ما قال الله تعالى فوقيه الله سيئات ما مكروا به لما وشوا به إلى فرعون ليهلكوه وحاق
بال فرعون سوء العذاب وهم الذين وشوا بحزقيل إليه لما أوتد فيهم الأوتاد ومشط عن
أبدانهم لحومها بالأمشاط
(46) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا
في المجمع عن الصادق عليه السلام ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة لأن في نار
343

القيامة لا يكون غدو وعشي ثم قال إن كانوا إنما يعذبون في النار غدوا وعشيا فيما بين
ذلك هم من السعداء لا ولكن في نار البرزخ قبل يوم القيامة ألم تسمع قوله عز
وجل ويوم تقوم الساعة الآية
والقمي قال عنى ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة وذلك أن في القيامة لا يكون
غدو ولا عشاء لأن الغدو والعشاء إنما يكون في الشمس والقمر وليس في جنان الخلد
ونيرانها شمس ولا قمر
قال وسئل الصادق عليه السلام عن هذه الآية فقال ما يقول الناس فيها فقيل
يقولون إنها في نار الخلد وهم لا يعذبون فيما بين ذلك فقال فهم من السعداء ثم قال
إنما هذا في الدنيا وأما في نار الخلد فهو قوله ويوم تقوم الساعة الآية
وفي الكافي عنه عليه السلام أن أرواح الكفار في نار جهنم يعرضون عليها
يقولون ربنا لا تقم لنا الساعة ولا تنجز لنا ما وعدتنا ولا تلحق آخرنا بأولنا
وعن الباقر عليه السلام إن لله تعالى نارا في المشرق خلقها ليسكنها أرواح
الكفار ويأكلون من زقومها ويشربون من حميمها ليلهم فإذا طلع الفجر هاجت إلى واد
باليمن يقال له برهوت أشد حرا من نار الدنيا كانوا فيه يتلاقون ويتعارفون فإذا كان
المساء عادوا إلى النار فهم كذلك إلى يوم القيامة
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال إن أحدكم إذا مات عرض عليه
مقعده بالغداة والعشي وإن كان من أهل الجنة فمن الجنة وإن كان من أهل النار فمن
النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل
فرعون أشد العذاب وقرئ ادخلوا بضمتين
(47) وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا
فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار بالدفع أو الحمل
في مصباح المتهجد في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام خطب بها يوم
الغدير وقرأ فيها هذه الآية ثم أفتدرون الاستكبار ما هو هو ترك الطاعة لمن أمروا
344

بطاعته والترفع على من ندبوا إلى متابعته والقرآن ينطق من هذا عن كثير
(48) قال الذين استكبروا إنا كل فيها نحن وأنتم فكيف نغني عنكم ولو
قدرنا لاغنينا عن أنفسنا إن الله قد حكم بين العباد ولا معقب لحكمه
(49) وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من
العذاب
(50) قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات أرادوا به إلزامهم الحجة
وتوبيخهم على إضاعتهم أوقات الدعاء وتعطيلهم أسباب الإجابة قالوا بلى قالوا فادعوا
فإنا لا نجتري فيه إذ لم يؤذن لنا في الدعاء لأمثالكم وفيه إقناط لهم عن الإجابة
وما دعاء الكافرين إلا في ضلال في ضياع لا يجاب
(51) إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد
القمي يعني الأئمة عليهم السلام
وعن الصادق عليه السلام ذلك والله في الرجعة أما علمت أن أنبياء كثيرة لم
ينصروا في الدنيا وقتلوا والأئمة عليهم السلام من بعدهم قتلوا ولم ينصروا وذلك في
الرجعة
(52) يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم لبطلانها وقرئ بالتاء ولهم اللعنة البعد
من الرحمة ولهم سوء الدار جهنم
(53) ولقد آتينا موسى الهدى ما يهتدى به في الدين من المعجزات والصحف
والشرايع وأورثنا بني إسرائيل الكتاب وتركنا عليهم بعده من ذلك التوراة هدى
وذكرى هداية وتذكرة لأولي الألباب لذوي العقول السليمة
(55) فاصبر على أذى المشركين إن وعد الله حق بالنصر واستغفر لذنبك لترك
الأولى والاهتمام بأمر العدى وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار
(56) إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم عام في كل مجادل
345

مبطل وإن نزلت في مشركي مكة أو اليهود على ما قيل إن في صدورهم إلا كبر إلا
عظمة وتكبر عن الحق ما هم ببالغيه ببالغي مقتضى تلك العظمة لأن الله مذلهم
فاستعذ بالله فالتجئ إليه إنه هو السميع البصير لأقوالكم وأفعالكم
(57) لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس فمن قدر على خلقها
أولا من غير أصل قدر على خلق الناس ثانيا من أصل كذا قيل ولكن أكثر الناس لا
يعلمون لأنهم لا ينظرون ولا يتأملون لفرط غفلتهم واتباعهم أهوائهم
(58) وما يستوى الأعمى والبصير الجاهل والمستبصر والذين آمنوا وعملوا
الصالحات ولا المسئ والمحسن والمسئ فينبغي أن يكون لهم حال يظهر فيها
التفاوت وهي ما بعد البعث قليلا ما تتذكرون وقرئ بالتاء
(59) إن الساعة لآتية لا ريب فيها في مجيئها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون لا
يصدقون بها لقصور نظرهم على ظاهر ما يحسون به
(60) وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي دعائي
سيدخلون جهنم داخرين صاغرين وقرئ سيدخلون بضم الياء وفتح الخاء
في الكافي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال هو الدعاء وأفضل العبادة
الدعاء
وعنه عليه السلام أنه سئل أي العبادة أفضل فقال له ما من شئ أفضل عند الله
عز وجل من أن يسئل ويطلب ما عنده وما من أحد أبغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر
عن عبادته ولا يسئل ما عنده
وعن الصادق عليه السلام ادع ولا تقل قد فرغ من الأمر فإن الدعاء هو العبادة
إن الله يقول وتلا هذه الآية
وفي الصحيفة السجادية بعد ذكر هذه الآية فسميت دعاءك عبادة وتركه
استكبارا وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين
وفي الاحتجاج عن الصادق عليه السلام أنه سئل أليس يقول الله ادعوني
346

أستجب لكم وقد نرى المضطر يدعوه ولا يجاب له والمظلوم يستنصره على عدوه فلا
ينصره قال ويحك ما يدعوه أحد إلا استجاب له أما الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب
وأما المحق فإذا دعاه استجاب له وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه أو ادخر له ثوابا
جزيلا ليوم حاجته إليه وإن لم يكن الأمر الذي سئل العبد خيرا له إن أعطاه أمسك عنه
والمؤمن العارف بالله ربما غر عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ وقد
مضت أخبار أخر في هذا المعنى في سورة البقرة عند قوله تعالى أجيب دعوة الداع إذا
دعان
(61) الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه لتستريحوا فيه بأن خلقه باردا مظلما
ليؤدي إلى ضعف المحركات أو هدوء الحواس والنهار مبصرا يبصر فيه أو به وإسناد
الأبصار إليه مجاز فيه مبالغة إن الله لذو فضل على الناس فضل لا يوازيه فضل ولكن
أكثر الناس لا يشكرون لجهلهم بالمنعم وإغفالهم عن مواقع النعم
(62) ذلكم الله ربكم خالق كل شئ لا إله إلا هو فأنى تؤفكون تصرفون عن
عبادته إلى عبادة غيره
(63) كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون
(64) الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناءا وصوركم فأحسن
صوركم بأن خلقكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء والتخطيطات متهيا
لمزاولة الصنايع واكتساب الكمالات ورزقكم من الطيبات اللذائذ ذلكم الله ربكم
فتبارك الله رب العالمين فإن كل ما سواه مربوب مفتقر بالذات معرض للزوال
(65) هو الحي المتفرد بالحياة الذاتية لا إله إلا هو لا أحد يساويه أو يدانيه في
ذاته وصفاته فادعوه فاعبدوه مخلصين له الدين من الشرك والرياء الحمد لله رب
العالمين قائلين له
القمي عن السجاد عليه السلام إذا قال أحدكم لا إله إلا الله فليقل الحمد لله
رب العالمين فإن الله يقول هو الحي الآية
347

(66) قل إني نهيت ان أعبد الذين تدعون من دون الله لما جائني البينات من
ربى وأمرت أن أسلم لرب العالمين أن أنقاد واخلص له ديني
(67) هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا
ثم لتبلغوا ثم يبقيكم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل من
قبل الشيخوخة أو بلوغ الأشد ولتبلغوا ويفعل ذلك لتبلغوا أجلا مسمى وقت الموت
ولعلكم تعقلون ما في ذلك من الحجج والعبر
(68) هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإذا أراده فإنما يقول له كن
فيكون من غير عدة وتجشم كلفه بلا صوت ولا حرف والفاء الأولى للدلالة على أن
ذلك نتيجة ما سبق
(69) ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون عن التصديق بها
(70) الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا رسلنا فسوف يعلمون جزاء
تكذيبهم
(71) إذ الاغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون بها
(72) في الحميم ثم في النار يسجرون يحرقون
(73) ثم قيل لهم أينما كنتم تشركون
(74) من دون الله قالوا ضلوا عنا ضاعوا عنا فلم نجد ما كنا نتوقع منهم بل لم
نكن ندعو من قبل شيئا بل تبين لنا إنا لم نكن نعبد شيئا بعبادتهم
في الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام فأما النصاب من أهل القبلة فإنهم
يخد لهم خدا إلى النار التي خلقها الله في المشرق فيدخل عليهم منها اللهب
والشرر والدخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة ثم مصيرهم إلى الحميم ثم في النار
يسجرون ثم قيل لهم أينما كنتم تشركون من دون الله أي أين إمامكم الذي اتخذتموه
دون الأمام الذي جعل الله للناس إماما
348

وفي البصاير عنه عليه السلام قال كنت خلف أبي وهو على بغلته فنفرت بغلته
فإذا هو شيخ في عنقه سلسلة ورجل يتبعه فقال يا علي بن الحسين اسقني فقال الرجل
لا تسقه لا سقاه الله وكان الشيخ معاوية وفي هذا المعنى أخبار أخر كذلك يضل الله
الكافرين حتى لا يهتدوا إلى شئ ينفعهم في الآخرة
القمي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال فقد سماهم الله كافرين مشركين
بأن كذبوا بالكتاب وقد أرسل الله رسله بالكتاب وبتأويله فمن كذب بالكتاب أو كذب
بما أرسل الله به رسله من تأويل الكتاب فهو مشرك كافر
(75) ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض تبطرون وتتكبرون بغير الحق وهو
الشرك والطغيان وبما كنتم تمرحون تتوسعون في الفرح
(76) ادخلوا أبواب جهنم الأبواب السبعة المقسومة لكم خالدين فيها مقدرين
الخلود فبئس مثوى المتكبرين عن الحق جهنم
(77) فاصبر إن وعد الله باهلاك الكفار وتعذيبهم حق كائن لا محالة فإما
نرينك فإن نرك وما مزيدة لتأكيد الشرطية ولذلك لحقت النون الفعل بعض الذي
نعدهم وهو القتل والأسر أو نتوفينك قبل أن تراه فإلينا يرجعون يوم القيامة فنجازيهم
بأعمالهم
(78) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم
نقصص عليك
في الخصال عنهم عليهم السلام إن عددهم مأة ألف وأربعة وعشرون ألفا
وفي المجمع عن علي بعث الله نبيا أسود لم يقص علينا قصته وما كان لرسول
أن يأتي باية إلا بإذن الله فإن المعجزات عطايا قسمها بينهم على ما اقتضت حكمته
ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها فإذا جاء أمر الله
بالعذاب في الدنيا والآخرة قضى بالحق بانجاء المحق وتعذيب المبطل وخسر هنالك
المبطلون المعاندون باقتراح الآيات بعد ظهور ما يغنيهم عنها
349

(79) الله الذي جعل لكم الانعام لتركبوا منها ومنها تأكلون فإن منها ما يؤكل
كالغنم ومنها ما يؤكل ويركب كالإبل والبقر
(80) ولكم فيها منافع كالألبان والجلود والأوبار ولتبلغوا عليها حاجة في
صدوركم بالمسافرة عليها وعليها في البر وعلى الفلك في البحر تحملون
(81) ويريكم آياته الدالة على كمال قدرته وفرط رحمته فأي آيات الله تنكرون
فإنها لظهورها لا تقبل الإنكار
(82) أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا
أكثر منهم وأشد منهم قوة وآثارا في الأرض ما بقي منهم من القصور والمصانع وغير
ذلك فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ما الأولى تحتمل النافية والاستفهامية والثانية
الموصولة والمصدرية
(83) فلما جائتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم واستحقروا
علم الرسل وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن
(84) فلما رأوا بأسنا شدة عذابنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به
مشركين يعنون الأصنام
(85) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا لأنه غير مقبول حينئذ سنة الله التي
قد خلت في عباده سن الله ذلك سنة ماضية في العباد وخسر هنالك الكافرون أي
وقت رؤيتهم البأس استعير اسم المكان للزمان
في العيون عن الرضا عليه السلام أنه سئل لأي علة غرق الله تعالى فرعون وقد
آمن به وأقر بتوحيده قال لأنه آمن عند رؤية البأس والأيمان عند رؤية البأس غير
مقبول وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف قال الله عز وجل فلما رأوا بأسنا
الآيتين
وفي الكافي قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم
عليه الحد فأسلم فقيل قد هدم إيمانه شركه وفعله وقيل يضرب ثلاثة حدود وقيل غير
350

ذلك فأرسل المتوكل إلى الهادي عليه السلام وسأله عن ذلك فكتب عليه السلام
يضرب حتى يموت فأنكروا ذلك وقالوا هذا شئ لم ينطق به كتاب ولم تجئ به سنة
فسلوه ثانيا البيان فكتب هاتين الآيتين بعد البسملة فأمر به المتوكل فضرب حتى
مات
في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر عليه السلام قال من قرأ حم المؤمن في
كل ليلة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وألزمه كلمة التقوى وجعل الآخرة خيرا له
من الدنيا
وعن الصادق عليه السلام الحواميم رياحين القرآن
351

سورة حم السجدة
مكية عدد آيها ثلاث وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) حم
(2) تنزيل من الرحمن الرحيم
(3) كتاب فصلت آياته القمي أي بين حلالها وحرامها وأحكامها وسننها قرآنا
عربيا لقوم يعلمون
(4) بشيرا ونذيرا
القمي يبشر المؤمنين وينذر الظالمين فأعرض أكثرهم عن تدبره وقبوله فهم لا
يسمعون سماع تأمل وطاعة
(5) وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه في أغطية وفى آذاننا وقر صمم وأصله
الثقل ومن بيننا وبينك حجاب يمنعنا عن التواصل
القمي أي تدعونا إلى ما لا نفهمه ولا نعقله قيل وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم
عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقادهم ومج أسماعهم له وامتناع مواصلتهم وموافقتهم
للرسول صلى الله عليه وآله فاعمل على دينك إننا عاملون على ديننا
(6) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى إنما إلهكم إله واحد لست ملكا ولا
جنيا لا يمكنكم التلقي منه ولا أدعوكم إلى ما ينبو عنه العقول والأسماع وإنما أدعوكم
إلى التوحيد والاستقامة في العمل فاستقيموا في أفعالكم متوجهين إليه واستغفروه
352

مما أنتم عليه وويل للمشركين من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله
(7) الذين لا يؤتون الزكاة لبخلهم وعدم اشفاقهم على الخلق وهم بالآخرة
هم كافرون
القمي عن الصادق عليه السلام أترى أن الله عز وجل طلب من المشركين زكاة
أموالهم وهم يشركون به حيث يقول وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم
بالأخرة هم كافرون قيل جعلت فداك فسره لي فقال ويل للمشركين الذين أشركوا
بالإمام الأول وهم بالأئمة الآخرين هم كافرون إنما دعا الله العباد إلى الأيمان به فإذا آمنوا
بالله وبرسوله افترض عليهم الفرائض
أقول: هذا الحديث يدل على ما هو التحقيق عندي من أن الكفار غير مكلفين
بالأحكام الشرعية ما داموا باقين على الكفر وعن ابن عباس أي لا يطهرون أنفسهم
من الشرك بالتوحيد ولعله إنما أول الزكاة بالتطهير لما ذكر
(8) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون لا يمن به
عليهم
(9) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك
رب العالمين
(10) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وأكثر خيرها وقدر فيها أقواتها
في أربعة أيام سواء للسائلين القمي معنى يومين أي وقتين ابتداء الخلق وانقضائه قال
وبارك فيها وقدر فيها أقواتها أي لا تزول وتبقى في أربعة أيام سواء يعني في أربعة
أوقات وهي التي يخرج الله عز وجل فيها أقوات العالم من الناس والبهائم والطير
وحشرات الأرض وما في البر والبحر من الخلق من الثمار والنبات والشجر وما يكون
فيه معاش الحيوان كله وهو الربيع والصيف والخريف والشتاء ففي الشتاء يرسل الله
الرياح والأمطار والأنداء والطلول من السماء فيلقح الأرض والشجرة وهو وقت بارد ثم
يجئ بعد الربيع وهو وقت معتدل حار وبارد فيخرج الثمر من الشجر والأرض نباتها
فيكون أخضر ضعيفا ثم يجئ وقت الصيف وهو حار فينضج الثمار ويصلب الحبوب
353

التي هي أقوات العالم وجميع الحيوان ثم يجئ بعد وقت الخريف فيطيبه ويبرده ولو
كان الوقت كله شيئا واحدا لم يخرج النبات من الأرض لأنه لو كان الوقت كله ربيعا لما
ينضج الثمار ولم يبلغ الحبوب ولو كان كله صيفا لاحترق كل شئ في الأرض ولم
يكن للحيوان معاش ولا قوت ولو كان الوقت كله خريفا ولم يتقدمه شئ من هذه
الأوقات لم يكن شئ يتقوته العالم فجعل الله هذه الأقوات في أربعة أوقات في الشتاء
والربيع والصيف والخريف وقام به العالم واستوى وبقى وسمى الله هذه الأوقات أياما
للسائلين يعني المحتاجين لأن كل محتاج سائل وفي العالم من خلق الله من لا يسأل
ولا يقدر عليه من الحيوان كثير فهم سائلون وإن لم يسألوا
أقول: يعني أنهم سائلون بلسان الحال وهو أفصح وأبلغ من لسان المقال وقد
سبق تفسير آخر الآية في سورة الأعراف وقرئ سواء بالجر
(11) ثم استوى إلى السماء قيل أي قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان
كذا توجه توجها لا يلوي إلى غيره وثم لتفاوت ما بين الخلقين لا للتراخي في المدة إذ
لا مدة قبل خلق السماء وهي دخان ظلماني فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها
شئتما ذلك أو أبيتما قالتا أتينا طائعين منقادين بالذات تمثيل لتأثير قدرته فيهما وتأثرهما
بالذات عنها بأمر المطاع وإجابة المطيع الطائع كقوله كن فيكون أو هو نوع من الكلام
باطنا من دون حرف ولا صوت
القمي سئل الرضا عليه السلام عمن كلم الله لا من الجن ولا من الأنس فقال
السماوات والأرض في قوله ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين
(12) فقضاهن سبع سماوات فخلقهن خلقا إبداعيا في يومين القمي يعني في
وقتين إبداء وانقضاء وأوحى في كل سماء أمرها شأنها وما يتأتى منها بأن حملها عليه
اختيار أو طبعا وقيل أوحى إلى أهلها بأوامره
والقمي هذا وحي تقدير وتدبير وزينا السماء الدنيا بمصابيح بالنجوم وحفظا
من الشيطان المسترق وسائر الآفات
في الإكمال عن النبي صلى الله عليه وآله النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت
354

النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل
الأرض ذلك تقدير العزيز العليم البالغ في القدرة والعلم
(13) فإن أعرضوا عن الأيمان بعد هذا البيان
القمي وهم قريش وهو معطوف على قوله فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون فقل
أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود
(14) إذ جائتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أي من جميع جوانبهم
واجتهدوا بهم من كل جهة أو من جهة الدنيا بالإنذار بما جرى على الكفار فيها ومن
جهة الآخرة بالتحذير عما أعد لهم فيها والذين أرسلوا إليهم والذين أرسلوا من قبل ألا
تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة برسالته فإنا بما أرسلتم به
على زعمكم كافرون إذ أنتم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا
(15) فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق فتعظموا فيها على أهلها بغير
استحقاق وقالوا من أشد منا قوة اغتروا بقوتهم وشوكتهم قيل كان من قوتهم أن الرجل
منهم ينزع الصخرة فيقلعها بيده أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة قدرة
وكانوا بآياتنا يجحدون يعرفون أنها حق وينكرونها
(16) فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا
القمي عن الباقر عليه السلام الصرصر البارد في أيام نحسات قال مياشيم وقرئ
بالسكون لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا
ينصرون بدفع العذاب عنهم
(17) وأما ثمود فهديناهم فذللناهم على الحق بنصب الحجج وارسال الرسل
فاستحبوا العمى على الهدى فاختاروا الضلالة على الهدى
في التوحيد عن الصادق عليه السلام وعرفناهم فاستحبوا العمى على الهدى
وهم يعرفون
وفي الإعتقادات عنه عليه السلام وجوب الطاعات وتحريم المعاصي وهم
355

يعرفون فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون
(18) ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون
(19) ويوم يحشر أعداء الله إلى النار وقرئ بالنون وضم الشين فهم يوزعون
القمي أي يجيئون من كل ناحية
وعن الباقر عليه السلام يحبس أولهم على آخرهم يعني ليتلاحقوا
(20) حتى إذا ما جاؤها إذا حضروها وما مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور
شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون بأن ينطقها الله
(21) وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ
وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون القمي نزلت في يوم تعرض عليهم أعمالهم
فينكرونها فيقولون ما عملنا شيئا فتشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم
قال الصادق عليه السلام فيقولون لله يا رب هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ثم
يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئا وهو قول الله عز وجل يوم يبعثهم الله عز وجل
جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام
فعند ذلك يختم الله على ألسنتهم وينطق جوارحهم فيشهد السمع بما سمع مما حرم الله
ويشهد البصر بما نظر به إلى ما حرم الله عز وجل وتشهد اليدان بما أخذتا وتشهد
الرجلان بما سعتا فيما حرم الله عز وجل ويشهد الفرج بما ارتكب مما حرم الله ثم
أنطق الله عز وجل ألسنتهم فيقولون هم لجلودهم لم شهدتم علينا الآية
(22) وما كنتم تستترون قال أي من الله أن يشهد عليكم سمعكم ولا
أبصاركم ولا جلودكم قال الجلود الفروج
وفي الكافي عنه عليه السلام في هذه الآية قال يعني بالجلود الفروج والأفخاذ
وفي الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام فيها قال يعني بالجلود الفروج ولكن
ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون فلذلك اجترأتم على ما فعلتم وقيل معنى الآية
356

كنتم تستترون الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة وما ظننتم أن أعضاءكم
تشهد عليكم فما استترتم عليها وقيل بل معناه وما كنتم تتركون المعاصي حذرا
يشهد عليكم جوارحكم بها لأنكم ما تظنون ذلك ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما
تعملون لجهلكم بالله فهان عليكم ارتكاب المعاصي لذلك
(23) وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرديكم فأصبحتم من الخاسرين إذ
صار ما منحوا للاستسعاد به في الدارين سببا لشقاء المنزلين
القمي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن آخر
عبد يؤمر به إلى النار فإذا امر به التفت فيقول الجبار جل جلاله ردوه فيردونه فيقول له
لم التفت إلي فيقول يا رب لم يكن ظني بك هذا فيقول وما كان ظنك بي فيقول يا رب
كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنتك قال فيقول الجبار يا ملائكتي لا
وعزتي وجلالي وآلائي وعلوي وارتفاع مكاني ما ظن بي عبدي هذا ساعة من خير قط
ولو ظن بي ساعة من خير ما روعته بالنار أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وآله ليس من عبد يظن بالله عز وجل خيرا إلا كان عند ظنه به وذلك
قوله عز وجل وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرديكم فأصبحتم من الخاسرين
(24) فإن يصبروا فالنار مثوى لهم لا خلاص لهم عنها وإن يستعتبوا يسئلوا
العتبى وهي الرجوع إلى ما يحبون فما هم من المعتبين أي لا يجابوا إلى ذلك ونظيره
قوله تعالى حكاية أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص
(25) وقيضنا وقدرنا لهم قرناء القمي يعني الشياطين من الجن والأنس فزينوا
لهم ما بين أيديهم من أمر الدنيا واتباع الشهوات وما خلفهم من أمر الآخرة وإنكاره
وحق عليهم القول أي كلمة العذاب في أمم في جملة أمم قد خلت من قبلهم من
الجن والإنس وقد عملوا مثل أعمالهم إنهم كانوا خاسرين
(26) وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه وعارضوه
بالخرافات القمي وصيروه سخرية ولغوا لعلكم تغلبون تغلبونه على قراءته
357

(27) فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوء الذي كانوا يعملون
سيئات أعمالهم وقد سبق مثله
(28) ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا
يجحدون ينكرون الحق
(29) وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس شيطاني
النوعين الحاملين على الظلالة والعصيان
في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام يعنون إبليس الأبالسة وقابيل ابن
آدم أول من أبدع المعصية
والقمي قال العالم عليه السلام من الجن إبليس الذي رد عليه قتل رسول الله
صلى الله عليه وآله وأضل الناس بالمعاصي وجاء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه
وآله إلى أبي بكر فبايعه ومن الأنس فلان
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال هما ثم قال وكان فلان شيطانا
أقول: لعل ذلك لأن ولد الزنا يخلق من مائي الزاني والشيطان معا وفي رواية
هما والله هما ثلاثا وقرئ أرنا بالتخفيف نجعلهما تحت أقدامنا ندسهما انتقاما منهما
ليكونا من الأسفلين ذلا ومكانا
(30) إن الذين قالوا ربنا الله اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته ثم استقاموا
على مقتضاه القمي قال على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ويأتي ما في معناه
وفي نهج البلاغة إني متكلم بعدة الله وحجته قال الله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم
استقاموا الآية وقد قلتم ربنا الله فاستقيموا على كتابه وعلى منهاج أمره وعلى الطريقة
الصالحة من عبادته ثم لا تمرقوا منها ولا تبتدعوا فيها ولا تخالفوا عنها فإن أهل
المروق منقطع بهم عند الله يوم القيامة تتنزل عليهم الملائكة
في المجمع عن الصادق عليه السلام والقمي قال عند الموت ألا تخافوا
358

تقدمون عليه ولا تحزنوا على ما خلفتم وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون في
الدنيا
(31) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا القمي قال كنا نحرسكم من الشياطين
وفى الآخرة قال أي عند الموت ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ما
تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب
(32) نزلا من غفور رحيم
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال استقاموا على الأئمة واحدا بعد
واحد
وفي المجمع عن الرضا عليه السلام أنه سئل ما الاستقامة قال هي والله ما أنتم
عليه
وعن الباقر عليه السلام نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا أي نحرسكم في الدنيا
وعند الموت في الآخرة
والقمي عن الصادق عليه السلام قال ما يموت موال لنا مبغض لأعدائنا إلا
ويحضره رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم
السلام فيرونه ويبشرونه وإن كان غير موال يراهم بحيث يسوء والدليل على ذلك قول
أمير المؤمنين عليه السلام لحارث الهمداني (يا حار همدان من يمت يرني) من
مؤمن أو منافق قبلا
وفي تفسير الإمام عليه السلام عند قوله تعالى ويظنون أنهم ملاقوا ربهم من
سورة البقرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة ولا
يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له
وذلك أن ملك الموت يرد على المؤمن وهو في شدة علته وعظيم ضيق صدره بما
يخلفه من أمواله وبما هو عليه من اضطراب أحواله من معامليه وعياله وقد بقيت في
نفسه حسراتها واقتطع دون أمانيه فلم ينلها فيقول له ملك الموت ما لك تتجرع
359

غصصك قال لاضطراب أحوالي واقتطاعك لي دون آمالي فيقول له ملك الموت
وهل يحزن عاقل من فقد درهم زايف واعتياض ألف ألف ضعف الدنيا فيقول لا فيقول
ملك الموت فانظر فوقك فينظر فيرى درجات الجنان وقصورها التي يقصر دونها
الأماني فيقول ملك الموت تلك منازلك ونعمك وأموالك وأهلك وعيالك ومن كان من
أهلك ههنا وذريتك صالحا فهم هنالك معك أفترضي بدلا مما ههنا فيقول بلى والله
ثم يقول انظر فينظر فيرى محمدا وعليا والطيبين من آلهما عليهم السلام في أعلى
عليين فيقول أو تريهم هؤلاء ساداتك وأئمتك هم هناك جلاسك واناسك أفما ترضى
بهم بدلا مما تفارق هنا فيقول بلى وربي فذلك ما قال الله عز وجل إن الذين قالوا ربنا
الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا فما أمامكم من الأهوال
فقد كفيتموها ولا تحزنوا على ما تخلفونه من الذراري والعيال فهذا الذي شاهدتموه
في الجنان بدلا منهم وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون هؤلاء أولياؤكم وهؤلاء
ساداتكم أناسكم وجلاسكم
وفي البصائر عن الباقر عليه السلام أنه قيل له يبلغنا أن الملائكة تتنزل عليكم
قال أي والله لتنزل علينا فتطأ فرشنا أما تقرأ كتاب الله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله
الآية
وفي الخرايج عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال أما والله لربما
وسدنا لهم الوسايد في منزلنا وقال هم ألطف بصبياننا منا بهم وربما التقطنا من زغبها
وفي الكافي عنه عن أبيه عن جده عليهما السلام في حديث ليلة القدر قال زعم
ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فقلت له هل رأيت الملائكة تخبرك
بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن قال فقال إن الله تبارك
وتعالى يقول إنما المؤمنون إخوة وقد دخل في هذا جميع الأمة فاستضحكت ثم قلت
صدقت يا ابن عباس
(33) ومن أحسن قولا (1) ممن دعا إلى الله إلى عبادته وعمل صالحا فيما بينه

(1) صورته صورة الاستفهام والمراد به النفي، تقديره وليس أحد أمس قولا ممن دعى إلى طاعة الله.
360

وبين ربه وقال إنني من المسلمين
العياشي إنها في علي عليه السلام
(34) ولا تستوى الحسنة ولا السيئة في الجزاء وحسن العاقبة ولا الثانية
مزيدة لتأكيد النفي ادفع بالتي هي أحسن ادفع السيئة حيث اعترضتك بالتي هي
أحسن منها وهي الحسنة على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقا أو بأحسن ما يمكن
دفعها به من الحسنات فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم أي إذا فعلت ذلك
صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق القمي قال ادفع سيئة من أساء إليك بحسنتك
حتى يكون الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى ولا تستوى الحسنة ولا
السيئة قال الحسنة التقية والسيئة الإذاعة وقال التي هي أحسن التقية
(35) وما يلقها وما يلقى هذه السجية وهي مقابلة الإساءة بالإحسان إلا الذين
صبروا فإنها تحبس النفس عن الانتقام
في المجمع عن الصادق عليه السلام إلا الذين صبروا في الدنيا على الأذى وما
يلقها إلا ذو حظ عظيم من الخير وكمال النفس
في المجمع عن الصادق عليه السلام وما يلقيها إلا كل ذي حظ عظيم
(36) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ نخس شبه به وسوسته فاستعذ بالله من شره
ولا تطعه إنه هو السميع لاستعاذتك العليم بنيتك القمي المخاطبة لرسول الله صلى
الله عليه وآله والمعنى للناس
(37) ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا
للقمر لأنهما مخلوقان مأموران مثلكم واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه
تعبدون فإن السجود أخص العبادات هنا موضع السجود كما رواه
(38) في المجمع عنهم عليهم السلام فإن استكبروا عن الامتثال فالذين عند
361

ربك من الملائكة يسبحون له بالليل والنهار أي دائما وهم لا يسئمون ولا يملون
(39) ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة يابسة متطامنة مستعار من الخشوع
بمعنى التذلل فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت انتفخت بالنبات إن الذي أحياها
بعد موتها لمحيي الموتى إنه على كل شئ قدير
(40) إن الذين يلحدون يميلون عن الاستقامة في آياتنا بالطعن والتحريف
والتأويل بالباطل والإلغاء فيها لا يخفون علينا فنجازيهم على إلحادهم وقد مضى في
هذا كلام في المقدمة السادسة من هذا الكتاب
عن أمير المؤمنين عليه السلام أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم
القيمة اعملوا ما شئتم تهديد شديد إنه بما تعملون بصير وعيد بالمجازاة
(41) إن الذين كفروا بالذكر لما جائهم بدل من إن الذين يلحدون أو مستأنف
وخبر إن محذوف أو خبره أولئك ينادون كذا قيل
والقمي عن الباقر عليه السلام بالذكر يعني بالقرآن وإنه لكتاب عزيز
(42) لا يأتيه الباطل من بين يديه قال لا يأتيه الباطل من قبل التوراة ولا من قبل
الإنجيل والزبور ولا من خلفه أي لا يأتيه مبعده كتاب يبطله
وفي المجمع عنهما عليهما السلام ليس في إخباره عما مضى باطل ولا في
إخباره عما يكون في المستقبل باطل بل إخباره كلها موافقة لمخبراتها تنزيل من
حكيم أي حكيم حميد يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه
(43) ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة لأنبيائه
وذو عقاب أليم لأعدائهم
(44) ولو جعلناه قرآنا أعجميا قيل جواب لقولهم هلا نزل هذا القرآن بلغة
العجم لقالوا لولا فصلت آياته بينت بلسان نفقهه أأعجمي وعربي أكلام أعجمي
ومخاطب عربي القمي لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا كيف نتعلمه ولساننا عربي
362

وأتانا بقرآن أعجمي فأحب أن ينزل بلسانهم وفيه قال الله وما أرسلنا من رسول إلا
بلسان قومه والأعجمي يقال للذي لا يفهم كلامه ويقال لكلامه وقرئ أعجمي بفتح
العين وتوحيد الهمزة على أن يكون منسوبا إلى العجم قل هو للذين آمنوا هدى إلى
الحق وشفاء من الشك والشبهة والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى
لتصامهم عن سماعه وتعاميهم من الآيات أولئك ينادون من مكان بعيد تمثيل لعدم
قبولهم واستماعهم له بمن يصاح به من مسافة بعيدة
(45) ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه كما اختلف في القرآن وهو تسلية
للنبي صلى الله عليه وآله
في الكافي عن الباقر عليه السلام قال اختلفوا كما اختلفت هذه الأمة في
الكتاب وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير
فيقدمهم فيضرب أعناقهم ولولا كلمة سبقت من ربك بالإمهال لقضى بينهم
باستيصال المكذبين وإنهم لفي شك منه من القرآن مريب موجب للاضطراب
(46) من عمل صالحا فلنفسه نفعه ومن أساء فعليها ضره وما ربك بظلام
للعبيد فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله
(47) إليه يرد علم الساعة إذا سئل عنها إذ لا يعلمها إلا هو وما تخرج من ثمرة
من أكمامها من أوعيتها جمع كم بالكسر وقرئ من ثمرات بالجمع لاختلاف الأنواع وما
تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه إلا مقرونا بعلمه واقعا حسب تعلقه به ويوم يناديهم أين
شركائي بزعمكم القمي يعني ما كانوا يعبدون من دون الله قالوا آذناك أعلمناك ما منا
من شهيد من أحد منا يشهد لهم بالشركة إذ تبرأنا منهم لما عاينا الحال والسؤال
للتوبيخ أو ما من أحد منا يشاهدهم لأنهم ضلوا عنا
(48) وضل عنهم ما كانوا يدعون يعبدون من قبل وظنوا أو أيقنوا ما لهم من
محيص مهرب
(49) لا يسئم الانسان من دعاء الخير القمي أي لا يمل ولا يعي من أن يدعو
363

لنفسه بالخير وإن مسه الشر فيؤس قنوط قيل أي يائس من روح الله وفرجه
(50) ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته بتفريجها عنه ليقولن هذا لي
حقي أستحقه لما لي من الفضل والعمل أولي دائما لا يزول وما أظن الساعة قائمة
تقوم ولئن رجعت إلى ربى إن لي عنده للحسنى أي ولئن قامت على التوهم كان لي
عند الله الحالة الحسنى من الكرامة وذلك لاعتقاده أن ما أصابه من نعم الدنيا
فلاستحقاق لا ينفك عنه فلننبئن الذين كفروا بما عملوا فلنجزينهم بحقيقة أعمالهم
ولينصرنهم خلاف ما اعتقدوا فيها ولنذيقنهم من عذاب غليظ لا يمكنهم التفصي
عنه
(51) وإذا أنعمنا على الانسان أعرض عن الشكر ونا بجانبه وانحرف عنه
وذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته تكبرا والجانب مجاز عن النفس كالجنب في قوله في
جنب الله وإذا مسه الشر كالفقر والمرض والشدة فذو دعاء عريض كثير
(52) قل أرأيتم أخبروني إن كان من عند الله أي القرآن ثم كفرتم به من غير
نظر واتباع دليل من أضل ممن هو في شقاق بعيد من أضل منكم فوضع الموصول
موضع الضمير شرحا لحالهم وتعليلا لمزيد ضلالهم
(53) سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق قيل يعني
سنريهم حججنا ودلائلنا على ما ندعوهم إليه من التوحيد وما يتبعه في آفاق العالم
وأقطار السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار والأشجار والدواب
وفى أنفسهم وما فيها من لطايف الصنعة وودايع الحكمة حتى يظهر لهم أنه الحق
أقول: هؤلاء القوم يستشهدون بالصنايع على الصانع كما هو دأب المتوسطين
من الناس الذين لا يرضون بمحض التقليد ويرون أنفسهم فوق ذلك القمي في الآفاق
الكسوف والزلازل وما يعرض في السماء من الآيات وأما في أنفسهم فمرة بالجوع
ومرة بالعطش ومرة يشبع ومرة يروى ومرة يمرض ومرة يصح ومرة يستغني ومرة يفتقر
ومرة يرضى ومرة يغضب ومرة يخاف ومرة يأمن فهذا من عظم دلالة الله على
التوحيد
364

قال الشاعر وفي كل شئ له آية تدل على أنه واحد
أقول: وهذا تخصيص للآيات ببعضها مما يناسب أفهام العوام
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال نريهم في أنفسهم المسخ ونريهم في
الآفاق انتقاض الآفاق عليهم فيرون قدرة الله عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق قيل
حتى يتبين لهم أنه الحق قال خروج القائم عليه السلام هو الحق من عند الله عز وجل
يراه الخلق لابد منه وفي رواية خسف ومسخ وقذف سئل حتى يتبين قال دع ذا ذاك
قيام القائم عليه السلام
وفي إرشاد المفيد عن الكاظم عليه السلام قال الفتن في آفاق الأرض والمسخ
في أعداء الحق
أقول: كأنه عليه السلام أراد أن ذلك إنما يكون في الرجعة وعند ظهور القائم
عليه السلام حيث يرون من العجائب والغرائب في الآفاق وفي الأنفس ما يتبين لهم به
أن الإمامة والولاية وظهور الأمام حق فهذا للجاحدين أو لم يكف بربك أنه على كل
شئ شهيد يعني أو لم يكفك شهادة ربك على كل شئ دليلا عليه
أقول: هذا للخواص الذين يستشهدون بالله على الله ولهذا خصه به في الخطاب
وفي مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام العبودية جوهرة كنهها الربوبية
فما فقد من العبودية وجد في الربوبية وما خفى عن الربوبية أصيب في العبودية قال الله
تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق إلى قوله شهيد أي موجود في غيبتك وحضرتك
(54) ألا إنهم في مرية شك من لقاء ربهم بالبعث والجزاء ألا إنه بكل شئ
محيط عالم به مقتدر عليه لا يفوته شئ وتأويله يستفاد مما في المصباح
في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من قرأ حم السجدة
كانت له نورا يوم القيامة مد بصره وسرورا وعاش في الدنيا محمودا مغبوطا
وفي الخصال عنه عليه السلام أن العزائم أربع وعد منها هذه السورة كما مر في
آلم السجدة
365

سورة حمعسق وتسمى سورة الشورى
وهي مكية عدد آيها ثلاث وخمسون آية كوفي وخمسون في الباقي
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) حم
(2) عسق
في المعاني عن الصادق عليه السلام معناه الحكيم المثيب العالم السميع
القادر القوي
والقمي عن الباقر عليه السلام هو حرف من اسم الله الأعظم المقطوع يؤلفه
الرسول والأمام عليهما السلام فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب وعنه
عليه السلام عس عدد سني القائم عليه السلام وقاف جبل محيط بالدنيا من زمردة
خضراء فخضرة السماء من ذلك الجبل وعلم كل شئ في عسق
(3) كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم وقرئ يوحى
بفتح الحاء
(4) له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم
(5) تكاد السماوات وقرئ بالياء يتفطرن يتشققن من عظمة الله
القمي عن الباقر عليه السلام يتصد عن وقرئ ينفطرن من فوقهن من جهتهن
الفوقانية أو من فوق الأرضين والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في
الأرض القمي قال للمؤمنين من الشيعة التوابين خاصة ولفظ الآية عام والمعنى
خاص
366

وفي الجوامع عن الصادق عليه السلام ويستغفرون لمن في الأرض من
المؤمنين ألا إن الله هو الغفور الرحيم
(6) والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم رقيب على أحوالهم
وأعمالهم فيجازيهم بها وما أنت يا محمد عليهم بوكيل
(7) وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى أهل أم القرى وهي مكة
وقد مر وجه تسميتها في سورة الأنعام ومن حولها سائر الأرض وتنذر يوم الجمع يوم
القيامة يجمع فيه الخلائق لا ريب فيه اعتراض فريق في الجنة وفريق في السعير
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال خطب رسول الله صلى الله عليه وآله
الناس ثم رفع يده اليمنى قابضا على كفه ثم قال أتدرون أيها الناس ما في كفي قالوا
الله ورسوله أعلم فقال فيها أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة
ثم رفع يده الشمال فقال يا أيها الناس أتدرون ما في كفي قالوا الله ورسوله أعلم فقال
أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة ثم قال حكم الله وعدل حكم
الله وعدل فريق في الجنة وفريق في السعير
(8) ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة مهتدين القمي لو شاء أن يجعلهم كلهم
معصومين مثل الملائكة بلا طباع لقدر عليه ولكن يدخل من يشاء في رحمته بالهداية
والظالمون ما لهم من ولى ولا نصير أي ويدعهم بغير ولي ولا نصير في عذابه
(9) أم اتخذوا بل اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيى الموتى
وهو على كل شئ قدير
(10) وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله القمي وما اختلفتم فيه من
شئ من المذاهب واخترتم لأنفسكم من الأديان فحكم ذلك كله إلى الله يوم القيامة
وقيل وما اختلفتم فيه من تأويل متشابه فارجعوا إلى المحكم من كتاب الله ذلكم الله
ربى عليه توكلت في مجامع الأمور وإليه أنيب أرجع
(11) فاطر السماوات والأرض وجعل لكم من أنفسكم أزواجا القمي يعني
367

النساء ومن الانعام أزواجا قال يعني ذكرا وأنثى يذرؤكم فيه يبثكم ويكثركم القمي
يعني النسل الذي يكون من الذكور والإناث ليس كمثله شئ رد الله على من وصف
الله قيل الكاف زائدة وقيل بل المراد المبالغة في نفي المثل عنه فإنه إذا نفى عمن
يناسبه ويسد مسده كان نفيه عنه أولى في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام ليس كمثله
شئ إذ كان الشئ من مشية فكان لا يشبه مكونه رواها في مصباح المتهجد وهو
السميع البصير لكل ما يسمع ويبصر
(12) له مقاليد السماوات والأرض خزائنها يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر
يوسع ويقتر على وفق مشيته إنه بكل شئ عليم فيفعله على ما ينبغي
(13) شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به
إبراهيم وموسى وعيسى أي شرع لكم من الدين دين نوح عليه السلام ومحمد صلى
الله عليه وآله ومن بينهما من أرباب الشرايع وهو الأصل المشترك فيما بينهم القمي
مخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وأقيموا الدين قال أي تعلموا الدين يعني
التوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والسنن والأحكام
التي في الكتب والإقرار بولاية أمير المؤمنين عليه السلام ولا تتفرقوا فيه ولا تختلفوا
فيه كبر على المشركين عظم عليهم ما تدعوهم إليه قال من ذكر هذه الشرائع الله
يجتبى إليه من يشاء يختار ويجتلب إلى الدين ويهدى إليه بالإرشاد والتوفيق من
ينيب من يقبل إليه القمي وهم الأئمة الذين اختارهم واجتباهم
وعن الصادق عليه السلام أن أقيموا الدين قال الإمام عليه السلام ولا تتفرقوا
فيه كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام ما تدعوهم إليه من ولاية علي عليه السلام من
يشاء كناية عن علي عليه السلام
وفي الكافي عن الرضا عليه السلام نحن الذين شرع الله لنا دينه فقال في كتابه
شرع لكم يا آل محمد من الدين ما وصى به نوحا وقد وصينا بما وصى به نوحا والذي
أوحينا إليك يا محمد وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى فقد علمنا وبلغنا علم ما
علمنا واستودعنا علمهم نحن ورثة أولي العزم من الرسل أن أقيموا الدين يا آل محمد
368

ولا تتفرقوا فيه وكونوا على جماعة كبر على المشركين من أشرك بولاية علي عليه
السلام ما تدعوهم إليه من ولاية علي عليه السلام أن الله يهدى يا محمد يهدي إليه
من ينيب من يجيبك إلى ولاية علي عليه السلام
وفي البصائر عنه عن السجاد عليهما السلام وفي الكافي عنه عليه السلام في
قول الله عز وجل كبر على المشركين بولاية علي عليه السلام ما تدعوهم إليه يا محمد
من ولاية علي عليه السلام هكذا في الكتاب مخطوطة
وعن الباقر عليه السلام إن الله عز وجل بعث نوحا إلى قومه أن اعبدوا الله واتقوه
وأطيعون ثم دعاهم إلى الله وحده وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثم بعث الأنبياء على
ذلك إلى أن قد بلغوا محمدا صلى الله عليه وآله وعليهم فدعاهم إلى أن يعبدوا الله ولا
يشركوا به شيئا وقال شرع لكم من الدين إلى قوله من ينيب فبعث الأنبياء إلى قومهم
بشهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء من عند الله فمن آمن مخلصا ومات على ذلك
أدخله الله الجنة بذلك وذلك أن الله ليس بظلام للعبيد وذلك أن الله لم يكن يعذب
عبدا حتى يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي أوجب الله عليه بها النار ولمن عمل
بها فلما استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا
والشرعة والمنهاج سبيل وسنة
(14) وما تفرقوا إلا من بعد ما جائهم العلم بغيا بينهم
القمي قال لم يتفرقوا بجهل ولكنهم تفرقوا لما جاءهم وعرفوه فحسد بعضهم
بعضا وبغى بعضهم على بعض لما رأوا من تفاضيل أمير المؤمنين عليه السلام بأمر
الله فتفرقوا في المذاهب وأخذوا بالآراء والأهواء ولولا كلمة سبقت من ربك بالإمهال
إلى أجل مسمى لقضى بينهم
القمي قال لولا أن الله قد قدر ذلك أن يكون في التقدير الأول لقضي بينهم إذا
اختلفوا وأهلكهم ولم ينظرهم ولكن أخرهم إلى أجل مسمى المقدر وإن الذين
أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب قال كناية عن الذين نقضوا أمر
رسول الله صلى الله عليه وآله
369

(15) فلذلك فادع واستقم كما أمرت قال يعني لهذه الأمور والدين الذي
تقدم ذكره وموالاة أمير المؤمنين عليه السلام فادع
وعن الصادق عليه السلام يعني إلى ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ولا تتبع
أهوائهم فيه وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب يعني جميع الكتب المنزلة وأمرت
لأعدل بينكم الله ربنا وربكم خالق الكل ومتولي أمره لنا أعمالنا ولكم أعمالكم وكل
مجازي بعمله لا حجة بيننا وبينكم لا حجاج بمعنى لا خصومة إذ الحق قد ظهر ولم
يبق للمحاجة مجال الله يجمع بيننا يوم القيامة وإليه المصير مرجع الكل
(16) والذين يحاجون في الله في دينه من بعد ما استجيب له لدينه أو
لرسوله حجتهم داحضة عند ربهم القمي أي يحتجون على الله بعد ما شاء الله أن يبعث
عليهم الرسل فبعث الله إليهم الرسل والكتب فغيروا وبدلوا ثم يحتجون يوم القيامة
فحجتهم على الله داحضة أي باطلة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد
بمعاندتهم
(17) الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان
القمي قال الميزان أمير المؤمنين عليه السلام وما يدريك لعل الساعة قريب
إتيانها
(18) يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها استهزاء والذين آمنوا مشفقون منها
خائفون منها مع اعتناء بها لتوقع الثواب ويعلمون أنها الحق الكائن لا محالة ألا إن
الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد
القمي كناية عن القيامة فإنهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وآله أقم
لنا الساعة وائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين فقال الله تعالى ألا إن الذين يمارون
في الساعة أي يخاصمون
(19) الله لطيف بعباده بربهم بصنوف من البر يرزق من يشاء قيل أي يرزقه
كما يشاء فيخص كلا من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته وهو القوى العزيز
370

المنيع الذي لا يغلب
(20) من كان يريد حرث الآخرة ثوابها شبهه بالزرع من حيث أنه فائدة تحصل
بعمل الدنيا ولذلك قيل الدنيا مزرعة الآخرة نزد له في حرثه فنعطه بالواحد عشرا إلى
سبعمأة فما فوقها ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها شيئا منها على ما قسمنا له وما
له في الآخرة من نصيب إذا الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى
القمي عن الصادق عليه السلام المال والبنون حرث الدنيا والعمل الصالح
حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام
وفي الكافي عنه عليه السلام من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في
الآخرة نصيب ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله من كانت نيته الدنيا فرق الله عليه
أمره وجعل الفقر بين عينيه ولم يؤته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت نيته الآخرة جمع
الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قيل له الله لطيف بعباده يرزق من يشاء
قال ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قيل من كان يريد حرث الآخرة قال معرفة
أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام قيل نزد له في حرثه قال نزيده منها يستوفي نصيبه
من دولتهم ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب قال ليس
له في دولة الحق مع الأمام نصيب
(21) أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله كالشرك وإنكار
البعث والعمل للدنيا ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم
في الكافي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال لولا ما تقدم فيهم من الله عز
ذكره ما أبقى القائم منهم أحدا
أقول: يعني قائم كل عصر وإن الظالمين لهم عذاب أليم
(22) ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا خائفين مما ارتكبوا وعملوا وهو واقع
371

بهم أي ما يخافونه والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما
يشاؤن (1) عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير
(23) ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقرئ يبشر من
أبشره قل لا أسئلكم عليه على ما أتعاطاه من التبليغ أجرا نفعا منكم إلا المودة في
القربى أن تؤدوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم
كذا في المجمع عن السجاد والباقر والصادق عليهم السلام وفي الكافي عن
الصادق عليه السلام قال لما رجع رسول الله من حجة الوداع وقدم المدينة أتته
الأنصار فقال يا رسول الله إن الله تعالى قد أحسن إلينا وشرفنا بك وبنزولك بين
ظهرانينا فقد فرح الله صديقنا وكبت عدونا وقد تأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم
فيشمت بك العدو فنحب أن تأخذ ثلث أموالنا حتى إذا قدم عليك وفد مكة وجدت ما
تعطيهم فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وآله عليهم شيئا وكان ينتظر ما يأتيه من ربه
فنزل عليه جبرئيل وقال قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ولم يقبل
أموالهم فقال المنافقون ما أنزل الله هذا على محمد صلى الله عليه وآله وما يريد إلا أن
يرفع بضبع ابن عمه ويحمل علينا أهل بيته يقول أمس من كنت مولاه فعلي مولاه
واليوم قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى
وفي قرب الأسناد عنه عن آبائه عليهم السلام لما نزلت هذه الآية على رسول
الله صلى الله عليه وآله قام رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أيها الناس إن الله تبارك
وتعالى قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه قال فلم يجبه أحد منهم فانصرف
فلما كان من الغد قام فقال مثل ذلك ثم قام فيهم فقال مثل ذلك في اليوم الثالث فلم
يتكلم أحد فقال أيها الناس إنه ليس من ذهب ولا فضة ولا مطعم ولا مشرب قالوا فألقه
إذن قال إن الله تبارك وتعالى أنزل علي قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى
فقالوا أما هذه فنعم
قال الصادق عليه السلام فوالله ما وفى بها إلا سبعة نفر سلمان وأبو ذر وعمار

(1) أي لهم ما يتمنون ويشتهون يوم القيامة.
372

والمقداد بن الأسود الكندي وجابر بن عبد الله الأنصاري ومولى لرسول الله صلى الله
عليه وآله يقال له البيت وزيد بن أرقم
وفي العيون عن الرضا عليه السلام ما يقرب منه مع بسط وبيان وفي الجوامع
روي أن المشركين قالوا فيما بينهم أترون أن محمدا صلى الله عليه وآله يسأل على ما
يتعاطاه أجرا فنزلت هذه الآية ويأتي أخبار أخر في هذه الآية عن قريب إنشاء الله
وفي المحاسن عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال هي والله
فريضة من الله على العباد لمحمد صلى الله عليه وآله في أهل بيته
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أنه قال ما يقول أهل البصرة في هذه الآية
قل لا أسئلكم الآية قيل إنهم يقولون إنها لأقارب رسول الله صلى الله عليه وآله قال
كذبوا إنما نزلت فينا خاصة في أهل البيت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم
السلام أصحاب الكساء
وفي المجمع عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية قل لا أسئلكم الآية قالوا يا
رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بموالاتهم قال علي وفاطمة وولدهما عليهم
السلام
وعن علي عليه السلام قال فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن ثم
قرأ هذه الآية
وعن النبي صلى الله عليه وآله إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى وخلقت أنا
وعلي من شجرة واحدة فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين
عليهما السلام ثمارها وأشياعنا أوراقها فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ومن زاغ
هوى ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام حتى
يصير كالشن البالي ثم لم يدرك محبتنا أكبه الله على منخريه ثم تلا قل لا أسئلكم
الآية
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام إنه سئل عنها فقال هم الأئمة عليهم السلام
373

وفي الخصال عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من
لم يحب عترتي فهو لإحدى ثلاث إما منافق وإما لزنية وإما حملت به أمه في غير
طهر ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور
في المجمع عن الصادق عليه السلام إنها نزلت فينا أهل البيت أصحاب
الكساء عليهم السلام
وعن الحسن المجتبى عليه السلام إنه قال في خطبة أنا من أهل بيت الذين
افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال قل لا أسئلكم إلى قوله حسنا قال فاقتراف
الحسنة مودتنا أهل البيت عليهم السلام
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال من توالي الأوصياء من آل
محمد صلوات الله عليهم واتبع آثارهم فذاك نزيده ولاية من مضى من النبيين
والمؤمنين الأولين حتى يصل ولايتهم إلى آدم عليه السلام
وعنه عليه السلام الاقتراف التسليم لنا والصدق علينا وأن لا يكذب علينا
(24) أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك بإمساك
الوحي وقيل استبعاد للافتراء عن مثله بالأشعار على أنه إنما يجتري عليه من كان
مختوما على قلبه جاهلا بربه فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا وكأنه قال إن يشأ الله
خذلانك يختم على قلبك لتجتري بالافتراء عليه ويمحو الله الباطل المفترى ويحق
الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور
في الكافي عن الباقر عليه السلام يقول لو شئت حبست عنك الوحي فلم
تكلم بفضل أهل بيتك ولا بمودتهم وقد قال الله تعالى ويمح الله الباطل ويحق الحق
بكلماته يقول يحق لأهل بيتك الولاية إنه عليم بذات الصدور يقول بما ألقوه في
صدورهم من العداوة لأهل بيتك والظلم بعدك
القمي عنه عليه السلام قال جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقالوا إنا قد آوينا ونصرنا فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك فأنزل الله عز
374

وجل قل لا أسئلكم عليه أجرا يعني على النبوة إلا المودة في القربى أي في أهل بيته
ثم قال ألا ترى أن الرجل يكون له صديق وفي نفس ذلك الرجل شئ على أهل بيته
فلا يسلم صدره فأراد الله عز وجل أن لا يكون في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله
شئ على أمته ففرض الله عليهم المودة في القربى فإن أخذوا أخذوا مفروضا وإن
تركوا تركوا مفروضا قال فانصرفوا من عنده وبعضهم يقول عرضنا عليه أموالنا فقال لا
قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي وقالت طائفة ما قال هذا رسول الله صلى الله عليه وآله
وجحدوه وقالوا كما حكى الله عز وجل أم يقولون افترى على الله كذبا فقال الله عز
وجل فإن يشأ الله يختم على قلبك قال لو افتريت ويمح الله الباطل يعني يبطله ويحق
الحق بكلماته يعني بالأئمة والقائم من آل محمد صلوات عليهم
(25) وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون
وقرئ بالياء
في العيون عن سيد الشهداء عليه السلام قال اجتمع المهاجرون والأنصار إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا إن لك يا رسول الله مؤنة في نفقتك وفيمن يأتيك
من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم بارا مأجورا اعط ما شئت وأمسك ما شئت
من غير حرج قال فأنزل الله عز وجل عليه الروح الأمين فقال قل يا محمد لا
أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى يعني أن تودوا قرابتي من بعدي فخرجوا فقال
المنافقون ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلا ليحثنا على قرابته من بعده
إن هو إلا شئ افتراه محمد في مجلسه وكان ذلك من قولهم عظيما فأنزل الله تعالى هذه
الآية أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون
فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم فبعث إليهم النبي صلى الله عليه
وآله فقال هل من حدث فقالوا أي والله يا رسول الله لقد قال بعضنا كلاما عظيما
كرهناه فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله الآية فبكوا واشتد بكاؤهم فأنزل الله عز
وجل وهو الذي يقبل التوبة الآية
(26) ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله
375

والكافرون لهم عذاب شديد
في المجمع عن ابن عباس إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين قدم المدينة
واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها نأتي رسول الله صلى الله عليه وآله ونقول
له إنه يعروك أمور هذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك فأتوه في ذلك
فنزلت قل لا أسئلكم الآية فقرأها عليهم وقال تودون قرابتي من بعدي فخرجوا من
عنده مسلمين لقوله فقال المنافقون إن هذا الشئ افتراه في مجلسه أراد أن يذللنا
لقرابته من بعده فنزلت أم يقولون افترى على الله كذبا فأرسل إليهم فتلاها عليهم
فبكوا واشتد عليهم فأنزل الله وهو الذي يقبل التوبة عن عباده الآية فأرسل في أثرهم
فبشرهم وقال ويستجيب الذين آمنوا وهم الذين سلموا لقوله
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى ويستجيب الذين آمنوا هو
المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب فيقول له الملك آمين ويقول العزيز الجبار ولك مثل
ما سألت وقد أعطيت ما سألت لحبك إياه
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال ويزيدهم من فضله الشفاعة
لمن وجبت له النار ممن أحسن إليهم في الدنيا
(27) ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض لتكبروا وأفسدوا بطرا
القمي قال الصادق عليه السلام لو فعل لفعلوا ولكن جعلهم محتاجين بعضهم
إلى بعض واستعبدهم بذلك ولو جعلهم كلهم أغنياء لبغوا ولكن ينزل بقدر ما يشاء
قال بما يعلم إنه يصلحهم في دينهم ودنياهم إنه بعباده خبير بصير في الحديث
القدسي إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده وإن من عبادي من لا
يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده وذلك أني ادبر عبادي لعلمي بقلوبهم
(28) وهو الذي ينزل الغيث المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص
بالنافع وقرئ ينزل بالتشديد من بعد ما قنطوا أيسوا منه وينشر رحمته في كل شئ
من السهل والجبل والنبات والحيوان وهو الولي الذي يتولى عباده بإحسانه ونشر
رحمته الحميد المستحق للحمد
376

(29) ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو
على جمعهم إذا يشاء قدير
(30) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم فبسبب معاصيكم وقرئ بدون
الفاء ويعفو عن كثير من الذنوب فلا يعاقب عليها والآية مخصوصة بالمجرمين فإن ما
أصاب غيرهم فلزيادة الأجر
في الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال ليس من التواء عرق
ولا نكبة حجر ولا عثرة قدم ولا خدش عود إلا بذنب ولما يعفو الله أكثر فمن
عجل الله عقوبة ذنبه في الدنيا فإن الله أجل وأكرم وأعظم من أن يعود في عقوبته في
الآخرة
وفيه والقمي عنه عليه السلام أنه سئل أرأيت ما أصاب عليا وأهل بيته من هؤلاء
من بعده أهو بما كسبت أيديهم وهم أهل بيت طهارة معصومون فقال إن رسول الله
صلى الله عليه وآله كان يتوب إلى الله ويستغفره في كل يوم ولية مأة مرة من غير ذنب إن
الله يخص أولياؤه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب
وفي المجمع عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله خير
آية في كتاب الله هذه الآية يا علي ما من خدش عود ولا نكبة قدم إلا بذنب وما عفا الله
عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه وما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني
على عبده
(31) وما أنتم بمعجزين في الأرض فائتين ما قضى عليكم من المصائب
وما لكم من دون الله من ولى يحرسكم عنها ولا نصير يدفعها عنكم
(32) ومن آياته الجوار السفن الجارية في البحر كالاعلام كالجبال
(33) إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره فيبقين ثوابت على
ظهر البحر إن في ذلك لايات لكل صبار شكور لكل من وكل همته وحبس نفسه
على النظر في آيات الله والتفكر في آلائه أو لكل مؤمن كامل الأيمان فإن الأيمان
نصفان نصف صير ونصف شكر كما ورد في الحديث
377

(34) أو يوبقهن أو يهلكهن يعني أهلها بإرسال الرياح العاصفة المغرقة بما
كسبوا ويعف عن كثير بإنجائهم
(35) ويعلم الذين يجادلون في آياتنا قيل عطف على علة مقدرة مثل لينتقم
منهم ويعلم وقرئ بالرفع على الاستيناف ما لهم من محيص محيد من العذاب
(36) فما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا تمتعون به مدة حياتكم وما عند
الله من ثواب الآخرة خير وأبقى لخلوص نفعه ودوامه للذين آمنوا وعلى ربهم
يتوكلون
(37) والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وقرئ كبير الإثم وقد سبق تفسير
الكبائر في سورة النساء وإذا ما غضبوهم يغفرون
والقمي عن الباقر عليه السلام قال من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه حشا
الله قلبه أمنا وإيمانا يوم القيامة قال ومن ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا غضب حرم
الله جسده على النار
وفي هذا المعنى في الكافي وغيره أخبار كثيرة
(38) والذين استجابوا لربهم قبلوا ما أمروا به والقمي قال في إقامة الأمام
وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم تشاور بينهم ولا ينفردون برأي حتى يتشاوروا
ويجتمعوا عليه وذلك من فرط تيقظهم في الأمور
والقمي يشاورون الإمام عليه السلام فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم كما قال
الله ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله ما من رجل يشاور أحدا إلا هدي
إلى الرشد ومما رزقناهم ينفقون في سبيل الخير
(39) والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون على ما جعله الله لهم كراهة
التذلل وهو وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمهات الفضائل وهو لا ينافي
وصفهم بالغفران فإن الغفران ينبئ عن عجز المغفور والانتصار يشعر عن مقاومة
378

الخصم والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلب مذموم لأنه إجراء وإغراء على
البغي
(40) وجزاء سيئة سيئة مثلها سمي الثانية سيئة للازدواج أو لأنها تسوء من تنزل
به وهذا منع عن التعدي في الانتصار فمن عفا وأصلح بينه وبين عدوه فأجره على الله
عدة مبهمة تدل على عظم الموعود
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد من
كان أجره على الله فليدخل الجنة فيقال من ذا الذي أجره على الله فيقال العافون عن
الناس يدخلون الجنة بغير حساب
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
عليكم بالعفو فان العفو لا يزيد العبد إلا عزا فتعافوا يعزكم الله إنه لا يحب الظالمين
المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام
(41) ولمن انتصر بعد ظلمه بعد ما ظلم فأولئك ما عليهم من سبيل بالمعاتبة
والمعاقبة
في الخصال عن السجاد عليه السلام وحق من أساءك أن تعفو عنه وإن علمت
أن العفو يضر انتصرت قال الله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من
سبيل
وعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
ثلاثة إن لم تظلمهم ظلموك السفلة والزوجة والمملوك
(42) إنما السبيل على الذين يظلمون الناس يبتدؤونهم بالأضرار ويطلبون ما
لا يستحقونه تجبرا عليهم ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم على
ظلمهم وبغيهم
(43) ولمن صبر على الأذى وغفر ولم ينتصر إن ذلك لمن عزم الأمور أي إن
ذلك منه لمن عزم الأمور
379

(44) ومن يضلل الله فما له من ولى من بعده من ناصر يتولاه من بعد خذلان
الله إياه وترى الظالمين لما رأوا العذاب حين يرونه يقولون هل إلى مرد من سبيل أي
من رجعة إلى الدنيا
(45) وتريهم يعرضون عليها أي على النار ويدل عليها العذاب خاشعين من
الذل متذللين متقاصرين مما يلحقهم من الذل ينظرون من طرف خفى أي يبتدئ
نظرهم إلى النار من تحريك لأجفانهم ضعيف كالمصبور ينظر إلى السيف وقال الذين
آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم بالتعريض للعذاب المخلد يوم
القيمة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم
القمي عن الباقر عليه السلام قال ولمن انتصر بعد ظلمه يعني القائم عليه
السلام وأصحابه إذا قام انتصر من بني أمية ومن المكذبين والنصاب هو وأصحابه وهو
قول الله تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس الآية وترى الظالمين آل محمد
صلوات الله عليهم حقهم لما رأوا العذاب وعلي هو العذاب في هذا الوجه يقولون
هل إلى مرد من سبيل فنوالي عليا عليه السلام وتراهم يعرضون عليها خاشعين من
الذل لعلي عليه السلام ينظرون إلى علي عليه السلام من طرف خفي وقال الذين آمنوا
يعني آل محمد صلوات الله عليهم وشيعتهم ألا إن الظالمين من آل محمد صلوات
الله عليهم حقهم في عذاب مقيم قال والله يعني النصاب الذين نصبوا العداوة لأمير
المؤمنين عليه السلام وذريته والمكذبين
(46) وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له
من سبيل إلى الهدى والنجاة
(47) استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من الله من
ملجأ يومئذ وما لكم من نكير إنكار لما اقترفتموه لأنه مثبت في صحائف أعمالكم
يشهد عليه جوارحكم
(48) فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا رقيبا
380

(49) إن عليك إلا البلاغ وقد بلغت وإنا إذا أذقنا الانسان منا رحمة فرح بها
وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الانسان كفور بليغ الكفران ينسى النعمة
رأسا ويذكر البلية ويعظمها ولم يتأمل سببها وإنما صدر الأولى بإذا والثانية بأن لأن
إذاقة النعمة محققة بخلاف إصابة البلية وإنما أقام علة الجزاء مقامه في الثانية ووضع
الظاهر موضع المضمر للدلالة على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعمة
(50) لله ملك السماوات والأرض فله أن يقسم النعمة والبلية كيف شاء يخلق
ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا
ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير
القمي عن الباقر عليه السلام يهب لمن يشاء إناثا يعني ليس معهن ذكر ويهب
لمن يشاء الذكور يعني ليس معهم أنثى أو يزوجهم ذكرانا وإناثا أي يهب لمن يشاء
ذكرانا وإناثا جميعا يجمع له البنين والبنات أي يهبهم جميعا لواحد
(51) وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا بأن يشاهد ملكا فيسمع منه أو
يقع في قلبه من غير مشاهدة أحد وأصل الوحي الكلام الخفي الذي يدرك بسرعة أو
من وراء حجاب بأن يسمع صوتا من غير مشاهدة أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما
يشاء فيسمع من الرسول
القمي قال وحي مشافهة ووحي إلهام وهو الذي يقع في القلب أو من وراء
حجاب كما كلم الله نبيه صلى الله عليه وآله وكما كلم الله موسى من النار أو يرسل
رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء قال وحي مشافهة يعني إلى الناس إنه على عن صفات
المخلوقين حكيم يفعل ما يقتضيه حكمته
(52) وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا أي أرسلناه إليك بالوحي
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال خلق من خلق الله عز وجل أعظم من
جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة
عليهم السلام من بعده وفي رواية منذ أنزل الله ذلك الروح على محمد صلى الله عليه
381

وآله ما صعد إلى السماء وإنه لفينا
ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان أي قبل الوحي ولكن جعلناه نورا
نهدى به من نشاء من عبادنا
في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن العلم أهو شئ يتعلمه العالم
من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرؤونه فتعلمون منه قال الأمر أعظم من ذلك
وأوجب أما سمعت قول الله عز وجل وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى
ما الكتاب ولا الايمان ثم قال أي شئ يقول أصحابكم في هذه الآية أيقرءون أنه كان في
حال لا يدري ما الكتاب ولا الايمان فقلت لا أدري جعلت فداك ما يقولون فقال بلي قد
كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الايمان حتى بعث الله عز وجل الروح التي ذكر في
الكتاب فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم وهي الروح التي يعطيها الله عز وجل من
شاء فإذا أعطاها عبدا علمه الفهم
والقمي عن الباقر عليه السلام ولكن جعلناه نورا قال يعني عليا عليه السلام
وعلي هو النور هدى به من هدى من خلقه وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم قال يعني
إنك لتأمر بولاية علي عليه السلام وتدعو إليها وعلي عليه السلام هو الصراط
المستقيم
(53) صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض
قال يعني عليا عليه السلام إنه جعل خازنه على ما في السماوات وما في الأرض
من شئ وائتمنه عليه
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم
يقول تدعو ألا إلى الله تصير الأمور بارتفاع الوسايط والتعلقات وفيه وعد ووعيد
للمطيعين والمجرمين
في الكافي عن الباقر عليه السلام قال وقع مصحف في البحر فوجدوه وقد
ذهب ما فيه إلا هذه الآية ألا إلى الله تصير الأمور
382

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من قرأ حمعسق بعثه الله
يوم القيامة ووجهه كالثلج أو كالشمس حتى يقف بين يدي الله عز وجل فيقول عبدي
أدمنت قراءة حمعسق ولم تدر ما ثوابها أما لو دريت ما هي وما ثوابها لما مللت قراءتها
ولكن سأجزيك جزاءك أدخلوه الجنة وله فيها قصر من ياقوتة حمراء أبوابها وشرفها
ودرجها منها يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها وله فيها حوران من حور
العين وألف جارية وألف غلام من الغلمان المخلدين الذين وصفهم الله تعالى
383

سورة الزخرف
مكية عدد آيها تسع وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) حم
(2) والكتاب المبين
(3) إنا جعلناه قرانا عربيا أقسم بالقرآن على أنه جعله قرآنا عربيا وهو من
البدايع لتناسب القسم والمقسم عليه لعلكم تعقلون لكي تفقهوا معانيه
(4) وإنه في أم الكتاب في اللوح المحفوظ فإنه أصل الكتب السماوية وقرئ
أم الكتاب بالكسر لدينا لعلى رفيع الشأن حكيم ذو حكمة بالغة كذا قيل
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام هو أمير المؤمنين عليه السلام في أم
الكتاب يعني الفاتحة فإنه مكتوب فيها في قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم قال
الصراط المستقيم هو أمير المؤمنين عليه السلام ومعرفته
والقمي ما في معناه
(5) أفنضرب عنكم الذكر صفحا أنهملكم فنضرب عنكم الذكر أي نذوده
ونبعده ونعرض عنكم إعراضا
القمي استفهام أي ندعكم مهملين لا نحتج عليكم برسول الله صلى الله عليه
وآله أو بإمام أو بحجج أن كنتم قوما مسرفين لأن كنتم وقرئ إن بالكسر إخراجا للمحقق
مخرج المشكوك استجهالا لهم
(6) وكم أرسلنا من نبي في الأولين
(7) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤن تسلية لرسول الله صلى الله عليه
وآله عن استهزاء قومه
384

(8) فأهلكنا أشد منهم بطشا أي من القوم المسرفين لأنه صرف الخطاب عنهم
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مخبرا عنهم
القمي يعني من قريش ومضى مثل الأولين وسلف في القرآن قصتهم العجيبة
وفيه وعد للرسول صلى الله عليه وآله ووعيد لهم بمثل ما جرى على الأولين
(9) ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم
يعني أقروا بعزي وعلمي وما بعده استيناف
(10) الذي جعل لكم الأرض مهدا فتستقرون فيها وجعل لكم فيها سبلا
تسلكونها لعلكم تهتدون لكي تهتدوا إلى مقاصدكم أو إلى حكمة الصانع بالنظر في ذلك
(11) والذي نزل من السماء ماء بقدر بمقدار ينفع ولا يضر فأنشرنا به بلدة ميتا
فأحيينا به أرضا لا نبات فيها كذلك تخرجون تنشرون من قبوركم
(12) والذي خلق الأزواج كلها أصناف المخلوقات وجعل لكم من الفلك
والانعام ما تركبون في البر والبحر
(13) لتستوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه تذكروها
بقلوبكم معترفين بها حامدين عليها وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له
مقرنين مطيقين يعني لا طاقة لنا بالإبل ولا بالفلك ولا بالبحر لولا أن الله سخره لنا
(14) وإنا إلى ربنا لمنقلبون أي راجعون واتصاله بذلك لأن الركوب للتنقل والنقلة
العظمى هو الانقلاب إلى الله عز وجل ولأنه مخطر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه
ويستعد للقاء الله
في الكافي عن الرضا عليه السلام فان ركبت الظهر فقل الحمد لله الذي سخر
لنا هذا الآية
وعن أبيه عليهما السلام وإن خرجت برا فقل الذي قال الله عز وجل سبحان
الذي سخر لنا الآية فإنه ليس من عبد يقولها عند ركوبه فيقع من بعير أو دابة فيصيبه
شئ بإذن الله
385

(15) وجعلوا له من عباده جزء قيل متصل بقوله ولئن سئلتهم أي وجعلوا له بعد
ذلك الاعتراف من عباده ولدا فقالوا الملائكة بنات الله سماه جزء لأن الولد بضعة من
والده القمي قوله وجعلوا له من عباده جزء قال قالت قريش إن الملائكة هم بنات الله
سماه جزء لان الولد بضعة من والده القمي قوله وجعلوا له من عبادة جزء قال قالت
قريش ان الملائكة هم بنات الله ان الانسان لكفور مبين ظاهر الكفران
(16) أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين معنى الهمزة في أم الانكار والتعجب
من شأنهم حيث لم يقنعوا بان جعلوا له جزء حتى جعلوا له من مخلوقاته أجزاء أخص مما
اختير لهم وأبغض الأشياء إليهم بحيث إذا بشر بها أحدهم اشتد غمه به كما قال
(17) وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا بما جعل لله شبها وذلك أن كل
ولد من كل شئ شبهه وجنسه ظل وجهه مسودا صار وجهه أسود في الغاية لما يعتريه
من الكآبة وهو كظيم مملوء قلبه من الكرب
(18) أو من ينشؤ في الحلية أو يجعلون له من يتربى في الزينة يعني البنات
وهو في الخصام في المجادلة غير مبين للحجة يقال قلما تتكلم امرأة بحجتها إلا
تكلمت بالحجة عليها وقرئ ينشؤ بالتشديد أي يربي
(19) وجعلوا الملائكة هم عباد الرحمن إناثا كفر آخر تضمنه مقالهم شنع به
عليهم وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله أنقصهم رأيا وأخصهم صنفا وقرئ
عند الرحمن على تمثيل زلفاهم أشهدوا خلقهم أحضروا خلق الله إياهم فشاهدوهم
إناثا فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة وهو تجهيل وتهكم بهم وقرئ أأشهدوا خلقهم بهمزة
مضمومة بعد همزة الاستفهام ستكتب شهادتهم التي شهدوا بها على الملائكة
ويسئلون عنها يوم القيامة
(20) وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا
يخرصون
(21) أم آتيناهم كتابا من قبله من قبل القرآن ينطق على صحة ما قالوه فهم به
مستمسكون
386

(22) بل قالوا إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون أي لا حجة
لهم على ذلك من جهة العقل ولا من جهة النظر وإنما جنحوا فيه إلى تقليد آبائهم
الجهلة والأمة الطريقة التي تؤم
(23) وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا
آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله ودلالة
على أن التقليد في نحو ذلك ضلال قديم وفي تخصيص المترفين إشعار بأن التنعم
وحب البطالة صرفهم عن النظر إلى التقليد
(24) قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم يعني أتتبعون آبائكم ولو
جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم وهو حكاية أمر ماض أوحى إلى النذير أو خطاب
لنبينا صلى الله عليه وآله وقرئ قال أي النذير قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون أي وإن
كان أهدى إقناطا للنذير من أن ينظروا أو يتفكروا فيه
(25) فانتقمنا منهم بالاستيصال فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ولا تكترث
بتكذيبهم
(26) وإذ قال إبراهيم واذكر وقت قوله هذا ليروا كيف تبرأ عن التقليد وتمسك
بالبرهان أو ليقلدوه إن لم يكن لهم بد من التقليد فإنه أشرف آبائهم لأبيه وقومه إنني
برآء مما تعبدون برئ من عبادتكم أو معبودكم مصدر نعت به
(27) إلا الذي فطرني فإنه سيهدين هداية بعد هداية
(28) وجعلها أي كلمة التوحيد كلمة باقية في عقبه في ذريته ليكون فيهم أبدا
من يوحد الله ويدعو إلى توحيده ويكون إماما وحجة على الخلائق لعلهم يرجعون
يرجع من أشرك منهم بدعاء من وحده
وفي الإكمال عن السجاد عليه السلام قال فينا نزلت هذه الآية وجعلها كلمة
باقية في عقبه والإمامة في عقب الحسين عليه السلام إلى يوم القيامة
وفي العلل عن الباقر عليه السلام وفي المعاني والمناقب والمجمع عن
الصادق عليه السلام مثله
387

وفي الاحتجاج عن النبي صلى الله عليه وآله في خطبة الغدير معاشر الناس
القرآن يعرفكم أن الأئمة عليهم السلام من بعده من ولده وعرفتكم أنهم مني وأنا منهم
حيث يقول الله عز وجل وجعلها كلمة باقية في عقبه وقلت لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما
وفي المناقب إن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن هذه الآية فقال الإمامة في
عقب الحسين عليه السلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة منه مهدي هذه الأمة
والقمي لعلهم يرجعون يعني الأئمة عليهم السلام يرجعون إلى الدنيا
(29) بل متعت هؤلاء وآبائهم هؤلاء المعاصرين للرسول صلى الله عليه وآله
من قريش وآبائهم بالمد في العمر والنعمة فاغتروا بذلك وانهمكوا في الشهوات حتى
جائهم الحق ورسول مبين
(30) ولما جائهم الحق لينبههم عن غفلتهم قالوا هذا سحر وإنا به كافرون
ضموا إلى شركهم معاندة الحق والاستخفاف به
(31) وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين من إحدى القريتين
بمكة والطائف عظيم بالجاه والمال كالوليد بن مغيرة بمكة وعروة بن مسعود الثقفي
بالطائف فإن الرسالة منصب عظيم لا يليق إلا بعظيم ولم يعلموا إنها رتبة روحانية تستدعي
عظيم النفس بالتحلي بالفضائل والكمالات القدسية لا التزخرف بالزخارف الدنيوية
(32) أهم يقسمون رحمت ربك إنكار فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم
والمراد بالرحمة النبوة نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا وهم عاجزون
عن تدبيرها ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات وأوقعنا بينهم التفاوت في الرزق
وغيره ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ليستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم فيحصل
بينهم تألف وتضامن وينتظم بذلك نظام العالم لا لكمال في الموسع ولا لنقص في
المقتر ثم إنه لا اعتراض لهم علينا في ذلك ولا تصرف فكيف يكون فيما هو أعلى من
ذلك ورحمة ربك هذه يعني النبوة وما يتبعها خير مما يجمعون مما يجمعه هؤلاء من
حطام الدنيا والعظيم من رزق منها لا منه
في الاحتجاج وفي تفسير الإمام عليه السلام في سورة البقرة عن أبيه عليهما
388

السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قاعدا ذات يوم بفناء الكعبة إذ اجتمع
جماعة من رؤساء قريش وساق الحديث كما سبق ذكره في سورة بني إسرائيل إلى أن
قال قال له عبد الله بن أبي أمية لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من في ما
بيننا مالا وأحسنه حالا فهلا نزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به
رسولا على رجل من القريتين عظيم إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود
الثقفي بالطائف ثم ذكر شيئا إلى أن قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وأما قولك
لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة
بالطائف فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ولا خطر له عنده كما له
عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء
وليس قسمة الله إليك بل الله القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه
وليس هو عز وجل ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لما له وحاله فعرفته بالنبوة لذلك
ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع فيخصه بالنبوة لذلك ولا ممن
يحب أحدا محبة الهوى كما تحب أنت فتقدم من لا يستحق التقديم وإنما معاملته
بالعدل فلا يؤثر لأفضل مراتب الدين وجلاله إلا الأفضل في طاعته والأجل في خدمته
وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله إلا أشدهم تبطا عن طاعته وإذا كان هذا
صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله وليس لأحد من
عباده عليه ضريبة لازب فلا يقال له إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل
عليه بالنبوة أيضا لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلا لأنه تفضل
قبله بنعمه ألا ترى يا عبد الله كيف أغنى واحدا وقبح صورته وكيف حسن صورة واحد
وأفقره وكيف شرف واحدا وأفقره وكيف أغنى واحدا ووضعه ثم ليس لهذا الغني أن
يقول هلا أضيف إلى يساري جمال فلان ولا للجميل أن يقول هلا أضيف إلى جمالي
مال فلان ولا للشريف أن يقول هلا أضيف إلى شرفي مال فلان ولا للوضيع أن يقول هلا
أضيف إلى ضعتي شرف فلان ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء وهو
حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل
من القريتين عظيم قال الله تعالى أهم يقسمون رحمه ربك يا محمد نحن قسمنا بينهم
389

معيشتهم في الحياة الدنيا فأحوجنا بعضا إلى بعض أحوج هذا إلى مال ذلك إلى
سلعة هذا وإلى خدمته فترى أجل الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في
ضرب من الضروب إما سلعة معه ليست معه وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك
الملك أن يستغني إلا به وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من
ذلك الفقير فهذا الفقير محتاج إلى مال ذلك الملك الغني وذلك الملك يحتاج إلى
علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته ثم ليس للملك أن يقول هلا اجتمع إلى مالي علم
هذا الفقير ولا للفقير أن يقول هلا اجتمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون
الحكم مال هذا الملك الغني
(33) ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا
الكفار في سعة وتنعم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم
سقفا من فضة ومعارج ومصاعد عليها يظهرون يعلون السطوح وقرئ سقفا مفردا
(34) ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤن أي أبوابا وسررا من فضة
(35) وزخرفا وزينة القمي أمة واحدة أي على مذهب واحد وزخرفا قال البيت
المزخرف بالذهب
وعن الصادق عليه السلام لو فعل الله ذلك بهم لما آمن أحد ولكنه جعل في
المؤمنين أغنياء وفي الكافرين فقراء وجعل في المؤمنين فقراء وفي الكافرين أغنياء
ثم امتحنهم بالأمر والنهي والصبر والرضا
وفي الكافي والعلل عن السجاد عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال عني
بذلك أمة محمد صلى الله عليه وآله أن يكونوا على دين واحد كفارا كلهم ولو فعل
الله ذلك بأمة محمد صلى الله عليه وآله لحزن المؤمنون وغمهم ذلك ولم يناكحوهم
ولم يوارثوهم
وفي العلل عن الصادق عليه السلام قال قال الله عز وجل لولا أن يجد عبدي
المؤمن في نفسه لعصبت الكافر بعصابة من ذهب وإن وإنه كل ذلك لما متاع الحياة
390

الدنيا وقرئ لما بالتشديد بمعنى إلا فتكون إن نافية والآخرة عند ربك للمتقين
في الكافي عن الصادق عليه السلام إن الله جل ثناؤه ليعتذر إلى عبده المؤمن
المحوج في الدنيا كما يعتذر الأخ إلى أخيه فيقول وعزتي ما أحوجتك في الدنيا من
هوان بك علي فارفع هذا السجف فانظر إلى ما عوضتك من الدنيا قال فيرفع فيقول ما
ضرني ما منعتني مع ما عوضتني
أقول: السجف بالمهملة والجيم الستر
وعنه عليه السلام قال قال النبي صلى الله عليه وآله يا معشر المساكين طيبوا
نفسا وأعطوا الله الرضا من قلوبكم يثيبكم الله عز وجل على فقركم فإن لم تفعلوا فلا
ثواب لكم
وعنه عليه السلام قال ما كان من ولد آدم عليه السلام مؤمن إلا فقيرا ولا كافر
إلا غنيا حتى جاء إبراهيم عليه السلام فقال ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا فصير الله
في هؤلاء أموالا وحاجة وفي هؤلاء أموالا وحاجة
(36) ومن يعش عن ذكر الرحمن يتعامى ويعرض عنه لفرط اشتغاله
بالمحسوسات وانهماكه في الشهوات نقيض نسبب ونقدر له شيطانا فهو له قرين
يوسوسه ويغويه دائما وقرئ يقيض بالياء
في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام من تصدى بالإثم أعشى عن ذكر
الله تعالى ومن ترك الأخذ عمن أمره الله بطاعته قيض له شيطان فهو له قرين
(37) وإنهم ليصدونهم عن السبيل وإن الشياطين ليصدون العاشين عن
الطريق الذي من حقه أن يسبل ويحسبون أي العاشون أنهم مهتدون
(38) حتى إذا جائنا أي العاشي وقرء جائانا على التثنية أي العاشي والشيطان
قال أي العاشي للشيطان يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين بعد المشرق من المغرب
فبئس القرين أنت
391

(39) ولن ينفعكم اليوم ما أنتم عليه من التمني إذ ظلمتم أنكم في العذاب
مشتركون
القمي عن الباقر عليه السلام نزلت هاتان الآيتان هكذا حتى إذا جائانا يعني
فلانا وفلانا يقول أحدهما لصاحبه حين يراه يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس
القرين فقال الله لنبيه صلى الله عليه وآله قل لفلان وفلان وأتباعهما لن ينفعكم اليوم إذ
ظلمتم آل محمد صلوات الله عليهم حقهم أنكم في العذاب مشتركون
(40) أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى إنكار تعجب من أن يكون هو الذي
يقدر على هدايتهم بعد تمرنهم على الكفر واستغراقهم في الضلال بحيث صار
عشاهم عمى مقرونا بالصمم ومن كان في ضلال مبين عطف على العمى باعتبار
تغاير الوصفين وفيه إشعار بأن الموجب لذلك تمكنهم في ضلال لا يخفى
(41) فإما نذهبن بك أي فإن قبضناك قبل أن ينصرك بعذابهم وما مزيدة للتأكيد
فإنا منهم منتقمون بعدك
(42) أو نرينك الذي وعدناهم أو إن أردنا أن نريك ما وعدناهم من العذاب
فإنا عليهم مقتدرون لا يفوتوننا
في المجمع روى أنه صلى الله عليه وآله اري ما يلقى أمته بعده فما
زال منقبضا ولم ينبسط ضاحكا حتى لقى الله تعالى قال:
وروى جابر بن عبد الله الأنصاري قال إني لأدناهم من رسول الله صلى الله عليه
وآله في حجة الوداع بمنى حتى قال لا ألفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم
رقاب بعض وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفني في الكتيبة التي تضاربكم ثم التفت إلى
خلفه فقال أو علي أو علي ثلاث مرات فرأينا أن جبرئيل غمزه فأنزل الله على أثر ذلك فإما
نذهبن بك فإنا منهم منتقمون بعلي بن أبي طالب
أقول: إنما يكون ذلك في الرجعة
والقمي عن الصادق عليه السلام قال فإما نذهبن بك يا محمد من مكة إلى
392

المدينة فإنا رادوك إليها ومنتقمون منهم بعلي بن أبي طالب عليه السلام وقد سبق في
هذا المعنى أخبار أخر في سورة المؤمنين
(43) فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم
القمي عن الباقر عليه السلام إنك على ولاية علي عليه السلام وعلي هو
الصراط المستقيم
(44) وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون
في الكافي عن الباقر عليه السلام نحن قومه ونحن المسؤولون
وعن الصادق عليه السلام إيانا عني ونحن أهل الذكر ونحن المسؤولون
وعنه عليه السلام الذكر القرآن ونحن قومه ونحن المسؤولون
وفي البصائر عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وأهل بيته أهل الذكر وهم المسؤولون
(45) واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة
يعبدون هل حكمنا بعبادة الأوثان وهل جاءت في ملة من مللهم
في الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية من ذا الذي
سأله محمد صلى الله عليه وآله وكان بينه وبين عيسى خمسمأة سنة فتلا هذه الآية
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا
حوله لنريه من آياتنا قال فكان من الآيات التي أراها الله محمدا صلى الله عليه وآله حين
أسرى به إلى البيت المقدس أن حشر الله له الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين
ثم أمر جبرئيل فأذن شفعا وأقام شفعا ثم قال في إقامته حي على خير العمل ثم تقدم
محمد صلى الله عليه وآله فصلى بالقوم فأنزل الله عليه واسأل من أرسلنا الآية
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله على ما تشهدون وما كنتم تعبدون فقالوا
نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله (ص) أخذت على
ذلك مواثيقنا وعهودنا
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث وأما قوله واسئل من
393

أرسلنا من قبلك من رسلنا فهذا من براهين نبينا التي أتاه الله إياها وأوجب به الحجة
على ساير خلقه لأنه لما ختم به الأنبياء وجعله الله رسولا إلى جميع الأمم وساير الملل
خصه بالارتقاء إلى السماء عند المعراج وجمع له يومئذ الأنبياء فعلم منهم ما أرسلوا
به وحملوه من عزائم الله وآياته وبراهينه فأقروا أجمعين بفضله وفضل الأوصياء
والحجج في الأرض من بعده وفضل شيعة وصيه من المؤمنين والمؤمنات الذين
سلموا لأهل الفضل فضلهم ولم يستكبروا عن أمرهم وعرف من أطاعهم وعصاهم من
أممهم وسائر من مضى ومن غبر أو تقدم أو تأخر وقد سبق نظير هذين الخبرين في
سورة يونس عليه السلام
(46) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب
العالمين
(47) فلما جائهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون استهزؤا بها أول ما رأوها ولم
يتأملوا فيها
(48) وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب كالسنين
والطوفان والجراد لعلهم يرجعون
(49) وقالوا يا أيها الساحر قيل نادوه بذلك في تلك الحال لشدة شكيمتهم
وفرط حماقتهم أو لأنهم كانوا يسمون العالم الباهر ساحرا والقمي أي يا أيها العالم
ادع لنا ربك بما عهد عندك أن يكشف عنا العذاب إننا لمهتدون
(50) فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون عهدهم بالاهتداء
(51) ونادى فرعون في قومه في مجمعهم وفيما بينهم بعد كشف العذاب
عنهم مخافة أن يؤمن بعضهم قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار النيل وكان
معظمهم أربعة تجرى من تحتي أفلا تبصرون ذلك
(52) أم أنا خير مع هذه المسلكة والبسطة من هذا الذي هو مهين ضعيف حقير لا
يستعد للرياسة ولا يكاد يبين الكلام لما به من الرتة (1) فكيف يصلح للرسالة وأم إما منقطعة

(1) الرتة بالضم العجمة.
394

والهمزة فيها للتقرير أو متصلة والمعنى أفلا تبصرون فتعلمون أني خير منه
(53) فلولا ألقى عليه أساورة من ذهب أي فهلا القي إليه مقاليد الملك إن كان
صادقا إذ كانوا إذ سودوا رجلا سوروه وطوقوه بطوق من ذهب وأساورة جمع أسوار
بمعنى السوار وقرئ أسورة أو جاء معه الملائكة مقترنين مقارنين يعينونه أو يصدقونه
(54) فاستخف قومه استخف أحلامهم أو طلب منهم الخفة في مطاوعته
ودعاهم فأطاعوه فيما أمرهم به إنهم كانوا قوما فاسقين أطاعوا ذلك الفاسق في
نهج البلاغة ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون على فرعون وعليهما
مدارع الصوف وبأيديهما العصا فشرطا له إن أسلم فلذلك بقاء ملكه ودوام عزه فقال
ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك وهما بما ترون من حال
الفقر والذل فهلا ألقي عليهما أساور من ذهب إعظاما للذهب وجمعه احتقارا
للصوف ولبسه ولو أراد الله سبحانه لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان
ومعادن العقيان ومغارس الجنان وأن يحشر معهم طيور السماء ووحوش الأرضين
لفعل ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء واضمحل الأنباء ولما وجب للقائلين أجور
المبتلين ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين ولا لزمت الأسماء معانيها ولكن الله
سبحانه جعل رسله أولي قوه في عزائمهم وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم مع
قناعة تملأ القلوب والعيون غنى وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى ولو كانت
الأنبياء أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام وملك تمد نحوه أعناق الرجال وتشد إليه عقد
الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار وأبعد لهم من الاستكبار ولامنوا
عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مايلة بهم وكانت السيئات مشتركة والحسنات مقتسمة
ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الأتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه
والاستكانة لأمره والاستسلام لطاعته أمورا له خاصة لا يشوبها من غيرها شائبة
وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل
(55) فلما أسفونا أغضبونا بالإفراط في العناد والعصيان انتقمنا منهم
فأغرقناهم أجمعين في اليم
395

في الكافي والتوحيد عن الصادق عليه السلام إنه قال في هذه الآية إن الله
تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم
مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه وذلك لأنه
جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس أن ذلك يصل إلى الله
كما يصل إلى خلقه ولكن هذا معنى ما قال من ذلك وقال أيضا من أهان لي وليا فقد
بارزني بالمحاربة ودعاني إليها وقال أيضا من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال أيضا
إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله وكل هذا وشبه على ما ذكرت لك وهكذا الرضا
والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى المكون الأسف
والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشأهما لجاز لقائل أن يقول إن المكون يبيد يوما لأنه
إذا دخله الضجر والغضب دخله التغير وإذا دخله التغير لم يؤمن عليه بالإبادة ولو
كان ذلك كذلك لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور ولا الخالق
من المخلوق تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا هو الخالق للأشياء لا لحاجة فإذا
كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه فافهم ذلك إنشاء الله
(56) فجعلناهم سلفا قدوة لمن بعدهم من الكفار وقرئ سلفا بضمتين ومثلا
للآخرين وعظة لهم
(57) ولما ضرب ابن مريم مثلا لعلي بن أبي طالب عليه السلام حيث
قيل إن فيه شبها منه إذا قومك قريش منه من هذا المثل يصدون قيل أي يضجون
فرحا لظنهم أن الرسول صار ملزما به وقرئ بالضم من الصدود أي يصدون عن الحق
ويعرضون عنه وقيل هنا لغتان
وفي المعاني عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في هذه الآية الصدود في
العربية الضحك
(58) وقالوا أآلهتنا خير أم هو وقرئ بإثبات همزة الاستفهام ما ضربوه لك إلا
جدلا ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدل والخصومة لا لتمييز الحق من عن الباطل
بل هم قوم خصمون شداد الخصومة حراص على اللجاج
396

(59) إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبنى إسرائيل
(60) ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون يخلفونكم
الأرض يعني أن الله قادر على أعجب من ذلك
في الكافي عن أبي بصير قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم
جالس إذ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله أن
فيك شبها من عيسى بن مريم لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى
في عيسى بن مريم عليه السلام لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا
التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة قال فغضب الأعرابيان والمغيرة بن
شعبة وعدة من قريش معهم فقالوا ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسى بن
مريم فأنزل الله على ولما ضرب ابن مريم مثلا إلى قوله لجعلنا منكم يعني من
بني هاشم ملائكة في الأرض يخلفون الحديث وقد مضى تمامه في سورة الأنفال
والقمي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال بينما رسول الله صلى الله
عليه وآله جالسا في أصحابه إذ قال أنه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى بن مريم
عليه السلام فخرج بعض من كان جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليكون
هو الداخل فدخل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال الرجل لبعض أصحابه أما
رضي محمد أن فضل عليا علينا حتى يشبهه بعيسى بن مريم والله لآلهتنا التي كنا
نعبدها في الجاهلية أفضل منه فأنزل الله في ذلك المجلس ولما ضرب ابن مريم
مثلا إذا قومك منه يضجون فحرفوها يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك
إلا جدلا بل هم قوم خصمون إن علي عليه السلام إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا
لبنى إسرائيل فنحي اسمه عن هذا الموضع
وفي المناقب عن النبي صلى الله عليه وآله قال يدخل من هذا الباب رجل
أشبه الخلق بعيسى فدخل علي فضحكوا من هذا القول فنزل ولما ضرب الآيات
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام قال جئت إلى النبي صلى الله
عليه وآله يوما فوجدته في ملأ من قريش فنظر إلي ثم قال يا علي إنما مثلك في هذه
397

الأمة كمثل عيسى بن مريم أحبه قوم فأفرطوا في حبه فهلكوا وأبغضه قوم وأفرطوا
في بغضه فهلكوا واقتصد فيه قوم فنجوا فعظم ذلك عليهم وضحكوا وقالوا يشبهه
بالأنبياء والرسل فنزلت هذه الآية وفي التهذيب في دعاء يوم الغدير المروى عن
الصادق عليه السلام فقد أجبنا داعيك النذير المنذر محمدا عبدك ورسولك إلى
علي بن أبي طالب عليه السلام الذي أنعمت عليه وجعلته مثلا لبني إسرائيل أنه
أمير المؤمنين عليه السلام ومولاهم ووليهم إلى يوم القيامة يوم الدين فإنك قلت إن
هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبنى إسرائيل
(61) وإنه لعلم للساعة القمي ثم ذكر خطر أمير المؤمنين عليه السلام فقال
وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم قال يعني
أمير المؤمنين عليه السلام وقيل يعني نزول عيسى بن مريم عليه السلام من أشراط
الساعة يعلم به قربها فلا تمترن بها
(62) ولا يصدنكم الشيطان
القمي يعني الثاني عن أمير المؤمنين إنه لكم عدو مبين
(63) ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولابين لكم
بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون فيما أبلغه عنه
(64) إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم
(65) فاختلف الأحزاب الفرق المتحزبة من بينهم فويل للذين ظلموا من
المتحزبين من عذاب يوم أليم القيامة
(66) هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فجأة وهم لا يشعرون
غافلون عنها
(67) الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو
القمي يعني الأصدقاء يعادي بعضهم بعضا
398

وقال الصادق عليه السلام الأكل خلة كانت في الدنيا في غير الله عز وجل
فإنها تصير عداوة يوم القيامة إلا المتقين فإن خلتهم لما كانت في الله تبقى نافعة أبد
الآباد
في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه قرأ هذه الآية فقال والله ما أراد بهذا
غيركم
وفي مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في
ظلمات الأرض وإن أفنيت عمرك في طلبهم فإن الله عز وجل لم يخلق أفضل منهم
على وجه الأرض من بعد النبيين وما أنعم الله تعالى على عبد بمثل ما أنعم به من
التوفيق لصحبتهم قال الله تعالى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين
وأظن أن من طلب في زماننا هذا صديقا بلا عيب بقي بلا صديق
(68) يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون حكاية لما ينادى به
المتقون المتحابون في الله يومئذ
(69) الذين آمنوا بآياتنا
القمي يعني الأئمة عليهم السلام وكانوا مسلمين
(70) ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم نساؤكم المؤمنات تحبرون
القمي أي تكرمون
(71) يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب الصحفة القصعة والكوب
كوز لا عروة له وفيها ما تشتهيه الأنفس وقرئ ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين
بمشاهدته وأنتم فيها خالدون فإن كل نعيم زائل موجب لكلفة الحفظ وخوف الزوال
ومستعقب للتحسر في ثاني الحال
في الاحتجاج عن القائم عليه السلام إنه سئل عن أهل الجنة هل يتوالدون
إذا دخلوها فأجاب عليه السلام إن الجنة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة ولا طمث
ولا نفاس ولا شقاء بالطفولية وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين كما قال الله فإذا
399

اشتهى المؤمن ولدا خلقه الله عز وجل بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد
كما خلق آدم عبرة
والقمي عن الصادق عليه السلام قال إن الرجل في الجنة يبقى على مائدته
أيام الدنيا ويأكل في أكلة واحدة بمقدار أكله في الدنيا
(72) وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون قد مر معنى الوراثة
(73) لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون قيل ولعل تفصيل التنعم بالمطاعم
والملابس وتكريره في القرآن وهو حقير بالإضافة إلى ساير نعيم الجنة لما كان بهم
من الشدة والفاقة
(74) إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون القمي هم أعداء آل محمد
صلوات الله عليهم
(75) لا يفتر عنهم لا يخفف عنهم وهم فيه مبلسون القمي أي آيسون من
الخير
(76) وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين
(77) ونادوا يا مالك
وفي المجمع عن علي عليه السلام إنه قرأ يا مال على الترخيم قيل ولعله
إشعار بأنهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام ولذلك اختصروا فقالوا
ليقض علينا ربك يعني سل ربك أن يقضي علينا أن يميتنا من قضى عليه إذا أماته
قال إنكم ماكثون لا خلاص لكم بموت وغيره
(78) لقد جئناكم بالحق بالإرسال والإنزال القمي هو قول الله عز وجل قال
يعني بولاية أمير المؤمنين عليه السلام ولكن أكثركم للحق كارهون قال يعني لولاية
أمير المؤمنين عليه السلام
(79) أم أبرموا أمرا في تكذيب الحق ورده ولم يقتصروا على كراهته فإنا
400

مبرمون أمرا في مجازاتهم
(80) أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم حديث نفسهم ونجواهم تناجيهم بلى
نسمعها ورسلنا والحفظة مع ذلك لديهم يكتبون ذلك
القمي يعني ما تعاهدوا عليه في الكعبة أن لا يردوا الأمر في أهل بيت
رسول الله صلى الله عليه وآله
أقول: يأتي بيان ذلك في سورة محمد صلى الله عليه وآله
وعن الصادق عليه السلام أن هذه الآية نزلت فيهم
(81) قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين وقرئ ولد بالضم القمي يعني
أول الأنفين لله عز وجل أن يكون له ولد
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام أي الجاحدين قال والتأويل
في هذا القول باطنه مضاد لظاهره
(82) سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون عن كونه ذا
ولد فإن هذه المبدعات منزهة عن توليد المثل فما ظنك بمبدعها وخالقها
(83) فذرهم يخوضوا ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون
أي القيامة
(84) وهو الذي في السماء إله وفى الأرض إله مستحق لأن يعبد فيهما
في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال في حديث وقوله وهو الذي
في السماء إله وفى الأرض إله وقوله وهو معكم أينما كنتم وقوله ما يكون من نجوى
ثلاثة إلا هو رابعهم فإنما أراد بذلك استيلاء أمنائه بالقدرة التي ركبها فيهم على
جميع خلقه وأن فعلهم فعله وهو الحكيم العليم
(85) وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم
الساعة وإليه يرجعون وقرئ بالتاء
401

(86) ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة القمي قال هم الذين عبدوا في
الدنيا لا يملكون الشفاعة لمن عبدهم إلا من شهد بالحق وهم يعلمون بالتوحيد
(87) ولئن سئلتهم من خلقهم ليقولن الله لتعذر المكابرة فيه من فرط ظهوره
فأنى يؤفكون يصرفون من عبادته إلى عبادة غيره
(88) وقيله وقول الرسول أي ويعلم قوله أو وقال قوله وقيل الهاء زائدة وقرئ
بالجر عطفا على الساعة يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون
(89) فاصفح عنهم فاعرض عن دعوتهم آيسا عن إيمانهم وقل سلام تسلم
منكم ومتاركة فسوف يعلمون تسلية للرسول صلى الله عليه وآله وتهديد لهم وقرئ
بالتاء
في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر عليه السلام من قرأ حم الزخرف آمنه
الله في قبره من هوام الأرض وضغطة القبر حتى يقف بين يدي الله عز وجل ثم
جاءت حتى تدخله الجنة بأمر الله تبارك وتعالى
402

سورة الدخان مكية عدد آيها تسع وخمسون آية
كوفي سبع بصري ست في الباقين
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) حم
(2) والكتاب المبين
(3) إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين
(4) فيها يفرق كل أمر حكيم
في المجمع عن الباقر والصادق عليهما السلام أي أنزلنا القرآن والليلة
المباركة هي ليلة القدر
والقمي عنهما وعن الكاظم عليهم السلام مثله وزاد أنزل الله سبحانه القرآن
فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة ثم نزل من البيت المعمور على رسول الله
صلى الله عليه وآله في طول عشرين سنة فيها يفرق يعني في ليلة القدر كل أمر
حكيم أي يقدر الله عز وجل كل أمر من الحق والباطل وما يكون في تلك السنة وله
فيه البداء والمشيئة يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا
والأعراض والأمراض ويزيد فيه ما يشاء وينقص ما يشاء ويلقيه رسول الله صلى الله
عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمة عليهم
السلام حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان عليه السلام ويشترط له فيه البداء
والمشية والتقديم والتأخير
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال قال الله عز وجل في ليلة القدر فيها
403

يفرق كل أمر حكيم يقول ينزل فيها كل أمر حكيم والمحكم ليس بشيئين إنما هو
شئ واحد فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عز وجل ومن
حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت أنه لينزل في ليلة
القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا وفي
أمر الناس كذا وكذا وأنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم علم الله الخاص
والمكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ثم قرأ ولو أن ما
في الأرض من شجرة أقلام الآية
وعنه عليه السلام قال يا معشر الشيعة خاصموا بحم والكتاب المبين إنا
أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فإنها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله صلى الله
عليه وآله
وعنه عليه السلام قال لما قبض أمير المؤمنين عليه السلام قام الحسن بن
علي عليهما السلام في مسجد الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي
صلى الله عليه وآله ثم قال أيها الناس إنه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه
الأولون ولا يدركه الآخرون ثم قال والله لقد قبض في الليلة التي قبض فيها وصي
موسى عليه السلام يوشع بن نون عليه السلام والليلة التي عرج فيها بعيسى بن
مريم والليلة التي نزل فيها القرآن وقد مضى في المقدمة التاسعة من هذا الكتاب
كلام في هذا الباب ويأتي تمام الكلام فيه في سورة القدر إنشاء الله
وعن الكاظم عليه السلام إنه سأله نصراني عن تفسير هذه الآية في الباطن
فقال أما حم فهو محمد صلى الله عليه وآله وهو في كتاب هود الذي انزل عليه وهو
منقوص الحروف وأما الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين علي عليه السلام وأما الليلة
ففاطمة عليها السلام وأما قوله فيها يفرق كل أمر حكيم يقول يخرج منها خير كثير
فرجل حكيم ورجل حكيم ورجل حكيم فقال الرجل صف لي الأول والاخر من
هؤلاء الرجال فقال إن الصفات تشتبه ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج
من نسله وأنه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم إن لم تغيروا وتحرفوا وتكفروا
وقديما ما فعلتم الحديث
404

(5) أمرا من عندنا على مقتضى حكمتنا إنا كنا مرسلين من عادتنا إرسال
الرسل بالكتب
(6) رحمة من ربك وضع الرب موضع الضمير إشعار بأن الربوبية اقتضت
ذلك فإنه أعظم أنواع التربية إنه هو السميع العليم يسمع أقوال العباد ويعلم
أحوالهم
(7) رب السماوات والأرض وما بينهما وقرئ بالجر إن كنتم موقنين علمتم
أن الأمر كما قلنا
(8) لا إله إلا هو إذ لا خالق سواه يحيى ويميت كما تشاهدون ربكم ورب
آبائكم الأولين
(9) بل هم في شك يلعبون رد لكونهم موقنين
(10) فارتقب فانتظر لهم يوم تأتى السماء بدخان مبين
(11) يغشى الناس يحيط بهم هذا عذاب أليم روي في حديث أشراط
الساعة أول الآيات الدخان ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من قعر عدن أبين
تسوق الناس إلى المحشر قيل وما الدخان فتلا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه
الآية وقال يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن
فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه واذنيه ودبره
أقول: أبين بسكون الموحدة وفتح المثناة من تحت رجل ينسب إليه عدن
وفي الجوامع عن علي عليه السلام دخان يأتي من السماء قبل قيام الساعة
يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ ويعتري
المؤمن منه كهيئة الزكام ويكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ليس فيه خصاص يمتد
ذلك أربعين يوما والقمي قال ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر يغشي الناس
كلهم الظلمة فيقولون هذا عذاب أليم
405

(12) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون وعد بالأيمان أن يكشف العذاب عنهم
(13) أنى لهم الذكرى من أين لهم وكيف يتذكرون بهذه الحالة وقد جائهم
رسول مبين أبان لهم ما هو أعظم منها في ايجاب الأذكار من الآيات والمعجزات
(14) ثم تولوا عنه وقالوا معلم قيل يعني يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف
مجنون القمي قال قالوا ذلك لما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله
فأخده الغشي فقالوا هو مجنون
(15) إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون قيل يعني إلى الكفر غب الكشف
والقمي يعني إلى القيامة وقال ولو كان قوله تعالى يوم تأتى السماء بدخان مبين
في القيامة لم يقل إنكم عائدون لأنه ليس بعد الآخرة والقيامة حالة يعودون إليها
(16) يوم نبطش البطشة الكبرى
القمي قال القيامة والبطش التناول بصولة إنا منتقمون
(17) ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون اختبرناهم وجائهم رسول كريم
(18) أن أدوا إلى عباد الله أرسلوهم معي أو أدوا إلي حق الله من الأيمان
وقبول الدعوة يا عباد الله
القمي أي ما فرض الله من الصلاة والزكاة والصوم والحج والسنن والأحكام
إني لكم رسول أمين غير متهم
(19) وأن لا تعلوا على الله ولا تتكبروا عليه بالاستهانة بوحيه ورسوله إني
آتيكم بسلطان مبين قيل ولذكر الأمين مع الأداء والسلطان مع العلاء شأن لا يخفى
(20) وإني عذت بربي وربكم التجأت إليه وتوكلت عليه أن ترجمون أن تؤذوني
ضربا أو شتما
(21) وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون فكونوا بمعزل مني لا علي ولا لي
406

(22) فدعا ربه بعد ما كذبوه أن هؤلاء قوم مجرمون قيل هو تعريض بالدعاء
عليهم بذكر ما استوجبوه به ولذلك سماه دعاء
(23) فأسر بعبادي ليلا أي أوحى الله إليه أن أسر إنكم متبعون يتبعكم
فرعون وجنوده إذا علموا بخروجكم
(24) واترك البحر رهوا القمي أي جانبا أو خذ على الطريق وقيل أي
مفتوحا ذا فجوة واسعة أو ساكنا على هيئته إنهم جند مغرقون
(25) كم تركوا كثيرا تركوا من جنات وعيون
(26) وزروع ومقام كريم محافل مزينة ومنازل حسنة
(27) ونعمة وتنعم كانوا فيها فاكهين متنعمين
القمي قال النعمة في الأبدان فاكهين أي مفاكهين النساء
(28) كذلك وأورثناها قوما آخرين
(29) فما بكت عليهم السماء والأرض قيل مجاز عن عدم الاكتراث
بهلاكهم والاعتداد بوجودهم
القمي عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه مر عليه رجل عدو لله ولرسوله فقال
فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ثم مر عليه الحسين عليه السلام
ابنه فقال لكن هذا لتبكين عليه السماء والأرض وقال وما بكت السماء والأرض إلا
على يحيى بن زكريا عليه السلام وعلى الحسين بن علي عليهما السلام
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام قال بكت السماء على يحيى بن زكريا
وعلى الحسين بن علي عليهم السلام أربعين صباحا ولم تبك إلا عليهما قيل فما
بكاءهما قال كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء
وفي المناقب عنه عليه السلام قال بكت السماء على الحسين عليه السلام
أربعين يوما بالدم
407

وعن القائم عليه السلام ذبح يحيى عليه السلام كما ذبح الحسين عليه
السلام ولم تبك السماء والأرض إلا عليهما وما كانوا منظرين ممهلين إلى وقت
آخر
(30) ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من استعباد فرعون وقتله
أبنائهم
(31) من فرعون إنه كان عاليا متكبرا من المسرفين في العتو والشرارة
(32) ولقد اخترناهم على علم بأنهم أحقاء بذلك على العالمين على
عالمي زمانهم القمي فلفظه عام ومعناه خاص
(33) وآتيناهم من الآيات كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى
ما فيه بلاء مبين نعمة جلية أو اختبار ظاهر
(34) إن هؤلاء أي كفار قريش فإن قصة فرعون كانت معترضة ليقولون
(35) إن هي إلا موتتنا الأولى ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة المزيلة
للحياة الدنيوية وما نحن بمنشرين بمبعوثين
(36) فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين في وعدكم
(37) أهم خير أم قوم تبع تبع الحميري الذي سار بالجيوش وحيز الحيرة
كان مؤمنا وقومه كافرين ولذلك ذمهم دونه في المجمع عن النبي صلى الله عليه
وآله لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم
وعن الصادق عليه السلام إن تبعا قال للأوس والخزرج كونوا هيهنا حتى
يخرج هذا النبي أما أنا فلو أدركته لخدمته وخرجت معه والذين من قبلهم كعاد
وثمود أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين كما أن هؤلاء مجرمون
(38) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين لاهين فيه تنبيه على
ثبوت الحشر
408

(39) ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون لقلة نظرهم
(40) إن يوم الفصل فصل الحق عن الباطل والمحق عن المبطل ميقاتهم
وقت موعدهم أجمعين
(41) يوم لا يغنى مولى عن مولى أي مولى كان شيئا شيئا من الأغناء وهم لا
ينصرون
(42) إلا من رحم الله بالعفو عنه وقبول الشفاعة فيه إنه هو العزيز لا ينصر
منه من أراد تعذيبه الرحيم لمن أراد أن يرحمه
في الكافي عن الصادق عليه السلام أنه قرئ عليه هذه الآية فقال نحن والله
الذي يرحم الله ونحن والله الذي استثنى الله لكنا نغني عنهم وعنه عليه السلام ما استثنى
الله عز وجل ذكره بأحد من أوصياء الأنبياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين عليه
السلام وشيعته فقال في كتابه وقوله الحق يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا وهم لا
ينصرون إلا من رحم الله يعني بذلك عليا عليه السلام وشيعته
والقمي قال من والى غير أولياء الله لا يغني بعضهم عن بعض ثم استثنى من
والى آل محمد صلوات الله عليهم فقال إلا من رحم الله الآية
(43) إن شجرة الزقوم مر معناه في سورة الصافات
(44) طعام الأثيم الكثير الآثام
القمي نزلت في أبي جهل
(45) كالمهل قيل ما هو يمهل في النار حتى يذوب
القمي قال المهل الصفر المذاب تغلي في البطون وقرئ بالياء
(46) كغلي الحميم القمي وهو الذي قد حمى وبلغ المنتهى
(47) خذوه على إرادة القول والمقول له الربانية فاعتلوه فجروه والعتل
الأخذ بمجامع الشئ وجره بقهر وقرئ بالضم إلى سواء الجحيم وسطه والقمي أي
409

فاضغطوه من كل جانب ثم أنزلوا به إلى سواء الجحيم
(48) ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم من عذاب هو الحميم
(49) ذق إنك أنت العزيز الكريم أي وقولوا له ذلك استهزاء به
القمي وذلك أن أبا جهل كان يقول أنا العزيز الكريم فيعير بذلك في النار
وفي الجوامع روي أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وآله ما بين
جبليها أعز ولا أكرم مني وقرئ إنك بالفتح أي لأنك
(50) إن هذا هذا العذاب ما كنتم به تمترون تشكون وتمارون فيه
(51) إن المتقين في مقام في موضع إقامة وقرئ بفتح الميم أمين يأمن
صاحبه عن الآفة والانتقال
(52) في جنات وعيون
(53) يلبسون من سندس وإستبرق السندس ما رق من الحرير والإستبرق ما
غلظ منه متقابلين في مجالسهم ليستأنس بعضهم ببعض
(54) كذلك الأمر كذلك وزوجناهم بحور عين قرناهم بهن ولذلك عدى
بالباء والحوراء البيضاء والعيناء عظيم العينين
في الكافي عن الباقر عليه السلام قال إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار
النار بعث رب العزة عليا عليه السلام فأنزلهم منازلهم من الجنة فزوجهم فعلي والله
الذي يزوج أهل الجنة في الجنة وما ذاك إلى أحد غيره كرامة من الله وفضلا فضله
الله ومن به عليه
والقمي عن الصادق عليه السلام قال المؤمن يزوج ثمان مأة عذراء وألف
ثيب وزوجتين من الحور العين
(55) يدعون فيها بكل فاكهة يطلبون ويأمرون باحضار ما يشتهون من الفواكه
لا يتخصص شئ منها بمكان ولا زمان آمنين من الضرر
410

(56) لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى التي في الدنيا حين يشارف
الجنة ويشاهدها بل يحيون فيها دائما ووقاهم عذاب الجحيم
(57) فضلا من ربك أعطوا ذلك كله تفضلا منه ذلك هو الفوز العظيم
لأنه خلاص عن المكاره وفوز بالمطالب
(58) فإنما يسرناه بلسانك سهلناه حيث أنزلناه بلغتك وهو فذلكة للسورة
لعلهم يتذكرون يفهمونه فيتذكرون به لما لم يتذكروا
(59) فارتقب فانتظر ما يحل بهم إنهم مرتقبون منتظرون ما يحل بك
في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر عليه السلام من أدمن سورة الدخان
في فرائضه ونوافله بعثه الله من الآمنين يوم القيامة وظلله تحت عرشه وحاسبه حسابا
يسيرا وأعطاه كتابه بيمينه
وفي الكافي عنه عليه السلام إنه سئل كيف أعرف أن ليلة القدر تكون في كل
سنة قال إذا أتى شهر رمضان فاقرأ سورة الدخان في كل ليلة مأة مرة فإذا أتت ليلة
ثلاث وعشرين فإنك ناظر إلى تصديق الذي سألت عنه.
411