الكتاب: شرح الأسماء الحسنى
المؤلف: الملا هادى السبزواري
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٠٠
المجموعة: مصادر التفسير عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي - قم - ايران
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية

هو الله تعالى
1

هو الله تعالى
هذا شرح الأسماء المعروفة بالجوشن الكبير للعالم
العامد والفاضل الكامل قدوة المتبحرين
وزبدة الحكماء المتألهين قبلة أولياء العرفان و
نخبة أصفياء البرهان فيلسوف العصر أفلاطون
الدهر البحر المواج والسراج الوهاج الفهام
العلام المولى القمقام التابع لمرضات
ربه الباري الحاج ملا هادي السبزواري
شكر الله سعيه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على أفضل المصلين وأشرف الداعين وآله الذين هم أهل الذكر
أجمعين وبعد فيقول المفتاق إلى رحمة الباري الهادي ابن المهدى السبزواري كثيرا،
كان يختلج بخاطر الحقير ان اشرح الدعاء المعروف بالجوشن الكبير لان الأدعية المأثورة وإن كانت
كلها أنوارا لا ينبغي ترجيح بعضها على بعض لكونها كالحلقة المفرغة الا انها تتفاوت بحسب مقامات
الداعين وأحوال الذاكرين فكان يعجبني بعد غوره وحسن طوره لخلوه عن كثرة التعرض للأغراض
وجلب الأعواض وعن كثرة التوجه إلى الانائة وإن كان هذه أيضا بوجه حسنة ولان الكل لما كانت
مظاهر أسمائه الحسنى ومجالى صفاته العليا كان شرحه كأنه شرح الكل كما ترى الآيات والأدعية
غير خالية عنها وانى كنت في بعض أوقات تذكري موزعا إياه فكنت تاليا في كل وقت حسب ما
كان متعير إلى وكنت أيضا في بعض الأوقات مدرجا بعض فصوله السنية في قنوت بعض صلواتي
مسقطا للفقرة التي هي الغوث الغوث خلصنا من النار يا رب لكن لا بعنوان التصرف في المأثور
بل بعنوان اجراء صفاته العليا وذكر أسمائه الحسنى وإذ كان له في باب التوحيد على حق كبير شمرت عن
ساق الجد مجترئا على هذا الامر الخطير مستمدا من الفياض القدير الذي لا شريك له ولا وزير ولا شبيه له
2

ولا نظير وها انا أخوض في المقصود فأقول بسم الله الرحمن الرحيم قول الداعي اللهم أصله يا الله
حذفت كلمة يا وعوض عنها الميم المشددة وأحرف النداء قد تنحذف كمثل ربنا ومثل يوسف
والسر في الحذف هنا ان يا بحساب الجمل أحد عشر واسم هو الذي قالوا إنه أعظم الأسماء أيضا
أحد عشر فهو بحسب الباطن مع جميع الأسماء المدعوة بكلمة يا فحذفت هنا إشارة إلى كونهما واحدا
قل هو الله أحد وفى الحديث التوحيد الحق هو الله والقائم به رسول الله والحافظ
له نحن والتابع فيه شيعتنا ويرشدك إليه ان من جمع هذه المرتبة من العدد التي يستخرج
منها اسم هو مع الاعداد السابقة يحصل ست وستون وهو عدد اسم الله ويقربك أيضا
ان حروف الله زبره وبيناته أحد عشر والسر في التعويض الإشارة إلى الاستخلاف فان الميم
مفتاح اسم الخاتم وخاتم اسم آدم فخلافة ميم عن ياء التي علمت أنها بحسب الروح هو حاكية
عن خلافة الانسان الكامل عن الله تعالى قال الله تعالى انى جاعل في الأرض خليفة وقال صلى الله عليه وآله
من رآني فقد رأى الحق والسر في التشديد ان في اسم محمد صلى الله عليه وآله ميمين أحدهما ميم الملك
والاخر ميم الملكوت أودعهما الله تعالى في اسم حبيبه ايماء إلى أن عنده سر الملك والملكوت
ولكون الميم حرف الانسان الكامل كان تفسير حم انه حق محمد أي على حق انى اثبات الآنية
وإن كان من أعظم الخطايا كما قيل وجودك ذنب لا يقاس به ذنب وقيل بيني وبينك
انى ينازعني فارفع بلطفك انى من البين الا انه لما كان حسنات الأبرار سيئات
المقربين حيث كان دايرة التكليف يدور على مركز العقل ورحاه يتحرك على قطب العلم وفى كل
بحسبه فكل من كان أعقل كان تكليفه أشكل وكل من كان اجهل كان تكليفه أسهل كما قال تعالى في كتابه
العزيز يا نساء النبي لستن كأحد من النساء الآية فهو لابد منه في بدو الامر إذ المجاز قنطرة
الحقيقة ومعلوم انه بعد الوصول إلى كعبة المراد يصير الاشتغال بالمزاد وبالا والوصول لا يتيسر
لسانا فقط بل حالا ومقاما وعلما وعينا وحقا فالداعي الحقيقي ينبغي ان يشير بانا وانى وأمثالهما
إلى نفسه بما هو عبده ومضاف إليه وموجود به لا بما هو نفسه لأنه من هذه الجهة باطل أسئلك
السؤال يستعمل في الداني بالنسبة إلى العالي والالتماس في المساوى الا انه في العرف اشتهر
بعكس ذلك والدنائة أيضا كالانائيه الا انه لابد منه كما مر بسمك انطواء الألف التي هي
3

حرف الذات في الباء التي هي حرف العقل إشارة إلى أن العلة حد تام للمعلول كما أن المعلول حد
ناقص للعلة وان ما هو في الهويات هو لم هو كما أن ما هو فيها هو هل هو فكما ان المهيات لا يتصور
بدون علل القوام كك الهويات لا يتحقق بدون علل الوجود كما لا ظهور للهيته في العقل بدون
مقومها العقلي كذلك لا نورية للهوية بدون قيومها العيني فالظهور أولا وبالذات للعلا وثانيا
وبالعرض للمعلول ولذا قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله
على بعض الوجوه بل لما كان الامكان لازم المهية لا ينفك عنها ابدا وهي في حال الوجود يصدق
على نفسها وفى حال العدم لا يصدق نفسها على نفسها كانت بذاتها مظلمة لا نورية لها
الله نور السماوات والأرض وبنفسها مختفية لا ظهور لها هو الأول والاخر والظاهر
والباطن وهو بكل شئ عليم وقد تقرر عند علماء المعاني ان المسند المعرف باللام مقصور
على المسند إليه نحو زيد الأمير ان قلت فالمناسب انطواء حرف العقل في حرف الذات بعكس
ما ذكرت قلت الظهور انما هو لنوره الفعلي واما ذاته فهى المحجبة من فرط نوره استتر بشعاع
نوره عن نواظر خلقه فاسمه تعالى الظاهر معناه ذات له الظهور فقولنا ذات إشارة إلى مرتبة
غيب الغيوب والظهور إشارة إلى نوره الفعلي الذي أشرقت به السماوات والأرضون ولذا فسر
المعصوم (ع) قوله تعالى الله نور السماوات بمنور السماوات والأرض وهذا بوجه مقرب كالأبيض
فان الأبيض الحقيقي نفس البياض والأبيض المشهوري هو الجسم والوجه المبعد ان الجسم مجاز أبيض
لصحة السلب في مرتبة ذاته ولكن مجازا برهانيا وهو حقيقة عرفية بخلاف ما نحن فيه فان الذات
المقدسة أيضا كنوره الفعلي ظاهر بالحقيقة الا انه ظاهر بذاته لذاته على ذاته ونوره الفعلي ظاهر في
مجالي صور أسمائه وصفاته فظهور العقل الكلى انما هو ظهور نوره تعالى الفعلي لان العقول بل النفوس
كما قال شيخ الاشراق شهاب الدين السهروردي كلها وجود بلا مهية باقية ببقاء الله كما أشار (ع)
في حديث كميل وفى حديث الأعرابي في بعض مراتب النفس ولا تستبعدن كون النفس وجودا بلا مهية
إذ ليس لها حد يقف في مراتب الكمال فكل مرتبة يصل إليها يتجاوز عنها فلا سكون وطمأنينة لها
الا بذكر الله تطمئن القلوب وكل حد من الفعلية يحصل لها تكسرها خلق الانسان ضعيفا
وكل حياة يفيض عليها تميتها اقتلوا أنفسكم فتوبوا إلى بارئكم فهى شعلة ملكوتية لا تخمد نارها
4

ولمعة جبروتية لا يطفى نورها ولا سيما النفس المقدسة الختمية التي أخبرت عن مقامها في النبوي
للشهور لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل فمرادنا بالانطواء ليس
انطواء ظهور نور الحق تعالى في ظهور الخلق لان الامر بالعكس كانطواء أنوار الكواكب في نور الشمس
بوجه بل مرادنا ان شيئية الشئ بتمامه لا بنقصه كما قال المنطقيون الحد الأخير في الحد هو الحد الوسط
في البرهان وفى الحديث المروى عن صادق الال عليه سلام الله المتعال العبودية جوهرة
كنهها الربوبية من عرف نفسه فقد عرف ربه وانه في الحقيقة نوره الذاتي منطو في
نوره الفعلي وفى الكشاف والبيضاوي وغير هما طولت الباء عوضا عن الألف أقول لما كان للشئ
وجود كتبي ووجود لفظي ووجود ذهني ووجود عيني فالوجود الكتبي للقيوم مثلا هو هذا النقش المعروف
من حيث هو آلة اللحاظ والوجود اللفظي له هو هذا الصوت المعهود من الحيثية المذكورة والوجود الذهني
له هو الصورة العقلية له الحاكية عن ذي الصورة الخارجية والوجود العيني له مرتبتان إحديهما الوجود
المطلق المنبسط الذي هو صنع الله الذي كل شئ قائم به قيام عنه لا قيام فيه يعنى قيام صدور
لا قيام حلول والاخرى قيومية الوجود الحق للوجود المطلق كانت العوالم متطابقة والمراتب متحاكية
كان هذا الطول إشارة إلى العروج العيني إلى مقام الفنا بعد نزوله إلى مقام التعين بالنقطة كما ورد عن علي (ع)
انا النقطة تحت الباء وورد عن الكمل بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد عن المعبود
فالمراد بالنقطة هو الامكان وبالباء هو الصادر الأول وقيام الباء في الصورة مقام الألف إشارة
إلى خلافة العقل الكلى الذي هو الانسان الكامل الختمي صلى الله عليه وآله في السلسلة الصعودية عن الله تعالى والى الترفع
والعروج أشار ابن الفارض (س) بقوله
فلو كنت لي من نقطة الباء خفضة * رفعت إلى ما لم تنله بحيلة
والى الفناء والاستخلاف أشار بقوله
فلم تهوني ما لم تكن في فانيا * ولمن تفن ما لم تجتلى فيك صورتي
ثم الألف من الحروف النورانية والباء من الحروف الظلمانية والحروف النورانية هي الحروف
المقطعة التي هي فواتح السور وبعد حذف المكررات يصير تركيبها هكذا صراط على حق نمسكه
أو صراط حق على نمسكه وانما سميت نورانية وما عداها ظلمانية لأنه لم يخل اسم من أسماء
الله تعالى منها غير اسم الودود بخلاف الظلمانية إذ لم يتألف منها اسم من أسمائه بلا امتزاج من
النورانية غير ذلك الاسم المذكور ففي انطواء الألف التي من الحروف النورانية في الباء التي من
5

الحروف الظلمانية إشارة إلى أن باطن عالم الظلمات والغواسق هو النور الله ولى الذين امنوا يخرجهم
من الظلمات إلى النور وقد ورد ان لكل كتاب سر وسر القران في الحروف المقطعة يا الله
يعنى الذات المستجمعة بجميع الكمالات والخيرات لأنه تعالى لما كمان صرف الكمال ومحض الخير فلو كان فاقدا
لكمال وخير من حيث هما كمال وخير لتركب ذاته من الكمال والخير وفقد هما فتحقق فيه شئ وشئ هف
لأنه بسيط الحقيقة وصرف الكمال ولا ميز في صرف الشئ إذ الشئ لا يتثنى ولا يتكرر بنفسه كما قال
الحكما صرف الوجود الذي لا أتم منه كلما فرضت ثانيا له فهو لا غيره ان قلت الفقد والسلب أو
العدم أو ما شئت فسمه ليس شئ يحاذيه حتى يستلزم التركيب قلت شر التراكيب هو التركيب
من الايجاب والسلب إذا كان ذلك السلب سلب الكمال لا سلب النقص لأنه سلب السلب
فيرجع إلى الاثبات بل إن سئلت الحق فلا تركيب الا هو إذ التركيب يستدعى سنخين وهو لا
يكون الا فيما كان لاحد هما ما يحاذيه ولا يكون للاخر كالوجود والعدم والعلم والجهل البسيط مثلا حيث
لا يحاذي الثاني شئ فلو كان للاخر أيضا ما يحاذيه والوجود مقول بالتشكيك لم يتحقق سنخان
واما بحسب المهية فيرجع إلى اعتبار العدم يا رحمن يا رحيم عن أمير المؤمنين (ع) الرحمن الذي
يرحم ببسطه الرزق علينا وفى رواية العاطف على خلقه بالرزق ولم يقطع عنهم مواد
رزقه وان انقطعوا عن طاعته والرحيم العاطف علينا في أدياننا ودنيانا واخرتنا
خفف علينا الدين وجعله سهلا خفيفا وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه اعلم أن رزق
كل مخلوق ما به قوام وجوده وكماله اللايق به فرزق البدن ما به نشوه وكماله ورزق الحس ادراك
المحسوسات ورزق الخيال ادراك الخياليات من الصور والأشباح المجردة عن المادة دون
المقدار ورزق الوهم المعاني الجزئية ورزق العقل المعاني الكلية والعلوم الحقة من المعارف
المبدئية والمعادية وفى السماء رزقكم فالرزق في كل بحسبه وقيل بالفارسية جمله عالم اكل
ومأكول دان بل ليس منحصرا في الكمالات الثانية بل الكمال الأول الذي هو وجود كل مهية رزقها
اللايق بحالها وقال الصادق (ع) الرحمن اسم خاص لصفة عامة والرحيم اسم عام لصفة خاصة
أقول وانما كان الأول اسما خاصا والثاني اسما عاما لان الأول من أسمائه تعالى الخاصة به لا يطلق على غيره
بخلاف الثاني واما عموم الصفة في الأول وخصوصها في الثاني فلانه كما قال العرفاء الإلهيون
6

الرحمن اسم للحق تعالى باعتبار الجمعية الأسمائية التي في الحضرة الإلهية الفايض منه الوجود وما
يتبعه من الكمالات على جميع الممكنات والرحيم اسم له باعتبار فيضان الكمالات المعنوية على
أهل الايمان كالمعرفة والتوحيد بيان ذلك ان للوجود مراتب الوجود الحق والوجود المطلق
والوجود المقيد فالوجود الحق هو الوجود المجرد عن جميع الألقاب والأوصاف والنعوت
حتى عن هذا الوصف والوجود المقيد اثره كوجود الملك والفلك والوجود المطلق هو فعله وصنعه
وفى كل بحسبه وبذاته لا عقل ولا نفس ولا مثال ولا طبع ولما كان بذاته عاريا عن احكام المهيات
والأعيان يسمى بالفيض المقدس كما أن ظهور الذات بالأسماء والصفات في المرتبة الواحدية
يسمى بالفيض الأقدس وهذا الوجود المطلق عرش الرحمن والماء الذي به حياة كل شئ وكلمة
كن التي أشار إليها أمير الموحدين في خطب نهج البلاغة بقوله انما يقول لما أراد كونه
كن فيكون لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع وانما كلامه سبحانه فعله ويسمى برزخ البرازخ
والحقيقة المحمدية والنفس الرحماني والرحمة الواسعة المشار إليها في دعاء كميل اللهم إني أسئلك
برحمتك التي وسعت كل شئ ووجه الله الباقي بعد فناء كل شئ وما ورد ان كلام الله لا خالق
ولا مخلوق إشارة إلى هذا فان العقل الصريح والبرهان الصحيح يدلنا على التثليث الآمر والامر والمؤتمر
والصانع والصنع والمصنوع فالمتكلم هو الموجود الحق وكلمة كن تعبير عن هذا الوجود المطلق
ويكون تعبير عن الوجود المقيد والمهية ولما كان برزخا بين الطرفين لم يكن صانعا ولا مصنوعا بل
صنعا ولما كان كالمعنى الحرفي لم يصر موضوعا لحكم بل هو داخل في صقع الربوبية بل الحروف
أطلقت على مرتبة منه أعني العقول في العيون مخاطبا لعمران المتكلم الصابي بقوله (ع) اعلم أن لا بداع
والمشية والإرادة معناها واحد وأسماؤها ثلثة وكان أول ابداعه ومشيته و
ارادته الحروف التي جعلها أصلا لكل شئ ودليلا على كل مدرك وفاصلا لكل مشكل
وبتلك الحروف تعرف كل شئ من اسم حق وباطل وفاعل أو مفعول ومعنى أو غير معنى
وعليها اجتمعت الأمور كلها ولم يجعل للحروف في ابداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى
ولا وجود لها لأنها مبدعة بالابداع فأقول مستمدا من جنابهم إذ عطاياهم لا يحمل الا مطاياهم
الابداع والمشية والإرادة هذا الوجود الذي نتكلم فيه كما ورد ان الله خلق المشية بنفسها
7

وخلق الأشياء بالمشية حيث إن الأعيان الثابتة والمهيات الامكانية خلقت بهذا
الوجود فإنها كما احتاجت إلى الحيثية التعليلية في حمل الوجود عليها كذلك احتاجت إلى الحيثية
التقييدية والواسطة في العروض بخلاف الوجود إذ لا يحتاج إلى الحيثية التقييدية والواسطة في العروض
وقوله (ع) وعليها اجتمعت الأمور كلها إشارة إلى أن كلا منها كلمة تامة جامعة لكل كمال وخير
بنحو البساطة كما قال أرسطا طاليس الحكيم العالم الاعلى هو الحي التام الذي فيه جميع الأشياء
لأنه أبدع من المبدع الأول التام ففيه كل نفس وكل عقل وليس هناك فقد ولا حاجة
البتة لان الأشياء التي هناك كلها مملوة غنى وحياة وكأنها حياة تغلى وتفور وجرى
حياة تلك الأشياء انما تنبع من عين واحدة وقال أيضا ان كل صورة طبيعية في هذا
العالم فهى في ذلك العالم الا انها هناك نبوع أفضل وأعلى وذلك انها ههنا متعلقه
بالهيولي وهي هناك بلا هيولى وكل صورة طبيعية ههنا فهى صنم لصور التي هناك
الشبيهة بها انتهى كلام الفيلسوف وقوله (ع) ولم يجعل للحروف في ابداعه لها معنى غير
أنفسها إشارة إلى بساطتها حيث ذكرنا انها أنوار صرفه بلا مهية كما قال شيخ الاشراق وقوله (ع)
يتناهى باعتبار ان فوق مرتبتها مرتبة نور الأنوار فإنه تعالى فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى عدة
ومدة وشدة الا انه بكل شئ محيط وقوله (ع) لا وجود لها باعتبار فنائها عن ذواتها
واستهلاكها في بحر نور الأحدية وهيمانها في مشاهدة جماله وجلاله كما ورد ان الله أرضا بيضاء
مشحونة خلقا يعبدون الله ويسبحونه ويهللونه ولا يعلمون ان الله خلق ادم ولا
إبليس ثم نقول وهذا الوجود هو الاسم المكنون المخزون المشار إليه في حديث مروى عن أبي عبد الله (ع)
ان الله تعالى خلق اسما بالحرف غير مصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجتد
وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ منفى عنه الأقطار مبعد عنه
الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامة على أربعة
اجزاء معا ليس واحد منها قبل الأخر فاظهر منها ثلثة أسماء لفاقة الخلق إليها وحجب
واحد منها وهو الاسم المكنون المخزون أقول الثلاثة التي أظهرها التي أظهرها لفاقة الخلق الوجود الذي
إفاضة على الجبروت والملكوت والناسوت فان كليات العوالم ثلثة وكون هذا الاسم المكنون
8

المخزون واحدا كما أشار إليه الحق تعالى أيضا في كتابه المجيد بقوله وما امرنا الا واحدة لأنه كما
يرشدك إليه تسميته بالفيض المقدس بذاته منزه عن التعينات والتقيدات والتنوعات التي
باعتبار المهيات فهو كالشعلة الجوالة والحركة التوسطية التي باعتبار تجدد نسبتها إلى حدود المسافة
راسمة للحركة القطعية وبذاتها أمر ثابت بسيط وكالواحد الذي جميع مراتب الاعداد منازله فان
تكثر شيئية المفاهيم واختلاف شيئية نفس المهيات انما هو باعتبار انضمام مفهوم إلى مفهوم
كما في انضمام الجوهر والقابل الابعاد والنامي والحساس مثلا ولو لم يكن تغاير بحسب الحقيقة فلا أقل
من نوع ما من الاعتبار كما في المهيات البسيطة كالهيولي فيقال في حدها انها جوهر وحده إذ لو
كان هنا انضمام مفهوم وحده حقيقة لم يكن الهيولي جوهرا وحده ولم يكن جنسها مضمنا في
فصلها وفصلها مضمنا في جنسها ولم يكن التغاير بين الجنس والمادة بمجرد اعتبار لا بشرط وبشرط
لا والتوالي بأسرها باطلة فقيد وحده مأخوذ لبيان انها نفس الجوهر فقط وهذا بخلاف مفهوم
الواحد لا بشرط الذي هو بمنزلة الجنس للاعداد أو في الاثنين مثلا لم ينضم إلى مفهوم الواحد
مفهوم اخر بل التكرر في لحاظ الذهن إياه وهو وجوده الذهني وكلامنا في نفس شيئية المهية
ولذا يقال الاعداد أمور اعتبارية وانها غير متناهية لا يقفية وانها تحصل من تكرر الواحد
إما الأول فلانك إذا اعتبرت مفهوم الواحد مرتين يحصل اثنان وان اعتبرت ثلاث
مرات يحصل ثلثه وهكذا واما الثاني فلان اعتبار المعتبر ينقطع اخر الامر لان القوى الجسمانية
متناهية التأثير والتاثر واما الثالث فلانك علمت أنه لم ينضم مفهوم اخر إلى مفهوم الواحد
في جميع مراتب العدد فظهر ان التكرر في لحاظات الذهن وتصوراته لذلك المفهوم الواحد
مع أن لكل نوع منها اثرا خاصا وتحقق اختلاف نوعي بينها فشيئيته مفهوم الواحد في شيئيات
مفاهيم الاعداد كحقيقة هذا الوجود في الوجودات ولهذا المعنى قال سيد الساجدين وزين
الموحدين (ع) يا إلهي لك وحدانية العدد وأيضا هو كالوفق في الاعداد إذ في كل لوح
من ثلاثة في ثلثه إلى مأة في مأة وما فوقها الوفق هو السائر في جميع الأضلاع الطولية والعرضية
والأقطار بالصور المتفننة والهيئات المتشتتة وكالنفس الانساني الساري في الحروف ولهذا
سموه بالنفس الرحماني كما مر يا كريم الكرم إفادة ما ينبغي لا لعوض ولا لغرض إذ لو كان
9

لعوض لكان مستعيضا معاملا لا كريما ولو كان لغرض لكان مستكملا وليس العوض منحصرا في العين
بل يشمل مثل الثناء والمدح والتخليص من المذمة والتخلي عن الرذيلة والتوصل إلى أن يكون على
الأحسن قال صاحب الشفا فيه لفظة الجود وما يقوم مقامها موضوعها الأول في اللغات إفادة
المفيد لغيره فائدة لا يستعيض منها بدلا وانه إذا استعاض منها بدلا قيل له مبايع أو معاوض
وبالجملة معامل ولان الشكر والثناء والصيت وساير الأحوال المستحبة لا يعد عند الجمهور من الأعواض
بل إما جواهر واما اعراض يقررونها في موضوعات يظن أن المفيد غيره فايدة ربح منها شكرا
هو أيضا جواد وليس مبايعا ولا معاوضا وهو في الحقيقة معاوض لأنه أفاد واستفاد سواء استفاد
عوضا ما من جنسه أو من غير جنسه أو شكرا أو ثناء يفرح به أو استفاد ان صار فاضلا محمودا بان فعل
ما هو أولي وأحرى الذي لو لم يفعله لم يكن جميل الحال لكن الجمهور لا يعدون هذه المعاني في الأعواض
فلا يمنعون عن تسمية من يحسن إلى غيره بشئ من هذه الخيرات المظنونة أو الحقيقة التي يحصل له
بذلك جوادا ولو فطنوا لهذا المعنى لم يسموه جوادا إلى اخر ما قال أقول قد ذكرت في حواشي المبدء
والمعاد في رد من قال من أهل الكلام ان الغاية في الايجاد ايصال النفع إلى الغير ان ذلك
الايصال إما ان يكون له ما يحاذي به أمر في الخارج أو لا فعلى الثاني لا يكون غاية للايجاد وعلى
الأول فهو إما واجب فيتعدد الواجب واما ممكن فننقل الكلام إلى غايته فيتسلسل وأيضا هل ذلك
الايصال أولي للقادر من عدمه أم لا فإن كان الثاني فكيف يريد أحدهما ويترك الأخر مع تساوى
نسبتهما إليه إذ يستحيل الترجيح من غير مرجح وإن كان الأول فالفاعل استفاد بفعله أولوية واستكمل
عن ذلك فان قلت كل شئ غير الغاية له غاية بخلاف الغاية فإنها غاية بنفسها قلت والغاية
ما يكون منشأ لفاعلية الفاعل فقولك غاية بنفسها بمنزلة قولك منشأ للفاعلية بنفسها
فيلزم ان يكون غيره تعالى موجد مستقل فيوجد غيره موجود مستقل إذ الايجاد فرع الوجود فلو كان
في وجوده محتاجا إليه تعالى لكان في منشأيته للفاعلية محتاجا إليه تعالى فكان هو تعالى غاية إذ لا معنى
للغاية الا منشأ فاعلية الفاعل هف وأيضا إذا كان وصف النافعية له عرضيا كان معللا
فإن كان معللا بالذات كان لازما له قديما والموصل إليه حادث ولو كان بالغير لدار أو تسلسل لان
حصول الغير مسبوق بالنافعية فالغاية لإيجاد الموجودات هي الذات وقولنا أوجد الموجودات
10

للذات معناه نفى وساطة الغير في الغائية بل ترتب العوايد والفوايد ذاتي لا يعلل كقولنا
موجود بذاته ولذاته فاتبع الحجج ولا تقتف اللهج تهتد قويم النهج ولهذا قالت الأشاعرة أفعال
الله غير معللة بالاغراض ولكن بين قولنا وقولهم بون بعيد لأنا نقول أفعاله تعالى غير معللة
بالغرض الزايد على ذاته بل الغرض الحقيقي نفس ذاته وهم قائلون بنفي الغرض والداعي مطلقا
ولهذا هو تعالى عند المشائين فاعل بالعناية وعند الاشراقيين فاعل بالرضا وعند
الصوفية فاعل بالتجلي وعند المتكلمين فاعل بالقصد يا مقيم الذي بعدله أقام السماوات
والأرضين يا عظيم لما كان ظهور عظمة الفاعل بعظمة فعله نقول عظمة الفعل
إما حسية واما معنوية إما الحسية فكما تشابد في السماوات إذ قد تقرر في فن الابعاد والاجرام
من الهيئة ان أعظم الثوابت المرصودة بمقدار جرمه هاتان واثنان وعشرون مثل مقدار جرم
الأرض وأصغرها مقدار جرمه ثلثة وعشرون مثل مقدار جرم الأرض وان مقدار جرم الزحل
من السيارات اثنان وثمانون مثل مقدار جرم الأرض ومقدار المشترى مأة وثمانون
مثل مقدار الأرض وان مقدار المريخ ثلثة أمثال مقدار الأرض ومقدار جرم الشمس ثلاثمأة وستة
وعشرون مثل مقدار جرم الأرض وهكذا فيما لا نطيل بذكرها من السيارات والأفلاك وأحدس
مقادير الثابتات الغير المرصودة التي لا يعلم عددها كمقاديرها الا هو واما العظمة المعنوية فكما
في القلوب إذ في كل قلب جميع هذه الأمور العظيمة من السماوات والأرضين بحيث لا تصادم
ولا تزاحم فيها ولا يؤده حفظها بل كل قلب وما فيه في كل قلب فكلها في كلها والقلب
للطافته وصفائه بحيث متى يتوجه إلى شئ يتصور بصورته ويتهئ بهيئته ويتزيئ بزيه
فتصوراته جعله البسيطي وتصديقاته جعله التركيبي وكل الصور منشأته كما في الحديث عن
مولانا باقر العلوم (ع) كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق لكم
مصنوع مثلكم مردود إليكم ولكن في الكليات على نمط اخر أعلى من الجزئيات ففي
درك الكلى يحيط القلب بجميع افراده الغير المحصورة التي في السلسلة الطولية والعرضية
فالوجود والاشراق الذي ينبسط منه على ما ينشأه ويحيط به ويناله بوجه نظير الاشراق الفعلي
الذي انبسط من الواجب تعالى على الموجودات فكما انه بذاته لا جوهر ولا عرض ولا عقل
11

ولا نفس ولا طبع ولا غيرها كذلك هذا الاشراق بذاته ليس كيفا ولا كما ولا غير هما بل
باعتبار المهيات الموجودة به فبهذا الاعتبار كل أية توجد في الكتاب الافاقى توجد بعينها
في الكتاب الا نفسي إذ قد تقرر في العلوم الحقيقية ان الأشياء تحصل بأنفسها ومهياتها في
الذهن والوجود أيضا مقول بالتشكيك كما أن في البدن أيضا نظيرها على ما طبقوا الاخلاط
الأربعة على الفصول والأعضاء السبعة الرئيسة على الكواكب السبعة السيارة وحركة الشرايين
والقلب على الحركة الوضعية الفلكية وغير ذلك وقد أشار أمير المؤمنين وامام الموحدين (ع)
إلى ذلك بقوله دواؤك فيك ولا تبصر * ودائك منك ولا تشعر * وأنت الكتاب المبين الذي
بأحرفه يظهر المضمر * أتزعم انك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر * وعن الصادق (ع) كما في
الصافي أو عن أمير المؤمنين علي (ع) على ما قال ابن جمهور س الصورة الانسانية هي
أكبر حجج الله على خلقه وهي الكتاب الذي كتبه كتبه بيده وهي الهيكل الذي بناه بحكمته
وهي مجموع صور العالمين وهي المختصر من اللوح المحفوظ وهي الشاهدة على كل
غايب وهي الحجة على كل جاحد وهي الطريق المستقيم إلى كل خير وهي الجسر الممدود
بين الجنة والنار وقد أخبر بعض العارفين عن سعة القلب بقوله لو أن العرش وما حواه
اجتمعت في زاوية من زوايا قلبي لما أحسست به وقد قيل بالفارسية أي نسخه ء نامه ء إلهي كه توئى
وى آيينه جمال شاهي كه توئى * بيرون ز تو نيست هرچه در عالم هست * در خود بطلب هر آنچه خواهى كه توئى
وقد قلت في أبيات منها فلك دوران زند بر محور دل * وجود هر دو عالم مظهر دل
هر آن نقشى كه بر لوح از قلم رفت * نوشته دست حق بر دفتر دل * نهفته مهر پاكان در نهادش
كز أصل پاك آمد كوهر دل اقراء كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وفى
أنفسكم أفلا تبصرون سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق
من عرف نفسه فقد عرف ربه يا قديم الذي لك جميع انحاء القدم اسما وسرمدا
ودهرا وذاتا وزمانا وحقيقيا وإضافيا وينكشف معاني هذه بمعرفة معاني الحدوث فالحادث
قد يطلق ويراد به الإضافي وهو ما هو الأقل بقاء كالحوادث بالنسبة إلى الأفلاك فالقديم
الذي يقابله ما هو الأكثر بقاء والأكبر سنافا لأب بالنسبة إلى الابن قديم اضافي وقد يطلق
12

ويراد به الزماني وهو ما هو مسبوق الوجود بالعدم المقابل في زمان قبله كجميع الأجسام
والجسمانيات حيث إن كلها متحركة بالحركة الجوهرية والوضعية والكيفية والكمية والانسية
إذ القسمة العقلية أوجبت شيئين في كل شئ فكل شئ منه سيال ومنه غير سيال فغير السيال
منه ما هو في الدهر والسيال منه ما هو في الزمان كما أن وضع العالم سيال كما ترى في الفلكيات
وغيرها وكيفها سيال كما ترى في الكيفيات المحسوسة المتدرجة الحصول وكمه سيال كما ترى
في الناميات والذابلات والمتخلخلات والمتكاثفات واينه سيال كما ترى في المتمكنات
والمتحيزات المشقلات كذلك جوهرها وطبعها وصورتها سيالة الا انها لما كانت متبدلة
على سبيل تجدد الأمثال تيرا أي ساكثه وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب
بل هم في لبس من خلق جديد ففي كل ان من الانات المفروضة يفيض من المبدء صورة على
المادة لم تكن قبل ان الوصول حاصلة فيها ولا بعد ان الوصول حاصلة فيها ولكن قد تقرر في
مقره ان الحركة متصلة واحدة التكون فيها عين التصرم والتصرم عين التكون والمتصل الغير القار
كالمتصل القار في أنهما ليسا مؤلفين مما لا تنقسم فالحركة والزمان والمسافة متطابقة ليست ذات
مفاصل وبالجملة كل موجود من هذا العالم لابقاء له انين كما قال بعض المتكلمين العرض لا يبقى زمانين
وكل وجود من هذه النشأة محفوف بالعدمين ولما كان عدمه سيالا كان زمانيا فيصدق
ان كل جزء مسبوق الوجود بالعدم الزماني ان قلت العدم ليس بشئ فكيف يكون سيالا
قلت والعدم إذا فتشنا عن حاله مفهومه عدم بالحمل الأولى وإن كان وجودا بالحمل الشايع الصناعي
ومنشأ انتزاعه الوجود ان اللذان قبل الوجود الذي هذا العدم عدمه وبعده فوجود الأب مثلا
عدم لوجود الابن وكذا كل مرتبة من هذه الصورة المتصلة الفايضة على المادة عدم لمرتبة أخرى
لا ان يتخلل بين مرتبة ومرتبة عدم حتى يكون منفصلة فالزمان من ازاله إلى اباده لما كان متصلا
والاتصال الوحداني مساوق للوحدة الشخصية إذ حركة السهم مما منه إلى ما إليه حيث لم يتخلل بينها
سكون شخص واحد من الحركة الأينية وحركة الماء من البرودة إلى أخيرة درجات السخونة شخص
واحد من الحركة الكيفية وهكذا كان شخصا واحد كخط واحد لا اجزاء فيه بالفعل فان شخصية المتصل
باعتبار الاتصال لا باعتبار الأجزاء المفروضة فيه إذ ليست الأجزاء فيه الا بالقوة فيلزم ان يكون
13

شخصيته بالقوة ولو كان العظم قادحا في التشخص والصغر مؤكدا له لم يكن واقفا عند حد إذ كل حد
من الصغر تفرض يتصور أصغر منه لأنه كما أن الكم المنفصل وهو العدد لا نهاية له في الزيادة كذلك
الكم المتصل قارا كان أو غير قار لا نهاية له في النقصان لبطلان الجزء بأدلة قطعية مذكورة في موضعه
والحاصل ان العالم الجسماني بجميع ما فيه وما معه كله واجزائه وكليه وجزئياته حادث إذ لا وجود
للكلي الطبيعي بدون جزئياته وللكل سوى اجزائه وهي كلها كما عرفت سيالات وما يشاهد يتزائى
من بقاء ما وقرار ما فإنما هو في العقل باعتبار ان التوسط بين الحدود الفرضية راسم للامتداد
المسمى بالحركة القطعية في الخيال فنسبة القرار والثبات إليه من باب خلط الاحكام الذهنية
بالخارجية كما أن نسبة الأجزاء الموجودة بالفعل التي يفرضها الذهن إليه من هذا الباب فالعالم
حادث بمعنى نفس الحدوث كالأبيض الحقيقي والمضاف الحقيقي لا ذات له الحدوث
كالأبيض والمضاف المشهورين إذ الاعراض والطبايع والصور كما علمت سيالات والهيولي
كما انها مع المتصل متصلة ومع المنفصل منفصلة كذلك سيالة بسيلان الصور الحالة فيها
نعم لو كان السيلان في اعراض العالم لا في جواهره لأمكن ان يقال العالم حادث بمعنى ذو الحدوث
وليس فليس لكن لما كان لكل شئ وجهان وجه إلى الرب ووجه إلى النفس وهذا الذي قرع
سمعك كان حكمها باعتبار وجهها إلى النفس فاعلم أن لها ثباتا باعتبار وجهها إلى الرب
لكن هذا الثبات والبقاء انما هو لوجه الله تعالى لا دخل له بالأشياء وهذا هو المصحح لان يق هذا
هو الذي كان في الزمان القبل والمصحح لبقاء الموضوع في الحركة وبهذا الاعتبار التفاوت
في الانسان الكبير كتفاوت الانسان الصغير بحسب مراتب الأسنان من سن النمو وسن الوقوف
وسن الكهولة وسن الشيخوخة فوجه الله أصله المحفوظ ونسخة الباقي وقد يطلق الحادث ويراد به
الذاتي وهو ما يسبق وجوده بالعدم الذاتي أعني العدم المجامع الذي يسبق على وجود الممكن سبقا
بالتجوهر إذ الممكن من ذاته ان يكون ليس وله من علته ان يكون ايس وما بالذات مقدم بالذات
على ما بالغير وهذا الحدوث يشمل كل ما له مهية امكانية خالية في ذاتها عن الوجود والعدم وهذا
الخلو يعبر عنه بالليسية الذاتية وعن مسبوقية وجودها بهذه الليسية يعبر بالحدوث الذاتي
فكما ان الكائنات كزيد مثلا حادثة بهذا المعنى لكونها مسبوقة الوجود بالعدم في مقام ذاتها
14

ومهيتها وإن كانت مصحوبة بالوجود كذلك المخترعات والمبدعات كالعقل الأول مثلا لكون
وجودها مسبوقا بهذه الليسية وقد يطلق ويراد به الحادث الدهري والسرمدي وهو ما هو مسبوق
الوجود بالعدم المقابل أيضا لكن لا العدم السيال في السلسلة العرضية بل العدم الثابت
الدهري في السلسلة الطولية وبيان ذلك انا علمناك ان المعبر عنه للعدم ليس الا الوجود
باعتبار خصوصية انحائه لفقد كل مرتبة للمرتبة الأخرى فكما ان كل حد وقطعة من هذه السلسلة
العرضية التي مر انها كخط ذي اجزاء بالقوة متصل واحد بالفعل عدم لحد اخر وقطعة أخرى كذلك
كل حد ومرتبة من السلسلة الطولية من حسم الكل وطبع الكل ومثال الكل ونفس الكل وعقل
الكل من المثل الإلهية المعبر عنها بأصحاب الأصنام وأرباب الطلسمات والأنوار القاهرة الأعلون
عدم لحد اخر ومرتبه أخرى وكما أن الدورة السابقة عدم واقعي وعدم مقابل للدورة اللاحقة
لكونهما مرتبتين من الوجود كذلك كلية السلسلة العرضية بالنسبة إلى عالم من العوالم الطولية
لكونهما أيضا في مرتبتين من الوجود الا ان وعاء العدم في العرض هو الزمان وفى الطول هو الدهر
إذ وعاء العدم السابق في الحقيقة وعاء للوجود السابق والوجود السابق في العرض سيال
ووعاء السيارات هو الزمان والوجود السابق في الطول ثابت لكونه دار القرار والسماوات
مطوية والأرض مبدلة ووعاء الثابتات هو الدهر والسرمد فالعالم مسبوق الوجود
بالعدم الدهري لكونه مسبوق الوجود بالوجود الدهري كوجود العقل مثلا واما وجود
العقل فهو مسبوق بالعدم السرمدي لكون الوجود السابق عليه وجودا سرمديا أعني
وجود الواجب تعالى فالعالم حادث دهري والعقل حادث سرمدي وكما أن قطعة من الصورة
المتصلة الممتدة الفايضة على المادة يوم السبت وقطعة يوم الأحد وهكذا وهذا أمر نشأ
من المواضعة والا فكل انين مفروضين يوم مضى ويوم يأتي كما هو تأويل قوله جل شانه
كل يوم هو في شأن فكم من كوكب يطلع في الليل ويغرب والليل باق وحين يبزغ
الشمس التي هي سلطان الكواكب تقولون أنتم جاء النهار وليس عند نفسها ولا عند الأفلاك
المحيطة بها نهار وليل بهذا المعنى بل بالمعنى الذي ذكرنا لكون وجودها أيضا سيالا كذلك
كل مرتبة من المراتب الستة الطولية من المرتبة الأحدية والواحدية والجبروت والملكوت
15

والناسوت والكون الجامع يوم بالحقيقة بلا شايبة تجوز عند أهل الله وأرباب الحقيقة و
بهذا التحقيق ظهر لك سر قوله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام يعنى مدة اختفاء نوره
أدعية هذه المراتب فنهاية اختفاء نوره في عالم المادة وهذا باطن ليلة القدر وبداية طلوع نوره
منه أيضا فيحصل الجسم ثم الطبع ثم المعدن ثم النبات ثم الحيوان ثم الانسان ذو العقل الهيولاني
ثم العقل بالملكة ثم العقل بالفعل ثم العقل المستفاد وله عرض عريض إلى مقام الانسان الكامل
الختمي صلى الله عليه وآله وهذا باطن يوم القيمة وبما أوضحنا ظهر لك ان ما ذكره سيد الحكماء وسند العلماء
السيد المحقق الداماد س من الحدوث الدهري حق لا غبار عليه بل هو مطلب عال ودر ثمنه غال
وظهر صدق قول العلامة الخونساري ره في حاشيته على الحواشي الخفرية بعد نقل كلام السيد س وبالجملة
ما ذكره مما لا يصل إليه فهمي ولا يحيط به وهمى فجرى الحق على لسانه فان هذا العلامة وأحزابه بمعزل
جدا عن مرامه رفع مقامه أوليك ينادون من مكان بعيد واما الحادث الأسمى فهو مما اصطلحت
عليه مستنبطا من الكلام الإلهي ان هي الا أسماء سميتموها أنتم وابائكم ما انزل الله بها
من سلطان ومن كلام مولاي سيد الأوصياء والأولياء أمير الموحدين علي عليه السلام
دليله آياته وجوده اثباته توحيده تمييزه عن خلقه وحكم التميز بينونة صفة
لا بينونة عزلة فهو رب ونحن مربوبون ومعنى الحادث الأسمى ان جميع ما سوى الله
أسماء ورسوم حادثة وانها حديثة جديدة إذ كان الله ولم يكن معه شئ ولا اسم ولا رسم له
فأول اسم ورسم حصل كان أسمائه الحسنى وصفاته العليا المستلزمة للمهيات الامكانية
في مرتبة الفيض الأقدس ثم أسماء رحمته في مقام الفيض المقدس المستتبعة لأسماء المرحومين برحمته
والامر كائن وسيكون كما كان الا إلى الله تصير الأمور ان إلى ربك الرجعي وان إليه
المنتهى قال الرضا عليه آلاف التحية والثنا له معنى الربوبية إذ لا مربوب وحقيقة
الإلهية اذلا مألوه ومعنى العالم ولا معلوم ومعنى الخالق ولا مخلوق وتأويل
السمع ولا مسموع ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ولا باحداثه البرايا استفاد
البرئيه كيف ولا تغيبه مذ ولا تدنيه قد ولا يحجبه يرجيه لعل ولا يوقته متى ولا يشمله
حين ولا يقارنه مع صدق سلطان الموحدين وبرهان العارفين يا عليم لما كان هو تعالى
16

بسيط الحقيقة محض الوجود وصرف الخير وصرف الشئ واجد لما هو من سنخ ذلك الشئ
مجرد عما هو من غرائبه وغريب الوجود ما هو من سنخ العدم بما هو مأخوذ بالحمل الأولى لا بالحمل
الشايع الصناعي كان كل وجود حاضرا له أشد من حضوره لنفسه لان نسبة الشئ إلى نفسه
بالامكان ونسبته إلى علته بالوجوب فكما لا يشذ عن حيطة وجوده وجود كذلك لا يغرب عن
علمه مثقال ذره ولذا قال الحكماء انه تعالى ظاهر بذاته لذاته لكونه مجرد أو كل مجرد عالم بذاته وذاته
علة لجميع ما سواه كلياته وجزئياته والعلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول ومثلوا علمه تعالى بالعقل
البسيط الاجمالي المنطوى فيه العقول التفصيلية ومعلوم ان المثال مقرب من وجه مبعد من
وجوه وقال المعلم الثاني ينال الكل من ذاته فكما انه تعالى بوجود واحد مظهر لجميع الموجودات بنحو
البساطة كذلك بعلم واحد يعلم جميع المعلومات وهذا معنى العلم الاجمالي في عين الكشف التفصيلي
وكما أن الأشياء مرائي فيضه المقدس ورحمته الواسعة كما قال سنريهم آياتنا في الآفاق
وفى أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق كذلك هو تعالى عن المثل وله المثل الاعلى كمجلاة يرى
بها جميع الأشياء كلياتها وجزئياتها وغيبها وشهادتها كما قال تعالى أولم يكف بربك
انه على كل شئ شهيد فذاته تعالى كالصورة العلمية التي بها ينكشف ذو الصورة الخاصة
الا ان ذاته تعالى بذاته ما به ينكشف جميع الأشياء لا بصورة زائدة فإذا قلنا هو تعالى يعلم الأشياء
عبرنا بالهوية التي هي موضوع هذه القضية عن مقام الكثرة في الوحدة أعني كثرة الأسماء ووحدة
المسمى وعن مقام الوحدة في الكثرة أعني رحمته التي وسعت كل الكثرات والمهيات وتلك
الرحمة هي امره الذي هو محض الربط به وداخل في صقعه فتم الكلام ولم يبق للعلم الذي هو المحمول
معبر عنه علي حده وان غايره بحسب المفهوم بل المعبر عنه واحد عباراتنا شتى وحسنك
واحد * وكل إلى ذاك الجمال يشير فان شئت سم ذلك الواحد ذاتا بلا علم زايد فإنه
نفس العلم وعين النورية والظهور قال (ع) كمال الاخلاص نفى الصفات عنه وان شئت
سمه علما ولكن بلا ذات ورائه فإنه قائم بنفسه قال (ع) علم كله قدرة كله إذ الحقيقة الواحدة
يكون ذات درجات متفاوتة فالعلم قد يكون عرضا كعلم النفس بغيرها وقد يكون جوهرا نفسانيا
كعلم النفس بذاتها وقد يكون جوهرا عقليا كعلم العقل بذاته وقد لا يكون جوهرا ولا عرضا بل واجبا
17

كعلم واجب الوجود بذاته وبالجملة فحقيقة علمه انكشاف ذاته تعالى بذاته على ذاته في الأزل بحيث يستتبع
انكشاف معلولاته على ذاته والى هذا يرجع منهج العرفاء الشامخين من كون ذاته ملزومة لأسمائه وكون
أسمائه ملزومة للاعيان الثابتة والعلم بالملزوم مستلزم للعلم باللازم وبيانه على ما ذكره صدر المتألهين
ان لوجوده تعالى أسماء وصفات هي لوازم ذاته وليس المراد من الأسماء ههنا الفاظ العالم والقادر
وغير هما وانما هي أسماء الأسماء في اصطلاحهم ولا أيضا المراد بالصفات ما هي اعراض زايدة على
الذات بل المراد المفهومات الكلية كمعاني المهيات وكثيرا ما يطلق الصفة في كلام الحكماء ويراد
بها ما يشمل المهية أيضا كما يذكر في المنطق الوصف العنواني ويراد به المفهوم الكلى الصادق على الموضوع
بحسب عقد الوضع سواء كان ذاتيا كقولنا الانسان كذا أو عرضيا كقولنا الكاتب كذا وكذا ما ذكر
في كتاب اثولوجيا من قوله في العقل يوجد جميع صفات الأشياء انما المراد بها ما يشمل المهيات ويقابل
الوجودات فالصفة والذات في هذا الاصطلاح كالمهية والوجود أقول والمتكلمون أيضا يطلقون
الصفة النفسية ويعرفونها تارة بما ينتفى الذات بانتفائه كسوادية السواد وتارة بما يقع به التماثل
بين المتماثلين والتخالف بين المتخالفين ويعبر الحكيم عنها بصفة الجنس ثم قال س وكذا المراد باللازم
ما يشمل الذاتي والفرق بين الاسم والصفة في عرفهم كما يفرق في تعاليم الحكماء بين قولنا الواحد بمعنى
الشئ الواحد كالخط الواحد وقولنا الواحد بمعنى نفس الواحد فقط وهذا كالفرق بين البسيط والمركب
من حيث الاعتبار فنقول ما من موجود متأصل الاد هو بحسب هوية الوجودية مصداق محمولات
كثيرة مع قطع النظر عما يعرضه ويلحقه من العوارض اللازمة والمفارقة فان المحمولات التي يحمل عليه
بحسب هذه الأمور ليس مصداقها والمحكى بها عنه هو نفس الهوية الوجودية له ثم لا يخفى ان المحمولات
الذاتية متكثرة والوجود واحد وهي طبايع كلية والوجود هوية شخصية ولا يخفى أيضا على من له
بصيرة ان الوجود كلما كان أكمل وأشد كان فضائله الذاتية أكثر والمحمولات المحاكية عنها أوفر إذ له
بحسب كل درجه في الكمال اثار مخصوصة هي مبداها لذاته فيصدق عليه معنى معقول من تلك الحيثية
الذاتية وكلما يصدق من المعقولات على شئ بحسب حيثية في ذاته كان حكمه حكم المهية والذاتيات
في كونها متحدة في الوجود موجودة بوجود الذات فمن عرف تلك الهوية الوجودية كما هي عليه
عرف معها جميع تلك المحمولات المتعددة بنفس ذلك العرفان لا بعرفان مستأنف فاذن لما كان ذاته تعالى
18

مستجمع جميع الفضايل والخيرات بنفس ذاته البسيطة وذاته مبدء كل فعل ومنشأ كل خير وفضيلة
فله بحسب كل فضيلة أو مبدئية فضيلة يوجد في شئ اخر من مجعولاته محمول عقلي فلا يبعد ان يصدق
محمولات عقلية كثيرة متغايرة المعنى مع اتحاد الذات فالذات الموجودة مع كل منها يقال لها
الاسم في عرفهم ونفس ذلك المحمول العقلي هي الصفة عندهم وكلها ثابتة في مرتبة الذات قبل صدور
شئ عنه قبلية كقبلية الذات لكن بالعرض وكذا حكم ما يلزم الأسماء والصفات من النسب والتعلقات
بمربوباتها ومظاهرها وهي الأعيان الثابتة التي قالوا إنها ما شمت رايحة الوجود ابدا ومعنى قولهم هذا
انها ليست موجودة من حيث أنفسها ولا الوجود صفة عارضة لها أو قائمة بها ولا هي عارضة له
ولا قائمة به ولا أيضا مجعولة معلولة له بل هي ثابتة في الأزل باللا جعل الواقع للوجود الإحدى كما أن
المهية ثابتة بالجعل المتعلق بوجوده لا بمهيته لأنها غير مجعولة بالذات ولا أيضا لا مجعولة أي قديمة
بالذات وليست أيضا تابعة للوجود بالحقيقة لان معنى التابعية ان يكون للمتبوع وجود اخر وليست
لها في ذاتها وجود بل انما في نفسها هي لا غير فاذن تلك الأسماء والصفات ومتعلقاتها كلها أعيان
ثابتة في الأزل بلا جعل وهي وان لم يكن في الأزل موجودة بوجوداتها الخاصة الا انها كلها موجودة
بالوجود الواجبي وبهذا القدر لم يلزم شيئية المعدوم كما زعمه المعتزلة إذا تقرر ذلك فنقول
لما كان علمه تعالى بذاته هو نفس وجوده وكانت تلك الأعيان موجودة بوجود ذاته فكانت هي أيضا معلومة
بعلم واحد هو العلم بالذات فهى مع كثرتها معلومة بعلم واحد كما انها مع كثرتها موجودة لوجود واحد
إذ العلم والوجود هناك واحد فاذن ثبت علمه تعالى بالأشياء كلها في مرتبة ذاته قبل وجودها فعلمه تعالى بالأشياء
الممكنة علم فعلى سبب لوجودها في الخارج لما علمت أن علمه تعالى بذاته هو وجود ذاته وذلك الوجود بعينه علم
بالأشياء وهو بعينه سبب لوجوداتها في الخارج التي هي صور عقلية يتبعها صور طبيعية يتبعها
المواد الخارجية وهي أخيرة المراتب الوجودية فالحق تعالى بوجود واحد يعلمها أولا قبل ايجادها ويعلمها ثانيا
بعد ايجادها فبعلم واحد يعلمها سابقا ولا حقا يا حليم الذي لا يعجل بالعقوبة لمن عصاه من
الحلم بالكسر واما الحلم بالضم فهو الرؤيا ومنه أضغاث أحلام لرؤيا بلا حقيقة واما الحلم بمعنى العقل فكقوله
فان تزعميني كنت اجهل فيكم * فانى شربت الحلم بعدك بالجهل
وقوله:
أحلامكم لسقام الجهل شافية * كما دماؤكم تسقى من الكلب
يا حكيم معناه بالفارسية راست كفتار ودرست كردار والحكمة
19

هي العلم بحقايق الموجودات على ما هي عليه في نفس الامر ونظم الوجود نظما محكما
متقنا وان سئلت الحق فالحكمة هي الوجود لان أتم قسمي العلم من الحصولي والحضوري
هو الحضوري وأعلى نحويه الآخرين من الفعلي والانفعالي هو الفعلي وقد تقرر
في موضعه انه تعالى فاعل بالعناية وان النظام الكياني طبق للنظام الرباني
سبحانك لما اجرى الداعي على المدعو جل ذكره طائفة من صفاته
العليا وعضة من أسمائه الحسنى واستشعر بعظمته وجلاله وكمال بهائه وجماله
وعموم فيضه ونواله صار المقام مقام الحيرة والهيمان فقال سبحانك ما أعظم
شأنك وما أجل صفاتك وما ارفع سماتك أو لما وصفه اوهم الصفات الزائدة
والحال ان سيد المخلصين وأمير الحكماء الراسخين قال في خطبة نهج البلاغة
أول الدين معرفة الله وكمال المعرفة التصديق به وكمال التصديق
به توحيده وكمال توحيده الاخلاص له وكمال الاخلاص له
نفى الصفات عنه بشهادة كل صفة انها غير الموصوف وبشهادة
كل موصوف انه غير الصفة فمن وصفه سبحانه فقد قرنه
ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزاه ومن جزاه فقد جهله
ومن أشار إليه فقد حده ومن حده فقد عده ومن قال فيم فقد ضمنه
ومن قال على فقد أخلي منه وانه روى الصدوق في الصحيح عن محمد
ابن إسماعيل البرمكي مسندا عن أبي الحسن الرضا (ع) وفى الكافي مسندا عن أبي
عبد الله (ع) انه خطب أمير المؤمنين (ع) الناس بالكوفة فقال الحمد
لله الملهم عباده حمده وفاطرهم على معرفة ربوبيته الدال على
20

وجوده بخلقه وبحدوث خلقه على أزله وباشتباههم
على أن لا شبه له المستشهد بآياته على قدرته الممتنعة من
الصفات ذاته ومن الابصار رؤيته ومن الأوهام الإحاطة به
لا أمد لكونه ولا غاية لبقائه لا تشتمله المشاعر ولا تحجبه الحجب
والحجاب بينه وبين خلقه خلقه إياهم لامتناعه مما يمكن
في ذواتهم ولامكان مما يمتنع منه ولافتراق الصانع والمصنوع
والحاد والمحدود والرب والمربوب الواحد بلا تأويل عدد والخالق
لا بمعنى حركة والبصير لا بأداة والسميع لا بتفريق آلة والشاهد
لا بمماسة والباطن باجنان والظاهر البائن لا بتراخي مسافة
أزله نهيته لمحاول الأفكار ودوامه ردع لطامحات العقول
قد حسر كنهه نوافذ الابصار وقمع وجوده جوائد الأوهام
فمن وصف الله فقد حده ومن حده فقد عده ومن عده فقد أبطل
أزله ومن قال أين فقد غياه ومن قال على فقد أخلي منه ومن
قال فيم فقد ضمنه وفى الكافي أول الديانة به معرفته وكمال
معرفته توحيده وكمال توحيده نفى الصفات عنه لشهادة كل
صفة انها غير الموصوف وشهادة الموصوف انه غير الصفة
وشهادتهما جميعا بالتثنية الممتنع منها الأزل فمن وصف الله
فقد حده ومن حده فقد عده ومن عده فقد أبطل أزله ومن
قال كيف فقد استوصفه ومن قال فيم فقد ضمنه ومن قال على
21

فقد حمله ومن قال أين فقد أخلي منه ومن قال ما هو فقد نعته
ومن قال إلى م فقد غاياه عالم إذ لا معلوم وخالق إذ لا مخلوق
ورب إذ لا مربوب وكذلك يوصف ربنا وفوق ما يصفه
الواصفون وروى الصدوق رضوان الله عليه في كتاب التوحيد
بتعدد الاسناد عن مولانا أبى الحسن الرضا (ع) انه بعث إليه المأمون
فاتاه فقال بنو هاشم يا أبا الحسن اصعد المنبر فانصب لنا علما نعبد الله
عليه فصعد صلوات الله عليه وقعد مليا لا يتكلم مطرقا ثم انتقض انتفاضة
واستوى قائما وحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه وأهل بيته ثم قال
أول عبادة الله معرفته واصل معرفته توحيده ونظام توحيده
نفى الصفات عنه بشهادة العقول ان كل صفة وموصوف
مخلوق وشهادة كل مخلوق ان له خالقا ليس بصفة ولا موصوف
وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران
بالحدث وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من
الحدث فليس الله من عرف بالتشبيه ذاته ولا إياه وحد
من اكتنهه ولا حقيقته أصاب من مثله ولا به صدق من
نهاه ولا صمد صمده من أشار إليه ولا إياه عنى من شبهه
ولا له تذلل من بعضه ولا إياه أراد من توهمه كل معروف
بنفسه مصنوع وكل قائم في سواه معلول بصنع الله يستدل
عليه وبالعقول يعتقد معرفته وبالفطرة تثبت حجته
22

خلقة الله الخلق حجاب بينه وبينهم ومباينته إياهم
مفارقته اينيتهم وابتدأوه إياهم دليل على أن لا ابتداء له لعجز
كل مبتدء عن ابتداء غيره وأدوه إياهم دليلهم على أن لا
أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين فأسماؤه تعبير
وافعاله تفهيم وذاته حقيقة وكنهه تفريق بينه وبين
خلقه وغيوره تحديد لما سواه فقد جهل الله من استوصفه
وقد تعداه من اشتمله وقد أخطأ من اكتنهه ومن قال كيف
فقد شبهه ومن قال لم فقد علله ومن قال متى فقد وقته ومن
قال فيم فقد ضمنه ومن قال إلى م فقد نهاه ومن قال حتى فقد
غياه ومن غياه فقد غاياه ومن غاياه فقد جزاه ومن جزاه
فقد وصفه ومن وصفه فقد الحد فيه لا يتغير الله بانغيار
المخلوق كما لا يتحدد بتحديد المحدود أحد لا بتأويل عدد ظاهر
لا بتأويل المباشر متجل لا باستهلال رؤية باطن لا بمزايلة
مباين لا بمسافة قريب لا بمداناة لطيف لا بتجسم موجود لا بعد
عدم فاعل لا باضطرار مقدر لا بجول فكرة مدبر لا بحركة مريد
لا بهمامة شاء لا بهمه مدرك لا بحسه سميع لا بالة بصير لا
بأداة لا تصحبه الأوقات ولا تضمنه الأماكن ولا تأخذه السنات
ولا تحده الصفات ولا تقيده الأدوات سبق الأوقات كونه
والعدم وجوده والابتداء أزله بتشعيره المشاعر عرف ان لا مشعر
23

له وبتجهيره الجواهر عرف ان لا جوهر له وبمضادته بين الأشياء
عرف ان لا ضد له وبمقارنته بين الأمور عرف ان لا قرين له ضاد
النور بالظلمة والجلايه بالبهم والجسو بالبلل والصرد بالحرور
مؤلف بين متعارياتها مفرق بين متدانياتها دالة بتفريقها على
مفرقها وبتاليفها على مؤلفها ذلك قوله عز وجل ومن كل شئ خلقنا
زوجين لعلكم تذكرون ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم ان لا قبل له ولا بعد
شاهدة بعزايزها ان لا غريزة لمعززها دالة بتفاوتها ان لا تفاوت
لمفاوتها مخبرة بتوقيتها ان لا وقت لموقتها حجب بعضها عن بعض ليعلم
ان لا حجاب بينه وبينها غيرها له معنى الربوبية إذ لا مربوب وحقيقة
الإلهية إذ لا مألوه ومعنى العالم ولا معلوم ومعنى الخالق ولا مخلوق
وتأويل السمع ولا مسموع ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ولا
باحداثه البرايا استفاد معنى البارئية كيف ولا تغيبه مذولا
تدنيه قدولا يحجبه لعل ولا توقته متى ولا يشمله حين ولا يقارنه
مع انما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلة إلى نظايرها وفى الأشياء
توجد فعالها منعتها منذ القدمة وحمتها قد الأزلية ثم قال عليه السلام
ولا ديانة الا بعد معرفة ولا معرفة الا باخلاص ولا اخلاص مع
التشبيه ولا نفى مع اثبات الصفات للتثنية فكل ما في الخلق لا يوجد
في خالقه وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه ولا تجرى عليه
الحركة والسكون وكيف يجرى عليه ما هو اجراه أو يعود فيه
24

ما هو ابتداه إذ التفاوت ذاته ولتجزء كنهه ولامتنع من الأزل معناه ولما كان
للباري معنى غير المبروء ولوجد له وراء إذ حد له امام ولالتمس له التمام إذ لزمه
النقصان كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدوث وكيف ينشأ الأشياء من لا يمتنع
من الانشاء إذا لقامت فيه أية مصنوع ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه
صدق موالينا معادن حكمة الله ومخازن سر الله ولا يخفى اشتمالها على مكنونات العلم
وغامضات الحكمة لكونها دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق فبعد ما وصف الداعي ولم يصل
بعد إلى مقام الاخلاص صار المقام مقام التنزيه فيقول تعظيما لمدعو جل ذكره وتنويها
أنزهك يا سيدي تنزيها * أي برون از وهم وقال وقيل من * خاك برق من وتمثيل من
پاكى از آنچه عاقلان كفتند * پاكتر زآنچه غافلان كفتند * ما را چه حد حمد وثناى تو بود
هم حمد وثناى تو سزاى تو بود يا لا إله إلا أنت تشبيه بعد التنزيه إذ هو تعالى خارج
عن الحدين حد التنزيه وحد التشبيه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير وكان التوحيد هو
معرفة المنزلة بين المنزلتين والاقتصاد في العمل تحصيل الحسنة بين السيئتين وهي أدق من الشعر
واحد من السيف كان يجمع بين الكثرة في عين الوحدة والوحدة في عين الكثرة والجبر في عين
الاختيار والاختيار في عين الجبر وورد في الأحاديث ان بين الجبر والقدر منزلة ثالثة أوسع مما
بين السماء والأرض وكذا في صفاته تعالى فإنه تعالى قريب في عين بعده وبعيد في عين قربه باطن في
ظهوره ظاهر في بطونه عال في دنوه دان في علوه قال ادم الأول علي عليه السلام الذي قيل عنه
وانى وان كنت ابن ادم صورة فلى فيه معنى شاهد بأبوتي في بعض خطبه الشريفة مع كل شئ
لا بمقارنة وغير كل شئ لا بمزايلة وفى خطبة أخرى له (ع) لا تقدره الأوهام بالحدود
والحركات ولا بالجوارح والأدوات لا يقال له متى ولا يضرب له أمد بحتى لم يقرب من
الأشياء بالتصاق ولم يبعد عنها بافتراق تعالى عما ينتحله المحدودون من صفات
الاقدار ونهايات الأقطار وتاثل المساكن وتمكن الأماكن فالحد لخلقه مضروب والى
غيره منسوب وفى خطبة أخرى لا تصحبه الأوقات ولا ترفده الأدوات سبق الأوقات
كونه والعدم وجوده والابتداء أزله لا يجرى عليه السكون والحركة وكيف يجرى
25

عليه ما هو اجراه ويعود فيه ما هو أبداه ويحدث فيه ما هو أحدثه اذن لتفاوتت
ذاته ولتجزء كنهه ولامتنع من الأزل معناه ولكان له وراء إذ وجد له امام ولالتمس
التمام إذ لزمه النقصان لا يتغير بحال ولا يتبدل في الأحوال ولا تبليه الليالي والأيام ولا
يغيره الضياء والظلام ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج وفى خطبة أخرى الحمد لله
الذي لم يسبق له حال حالا فيكون أولا قبل ان يكون اخرا وظاهرا قبل ان يكون باطنا لم يحلل
في الأشياء فيقال هو فيها كائن ولم ينأ عنها فيقال هو منها باين وقال صلوات الله عليه
هو في الأشياء على غير ممازجة خارج منها على غير مباينة فوق كل شئ ولا يقال شئ
فوقه وامام كل شئ ولا يقال له امام داخل في الأشياء لا كشئ في شئ داخل وخارج
منها لا كشئ من شئ خارج وروى الصدوق في كتاب التوحيد عن أبي إبراهيم موسى ابن جعفر (ع)
أنه قال إن الله تبارك وتعالى لم يزل بلا زمان ولا مكان وهو الان كما كان لا يخلو منه
مكان ولا يشغل به مكان ولا يحل في مكان ما يكون من نجوى ثلثة الا هو رابعهم
ولا خمسة الا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر الا هو معهم أينما كانوا
ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه احتجب بغير حجاب محجوب واستتر بغير ستر
مستور لا اله الا هو الكبير المتعال وقال بعض العارفين عرفت الله بجمعه بين الأضداد ونظم بعضهم بقوله
فان قلت بالتنزيه كنت مقيدا * وان قلت بالتشبيه كنت مجددا
وان قلت بالامرين كنت مسددا * وكنت إماما في المعارف سيدا
فإياك والتشبيه ان كنت ثابتا * وإياك والتنزيه ان كنت مفردا
وإذا كان هذا هكذا فلما نزهه الداعي صار المقام مقام نفى التقييد واثبات الإحاطة لعلمه وقدرته
ونوريته فقال لا متحيرا فيه ولا مفرغا إليه ولا مطمئنا به ولا مولعا عليه وبالجملة لا معبود الا أنت فان لكل موجود
نصيبا من المعبودية لكونه محتاجا إليه بوجه في نظام الكل فللمحتاج تذلل له ولذا كان عبده رسوله الخاتم
ومن ثم ومن أجل ان العبد الحقيقي وما في يده من وجوده الذي في عينه الثابت وتوابع وجوده من حوله وقوته
وخيراته لمولاه وهو صلى الله عليه وآله كان هذا شانه قدم كلمة عبده في التشهد على رسوله فهو صلى الله عليه وآله عبده بما هو هو ونحن
لسنا كذلك الا باعانته ووسيلته اللهم قرب وسيلته وارزقنا شفاعته حتى أن من غلب عليه
26

مظهرية اسم من أسمائه تعالى صار عبد ذلك الاسم كالرحمن أو القهار أو غير هما ولما كان لكل موجود
نصيب من المعبودية كثير من الأشياء اتخذت أصناما كالشمس والقمر والنجوم والنار
والبقر وغيرها من الدراهم والدنانير والمشتهيات التي نعبدها حالا لا مقالا وبذلك حقن دماؤنا
قال تعالى ألم أعهد إليكم يا بنى ادم ان لا تعبدوا الشيطان وقال عز اسمه أفرأيت من
اتخذ إلهه هواه وفى الحديث شر اله أو أبغض اله عبد في الأرض الهوى والحاصل
انه عند طلوع نور الحقيقة ينكشف انه لا معبود في الوجود الا هو وان جميع ما عداه باطل مضمحل ما خلا
وجهه الكريم ثم إنه إما صفة لموصوف محذوف والتقدير يا من لا إله إلا أنت أو انه من أسمائه تعالى
المركبة الغوث الغوث يعنى الغياث الغياث الأمان الأمان من عظايم الأهوال ومن شدة
العذاب والنكال التي لازمتني من قبايح الأعمال فإنه تعالى وإن كان ارحم الراحمين في موضع
العفو والرحمة لكنه أشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة والغوث من أسماء قطب العالم أيضا
عند الصوفية فإنهم قالوا بالأقطاب والأوتاد والابدال والغوث والامام والافراد والنقباء والنجباء
ورجال الله وأمثال ذلك من العبارات وقالوا ان الكل مستمد من الغوث فقال بعضهم ان لله تعالى
رجالا هم رجال الأسماء وهم تسعة وتسعون رجلا ورجل جامع يقال له الغوث والفرد والقطب الجامع
لا يعرفه أحد من هذه التسعة والتسعين رجلا مع استمداد هم جميعا منه وقال بعض علماء علم الحروف ان من
كان من هؤلاء في رجال الحروف النورانية كان الغالب عليه الظهور وارتفاع الصيت ومن كان في رجال
الحروف الظلمانية كان الغالب عليه الخفاء وخمول الذكر اعلم أن مراد هم بالغوث قائم آل محمد
صلى الله عليه وآله صاحب الامر والزمان المهدى المنتظر صلوات الله عليه كما أنه يسمى عند الحكماء
مدبر العالم وانسان المدينة وهو المسمى بالفار قليط كمال قال عيسى (ع) نحن نأتيكم بالتنزيل واما التأويل فسيأتي
به الفارقليط في اخر الزمان وانما قلنا مرادهم بالغوث هو (ع) لما قال كمال الدين س القران لا يقرأه بالحق
والحقيقة كما هو الا المهدى فان قوله (ع) ان الزمان دار إلى أن وصل إلى النقطة التي منها بدء مطابق
لان الخاتم للأولياء هو المهدى لأنه في الحقيقة هو الخاتم للولاية والنبوة والرسالة والآفاق والأنفس والقرآن
والشرع والاسلام والدين لان الكل موقوف عليه قائم به بأمر الله تعالى لأنه القطب والوجود لا يقوم الا
بالقطب ولا يبقى الا به كالرحا فإنه لا يبقى نفعه ولا يدور الا بالقطب وقال الشيخ محى الدين العربي في فتوحاته
27

اعلم أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملاها قسطا وعدلا لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد
طول الله ذلك اليوم حتى يخرج الخليفة من عترة رسول الله من ولد فاطمة يواطي اسمه اسم رسول الله
جده الحسين ابن علي ابن أبي طالب عليهم السلام يبايع بين الركن والمقام يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله في الخلق وينزل عنه
في الخلق لأنه لا يكون أحد مثل رسول الله صلى الله عليه وآله في خلقه لان الله سبحانه وتعالى يقول وانك لعلى خلق عظيم ثم قال نظما
الا ان ختم الأولياء شهيد * وعين امام العالمين فقيد
هو السيد المهدى من آل احمد * هو الصارم الهندي حين يبيد
هو الشمس يجلو كل غيم وظلمة * هو الوابل الوسمي حين يجود
أقول واما عند أهل الله من الامامية وأرباب الحقيقة من الاثنا عشرية العالم يدور على سبعة من الأقطاب
واثنى عشر من الأولياء إما السبعة من الأقطاب فهم كبار الأنبياء والرسل وهؤلاء آدم ونوح وإبراهيم
وداود وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله تطبيقا على الكواكب السبعة السيارة واما الاثني عشر من الأولياء فهم أوصياء
محمد تطبيقا على البروج الاثني عشر لكن اعلم أيدنا الله وإياك ان جميع الأنبياء والرسل من آدم إلى عيسى عليهم
السلام مظهر من مظاهر خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وجميع الأوصياء والأولياء مظهر من مظاهر سيد الأولياء علي (ع) لقوله تعالى
بعث على مع كل نبي سرا وبعث معي جهرا وكما أن كل الأنبياء كالأقمار المقتبسين من شمس نبوة خاتم الأنبياء
أو كالفروع والأغصان والأوراق المتفرعة من أصل شجرة طوبى النبوة الختمية المحمدية كذلك كل الأولياء
كالأقمار المكتسبين من نور شمس ولاية سيد الأولياء أو كالفروع والأغصان والأوراق المتوزعة من أصل
شجرة طوبى الولاية الختمية العلوية ونعم ما قيل بالفارسية * كر ترا آيينه ديده جليست
در هر آيينه معاينه عليست ولقائل اخر جز أسد الله در أين بيشه نيست * غير على هيچ در انديشه نيست
وأحسن من ذنيك ما قيل * أسد الله در وجود آمد * در پس پرده هر چه بود آمد
والحاصل ان مدار العالم على السبعة من الأقطاب والاثني عشر من الأولياء وعلة هذا العدد أعني
التسعة عشر تطبيق العالم الصوري مع العالم المعنوي فان انتظام العالم الصوري بالسبعة من
الكواكب والاثني عشر من البروج فتصير تسعة عشر بحكم قوله تعالى عليها تسعة عشر وكذلك
كليات الموجودات من العقل والنفس والأفلاك التسعة والعناصر الأربعة والمواليد الثلاثة
والانسان الجامع للكل وكذلك رؤساء القوى المباشرة لتدبير النواسيت وهي الحواس الخمس
28

الظاهرة والخمس الباطنة وقوتا الشهوة والغضب والقوى السبع النباتية فكذلك انتظام
حال العالم المعنوي على السبعة من الأقطاب والاثني عشر من الأولياء ليكون المجموع تسعة عشر واما علة
كون أوصياء نبينا صلى الله عليه وآله الذين عليهم مدار عالمنا اثنى عشر فهو كثيرة منها ان هذا أيضا عدد أوصياء كل من
الأقطاب الستة الآخرين وقد أشار نبينا نبي الرحمة صلى الله عليه وآله إلى أول أوصياء هؤلاء الأنبياء (ع) بقوله
والله ما خرج ادم من الدنيا الا وقد اوصى إلى ابنه شيث وما وفت أمته له والله ما
خرج نوح من الدنيا الا وقد وصى لابنه سام وما وفى له بعده والله ما خرج إبراهيم من
الدنيا الا وقد اوصى إلى ابنه إسماعيل وما وفت له أمته والله ما خرج موسى من الدنيا
الا وقد اوصى لوصيه يوشع وما وفى له بعده والله ما خرج عيسى من الدنيا الا وقد
وصى إلى وصيه شمعون وما وفت أمته وانى سأخرج من بين أظهركم وسأوصيكم لعلى ابن أبي
طالب وانكم لحاذون على شيعتهم وسنتهم خذو النعل بالنعل والقذة بالقذة يعنى
من غير زيادة ولا نقصان ومنها ما قال محمد ابن طلحة فإنه استدل على انحصارهم في هذا العدد بوجوه
الأول ان الاسلام مبني على أصل الشهادتين شهادة الوحدانية وشهادة الرسالة أعني لا إله إلا الله
ومحمد رسول الله وكل واحد من هذين الأصلين مركب من اثنى عشر والإمامة فرع الايمان فيجب ان يكون
عدة القائمين بها اثنى عشر كعدد الأصلين الثاني ان عدد نقباء بني إسرائيل بنص الكتاب اثنا عشر
الثالث الأسباط الهداة في بني إسرائيل اثنا عشر فكذلك الأئمة الهداة في الاسلام الرابع
ان مصالح العالم وتصرفاتهم مفتقرة إلى الليل والنهار وكل منقسم باثني عشر ساعة فمصالح العالم
مفتقرة إلى هذا العدد ومصالح الأنام مفتقرة إلى الامام فيجب ان يكون عدده بعدد ساعات جزئي الزمان
الخامس ان الولاية تهدى القلوب إلى سلوك الحق كما يهدى نور الشمس والقمر ابصار الخلايق إلى المناهج
فهما نوران هاديان الإمامة يهدى نور البصاير والشمس والقمر يهديان الابصار ومحال النور الهادي
للابصار اثنا عشر برجا فيجب ان يكون محال النور الهادي للبصائر كك بطريق التطابق ويعرف
من هذا نكتة شريفة وهي انهم قد قرروا وورد في الأحاديث ان حامل الأرض هو الحوت والحوت اخر البروج
فيكون المعنى ان الحامل للأرض اخر بروج الإمامة وهو المهدى المنتظر عليه السلام حامل نور الإمامة القائم بأعبائها
إلى أن يقوم الساعة أقول وهذه المذكورات وان لم يمكن بها الزام الخصم الا ان لها ولا سيما
29

لكثرتها تأثيرا عظيما في النفس خلصنا من النار أي نار جهنم ونار الفراق كما في دعاء كميل
فلئن صيرتني في العقوبات مع أعدائك وجمعت بيني وبين أهل بلائك وفرقت بيني وبين أحبائك
وأوليائك فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك
وفى مناجاة الشيخ عبد الله الأنصاري س بالفارسية إلهي چون آتش فراق داشتى با اتش دوزخ
چكار داشتى أقول انظروا معاشر المحبين كيف ادرج (ع) في هذا الدعاء فراق أحبائه وأوليائه في فراقه والا
فالظاهر أن يقال فكيف اصبر على فراقك وفراق أحبائك وأوليائك إشارة إلى أن فراقهم حيث هم أولياؤه
ومنتسبون إليه فراقه ولهذا من أحبهم فقد أحب الله ومن أبغضهم فقد أبغض الله وذلك لان أحب شيئا أحب اثاره كما قيل
أمر على جدار ديار سلمى * اقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي * ولكن حب من سكن الديارا
فالأثر بما هو اثر ليس شيئا بحياله انما هو كالمعنى الحرفي ليس ملحوظا باستقلاله بل هو كالمراة لملاحظة
المؤثر كما قال صلى الله عليه وآله من رآني فقد رأى الحق فمحبته عائدة إلى محبته وعداوته عائدة
إلى عداوته ولهذا لا يظهر خلوص محبة أحد الا بان يحب أقاربه ومنسوبيه وخوادمه ومحبيه قال تعالى
قل لا أسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى ونار محبة الدنيا فان الدنيا باطنه جهنم ان جهنم
لمحيطة بالكافرين وان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم
نارا وروى عن النبي (ص ع) انه كان قاعدا مع أصحابه في المسجد فسمعوا هدة عظيمة
فارتاعوا فقال صلى الله عليه وآله
أتعرفون ما هذه الهدة قالوا الله ورسوله اعلم قال حجر القى من أعلى جهنم منذ سبعين سنة الآن
وصل إلى قعرها ومن سقوطه فيها هذه الهدة فما فرغ من كلامه الا والصراخ في دار منافق من
المنافقين قد مات وكان عمره سبعين سنة فقال رسول الله الله أكبر فعلمت الصحابة ان هذا الحجر
هو ذلك وانه مذ خلقه الله يهوى في جهنم فلما مات حصل في قعرها قال تعالى ان المنافقين
في الدرك الأسفل من النار ولكون باطن الدنيا هو جهنم كان المراد بالورود على النار في
قوله تعالى وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا هو الورود على الدنيا ولذا
حيث يسئل عن شموله لهم عليهم السلام قال (ع) جزناها وهي خامدة يعنى لم ينشب فينا مخالب
الدنيا ولم نقع في اشراكها ولم يتعلق بأذيالنا أيدي علايقها ومرادنا بكون جهنم باطن الدنيا
30

والدنيا صورة جهنم وظاهرها انه إذا فتشنا عن حال الدنيا وما دخل فيها بالذات لم يبق لها
من هذا العالم المادي الا الشرور والآفات والحدود والنقصانات وان كنت تعرف هذا لا يشكل
عليك قوله تعالى ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها فإنه بظاهره وفى أول النظر
يغاير ما هو الواقع إذ نرى كثيرا ممن يريد الدنيا لا يؤتيه ومناف لما ورد في الحديث من أراد
الدنيا اصابه فقر لا غناء له وسقم لا صحة فيه وذل لا عزة فيه وللحديث القدسي
يا دنيا اخدمي من طلبني واتعبي من طلبك ولحديث اخر من أراد الآخرة اتته الدنيا
والآخرة ومن أراد الدنيا فاتته الدنيا والآخرة ولذا قدر بعضهم المتعلق أي لمن نشاء
وجعل بعضهم كلمة من تبعيضية ولكن لا حاجة إلى هذه التكلفات بعد ما عرفت ما هو ذاتي للدنيا فإنها دار
محنة وبلاء ونصب وتعب دوائها داء نعيمها بلاء ترياقها سم شفاؤها سقم لا راحة لمن يبتغيها ولا
طمأنينة لأهليها فالمراد ان من يريد الدنيا نؤته منها من حيث هي دنيا فلا ينافى التعب وفوت
الراحة يا رب الرب يطلق عليه تعالى باعتبار تربيته للأشياء في السلسلة الصعودية كما أن
الباري وأمثاله من الأسماء الحسنى يطلق عليه باعتبار السلسلة النزولية ففي الهبوط صار فيضه
عقلا ثم نفسا ثم مثالا ثم طبعا ثم جسما ثم هيولى وفى العروج اكتست الهيولي أولا حلة الصورة الجسمية ثم
تربينت بحلى الطبايع البسيطة ثم صارت مركبا ناقصا ثم مركبا تاما معدنيا ثم بناتا حسنا ثم نفسا
حساسة ثم عقلا هيولانيا ثم عقلا بالملكة ثم عقلا بالفعل ثم عقلا مستفادا إلى ما شاء الله يا سيد
السادات هو تعالى باعتبار تعينه باسمه الأعظم الذي هو امام الأئمة في الأسماء سيد السادات التي
هي الأسماء لان لكل من الأسماء مربوبا يربه ذلك الاسم ويسوده وباعتبار انه لا مؤثر في الوجود الا الله
وانه مبدء المبادى وعلة العلل في القوس النزولي سيد السادات التي هي المبادى العالية وباعتبار
انه غاية الغايات ان إلى ربك الرجعي واليه المنتهى ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها
ولكل وجهة هو موليها وانه رب الأرباب في القوس الصعودي سيد السادات
التي هي أرباب الأنواع التي قال فيها القدماء من الحكماء ان لكل نوع فردا مجردا أبديا في عالم
الابداع غير داثر ولا زايل واجد لكل كمالات نوعه بنحو أعلى هو كلي ذلك النوع يا مجيب الدعوات
ان اختلج بوهمك ان الدعوات جمع محلى باللام وهو يفيد العموم مع أن كثيرا من دعواتنا
31

لا تستجاب فاعلم أنه لا دعاء بلسان الاستعداد غير مستجاب الا ما هو من باب لقلقة اللسان
فقط كما يقول الجالس في مساكن ذكر الله ببدنه اللهم ارزقني توفيق الطاعة وبعد المعصية
ولكن جميع أركانه وجوارحه وملكاته الراسخة واخلاقه الرذيلة وشياطينه الذين صارت قلبه عشهم وبهايم
شهواته وخنزير حرصه وكلب غضبه اللاتي غدت باطنه مرتعها كلهم ينادون ويقولون اللهم اخذلنا بالمعصية
ويستغيثون ويطلبون أرزاقهم وهو تعالى مجيب الدعوات اعطى كل شئ خلقه ثم هدى وكما يقول الانسان
الطبيعي المطيع للوهم اللهم إبقني في الدنيا وهو بسره وعلانيته حتى وهمه متوجه إلى ربه كل يبتغى وجهد والتمكن
في ذراه والجنة، وأركان بدنه تطلب احيازها الطبيعية وفروخه المحتبسة في بيوض المواد من قواه العلامة والعمالة
تستدعى النهوض والطيران بل الأدوار والأكوار تقتضي اثارها بل الأعيان الثابتة اللازمة للأسماء يقولون
لكل أمة من الصور انطبعت وتعلقت بالمادة إلى متى تلبثون هنا وتعطلون المواد ألم تنقض نوبتكم فشمر والسفر كم
وتأهبوا للقاء أميركم ليصل النوبة إلى طايفة أخرى ولذا فالروح يتمنى الموت ويفارق البدن بالاختيار
والكاره له هو الوهم وإن كان هو أيضا طالبا له بلسان الاستعداد يا أيها الانسان انك كادح إلى ربك
كدحا فملاقيه ولسان القال أيضا دعاؤه مستجاب لكونه يستدعى غذائه الذي هو النطق أي
نطق كان فهو تعالى مجيب دعوتهم ومبلغهم إلى أمنيتهم وقد لا يساعد الداعي لسان استعداد هويته وان
ساعده بحسب النوع كطلب كل واحد مرتبة الأخر فلعله حيث ليس له علم محيط يضره ما استدعى بلسان
القال ويفسده فحاله وعلله يطلبون له ما يصلحه كما في الحديث القدسي ان من عبادي من لا يصلحه
الا الغنى لو صرفته إلى غير ذلك لهلك وان من عبادي من لا يصلحه الا الفقر لو
صرفته إلى غير ذلك لهلك وعلى هذا فاجل الاذكار ما اشتمل على توحيده وتمجيده لا ما يشعر
بالطلب والتكدي ولذا قال (ع) فوت الحاجة أحب إلى من قضاء الحاجة وفى الحديث القدسي
من ترك ما يريد لما أريد اترك ما أريد لما يريد وفى الدعاء اللهم أنت كما أريد
فاجعلني كما تريد وورد المؤمن لا يريد ما لا يجد وقال المولوي قوم ديكر مى شناسم زاوليا
كه زبانشان بسته باشد از دعا وإن كان السؤال أيضا حسنا لأنه أيضا من أسباب سعادتك
ومن موجبات تذكرك ولهذا كان موسى على نبينا وعليه السلام مأمورا بمسألة ملح طعامه منه إذ
كلما يجلب إلى جنابه فهو حسن وإن كان للحسن عرض عريض وفى كلمات الشيخ أبي سعيد أبى الخير س
32

رآه تو بهر روش كه پويند نكوست * ذكر تو بهر زبان كه كويند خوشست يا رافع الدرجات
رفع بعضهم فوق بعض درجات فهو تعالى رافع درجات البسايط إلى درجات المركبات الناقصة ورافع
درجاتها إلى درجات المعادن ورافع درجاتها إلى درجات النباتات ورافع درجاتها إلى درجات الحيوان
ورافع درجاتها إلى درجات الانامي ورافع درجات عقولهم الهيولانية إلى العقول بالملكة ثم إلى العقول
بالفعل ثم إلى العقول المستفادة ورافع درجات الصلحاء إلى درجات النقباء ثم النقباء إلى النجباء ثم النجباء إلى
الأوتاد والأقطاب ورافع درجات الأنبياء إلى درجات الرسل ثم إلى درجات أولي العزم ثم رفع من بينهم
الخاتم ثم رافع الخاتم إلى مقام أو أدنى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه يا ولى الحسنات
قال تعالى ان تصبك حسنة فمن الله في الحديث القدسي يا بن ادم انا أولي بحسناتك منك ولذا قال تعالى
وإذا مرضت فهو يشفين ومن أراد ان يتوليه الله الذي هو ولى المؤمنين فعليه بالحسنة بين السيئتين والمنزلة
بين المنزلتين منزلة التشبيه ومنزلة التعطيل فعند هذا يصير حسنة من الحسنات وقد ورد ان عليا (ع) حسنة من حسنات
سيد المرسلين يا غافر الخطيئات الغفران الستر ومنه جاؤوا الجم الغفير وهو تعالى كما أنه غافر الخطيئات الشرعية
كذلك ساتر النقايص الامكانية بذيل رحمته وخلعة فيضه الوجودي واعلم أن الخطيئة كالحسنة تنقسم إلى ما هو
خطيئة بأصل الشرع كشرب الخمر والى ما يصير خطيئة بالنية والعزم كالاكل للتقوى على المعصية مثلا والى خطيئة
الجوارح وخطيئة القلوب وكل منهما إلى الكبيرة والصغيرة واختلف أراء الأكابر في الكباير على أقوال شتى
وليس على شئ منها دليل تطمئن به القلب ولعل المصلحة في اخفائها اجتناب المعاصي كلها مخافة الوقوع فيها
فقال قوم هي كل ذنب توعد الله عليه بالعقاب في الكتاب العزيز وقال بعضهم هي كل ذنب رتب عليه الشارع
حدا أو صرح فيه بالوعيد وقال طايفة هي كل معصية يؤذن بقلة اكتراث فاعلها بالدين وقال آخرون كل
ذنب علم حرمته بدليل قاطع وقيل كلما توعد عليه توعدا شديدا في الكتاب أو السنة وعن ابن مسعود أنه قال
اقرؤا من أول سورة النساء إلى قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم
فكل ما نهى عنه في هذه السورة إلى هذه الآية فهو كبيرة وقال جماعة الذنوب كلها كباير لاشتراكها
في مخالفة الامر والنهى لكن قد يطلق الصغير والكبير على الذنب بالإضافة ما فوقه وما تحته فالقبلة صغيرة
بالنسبة إلى الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر بشهوة قال الشيخ الجليل امين الاسلام أبو علي الطبرسي
طاب ثراه في مجمع البيان بعد نقل هذا القول والى هذا ذهب أصحابنا رضي الله عنهم فإنهم قالوا
33

المعاصي كلها كبيرة لكن بعضها أكبر من بعض وليس في الذنوب صغيرة وانما تكون صغيرة بالإضافة
إلى ما هو أكبر ويستحق العقاب عليه أكثر انتهى كلامه وقال قوم انها سبع الشرك بالله وقتل النفس التي
حرم الله وقذف المحصنة واكل مال اليتيم والزنا والفرار من الزحف وعقوق الوالدين ورووا في ذلك
حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وزاد بعضهم على ذلك ثلثة عشر أخرى اللواط والسحر والربوا والغيبة واليمين الغموس وشهادة
الزور وشرب الخمر واستحلال الكعبة والسرقة ونكث الصفقة والتعرب بعد الهجرة واليأس من روح الله
والامن من مكر الله وقد يزاد أربعة عشر أخرى اكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله من غير ضرورة
والسحت والقمار والنجس في الكيل والوزن ومعونة الظالمين وحبس الحقوق من غير عسر والاسراف والتبذير
والخيانة والاشتغال بالملاهي والإصرار على الذنوب وهذه الأربعة عشر منقولة في عيون الاخبار عن مولانا الرضا (ع)
فهذه عشرة أقوال نقلها الشيخ المحقق بهاء الملة والدين العاملي طاب ثراه وقال س بعد ذلك ثم لا يخفى
ان كلام الشيخ الطبرسي مشعر بان القول بان الذنوب كلها كباير متفق عليه بين علماء الإمامية وكفى بالشيخ ناقلا
إذا قالت حذام فصدقوها فان القول ما قالت حذام لكن ضرح بعض أفاضل المتأخرين منهم
بأنهم مختلفون وان بعضهم قائل ببعض الأقوال السابقة ونسب هذا القول إلى رئيس الطايفة الشيخ
المفيد وابن البراج وأبى الصلاح والمحقق محمد ابن إدريس والشيخ أبى على الطبرسي رضوان الله عليهم وتحقيق
الحق يقتضى نمطا اخر من الكلام يا معطى المسألات المسألة مصدر كالرحمة والمغفرة
لكنها بمعنى المسؤول كالسؤل في قوله تعالى لقد أوتيت سؤلك يا موسى وهو من كثرة الاعطاء بمقام
يجود بنفسه لمن استجاده كما في الحديث القدسي من عشقته فقد قتلته ومن قتلته فعلى ديته
ومن على ديته فانا ديته وهذا نهاية الإجادة ولذا في عالم المجاز نظمه بعضهم في معن
ولو لم يكن في كفه غير نفسه * لجاد بها فليتق الله سائله * يقولون معن لا زكاة لماله
وكيف يزكى المال من هو باذله * إذ حال حول لم تجد في دياره * من المال الا ذكره وجمائله
تراه إذا ما جئته متهللا * كأنك تعطيه الذي أنت نائله * تعود بسط الكف حتى لو أنه
أراد انقباضا لم تطعه أنامله ومعنى قولنا يجود بنفسه انه يصير القلب مهبط نوره ومحط نزوله
واجلاله كما في الحديث قلب المؤمن عرش الرحمن لا التجافي عن مقامه يا قابل
التوبات التوبة ثلثة أقسام توبة العام وتوبة الخاص وتوبة الأخص فالأولى هي الرجوع عن
34

المعاصي وهي توبة العصاة والثانية التوبة عن ترك الأولى وهي توبة الأنبياء الماضين (ع) والثالثة
الرجوع عن الالتفات إلى غيره تعالى وتقدس وهي توبة نبينا صلى الله عليه وآله المعصومين فتوبتهم
عبارة عن رجوعهم عما لعله صدر عنهم من عثرة التوجه إلى غير جنابه تعالى وهي المعتبرة عند أهل السلوك
ثم إن التائب لابد ان يتدارك بفعل ثلثة أمور أحدها بالقياس إلى الزمان الماضي وثانيها بالقياس
إلى الزمان الحاضر وثالثها بالقياس إلى الزمان المستقبل إما بالقياس إلى الزمان الماضي فهو ينشعب
أي شعبتين إحديهما الندم على آفات والأسف على ما زلت قدمه هاوية في الخطيئات وثانيتهما
التدارك لما وقع وهو بالنسبة إلى اشخاص ثلثة الأول بالنسبة إلى الحق تعالى بالتضرع إلى حضرته والالتزام
بخدمته والاعتكاف على بابه والاستكانة إلى جنابه والثاني بالنسبة إلى نفسه حيث أبرز نفسه في
معرض سخطه تعالى واظلم عليها بان يؤدى حقها باصلاحها والثالث بالنسبة إلى الغير الذي اذاه بالمضرات
القولية والفعلية بان يعتذر إليه قولا وينقاد للمكافات فعلا ويرد حقه إليه أو إلى من يقوم مقامه ويتحمل الحدود
المقررة لتلك الجنايات وإن كان مقتولا لم يمكن تحصيل رضائه ولكن بعد ما راعى الشرايط الأخر وحصل
رضاء أوليائه عسى ان يشمله العناية العميمة والرحمة الواسعة عن جابر ابن عبد الله الأنصاري
قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله يا نبي الله امرأة قتلت ولدها هل لها من توبة فقال صلى الله
عليه وآله والذي نفس محمد بيده لو أنها قتلت سبعين نبيا ثم تابت وندمت ويعلم الله من
قلبها انها لا ترجع إلى المعصية ابدا يقبل الله توبتها الحديث واما بالقياس إلى الزمان
الحاضر فهو ان يترك الذنب الذي كان مباشرا له في الحال واما بالنسبة إلى الزمان المستقبل فهو ان
يصمم عزمه على أن لا يعود إليه ولو قتل وح يصدق فيه التائب من الذنب كمن لا ذنب له فهذه شرايط
توبة العام ومنه يعلم حال توبة الخاص واما الأخص فأمره أصعب وفيها قيل اليمين والشمال مضلتان فصيغة الجمع
أعني التوبات إما باعتبار المراتب أو الموارد يا سامع الأصوات الأصوات إما حيوانية واما
غير حيوانية والحيوانية إما نطقية أو غير نطقية والنطقية إما موضوعة أو مهملة والغير الحيوانية إما ألية أو غير
ألية والأصوات الحيوانية انما ينتظم امرها بالريه فكل حيوان لا رية له لا صوت له كالحوت والزنبور والذباب
ونحوها صوتها طنين أجنحتها فحدوث الصوت في الحيوان باعتبار خروج الهواء من قصبة ريته بالعنف
وإذا تقاطع في المخارج الثمانية والعشرين التي بمنزلة المنازل الثمانية والعشرين للقمر حصلت الحروف
35

المرتبة ترتيب الأبجدي أو الاتبثى أو الاهطمى والايقغى أو غير ذلك المنقسمة إلى المنقوطة وغير المنقوطة
المعبر عنهما بالناطق والصامت والى المفردة والمثاني والمثالث باعتبار وجود الشريك وعدمه وباعتبار
وحدة النقطة وكثرتها والى الملفوظي والمسروري والملبوبي والى المفاصلة والمواصلة والى النورانية والظلمانية
والى المدغمة فيها لام التعريف والمظهرة التي كل منها أربعة عشر بعدد الأربعة عشر من المنازل للقمر التي هي
ظاهرة وفوق الأرض ابدا والأربعة عشر منها التي هي مخفية وتحت الأرض دائما إلى غير ذلك من احكامها العجيبة
التي لا تحصى والصوت كيفية تحدث في الهواء بسبب التموج المعلول للقرع أو القلع بشرط مقاومة المقروع
للقارع والمقلوع للقالع وكما انك لا تجد صورتين متماثلتين من جميع الوجوه يحكم مظهرية الأحدية ومظهرية
اسم من ليس كمثله شئ كذلك لا تجد صوتين على هذا المثال ومن آياته خلق السماوات والأرض
واختلاف ألسنتكم وألوانكم والله سبحانه يسمع هذه الأصوات وجميع الأصوات التي تكيف بها
الأهوية التي كانت وستكون بسمع واحد حضوري إشراقي وسيأتى من أسمائه الحسنى من لا يشغله سمع
عن سمع فمناط السمع حضور الأصوات حتى لو فرضت حضور الأصوات لك بلا قرع صماخ لكنت سميعا
فما ظنك بمن حضورها له أشد من حضورها لانفسها فتبا وتعسا لمعرفة من قال من المتكلمين سمعه تعالى يؤل إلى علمه
بالمسموعات إذ لا جارحة له بل الامر كما قال شيخ الاشراق س ان علمه تعالى يرجع إلى بصره وسمعه لا ان بصره
وسمعه يرجعان إلى علمه يا عالم السر والخفيات السر هو ما يخص كل شئ من الحق عند التوجه الايجادي
المشار إليه بقوله انما قولنا لشئ إذا أردناه ان نقول له كن فيكون ولهذا قيل لا يعرف الحق الا
الحق لان ذلك السر هو العارف به كما قال (ع) عرفت ربي بربي فهو تعالى يعلم كل سر كسر الحقيقة وهو
ما لا يفشى من حقيقة الحق في كل شئ بين المحبين سر ليس تفشيه * قول ولا قلم للخلق يحكيه
وسر القدر وهو ما علمه الله من كل عين في الأزل مما انطبع فيها من أحوالها التي يظهر عليها عند وجودها
فلا يحكم على شئ الا بما علمه من عينه في حال ثبوتها وسر التجليات الذي قيل إنه شهود كل شئ في كل شئ
وذلك بانكشاف التجلي الأول للقلب فيشهد الأحدية الجمعية بين الأسماء كلها لا تصاف كل اسم
بجميع الأسماء لاتحادها بالذات الأحدية وامتيازها بالتعينات التي يظهر في الأكوان التي هي صورها
والحاصل ان كل مهية مظهر لاسم وكل اسم هو الاسم الأعظم وفيه جميع الأسماء فكل مظهر لاسم
مظهر لكل الأسماء وكسراير الآثار وهي الأسماء الإلهية التي هي بواطن الأكوان ومن الاسرار مقام السر
36

من مقامات النفس قال الصادق (ع) ان امرنا هو الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن
وهو السر وسر السر وسر مستسر وسر مقنع بالسر فقوله (ع) امرنا المراد به أمر الله إضافة الامر
إلى أنفسهم (ع) لكونه مقامهم والمراد بالحق هو الحق الإضافي والمراد بالظاهر هو الظاهر الحقيقي لأنه نفس
ظهور الحق لا ذات له الظهور كما في الحق الحقيقي والمراد بالظاهر الثاني عالم الظاهر وهو باطن وسر
لعالم العقلي الكلى الذي هو الباطن والسر والسر المستسر والسر المجلل بالسر ومن الخفيات مقام الخفى
من مقامات النفس مقام الخفا المشار إليه بقوله كنت كنزا مخفيا فأجبت ان اعرف فخلقت
الخلق لكي اعرف يا دافع البليات البلية والبلوه بالكسر والبلاء الغم كأنه يبلى الجسم
والبلية الناقة يموت ربها فيشد عند قبره حتى يموت كانوا يقولون حتى يبعث عليها صاحبها
كذا في القاموس يعنى أهل الجاهلية من يقر منهم بالبعث كان ديدنهم هذا فلا يعلفونها ولا يسقونها
حتى تموت سبحانك الخ يا خير الغافرين يا خير الفاتحين يا خير الناصرين
الفتوح كلما يفتح على العبد من الله تعالى بعد ما كان مغلقا عليه من النعم الظاهرة والباطنة كالارزاق
والعلوم والمكاشفات وفى اصطلاحات العارفين الفتح القريب هو ما انفتح على العبد من مقام القلب
وظهور صفاته وكمالاته عند قطع منازل النفس وهو المشار إليه بقوله تعالى نصر من الله وفتح قريب
والفتح المبين هو ما انفتح على العبد من مقام الولاية وتجليات أنوار الأسماء الإلهية المفنية لصفات القلب
وكمالاته وهو المشار إليه بقوله تعالى انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر
يعنى من الصفات النفسية والقلبية والفتح المطلق هو أعلى الفتوحات وأكملها وهو ما انفتح على العبد من تجلى
الذات الأحدية والاستغراق في عين الجمع بفناء الرسوم كلها وهو المشار إليه بقوله إذا جاء نصر الله والفتح
وتقديم خير الغافرين على خير الفاتحين لكون الغفران علة غائية للفتح كما في الآية والعلة الغائية مقدمة علما
مؤخرة عينا كما قيل أول الفكر اخر العمل وتقديم خير الفاتحين على خير الناصرين مع أن النصر في الآية مقدم
على الفتح لكون نصر الله معدا للفتح انما هو لشرف الفتح يا خير الحاكمين لكونه تعالى اعدل العادلين
يحكم بين عباده بالحق يا خير الرازقين لكونه يرزق بلا امتنان المؤمن والكافر نفوسهم
وأبدانهم وأرواحهم وأجسادهم بل الجماد والنبات والحيوان وغيرها ولكونه اعلم بمصالح خلقه فيدبر
بعلمه ويرزق كلاما يليق بحاله بخلاف الرازق منار فيعطى أحدا ما فيه هلاكه من النعم الظاهرة أو العلوم
37

الباطنة أو لا يقدرها ضمته على تحليه فلعله يعطى القشر من يناسبه اللب أو يعطى اللب من يناسبه القشر
ولهذا فالبرهان مناسب لقوم والخطابة لآخرين وكذا الجدل والشعر ولهذا يبسط الرزق لمن يشاء
ويقدر ولا يبالي كما قال في الحديث القدسي خلقت هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي
لكونه مستظهرا بعد له وان ما أعطاه على مقتضى استدعاء عينه الثابت هو الحق نحن قسمنا بينهم
معيشتهم يا خير الوارثين يرث الأرض ومن عليها فان إلى الله الرجعي واليه
المنتهى كل شئ هالك الا وجهه لمن الملك اليوم لله الواحد القهار وانما كان هو تعالى
خير الوارثين لان الوارث المجازى يأخذ ولا يعطى وهو يعطى ولا يأخذ ما هو ثروة المورث بل يضيفه
ويكمله يا خير الحامدين حقيقة الحمد اظهار كمال المحمود وشرح جماله وجلاله فحمده الذي استأثر
لنفسه فيضه المقدس الذي في كل بحسبه فإنه شرح جماله وجلاله ان من شئ الا يسبح بحمده
واعراب عما في غيب غيوبه انما كلامه سبحانه فعله وتعبير عن معنى مضمر في مكمن خفائه الكل عبارة وأنت المعنى
يا من هو للقلوب مغناطيس فالحامد إذا قال الحمد لله رب العالمين ينبغي ان يقصد هذا الحمد الذي
حمد به نفسه فإنه بشر اشره له تعالى ويعجبني كلام السيد المحقق الداماد س في القبسات أفضل مقامك في
الحمد ان تجعل قسطك من حمدك لبارئك قصيا مرتبتك الممكنة من الاتصاف بكمالات الوجود كالعلم
والحكمة والجود والعدل مثلا فيكون جوهر ذاتك ح أجمل الحمد لبارئك الوهاب سبحانه فإنك اذن
تنطق بلسانك الحال كل صفة من تلك الصفات انها فيك ظل صفته سبحانه وصنع هبته ذاته
جل لمطانه بحسب نفس ذاته في تلك الصفة على اقصى مراتب الكمالية فقد ذكرنا في سدرة المنتهى وفى
المعلقات على زبور آل محمد صلى الله عليه وآله ان الحمد في قوله تعالى كبرياؤه الحمد لله رب العالمين
هو ذات كل موجود بما هو موجود وهوية كل جوهر عقلي بحسب مرتبته في الوجود وقسطه من صفات الكمال
ولذلك كان عالم الامر وهو عالم الجواهر المفارقة عالم الحمد وعالم التسبيح والتمجيد ومنه في القران الحكيم
له الملك وله الحمد انتهى وكونه تعالى خير الحامدين بتقريب ان الحمد منوط بمعرفة كمال المحمود ولا يعلم كمال ذاته كما هو
الا هو فهو خير حامد ومحمود كما هو خير شاهد ومشهود أنت كما أثنيت على نفسك يا خير الذاكرين حقيقة الذكر
حضور المذكور لدى الذاكر إما بذاته أو بوجهه فذكره تعالى في مرتبة ذاته كلامه الذاتي وعلمه بذاته الذي حضور ذاته بذاته
لذاته بمعنى عدم انفكاك ذاته عن ذاته وفى مرتبة فعله وصنعه ذكره امره الايجادي وكلمة كن وفى مرتبة العقل
38

انشاء الكلمات التامات التي هي عالم الذكر الحكيم وهكذا حتى في عالم المادة ذكرنا مرتبة من اذكاره
بمعنى انا ذاكروه بحوله وقوته ولولاه لم يتأت لنا ذكره ولعله مراد من قال من العرفاء
لقد كنت دهرا قبل ان يكشف الغطا * أخالك انى ذاكر لك شاكر * فلما أضاء الليل أصبحت عارفا
بأنك مذكور وذكر وذاكر وهو تعالى خير الذاكرين بحسب ذاكريته لنفسه لان علمه بنفسه أتم من
علمنا به لكون الأول بالكنه والثاني بالوجه وإن كان للوجه مراتب وبحسب ذاكريته لنا المشار إليها في قوله تعالى
فاذكروني أذكركم وفى الحديث القدسي انا مع عبدي إذ اذكرني من ذكرني في نفسه ذكرته
في نفسي ومن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير منه لان ظهورنا في الأكوان السابقة أتم من ظهورنا
في هذا الكون الطبيعي فنوه تعالى باسمنا في اللاهوت كما في الجبروت المعبر عنه في الحديث القدسي المذكور بملاء
خير من ملاء عالمنا وكيف لا يكون ذاكريته لنا خيرا من ذاكريتنا والعلة حد تام للمعلول بخلاف المعلول فإنه حد
ناقص للعلة يا خير المنزلين ينزل الأشياء من عالم العقل الكلى إلى عالم النفس الكلية ومنه إلى عالم
المثال ومنه إلى عالم الطبيعة وعالم الجسم كما أن أفعال الانسان الصغير في مكمن غيبه في غاية الخفا كأنها
غير مشعور بها وفى مرتبة علمه التفصيلي مستحضرة ولكن بنحو الكلية وفى مقام خياله بالصور الجزئية وفى أخيرة
المراتب يظهر بصور المواد العنصرية وينزل جبرئيل وهو بالأفق الاعلى إلى عالم الأشباح والمقادير فيتصور
بصورة دحية الكلبي ويتمثل بشرا سويا وينزل آيات محكمات واخر متشابهات وفى كسوة الفاظ وعبارات
وينزل من السماء ماء طهورا أفرأيتم الماء الذي تشربون أنتم أنزلتموه من المزن أم نحن
المنزلون وهكذا يدبر الامر من السماء إلى الأرض وكونه تعالى هو المنزل الحقيقي لا ينافى وجود الوسايط
فهو خير المنزلين يا خير المحسنين الاحسان بمعنى الاتيان بالحسن لا خفاء في أن اكمله له تعالي
فاطلاق خير المحسنين عليه تعالى بهذا المعنى واما الاحسان بالمعنى الذي أشير إليه بقوله تعالى ثم اتقوا
وامنوا ثم اتقوا وأحسنوا وسئل عن النبي صلى الله عليه وآله ما الاحسان فقال صلى الله عليه وآله الاحسان ان تعبد
ربك كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وهو المترتب عند أهل السلوك على
أخيرة مراتب التقوى التي هي الاتقاء عن شهود الغير مط المسمى بالتوحيد الذاتي فهو لا يطلق
عليه تعالى كما لا يخفى كما على غيره في قوله تعالى يحب المحسنين ونجزى المحسنين وغير هما
حتى يكون هو تعالى خيرهم كما في خير الغافرين وأمثاله اللهم الا ان لا يجعل خير افعل التفضيل بل مثل ما يراد
39

في قولهم الوجود خير والعدم شر وقوله تعالى بيدك الخير ومرجع المعنى ح يا خيرا هو مطلوب
المحسنين وكذا في خير الغافرين ونحوه سبحانك الخ يا من له العزة والجمال
تقديم الظرف هنا وفيما بعده يفيد الاختصاص لان كل جمال رشح من بحر جماله وكل كمال ظل كما له فهو الحقيقة
وما عداه مجازاته وهو النير وما سواه اشراقاته وهو الأصل وما وراه فروعه ما أليق بالمقام ما قال الشاعر
أرأيت حسن الروض في اصاله * أرأيت بدر التم عند كماله * أرأيت كأسا شيب صفو شمولها
أرأيت روضا ريض خيل شماله * أرأيت طيب العيش في عهد الصبى * أرأيت عيش الصب لميل وصاله
أرأيت رايحة الخزامي سحرة * فغمت خباشيم العليل الواله * هذا وذاك وكل شئ رايق
اخذ التجمل من فروع جماله * هلك القلوب بأسرها في اسره * شعفا وشد عقولنا بعقاله
له الملك وله الحمد العزة القوة أو ندرة الوجود قال في القاموس عز يعز عز أو عزة بكسر هما وعزازة
صار عزيزا كتعزز وقوى بعد ذلة وأعزه وعززه والشئ قل فلا يكاد يوجد فهو عزيز فالأول من باب التجريد
إذ لا بعدية لعزته تعالى للذلة والثاني يراد باعتبار مظاهره الأكملين النادري الوجود والجمال صفات
اللطف والرحمة والجلال صفات القهر والنقمة وأيضا الجمال صفات التشبيه والدنو والجلال
صفات التنزيه والعلو وأيضا الجمال صفات ثبوتية والجلال صفات سلبية والتفصيل انه كما أن
لزيد مثلا صفات سلبية ككونه ليس بحجر وليس بمدر وصفات ثبوتية إما اضافية محضة ككونه أبا لعمرو وجارا
لبكر واما حقيقية فاتا محضة ككونه حيا واما حقيقية ذات إضافة كعلمه الملزوم للعالمية وقدرته الملزومة للقادرية
وهاتان اللازمتان مضافتان حقيقيتان كذلك لمبدئه صفات سلبيته كلها يرجع إلى سلب واحد
هو سلب الامكان عنه تعالى وصفات اضافية محضة كمفهوم العلية والخالقية والرازقية وصفات
حقيقية محضة كوجوبه وحياته وصفات حقيقية ذات إضافة كعلمه وقدرته وجميع الإضافات يرجع
إلى إضافة واحدة هي إضافة القيومية وجميع الحقيقيات يرجع إلى وجوب الوجود الذي هو تأكد الوجود
وليست الصفات الحقيقية زايدة على ذاته كما زعمته الأشاعرة والا لزم تعدد القدماء ولا الذات
نايبة منابها كما زعمته المعتزلة لان حقيقة الصفات فيه تعالى ولا يصح سلبها عنه إذ للصفات مراتب
ومرتبة منها ذات مستقلة واجبة والبرهان على عينية الصفة الحقيقية ومبدء الصفة الإضافية انه لو
لم تكن عينا لزم كون ذاته تعالى من جهة واحدة قابلة وفاعلة وهو محال ولم يكن بذاته مستحقه لحمل قادر وعالم وغير هما
40

من العنوانات الكمالية بل كان هو تعالى أيضا عالما بالعلم وقادرا بالقدرة وهكذا مع أن القضايا المنعقدة في
حقه تعالى يلزم ان يكون ضرورة أزلية بمعنى ان ذاته بذاته من دون التقييد بحيثية أية حيثية كانت تقييدية
أو تعليلية انضمامية أو اعتبارية أو التقييد بما دام الذات مستحقة لحمل المحمول الكمالي كما في حمل موجود أيضا
ولزم كونه جسما تعالى عن ذلك علوا كبيرا بيان الملازمة انه على تقدير الزيادة كان ذاته في مرتبة ذاته
عارية عن الكمال فكان له امكانه والامكان إذا كان موضوعه أمرا تعلميا كالمهية من حيث هي كان ذاتيا
واما إذا كان أمرا واقعيا كالمادة كان استعداديا والموضوع هنا عين الوجود الصرف وحاق الواقع
المحض وأي واقع أحق باسم الواقع من صريح الوجود وبحت التحصل فالخلو عن الكمال ليس بمجرد التعمل
كما في المهية بل أمر واقعي فالامكان استعدادي وحامل الاستعداد والقوة مادة والمادة تلازم الصورة
والمركب من المادة والصورة هو الجسم وهذا ما أردناه من الملازمة والنقليات الدالة على نفى الزيادة
كثيرة جدا وقد ذكرنا سابقا شطرا منها الدال على نفى الصفات فصفاته تعالى ذاته وكذا كل صفة منه
عين صفته الأخرى لا ان مفاهيمها واحدة حتى تكون مرادفه لأنه خلاف الواقع بل انها واحدة وجودا
ومصداقا وانتزاع المفاهيم المتكثرة من وجود واحد بسيط جايز كانتزاع الشئ ومفهوم الموجود والمعلوم
والمقدور والمراد وغيرها من كل واحد من المعلومات من جهة واحدة وان فرض تعدد الجهات لزم ان يكون
المعادل من جهة المقدورية غير معلوم مثلا فيعزب على علمه شئ على أن كل كثرة ينتهى إلى الواحد وكل مركب
ينتهى إلى البسيط إذ لو لم نيته آحاد الكثرة إلى الواحد المحض لزم تحقق الكثرة بدون الوحدة وهو محال
إذ لا كثرة حيث لا وحدة ولا تركيب حيث لا بساطة فلما كان التركيب متحققا في العالم كان البسيط أيضا متحققا
وكذا في الكثرة والوحدة فكل من هذه البسايط والوحدات المتالف منها المركب والكثير ينتزع منها
المفاهيم المذكورة ومفاهيم أخرى كثيرة جدا لكن ههنا شبهة قد استوثقها رئيس المحدثين أبو جعفر
محمد ابن يعقوب الكليني رضي الله عنه في الكافي واحتج بها على أن الإرادة زائدة على ذاته تعالى وهي ان
إرادة الله لا يصح ان يكون عين علمه سبحانه فإنه سبحانه يعلم كل شئ ولا يريد كل شئ إذ لا يريد شرا
وظلما ولا كفرا ولا شيئا من القبايح والاثام فعلمه تعالى متعلق بكل شئ أولا كذلك ارادته فارادته أمر اخر
وراء علمه وعلمه عين ذاته فارادته أمر اخر وراء ذاته فلابد من تحقيق معنى الإرادة بحيث يرتفع الشبهة ونقول
ينبغي ان نفهم حقيقة ارادتنا لنكون على بصيرة في ارادته لأنا نثبت له تعالى ما نراه كما لا فينا ولكن على وجه أعلى وأشرف
41

ولذا قال باقر العلوم (ع) هل يسمى عالما وقادرا الا لأنه وهب العلم للعلماء والقدرة للقادرين
وقال السلطان أبو الحسن الرضا (ع) قد علم أولو الألباب ان ما هنا لك لا يعلم الا بما ههنا فنقول
قد تقرر في موضعه ان شاكلتنا فيما قصدنا فعله انا نتصوره أولا ثم نصدق بفايدته تصديقا ظنيا أو تخيليا
أو علميا ان فيه صلاحا ومنفعة ومحمدة ومنقبة وبالجملة خير إما من الخيرات بالقياس إلى جوهر ذاتنا أو إلى قوة
من قوانا فينبعث من ذلك شوق إليه فإذا اهتزت القوة الشوقية وتأكد الشوق وصار اجماعا حركت
القوة المنبثة في العضلات وهنا لك يتحرك الأعصاب والأعضاء الأدوية فذلك الشوق المتأكد المنبعث
من القوة الشوقية الحيوانية أو النطقية العملية هو الإرادة فينا وتلك القوة المنبثة هي القدرة وما قالوا
من أن القدرة كيفية نفسانية إشارة منهم إلى سريان نور النفس إلى الأعصاب والعضلات والأوتار والرباطات
وذلك التصديق بالفائدة هو الداعي وذلك التصور هو العلم فالعلم فينا شئ والداعي شئ اخر وكذا الإرادة شئ
والقدرة شئ اخر فعلمنا واردنا وقدرنا وفعلنا فنحن نحتاج إلى هذه المبادى لكوننا فاعلين بالآلات وهي لا يتحرك
الا بالشوق وشوقنا بفعلنا بسبب معرفتنا بوجه الخير العايد إلينا واما الواجب جل مجده حيث يتعالى عن أن
يفعل بالة وعن ان يكون له شوق إلى ما سواه إذ هو موجود غير فقيد لكونه تاما وفوق التمام وعن ان يكون علمه انفعاليا
فان علمه تعالى فعلى غير معلل بالاغراض الزايدة وهو غاية مراد المريدين ومنتهى طلب الطالبين فالداعي والإرادة
والقدرة عين علمه العنائي وهو عين ذاته الله هو الغنى وأنتم الفقراء فيترتب على نفس ذاته ما يترتب
على المبادى فينا فهو تعالى علم وشاء وأراد وقدر وقضى وامضى من جهة واحدة فكما فينا تترتب حركة القوة
الشوقية على نفس تصورنا الشئ واعتقادنا انه نافع لنا من غير أن يتخلل بين التصور والاعتقاد وبين اهتزاز الشوق
إرادة أخرى ففيه تعالى أيضا يترتب الإفاضة على نفس علمه بالشئ وانه خير في نفسه من دون توسط شوق وهمامة
وقصد واهتزاز فلما كان الأول تعالى أجل مبتهج بذاته لكون ذاته المعلومة لذاته أجمل من كل جميل وأبهى من كل
بهى وعلمه بغيره حضوري فضلا عن ذاته وهو أتم العلوم والعالم فوق كل ذي علم وأتمية الابتهاج دايرة مدار
هذه الثلاثة ومبتهج باثاره بما هي اثاره لان من أحب شيئا أحب اثاره وإذ ليس شئ ينافيه وينافره
لكون الكل مقهورة تحت فيضه وناشئته من قلمه الاعلى كان ذلك الابتهاج بذاته وبآثار ارادته الذاتية قال
صدر المتألهين س الإرادة رفيق الوجود والوجود في كل شئ محبوب لذيذ فالزيادة عليه أيضا
لذيذ فالكامل من جميع الوجوه محبوب لذاته ومريد لذاته بالذات ولما يتبع ذاته من الخيرات
42

اللازمة بالعرض واما الناقص بوجه فهو محبوب لذاته لاشتماله على ضرب من الوجود ومريد لما يكمل
ذاته بالذات ولما يتبع ذاته بالعرض فثبت ان هذا المسمى بالإرادة أو المحبة أو العشق أو الميل أو غير ذلك
سار كالوجود في جميع الأشياء لكن ربما لا يسمى في بعضها بهذا الاسم لجريان العادة والاصطلاح على
غيره أو الخفاء معناه عند الجمهور كما أن الصور الجرمية عندنا إحدى مراتب العلم ولكن لا يسمى بالعلم والا صورة
مجردة عن ممازجة الاعدام والظلمات هذا كلامه بأدنى اختصار فظهر ان الوجود عين الإرادة فكيف لا يكون
الإرادة في ذات من هو عين الوجود وينحم مادة الشبهة بتحقيق مسألة الخير والشر والفحص عما
دخل فيهما بالذات وعما نسب إليهما بالعرض وعسى ان نتكلم فيها ان ساعدنا التوفيق ثم الاحتجاج
منقوض بالعلم والقدرة إذ العلم يتعلق بكل شئ حتى الممتنعات والقدرة لا تتعلق بها كما قال المتكلمون
ان معلومات الله أكثر من مقدوراته وقال السيد المحقق الداماد س في دفع هذه الشبهة كون
الإرادة الحقة الإلهية غير متعلقة بالشرور بالذات لا يصادم كون إرادة الخير عين العلم الذي هو
بعينه مرتبة الذات الحقة الأحدية فإرادة الخير وزانها بالإضافة إلى صفة العلم وزان السمع والبصر
من صفات الذات وهما عين الذات الحقة الواجبة التي هي بعينها العلم التام المحيط بكل شئ ثم السمع
سمع لكل مسموع لا لكل شئ والبصر بصر بالقياس إلى كل مبصر لا بالنسبة إلى كل شئ فكذلك الإرادة
الحقة فذاته سبحانه علم بكل شئ ممكن وإرادة لكل خير ممكن وسمع بالنسبة إلى كل شئ مسموع وبصر بالقياس
إلى كل شئ مبصر وقدرة بالقياس إلى كل شئ مقدور عليه والشرور الواقعة في نظام الوجود سواء عليها
أكانت في هذه النشأة الأولى أم في تلك النشأة الآخرة ليست هي مرادة بالذات بل ومقيسة
بالذات انما هي داخلة في القضاء بالعرض من حيث إنها لوازم الخيرات العظيمة الواجبة الصدور
عن الحكيم الحق والخير المطلق هذا كلامه فان قلت فما تصنع بما رواه الشيخ الجليل محمد ابن يعقوب الكليني
في الكافي والصدوق ابن بابويه القمي في كتاب التوحيد والعيون عن سادتنا الطاهرين وأئمتنا المعصومين
من حدوث الإرادة والمشية وانهما من صفات الفعل لا من صفات الذات قلت وزان الإرادة
وزان القيومية وغيرها في كونها ذات مراتب ثلاث فان له تعالى إرادة حقة حقيقية بالنسبة إلى
فيضه المقدس والوجود الإضافي الذي في كل بحسبه وإرادة حقيقية ظلية في مقام فيضه وإرادة مصدرية
هي نفس المفهوم العنواني فالأولى عين الذات الأحدية والثانية بما هي مضافة إلى الحق
43

داخلة في صقعه ولا حكم لها مستقلة كالمعنى الحرفي وبما هي مضافة إلى الأشياء حادثة بحدوثها
وهذه هي التي جعلها أئمتنا معادن العلم من صفات الفعل والثالثة هي الزائدة على كل وجود فضلا عن الوجود
الواجب وكيف لا ولو كان عين الذات لكانت عين هذا المفهوم المصدري وأجاب السيد المحقق الداماد س
عن السؤال بان الإرادة قد يطلق ويراد بها المصدري أعني الاحداث والايجاد وقد يراد بها الحاصل بالمصدر
أعني الفعل الحادث المتجدد وكما أن لعلمه تعالى بالأشياء مراتب وأخيرة مراتبه وجود الموجودات الخارجية وصدورها
عنه منكشفة غير محتجبة فهى بذواتها وهوياتها المرتبطة إليه علوم له تعالى بوجه ومعلومات له باعتبار ومعلوميتها له تعالى
عين ذواتها لا عالميته تعالى إياها عين ذواتها وانما هي عين ذاته المقدسة فالعلم بمعنى العالمية عين ذاته تعالى
وهو قديم وبمعنى المعلومية عين هذه الممكنات وهو حادث فكذلك لإرادته سبحانه مراتب وأخيرة المراتب
هي بعينها ذوات الوجودات المتقررة بالفعل وانما هي عين الإرادة بمعنى مراديتها له تعالى لا بمعنى مريديته إياها
وما به فعلية الإرادة والرضا ومبدء التخصيص هو عين ذاته الحقة وهذا أقوى في الاختيار مما ان يكون
انبعاث الرضا بالفعل من أمر زايد على نفس ذات الفاعل انتهى حاصل ما افاده وتلميذه صدر المتألهين س
بعد ما نقل هذا الكلام قال وههنا سر عظيم نشير إليه إشارة ما وهي انه يمكن للعارف البصير ان يحكم بان وجود
الأشياء الخارجية من مراتب علمه تعالى وارادته بمعنى عالميته ومريديته لا بمعنى معلوميته ومراديته فقط
وهذا مما يمكن تحصيله للواقف على الأصول السالفة ذكرها إما الأحاديث المشار إليها فمنها ما في الصحيح عن صفوان
ابن يحيى قال قلت لأبي الحسن (ع) اخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق فقال الإرادة من الخلق لضمير
وما يبدو بعد ذلك لهم من الفعل واما من الله فارادته احداثه لا غير ذلك لأنه
لا يروى ولا يهم ولا يتفكر وهذه الصفات منتفية عنه وهي صفات الخلق فإرادة الله
الفعل إلى غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق لسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف
لذلك كما أنه لا كيف له قال السيد الضمير هو تصور الفعل وما يبدو بعد ذلك اعتقاد النفع فيه تخيليا
أو تعقليا أو ظنيا ثم انبعاث الشوق من القوة الشوقية ثم تأكد الشوق واشتداده إلى حيث يصير اجماعا فتلك
مبادى الأفعال الاختيارية فينا والله سبحانه مقدس عن ذلك فنفس علمه السابق اختيار ومشية
لأفعاله ولا إرادة ولا مشية هناك وراء نفس الذات الا احداثه وايجاده ولا كيف لمشيته وارادته
كما لا كيف لذاته ومنها ما روى عن هشام ابن الحكم في حديث الزنديق الذي سئل أبا عبد الله (ع)
44

وكان من سؤاله ان قال له فله رضا وسخط فقال أبو عبد الله (ع) نعم لكن ليس ذلك على ما يوجد
من المخلوقين وذلك أن الرضا حال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال لان المخلوق
أجوف معتمل مركب للأشياء فيه مدخل وخالقنا لا مدخل للأشياء وفيه لأنه واحد
واحدى الذات واحدى المعنى فرضاه ثوابه وسخطه عقابه من غير شئ يتداخله فيهيجه وينقله
من حال إلى حال لان ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين والصدوق رضي الله عنه رواه
بعينه في كتاب التوحيد وفيه ان الرضا والغضب دخال يدخل عليه وخالقنا لا مدخل للأشياء
فيه لأنه واحد واحدى الذات واحدى المعنى يا من له القدرة والكمال القدرة عند
المتكلمين صحة الفعل والترك وعند الحكماء كون الفاعل بحيث ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل والمعنى
الثاني أعم والتلازم بينهما الذي أدعاه المحقق الخضري بط لان الصحة هي الامكان وواجب الوجود بالذات
واجب الوجود من جميع الجهات بل القدرة المفسرة بالصحة المذكورة قدرة الحيوان كما قال صاحب الشفا
والمتحقق في الواجب تعالى هو المعنى الثاني وصدق الشرطية لا يستلزم صدق المقدم لأنها تتالف من
صادقين ومن كاذبين ومن صادق وكاذب فصدق صدور الفعل بالمشية وعدم صدوره على تقدير عدم المشية
لا ينافى ضرورة مقدم الشرطية الأولى وامتناع مقدم الثانية ودوام الفعل لا ينافى كونه اختياريا كما انك
لو كنت موجودا دائما غير فارغ عن فعل ما لم يكن دوام فعلك المطلق كتصورك وتكلمك وغير هما منافيا لاختيارك
ولم تجد فرقا بين الحالتين إذا رجعت إلى وجدانك وابطال قدم الفعل ليس لتصحيح القدرة وانه لولاه لزم
الايجاب بل لأنه في نفسه غير ممكن حيث إن العالم الجسماني داثر متغير حادث متجدد بالذات ولهذا دوام
انواره القاهرة لا يصادم قدرته بل يؤكدها فالمعتبر في القدرة المسبوقية بالعلم والمشية لا غير وفى تقديم
الظرف إشارة إلى أن القدرة منحصرة فيه تعالى لان نفوسنا ونفوس ساير الحيوانات لما لم تكن فاعلة الا
بالدواعي الزايدة على ذواتها كانت تلك الدواعي بالحقيقة مسخرة لها اخذة بنواصيها تجرها إلى وجودها
العيني ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها وهو القاهر فوق عباده فالنفوس الأرضية مضطرة
في صورة المختار والنفوس الفلكية أيضا تحريكاتها لدواعي هي مشاهدة معشوقات قاهرات عليها فالكل
مسخرة تحت امره سبحانه ولو انك نظرت حق النظر لم تجد فرقا بين المعين الخارجي للفاعل والمعين الداخلي
فان صورة الداعي في نفسك أيضا موجود من الموجودات مركب من الوجود والمهية لولاه لم يمكنك الفعل
45

قال الشيخ الرئيس في التعليقات عند المعتزلة ان الاختيار يكون بداع والاختيار بالداعي يكون اضطرارا
واختيار الباري تعالى وفعله ليس بداع انتهى ومع ذلك كما تنسب الوجود والدواعي إلى نفسك تنسب
الافعال والاختيار إليك فالفاعل بلا داع له القدرة والكمال ما يكمل به النوع في ذاته ويمسى كمالا أولا
كهيئة السيف للحديد أو في صفاته ويسمى كمالا ثانيا كالقطع له أو المراد هنا القدر المشترك بين الجمال
والجلال يا من له الملك والجلال المراد بالملك المعنى الأعم من الملكوت أعني المملكة
التي هي عالم الوجود لا المعنى المساوق لعالم الظاهر وعالم الشهادة وعالم المادة وعالم الناسوت وغيرها
القسيم للملكوت المراد به تارة باطن الكون مطلقا كما في قوله تعالى وكذلك نرى إبراهيم ملكوت
السماوات والأرض وتارة مقابل عالم الجبروت المراد به عالم العقول ويحتمل ان يكون المراد التسلط
والاحتواء بان يكون مصدرا قال في القاموس ملكه يملكه ملكا مثلثة وملكة محركة ومملكة بضم اللام
أو يثلث احتواه قادرا على الاستبداد به والجلال قد مضى معناه يا من هو الكبير المتعال
الكبير هنا بمعنى العظيم من كبر بالضم أي عظم لا من كبر بالكسر أي طعن في السن مقصور على هو لان المسند المعرف
باللام مقصور على المسند إليه كما قرر في المعاني يا منشئ السحاب الثقال أي يا رافعه قال في القاموس
نشأ كمنع وكرم نشأة ونشوء ونشأ ونشاءة حيى وربى وشب والسحابة ارتفعت وقال فيما بعد أنشأ يحكى
جعل ومنه خرج والناقة لقحت ودارا بدء بنائها والله السحاب رفعه ثم السحاب ليس جمعا فصفته ينبغي ان
يتبعه كما في قوله تعالى والسحاب المسخر بين السماء لكن جمع لان المراد به السحاب كما في قوله تعالى
وينشئ السحاب الثقال وقوله حتى إذا أقلت سحابا ثقالا وقول الشاعر
كان السحاب الغر غيبن تحتها حبيبا فما ترقى لهن مدامع واما كيفية تكون السحاب
فهى ان الشمس إذا اثرت بسخونتها في البحار والأراضي الرطبة بخرت منها فإذا صعدت ووصلت
إلى كرة الزمهرير واستولت عليها البرودة انعقدت سحابا متقاطرا فالمنعقد هو السحاب والقطرات
هي المطر وما ورد ان نزول المطر بفعل الملك لا ينافى قواعد الطبيعيين لان الملك الموكل
على الفلك الأعظم المسخر تحت النور القاهر والملك الموكل على فلك الشمس المسخر تحت قاهره
المسمى بسهرير على لسان الاشراق الموجب للحركة الجنوبية أو الشمالية والملائكة الآخرين لو لم
يديروا الشمس مثلا لم يحصل النجار وهكذا الملائكة المدبرون للجار والنجار وكرة الزمهرير
46

والطبيعيون يعبرون عنهم بالنفوس الفلكية والطبايع لكن الدهرية لا الزمانية كما عبر بعض الشعرا من العرفاء بها
بقوله از ملك نه فلك چو كردانست * ملك أندر تن فلك جانست * عرش وكرسي وجرمهاى كرات
كمترند از بهايم وحشرات * خنفسا ومكس حمار قبان * همه با جان ومهر ومه بيجان
قال الشيخ الرئيس في الرسالة العلائية نفس ناطقة را جان كويند وروح بخارى را روان
يا من هو شديد المحال قال البيضاوي شديد المحال المماحلة والمكائدة لأعدائه
من محل بفلان إذا كاده وعرضه للهلاك ومنه تمحل إذا تكلف استحال الحيلة لعل أصله المحل
بمعنى القحط وقيل فعال من المحل بمعنى القوة وقيل مفعل من الحول أو الحيلة أعلى على غير قياس ويعضده انه
قرء بفتح الميم على أنه مفعل من حال يحول إذا احتال ويجوز ان يكون بمعنى الفقار فيكون مثلا في القوة
والقدرة كقولهم فساعد الله أشد وموساه أحد انتهى قال في القاموس المحال ككتاب الكيد وروم الامر
بالحيل والتدبير والمكر والقدرة والجدال والعذاب والعقاب والعداوة والمعادات كالمماحلة والشدة والقوة
والاهلاك والهلاك وقال في الحول الحول والحيل والحول كعنب والحولة والحيلة والحويل والمحاله والمحال
والاحتيال والتحول والتحيل الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف يا من هو سريع الحساب
الحساب جمع متفرقات شتى وهو تعالى لما كان مجردا وجميع الامكثة والمكانيات بالنسبة إلى مقربي
حضرته كالنقطة وجميع الأزمنة والزمانيات كالان وأحاط بكل شئ رحمة علما واحصى كل شئ عددا
وكل في حده حاضر لديه ولا مضى واستقبال بالنظر إليه لا يشغله شأن عن شأن وفى حساب
الخلايق دفعة واحدة غير زمانية بل ولا دهرية فيسرع في وصول الجزاء لكيلا يمنع الحق عمن له الحق
قال الفاضل المحقق الكاشاني في الصافي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال معناه انه يحاسب الخلايق كلهم
دفعة كما يرزقهم دفعة وعنه (ع) انه سئل كيف يحاسب الله سبحانه الخلق ولا يرونه قال
كما يرزقهم ولا يرونه وفى تفسير الإمام (ع) لأنه لا يشغله شأن عن شأن ولا محاسبة عن محاسبته
فإذا حاسب واحدا فهو في تلك الحال محاسب للكل يتم حساب الكل بتمام حساب الواحد
وهو كقوله ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ويأتي في سورة الأنعام ما يقرب منه
أقول ولسرعة الحساب معنى اخر يجتمع مع هذا المعنى ويؤيده وهو ان الله سبحانه يحاسب
العبد في الدنيا في كل ان ولحظة ويجزيه عمله في كل حركة وسكون ويكافى طاعاته بالتوفيقات
47

ومعاصيه بالخذلانات فالخير يجر الخير والشر يدعو إلى الشر ومن حاسب نفسه في الدنيا عرف
هذا المعنى ولهذا ورد حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا وهذا من الاسرار التي لا يمسها الا المطهرون
انتهى ومحاسبة النفس ان يتذكر المحاسب النعم التي أنعم الله بها في بدنه من المنافع التي تفطن بها
علماء التشريح مع أن ما تفطنوا بالنسبة إلى ما لم يتفطنوا كقطرة في بحر لجي والنعم التي في نفسه من منافع
قواها كمنفعة الاحساس والتخيل والتوهم والتعقل والحفظ والتصرف ويوازنها مع طاعاته مع أنه تعالى
قال وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها فيعترف بالعجز عن القيام بخدمة مولاه ويتدارك
ما أمكن ولا يفتر عن الحد وكان داب أهل المحاسبة والمراقبة من أهل السلوك وديدنهم ان ما عملوا كل يوم
حاسبوا في ليلته فان عملوا الحسنات استزادوا الله وان صدر منهم عثرة استغفروا الله وأنابوا إليه وبعض
الكمل شيمتهم ان يحاسبوا خطرات ضميرهم فان خطر في اليوم يبالهم خطرة من غير الحبيب تداركوها في الليلة
بقلب منيب وفؤاد كئيب ان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله يا من
هو شديد العقاب هذا الاسم وما بعده كالمتفرع على ما قبلهما فان الذين يوفى
حسابهم منهم المعاقبون عقابا شديدا ومنهم المثابون ثوابا حسنا يا من هو عنده حسن
الثواب للذين قال تعالى فيهم فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي
وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار
ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب وهو هنا اسم كما في الدعاء المأثور يا هو يا من هو
يا من هو الا هو إذ بدونه العايد موجود والصلة جملة بخلاف من هو شديد العقاب ونحوه فإنه بدون هو
العايد وإن كان موجودا فيه لان إضافة الصفة إلى الفاعل بعد تقدير تحويل الاسناد عنه إلى ضمير موصوفها
لكن بدونه يبقى الصلة مفردا والحال ان الصلة لابد أن تكون جملة أو شبهها والحق لما كان موجودا في نفسه
إذ ليس وجوده رابطا غير نفسي وموجود النفسه إذ ليس وجوده رابطيا كوجود الاعراض وموجودا بنفسه
إذ ليس وجوده عرضيا لذاته معللا كما في الجمادية والمجردة فهو الموجود في نفسه لنفسه بنفسه لا غير فهو الموجود الحقيقي
وكما لا موجود بالحقيقة الا هو فكذا لا هو إذ الممكن من ذاته ليس هو إذ الهوية عين الوجود بل لا ظهور لذاته
لا به لان هل البسيطة مقدمة على ما الحقيقة وكذا يا من هو عنده أم الكتاب أم الكتاب هو
العقل الأول والممكن الأشرف الأقرب سمى به لاحتوائه بكل الحقايق لكونه بسيط الحقيقة جامعا لكمالات
48

ما دونه وكتابيته باعتبار ماهيته وكونه قلما على ما في القران والأحاديث كقوله تعالى ن والقلم
وما يسطرون وقوله صلى الله عليه وآله أول ما خلق الله القلم وقوله صلى الله عليه وآله جف القلم بما هو كائن
وغير ذلك باعتبار فعاليته وافاضته لصور ما دونه أو أم الكتاب جملة عالم العقل وهي مع تفاوت
مراتبها لشدة اتصالها المعنوي وبساطتها الحقيقية وكون كلها في كلها لعدم حجاب بينها كأنها موجود
واحد والكتب الإلهية والصحف المكرمة المرفوعة المطهرة كثيرة الأول أم الكتاب والثاني الكتاب
المبين وهو النفس الكلية وتسمى اللوح المحفوظ واليهما الإشارة بقوله تعالى ن والقلم وبما يسطرون
إلى ما صدر عنهما من صور الموجودات والثالث كتاب المحو والاثبات وهو النفس المنطبعة وتسمى لوح
القدر والحق ان الكتاب المبين الذي لا رطب ولا يابس الا فيه أعم يشمل الأول والثالث أيضا والى هذا
الكتاب أشار بقوله يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب والرابع الكتاب المسطور
وهو المنقوش على الرق المنشور أعني الهيولي ويسمى سجل الوجود واليه الإشارة بقوله والطور
وكتاب مسطور في رق منشور والخامس الكتاب الجامع للكل وهو الانسان ولا سيما
الكامل منه وهو الكتاب الصغير المستنسخ من الكتاب الكبير واليه الإشارة بقوله تعالى وكل شئ أحصيناه
في امام مبين فكل انسان بل كل نفس من النفوس الحيوانية كتاب من كتب الله فالانسان من
حيث روحه وعقله الاجمالي كتاب عقلي ومن حيث قلبه وعقله التفصيلي كتاب نفسي ومن حيث خياله
كتاب المحو والاثبات وفى كيفية مقابلة الكتاب الصغير مع الكتاب الكبير تطويل عظيم عسى ان نذكر
قليلا منها سبحانك الخ اللهم إني أسئلك بسمك يا حنان من حن على فلان
إذا رحمه ومنه سبحانك وحنانيك أي ارحمنى رحمة بعد رحمة أو من حن إلى كذا أي تشوق إليه
ومنه الحديث لا تتزوجن جنانة ولا منانة أي التي كان لها زوج فهى تميل إليه واصل الحنين
ترجيع الناقة صوتها اثر ولدها وليس للحق شوق إلى شئ إذ الشوق مصحوب فقد ما فمعناه فيه على الثاني
كثير الاقبال على العباد وكثير المحبة بهم وفى القاموس معناه الرحيم أو الذي يقبل على من اعرض عنه يا منان
أي المنعم المعطى والمن العطاء كما في دعاء أبى حمزة الثمالي أنت المنان بالعطيات على أهل مملكتك
ويطلق المنان على الذي لا يعطى شيئا الا من به واعتده على من أعطاه وهو مذموم ومنه المنانة للمراة
التي يتزوج بها لمالها فهى ابدا تمن على زوجها واما قوله تعالى قل لا تمنوا على اسلامكم بل الله
49

يمن عليكم ان هديكم للايمان فاطلاق المنة عليه تعالى من باب المشاكلة وانه كان حقه ان يمن
علينا باعتبار تشرفنا بشرف الاسلام فبسبب انا ممنون كثيرا منه يمكن ان يطلق عليه المنان بهذا المعنى
فمن أخلص لله أربعين صباحا وأربعين سنة ينبغي ان لا يتوقع الاجر لعمله من جوعه وسهره وغيره
وإن كان واصلا إليه باضعاف اضعافه انه لا يضيع عمل عامل لكن الغرض انه مجرد تفضل منه تعالى عليه
فليقبل المنة منه حيث وفقه لذلك فأي اجر أعظم من سعادة اجراء ذكره على لسانه وصرف ضميره فيه
هر كه نه كو يا بتو خاموش به * هر چه نه ياد تو فراموش به يا ديان الديان القهار من
دان الناس أي قهر هم على الطاعة يقال دنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا أو المجازى كما في
ديان يوم الدين ومنه كما تدين تدان وقول الشاعر دناهم كما دانوا قال في القاموس
الديان القهار والقاضي والحاكم والمحاسب والسايس والمجازي الذي لا يضيع عملا بل يجزى بالخير
والشر يا برهان البرهان لغة الحجة كما في القاموس وفى الاصطلاح هو المؤلف من الواقعيات
المحضة والعقليات الصرفة بخلاف الخطابة والجدل والشعر والسفسطة وأشير إلى ثلاثة منها في قوله تعالى
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجاد لهم بالتي هي أحسن
وفى اصطلاح أخص هو الدليل اللمى فقط وبهذا المعنى قال الشيخ الرئيس الأول تعالى لا برهان عليه بل هو
على كل شئ والمراد هنا المعنى اللغوي ليشمل الأقوال الشارحة والحجج باقسامها إذ الحجة لغة غير ما هو المصطلح
وبيان كونه تعالى برهانا ومظهرا لكل مجهول ان الدليل المرشد للعقل إلى المطلوب كالذي يأخذ بيد الأعمى
ويوصله إلى مقصوده فإذا أردت ان تصل إلى حدوث العالم فصدقت بسيلانه ثم صدقت بحدوثه
فسيلان العالم وحركته الجوهرية والكيفية والكمية وبالجملة حركته ذاتا وصفة أظهرت لعقلك الحدث وأوصلتك
إليه لكن السيلان الحاصل في الذهن موجود من الموجودات له مهية ووجود إذ المهية منفكة عن كافة الوجودات
لا تقرر لها كما تقرر في مقره فكيف تكون بذاتها مظهرة لشئ لان ثبوت شئ لشئ فرع ثبوت المثبت له
فهى من حيث هي لا مظهرة ولا لا مظهرة فوجودها مظهر والوجود بشراشره اشراق الحق الله نور السماوات
والأرض أي باشراقه استشرقت المجردات والماديات أي مجرد كان في عقلنا أو في عقل الكل فالمظهرية
الت إليه تعالى وكذا في الحدود فهو البرهان على غيره وكذلك هو البرهان على نفسه كما في دعاء الصباح
يا من دل على ذاته بذاته وفى دعاء أبى حمزة الثمالي بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني
50

إليك ولولا أنت لم أدر ما أنت وفى دعاء عرفه ألغيرك من الظهور ما ليس لك حتى
يكون هو المظهر لك متى غبت حيت تحتاج إلى دليل يدل عليك أو متى بعدت حتى تكون الآثار
هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم
تجعل له من حبك نصيبا وفى الكافي اعرفوا الله بالله وفيه أيضا عن أبي عبد الله (ع)
وانما عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه انما يعرف غيره فالحاكم بوحدته
البرهان الوارد على القلب من عنده شهد الله انه لا اله الا هو ولهذا قراءة فتح اللام في المخلصين
هي الأولى يا سلطان أي والى مملكة الوجود يا رضوان انما كان من أسمائه تعالى الرضوان
لأنه تعالى كما مر في معنى الإرادة راض بكل الأمور لا ينافره شئ من الوجود إذ لو لم يرض بشئ لم يدخل في الوجود
فالرضا لما كان مساوقا للوجود يدور حيث ما دار والوجود أوسع الأشياء فرضوان الله أكبر وقالوا الرضا
باب الله الأعظم والسالك إذا وصل إلى مقام الرضا لم يكن له انكار على شئ من الأشياء فقد دخل الجنة ولذا
كان خازن الجنة أيضا مسمى بالرضوان والمشتق والمبدء وان كانا فيه تعالى واحدا بحسب الحقيقة لكن بحسب قواعد
علم العربية المصدر هنا إما بمعنى اسم الفاعل واما اطلق مبالغة وكذا في يا غفران يا سبحان
قال في القاموس سبح بالنهر وفيه كمنع سجا وسباحة بالكسر عام وهو سالج وسبوح من سبحأ
وسباح من سباحين وقال أيضا سبحان الله تنزيها لله من الصاحبة والولد معرفة ونصب على المصدر
أي أبرء الله من السوء براءة أو معناه السرعة إليه والخفة في طاعته أقول فسبحان على الثاني مبنى للمفعول
يعنى ان الكل تسبح إليه في بحر الوجود كالحيتان في الماء كما في قوله تعالى والسابحات سبحا أي الا روح التي
تسبح إليه في بحر رحمته الواسعة يا مستعان يا ذا المن والبيان المن العطاء كما تقدم والبيان
اظهار المقصود بأبلغ لفظ واصله الكشف والظهور والوجود على الاطلاق اعراب عما في الضمير وافصاح عما في المكنون
الغيبي ولما كان البيان الفعلي أعظم النعم إذ به يتم الايجاد كما قيل أول كلام شق اسماع الممكنات كلمة كن وبه تستكمل النفوس
وتهتدى إلى مقاصدها اردف العطا به هنا كما في قوله تعالى خلق الانسان علمه والبيان ولما كان البيان بمنزلة
السحاب والمعنى بمنزلة الروح والحياة والنفس الجاهلة بمنزلة الأرض الميتة كما في قوله تعالى وهو الذي يرسل
الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فانزلنا
به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون فالانسان إذا أراد
51

ان يتكلم بكلام فمبدأ هذه الإرادة أولا صورة عقلية في القوة الناطقة على وجه البساطة وينشأ من هذه
القوة اثر في القلب ثم يظهر في الخيال ثم يسرى اثره بواسطة الروح البخاري إلى الأعصاب ثم العضلات
فيوجد صورة الصوت في لوح الهواء المقروع بواسطة التقاطع العارض له في المخارج وهذا غاية نزوله
من عرش القلب إلى فرش عنصر الهواء ثم يصعد منه اثر إلى الصماخ ومنه إلى العضلات ومنها إلى الأعصاب
والأرواح البخارية ومنها إلى الدماغ ومنها إلى الخيال حتى الناطقة فهذا الترتيب الصعودي على عكس
الترتيب النزولي كان محييا للموتى أعني النفوس الجاهلة مخرجا لثمرات العلوم من أكمامها أعني فطرتها
ومن اسراره ان مساوقه الذي هو القول الذي عدده مأة وستة وثلثون وهو مبلغ عدد مساحة مربع زوج
الزوج الأول موافق لعدد محيى كل حي وهو عدد المؤمن وفى مجمع البيان قال الصادق (ع) البيان الاسم
الأعظم الذي علم به كل شئ سبحانك الخ يا من تواضع كل شئ لعظمته
أي تطامن لها يا من استسلم كل شئ لقدرته الشئ بمعنى المشيئ وجوده وهو المهية أي
طاوع كل مهية مشئ وجودها لقدرته الفعلية يا من ذل كل شئ لعزته يا من خضع
كل شئ لهيبته يفرق في اللغة بين الخضوع والخشوع بان الخضوع في البدن والخشوع
في الصوت والبصر والهيبة لغة المخافة يا من انقاد كل شئ من خشيته الخشية على ما قال
المحقق نصير الملة والدين س وان لا فرق بينها وبين الخوف في اللغة الا انها عند أهل السلوك خاصة بالعلماء
انما يخشى الله من عباده العلماء والخوف مسلوب عنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
فالخشية تحصل لهم بسبب الاستشعار بعظمة الله وهيبته والوقوف على قصور هم عن أداء حق العبودية
فهى خوف خاص ويدل عليه قوله تعالى يخشون ربهم ويخافون سوء العذاب وههنا جارية على طريق
أهل اللغة ولكن لما كانت الهيبة أعلى من الخشية كما سيأتي في السلاك كالخشية من الخوف قدمت
الهيبة على الخشية وهي على المخافة يا من تشققت الجبال من مخافته أصل تكون الجبال على
ما قال بعض الحكماء من تلاطم أمواج البحار واصطكاكاتها فيحجر بعض الأرض فان البر كان بحرا والبحر كان برا في الأدوار
والأكوار ويؤيده ما يقال من أن الشمس كما تميل إلى الجنوب فانجذبت الرطوبات بحرارتها إلى جانب
الجنوب ولذا وقعت البحار هناك وورد ان مجارى العيون من مهب الشمال كذلك يحبئ
وقت يكون ميلها إلى الشمال وعند هذا تنجذب الرطوبات إلى جانب الشمال وتتفق البحار هنا ويتحقق البراري
52

والبلاد هناك والانسان والحيوانات يتخذها المساكن فيعيشون هناك يا من قامت السماوات
بأمره أي الأفلاك الكلية والجزئية الشاملة للأرض والغير الشاملة لها والموافقة المركز والخارجة المركز
والمتممات الحاوية والمحوية كلها قائمة بأمره وفيضه المقدس بسم الله مجريها ومرساها أو المراد قيام
أبدانها بأرواحها قل الروح من أمر ربي له الامر والخلق يا من استقرت الأرضون
باذنه المراد باستقرارها سكونها في الوسط وسببه ميل اجزائها الثقيلة من جميع الجوانب إلى المركز فتقاوم
وتتدافع وتتعادل من جميع الجهات فسكنت في الوسط وقال بعضهم سببه جذب الفلك لها من جميع الجوانب
جذبا متساويا متعادلا وقال بعضهم الفلك جسم لطيف شريف والأرض جسم خسيس لا يجذبها بل يدفعها
من جميع الجوانب دفعا متساويا فسكنت في الوسط وقال بعضهم هذا من خاصية حركة الكرة المستديرة
كما في الزجاجة والبيضة فإنه إذا وضعت البيضة في الزجاجة ودورت الزجاجة وقفت البيضة في
وسط الزجاجة لا تميل إلى جانب أصلا وقال ثابت ابن قره سببه طلب كل جزء موضعا يكون فيه
قربه من جميع الأجزاء قربا متساويا إذ عنده ميل المدرة إلى السفل ليس لكونها طالبة للمركز بالذات بل لان
الجنسية منشأ الانضمام فقال لو فرض ان الأرض تقطعت وتفرقت في جوانب العالم ثم أطلقت اجزائها
لكان يتوجه بعضها إلى بعض ويقف حيث يتهيأ تلاقيها ولما كان كل جزء يطلب جميع الأجزاء طلبا واحدا
ومن المحال ان يلقى الجزء الواحد كل جزء لا جرم طلب ان يكون قربه من جميع الأجزاء قربا متساويا وهذا هو طلب
الوسط ثم إن كون ما ذكروه أسبابا طبيعية لذلك لا ينافى كونه بإذن الله لأنه مسبب الأسباب أبى ان يجرى
الأمور الا بأسبابها كما أن احياء عيسى (ع) الموتى وتصحيح الأدوية المرضى لا ينافى كونهما بإذن الله لأنه معطى
التأثير والخاصية لا مؤثر في الوجود الا الله واختلف في كمية الأرض قال الله تعالى الله الذي خلق
سبع سماوات طباقا ومن الأرض مثلهن فمنهم من يزعم أنها سبع طبقات على الانخفاض والارتفاع
كدرج المراقي وعن ابن عباس انها سبع تفرق بينهن البحار قال في مجمع البيان واما الأرضون فقال قوم انها
سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض كالسماوات لأنها لو كانت مصمتة لكانت أرضا واحدة وفى كل ارض
خلق خلقهم الله تعالى كما شاء وردى أبو صالح من ابن عباس انها سبع أرضين ليس بعضها فوق بعض تفرق بينهن
البحار وتظل جميعهن السماء انتهى وقال بعضهم انها سبع على المجاورة وافتراق الأقاليم فالأرضون السبع هي
الأقاليم السبعة وهذا يناسب مذاق الحكماء والمتكلمين القائلين بان الأرض ثلث طبقات الطبقة الصرفة والطينية
53

والمسكن للمواليد هذا بحسب الظاهر والتفسير واما بحسب الباطن والتأويل فالأرضون السبع هي السماوات
السبع المادية لان عالم المادة كله ارضى واما العناصر التي في جوف فلك القمر فلا يعباء بها وكلها بما
هي أجسام وجسمانيات بمنزلة الديدان أو حجر المثانة ولذا القدماء كانوا يطلقون العالم ويريدون به السماء
لاغير والسماوات السبع هي العوالم الطولية يا من يسبح الرعد بحمده سنذكر تسبيح
الجمادات والنباتات وغيرها انشاء الله تعالى والرعد صوت يسمع من السحاب وسببه تمزق السحاب عند
تغلقل الادخثه المحتبسة فيه وقيل سببه اصطكاك اجزاء السحاب إذا ساقتها الريح يا من لا يعتدى
على أهل مملكته أي لا يظلم عليهم كيف وهو اعدل العادلين وضع كل شئ في موضعه واعطى
كل ذي حق حقه فكلما استدعى عنيه الثابت وسئل بلسان استعداده وصل إليه فواحدا أعطاه المملكة
وواحدا أعطاه الراحة والصحة وواحدا أعطاه العلم والمعرفة والآثار التي تترتب على الحديد لا تترتب على
الذهب وبالعكس والتقويم في الألف مطلوب والتعويج في الدال مرغوب جهان چون خط وخال وچشم وابروست
كه هر چيزى بجاى خويش نيكوست * اكر نيك وبدى بيني مزن دم * كه هم إبليس ميبايد هم آدم
فالسؤال بأنه لم اعطى الألف الاستقامة والدال الانحناء باطل من أصله لان الاستقامة ذاتية
للألف وبدونها لا يبقى الألف ألفا وأنت فرضتها ألفا بدون الاستقامة وكذا الأنحاء ذاتي للدال
وبدونه لا يبقى الدال والا وأنت فرضتها والا بدونه وان جعلت الشئ العام ما يعطى له الاستقامة
أو الانحناء فهذا من باب خلط الذهن والخارج لأنه في الذهن فقط وليس في الخارج شيئا خاصا حتى
نرى ان أي شئ يليق به من الاستقامة والانحناء وكذا إذا قيل لم جعل شئ من الأشياء ألفا وشئ
والا ففرض السائل شيئين متماثلين والحال انه لم يكن شئ ولم يكن ألفا ثم جعل ألفا ولا شئ ولم يكن دالا
ثم جعل دالا والحاصل ان الذاتي غير معلل والجعل المركب في الذاتيات باطل وفى العرضيات وإن كان
جايزا لكن كل العرضيات ذاتي بالنسبة إلى الهوية وإن كان عرضيا للماهية النوعية فبعد تعيين الموضوع
ينقطع السؤال والحاصل ان كل شئ يظهر في الوجود على طبق ما كمن في عينه الثابت كما هو طريقة العرفاء
الشامخون قال صدر المتألهين س ان الله عز وجل لا يولى أحدا الا ما تولاه طبعا وإرادة وهذا عدل منه
ورحمة وقد ورد ان الله تعالى خلق كلهم في ظلمة ثم قال لهم ليتخير كل منكم لنفسه صورة اخلقه عليها وهو قوله تعالى
خلقناكم ثم صورناكم فمنهم من قال رب اخلقني قبيحا ابعد ما يكون في التناسب واوغله في التنافر
54

حتى لا يكون مثلي في القبح والبعد من الاعتدال أحد ومنهم من قال خلاف ذلك وكل منهما أحب لنفسه التفرد
فان حب الفردانية فطرة الله السارية في كل الأمم التي يقوم بها وجود كل شئ فخلق الله كلا على ما اختياره
لنفسه فتحت كل منكر ومعروف وقبل كل لعثه رحمة وهي الرحمة التي وسعت كل شئ فان الله يولى كلاما تولى
وهو قوله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت
مصيرا فان شك في ذلك شاك فاليتل قوله تعالى انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض
والجبال فأبين ان يحملنها الآية ليعلم ان الله تعالى لا يحمل أحدا شيئا قهرا وقسرا بل يعرضه أولا فان
تولاه ولاه والا فلا وهذا من رحمة الله وعد له لا يقال ليس تولى الشئ ما تولاه عدلا حيث لا يكون ذلك
التولي عن رشد وبصيرة فان السفيه قد يختار لنفسه ما هو شر بالنسبة إليه وضر لجهله وسفاهته فالعدل والشفقة
عليه منعه إياه لأنا نقول هذا التولي والتوجيه الذي كلامنا فيه أمر ذاتي لا يحكم عليه بالخير والشر بل هو
قبلهما لان ما يختاره السفيه انما يعد شرا بالقياس إليه لأنه مناف لذاته بعد وجوده فلذاته اقتضاء
أول متعلق بنقيض هذه السفاهة فذلك هو الذي أوجب ان يسمى ذلك شرا بالقياس إليه واما
الاقتضاء الأول الذي كلامنا فيه فلا يمكن وصفه بالشر لأنه لم يكن قبله اقتضاء يكون هذا بخلافه فيوصف بأنه شر
بل هو الاقتضاء الذي جعل الخير خيرا لان الخير لشيئ ليس الا ما يقتضيه ذاته والتولي الذي كلامنا فيه هو الاستدعاء
الذاتي الأزلي والسؤال الوجودي الفطري الذي يسئله الذات المطيعة السامعة لقول كن وقوله ليس أمر قسر
وقهر لان الله عز وجل غنى عن العالمين فكأنه قال لربه أئذن لي ان ادخل في عدلك وهو الوجود فقال الله تعالى
كن فان قيل أين للمعدوم لسان يسئل بها فالجواب ان لكل موجود قبل وجوده الظهوري أطوار من الكون
وللأشياء مواطن ومكامن أشار صلى الله عليه وآله إلى بعضها بقوله ان الله خلق الخلق في ظلمة ولعلها المشار
إليها بالنون الدواة والنون الدواة والدواة مجمع السواد والمداد والله أعلم باسراره فعم ذلك الخلق
وهو المعبر عنه بالشيئية دون الوجود ليس عن سؤال منهم ولا بأمر يلقيه إليهم هو بحسب صفاته وأسمائه مشئ
الأشياء كما هو بحسب فعله ووجوده موجد الموجودات ومظهر الهويات فشيئية الأشياء انما هي برحمة الصفة
لا برحمة الفعل وصفات الله لا يعلل هذا كلامه بأدنى اختصار فتأمل ففيه تحقيقات أنيقة سبحانك الخ
يا غافر الخطايا يا كاشف البلايا الكشف الاظهار ويجئ بمعنى الرفع أيضا والأول
هنا أولي ليكون تأسيسا مع دافع البليات وهو مدح لان البلاء للولا وفى الدعاء نحمدك على بلائك
55

كما نشكرك على آلائك أو معناه رافع الغطا عن وجه البلاء حتى ظهر لأهله انه رحمة
ونعم ما قال المولوي هر بلا كز دوست أيد رحمة است * آن بلا را بر دلم صد منت است
أي بلاهاى تو آرام دلم * حاصل از درد تو شد كأم دلم * نالم وترسم كه أو باور كند
وزترحم جور را كمتر كند يا منتهى الرجايا الرجاء الممدوح رجاء رحمة الله وتوقعها
من العمل الصالح المعد لحصولها وترك الانهماك في المعاصي المفوت لهذا الاستعداد والرجاء
المذموم الذي هو بالحقيقة حمق وغرور هو توقع الرحمة من دون الأعمال الصالحة والاجتناب عن السيئات
ان الذين امنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله ومقابل
الرجاء قنوط وياس لا تقنطوا من رحمة الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون
وان مسه الشر فيؤس قنوط وفى دعاء أبى حمزة الثمالي إلهي لو قرنتني بالأصفاد ومنعتني
سيبك من بين الاشهاد ودللت على فضائحي عيون العباد وامرت بي إلى النار وحلت
بيني وبين الأبرار ما قطعت رجائي منك وما صرفت وجه تأميلي للعفو عنك ولا خرج
حبك عن قلبي انا لا انسى أياديك عندي وسترك على في دار الدنيا وينبغي تعادل
الرجاء مع الخوف بحيث لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا وفى الحديث خف الله خوفا
ترى انك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يقبلها منك وارج الله رجاء ترى
انك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك قال شيخنا البهائي رحمه الله في الأربعين
نقل الغزالي في الاحياء عن الامام أبى جعفر محمد ابن علي الباقر (ع) انه كان يقول لأصحابه أنتم أهل العراق
تقولون أرجى أية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا
تقنطوا من رحمة الله ونحن أهل البيت نقول أرجى أية في كتاب الله قوله سبحانه ولسوف
يعطيك رب فترضى أراد (ع) النبي لا يرضى وواحد من أمته في النار وفي الصافي في الحديث
أرجى أية في كتاب الله قوله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير
وقال الشيخ أبو علي الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان في تفسير هذه الآية روى عن علي (ع) أنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله خير أية في كتاب الله هذه الآية يا علي ما من خدش عود ولا نكتة قدم الا
بذنب وما عفى الله عنه في الدنيا فهى أكرم من أن يعود فيه وما عاقب عليه في الدنيا
56

فهو اعدل من أن يثنى على عبده وقال أهل التحقيق ان ذلك خاص وان خرج مخرج العموم لما يلحق
من مصائب الأطفال والمجانين ومن لا ذنب له من الأنبياء والمؤمنين والأئمة يمتحنون بالمصائب وان
كانوا معصومين من الذنوب لما يحصل لهم على الصبر عليها من الثواب انتهى أقول التحقيق ان الآية
من باب التخصص لا التخصيص بالنسبة إلى الأنبياء والأئمة إذ لا مصيبة بالنسبة إليهم كما ذكرنا في البلايا
يا مجزل العطايا مجزل اسم فاعل اجزل من جزل كفرح أو كرم بمعنى عظم يا واهب الهدايا
الهبة فيه تعالى كالكرم وقد مر بيان معناه بما لا مزيد عليه فتذكر يا رازق البرايا جمع البرية أي
الخلق من البرى بمعنى التراب يا قاضى المنايا من القضاء بمعنى الحتم وقضاء للنية على
النفوس ايصالها إلى غاياتها الذاتية واستكمالاتها الجوهرية والى غاياتها العرضية إذ لو بقيت
اشخاص الناس والحيوانات بلا نهاية لكان السابقون قد أفنوا المادة التي منها التكون فلم يبق لنا مادة
يمكن ان يوجد ونتكون منها ولو بقيت لنا مادة لم يبق لنا مكان ورزق وان قلنا نبقى نحن والذين
بعدنا على العدم دائما ويبقى الأولون على الوجود ابدا فذلك مناف للحكمة إذ ليسوا بدوام الوجود أولي
منا بل العدل يقتضى ان يكون للكل حظ من الوجود فوجب ان يموت السابق ليكون لوجود اللاحق امكان
والسبب الطبيعي الذي جعله الجاعل الحق للموت وقوف الغاذية فإنها قوة جسمانية متناهية التأثير
والقوى الفلكية وإن كانت جسمانية لكنها لما يسخ عليها من نور العقل المفارق تكون قوية على الافعال
الغير المتناهية وهذه الأبدان العنصرية لكونها مركبة من الأضداد يمتنع فيها ذلك ونقل عن سقراط ان
فعل الحرارة الغريزية في المنى إذا وقع في الرحم يشبه فعل حرارة التنور في الرغيف الذي يلتصق به
فان حرارته تفعل في ظاهره حتى يحدث أولا شئ كالقشر ثم يعمل في الباطن من تلك القشر ونشويه حتى
يحصل النضج وكذلك الحرارة التي في المنى تجعل له أولا قشرا ثم يفشو تلك الحرارة بحسب مقدار بدن
المولود وتنبسط فيه حسب انبساط في الطول والعرض والعمق فما كانت الرطوبة في جوهره قليلة استكملت صورته
بفعل المصورة في ستة أشهر وما كانت الرطوبة في جوهره وافرة تمت الصورة في زمان أكثر حتى
يبلغ زمان الحمل في الكثرة حسب زيادة الرطوبة إلى ثلاثمأة وأربعة أيام فالمولود يولد والرطوبة غالبة
عليه ولذلك لا يقدر على الانتصاب والانبعاث في الحركات ثم لا يزال الحرارة الغريزية التي جعلها
الباري مركوزة فيه عاملة في تجفيف رطوبات الأعضاء رويدا رويدا فتصير فيه أولا تهيؤ للعقود
57

فيجلس ثم للانبعاث من غير انتصاب ثم للقيام ثم للمشي على حسب تقليل الرطوبات ومن هذا الباب
يتفاوت أوقات المشي في الأطفال وهكذا يفعل الحرارة الغريزية في بدن الحيوان إلى أن يفنى رطوبته
بالكلية فتنطفي الحرارة لانتفاء ما يقوم به ويحصل الموت فسبب الموت بعينه سبب الحياة وذلك
لأنه لو لم يكن الحرارة غالبة على الرطوبة لم يحصل الحياة ثم لزم من غلبة الحرارة على الرطوبة فناء الرطوبة
ومن فناء الرطوبة فناء الحرارة وكان تقدير الله سبحانه الحرارة بحيث يستولى على الرطوبة سببا
للحيوة أولا وللموت ثانيا هذا ما نقل عنه ويعين الحرارة الغريزية على التجفيف الحرارات السماوية والحرارات
الاسطقسية الغربية والحركات البدنية والنفسانية فهذه مع ضعف القوى لكبر السن يوجب الموت
وما قبل في الفارسية جان قصد رحيل كرد كفتم كه مرو * كفتا چكنم خانه فرو مى آيد انما هو بالنظر
إلى هذه الأسباب الطبيعية واما بالنظر إلى الأسباب إلهية والوصول إلى الغايات فلما كانت النفس
قاصدة للرحيل إلى موطنها الأصلي آنا بعد آن قالعة عروق شجرتها الطيبة من هذه الأرض الخبيثة زمانا
غب زمان يا أيها الانسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه لاجرم بقى أمر مملكته
مهملا فخربت ان قيل إن كان الامر كما قلتم قلم تراها لا ترضى بالموت وتشتغل تدبير البدن أكثر من أول الأمر
قلنا عدم الرضا للوهم لا للنفس الناطقة واهمال أمر البدن وقلة الاشتغال بتدبيره فطرى طبيعي
لا اختياري وهمى وخيالي كالمختارين الفاعلين بالقصد الزائد وقد نظمت في الأيام الخالية هذه
المضامين العالية في أبيات بالفارسية في الامام الهمام والشجاع القمقام القائل والله ابن أبي طالب
انس بالموت من الطفل بثدي امه الناطق يا حار همدان من يمت يرني وهي هذه
طفليست جان ومهد تن أو را قراركاه * چون كشت رآه رو فكند مهد يكطرف * در تنكناى بيضه بود جوجه از قصور
پر زد سوى قصور چو شد طاير شرف * انكشت بين كه جمره شد وكشت شعله ور * پس در صفات نور شد آن بار مكتنف
زآغاز كار جانب جانان همى رويم * مرك أر پسند نفس نه جانراست صد شعف * اسرار جان كند زچه رو ترك ملك تن
بيند جمال مهر جلال شه نجف * والباقي يطلب من رحيقنا في البديع يا سامع الشكايا جمع
شكية بمعنى شكوى قال في القاموس شكا امره إلى الله شكوى وينون وشكاة وشكاوة وشكية وشكاية
بالكسر يا باعث البرايا من بعث فلانا عن منامه أي أهبه والمراد بالمنام هنا الحياة البرزخية
فكما ان الحياة الدنيوية منام بالنسبة إلى الحياة البرزخية الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا
58

كذلك الحياة البرزخية نوم ورقاد بالقياس إلى الحياة الأخروية والقيام عند الله قال تعالى من بعثنا
من مرقدنا يا مطلق الأسارى اسراء الأبدان والاشخاص عن السجون والمحابس والأغلال
والسلاسل واسراء النفوس والأرواح عن مضايق الأبدان والمواد واسراء العقول عن أغلال
الأوهام واسراء القلوب عن سلاسل التعلقات واسراء الوجودات عن قيود المهيات سبحانك الخ
يا ذا الحمد والثناء يا ذا الفخر والبهاء يا ذا المجد والسناء كما أن الوجود المنبسط على
هياكل الممكنات وقوابل المهيات حمده وثناؤه جل ثناؤه كما تقدم كذلك فخره بهاؤه ومجده
وسناؤه هي هذا في مقام الفعل والاظهار لا في مرتبة الاختفاء والاستتار فان مجده وسناؤه
كحمده وثنائه غيرها مما به تجمله وبهاؤه بذاته لذاته جل مجده واما معانيها اللغوية فالفخر هو التمدح بالخصال
والبهاء الحسن والمجد الشرف والسنا ضوء البرق فإذا راعينا مناسبة المعنى اللغوي في السناء لا نجعله
بمعنى مطلق النور بل نجعله عبارة عن التوارق واللوايح واللوامع السانحة من عنده المرغبة للسلاك إليه
من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا ومن
اتانى مشيا أتيته هرولة فان البارقة في اصطلاحهم لايحة ترد من الجناب الأقدس وتنطفي سريعا
وهي من أوائل الكشف ومباديه واللايحة ما يلوح عن نور التجلي ثم يروح ويسمى خطرة أيضا واللوامع هي
أنوار ساطعة لأهل البدايات من أرباب النفوس الضعيفة الطاهرة فينعكس من الخيال إلى الحس المشترك
فتصير مشاهدة بالحواس الظاهرة فيتراءى لهم أنوار كأنوار الشهب والقمر فيضئ مات حواهم وهي إما من غلبة أنوار
القهر والوعيد فيضرب إلى الحمرة واما من غلبة أنوار اللطف والوعد فيضرب إلى الخضرة والفقوع قال الشيخ
المقتول شهاب الدين السهروردي في حكمة الاشراق واخوان التجريد يشرق عليهم أنوار ولها أصناف نور
بارق يرد على أهل البدايا يلمع وينطوى كلمعة بارق لذيذ ويرد على غيرهم أيضا نور بارق أيضا أعظم منه
وأشبه منه بالبرق الا انه برق هايل وربما يسمع معه صوت كصوت رعدا ودوى في الدماغ نور وارد
لذيذ يشبه وروده ماء حار على الرأس نور ثابت زمانا طويلا شديد القهر يصحبه حذر في الدماغ نور لذيذ جدا
لا يشبه البرق بل يصحبه بهجة لطيفة حلوة يتحرك بقوة المحبة نور محرق يتحرك من تحريك القوة الغربية وقد يحصل
من سماع طبول وأبواق وأمور هايلة للمبتدئ نور لا مع في خطفة عظيمة يظهر مشاهدة وابصارا أظهر من الشمس
في لذة مغرقة نور براق لذيذ جدا يتخيل كأنه متعلق بشعر الرأس زمانا طويلا نور سانح مع قبضه يتتاليه يتراءى
59

كأنها قبضت شعر رأسه ويجره شديدا ويؤلمه ألما لذيذا نور مع قبضة يترائى كأنها متمكنة في الدماغ
نور يشرق من النفس على جميع الروح النفساني فيظهر كأنه تدرع بالبدن شئ ويكاد يقبل روح جميع
البدن صورة بعدية وهو لذيذ جدا نور مبدئه في صولة وعند مبدئه يتخيل الانسان كان شئ ينهدم
نور سانح يسلب النفس وتبين معلقة محضة منها يشاهد تجردها عن الجهات نور يتخيل معه ثقل
لا يكاد ويطلق نور معه قوة تحرك البدن حتى يكاد يقطع مفاصله وهذه كلها اشراقات على النور المدبر
فينعكس إلى الهيكل والى الروح النفساني وهذه غايات المتوسطين وقد يحملهم هذه الأنوار فيمشون على
الماء والهواء وقد يصعدون إلى السماء مع أبدان فيلتصقون ببعض السيارة العلوية وهذه احكام الإقليم
الثامن الذي فيه جابلقا وجابر صا دهور قليا ذات العجايب وأعظم الملكات ملكة موت ينسلخ النور المدبر
من الظلمات البدنية وان لم يخل عن بقية علاقة مع البدن الا انه يبرز إلى عالم النور ويصير معلقا بالأنوار
القاهرة ويصير كأنه موضوع في النور المحيط وهذا عزيز جدا حكاه أفلاطون عن نفسه وهرمس وكبار الحكماء وصاحب
هذه الشريعة وجماعة من المنسلخين عن النواسيت ولايح الأدوار عن هذه الأمور كل شئ عنده بمقدار ومن لم
يشاهد في نفسه هذه المقامات فلا يعترض على أساطين الحكمة فان ذلك نقص وجهل وقصور ومن عبد الله على
الاخلاص وتاب عن الظلمات ورفص شاعرها شاهد ما لا يشاهد غيره انتهى ونقول قد أخبر الحق تعالى عن
مقام صاحب شريعتنا بقوله ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى وأخبر هو صلى الله عليه وآله عن مقامه بقوله
لي مع الله الحديث بل الثابت بالبرهان العقلي والدليل النقلي ان مقامه أعلى المقامات ومرتبته بعد
الحق في اقصى النهايات كما قال بعثت لأتمم مكارم الأخلاق بل هو المعطى لكل ذي مقام
مقامه بأمر الله والموصل إلى كل ذي حق حقه بإذن الحق المطلق كما قال صلى الله عليه وآله ادم ومن دونه تحت لوائي
يوم القيمة لكن كون السناء بمعنى الضوء هو إذا كان مقصورا واما إذا كان ممدودا كان بمعنى
الرفعة والشرف كما في القاموس وفى شرح ابن الناظم على الألفية وهو المناسب لاردافه للمجد هنا والسنا
بمعنى الضوء هو الأنسب بما يأتي أعني قديم ألسنا فما شرحناه به انسب يا ذا العهد والوفاء
عهده الأول وميثاقه السابق في عالم الذر الأول وهو عالم اللاهوت ومرتبته الأسماء والصفات الملزومة
للاعيان الثابتة والثاني في عالم الذر الثاني وهو عالم الجبروت وعالم العقول النورية والثالث في الذر
الثالث وهو عالم الملكوت بالمعنى الأخص كلا حقه وعالم النفوس الكلية والرابع في الذر الرابع وهو
60

عالم المثل المعلقة وفى جميع هذه المراتب كنت أنت وأمثالك وجميع ما بحيالك مقرين بالربوبية والوحدانية
لان وجود الموجودات هنالك تبعي تطفلي لوجود الواحد الاحد وظهورها بأنوار الحق الصمد لا بوجودات
أنفسها كما في هذا العالم الذي نسوا ذلك الاقرار فان كلا منهم ههنا صار مالكا لوجود وانية وصاحب استقلال
وأنانية وناقضا لعهودهم ومشركا بمعبودهم ولم يوفوا بما عهدوا وهو سبحانه اوفى بما عهد
واتى بما هي لوازم الربوبية يا ذا العفو والرضاء العفو هو التجاوز عن الذنب والمغفرة أبلغ
منه لأنها لما كانت لغة الستر يلزمه التجاوز بخلاف التجاوز أو المحو الذي هو معنى العفو لغة كقولهم
عفى الرسم أي انمحى فلا يلزمه الستر لبقاء الأثر فالغفور كأنه يعطى على الذنب لئلا يطلع عليه أحد فلا يحتمل
صاحبه ولذا يستعمل العفو في المخلوق كثيرا بخلافها يا ذا المن والعطاء يا ذا الفصل
والقضاء رأيت الفضل بالضاد المعجمة وهو لا يناسب القضاء كما ناسب الامتنان في ذا الفضل
والامتنان فالمناسب هو الصاد المهملة وح يناسب القضاء بمعنى الحكم يعنى انه تعالى فاصل بين
الحق والباطل فهو حاكم عدل كما يقال لكلامه المجيد فصل الخطاب بهذا المعنى انه لقول فصل
وما هو بالهزل وفى دعاء ليلة العرفة وليالي الجمعة المذكور في زاد المعاد للعلامة المجلسي ره
وأسئلك بحق القران العظيم وبحق محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وبحق إبراهيم وبحق فصلك يوم
القضاء والمراد به سيد الأولياء علي (ع) كما أن المراد بالموازين بعده أولاده الطاهرون ويناسب القضاء
مقابل القدر أيضا والقضا كما سنفصل فيما بعد وجود جميع الموجودات مجملة على الوجه الكلى في العالم العقلي
والقدر وجود صور الموجودات مفصلة في العالم النفسي السماوي على الوجه الجزئي مطابقة لما في موادها
الخارجية فالمراد بالفصل القدر فان قلت فالمناسب تقديم القضا في الذكر مطابقا لما في العين
قلت كما يطلق القدر في المشهور على المعنى المذكور يطلق أيضا كالفصل على مرتبة الأسماء والصفات
الملزومة للاعيان والمهيات كما مر لان القدر من التقدير والتعيين وأول تعيين حصل أسماؤه ورسومه تعالى
واسبق تقدير وتهندس وقع صور أسمائه أعني معلوماته المفصلة مفهوما المجملة وجودا واعنى بالاجمال
بساطة الوجود فالقدر بهذا المعنى مقدم على القضاء ولهذا قدم الفصل واما القضاء المؤخر
عن القدر في بعض الأخبار كما في الكافي سئل العالم كيف علم الله قال علم وشاء وأراد
وقدر وقضى وامضى فامضى ما قضى وقضى ما قدر وقدر ما أراد فبعلمه كانت المشية
61

وبمشيته كانت الإرادة وبإرادته كان التقدير وبتقديره كان القضا وبقضاءه
كان الامضاء الحديث وفيه عن أبي الحسن الرضا (ع) يا يونس أتعلم ما المشية قلت لا قال هي
الذكر الأول فتعلم ما الإرادة قلت لا قال هي العزيمة على ما شاء فتعلم ما القدر قلت لا
قال هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء قال ثم قال والقضاء هو الابرام وإقامة
العين وفيه عن أبي عبد الله لا يكون شئ في الأرض ولا في السماء الا بهذه الخصال
السبع بمشية وإرادة وقدر وقضاء واذن وكتاب وأجل فمن زعم أنه يقدر على
نقص فقد كفر فهو بمعنى الحكم والايجاب ثم المراد بالامضاء هو الايجاد في الخارج والمراد بالاذن
في الحديث الأخير هو الامضاء في الأول والمراد بالكتاب ثبته في الألواح ومروره عليها وبالأجل
تعيين الوقت واما ما في الخصال عن أبي الحسن الأول (ع) قال لا يكون شئ في السماوات والأرض الا
بسبعة بقضاء وقدر وإرادة ومشية وكتاب وأجل واذن فمن قال غير هذا
فقد كذب على الله ورد على الله عز وجل فيؤيد ما قلنا أولا من أن أول مراتب القدر
مرتبة الأسماء والصفات الملزومة للمهيات والأعيان إذ القدر بهذا المعنى يمكن تقدمه على المشية
والإرادة الفعليتين فان الفيض المقدس الذي هو المشية والإرادة بهذا المعنى مرتبته بعد مرتبة الفيض
الأقدس الذي هو في مرتبة الأسماء والصفات ان قلت فالقضاء المقدم على القدر بهذا
المعنى ما هو قلت كما أن بعض مراتب القدر هذه المرتبة التي عرفتها كذلك بعض مراتب القضا
مرتبة هي أولى المراتب واسبق السوابق وهي علمه العنائي بالنظام الأحسن قبل الايجاد الذي هو
منشأ له أعني علمه الكمالي الذي هو عين ذاته البسيطة التي هي كل الخيرات بنحو أعلى وأشد كما قال
السيد المحقق الداماد س في القبسات بعد ذكر مراتب القضاء والقدر فاذن أخيرة المراتب هي
القدر المتمحض الذي هو ليس بقضاء أصلا لكونه التفصيل المحض الذي لا تفصيل في الوجود بعده
وهو وجود المكونات الزمانية الحادثة في أزمنتها على التدريج والتعاقب والتقضي والتجدد على حسب
الاستعدادات التدريجية المتعاقبة الحصول في امتداد الزمان من تلقاء الأسباب المترتبة
ألمتادية إليها والمرتبة القصوى الوجودية الاجمالية من القضاء الإلهي بحسب التقرر في حاق الأعيان
جملة هي القضاء المحض الوجودي الذي ليس بقدر بالنسبة إلى قضاء وجودي قبله أصلا لكونه
62

الاجمال المطلق الذي لا اجمال في الأعيان قبله وإن كان هو قدرا بالقياس إلى القضاء العلمي
بحسب الوقوع في علم الله التام المحيط بكل شئ من جهة علمه بذاته الأحدية المتقدم على ساير مراتب
القضاء والقدر تقدما ذاتيا في المرتبة وتقدما سرمديا انفكاكيا في الوجود فهذا القضاء الوجودي
الاجمالي الأول بعد القضاء الأول العلمي هو الكتاب الإلهي إلى اخر كلامه س يا ذا العز والبقاء
بقاء سرمديا أعلى من البقاء الدهري والزماني يا ذا الجود والسخاء جوده وسخاؤه ككرمه سبحانه
في نفى العوض والغرض عنها وان مصداقها الوجود المنبسط لكن الجود أخص من الكرم في الاصطلاح كما
فرق المحقق الطوسي س في شرح الإشارات عند قول الشيخ العارف شجاع وكيف لا وهو بمعزل عن
تقية الموت وجواد وكيف لا وهو بمعزل عن محبة الباطل وصفاح وكيف لا ونفسه أكبر من أن يخرجها
زلة بشر ونساء للأحقاد وكيف لا وسره مشغول بالحق فقال س الكرم إما ببذل نفع لا يجب بذله
واما بكف ضرر لا يجب كفه والأول يكون إما بالنفس وهو الشجاعة أو بالمال وما يجرى مجراه وهو الجود
وهما وجوديان والثاني يكون إما مع القدرة على الاضرار وهو الصفح والعفو واما لا مع القدرة وهو
نسيان الأحقاد وهما عدميان والعارف موصوف بالجميع كما ذكره الشيخ وذكر علله انتهى والسخاوة
ليست بمثابتهما فيستعمل في الانسان كثيرا ويعد من أخلاق النفس وهي الحالة المتوسطة بين التبذير
والتقتير كما قال تعالى والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ولذا
لم يشتق منها اسم له تعالى يا ذا الآلاء والنعماء الآلاء واحدها إلى والى والو سبحانك الخ
اللهم إني أسئلك باسمك يا مانع يمنع العقول عن البلوغ إلى كنه معرفته فكلما أرادت
الوصول رجعت كليلة حسيرة صفر الكف وقيل المانع هو الذي يمنع عن أهل طاعته وينصر هم وقيل
يمنع ممن يريد من خلقه ما يريد ويعطيه ما يريد يا دافع كل نقمة وبلية يا رافع كل دنى إلى الدرجة
العلية يا صانع الصنع المصدري ايجاد شئ مسبوق بالعدم ويطلق الصنع كثيرا في عرف أهل الحقيقة
على الوجود المنبسط يا نافع لكون الوجود المنبسط الذي هو فيضه واشراقه لذيذا يجلبه كل شئ ويطلبه كلحى
وليس علة الا هو مداويها وبه يكشف عن المهيات مساويها ولملايمته مهما تعزز إبرة على نملة تنقبض خوفا من أن
تأخذ منها لذيذها وهربا من العدم واعلم أن ما يترتب على فعل إن كان باعثا للفاعل على صدور ذلك الفعل منه
سمى غرضا وعلة غائية والا يسمى فائدة ومنفعة وغاية قالوا أفعال الله غير معللة بالاغراض وان اشتملت
63

على غايات ومنافع لا تحصى يا سامع يا جامع لما كان هو تعالى بسيط الحقيقة كان جامعا لكل
كمال وخير ومن لطايف هذا الاسم ان روحه وعدده الذي هو مأة وأربعة عشر مطابق لعدد وجود أعني زبره
وبيناته كما أن الكتاب الجامع التدويني مأة وأربعة عشر سورة ففي تطابق الجامع والوجود إشارة إلى ما
حقق من جامعية الوجود للعلم والقدرة والحياة وغيرها من الكمالات بل ثبتت عينيته لها ثم من اللطايف
ان العدم الذي هو رفع الوجود ومقابله والقيد الذي هو المهية التي هي برزخ بينهما كل منهما أيضا مأة
وأربعة عشر وفى هذا إشارة إلى أن المهيات لما كانت اعتبارية لا حكم لها على حيالها وكذا العدم لا منشأ انتزاع له
الا الوجود كما مر ان كل وجود عدم لوجود اخر ولا معنى للعدم الا هو وإشارة أيضا إلى أن الاعدام بإزاء القيود
ولا بد من فنائها ثم هذا العدد صورته الرقمية ستة فإذا أسقطت منه بقى مأة وثمانية وهو عدد اسمه الحق
وفى هذا ايماء لطيف إلى أن صور القيود إذا زهقت ومحقت لم يبق في دار الوجود غير الحق ديار ثم صورة
هذا العدد تسعة وهي معنى أطوار ادم حيث إن عدد ادم خمسة وأربعون وجمع واحد إلى تسعه أيضا هذا
العدد وهو عدد مساحة المثلث المتعلق بآدم كما أن ضلعه عدد حوا يا شافع حيث لا شفيع غيره
وقد ورد ان اخر من يشفع هو ارحم الراحمين يا واسع وسعت رحمته كل شئ كما أن اسمه تعالى المانع
إشارة إلى جهة الضيق والغيبة المطلقة كذلك اسمه تعالى الواسع عبارة عن جهة السعة والظهور المطلق
والأول مرتبة الخفاء والثاني مقام المعروفية المشار إليهما في الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا
فأحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف وما في القران الكريم من أمثال قوله تعالى ولا يحيطون
به علما رموز إلى الأول وأمثال قوله أينما تولوا فثم وجه الله شهود على الثاني فمن يقنطه الأحاديث
الشريفة من أمثال قوله (ع) احتجب عن العقول كما احتجب عن الابصار وقوله كلما ميزتموه
بأوهامكم الحديث فليرجه نظاير قوله (ع) لو أدليتم إلى الأرض السفلى لهبط على الله
وما رأيت شيئا الا ورأيت الله فيه ولهذا قال علي (ع) لم أعبد ربا لم أره ولو كشف
الغطاء ما ازددت يقينا فبالاعتبار الأول لا يعلم ما هو الا هو وبالاعتبار الثاني لا يعرف
الا هو فان قرع سمعك ما ترنم به عندليب حديقة التقديس من قوله تبارك الله وارت ذاته
حجب فليس يعرف الا الله ما الله فقم واصدع بما غرد حمامة التأنيس في حرم كعبة الوداد من قوله
لا تقل دارها بشرقي نجد * كل نجد لعامرية دار * ولها منزل على كل ماء
64

وعلى كل دمغة اثار يا موسع أي معطى السعة لمن يشاء سبحانك الخ يا صانع كل
مصنوع لا كصانع يكون محتاجا إلى غيره كمادة صنعه والآلات الصناعية وغير هما بل كصانع يكون
مادة صنعه والاته من نفسه بوجه بعيد فغيره تعالى معد لصنع المصنوعات ولا صانع بالحقيقة للكل الا هو
يا خالق كل مخلوق أي معطى كما لهم الأول يا رازق كل مرزوق أي معطى كما لهم الثاني
يا مالك كل مملوك لان له تعالى ذات كل شئ والكل فايضة من لدنه وبيده ملكوت كل شئ يا كاشف
كل مكروب من الكشف بمعنى رفع شئ عما يواريه ويغطيه ففيه استعارة والكرب الحزن يأخذ بالنفس
وقد كربه الغم فأكرب فهو مكروب وكريب ثم إنه من باب حذف المضاف أي كرب كل مكروب يا فارج
كل مهموم أي همه ويحتمل في الموضعين عدم الحذف بان يكون المراد نفس الوصف العنواني أي
المكروب من حيث هو مكروب والمهموم من حيث هو مهموم ولا سيما ان عند أرباب المعقول قد تقرر
انه لا يعتبر الذات في المشتق يا راحم كل مرحوم المراد بكل مرحوم المهيات المرحومة بالرحمة
الواسعة التي هي فيض الوجود يا ناصر كل مخذول خذله وعنه خذلا وخذلانا ترك نصرته
أي ناصر كل من ترك الخلق نصرته يا ساتر كل معيوب حتى النقايص الامكانية بأستار
مغفرته ورحمته الوجوبية يا ملجأ كل مطرود للخلق سبحانك الخ يا عدتي عند
شدتي العدة ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح وإذا كان الداعي في مقام الانس
ويرى ان المدعو جل ذكره ارحم من الأب الرحيم وأشفق من الام الشفيق يناديه بإضافته إلى نفسه متلذذا
متشرفا مفتخرا بها يا رجائي عند مصيبتي يا مؤنسي عند وحشتي للانس مراتب
في البدايات الانس بالطاعات وفى الغايات الانس بالتجليات الأسمائية في المرتبة الواحدية والانس
بنور جال الذات المشرق من وراء حجب الصفات يا صاحبي عند غربتي للغربة مراتب كالذهاب
عن المألوف والاغتراب عن العادات والانقطاع عن مطاع الدنيا والانفراد بالعزلة والخلوة مع الحق
عن الخلق وايثار المحبوب بالهجرة إليه عشقا والاعراض عما سواه بالتجافي عنه بعضا ومن يخرج من بيته
مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله إلى أن ينتهى إلى الاغتراب
على الخليقة للانمحاق برسمه في الحقيقة فليس وراء عباد ان قرية فعند ذلك يصاحب الحق هذا الغريب
من مات غريبا فقد مات شهيدا أي مشاهدا للحق يا وليي عند نعمتي الولي هنا بمعنى الصاحب
65

ومنه ولى النعمة والمضاف في نعمتي محذوف كما لا يخفى ولم يذكر لان أحسن السجع ما تساوت قراينه كقوله تعالى
في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود فيشتمل عليه كاشتمال الفقرات السابقة على
الطباق من حيث الجمع بين الانس والوحشة والصحابة والغربة والجناس اللاحق كما في العدة والشدة
وكذا في الفصول السابقة ويحتمل ان لا يكون النعمة بمعنى ما أنعم به بل بمعنى الخفض والدعه والمسرة فح
لا يحتاج إلى الحذف يا غياثي عند كربتي أي مغيثي عند حزني يا دليلي عند حيرتي
كالحيرة بين الجبر والتفويض والتردد بين الخوف والرجاء وكالحيرة بين التجلي والاستتار حيث إن
وجود الحق في مكمن الخفا لم يظهر ولا يظهر ابدا والمهيات في مرتبة الاستواء لم يشم رايحة الوجود
ولا يشم دائما فمن الظاهر في دار الوجود والحيرة بين الفنا وبقاء انيتك حيث لا وجود لعينك ولها الحكم
وحكاية من ربط القرع على رجله لئلا يفقد نفسه في ازدحام الناس وفك غيره حين نومه وربطه على رجل
نفسه معروفة يا غنائي عند افتقاري للفقر مراتب كترك الدنيا ضبطا وطلبا وتجريد
النفس من التعلق بها والذهول عنها وعن تركها ذكرا وتصورا ووجودا وعدما وحسنا وقبحا إلى أن
ينتهى إلى الطمس في نور الأحدية بالكلية حتى لا يرى حول وقوة لنفسه ولا حال ولا مقام ولا وجود
ولا تذوت الا من فضل الله ويرجع إلى عدمه الأصلي بحكم السبق الأزلي ولذا قال العارفون بالله
ان الفقير هو الذي يكون مع الله الان كما كان في الأزل وقيل الفقير لا يحتاج إلى شئ وذلك لان
الاحتياج من لوازم الوجود والفقير لا وجود له فعند ذلك يصير غنيا ومن قواعد هم إذا جاوز الشئ حده
انعكس ضده فإليه يؤمى قول الداعي يا غنائي عند افتقاري ومن أسمائه الحسنى في الفصول الآتية يا كنز
الفقراء ولما كان الفقر الكلى الذي بإزاء الغنى الكلى مخصوصا بنبينا صلى الله عليه وآله كما قال (ص ع) لولا تمرد عيسى عن
طاعة الله لكنت على دينه أي بان يكون طاعة الكل طاعته ويكون مظهرا لاسم الله الأعظم
افتخر به صلى الله عليه وآله وقال الفقر فخري وكذا قوله (ع) الفقر سواد الوجه في الدارين إشارة إلى محو
وجه النفس فان لكل شئ وجهين وجه إلى الله ووجه إلى النفس فالفقر محو وجه النفس للشيئ عن صفحة
صحيفة الوجود وصحو وجهه إلى الله كما قال سيد الفقراء والمساكين على أمير الموحدين (ع) في بيان الحقيقة
محو الموهوم وصحو المعلوم وقوله (ع) كاد الفقر ان يكون كفرا إشارة إلى أن الفقير يكاد ان يتفوه
بالشطحيات التي لا تليق بمثله كما قال ابن الفارض س أتيت بيوتا لم تنل من ظهورها
66

وأبوابها عن قرع مثلك سدت أو يكون الكفر عبارة عن ستر وجوه الأشياء إلى أنفسها
ولا تأبى عن أن يكون الظاهر أيضا أعني ضيق المعيشة مع عدم الصبر مرادا لان الباطن لا يزاحم الظاهر
والروح لا ينازع الجسد ومثله قوله (ص ع) الفقر الموت الأكبر وقد ورد عنه ان الفقراء ملوك أهل
الجنة والناس كلهم مشتاقون إلى الجنة والجنة مشتاقة إلى الفقراء وانى قد نظمت أبياتا بالفارسية
في أهل الفقر في سالف الزمان اذكرها توشيحا لهذا الشرح وان لا يليق بهم ولكن مثلي كمثل النملة وجرها رجل
الجراد أي حضرة سليمان وهي أربعة عشر بعدد ساداتنا المعصومين ولكن نصفتها طلبا للاختصار وهي هذه
مبين مرقع خاكى چه در وى اخكرهاست * نهفته اند بخاكستر آذر فقرا * چو ملك تن بود إقليم دل قلمروشان
اكر چه تاج نمد باشد أفسر فقرا * بر أهل فقر مكن فخر خواندى أر ورقى * بسينه لوحه ء دل هست دفتر فقرا
كنند شير فلك رام همچو كاو زمين * اكر چه مثل هلالست پيكر فقرا * كرت هواست كه عين الحياة ظلمت چيست
سواد ديده در آن خاك معبر فقرا * مرا بدولت فقر أين دليل روشن بس * كه فخر ميكند از فقر سرور فقرا
زفخر پا نهد اسرار بر فرازد وكون * نهند نام كر أو را سك در فقرا يا ملجاى عند اضطراري
فان الانسان إذا انقطع جميع وسائله وابنت تمام حبائله التجأ إليه تعالى بالفطرة وتشبث به بالجبلة ولذا استدل
الأئمة المعصومون كثيرا على منكري الصانع بالحالات المشاهدة والوقوع في مظان التهلكة يا معيني عند
مفزعي المفزع مصدر ميمي سبحانك الخ يا علام الغيوب من غيب الغيوب المسمى بالهوية
الغيبية والغيب المكنون والغيب المصون ومن حضرة الغيب المطلق والغيب المضاف القريب من الغيب
المطلق والغيب المضاف القريب من الشهادة المطلقة ومن الغيب المحالي والغيب الامكاني يا غفار
الذنوب يا ستار العيوب فيهما ترصيع كما أن بين الغيوب والعيوب جناسا مضارعا وجناسا
خطيا يا كاشف الكروب يا مقلب القلوب القلب والروح والنفس الناطقة واحدة عند الحكماء
وفى اصطلاحات العرفاء الروح هي اللطيفة الانسانية المجردة وعند الأطباء الروح هو النجار اللطيف المتولد في
القلب الصنوري القابل لقوة الحياة والحس والحركة ويسمى هذا النجار في اصطلاح العرفاء بالنفس والمتوسط بينهما
المدرك للكليات والجزئيات بالقلب فالقلب عند العرفاء جوهر نوراني مجرد يتوسط بين الروح بالمعنى الأول
والنفس والروح باطنه والنفس مركبه وظاهره المتوسط بينه وبين الجسد وقد مثل في القران الحكيم القلب بالزجاجة
وبالكوكب الدري والروح بالمصباح والنفس بالشجرة الزيتونة الموصوفة بكونها مباركة لا شرقية ولا غربية
67

لازدياد رتبة الانسان وبركته بها ولكونها ليست من شرق عالم الأرواح المجردة ولا من غرب عالم
الأجساد الكثيفة والبدن بالمشكاة هذا على اصطلاحاتهم والشيخ الرئيس في الإشارات جعل المشكاة إشارة
إلى العقل الهيولاني والزجاجة إلى العقل بالملكة والمصباح إلى العقل بالفعل ونور على نور إلى العقل المستفاد
والشجرة الزيتونة إلى الفكر وعدم الشرقية والغربية إلى عدم الجربزة والبلاهة والزيت إلى الحدس والنار
إلى العقل الفعال إذا عرفت معنى القلب فاعلم أنه تعالى مقلب القلوب الصنوبرية من الاعتدال إلى الانحراف
ومن الانحراف إلى الاعتدال والكافل بمعرفة اعتدالها وانحرافها علم الطب وفى الحديث ان في
جسد ابن ادم لمضغة إذا صلحت صلح بها الجسد كله وإذا فسدت فسد بها جميع الجسد
الا وهي القلب وكذا هو تعالى مقلب القلوب المعنوية من الاعتدال إلى الانحراف وبالعكس فان للانسان
ثلث قوى قوة دراكة وقوة شهوية وقوة غضبية فانحراف القوة الدراكة منه إلى جانبي الافراط والتفريط
يسمى جربزة وبلاهة واعتدالها حكمة وانحراف القوة الشهوية إلى طرفي الافراط والتفريط يسمى شرها وخمودا واعتدالها
عفة وانحراف القوة الغضبية إلى حدى الافراط والتفريط يسمى تهورا وجبنا واعتدالها شجاعة وهذا الاعتدال هو المسمى
بالعدالة وهو الصراط المستقيم الذي هو أحد من السيف وادق من الشعر والكافل بمعرفة اعتدالها وانحرافها علم الطب
الروحاني الذي وضعه أطباء النفوس من العلم الإلهي وعلم الأخلاق وفى كلام أمير المؤمنين وخلق الانسان
ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوايل عللها وإذا اعتدل مزاجها
وفارق الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد ومن تقليباته تعالى القلوب ان الانسان واحد نوعا
في هذا العالم كما قال تعالى انما انا بشر مثلكم وسيصير في عالم الآخرة أنواعا كثيرة كما قال ويوم نحشر
من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون وقال يومئذ يصدر الناس اشتاتا
ليروا أعمالهم وتحسبهم جميعا وقلوبهم شتى فان الانسان في هذا العالم بحكم قوله تعالى وهديناه
النجدين له قابلية ان يصير ملكا وشيطانا وبهيمة وسبعا بحسب غلبة العلم بالمبدء والمعاد والعمل الصالح
أو غلبة الجهل المركب والتكري والشهوة والغضب فكما ان العناصر مادة الحيوانات في هذا العالم كذلك الملكات
موادها في ذلك العالم الأخر فهو تعالى مقلب القلوب إليها باعتبار ملكاتها واستعداداتها لقد صار قلبي قابلا
كل صورة فمرعى لغزلان ودير الرهبان ومن تقليباته تقلبها في الخواطر النفسانية والأحاديث
الخيالية التي هي يأجوج ومأجوج مفسدون في ارض القلوب لا تصلح الا بسد من عند الله فالانسان بحسب
68

الباطن كالملك والجن يتشكل بالاشكال المختلفة وان لم يكن بحسب الظاهر مثلها يا منور القلوب
بفتح أعينها كما في الحديث ما من قلب الا وله عينان فإذا أراد الله بعبده خيرا فتح عينيه اللتين
هما للقلب ليشاهد بهما الملكوت وافاضة النور عليها فإنه كما أن ابصار العين التي لمشاهدة عالم
الملك لا يتيسر الا برفع الموانع وتحقق الشرايط ومن حملتها مصادفة نور العين لنور اخر كنور الشمس والقمر
أو النار كك بصيرة القلب لشهود عالم الملكوت لا يتأتى الا برفع العلايق والعوايق وتحقق المقربات
والشرايط من جملتها اشراق نور اخر عليه من نور الحق أو بعض مقربيه كنور العقل الفعال قال بعض
أهل المعرفة أول ما يبدو في قلب العارف ممن يريد الله سعادته نور ثم يصير ذلك النور ضياء ثم يصير
شعاعا ثم يصير نجوما ثم يصير قمرا ثم يصير شمسا فإذا ظهر النور في القلب بردت الدنيا في قلبه بما فيها فإذا
صار ضياء تركها وفارقها فإذا صار شعاعا انقطع منها وزهد فيها فإذا صار نجوما فارق الدنيا ولذاتها
ومحبوباتها فإذا صار قمرا زهد في الآخرة وما فيها فإذا صار شمسا لا يرى الدنيا وما فيها ولا الآخرة وما فيها
ولا يعرف الا ربه فيكون جسده نورا وقلبه نورا وكلامه نورا واما المحرومون من هذه الأنوار فهم الذين أشار
الله إليهم بقوله الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى انتهى يا طبيب القلوب التي أمرضها
علل الأخلاق الرزيلة وداء الجهل بمداواة تسديدها للصواب والهامها الذكر اللهجي والقلبي كما في مناجاة
خمسة عشر لسيد الساجدين (ع) وانسنا بالذكر الخفى واستعملنا بالعمل الزكي فان اسمه تعالى دواء وذكره
شفاء والتي أسقمها حبه الذي لا دواء له الا وصاله إذ المحب لا يتسلى بغير محبوبه ولا يسكن الا بوجدانه من
طلبني وجدني من كان لله كان الله له يا أنيس القلوب أي كل قلب إما قلوب أصفيائه
ومريديه ومن لا أنيس له وذاكريه كما في الأسماء الآتية فلانها لا تأنس بغيره كالطير الذي لا يأوى إلى الناس
وحيدا فريدا واما قلوب غير هم فلان آنسها بغيره لأجل ان ذلك الغير ليس خلوا عن نوره النافذ ورحمته
الشاملة فإنه نور المستوحشين في الظلم يا مفرج الهموم يا منفس الغموم نفس تنفيسا أي
فرج تفريجا وفى شرح الأسباب الهم عبارة عن الفكر في مكروه يخاف الانسان حدوثه ويرجو فواته
فيكون مركبا من الخوف والرجاء والغم لا فكر فيه لأنه انما يكون فيما مضى سبحانك الخ اللهم إني
أسئلك بسمك يا جليل يا جميل نعم ما قيل جمالك في كل الحقايق ساير
وليس له الا جلالك ساتر * تجليت للأكوان خلف ستورها * فتمت بما ضمت عليه الستائر
69

يا وكيل ومن وكل الامر إليه فالسالك يتكل في جميع أموره على الله ويرى توفيقه وسيره وسلوكه
بحول الله وقوته ولكن إذا اشتد سلوكه وقويت بصيرته يبلغ إلى مقام تحقق ان الامر كله لله له من الامر
شئ حتى يكله إليه ولا ملك له حتى تتخذه وكيلا للتصرف فيه فيستحيى منه فرارا من سوء الأدب يا كفيل
هو الضامن لغة وكلاهما من أسمائه الحسنى وعند الفقهاء الكفالة التعهد بالنفس فهو تعالى يكفل لعباده ان يحضر لهم
جميع ما يحتاجون في معيشتهم ويستحقون ويوفى حقوقهم منها يا دليل يدل على خلقه على طرق نجاتهم
ودلالة الأدلاء على الله شعبة من دلالته فهو الدليل على ذاته كما على غيره وهو المدلول لذاته كما لغيره وفى
دعاء أبى حمزه وانا واثق من دليلي بدلالتك وساكن من شفيعي إلى شفاعتك يا قبيل
إما فعيل بمعنى المفعول أي مقبول طباع الأشياء واما فعيل بمعنى الفاعل أي قابل توباتهم و معاذيرهم
واما من قولهم رايته قبيلا أي عيانا لمعاينة نوره الفعلي كما في توحيد القاضي سعيد القمي من قوله (ع) لا ارى الا
وجهك ولا اسمع الا صوتك واما من قولهم ما يعرف قبيلا من دبير أي ما يعرف من يقبل عليه
ممن يدبر عنه لكثرة ما يقبل على عباده كما في الحديث القدسي الذي ذكرنا من تقرب إلى شبرا تقربت
إليه ذراعا الحديث والقبيل أيضا الكفيل والعريف والضامن كما في القاموس يا مديد من
الادالة من الدولة أي انقلاب الزمان ومنه التداول قال تعالى وتلك الأيام نداولها بين الناس
يا منيل من أنلته أي أعطيته والنوال العطا يا مقيل عثرات الخاطئين ومزيلها يا محيد
إما من الإحالة بمعنى التغيير لأنه تعالى مغير الكل حتى العقول النورية فإنها وان ليس لها تغير من باب الحركات
التي في الأجسام والجسمانيات الا ان لها تغيرا من الليس إلى الأيس أو من الحول بمعنى السنة يق حال الحول
ثم احاله الله وحال عليه الحول حولا وحئولا اتى فمعناه محول الحول كما في الدعاء يا محول الحول والأحوال
حول حالنا إلى أحسن الحال أو من حال بين الشيئين أي حجز بينهما فمعناه موقع الحيلولة بنفسه بين المرء
وقلبه وموقعها بينه وبين ما يريد أو من أحال عينه وحولها صيرها حولا فمعناه يؤل إلى جاعل الثنويين
والمشركين اشراكا جليا أو خفيا كما قال المحقق الطوسي والحكيم القدوسي نصير الملة والدين في رباعية با الفارسية
موجود بحق واحد أول باشد * باقي همه موهوم ومخيل باشد * هر چيز جز أو كه آيد أندر نظرت
نقش دومين چشم أحول باشد * يعنى مهية كل شئ لكونها اعتبارية غير مجعولة الا بالعرض وكذا وجودها
بما هو مستقل منحاز عن حاعله ومن حيث وجهه إلى نفس المهية كثاني ما يراه الأحول أو من الحيلة فمعناه الماكر
70

قال تعالى ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ومكره ارداف النعم مع المخالفة وابقاء الحال
مع سوء الأدب واظهار خوارق العادات التي من قبيل الاستدراجات سبحانك الخ
يا دليل المتحيرين يا غياث المستغيثين يا صريخ المستصرخين في القاموس
الصرفة الصيحة الشديدة وكغراب الصوت أو شديده وتصرخ تكلفه والصارخ المغيث والمستغيث ضد
كالصريخ فيهما يا جار المستجيرين في القاموس الجار المجاور والذي اجرته من أن تظلم والمجير
يا أمان الخائفين الخوف له مراتب ففي مقام خوف الموت قبل التوبة وخوف العقوبة وفى مقام
خوف المكر أفآمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون وفى مقام خوف النقص
عن درجة الأبرار إلى أن ينتهى إلى بيته القهر عند مبادى تجلى الذات وطمس رسم العبد واعلم أنه إذا وصل
السالك إلى درجة الرضا يبدل خوفه بالأمن أولئك لهم الا من وهم مهتدون الا ان أولياء الله
لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وفى مقام الفناء المحض لا خوف ولا خشية ولا دهش ولا هيبة لان كلها
اسام ورسوم لا بد من طمسها ومحقها فعند هذا هو تعالى أمان الخائفين ولا أمان في ما دونه إذ ما لم يصلوا إلى مقام
الفناء لم يخلوا عن خوف أو خشية أو هيبة يا عون المؤمنين الايمان لغة التصديق وشرعا أيضا
هو التصديق الا انه اختص بالتصديق بالله تعالى وبالنبي صلى الله عليه وآله وبما علم مجيئه به ضرورة وله مراتب أدناها الاقرار
باللسان وأعلاها تنور في القلب ينكشف به حقيقة الأشياء على ما هي عليه فيرى ان الكل من الله والى الله
واقتدار في الباطن يوصل به إلى مقام كن فيتحظون في المقامات ويعاينون في أنفسهم الكرامات فيصدقون
على أتم وجه بالنبوات والولايات من دون اثبات المعجزات بالأسانيد والروايات كما قيل أخذتم علمكم
ميتا عن ميت واخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت وهؤلاء هم المؤمنون حقا وفيهم ان المؤمن أعز من
الكبريت الأحمر وهم أيضا على أصناف فمنهم السابقون المقربون ومنهم من دونهم بحسب تفاوت سيرهم وسلوكهم
فان السير في الله لا نهاية له وإن كان السير إلى الله متناهيا ويرفع الله الذين امنوا والذين أوتوا العلم درجات
وبعد المرتبة الأدنى من الايمان المرتبة الدنيا منه وهي التصديق الجازم التقليدي بما ذكر وفائدتها كالأولى حقن
الدماء والأموال نعم إن كان مشفوعة بالعمل الصالح والقلب السليم يحشر صاحبه مع أصحاب اليمين ويثاب على
حسب عمله وبعد هذه المرتبة الايمان البرهاني لأهل النظر فيستدلون بالآثار على المؤثر وبعده مرتبة الايمان بالغيب
يعرفون الصانع تعالى من وراء حجاب ولها عرض وجميع هذه المراتب لأهل العلم إلى أن ينتهى إلى حد العين
71

فيسمى صاحبه عارفا ونهاية العرفان مقام حق اليقين والفناء المحض ومثال المراتب العلم والمعرفة بالنار
كان يصدق بعض الناس بالنار بان يسمع ان النار شئ يجعل كل شئ يصل إليه شبيها به وكل ما يماسه يحيله
إلى نفسه وكلما يؤخذ منه لا يتطرق فيه نقصان وله على ما يجاوره اشراق ولمعان هيئته من الاشكال الصنوبرية
وخليفة في الإنارة للأنوار العلوية وذلك الشئ اسمه النار وهذا بحذاء ايمان المقلدين الذين يتبعون
أكابر الدين بلا برهان يقودهم إلى علم اليقين وان اشتبه على كثير منهم الغش والثمين وسموا الظن والتخمين
باليقين وربما نرى كثيرا ممن اقتفى اثر أصحاب الظن ولا حجة قاطعة بيده يقول ايقاني في المطلب الفلاني
بمثابة لو قال قائل بنقيضه لأقتلنه أو لأحرقنه واخوانه إذا سمعوا ذلك يمدونه في الغى فيبسطون من اشتداد
ايقانه وينشطون من استحكام ايمانه وكلهم استسنموا ذوي ورم ونفخوا من غير ضرم ألم يكن مخالفو هم أشد
نكرا عليهم منهم ألم يكن النبي الأمي صلى الله عليه وآله ولا سيما في أول امره حيث كان حب دين موسى أو عيسى أو الصنم في قلب
اليهود أو النصارى أو عبدة الأصنام راسخا إذا امرهم بشئ لم يألفوا أو نهى هم عن نسكهم تأنفوا واستوعروا
واستنكفوا حتى سلوا السيوف من الأغماد وأوقدوا نيران الكيد في الأكباد يكادوا يميزوا من الغيظ
وتعلق بأفئدتهم حميا حمية احمى من نهار القيظ ولعلكم لم تتلوا قوله تعالى حكاية عن قوم شعيب أصلاتك
تأمرك ان نترك ما يعبد اباؤنا وغير ذلك من الآيات والبينات حتى تزنوا بالقسطاس المستقيم
ايمانكم مع ايقانهم وانى كما قال مولاي الصادق (ع) لوددت ان اضرب رؤوسكم بالسياط حتى
تتفقهوا في الدين وتستنبطوا أصول عقايد كم بالحجج والبراهين كما قال تعالى قل هاتوا برهانكم
ان كنتم صادقين وكان يصدق به بعض انحر برؤية الدخان فيحكم بان هناك موجودا هذا اثره وهذا
بمثابة أهل النظر المستدلين عليه تعالى بالدلائل الآنية والوا المراتب الأخر كمن يصل إليه حرارة النار أو منافع
النار أو يشاهد نور النار وبه يشاهد الأشياء الأخرى أو يعاين حرم النار أو يقرب إليه شيئا فشيئا ويجاوره
حتى يصل إليه فيتلاشى ويفنى بالكلية يا راحم المساكين المسكين كالفقير فيما تقدم وقال صلى الله عليه وآله
اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين وفى الفقيه ان الفقراء
هم أهل الزمانة أي أهل الآفة والابتلاء والمساكين أهل الحاجة من غير زمانة ويفهم منه ان الفقير أسوأ حالا
من المسكين وأيد بقوله تعالى واما السفينة فكانت لمساكين ولكن روى الكليني في الصحيح ان الفقير الذي
لا يسئل والمسكين الذي هو اجهد منه الذي يسئل وفى الصحيح عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (ع)
72

قول الله عز وجل انما الصدقات للفقراء والمساكين قال الفقير لا يسئل الناس والمسكين
اجهد منه والبائس أجهدهم ويمكن حمل الحديثين على ما لا ينافى ما ذكرنا من أسوئية حال الفقير بجعل
اجهد من الجهد بمعنى الجد لا المشقة أو من الجهد بمعنى المشقة ولكن مشقة السؤال كما اكتفى في الحديث الثاني
به عن السؤال ويرشد إليه تقديم الفقراء في أية الزكاة لكونهم أسوء حالا ولفضلهم باعتبار عدم السؤال
كما قال تعالى للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل
أغنياء من التعفف لا يسئلون الناس الحافا يا ملجاء العاصين يا غافر المذنبين يا مجيب
دعوة المضطرين سبحانك الخ يا ذا الجود والاحسان يا ذا الفضل
والامتنان في تعقيب هذا الاسم لما قبله ايماء إلى أن جوده واحسانه على الاطلاق بمحض التفضل منه
والامتنان لم يسبقه مسألة ولا استحاق بل هو تعالى مبتدء بالنعم قبل استحقاقها داد حق را قابليت شرط نيست
بكله شرط قابليت داد أو ست وذلك لان الفعل مقدم على القوة بجميع انحاء التقدم إذ لا قوة حيث لافعل
فما لم يستفض الأشياء في العين بالفيض المقدس لم يحصل لها قوة كما انها ما لم تتقرر في العلم بالفيض
الأقدس لم يثبت لها قابلية ولا لسان استعداد وسؤال ولا امتنان لأمر الحق المتعال فالقابليات
وإن كانت للأشياء ذاتيات لكن ظهورها انما هو بنور منبع الفعليات يا ذا الامن والأمان يا ذا
القدس والسبحان أي ذا التجرد والتنزه عن النقايص والمواد سواء كانت المادة بمعنى المحل المفتقر
إلى الحال في الوجود أو التنوع كما في المادة بالنسبة إلى الصورة أو كانت المادة بمعنى المحل المستغنى فيها كما
في المادة بمعنى الموضوع بالنسبة إلى العرض أو كانت المادة بمعنى المتعلق كما في البدن بالنسبة إلى النفس
أو كانت المادة العقلية كالجنس إذا اخذ بشرط لا في البسايط الخارجية كالاعراض أو كالمادة التبعية
لأن هذه معنى المادة العقلية في الاعراض وكالمهية بالنسبة إلى الوجود فإنها مادة عقلية له فهو تعالى مقدس
عن المهية فضلا عن المواد فلا مهية له سوى الآنية بيان ذلك أنه لا يمكن للعقل تحليله إلى شئ بل هو وجود بحت
وانية صرفة فان المهية أمر متساوي النسبة إلى الوجود والعدم وهو تعالى أمر يأبى عن العدم واجب الوجود وان
أردت بالمهية أمرا اخر لم يكن الا الوجود أو العدم وأيضا المهية المصطلحة المقابلة للوجود هي الكلى الطبيعي المعروض
للكلية والجزئية وبذاته لا كلي ولا جزئي كساير الأمور المسلوبة عنه في المرتبة وهو تعالى متشخص بذاته وعين التشخص
الصرف وما يق من أن له تعالى مهية شخصية لا كلية فغير معقول لان التشخص مساوق للوجود بل عينه كما هو الحق
73

لان العوارض المشخصة بالحقيقة امارات التشخص إذ كما أن انضمام معدوم إلى معدوم لا يفيد الوجود كذلك
انضمام كلي طبيعي أو عقلي أو منطقي إلى كلي لا يفيد التشخص فكما ان الانسان مثلا بذاته لا كلي ولا جزئي كك
الكيف والكم والأين وغيرها فما لم يتحظ الوجود الحقيقي في البين لم يتأت التشخص في العين فهو تعالى عين الوجود
الذي هو ملاك التشخص بلا مخالطة المهية التي هي مثار الابهام وأيضا المهية المصطلحة أمر معقول مقول
في جواب ما هو وذاته تعالى غير معقولة فذاته عين الوجود الحقيقي فان الوجود العيني لا يعقل وإن كان في الممكن
إذ ما يعقل من الممكن مهيته لا وجوده العيني والا لانقلب العيني بما هو عيني ذهنيا بما هو ذهني ولما كان وجود
الممكن عارية ومهيته ذاته ولم يبق لنفسه الا هي قالوا الأشياء بأنفسها تحصل في الذهن وحقيقتها تعقل
بالكنه ولو لم يكن متقومة من خلطين لم يمكن اكتناهها وأيضا الحق عند المحققين ان الوجود مجعول بالذات
كيف واثر الجاعل لا بد وأن يكون أمرا حقيقيا هو الوجود لا أمرا اعتباريا هو المهية ولقد جرى الحق على
لسان الفخر الرازي في هذا المقام حيث قال الحق ان مسألة عدم مجعولية المهية من متفرعات مسألة المهية
من حيث هي ليست الا هي فكما انها بذاتها لا موجودة ولا معدومة كذلك لا مجعولة ولا لا مجعولة فلو كانت
المهية بذاتها مجعولة كان حمل المجعولة عليها حملا أوليا ذاتيا وهو باطل قطعا والشئ إذا لم يكن مجعولا إما
لأنه فوق الجعل كالأول تعالى واما لأنه دون الجعل كالممتنع والمهية من قبيل الثاني فهو تعالى لما كان ينبوع ماء الحياة
الذي هو الوجود المنبسط على الظلمات التي هي المهيات كان وجودا حقا حقيقيا والا لكان مفيض الكمال
فاقدا له وهو باطل بالضرورة خشك ابرى كه بود زاب تهى * نايد از وى صفت آب دهى
ولا تغتر من كلامنا هذا ان نسبة الوجود المنبسط إلى الوجود الحق نسبة النداوة إلى البحر لان هذا توليد والإفاضة
معناها ان يفاض الوجود بحيث لا ينقص من كمال المفيض شئ وإذا رجع إليه لا يزيد على كماله شئ وأيضا المهية
كل محدود بحد جامع مانع فالمهيات حكايات عن حدود الوجودات ونقايصها ولهذا يعبر عنها عند قوم بالتعينات
فإذا قلنا النبات جسم يتغذى وينمو ويولد فقط معناه ليس يتحرك بالإرادة ويحس وكذا في الحيوان جسم تام متحرك
بالإرادة وحساس فقط معناه ليس بناطق بل وجوده وجود ينتزع منه هذه المفاهيم فقط وقس عليه الباقي وهذا المنع
من الشمول من قصور الوجود والحق الاحد المحيط غير محدود تام وفوق التمام في الكمال فلا مهية له سوى الوجود
ويستدل عليه في المشهور بان الوجود لو كان زايدا على مهيته عرضيا لكان معللا لان كل عرضي معلل إما بذات
المعروض فيلزم تقدمها عليه بالوجود ويلزم إما تقدم الشئ على نفسه واما التسلسل واما بغير ذات المعروض
74

فيلزم الاحتياج إلى الغير وهو أيضا باطل والنقض بالقابل ظاهر البطلان لأنه مستفيد فلا يلزم تقدمه على
المقبول بالوجود وكذا بالمهية ولازمها وذاتياتها لان تقدمها عليها بالتقرر والقوام لا بالوجود فظهر انه
القدوس السبوح الفرد الذي ليس كمثله شئ يا ذا الحكمة والبيان ابان حكمة وأظهرها كما
ذكرنا سابقا ان الوجود على الاطلاق اعراب عما في الضمير فهو كاشف عن كونه تعالى في مرتبة ذاته حكيما عالما
بالأشياء على ما هي عليه لا كالحكيم ذي الوجدان منا الذي لا بيان له فانا نثبت له من الكمالات التي في عالمنا
ما هو الأشرف الأكمل قال صاحب الاشراق الشيخ المقتول شهاب الدين السهروردي س والمراتب أي مراتب
الحكمة والحكماء كثيرة وهم على طبقات وهي هذه حكيم إلهي متوغل في التاله عديم البحث حكيم بحاث عديم التاله
حكيم إلهي متوغل في التاله والبحث حكيم إلهي متوغل في التاله متوسط في البحث أو ضعيفه حكيم متوغل في البحث
متوسط في التاله أو ضعيفه طالب للتأله والبحث طالب للتأله فحسب طالب للبحث فحسب فان اتفق في
الوقت متوغل في التاله والبحث فله الرياسة وهو خليفة الله تعالى وان لم يتفق فالمتوغل في التاله المتوسط
في البحث وان لم يتفق فالحكيم المتوغل في التاله عديم البحث وهو خليفة الله ولا يخلو الأرض عن متوغل في التاله
ولا رياسة في ارض الله للباحث المتوغل في البحث الذي لم يتوغل في التاله فان المتوغل في التاله لا
لا يخلو العالم منه وهو أحق من الباحث فحسب إذ لا بد من التلقي للخلافة ولست أعني بهذه الرياسة التغلب
بل قد يكون الامام المتأله مستوليا ظاهرا وقد يكون خفيا وهو الذي سماه الكافة القطب فله الرياسة
وإن كان في غاية الخمول وإذا كان السياسة بيده كان الزمان نوريا وإذا خلا الزمان عن تدبير إلهي
كانت الظلمات غالبة وأجود الطلبة طالب التاله والبحث ثم طالب التاله ثم طالب البحث قال الشارح
في وجه ضبط المراتب هي عشرة على ما ذكره وانما انحصرت فيه لان الحكيم إما ان يكون متوغلا في التاله
والبحث أي في الحكمة الذوقية والبحثية أو في إحديهما فقط أو لا يكون متوغلا في شئ منهما والأول قسم واحد
والثاني ستة أقسام لان التوغل في إحديهما إما ان يكون متوسطا في الأخرى أو ضعيفا فيها أو خاليا
عنها والثالث وإن كان تسعة أقسام هي الحاصلة من ضرب الثلاثة التي هي التوسط والضعف
والخلو في مثلها لكن يسقط عنه قسم واحد هو الخالي عنهما لمنافاته لمورد القسمة لأنه لا يسمى حكيما ويرجع الثمانية
الباقية باعتبار طلب التوغل إلى ثلثه لان كلا منها إما ان يكون طالبا للتوغل فيهما أو في أحدهما فقط فالأقسام
عشرة لا غير انتهى ووجه ضبط افتراق أهل العلم والمعرفة إلى المتكلم والحكيم المشائي والاشراقي والصوفي
75

ان المتصدين لمعرفة حقايق الأشياء إما ان يبحثوا بحيث يطابق الظاهر من الشريعة في الأغلب فيقال لهم
المتكلمون واما ان لا يراعوا المطابقة ولا المخالفة فاما ان يقتصروا على المجاهدة والتصفية فيقال لهم الصوفية واما
ان يكتفوا بمجرد النظر والبيان والدليل والبرهان فيقال لهم المشاؤن فان عقولهم في المشي الفكري فان النظر والفكر
عبارة عن حركة من المطالب إلى المبادى ومن المبادى إلى المطالب واما ان يجمعوا بين الامرين فيقال لهم الاشراقيون
فإنهم لجا فيهم عن عالم الغرور واجتنابهم عن قول الزور مستشرفون إلى عالم النور فيشملهم العناية الإلهية باشراقات
القلوب وشرح الصدور يا ذا الرحمة والرضوان يا ذا الحجة والبرهان ان جعلناه من قبيل
قولنا ذو كذا بمعنى عدم الفقدان لنفسه كان حجة وبرهانا على نفسه كما على غيره على ما مر والا فنقول الحجة عليه
حجت حجته وبهر برهانه نوره المتنور به السماوات والأرض فان سماوات الأرواح وأراضي الأشباح طرا متساوية
الاقدام في الافتقار والانظلام لسريان غسق الامكان الذي هو مناط الحاجة في كل المهيات مفارقاتها
ومقارناتها فافتاقت إلى النور الذي نوره من ذاته ومن حججه وبيناته ان الكل مجبولة على طلب الكمال
طلبا طبيعيا أو إراديا فان الحركة في الأجسام والجسمانيات مكشوفة جوهرية أو عرضية كيفية أو كمية أو وضعية
أو أينية وحركة النفوس أيضا بينته معلومة تجوهرا وتكيفا في الحالات والمالات والحركة طلب والطلب لابد له
من مطلوب ومطلوب كل الأجسام العنصرية من البسايط والمركبات المعدنية والنباتية والحيوانية الانسان
فيطلبون بالطلب الطبيعي والتوقان الحيواني التشبه به ويسعون إليه ويريدون معرفة هذا الكنز المخفي عليهم ثم
الأناسي مطلوب كل دان منهم عاليهم ومطلوب كل عال أعلى منهم بالإضافة وهكذا إلى ربهم الاعلى الحقيقي فإنك
ترى طالب العلم مثلا ير جو ان ينال طرفا من علم الأدب فإذا نال يريد ان يبلغ كماله وإذا بلغ يشتاق ان
يصير فقيها عالما بالفروع وإذا صار يحب ان يكون متكلما عالما بالأصول وإذا كان يبتغى ان يعلم
حكمة المشائية وإذا علم يتخطى في الاشراق والتأله وإذا تأله يهم ان يتوغل في التاله والبحث وإذا توغل
يعشق ان يتمكن في مقام حق اليقين وبالجملة النفوس كنيران مضطرمة لاقرار لها ولا تتسلى عن غير حبيبها
فلو لا في الوجود كامل مطلق لجاز الوقوف وإذ لا وقوف فقامت الحجة على أن هنا مقصد اللاشواق
هو غاية مراد المريدين ومنتهى طلب الطالبين ومظهر نوره قلوب الكاملين يا صنم يا صنم از خلق جهان ميشنوم
أين صنم كيست كه عالم همه ديوانه أو ست ومن براهينه وحججه خلفائه في ارضه لان الحق هو الحي العليم
المريد القدير السميع البصير المتكلم السبوح القدوس الهادي المضل النافع الضار الأول الأخر
76

الباطن الظاهر إلى اخر الأسماء الحسنى المتقابلة ونوابه وخلفائه ايض احياء عالمون كما هو البين قادرون
على الأمور العجيبة في مقام كن قديسون بأرواحهم المجردة ها دون بعقولهم المرشدة مضلون خاذلون
لأهل الخذلان بنفوسهم المشقمة وهكذا متعلمون بكل الأسماء الحسنى فسبحان من أعمى ابصار المنكرين
إذ رأوا مظاهره وانكروه وشاهدوا انواره وما عرفوه ومن حججه النفوس المتعلمة بالأسماء بالقوة كما مر في الحديث
ان النفس الانسانية أكبر حجة الله على خلقه فان الزنديق المنكر للصانع بان الموجود الذي هو ليس داخلا في
العالم ولا خارجا عنه وهو الظاهر الباطن والعالي الداني محال لاستلزامه اجتماع النقيضين لم يلاحظ نفسه
حتى يرى أنها أعجوبة من هذا القبيل كما قال الشيخ فريد الدين العطار النيشابوري جزو كل شد چون فرو شد جان بجسم
كس نسازد زين عجايب تر طلسم * جسم وجان پاك با هم يار شد * آدمي اعجوبه ء اسرار شد
فلم ير هذا الأعمى انها ليست داخلة في بدنه كيف والكتاب المبين الذي هو مجمع كل النقوش الذي لا رطب
ولا يابس الا فيه لا يسعه هذا المدر الحقير وليست خارجة عنه كيف وأنت تشير إلى هذا الجسم بانا ولم يعلم أنها ظاهرة
ببدنه كيف وهو يرى ويلمس وباطنة بسره كيف وهي سر الله الذي لا يوصف وامر الله الذي لا يعرف قل
الروح من أمر ربى ولهذا لم يكشف عن امره أزيد من هذا عند السؤال عن حقيقته وان لا يعترف بهذا
القدر فلا أقل من أنها شئ يجذب الجسم من اليمين إلى اليسار وبالعكس فان هذه النفوس أمور غيبية مؤثرة
في الشهادة مستنبطة للصناعات الدقيقة والعلوم الغريبة عاملة للأعمال العجيبة ولولاها لبقيت الأجساد ميتة
كالجمادات لان حكم الأمثال فيما يجوز ومالا يجوز واحد وهكذا تارة عالية تتفكر في العواقب والأمور الأجلة وتتوجه
إلى الأمور الدائمة وتدرك الكليات المجردة وتتحد بها وتحيط بجميع افرادها دفعة واحدة وهذا المدر الذي تتعلق به
كخردل أو كدودة تلقى على سطح كرة الأرض التي هي مع العناصر الأخرى كحجر المثانة ومرة دانية تصير بهيمة اكلة
شاربة فانية في الأمور العاجلة الداثرة يا رب أين كيست كزين ديده برون مينكرد * يا كه باشد كه سخن ميكند أندر دهنم
يا ذا العظمة والسلطان في القاموس السلطان الحجة وقدرة الملك ويضم لامه والوالي والثاني هو
المراد هنا يا ذا الرأفة والمستعان الرأفة كما في بعض كتب أهل اللغة ارق من الرحمة لا يكاد تقطع
في الكراهة والرحمة قد تقطع في الكراهة للمصلحة والمستعان هنا مصدر ميمي يا ذا العفو والغفران
سبحانك الخ يا من هو رب كل شئ في السلسلة الصعودية يا من هو
اله كل شئ في السلسلة النزولية يا من هو خالق كل شئ في عالم الخلق يا من
77

هو صانع كل شئ في عالم الامر الا له الخلق والامر يا من هو قبل كل شئ
قبلية بالحق والحقيقة وقبلية سرمدية لا دهرية ولا زمانية لان المرتبة الأحدية والوجود المجرد عن
المجالي والمظاهر أولي المراتب في السلسلة الطولية قبل الدهريات والزمانيات كان الله
ولم يكن معه شئ وكذا الوجود الذي هو ذاته واشراقه قبل كل اسم وصفة وعين ومهية
بجميع انحاء القبليات لان الوجود الحق وامره بما هو داخل في صقعه وساقط الإضافة وعن
المهيات كما قيل التوحيد اسقاط الإضافات ولا حكم له في نفسه اذلا نفس له بهذا النظر قبل
كل تعين إذ الاطلاق عن جميع القيود حتى عن هذا قبل التقييد والصرف قبل المخلوط فالوجود قبل
كل شئ عينا كما أن عنوانه أبده البديهيات وأول كل تصور ذهنا فالمعنون مبدء المبادى وأول
الاوايل والعنوان أول الأوليات ولذا قال (ع) ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله
على بعض الروايات كما مر في أول الشرح يا من هو بعد كل شئ كما أن في الباديات وجودا
مجردا عن كل التعينات وجميع المظاهر قبل كل شئ كذلك في العايدات هذا الوجود بعد كل شئ
وكما أن في الأول وجوده منزه عن كل اسم وعين وفيضه مقدس عن كل نقص وشين كذلك في الأخر
كل من على ارض المهية فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والاكرام الا إلى الله تصير الأمور
يا من هو فوق كل شئ فوقية أحاطية لأنه القاهر فوق عباده يا من هو عالم بكل شئ
كليات الأشياء وجزئياتها كما أن أصل مسألة العلم معركة للآراء كذلك مسألة علمه بالجزئيات الداثرة
الزايلة من المشكلات فهو على غير أهله صعب عسير لكنه عند أهله سهل يسير فاعلم أنه كما قال الحكماء جميع الارمشة
والزمانيات بالنسبة إليه تعالى كالان كما أن جميع الأمكنة والمكانيات بالنسبة إليه كالنقطة بل الامر هكذا
بالنسبة إلى مقربي حضرته فضلا عن جنابه تعالى المحيط بكل شئ فلا ماضي عنده ولا حال ولا استقبال بل
الكل مقهور تحت كبريائه ولا يخرج عن ملكه وسلطانه شئ من آلائه فكل في حده حاضر لديه ولا دثور
ولا زوال بالقياس إليه ما عند كم ينفد وما عند الله باق لا ينقص من خزائنه ولا يزيد في ملكه شئ
كيف ولو كانت الماضوية والمستقبلية مناط العدم لم يكن فرق ببديهة العقل بين ما كانت ماضويته مثلا
بآلاف سنين وبين ما كانت بدقيقة فلم يكن العالم موجودا أصلا إذ لا يقف القسمة عند حد وليس له وجود قار
فالكل بالنسبة إليه تعالى ثابتات واجبات وإن كانت في أنفسها متغيرات ممكنات جف القلم بما هو كائن
78

ولذا قال بعض المفسرين في قوله تعالى كل يوم هو في شأن أي في شأن يبديه لا شأن يبتديه وكيف
لا يكون علمه بالجزئيات وعلمه بالأشياء اشراقي حضوري ووجودها المشهود عين تشخصها والدليل الدال
على العلم عند هم من كون ذاته علة تعلم ذاته والعلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول يدل على حضور المعلول
بالوجود العيني لان حضور علته لذاتها بوجودها العيني لا بمثال وكما أن الكليات معاليله كذلك
الجزئيات مستندة إليه فمن قال إنه تعالى يعلم الجزئيات على وجه كلي فقد بعد عن الحق كثيرا واما الشيخ
الرئيس وأمثاله فالكلية في كلامهم بمعنى السعة والإحاطة في الوجود يعنى كل جزئي مع الجزئيات الأخر
لا يشغله شأن عن شأن لا كحالنا في ادراكنا جزئيا حيث يمنعنا عن ادراك جزئي اخر واطلاق الكلى على هذا
المعنى كثير شايع كقول الاشراقيين المثل الكلية الإلهية وقول الرياضيين الفلك الكلى ووجه كلامهم أيضا
بان الكلية والجزئية بنحوي الادراك كما في الحاشية الخفرية والشوارق وغير هما وبالجملة لا يلزم تكفير هم كما
زعمه الغزالي والخفري لما ذكرنا ولان انكار ضروري الدين إذا كان لشبهة لا يلزم الكفر على انك ان اشتهيت
ان تعرف حد الكفر فنقول على حذو ما ذكره صدر المتألهين ان الكفر هو تكذيب الرسول صلى الله عليه وآله واله في شئ مما جاء
به ضرورة والايمان تصديقه في جميع ما جاء به فاليهودي والنصراني كافران لتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وآله والبرهمي كافر
بالطريق الأولى لأنه أنكر مع رسولنا ساير الرسل والدهري كافر بالطريق الأولى لأنه أنكر المرسل مع الرسل
ولما كان الكفر حكما شرعيا كالرقية مثلا إذ معناه إباحة الدم والحكم بخلود النار وبالنجاسة والكل خلاف
الأصل فيقتصر فيما خالف الأصل على مورد النص واليقين كاليهودي والنصارى والبراهمة والثنوية
والزنادقة والدهرية ثم نحن نرى كل فرقة يكفر مخالفيها وكلما دخلت أمة لعنت أختها وينسبها
إلى تكذيب الرسول فالحنبلي يكفر الأشعري زاعما انه كذب الرسول في اثبات الفوقية لله وفى
للاستواء على العرش والأشعري يكفره زاعما انه شبهه وكذب الرسول في أنه ليس كمثله شئ وهكذا
ولا ينجيك من هذه الورطة الا ان تعرف حد التصديق والتكذيب حتى ينكشف لك غلو هؤلاء الفرق
واسرافهم في تكفير بعضم بعضا فنقول حقيقة التصديق الاعتراف بوجود ما أخبر الرسول (ع) عن وجوده وللوجود
خمس مراتب ذاتي وحسى وخيالي وعقلي وشبهي ولأجل الغفلة عنها نسب كل فرقة مخالفها إلى التكذيب
فمن اعترف بوجود ما أخبر الرسول صلى الله عليه وآله عن وجوده بوجه من هذه الوجوه الخمس فليس بمكذب على الاطلاق فلنشرح
هذه الأصناف إما الوجود الذاتي فهو الوجود الحقيقي الثابت خارج الحس والعقل ولكن يأخذ الحس والعقل منه
79

صورته فيسمى اخذه ادراكا وهذا كوجود السماء والأرض والحيوان وغيرها بل هو الذي لا يعرف الأكثرون للوجود
معنى سواه واما الوجود الحسى فهو ما يتمثل في الحاسة ممالا وجود له في الخارج فيختص بها ولا يشاركها غيرها
كما يتمثل لأقوياء النفوس صور جميلة محاكية لجواهر الملائكة فيتلقون منهم من أمر الغيب في اليقظة ما يتلقاه غيرهم
في النوم لشدة صفاء باطنهم وكما يراه المريض المستيقظ وكما يراه النائم فيرى الرسول صلى الله عليه وآله في المنام وقد قال (ص ع)
من رآني فقد رآني فان الشيطان لا يتمثل بي بل كالمرسوم من الشعلة الجوالة والقطرة النازلة واما الوجود الخيالي
فهو صورة هذه المحسوسات إذا غاب عن حتك فإنك تقدر ان تخترع في خيالك أي صوره شئت واما الوجود العقلي
فهو ان للشئ روحا وحقيقة ومعنى فيلقى العقل مجرد معناه دون ان يثبت صورته في حس أو خيال أو خارج كاليد مثلا
فان لها صورة محسوسة ومتخيلة ولها معنى هو حقيقتها وهي القدرة على البطش فالقدرة هي اليد العقلية وللقلم صورة ولكن
حقيقته ما ينتقش به أي نقش كان عقليا أو حسيا أو خياليا وهذا يتلقاه العقل من غير أن يكون مقرونا بصورة خشب
أو قصب أو غيرهما واما الوجود الشبهي فهو ان لا يكون الشئ موجودا لا بصورته ولا بحقيقته لا في الخارج ولا في الحس
ولا في الخيال ولا في العقل ولكن الوجود لشئ اخر يشبهه في خاصة من خواصه ولنذكر الان أمثلة هذه الدرجات
في التأويلات إما الوجود الذاتي فلا يحتاج إلى المثال وهو الذي يجرى على ظاهره ولا يؤل كاخباره (ص) عن العرش
والكرسي والسماوات السبع وغيرها فان هذه أجسام موجودة في أنفسها أدركت بالحس والخيال أم لا واما الوجود
الحسى فأمثلته في التأويلات كثيرة نذكر منها مثالين أحدهما قوله صلى الله عليه وآله يؤتى بالموت يؤمن القيمة في صورة كبش
أملح فيذبح بين الجنة والنار فان من قام عنده البرهان على أن الموت عرض أو عدم عرض وقلب العرض جسما مستحيل
فينزل الخبر على أن أهل القيمة يشاهدون ذلك ويعتقدون انه الموت ويكون ذلك موجودا في حسهم لافى الخارج
ويكون ذلك سببا لحصول اليقين بالياس عن الموت بعد ذلك إذ المذبوح مأيوس عنه ومن لم يكن عنده
هذا البرهان فعساه ان يعتقد ان نفس الموت ينقلب كبشا في ذاته ويذبح المثال الثاني قول رسول الله (ص ع)
عرضت على الجنة في عرض هذا الحايط فمن قام عنده البرهان على أن الأجسام لا تتداخل
وان الصغير لا يسع الكبير حمل ذلك على أن نفس الجنة لم ينقل إلى الحايط لكنه تمثل للحس صورتها في الحايط
بحيث كان مظهرا لها ولا يستحيل ان يشاهد مثال شئ كبير في جرم صغير كما يشاهد السماء في مراة صغيرة
إذ لا يلزم ان يطابق المظهر والظاهر فيه ولم يكن على سبيل التخيل بل المشاهدة الصريحة ومثال
الوجود الخيالي أيضا تمثل الموت بصورة الكبش لو قيل إنه يتمثل في خيالهم وان لم يكن كذلك والغرض التمثيل
80

واما الوجود العقلي فمثاله قوله تعالى يد الله فوق أيديهم وقوله خمرت طينة ادم بيدي
أربعين صباحا فمن قام عنده البرهان على استحالة الجارحة عليه تعالى محسوسة أو متخيلة أثبت له يدا عقلية
روحانية أعني ما به يبطش ويفعل ويعطى ويمنع والله تعالى يعطى ويمنع بالملائكة كما قال (ع) أول ما خلق الله
العقل فقال وبك اعطى وبك امنع واما الوجود الشبهي فمثاله الغضب والفرح وغير هما مما ورد في
حقه تعالى فان للغضب مثلا حقيقة أعني غليان دم القلب لإرادة التشفي وهذا لا ينفك عن نقصان وانفعال
فمن قام عنده البرهان على استحالة هذا نزل على ثبوت صفة أخرى يصدر منها ما يصدر من الغضب كإرادة
العقاب والإرادة لا يناسب الغضب ويمكن ان يكون هذا أيضا مثالا للوجود العقلي فان الغضب في البدن
ثوران دم القلب وفى النفس حالة نفسانية انفعالية وفى العقل صفة فعلية وفى الواجب القهارية وهي روح
الغضب وما في عالم الصورة صورته فهذه درجات التأويلات إذا علمت هذا فاعلم أن كل من نزل قولا
من أقوال الشرع على درجة من هذه الدرجات فهو من المصدقين وانما التكذيب ان ينفى جميع هذه المعاني
ويزعم أن ما قاله لا معنى له وانما هو كذب محض وغرضه فيما قاله التلبيس والمصلحة الدنياوية وذلك هو الكفر المحض
ولا يلزم كفر المؤلين ما داموا ملازمين قانون التأويل وكيف يلزم الكفر وما من فريق من أهل الاسلام الا وهو مضطر
إليه فان ابعد الناس عن التأويل احمد ابن حنبل وابعد التأويلات الوجود العقلي والشبهي والحنبلي مضطر إليه فقد قيل إن
احمد ابن حنبل صرح بتأويل ثلث أحاديث فقط أحدها قوله (ص ع) الحجر الأسود يمين الله في الأرض
والثاني قوله قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن والثالث قوله صلى الله عليه وآله انى لأجد نفس
الرحمن من قبل اليمن فحيث قام البرهان عنده على استحاله ظاهره قال اليمين يقبل في العادة تقربا
إلى صاحبها والحجر الأسود أيضا يقبل تقربا إلى الله فهو مثل اليمين لافى ذاته وصفاته بل في عارض من عوارضه
وهذا هو الوجود الشبهي وهو ابعد التأويلات وكذا من فتش عن صدره لم يحس فيه الإصبعين فأوله
على روح الإصبعين وروح الإصبع ما به يتيسر تقليب الأشياء وقلب المؤمن بين لمة الملك ولمة
الشيطان وبهما يقلب الله القلوب وكذا نفس الرحمن عبارة عن هبوب نسايم التجليات واليمن عالم
العقل كما أن الوادي الأيمن عبارة عن عالم العقل الذي هو الركن الأيمن الاعلى من العرش الذي هو الوجود
المنبسط لأنه أقوى جانبيه كما أن عالم الجسم أضعف جانبيه وانما اقتصر احمد على تأويل هذه الثلث
لكونه غير ممعن في النظر العقلي والا لجاوز عنها في التأويل وأقرب المتكلمين إلى الحنابلة هم الأشاعرة في الأمور
81

الأخروية ولذا قالوا بالرؤية في الآخرة مع أنهم أولوا وزن الأعمال بوزن صحايف الأعمال وهذا رد إلى الوجود
الشبهي وانما أطنبنا في المقام لما نرى كثيرا من المتدينين قد أصروا على الرد والانكار لأهل العلم سبحان الله
من اجترائهم واحتياطهم وقلة مبالاتهم كيف وهذا اللاعن داير بين فاعل الحرام وآتى المندوب فان الذي تصدى
للعنه إن كان من الأخيار استحق اللاعن به العقاب وإن كان من الأشرار استحق به الثواب ودفع المضرة أولي من جلب
المنفعة ولا سيما المضرة المخطورة والمنفعة المندوبة كمن دخل طريقا لكي ينال درهما متحمل الوجود مع أنه يحتمل ان
يفترسه السبع هذا مع أنهم لا يعرفون البرازين من العراب ولا يدرون الزند من العرار فيصدقون من غير أن يتصوروا
ويتزببون من دون ان يتحصرموا وليت شعري كيف انكشف حقيقة الامر على قلوبهم وكل أية من آيات كتاب
التكوين لها سبعة أبطن كآيات كتاب التدوين ولفعل المسلم سبعون محملا كما ورد في الخبر اللهم ارزقنا
الانصاف وجنبنا عن الاعتساف يا من هو قادر على كل شئ كما أن أصل قدرته تعالى ثابتة
كذلك عموم قدرته لأنه مسبب الأسباب ومنتهى سلسلة الحاجات والوجود على الاطلاق فيضه والتقرر
في الأنفس والآفاق سيبه ونحن حيث نقول بجعل الوجود كمن يقول بجعل المهية أو الاتصاف لا نخص الدعوى بوجود
الجواهر والذوات دون الاعراض والصفات والافعال والحركات بل الوجود بشراشره مجعولة والمهيات
المستشرقة باشراق الوجود كلها معلوله كيف ومعطى الوجود لا يكون الا ما هو برئ من كل الوجوه من معنى ما بالقوة كما قاله
صاحب التحصيل والايجاد فرع الوجود ولا وجود الا مترشحا من لديه فلا تأثير الا ويعود إليه إذا عرفت هذا فاعلم أن المنجمين
قالوا بتأثير الأفلاك والكواكب وأوضاعها فيما تحت فلك القمر من عالم العنصريات فإن كان مرادهم انها مؤثرات
مستقلة فلا ريب في بطلانه وهذا هو النجوم الذموم وإن كان مرادهم انها معدات وجعلها هكذا بصنع ربها الذي
اعطى كل شئ خلقه ثم هدى فهذا هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شبهة تعتريه فإنه تعالى جعل لكل موجود وإن كان
من الموجودات المستحقرة خاصية وفائدة وحكما ومصالح مما نطلع عليها أولا نطلع ولا نسبة لما نطلع
إلى مالا نطلع دل هر ذره كه بشكافى * آفتابيش در يمان بيني * فكيف ظنك بهذه الاجرام النورية
الكريمة العالية التي هي مظاهر ديمومته وبقائه ومجالى عظمته وبهائه يعبدون الله ولا يفترون ولا يأخذهم
في طاعته سنة ولا هم يرقدون فكما ان للحروف والأسماء تأثيرات يعرفها علماء علم الحروف وعلم
الأسماء وللاعداد آثارا يعلمها الاعدادي وللمعدنيات والنباتات والحيوانات خواص يعلمها
أصحاب الصنعة والطب والحكمة كذلك لأوضاع الكواكب ونظراتها احكام يدريها المهرة في علم
82

النجوم وقد قيل إنه كان أية نبوة بعض أنبياء السلف وقال الثنوية فاعل الخير هو يزدان وفاعل
الشر هو اهرمن وقال المانوية والديصانية منهم فاعل الخير هو النور وفاعل الشر هو الظلمة وقال الفاضل
القوشچى وكأنهم أرادوا معنى اخر سوى المتعارف فإنهم قالوا النور حي وعالم قادر سميع بصير انتهى
وفى مرتبتهم كل من يقول من الاسلاميين بمبدأين مستقلين ولذا قال النبي (ص ع) القدرية مجوس
هذه الأمة وقال النظام انه تعالى لا يقدر على خلق القبيح لان فعل القبيح محال والمحال غير مقدور
وقال البلخي انه تعالى لا يقدر على مثل فعل العبد لان مقدور العبد إما طاعة أو سفه أو عبث وذلك
على الله محال وقال أبو علي الجبائي وأبو هاشم انه تعالى قادر على مثل مقدور العبد وليس على نفس مقدور
العبد لان المقدور من شانه ان يوجد عند توفر دواعي العبد وان يبقى على العدم عند توفر صوارفه
فلو كان نفس مقدور العبد مقدورا لله فلو اراده الله وكرهه العبد لزم وقوعه لتحقق الدواعي ولا
وقوعه لتحقق الصوارف وكلهم ينادون من مكان بعيد وستطلع في تضاعيف على فساد
أمثال هذه المذاهب يا من هو يبقى ويفنى كل شئ لا منافاة بينه وبين قوله تعالى
كل شئ هالك الا وجهه وقوله ويبقى وجه ربك ذي الجلال والاكرام إذ قد علمت أن
الوجه داخل في صقع الربوبية فهو كالمعنى الحرفي لا حكم له على حياله فبقائه ببقائه لا باستقلاله
واحد معاني الوجه نفس الشئ كما في القاموس وقد جاء بهذا المعنى في الدعاء المخصوص بتعقيب
صلاة الصبح أو المشترك بينه وبين المسا بتبديل أصبحت بامسيت وهو هذا اللهم إني أصبحت
أشهدك وكفى بك شهيدا واشهد ملائكتك وحملة عرشك وسكان سمواتك
وارضيك وأنبيائك ورسلك والصالحين من عبادك وجميع خلقك فاشهد لي
وكفى بك شهيدا اني اشهد انك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك
وأن محمدا عبدك ورسولك صلواتك عليه واله وان كل معبود مما دون عرشك
إلى قرار أرضك السابعة السفلى باطل مضمحل ما خلا وجهك الكريم فإنه أعز وأكرم
وأجل وأعظم من أن يصف الواصفون كنه جلاله أو تهتدى القلوب إلى كنه
عظمته يا من فاق مدح المادحين فخر مدحه وعدا وصف الواصفين مأثر حمده
وجل عن مقالة الناطقين تعظيم شانه صل على محمد وال محمد وافعل بنا ما أنت
83

أهله يا أهل التقوى واهل المغفرة والمراد باشهاد غيره تعالى اشهاد هم المنطوى في اشهاده
لجامعية العلة وجود المعاليل ولذا تقول وكفى بك شهيدا وجه اخر جامعية الانسان كما ورد ما مضمونه
ان من أراد ان ينظر إلى الأنبياء في صفاتهم العليا فلينظر إلى علي ابن أبي طالب (ع) والمراد بكل معبود قاطبة
المهيات الجايزة والوجودات الممكنة بما هي مضافة إليها كما مر ان لكل موجود نصيبا من المعبودية والمراد
بالعرش الوجود المنبسط الذي هو مستوى الرحمن وما دونه عالم العقل والمراد بالبطلان والاضمحلال الهلاكة
الذاتية للممكن دائما لا في وقت مترقب دون وقت والوجه هنا الذات بدليل التعليل بالأجلية من الوصف
والإكتناه سبحانك الخ اللهم إني أسئلك بسمك يا مؤمن هو الذي يؤمن العباد في
القيمة عذابه فهو من الامن ضد الخوف كقوله والمؤمن العائذات الطير يمسحها * وكبان مكة بين الغيل
والسند وفى مجمع البيان المؤمن الذي امن خلقه من ظلمه لهم إذ قال لا يظلم مثقال ذرة عن ابن عباس
وقيل هو الذي آمن بنفسه قبل ايمان خلقه به عن الحسن وأشار إلى قوله تعالى شهد الله انه لا اله الا هو
انتهى أقول إن تذكرت ما ذكرناه في مراتب الايمان امنت ان هذا المعنى أيضا حسن إذ لا يعلم
ذاته كما هي الا ذاته فهو المصدق بذاته المؤمن حق الايمان والموقن حق الايقان كما قيل
توحيده إياه توحيده ونعت من ينعته لاحد يا مهيمن قيل هو الرقيب وقيل هو
الشاهد وقيل هو القائم بأمور الخلق وفى الحديث علي اعلم بالمهيمنات أي القضايا من المهيمنة
وهي القيام على الشئ جعل الفعل لها وهو لأربابها القوامون بالأمور وفى القاموس المهيمن وبفتح الميم
الثانية من أسماء الله تعالى في معنى المؤمن من امن غيره من الخوف وهو مأءمن بهمزتين قلبت الثانية ياء ثم الأولى
هاء أو بمعنى الأمين والمؤتمن والشاهد يا مكون إما التكوين مرادف الايجاد واما من التكوين مقابل الابداع
والاختراع يا ملقن من التلقين أي التفهيم ومن ذلك تلقينه الحجة لعباده كقوله ما غرك بربك الكريم
فإنه كما قال الشيخ العربي من باب تلقين الحجة إذ لقن العبد أن يقول كرمك يا رب يا مبين بين لعباده توحيده
والهيته بالدلايل الساطعة والحجج القاطعة يا مهون أي مسهل يا ممكن أي مثبت كما قال تعالى
ويثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت والتمكن له مراتب أولها التثبت في العبادة بدون
الفترة وأخيرتها الاستقامة المطلقة في أحدية الجمع وان شئت قلت التمكن أخيرة حالات النفس في كل مقام
حيث تتدرج في الاستكمال بها وهي أربع الخطرة والحال والملكة والاستقامة يا مزين زين القلوب
84

بالأنوار والأرواح بالاسرار والسماء بالكواكب والأرض بالزخارف العجايب كما قال الحريري زين الجباه
بالطرر والعيون بالحور والحواجب بالبلج والمباسم بالفلج والجفون بالسقم والأنوف بالشمم والخدود باللهب
والثغور بالشنب والبنان بالترف والحضور بالهيف يا معلن يا مقسم ارزاق الخلايق يوصل
إلى كل واحد منهم نصيبه بلا حيف سبحانك الخ يا من هو في ملكه مقيم يا من هو في سلطانه
قديم قد مر ان جواهر العالم الجسماني وطبايعه سيالة متجددة آنا فآنا فضلا عن كمياته وكيفياته وأوضاعه
وايونه ومقولات الممكنات عدم القرار معتبر في وجودها بل في مفاهيم بعضها فالواحد القهار في كل ان
باسمه المفنى المميت يقبض عالما فيقع تحت حيطة اسمه القهار وباسمه المنشئ المحيى يبدى عالما اخر ففي
كل آن إماتة واحياء بل بين كل حد وحد حد اخر بنحو الاتصال التدريجي لبطلان تتالي الانات وتشافع الغير
المنقسمات في المتصلات السيالات والثابتات ولما كان هذا التجدد على سبيل تجدد الأمثال لا يشعرون
ولأنه في غاية مراتب السرعة باسمه السريع فيتدارك الجبار العدم بالوجود لا يفقهون أفعيينا بالخلق
الأول بل هم في لبس من خلق جديد كل يوم هو في شأن أي آن مضى وآن يأتي فالعالم حادت حقيقي
لا بقاء وثبات فيه انما الثابت الباقي القديم وجه الله بعد فناء كل شئ فالفيض لا ينقطع وإن كان المستفيض
منقطعا هالكا والصنع قديم وإن كان المصنوع حادثا والسلطنة قديمة وإن كان الرعايا حادثين كما أشير في هذا الاسم
الشريف الذي نتكلم فيه وهكذا احسانه قديم والمحسن إليه حادث وهبته قديمة والموهوب له حادث وقد أشير
إلى عدم انقطاع فيضه في الأسماء الحسنى الأخر كما في من لا يدوم الا ملكه ومن له ملك لا يزول ومن
لطفه قديم ومن احسانه قديم ومن له نور لا يطفى ووهابا لا يمل وباسط اليدين بالرحمة
ومن كل شئ هالك الا وجهه وذلك الفيض الغير المنقطع والوجه القديم هو الوجود المطلق يا من هو
في جلاله عظيم انما كان هو تعالى في جلاله عظيما لان صفاته التنزيهية ونعوته السلبية التي هي جلاله تعالى
ترجع إلى التنزيه عن النقايص وسلب السلوب فإذا قلت سبوح قدوس فقد نزهته عن حدود الأكوان
ونقايص عالم الكيان لا عن سنخ كمالاتها وخيراتها كيف والخير كله بيديه والكمالات فايضة من لديه لا
بان يكون الأثر شيئا على حياله فإنه شرك ولا بان ينفصل منه شئ كانفصال الندا من البحر فإنه توليد بل بان
يفيض منه بحيث لا ينقص من كما له شئ وإذا انعدم المستفيض لا يزيد على كماله شئ وكلما لذاته من الكمال لا يشاركه فيه
غير ذاته وكلما لغيره منه فهو من جنابه كما هو مقتضى الإحاطة وهكذا إذا قلت إنه ليس بجسم أوليس بجوهر عاد السلب
85

إلى نقص الجسم وحد الجوهر واما وجود الجسم واستقلال الجوهر فهما منه فهو تعالى كما يزاد في تنزيهه وسلب الأشياء عنه
يزداد عظمة وإحاطة عند العقول بخلاف غيره فان كلما هو أكثر سلبا منها أضيق وجودا فالعظمة في عين الحلال
مختص به يا من هو على عباده رحيم كيف والعبيد على كل حال من صلاحها وفسادها منتسبون إلى السيد
كر نيست جمال ورنك وبويم * اخر نه كياه باغ اويم يا من هو بكل شئ عليم يا من هو بمن
عصاه حليم إذ المعصية لا تضره كما أن الطاعة لا تسره وحقيقة حمله عدم تأثره تعالى عن مخالفة عبيده
لأوامره نواهيه لأنه فعال بحت لا يشوبه شايبة انفعال بوجه من الوجوه يا من هو بمن رجاه كريم
يا من هو في صنعه حكيم لأنه تعالى خلق الأفلاك والعناصر بما فيها من الاعراض والجواهر وأنواع
المعادن والنبات واصناف الحيوانات على اتساق وانتظام واتقان واحكام تحير فيه العقول والافهام
ولا تفي بتفاصيلها الدفاتر والأقلام على ما يشهد بذلك علم الهيئة وعلم التشريح وعلم الآثار العلوية والسفلية
وعلم الحيوان والنبات مع أن الانسان لم يؤت من العلم الا قليلا ولم يجد إلى الكثير سبيلا وبهذا الاحكام
والاتقان في الصنع استدل المتكلمون على كونه عالما كما ذكر في التجريد يا من هو في حكمته لطيف
في بعض النسخ في حكمه لطيف يا من هو لطفه قديم هذا من قبيل المسلسل الذي هو من المحسنات
البديعية وهو ان يذكر لفظ في اخر بيت ويعاد في أول بيت اخر وان يذكر في اخر فقرة أو كلام وتعاد في
أول فقرة أخرى أو كلام اخر كقوله تعالى مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة
الزجاجة كأنها كوكب درى ومثله الفصل الذي أوله يا من هو في عهده وفى وفى بعض أسامي
الفصل الذي أوله يا من أنعم بطوله سبحانك يا من لا يرجى الا فضله كما أن الامر منه
تكويني ومنه تشريعي والامر التكويني يلزمه الطاعة والامتثال بخلاف الامر التشريعي إذ يتطرق إليه الاباء والعصيان
والانقياد والاتيان لان الأول أمر بلا واسطة فلا سبيل الا الطاعة والثاني أمر بواسطة المظاهر وبالسنة
الرسل وفى الحديث أمر الله إبليس بسجدة ادم ولم يشأ ونهى ادم عن اكل الشجرة وشاء فباعتبار
الامر والنهى التكوينيين الكل مؤتمرة ومنتهية والعالم بهذا النظر معبد فيه أصناف العباد والنساك كل واحد
مشغول بنوع عبادة رافعين أصواتهم ذاكرين أسمائه تعالى كل واحد الاسم الذي يربه وهو مظهره وواقع
تحته ولا سيما السماويون الذين هم في عباداتهم قائمون ويسبحون الليل والنهار لا يفترون كما قال
المعلم الثاني صلت السماء بدورانها والأرض برجحانها والماء بسيلانه والمطر بهطلانه وقد يصلى له ولا يشعر
86

ولذكر الله أكبر وقال المولوي آنچه در چشم جهان بينت نكوست * عكس حسن وپرتو احسان أو ست
كر بر آن احسان وحسن ايحق شناس * از تو روزى در وجود آيد سپاس * در حقيقت آن سپاس أو بود
نام أين وآن لباس أو بود * همچنين شكر تو ظل شكر أو ست * آن أو مغز آمد وآن تو پوست
ليك اينجا پوست باشد عين مغز * چشم بكشا وزره وحدت ملغز فكذلك الرجا وأمثاله فلذا أوتي
بصيغة الاخبار على سبيل الحصر وجعل النفي بمعنى النهى كما جعل في قوله تعالى لا يمسه الا المطهرون
على قرائة الضم خلاف الأصل يا من لا يسئل الا عفوه أي لا عفو غيره على سبيل قصر الافراد
كما في سابقه ولا حقه ولكن لما كان كل اسم مستقلا غير متعلق بالسابق واللاحق جاز ان يقرء لا يسئل
بالجزم على أن يكون نهيا لا نفيا بمعنى انه ينبغي ان لا يسئل الا عفوه لا غير عفوه من نعمه واحسانه لأنا لكثرة
خطايانا وكثرة عطاياه وقصورنا عن أداء حقه لا يليق بنا الا مسألة العفو لا ان نتخطى عنها إلى طمع نعمه
واحسانه أو درجات جنانه فالمترقب منه ان لا يعذبنا ويخزينا وهذا القدر الخطير منه يحسبنا ويكفينا وهذا
هو الداعي للداعي ان لا يسئل في اخر كل فصل من هذه الفصول الشريفة الا التخليص من النار يا من لا ينظر
الا بره يا من لا يخاف الا عدله يظهر ذلك بالنظر إلى الصحيفة السجادية على صاحبها الف
سلام وتحية يا من لا يدوم الا ملكه أي من حيث هو ملكه ومضاف إليه وإن كان المملوك فانيا
يا من لا سلطان الا سلطانه لأنه ملك لا يزول ملك بلا عزل وسلطانه قديم لا
كسلطان الوالي المجازى فإنه كالسلطان الذي يعلب به الصبيان بل هو شر منه وأشد بأسا لأنه ينسب
إلى اللعب ولا يعد سلطانا حقيقيا حيث إن زمانه نذر يسير بالنسبة إلى مدة عمره وما للوالي المجازى لا نسبة
لزمانه إلى مدة عمره الأبدي الذي هو قبالة وجهه منعما أو معذبا ولا نسبة لغير المتناهى إلى المتناهى بخلاف
المتناهى إلى المتناهى ونعم ما قيل انما الدنيا كظل زايد * أو كضيف بات ليلا فارتحل
أو كروء يا قدراها نايم * أو كبرق لاح من أفق الأمل * انما الدنيا كرؤيا افرحت
من رآها ساعة ثم انقضت فالانسان إذا صور في ذهنه ما مضى من عمره وطيب عيشه وافعاله وأقواله
لا يجد فرقا بينه وبين ما يراه في نومه وكذا يجده بالنسبة إلى عمره الأبدي الذي هو قدامه أسرع من البرق
وأقل زمانا من زمانه إذ كما قلنا لا نسبة بينهما ولكن في عالم الحس لما كان البرق أسرع شئ مثله به
يظهر ذلك بان يتخيل خيطا لا نهاية له أبيض وفى وسطه عشرة أذرع مثلا اسود فهذا الأسود وإن كان عشرة
87

أذرع ولكن إذا قايسته إلى غير المتناهى يكون كنقطة سوداء بينها بل لا يعد شيئا ونظير هذا ان الجمل وإن كان
كبيرا بالنسبة إلى الدجاجة ولكن إذا قام بقرب جبل عظيم يكون كدجاجة بالنسبة إلى عظمة الجبال ولهذا ورد
ان ذرية ادم حين اخذ الميثاق عنهم كانوا كالذرات وليس المراد انهم بشكل الذرات بل المراد
ان كل واحد في جنب عظمة الله وبالنسبة إلى كبريائه كالذرة وهي النملة الصغيرة ولا سيما انهم هناك
كانوا متطفلين في الوجود موجودين بوجود الواحد القهار لا بوجودات أنفسهم كما في هذا العالم يا من وسعت
كل شئ رحمته أي الرحمة الرحمانية التي هي نور الوجود المنبسط على كل شئ كانبساط نور الشمس على الآفاق
والأطراف لكن بين النورين فروق كثيرة منها ان نور الشمس قائم بغيره ونور الوجود قائم بذاته ومنها
ان نور الشمس انبسط على السطوح والألوان المبصرة فقط ونور الوجود وسعت كل شئ من المبصرات والمسموعات
والمذوقات والمشمومات والملموسات والمتخيلات والموهومات والمعقولات وما وراء الحس والعقل ومنها
ان نور الشمس انبسط على ظواهر المبصرات ونور الوجود نفذ في بواطن المستنيرات حتى لم يبق المستنيرات
التي هي المهيات في العين فجعلها بتمامها أعين الأنوار والمرحومات بشراشرها أنفس الرحمات في حاق
الواقع ومنها ان نور الشمس لا شعور له وأنوار شمس الحقيقة كلها عقلاء ناطقون احياء عالمون فمنها الأنوار
القاهرة الأعلون ومنها الأنوار القاهرة العرضية التي هي المثل الأفلاطونية ومنها الأنوار الاسفهبدية
للاجرام العلوية والسفلية ومنها ان نور الشمس له أفول وله ثان وله مقابل هو الظلمة ونور الوجود ليس له أفول
ولا ثاني له لكونه واحدا بالوحدة الحقة لا العددية ولا مضاد له يا من سبقت رحمته غضبه
لان الرحمة التي هي الوجود لما وسعت كل مهية ومن حملتها مهية الغضب ومهيات أنواعه لاجرم ان نسبة
الرحمة إليه تعالى أسبق من نسبة الغضب لتقدم الوجود على المهية في التحقيق والمجعولية وفى الحقيقة الغضب راجع
إلى ايصال الشرور والشرور قد حقق امرها انها راجعة إلى الاعدام وأيضا تحت كل بلاء ولاء وجراحة راحة واهانة اعانة
وداء دواء وسقم شفاء والنفوس حتى نفوس الصبيان والحيوانات انما جبلت على ادراك الآلام ومخاوف الأوهام
لكيلا تقع في الهلكات ولتصون أبدانها عن الآفات والا لم تبال بداهية واقتحمت في كل مخمصة وبلية
فتلفت قبل بلوغ نشوها ومناها ولم يتيسر لها الوصول لي مبتغاها والآلام التي تصيب الأطفال بل الحيوان
عند النزع فللخطيئة التكوينية لا التشريعية بل بنظر اخر هي من لوازم العشق بين الروح والجسد وعدم الارتضاء
بالمفارقة طبعا وفى أطفال بنى ادم خطايا الاباء والأمهات أيضا كما في الخبر ان قلت لا تزر وازرة وزر أخرى
88

قلت كما أن المؤمن مرآت المؤمن كك المحب والمحبوب أحدهما مرآت الأخر فوبال أحدهما عين وبال
الأخر ونفسه لشدة العلاقة بينهما فتفطن هذا كله واستقم والعقوبة الإلهية من باب الرحمة في النشأة الآخرة
وللتمحيص لا للتشفي تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولا تغرنك قولك في سؤال المغفرة يا رحمن يا رحيم نجني برحمتك
من عذابك الأليم لان عذابك عسى ان يكون مقتضى الرحمة الإلهية فيقول تعالى عبدي انا الرؤف
الرحيم القائم بالقسط أعاقبك برحمتي الواسعة ونصيبك عذابي الأليم بعنايتي الجامعة فسبحان من اتسعت
رحمته لأعدائه في ضمن نقمته ومن هنا قال تعالى خلقت هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي
فاجهد في تصحيح جوهرك حتى يكون قسطك من رحمته الواسعة الجنة لا الجحيم يا من أحاط بكل شئ علمه
يا من ليس أحد مثله المثلان الاثنان المشتركان في المهية ولازمها وصرف الوجود لسعة اشراقه
لا يبقى شيئا اخر لا يكون من صقعه حتى يكون مثلا له والشئ بنفسه لا يتشى نعم لو كان العدم الذي هو سنخ اخر شيئا
لكان ثانيا للوجود وضدا له ومثلا له في الضدية وليس فليس مع أنه بما هو ملتفت إليه ومن حيث كان منه اثر في
أي مشعر ليس ثانيا ولا ضد أو لا ند أو كذا لا مهية للوجود حتى يكون الوجود مع غيره مندرجا تحتها كما هو شأن
المتماثلين سبحانك الخ يا فارج الهم يا كاشف الغم يا غافر الذنب يا قابل التوب با خالق
الخلق يا صادق الوعد لا شك في استحسان صدق الوعد ولهذا كان من أسمائه الحسنى الآتية
من وعده صدق ومن وعده صادق وليس كذلك صدق الوعيد ولذا لم يكن من أسمائه صادق الوعيد
بل ذا الوعد والوعيد لهذا قال تعالى ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله ولم يقل ووعيده بل قال أو يتجاوز
عن سيئاتهم مع أنه توعد عليها واثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد وقيل كتب أرسطا طاليس في كتاب طويل
إلى إسكندر ابن فيلقوس صن وعدك عن الخلف فإنه شين وشب وعيدك بالعفو فإنه زين وقال
بعض أهل الكمال وانى إذا اوعدته أو وعدته لمخلف أيعادى ومنجز موعدي يا موفى العهد
يا عالم السر يا فالق الحب يا رازق الأنام سبحانك الخ اللهم إني أسئلك بسمك يا علي
هذا الاسم من أسمائه العظام مطابق لاسمه الأعظم أعني لا اله الا هو في العدد وهو عد بينات الألف
وعدد زبرها فان الهمزة الملفوظة أيضا عددها مأة وعشرة والهمزة كنفس الألف ولذا وقعت موقعها
إذ في كل اسم من أسماء الحروف وقع الحرف الذي هو المسمى في أول اسمه سوى الألف حيث
وقعت الهمزة في أول اسمها فظاهر الألف على وباطنها على يا وفي يا غني يا ملى هذان
89

الاسمان متقاربا المفهوم يعنى من لا يفتقر إلى الغير لا في ذاته ولا في صفاته يا حفي في القاموس حفى به
كرضى حفاوة ويكسر وحفاية بالكسر ويحفى به فهو حاف وحفى كغنى وتحفى واحتفى بالغ في اكرامه وأظهر السرور
والفرح واكثر السؤال عن حاله يا رضي أي مرضى يا زكي من الزكاة بمعنى الطهارة
ومنها قد أفلح من زكيها يا بلي أي مختبر وفى بعض النسخ يا بدى أي أول كل شئ ومنه
افعله بادي بدى أو من بدا بدو أظهر يا قوي يا ولي الولي له معان كثيرة منها المتولي
لأمور العالم المتصرف فيه ولما كان الولي من أسمائه تعالى وهو الولي الحميد ولا بد لكل اسم من مظهر في هذا
العالم لم ينقطع الولاية بخلاف النبي والرسول فإنهما ليسا من أسمائه ولم يرخص الشارع اطلاقهما عليه
فانقطعت الرسالة وانسدت باب نبوة التشريع فلم يبق اسم يختص به العبد دون الحق بانقطاع
النبوة والرسالة كما قال صلى الله عليه وآله لا نبي بعدي وهذا الحديث كما قال بعض العارفين قصم ظهور
أولياء الله لأنه يتضمن انقطاع ذوق العبودية الكاملة فلا يطلق عليها اسمها الخاص بها فان العبد يريد
ان لا يشارك سيده وهو الله في اسم انتهى يعنى ان الكاملين المتصفين بالفقر والعبيد المتحققين بالعبودية
التامة لا يتخطون طريق الطامات ولا يخلون سبيل التأدب فيوقنون بان الاتصاف بالأسماء الإلهية ليس
من مقتضيات ذواتهم بل بفنائهم في ذات الحق فمقتضى ذواتهم ليس الا العبودية كما قيل لا تدعني الا بيا عبد
فإنه أشرف أسمائي وفى ليلة المعراج لما قيل (ص ع) سل ما تبتغيه من السعادات قال (ص ع)
أضفني إليك بالعبودية يا رب فنزل سبحان الذي اسرى بعبده ونعم ما قال الشيخ عبد الله
الأنصاري إلهي اكر يكبار كوئى بنده من از عرش كذرد خنده ء من وبالجملة هذان الاسمان
أعني النبي والرسول مختصان بالعباد ولما كان الله تعالى لطيفا بعباده أبقى لها النبوة العامة التي هي
الانباء عن المعارف والحقايق بلا تشريع وبلا اخذ من الله بلا واسطة ملك أو بواسطة بل بالاجتهاد
والوراثة كما ورد ان العلماء ورثة الأنبياء فالفقهاء مظاهر علم النبي بما هو نبي والأولياء
والعرفاء مظاهره بما هو ولى فإذا رأيت النبي صلى الله عليه وآله يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث
هو ولى لامن حيث هو نبي كقوله صلى الله عليه وآله لو دليتم بحبل لهبط على الله وقوله لا يزال العبد
يتقرب إلى بالنوافل الحديث وغير ذلك وهو بما هو ولى أتم واكمل منه بما هو
نبي لان ولايته جنبته الحقانية واشتغاله بالحق ونبوته وجهه الخلقي وتوجهه إليهم ولا شك
90

ان الأولى أشرف لكونها أبدية بخلاف الثانية فإنها منقطعة فإذا سمعتم يقولون الولاية أفضل
من النبوة فيعنون ذلك في شخص واحد وهو ان النبي من حيث هو ولى أفضل منه من حيث
هو نبي لا الولي التابع سبحانك الخ يا من أظهر الجميل يا من ستر القبيح روى
عن الصادق (ع) أنه قال مامن مؤمن الا وله مثال في العرش فإذا اشتغل بالركوع والسجود فعل مثاله
مثل ذلك فعند ذلك تراه الملائكة فيصلون عليه ويستغفرون له وإذا اشتغل العبد بالمعصية
ارخى الله على مثاله سترا لئلا يطلع عليها الملائكة وهذا تأويل يا من أظهر الجميل وستر القبيح أقول
معنى رؤية الملائكة حسنات العباد وعدم اطلاعهم على سيأتهم انهم يشاهدون الأشياء
باعتبار وجهها إلى الله الحسن لا باعتبار وجهها إلى أنفسها القبيح لاستغراقهم في مشاهدة جمال
الله وجلاله كما ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله ان لله أرضا بيضا
مسيرة الشمس فيها ثلثون يوما أيام الدنيا ثلثين مره مشحونة خلقا لا يعلمون ان
الله خلق ادم وإبليس وهذا كما يحصل لعباده المهيمين القاصرين نظرهم على مشاهدة الكل مظاهر أسمائه
بل لا يرون الا أسماء بل لا يعاينون الا ذاته يا من لم يؤاخذ بالجريرة كيف وهو فعال غير منفعل
لا تضره الجريرة حتى يريد التشفي والانتقام وما يصل إلينا انما هو جزاء أعمالنا وغاية أفعالنا يا من
لم يهتك الستر ولذا لم تبرز ملكات الأشقياء الكامنة بصورها المناسبة حيث إن الانسان
بحسب باطنه كجنس تحته أنواع أربعة الملك والشيطان والسبع والبهيمة كما تقدم فإذا غلب عليه العلم
والعمل الصالح صار ملكا كما إذا غلبت عليه الشيطنة والنكرى صار شيطانا جنيا يا معشر الجن قد استكثرتم
من الانس ولذا قال صاحب كتاب اخوان الصفا ان النفوس السعيدة إذا فارقوا الأبدان صاروا ملائكة والنفوس
الشقية إذا فارقوها صاروا شياطين وأجنة وكما إذا غلب عليه الغضب والشهوة صار سبعا وبهيمة قال المولوي
أي دريده آستين يوسفان * كرك برخيزى أزين خواب كران * كشته كركان هر يكى خوهاى تو
ميدرانند أر غضب اعضاي تو * باش تا از خواب بيدارت كنند * در نهاد خود كرفتارت كنند
وقال الشيخ العطار النيشابوري در نهاد هر كسى بس خوك هست * خوك بأيد كشت يا زنار بست
قال شيخنا البهائي (ره) في الأربعين والعجب منك انك تنكر على عباد الأصنام عباوتهم لها ولو كشف
الغطاء عنك وكوشفت بحقيقة حالك ومثل لك ما يمثل للمكاشفين إما في النوم أو اليقظة لرأيت نفسك
91

قائما بين يدي خنزير مشمرا ذيلك في خدمته ساجدا له مرة وراكعا أخرى منتظرا إشارته وامره فمهما طلب
الخنزير شيئا من شهواته توجهت على الفور إلى تحصيل مطلوبه واحضار مشتهياته ولا بصرت نفسك
جاثيا بين يدي كلب عقور عابدا له مطيعا لما يلتمسه مدققا للفكر في الحيل الموصلة إلى طاعته وأنت
بذلك ساع فيما يرضى الشيطان ويسره فإنه هو الذي يهيج الخنزير والكلب ويبعثهما على استخدامك
فأنت عن هذا الوجه عابد للشيطان وجنوده ومندرج في المخاطبين المعاتبين يوم القيمة بقوله تعالى
ألم أعهد إليكم يا بنى ادم ان لا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين انتهى يا عظيم
العفو يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة لا تعطيل لهما
عن الإفاضة ولا امساك فيهما عن الجود كما قالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا
بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ويداه أسمائه الجلالية والجمالية أو أسمائه
المتقابلة كالجميل والجليل واللطيف والقهار والنافع والضار ولما كان ادم (ع) مظهر الجمال أو الجلال
ومجمع الأسماء المتقابلة قال تعالى خمرت طينة ادم بيدي ووبخ إبليس بقوله تعالى ما منعك
ان تسجد لما خلقت بيدي ولما كان جلاله كجماله مرغوبا وقهره كلطفه محبوبا عاشقم بر لطف وبر قهرش بجد
ورد كلتا يدى ربى يمين يا صاحب كل نجوى قال تعالى ما يكون من نجوى
ثلثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر الا هو معهم
أينما كانوا وقال لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثه ولم يقل ثالث اثنين إذ لم يصيروا
بذلك كفارا قال صدر المتألهين س وذلك لان وحدته ليست عددية بل وحدة أخرى جامعة لجميع
الآحاد ولو كانت وحدته عددية لكانت داولة في باب الاعداد فلم يكن حينئذ فرق بين ان يقال
ثالث ثلثة أو ثالث اثنين ولم يكن أحد القولين كفرا دون الأخر بخلاف ما إذا كانت وحدته خارجة
من باب الاعداد فكان القول ح بكونه ثالث الثلاثة أو رابع الأربعة كفرا أو ثالث الثلاثة مثلا
داخل فيها ثم لما كانت وحدته نحوا اخر مغايرا لساير الوحدات فهى مع كونها مغايرة لها مجامعة
لها مقومة إياها فصح انه رابع الثلاثة مثلا انتهى أقول إن شئت ان تعرف هذا فانظر إلى وجود
الاعداد فان كل مرتبة منها إن كانت شيئية المهية فيها ثلثة فالوجود رابعها وإن كانت أربعة
فهو خامسها وهكذا فان نفس تشيئها القوامي وتجوهرها الذاتي ثلثة أو أربعة مثلا فإذا انصبغت الثلاثة
92

بنور الوجود فهو رابعها لكن لا رابعها العددي وانما الرابع العددي للأربعة مثلا واحد من شيئية
المهية لها المخالفة لشيئيتها الوجودية فهو رابع الأربعة ومن عللها القوامية والوجود خامسها وعليتها
الوجودية لا رابعها لكونه مغايرا لسنخ المهية لنوريته وانظلاميتها وحقيقة وباطليتها واطلاقه ومحدوديتها
يا منتهى كل شكوى سبحانك الخ يا ذا النعمة السابغة سبغ النعمة اتسعت
واسبغ الله النعمة أتمها يا ذا الرحمة الواسعة هي أحد ألقاب الوجود المنبسط يا ذا المنة
السابقة فان احسانه تعالى لا يكافيه شئ ء ولا يوازيه عمل حيث إن ابراز النفس المحسن إليه أو ايجاده
عطاء منه وتوفيق العلم والعمل أيضا عطاء والاذن في التصرف في مملكته عطاء اخر منه ان قيل أي احسان
في خلق الكافر المعذب في الآخرة وما المنة عليه في ابراز عينه واعطائه الوجود يبتلى المسكين ببلاء الكفر
ولا سيما الكافر الفقير المعذب في الدارين قلنا الحكيم العدل عز شانه قد عامل مع كل موجود معاملة
لو كان الامر مفوضا إلى نفسه اختار لنفسه ذلك الشأن فقد مضى بعلمه الأزلي ان عين الكافر يستدعى بلسان
استعداده الأفصح عن لسان مقاله الكفر بل لسان مقاله أيضا استدعى يقول مما خالفه فابرزه فيضه
الأقدس واعطى وجوده فيضه المقدس وكما أن المؤمن الموحد يستبعد ان يطلب أحد الكفر كذلك يستبعد
الكافر ان يطلب أحد الايمان ان طيب الورد يضر الجعل وهو يستبعد طلب العند ليب إياه كعكسه فعين الكافر
يطلب الكفر وهو لا يعده شرا بلسان حاله لملايمته لمهيته مع أنك قد سمعت سابقا ان الاقتضاء الأول
لا يوصف بالشرية لان الشر ما لا يلايم لوجوده والكلام في أصل الوجود وكذلك الفقير يطلب الفقر بلسان
عينه ومهيته ويرضى به وان لا يريضه بلسانه اللهجي والوهمي كيف ولو لم يرض بالفقر لانتهج مسلك الفقر
الذي نهايته بداية الغناء إذ لم يقع بينهما حاجز وسد بل ما به مفتوح للطالبين فحيث نراه يشمئز اشميزاز
المزكرم والجعل من رايحة الورد حالا فكيف تسترق أنت لحاله فلو لم يخلق الفقر لوجب ان
لا يخلق كل من لم يسلك مسلك الغنى والفقر الحقيقي فيعطل العالم ونحن نرى الفقير الصوري لو اعطى ما
اعطى الغنى في هذا العالم لا هلك نفسه بازدحام الأموال وتراكم الاشغال والفقير الحقيقي لا يلتفت
إلى السلطان ومملكته بل يهب السلطنة لغيره وبالجملة فالعدل كل العدل والاحسان كل الاحسان
ان يعطى كل ما يسئله بلسان مهيته وقابليته ويبرز ما كمن في ذاته وملائم طبيعته فحيث كان كل موجود
لحبه الفردانية ومظهريته لاسم يذهب مذهبا غير ما يسلكه الأخر اعطى كل شئ خلقه ثم هدى
93

كل حزب بما لديهم فرحون كل مسير لما خلق له والطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلايق فالواجب في العدل
ان يذهب به إلى ما يؤثر ويختار لا اكراه في الدين ولما كان الكل مظاهر أسمائه الجمالية والجلالية
لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون يختار ما يشاء ويحكم ما يريد يهدى من يشاء ويضل من يشاء
أي اضلالا تشريعيا يا ذا الحكمة البالغة يا ذا القدرة الكاملة يا ذا الحجة القاطعة
يا ذا الكرامة الظاهرة يا ذا العزة الدائمة يا ذا القوة المتينة يا ذا العظمة
المنيعة سبحانك الخ يا بديع السماوات البديع لغة فعيل من البدع بالكسر وهو الذي
يكون أول من كل شئ ومنه قوله تعالى قل ما كنت بدعا من الرسل ويرد بمعنى مبدع اسم فاعل وبمعنى مبدع اسم مفعول
واسمه تعالى من الأول أي الذي فطر السماوات لا على مثال سبق والابداع بالمعنى الأعم من الاختراع أو الفلكيات
مخترعة لا مبدعة لان الابداع في الاصطلاح اخراج الشئ من الليس المحض إلى الأيس دفعة واحدة
بلا سبق ادة ومدة كما في العقول المفارقة والاختراع هو الاخراج من الليس إلى الأيس بلا سبق
مدة لا مادة كما في الفلكيات والتكوين هو ايجاد الشئ مع سبق مادة ومدة كما في الحوادث اليومية أو السماوات
العقول والظلمات في يا جاعل الظلمات الأجسام ويمكن ان يراد بالظلمات المهيات كما في
قوله تعالى جاعل الظلمات والنور ويراد بالسموات الوجودات أو ان يراد بالظلمة عدم ملكة الضوء والجعل
إما بسيط أو مركب واما بالذات أو بالعرض فالجعل البسيط جعل الشئ والجعل المركب جعل الشئ شيئا وبعبارة أخرى
البسيط جعل الوجود المحمولي الذي هو مفاد كان التامة في الهليات البسيطة والمركب جعل الوجود الرابط
الذي هو مفاد كان الناقصة في الهليات المركبة وبعبارة أخرى البسيط الجعل المتعدى لواحد والمركب
الجعل المتعدى لاثنين والجعل بالذات ان يتعلق بشئ أولا وبالأصالة وبلا واسطة في العروض والجعل
بالعرض ان يتعلق بشئ ثانيا وبالتبع وبواسطة في العروض على قياس الحركة الذاتية والعرضية كنصب
الشاخص والظل إذا عرفت هذا فالظلمات التي هي المهيات مجعولة لكن لا بالجعل التركيبي إذ الجاعل ما جعل
الظلمة ظلمة بل جعلها واوجدها بل بالجعل البسيط بالعرض لانحاء الوجودات فان جعلها كتحققها تبع لجعل
الوجود وتحققه كتبعية الظل الذي الظل والصدا للصوت بما هما ظل وعكس.. يا راحم العبرات
جمع العبرة بالفتح وهي الدمعة قبل ان تفيض أو تردد البكاء في الصدر أو الحزن بلا بكاء كذا في قاموس
يا مقيل العثرات عثر كضرب ونصر وعلم وكرم عثر أو عثير أو عثار أو تعثر كبا كذا في قاموس يا ساتر
94

العورات بسكون الواو إذ لا يجوز الفتح في معتل العين إذا جمع بالألف والتا الا على لغة هذيل
فيقولون في بيضه وجوزه بيضات وجوزات بالفتح وان شئت التفصيل فعليك بكلام ابن مالك
والسالم العين الثلاثي اسما انك الخ يا محيي الأموات يا منزل الآيات يا مضعف الحسنات
يا ماحي السيئات محو السيئة مع أن الوجود لا ينقلب عدما وان كل ممكن محفوف بالضرورتين
وكل قضية مطلقة عامة وعقد فعلى لا يخلو عن الوجوب اللاحق وحيثية الوجود كاشفة عن الوجوب وان
المتعاقبات في سلسلة الزمان مجتمعات في دعاء الدهر كل في حده يرشدك إلى كونها متحققة بالعرض
ومجعولة بالعرض كما قال الحكما الشر مجعول في القضاء الإلهي بالعرض فإذا بحثنا وفحصنا عما دخل فيها بالذات
وعما نسب إليها بالعرض ظهر لنا انها منمحية أو نقول يبدل الله سيئاتهم حسنات فيضعف الحسنات
بتبديل نظرهم فان عامل السيئة إذا عرف الله ووحده بتوحيد الذات والصفات والافعال
والآثار وتاب عما سواه ينظر بنور الله ويرى من كل شئ وجهه إلى الله في الأولى والآخرة
ولا يرى وجهه إلى نفسه السيئ لا في نفسه ولا في غيره فيصحو له المعلوم الذي هو وجهه إلى الله ويمحو
الموهوم الذي هو المهية ووجهها إلى نفسها وح لك ان تجعل السيئات قاطبة المهيات الجوازية
ومحوها زهوقها ان الباطن كان زهوقا والحسنات وجهها إلى الله وتضعيفها صحوها وصفوها عن
شوب الباطل يفصل بينهم يوم القيمة يا شديد النقمات سبحانك الخ اللهم إني
أسئلك بسمك يا مصور ان مفيض الصور على المادة فأول صورة تصورت بها
الهيولي واسبق حلة تلبست بها وأقدم حلية تزنيت بها هي الصورة الجسمية والامتداد والمطلق
ثم تحلى بالصور النوعية الجوهرية ثم الصور الشخصية العرضية وأيضا هو واهب الصور على النفس ومخرجها
من القوة إلى الفعل ومنشئ الصور في عالم المثال وعالم الكون الصوري المشار إليه في الحديث بقوله
ان في الجنة سوقا يباع فيه الصور بل مبدع الكل بنفخ الوجود المنبسط الذي به حياة كل شئ
فان الصورة ما به الشئ بالفعل وفعلية الأشياء به كما أن فنائها فيه على ما قال الشيخ العربي النفخة نفختان
نفخة تشعل النار ونفخة تطفئها انتهى فبهذا الوجود والاشراق الذي في كل بحسبه حياة الأشياء وظهورها
له أولا ثم به اماتتها وانطفائها قال تعالى وإذا نفخ في الصور الآية والصور بسكون الواو وقرئ بانفتاحها
أيضا جمع الصورة والقراءة الأخيرة منقولة عن الحسن البصري وسئل رسول الله (ص ع) عن الصور
95

فقال (ص ع) قرن من نور التقمه إسرافيل فوصف بالسعة والضيق واختلف في أن أعلاه ضيق
وأسفله واسع أو بالعكس ولكل وجه لان مخروطي النور والظلمة التي هي المهيات وذات الليسيات
الذاتية متعاكسان فقاعدة مخروط النور في عالم العقل ورأسه في عالم المادة ومخروط الظلمة بعكس
ذلك لاندكاك المهية هناك ولذا يعبر عنها بالبياض عند التعبير عن عالم العقل بالدرة البيضاء والركن
الأبيض من العرش والأرض البيضا في قوله (ع) ان لله أرضا بيضاء الحديث فإذا لوحظ جانب المهية
كان أعلاه ضيقا وأسفله واسعا وإذا لوحظ جانب الوجود كان بالعكس وكذا إذا لوحظ بساطة عالم العقل
وامتداد عالم الجسم كان أعلاه ضيقا كالنقطة والحركة التوسطية وأسفله واسعا كالخط والحركة القطعية
وإذا نظر إلى ضيق عالم الجسم والجسماني وسجنيته لكونه ذا حجا بين من الامتدادين السيال والغير السيال أعني
الزمان والمكان حيث إن كل جزء يغيب عن الجزء الآخر والكل يغيب عن الكل والى فسحة عالم العقل
لارتفاع حجابي الزمان والمكان عنه وطيهما فيه وكونه عالم الجمع ودار القرار قل ان الأولين والآخرين
لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم وانهم يحشرون في صعيد واحد كان أعلاه واسعا وأسفله ضيقا
والنافخ في الصور والمصور المباشر وإن كان إسرافيل وجنوده ومن جنوده القوى المصورة لكن المصور الحقيقي هو الله
هو الذي خلقكم ثم صوركم كما أن الله يتوفى الأنفس حين موتها وإن كان المباشر للإماتة هو
عزرائيل وجنوده قل يتوفاكم ملك الموت ومن جنوده القوى المحللة والهاضمة والخالعة للصور ففي
كل خلع صورة ولبس أخرى قبض ونفخ بجنود عزرائيل وإسرافيل والمباشر للكلية نفسهما والمسخر للكل
هو المصور الحقيقي ففي كل آن قبض لصورة العالم ونفخ الأخرى بنحو تجدد الأمثال واتوا به متشابها يا مقدر
للأمور في السلسلة النزولية يا مدبر لها في السلسلة الصعودية يا مطهر يطهرنا من النجاسات
الظاهرية البدنية كما يطهرنا من النجاسات الباطنية الروحية إذ كما أن في الجسم نجاسات عشرة مشهورة
كذلك في الروح الخبيث نجاسات عشرة ثمانية من حيث العمل واثنان من حيث العلم إما الثمانية التي
من حيث العمل فاثنان منها طرفا الافراط والتفريط في العفة وهما الشره والخمود واثنان طرف الافراط والتفريط
في الشجاعة وهما التهور والجبن واثنان طرفا الافراط والتفريط في السخاوة وهما التبذير والتقتير واثنان
طرفا الافراط والتفريط في الحكمة وهما الجزبرة والبلاهة وهذه الحكمة يسمى حكمة عملية وهي غير الحكمة العلمية
التي هي قسيم الحكمة النظرية فضلا عن النظرية قال صدر المتألهين في مبحث الاعراض من الاسفار
96

واشتبه على بعض الناس فظن أن الحكمة العملية المذكورة ههنا هي بعينها ما هو قسيم الحكمة النظرية حيث يقال إن
الحكمة إما نظرية واما عملية وذلك الظن فاسد كما أشرنا إليه فان هذه الحكمة العملية خلق نفساني يصدر منه
الافعال المتوسطة بين أفعال الجزبرة والغباوة واما إذا قالوا الحكمة منها ما هو نظري ومنها ما هو عملي لم يريدوا
به الخلق لان ذلك ليس جزء من الفلسفة بل التي هي إحدى الفلسفتين أرادوا بها معرفة الانسان بالملكات
الخلقية انها كم هي وما هي وما الفاضل منها وما الردى منها ومعرفة كيفية تحصيلها واكتسابها للنفس وازالتها
واخراجها عن النفس ومعرفة السياسات المدنية والمنزلية وبالجملة معرفة الأمور التي لنا مدخلية في ادخالها
في الوجود واخراجها عن الوجود بوجه وهذه المعرفة ليست غريزية بل متى حصلنا كانت حاصلة لنا من حيث
هي معرفة وان لم نفعل فعلا ولم نتخلق بخلق فلا يكون أفعال الحكمة العملية الأخرى موجودة لنا وبالجملة ان الحكمة
العملية قد يراد بها نفس الخلق وقد يراد بها العلم بالخلق وقد يراد بها الافعال الصادرة عن الخلق فالحكمة
العملية التي جعلت قسيمة للحكمة العلمية النظرية هي العلم بالخلق مطلقا وما يصدر منه وافراطه أيضا فضيلة
والحكمة العملية التي جعلت إحدى الفضايل كالشجاعة والعفة هي نفس الخلق المخصوص المباين لساير
الأخلاق وافراطه كتفريطه رذيلة فظهر الفرق بين البابين انتهى أقول ولكون الحكمة التي إحدى الفضايل
الأربع من العمليات وفيها قد اشتهر ان خير الأمور أوسطها كان المتوسط فضيلة ولكون الحكمة العملية
التي هي قسيمة للنظرية من باب العلم وفى العلم قال علي (ع) الشئ يعز حيث يندر والعلم يعز حيث يعزز
كان الافراط فيها فضيلة واما الاثنان اللذان من حيث الاخلال بالعلم فهما الجهل البسيط والجهل المركب وكما أن
أشد النجاسات البدنية هو الكفر ولا سيما كفر النفاق كذلك شر النجاسات الروحية النفسية هو الجهل
فان الجاهل ابعد الخلق من الله كما أن العالم العارف اقربهم إليه ولذا ورد ان الله تعالى لم يتخذ وليا جاهلا
وان الجاهل على كل حال في خسران يعنى ان عمله وبال عليه ان صلى فله الويل وان لم يصل فله الويل فويل
للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون وكذا صام أو لم يصم أنفق أولم ينفق كر نماز وروزه ميفر مايدت
نفس مكار است فكرى بايدت فكما ان العلم أم الفضايل فالجهل أم الرذايل ولا سيما الجهل المركب
ولذا قال الحكما ان عذاب الجهل المركب أشد أنواع العذاب وسموه الداء المعضل الذي أعيا أطباء النفوس
عن معالجته واما المطهر فواحد وهو علم التوحيد فان العمل أيضا وسيلة له وراجع إليه ولذا كان اخر مراتب
العمل بعد التجلية والتخلية والتحلية الفنا ويقال في تفسيره انه شهود كل وجود وكل كمال وجود في وجود الحق
97

والشهود هو العلم والمعرفة وانما انما انه واحد لان أهل الجهل والحجاب في كثرة وتفرقة وتشتت نظر
واهل العلم والمعرفة في وحدة وجمعية وتوحد عزيمة فالطهارة التي هي صفة أهل العلم والمعرفة تناسب الوحدة
والنجاسة التي هي صفة أهل الجهل والحجاب تناسب الكثرة ونظير ذلك ما ورد ان المؤمن يأكل في معاء
واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء فان المؤمن مشاعره كلها منطوية في مشعر واحد هو العقل
المدرك للوحدة فهو يأخذ ارزاقه المعنوية في معاء واحد وإن كان ذلك المشعر الواحد منطويا فيه الف مشعر
فان مشاعره الحسية عشرة فتضرب في مشاعره العشرة المثالية فيصير مأة بمعنى ان ما صرته المثالية يبصر ويسمع
ويشم ويذوق ويلتمس ويحس باطنا ويتخيل ويتوهم ويحفظ ويتصرف وهكذا سامعته المثالية إلى اخر العشرة
ثم يضرب المأة في العشرة العقلية يصير ألفا والكل هناك منطوية في واحد والكافر حيث لم يكن مشاعره
تابعة للعقل المفطور على ادراك الوحدة يأخذ ارزاقه الحسية في الأمعاء السبعة التي هي المشاعر الخمسة
الظاهرة والخيال والوهم التي هي بعدد أبواب النيران وعلى هذا فلما كان العوالم متطابقة فالمطهر في
العالم الجسماني أيضا واحد هو إزالة النجاسة كما أن التوحيد اسقاط الإضافات فقول الفقهاء رضي الله عنهم
المطهر عشرة أرادوا به امارات الطهارة فان قولهم استحالة العذرة ترابا أو دودا أو الكلب ملحا أو النطفة حيوانا
مطهرا وانقلاب الخمر خلا مطهر ان أرادوا بالمطهر مزيل النجاسة عن نفس العذرة مثلا فهو باطل وان أرادوا مزيلها
عن التراب والملح مثلا فالتراب والملح طاهران من أصلهما ولسنا نقول إنهما ليسا من موارد الطهارة وانما نقول إنهما
طاهران من أول الأمر لكونهما حقيقتين اخريين وليس يصدق المطهر على الاستحالة أو الانقلاب وكذا في النقص
والانتقال وغير هما والحكم بالطهارة انما هو لكون الاحكام تابعة للأسماء فما كان كلبا مثلا لم يطهر وما كان ملحا لم يكن
نجسا من أول الأمر اللهم الا ان يبنى على القواعد الحكمية وثبوت المادة المشتركة الباقية في جميع الأحوال ولكن قد عرفت
ان الاحكام توابع الأسماء وشيئية الأشياء بصورها وبالجملة مقصود هم التعديد والتكثير في الامارات ومرادنا التطبيق
مع الحقيقة واسقاط الكثرات وإذ بلغ الكلام إلى هذا المقام فلا باس بذكر شبهة ولد الحرام ورفعها بتوفيق الملك العلام
فنقول قال القدماء من الفقهاء بنجاسة ولد الزنا وكفره وكونه جهنميا وانه لا يؤمن ولو امن ظاهرا لم يؤمن باطنا فاشكل
هذا على كثير من الأنام بل على كثير من الاعلام انه بظاهره لا يوافق قواعد العدلية لأنه أي جرم لهذا المسكين وبأي ذنب
يبتلى بهذه البلايا الدنيوية والأخروية وما معنى مؤاخذته بسوء عمل الأخر فنقول بعد ما تقرر ان الأرواح في عالم
الذرات والمهيات اللازمة للأسماء والصفات صنفان طيبات وخبيثات وهذا أمر قد فرغنا من بيانه
98

ان الأرواح الطيبة تستدعى بلسان الاستعدادات متعلقات طيبة وأبدانا طاهرة والأرواح الخبيثة تستدعى
بلسان الاستعداد متعلقات خبيثة وأبدانا نجسة الطيبات للطيبين والخبيثات للخبيثين الأولى
كأرواح الأنبياء والأولياء واتباعهم وأشياعهم والثانية كأرواح أعدائهم المنافقين والمشركين ومظاهر
الجبت والطاغوت وأصحابهم وأعوانهم فالطايفة الأولى من الأرواح مظاهرها الأبدان النقية الطاهرة المولد
المنتقلة من الأصلاب الشامخة إلى الأرحام المطهرة في الأوقات الشريفة والنظرات السعيدة الجامعة لساير أسباب
السعادة والطايفة الثانية من الأرواح المستدعية للأبدان المنتظرة لها مصادفة لنطف خبيثة حاصلة بغير
طهارة المولد ومنه ولد الحيض وأقلها أوقات خسيسة ونظرات نحسة وغير ذلك من أسباب الشقاوة ولها
كمقابلها مراتب فالعدل لا يقتضى ان يكون لروح قاتل الحسين (ع) بدن طاهر المولد بل يقتضى خلافه مع جميع الأسباب الأخر
للشقاوة وبالجملة الروح الخبيث لخباثته الأزلية ظهر من طريق الحرام فالخبيث الأزلي صار ولد الحرام
والجهنمي السابقي والعين السجيني الفطري صار ولد الزنا لا ان ولد الحرام صار جهنميا وولد الزنا صار كافرا
خبيثا محكوما بكفره بسبب عمل الوالدين لغة فان وبالهما على رقبتهما لاعلى رقبته والحكم بكفره بسبب قبوله الكفر
وعدم قبوله الايمان والولاية في الذر الأول وما بعده ولأجل خباثته الكامنة في عينه الظاهرة في هذا المظهر
الخبيث واما اشكال السعادة الأزلية والشقاوة الفطرية وحديث اختلاف الطينة وكون بعضها من عليين
وبعضها من بحين وكون الأعيان لوازم الأسماء وبطلان الجعل التركيبي فهو اشكال غير هذا الاشكال رفعناه
أيضا في هذا الشرح وغيره يا منور ترتب هذا الاسم على المطهر كترتب التحلية على التخلية يا ميسر
يا مبشر فيهما جناس خطى يا منذر وفيه مع المبشر طباق من حيث الجمع بين المتقابلين تقابل
التضاد كما أن في يا مقدم يا مؤخر طباقا من حيث الجمع بين المتقابلين تقابل التضايف
سبحانك الخ يا رب البيت الحرام البيت الحرام ظاهره معروف وباطنه قلب الانسان
الكامل الذي قد حرم على غير الحق تعالى شانه وسمى بيت الله الحرام الظاهري به لاحترامه وحرمة الأشياء الكثيرة
على المحرمين به وحرمة القتال في الأشهر الحرام لأجله كما سمى كعبة لارتفاعه شرفا وحسا لأنه وسط الأرض
وهي كروية ومنه يقال للعظم الناشز فوق القدم كعب لارتفاعه وقد ورد في الأحاديث انه أول ما خلق
من الأرض وكان في الوسط ثم دحيت الأرض من تحته وبسطت كروية أو لتربيعه كما في القاموس
كعبته تكعيبا أي ربعته وانما صارت مربعة لأنها بحذاء البيت المعمور وهو في السماء الرابعة
99

أو السادسة وصار البيت المعمور مربعا لأنه بحذاء العرش كما في الاخبار والعرش له أركان أربعة
ركن أبيض وركن أصفر وركن أخضر وركن احمر والعرش بمعنى العلم أيضا له مراتب العناية والقلم والقضا
والقدر كما أن الكعبة الحقيقية التي هي القلب له أربعة أركان أعني العقل الهيولاني والعقل بالملكة
والعقل بالفعل والعقل المستفاد وعدد عرشه العلمي أيضا أربعة الاحساس والتخيل والتوهم
والتعقل ولكون الأربعة عددا كاملا كان ساريا في ساير المنصات فكان عدد التجليات أربعة أعني الذاتية
والصفاتية والافعالية والآثارية وعدد العوالم أربعة عالم اللاهوت والجبروت والملكوت والناسوت
وأركان عالم الكيان أربعة ومراتب التوحيد أربعة توحيد الذات والصفات والافعال والآثار والكلمات
التي بنى عليها الاسلام أربع كما في الاخبار لان كلمة سبحان الله يدل على الصفات الجلالية والحمد لله يدل
على الصفات الجمالية لدلالته على أن جميع المحامد مختصة به تعالى فدل على أن جميع الكمالات له وانه مستحق
لان لا يشرك به أحد بالشرك الجلي والخفى والله أكبر يدل على أنه أعلى وارفع من أن يحيط به العقول والافهام
بل لفظ الجلالة بوحدته يدل اجمالا على جميع ما تدل عليه تفصيلا لان ما هو وهل هو البسيط وهل هو المركب
في صرف الوجود واحد ولكمالية هذا العدد يحصل من جمع المراتب من الواحد إليه العشرة الكاملة التي هي
تمام الدور البسيط العددي وكان هو زوج الزوج الأول المترتب على مربعه اثار السعادة ولهذا كان منسوبا
إلى السعد الأكبر أعني المشترى وكان هو روح الدال التي هي خشم اسمى أحد واحمد وغير ذلك من خفاياه التي يطول
الكلام بذكرها وكما سمى بالبيت العتيق أيضا لأنه أعتق من الغرق كما في القوى عن أبي عبد الله قال إن الله عز وجل
غرق الأرض كلها يوم نوح الا البيت فيومئذ سمى العتيق الحديث وعن أبي حمزة الثمالي قال
قلت لأبي جعفر (ع) في المسجد الحرام لأي شئ سماه الله العتيق قال ليس من بيت وضعه الله على
وجه الأرض الا له رب وسكان يسكنونه غير هذا البيت فإنه لا يسكنه أحد ولا رب له
الا الله وهو الحر فسمى عتيقا وغير ذلك من الاخبار وهكذا بيت قلب الكامل لا تصافه بصفة الحرية
عن رق الأكوان ويناسب المقام ذكر بعض اسرار الحج على ما ذكره بعض العارفين الفاحصين عن اسرار الشريعة
فالحج في التحقيق عبارة عن قصد حرم الجلال بالسير عن أطوار النفس إلى العقل حتى تشاهده وتلتحق فلا بد
من قايد عالم بالطريق عارف بعلم الطريقة وقافلة هي اخوان التجريد وزاد هو العلم والتقوى وراحلة هي
الصبر فان حال السالك لا بد ان يكون كحال الجمل فإنه يحمل الثقيل ويأكل القليل ويصبر على الجوع وقلة الهجوع
100

ويحتمل العطش والنصب وطول السير وشدة التعب وينقاد للصغير والكبير ويقنع شوك القتاد وكذا السالك
قليل الكلام كثير الصيام لا يظهر عليه في كثرة العمل شئ من الملل إلى ساعة الاجل فلابد للسالك إلى درب الحج
الاقلاع عن الذنوب والخروج عن الطباع البشرية والانفصال عن الاحكام الدنياوية والاعتبار من
خلق الله والرياضة في الخلوة والانفراد وملاقاة رجال الله وزيارة اثار الأنبياء والأولياء والصالحين و
تكميل العبادات المفروضة ولكل من اعمال الحج حقيقة فاما الاحرام فهو التجرد بطرح ملابس الأوهام ولبس
شعار الذل وخلع الدنيا ولبس الآخرة وحل أمور كثيرة وعقد غيرها مع الله والوفا بتلك المعاهدة وليستحضر
عند لبس ثوب الاحرام درجه في الكفن ويوم البعث والتسربل بأنوار الله واما التلبية فهى إجابة نداء
الحق تعالى ان هلموا فمنهم من سمع وفهم وأجاب وهم أرباب الحقايق والمعارف والحكم واللطايف ومنهم
من سمع ولم يفهم وهم أهل العقايد المختلفة فيمضون إلى الحج ولا يعلمون ما وراء ذلك ومنهم من فهم الخطاب
بلا نداء وهم الخاصة أهل الكشف والتحقيق ومنهم من لم يسمع الندا ولم يفهم الخطاب وهم المحجوبون والجهال
الذين هم عن السمع لمعزولون وكلما صعد جبلا أو نزل واديا تذكر حال الوصول فأجاب الداعي ولبى وليكن
في الإجابة بين خوف ورجاء مفوضا امره إلى الله متوكلا على فضله روى أنه حج مولانا زين العابدين (ع)
فلما أحرم واستوى على راحلته أصفر لونه ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع ان يلبى فقال اخشى أن يقول
لا لبيك ولا سعديك فلما لبى غشى عليه وسقط عن راحلته فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى
حجه أيقظنا الله تعالى عن رقدة الغفلات فان الامر عظيم والخطب جسيم وليتذكر عند إجابة نداء الله سبحانه
إجابة ندائه بالنفخ في الصور وحشر الخلايق من القبور وازدحامهم في عرصات القيمة مجيبين ندائه منقسمين
إلى مقربين وممقوتين ومقبولين ومرددين في أوائل الامر بين الخوف والرجا تردد الحاج في الميقات
حيث لا يدرون أيتيسر لهم اتمام الحج وقبوله أم لا واما ترك الصيد فلانه ميت والميت لا حراك
له وعروض الصيد له هي الخواطر المعترضة فلا يعتنى بها حتى يتخلص منها فان صاد كان حيا فاحتاج
إلى القرابين وان عبث كان ضعيفا في المراقبة مع الله والحضور بين يديه واما دخول مكة فهو
الدخول إلى ملكوت السماوات والاتصال بالعوالم العقلية التي هي السرادقات الجلالية النورية
وليستحضر في قلبه انه قد انتهى إلى حرم الله وله ح أمان بدخوله من عقاب الله ومن دخله كان
أمنا وليخش ان لا يكون من أهل القرب وليكن رجاؤه أغلب فان الرحمة واسعة وليتذكر
101

ان هذا الحرم مثال للحرم الحقيقي وانه يرزقه الله تعالى الدخول في ذلك الحرم والنظر إلى وجهه الكريم
ومشاهدة الملائكة المقربين فدخول مكة إشارة إلى معرفة الانسان نفسه فمن وصل إلى مكة ينبغي ان
يصل إلى معرفة نفسه وعند الوصول والتعريف يقطع التلبية مراعاة للأدب والاحترام ويستعمل
هناك السكينة والوقار الا بذكر الله تطمئن القلوب واما الطواف فهو في الحقيقة طواف
القلب بالحضرة الربوبية شد عيد قربان جان من برخيز وكن قربانيم * بر كرد سركردان مرا تا چند سر كردانيم
وفى استدارته إشارة إلى أن السير في الله لا نهاية له حيث إن المستدير لا بداية له ولا نهاية
وكونه سبعة باعتبار المراتب السبع من الطبع والنفس والقلب والروح والسر والخفى والأخفى وفيه تشبه
بالسموات السبع وليستحضر به التشبه بالملائكة المقربين الحافين حول العرش والى هذه الموازنة
وقعت الإشارة في الاخبار ان البيت المعمور في السماء بإزاء الكعبة وان طواف الملائكة به كطواف الانس
بهذا البيت ولما قصرت مرتبة أكثر الخلق عن نيل ذلك الطواف امروا بالتشبه لعلهم يصيروا في قوة
المشبه به والذي يبلغ تلك المرتبة فهو الذي يقال إن الكعبة يزوره ويطوف به كما رآه بعض
المكاشفين لبعض أولياء الله واما استلام الحجر فليستحضر بقلبه انه مبايع لله على طاعته مصمم عزيمته
على الوفا ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسوف يؤتيه اجرا عظيما
ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه كما يصافح الرجل أخاه
ولذلك يقول الانسان عند استلامه كما في المأثور أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي عند
ربك بالموافاة يوم القيمة وفى كينونة أصله انه ما كان اخبار كثيرة من شاء الاطلاع فليرجع إلى كتب
الاخبار والصافي واما السعي بين الصفا والمروة في فناء البيت فهو مثال تردد العبد بفناء دار الملك
جائيا وذاهبا مرة بعد أخرى اظهار اللخلوص في الخدمة ورجاء لملاحظته بعين الرحمة والعناية
كالذي دخل على الملك وخرج وهو لا يدرى ما الذي يقضى الملك في حقه من قبول أو رد فيكون
تردد رجاء ان يرحمه في الثانية ان لم يكن رحمه في الأولى وليتذكر عند تردده بين الصفا
والمروة تردد بنى كفتى الميزان في عرصة القيمة وليمثل الصفا بكفة الحسنات والمروة بكفة السيئات
وليتذكر تردد بين الكفتين ملاحظا للرجحان والنقصان مترددا بين العذاب والغفران واما الوقوف
بعرفه فليتذكر بما يرى من ازدحام الناس وارتفاع الأصوات واختلاف اللغات واتباع الفرق
102

أئمتهم عرصات القيمة واجتماع الأمم مع الأنبياء والأئمة واقتفاء كل أمة اثر نبيها وامامها وغير
ذلك وإذا تذكر ذلك فليلزم قلبه التضرع والابتهال إلى الله ان يحشره في زمرة الفائزين وليكن
رجاؤه أغلب فان الموقف شريف والرحمة انما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلق بواسطة
النفوس الكاملة من أوتاد الأرض ولا يخلو الموقف عن طايفة منهم ومن المرحومين ومن الابدال
والأوتاد وطوايف من الصالحين فإذا اجتمعت هممهم طالبين للرحمة فلا تظنن انه يمنعهم عن رحمته
ويلوح لك ان اجتماع الأمم بعرفات والاستظهار بمجاورة الابدال والأوتاد المجتمعين من أقطار الأرض
والبلاد هو السر الأعظم من الحج فلا طريق إلى استنزال الرحمة من الله أعظم من اجتماع الهمم وسأل الصادق (ع)
لم صير الموقف بالمشعر ولم يصير بالحرم فقال لان الكعبة بيت الله والحرم حجابه فلما ان قصده
الزايرون وقفهم بالباب حتى اذن لهم بالدخول ثم وقفهم بالحجاب الثاني وهو مزدلفه
فلما نظر إلى طول تضرعهم امرهم بتقريب قربانهم فلما قربوا قربانهم وقضوا تفثهم و
تطهروا من الذنوب التي كانت لهم حجابا دونه امرهم بالزيارة على الطهارة قال فقلت
لم كره الصيام في أيام التشريق فقال لان القوم زوار الله وهم في ضيافته ولا ينبغي للضيف
ان يصوم عند من زاره واضافه قال قلت فالرجل يتعلق بأستار الكعبة ما يعنى بذلك قال
مثل الرجل يكون بينه وبين الرجل جفاية فيتعلق بثوبه ويستحذى له أي يخضع ويتذلل
له رجاء ان يهب له جرمه وقريب من ذلك عن مولانا أمير المؤمنين (ع) واما الهرولة في وادى
محسر فهى فرار النفوس من عيوبها واما الرمي فالجمرات الثلث هي النفوس الثلث الامارة
والممولة واللوامة وهي الفحشاء والمنكر والبغي أئمة الأباطيل والفتن والقبايح اضداد الروح والعقل
والنفس فإلقاء الحجارة عليها تقريع لها على أفعالها بل نفس أفعالها وعقايدها الفاسدة يضرب على
رؤسها ويرد إليها فإنها كالحجارة الجامدة لا فايدة فيها فوجب على السالك طرحها ورميها على من
أنشأها وجعلت اثنين وسبعين بعد والفرق فإذا شوهد دين الله الواحد طرح ما عداه أو ان المقصود
من الرمي والتهرول ونحو هما محض اظهار الرقية والعبودية كما قيل إن بمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرق
بخلاف ساير العبادات كالزكاة التي هي احسان مستحسن وللعقل إليه سبيل والصوم الذي هو كسر الشهوة
التي هي عدو الله وتفرغ للعبادة بالكف عن الشواغل وكالركوع والسجود في الصلاة التي هي تواضع لله
103

وللنفوس انس بتعظيم الله واما أمثال الرمي والتهرول فلا اهتداء للعقل إلى اسرارها فلا يكون في الاقدام
عليها باعث غير الامر المجرد وقصد الامتثال وفيه عزل للعقل عن تصرفه وتصريف النفس والطبع عن محل
انسه المعين على الفعل فان كلما أدركه العقل وعرف وجه الحكمة في فعله مال الطبع إليه ميلا ما فيكون ذلك
الميل معينا للامر وباعثا على الفعل فلا يكاد يظهر كمال الرق والانقياد أقول منظور هذا القايل ان المصالح
في الافعال الشرعية بعضها واضح وبعضها خفى وبعضها اخفى لا يهتدى إليها أكثر العقول والا فأوامر الحكيم
ونواهيه كلها ذوات حكم ومصالح وكلمات العلماء مشحونة بذلك مثل علل فضل بن شاذان وغيره كيف
وعقلية الحسن والقبح تشهد بذلك وسنبين انشاء الله تعالى وأيضا منظوره قصد القربة المحضة والاخلاص
الصرف بان لا يقصد العامل إلا هو ولا يقصد لا عوضا ولا شيئا غير جنابه ويكون التقرب به داعى فعله والا
فحيث لا داعى لا يتصور فعل والامتثال لأي داع والعقل يبعث عليه فكيف يكون معزولا واما ذبح الهدى
فالغرض منه فصل الحيوانية عن الانسانية وقتلها اقتلوا أنفسكم ان الله اشترى من المؤمنين
أنفسهم بان لهم الجنة كر بر سر كوهى عشق ما كشته شوى * شكرانه بده كه خوبنهاى تو منم
هذا بعض اسرار الحج الذي قال بعضهم انه الرهبانية المباحة في هذه الأمة فذكر انه لا وصول إلى الله الا
بتنحية ما عداه عن القصد من المشتهيات البدنية واللذات الدنيوية والتجرد في جميع الحالات والاقتصار
على الضروريات ولهذا انفرد الرهبان في الاعصار السالفة عن الخلق في قلل الجبال توحشا عن الخلق
وانسا بالحق واعرضوا عن جميع ما سواه ولذلك مدحهم بقوله تعالى ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا
وانهم لا يستكبرون فلما اندرس ذلك واقبل الخلق على اتباع الشهوات والاقبال على الدنيا
والالتفات عن الله بعث نبيه محمد صلى الله عليه وآله لاحياء طريق الآخرة وتجديد سنة المرسلين فسئله أهل الملل
عن الرهبانية المباحة في دينه فقال ابدلنا بها الجهاد والتكبير على كل شرف يعنى الحج انتهى يا رب
الشهر الحرام وهو أربعة أشهر كما قال تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في
كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ثلثة متوالية للحج وهي شوال وذو القعدة
وذو الحجة وشهر مفرد للعمرة وهو رجب وقدم حرم الله القتال في الثلاثة للحج وفى رجب للاعتمار لكثرة فضيلته
فيه وباطن الشهر الحرام الشهر الذي هو ميقات الوصول وقد حرم فيه القتال مع الأعداء الذين في باطن النفس
لحرمة الاشتغال بالغير في ذلك الميقات كما نقل ان عارفا سئل عن عارف فيم أنت من المقامات فقال
104

في مقام الصبر ثم بعد سنين متطاوله صادفه وسئله فيم أنت فأجاب بمقام اخر كالرضا مثلا فقال إذا
كنت طول عمرك مشتغلا بنفسك فمتى تشتغل بالله ومقصوده ليس منع الاشتغال بتهذيب النفس
بل المقصود هو التخطي بسرعة كما قال النبي صلى الله عليه وآله سيروا فقد سبق المفردون وورد ان بعض النفوس يمرون
على الصراط كالبرق اللامع وكونه أربعة بعدد التجليات يا رب البلد الحرام وهو مكة وباطنه
صورة الانسان الكامل الذي قلبه بيت الحرام الذي فيها يا رب الركن والمقام أي الركن
اليماني والعراقي والشامي والمغربي والمقام مقام إبراهيم (ع) وهو الحجر الذي عليه اثر قدمه (ع) وباطن الأركان
أصول الايمان التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد وباطن المقام التثبت في الملة الحنيفية المنسوب
إلى إبراهيم (ع) ويظهر من الاخبار ان الركن اليماني له اختصاص بالأئمة وشيعتهم ولا يعرف فضله الا الأئمة
وشيعتهم فارى ان باطنه الولاية وهو صورتها ففي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) الركن اليماني باب من أبواب
الجنة لم يغلقه الله منذ فتحه وفى رواية أخرى بابنا إلى الجنة الذي منه ندخل وروى
الكليني في الصحيح عن أبي أسامة عن أبي عبد الله قال كنت أطوف مع أبي عبد الله (ع) فكان إذا انتهى إلى
الحجر مسحه بيده وقبله وإذا انتهى إلى الركن اليماني التزمه فقلت جعلت فداك تمسح الحجر بيدك وتلزم
اليماني فقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما أتيت الركن اليماني الا وجدت جبرئيل (ع) قد سبقني
إليه يلتزمه وعن أبي الفرج السندي عن أبي عبد الله (ع) قال كنت أطوف معه بالبيت
فقال أي هذا أعظم حرمة فقلت جعلت فداك أنت اعلم بهذا منى فأعاد على فقلت
له داخل البيت فقال الركن اليماني على باب من أبواب الجنة مفتوح لشيعة آل محمد
مسدود من غيرهم وما من مؤمن يدعو بدعاء الا صعد دعاؤه حتى يلصق بالعرش ما
بينه وبين الله حجاب وعن أبي الحسن (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله طاف بالكعبة حتى إذا بلغ الركن
اليماني رفع رأسه إلى الكعبة فقال الحمد لله الذي شرفك وعظمك والحمد لله الذي بعثني نبيا وجعل عليا
إماما اللهم اهد له خيار خلقك وجنبه شرار خلقك يا رب المشعر الحرام لعل المراد به ما يعم
عرفات لأنه أيضا مشعر العبادة ويطلق على هذا المعنى كثيرا كما في الحديث السابق يا رب المسجد
الحرام نسبته إلى البيت نسبة الصدر المعنوي إلى القلب المعنوي يا رب الحل والحرام أم أي ما يحل
فعله سواء كان مع المنع من الترك وهو الواجب أو مع جواز الترك على مرجوحية وهو المندوب أو على
105

راجحية وهو المكروه أو على مساواة وهو المباح فالمراد بالحل الجواز بالمعنى الأعم من الجواز بمعنى التساوي
للطرفين أعني ما هو الجنس له وللثلاثة الأخرى وما يحرم فعله هو الحرام وهذه هي الأحكام الخمسة الشرعية
وتسميتها شرعية ليس معناها انها ليست عقلية بل إن الشرع كاشف عن احكام العقل كما هو قاعدة
التحسين والتقبيح العقليين إذ قد اختلف في حسن الأشياء وقبحها انهما عقليان أو شرعيان
فذهب الحكماء والامامية والمعتزلة إلى الأول والأشاعرة إلى الثاني ثم إن المعتزلة اختلفوا فذهب الأقدمون منهم
إلى أن حسن الافعال وقبحها لذواتها لا لصفات فيها وذهب بعض من قدمائهم إلى اثبات صفة حقيقية توجب
ذلك مطلقا في الحسن والقبح جميعا وذهب أبو الحسين من متأخريهم إلى هذا في القبح دون الحسن فقال لا حاجة فيه إلى
صفة محسنة بل يكفى انتفاء الصفة المقبحة وذهب الجبائي إلى أن ليس حسن الافعال وقبحها لصفات حقيقية فيها
بل لوجوه اعتبارية وصفات اضافية يختلف بحسب الاعتبارات كما في لطمة اليتيم تأديبا وظلما والمراد من كون الحسن
والقبح عقليين ان العقل يمكنه ان يفهم ان الفعل الفلاني ممدوح في نفس الامر والاخر مذموم وان لم يرد به الشرع
الأنور أو يمكنه ان يفهم الجهة التي حسن بها الفعل فامر به أو قبح فنهى عنه إن كان بعد ورود الشرع وعدم فهمه جهات الحسن
والقبح في بعض الأفعال لا يقدح في عقليتهما لأنه يعلم اجمالا انه لو كان خاليا عن المصلحة أو المفسدة لقبح عن الحكيم
طلب فعله أو تركه والمراد من كونهما شرعيين انه لا يمكن.. ادراك الحسن والقبح وان فاعل هذا يستحق المدح وفاعل
ذاك يستحق الذم ولا ادراك جهات الحسن والقبح في فعل من الا فعال لاقبل ورود الشرع ولا بعده وقد يقال
المراد بالعقلية اشتمال الفعل على الجهة المحسنة والمقبحة سواء أدرك العقل تلك الجهة أم لا وبالشرعية خلاف
ذلك فعلى العقلية الشرع كاشف ومبين للحسن والقبح الثابتين له في نفس الامر ولا يجوز في الفعل الذي
أمر به ان ينهى عنه في ذلك الوقت بعينه ولا فيما نهى عنه ان يؤمر به كذلك نعم يجوز إذا اختلف الوقت
كما في صورة نسخ الاحكام وعلى الشرعية الشرع هو المثبت له لا الكاشف وليس الحسن أو القبح عايدا إلى أمر
حقيقي في الفعل قبل ورود الشرع ويجوز التعاكس المذكور ولا علاقة لزومية بين الصلاة مثلا ودخول الجنة
ولا بين اكل أموال اليتامى واكل النار في البطن ولذا لو ادخل الله العبد المؤمن العابد الزاهد النار والكافر
المشرك الجنة لجاز عند أصحاب هذا المذهب بخلافه على مذهب التحقيق فان العلاقة اللزومية ثابتة بين
الأفعال الحسنة والصور الملذة وبين الافعال القبيحة والصور المؤلمة كما في الكتاب المجيد جزاء بما كنتم تعملون
جزاء بما كنتم تكسبون ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا
106

وغير ذلك من الآيات الكثيرة وقوله صلى الله عليه وآله انما هي أعمالكم ترد إليكم كر زدستت رفت ايثار زكاة
ميشود أين جوى شير آب نبات وقولهم بنفي السببية والمسببية وجرى عادة الله باطل وإذا عرفت ذلك
فاعلم أن الحق هو عقلية الحسن والقبح للعلم الضروري باستحقاق المدح على العدل والاحسان والذم على
الظلم والعدوان وهذا العلم حاصل لكل عاقل وان لم يتدين بدين ولهذا يحكم به منكر الشرايع أيضا كالبراهمة
وأيضا العلم بحسن ما حسنه الشارع أو قبح ما قبحه يتوقف على أن الكذب قبيح لا يصدر عنه وان الامر بالقبيح
والنهى عن الحسن سفه وعبث لا يليق به وذلك إما بالعقل والتقدير انه معزول واما بالشرع فيدور
وقد وجه الأشاعرة مذهبهم بتحرير محل النزاع وتثليث معان الحسن والقبح الأول صفة الكمال وصفة النقص
والثاني موافقة الغرض ومخالفته المعبر عنهما بالمصلحة والمفسدة وهذان مدركهما العقل عندهم أيضا والثالث
استحقاق الثواب والعقاب من الله في احكامه وهذا المعنى محل النزاع وليس عقليا عند الأشاعرة
فيجيبون عن الأول بان جزم العقلا بالحسن والقبح في الأمور المذكورة أعني العدل والاحسان ومقابلهما
بمعنى الملائمة للغرض والمنافرة له أو صفة الكمال والنقص مسلم لكن لا نزاع فيهما وبالمعنى المتنازع فيه مم
واستشكله بعض من القائلين بالعقلية وأنت خبير بسهولة اندفاعه فان صفة الكمال وصفة النقص وموافقة
الغرض وذالفته إذا كانت في الأفعال الاختيارية رجعت إلى الممدوحية والمذمومية والمدح والذم أعم
من أن يكونا من قبل العقلا أو من قبل الله تعالى واستحقاق مدحه تعالى وذمه استحقاق ثوابه وعقابه فكون الاحسان
مثلا حسنا بمعنى كونه صفة كمال مثلا معناه استحقاق فاعله المدح ومن جملته مدح الله تعالى واستحقاق ثوابه
فإذا اعترفتم بعقلية حسن الاحسان وممدوحية فاعله عند العقل بمعنى صفة الكمال أو موافقة الغرض لزمكم الاعتراف
بعقلية بمعنى ممدوحية فاعله عند الله تعالى إذ كل ما هو ممدوح أو مذموم عند العقل الصريح بالضرورة أو بالبرهان
الصحيح فهو ممدوح أو مذموم في نفس الامر والا لتعطل العقل ولتطرق الطريقة السوفسطائية وكل ما هو ممدوح
أو مذموم في نفس الامر فهو ممدوح أو مذموم عند الله والا لزم جهله بما في نفس الامر تعالى عن ذلك علوا كبيرا
على أن منع جزم العقلا بالحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه في المذكورات مكابرة غير مسموعة وقد يستشكل دعوى
الضرورة في القضية القائلة بان العدل حسن والظلم قبيح بان الحكماء جعلوهما من المقبولات العامة التي
هي مادة الجدل فجعلهما من الضروريات التي هي مادة البرهان غير مسموع والجواب ان ضرورة هذه الأحكام
بمرتبة لا يقبل الانكار بل الحكم ببداهتها أيضا بديهي غاية الأمر ان هذه الأحكام من العقل النظري بإعانة
107

العقل العملي بناء على أن فيها مصالح العامة ومفاسدها وجعل الحكماء إياها من المقبولات العامة ليس للغرض
منه الا لتمثيل للمصلحة أو المفسدة العامتين المعتبر فيه قبول عموم الناس لا طايفة مخصوص وهذا غير مناف
لبداهتها إذا القضية الواحدة يمكن ان تدخل في اليقينيات والمقبولات من جهتين فيمكن اعتبارها في
البرهان والجدل باعتبارين ثم إن الحق في النزاع الثاني من الذاتية وغيرها قول الجبائي من كون الحسن والقبح
لوجوه واعتبارات وإضافات كما اختاره الشيخ المحقق البهائي العاملي قدس سره العزيز في زبدة الأصول وحواشيه
إذ لو كانا ذاتيين لما اختلفا سواء استند إلى نفس الذات أو إلى صفة لازمة لها والتالي باطل فان الكذب
قد يحسن والصدق قد يقبح وذلك إذا تضمن الكذب ايقاذ النبي من الهلاك والصدق اهلاكه وقولهم إن الكذب
في الصورة المذكورة باق على قبحه وكذا الصدق على حسنه الا ان ترك انجاد النبي أقبح منه فيلزم ارتكاب
أقل القبيحين تخلصا عن ارتكاب الأقبح قبيح إذ الكذب ها هنا واجب لتخليص النبي صلى الله عليه وآله وكل واجب لا بد له من جهة
محسنة فإن كان حسنا بالنسبة إلى التخليص فآل الامر إلى الوجوه والاعتبارات وأيضا لو كانا ذاتيين لزم
اجتماع النقيضين فان من قال اكذب غدا لو صدق في أحد كلاميه اليومي والغدي لكان حسنا لصدقه وقبيحا
لاستلزامه الكذب وليت شعري كيف يكونان ذاتيين للمهيات وهي تعقل بدونهما فان المهية من حيث هي ليست
الا هي أو للوجود ولا اسم ولا رسم لحقيقته ولعل مرادهم بالذاتي ما يقابل الغريب كما هو المستعمل في قولهم
العرض الذاتي للموضوع ما يلحقه لذاته لا ما هو المستعمل في باب الكليات الخمس وليسا ذاتيين بهذا المعنى أيضا
كما لا يخفى ويمكن التوفيق بين الرأيين بكونهما ذاتيين للأفعال مع الاعتبارات والإضافات كما في لطمة اليتيم
مع حيثية التأديب أو مع حيثية العدوان وشرب الخمر مع التداوي أو التشهي وظهر من نفى القول بالذاتية
حال الباقي وملاك الامر عند الأشاعرة في القول بالشرعية قولهم بالجبر وان العبد مضطر في فعله والافعال
الاضطرارية لا توصف بالحسن والقبح عند العقل وسيأتى الكلام فيه عن قريب وان اختلج بوهمك الجمع بين المذهبين
بان مراد من نفى عقليتهما ان العقل الجزئي لا يفهم الحسن والقبح أو جهتيهما بل الشرع أي العقل الكلى يدرك
الكل فأزحه بما تلونا عليك ان مدرك العقل الجزئي بالضرورة أو بالنظر الصحيح مطابق لنفس الامر والمتكفل
لإبانة صحته وسقمه هو علم الميزان وأيضا الأشعري يصرح بنفي الجهة المحسنة والمقبحة وبجواز ان يأمر الشارع
بما نهى عنه أو نهى عما أمر به في شئ واحد بشخصه ووقت واحد بعينه وأنت قد ذكرت ان هنا جهة محسنة
أو مقبحة ولكن لا يدركهما عقولنا فأين هذا من ذاك وبالجملة هذه مسألة عظيمة معركة للآراء يبتنى عليها
108

كثير من مسائل الكلام والأصول وعليها مدارها وهي قطب رحاها فليعذرني اخواني ان بسطت القول
فيه قليل بسط يا رب النور والظلام بيان حقيقة النور وان ناسب هذا الموضع لكنه انسب بالفصل
المبتدء بنور النور إذ هناك اطلق عليه تعالى بخلافه هنا وأيضا ذلك الفصل جميع أسمائه موشح بالنور فهو
انسب بعقد فصل لبيان النور يا رب التحية والسلام كما في الدعاء اللهم أنت السلام ومنك
السلام ولك السلام واليك يعود السلام ولما قال تعالى انما المؤمنون اخوة وقال
في موضع اخر منه ولا تنسوا الفضل بينكم امرنا بالحية والسلام من بعضنا على بعض ولما كان
الخيرات يبديه فالتحية والسلام يعود ان إليه فهو ربهما وصاحبهما ولما كان المسلم والمسلم عليه وجودا والوجود
خير محض ولا بد ان يكونا متخلقين باخلاق الله السلام المؤمن على كل أحد وجب ان يكون كل واحد سلاما على
صاحبه ويكون فعله كقوله سلاما بل وجوده وذاته سلاما ولهذا أحد معاني قولنا سلام عليك ان السلام
المؤمن المهيمن محيط عليك وأنت مظهره يا رب القدرة في الأنام رب الدار صاحبها أي يا صاحب
القدرة التي في الخلايق اختلفوا في أن أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرتهم واختيارهم أم هي واقعة
بقدرة الله تعالى مع الاتفاق على انها أفعالهم لا أفعاله إذ القائم والقاعد والاكل والشارب وغير ذلك هو الانسان
مثلا وإن كان الفعل مخلوقا لله تعالى فان الفعل انما يسند إلى من قام به لا إلى من أوجد فقال الشيخ أبو الحسن
الأشعري ان أفعال العباد كلها بقدرة الله مخلوقة له ولا تأثير لقدرة العبد في مقدوره أصلا بل الله سبحانه
اجرى عادته بان يوجد في العبد قدرة واختيارا ويوجد فعله المقدور مقارنا لهما فيكون فعل العبد مخلوقا
لله تعالى ابداعا واحداثا ومكسوبا للعبد والمراد بكسبه إياه مقارنته لقدرته وارادته من غير أن يكون فيه
تأثيرا ومدخل في وجوده سوى كونه محلا له وقد يمثل أمر الكسب بحمال يحمل شيئا ويذهب به ويضع اخر يده
تحت الشئ المحمول من غير أن يكون لقوته وقدرته مدخلية في الحمل له والذهاب به بل مجرد ان لو لم
يحمل الحمال لحمل هو ولكن قد جرت عادة الحمال بحمله فهكذا يقولون إن الله تعالى اجرى عادته بخلق
الفعل مقارنا لقدرتنا وارادتنا من غير أن يكون لهما مدخلية فيه وبهذا الكسب يصححون الثواب
والعقاب وغير هما وظاهر ان مجرد المقارنة مع عدم المدخلية والوقوع بمحض إرادة الله تعالى و
قدرته جبر محض وقد التزمه هو وأصحابه وقال القاضي أبو بكر ان ذات الفعل واقعة بقدرة الله تعالى وكون
الفعل طاعة كالصلاة ومعصية كالزنا صفات للفعل بقدرة العبد وقال امام الحرمين وأبو الحسين البصري
109

ان أفعال العباد واقعة بقدرة خلقها الله تعالى في العبد فهو تعالى يوجد في العبد القدرة والإرادة ثم تلك
القدرة والإرادة يوجبان وجود المقدور وقال أستاذ هم أبو إسحاق الأسفرايني المؤثر في الفعل مجموع
قدرة الله تعالى وقدرة العبد وقالت المعتزلة العبد فاعل مستقل في الايجاد بلا مدخلية لإرادة الله سبحانه
في فعل العبد سوى انه تعالى أوجد العبد وجعله صاحب إرادة مستقلة يفعل ما يشاء ويترك ما يريد وهذا
أيضا تفويض محض وتشريك في الخالقية وفيهم ورد ان القدرية مجوس هذه الأمة والله سبحانه
أعز وأجل من أن يجرى في ملكه شئ بغير ارادته كما ورد عن النبي (ص ع) ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
وقد حكى انه دخل القاضي عبد الجبار دار الصاحب ابن عباد فرأى الأستاذ أبا إسحاق الأسفرايني فقال
سبحان من تنزه عن الفحشاء فقال الأستاذ سبحان من لا يجرى في ملكه الا ما
يشاء وقال الحكماء والامامية لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الامرين وهو الحق الذي لامرية فيه
ولا شبهة تعتريه وهو المأثور عن أئمتنا الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين وتمسك الأشاعرة بوجوه
منها ان ترك الفعل من العبد ان امتنع حال الفعل كان العبد مجبورا فلا يكون الفعل باختياره وان لم
يمتنع احتاج فعله إلى مرجح موجب فان ترجيح أحد طرفي الممكن لا بمرجح ممتنع ولا يكون ذلك المرجح الموجب
من العبد لأنه لو كان من العبد يعود التقسيم فيه ولا يتسلسل بل ينتهى له محالة إلى مرجح موجب لا يكون
من فعله ولا يصدر باختياره ويلزم الجبر وأجيب بان المعتزلة يقولون معنى الاختيار هو استواء طرفين
بالنسبة إلى القدرة وحدها وهذا لا ينافى وجوب أحدهما بسبب الإرادة فمتى حصل المرجح وهو الداعي
وتعلق الإرادة الجازمة وجب الفعل ومتى لم يحصل امتنع وهذا غير مناف للقدرة فان القادر هو الذي
يصح منه الفعل والترك قبل تحقق الداعي ومع قطع النظر عن الإرادة ولهذا قالوا الوجوب بالاختيار لا ينافى
الاختيار بل يحققه ومنها ان العبد لو كان موجد الفعله باختياره لكان عالما بتفاصيله إذ الايجاد
بالاختيار من غير علم بتفاصيل الفعل لا يتصور ولهذا صح الاستدلال بفاعلية العالم على عالمية
الفاعل ولان القصد الكلى لا يكفى في حصول الجزئي لان نسبة الكلى إلى جميع الجزئيات على السواء فليس حصول
بعضها أولي من حصول بعض اخر فيجب ان يتحقق قصد جزئي والقصد الجزئي مشروط بالعلم الجزئي فثبت
انه لو كان موجدا لفعله باختياره لكان عالما بتفاصيله والتالي باطل لان الماشي يقطع مسافة معينه
من غير شعور له بتفاصيل الأجزاء التي بين المبدء والمنتهى والناطق يأتي بحروف مخصوصة على نظم مخصوص
110

من غير شعور بمخارجها ولا بالهيئات والأوضاع التي يكون لتلك المخارج عند الاتيان بتلك الحروف
وغير ذلك وأجيب بان الايجاد ولا يستلزم علم الموجد بالموجد ولا يلزم نفى عالمية الله تعالى لان مثبتي
العالمية لا يستدلون بالايجاد عليها بل باحكام الفعل واتقانه نعم الايجاد مع القصد مستلزم للعلم لكن
يكفى العلم الاجمالي ومنها ان الله تعالى ان علم وقوع فعل العبد وجب وقوعه وان علم لا وقوعه امتنع
فلا يكون مقدورا له وأجيب بنفي علية العلم وههنا كلام وذكروا غير ذلك طويناه واحتجب المعتزلة
على مطلوبهم بالمعقول والمنقول إما المعقول فهو ان العبد لو لم يكن مختارا أي متمكنا من الفعل والترك لقبح
تكليفه وبيان الملازمة كبطلان التالي ظاهر واما المنقول فكقوله تعالى من عمل صالحا فلنفسه وقوله تعالى من
يعمل سوء يجز به وقوله تعالى كل امرء بما كسب رهين وقوله تعالى من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
وقوله اعملوا ما شئتم وغير ذلك مما لا يحصى وعورض بالآيات الدالة على أن جميع الأفعال بخلق
الله تعالى كقوله تعالى الله خالق كل شئ وقوله والله خلقكم وما تعملون وقوله تعالى كل من عند الله
وهي أيضا لا تحصى كثرة والكتب الكلامية مشحونة بذكر السمعيات من الطرفين وهؤلاء كلهم أو جلهم
ينادون من مكان بعيد واما بيان الامر بين الامرين لمن له قلب أو القى السمع وهو شهيد فهو بمقتضى ان ذوات
الأسباب لا يعرف الا بأسبابها يتوقف على معرفة كيفية ارتباط الخلق بالخالق ومعية وجه الله
ووجه النفس ونحو وجود المهية والكلى الطبيعي إذ الايجاد فرع الوجود فما لم يعلم أنه كيف وجود الممكن لم يعلم أنه
كيف ايجاده فمن يسئل عن انه كيف يفعل ويؤثر الممكن وأي نسبة لفعله واثره إلى فعل الواجب واثره
فاللايق بحاله ان يعلم أولا انه كيف يكون وجود مبدئي الاثرين وانه أي نسبة لوجود الممكن إلى وجوده تعالى
وإن كان هو تعالى لا نسبة له إلى غيره بل الأشياء منتسبات إليه فنقول لعلك سمعت مرارا ان فعله تعالى
هو الوجود المنبسط الذي في كل بحسبه والنور الفعلي الذي استشرقت به سماوات الأرواح وأراضي
الأشباح وأولو الاختيار والاستشعار وذوي الاضطرار متساوية الاقدام في ذلك وانه واحد
بالوحدة الحقة الظلية كما أن فاعله واحد بالوحدة الحقة الحقيقية فلا ثاني له فيكون ذلك الفعل الواحد
بوحدته كل الافعال والا لزم تناهيه وتناهى الفعل والعكس كاشف عن تناهى الفاعل والعاكس
من حده فقد عده وهو موجود غير فقيد ألم تر إلى ربك كيف مد الظل واهل العقل حيث يقولون
بجعل الوجود أو المهية أو الاتصاف لا يخصصون بذلك ذوي الاختيار أو غيرهم ولا ذواتهم
111

وافعالهم فان علة الحاجة عامة للجواهر والاعراض ولا يعطى الوجود الا ما هو برئ من كل الوجوه
مما بالقوة وكل الأشياء سواسية الحضور في علمه تعالى وعلمه فعلى وكيف لا وهو ذاتي فالوجود كلا من
صقع الربوبية والتقرر طرا من إقليم الإلهية آفتاب وجود كرد اشراق * نور اوسر بسر كرفت آفاق
وبهذا النظر قل كل من عند الله فإذا تقيد هذا لوجود المطلق عن الاطلاق وتنزل عن مقام الوحدة
وتكثر بتكثر الموضوعات وتخصص بإضافته إلى الأعيان والمهيات تحقق موجودات متشتتات متفرقات
وصدق نسبة الوجود إلى الممكنات كما حق نسبته إلى الحق الإضافي الذي هو من صقع الحق الحقيقي إذ الحق
وجود الكلى الطبيعي أعني الذات المعروضة للكلية والجزئية العارية في نفسها عنهما وإن كان بواسطة الشخص
الذي هو نحو من الوجود لا وساطة في الثبوت بل وساطة في العروض كوساطة الفصل لتحصل الجنس فإنه
المهية لا بشرط والمهية لا بشرط التي هي مقسم للماهية المطلقة والمجردة والمخلوطة موجودة كيف والمخلوطة التي
هي من أقسامها موجودة والمقسم يحمل على القسم والحمل هو الاتحاد في الوجود فالطبيعي موجود بلا شايبة تجوز نعم
لا نبالي باطلاق المجاز البرهاني والعرفاني على وجه يعرفه الراسخون في الحكمة المتعالية فاذن ثبت ان كل وجود
ذو وجهين وجه إلى الرب ووجه إلى النفس وكذلك فعل ذلك الوجود واثره اللاحق له فإنه أيضا موجود
من الموجودات وكل موجود ممكن زوج تركيبي فهذا الفعل والأثر وجهه إلى الرب مستند إلى وجه ذلك الوجود
إلى الرب ووجهه إلى النفس إلى وجهه إلى النفس الطيبات للطيبين والخبيثات للخبيثين ان تصبك
حسنة فمن الله وان تصبك سيئة فمن نفسك وفى الحديث القدسي يا بن ادم انا أولي
بحسناتك منك وأنت أولي بسيئاتك منى وانما كان هو أولي بحسناتك لا مختصا
بها لأنها بما هي مضافة إليك مثل السيئات لا تليق بجنابه إذ الفعل بما هو مقيد وباعتبار
وجهه النفسي ليس مستندا إليه تعالى كما يقول الأشعري حسنا كان أو سيئا لأنه نقص وهو متعال
عن النقص فكون الصلاة حسنة انما هو لنا لا له فاستناد الحسنات إليه تعالى باعتبار أصل
كونها حسنات وسنخها فالجمع بين الملاحظتين استعمل لفظ أولي واما في السيئات فالعبد أحق
بالاستناد كما قال حكاية عن خليله وإذا مرضت فهو يشفين وانما جاز استنادها إليه تعالى على
مرجوحية على ما هو مفاد صيغة التفضيل لان كونها سيئات بالحمل الأولى فقط وبالجملة بالنظر
الأول الكل من عنده لا شريك له في الايجاد كما في الوجود وبالنظر الثاني أيضا استندت إليه
112

إذا أخذت باعتبار أوجهها إلى الرب لا إذا أخذت باعتبار أوجهها إلى أنفسها بل إلى
أنفسها فالوحدة قاهرة والرحمة سابقة وليس هذا قولا بالثنوية لان الثنوى يقول
بمبدأين مستقلين ونحن أرجعنا النقص إلى النقص والكمال إلى الكمال فان المهية وإن كانت
موجودة لكن وجودها كالانتزاعيات بمعنى وجود منشأ انتزاعها بوجه وهي فانية في الوجود
كفناء الجنس في الفصل لان تركيبها مع الوجود حقيقي وهولا يتحقق الا بين متحصل
ولا متحصل لا بين متحصلين وليس التركيب من المهية والوجود أو من وجه الله ووجه النفس
أو ما شئت فسمه تركيبا من شئ وشئ بل من شئ وفيئ إذ هنا شئ وتحقق الشئ وتحقق الشئ هو مذوته
وبدونه لا ذات له بها تكون هو هو فلما لم يضق دار الوجود عن المهيات وسعة الرحمة عن لادمات
ولم يأب هذا العين عن الغير ولم يقصر رداء الوحدة عن شمول الكثرة والكل أسمائها لم ينثلم الوحدة
الحقة وليس معنى الامر بين الامرين انه مركب من الجبر والتفويض بان يكون فيه شوب من هذا وشوب
من ذاك كالحرارة الفاترة بل الفعل بسيط محض بمعنى انه تسخير محض في عين كونه اختيارا محضا واختيار
بحت في عين كونه تسخيرا محضا كما قيل از صفاى مى ولطافت جام * درهم آميخت رنك جام ومدام
همه جا هست ونيست كوئى مى * يا مدام است ونيست كوئى جام وفى اشعار العارف الجامي س
باده نهان وجام نهان آمده پديد * در جام عكس باده ودر باده رنك جام رق الزجاج اه بيان اخر قد تقرر
ان الذاتي لا يعلل والجعل التركيبي بين الشئ ونفسه وجزئه ولازمه باطل واللوازم تابعة للملزومات في المجعولية
واللا مجعولية فكما ان الأربعة واجبة الزوجية والنار مفطورة على الحرارة والماء على البرودة وليست بجعل
علي حده ولا استعداد مادة كما في حصول الحرارة للماء مثلا كذلك الانسان مجبول على الاختيار لا يتصور غير
ذلك وهذا معنى ما قيل إنه مضطر في عين اختيار وقولهم الوجوب بالاختيار لا ينافى الاختيار بل تحققه فكون
الانسان مختارا لا ينبغي ان يكون محل كلام بهذا وبما اشتهر من التفرقة الضرورية بين حركة الرعشة والبطش
وبين الصعود إلى المنارة والهوى عنها والعالم ظل الله قل كل يعمل على شاكلته ان الله خلق
ادم على صورته فلو كان فيه تعالى اضطرار لوجد في العالم ولما كان هو تعالى صرف الاختيار فالعالم كله مختار
حتى الجمادات الشاعرات به المسبحات له فبطل قول الأشعري بنفي الاختيار عن الانسان واما بطلان
التفويض فلما مر من استناد الوجود المطلق والجهة النورانية من كل شئ إلى الله تعالى وهو الوجود الحق وقد كتبت
113

سابقا في حواشي المبدء والمعاد ان النمط الاعلى والمشرب الأصلي ان يقال إن لا اختيار باعتبار الوجه
الذي يلى النفس إذ هو القاهر فوق عباده وانما الاختيار باعتبار الوجه الذي يلى الرب وان في العبد
من القاهر القادر المختار شيئا العبودية جوهرة كنهها الربوبية وفى أنفسكم أفلا تبصرون
ان قلت فلم العقاب ولم التكليف قلت هما غير معللين لان العقاب لازم الفعل كما مر واللازم غير معلل
والتكليف ثبت في القضا فوقوعه حتم بل الكل لوازم أسمائه في الحضرة الواحدية وأيضا التكليف ليحصل
هذا النظر بعلم اليقين وعين اليقين وحق اليقين وينقطع السؤال والمقال وينكشف جلية الحال ونحن نرى
كثيرا من الناس يقولون إذ هو القاهر فوق عباده والكل من عنده فمن يكلف ومن يعاقب فليقل له لو
كنت موقنا بقهره فوق عباده وناظرا نظر شهود ان الكل من عنده لماذا سئلت هذا فاعبد ربك
حتى يأتيك اليقين ونرى من يسئل ويقول بمقتضى بعض القواعد والآيات لا قدره لنا
ولا اختيار فليتل لهذا القائل ما تلونا عليك وليؤم إليه انك ان كنت من أهل الحق فاسلب الاختيار
عنك بالسلب الصادق بانتفاء الموضوع وليقرأ قوله تعالى قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل
كان زهوقا ولينشد ما قيل بالفارسية كر خرابم كنى ايعشق چنان كن بارى * كه نبايد دكرم منت تعمير كشيد
والا فسلبك الاختيار عنك واثباتك جبل انيتك لا يجديك ولا يرفع التكليف عنك كما يشتهى
نفسك الامارة بل هو تهافت فكما ان الوجود من الحق وللحق وأنت تضيف إلى نفسك وتقول وجودي
وملكته فكك القدرة والاختيار فإذا أردت أن تكون ابنيا للحق ولا تخونه ولا بديو ما ان يرد الودايع
فسلم الأمانة لأهلها برمتها لا كما قال تعالى في حق بعض الكفرة نؤمن ببعض ونكفر ببعض وبالجملة
ان اشتهيت ان تحسم عرق الفساد فانف من ارض وجودك انائيتك التي هي منبع الشين والعناد
فتستريح أنت وغيرك ولعلك سمعت القصة المشهورة فيمن كان له أم زانية وكان هو يتحبى ويقتل
الزناة وهكذا كان ديد نه حتى قيل له ان تقتل هذه العجوزة المكارة وحدها فتسريح أنت وهؤلاء
الشبان كان خيرا من قتل خلق كثير فما دام أنت أنت فالاختيار اختيارك ولا تنف هذا الولد
عن نفسك فتحد فلا تبق حتى تبقى بقاء أدوم وتختار اختيارا أتم فأولك الاختيار وأخرك الاختيار
وتبا وتعسا للقائلين بالاجبار والاضطرار بيان اخر للامر بين الامرين ان ههنا نظرين نظر
استناد الكل إليه تعالى بلا واسطة باعتبار اخذ الوجود لا بشرط وهذا هو النظر الاجمالي الذي يسقط بهذا
114

النظر استناد بعض الموجودات إلى بعض فليس بعضها أول الصوادر وبعضها ثانيها إلى اخر العقول
العشرة بل كل من عند الله بل لا وجود لذي الاختيار فضلا عن اختياره ويحصل هذا النظر للفاني
في الله الباقي به فناء المحو والطمس والمحق وفناء الفنا كما قال المولوي درخدا كم شو كمال اينست وبس
كم شدن كم كن وصال اينست وبس فان توحيد الا فعال بان لا يرى الموحد فاعلا ومؤثرا الا الله
في أوايل السلوك ولا بد وان ينتهى التوحيد الايجادي إلى التوحيد الوجودي وتوحيد الفعل إلى توحيد
الذات فلا يرى في الوجود الا هو الا إلى الله تصير الأمور ففي الأول لا إله إلا الله وفى
الثاني لا هو الا هو ونظر استنادها إليه بوسط أو وسايط باعتبار اخذ الوجود بشرط لا وبشرط
شئ وهذا هو النظر التفصيلي الذي يثبت بهذا النظر تأثير وتأثر ولو كان لتصحيح والاعداد لها وترتيب
في الصوادر فأول ما صدر هو العقل الأول ثم الثاني وهكذا على الترتيب المشهور بهذا النظر الخلقي
للباقي بابقائه كما يثبت للخلق وجود ولو بالتجوز البرهاني العرفاني يثبت له ايجاد كذلك إذ الايجاد
فرع الوجود فوزانه وزانه وفى هذا المقام يصدر من العناية حسن النظام أبى الله ان يجرى الأمور
الا بأسبابها ويثبت التكاليف والشرايع والنبوات إذ لا يسوغ هذه الأمور في شريعة
العقل بدون اثبات قدرة وإرادة لهم وان أفعالهم مستندة إلى أنفسهم فالمحقق المار على الصراط
المستقيم الذي هو أحد من السيف وادق من الشعر والطريقة الوسطى بين طرفي الافراط والتفريط
لا بد وأن يكون كما سبق ذا النظرين جامعا بين الوحدة والكثرة ولا ينبذ أحد يهما وراء ظهره
حتى لا يقع في ورطة نسبة النقايص إليه تعالى وسقوط التكاليف وانتفاء الشرايع والثواب والعقاب
إلى غير ذلك من مفاسد قول الأشعري ولا في ورطة الشرك والثنوية والتفويض التي هي أعظم مفسدة
من الأولى اللازمة من قول المعتزلي وهذا معنى الامر بين الامرين لا ما قيل إن معناه ان العبد ليس بمجبور
على جميع أفعاله بحيث لا يبقى له اختيار في شئ منها ولا مفوض في جميعها بحيث يكون له
القدرة والاختيار على كل منها بل بعضها باختياره ويكون فعله بالحقيقة وبعضها بغير اختياره
ويكون هو محلا قابلا لها ولا يكون فعله على الحقيقة وان صح نسبتها إليه على سبيل المجاز من حيث
كونه محلا فان هذا القول جمع بين القولين وليس فيه اثبات واسطة بين الامرين يسلب
عنها كل من الطرفين فهو ذو حظ من المحذورين والأشاعرة أيضا ينسبون أنفسهم إلى القول
115

بالبينية ولا عين منها ولا اثر وكل يدعى وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا فيقولون
ليس فعل العبد مفوضا إلى نفسه بان يثبت له قدرة مستقلة واختيار مؤثر والا لزم الشرك
ونفى التوحيد ولا مجبورا عليه من كل وجه لا يصح نسبة الفعل إليه أصلا ولو بطريق الكسب المتقدم
ذكره والا لبطل التكليف وخلا عن القايدة وكان جبرا محضا وهم يتبرؤون عنه وينسبونه إلى الجبرية اتباع
جهم ابن صفوان القائلين بان العبد غير فاعل لا ايجابا ولا اختيارا بل إن الفعل وجميع صفاته واقع بقدرة
الله تعالى وانما العبد آلة ولا فرق بينه وبين الجمادات واثبات هذه البينية أيضا باطل إذ لا فرق بين قولهم
وقول جهم ابن صفوان لان هذا الكسب إن كان له مدخل في التأثير فقد جاء التفويض وهم يتحاشون عنه رأسا
والا فقد قالوا بما قال جهم ووقعوا فيما هربوا عنه وقال المحقق الطوسي س في معنى البينية ان إرادة العبد
علة قريبة لفعله وإرادة الحق علة بعيدة له والأشعري قصر نظره على العلة البعيدة فقال بالجبر والمعتزلي على
القريبة فقال بالتفويض والحق ان وقوع الفعل موقوف على مجموع الإرادتين كما قال عالم أهل البيت
لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الامرين وههنا اشكال وهو ان إرادة العبد إذا كانت مستندة إلى أمر
ليس معلولا له بل لكونها حادثة مستندة إلى الحوادث المستندة إلى إرادة الله لوجوب انتهاء سلسلة
الحوادث إليه تعالى لزم الجبر إذ لا فرق بين ايجاد فعل العبد بلا توسط ارادته وبين ايجاده بتوسط إرادة
لا استقلال له فيها إذ تخلف الفعل على كلا التقديرين محال وأجاب المحققون عنه بان هذا معنى الايجاب
لا الجبر وقد مر ان الايجاب الاختيار لا ينافى الاختيار إذ في هذه الصورة يصدق ان العبد شاء وفعل ولا يقدح في
ذلك وجوب مشيته واختياره با عداد أمر بل الايجاب المنافى للاختيار ايجاب الفواعل بالطبع كايجاب
النار للاحراق الغير المسبوق بالمشية وايجاب مسبوق بمشية من غير الفاعل كايجاب فعل العبد بإرادة الله
كما هو مذهب الأشعري واما إذا كان فعل العبد مسبوقا بمشيته وارادته فهو اختياري وإن كان على سبيل الايجاب
والوجوب إذ المعتبر في الفعل الاختياري ان يكون مسبوقا بقدرته واختياره ويكون لهما مدخلية في وجود
الفعل من العبد واما كون قدرته واختياره بقدرته واختياره فلا والقادر هو الذي ان شاء فعل وان لم يشأ
لم يفعل لا الذي ان شاء شاء وان لم يشأ لم يشأ ولا الذي لم يجب فيه المشية أو القدرة أو الفعل بل
ولو وجب الكل ومع ذلك ليس المشية ولا القدرة أحدية التعلق إذ يصدق مع الوجوب انه لو لم يشأ
لم يفعل كما في الواجب تعالى لان صدق الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها كما حقق في موضعه ولقد جرى
116

الحق على لسان الإمام الرازي مع اصراره على نصرة مذهب الأشعري وتلقى هذا الكلام منه بالقبول
جماعة من الفحول كالسيد المحقق الداماد س في القبسات وصدر المتألهين س في الاسفار فقال في
المباحث المشرقية اعلم انك متى حققت علمت أن الشك في مسألة القدم والحدوث مسألة الجبر
والقدر شئ واحد وهو ان الشئ متى كانت فاعليته في درجة الامكان استحال ان يصدر عنه الفعل الا بسبب
اخر فهذه المقدمة هي العمدة في المسئلتين ثم فاعلية الباري لما استحال ان يكون وجوبها بسبب منفصل
وجب ان يكون وجوبها لذاته ومتى كانت فاعليته لذاته وجب دوام الفعل واما فاعلية العبد فلما استحال
ان يكون وجوبها لذات العبد لعدم دوام ذاته ولعدم دوام فاعليته لاجرم وجب استنادها إلى
ذات الله تعالى وح فيكون فعل العبد بقضاء الله وقدره فان قيل فإذا كان الكل بقدرة الله فما الفائدة
في الامر والنهى والثواب والعقاب وأيضا إذا كان الكل بقضاء الله تعالى وقدره كان الفعل الذي اقتضى
القضا وجوده واجبا والفعل الذي اقتضى القضا عدمه ممتنعا ومعلوم ان القدرة لا يتعلق بالواجب والممتنع
فكان يجب ان لا يكون الحيوان فاعلا للفعل بالقدرة لكنا نعلم ببديهة العقل كوننا قادرين على الافعال
فبطل ما ذكرتموه فالجواب إما الامر والنهى فوقوعهما أيضا من القضا والقدر واما الثواب والعقاب فيهما
من لوازم الافعال الواقعة بالقضاء والقدر فان الأغذية الردية كما انها أسباب الأمراض الجسمانية
كذلك العقايد الفاسدة والأعمال الباطلة أسباب الأمراض النفسانية وكذلك القول في جانب
الثواب واما حديث القدرة فوجوب الفعل لا ينافى كونه مقدورا لان وجوب الفعل معلول لوجوب
القدرة والمعلول لا ينافى العلة بل متى كان وجوبه لا لأجل القدرة فح يستحيل ان يكون مقدورا بالقدرة
والذي يدل على صحة ما ذكرنا ان أصحاب هذا القول يقولون إنه يجب على الله اعطاء الثواب والعوض
للآلام في الآخرة والاخلال بالواجب يدل إما على الجهل واما على الحاجة وهما محالان على الله تعالى والمؤدى
إلى المحال محال فيستحيل من الله ان لا يعطى الثواب والعوض وإذا استحال منه عدم الاعطاء لزم
وجوب الاعطاء فاذن صدور هذا الفعل عنه واجب مع أنه مقدور له فعلم أن كون الفعل واجبا بالتفسير
الذي ذكرناه لا يمنع كونه مقدورا انتهى كلامه بعبارته وبالجملة الجبر في الإرادة وعدم كون الإرادة
بالإرادة مما لا ينبغي الكلام فيه قال المعلم الثاني أبو نصر الفارابي في الفصوص فان ظن ظان انه يفعل ما يريد
ويختار ما يشاء استكشف من اختياره هل هو حادث فيه بعد ما لم يكن أو غير حادث فإن كان غير حادث
117

لزم ان يصحبه ذلك الاختيار منذ أول وجوده ولزم ان يكون مطبوعا على ذلك الاختيار لا ينفك عند
فلزم القول بان اختياره يقضى فيه من غيره وإن كان حادثا ولكل حادث محدث فيكون اختياره عن
سبب اقتضاه ومحدث أحدثه فاما ان يكون هو أو غيره فإن كان هو نفسه فاما ان يكون ايجاده للاختيار
بالاختيار وهذا يتسلسل إلى غير النهاية أو يكون وجود الاختيار فيه لا بالاختيار فيكون مجبولا
على ذلك الاختيار من غيره وينتهى إلى الأسباب الخارجة عنه التي ليست باختياره وينتهى إلى الاختيار
الأزلي الذي أوجب الكل على ما هو عليه فإنه ان انتهى الكلام إلى اختيار حادث عاد الكلام من الرأس
فبين من هذا ان كل كائن من خير أو شر يستند إلى الأسباب المنبعثة عن الإرادة الأزلية انتهى كلامه
وقال الشيخ الرئيس في طبيعيات الشفا وجميع الأحوال الأرضية منوطة بالحركات السماوية
حتى الاختيارات والإرادات فإنها لامحة أمور يحدث بعد ما لم يكن ولكل حادث بعد ما لم يكن علة
وسبب حادث ويرتقى ذلك إلى الحركة المستديرة فقد فرغ من ايضاح هذا فاختياراتنا أيضا تابعة
للحركات السماوية والحركات والسكونات الأرضية المتوافية على اطراد متسق يكون دواعي إلى القصد وبواعث
عليه وهذا هو القدر الذي أوجب القضا والقضا هو العقل الأول الإلهي الواحد المستعلى على الكل الذي منه
ينشعب المقدورات انتهى وقال في الهيات الشفا مبادى الأمور تنتهى إلى الطبيعة والإرادة والاتفاق
والطبيعة مبدئها من هناك والإرادات التي لنا كائنة بعد ما لم يكن وكل كائن بعد ما لم يكن فله علة فكل إرادة لنا
فله علة وعلة تلك الإرادة ليست إرادة متسلسلة في ذلك إلى غير النهاية بل أمور يعرض من خارج أرضية
وسماوية والأرضية تنتهى إلى السماوية واجتماع ذلك كله يوجب وجوب الإرادة واما الاتفاق فهو
حادث من مصادمات هذه فإذا حللت الأمور كلها استندت إلى أن مبادى ايجابها تنزل من
عند الله انتهى فما ذكره السيد المحقق الداماد س في القبسات ان هناك شكا من معضلات الشكوك وهو
انه إذا كانت ارادتنا واردة علينا من خارج وكانت الإرادة الجائزة الانسانية واجبة الانتهاء إلى الإرادة الحقة
الواجبة الإلهية كان الانسان لامحة مضطرا في ارادته لفعله ومضطره إليها انما هو المشية الوجوبية الربوبية
وما تشاؤن الا ان يشاء الله فيكون الانسان وإن كان فعله بإرادته واختياره الا ان ارادته لفعله ليست بإرادته
واختياره والا كانت له في كل فعل إرادات مترتبة غير متناهية هي إرادة الفعل وإرادة الإرادة وإرادة إرادة
الإرادة وكذلك لا إلى نهاية له وذلك باطل فقد لزم ان يكون فعل الانسان اختياريا وارادته لفعله غير اختيارية
118

فهذا الشك مما لم يبلغني عن أحد من السابقين واللاحقين شئ في دفاعه والوجه في ذلك ما اوردته وعلقته
في كتاب الإيقاظات بفضل الله العظيم وحسن توفيقه وتلخيصه انه إذا انساقت العلل والأسباب المترتبة
المتأدية بالانسان إلى أن يتصور فعلا ما ويعتقد انه خير حقيقيا كان أو مظنونا أو انه نافع في خير حقيقي أو مظنون
انبعث له من ذلك تشوق إليه لا محالة فإذا تأكد هيجان التشوق واستتم نصاب اجماع الشوق تم قوام الإرادة
المستوجبة اهتزاز العضلات والأعضاء الأدوية فاذن تلك الهيئة الشوقية المتأكدة الأكيدة الاجماعية
المعبر عنها بالإرادة حالة شوقية اجمالية للنفس بحيث إذا ما قيست إلى الفعل نفسه وكان هو الملتفت إليه
باللحاظ بالذات كانت هي شوقا وإرادة بالنسبة إلى نفس الفعل وإذا قيست إلى إرادة الفعل والشوق
الاجماعي إليه وكان الملحوظ بالذات تلك الإرادة الاجماعية لا نفس الفعل كانت هي شوقا وإرادة
بالنسبة إلى الإرادة من غير تشوق اخر مستأنف وإرادة أخرى جديدة وكذلك الامر في إرادة الإرادة
وإرادة إرادة الإرادة إلى ساير المراتب التي في (ذمة) العقل استطاعة ان يلتفت إليها بالذات
ويلاحظها على التفصيل فكل من تلك الإرادة الملحوظة على التفصيل يكون بالإرادة والاختيار
وهي بأسرها مضمنة في تلك الحالة الشوقية الاجماعية الاجمالية المسماة بإرادة الفعل واختياره لست
أقول تلك الإرادة هي إرادة الفعل بعينها بل أقول للنفس المتشوقة المريدة المختارة للفعل حالة شوقية
اجمالية صالحة لان يفصلها العقل إلى إرادة الفعل وإرادة الإرادة وهكذا والترتب بين تلك الإرادات
بالتقدم والتأخر بالذات ليس يصادم اتحادها في تلك الحالة الاجمالية بهيئتها الوحدانية فان ذلك
انما يمتنع في الكمية الاتصالية والهوية الامتدادية فلذلك ما ان المسافة والأينيه يستحيل ان ينحل إلى متقدمات
ومتأخرات بالذات وهي اجزاء تلك المسافة وابعاضها بل انما يصح تحليلها إلى اجزائها وابعاضها
المتقدمة والمتأخرة بالمكان واما الحركات القطعية المتصلة الواحدة المنطبقة على تلك المسافة المتصلة
الشخصية فان العقل بمعونة الوهم يحللها إلى ابعاضها المترتبة بالسابقية والمسبوقية بالذات وسبيل الإرادة
في ذلك سبيل العلم فإنهما يرتضعان في هذا الحكم من ثدي واحد وتناغيهما القريحة العقلية في مهد واحد والبيان
التفصيلي هنالك على ذمة كتاب الإيقاظات فاذن نقول في إزاحة الشك ان ريم انه يلزم حصول
الإرادة من غير إرادة واختيار ورضاء من الانسان بالقياس إلى الإرادة فقد بزغ لك بطلان ذلك
وان ريم ان يجب انتهاء استناد الإرادة في وجودها ووجوبها إلى القدرة التامة الوجوبية والإرادة
119

الحقة الربوبية فقد عرفت ان ذلك هو الحق لا يحيص عنه العقل الصريح ولا يأتيه الباطل من بين يديه
ولا من خلفه وانه لا جبر ولا تفويض أمر بين أمرين وبالجملة وجب انتهائها في سلسلة الصدور والاستناد
إلى إرادة الفعال الحق الواجب بالذات جل سلطانه وكيف يصح للممكن بالذات وجود ووجوب لا من تلقاء
الاستناد إلى الموجود الواجب بالذات فليتثبت انتهى ففيه ما ذكره تلميذه صدر المتألهين س في الاسفار إما
أولا فلان التحليل العقلي للشيئ الموجب لحكم العقل بان الخارج بالتحليل متقدم على ذلك الشئ انما يجرى
في أمور لها جهة تعدد بحسب مرتبة من مراتب نفس الامر وجهة وحدة في الواقع كاجزاء الحد من الجنس
والفصل في المهية البسيطة الوجود كالسواد مثلا فان للعقل ان يعتبر له بحسب مهية جزء جنسيا كاللونية
وجزء فصليا كالقابضية للبصر فيحكم بعد التحليل بتقدمها في ظرف التحليل على المهية المحدودة بهما ثم بتقدم
فصله على جنسه مع أن الكل موجود بوجود واحد واما في غيرها فالحكم بتعدده وتفصيله إلى ما يجرى مجرى الأجزاء له
ليس الا مما يخترعه العقل من غير حالة باعثة إياه بحسب الامر في نفسه واما ثانيا فيلزم عند التحليل والتفصيل
لهما وبحسبهما اجتماع المثلين بل الأمثال في موضوع واحد وهو ممتنع إذ لا امتياز لها في المهية ولا في اللوازم
ولا في العوارض المفارقة ولا في الموضوع وأيضا قد تقرر ان اجزاء مهية واحدة لا يكون بعضها علة بعض
إذ لا أولوية لبعض في ذاتها واما ثالثا فان لنا ان نأخذ جميع الإرادات بحيث لا يشذ عنها شئ منها ونطلب
ان علتها أي شئ فإن كانت إرادة أخرى لزم كون شئ واحد خارجا وداخلا بالنسبة إلى شئ بعينه هو مجموع
الإرادات وذلك محال وإن كان شيئا اخر لزم الجبر في الإرادة وهذا هو الحق فليعول عليه في دفع
الاشكال انتهى وفى بعضها كلام إما الأول فلانه منقوض بالواجب تعالى فان اعتبار العلم فيه مقدم على
اعتبار الإرادة واعتبار الإرادة مقدم على اعتبار القدرة كما وقع في عبارة الخفري وغيره وكما في
أسمائه الحسنى على ما واقع في عبارات العرفاء من جعلهم بعضها أئمة الاسما وبعضها امام الأئمة واما الثاني
فلان التماثل كالتضاد من الأحوال الخارجية للموجودات الخارجية بحسب وقوعها في ظرف الخارج والمعتبر
من الاجتماع وامتناع الاجتماع فيه ما هو بحسب الخارج على أن الممتنع من اجتماع المثلين مثل الممتنع من اجتماع
المتقابلين انما هو في الواحد بالعدد من الموضوعات الجسمانية لا في مثل موضوع النفس كما صرح في كتبه
وما ذكره من أن افراد مهية واحدة لا يكون بعضها علة بعض منقوض بالوجود فإنه حقيقة واحدة مرتبة منه
علة ومرتبة أخرى منه معلول وهو نفسه يقول بالتشكيك فيه وان قيل لا بد من المغايرة بين العلة والمعلول وهي
120

مفقودة ههنا نقول يكفى المغايرة المتحققة بحسب اللحاظ التفصيلي فيها كما في علية الفصل للجنس مع اتحاد هما
جعلا ووجودا للحمل بينهما وكما في علية الصورة للمادة مع أن التركيب بينهما إتحادي كما هو رأيه س
ورأى السيد السند المدقق واما الثالث فلان الإرادات في اللحاظ التفصيلي غير متناهية فنقول لا يتحقق جميع
لا يكون ورائه شئ بل كل جميع فرضت يكون ورائه إرادات اخر يكون عللا لما بعدها غاية الأمر انكم تقولون
يلزم ذهاب السلسلة إلى غير النهاية التزمناه لأنه في الأمور العقلية ينقطع بانقطاع الاعتبار لكن الانصاف
انها من الأمور الانتزاعية التي لا علية بينها ولا معلولية كوجود الوجود ووجود وجود الوجود وهكذا فكلها
موجودة بوجود واحد هو وجود إرادة الفعل ولا علية ولا ترتب بينها الا بمحض الاعتبار على انا تنقل الكلام
إلى لحاظها الاجمالي حيث إنها موجودة فيه بوجود واحد فاما لا علة لها وهو باطل واما علتها إرادة أخرى
من العبد وليست ههنا إرادة أخرى بهذا اللحاظ الاجمالي الاتحادي كما صرح به السيد س نفسه ومعلوم أيضا بالوجدان
انه ليس لنا الا حالة بسيطة اجمالية واما علتها إرادة الواجب تعالى فيلزم الجبر في الإرادة نعم يصحح بما ذكره
السيد س اطلاق اللفظ إذ يصح ان يقال انا نرضى بإرادتنا ونريدها ولكن برضاء واحد وإرادة وحدانية
من غير تكثر الا بالاعتبار هذا فان قيل هب ان أفعالنا بقدرتنا واختيارنا ولكن خلق مبادى الافعال الشرية
وهو من الله باتفاق المليين وغيرهم من الفرق غير الثنويين ليس بأقل محذورا من خلق نفس الافعال
الشرية كما قيل بالفارسية كيرم إبليس اضلال كرد إبليس را بصفت اضلال كه آفريد قلنا قد تقرر عند الحكماء
ان الشر مجعول في القضاء الإلهي بالعرض فخلق مبادى الشرور بالذات ليس الا لأجل الخيرات ولكن
يلزمها شرور قليلة بالإضافة واللازم ليس مجعولا بجعل علي حده بل الجعل منسوب إليه بالعرض سبحانك الخ
يا احكم الحاكمين يا اعدل العادلين الاسم الثاني دليل على الأول يا أصدق
الصادقين لأنه محقق الحقايق ومذوت الذوات ومشئ الأشياء وهو اعلم بحقيقتها التي ما هو فيها
لم هو لأنه يعلمها من العلم بذاته التي هي علتها التامة والعلم التام بالمعلول ما يحصل من العلم التام بالعلة فهو
أخبر بالواقع من كل شئ فخبره عن كل شئ أصدق وقوله أحق لكونهما للواقع أطبق ولهذا لا يعلم حقيقة الأشياء على
ما هي عليها الا من علمها من ناحية العلة الحقيقية علما أتم وأشد وأنور يا أطهر الطاهرين لكونه
وجودا مجردا عن المهية فضلا عن المادة العقلية أو المادة الجسمانية والموضوع والمتعلق يا أحسن الخالقين
هذا لاسم أيضا من السمعيات التي يتثبت بها المعتزلة على خلق الأعمال لدلالته على وجود خالق غيره وقد عرفت
121

حقيقة الامر يا أسرع الحاسبين لكون الأزمنة والزمانيات بالنسبة إليه كالان والأمكنة
والمكانيات بالنسبة إليه كالنقطة وهي مطوية عنده بل الكل مقهورة لديه وجمع متفرقات شتى واحد فذلكتها
عليه يا اسمع السامعين إذ يترتب على وجوده تعالى ما يترتب على جميع القوى والمدارك لان معطى
الكمال أحق به هو وهو سمع كله بصر كله لا ان الكل له بعض ومع ذلك يسمع بكل سمع ويبصر بكل بصر فكما يحضر الأصوات
لقوة من قوانا وهي خبيرة بهذا العالم السمع كذلك جميع الأصوات بل تسبيحات الأشياء ودعواتها
وطلباتها حاضرة لنفس ذاته وقد مر ان علمه يرجع إلى سمعه وبصره لكونه حضوريا شهوديا لا ان سمعه وبصره يرجع
إلى علمه وآية حضور المسموعات والمبصرات لوجوده تعالى لا لجارحة منه لانتفائها عنه وجود نبينا (ص ع) حيث كان
يرى من خلفه فكان هو صلى الله عليه وآله بحسب وجوده الجسماني البشرى بصرا كله مثلا فان من يقدر على ايجاد جليدية
هي بقدر العدسة أو روح بخارى له مقدار مخصوص يقدر على ايجاد أعظم منه وأكبر فان الصغر والكبر لا يغير
حال الشئ في الامكان والامتناع والفاعل تعالى شانه في كمال القدرة فبدنه البشرى كان له خاصية الجليدية
والروح البخاري وكيف لا وهو مجاور الروح النوري الإلهي فكان روحا مجسدا وجسدا مروحا وقد مر
ان اخوان التجريد يشرق عليهم أنوار منها ما يخطفون به ويعلقون في الهواء ويجذبون ويمشون إلى
السماء فما ظنك بمن هو أطهر الطاهرين وأشد تجردا من كل المجردين بعد الحق كما قال (ص ع)
انا النذير العريان بلفظ المسند المعرف باللام المقصور على المسند إليه وهو صلى الله عليه وآله مملو من نور الله
وبهائه وسمعه وبصره ومظهر بجميع أسمائه وقائل من رآني فقد رأى الله فجسده المطهر صار عين روح
الله ونوره فما ورد من أمثال هذه الكلمات والمعجزات في حقه قطرة من قطرات بحار كماله
ولمعة من لمعات أنوار جماله فان البحر لا ينزف وسر الغيب لا يعرف وكلمة الله لا توصف
فهو يريد بإرادة الله ويقدر بقدره الله كما قال حسنة من حسناته قلعت باب خيبر بقوة ربانية لا بقوة
جسدانية وفى اشعار الجامي از وجود خود چو نى كشتم تهى * نيست از غير خدايم آكهى وللطافة جسده
بلطافة روحه المطهر في الغاية عرج إلى مقام قاب قوسين أو أدنى في لحظة ورجع ونعم ما قال أبو نواس
ثقلت زجاجات اتتنا فرغا * حتى إذا ملئت بصرف الراح * خفت وكادت تستطير بماحون
ان الجسوم تخف بالأرواح يا ابصر الناظرين قد علم الكلام فيه والسالك إذا تحقق
بمعنى هذين الاسمين جعل شمته التأدب فلا يمد رجله ولا يضع جنبه على الأرض في الملا وفى الخلا ولا يشتغل
122

بالمعاصي والملاهي بل بالمباحات لأنه يعلم شهودا قربه وانه على كل شئ شهيد وبالكل محيط وفى الحديث
ا عبد الله كأنك تراه فإن لم تره فإنه يراك الا ترى ان بعض عبيد أبناء الدنيا لو قعد يأكل
ويشرب وينكح وهو يعلم أنه بمرئ من سيده ومسمع لكان ملوما عند الناس فما ظنك بسيد السادات ومولى
الموالى والى هذا أشار صاحب السبحة بقوله * در مقاميكه كنى قصد كناه * كر كند كودكى از دور نگاه
شرم داري زكنه در كذرى * پرده عصمت خود را ندري * شرم بادت كه خداوند جهان
كه بود واقف اسرار نهان * برتو باشد نظرش بيكه وكاه * تو كنى در نظرش قصد كناه
يا اشفع الشافعين من الأنبياء والأولياء والملائكة والمؤمنين وقد ورد ان المؤمنين
من يشفع عددا كثيرا في الكثرة مثل قبيلة ربيعة وقبيله مضريا أكرم الأكرمين
بين صيغتي التفضيل هنا فرق إذ ما يطلق على غيره تعالى يستدعى مفصلا ومفضلا عليه وأن يكون للمفضل عليه
شئ بالاستقلال من المعنى الذي بنى منه صيغة التفضيل وللمفضل مثله مع زيادة بخلاف ما يطلق
عليه تعالى فلا يستدعى ذلك بل المفضل عليه وجميع ما له من الكمالات والخيرات عكوس وأظلة له فتفضيل
الحق على شئ كتفضيل الشئ على فيئه بما هو فيئه لا كتفضيل الشئ على الشئ فإنه الشئ بحقيقة الشيئية
وقس عليه ما مر ويأتي من نظايره من الأسماء الحسنى سبحانك الخ يا عماد من لا عماد له
يا سند من لا سند له أي معتمد من لا معتمد له يا ذخر من لا ذخر له الذخر بالضم الذخيرة
طوبى لمن لا ذخيرة له وهو ذخر له فإنه كنز الفقراء من كان لله كان الله له كر كداى أو شوى شاهت كند
كر نه ء آكاه آكاهت كند * يعنى يعرفك شهودا انه زخيرة خزانة قلبك وإذا كنت واجدا لقلبك
كنت واجدا له كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم وإذا كنت واجدا له كنت واجدا للكل
لأنه مالك الملك وان من شئ الا عندنا خزائنه وقد قلت بالفارسية كالاى دارائى كل
جز در بساط فقر نيست * پيوند باشد با خدا * درويش از خود رسته را قد ورد ان موسى (ع)
حينا من أحيان مكالمته مع الله قال يا رب ان لي في كشكول الفقر ما ليس في خزانة
سلطنتك فقال ما هو يا موسى قال أنت لي موجود ومثلك لك مفقود صدق كليم الله (ع)
يا حرز من لا حرز له الحرز بالكسر العوذة والموضع الحصين وهو تعالى وإن كان حرز من له حرز أيضا
الا انه بالوسايط كالعوذات والتمايم بخلاف من لا يرى واسطة ووسيلة ولا يثبت وجودا
123

وإيجاد الشئ فإنه بذاته المقدسة حرز له ولا يكل امره إلى غيره يا غياث من لا غياث له
يا فخر من لا فخر له وأي فخر يوازى هذا الفخر يا عز من لا عز له وأي عز يكافى هذا العز
وقد جرى على لسان القلم حين ما رسم فتبا لعبد لم تكن عزه فما * سواك سوى ذل إذا انكشف الغطا
فان جميع ما سواه كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء يا معين من لا معين له يا أنيس من لا
أنيس له يا أمان من لا أمان له سبحانك الخ اللهم إني أسئلك باسمك يا عاصم
من البليات والزلات يا قائم بذاته المقدسة لا بمهية أو بمادة أو موضوع كما في الممكنات يا دايم
ديمومة سرمدية محيطة بالدهرية والزمانية يا راحم يا سالم يا حاكم يا عالم يا قاسم
ارزاق الموجودات بالعدل يا قابض يا باسط يقبض هو تعالى الحياة التي هي الوجود المنبسط
على كل شئ والروح الساري في كل شئ كل آن ويبسطها على قوالب الأعيان وهياكل المهيات
كل آن بل هذا القبض عين هذا البسط كما مر ان النفخة التي تشعل النار تطفئها وكما أن الشمس التي تنشأ
الظل هي مفنيه كما قال تو آفتاب منيري ومغربي سايه * ز آفتاب بود سايه را وجود وهلاك
فهذا الوجود الساري بسط الروح على الأشياء وافاضة الحياة عليها وذلك عند ظهوره بلباس الكثرة
وهو بعينه قبض الروح عنها وذلك عند تجليه بطور الوحدة وصفة القهر وعند العرفاء حقيقة القبض
ورود شئ في قلب العارف من الله تعالى فيه إشارة إلى تقصير واستحقاق تأديب على التقصير والبسط ورود
شئ في قلبه فيه بشارة بلطف وترحيب وقد يكون القبض والبسط لا يدرى صاحبهما سببهما ونسبتهما
إلى الهيبة والانس نسبة النقص إلى التمام لكون الوارد من الله في الهيبة أشد تهديدا من القبض والوارد
منه في الانس أكثر ترحيبا من البسط ونسبتهما إلى الخوف والرجاء بعكس ذلك فإنهما في مقام القلب
وما فوقه والخوف والرجاء في مقام النفس ودرجتهما في النهايات قبض الحق رسم العبد وبسط العبد ببهجة
الجمال المطلق وشهوده في الكل سبحانك الخ يا عاصم من استعصمه بل من لم يشعصمه
كما في الدعاء يا من يعطى من لم يسئله ومن لم يعرفه تحننا منه ورحمة لكنه عاصمه
في المظاهر واما من استعصمه شهودا فهو عاصمه وقس عليه نظايره يا راحم من استرحمه
يا غافر من استغفره يا ناصر من استنصره يا حافظ من استحفظه يا مكرم
من استكرمه يا مرشد من استرشده يا صريخ من استصرخه يا معين
124

من استعانه يا مغيث من استغاثه سبحانك الخ يا عزيزا لا يضام
الضيم الظلم يا لطيفا لا يرام من اللطافة والروم القصد أي لا يمكن ان يقصد كنه ذاته
لأنه مجرد عن التعينات محيط بها وسهام القصود لا يقع الا عليها يا قيوما لا ينام
القيوم مبالغة في القيام بذاته والتقويم والإقامة لغيره وقيامه بذاته قد عرفته واما تقويمه
فبيانه انه كما أن لكل مهية مقوما لا يمكن تقررها وتصورها بدونه وهو بين الثبوت والاثبات
لها وهي خلوا عنه ليست هي كذلك لكل وجود مقوم وجودي لا يمكن تحققه وظهوره بدونه وهو
ليس خارجا عنه وان ليس داخلا فيه أيضا وهو الوجود الإضافي الاشراقي الذي ينطوى فيه
ظهور كل وجود مقيد وهو القيومية الفعلية الحقة الظلية واما القيومية الذاتية الحقة الحقيقية
فهى تقويم الوجود الحق الحقيقي للوجود الحق المخلوق به واما اقامته فبالنسبة إلى المهيات وحقيقة
النوم ستعرفها انشاء الله تعالى يا دائما لا يفوت يا حيا لا يموت بيان حقيقة الحياة
سيجيئ في الفصل الآتي لان جميع أسماء ذلك الفصل غير خالية عن مادة الحياة لان هذا من الأسماء
المركبة وحى وقيوم من الأسماء البسيطة والبساطة قبل التركيب فبيان الحياة في ذيل شرحه هناك أليق
يا ملكا لا يزول يا باقيا لا يفنى يا عالما لا يجهل يا صمدا لا يطعم في القاموس بعد
ما فسر الصمد بالسكون بالقصد وغيره قال وبالتحريك السيد لأنه يقصد والدائم والرفيع ومصمت لا جوف
له والرجل لا يعطش ولا يجوع في الحرب وجميع ما ذكره يناسب المقصود سيما المعنيين الآخرين
بتجريد ما هنا أعني في هذا الاسم المركب الذي هو صمد لا يطعم فإنه لما كان بسيط الحقيقة واجدا
للكمالات والخيرات لا يسلب عنه خير كان كالمصمت الذي لا جوف له تعالى عن الشبيه والنظير
غلوا كبيرا فهو بخلاف الممكن الذي هو الا جوف الناقص الجائع الفاقد لكل كمال في مرتبة
ذاته بذاته تقدس عن المخالف والمقابل تقدسا عظيما يا قويا لا يضعف
سبحانك الخ اللهم إني أسئلك باسمك يا أحد يا واحد الأحدية البساطة
وانتفاء الجزء عنه والواحدية الفردية وعدم الشريك له وبين الأحدية والواحدية مطلقا عموم من وجه
لتصادقهما في الحق البسيط المحض الوتر وفى العقول سيما على التحقيق وكذا في النوع البسيط الذي
هو هيولى عالم العناصر على مذهب المشائين حيث إنها عندهم مخالفة بالنوع لهيولي عالم الأفلاك
125

فلا شريك لها من نوعها وهي بسيطة ان جنسها مضمن في فصلها وفصلها مضمن في جنسها وإن كان
لها شريك في جنسها ووجودها وكان لها اجزاء عقلية كجوهر مستعدا ومهية ووجود وتفارق الأحدية
من الواحدية في النقطة من حيث انتفاء الأجزاء المقدارية عنها وكذا الاعراض من المهيات التامة من
حيث انتفاء الأجزاء الخارجية عنها وإن كان لها الأجزاء العقلية وكذا الأجناس القاصية والفصول الأخيرة
من المهيات الناقصة من حيث انتفاء الأجزاء العقلية أيضا عنها وتفارق الواحدية من الأحدية في
الاجرام الفلكية من الأفلاك الكلية والجزئية والكواكب السيارة والثابتة حيث إن كلا منها نوعها
منحصر في شخص ولا شريك لها في نوعها وإن كان لها شريك في جنسها بوجودها كما مر ولو اعتبر النفي بالكلية كانتا
من الصفات المختصة به تعالى إذ ما من موجود الا وله شريك في الوجود بخلافه تعالى إذ لا ثاني له في الوجود
ولا في توابعه وما من موجود الا وهو زوج تركيبي له مهية ووجود ووجه إلى الرب ووجه إلى النفس
بخلافه تعالى فان مهيته آنيته إذا عرفت هذا فنقول إما بيان المطلب الأول أعني نفى التركيب من الأجزاء
مطلقا فهو ان الأجزاء إما موجودة بوجودات متعددة أو بوجود واحد الثاني هو الأجزاء العقلية
التحليلية والأول قسمان فإنها مع أنها موجودة بوجودات متعددة إما متباينة في الوضع فهى الأجزاء
المقدارية واما غير متباينة في الوضع فهى الأجزاء الخارجية أعني المادة والصورة وبعد تمهيد هذا
نقول على حذو ما قال السيد المحقق الداماد س في التقديسات فإنه بعد تأصيل أصلين أحدهما ان الواجبين
لو فرضنا كان بينهما الامكان بالقياس وثانيهما ان تضام الحقايق المتباينة بالنوع المختلفة بالجنس
ليس يستحق ان يفيد تحصلا نوعيا ويحصل ذاتا أحدية بل ربما يستوجب تصنفا أو يحصل هوية شخصية
أفاد انه إذا كانت له اجزاء عقلية أو عينيه فهى إما بأسرها جايزات المهية هالكات الحقيقة في حيز نفس
الذات أو بأسرها قيومات واجبات بالذات أو متشابكه من الحايز بالمهية والواجب بالذات فالأول كأنه
غريزي الاستحالة فطرى البطلان أفكيف يسوغ ان يتصحح الحق المحض من الباطلات الصرفة ويتحصل
الغنى المطلق والفعلية الحقة من الفاقرات البحتة والهالكات السازجة والثاني مستبين الفساد بما دريت
ان الواجبات بالذات ان فرضت لا يتصور الا وهي ذوات متباينة متفارقة ومتفقة في الوجود لصحابة
اتفاقية لا لعلاقة ذاتية لزومية فكيف تتأحد منها حقيقة وحدانية محصلة فكل واحد اذن هو القيوم
الواجب بالذات فلننظر في بساطته والثالث تضام الحقايق المتباينة المنفصل كل واحد منها عن ساير
126

ما عداها بتمام المهية هو غير محصل للحقيقة ولا بمجد للتأحد في المقولات المتباينة مع اتفاقها في طباع
الجواز فما ظنك بالمختلفة بالجواز والوجوب أفكيف يلحم الجايز الباطل بالواجب الحق ويعقل ان يلتسم
ويتأحد الحق المحض من ازدواج الحق والباطل وهل الحق المحض الا من وراء الباطل فاذن هو القيوم الواجب
بالذات والباطل الجائز خارج عنه وفاقر إليه انتهى وهذا الأسلوب كما قال وان عم الأجزاء بقبائلها الا انه
غبما نفينا الأجزاء المحمولة لا حاجة بنا إلى نفى الأجزاء المعنوية الوجودية إذ كل بسيط في التصور بسيط
في الخارج ولا عكس وأيضا نقول من الخواص الثلاثة للجزء المتقررة في الأمور العامة من العلم الاعلى تقدمه
على الكل فلو كان للواجب تعالى اجزاء كانت متقدمة على الكل تقدما بالطبع أو بالمهية ولزم احتياجه
إليها في الوجود أو في التقوم وكلاهما باطل وهذا أيضا ينفى الأجزاء مطلقا فما في الشوارق للمحقق اللاهيجي
من تخصيص هذا الوجه بنفي الأجزاء الوجودية فان المحذور هو الاحتياج في الوجود لا في القوام
وان نفى الأجزاء العقلية يستلزمه نفى المهية عنه تعالى فلا ضير ان لا يبرهن علي حده لا وجه له فان الاحتياج في
قوام الذات أشد محذورا من الاحتياج في خارج الذات فهذا منه ره غريب مع أن تقرر المهية عنده
مقدم على تقرر الوجود تقدما بالمهية وأيضا قد ثبت انه تعالى وجود صرف والوجود بسيط ولو كان له جنس هو
حقيقة الوجود انقلب المقسم مقوما إذ الفصل كالعلة المفيدة لتحصل الجنس باعتبار بعض الملاحظات التفصيلية
لا معطى ذاته وقوامه فإنه عرض خاص له كما قرر جميع ذلك في محله ولو كان له مادة وصورة كان جسما كما زعمته
الحنابلة تعالى عن ذلك وقد ذكرنا في ذيل شرح اسم ذي القدس والسبحان تعاليه وتنزهه عن المادة
العقلية والمهية فضلا عن المادة بمعنى المتعلق والمادة الجسمية ويعلم من ذلك نفى الأجزاء المقدارية لان
المقدار من لواحق الجسم ولو كان له اجزاء مقدارية وقدرت انها المتوافقة والموافقة للكل في الحد
والاسم وبذلك ابطلوا كون مبادى الأجسام اجراما صغارا صلبة تتجزى وهما لا فكا كما هو مذهب ذيمقراطيس
الطبيعي فاما هي ممكنات أو واجبات أو متشابكة فعل الأول يبطل تشابه الكل والجزء في الحقيقة وعلى الثاني
يكون الواجبات بالذات غير موجودة بالفعل بل بالقوة كما هو شأن الأجزاء المقدارية في المتصلات
وعلى الثالث يعود المحذور ان مع ارتفاع تشابه الأجزاء بعضها لبعض في الحقيقة واما بيان المطلب الثاني
أعني نفى الشريك عنه تعالى وهو أهم المطالب فقد استدل في المشهور بأنه لو تعدو الواجب لذاته فلابد
من امتياز كل منهما عن الأخر فاما ان يكون امتياز كل منهما عن الأخر بذاته فيكون مفهوم وجوب الوجود
127

محمولا عليهما بالحمل العرضي وكل عرضي معلل وقد بين بطلان هذا واما ان يكون الامتياز ببعض الذات
فيلزم التركيب وكل مركب محتاج إلى الأجزاء وكل محتاج ممكن هف واما ان يكون الامتياز بالامر الزايد على ذاتيهما
فذلك الزايد إما ان يكون معلولا لذاتيهما وهو مستحيل لان الذاتين ان كانتا واحدة كان التعيين أيضا واحدا
فلا تعدد هف وان كانتا متعددة كان وجوب الوجود أعني الوجود المتأكد عارضا لهما وقد تبين بطلانه
واما ان يكون معلولا لغير هما لزم الافتقار في التعين إلى الغير وكل مفتقر إلى غيره في تعينه مفتقر إليه في وجوده
لان التعين إما عين الوجود أو مساوق له فيكون ممكنا وههنا شبهة عويصة مشهورة منسوبة إلى ابن كمونه
وهي ان براهين التوحيد بنائها على تسليم لزوم طباع ذاتي مشترك بين قيومين واجبين بالذات هو حقيقة
الوجوب بالذات وان حقيقة الوجوب الذاتي كمفهومه واحدة والعقل لا يأبى بأول نظره ان يكون هناك
هويتان بسيطتان مجهولتا الكنه مختلفتان بتمام الذات البسيطة ويكون قول وجوب الوجود عليهما قولا
عرضيا قال السيد س في التقديسات وهذا الاعضال معزى على السن هؤلاء المحدثة إلى رجل من
المتفلسفين المحدثين يعرف بابن كمونه وليس أول من اعتراه هذا الشك كيف والأقدمون كالعاقبين قد
وكدوا الفصية عنه وبذلوا مجهودهم في سبيل ذلك قرونا ودهورا انتهى وربما يجاب عن الشبهة بان
ما بالعرض لا بد وان ينتهي إلى ما بالذات كما قال المنطقيون أقول هذا منقوض بمهية الكيف والكم
وغيرهما من الأجناس العالية وأجاب بعضهم أيضا عنها بان مفهوم الوجوب إذا كان عرضيا كان محمولا
بالضميمة فلا يكون الوجوب في مرتبة ذاتهما أقول كأنه لم يفرق بين العرضي بمعنى الخارج المحمول والعرضي
بمعنى المحمول بالضميمة وليس منحصرا في الثاني فلم لا يجوز ان يكون العرضي بمعنى الخارج المحمول بلا انضمام ضميمة
كما في حمل العرض والشئ على الكيف والكم مثلا فان الشئ ليس له ما يحاذيه بخصوصه والا لم يكن الكيف
مثلا بحسب نفسه شيئا والحق في الجواب انه إذا كان للشيئ ثان في الوجود لم يكن صرفا والواجب تعالى
لما كان بسيط الحقيقة وجب ان يكون جامعا لجميع الخيرات والكمالات والا كان مصداقا لحصول
شئ وفقد شئ فيلزم التركيب في ذاته من جهة وجوبية وجهة أخرى امكانية أو امتناعية كما ذكره
صدر المتألهين س في السفر الأول من الاسفار وأجاب أيضا فيه وفى المبدء والمعاد وغير هما بان مصداق
حمل مفهوم واحد ومطابق صدقه بالذات وبالجملة ما منه الحكاية بذلك المعنى مع قطع النظر عن أية
حيثية كانت لا يمكن ان يكون حقايق متخالفة بما هي متخالفة وظني ان من سلمت فطرته التي فطر عليها عن
128

الأمراض المغيرة لها عن استقامتها يحكم بان الأمور المتخالفة من حيث كونها متخالفة بلا حيثية جامعة
فيها لا يكون مصداقا لحكم واحد ومحكيا عنها به نعم يجوز ذلك إذا كانت الأمور متماثلة من جهة كونها
متماثلة كالحكم على زيد وعمرو بالإنسانية من جهة اشتراكهما في تمام المهية لا من حيث عوارضهما المختلفة
المشخصة أو كانت مشتركة في ذاتي من جهة كونها كذلك كالحكم على الانسان والفرس بالحيوانية من
جهة اشتمالهما على تلك الحقيقة الجنسية أو في عرضي كالحكم على الثلج والعاج بالأبيضية من جهة اتصافهما
بالبياض أو كانت متفقة في أمر خارج نسبي كالحكم على مقولات الممكنات بالوجود من حيث انتسابها
إلى الوجود الحق عند من يجعل وجود الممكنات أمرا عقليا انتزاعيا وموجوديتها باعتبار نسبتها إلى
الوجود القائم بذاته أو كانت متفقة في مفهوم سلبى كالحكم على ما سوى الواجب تعالى بالامكان لاشتراكهما
في سلب ضرورتي الوجود والعدم لذواتها واما ما سوى أشباه تلك الوجوه فلا يتصور الحكم فيها
بأمر مشترك بلا جهة جامعة ذاتية أو عرضية فإذا حكمنا على أمور متباينة الذوات بحكم واحد بحسب
مرتبة ذواتها في أنفسها بلا انضمام أمر اخر فلابد هناك من ما به الاتفاق وما به الاختلاف الذاتيين فيها
فيلزم التركيب بحسب جوهر الذات انتهى وقال في الهيات هذا الكتاب هذه الشبهة شديدة الورود
على أسلوب المتأخرين القائلين باعتبارية الوجود حيث إن الامر المشترك بين الموجودات ليس عندهم
الا هذا الامر الانتزاعي وليس للوجود المشترك فيه فرد حقيقي عندهم لا في الواجب ولا في الممكن واطلاق الوجود
الخاص على الواجب عندهم ليس الا بضرب من الاصطلاح حتى اطلقوا هذا اللفظ على أمر مجهول الكنه واما على
ما حققناه من أن هذا المفهوم الانتزاعي له افراد حقيقية نسبته إليها نسبة العرض العام إلى الافراد والأنواع
فليست قوية الورود بل يمكن دفعها بأدنى تأمل ثم ذكر الجواب أقول هذه الشبهة قوية الورود أيضا
على القائلين بالاشتراك اللفظي في الوجود حذرا من لزوم السنخية بين وجودي العلة والمعلول وعلى من يقول
من المشائين بان الوجود حقايق متباينة بناء على ظواهر أقوالهم وقوة ورود ها على أسلوب أهل الاعتبار لأجل
ان المهيات حيثية ذواتها حيثية التكثر والتخالف بحيث يسرى إلى الوجود كما قالوا إن الوجود يتكثر بتكثر
الموضوعات ويتخالف بتخالفها وبه وجه قول المشائية في الشواهد فيمكن القول بمهيتين بسيطتين مختلفتين
بتمام الذات بخلاف الوجود والجواب التفصيلي عن أصل الشبهة ان يقال من رأس لو كان هناك
واجبان فلا يخلو إما ان يكون وجوب الوجود عينا فيهما ومع ذلك يمتاز كل واحد منهما عن الأخر بذاتهما
129

بان يكون ما به الامتياز عين ما به الاشتراك فذلك هو التمايز بالكمال والنقص فيكون أحدهما علة والاخر
معلولا واما ان يكون جزء لهما فيكونان مركبين واما يكون خارجا عنهما فاما ان يكون العرضي بمعنى المحمول بالضميمة
فلا يكونان واجبي الوجود بمعنى نفس وجوب الوجود بل كان وجوبهما زايدا على ذاتهما واما ان يكون بمعنى الخارج
المحمول فيلزم انتزاع مفهوم واحد من حقيقتين مختلفتين بما هما مختلفتان وقد تبين بطلانه وقس عليه صور
الاختلاف بالعينية والدخول والعروض بل إن سئلت الحق فلا يكون المنتزع منه لمفهوم واحد الا
واحدا إذ لو كان اثنين فخصوصية أحدهما إن كانت شرطا في انتزاع هذا المفهوم فلا يجوز انتزاعه من الأخر
وحمله عليه والا فالقدر المشترك هو المنتزع منه وهو واحد والخصوصية ملغاة وانى قد كتبت في سالف الزمان
في حواشي الاسفار عند قول مصنفه في السفر الأول ان جميع الوجودات الامكانية والانيات الارتباطية
التعلقية اعتبارات وشئون للوجود الواجبي وأشعة وظلال للنور القيومي الخ ما يؤيد المطلبين وهو ان
بيان ذلك على وجه على وجه يذعن به كل من سلمت فطرته عن العصبية والعناد ولم أر هذا النحو من البيان لغيري
ان الحقيقة الواحدة لا تتعدد افرادها الا بان يتخلل شئ من غير تلك الحقيقة بينها كتخلل غير الانسان بين
افراده فإذا فرضنا ان يكون كل شئ مصداقا للمصباح بحيث يكون الفصل المشترك بين مصباح ومصباح أيضا
مصباحا كان الكل شيئا واحدا بلا تعدد أصلا ولا يقدح العظمة في كونه واحدا إذ العظمة أيضا شئ والفرض ان كل
شئ مصداق للمصباح وإن كانت في المتكممات غيرها فان الكم غير المتكمم فهكذا في المصباح الحقيقي الذي هو في
الزجاجة الحقيقية التي هي في المشكاة الحقيقية المشار إليها في أية النور وفى الحقيقة كلها مصابيح لان الزجاجة
والمشكاة كالحديدة المحماة بالنار مملوتان من المصباح فالنور الحقيقي هو كلمة كن لأنها الظاهرة بذاتها المظهرة
لغيرها واما المسمى بالنور عند الجمهور فهو من أضعف الموجودات وليس هو المراد بنور السماوات والأرض فلما لم يتخلل بين
كلمة من كن وكلمة أخرى منه الا كلمة كن ويكون متحققة بالعرض مع انا نتكلم في مجموع كن ويكون لاتحاد هما وكون
التغاير بينهما في بعض مراتب الواقع ببعض الاعتبارات فنعبر بالشيئ المشترك بين المشية والمشيئ وجوده فلم يتحقق
لها افراد ولا اجزاء والحاصل ان كل شئ يتعدد يتخلل الغير بين افراده وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا كل ما لم يتخلل
الغير بين افراده لم يتعدد ونجعل ذلك كبرى لقولنا كلمة كن لم يتخلل الغير بين افرادها فالتعدد الافرادي الذي
يترائى انما هو بين افراد يكون لا في كلمة كن فهى كلمة واحدة كما قال تعالى وما امرنا الا واحدة ولا في الشئ المشترك
ولكنها ذات مراتب مختلفة بالتشكيك الخاصي ما به الامتياز فيها عين ما به الاشتراك وانى وان تكلمت في كلمته
130

لكن المتفطن يرتقى منها إلى المطلوب وان اشتبه على بعض الأوهام العامية ان هذا يتم مع عدم الخلاء فنقول
مع فرض عدم كون الخلا باطلا يتم المطلوب لعدم انحصار الشئ في الجسم فما تصنع بالأنوار والظلمات والكيفيات
من المسموعات والملموسات وغيرها من كأينات الجو على أن الخلاء ليس لأشياء قال الشيخ الرئيس في السماع
الطبيعي من الشفا الصفات التي يصفون بها الخلا يوجب ان يكون الخلا شيئا موجودا وأن يكون كما
وأن يكون جوهرا وأن يكون له قوة فعالة فان اللا شئ لا يجوز ان يكون بين شيئين أقل أو أكثر والخلا
قد يكون بين جسمين أقل أو أكثر فان الخلاء المتقدر بين السماء والأرض أكثر من المتحصل بين بلدين في الأرض
بل له إليه نسبة ما بل وكل منهما يوجد ممسوحا بمقدار فيكون خلاء الف ذراع وخلاء اخر عشرة أذرع
وخلاء يتناهى إلى ملاء وخلاء يذهب إلى غير نهاية وهذه الأحوال لا يحمل البتة على اللا شئ الصرف لأنه يقبل
هذه الخواص وهذه الخواص بذاتها للكم وبتوسط الكم ما يكون لغيره ثم إن الفرق بين الأحدية والواحدية
على اصطلاح العرفاء الكاملين ان الأحدية مرتبة الذات باعتبار انتفاء تعدد الصفات والأسماء والنسب
والتعينات عنه ويقال لهذه المرتبة العماء لأنه لا يعرفها أحد غيره فهو في حجاب الجلال وهذا الاصطلاح
مأخوذ من الحديث النبوي حيث سئل صلى الله عليه وآله أين كان ربنا قبل ان يخلق الخلق فقال كان في عماء وهذه المرتبة
هي حقيقة الحقايق وغيب الغيوب والتجلي الذاتي أعني تجلى الذات للذات والواحدية اعتبار الذات
من حيث نشوء الأسماء والصفات منها ويقال لهذه المرتبة البرزخ الجامع واصل البرازخ والتعين الأول
والأفق الاعلى وعين الجمع ومقام أو أدنى والطامة الكبرى ومجلى الذات الأحدية وهو أول المجالي
فان مرتبة الأحدية التي قبل هذه المرتبة ليست مجلاة لشئ إذ لا اعتبار للتعدد فيها أصلا وما عداها كلها
مجال باطنة أو ظاهره ولذا تداولت على ألسنتهم المجالي الخمسة والمراتب الست والى هاتين المرتبتين أشير
في حديث كميل بقوله (ع) الحقيقة جذب الأحدية لصفة التوحيد ولما كان الحديث شريفا غاية
الشراقة لا باس ان نذكره ونشرحه اجمالا لأنه لا يحيط بتفصيله نطاق البيان إذ فيه اسرار علم التوحيد فنقول
سئل كميل ابن زياد عن علي (ع) ما الحقيقة فقال (ع) مالك والحقيقة يا كميل فقال أولست صاحب (شرك)؟
قال بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح منى فقال أو مثلك يخيب (ما)؟ فقال (ع) الحقيقة كشف
سبحات الجلال من غير إشارة سبحات وجه الله انواره كما في القاموس وفى الحديث ان
لله سبعين الف حجاب من نور وسبعين الف حجاب من ظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات
131

وجهه كلما انتهى إليه بصره ويمكن ان يراد بها الأنوار الذاتية وان يراد بها الأنوار الفعلية من
الأنوار القاهرة وكونها حقيقة لأجل انها من صقع الحقيقة وانها باقية ببقائها موجودة بوجودها وقوله (ع)
من غير إشارة إشارة إلى مقام الفناء والفناء عن الفناء إذ ما دمت باقيا بإنيتك مشيرا إليه فقد خليت نفسك
عنه وصيرته محدودا قال (ع) من قال على م فقد أخلي منه وقد ذكرنا في برهان عدم تخلل الغير ان المشير والإشارة
وغير هما كلها كلماته ولذا قال الشيخ الشبلي من أشار إلى التوحيد بإشارة فهو زنديق وقال الشيخ
عبد الله الأنصاري س ما وحد الواحد من واحد * إذ كل من وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته * عارية أبطلها الواحد * توحيده إياه توحيده
ونعت من ينعته لاحد وقيل تا يكسر موز خويشتن آكاهى * كردم زنى از رآه فنا كمراهى
تا بود يكذره از هستى بجاى * كفر باشد كر نهى در عشق پاى * كر همه عالم ثواب تو بود
تا تو باشى آن عذاب تو بود * تا تو با خويشى عدد بيني همه * چون شوى فانى خدا بيني همه
وهذه الأبيات الثلاثة من الشيخ فريد الدين العطار النيشابوري س ولما لم يتعرض لمقابل البيت
الثاني هنا قلت مقتبسا من كلامه كر ترا باشد ثواب عالمي * تا تو باشى آن نيرزد درهمي
باز اكر تو يكجهان داري كناه * نيست باك أر بيخودى ز انروى ماه انما المأثور في النص الجلي
لا يضر السيئ حب على فقال زدني بيانا قال محو الموهوم وصحو المعلوم المراد بالموهوم
وجه النفس من كل شئ وبالمعلوم وجه الله منه والتعبير بالمعلوم المراد به اليقين لأجل ان الغايات كما قال الحكما
منقسمة إلى الخيرات اليقينية والظنية والتخيلية الأولى للمقربين والثانية لأصحاب اليمين والثالثة لأصحاب
الشمال والدنيويين لان مطلوبات هؤلاء في حركاتهم انما هي الأمور المحدودة الداثرة الزايلة ومطلوبات
أصحاب اليمين وإن كانت محدودة أيضا ولهذا كانت خيرات ظنية لا حقيقية الا انها دائمة باقية واما
مطلوب المقربين فإنه عالم العقل الذي هو دار اليقين بل ما فوقه فان يقين الحق هو حق اليقين والصحو ذهاب
الغيم والسكر وترك الصبى والباطل كذا في القاموس ففي التعبير به إشارة إلى أن الموهوم الذي هو المهية
والعين الثابت والوجه الذي للوجود إليها غيم وحجاب لنور شمس الحقيقة والاشتغال به اشتغال بالباطل
الا كل شئ ما خلا الله باطل وسكر وصبى كما قال صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله
وعرى أفراس الصبى ورواحله فقال زدني بيانا قال (ع) هتك الستر وغلبة السر الستر
132

عند العرفاء الشامخين كل ما يحجبك عما يغنيك كغطاء الكون والوقوف مع العادات والأعمال والسر
كما مر عند شرح اسم عالم السر والخفيات هو ما يخص كل شئ من الحق وسر الحقيقة ما لا يفشى من حقيقة الحق
في كل شئ فقال زدني بيانا قال (ع) جذب الأحدية لصفة التوحيد قد عرفت معنى الأحدية
والواحدية المعبر عنها ههنا بالتوحيد واللام في الصفة صلة للجذب يعنى ان الحقيقة ان يتجلى نور الأحدية ويرفع
حجب كثرة الأسماء التي في مقام الواحدية فضلا عن ظلمة كثرة المظاهر فقال زدني بيانا قال (ع) نور
يشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد اثاره المراد بالنون هو النور الفعلي الذي
استشرقت به السماوات والأرض وهو الفيض المقدس والمراد بصبح الأزل هو الفيض الأقدس وبالهياكل
المهيات وبالتوحيد حقيقته ومصداقه وهو التوحيد التكويني كما قال تعالى شهد الله انه لا اله الا هو وفى
الحديث الذي قد مر التوحيد الحق هو الله وفى حديث اخر التوحيد ظاهره في باطنه وباطنه
في ظاهره الحديث وأشار بلائحية اثاره إلى اختفائه من فرط ظهوره فلاحت عند العقول والأوهام اثاره
وعلاماته وهذه الفقرة إشارة إلى الوحدة في الكثرة والفقرة التي قبلها أعني قوله (ع) جذب الأحدية
لصفة التوحيد إشارة إلى الكثرة في الوحدة وأيضا هذه إشارة إلى رسم الحقيقة من باب الفواعل والبدايات
وتلك إشارة إلى رسمها من باب الغايات والنهايات فقال زدني بيانا قال (ع) أطف السراج فقد
طلع الصبح يعنى أطف سراج عقلك أي تفحصه وتفتيشه فقد طلع صبح مطلوبك من أفق البيان وفيه ايماء
إلى أن اظهار البيان للحقيقة مثل اظهار السراج للصبح بل الحق المبين يبين البيان كما مر في اسمه تعالى البرهان ونعم ما قيل
زهى نادان كه أو خورشيد تابان * بنور شمع جويد در بيابان * علم چون بر فرازد شاه فرخار
چراغ آنجا نمايد چون شب تار ولذا أوثق الدلايل وأشرفها هو الاستدلال بالوجود عليه كما هو
طريقة الحكماء الإلهيين لان الامكان والحدوث والحركة التي في الطرق الأخرى من الأسماء السوئ والصفات
الخلقية والحق وأسمائه أظهر من كل شئ إذ الكل به ومنه وله واليه فكيف يستدل عليه بما هو في وجوده مفتقر إليه
يا شاهد يشاهد ذاته بذاته ويشاهد ما نشاهد بعين شهودنا وهو هو ونحن نحن لاحول ولا قوة الا بالله
العلي العظيم يا ماجد يا حامد يا راشد يا باعث في البرزخ يا وارث في
القيمة الكبرى يا ضار يا نافع ومظاهر هما الأدوية والأغذية الضارة والنافعة ومضرته لأهل
الخذلان لا لأهل التوفيق لان كامليهم لا يردن مضره كما مر في اسم كاشف البلايا ومن دونهم من أصحاب
133

اليمين وان ليس لهم هذا النظر لكن لا مضرة بالنسبة إليهم في الواقع بل المضرة مطلقا من لوازم الافعال
المتضررين لا غير والمضرة من حيث انتسابها إليه تعالى مضرة بالحمل الأولى لا بالحمل الشايع سبحانك الخ
يا أعظم من كل عظيم من العظما العقول والنفوس فان كل عقل بسيط الحقيقة فهو كل الفعليات
التي دونه وكل رب نوع واجد لجميع كمالات نوعه بنحو أعلى وأتم وكل نفس إنساني عالم عظيم جدا فيه
جميع ما في العالمين فبحسه يتحد بكل حس ومحسوس وبعقله يتحد بكل عقل ومعقول ولا سيما النفوس الحكيمة
العارفة لان الحكمة صيرورة الانسان عالما عقليا مضاهيا للعالم العيني في صورته ورقشه وهو تعالى أعظم
من جميعها لأنه قاهر عليها محيط بها بل لا نسبة لعظمته إلى عظمتها يا أكرم من كل كريم
يا ارحم من كل رحيم يا اعلم من كل عليم يا احكم من كل حكيم يا أقدم من كل قديم
يا أكبر من كل كبير يا الطف من كل لطيف لطف كنصر لطفا بالضم رفق ودنى
والله لك أوصل إليك مرادك بلطف وككرم لطفا ولطافة صغر ودق فهو لطيف كذا في القاموس
فان جعلنا هذا لاسم من لطف لطفا كنصر كان معناه أبر وأشد احسانا برفق ولطف من كل
لطيف ومن هذا الباب اللطيف في قوله تعالى الله لطيف بعباده وان جعلناه من لطف لطافة
كان معناه أشد تجردا من كل لطيف ومجرد ومن هذا الباب اللطيف في قوله تعالى الا يعلم من خلق
وهو اللطيف الخبير فان اللطيف هنا بمعنى المجرد ليكون دليلا على علمه تعالى بمعلولاته إذ قد تقرر
في مقره ان كل مجرد عاقل فاللطيف إشارة إلى أنه تعالى مجرد والخبير إلى أنه عالم بذاته بمقتضى القاعدة
المقررة ومن خلق إشارة إلى أنه تعالى علة للأشياء وقد تقرر أيضا ان العلم بالعلة يستلزم
العلم بالمعلول فنتيجة ذلك أنه تعالى يعلم مخلوقاته كلياته وجزئياته إذ لا مؤثر في الوجود بشراشره
الا الله فظهر ان تفسيره هنا بالبر الرؤف المحسن إلى خلقه برفق لا يثبت هذا المطلوب كاللطيف
في قوله تعالى لا يدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير ومما يقضى
منه العجب ان الفاضل الچلبي في حاشية المطول فسر اللطيف في هذه الآية بالرؤوف وخالف
العلامة التفتازاني حيث حمله في بديع المطول على ما هو مأخوذ من اللطافة فانظر كيف فكك
نظم الآية بتفسيره البارد الواهي وإن كان نظره إلى أن اللطافة من الكيفيات المحسوسة فلا يليق بجنابه
فالرحيم أيضا معناه رقيق القلب والسميع والبصير معنا هما المدرك بالجارحة وكذا في كثير من أسمائه
134

بل كلها فيه تعالى بمعنى لايق بجنابه فاللطافة ونظايرها في كل بحسبه ففي المجردات تجردها على مراتبها
يا أجمل من كل جميل لان كل جمال وكمال رشح وفيض من بحر جماله وكماله يا أعز من
كل عزيز سبحانك الخ يا كريم الصفح مصدر صفح عنه كمنع أي عفا يا عظيم المن
يا كثير الخير أي غير متناهي الخير بل هو وراء الغير المتناهى في الخير عدة ومدة وشدة وغير المتناهي
أيضا كثير والمراد إما الخير الذاتي أي كثير الحسن والبهاء واما الخير الموصل إلى الغير أي كثير النفع للغير يا قديم
الفضل والمتفضل عليه حادث يا دائم اللطف والملطف به داثر وزايل يا لطيف الصنع
أي دقيق الصنع لا يعلم خفاياه ومزاياه كما هو حقه الا هو يا منفس الكرب يا كاشف الضر
يا مالك الملك أي والى ملك الوجود بقضه وقضيضه يا قاضى الحق لا جور في مشيته ولاظلم
في سبحانه سبحانك الخ يا من هو في عهده وفى فإنه سبحانه عاهد معنا يوم الست
بربكم ان يكون ربنا ومولانا ونكون نحن عبيده ونحن نكثنا هذا العهد وصرنا عبدة الطاغوت وهو اوفى
بما عهد مع خلفنا وعده فكيف إذا صدقنا في الوعد وعهد إلينا ان من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا
وقد اوفى بما عهد ولم يبعد عنا تكوينا مع مباعدتنا عنه تشريعا الا انهم في مرية من لقاء ربهم
الا انه بكل شئ محيط فيكف إذا تقربنا إليه تشريعا العبودية جوهرة كنهها الربوبية
وعهد إلينا ان من يفنى عن نفسه يبقى به اقتلوا أنفسكم فتوبوا إلى بارئكم ونحن لم نف ولم نفن
وهو اوفى بما عهد وبقينا به هو الأول والاخر والظاهر والباطن فكيف إذا فنينا من أنفسنا
من كان لله كان الله له من قتلته فعلى ديته ومن على ديته فانا ديته وهكذا له سبحانه
معنا معاهدات وايفاءات ولنا نقوض واخلافات يا من هو في وفائه قوى يعنى انه
مع كونه وفيا بعهده ليس في وفائه وهي ورخاوة بل وثاقة ومتانة يا من هو في قوته على
أي قوة وفائه في أعلى المراتب أو قوته المطلقة وقدرته على الاطلاق في أعلى الأنحاء يا من هو
في علوه قريب يعنى انه في عين كونه في أعلى مقام غيب غيوبه قريب إلى أدنى الأداني وعرشه
محيط بالفرش لا كالعالي الجسماني حيث يخلو منه الداني يا من هو في قربه لطيف
لان قربه ليس كالقرب في الجسمانيات فان هذا قرب شئ بشئ وذلك قرب شئ بفيئ وفى هذا
كل من القريبين خال عن الأخر وفى ذلك وإن كان لاحد القريبين شأن ليس للاخر ذلك
135

الشأن لكن ليس للاخر شأن الا وله ذلك يا من هو في لطفه شريف لان لطافته ليست
كلطافة الجسمانيات فتفطن وقس على ما ذكر باقي أسماء هذا الفصل أعني يا من هو في شرفه
عزيز يا من هو في عزه عظيم يا من هو في عظمته مجيد يا من هو في مجده
حميد وخلاصة مفاد هذه الأسماء الشريفة ان كل صفة من صفاته خيار من خيار ولب اللب
وروح الروح ونور النور ويناسب المقام ما قيل في المجاز صاف مرواريد ومه را پختند
طرح لوح سينه اش را ريختند سبحانك الخ اللهم إني أسئلك بسمك يا كافي
يكفى مهمات من يتوسل به باسقاط الوسايل وهذا الاسم مع العالي من أسماء هذا الفصل كل
واحد عدد مأة واحد عشر كالاف مع زبره وبيناته وفى اتحاد الألف والكافي في العدد الذي
روحهما إشارة إلى أن الألف الذي هو حرف الذات هو الكافي ويناسبه ما قيل دل كفت مرا علم لدني هوس است
تعليمم كن اكر ترا دست رس است * كفتم كه الف كفت دكر هيچ مكو * در خانه اكر كس است يكحرف بس است
وقد روى عن سيد العارفين وقبلة الموحدين علي (ع) العلم نقطة كثرها الجاهلون وهذه النقطة
هي النقطة التي هي أصل النقوش التكوينية والخطوط الوجودية وأرقام الحروف العالية والعلم والمعلوم
بالذات متحدان ويؤيده ان النقطة مأة وأربعة وستون بعدد الجمل من الحروف والنقاط
والأعاريب إشارة إلى أن كلها منازل النقطة أو هذا عدد الجيم من لفظ الجمل زبرا والميم واللام منه
زبرا وبينة وصورته الرقمية 64 أو هي أحد عشر لان رقم الألف والمائة والعشرة والواحد واحد بحذف
الصفر لان أصل الاعداد ومقومها هو الواحد كما مر وكذا رقم الستين عند الترقي إلى جانب الوحدة
بحذف الصفر ورقم الستة واحد واحد عشر هو عدد هو وهنا معنى لطيف وهو ان النقطة يصير نطقه
بتقديم الطاء على القاف أو بالقلب بالقاعدة التي أشرنا إليها فان النون هو الهاء إذا ترقى
بحذف الصفر والها هو النون إذا تنزل فالقاف إذا ترقى إلى جانب الواحد فهو عشرة والعشرة بعد
التسعة التي هي الطاء رتبة فالمعنى ان العلم منطو في النقطة وهو ان النطق هو وقد مر ان التوحيد الحق
هو الله وقال تعالى حتى يتبين لهم انه الحق والها وهو واحد لأنه إذا اعتبر مع بينته يصير ستة
عدد الواو فيكون هو وجه اخر هو ان النون منها نون النور والقاف قاف القدرة وطه خاتم
الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى وطه أربعة عشر بعدد ساداتنا
136

المعصومين وكلهم نور واحد وقد مر ان الطاء ادم والها حوا لان صورتها الرقمية المفصلة هكذا 15 وهو
عدد حوا وادم وحوا وأولادهما كلهم رقايق الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وآله فالمعنى ان العلم ان نور القدرة
هو النور المحمدي صلى الله عليه وآله الساير في المجالي الأربعة عشر بل المظاهر الأخر يا شافي أمراضنا
نفسانية أو بدنية يا وافى يا معافى من عافاه الله من المكروه معافاة وعافية وهب له العافية
من العلل والبلاء يا هادي هو الذي بصر عباده وعرفهم طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته ووحدانيته
وهدى كل مخلوق إلى ما لابد منه له في مصالح وجوده وبقائه وديمومته بحسبه والهداية إما ايصال
إلى المطلوب واما إراءة الطريق الموصل إليه واما تكوينية واما تشريعية والتكوينية عامة لكل مخلوق
كما قال تعالى والذي قدر فهدى وقال أيضا ربنا الذي اعطى كل شئ خلقه ثم هدى والتشريعية
خاصة باهل التوحيد والمعرفة والتكوينية ايصال إلى المطلوب ليس الا بخلاف التشريعية واسمه هذا يستخرج
من كل من أوله واخره ووسطه اسم هو لان أوله الها وقد عرفت ان زبره خمسة عدد الها وزبره
وبينته ستة عدد الواو واخره إليا وزبره وبينته أحد عشر وهو عدد هو ووسطه الألف والدال
وهما خمسة والخمسة هو الها والها هو هو وصور حروفه الرقمية مفصلة هكذا 10415 وجمعها بحذف
الصفر أحد عشر وهو هو يا داعى يا قاضى يا راضي بذاته وبآثار ذاته لأنه أجل مدرك لا بهى
مدرك هو ذاته أتم ادراك فهو راض بذاته أشد انحاء الرضا ومن رضي بشئ رضي باثاره ولوازمه
بما هي اثاره ولوازمه وبهذا المعنى قال حكماء الاشراق انه تعالى فاعل بالرضا واما عند المشائين فهو
فاعل بالعناية وعند الصوفية فاعل بالتجلي وعند المتكلمين فاعل بالقصد وعند الدهرية خذلهم الله
فاعل بالطبع وتعاريفها على ما ذكره صدر المتألهين س في كتابه الكبير وغيره ان الفاعل بالرضا هو
الذي يكون علمه بذاته الذي هو عين ذاته سببا لوجود أفاعيله التي هي عين معلوماته وإضافة عالمية
بها هي بعينها نفس إفاضة لها من غير تعدد ولا تفاوت أصلا والفاعل بالعناية هو الذي يتبع فعله
علمه بوجه الخير فيه بحسب نفس الامر ويكون علمه بوجه الخير في الفعل كافيا لصدوره عنه من غير قصد
زايد على العلم وداعية خارجة عن ذات الفاعل هكذا عرفه س ولكن هذا تعريف الفاعل بالعناية
بالمعنى الأعم الشامل للفاعل بالتجلي ولذا لم يذكر الفاعل بالتجلي في الأمور العامة في شئ من الموضعين
اللذين تكلم فيهما من أقسام الفاعل لا في مبحث العلة والمعلول ولا في مبحث القوة والفعل وان
137

ذكره في الشواهد والمشاعر والعرشية وغيرها فإذا أردت ان تعرف الفاعل بالعناية
بالمعنى الأخص الذي يطلق عليه تعالى عند المشائين بحيث يمتاز عن الفاعل بالتجلي نقول
الفاعل بالعناية هو الذي يتبع فعله علمه الخ ويكون علمه بفعله زايدا على ذاته وعلى علمه بذاته لان العناية
عند المشائين نقش زايد على ذاته لقولهم بالارتسام في العلم التفصيلي بالأشياء والفاعل بالتجلي هو
هو الذي يكون علمه بفعله منطويا في علمه بذاته ويكون علمه الاجمالي بالأشياء في عين الكشف التفصيلي لها فان
الحق في العناية كون بسيط الحقيقة بوحدته واجدا لكل الخيرات واما الفاعل بالقصد فهو الذي يصدر
عند الفعل مسبوقا بإرادته المسبوقة بعلمه المتعلق بغرضه من ذلك الفعل ويكون نسبة أصل قدرته
من دون انضمام الدواعي والصوارف إلى فعله وتركه في درجة واحدة والفاعل بالطبع هو الذي
يصدر عنه الفعل بلا علم واختيار ويكون فعله ملايما لطبعه ووجه الضبط الداير بين النفي والاثبات
لأقسام الفاعل بحيث يندرج فيها الثلاثة الأخرى أعني الفاعل بالقسر والفاعل بالجبر والفاعل
بالتسخير ان يقال الفاعل إما عالم بفعله أو لا والثاني إما فعله ملايم لطبعه فهو الفاعل بالطبع أو لا
فهو الفاعل بالقسر والأول إما ان يكون علمه بذاته كافيا في صدور الفعل ويكون العلم بالفعل
في مرتبة وجوده وعين وجوده بلا سبق فهو الفاعل بالرضا أو لا يكفى ولا يكون العلم عين
وجوده بل سابقا عليه فاما ان يكون متعلقا بغرض عايد إليه مستتبعا للشوق والعزم فهو الفاعل
بالقصد إن كان فعله ملائما لإرادته والفاعل بالجبر ان لم يكن واما ان لا يكون متعلقا بما ذكر بل
كان فعليا كافيا في الصدور من غير استتباع لشوق وإرادة زايدين فهو الفاعل بالعناية
ان لم يكن منطويا في العلم بالذات بل كان زايدا والفاعل بالتجلي إن كان ثم الطبع أو القصد
والإرادة إن كان مسخرا للغير فهو الفاعل بالتسخير والا فلا واعلم أن أصناف الفاعلية متحققة
في النفس بالقياس إلى أفاعيلها المتفننة فان فاعليتها بالقياس إلى علومها وبالقياس
إلى قواها الجزئية المنبعثة عن ذاتها المستعملة إياها المستخدمة لها كوهمها وخيالها بالتجلي
في مقام وبالرضا باعتبار ان إفاضة النفس تلك العلوم وعلمها بها واحد وان النفس تستخدم
المفكرة في تفضيل الصور الجزئية وتركيبها حتى ينتزع الطبايع من الشخصيات ويستنبط النتايج
من المقدمات وليس لتلك القوى ادراك ذواتها لكونها جسمية والتجسم ممن موانع الادراك
138

على أن الوهم الذي هو رئيس القوى ينكر نفسها فيكف حال ساير المدارك الجزئية والاستخدام
لا يتم الا بادراك جزئي لما يستخدم وما يستخدم فيه فالنفس تدرك الآلات المنبعثة عنها
بنفس ذاتها المدركة وذواتها المدركة لا بادراك تلك القوى لذواتها كما علمت ولا بادراك
آلة أخرى إذ لا آلة للالة وفاعليتها بالقياس إلى ما يحصل منها بمجرد التصور والتوهم بالعناية كالسقوط
من الجدار المرتفع الحاصل منها من تخيل السقوط والقبض الحاصل في جرم اللسان المعصر للرطوبة من
تصوره للشيئ الحامض وفاعليتها بالقياس إلى ما يحصل منها بسبب البواعث الخارجة عنها الداعية
لها إلى ما يحصل أغراضها واستكمالاتها بالقصد كالكتابة والمشي وغير هما وفاعلية النفس الصالحة الخيرة
لفعل القبايح كفعل الزنا وشهادة الزور بالجبر وفاعليتها لحفظ المزاج وإفادة الحرارة الغريزية في البدن
وما أشبهها بالطبع وفاعليتها للحرارة الحمائية وساير الأمراض بالقسر وفاعلية قواها لافاعيلها طاعة وامتثالا
لأمرها بالتسخير كطاعة جميع المبادى لمبدء المبادى وعلة العلل كل مسخرات بأمره وفى اقتران الراضي بالقاضي
إشارة لطيفة إلى أن الرضا في مظاهره بالقضا حتم ولازم من لم يرض بقضائي فليطلب ربا سوائي
يا عالي يا باقي سبحانك الخ يا من كل شئ خاضع له يا من كل شئ خاشع له يا من
كل شئ كائن له واللام هنا للغاية وفيه إشارة إلى أنه تعالى غاية لكل شئ فإنه غاية الغايات ومنتهى النهايات
كما في الحديث القدسي يا بن ادم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي وان كلما يصدق
علية الشئ لابد له من غاية حتى للعبث والجزاف والعادي والقصد الضروري قال الشيخ الرئيس في الهيات
الشفا واما بيان أمر العبث فيجب ان تعرف ان كل حركة إرادية فلها مبدء قريب ومبدء بعيد فالمبدء
القريب هو القوة المحركة في عضلة العضو والمبدء الذي يليه هو الاجماع من القوة الشوقية والا بعد
من ذلك هو التخيل أو التفكر نا فإذا ارتسم في التخيل أو التفكر النطقي صورة ما فحركت القوة الشوقية إلى الاجماع
خدمتها القوة المحركة التي في الأعضاء فربما كانت الصورة المرتسمة في التخيل أو الفكر هي نفس الغاية التي
ينتهى إليها الحركة وربما كانت شيئا غير ذلك الا انه لا يتوصل إليه لا بالحركة إلى ما ينتهى إليه الحركة أو يدوم
عليه الحركة مثال الأول ان الانسان ربما ضجر عن المقام في موضوع ما وتخيل في نفسه صورة موضع
اخر فاشتاق إلى المقام فيه فيتحرك نحوه وانتهت حركته إليه فكان متشوقة نفس ما انتهى إليه تحريك
القوى المحركة للعضلة ومثال الثاني ان الانسان قد يتخيل في نفسه صورة لقائه لصديق له فيشتاقه
139

فيتحرك إلى المكان الذي يقدر مصادفته فيه فينتهى حركته إلى ذلك المكان ولا يكون نفس ما انتهت إليه
حركته المتشوق الأول الذي نزع إليه بل معنى اخر لكن المتشوق يتبعه ان يحصل بعده وهو لقاء الصديق
فقد عرفت هذين القسمين ويبين لك من ذلك بأدنى تأمل ان الغاية التي ينتهى إليها الحركة في كل حال
من حيث هي غاية حركة هي غاية حقيقية أولي للقوة الفاعلة للحركة التي في الأعضاء وليس للقوة المحركة
التي في الأعضاء غاية غيرها لكنه ربما كان للقوة التي قبلها غاية غيرها فليس يجب دائما ان يكون ذلك الامر
غاية أولي للقوة الشوقية تخيلية كانت أو فكرية ولا أيضا يجب دائما ان لا يكون ثم قال فان اتفق ان يتطابق
المبدء الأقرب وهو القوة المحركة والمبدان اللذان بعده أعني الشوقية مع التخيل أو الشوقية مع الفكرة
كانت نهاية الحركة هي الغاية للمبادئ كلها وكان ذلك غير عبث لا محالة وان اتفق ان يختلف أعني
ان لا يكون ما هو الغاية الذاتية للقوة المحركة غاية ذاتية للشوقية وجب ضرورة ان يكون لها غاية أخرى
بعد الغاية التي للقوة المحركة التي في العضو ثم قال فكل نهاية ينتهى إليها الحركة أو يحصل بعد نهاية الحركة ويكون
الشوق التخيلي أو الفكري قد تطابقا عليها فبين انها غاية إرادية وليست بعبث البتة وكل نهاية ينتهى إليها الحركة
ويكون هي بعينها الغاية المتشوقة التخيلية ولا يكون المتشوقة بحسب الفكرة فهى التي تسمى العبث وكل غاية ليست
هي نهاية الحركة ومبدئها تشوق تخيلي غير فكرى فلا يخلو إما ان يكون التخيل وحده هو المبدء لحركة الشوق أو
التخيل مع طبيعة أو مزاج مثل التنفس أو حركة المريض أو التخيل مع خلق أو ملكة نفسانية داعية إلى ذلك
الفعل بلا روية فإن كان التخيل وحده هو المبدء المشوق يسمى ذلك الفعل جزافا ولم يسم عبثا وإن كان تخيل
مع طبيعة مثل التنفس يسمى ذلك الفعل قصدا ضروريا أو طبيعيا وإن كان تخيل مع خلق أو ملكة نفسانية
يسمى ذلك الفعل عادة لان الخلق انما يتقرر باستعمال الافعال فما يكون بعد الخلق يكون عادة لا محالة
وإن كانت الغاية التي للقوة المحركة وهي نهاية الحركة موجودة ولم يوجد الغاية الأخرى التي بعدها
وينحوها الشوق وهي غاية الشوق فيسمى ذلك الفعل بط كمن حصل في المكان الذي قدر فيه مصادفة
الصديق ولم يصادفه هناك فسمى فعله باطلا بالقياس إلى القوة المتشوقة دون القوة المحركة وبالقياس
إلى الغاية الأول دون الغاية الثانية وإذا تقررت هذه المقدمات فقول القائل ان العبث فعل من
غير غاية التبة هو قول كاذب وقول القائل أيضا ان العبث فعل من غير غاية البتة هي خير أو مظنونة خيرا
هو قول كاذب إما الأول فان الفعل انما يكون بلا غاية إذا لم يكن له غاية بالقياس إلى ما هو مبدء
140

حركته لا بالقياس إلى ما ليس مبدء حركته والى أي شئ اتفق وما مثل به في الشك من اللعب باللحية
فمبدأ حركته القريب هو القوة التي في العضلة والذي قبله شوق تخيلي بلا فكر وليس مبدئه فكرا البتة
فليست فيه غاية فكرية وقد حصلت فيه الغاية التي للشوق التخيلي والقوة المحركة انتهى ما أردنا من كلامه
يا من كل شئ موجود به فان المهية بنفسها غير مستحقة لحمل موجود ولا لحمل معدوم بل يحتاج
في حمل موجود إلى الحيثية التقييدية والتعليلية والوجودات الخاصة أيضا تحتاج إلى الحيثية التعليلية وهو تعالى
مصداق لحمل موجود بلا احتياج إلى حيثية أصلا فكل شئ موجود بانتسابه إليه واضافته الاشراقية
أعني الحق المخلوق به ما خلقنا السماوات والأرض الا بالحق يا من كل شئ منيب إليه
الإنابة في اللغة الرجوع وفى اصطلاحات العرفا لها مراتب بحسب مقامات السالكين ففي البدايات
هي الرجوع إلى الحق بالوفاء بعهد التوبة وفى مقام اخر الاستغراق في بحار سبحات الجمال والانقطاع
عن الأغيار لهتك أستار الجلال ثم في مقام اخر اللياذ بنور أحدية الذات من استيلاء سلطنة أنوار
كثرة الصفات ثم في النهايات الاضمحلال في عين جمع الوجود عن رسم التعين بمحض الشهود يا من
كل شئ خائف منه يا من كل شئ قائم به قياما عنه لا قياما فيه وبعبارة أخرى قياما صدوريا
لا قياما حلوليا كقيام الظل بالشاخص وقيام العكس بالعاكس وقد قيل زير نشين علمت كأينات
ما بتو قائم چو تو قائم بذات يا من كل شئ صاير إليه الا إلى الله تصير الأمور يا من
كل شئ يسبح بحمده قال تعالى في كتابه المجيد وان من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون
تسبيحهم قرء تفقهون يصيغة الخطاب وبصيغة الغيبة فعلى الأول معناه لا تفقهون أنتم تسبيحهم
لانغماركم في عالم الظلمات وانهما ككم في نشاة الغواسق ولكونهم شاعرين اطلق ضمير جمع العقلا عليهم مرة
أو مرتين وفى اتيان يسبح بلفظ الواحد المذكر إشارة إلى انهم باعتبار انهم مسبحون بحمده وباعتبار وجههم
إلى الله واحد وان كانوا باعتبار أوجههم إلى أنفسهم كثيرين وعلى الثاني معناه انهم لا يعلمون بالعلم التركيبي؟؟
تسبيحهم وان علموا بالعلم البسيط باعتبار استلزام التنزيه الشعور بالمسبح فإنه كما أن الجهل بسيط ومركب
كذلك العلم منه بسيط وهو عبارة عن ادراك شئ مع الذهول عن ذلك الادراك وعن التصديق
بان المدرك ماذا ومنه مركب وهو ادراك الشئ مع الشعور والإدراك لهذا الادراك وان المدرك ما هو
والعلم بالحق على الوجه البسيط حاصل لكل موجود وكيف لا يكونون عالمين وقد علمت أن الوجود عين العلم
141

والظهور بل عين صفات كمالية اخر لكن بحسب تفاوت الوجود تتفاوت ظهورها في المظاهر فما وجوده أشد
كمالاته أتم وما وجوده أضعف كمالاته انقص فعلم كل شئ يتقدر بقدر وجوده إذ درك الشئ وجدانه ونيله
والوجود لا ينفك عن نفسه وأي وجدان ونيل أشد من وجدان الشئ نفسه وما يقوم نفسه فان ثبوت
الشئ لنفسه ضروري وسلبه عن نفسه محال وأيضا نحن نسمى احياء شاعرين عالمين لمعية النفس الحية العالمة
بالذات لكونها من معدن الحياة ومنبع العلم لابد اننا والا فهى بما هي أجسام من عالم الموت والجهل وفقد
العلم وقد ثبت ان لكل نوع من الأنواع الطبيعية عقلا في عالم الابداع يربه ويدبره وهو ذو عناية به
ومعيته لرقايقه أشد من معية النفس للبدن وأيضا هو معكم أينما كنتم ومع كل شئ لا بمقارنة
وغير كل شئ لا بمزايلة أينما تولوا فثم وجه الله فإذا كان معية النفس الفقيرة في وجوده وتوابع
وجوده للأبد ان الميتة الجاهلة بالذات مناط حمل الحي العالم وغير ذلك عليها فكيف لا يكون معية واجب
الوجود المتصف بذاته بالحياة والعلم وغير هما للأشياء منشأ استحقاق صدق الشعور عليها ومعيته أشد
من معية كل عقل ونفس ولذا أضاف تعالى الحمد إلى نفسه فقال يسبح بحمده وإذا علمت أن الوجود عين
الشعور فاعلم أن شعور كل شئ بوجوده أو وجود غيره تركيبا أو بسيطا شعور بقيومه لان الوجودات
هويات تعلقية ومعان حرفية وروابط محضه لا استقلال لها أصلا علما وعينا بدون جاعلها وان
كانوا ذاهلين عن أن المشعور به ما هو الا الخواص منهم وقد أشار تعالى في مواضع من كتابه إلى كون
الأشياء ذوي شعور بربهم كقوله انما امره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
وقوله وإذ قلنا للسموات والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين وقوله انا
عرضنا الأمانة على السماوات والأرض الآية وقوله يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض
إلى غير ذلك وانى قد ذكرت في حواشي الاسفار في سالف الزمان في بيان التسبيح ان بيان
ذلك وانى البيان من العيان ان الكلام المتعارف عند الجمهور يسمى كلاما لكونه موضوعا بحيث
يكون حضور خصوصيات الأصوات منشأ لحضور خصوصيات الأشياء وينتقل منها إليها مع جريان
العادة بذلك فلو فرضنا خصوصيات حركات أو كيفيات اخر سوى الكيفيات المسموعة موضوعة
بإزاء خصوصيات الأشياء المدلولة بحيث يجرى العادة بالانتقال منها إليها وحضور الثانية
بمجرد حضور الأولى كما في الأصوات كانت كلمات بلا شايبة مجاز وكانت حال الأصوات حينئذ
142

كحال الحركات أو الكيفيات الأخر محسوسة أو غيرها الان في عدم الدلالة على معنى وكون الكلام صوتا
من الأمور الاتفاقية لا لأنه لو لم يكن صوتا لم يكن كلاما وانما اختاروا الأصوات المتقاطعة في الفم لكونها
أسرع وصولا وأعلى وأسهل تأدية والا فهى موجودات مما في العالم وكيفيات مثل كيفيات محسوسة اخر
فالمناط في الكلام الوضع مع تكرر حضور الموجودات المدلولة عند حضور الموجودات الدالة إذا عرفت هذا
فنقول كل موجود له دلالة ذاتية على خصوصية جمال أو جلال في مبدء كل جمال وجلال بوضع إلهي ذاتي
من عرف تلك الدلالة وذلك الوضع عرف تسبيحها وتلك الدلالة وذلك الوضع لما كانا ذاتيين
كانا باقيين غير متبدلين وكانا مجتمعين مع الدلالة والوضع للأشياء إذ الأولان طوليان والاخران
عرضيان كما أنهما عرضيان أيضا وما بالعرض يزول وقد جاء سفراء الحق لتبيين الأوضاع الإلهية
وتأسيس زوال الدلالات العرضية وانى لاسمع ذكر الاذكار وحمد المحامد وارى من يذكر الله لا عن
قلب حاضر بل عن خاطر متشتت وذكره يذكر الله ولا يشعر الذاكر به فافهم يا من كل شئ هالك الا وجهه
سبحانك يا من لا مفر إلا إليه ففروا إلى الله يا من لا مفزع الا إليه في الدعاء
أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ بك منك فالفقرة الأولى
إشارة إلى توحيد الافعال والثانية إلى توحيد الصفات والثالثة إلى توحيد الذات وفى دعاء أبى حمزة
الثمالي هربت منك إليك يا من لا منجى الا إليه في دعاء تكبيرات افتتاح الصلاة لا مهرب
ولا مفزع ولا منجى منك الا إليك وجميع هذه وأسماء هذا الفصل إشارات إلى التوحيد يا من
لا يرغب الا إليه أي بالنظر الفنائي يا من لا حول ولا قوة الا به إشارة إلى توحيد
الافعال والحول هنا الحركة من حال يحول حولا إذا تحرك والمعنى لا حركة ولا قوة الا بمشيته يا من لا
يستعان الا به هذا كالتفريع على سابقه فإنه إذا شوهد ان الامر كله لله ولا قوة الا به لا يستعان
الا به ويترك الأسباب بمعاينة دوام الافتقار وانتفاء الاقتدار ويفوض السالك الامر إلى الله الواحد
القهار ولا يرى لغيره تأثير أولا للسعى في السير والسلوك اثرا بل يرى تسييره بتيسيره كما قال هو الذي
يسير كم ويعلم ان الخلق الحسن من فضل الله ومنته لا من كسبه وقوته فيدعو بدعاء النبي (ص ع) اللهم
اهدني لأحسن الأخلاق لا يهديني لأحسنها الا أنت واصرف عنى سيئها لا يصرف عني
سيئها الا أنت وبقوله اللهم آت نفسي تقواها وزكاها أنت خير من زكها ومولاها
143

يا من لا يتوكل الا عليه التوكل كلة الامر كله إلى مالكه والتعويل على وكالته وقد مر ان السالك
يؤل امره إلى أن يستحيى من التوكل واتخاذ الوكيل في امره حذرا من سوء الأدب وذلك في مقام التسليم
وتفويض الامر إلى مالكه فلا يرى صاحب العيان والشهود نفسه وغيره مصدر أمر ومالك وجوديا من
لا يرجى الا هو يا من لا يعبد الا إياه يعبد بالبناء للمفعول كما في النسخ ويرشدك إليه
إفادة التعميم والتطابق مع قراينه ويشكل باستعمال ضمير النصب موضع ضمير الرفع لأنه النايب للفاعل
وهو مدفوع بان الضماير قد يقع بعضها موقع بعض كما صرح به جمع من النحاة ومنه قولهم انا كانت أو بان المنظور
التطبيق مع الآية أعني قوله تعالى وقضى ربك ان لا تعبدوا الا إياه لان أكثر الأسماء استنبط
من كلام الله فغير تعبدوا إلى يعبد لان المنادى هنا ليس المخاطبين في الآية وابقى الباقي بحاله تلميحا إلى الآية
ويمكن ان يقرء يا من لا نعبد الا إياه بصيغة المتكلم ولكن لا يفيد التعميم وبعد اللتيا والتي فالمراد بالعبادة العبادة
التكوينية لا التشريعية ولا يخلو من العبادة التكوينية شئ من الأشياء وصدر المتألهين في كتابه
الكبير بعد ما نقل عن الجاحظ انه إذا تأملت في هذا العالم الذي نحن الان فيه وجدته كالبيت المعد فيه كلما
يحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبساط والنجوم منضودة كالمصابيح والانسان
كمالك البيت المتصرف فيه وضروب النبات مهياة لمنافعه وصنوف الحيوان منصرفة في مقاصده قال
وانى أقول إذا تأملت في عالم السماء بعظمها وكثرة كواكبها وجدتها بيتا معمورا من بيوت اذن الله ان
يرفع ويذكر فيها اسمه فيها أصناف العابدين فمنهم سجود لا يركعون ومنهم ركوع لا ينتصبون ومسبحون لا
يسأمون لا يغشاهم نوم العيون ولا فترة الأبدان ولا غفلة النسيان وليس من شرط الدار ان لا تكون
ذات حياة قال تعالى ان الدار الآخرة لهى الحيوان وليس من شرط عمارة بيت المعمور ان يكون بالطين
والحجر والخشب قال تعالى انما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة بل
ولا يشترط ان يكون بيت العبادة جسمانيا فكل ما يقوم فيه العبادة والذكر والتسبيح والتقديس فهو بيت
عبادة فانظر إلى صنع الباري جل ذكره كيف بنى السماء وجعلها معبد الملائكة المسبحين المهللين الذاكرين
لله وامسكها من غير عمد ترونها ومن غير حبل أو علاقة تتدلى بها والعجب ممن لا ينظر ولا يتأمل في صنع بيت
تولى الله بنيانه بقدرته وانفرد بعمارته وزينه باصناف الزينة وصوره بأنواع التصاوير ناسيا ذكر
ربه بسبب نسيان نفسه وعدم حضور قلبه مشتغلا ببطنه وفرجه ليس له هم الا هم شهوته وحشمته والعجب منه
144

انه متى دخل بيت غنى يراه مروقا بالصبغ مموها بالذهب فلا ينقطع تعجبه ولا يزال يصف حسنه ويثنى
على من صنعه وصوره وتراه غافلا عن بيت الله العظيم وعن ملائكته الذين هم سكانه ولا يلتفت إليهم بقلبه
فلا يعرف من السماء الا قدر ما يعرف البهيمة ان فوقها سطحا أو بقدر ما يعرف النملة من سقف بيته ولا يعرف
من ملائكة السماء ولا من تصاويرها العجيبة الا بقدر ما يعرف النملة من نفوس سكان البيت ونقوش تصاويرهم
في حيطانه فما هذه الغفلة العريضة انتهى ويناسب ما ذكره أخبر أقول الأمير خسرو الدهلوي تو پندارى جهانى غير از ين نيست
زمين واسمانى غير از ين نيست * چو آن كرمى كه در كندم نهان است * زمين وآسمان أو همان است
واما تخصيصه المعبد بالسماء فلان الأراضي والأرضيين باعتبار ترك الدنيويين منهم وجاهديهم ومشركيهم
العبادة التشريعية ملاهي اللاهين وملاعب الصبيان ومراتع البهايم ومهاوى الشيطان ودورهم حجور
الحشرات وقصور هم ثغور الديدان الا انها أيضا باعتبار العبادة التكوينية والنظر الفنائي وان الطرق
إلى الله بعدد أنفاس الخلايق وان الكل مسبحون بحمده معبد فيه أصناف العباد حتى البهائم والحشرات
والنبات والجماد فكل يعمل بتكليفه ولا عصيان له أصلا وكل واحد مشتغل بصنف من العبادات فالبسايط
عمال يتحركون ويعملون أعمالهم الطبيعية من حركاتهم الطبيعية الجوهرية والأينية والكيفية تقربا إلى الله بوصولهم
إلى الدرجة المعدنية والنباتية والمعادن والنباتات عباد يعبدون بعباداتهم الطبيعية من حركاتهم
الجوهرية والكمية والكيفية ذوقية أو شمية أو لونية في استكمالاتهم أو استحالاتهم المعدية والكبدية وغيرها
ليدنوا إلى معبودهم بوصولهم إلى الدرجة الحيوانية والحيوانات نساك يطوفون حول الانسان ويؤدون
نسكهم من حركاتهم المتفننة الطبيعية والنفسانية الشوقية فيرتعون من الغداة إلى العشى ويتعبون ليسمنوا ويفدوا
أنفسهم لمعشوقهم أو يعاونوا على ذلك ليحصل لهم الزلفى بقرا بينهم وتعباتهم ونصباتهم إلى مطلوبهم وكعبة مقصودهم
الذي هو الانسان فإنه باب الأبواب إلى الله لا يمكن لغيره الوصول إلى الله الا بالدخول في هذا الصراط
المستقيم وكذلك الأناسي كل واحد منهم مواظب عبادة تكوينية وحركات متفننة طبيعية ونفسانية شوقية
أو عقلية عشقية وفى هؤلاء العباد بالعبادة التشريعية والتشريعية مع التكوينية نور على نور إذا تحقق في الانسان
العارف الكامل يتخلق باخلاق نور النور سبحانك الخ يا خير المرهوبين من رهب كعلم رهبة
ورهبا بالضم وبالفتح وبالتحريك ورهبانا بالضم ويحرك خاف يا خير المرغوبين يا خير
المطلوبين لان كل مرغوب سواه في معرض الزوال والفساد ونفاق سوقه عن قريب يبدل بالكساد
145

وكل مطلوب عداه من وجه يطلب ومن وجوه منه يهرب وهو الذي من جميع الوجوه مطلوب وبه يختم
الطلب وتطمئن القلوب يا خير المسؤولين لأنه الذي لا يرد سائله ولا يخيب امله يا خير المقصودين
يا خير المذكورين يا خير المشكورين يا خير المحبوبين المحبة في البدايات التلذذ
بالعبادة والتسلي عن فوات أسباب التفرقة ثم في مرتبة هي الابتهاج بحسن الصفات والتنور بنور
الذات عند التحقق بالأسماء بمحو الرسوم والسمات وفى مقام محبة تخطفه عن أودية تفرق الصفات
إلى حضرة جمع الذات وفى النهايات حب الذات للذات في الحضرة الأحدية بفناء رسم الحدوث
في عين الأزلية يا خير المدعوين يا خير المستأنسين سبحانك الخ اللهم إني أسئلك
بسمك يا غافر يا ساتر يا قادر يا قاهر فوق عباده يبهر نوره نورهم ويغلب ظهوره
ظهورهم يا فاطر من فطره يفطره وتفطر شقه فانفطرو تفطرو الله الخلق خلقهم وبرأهم والامر ابتداه
وانشأه يا كاسر يا جابر يكسر عادية الأضداد وسورتها ثم يجبر كسرها بايصالها إلى مقام القرب
فيقرب هو أيضا منها من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا فيشاهد لها ان ذلك الكسر
والصلح عين الصلاح فرضيت به أشد الرضا ولذلك في أول الأمر وان قال تعالى ائتيا طوعا أو كرها
لكن في اخر الامر قالتا آتينا طائعين وارتفعت الكراهة التي كانت بالنسبة إلى الأرض فان امامها
راحة لا منتهى لها وأيضا يكسر القلوب بالخوف مرة ويجبرها بالرجا أخرى ويكسرها بالقبض تارة ويجبرها
بالبسط أخرى ويكسرها بالهيبة كرة ويجبرها بالانس أخرى وأيضا يكسر القلوب تارة بعدم المبالاة
وابتلائها بالمباينة واخرى يجبرها بالمنة باللقاء والمعاينة كما قال انا عند المنكسرة قلوبهم يا ذاكر
يا ناظر يا ناصر سبحانك الخ يا من خلق فسوى قال الشيخ الطبرسي رحمة الله عليه
في تفسير قوله تعالى الذي خلق فسوى بينهم في باب الاحكام والاتقان وقيل خلق كل ذي روح فسوى يديه
ورجليه وعينيه عن الكلبي وقيل خلق الانسان فعدل قامته عن الزجاج يعنى انه لم يجعله منكوسا كالبهائم
والدواب وقيل خلق الأشياء على موجب ارادته وحكمته فسوى صنعها ليشهد على وحدانيته انتهى
أقول الأول والاخر هو الأوسط وما لهما واحد وسوى على الأول من سويت بينهما أي ساويت وعلى الأخير
من سواه تسوية أي جعله سويا وفى القاموس السواء العدل والوسط والغير كالسوي بالكسر والضم
في الكل فخلق كل شئ وجعله سويا عدلا لأنه خلق كل موجود على طور وشان لو كان الامر مفوضا إلى نفسه
146

اختار لنفسه ذلك الطور والشأن كما قال العرفاء الشامخون وهذا هو التسوية بينهم في الاحكام والاتقان
وأيضا جعله سويا ووسطا حيث إن فيض الوجود إذ لا بداية له ولا نهاية وكمال الحقيقة لما لم يكن له مفتتح وغاية
كان كالكرة فان كل نقطة تفرض في سطحها وسط حيث لم يبتد ببداية ولم ينته بنهاية لان الخط طرف السطح
ولا خط هنا يا من قدر فهدى في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى والذي قدر فهدى
أي قدر الخلق على ما خلقهم فيه من الصور والهيئات واجري لهم أسباب معايشهم من الأرزاق والأقوات
ثم هديهم إلى دينه ومعرفة توحيده باظهار الدلالات والبينات وقيل معناه قدر أقواتهم وهداهم لطلبها
وقيل قدرهم على ما اقتضته حكمته فهدى أي ارشد كل حيوان إلى ما فيه منفعته ومضرته حتى أنه سبحانه هدى
الطفل إلى ثدي امه وهدى الفرخ حتى يطلب الرزق من أبيه وامه والدواب والطيور حتى فرغ كل منهم إلى امه
وطلب المعيشة من جهته سبحانه وقيل قدر هم ذكورا وأناثا وهدى الذكر كيف يأتي الأنثى عن مقاتل والكلبي
وقيل هدى لسبيل الخير والشر عن مجاهد وقيل قدر الولد تسعة أشهر أو أقل أو أكثر ثم هدى للخروج منه للتمام
عن السدى وقيل قدر المنافع في الأشياء وهدى الانسان لاستخراجها منه فجعل بعضها غذاء وبعضها
دواء وبعضها سما وهدى إلى ما يحتاج استخراجها من الجبال والمعادن كيف تستخرج وكيف تستعمل انتهى
وانى لأقضي العجب كل العجب من هؤلاء القائلين الذين نقل الشيخ قدس سره أقوالهم انه ما الذي
دعاهم إلى التخصيص وهو تعالى حذف المفعول للتعميم فقدر كل شئ تقديرا وهداه إلى ما يليق به ويرتضيه بحسب
مهيته هداية تكوينية عامة وجميع ما ذكروه من أنواع الاهتداء من جزئيات هذا الكلى وما ذكره الشيخ س
نفسه أولا معناه ما ذكرنا بتعميم الأرزاق والأقوات بحيث يشمل المعنوية والحسية طبيعية أو حيوانية وبتعميم
الدين والتوحيد بحيث يشمل التشريعي والتكويني بخلاف الأقوال الأخرى فان ظواهرها تأبى عن ذلك
الا ما نقل عن مجاهد وقوله قدس سره من الصور والهيئات لأجل ان القدر هو الهندسة كما في الحديث وقد مر
يا من يكشف البلوى يقال بلوته بلوا وبلاء أي اختبرته والاسم البلوى والمراد به هنا البلاء
لان البلاء امتحان واختبار يا من يسمع النجوى يا من ينقذ الغرقى جمع غريق يا
من ينجى الهلكى جمع هالك كما قال ابن مالك فعلى لوصف كقتيل وزمن وهالك وميت
به قمن يا من يشفى المرضى ولتعمم المرضى حتى يشمل الأمراض المعنوية كمرض الجهل وسوء الخلق
والمعصية بل أمراض الجمادات والنباتات والحيوانات إما سمعتهم يقولون إن المعادن كلها مريضة
147

الا الذهب وقس عليه الهلاكة والغرق وأمثالهما فان الألفاظ موضوعة للمعاني العامة الشاملة للحقايق
والرقايق يا من اضحك وأبكى في المجمع أي فعل سبب الضحك والبكاء من السرور
والحزن عن عطا والجبائي وقيل اضحك أهل الجنة في الجنة وأبكى أهل النار في النار عن مجاهد والضحاك
وفيه أيضا وقيل اضحك الأشجار بالأوراق وأبكى السحاب بالأمطار واضحك المطيع بالرحمة وأبكى
العاصي بالسخط انتهى والقول الأخير بناؤه على ما ذكرنا من كون الموضوع له هو المعنى العام ثم إن سبب
الضحك ان الانسان يدرك صورة مستحسنة وشيئا لذيذا فيتحرك الروح البخاري والدم الذي
هو مركبه إلى الخارج وينبسطان فيتمدد لذلك أعصاب الصدر والوجه وينفتح منافذ هما ويتسع أفضيتهما
فيحدث شكل الضحك في الوجه والفم وكلما كان الروح أو فرو كانا اقبل للانبساط كان السرور
والضحك أكثر وسبب البكاء انه إذا حدث به حالة مضادة لشهوته وطبيعته وأدرك الامر
الغير الملايم له تحرك الروح إلى الباطن هربا من الموذي فيتمدد الأعصاب نحو الباطن ويضيق أفضية
الدماغ والعصبتين والصدر وينعصر منافذها ويحدث شكل البكاء ويخرج حينئذ بالضرورة ما في الدماغ
من الرطوبات الرقيقة بالدمع والمخاط كما يخرج الماء من الإسفنجة المغموسة فيه عند غمر اليد عليها
وسبب حصول تلك الرطوبات هو ان الألم الموجب للبكاء يسخن القلب لتوجه الدم والروح إليه
ويرتفع منه ومن نواحيه حينئذ أبخرة حارة إلى الدماغ تذيب الرطوبات التي فيه وترققها وتسيلها
ثم تبرد هي بنفسها وتغلظ حين وقوفها فيه فتصير رطوبات ولا تنفذ لغلظها في (الماينخسين) أعني حجابي الدماغ
الرقيق المجاور له والغليظ المجاور للقحف ويسميان أمي الدماغ ولأنها تصعد دفعة وهي كثيرة
والأمان لصفاقتهما لا يتحلل شئ فيهما الا في زمان طويل فيدفعها الدماغ بالعصر إلى جهة العين لاتصال
الأمين بها فتخرج من الدروز التي عند الحاجب ويكون حارة لبقية الحرارة الحادثة له بالغليان
في القلب وكلما ان الموجب أقوى كان الدمع أحر يا من أمات وأحيى أي إماتة بالموت
الطبيعي بخراب البدن ونفخة الفزع ونفخة الصعق واحياء بحيوة طبيعية نفسية أو عقلية أو لاهوتية
وإماتة بالموت الاختياري الذي هو قمع هوى النفس وقتلها وقلع شهواتها كما في الحديث موتوا
قبل ان تموتوا وحاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا وقال الإمام جعفر ابن محمد الصادق
عليهما السلام الموت هو التوبة قال الله تعالى فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم
148

فمن تاب فقد قتل نفسه واحياء بالحياة الذاتية القدسية التي لا يعاقبها موت أصلا كما قال
أفلاطون الإلهي مت بالإرادة تحيى بالطبيعة وقيل اقتلوني يا ثقاتي ان في قتلى حيوتي
وقد صنف العرفاء الموت أصنافا أربعة أحدها الموت الأحمر وهو مخالفة النفس المسماة
بالجهاد الأكبر كما روى أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من جهاد الكفار قال رجعنا من
الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر قالوا يا رسول الله وما الجهاد الأكبر قال مخالفة النفس
وفى حديث اخر المجاهد من جاهد نفسه فمن مات عن هواه فقد حيى بهداه عن الضلالة
وبمعرفته عن الجهالة قال تعالى أو من كان ميتا فأحييناه يعنى ميتا لجهل فأحييناه بالعلم
وقد سموا أيضا هذا الموت بالموت الجامع لجامعيته لجميع أنواع الموتات وثانيها الموت
الأبيض وهو الجوع لأنه ينور الباطن ويبيض وجه القلب فإذا لم يشبع السالك بل لا يزال جائعا
مات الموت الأبيض فحينئذ يحيى فطنته لان البطنة تميت الفطنة فمن ماتت بطنته حييت فطنته
وثالثها الموت الأخضر وهو لبس المرقع من الخرق الملقاة التي لا قيمة لها فإذا قنع من اللباس
الجميل بذلك واقتصر على ما يستر عورته ويصح فيه الصلاة فقد مات الموت الأخضر لاحضر ارعيشه
بالقناعة ونضارة وجهه بنضرة الجمال الذاتي الذي حيى به واستغنى عن التجمل العارصى كما قيل
إذ المرء لم تدنس من اللوم عرضه فكل رداء يرتديه جميل ورابعها الموت الأسود
وهو احتمال الأذى من الخلق لأنه إذا لم يجد في نفسه حرجا من إذا هم ولم يتألم نفسه بل يلتذ به
لكونه يراه من المحبوب كما قيل أجد الملامة في هواك لذيذة حبا لذكرك فليلمني اللوم
فقد مات الموت الأسود وهو الفناء في (مد)؟ لشهوده الأذى منه برؤية فناء الافعال في
فعل محبوبه بل برؤية نفسه وأنفسهم فانين في المحبوب وح يحيى بوجود الحق تعالى وتقديم الإماتة
على الاحياء في الموت الاختياري وجهه ظاهر واما في الموت الطبيعي الكوني فلانه مقدم
بالشرف على الحياة الجسمانية كما تقدم في قاضى المنايا وقد قيل مرك اكر مرد است كو پيش من آي
تا در آغوشش بكيرم تنك تنك * وقيل پيمانه ء هر كه پر شود ميميرد * پيمانه ء ما چو پر شود زنده شويم
مع أن فيه تأسيا بالكتاب المجيد كقوله تعالى خلق الموت والحياة يا من
خلق الزوجين الذكر والأنثى لك ان تقرأ الذكر والأنثى بالفتح على
149

على أن يكونا بدل تفصيل من الزوجين كما قال في مغنى اللبيب في قول كثير عزه
وكنت كذى رجلين رجل صحيحة * ورجل رمى فيها الزمان فشلت وان تقرأ بالضم
أي هما الذكر والأنثى ثم إن الزوج يقال واحد من القرنين من الذكر والأنثى في الحيوان وغيره
كزوج الخف والنعل كما قال في القاموس ويقال للاثنين هما زوجان وهما زوج وفى المجمع فسر الزوجين
في قوله تعالى وانه خلق الزوجين الذكر والأنثى بالصنفين وقال النسفي جاء في القران لأشياء
للبعل قال تعالى حتى تنكح زوجا وللبعلة قال تعالى أمسك عليك زوجك وللذكر والأنثى
من كل حيوان قال تعالى فاسلك فيها من كل زوجين وللشفع قال تعالى من كل شئ خلقنا زوجين
وللصنف قال تعالى وكنتم أزواجا ثلثه وللون قال تعالى من كل زوج بهيج أي لون حسن وللشبه
قال تعالى خلق الأزواج كلها وللقرين قال تعالى احشروا الذين ظلموا أزواجهم انتهى واعلم أن
ابن أبي صادق نقل في شرح الفصول البقراطية عن محمد ابن زكريا الرازي أنه قال يشبه
ان يكون سبب الذكورة والأنوثة غلبة أحد المنيين على الأخر حتى يكون أحدهما بمنزلة الفاعل المحيل
والاخر بمنزلة المنفعل المستحيل فقد بينا نحن ان غلبة أحد الزرعين على صاحبه تابعة لغلبة الحار والبارد
قال وقد يقع من انصباب الرطوبات بعضها فوق بعض اختلاف كثير فانى اعرف دواء يصب على
دواء اخر فيتولد شئ كاللبن في بياضه فان صب بالضد كان مثل الحبر وليس ذلك بشئ أكثر من أن
جعل السافل عاليا والعالي سافلا فظن هذا الانسان بسلامة قلبه ان الفلسفة الطبيعية يمكن ان يقام عليها
البيان باعمال النيرنجات؟ أقول مراده بالغلبة الغلبة الكيفية لا الغلبة بالوضع والجهة وما ذكر من
الدواء تنظير سبحانك الخ يا من في البر والبحر سبيله أي في البر والبحر الحسيين سبيله الحسى
فان له الفجاج والسبل والاكام وله الجوار المنشئات في البحر كالاعلام وكذا في البر الذي هو
عالم الملك والبحر الذي هو عالم الملكوت سبيله المعنوي إذ الكل طريق إليه يا من في الآفاق آياته
أي في النواحي من عوالم الوجود علاماته والاسم مأخوذ من الآية أعني قوله تعالى سنريهم آياتنا
في الآفاق وفى أنفسهم وفى التعبير بالآيات إشارة إلى أن عالم الآفاق كتاب تكويني له كالكتاب
التدويني كما قال الامام الغزالي العالم كله تصنيف الله وقيل بالفارسية بنزد انكه جانش در تجلى است
همه عالم كتاب حق تعالى است * عرض اعراب وجوهر چون حروفست * مراتب همچو آيات وقوفست
150

ازو هر عالمي چون سوره ء خاص * يكى زان فاتحه وان ديكر اخلاص وفى الاكتفاء بالآفاق في
الاسم إشارة إلى تطابق الكتاب الافاقى والكتاب الا نفسي وان كلا منهما تام فيه جميع ما في الأخر قال
ابن جمهور س الكتب ثلاثة الافاقي والقراني والانفسي فمن قرء الكتاب القرآني الجمعي على الوجه
الذي ينبغي فكمن قرء الكتاب الافاقي باسره اجمالا وتفصيلا ومن قرء الكتاب الافاقي على الوجه المذكور
فكمن قرء الكتاب الا نفسي اجمالا وتفصيلا ولهذا اكتفى النبي صلى الله عليه وآله بواحد منهما في معرفته تعالى
بقوله من عرف نفسه فقد عرف ربه لأنه كان عارفا بان من يعرف نفسه على ما ينبغي ويطالع
كتابه على ما هو عليه في نفسه يعرف ربه على ما ينبغي واليه الإشارة بقوله تعالى اقرأ كتابك كفى بنفسك
اليوم عليك حسيبا وكذلك من طالع الكتاب القرآني على وجه التطبيق تجلى له الحق تعالى
في صور الفاظه وتركيبه وآياته وكلماته تجليا معنويا كما أشار إليه أمير المؤمنين (ع) بقوله لقد تجلى
لعباده في كلامه ولكن لا يبصرون ومن طالع الكتاب الافاقي على ما هو عليه تجلى له الحق تعالى
في صور مظاهره الأسمائية وملابسه الفعلية الكونية المسماة بالحروف والكلمات والآيات
المعبر عنها بالموجودات العلوية والسفلية والمخلوقات الروحانية والجسمانية على الاطلاق والتعيين
تجليا شهوديا عيانيا لأنه ليس في الوجود سوى الله وصفاته وأسمائه وافعاله فالكل هو وبه ومنه
واليه ومن طالع الكتاب الا نفسي الصغير الانساني وطبقه بالكتاب الأفاقي تجلى له الحق تعالى
في الصورة الانسانية الكاملة والنشاة الحقيقية الجامعة تجليا ذاتيا شهوديا عيانيا بحسب ما
يشاهده في كل عين من حروفه وكلماته وآياته المعبر عنها بالقوى والأعضاء والجوارح فكل من
طالع كتابه الخاص به وشاهد نفسه المجردة وبساطتها وجوهريتها ووحدتها وبقائها ودوامها واحاطتها
بعالمها عرف الحق وشاهده وعرف انه محيط بالأشياء وصورها ومعانيها عاليها وسافلها
شريفها وخسيسها مع تجرده ووحدته وتنزهه وبقائه ودوامه من غير تغير في ذاته وحقيقته قالوا وكذلك
الحق إذا أراد ان يشاهد نفسه في المراة الكاملة الذاتية الجامعة يشاهدها في الانسان الكامل بالفعل
وفى غير الكامل بالقوة لأنه مظهر الذات الجامعة لا غير والى هذا أشار نبينا صلى الله عليه وآله بقوله صلى الله عليه وآله
خلق الله ادم على صورته ومراده على صورة كمالاته الذاتية الجامعة للكمالات الأسمائية والصفاتية
وإذا أراد ان يشاهدها في المراة الكمالية الأسمائية والصفاتية والفعلية يشاهدها في العالم المسمى
151

بالآفاق لأنه هو مظهر أسمائه وصفاته وافعاله ومن هذا قيل أراد الله ان يظهر ذاته الجامعة في صورة
جامعة فاظهرها في صورة الانسان وأراد ان يظهر الأسماء والصفات والافعال في صورة كاملة مفصلة
فاظهرها في صورة العالم فليس يشاهد الله تعالى نفسه وذاته المقدسة من حيث الكمالات الذاتية والأسمائية
الا في هذين المظهرين وكذلك العارف فإنه ليس يشاهد الحق الا في هذين المظهرين انتهى يا من في
الآيات برهانه يا من في الممات قدرته فان كل قادر من المخلوقين يعجز عن دفع الممات عن نفسه
ويعترف بأنه القادر القاهر عليهم بإماتتهم وبه يظهر تسلط قدرته عليهم كما قال تعالى أفإن مت فهم الخالدون
يا من في القبور عبرته ولهذا كان ديدن السلاك من أصحاب الاعتبار وشيمة النساك من أولي
الأيدي والابصار ان يبيتوا في المقابر البالية ليعتبروا من العظام الخلقة الخالية وأيضا في القبور التي هي
الأبدان وهيئات البرازخ عبرة ومجاوزة منه إليه إذ هذه المقابر معابر وليست مواقف وماثر حتى يقف
سفنهم لديه ويطمئنوا به ويسكنوا إليه يا من في القيمة ملكه أي في الطامة الكبرى والفناء الأتم
والتجلي الأعظم يظهر انه مالك ملك الوجود بالعيان والشهود وان ما وراء الحق المعبود مما انبسط
عليه ظله الممدود وادعى مالكية سهم من الوجود كان مثله كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء حتى إذا جاءه
لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفيه حسابه يا من في الحساب هيبته لان توفية حسابه
المشار إليها في هذه الآية انما هي عند التجلي الأعظم باسم القهار وفيه كمال الهيبة والقهر يا من في الميزان
قضائه أي حكمه والميزان الحقيقي هو أمير المؤمنين علي (ع) فيوزن العلوم الحقة بعلمه (ع) مثلا يوزن
التوحيد الخاصي بل الخاص الخاصي بتوحيده (ع) كما قال توحيده تمييزه عن خلقه وحكم التميز
بينونة صفة لا بينونة عزلة ويوزن نفى الصفات الزايدة بنفيه الصفات وفنائه في الذات
كما قال كمال الاخلاص نفى الصفات ويوزن الاعتقاد بالعالم العلوي والجواهر القدسية
بإيقانه بمنشئ النشأتين وطرحه الكونين كما قال في تلك الأنوار القاهرة صور عارية عن المواد
خالية عن القوة والاستعداد الحديث وهكذا في باقي المعارف وكذا الأعمال الصالحة
توزن بعمله (ع) فكل عمل يشابهه ويجانسه فهو مقبول وما ليس كذلك فهو مردود فيوزن جميع ما لأهل
السلوك في البدايات والمعاملات والأخلاق والأحوال والحقايق والنهايات وغيرها من منازل
السايرين ومراحل السالكين التي بسطت في علم السلوك والأخلاق وأشير إليها في هذا البيت الفارسي
152

از در دوست تا بخلوت دل * عارفانرا هزار ويك منزل به (ع) وباخلاقه وأحواله وافعاله
وأقواله فيوزن زهد الزاهدين بزهده وزهده (ع) أظهر من الشمس في رابعة النهار بحيث ليس لأحد
ممن تدين بدين الاسلام اباء وانكار مثلا يوزن لبس المرقع بلبسه (ع) كما قال والله لقد وقعت
مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها وقال لي قائل الا تنبذها فقلت أعزب عنى فعند
الصباح يحمد القوم السرى ويوزن ترك الدنيا بطلاقه ثلثا فقد روى أنه قال معاوية لضرار
بن ضمرة الكناني صف عليا فاستعفي فالح عليه فقال إما لا بد فإنه كان والله بعيد المدى شديد
القوى يتفجر العلم من جوانبه وينطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس
بالليل وظلمته كان والله عزيز العبرة طويل الفكرة يقلب كفه ويعاتب يعجبه من اللباس ما قصر
ومن الطعام ما جشب كان والله يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع تقريبه
لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوى في باطله ولا ييأس
الضعيف من عدله فاشهد الله لرايته في بعض مواقفه وقد ارخى الليل سد وله وغارت نجومه وقد
مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ الخائف ويبكى بكاء الحزين فكأني الان أسمعه يقول يا دنيا
أبى تعرضت أم إلي تشوقت هيهات غرى غيري قد بنتك (طلقتك) ثلثا لا رجعة لي فيك
فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كثير اه من قلة الزاد ووحشة الطريق قال
فوكفت دموع معاوية ما يملكها على لحيته وهو يمسحها وقد اختنق القوم بالبكاء وقال رحم الله أبا الحسن (ع)
كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار قال حزني عليه والله حزن من ذبح ولدها في حجرها
فلا ترقاء عبرتها ولا تسكن حيرتها ثم قام فخرج روى محمد ابن علي ابن بابويه انه سئل (ع) عن قول الله
عز وجل ونضع الموازين القسط ليوم القيمة وقال هم الأنبياء والأوصياء (ع) ثم كيف يكون
المراد بالميزان المقرون اسمه باسم الكتاب والمقابل وضعه لرفع السماء في قوله تعالى في سورة الحديد
لقد أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وقوله تعالى والسماء
رفعها ووضع الميزان ميزان البر والشعير وغير هما من ذوي الكفتين والقبان ونحو هما والجمود
عليه ليس أقل من جمود الحنبلي على كثير من الظواهر الذي هو أبرد من الزمهرير وان نقل في المجمع
هذا القول في الموضعين ونقل في سورة الرحمن تفسيره بالعدل عن بعض وبالقرآن عن اخر وهما لا ينافيان
153

ما ذكرنا كما لا يخفى وكون حقيقة الميزان ما ذكرنا لا ينافى ان يكون لها رقيقة جسمانية بصورة ذي الكفتين
في الكون الصوري الأخروي كما أن حقيقة جبرئيل وقد كانت تطبق الخافقين وتنسد بها الأفق
رقيقتها بصورة دحية الكلبي كانت في بيت النبي صلى الله عليه وآله فان لكل حقيقة رقيقة فان قلت
أي مناسبة بين الحقيقة التي هي الانسان الكامل الذي هو معنى الميزان وبين الرقيقة وأين الكفتان
في الحقيقة قلت أحد الكفتين علمه بحقايق الأشياء والاخرى نفس حقايقها فقد علمت أن الحكمة
صيرورة الانسان عالما عقليا موازنا للعالم العيني ولهذا فسر الميزان في الاسفار في سفر النفس بالعلم
والمعرفة فان قلت أحد الكفتين على هذا منفصلة عن الكامل قلت لا انفصال إذ الصور المطابقة
على قاعدة اتحاد العاقل والمعقول متصلة بنفس الكامل ومهية المعلوم بالعرض متحدة مع مهية المعلوم
بالذات ووجود هما ما به الامتياز فيه عين ما به الاشتراك فكان إحدى الكفتين مقام جمعه والاخرى مقام
فرقه ولا سيما في الأئمة عليهم السلام فان أنفسهم في النفوس وأجسادهم في الأجساد وأرواحهم في
الأرواح وبهم سكنت السواكن وتحركت المتحركات والنبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وجه اخر
إحدى الكفتين القوة العلامة والاخرى العمالة ولهذا لا بد ان يكون العمل موافقا للعلم وقد قسم
صدر المتألهين س في مفاتيح الغيب واسرار الآيات موافقا لبعض حكماء الاسلام الميزان
خمسة أقسام فقال في اسرار الآيات اعلم أن الموازين الواردة في القران في الأصل ثلثة ميزان التعادل
وميزان التلازم وميزان التعاند لكن ميزان التعادل ينقسم إلى ثلثة أقسام الأكبر والأوسط والأصغر
فيصير الجميع خمسة وتفاصيلها وبيان كل منها وكيفية استنباطها من القران المجيد مذكورة هناك
الأول الميزان الأكبر من موازين التعادل وهو ميزان الخليل (ع) وقد استعمله مع نمرود وهو كما حكى الله تعالى
بقوله قال ربى الذي يحيى ويميت إلى قوله فبهت الذي كفر وقد اثنى الله تعالى عليه (ع)
في استعماله لهذا الميزان قال وتلك حجتنا اتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات
من نشاء ان ربك حكيم عليم فان في حجته الثانية التي بها صار نمرود مبهوتا لأنه ادركها
ولم يبلغ دركه إلى الحجة الأولى أصلين إذ مدار القران على الحذف والايجاز وكمال صورة هذا
الميزان ان يقال كل من قدر على اطلاع الشمس من المشرق هو الاله فهذا الأصلين وإلهي
هو القادر على اطلاعها الأصل الأخر فلزم من مجموعهما ان إلهي هو الاله دونك يا نمرود والأصل
154

الأول مقدمة ضرورية متفق عليها والثاني من المشاهدات ويلزم منهما النتيجة فكل حجة صورتها
هذه الصورة وصح فيها أصلان كان حكمها في لزوم النتيجة المناسبة هذا الحكم إذ لا دخل لخصوص
المثال فإذا جردنا روح الميزانية عن خصوصية المثال نستعملها في أي موضع أردنا كما يأخذ الناس
معيارا صحيحا وصنجة معروفة فيزنون الذهب والفضة وغير هما بتلك الصنجة المعروفة الثاني
الميزان الأوسط فهو أيضا واضعه الله ومستعمله الأول الخليل (ع) حيث قال لا أحب الآفلين
وكمال صورته ان القمر افل والاله ليس بآفل فالقمر ليس باله فاما حد هذا الميزان وروحه فهو ان كل
شيئين وصف أحدهما بوصف يسلب عن الأخر فهما متباينان الثالث الميزان الأصغر فهو
أيضا من الله تعالى حيث علم نبيه محمد صلى الله عليه وآله في القران وهو قوله وما قدروا الله
حتى قدره إذ قالوا ما انزل الله على بشر من شئ الآية ووجه الوزن به ان يقال
قولهم بنفي انزال الوحي على البشر قول باطل للازدواج بين أصلين أحدهما ان موسى وعيسى (ع) بشر
والثاني انه انزل عليهما الكتاب فيبطل الدعوى العامة بأنه لا ينزل الكتاب على بشر أصلا
الرابع ميزان التلازم وهو مستفاد من قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا وكذا
من قوله تعالى قل لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها واما حد هذا الميزان وروحه فهو ان من علم
لزوم أمر لاخر وعلم وجود الملزوم يعلم منه وجود اللازم وكذا لو علم نفى اللازم يعلم منه نفى الملزوم
واما الاستعلام من وجود اللازم على وجود الملزوم أو من نفى الملزوم فهو يلحق بموازين الشيطان
الخامس ميزان التعاند إما موضعه من القران فهو في قوله تعالى تعليما لنبيه (ص ع) قل من يرزقكم من
السماء والأرض قل الله وانا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ففيه اضمار الأصل الأخر
لا محالة إذ ليس الغرض منه ثبوت التسوية بينه وبينهم وهو انه معلوم انا لسنا في ضلال فيعلم من
ازدواج هذين الأصلين نتيجة ضرورية وهي انكم في ضلال واما حد هذا الميزان وعياره فكل ما انقسم
إلى قسمين متباينين فيلزم من ثبوت أحدهما نفى الأخر وبالعكس لكن بشرط ان يكون القسمة حاصرة
لا منتشرة فالوزن بالقسمة الغير المنحصرة وزن الشيطان فهذه هي الموازين المستخرجة من القران
وهي بالحقيقة سلاليم العروج إلى عالم السماء بل إلى معرفة خالق الأرض والسماء وهذه الأصول المذكورة
فيها هي درجات السلاليم واما المعراج الجسماني فلا يفي به سعة كل أحد بل يختص ذلك بالقوة النبوية
155

فان قلت فما وجه التطابق بين الميزان الروحاني والميزان الجسماني وأين في ميزان الآخرة العمود
الواحد والكفتان وأين في موازين الآخرة ما يشبه القبان قلنا قد مر ان هذه المعارف التي
هي سبب عروج النفس إلى معارج الملكوت مستفادة من أصلين فكل أصل كفة والحد المشترك
بين الأصلين الداخل فيهما عمود واما ما يشبه القبان فهو ميزان التلازم إذ أحد طرفيه أطول والاخر
اقصر انتهى اعلم أن هذه الموازين الخمسة مع الموازين الثلاثة عشر الشيطانية التي سنذكرها
تصير ثمانية عشر بعدد الموجودات العالمية الكلية من العقل والنفس والأفلاك التسعة والأركان
الأربعة والمواليد الثلاثة وبعدد اسم الحق فان صورة عدده الرقمية بحذف الصفر ثمانية عشر وفيه إشارة
إلى أن ما يوزن بهذه الموازين معارف الحق ومعارف أفعاله من عوالمه والعجب أن عدد حروف
الميزان أيضا ثمانية عشر بحذف الصفر من صورته الرقمية كما أن عدد إبليس مأة وثلاثة وصورته الرقمية
بحذف الصفر ثلثة عشر وهو عدد موازينه وهذا العدد يعد منحوسا وإذا عدلت منه إلى موازين العدل
التي هي بالحقيقة واحد كما هو شأن أهل التوحيد صار العدد أربعة عشر بعدد الأئمة المعصومين الذين
هم الموازين المنصوبة لنا وبعدد العدل الذي هو اسم الحق تعالى وصفته أعني مائة وأربعة بحذف
الصفر كما مر واما بيان موازين الشيطان فنقول القياس إما ان يفيد التخيل وهو الشعر أو يفيد
التصديق فاما ان يكون غير جازم وهو الخطابة أو يكون جازما فاما ان يعتبر كونه حقا أولا فان اعتبر
كونه حقا فاما ان يكون حقا فهو البرهان وان لم يكن حقا فهو السفسطة وان لم يعتبر كونه حقا بل يعتبر فيه
عموم الاعتراف فاما ان يكون كذلك فهو الجدل أولا يكون كذلك فهو الشعب والسفسطة
مع الشغب تحت المغالطة فالمغالطة قياس يفسد صورته أو مادته أو هما جميعا والآتي به غالط
في نفسه مغالط لغيره ولولا القصور وهو عدم التميز بين ما هو هو وبين ما هو غيره لماتم للمغالطة
صناعة فهى صناعة كاذبة ينفع بالعرض بان صاحبها لا يغلط ولا يغالط ويقدر ان يغالط المغالط
وان يمتحن بها أو يعاند وكما أن من الأمور ما هو حق وما هو مشبه كالانسان منه ما هو انسان
حقيقي ومنه ما هو شبح للانسان غير حقيقي ومن الجمادات ما هو فضة أو ذهب بالحقيقة ومنها
ما هو مفضض مغشوش أو ملون مصبوغ من غير حقيقة أصلا كذلك يكون من المسمى بالحكيم من هو
هو مبرهن بالحقيقة ومنه من هو مزور مموه ويكون من القياس ما هو حق موجود ومنه ما هو تبكيت
156

سفسطي يشبه البرهان أو مشاعبي يشبه الجدل وهو قياس يرى أنه موافق للحق ونتيجته توافق
الحق وليس كذلك أو موافق للمشهور ونتيجته توافق المشهور وليس كذلك ولا بد من مشابهته بالحق
ليروج وأسباب المشابهة والترويج الثلاثة عشر التي نحن (بصدد) ذكرها؟؟ وقد ذكرها صاحب الشفا وغيره من
الميزانيين قال صاحب الشفا لقد رأينا وشاهدنا في زماننا قوما كانوا يتظاهرون أولي بالحكمة ويقولون بها
ويدعون الناس إليها ودرجتهم فيها سافلة فلما عرفناهم انهم مقصرون وظهر حالهم أنكروا ان يكون للحكمة حقيقة
وللفلسفة فايدة وكثير منهم لما لم يمكنهم ان ينسب إلى صريح الجهل ويدعى بطلان الفلسفة من الأصل وان ينسلخ
كل الانسلاخ عن المعرفة والعقل قصد المشائين بالسلب وكتب المنطق والتأبين عليها بالعيب فاوهم
ان الفلسفة إفلاطونية وان الحكمة سقراطية وان الدراية ليست الا عند القدماء من الاوايل والفيثاغورثين
من الفلاسفة وكثير منهم قال إن الفلسفة وإن كان له حقيقة ما فلا جدوى في تعلمها وان النفس الانسانية
كالبهيمة باطلة ولا جدوى للحكمة في العاجلة ولا الأجلة ومن أحب ان يعتقد فيه انه حكيم وسقطت قوته عن
ادراك الحكمة لم يجد عن اعتناق صناعة المغالطة محيصا ومن ههنا يبحث المغالطة التي عن قصد وربما
كانت عن ضلالة انتهى وبالجملة المغالطة لها سبب فاعلي هو العقل الناقص أو الوهم الرافع وسبب
غائي هو الترويج والشهرة بين الناس وتعظيمهم وتوقيرهم إياه وسبب صوري هو صورة الكذب والخيانة
في الباطن والتشبه بزي العلماء والحكماء في الظاهر وسبب مادي هو المشبهات لفظا أو معنى
ومن المشبهات معنى الوهميات وهي ما يحكم ببديهة الوهم في المعقولات الصرفة حكمها في المحسوسات
إذا عرفت هذا نقول أسباب الغلط تنقسم إلى ما يتعلق بالألفاظ والى ما يتعلق بالمعاني والأول
إلى ما يتعلق بالألفاظ لا من حيث تركبها والى ما يتعلق بها من حيث تركبها والأول لا يخلوا ما يتعلق
بالألفاظ أنفسها وهو أن تكون مختلفة الدلالة فيقع الاشتباه بين ما هو المراد وبين غيره ويدخل
فيه الاشتراك والتشابه والمجاز والاستعارة وما يجرى مجراها ويسمى جميعا بالاشتراك اللفظي واما
ان يتعلق بأحوال الألفاظ وهي إما أحوال ذاتية داخلة في صيغ الألفاظ قبل تحصلها كالاشتباه
في لفظ المختار بسبب التصريف إذا كان بمعنى الفاعل أو بمعنى المفعول واما أحوال عارضة لها
بعد تحصلها كالاشتباه بسبب الاعجام والاعراب والمتعلقة بالتركيب تنقسم إلى ما يتعلق الاشتباه
فيه بنفس التركيب كما يقال كلما يتصوره العاقل فهو كما يتصوره فان لفظة هو يعود تارة إلى المعقول
157

وتارة إلى العاقل والى ما يتعلق بوجوده وعدمه وهذا الأخير تنقسم إلى ما يكون التركيب فيه موجودا
فيظن معدوما ويسمى تفصيل المركب والى عكسه ويسمى تركيب المفصل واما المتعلقة بالمعاني فلا بد
وان يتعلق بالتأليف بين المعاني إذ الافراد لا يتصور فيها غلط لو لم يقع في تأليفها بنحو ما ولا يخلو
من أن يتعلق بتأليف يقع بين القضايا أو بتأليف يقع في قضية واحدة والواقع بين القضايا إما
قياسي أو غير قياسي فالمتعلقة بالتأليف القياسي إما ان يقع في القياس نفسه لا بقياسه إلى نتيجته
أو يقع فيه بقياسه إلى نتيجته والواقعة في نفس القياس إما ان يتعلق بمادته أو يتعلق بصورته إما
المادية فكما يكون مثلا بحيث إذا رتبت المعاني فيه على وجه يكون صادقا لم يكن قياسا وإذا رتبت
على وجه يكون قياسا لم يكن صادقا كقولنا كل انسان ناطق من حيث هو ناطق ولا شئ من الناطق
من حيث هو ناطق بحيوان إذ مع اثبات قيد من حيث هو ناطق يكذب الصغرى ومع حذفه عنهما
يكذب الكبرى وان حذف من الصغرى وأثبت في الكبرى ليفيد اختلت صورة القياس لعدم
اشتراك الأوسط ويشبهه قوله تعالى ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا
لان الاسماع الذي هو تالي الصغرى قلبي والذي هو مقدم الكبرى سمعي واما الصورية فكما يكون مثلا
على ضرب غير منتج وجميع ذلك يسمى سوء التأليف باعتبار البرهان وسوء التبكيت باعتبار غير البرهان
واما الواقعة في القياس بالقياس إلى نتيجته فينقسم إلى ما لا يكون النتيجة مغايرة لاحد اجزاء القياس
فلا يحصل بالقياس علم زايد على ما في المقدمات ويسمى مصادرة على المطلوب كقولك كل انسان
بشر وكل بشر ضاحك لينتج كل انسان ضاحك فالكبرى والمطلوب شئ واحد من جهة المعنى والى
ما تكون مغايرة لكنها لا تكون ما هي المطلوبة من ذلك القياس ويسمى وضع ما ليس بعلة علة كقولنا
كلما كانت الأربعة موجودة كانت الثلاثة موجودة وكلما كانت الثلاثة موجودة فهى فرد فكلما كانت
الأربعة موجودة فهى فرد وهذا غير النتيجة إذا النتيجة كلما كانت الأربعة موجودة فالثلثة فرد
لان الضمير في الكبرى راجع إلى الثلاثة وانما سمى به لان وضع القياس الذي لا ينتج المطلوب
لانتاجه هو وضع ما ليس بعلة للمطلوب مكان علته فان القياس علة للنتيجة مثال اخر ما يقال إن
الفلك لو كان بيضيا وتحرك على قطره الأقصر لزم الخلاء فيق الخلاء لم يلزم من كونه بيضيا بل
منه مع تحركه على المحور الأقصر إذ لو تحرك على الأطول لم يلزم ذلك وكذا الكلام في المخروطية
158

قال العلامة شارح حكمة الاشراق عند قول الشيخ الإلهي قد يقع الغلط بسبب المادة كالمصادرة
يجب ان يعلم أن الخلل في المصادرة ليس من جهة مادة القياس ولا من جهة صورته فان
المادة صادقة والصورة صحيحة بل الخلل فيه ان القول اللازم من القياس ليس قولا اخر غير المقدمات
مع أن الواجب كونه كذلك انتهى والحق ما ذكره المحقق الطوسي س في شرح الإشارات
ان الفاضل الشارح ذهب إلى أن وضع ما ليس بعلة علة والمصادرة على المطلوب من الأغلاط
التي تتعلق بالمادة وليس كذلك فان الخلل فيهما ليس لأنهما يشتملان على حكم غير مسلم بل لان القياس
المشتمل عليهما يتألف مع النتيجة إما من حدود ليست أقل مما يجب ولكنها غير ما يجب وهو وضع ما
ليس بعلة علة أو من حدود تجب ولكنها أقل مما يجب وهو المصادرة فالخلل فيهما راجع إلى الصورة
دون المادة انتهى أقول فمعنى قول شيخ الاشراق الغلط في المصادرة بسبب المادة ان المادة
فيها أقل مما يجب وح اختلت الصورة كما قال المحقق س إذ القضية الواحدة لا تكون قياسا
والعجب أن هذا خفى على العلامة واما الواقعة في قضايا ليست بقياس فيسمى جمع المسائل
في مسألة كما يقال الانسان وحده ضحاك وكل ضحاك حيوان لينتج ان الانسان وحده حيوان
فالجواب ان الصغرى مركبة من موجبة وسالبة بسبب انضمام الوحدة إلى الانسان فالموجبة الانسان
ضحاك وهي ينتج مع الكبرى نتيجة صادقه والسالبة لا شئ من غير الانسان بضحاك وهي لا ينتج مع الكبرى شيئا إذ شرط صغرى الأول الايجاب فإذا كانت الصغرى قضيتين
واخذت واحدة وقع الغلط ضرورة لتوهم انه ينتج الانسان وحده حيوان وهو كاذب وأيضا يجوز
ان يكون هذا المثال من باب سوء اعتبار الحمل إذ لا احتياج إلى قيد وحده في حمل الضحاك على الانسان
واما المتعلقة بالقضية الواحدة فاما ان يقع فيما يتلعق بجزئي القضية جميعا وذلك بوقوع أحدهما
مكان الأخر ويسمى ايهام العكس مثل ان يحكم ان كل لون سواد بناء على أن كل سواد لون أو ان يحكم
ان كل بيضاء شحمة بناء على أن كل شحمة بيضاء واما ان يقع فيما يتعلق بجزء واحد منها وينقسم إلى
ما يورد فيه بدل الجزء غيره مما يشبهه كعوارضه أو معروضاته مثلا ويسمى اخذ ما بالعرض مكان
ما بالذات كان يرى انسان أبيض يكتب فيظن ان كل كاتب كذلك ويؤخذ الأبيض
بدل الانسان والى ما يورد فيه الجزء نفسه ولكن لا على الوجه الذي ينبغي كما لو اخذ معه
ما ليس منه نحو زيد الكاتب انسان أو لم يؤخذ معه ما هو منه من الشروط والقيود كان يؤخذ
159

غير الموجود كاتبا غير موجود مطلقا ويسمى سوء اعتبار الحمل فقد حصل من الجميع ثلثة عشر نوعا
منها ستة لفظية تتعلق ثلثة منها بالبسايط هي الاشتراك في جوهر اللفظ وفى أحواله الذاتية
وفى أحواله العرضية وثلاثة منها بالتركيب وهي التي في نفس التركيب وتفصيل المركب وتركيب
المفصل وسبعة معنوية أربعة منها باعتبار القضايا المركبة وهي سوء التأليف والمصادرة
على المطلوب ووضع ما ليس بعلة علة وجمع المسائل في مسألة واحدة وثلاثة باعتبار القضية الواحدة
وهي ايهام العكس واخذ ما بالعرض مكان ما بالذات وسوء اعتبار الحمل فهذه هي الأجزاء الذاتية لصناعة
المغالطة وقد أشرت إليها في المنظومة تسهيلا للحفظ وفى نيتي ان أضيف منظومة في الميزان إلى التي
في الحكميات ان ساعدني التوفيق وهي هذه والشغب والسفسطة تحت الغلط * وشأنه التمويه والحكم الشطط
والسفسطي مبرهنا تماثلا * وشاكل المشاغبي مجادلا * أنواعه الثلاثة عشر كما
قد ضبطوه من كلام القدما * ايهام الانعكاس والمصادرة * ثم اشتراك لفظة بالجوهرة
كذاك الاشتراك في الحال ثبت * ذاتية وعرضيه بدت * وسوء تأليف وتبكيت وما
سوء اعتبار الحمل عدفا علما * وما بتركيب ينوط نفسه * تركب للفصل كعكسه
جمع المسائل بإحدى مسألة * ووضع ما ليس بعله عله * واخذ ما بالعرض مكان ما
بالذات ما بالذات هذى اختتما * إذ جاء من ناحية اللفظ الغلط * اوجا بتأليف المعاني المختلط
واللفظ بالافراد والتركيب * أبدى أو الاعجام والتعريب * تركب بنفسه التغليط أم
من ظن فقده وكونه استتم * تركيبك المفصل الثاني كهو * مهندس وجيد وضده
كخمسة زوج وفرد فوقا * وما بتأليف المعاني علقا * ان في قضية فذلك انقسم
لما بشطريها فوهم العكس تم * وما بشطر فكما شرطا أخل * أو غير هذا الشطر في مثواه حل
سوء اعتبار الحمل مع ما بالعرض * مكان ما بالذات من ذين انتهض * أو في قضايا وهي الموزع
إلى التي ليست قياسا جمع * كمثل الانس وحده خجلان * وكل خجلان هو الحيوان
هذا الذي سماه جمع عادله * جمع المسائل بإحدى مسألة * وللتي هي القياس فالغلط
إما لدى القياس نفسه فقط * في مدة القياس أو في صورته * ولم تحط في الصورة بكثرته
كمثل ما سوى الضروب المنتجه * في المدة المغلطة مستخرجه * ذي سوء تأليف ورم برهانا
160

وسوء تبكيت سواه كانا * أو في القياس بقياسه إلى * مطلوبه فخلف وضع حصلا
ان نسبة ذي صرفة المغايرة * كما اتحاديتها المصادرة * في حكمة الاشراق وشرحها ومما يتعلق
بذلك أي بالغلط الواقع بسبب الترتيب ان لا ينتقل الحد الأوسط بكليته إلى المقدمة الثانية
كما ياقل الانسان له شعر وكل شعر ينبت لينتج ان الانسان ينبت فان الحد الأوسط الذي
هو محمول الصغرى له شعر ولم يجعل بتمامه موضوع الكبرى وهو من باب سوء التأليف واعترض عليه
صدر المتألهين س بان ظاهر هذا الكلام يدل على وجوب كون الأوسط بكليته متكررا مذكورا في المقدمتين
وعلى ان الغلط فيه انما نشاء من عدم جعل محمول الصغرى بتمامه موضوع الكبرى كما صرح به الشارح
وليس الامر كذلك فإنه غير واجب والغلط انما نشأ هنا من عدم نقل ما بقى بعد حذف
ما يتكرر من المقدمتين إلى النتيجة وهي ههنا الانسان له ما ينبت وكذا قولنا زيد على السرير
والسرير جماد ليس نتيجته زيد جماد بل زيد على جماد وهو حق فالغلط في ذلك ليس من باب سوء
التأليف بل من باب وضع ما ليس بعلة علة لان مادة القياس صحيحة وصورتها صحيحة الا ان
نتيجته غير ما ذكر انتهى وهذا منه قدس سره العزيز غريب غاية الغرابة فان صورة هذا القياس
على ما ذكره غير صحيحة إذ في الشكل الأول لا بد وأن يكون ما هو محمول الصغرى موضوعا في الكبرى وههنا
ليس الموضوع في الصغرى الانسان مع كلمة له والمحمول هو الشعر وكذا ليس الموضوع في القياس
الثاني هو زيد مع كلمة على والمحمول هو السرير حتى إذا جعل الشعر والسرير موضوعين في الكبرى كان
القياس على هيئة الأول بل الانسان في القياس الأول موضوع وله شعر محمول فإذا
أريد ان يرتب على هيئة الأول فلا بد ان يجعل قولنا كلما له شعر موضوعا في الكبرى في القياس
الأول وقولنا كلما على السرير موضوعا في كبرى القياس الثاني ومثله قولهم الطلاق موقوف
على النكاح والنكاح موقوف على رضاء الطرفين لينتج ان الطلاق موقوف على رضاء الطرفين
مع أن الطلاق بيد من اخذ بالساق فالغلط فيه أيضا من باب سوء التأليف إذ لم ينتقل الأوسط
بكليته إلى المقدمة الثانية لا انه من باب وضع ما ليس بعلة علة بناء على أن النتيجة ان الطلاق
موقوف على موقوف على رضاء الطرفين أو نقول إنه من سوء اعتبار الحمل إذ لا بد
ان يعتبر قيد في الثانية أي رضاء الطرفين بالنكاح يا من في الجنة ثوابه يا من
161

في النار عقابه سبحانك الخ يا من إليه يهرب الخائفون هرب هربا بالتحريك
ومهربا وهربا نافر يا من إليه يفزع المذنبون فزع إليه أي استغاث يا من إليه
يقصد المنيبون ناب وأناب إلى الله أي تاب يا من إليه يرغب الزاهدون
الزهد ضد الرغبة وللزهاد درجات فمن زاهد يزهد في الدنيا ومن زاهد يزهد في الآخرة ومن زاهد يزهد
فيما سوى شهود جمال الذات وإن كانت محاسن الصفات ليشاهد ذلك الجمال بلا مشاهدة مزاحمة
كل التعينات وأشار تعالى إلى الزهد بقوله لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم وبقوله
لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا يا من إليه يلجأ
المتحيرون يا من به يستأنس المريدون عرف أهل السلوك الإرادة بأنها جمرة من
نار المحبة تنقدح في القلب مقتضية لإجابة دواعي الحقيقة يا من به يفتخر المحبون بالمحبة الحقيقية التي
هي محبة ذات الله تعالى وصفاته وافعاله من حيث هي أفعاله وكيف لا يفتخرون به وكل جمال وجلال
وزينة وكمال تحلت وتزينت بها المحبوبات الأخر رشحات من جماله وجلاله وجميعها منه وبه وله واليه
ومستعارة منه لها وودايع عندها ولا بد يوما ان يرد الودايع وان كنت في ريب مما تلونا عليك
فتحقق بمقام شهود المفصل في المجمل وشهود المجمل في المفصل حتى تشاهد ما يشاهدون وتحب ما يحبون
وتفتخر بما يفتخرون وترى ان حال الناس في ابتهاجاتهم بمرخوباتهم ومحبوباتهم حيث حرموا عن
الغبطة العظمى واثروا الغبن الأفحش وراموا عنه بدلا لا نسبة بينهما في الجامعية والدوام بالقياس
إلى حال هؤلاء المحبين العارفين كحال الصبيان في الالتذاذ باللعب بالصولجان ونحوه بالنسبة
إلى حال الرجال البالغين في ابتهاجهم بأغراضهم ورياساتهم ونعم ما قيل آنجا كه پيشكاه حقيقت شود پديد
شرمنده رهروى كه عمل بر مجاز كرد ثم إنه كما أن السالك يتدرج في الكمال فيصير أولا منيبا إلى الله
ثم زاهدا ثم واقعا في الحيرة والهيمان ثم مريدا ثم محبا كذلك أسند الافعال المتدرجة إليهم من القصد والرغبة
واللجاء والاستيناس والافتخار بالترتيب في هذه الأسماء الحسنى ثم إن المحبة والعشق والشوق
والإرادة والميل والابتهاج ونحوها روح معانيها واحد كما قيل نيست فرقى در ميان حب وعشق
شام در معنى نباشد جز دمشق الا ان الشرع لم يستعمل لفظ العشق كثيرا والسر في ذلك
ان النبي بما هو نبي شانه الاتيان بالآداب وتنظيم عالم الكثرة والعشق شيمته التخريب والوحدة
162

ولو اتى أحيانا به مثل من عشقني عشقته وغير ذلك كان ذلك صادرا عنه بما هو ولى كتكلمه عن
مقام الجمع والوحدة مما هو وظيفة الولي كما ذكرنا في شرح اسمه الولي فالعشق مفهومه المحبة المفرطة
كما في العرف لا يعتبر فيه شئ اخر ولذا جعل مقسما للحقيقي والمجازي وكثير الدور على السنة الأولياء
من العرفاء والحكماء وههنا وجه اخر لعدم تداوله في الشريعة وهو انه لما تداول في السنة أهل
الهوس والتصابي أيضا بحيث كان مشتهرا في المحبة الشهوية لم يتداوله الشرع لئلا يوهم ذلك
نظير عدم ورود اللامس والذائق والشام في حقه تعالى لئلا يوهم التجسم بخلاف السميع والبصير
ويجمع الجميع المدرك يعنى العالم بالجزئيات والعالم أعم من المدرك كما أن العاقل في عرف
الحكماء يختص بالعالم بالكليات والوجهان جاريان في عدم مناسبة الشعر للنبي كما قال تعالى
وما علمناه الشعر وما ينبغي له يا من في عفوه يطمع الخاطئون يا من إليه يسكن
الموقنون يا من عليه يتوكل المتوكلون سبحانك الخ اللهم إني أسئلك
بسمك يا حبيب الحبيب بمعنى المحبوب وربما يجيئ بمعنى المحب ومنه قول الشاعر
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها * وما كاد نفسا بالفراق يطيب يا طبيب يا قريب
لا بمقارنة كمقارنة الشئ مع الشئ بل قربه قرب الشئ مع الفيئ يا رقيب أي الحافظ والحارس
يا حسيب أي المحاسب إن كان من حسبه وحسبانا وحسابا أي عده أو الكافي إن كان من حسب
حسابة مثل كرم كرامة أي كفى وقد فسر بكلا المعنيين قوله تعالى وكفى بالله حسيبا يا منيب
من انابه الله أي ارجعه الله تعالى إلى جنابه ورخصه للدخول في بابه يا مثيب من اثابه الله أي حاراه
جزاء الخير والثواب في الأصل العسل والنحل يا مجيب يا خبير يا بصير سبحانك الخ
يا أقرب من كل قريب فإنه أقرب إلى وجود الشئ من وجوده إلى مهيته ومن مهيته إلى
وجوده مع أنه لا أقرب من أحدهما إلى الأخر وذلك لان نسبة ذلك الوجود إلى نفس مهيته بالامكان
ونسبته إلى فاعله بالوجوب وكذلك نسبة تلك المهية إلى ذلك الوجود بالامكان إذ المهية
من عوارض الوجود وهو بذاته لا جوهر ولا عرض واما نسبة الوجود المطلق إلى المقيد والصرف إلى
المشوب بالوجوب كما في الحديث القدسي يا موسى انا بدك اللازم بل هو تعالى أقرب
من نفس ذلك الوجود إلى نفس الوجود حيث إنه ربط محض بالعلة فلو لوحظ بنفسه وقطع النظر
163

عن علته لم يكن شيئا أصلا يا أحب من كل حبيب إما انه أحب من كل حبيب لأهله فواضح
وقد مر انه أحب للكل كما هو مقتضى الاطلاق فلان كل كمال وافضال لما كان عكس كماله وافصاله ومحبوبيتها
باعتبار وجهها إلى الله رجع محبوبيتها إلى محبوبيته فإليه يرجع عواقب الثنا كما ورد عن المعصوم ولكن
لا يستشعر بذلك الا الخواص والتفاضل والايمان والكفر بذلك الاستشعار أو لأنه أحب لهم اجمالا
أو فطرة كما أن الجاهل يعلم أن العالم خير منه والغضبان يصدق بان الحليم أشرف منه والبخيل بان
الجواد أفضل منه فهم يحبون الصفات الحميدة فطرة وان أحبوا تلك الرزايل بالغريزة الثانية
يا ابصر من كل بصير يا أخبر من كل خبير يا أشرف من كل شريف يا ارفع
من كل رفيع يا اغنى من كل غنى يا أقوى من كل قوي يا أجود من
كل جواد يا أرأف من كل رؤوف سبحانك الخ وهذه التفضيلات انما هي
باعتبار ان كل ما هي في المفضل عليه من الكمالات انما هي منه وبحوله وقوته مع أنه لا مفضل عليه
عند اضمحلال المجازات وظهور الحقيقة كما قيل وما الناس في التمثال الا كثلجة * وأنت بها الماء
الذي هو نابع * ولكن يذوب الثلج يرفع حكمه * ويوضع حكم الماء والامر واقع والمراد
بالتمثال انه من باب معرفة ذي الآية بالآية وهو يناسب قوله تعالى انزل من السماء ماء فسالت
أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه ابتغاء حلية أو متاع
زبد مثله فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض فهذه الآية
أيضا من باب معرفة ذي الآية بالآية يا غالبا غير مغلوب يا صانعا غير مصنوع
يا خالقا غير مخلوق يا مالكا غير مملوك يا قاهرا غير مقهور يا رافعا
غير مرفوع يا حافظا غير محفوظ يا ناصرا غير منصور مضمون هذه
الأسماء انه تعالى لما كان قاهرا فوق عباده فالغالب منهم مغلوبه تعالى والصانع منهم
مصنوعه وهكذا في البواقي بخلافه تعالى إذ لا يعلو شئ فإنه تام وفوق التمام بل رب
غالب منهم مغلوب الهواء ومالك منهم مملوك النفس وقاهر منهم مقهور هما بل ربما يكونون
مغلوبي المغلوب ومملوكي المملوك ومقهوري المقهور ومحفوظي المحفوظ لان ذلك المغلوب
اخرج ذلك الغالب من حالته الطبيعية واثر فيه وتأثر هو منه وذلك المملوك ملك بال
164

ذلك المالك وقيده بالتوجه إلى نفسه واستخدمه بالاستخدام وغيره وهكذا في الباقي
يا شاهدا غير غايب هذا مخصص به تعالى كسابقه لان كل شاهد سواه مهيته غايبة
لم يظهر قط لان الأعيان الثابتة ما شمت رايحة الوجود ولم تتحظ إلى ساحة الشهود ووجوده بما هو
وجوده في مرتبة ذات العلة غايب وكيف يمكن النور الضعيف في مشهد النور القوى وكذا في
مرتبة وجود المعلول الأخر غايب إذ له شأن وللآخر شأن اخر وليس هو بحيث يكون له مع كل شأن
شأن كما في علة العلل فإنها شاهدة على كل المراتب حاضرة مع جميع الشؤون الا انه بكل شئ محيط
انه على كل شئ شهيد فالحق حاضر لم يغب قط والخلق غايب لم يحضر قط والناس عكسوا
الامر فالخلق إما غايب محض أو شاهد من وجه غايب من وجه اخر ثم المخترعات والكاينات
تزيد غيبتها على المبدعات حيث إن وجودها ليس حاضرا لذاتها بل للمادة وانها ذوات مقادير
غايبة اجزائها بعضها عن بعض وانها سيالة زمانية تكونها عين تقضيها يعزب كل مرتبة من وجودها
السيال عن مرتبة أخرى فكل ما صار منها شاهدا صار غايبا فالحق تعالى ليس له غيبة بوجه من هذه الوجوه
وله الشهادة بجميع أنحائها قل أي شئ أكبر شهادة قل الله ان قلت فكيف يطلق عليه تعالى
غيب الغيوب والغيب المصون والغيب المكنون ونحوها قلت إما أولا فلان غيبته من فرط حضوره
كما ورد يا من خفى من فرط ظهوره فالغيبة فيه عبارة عن غاية الحضور واما ثانيا ففرق بين كون
الشئ حاضرا في نفسه وبين كونه حاضر الشئ فلا منافاة بين كونه تعالى حاضرا في جميع مراتب الواقع
وبين عدم حضوره لنا لقصور مداركنا عن اكتناهه وإن كان حاضرا لنا بوجه بعين حضور ذاتنا وحضور
صور الأشياء لنا يا قريبا غير بعيد سبحانك الخ هذا أيضا مخصوص به تعالى لان كل قريب
من الشئ بعيد من وجه إذ ليس في مقام ذاته بل قربه إما بحسب المكان واما بحسب الزمان
واما بحسب الشرف واما بحسب الذات كالمعية الذاتية التي بين أمرين واما غير ذلك فالقريبان
بحسب المكان مثلا باينان أحدهما عن الأخر بينونة عزلة فهما بعيدان من حيث وجودهما وذاتهما مع أنهما
ربما يكونان بعيدين من حيث الشرف مثلا واما الحق تعالى فلما كان الموجودات فقراء في ذواتها
إليه ومتقومات في وجوداتها بقيوميته ومنطويات بظهوراتها في ظهوره بل هي نفس الفقر والظهور
كان قربه منها أعلى القربات غير مشوب بشئ من انحاء البعد فليس له مكان وزمان حتى يقرب
165

من شئ بحسبهما ولا يداينه شئ في الشرف والمجد حتى يقرب من شرفه شرف كيف وكل شرف
منه وبه وله واليه ولا نسبة ومقايسة لديه ولا يكافيه شئ في الوجود والوجوب حتى يقرب من شئ
بحسب الذات فيكون معه معية ذاتية كيف والواجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع
الجهات الصفاتية والافعالية وبالجملة الجهات الوجودية فالوجود كله من إقليم الله والنور بشراشره
من صقعه فبالحقيقة قد أشير في هذا الاسم المبارك إلى أن لا قرب من جانبه تعالى إذ لا قرب الا
وهو مشوب بالبعد وهو تعالى قريب غير بعيد انما القرب يتصحح من جانب العبد بالتخلق باخلاق
الله والاتصاف بصفاته وهذا هو القربة المطلوبة في العبادات الأركانية والقلبية لولاها لم يعبأ بها
يا نور النور قد عرف النور بأنه الظاهر بذاته المظهر لغيره وهو القدر المشترك بين جميع مراتبه
من الضوء وضوء الضوء والظل وظل الظل في كل بحسبه وهذا المعنى حق حقيقة الوجود إذ كما انها الموجودة
بذاتها وبها توجد المهيات المعدومة بذواتها بل لا موجودة ولا معدومة كذلك تلك الحقيقة ظاهرة
بذاتها مظهرة لغيرها من الأعيان والمهيات المظلمة بذواتها بل لا مظلمة ولا نورية فمراتب الوجود
من الحقايق والرقايق والأرواح والأشباح والأشعة والأظلة كلها أنوار لتحقق هذا المعنى فيها
حتى في الأشباح المادية واظلال الاظلال السفلية إذ كما أن شعاع الشعاع الذي يدخل من
البيت الأول إلى البيت الثاني بل إلى الثالث وهكذا بالغا ما بلغ نور ظاهر بالذات مظهر للغير
وإن كان بنحو الضعف في الصفتين كذلك الوجودات المادية المعدودة عند الاشراقيين من
الغواسق والظلمات كلها أنوار لكونها ظاهرة بذواتها بما هي وجودات مظهرة لمهياتها بل نفس المادة
التي هي أظلم الظلمات وأوحش الموحشات المعبر عنها عند الأقدمين بالظلمة والهادية نور وكيف لا
وهي أحد من أنواع الخمسة الجوهرية والجوهر من أقسام الموجود والوجود نور ان قلت كيف تكون
جوهرا وقد تقرر عندهم انها نوع بسيط واستعداد محض والاستعداد عرض قلت كما أن العلم
له مراتب مرتبة منه كيف نفساني ومرتبة منه جوهر مفارق برزخي كعلم النفس بذاتها ومرتبة
منه جوهر مفارق محض كعلم العقل بذاته ومرتبة منه واجب الوجود كعلم الواجب تعالى بذاته وبغيره
فانظر إلى حقيقة واحدة وسعة مراتبها وقصيا منازلها في جانبي العلو والدنو كذلك الاستعداد
والقوة فمرتبة منه عرض كالكيفيات الاستعدادية ومرتبة منه استعداد بسيط متجوهر وقوة
166

محضة جوهرية وهذا معنى قولهم الهيولي جوهر مستعد جنسه مضمن في فصله وفصله مضمن في جنسه
ان قلت قد اشتهر عنهم ان قسط الهيولي من الوجود قوة الوجود فكيف قلتم انها موجودة وقوة
الشئ ليس بشئ قلت قوة الوجود ليس بوجود أي ليس بفعل واما الوجود الذي يشمل
القوة والفعل فكلا وهو الوجود الذي يقابل العدم لا الذي بمعنى الفعل فقوة الوجود في ذاتها
وبالنسبة إلى العدم المطلق وجود وذات حظ من الوجود المطلق ليست مقابلة له وان قابلت
الوجود الخاص الفعلي كما أن ظل النور الحسى ليس بنور أي ليس بشعاع مقابل ومواجه للنير
وإن كان نورا في ذاته بالنسبة إلى الظلمة الصرفة وذا حظ من النور المطلق بمعنى الظاهر بذاته
المظهر لغيره حتى عكس العكس وعكس عكس العكس وهكذا من اللواتي في حكم المقابل للنير وليس مقابلا
للنور المطلق وان قابل النور الخاص بمعنى الشعاع المقابل للنير فالهيولي نور وإن كان في غاية الضعف
والصورة الامتدادية الاطلاقية نور فوق نور وهكذا الصور الطبيعية والصور الشخصية والنفوس
والعقول كلها أنوار بعضها فوق بعض والله بكل شئ محيط وفى سورة النور الله نور السماوات
والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب
دري يوقد من شجره مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه
نار نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء والمهيات التي قد مر انها غواسق بذواتها
هي بما هي مفاهيم وعلوم وعنها خبر واثر وجودات خاصة بالحمل الشايع والوجود نور وببيان اخر
المهية بما هي فانية في الوجود بناء على أصالته واعتباريتها وان تركيبها مع الوجود كتركيب لا متحصل
ومتحصل وفان ومفنى فيه ومعنى حرفي واسمى لا خبر عنها ولا اثر وبما هي ملحوظة بالذات بالوجود ومعروضة
أو عارضة بالوجود للوجود فهى نور والوجود نور على نور فثبت بجميع ما ذكر انه تعالى نور النور وأيضا
الوجود المطلق والحق الإضافي والإضافة الاشراقية والظل المدود نور والوجود الحق نور النور وأيضا
الحكماء الاشراقيون يسمونه تعالى بالنور الغنى ونور الأنوار والعقول بالأنوار القاهرة الأعلين
والأدنين من الطبقة الطولية المترتبة والطبقة العرضية المتكافئة والنفوس بالأنوار الاسفهبدية
الفلكية والأرضية والأنوار الحسية بالأنوار العرضية فهو تعالى نور النور القاهر ونور النور
المدبر ونور النور العرضي المستمر وغير المستمر ثم كيف لا تكون هذه الأنوار الحسية عرضية مجازية
167

بالنسبة وما ذكر قبلها ذاتية حقيقية وبالأنوار الحسية لا يظهر الا المبصرات وبنور النفس
الذي هو دون نور العقل تظهر هي والمحسوسات الأخر والمتخيلات والموهومات والمعقولات
فبالعلم الذي هو نور من النفس يظهر حقايق الأشياء كلا وطرا حدودها ورسومها ومائيتها الشارحة
والحقيقية وهليتها البسيطة والمركبة وهليتها الثبوتية والاثباتية وغير ذلك من المطالب إن كان
فهو نور حقيقة لأنه ظاهر بذاته مظهر لغيره الذي هو الحقايق المذكورة ولظهوره واظهار مراتب
ففي مرتبة ظل وفى مرتبة ضوء وفى مرتبة نار وفى مرتبة نجم وفى مرتبة قمر وفى مرتبة شمس وإذا علمت
هذا في النفس فاجعله مقياسا لمعرفة نور العقل ثم اجعلهما مرقاة وذريعة لمعرفة نور سماوات الأرواح
وأراضي الأشباح وأدر التفاوت بين نوره تعالى وأنوار هما كالتفاوت بين علمه تعالى وعلومهما
فكم من فرق بين العلم الحصولي والعلم الحضوري وظهور هما واظهار هما ثم كم من فرق بين العلم الحضوري
الذي هو عين وجود الشئ لا مهيته والحضوري الذي هو عين وجود الشئ ومهيته وبين الذي هو مستفاد
من الغير والذي هو مفيد وبين الذي هو متناه والذي هو غير متناه وبين الذي هو غير متناه عدة ومدة
والذي هو غير متناه عدة ومدة وشدة واعرف شدة النورية الوجوبية بالشدة الكيفية في النور الشمسي
حيث إن الكواكب التي لا تعد ولا تحصى تنير العالم إلى حد والشمس إذا طلعت تنيره إلى حد لا نسبة
بين الإنارتين بوجه بل ولو انضاف إليها إنارة القمر بل ولو أضيفت إليها اضائة سرج غير معدودة
وتشعيل مشاعل ممدودة لم تبلغ هذه الزيادات الكمية إلى حديد انى تلك الزيادة الكيفية فضلا عن أن
يكافيها فإذا كان هذا وهو من سكان عالم الحس المعدود عند أهل الاشراق من الغواسق والظلمات
وليس نورا لنفسه لاحتجابه بالمادة والمكان والزمان وغير هما من لواحق المادة فضلا عن المهية الامكانية
هكذا فما ظنك بالنور الذي هو نور لنفسه غير محتجب بالمهية والمادة ولواحقها وهو بسيط الحقيقة ومع
بساطته كل الأنوار بنحو أعلى وأشد في مقام الكثرة في الوحدة وفى مقام الوحدة في الكثرة ملا نوره
الإضافي أعماق كل شئ ونعم ما قيل با سيف قاضب همسرى * مخراق لاعب كي كند * ذكر كدو باشد سفه
در عرصه ء سر وچمن والحاصل ان العالم كمشكاة امتلأت نور أو ضياء وحسنا وبهاء وشروقا وسناء
كما في أية النور لكن لا كمشكاة عالم الحس حيث إن لها حقيقة ومع كونها حقيقة هي غير حقيقة النور
فان المشكاة للنور الحقيقي صنفان صنف هي القوابل التعلمية من المهيات الامكانية وصنف هي
168

القوابل الخارجية من المواد الجسمانية والمهية كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء لا حقيقة لها بل
متحدة مع الوجود الذي هو النور الحقيقي والمادة أيضا متحدة بالصورة غير مباينة عنها في الوضع
وهكذا في المادة الثانية والثالثة وغيرها لا حقيقة لها الا بنحو الابهام تركيبها تركيب لا متحصل ومتحصل
وبلحاظ اخذ هما بشرط لا وهو المناسب لجعلهما مشكاة تكونان من حقيقة النور كما مر فالعالم كمشكاة من سنخ
النور امتلأت بالنور وفى الأدعية النبوية يا نور النور احتجبت دون خلقك فلا يدرك
نورك نور يا نور النور قد استنار بنورك أهل السماوات واستضاء بنورك أهل
الأرض يا نور كل نور حامد لنورك كل نور وفى نسخة خامد بنورك بالخاء المعجمة والباء بدل
اللام وهو الاظهر يا منور النور أي معطى النور للنور وهذا وإن كان جعلا تركيبيا الا انه
بالعرض فإنه تعالى لما جعل النور جعلا بسيطا بالذات جعل النور نورا بالعرض إذ لو لم يجعل النور
لم يكن النور نورا إذ السلب يصدق بانتفاء الموضوع ونظير هذا الاسم ما ورد في الحديث
هو الذي أين الأين فلا أين له وكيف الكيف فلا كيف له ويمكن ان يجعل المعنى هنا
أوجد الأين والكيف ولا يجوز فيما نحن فيه إذ يصير معناه ومعنى خالق النور واحدا ويمكن ان يكون
في هذا الاسم الشريف تلويح إلى معنى آية الله نور السماوات والأرض على ما ذكره بعض المفسرين
حيث فسر النور بالمنور ولعله ورد عن بعض الأئمة (ع) والداعي إلى هذا التفسير إما انه فهم من النور
النور العرضي الحسى وانه تعالى منزه عن الجوهرية فضلا عن العرضية فحمل هذا ذلك البعض من المفسرين
على أن حمل الآية على أن الله تعالى معطى ذلك النور العرضي للسموات والأرض لا انه عين ذلك
النور فهذا فهم ظاهري عامي وأي داع على هذا الحمل ومعلوم انه لم يرتق فهمه من هذا النور الحسى إلى
نور النفس والعقل فكيف إلى نور الباري تعالى واما انه فهم ان النور ما هو الظاهر بذاته المظهر لغيره
وهو حق حقيقة الوجود التي تنورت بها السماوات العلى التي هي مهيات المجردات والأرضين السفلى
التي هي مهيات الماديات لكن يقول لو حملت الآية على هذا لزم وحدة الوجود كما قال القائل بالوحدة
ان نور السماوات والأرض وجود هما وقد حمل على لفظ الجلالة ومفاد الحمل هو الاتحاد في الوجود
وجعل النور بمعنى المنور خلاف الأصل ووحدة الوجود عنده باطلة فلا جرم دعاه هذا على ارتكاب
خلاف الأصل فنقول هذا المعنى لا باس به وإن كان القول الفحل والرأي الجزل ابقاء
169

الآية على ظاهرها بلا وقوع في المحذور كما سنشير إليه إما عدم الباس فلأنهم ذكروا ان للوجود مراتب
ثلث الوجود الحق والوجود المطلق والوجود المقيد والوجود الحق هو الله والوجود المطلق فعله والمقيد
اثره فنور السماوات والأرض الذي نفذ في أقطار هما وسرى في بواطن سكان الملكوت وفى
أعماق قطان الناسوت وكما تشعشع به الدرة البيضا لم يشذ عن حيطته ذرة الهبا هو الوجود المطلق
ووجهه الذي أشير إليه في دعاء كميل وبنور وجهك الذي أضاء به كل شئ وظله الممدود
المشار إليه بقوله تعالى ألم تر إلى ربك كيف مد الظل وهو النور المشرق من صبح الأزل فيلوح
على هياكل التوحيد اثاره المومى إليه في حديث كميل فالوجود الحق تعالى معطى النور الذي هو
هو الوجود المطلق للسموات والأرض التي هي الوجودات المقيدة ولعل هذا هو مراد المعصوم (ع)
إن كان الخبر صحيحا ولا يحضرني الان ولعل منظور المعصوم وكذا المحقق من أهل التفسير المقتبس
من نوره (ع) عدم الوقوف على هذا النور لأنه من القصور وعدم البلوغ إلى سعته وعدم الوصول
إلى أن وراء النور المتجلى في المجالي والمظاهر نورا مجردا غنيا عنها ظاهرا بذاته لذاته مظهرا للغير
لو كان كما في قولهم رب إذ لا مربوب وقولهم له معنى الربوبية إذ لا مربوب وكما في
قول الشيخ الرئيس في العلم علو الأول تعالى ومجده بذاته لا بالصور العلمية فله معنى الاظهار
للغير إذ لا غير والا نقول نبقى النور في الآية على معناه مع حفظ تثليث المراتب بلا محذور
لان قوام ذلك النور وتنويره دياجي الغسق بالنور المجرد لأنه باق ببقائه لا بابقائه منزلته منه
منزلة النسب والمعاني الحرفية من المعنى الأسمى ولهذا سمى بالإضافة الاشراقية بل هذا حال
بعض مجاليه كالأنوار القاهرة البادية المعدودة من صقع الربوبية كما قال بعض الأنوار العقلية
في السلسلة العروجية كنا حروفا عاليات لم نقل فنور نور السماوات والأرض نور هما كما أن الشعاع
المنبسط من الشمس في النهار نور العالم والشمس نور هذا النور ويقال الشمس نور العالم والسراج
نور المحفل بل نور نور نور الشئ من جانب البداية نور ذلك الشئ وهكذا فان ضوء القمر نور العالم
في الليل وبالحقيقة الشمس نور العالم في الليل أيضا لاستفادة القمر منه ولكن لا يقال في العرف
لعدم اطلاع أهل العرف عليها وغفلتهم عن الشمس يا خالق النور وجاعله جعلا بسيطا
المراد وبالنور إما الحسى وفيه تعريض بالثنوي القائل بخالقية النور والظلمة واما المعنوي الواقع
170

في المراتب المعلولة والا فالنور من أسمائه الحسنى كما في القران والأدعية أو المراد انه تعالى
باعتبار كنه ذاته لا اسم له ولا رسم فالنور بما هو اسم وتعين والاسم غير المسمى بوجه مخلوق
يا مدبر النور للنور المدبر وغيره في السلسلة الصعودية يا مقدر النور في السلسلة
النزولية تأخيره في الذكر بالنسبة إلينا ساكني عالم الطبيعة مرتقين من المعلول إلى العلة يا نور
كل نور أي ظهور كل ظهور وحقيقة كل حقيقة ومذوت كل ذات وهوية كل هو لان كل
مجعول بالذات متقوم بجاعله ومفتقر إليه ومرتبط به أشد تقوما من تقوم المهية بمقوماتها الذاتية
التي لا يتصور بحقيقتها بدونها فان ما هو في الوجود لم هو فلا يمكن تخلية وجود المجعول عن وجود
الجاعل مع أن الله خلو عن خلقه وأقوى افتقارا من افتقار الشئ في صفاته وأحواله كافتقار
أحد المتلازمين إلى الأخر أو افتقار الجنس في تعينه إلى الفصل أو افتقار الكلى في تشخصه إلى العوارض
المشخصة بل من افتقار الشئ إلى وجوده إذ مهية الشئ تتصور من حيث هي بلا وجود وعدم
وذلك لان هذا الافتقار استوعب الوجود بشراشره بحيث لا يتصور بدون وجود الجاعل
ولا ظهور له خاليا عن ظهوره والا لكان غنيا في ذلك الظهور والله هو الغنى وأتم ارتباطا
وأقوى تعلقا من ساير الارتباطات والمتعلقات فان تعلق الشئ بالشيئ وارتباطه به
إما بحسب الذات والنوعية كتعلق العرض بالموضوع واما بحسب التشخص كتعلق الصورة بالهيولي
واما بحسب الحدوث والبقاء كهذا وكتعلق النفوس النباتية والحيوانية الحسية بموادها واما بحسب
الحدوث دون البقا كتعلق النفس الناطقة بالبدن واما بحسب اقتناء الفضايل والمزايا كتعلق
الصناع بالآلات واما تعلق الوجود المجعول بالجاعل الحق فهو بحسب الذات والهوية بحيث
لا يباينه بينونة عزلة بل بينونة صفة ان هي الا أسماء سميتموها أنتم وابائكم ما انزل الله
بها من سلطان ولا هوية له على حياله كيف والوجودات عين التعلقات والروابط
والإضافات الاشراقية لا انها ذوات لها التعلق والربط والإضافة والا لم يكن مرتبطة في
ذواتها فلم يكن مجعولة بذواتها أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ان قلت
التعلق وما يساوقه (بمعنى)؟ مصدري اضافي فلو كان الوجود عينه لزم أن تكون اعتباريا قلت
نعم حقيقته اللغوية أو العرفية العامة ما ذكرت واما أبناء الحقيقة إذا اطلقوا التعلق والربط
171

على انحاء الوجود فلم يريدوا المعنى المصدري بل نفس الوجود العيني ولكن عبروا بذلك ايماء
إلى فقرها بذواتها وانها ليست أشياء على حيالها بل ذواتها وصفاتها وافعالها كلها من الله
فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ولا إله إلا الله ولا هو الا هو قال السيد المحقق
الداماد قدس سره العزيز في التقديسات وهو تعالى كل الوجود وكله الوجود وكل البهاء والكمال
وهو كله البهاء والكمال وما سواه على الاطلاق لمعات نوره ورشحات وجوده وظلال ذاته
وإذ كل هوية من نور هويته فهو الهو الحق المطلق ولا هو على الاطلاق الا هو وقال في موضع اخر
فإذا كان كل جايز المهية في حد ذاته ليسا صرفا ولا شيئا بحتا وانما تشئ مهيته وتجوهر ذاته
وتعين هويته من تلقاء المفيض الحق الذي هو الجاعل البحت لا الشئ الجاعل فيكون جملة
الجايزات لوازم انه الذي هو صرف ذاته فيكون برمتها لوازم ذاته بذاته فلا محالة ينطوى
في ظهور ذاته ظهور اعداد التقرر وذرات الوجود انتهى كلام السيد الهمام وهو سيد الكلام
وكذا إذا اطلقوا عليها الإضافة الاشراقية لم يريدوا بها الا انها اشراقات النور الغنى لا الإضافة
المقولية التي تستدعى منسوبا ومنسوبا إليه واما الاشراقية فلا يستدعى مضافا ومستشرقا الا في
تعمل العقل حيث يحللها إلى اشراق ومهية مستشرقة وفى الواقع ونفس الامر لم يبق اشراقه الباهر
مستشرقا وذلك التعلق بوجه كتعلق المهية بالوجود حيث إن العقل وان تعمل تعملا شديدا وبذل
جهده في تخلية المهية عن الوجود وجدها محفوفة بالوجود فكان التخلية خلطا فثبت انه تعالى نور
كل نور فكما ان البدن كمسرجة فيها أصناف سرج من القوى المحركة وفنون بناريس
من المشاعر الظاهرة وأنحاء مصابيح من المدارك الباطنة وأنواع مشاعل من المراتب العقلية
كل ذلك منضدة نضدا عجيبا متسقة اتساقا غريبا يحير الناظر المتفكر والنفس الناطقة نور
هذه الأنوار فكذلك العالم الذي هو الانسان الكبير الذي أعضائه الأفلاك والعناصر وقواه
العقول والنفوس كمحافل مشيدة عليها مسارج منضدة فيها سرج موضوعة ومصابيح
مطبوعة ومشاعل مرفوعة والله بهر نوره وجل ظهوره نور كل نور يا نورا قبل كل نور
يا نورا بعد كل نور هاتان القبلية والبعدية ليستا زمانيتين كما يسبق إلى الأوهام
لان هذا النور ليس في حد من حدود الزمان حتى يحيط به وانى يسع للزمان الذي هو كبرق
172

من بروق هذا النور بل من شروق انواره المدبرة لا القاهرة فضلا عن نور الأنوار ان
يلمع في منصة ظهوره وكيف يتمكن النور الضعيف في مشهد النور القوى هيهات هيهات
علم چون بر فرازد شاه فرخار * چراغ آنجا نمايد چون شب تار بل هذه القبلية والبعدية
ذاتيتان أو سرمديتان على ما زاد سيد الحكماء س قسما آخر في أقسام التقدم وسماه تقدما
دهريا وسرمديا وقد مر في أوايل هذا الشرح بيان ذلك ان وعاء وجود السيالات
من الطبايع والممتدات وعوارضها هو الزمان ووعاء وجود المفارقات النورية هو الدهر
ووعاء وجود نور الأنوار هو السرمد والتعبير بالوعاء هنا على التجوز ومن ضيق العبارة وصفات
كل من الثلاثة وعائها من سنخ وعاء ذواتها وذاته تعالى إذ ليس من سنخ الممتدات والسيالات
ولا من سنخ المبدعات سرمدي فكذا صفاته ولا سيما انها عين ذاته ومن جملتها قبليته
وبعديته فهو نور قبل كل نور قبلية ذاتية وسرمدية لأنه مبدء الأنوار المفارقة في الطبقة
الطولية والعرضية من السلسلة النزولية ومبدء الأنوار المقارنة من السلسلة العرضية
وهو نور بعد كل نور بعدية ذاتية وسرمدية لأنه منتهى الأنوار المفارقة من السلسلة الصعودية
ومنتهى الأنوار المقارنة من السلسلة العرضية لأنه تعالى غاية الغايات ومنتهى الطلبات
أو هما قبلية وبعدية بالحقيقة على ما زاده صدر المتألهين س وسماه تقدما بالحقيقة فان النور في
أي مقام ومرتبة تحقق ما هو مضاف إلى الحق تعالى مقدم بالحقيقة كما هو موجود بالحقيقة وبما هو
مضاف إلى الأشياء مؤخر كما انها موجودة بالمجاز العرفاني وكذا بما هو مضاف إلى الحق
بعد اسقاط اضافته إلى الأشياء بعد كل نور بالحقيقة كما في الطامة الكبرى ولنمثل
بمثال وهو انه إذا كان هنا مصباح قديم أبدى وواجهت شطره من جميع الجوانب
مرائي متعددة حادثة انعكس منه في كل مراة مصباح وإذا بدلتها بلا فصل بمرائي اخر فعل
بها ما فعل بالأول وهكذا فنور المصباح ثابت على حالة واحدة لا تغير ولا أفول له ولا أول
ولا اخر له وانما هذه لأنوار المرائي بما هي أنوارها فالمصباح نور كل أنوار المرائي وقبلها وبعدها
فهكذا مرائي الآفاق والأنفس آيينه خانه ايست پراز ماه وآفتاب * دامان خاك تيره زعكس صفاى تو
ثم من كان نظره دائما إلى المصباح وتوجه قلبه إليه ورءاه في مصابيح المرائي بجعلها آلات لحاظه
173

وعنوانات شهوده وظهورها منطويا في ظهوره لم ير في جميع أحواله الا المصباح فان مصابيح المرائي
من صقع المصباح الأصل ح وكان ذلك التوجه له كخيط يجمع شتات الجواهر النفيسة وينظم
اللآلي المتلألئة في سلك واحد ومن كان في غفلة عريضة عن المصباح الأصل ونبذه وراء ظهره
وكان نظره إلى المرائي والعكوس لا بما هي مرائي وعكوس بل يجعل العنوانات معنونات وآلات
اللحاظ للأصل ملحوظات بالذات وقع نظره في التفرق وقلبه في التشتت وانثلم توحيده لغلبة
احكام كثرة القوابل عليه واختلافها في الزمان والمكان والوضع والجهة وتباينها في الصغر والكبر
والصفا والكدر والاستقامة والاعوجاج وغير ذلك إذ ليس هنا رابط موقع للارتباط منظم
للمتشتتات وأوضح من هذا وقوع عكوس عديدة من صورة انسان في مرائي متباينه كالبلور
والماء والحديد الصافي والجليدية والخيال وغيرها ومعلوم ان لكل منها عرضا عريضا من الأصناف
والاشخاص المختلفة بالصفاء والكدر وغير هما فيحصل في العكوس تفاوت بين فمن لم ير الأصل و
وقع نظره على العكوس لم يمكنه توحيد الكثير كيف وما في البلور نبوع وما في الماء الصافي نبوع اخر
وما في الماء الكدر بنحو اخر وما في الجليدية في غاية الصغر وهكذا ما في المرائي الأخر فلم يرها الا في غاية البعد
إذ الفرض انه لم ير الأصل بخلاف من كان متوجها إلى الانسان الأصل في جميع نظراته شاغل
القلب به عن المرائي في جميع خطراته مملو البال من تذكره في ساير لحظاته فهو يؤلف بين العكس
الذي في غاية الصغر والذي هو أوفق بصورة الصور فكن يا حبيبي ممتلئ القلب من تذكر أصل الوجودات
وينبوع الخيرات ونور الأنوار ومعدن الظهور والاظهار وناظر طرف الفؤاد في كل منظور إليه
ومقتنص القربة في كل قول وفعل لديه حتى تؤلف بين المتعاندات وتوفق بين المتضادات
فتناسب بين الدرة البيضاء وذرة الهباء وتصالح بين النيران والمياه وترتع الذئاب مع
الشياه فهناك يتحد طعم الحنظل والانجبين ويتحد طبع الترياق وسم التنين ويجتمع البرد مع الحرور
ويعيش العقاب في وكر العصفور والليل والنهار متحدان والأزل والأبد توأمان جمع الله شتات
شملك وأوصلك إلى أصلك يا نورا فوق كل نور هذه الفوقية ليست حسية مكانية
بل معنوية قهرية كما قال تعالى هو القاهر فوق عباده فكما ان لكل بدن نورا مدبر إذا عناية
به فوق الأنوار الحسية والعرضية كذلك لكل نوع نور مفارق عقلي يسمى عند الاشراقي
174

بالنور القاهر ذو عناية بكلية ذلك النوع كأنه نفس لذلك النوع الطبيعي الا ان النفس متوجهة
إلى البدن مدبرة له ملتفتة إليه التفاتا استكماليا والنور القاهر مترفع عن الأجسام غير متوجه إليها
بالذات وغير ملتفت إليها استكماليا قاعدة مخروط ذلك النور عند ذلك النوع ورأسه عند
نور الأنوار وكأنها مشاعل ثابتة كما مر والأنواع الطبيعية قوابل مستنيرة متبدلة تمر بها قبالة تلك
المشاعل التي لا تتغير ولا تتبدل أو انها معاني قارة بسيطة والأنواع الطبيعية الفاظ وعبارات
مركبة غير قارة داثرة زايلة أو انها شموس وأقمار مشرقة منيرة قائمة غير اقلة وتلك الأنواع
مياه سيالة كما قال المولوي المعنوي س قرنها برقرنها رفت أي همام * وأين معاني بر قرار وبر دوام
شد مبدل آب أين چو چند بار * عكس ماه وعكس اختر بر قرار * فهذه الأنوار القاهرة فوق
الأنوار المدبرة ونور الأنوار فوق كل نور فان له مع كل شأن شأنا وله شأن ليس للشئون معه
شأن والأنوار القاهرة مع قاهرية أنوارها بالنسبة إلى ما دونها لا نورية ولا ظهور لها بالنسبة
إلى نور الأنوار كانطماس أنوار الكواكب عند نور الشمس بوجه فإنها في النهار موجودة كالليل
ولكن مطموسة النور ممحوقة الظهور عند سطوع نور الشمس يا نورا ليس كمثله نور سبحانك الخ فيه أربعة
أوجه الأول ان يكون الكاف زايدة كما هو المشهور في قوله تعالى ليس كمثله شئ والثاني
ما ذكره العلامة التفتازاني في شرح التلخيص في الآية ان الأحسن ان لا يجعل الكاف زايدة
ويكون من باب الكناية فإنه نفى للشيئ بنفي لازمه لان نفى اللازم يستلزم نفى الملزوم كما يقال ليس
لأخ زيد أخ فأخو زيد ملزوم والأخ لازمه لأنه لابد لأخ زيد من أخ هو زيد فنفى هذا اللازم والمراد
نفى الملزوم أي ليس لزيد أخ إذ لو كان له أخ لكان لذلك الأخ أخ هو زيد فكذا نفى ان يكون
لمثل الله تعالى مثل والمراد نفى مثله تعالى إذ لو كان له مثل لكان هو مثل مثله إذ التقدير انه موجود انتهى
والصواب كما قال المحقق الشريف انه ليس من باب الكناية بل من باب المذهب الكلامي المعدود
من المحسنات المعنوية كقوله تعالى فلما افل قال لا أحب الآفلين أي الكوكب افل وربى ليس
بأفل فالكوكب ليس بربي والفرق ظاهر لان العبارة في الكناية مستعملة في المعنى المقصود أعني
نفى المثل عنه تعالى بلا قرينة مانعة عن إرادة المعنى الأصلي وفى المذهب الكلامي مستعملة في
معناها الأصلي وجعل ذلك حجة على المعنى المقصود من غير أن يقصد استعماله فيه أصلا الثالث
175

ما ذكره صاحب الكشاف في الآية وهو جعل الكاف غير زايدة بان يكون من باب الكناية على
طريقة قولهم مثلك لا يبخل فنفوا البخل عن مثله والغرض نفيه عن ذاته فسلكوا طريق الكناية قصدا
إلى المبالغة لانهم إذا نفوه عما يماثله وعمن يكون على أخص أوصافه فقد نفوه عنه كما يقولون قد أيفعت
لذاته وبلغت اترابه يريدون ايفاعه وبلوغه فح لا فرق بين قوله ليس كالله شئ وبين قوله ليس كمثله
شئ الا ما يعطيه الكناية من فائدتها انتهى وعندي ان هذا الوجه أولي مما ذكره التفتازاني وان جعلناه من
باب المذهب الكلامي لان ذلك من قبيل التعمية وهي لا تناسب بفصل الخطاب الرابع
ان يكون الكاف غير زايدة أيضا ويكون المثل بمعنى المثل محركة والمعنى ليس مثل مثله الاعلى شئ أو نور
ومثله الاعلى هو الرحمة الواسعة والظل الممدود وإذ لم يبق شئ الا شملته هذه الرحمة وأظل عليه هذا الظل
فلا مثل له وهذا الاسم الشريف بجميع معانيه إشارة إلى التوحيد وبيانه مستقصى قد مر في شرح اسمى
الاحد والواحد واما البيان الاجمالي فهو انه صرف النور وصرف الشئ لا ميز فيه وواجد لما هو من سنخه
فصرف النور كلما فرضته ثانيا له فهو هو لا غيره وواجد في مقام ذاته كل الأنوار بنحو أعلى على طريق الوحدة
والبساطة وامره وظله الممدود نوره الفعلي والأنوار المقيدة مراتب ظله وظل الشئ ومراتب ظله لا يكون
ثانية له بل من صقعه انما الثاني ما لا يكون من سنخه حتى لا يكون واجدا له وهو الظلمة والظلمة عدم والمثل
موجود بالفرض والوجود نور فهو هو لا غيره قال الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب حكمة
الاشراق في بيان ان الأنوار لا تختلف بالفصول المنوعة بل بالكمال والنقص خلافا للمشائين النور كله
لا يختلف حقيقته الا بالكمال والنقصان وبأمور خارجة فان النور إن كان له جزءان وكل واحد غير نور في
نفسه كان جوهرا غاسقا أو هيئة ظلمانية فالمجموع لا يكون نورا في نفسه وإن كان أحدهما نورا والاخر
غير نور فليس له مدخل في الحقيقة النورية وهي أحدهما ومن طريق آخر الأنوار المجردة نفوسا كانت
أو عقولا لا تختلف في الحقيقة والا ان اختلفت حقايقها كان كل نور مجرد فيه النورية وغيرها وذلك
الغير إما هيئة في النور المجرد أو النور المجرد هيئة فيه أو كل واحد منها قائم بذاته فإن كان هو هيئة في
النور المجرد فهو خارج عن حقيقته إذ هئية الشئ لا يحصل فهى الا بعد تحققه مهية مستقلة في العقل
فالحقيقة لا تختلف به وإن كان النور المجرد هيئته فيه فليس بنور مجرد بل المعروض جوهر غاسق
فيه نور عارض وقد فرض نورا مجردا وهو محال وإن كان كل واحد منهما قائما بذاته فليس أحدهما
176

محل الأخر ولا الشريك في المحل وليسا ببرزخين يمتزجا أو يتصلا فلا تعلق لاحد هما بالآخر فالأنوار
المجردة غير مختلفة الحقايق ثم قال بعد أسطر يجبان ينتهى الأنوار القائمة والعارضة والبرازخ
وهيأتها إلى نور قائم بذاته ليس ورائه نور وهو نور الأنوار والنور المحيط والنور القيوم والنور المقدس
والنور الأعظم الاعلى وهو النور القهار والنور الغنى إذ ليس ورائه شئ ولا يتصور وجود نورين
مجردين غنيين فإنهما لا يختلفان في الحقيقة لما مضى ولا يمتاز أحدهما عن الأخر بنفس ما اشتركا فيه ولا بأمر
يفرض انه لازم للحقيقة إذ يشتركان فيه ولا بعارض غريب كان ظلمانيا أو نورانيا فإنه ليس ورائهما
مخصص وان خصص أحدهما نفسه أو صاحبه فيكونان قبل التخصص متعينين لا بالمخصص ولا يتصور التعين
والاثنينية الا بمخصص فالنور المجرد الغنى واحد وهو نور الأنوار وما دونه يحتاج إليه ومنه وجوده فلا ند
له ولا مثل له وهو القاهر لكل شئ ولا يقهره ولا يقاومه شئ إذ كل قهر وقوة وكمال مستفاد منه انتهى
وقال الشارح العلامة عند قوله فإنه ليس ورائهما مخصص لكونهما غنيين مطلقين فليس ورائهما
ما يخصص أحدهما أو كليهما انتهى أقول ابطال الامتياز بالعارض الغريب بحيث يستوفى
جميع شقوقه بان يقال ذلك العارض إما حادث فيحتاج إلى مخصص الحدوث والتخصص ويلزم
سنوح الحال المستلزم للمادة واستعدادها فلم يكونا نورين مجردين هف مع أنهما قبل الحدوث
لم يكونا متعينين واما دائم نوعه بتعاقب اشخاصه فيكونان محلى الحركات والتغيرات هف واما
دائم بشخصه مع كونه غير لازم لان العرض المفارق ما كان جايز الانفكاك وإن كان دائما مع المعروض
مثل كون زيد فقير أطول عمره فنقول ليس ورائهما مخصص لكونهما غنيين مطلقين وهذا لازم
في جميع الشقوق ولهذا اكتفى به وأيضا في الجميع يلزم ان لا يكونان في ذاتهما محضى النور بل نور وسلب
نور عارض وأيضا على تقدير كون المميز والمشخص لازما أو مفارقا يلزم ان يكون التشخص زايدا على مهيتهما
ثم لما كان المراد بالنور حقيقة ومعلوم انه لا يمكن تالفها من نور وغير نور فلا يرد النقض على ما ذكره س
أولا ان الجزئين أو أحدهما لو كانا غير نور فالمجموع غير نور بان الحيوان الانساني مثلا حقيقة ملتئمة
من الحيوانية وغير الحيوانية أعني الناطقية مع أن المجموع حيوان إذ الحيوان الملتئم منهما مهيته ومفهومه
مع أن الجنس والفصل يحمل أحدهما على الأخر بالعرض واما حقيقته ومعنونه فلا يتألف الا من الحيوانية
ثم إن البرزخ في اصطلاح حكمة الاشراق هو الجسم فيعبر عن الأجسام الفلكية والعنصرية بالبرازخ العلوية
177

والسفلية والهيئة هي العرض والأنوار العرضية هي الحسية وهو واضح لناظريها واما ابداء الشبهة
الشيطانية على برهانه الذي ذكر في التوحيد بان يقال لم لا يجوز ان يكون هناك نوران مجردان
غنيان متمايزان بتمامي الحقيقة النورية البسيطة ويكون قول النور عليهما قولا عرضيا فدفعها بمثل
ما مر في الوجوب والوجود على الطريقة الأخرى وهو ان مفهوم النور كما مر مشترك معنوي وانتزاع
مفهوم واحد من حقايق متخالفة بما هي متخالفة غير ممكن الا بجهة جامعة في المحكي عنه والمنتزع منه وهي
هنا إما عين أو جزء أو خارج فيلزم إما الخلف أو التركيب أو عروض حقيقته على المهية والكل في
حقيقة النور المجرد محال هذا وقال صدر المتألهين وبدر العارفين لنا بتأييد الله تعالى وقوته
برهانا خاصا على هذا المقصد الذي هو الوجهة الكبرى للسالكين محكما في سماء وثاقته التي ملئت
حرسا شديدا وشهبا لا يصل إليه الشياطين ولا يمسه القاعدون منه مقاعد للسمع فمن يستمع الان
يجد له شهابا رصدا الا المطهرون من الأرجاس النفسانية والظلمات الروحانية بيانه ان الواجب تعالى
لما كان بسيط الحقيقة من جميع الوجوه فليست في ذاته جهة مغايرة لوجوب الوجود امكانية أو امتناعية
فهو واجب الوجود من جميع الحيثيات كما أنه واجب الوجود بالذات فإذا تقرر هذا فلو فرض واجبان
بالذات يكون كل منهما منفصل الذات عن الأخر لاستحالة ان يكون بينهما تلازم لان التلازم
بين الشيئين يقتضى علاقة علية ومعلولية بينهما والواجب بالذات يمتنع ان يكون معلولا فهما متباينان
من كل الوجوه فلكل منهما مرتبة من الوجود ليست للاخر ولا فائضة منه فيكون كل منهما عادما لوجود
الأخر فاقدا له وجهة العدم والنقصان ليست جهة الحصول والوجدان فذات كل منهما لا يكون
محض حيثية الوجود ولا واجبة الوجود من كل جهة بل يكون بحسب الذات مصداقا لحصول شئ
وفقدان شئ اخر كلاهما من طبيعة الوجود بما هو وجود فلا يكون ذات كل منهما وجودا خالصا
ولا واحد حقيقيا والتركيب من حيثيتين مختلفتين ينافى الوجوب الذاتي فواجب الوجود يجب
ان يكون من فرط الفعلية والتحصل جامعا لجميع النشأة الوجودية فلا مكافئ له في الوجود ولا ند
ولا شبيه فذاته من تمام الفضيلة يجب ان يكون كل الوجود وكله الوجود إذ كل وجود وكل
كمال وجود حاصل لذاته مترشح من لدنه على غيره فهو أصل كل شئ ونور كل ذي نور ظل وفيئ ولنا
برهان اخر مشرقي على التوحيد الخاصي وهو ان لا ثاني له تعالى في الوجود فضلا عن الوجوب
178

أوردناه في كتبنا انتهى وفى الأمثال أبى النظام شمسين فكيف لا يأبى آلهين يا من عطاؤه
شريف يا من فعله لطيف عطاؤه الوجود بقضه وقضيضه وفعله الكون بأوجه حضيضه
وشرافة هذا العطا لا تنال ولا تحد ولطافة هذا الفعل لا تحصى ولا تعد يا من لطفه مقيم
يا من احسانه قديم سجيته اللطف والكرم وعادته الاحسان منذ القدم فأول احسان
منه إلى الخلق اخراجهم من الظلمة برشه عليهم من نوره وتمكينه إياهم متلطفا في ساحة حضوره
وتأنيسهم في مجلس الانس مستغرقين في شهود جماله وسقاهم كأسا بعد كأس من زلال رحيق
وصاله لم يقرع اسماعهم من البعد خبر ولا اثر متعاطين منه ما لا عين رأت ولا اذن سمعت
ولا خطر على قلب بشر هذا خطبهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر ومنصة اللاهوت وقس عليه
حالهم في نادى الجبروت ومنتدى الملكوت ومنزل الناسوت ونعم ما قال المولوي
ما همه مستان أين مى بوده أيم * عاشقان دركه وى بوده أيم * ناف ما بر مهر أو ببريده اند
عشق أو در جان ما كاريده اند * آب رحمة خورده أيم أندر بهار * روز نيكو ديده أيم از روزكار
أي بسا كز وى نوازش ديده أيم * در كلستان رضا كرديده أيم * بر سر ما دست رحمة مى نهاد
چشمهاى لطف بر ما ميكشاد * كر عتابي كرد درياى كرم * بسته كي كردند درهاى كرم
أصل نقدش لطف وداد وبخشش است * قهر بر وى چون غباري از غش است * از براى لطف عالم را بساخت
ذرها را آفتاب أو نواخت * فرقت از قهرش اكر آبستن است * بهر قدر وصل أو دانستن است
تا دهد جانرا فراقش كو شمال * دل بداند قدر أيام وصال يا من قوله حق قد مر في
بيان تسبيح الأشياء ما يعينك على معرفة قوله وان كل وجود بما هو مضاف إلى الحق تعالى
كلمة من كلماته كما أنه بما هو مضاف إلى مهيته شئ كلمته وتسبيحه وحقية قوله كما في قوله قوله الحق
وله الحكم نحق ونحقق لك بمشبع من القول فنقول قد يطلق ويراد به الحق الحقيقي وهو
الوجود الواجب وهو أحق اطلاقاته وقد يطلق ويراد به الحق الإضافي وقد يراد الوجود الدائم
وقد يراد الوجود مطلقا من حق إذا ثبت وقد يراد به الصدق ويفرق بينهما بأنه الخبر المطابق للواقع
بفتح البا وحقية قوله بهذا المعنى واضح فإنه أصدق القائلين والكذب قبيح عقلا على عباده فكيف عليه
وبناء النظام وحقية الشرايع عليه لكن إذا جعل الحق بهذا المعنى فليجعل القول أقاويل لفظية وأساطير
179

مرقومة في الكتب السماوية المنزلة على قلوب الأنبياء وإذا حمل الحق على المعاني الأخر فليحمل القول
على الأقاويل والكلمات الوجودية فكل منها حق أي ثابت وبعضها حق أي دائم وبعضها حق اضافي
وهو النفس الرحماني وكلمة كن قال علي عليه الصلاة والسلام في نهج البلاغة انما يقول لما أراد
كونه كن فيكون لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع وانما كلامه سبحانه فعله ومرتبة
من القول وهو الكلام الذاتي حق حقيقي لما تقرر ان صفة التكلم عين ذاته تعالى بيان اخر
الكلمات اللفظية الصادرة عن الانسان إذا أخذت لا بشرط كانت من ظهورات المتكلم
وإن كانت نازلة بل النفس الانساني الذي هو مادتها ولوحها الكتابي حين اخذها بشرط لا
نقوشا وكتابة من صقعه إذا اخذ لا بشرط كما أن البدن مرتبة نازلة من النفس فان للنفس مقام
خفاء ومقام ظهور وظهورها في العقل عقل وفى الوهم وهم وهكذا حتى أن في الطبع طبعا إذا عرفت
هذا في الشاهد فاعلم أن الكلمات الوجودية التي هي نقوش وأرقام في ألواح المهيات والمواد
وبهذا النظر العالم كتاب الله تعالى إذا أخذت لا بشرط قائمة بالمتكلم متصلة به اتصالا معنويا
معربة عما في ضميره المكنون المخزون كانت من ظهورات الحق الإضافي أعني كلمة كن الجامعة لكل
كلمة كلمة والحق الإضافي من صقع الحق الحقيقي فكانت كلماته وإن كان التكلم الحق الحقيقي ما هو عين
ذاته كما قيل في الشاهد ان الكلام لفى الفؤاد وانما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وفى هذا النظر اسقاط الإضافات فلا ارتباط ولا قيام لها بالقابل إذ لا قابل ولا لوح حينئذ ولا سيما
في العقول التي تسمى كلمات تامات باعتبار جامعيتها وحروفا عاليات باعتبار فنائها عن
ذواتها وموجوديتها بوجود الله وبقائها ببقائه فان احكام الامكان والسوائية من الحركة والزمان
وبالجملة المادة ولواحقها هناك مستهلكه ولو بالنظر إلى كتابيتها ولكون نبينا صلى الله عليه وآله صاحب النظر
الكلامي بطريق التمكن والاستقامة فإنه كان مرتبته ومقامه والقرآن خلقه كان كتابه مسمى
بكلام الله بخلاف ساير الأنبياء عليهم السلام فإنه لم يكن مقامهم وإن كان لهم لا بطريق التمكن
والاستقامة فلم يكن كتبهم كلام الله بل كتاب الله فأنت أيها السالك سبيل معرفته ان لم
تكن أهلا لان تشاهد الوجودات كلمات الله وظهوراتها منطوية في ظهور القائل الحق فأجتهد
حتى تريها نقوشا وأرقاما من كتابه وتسمع بسمع قلبك صرير قلمه عسى الله ان يمكنك فيه بحسبك
180

وقدرك فكل ميسر لما خلق له وسنزيد في إحقاق الحق عند التكلم في اسم من يحق الحق بكلماته
انشاء الله يا من وعده صدق يا من عفوه فضل يا من عذابه عدل
لان عذاب المعذب على وفق ملكاته وكل ملكة رذيلة تصوره بصورة تناسبها على ما يقتضيه
قاعدة تجسم الأعمال كالصور النملية لملكة الحرص والموذية كصور الحيات والعقارب لملكة الأذية
وهكذا فتلك الملكة لسان حال له يستدعى صورها المناسبة استدعاء لزوميا طبيعيا
للعلاقة اللزومية بينهما فان النسبة بينهما نسبة الفعل إلى الفاعل لا المقبول إلى القابل ونسبة
الفعل إلى الفاعل بالوجوب وهو تعالى جواد لا يحرم المستحق ولا سيما المستحق التام الاستحقاق
اللازم الاعطاء فإنه مجيب دعوة المضطرين وهو عادل يضع الشئ في موضعه ويعطى
كل ذي حق حقه كما مر في شرح اسم مجيب الدعوات بل تصورت بصورها المناسبة الان
والناس في غطاء عن رؤيتها ان جهنم لمحيطة بالكافرين واعتبر ذلك من الذين
حرموا عن المقامات العالية التي لأهل العلم والعرفان وألفوا بما هم عليه من الصفات والافعال الدنية
الدنيوية ذوات غايات داثره وهمية وكان ديدنهم حمل حطب نيرانهم وانسوا بمتاع الحياة الدنيا
الذي ليس عصارته الا الكد والتعب اناء الليل واطراف النهار لو أردت تخليصهم من تلك
المهاوي والمتاعب التي تجلى لهم بصورة المعالي والدعة إلى تلك المقامات العالية وتكليفهم بالفقر
الذي هو عين السلطنة الأبدية وتنبيهم على مراتب أنفسهم السنية لم تكد تجدهم راغبين بل وجدتهم
عما أردت بهم معرضين والى الله في جمع شملهم مستغيثين وبألسنتهم الحالية مستصرخين وان
كانوا بألسنتهم المقالية لك مصدقين أو لترك الدنيا إلى الله مبتهلين فلا جرم لا يذرك عدالتك
ان تخلصهم بل تخليهم وتدنسهم فان عادة الناس ان يطلبوا شيئا ولكن لا يتحملون لوازمه ولو كانوا
يشعرون بلوازمه لم يطلبوه فهذا الطلب لا ينجع لان انفكاك اللازم عن الملزوم محال بل لا طلب
في الحقيقة مثلا يطلبون الحق مع كونهم منهمكين في لذاتهم الحسية ممتلئ القلب من محبة أموالهم
وأولادهم متشبثين بوجوداتهم المجازية وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه فإذا لم يطلبوا
التخلي من هذه الموانع لم يطلبوا التحلي بالتجلي فإذا عرفت الشاهد عرفت الغايب ولقد علمتم
النشأة الأولى فلو لا تذكرون يا من ذكره حلو فان ذكر كل شئ علم به والعلم به لا بد
181

ان يكون بصورة مطابقة له لما تقرر ان الأشياء تحصل بأنفسها في الذهن وكلما كان ذو الصورة
جميلا بهيا كانت الصورة كذلك وكلما كانت الصورة العلمية كذلك كانت حلوة لذيذة وحلاوتها
بقدر الجمال والبهاء لذي الصورة ولان شرف العلم بشرف المعلوم قالوا إن علم التوحيد أجل
العلوم لأنه علم بأجل المعلومات فحيث كان الحق تعالى أجمل من كل جميل وأبهى من كل بهى
كانت حلاوة ذكره أتم وأعظم ولهذا ورد في الدعاء اللهم أذقني حلاوة ذكرك
وقيل أجد الملامة في هواك لذيذة * حبا لذكرك فليلمني اللوم وقيل بالفارسية
سر رشته ء دولت أي برادر بكف آر * وين عمر كرامي بخسارت مكذار * يعنى همه جا با همه كس در همه كار
ميدار نهفته چشم دل جانب يار رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ان قلت
نحن نرى كثيرا من الناس لا يحصل لهم حلاوة الذكر كيف ولو تمكنوا من نيل شئ من حلاوة
الدنيا إلههم عن الذكر والمذكور قلت ذلك لوجوه اعظمها عدم الشرايط المقررة عند أهل الذكر
ومنها كون ذائقة قلبه ممنوة بالآفات وعين بصيرته ممنوعة بالغشاوات كمن جرم لسانه
مشحون من المرة الصفرا فيعد المطعم الشهى والمشرب الهني مرا أو كمن بحضرته المنكح البهى وهو ينظر إليه
في هواء مغيم مغبر عن عين ماؤفة وعن قلب متفرق بخواطر متشتتة وشواغل ضرورية ملكت باله
ولا تمكنه من اللبث عنده ومعلوم انه لم يره بالحقيقة فلا يستلذ الا الشواغل التي سلبت فؤاده
ومنها عدم تصور معنى الذكر والمذكور الا بمفهوم عام أو بعنوان غير مطابق أو بمحض لغلقة اللسان
والأول كتصور الانسان نفسه بعنوان اجمالي هو انها شئ يحرك البدن واما انها جوهر بسيط ونور
مدبر محيط ليس في البدن وان لم يكن خارجا عنه بل البدن فيه كمدرة موضوعة في ضوء محيط
عين حياة وشعور بل كل كلي ظهور منه محيط بالجزئيات الغير المتناهية وانه غاية لكل الأكوان وهي مخلوقة
من فضالته واخلاقه وملكاته ومرائي لوجه ذاته كما أن المؤمن مراة المؤمن وانه متحقق بحقيقة
الوجود الذي هو نور محض وخير محض وقلبه عرش الرحمن وغير ذلك من نعوته وفضايله التي لا تعد
ولا تحصى فلم يعلم بها ولم يستضئ بضياء هذا العلم فضلا عن أن يصير علمه نجما أو قمرا أو شمسا فلاجل ذلك
لم يبتهج بذاته ولم يستعذب تذكر نفسه ففيما نحن فيه إذا قال الذاكر المذكور يا الله لم يتصور الا
انه الذي خلقه وخلق السماوات والأرض تصورا اجماليا أو يترقى ويفهم حسب ما سمع من العلماء انه
182

ذات مستجمع لجميع الصفات الكمالية فهما اجماليا واما انه وجود صرف كل الوجودات منه وبه واليه
واحد بالوحدة الحقة أي لا ثاني له في حقيقة الوجود وهو أصل كل ظهور ونور كل نور ومعنى كل لبوب
وقشور ثابت فلا تغير ودثور الا في الظلمات والديجور بل لم يتمكن عند نوره الأقهر الأبهر ظلمة
ولا نور وان هذا نور وارد من عنده على من يعرفه به وعكس من وجهه تحلى به مراة قلبه كعنوان فان
في المعنون فليس عند الذاكر المذكور من هذا عين ولا اثر والا اهتز اهتزازا لا يوصف وابتهج
ابتهاجا لا يكيف ولا سيما ان استشعر ان لهذا الموجود معية قيومية معه كما قال الشيخ عبد الله
الأنصاري س إلهي چون در تو نكرم پادشاهم تاج بر سر وچون در خود نكرم خاكم واز خاك كمتر
والفقرة الثانية إشارة إلى أن الانسان إذا رجع إلى أصله القابلي سوى نفسه بالتراب ولم
يجد فيه حياة ولا سمعا وبصرا ولا دركا مطلقا فضلا عن الإحاطة بالمعقولات والتجرد عن الجسمانيات
وصيرورته عالما عقليا متخلقا باخلاق الله فليرجع كلها إلى مالك الملك وليعلم انه تراب ميت
بذاته فرجع عواقب الثناء إليه تعالى كما قال تعالى فوجد الله عنده فوفيه حسابه ثم استشعر
الشيخ س مقام التوحيد الذاتي واستهلاك الذوات دانية أو عالية في جنب ذاته تعالى كاستهلاك
الصفات والافعال كلا في صفته وفعله وهذا ينافى اثبات الترابية لنفسه فان العبد لا يملك
شيئا جعل نفسه أقل منه إذ الممكن سراب والثاني كتصور الشمس مثلا جسما مشتعلا ناريا أو زجاجة
بقدر أترجة كما يتوهمه العوام والحال انه جسم بسيط فلكي سيد الكواكب مقداره اضعاف مقدار
كرة الأرض وفيما نحن فيه كتصور المجسمة معنى لفظ الجلالة ومعلوم ان تذكر الصورة المحدودة مثل
تذكر المحدودات الأخر واما الثالث فأوضح ثم إنه هل الذكر أفضل أم العبادات الأخر الحق الأول
لان الصلاة أفضل القربات وعمود الدين للنصوص ولأنها عبادة جامعة لفنون الطاعات
والذكر أفضل منها لقوله تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ولأنه
غاية لها والغاية أشرف قال تعالى أقم الصلاة لذكرى ولان كل صلاة فيها ذكر والأعم
أشرف ولأنه يجوز حيث لا يجوز الصلاة ولا يرخص فيها كالذكر عند التخلي والذكر بدل الفرايض
للحايض وغير ذلك فمعلوم انه عمدة على كل حال لا يجوز الاخلال به والحق سبحانه لم يصف
القربات الأخر بالكثرة كالذكر كما قال واذكروا الله كثيرا وقال والذاكرين الله كثيرا
183

والذاكرات وهل الذكر الاخفائي أفضل أم الجهري الحق هو الأول لكونه أقرب إلى الاخلاص
وابعد من الريا والاخلاص هو العمدة في كل باب نعم في الذكر الجهري حسن من وجه بشرط ان
يصفو من الريا وهو انه يتنزل من القلب إلى الخيال ثم من الخيال إلى اللسان ثم يصعد إلى الصماخ
ومنه إلى الخيال ومنه إلى القلب فعاد إلى ما بدء فيتأثر ثانيا وتحصل حركة دورية على وفق الحركة
الدورية الفلكية وهما تحكيان قوسي النزول والصعود وهل الذكر القلبي مجوز أم لا فيه اشكال
ولعل قوله تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر يدل على الأول
إذ لو كان المراد الذكر الجهري أو الاخفائي فالصلاة مشتمله عليهما ولعل لفظ الالهام في قول
سيد الساجدين والهمنا الذكر الخفى مشعر بذلك أيضا وكذا قوله تعالى ان تبدوا
ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله يدل عليه ولكن في ظاهر الشرع لا بد من
الاعراب عما في الضمير وللمذكور محامل ثم على قول الأشاعرة القائلين بالكلام النفسي ينبغي
الجواز لكنه باطل عندنا واعلم أن للذكر صورة ومعنى وحقيقة وان شئت سم الثالثة غاية
فصورته اللفظ ومعناه المفهوم التفصيلي وحقيقته وغايته التوجه إلى المتوجه إليه الواحد والمفهوم
الاجمالي فمن جوز ذلك كان نظره إلى الحقيقة والغاية كما قالوا خذ الغايات ودع المبادى
والحق ان الفضيلة في جمع الحقيقة والرقيقة والظاهر والباطن واما المفهوم التفصيلي فتذكره
كالكمال الثاني لا الكمال الأول وليس شرطا قطعا كما في الذاكر الجاهل بالمفاهيم التفصيلية
المتوجه إلى الحق عن قلب حاضر ثم لما كان الأطوار عند العرفاء سبعة الطبع والنفس والقلب
والروح والسر والخفى والأخفى كان الذكر موزعا على هذه المراتب وبقدرها كاللساني والنفسي
والقلبي والروحي والسري والخفوي والاخفائي وتفصيلها موكول إلى كتبهم يا من فضله
عميم سبحانك الخ لاستواء نسبته إلى الكل اللهم إني أسئلك بسمك
يا مسهل يا مفضل يا مبدل يبدل الأرض غير الأرض والسماوات مطويات بيمينه
كما في القيمة ويبدل الأرض والسماوات وما فيهما انا فانا بمقتضى الحركة الجوهرية والفيض الجديد
وحاجة المعلول في البقاء الذي هو عين الحدوث التجددي إلى العلة كما في الحدوث
بمعنى اخر ويبدل سيئات الخلق حسنات ويبدل الابدال أي يبدل وجود الولي وجودا
184

أعلى وأنور أو يبدل ويخلف أحدا من الأولياء مقام الأخر أو يخلف صورة البدل مقامه
على ما قيل في وجه التسمية يا مذلل ذلت بقدرتك الصعاب يا منزل ينزل فيضه
ورحمته في السلسلة النزولية إلى صف نعال محفل الإفاضة يا منول أي معطى النواله
وهي في اصطلاح العرفاء ما ينيله الحق أهل القرب من خلع الرضا وقد تطلق على كل خلعة
يخلعها الله على أحد يا مفصل هو تعالى مفصل في مقام الحضرة الواحدية والعلم التفضيلي
ومجمل في مقام الحضرة الأحدية والعلم الاجمالي هذا في الذات والصفة وفى مقام الفعل مجمل
الحروف والكلمات في القلم والمحبر ومفصلها في اللوح قال تعالى ن والقلم وما يسطرون
وأيضا مجمل الآيات في الانسان والكتاب الا نفسي ومفصلها في العالم والكتاب الافاقي
يا مجزل يجزل ويعظم اجر من اطاعه يا ممهل يمهل من عصاه ولا يعجل في عقوبته ونعم
ما قال سيد الساجدين وزين الموحدين والعابدين (ع) في دعاء أبى حمزة الثمالي فلو اطلع اليوم
على ذنبي غيرك ما فعلته ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته لا لأنك أهون
الناظرين إلى واخف المطلعين على بل لأنك يا رب خير الساترين واحكم الحاكمين
وأكرم الأكرمين ستار العيوب غفار الذنوب علام الغيوب تستر الذنب بكرمك
وتؤخر العقوبة بحلمك فلك الحمد على حلمك بعد علمك وعلى عفوك بعد قدرتك
ويحملني ويجرئني على معصيتك حلمك عنى ويدعوني إلى قلة الحياء سترك
على ويسرعني إلى التوثب على محارمك معرفتي بسعة رحمتك وعظيم عفوك
يا مجمل سبحانك الخ إن كان من الاجمال مقابل التفصيل فقد مر شرحه آنفا وإن كان من
الاجمال بمعنى الاتيان بالفعل الجميل فواضح يا من يرى ولا يرى لقد طال التشاجر بين
الأشاعرة والمعتزلة في مسألة الرؤية فذهب الأشاعرة إلى أن الله تعالى يرى في الآخرة
وينكشف انكشاف البدر المرئي ولكن بلا مقابلة وجهة ومكان خلافا للمعتزلة حيث نفوها
وللمشبهة والكرامية فإنهم وان جوزوا رؤيته تعالى ولكن في الجهة والمكان وعلى سبيل المقابلة
لاعتقادهم جسميته تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا وحرر بعض متأخري الأشاعرة محل
النزاع بأنه لا نزاع للنافين في جواز الانكشاف التام العلمي ولا للمثبتين في امتناع
185

ارتسام صورة المرئي في العين أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئي وانما محل النزاع
انا إذا عرفنا الشمس مثلا بحد أو رسم كان نوعا من المعرفة ثم إذا أبصرناها وغمزنا العين كان
نوعا اخر من المعرفة فوق الأول ثم إذا فتحنا العين حصل نوع اخر من الادراك فوق الأولين
نسميها الرؤية ولا يتعلق في الدنيا الا بما هو في جهة ومكان فمثل هذه الحالة الادراكية هل يصح
ان تقع بدون المقابلة والجهة وان يتعلق بذات الله تعالى منزها عن الجهة والمكان أم لا
واحتج الأشاعرة بحجة عقلية كلامية لا نطيل الكلام بذكرها وأدلة نقلية منها قوله تعالى حكاية
عن موسى (ع) رب أرني انظر إليك قال إن تراني ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه
فسوف تراني والاحتجاج به من وجهين أحدهما ان موسى (ع) سئل الرؤية فلو استحالت كان
سؤاله (ع) إما عبثا ان علم المحالية واما جهلا ان لم يعلم وكلاهما محالان على النبي ولا سيما انه كليم الله
كيف والنبي يدعو إلى العقايد الحقة والأعمال الصالحة وثانيهما انه تعالى علق الرؤية على استقرار
الجبل وهو أمر ممكن في نفسه فكذا ما علق عليه واعترض على الأول بان سؤال موسى (ع) عن لسان قومه
بدليل قوله تعالى لن نؤمن لك حتى نر الله جهرة وقوله تعالى أفتهلكنا بما فعل السفهاء
وأجيب بأنه مع مخالفته للظاهر حيث لم يقل أرهم ينظروا إليك فاسد إما أولا فلأنهم لما قالوا
أرنا الله جهرة زجرهم بأخذ الصاعقة فلم يحتج إلى سؤال الرؤية وليس اخذ الصاعقة دليلا
لهم لجواز ان يكون ذلك لقصدهم اعجاز موسى (ع) عن اتيان ما طلبوه عنادا أو لعدم قابليتهم بما
هم منهمكون في الدنيا ولذا قال الأشاعرة المؤمنون يرونه تعالى في الآخرة واما ثانيا فلان تجويز
الرؤية باطل عند المعتزلة فلا يجوز لموسى (ع) تأخير رد الرؤية وتقرير الباطل الا ترى انهم لما قالوا
اجعل لنا الها كمالهم آلهة رد عليهم من ساعة بقوله انكم قوم تجهلون وعلى الوجه الثاني
بأنها علقت على الاستقرار عقيب النظر بدليل ألفا وكلمة ان وهو حالة الاندكاك ولا نسلم
امكان الاستقرار ح والجواب ان الاستقرار حال الحركة ممكن لا بشرط الحركة كما أن قيام
زيد ممكن حال قعوده لا بشرط قعوده ومنها قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة
وجه الاحتجاج ان النظر في اللغة جاء بمعنى الانتظار ويتعدى بنفسه وبمعنى التفكر ويستعمل
بفي وبمعنى الرأفة ويستعمل باللام وبمعنى الرؤية ويستعمل بالى كما في الآية فوجب حمله على الرؤية
186

كما قيل ويظهر من صاحب القاموس ان النظر المتعدى بنفسه يجئ بمعنى الرؤية أيضا وجعله
من باب الحذف والإيصال خلاف الأصل وانه جاء بمعنى الحكم ويستعمل بكلمة بين فقال
نظره كضربه وسمعه واليه نظرا ومنظرا ونظرانا ومنظرة وتنظارا تأمله بعينه كتنظره والأرض أرت
العين نباتها ولهم أعانهم وبينهم حكم انتهى واعترض على هذا الدليل أيضا بان النظر لا يدل على الرؤية
فان النظر تقليب الحدقة نحو المرئي بل ادعى بعضهم ان النظر المستعمل بالى موضوع لذلك ولتحققه
بدونها يقال نظرت إلى الهلال فما رايته ولو كان بمعنى الرؤية لكان تناقضا ولم أزل انظر إلى
الهلال حتى رايته ولو حمل على الرؤية لكان الشئ غاية لنفسه أقول يمكن جعله من باب الاكتفاء
بالمراد عن الإرادة كقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وهذا باب واسع كما في المغنى
وغيره فمعنى قولهم نظرت إلى الهلال فما رايته أردت رؤية الهلال فما رايته وهكذا في الأخر بل في
كل موضع يقال إنه لتقليب الحدقة فالنظر محمول على معناه الحقيقي وهو الرؤية المرادة بتلك الإرادة
بل إذا نظرت المعاني المستعمل فيها النظر وجدت روح جلها لو لم يكن كلها الرؤية وأجيب أيضا
بان معنى قولهم نظرت إلى الهلال فما رايته ونحوه نظرت إلى مطلع الهلال واعترض أيضا على هذا
الدليل بانا لا نسلم ان لفظة إلى صلة للنظر بل واحدة الآلاء ومفعول به للنظر بمعنى الانتظار أي
نعمة ربها منتظرة ولو سلم فالنظر الموصول بالى قد جاء للانتظار قال الشاعر وشعث ينظرون إلى هلال
كما نظر الظما حب الغمام والجواب إما عن الثاني فبمثل ما ذكر عن حديث التقليب وكون النظر
المستعمل بالى بمعنى الانتظار مما لم يثبت عند البلغاء واما عن الأول فبان انتظار النعمة غم
بل قيل الانتظار موت احمر والآية مسوقة لبيان النعم وهذا الجواب زيف بان الآية دالة على أن
الحالة التي عبر عنها بقوله سبحانه وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة سابقة على
حالة استقرار أهل الجنة في الجنة واهل النار في النار بقرينة المقابلة لقوله تعالى وجوه يومئذ
باسره تظن ان يفعل بها فأقوة أي تظن ان يفعل بها فعل هو في شدته وفطاعته داهية
فاقره تقصم فقار الظهر ولم يفعل بها بعد وح كان انتظار النعمة بعد البشارة بها سرورا
يستتبع نضارة الوجه كما أن انتظار اكرام الملك لا يكون موجبا للغم إذا تيقن وصوله إليه
بل الحق في الجواب ان كون إلى في الآية بمعنى النعمة لا يخفى بعده وغرابته واخلاله بالفهم
187

عند تعلق النظر به ولهذا لم يحمل الآية عليه أحد من أئمة التفسير واحتج المعتزلة أيضا بحجج عقلية
ونقلية كثيرة نذكر بعضها ونترك أكثرها لان من انس بالقواعد العقلية وحافظ على تنزيه الله
من سمات المحدثات وصفات الأجسام قدر على إقامة حجج كثيرة وابطال ما هو ظاهر الأشاعرة
من الرؤية فمنها انه فيما عندنا من المبصرات يجب الرؤية عند تحقق شروط ثمانية ككون
الحاسة سليمة وكون الشئ جايز الرؤية وكون الشئ مقابلا أو في حكم المقابل وعدم كون
المرئي في غاية القرب وغاية البعد وغاية اللطافة وغاية الصغر وان لا يكون بين الرائي
والمرئي حجاب إذ لو لم يجب الرؤية عند حصول الشرايط جاز ان يكون بحضرتنا جبال واشخاص
لا نراها والستة الأخيرة لا يمكن اعتبار ها في رؤيته تعالى لتنزهه عن الجهة والخير بقى سلامة الحاسة
وجواز الرؤية وسلامة الحاسة حاصلة فلو جاز الرؤية وجب ان تراه في الدنيا والجنة دائما
والأول منتف بالضرورة والثاني بالاجماع والنصوص القاطعة الدالة على اشتغالهم بغير ذلك
من اللذات ومنها قوله تعالى لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف
الخبير ومنها هذا الاسم الشريف الذي هو نظير هذه الآية وبالجملة كل الآيات والسنن
التنزيهية تدل عليه نصا وظاهرا ومنطوقا ومفهوما والحق ان مراد محققي الأشاعرة من الرؤية هو
الشهود بنوره لنوره والانكشاف البالغ حد العيان أيدته الأذواق وصدقه قاطع البرهان
بدليل قولهم بلا مقابلة وجهة ومكان وكذا قولهم في تحرير محل النزاع فمثل تلك الحالة الادراكية (اه)؟
اعدل شاهد على ذلك إذ ليس مرادهم ما هو ظاهره حتى يقال حصول مثل تلك الحالة وعدم حصول
مقابله ولا جهة ومع هذا يكون هي رؤية لا تعقل بل مرادهم انه كما أن تلك الحالة ممتازة عن
التعقل والتخيل والاحساس بالحس المشترك ومشاهدة وشهود للبصر كذلك سيحصل لنا حالة
عيانية ممتازة عنها وعلم حضوري بالنسبة إليه تعالى هو شهود لا على المشاعر الجامع لجميعها بنحو
أعلى خذ الغايات ودع المبادى أي المبادى الطبيعية المحدودة كما ذكرنا في كونه سميعا بصيرا
ان المشاهدة التي يترتب على قوانا يترتب على ذاته النورية بنحو أنور فإنه سميع بصير بذاته لا
بالسمع والبصر فهذا مرادهم والا فكما لا يليق بالعلماء التكلم في مسموعيته أو مشموميته مثلا إذ ليس
من سنخ المسموعات أو المشمومات كذلك لا يليق بهم التكلم في مبصريته إذ ليس من سنخ
188

المبصرات لان المبصر بالذات هو الضوء واللون عند التحقيق وإن كانت الجواهر الفرده
عند المتكلم مبصرة بالذات فإذا عرفت هذا فاعلم أن أرباب القشور منهم حرفوا الكلم
عن مواضعه فلم يتفوهوا بما هو مخ القول وعموا وصموا عما هو لب الحق وإذا كان المراد هو الشهود
والمعتزلة أيضا لا ينكرونه وانما أنكروا الرؤية الظاهرية التي بالجارحة كما مر في محل النزاع انه لا نزاع
للنافين في جواز الانكشاف التام العلمي بان يكون المراد بالعلمي العلم الحضوري ولكن لا على
سبيل الاكتناه كما قيل إن العارفين المتألهين يشاهدونه ولكن لا بالكنه بل على سبيل الفناء
الذي هو قرة عين العرفاء والعلماء بان يرى كل فعل وصفة ووجود مستهلكة في فعله
وصفته ووجوده تعالى ولا يجوز للمؤمن انكار ذلك الشهود لان انكاره انكار الكتب السماوية
والسنن النبوية والآثار الولوية بل هو غاية ارسال المرسلين وارشاد الأئمة الهادين
وسير السايرين وسلوك السالكين ولولاه لم يكن سماء ولا ارض ولا بسيط ولا مركب كما قال تعالى
وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون أي ليعرفون وفى الحديث القدسي فخلقت الخلق
لأعرف فالكتاب المجيد الذي هو تنزيل من حكيم حميد مشحون منه قال تعالى من كان يرجو
لقاء الله فان أجل الله لات يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك شهد
الله انه لا اله الا هو والملائكة وألو العلم والشهادة بالوحدانية فرع الشهادة بالوجود
وشهوده وهكذا كل أية مشتملة على ما دل على الشهود حتى لفظ الايمان باعتبار بعض درجاته العالية
وفى السنن النبوية سترون ربكم يوم القيمة كما ترون القمر ليلة البدر وروى أنه قرء
رسول الله (ص) هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فقال إذا دخل أهل الجنة
الجنة واهل النار النار نادى مناديا أهل الجنة ان لكم عند الله موعودا يشتهى
ان ينجزكموه قالوا ما هذا الموعود ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا
الجنة ويجرنا من النار قال (ع) فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله عز وجل قال
فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر وأمثال ذلك كثيرة مما اشتمل على الرؤية
والنظر أو لفظ اخر عبر به عن الشهود واما اثار الأولياء فلا تعد ولا تحصى قال سيد الأولياء (ع)
لم أعبد ربا لم أره ما رأيت شيئا الا ورأيت الله فيه أو قبله أو معه وقال ابنه سيد الشهدا (ع)
189

عميت عين لا تراك وقال أيضا تعرفت بكل شئ فما جهلك شئ تعرفت إلى في كل
شئ فرأيتك ظاهرا في كل شئ فأنت الظاهر لكل شئ وليكف هذا اليسير من الكثير لان كل
اشراك مقالاتهم وحبايل تحريراتهم لاصطياد هذا الصيد العديم المثال بتمام سهام قصودهم
واقعة على هذا الغرض الرفيع المنال وحيث حملنا الرؤية على الشهود فلا تخصيص له بالآخرة فان
أبناء اليقين لموتهم الإرادي قبل موتهم الطبيعي وفنائهم عن ذواتهم قامت قيامتهم ورأوا ما رأوا
من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى هر كه امروز معاينيه رخ دوست نديد * طفل راهست كه أو منتظر فردا شد
روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (ع) اخبرني عن الله تعالى
هل يراه المؤمنون يوم القيمة قال نعم وقد راوه قبل يوم القيمة فقلت متى قال حين قال
الست بربكم قالوا بلى ثم سكت ساعة ثم قال وان المؤمنين يرونه في الدنيا قبل يوم
القيمة الست تراه في وقتك هذا قال أبو بصير فقلت جعلت فداك فأحدث بهذا عنك
فقال لا فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقول ثم قدر ان هذا
تشبيه كفر وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى عما يصفه المشبهون
والملحدون وقال سيد الموقنين ومولى المكاشفين لو كشف الغطا ما ازددت
يقينا واما تخصيص الأشاعرة للرؤية بالآخرة فلاجل ان أعلى مراتب الشهود هناك إذ رفع
الحجب بالمرة لا يتيسر ههنا وإن كان لكل شهود بحسبه حتى أن صاحب القسط الأعظم والحظ
الأوفر منه قال فزت برب الكعبة عند الشهادة وقوله (ع) ما ازددت يقينا لعل المراد
منه نفى الزيادة الكمية لا الكيفية ومن ثم قال صلى الله عليه وآله ان العيش عيش الآخرة
ونعم ما قال العارف عبد الرحمن الجامي قدس سره السامي تا بود باقي بقاياى وجود
كي شود صاف از كدر جام شهود * تا بود پيوند جان وتن بجاي * كي شود مقصود كل برقع كشاى
تا بود قالب غبار چشم جان * كي توان ديدن رخ جانان عيان ثم إن الشهود الحاصل لأهل الله
في الدنيا ليس لهم بما هم بأبدانهم فر شيون دنيويون بل بما هم بقلوبهم عرشيون اخرويون
فيصدق ان الرؤية والشهود مطلقا مخصوصة بالآخرة ويمكن أيضا التوفيق بين المذهبين
بان الرؤية وإن كانت بمعنى الشهود لا يمكن في الدنيا والآخرة بالنسبة إلى كنه ذاته احتجب
190

عن العقول كما احتجب عن الابصار ويمكن بالنسبة إلى وجهه أينما تولوا فثم
وجه الله بل ههنا نظر اخر فيه حصر النظر على وجهه الكريم كما قال المعصوم (ع) بنقل القاضي سعيد
القمي لا ارى الا وجهك ولا اسمع الا صوتك يا من يخلق ولا يخلق يا من
يهدى ولا يهدي يا من يحيى ولا يحيى يا من يسئل ولا يسئل
هذا الاسم الشريف مأخوذ من الآية الشريفة وهي لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون
وقد تمسك الأشاعرة بها في كثير من المواضع منها انهم قالوا بنفي اللمية الغائية والداعي
وجواز الترجيح من غير مرجح فإذا سئل عنهم ما المخصص لاحداث العالم في وقت مخصوص
دون ساير الأوقات مع تشابهها وما المرجح للامساك في أوقات غير متناهية كما هو مذهبهم
من التعطيل والإفاضة في وقت مع كونه تعالى علة تامة غير محتاج إلى شرط أو آلة أو معاون أو
حالة منتظرة وبالجملة ما به يتم فاعليته قالوا لا يسئل عما يفعل والتزموا القدرة الخرافية
ومنها انهم حيث قالوا بالتحسين والتقبيح الشرعيين دون العقليين قالوا بنفي العلاقة اللزومية
بين الأعمال الحسنة ودخول الجنة وبين الأعمال القبيحة ودخول النار بحيث جوزوا ان
يدخل الله السعيد في النار خالدا والشقي في الجنة ابدا فإذا قيل عليهم ان هذا ظلم صريح قالوا
لا يسئل عما يفعل ومنها انهم لما قالوا بنفي اللمية الفاعلية بين الأشياء وانكروا
السببية والمسببية وذهبوا إلى أن ترتب المعلولات على العلات بمحض جرى عادة الله
من دون ايجاب ووجوب وان ترتب النتيجة على المقدمتين هكذا فإذا لزم عليهم انه لا اعتماد
ح على اليقينيات ولم يكن مجال للنظر والفكر إذ لا نؤمن من ترتب نقيض النتيجة أو ضدها أو
مخالفها على المقدمتين مثلا لا نؤمن عند حصول علمين لنا هما ان الانسان حيوان وكل حيوان
حساس ان يترتب عليهما فالانسان جماد بل لا يحصل من الشكل الأول البديهي الانتاج شئ
بان يخالف الله سبحانه عادته وهل هذا الا الهرج والمرج قالوا لا يسئل عما يفعل فنقول
ان كنت من أهل الفوز بالقدح المعلى والنصيب الأوفى من الآية ولست من أهل القشور فاعلم أنها
ليست لابطال اللمية والوجوب واللزوم العقلي بل إشارة إلى أن كل ما يفعل انما هو بمقتضى
العدل ووضع الشئ في موضعه إذ وجودات جميع صنايعه هنا على طبق اسئولة أعيانها الثابتة
191

اللازمة للأسماء في المرتبة الواحدية هذا في الرحمة الفعلية واما في الرحمة الصفتيه فلا يسئل عن ظهور
كل مهية على ما هي هي وثبوت كل عين على ما عليه في نفسه مثلا لا يسئل لم جعل الباء باء والدال دالا
إذ الذاتي لا يعلل أو لا يسئل هذا لأنها لوازم الأسماء وهي لا مجعولة بلا مجعولية المسمى أو نقول
إشارة إلى عكس مطلوب الأشعري فإنه يقول لا يسئل عما يفعل لأنه لا وجوب ولا لزوم ونحن
نقول لا يسئل عما يفعل لأنه كما قال أرسطا طاليس الأشياء بالنسبة إلى الأول واجبات
وبالنسبة إلى أنفسها ممكنات والوجوب كالامتناع مناط الغناء عن العلة ومناط الحاجة هو الامكان
يا من يطعم ولا يطعم لان المحتاج إلى الاطعام من كان محتاجا أجوف يسد بالطعام حاجته
ويملا به خلله والحاجة والتجويف وضيفة الممكن والمركب العنصري حيث يتطرق إلى التحليل بسبب
الحرارات الغريزية والاسطقسية والكوكبية والحركات البدنية والنفسانية واما واجب الوجود
فهو غنى صمد لا حاجة له لا في الذات ولا في صفات الجلال والاكرام ولا يخلقه مر الدهور وكر الأعوام
فكيف يكون له فاقة إلى الطعام واما الأفلاك والمجردات فإنها وان لم تحتج إلى الأغذية الجسمانية
لعدم تطرق النقصان إليها وعدم لياقة جذب الملايم ودفع المنافر بها حيث لا شهوة ولا غضب
فيها ولا سيما المجردات لأنها ليست أجساما الا انها محتاجة إلى الأغذية الروحانية والمعنوية
كما ورد ان الملائكة طعامهم وشرابهم التسبيح والتهليل فللواجب على المجردات تجليات ولها إليه
شهودات ولمهيتها حاجات إلى الوجودات التي هي أغذية معنوية لها وكذا للفلكيات
مع أن لأجسامها وضعا بعد وضع بل طبعا بعد طبع ووجودا بعد وجود كلها أغذية معنوية وللإشارة
إلى أمثال هذه الأطعمة والأشربة قال صلى الله عليه وآله أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني يا من
يجير ولا يجار عليه يا من يقضى ولا يقضى عليه يا من يحكم ولا يحكم عليه
يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد سبحانك الخ لم يلد مع أنه فياض الكل منبع الوجود ومعدن الخير إذ الإفاضة ليست كانفصال الندى من البحر ليكون توليدا
تعالى شانه وجل جنابه عن أمثال هذه الأوهام انما الإفاضة صدور المفاض من المفيض بحيث
لا ينقص من كماله شئ إذا صدر عنه ولا يزيد في كماله شئ إذا رجع إليه كوقوع الظل من ذي
الظل والعكس من العاكس بوجه ومعلوم ان عكس الشئ مثلا بما هو عكس الشئ ليس بشئ بل
192

كالسراب الذي هو حكاية الماء حيث إنه من وقوع شعاع النير الأعظم على الأراضي الرملية
والسباخ يحسبه الظمان ماء هستى عالم نمايد چون سراب * در بيابان از شعاع آفتاب
وفى هذا رد على القائلين بان عزيرا ابن الله والمسيح ابن الله والملائكة بنات الله ولم يولد لأنه
سبوح قدوس صمد واحد بالوحدة الحقة الحقيقة تام وفوق التمام فليس عن شئ ولا من
شئ ولا في شئ ولا لأجل شئ إذ لا فاعل ولا مادة ولا صورة ولا موضوع ولا غاية بل هو علة
العلل وغاية الغايات وأيضا لم يلد ولم يولد لان له الكينونة الأزلية والأبدية والديمومة السرمدية
بذاته وليس كالانواع المحفوظة بتعاقب الاشخاص المحتاجة إلى التوالد وعن علي (ع) لم يلد فيكون
موروثا هالكا ولم يولد فيكون الها مشاركا ولم يكن له كفوا أحد إشارة إلى التوحيد وقد
مر بيانه أي لم يكن أعد عديلا ونظيرا له وهو كالاسمين الشريفين أعني يا من لا شريك له ولا
وزير يا من لا شبيه له ولا نظير وفيه تثبيت أيضا لان لم يلد ولم يولد لان الولد ولو
كالاعراض والوالد ولو كالمادة كفوان مماثلان ولو في الوجود فكأنه قيل لما لم يكن له كفو كيف يكون
له ولد ووالد كما قال (ع) فيكون الها مشاركا وقيل معناه ولم تكن له صاحبة وزوجة فتلد منه لان
الولد يكون من الزوجة فكنى عنها بالكفو لان الزوجة كفو لزوجها هذا وانما اقتصر في هذا الاسم
الشريف من أسماء سورة الاخلاص على هذه الأوصاف الثلاثة لنكتة لطيفة تختلج بخاطري
القاصر هي ان هذه الجمل الثلث بمنزلة الجملتين قبلها فهى بمنزلة كل السورة بمنزلة ثلث القران
كما في الخبر ولذلك ورد انه ينبغي أن يقول القارئ بعد قراءة السورة كذلك الله ربي مرتين
لأنه كما قيل كل مرتبة بمنزلة قراءة هذه السورة الشريفة وقد ورد ان من قراها ثلث مرات
كان له ثواب تلاوة القران كله إما انها بمنزلة الصمد فلانها تفسيره كما قال الشيخ الطبرسي عليه الرحمة
والرضوان في مجمع البيان ان أهل البصرة كتبوا إلى سيد الشهدا الحسين ابن علي (ع) يسئلونه
عن الصمد فكتب (ع) ان الله فسر الصمد فقال لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد لم يلد لم يخرج منه شئ
كثيف كالولد ولا ساير الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ولا شئ لطيف كالنفس
وما ينبعث منه إليه كالسنة والنوم والخطرة والغم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف
والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع تعالى عن أن يخرج منه شئ وان يتولد منه شئ
193

كثيف أو لطيف ولم يولد أي لم يتولد من شئ ولم يخرج من شئ كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها
كالشئ من الشئ والدابة من الدابة والنبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الأشجار
ولا كما يخرج الأشياء من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشم من الانف والذوق
من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتميز من القلب والنار من الحجر بل هو الله الصمد الذي
لا من شئ ولا في شئ ولا على شئ مبتدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته
يتلاشى ما خلق للفنا بمشيته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلك الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد عالم
الغيب والشهادة الكبير المتعال ولم يكن له كفوا أحد واما كونها بمنزلة الأسماء الحسنى الأخر فلان
الهاء في له عين هو في قل هو الا انها قد تكتب بالدايرتين هما عيناها أحدهما للإشارة إلى
الصفات الجمالية والاخرى إلى الجلالية وقد تكتب دايرة واحدة للإشارة إلى أن الجمال عين
الجلال وبالعكس كما قال الحكماء الإلهيون ان صفاته تعالى عين ذاته وكلا منها عين الأخر وكما قال
العرفاء الشامخون ان لجماله المطلق جلالا هو قهاريته للكل عند تجليه بوجهه فلم يبق بإحدى حتى يراه
وهو علو الجمال وله دنو يدنو به منا وهو ظهوره في الكل ولهذا الجمال جلال هو احتجاب نوره بتعينات
الأكوان فلكل جمال جلال ووراء كل جلال جمال ثم إذا أشبعت الهاء للإشارة إلى أنه تعالى
فوق التمام تولد الواو وكونها دايرة لأنها أفضل الاشكال وللإشارة إلى عدم نهاية نوره وكماله
حيث إن الدايرة لا نهاية لها إذ الحظ ينتهى بالنقطة وللإشارة إلى اتحاد البدو والختم فيها وكذا
الخمسة التي هي روحها عند ضربها في نفسها كما يأتي حيث يقال لها العدد المستدير واما لفظ
الجلالة فمذكور باعتبار الضماير وباعتبار انه بدل عن هو بتقدير جعله اسما والبدل عين المبدل منه
فهو إشارة إلى مقام الخفاء وغيب الغيوب والمرتبة الأحدية والله إشارة إلى مقام الظهور
والمرتبة الواحدية لان الله اسم للذات المستجمعة للصفات وأيضا باعتبار ان الله كان
حرفه الأصلي إشارة إلى هوية الذات الغيبية وهو الجاري على أنفاس كل الحيوانات
استشعروا أم لا ثم الحق لام الاختصاص إشارة إلى أن الملك لله ثم أشبع فتح اللام إشارة
إلى أن في ذكر اسمه من عنده الفتوح التام ثم الحق الألف واللام للتعريف إشارة إلى تشخصه
بذاته ومعروفيته لم سواه كما قال تعالى أفي الله شك فاطر السماوات والأرض قال المحقق الخفري
194

على ما نقل عنه السيد المحقق الداماد س في الجذوات إذا اعتبر واجب الوجود من حيث تأثيره
في الممكنات فوضع له تعالى الخمسة التي إذا ضربت في نفسها ظهرت في حاصل الضرب وفى حاصل
ضربها في مربعها وكذا في جميع المراتب التي بعد التربيع والهاء التي قيل هي الأصل في لفظة الله
فإنهم قالوا أصل هذا اللفظ ثم أشبع تارة فصار هو والحق اللام تارة فصار له فله الخلق والامر
ثم الحق الألف ثم الحق اللام الأخرى فصار لله فلله ما في السماوات والأرض والحق إليه الألف
واللام أخرى فصار الله وفى هذا الاسم الأعظم اسرار وخصايص لا تحصى انتهى وفى مجمع البيان
ذكر أنه قال أبو جعفر باقر علم الأولين والآخرين في معنى قل هو الله أحد قل أي أظهر ما
أوحينا وما نبأناك
به بتأليف الحروف التي قرأناها عليك ليهتدى بها من القى السمع وهو شهيد وهو اسم مكنى مشار
إلى غايب فالهاء تنبيه عن معنى ثابت والواو إشارة إلى الغايب عن الحواس كما أن قولك هذا
إشارة إلى الشاهد عند الحواس وذلك أن الكفار نبهوا على آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك
فقالوا هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالابصار فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعوا إليه هل تراه
وتدركه فأنزل الله سبحانه قل هو الله أحد فالهاء تثبيت للثابت والواو إشارة إلى الغايب
عن درك الحواس وانه المتعالى عن ذلك بل هو مدرك الابصار ومبدع الحواس وحدثني أبي
عن أبيه عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال رأيت الخضر في المنام قبل بدر بليلة فقلت علمني شيئا
انتصر به على الأعداء فقال قل يا هو يا من لا هو الا هو فلما أصبحت قصصت على رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال يا علي علمت الاسم الأعظم فكان على لساني يوم بدر قال وقرء (ع) يوم بدر قل هو الله
أحد فلما فرغ قال يا هو يا من لا اله الا هو اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين وكان يقول ذلك
يوم صفين وهو يطارد فقال له عمار بن ياسر يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات قال اسم الله
الأعظم وعماد التوحيد لله لا اله الا هو ثم قرء شهد الله انه لا اله الا هو واخر الحشر ثم نزل
فصلى أربع ركعات قبل الزوال انتهى أقول قوله (ع) فالهاء تثبيت للثابت والواو إشارة
إلى الغايب عن الحواس مع أن الهاء حرف حلقى والحلق اقصى الفم يناسب الغيب والواو شفوي
والشفة ظاهر الفم لا يناسب الغيب بل الظهور لأجل انه في تأدية الهاء يرسل النفس من الباطن
إلى الظاهر فيناسب تثبيت الثابت وفى تأدية الواو ينضم الشفة كأنه يريد ان يحبسه فيناسب
195

الإشارة إلى الغايب ثم إن كثيرا من العلماء نقلوا هذا الذكر بانضياف يا من هو بعد ما هو وفى
الجذوات نسب إلى سيد الأولياء ويعسوب الأصفياء هكذا بزيادته حتى جعله فاتحه كتاب
التقديسات يا نعم الحسيب يا نعم الطبيب يا نعم الرقيب يا نعم القريب يا نعم
المجيب يا نعم الحبيب يا نعم الكفيل يا نعم الوكيل يا نعم المولى يا نعم النصير
سبحانك الخ قد مر شرح ما عدا المولى ولا تفاوت سوى انضياف كلمة نعم وفيها تنبيه
على أن كل كاف أو طبيبا ورقيب لك أو غير ذلك يتصفون بهذه الصفات لغرض
أو عوض حسى أو معنوي وليس لهم صرف هذه الصفات وبحت هذه النعوت مثلا من
يداويك من المخلوقين يعالج مرض حرصه إن كانت مداواته لعوض أو يحصل خصلة الاحسان
فكانت لغرض فلم يكن طبيبا صرفا بل مريضا وهكذا من يرقبك ويحرسك انما يرقب ويحرس نفسه
بأخذ العوض واستيفاء الغرض ورقيبك الحقيقي هو الله سبحانه وكذا من يتعهد للكفاية
أمورك وقس عليه الباقي بخلاف المحسن المجمل المفضل الحقيقي عز اسمه إذ كما أنه واجب الوجود
بذاته واجب الوجود من جميع جهاته الصفاتية والافعالية غنى بذاته فاعل بذاته لا لغرض وعوض
فوجوده نعم الوجود وصفته نعم الصفة وفعله نعم الفعل ثم المولى له معان كثيرة بعضها ينسب إليه تعالى
وبعضها لا يليق بجنابه الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والولي والصاحب
والجار والحليف والتابع وابن العم والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه والنزيل والشريك
والابن والعم وابن الأخت وكما أن لفظ المولى لا يحمل ههنا على بعضها لامتناعها عليه تعالى كذلك
لا يحمل على الناصر بقرينة المقابلة والتأسيس خير يا سرور العارفين بفتح السين المهملة اسم
المصدر واما السرور بضم السين فهو مصدر لا يناسب قال في القاموس سره سرورا وسرا بالضم
وسرى كبشرى وتسرة ومسرة افرحه وسر هو بالضم والاسم السرور بالفتح انتهى والعارف
من اشهده الله تعالى ذاته وصفاته وافعاله والعالم إذا جعل مقابلا له من اطلعه الله على ذلك لا عن
شهود فهو في مقام علم اليقين والعارف في مقام عين اليقين أو حق اليقين ولهذا يقال المعرفة
الادراك الجزئي أو البسيط لان متعلق الشهود جزئي حقيقي وبسيط والعلم بحدود ورسوم مركبة وتصديقات
كذلك وكلها عنوانات كلية وكذا ما يقال إن المعرفة هي الادراك المسبوق بالعدم أو الا خير
196

من الادراكين إذا تخلل بينهما عدم يناسب اطلاق العارف على من ذكر لان العارف شهده تعالى
في معهد الست بربكم ثم تخلل الذهول عنه ونقص ميثاقه برده إلى أسفل السافلين ثم شمله العناية على
وفق السابقة الأزلية وأشهده الله تعالى ذاته وصفاته وافعاله بتذكر العهد الأول وان مقتضى فطرته
الأولية النور والوصل وخاصية فطرته الثانية الظلمة والفصل فيقصد النور الفطري ويتوجه إلى
المحبوب الأول بعد الهجران ويرفض الظلمة ويقطع عنها بتذكر عهد الأزل بعد النسيان وانما
كان الحق تعالى سرور العارفين لأنه ليس سرورهم كالاجراء من العابدين بجنة النعيم بل كل ابتهاجهم
بوجهه الكريم فليس لهم هم الا هم وصاله ولو فرحوا بشئ فهو من حيث إنه مراة جماله ان قلت
كيف يكون هو تعالى سرورا وهو كيفية قائمة بالنفس قلت له جوابان تقريبي وتحقيقي إما التقريبي
فهو انه من باب اطلاق اسم المسبب على السبب وهو إحدى العلاقات المشهورة للمجاز المرسل
واما الحقيقي فكما مر ان العلم والقدرة مثلا حيث إن حقيقتهما الوجود الحقيقي وحقيقة الوجود مقولة
بالتشكيك كانا في مرتبة كيفيتين نفسانيتين بل القدرة كيفية في القوة المنبثة في العضلات
وفى مرتبة جوهرين مفارقين وفى مرتبة وجوب ذاتي فكذلك السرور في مرتبة معنى مصدري
وفى مرتبة حقيقته كيفية نفسانية وفى مرتبة وجوب ومن هنا يقول الحكيم الابتهاج عين ذاته ويقول
العارف إذا تم العشق هو الله أو إذا تم الفقر هو الله يا منى المحبين وفى لفظ المنى الذي
من التمني إشارة إلى أن المراد بالمحبين المحبون الغير المحبوبين فلا يخلو محبتهم عن شوب ألم فقد وحزن
فراق بخلاف الاسم الشريف السابق وبخلاف المحبين المحبوبين الذين سمى سيد هم وخاتمهم
بحبيب الله قال في المجلى اعلم أن السلوك سلوكان سلوك المحبوبية وسلوك المحبية والأول هو
ان يكون وصول السالك إلى الله سابقا على سلوكه بمعنى ان يكون وصوله إلى الله تعالى بغير سلوك
ومجاهدة ورياضة بزهد وتقوى وأمثالها واحتياج إلى مرشد ومعلم بل بمحض العناية الأزلية
والهداية الحقيقية الأولية المشار إليهم بقوله تعالى الذين سبقت لهم منا الحسنى والثاني
هو ان يكون وصول السالك إلى الله تعالى موقوفا على سلوكه إليه وقربه منه مشروطا بمجاهدته
ورياضته بزهده وتقواه بمرشد وشيخ ومعلم المشار إليهم بقوله تعالى والذين جاهدوا فينا
لنهدينهم سبلنا فالطايفة الأولى هم المحبوبون من الأنبياء والأولياء والتابعين لهم على
197

قدم الصدق والاخلاص التام فإنهم وصلوا إلى الله تعالى من غير عمل سابق وسبب لاحق بل بمحض
العناية وكمال المحبة وهؤلاء هم الأبرار المقربون الذين شربوا من شراب المحبة والشوق
وبكاس العشق والعناية والإرادة الذاتية قبل ان يخلق العالم وما فيه واليهم أشار بقوله تعالى وسقاهم
ربهم شرابا طهورا وفيهم قال أمير المؤمنين (ع) ان الله تعالى شرابا لأوليائه إذا شربوا سكروا
وإذا سكروا طابوا وإذا طابوا ذابوا وإذا ذابوا خلصوا وإذا خلصوا طلبوا وإذا طلبوا
وجدوا وإذا وجدوا وصلوا وإذا وصلوا اتصلوا وإذا اتصلوا لا فرق بينهم وبين حبيبهم
وهو إشارة إلى شراب المحبة بكأس الشوق والإرادة في عالم الأرواح قبل الأجساد حتى لا يبقى
بينهم وبينه مغايرة ولا من ايناتهم بقية ويكون المحبة والمحب والمحبوب شيئا واحدا كما قيل إذا
تم الفقر فهو الله وفيه قيل إن المحبة للرحمن اسكرني فهل رأيت محبا غير سكران وليس هذا هو السكر
المذموم أعني الموجب للمحب والسالك الهتك والشطح والدعوى بل السكر المحمود المخصوص بالكامل
المكمل الموجب للمشاهدة والذوق والتحير في جمال المعشوق المعبر عنه بالسير في الله دون السير لله
وبالله فإنهما منقطعان غير باقيين بدون الأول وحيث إن موسى (ع) كان في مقام الثاني وسكر
السلوك بالله قال إن هي الا فتنتك وقال أتهلكنا بما فعل السفهاء منا وحيث كان
نبينا صلى الله عليه وآله في المقام الأول وسكر السير في الله قال اللهم زدني فيك تحيرا وكذلك الشيخ
أبو الحسن الخرقاني حيث كان في المقام الثاني وسكر السلوك قال لو شربت قطرة أخرى لذهلت
عن الوجود والشيخ أبو يزيد الشامي حيث كان في المقام الأول وسكر الوصول قال
شربت الحب كأسا بعد كأس * فما نفد الشراب ولا رويت واما الطايفة الثانية
الذين هم المحبون فسلوكهم مقدم على وصولهم بحكم المتابعة من القيام بمقام الشريعة والطريقة
وما يتعلق بهما من الرياضة والمجاهدة بالزهد والتقوى بمساعدة الشيخ المرشد ثم بعد كلام فرع
ان الطوايف ثلث المحبوبون وهم الأنبياء والأولياء عليهم السلام والمحبون الطالبون وهم أهل
السلوك والاجتهاد في سبيل الله والضالون المضلون وهم الذين حرموا عن الوصول من
أهل الكفر والشرك وقد أشار الكتاب الكريم بقوله وكنتم أزواجا ثلثه فأصحاب الميمنه
ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون
198

أولئك المقربون فالسابقون هم الطايفة المحبوبون وأصحاب الميمنة هم الطايفة المحبون
وأصحاب المشئمة هم الطايفة الضالون المضلون انتهى أقول جعل موسى على نبينا وعليه السلام
من أهل المقام الثاني وسكره سكر السلوك لا سكر الوصول مع أن صاحب السير والسلوك
بالله صاحب السير والسلوك في الله وكونه مذموما وشطحا لتصريحه بان المحمود مخصوص بصاحب
السير في الله مع كون الشيخ الشامي في المقام الأول شئ غريب غاية الغرابة في حق النبي
المرسل ولا سيما انه من أولي العزم وهو كليم الله الذي سمع من الله تعالى سبعين كلمة بلا
واسطة على ما في القصص فطمع الرؤية وقال رب أرني انظر إليك مرات كثيرة وفى
كل مرة يتنزل الملائكة على اشكال مهيبة كانوا يهيبونه ويعرضون إليه وهو (ع) يلح في السؤال
ويبالغ وفى السادسة لما قال رب أرني انظر إليك رأى سبعين الف موسى بيدهم
العصا وعلى رؤوسهم عصابة من الصوف يطلبون الرؤية وقد قيل إن صاحب فصل الخطاب
روى أنه (ع) سمع مأة وثلثين الف وأربع عشر كلمة بلا واسطة وكيف لا يكون من أهل المقام
الأول وسكره سكر الوصول والرسل كلهم من أهل الوصول وأصحاب السير في الله ثم السير
عن الله بالله وكلهم مستكفون بذواتهم وباطن ذواتهم مع أن في كلامه تهافتا حيث جعل
الأنبياء جميعا من المحبوبين الذين وصولهم مقدم على سلوكهم بل ليس لهم السلوك إلى الله
حيث إن وصولهم بمحض العناية الأزلية وارادتهم الفطرية وجعل كلمة من تبعيضية في قولهم هم المحبوبون
من الأنبياء لا يوافق ما في اخر كلامه عند تثليث الأقسام المحبوبون هم الأنبياء بل الصواب
ما قال بعض العارفين ان موسى عليه السلام لما كان سكرانا من شراب الانس والوحدة قال
ما قال كما أن ادم (ع) كان في هيمان دهش الهيبة فقال ربنا ظلمنا أنفسنا ثم إن تنزيله الآية
على الطوايف الثلث لا يعجبني حيث عد المحبين والسالكين كلهم أجمعين من أصحاب اليمين
والمحبون السالكون ليست هممهم قاصرة على الجنة الجسمانية ولا محبين للنعيم الصوري والملاذ
الصورية حتى يكونوا من أصحاب اليمين الذين هم أهل الجنة الصورية كما شاع وذاع عند القوم
وفى الحقيقة محبتهم حكاية محبة الأخيار وعباداتهم ونواميسهم أمثلة العبادات الحقيقية وحركات
أهل السلوك فهم ليسوا بالحقيقة أهل المحبة والسلوك وجعل أصحاب اليمين أعم من أهل النعيم
199

الصوري وطلاب الجمال السرمدي قاطبة حيث إن أهل السلوك في كلامه ما عدا الأنبياء والأولياء
مع أنه خلاف المشهور ليس أولي من تعميم المقربين بل هذا أولي لانهم أيضا من أهل القرب وان
فضل بعضهم على بعض لان جميعهم عشاق جماله وطلاب وصاله وليسوا قاصري الهمم على محبة الحور والقصور
واما مراتب السير فلنشر إليها لتكون على بصيرة فنقول قال العارف الكامل كمال الدين عبد الرزاق
الكاشاني المحقق لاصطلاح العرفاء الاسفار أربعة الأول هو السير إلى الله من منازل النفس
إلى الوصول إلى الأفق المبين وهو نهاية مقام القلب ومبدء التجليات الأسمائية والثاني
هو السير في الله بالاتصاف بصفاته والتحقق بأسمائه إلى الأفق الاعلى ونهاية الحضرة الواحدية
والثالث هو الترقي إلى عين الجمع والحضرة الأحدية وهو مقام قاب قوسين الاثنينية
فإذا ارتفعت فهو مقام أو أدنى وهو نهاية الولاية والرابع هو السير بالله عن الله للتكميل وهو مقام
البقاء بعد الفناء والفرق بعد الجمع انتهى يا أنيس المريدين يا حبيب التوابين يا
رازق المقلين رجل مقل أي فقير يا رجاء المذنبين يا قرة عين العابدين
قال بعض أهل اللغة حقيقة أقر الله عينه برد الله دمع عينه لان دمعة الفرح والسرور باردة وقال
بعضهم معناه بلغه أمنيته حتى ترضى نفسه وتسكن فلا تستشرف إلى غيره فعلى القول الأول كان من القر
بالضم بمعنى البرد وعلى القول الثاني كان من قر بالمكان يقر بالفتح والكسر قرارا وقرورا وقرا وتقرة
أي ثبت وسكن لكن على هذا القول ينبغي ان يكون قرة العين بفتح القاف مع أن في القران
قرة عين لي ولك بالضم ثم ليس المراد بالعابدين الاجراء الذين تقر أعينهم بغيره وتطمئن قلوبهم بما
سواه بل ليست عباداتهم الا أمثلة العبادات كما عرفت انما المراد العابدون الذين هم عبيده
بالحقيقة فان العرفاء ثلثوا القسمة وقالوا العبادة للعامة وهو التذلل لله تعالى والعبودية للخاصة الذين
صححوا النسبة إليه تعالى بصدق القصد إليه في سلوك طريقه والعبودة لخاصة الخاصة الذين
شهدوا نفوسهم قائمة بالحق في عبودتهم فهم يعبدونه في مقام أحدية الجمع والفرق ثم على المعنى
الأول لقرة العين معناه هنا انه تعالى برد البهجة لعين العبيد من العابدين كما أنه برد اليقين لبصاير
قلوبهم فحيث تأجج أفئدتهم بنار نور التجلي وناولهم ساقي المحبة الكاس الزنجبيلي من راح عشق
الجمال الذي كان مزاجها هيبة الجلال وكما قال يسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا مزجها
200

وكسر سورتها يد الانس ببرد الايقان وكافور الاطمينان ان الأبرار يشربون من كأس كان
مزاجها كافورا أو انه على ما قيل يحرق في الدنيا قلوب العاشقين وفى الآخرة جلود الفاسقين
كلها اوقد في صدورهم نيران الفراق بالاستشعار بالانائية تداركه بروح الوصال وبرد التلاق
بتذكار المعية القيومية نظير ما في الفارسية خوبرويان جفا پيشه وفا نيز كنند * بكسان درد ببخشند ودوا نيز كنند
وعلى المعنى الثاني فالمعنى ان وجهه تعالى قرار بصرهم ونصب عينهم فلا يقع طرفهم على طرف الغير
وأناخوا مطايا هممهم بمربعه عن السير كما قيل مقيدان تو از ياد غير خاموشند
بخاطرى كه توئى ديكران فراموشند الا بذكر الله تطمئن القلوب بل نسوا أنفسهم
كصويحبات يوسف (ع) بل فنت ذاتهم عن ذاتهم كما في مولى العابدين أمير المؤمنين (ع)
في صلاته وكما في مولانا الصادق (ع) حيث قال ما زلت اكر راية حتى سمعتها من قائلها
يا منفسا عن المكروبين معناه الظاهري واضح واما معناه الباطني فقد جعل محيي الدين
العربي س في الفصوص تنفيس الحق بمعنى ارسال النفس الرحماني على الأعيان
الثابتة وترويح كرب الأسماء كما أن التنفيس الانساني ترويح الروح البخاري بجذب الهواء
البارد الخارجي وارسال الهواء الحار الداخلي وكرب الأسماء اقتصاؤها مظاهرها ومربوباتها
من الأعيان الكونية فالألوهية تقتضي المألوه والربوبية تطلب المربوب وهكذا ومعلوم
ان الذات بذاته غنى عن العالمين والاسم ون كان عين المسمى بوجه لكن غيره بوجه يا مفرجا
عن المهمومين يا اله الأولين والآخرين سبحانك الخ أي الماضين والآتين كما
في قوله تعالى ثلة من الأولين وقليل من الآخرين اللهم إني أسئلك بسمك يا ربنا يا إلهنا يا حبيبنا يا طبيبنا
يا سيدنا يا مولينا يا ناصرنا يا حافظنا يا دليلنا يا معيننا سبحانك الخ قد مر كلها
ولا تفاوت الا ان المقام قد يقتضى الافراد وقد يقتضى الإضافة وهذه الإضافة تشريفية وفيه
من الافتخار والالتذاذ للذاكر ما لا يخفى ومثل هذه الإضافة أنطقت وشوقت عنادل أفئدة عشاق
ذي الجمال والجلال فترنمت بلسان الحال أو المقال بقوله بجهان خرم از انما كه جهان خرم از أو ست
عاشقم بر همه عالم كه همه عالم از أو ست وكذا مثل هذه الإضافة الواقعة في قوله تعالى وان عليك
لعنتي يوم الدين أسكرت إبليس اللعين حيث حمل على كاهله اوقار اللعنة إلى يوم الدين
201

فمحاه إلى يوم البعث الخمر المرة التي مزاجها الأنجبين حيث امتزجت مرارة اللغته والطرد بحلاوة الإضافة
التي له كالشهد فلم يصح قط عن هذا المحو ولن يفيق عوض عن هذا السكر قال أمير المؤمنين (ع) سبحان
مع اتسعت رحمته لأوليائه في شدة نقمته واشتدت نقمته لأعدائه في سعة رحمته
قال أهل المعرفة تحت كل جمال جلال ووراء كل جلال جمال نار تو أين است نورت چون بود
ما تمت أين است سورت چون بود يا رب النبيين والأبرار يا رب الصديقين
والأخيار قد مر معنى الرب واما النبي فهو الانسان المبعوث من الحق إلى الخلق المخصوص
بالوحي والمعجزة فان للانسان بحسب التدرج في مدارج الكمال والسعادة أصنافا فإنه ان صدق
بالأنبياء فيما جاؤوا به من الله سبحانه فهو مسلم وان قرن بهذا موالات الأئمة الهداة فهو مؤمن
وان اشتغل مع هذا في أغلب أوقاته بالعبادة فهو عابد (وإن كان مع ذلك تاركا للدنيا
وشهواتها فهو زاهد وان عرف مع ذلك الأشياء على ما هي عليها بالتحقيق فهو عارف) وان اوصله الله تعالى مع هذا إلى مقام القرب
وأيده بالالهام ونفث الروع فهو ولى وان خصه مع هذا بالوحي والمعجزة فهو نبي وان خصه مع هذا
بالكتاب فهو رسول وان خصه مع هذا بنسخ الشريعة السابقة فهو من أولي العزم وان خصه مع هذا
بخاتمية النبوة فهو الخاتم فهذه عشرة كاملة قلما يتفق في المواد العنصرية وكل واحد مما قبله
أقل من القليل إذ يحصل من العناصر الكثيرة قليل هو النبات ومن كثير منه قليل منه يصير غذاء للحيوان
ومن كثير منهما قليل غذاء الانسان ومن كثير منه قليل المنى ومن كثير منه قليل النطفة ومن كثير منها
قليل المتولد ومن كثير منهم قليل العايش والباقي ومن كثير منه قليل مسلم ومن كثير منهم قليل مؤمن ومن
كثير منهم قليل طالب ومن كثير منهم قليل عالم ومن كثير منهم قليل عارف ومن كثير منهم قليل محقق ومن كثير
منهم قليل عامل ومن كثير منهم قليل مستقيم ومن كثير منهم قليل أنبياء ومن كثير منهم قليل رسل ومن كثير
منهم قليل أولو العزم ومن بينهم واحد هو الخاتم صلى الله عليه وعلى أصله وفرعه وسلم ونعم ما قال الحكيم الغزنوي
قرنها بأيد كه تا صاحبدلى پيدا شود * بو سعيدي در خراسان يا أويسي درقرن فهذا الواحد الختمي هو المقصود
من الكل والغاية للكل وقد قال تعالى في حق بنى ادم من حيث إنهم غاية خلق السماوات وما فيهن وجعل
لكم سبع طرائق ومن حيث إنهم غاية خلق الأرضين وما فيهن خلق لكم ما في الأرض جميعا
وقال في الحديث القدسي في حق الخاتم من حيث إنه المقصود من الكل لولاك لما خلقت الأفلاك
وفى حق الحق المطلق من حيث إنه غاية الغايات يا بن ادم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك
202

لأجلي وأيضا كنت كنز الحديث وقد ظهر وجه تسميته بالخاتم من كونه غاية للكل سوى الوجه
الظاهري الذي هو انه انقطع باب النبوة عنده وهنا وجه اخر للتسمية وهو ان كل كمال وجمال
وجلال فيما دونه خزانتها عنده وهي ملكه فكأنه صلى الله عليه وآله جعلها في مخزنه وغلق بابه وضرب عليه خاتمه فهو صلى الله عليه وآله
ختم الكمالات قاطبة فإنه حيث كان أشرف الموجودات الصاعدة إليه تعالى وبقاعدة الامكان
الأخس كل نوع ما لم يستوف كمالات النوع الأخس منه لم يتخط إلى مقام النوع الأشرف وهكذا
إلى أن ينتهى إلى نوع أشرف لا أشرف في الأنواع منه وهكذا في افراد ذلك النوع الأشرف حتى
ينتهى إلى فرد أشرف لا أشرف فوقه سوى واجب الوجود تعالى شانه أي كاينات را بوجود تو افتخار
أي بيش از افرينش وكم زافريدكار * ختم رسل سيد انس وپرى * هندوي أو جاى زحل مشترى
آب رخ عقل نم جوى أو * هر دو جهان تعبيه در كوى أو فثبت انه صلى الله عليه وآله خاتم كل كمال إنساني
وجامع كل جمال وجلال في حكيم رباني وخليفة سبحاني وان كل من بعده أظلته لكليته والخاتم
بالكسر الطابع وبالفتح الطايع وكلاهما مناسب ثم كما أنه صلى الله عليه وآله خاتمة كتاب الكمال الانساني والكلمات
الطيبة الصاعدة كذلك فاتحته واعرف ذلك من كونه صلى الله عليه وآله غاية إذ كلما كان غاية كان بداية والغاية
متأخرة عينا مقدمة علما أول الفكر اخر العمل واليه أشاروا عليهم السلام بقولهم نحن الآخرون
السابقون وقال صلى الله عليه وآله أول ما خلق الله روحي أو عقلي أو نوري وقال كنت نبيا وادم
بين الماء والطين والمراد بالابرار أصحاب اليمين وبالأخيار المقربون لكنهما كالظرف
والمجرور وكالفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا فمن موارد الاجتماع مثل ما ههنا
ما في الزيارة الجامعة الكبيرة وأنتم نور الأخيار وهداة الأبرار وبمعناه أيضا قولهم
حسنات الأبرار سيئات المقربين ومن موارد الافتراق قوله تعالى في كتابه المجيد ان
الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا وفى الحديث القدسي الا طال
شوق الأبرار إلى لقائي وانى لاشد شوقا إليهم هذا من طرف الأبرار واما من طرف الأخيار
مثل قولهم في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله صحبه الأخيار والصديق مبالغة الصادق وهو في اصطلاح
أهل السلوك من كان صادقا في الأقوال والافعال والأحوال والنيات والعزمات وكان صادق الوعد
وإذا كان كل ذلك ملكة له كان صديقا واليه أشار بقوله تعالى فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم
203

من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهم المنعم عليهم المشار إليهم في سورة
الفاتحة فالمقصود من الصديقين والأخيار الأولياء والسلاك من الأئمة الاثني عشر (ع) واتباعهم
الذين هم بروج سماء الولاية وكواكب فلك الهداية ولا ينافى هذا ما ذكره العرفاء ان للأولياء
ست طبقات في ضمن ثلاثمأة وخمسين وستة رجال كلهم مقيموا باب الله تقدست أسمائه ومقربوا
حضرته وكلهم أصحاب الكرامة ومستجابوا الدعوة من الواحد والثلاثة والخمسة والسبعة والأربعين
والثلثماة وذلك الواحد هو القطب وسيد الكل وردوا في ذلك حديثا هو هذا لله في الأرض
ثلاثمأة قلوبهم على قلب ادم وله أربعون قلوبهم على قلب موسى وله سبعة قلوبهم على
قلب إبراهيم وله خمسة قلوبهم على قلب جبرئيل وله ثلثة قلوبهم على قلب ميكائيل وله
واحد على قلب إسرافيل فإذا مات الواحد ابدل الله تعالى مكانه من الثلاثة وإذا مات من الثلاثة
ابدل الله مكانه من الخمسة وإذا مات من الخمسة ابدل الله مكانه من السبعة وإذا مات
من السبعة ابدل الله مكانه من الأربعين وإذا مات من الأربعين ابدل الله مكانه من ثلاثمأة
وإذا مات من ثلاثمأة ابدل الله مكانه من العامة بهم يرفع البلاء عن هذه الأمة ووجه عدم
المنافات ان في كل زمان قطب الأقطاب واحد عند هم وهو واحد من أئمتنا وفى زماننا هو حضرت
القائم صاحب الامر والزمان عليه صلوات الله الرحمن وهكذا ما قال بعض اخر من العرفاء ان من الأولياء
ثلاثمأة هم النقباء وسبعين هم النجبا وأربعين هم البدلاء وسبعة هم الأخيار وأربعة هم العمد وواحدا
هو الغوث ومسكن النقباء المغرب ومسكن النجباء مصر ومسكن البدلاء الشام والأخيار سياحون
والعمد في زوايا الأرض والغوث بمكة شرفها الله تعالى وقيل إن أولياء الله تعالى وراء الطبقات
المذكورة ثلثون ألفا ومنهم أربعة آلاف أشرف ومن الأربعة آلاف أربعمأة أكمل ومن الأربعمائة
أربعون أفضل ومن الأربعين أربعة أقدم ومن الأربعة واحد أكمل وأشرف وقيل ضنائن الله
أربعة آلاف وأحوالهم مختفية من الخلق بل منهم أنفسهم قال العارف الكامل كمال الدين عبد الرزاق
الكاشي س في ضنائن الله هم الخصايص من أهل الله الذين يضن بهم لنفاستهم عنده كما
قال صلى الله عليه وآله ان لله ضنائن من خلقه البسهم النور الساطع يحييهم في عافية ويميتهم
في عافية وقالوا غير ذلك من المقالات والكلام فيهم طويل ولساننا عن البيان كليل
204

وبالجملة كما أن أرواح كل الأنبياء وكمالاتهم شطوط وأنهار وجداول وسواقي من بحر روحانية
خاتمهم صلى الله عليه وآله كذلك أرواح كل الأولياء والسعداء أشعة وتجليات من شمس ولاية سيد الأولياء
وروحانيته أعني نور الله الشارق وكلامه الناطق سيد الموحدين أمير المؤمنين علي عليه سلام الله
رب العالمين ونعم ما قيل فيه أي علم ملت ونفس رسول * حلقه كش علم تو كوش عقول
أي بتو مختوم كتاب وجود * وى بتو مرجوع حساب وجود * داغ كش نافه ء تو مشك ناب
جزيه ده سايه ء تو آفتاب * خازن سبحاني وتنزيل وحى * عالم رباني وتأويل وحى
آدم از اقبال تو موجود شد * چون تو خلف داشت كه مسجود شد * تا كه شده كنيت تو بوتراب
نه فلك از جوى زمين خورده آب * رآه حق وهادى هر كمرهى * ما ظلماتيم وتو نور اللهي
انكه كذشت از تو وغيري كزيد * نور بداد ابله وظلمت خريد * وآنكه بشد بر دكرى ديده دوخت
خاك سيه بستد وكوهر فروخت واما عدد الأنبياء عليهم السلام فعلى ما هو المأثور المشهور وفى كثير من
الكتب مسطور مأة وأربعة وعشرون ألفا ولكن الظاهر أن خصوص العدد ليس مرادا بل هو تعبير عن الكثرة
ولهذا جمع فيه بين الآحاد والعشرات والمئات والألوف وإن كان لكل خصوصية من كل مرتبة نكتة
كيف وفيض الله لا ينقطع وكلماته لا تنفد ولا تبيد وإذا كان خاتم الأنبياء في مقام البشرية بحيث ان
منهم من قصه الله تعالى عليه ومنهم من لم يقصصه عليه فغيره أولي ولكن شيخ المشايخ سعد الدين الحموي س
قال إنه في الأديان السابقة قبل دين محمد صلى الله عليه وآله لم يكن اسم الولي بل كل مقرب من مقربي حضرته يدعى باسم
النبي وإن كان صاحب الشريعة منهم واحدا والباقون يدعون الناس إلى دينه ففي زمان ادم (ع) كان
أنبياء كثيرون يدعون الخلق إلى دين ادم (ع) وهكذا في أديان نوح وإبراهيم وموسى وعيسى كان المقربون
كلهم مسمين أنبياء الله حتى انتهت النوبة إلى محمد صلى الله عليه وآله وانسدت باب النبوة عنده وقال لا نبي بعدي
ظهر اسم الولي في دينه فمقربوا حضرت الحق سبحانه في الدورة المحمدية عليه آلاف صلاة وتحية سموا أولياء
وما منعوا وحرموا الامن الاسم ولا سيما الاثني عشر من أوليائه الهادين المهديين وقال صلى الله عليه وآله علماء أمتي
كأنبياء بني إسرائيل وقال صلى الله عليه وآله ان لله عبادا ليسوا بأنبياء يغبطهم النبيون ثم لا منافاة
بين ما ذكره الشيخ (س) وبين ما ذكرنا فان ما ذكره بحسب دورة واحدة وما ذكرنا بحسب الأدوار والأكوار
فان نفوس الفلك الدوار نقوشها واجبة التكرار واما الفرق بين النبوة والولاية فقيل
205

النبوة وضع الآداب الناموسية والولاية كشف الحقايق الإلهية فان ظهر من النبي تبيين الحقايق
فهو بما هو ولى فان كل نبي ولى ولا عكس فان النبي كمراة لها وجهان وجه إلى الحق ووجه إلى الخلق فولايته
من وجهه إلى الحق ونبوته من وجهه إلى الخلق وقيل النبوة وضع الحجاب والولاية رفع الحجاب
لان دفع الفساد أهم في نظر النبي وهو لا يتأتى الا بوضع الحجاب أقول النبوة على قسمين نبوة
التعريف ونبوة التشريع فالأولى هي الانباء عن معرفة الذات والصفات والأسماء والثانية
جميع ذلك مع تبليغ الأحكام والتأديب بالأخلاق والقيام بالسياسة والولاية قيام العبد بالحق
عند الفناء عن نفسه وذلك يتولى الحق إياه حتى يبلغه غاية القرب والتمكين يا رب الجنة والنار
المراد بالجنة جنة الافعال لا جنة الذات والصفات يا رب الصغار والكبار يا رب
الحبوب والثمار صورية أو معنوية فالحبوب المعنوية كالملكات والثمار المعنوية كالعلوم
والأعمال واللوازم والآثار المتفرعة على الملكات في الدنيا والآخرة وقس عليه سابقه ولا حقه يا
رب الأنهار والأشجار فمن الأنهار المعنوية الأنهار العظيمة المنشعبة من بحر ماء الحياة
الهوية السارية في كل شئ كما قال تعالى وجعلنا من الماء كل شئ حي وهذا الماء الحياة في ظلمة فناء
التعينات واستهلاك الذوات كما قال (ع) ان الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من
نوره فالأنهار أربعة نهر لاهوتي في عالم الأسماء ونهر جبروتي في عالم العقول والمثل النورية ونهر
ملكوتي أعلى في عالم النفوس ونهر ملكوتي أسفل في عالم المثل المعلقة ومن الأنهار الصورية الأنهار
الأربعة التي في الجنة التي وعد المتقون كما قال تعالى فيها انهار من ماء غير أسن وأنهار من لبن
لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وقد طبقها في مفاتيح
الغيب على العلوم الأربعة من المنطقيات والرياضيات والطبيعيات والإلهيات ومن الأشجار
الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء وهي التي مثل الكلمة الطيبة والشجرة المباركة الزيتونية
التي هي عند العرفاء عبارة عن الروح البخاري اللطيف المتولد في القلب الحامل لقوة الحس والحركة الإرادية
وليست من شرق عالم الأرواح المجردة ولا من غرب عالم الأجساد الكثيفة ويسمونه نفسا وهو ظاهر
القلب الممثل في القران بالزجاجة والكوكب الدري وباطن القلب يسمونه روحا ومثله تعالى بالمصباح
عندهم وشجرة موسى (ع) وشجرة طوبى التي ورد ان طوبى شجرة أصلها في دار على ابن أبي طالب (ع)
206

وليس من مؤمن الا وفى داره غصن من أغصانها وتأويلها من حيث نور ذاته انه (ع) ادم
الأول ونسبته إلى أنوار ذوات السعداء من الأولياء والعلماء والصلحاء في الولادة المعنوية نسبة
ادم (ع) إلى أولاده في الولادة الصورية كما ورد ان شيعتهم من فاضل طينتهم ومن حيث نور
علمه (ع) ان العلوم والمعارف المبدئية والمعادية قبسات من مشكاة ولاية باب مدينة العلم كيف
وروح القدس الذي هو فياض العلوم على النفوس المستعدة في جنان الصاقورة ذاق من حدايقهم
الباكورة فما أحسن تعريفاتهم وما أحلى تنبيهاتهم ثم عموم الأشجار يشمل شجرة الزقوم كما في رب الجنة
والنار يا رب الصحارى والقفار لما كانت القفرة الخلاء من الأرض ويقال أقفر المكان
إذا خلا من أهله فيشمل بحسب التأويل الصحارى المهيات والمواد حين
(كونها معمورة بالوجودات في الصور والأرواح والقفار المهيات والمواد) حين صيرورتها خربة باسقاط إضافة
الوجود عنها وبيد أهلها وجلاء وطنهم العارضي بانجلاء وطنهم الأصلي ونسف جبال الآنيات كما
قال تعالى يسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها
عوجا ولا أمتا والصحاري بالألف المقصورة أيضا وان جاء جمعا للصحراء الا ان الصحارى
بالياء أطبق بما بعده يا رب البراري والبحار قد شاع بين علماء التأويل تأويل البر بعالم
الأجساد والبحر بعالم الأرواح كما في قوله تعالى ويعلم ما في البر والبحر وذلك للطافة الماء وكثافة الأرض
وجريانه وجمودها فيناسبه النازعات غرقا في شهود جماله والسابحات سبحا في بحار جلاله ولكونه
رقيقة الحياة وكونها رقيقة الموت ولذا جعل في الشرع الماء طاهرا مطهرا على العموم كما أن الحياة
إذا قارنت الأجساد كانت طاهرة وإذا فارقتها كانت نجسة الا في الكافر فإنه مع مقارنة الحياة ومع
المفارقة نجس فان حياته كلا حياة حيث إن الحياة الحقيقية هي العلم والايمان فيمن من شانه ذلك
كما قال (ع) الناس موتى واهل العلم احياء والا في الكلب والخنزير لوجود المانع فيها إذ الكلب
مع صفاته العشر المشهورة المأثورة الغضب مستول عليه والأذية شيمته والغضب نجاسته معنوية
وهو مظهره الأعظم والخنزير الشهوة مستولية وهي أيضا نجاسة معنوية وهو مظهره الأعظم فحكم
الشارع (ع) بنجاستهما بين الحيوانات إشارة إلى كون الشهوة والغضب من الرزايل والخبائث
مع أن الكلب حارس الغنم واكثر منافع الناس يدور على الغنم والخنزير ذكر الأطباء في لحمه بل في
أعضائه الأخر خواص كثيرة يا رب الليل والنهار الليل وان اطلق في التأويلات على العدم
207

الا انه نفى محض باطل صرف لا مجعولية ولا مربوبية له فلا يناسب هنا ومثله اطلاقه على الكفر والجهل كما
في دعاء الصباح صل اللهم على الدليل إليك في الليل الأليل وذلك لان الكفر والجهل عدميان
نعم يشمل اطلاق الليل والنهار باطن ليلة القدر وحقيقة يوم القيمة أعني السلسلة الطولية النزولية والعروجية
وأشير إلى الأول بقوله تعالى تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر والى الثاني
بقوله تعالى يعرج إليه الملائكة والروح في يوم كان مقداره خمسين الف سنه يا رب
الاعلان والاسرار سبحانك الخ أي الشهادات والغيوب يا من نفذ في كل شئ
امره أي كلمة كن الوجودي فإنه إذا قال لشئ كن فيكون لا بتخلل صوت يقرع ولا بتوسط نداء
يسمع الا له الامر والخلق فأمره النافذ في كل شئ سره الذي يخص كل شئ ونوره الوجودي الذي
يستنير به كل فيئ عند التوجه الايجادي من الموجد القاهر الحي والى هذه السر أية الحقيقية والنفوذ المعنوي
الحقيقي أشار بقوله تعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الامر
بينهن يا من لحق بكل شئ علمه يا من بلغت إلى كل شئ قدرته لما لحق علمه تعالى
بكل شئ مجردا كان أو ماديا كليا كان أو جزئيا وكان علمه فعليا منشأ لوجود المعلوم إذ علم فاوجد لا جرم
بلغت إلى كل شئ معلوم قدرته وأيضا هو تعالى فاعل بالعناية بالمعنى الأعم بمعنى ان علمه السابق
بفعله المنطوى في علمه بذاته علما اجماليا في عين الكشف التفصيلي وتفصيليا في عين الوحدة الاجمالية
حيث إن ما به الانكشاف الواحد الذي به ينكشف ذاته الفرد الأقدس الأنور بعينه ما به ينكشف ذوات
الأشياء انكشافا أعلى وأنور من انكشاف يحصل لذواتها من وجوداتها بما هي وجوداتها لان
بسيط الحقيقة مستجمعة لجميع الخيرات بنحو أعلى وشيئية الشئ بتمامه لا بنقصه وتشخصه بوجوده
كاف في فعله بلا داع زايد بل الداعي عين ارادته التي هي عين ابتهاجه بذاته الذي هو عين علمه الذي
هو عين ذاته الأقدس الذي هو تام وفوق التمام في الايجاد ليس له حالة منتظرة فثبت ان كلما لحق
به علمه بلغت إليه قدرته وقول المتكلمين ان العلم أعم من القدرة لتعلقه بالممتنعات دونها لان المقدور
لا بد ان يكون ممكنا لا وجه له لان الممتنع من حيث حقيقته التي هي عين اللا شيئية كما في كل باطل حيث إن
حقيقة الباطل بطور البطلان كما ليس مقدورا كذلك ليس معلوما كيف والمعدوم المطلق لا خبر عنه ومن
حيث وجوده في نشأة من النشئات سواء كانت أذهانا عالية أو سافلة كما هو معلوم كذلك هو مقدور
208

ان قلت علمه تعالى يتعلق بذاته فان ذاته معلومة لذاته بخلاف قدرته فبطل الاتحاد بل المساواة
قلت تعلق العلم والعالمية بذاته تعالى انه تعالى عين العلم لا ان ذاته شئ وعلمه بذاته شئ اخر فهكذا تعلق
القدرة والقادرية معناه انه عين القدرة فتحقق المساواة بين مفهومي القدرة والعلم والاتحاد بحسب
المصداق وليس الكلام في مفهومي المعلوم والمقدور يا من لا يحصى العباد نعمه كما قال تعالى
وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها افراد النعمة في الآية مع كثرتها المشار إليها بعدم العد والاحصاء
إشارة إلى وحدتها في عين كثرتها لغلبة الوحدة ومغلوبية الكثرة كل يعمل على شاكلته أو لأنه لا قدر
بجميع نعمه تعالى في جنب بحار كرمه ولا سيما بالنظر إلى نظره مع عظم كل حقير منها وكبره في غاية حقارته
وصغره أو إشارة إلى كثرتها في عين وحدتها باعتبار مباديها الطولية النزولية وغاياتها الطولية الصعودية
حيث قطع كل منها نصف الدايرة وهو القوس النزولي حتى وصل إلى عالمنا هذا ثم يقطع نصفه الأخر
حتى يرجع إلى ما بدء كما أن الشجرة يبتدئ من الثمرة وينتهى إليها وفى عيون الاخبار عن الرضا (ع) عن أبيه
موسى ابن جعفر عن أبيه الصادق جعفر ابن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام قال دعا سلمان
أبا ذر رضي الله عنهما إلى منزله فقدم إليه رغيفين فاخذ أبو ذر الرغيفين فقلبهما
فقال سلمان يا أبا ذر لأي شئ تقلب هذين الرغيفين قال خفت ان لا يكونا ناضجين
فغضب سلمان من ذلك غضبا شديدا قال ما اجراك حيث تقلب هذين الرغيفين فوالله
لقد علم في هذا الخبز الماء الذي تحت العرش وعلمت فيه الملائكة حتى القوة إلى الريح
وعلمت فيه الريح حتى ألقاه إلى السحاب وعمل فيه السحاب حتى امطره إلى الأرض وعمل فيه
الرعد والملائكة حتى وضعوه مواضعه وعملت فيه الأرض والخشب والحديد والبهائم والنار
والحطب والملح وما لا أحصيه أكثر فكيف لك ان تقوم بهذا الشكر يا من لا تبلغ
الخلايق شكره لان شكره بحوله وقوته وذلك موجب شكر اخر ويتسلسل وفى دعاء عرفه
عن سيد الشهدا (ع) لو حاولت واجتهدت مدى الاعصار والأحقاب لو عمرتها ان أؤدي
شكر واحدة من نعمك ما استطعت ذلك الا بمنك الموجب على شكرا انفا جديدا وثناء
طارفا عتيدا أجل ولو خرصت والعادون من أنامك ان تحصى مدى انعامك سالفة
وآنفة ما حصرناه عددا ولا أحصيناه ابدا الدعاء أو لان الشكر تعظيم المنعم لانعامه باللسان
209

أو بالجنان أو بالأركان وهذه الثلاثة أيضا من نعمه والقدرة على استعمالها والتوفيق للاستعمال
نعمتان اخريان ففي شكر كل نعمة لا بد ان يشكر لهذه النعم لا أقل وهلم جرا وإذا قال سيد أولاد
ادم لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فكيف تبلغ الخلايق شكره وفى خبر الايمان
نصفه صبر ونصفه شكر وذلك لان الانسان لا يخلو عن حالة ملائمة وحالة غير ملائمة
ففي الغير الملائمة يجب الصبر وفى الملائمة يجب الشكر بل السالك لابد ان يكون شاكرا على كل حال
كما قال (ع) نحمدك على بلائك كما نشرك على نعمائك والا يقدر على أن يكون شاكرا فليكن
راضيا والا يقدر على أن يكون راضيا فليكن صابرا وليس دون مقام الصبر الا الجزع والشقا ونهاية
مقام الشكر عند العارف شهود المنعم في نعمه حتى يبدل وجوده بعدمه يا من لا تدرك الافهام
جلاله يا من لا تنال الأوهام كنهه كما قال النبي صلى الله عليه وآله ان الله احتجب عن العقول كما
احتجب عن الابصار وان الملا الاعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم ولذلك يطلق على الذات باعتبار
الحضرة الأحدية غيب الغيوب والغيب المطلق والغيب المكنون والغيب المصون والمنقطع الوحداني
ومنقطع الإشارات والتجلي الذاتي والكنز المخفي والعماء وغير ذلك وانما لا يدرك كنه الذات
لما تقرر انه إذا جاوز الشئ حده انعكس ضده فإذا كان ظهوره في قصيا مراتب الظهور انتج غاية الخفا
وانعكس عكس الجلاء وأيضا لما كان قهار الكل فلم يبق أحد في سطوع نوره حتى يراه بل يتلاشى ويضمحل
بتأجج نار محياه وأيضا هو تعالى بكل شئ محيط والمحيط لا يصير محاطا وأيضا الاحساس يتعلق بعالم الخلق
والتعقل بعالم الامر فما هو فوق الخلق والامر لا يحس ولا يعقل وأيضا هو الوجود بشرط لا فكيف يوجد في
موضوع العقل والحس وأيضا هو حقيقة الوجود العيني لا تحصل في الذهن إذ لو حصلت فيه انقلب العيني
ذهنيا ان لم يترتب اثارها عليها ولم تحصل فيه فيلزم التناقض ان ترتبت اثارها عليها لان الموجود
الذهني ما لا يترتب عليها الآثار وأيضا لو أدرك ذاته علما حضوريا لزم ان يكون هو تعالى إما عين
المدرك أو معلوله لان العلم الحضوري منحصر في علم الشئ بنفسه وفى علم الشئ بمعلوله وان منع المشاؤن
الثاني منهما وكلا اللازمين باطل لأنه هو ونحن نحن وانه يتعالى عن المعلولية علوا كبيرا فضلا عن معلوليته
لمعلوله فما دام المدرك أنت وأمثالك لا يمكنك ادراكه لأنك لست إياه حتى تعلمه علما حضوريا فإنه متى
بدا نار نوره غيبك ولا يمكنك في ساحة حضوره كما لم يمكن البعوضة في حضرة سليمان حتى يحاكم بينهما فريح
210

الرحمن التي يأتي من قبل الوادي الأيمن تجعلك هباء منثورا عنقا شكار كس نشود دام باز چين
فسبحان من لا يعلم ذاته الا ذاته ودل على ذاته بذاته توحيده إياه توحيده شهد الله
انه لا اله الا هو هذا باعتبار التجلي الأول الذاتي واما باعتبار التجلي الثاني سواء كان الأسمائي
أو الاعيانى فلا يعقل أو يدرك الا نوره إذ المجالي الخمسة مرائي ظهوره كما أن المراتب الست درجات
نوره فبذلك النظر أينما تولوا فثم وجه الله هو الأول والاخر والظاهر والباطن لو
دليتم إلى الأرض السفلى لهبط على الله چندين هزار ذره سراسيمه ميدوند * در آفتاب و
غافل از ان كافتاب چيست وقد قلت في التوحيد فلك كشته سر كشته كوى أو * بود روى عالم همه سوى أو
همى ميرسد بر مشام دلم * زكل خاصه از أهل دل بوى أو * نه آغاز پيدا نه انجام وهست
تمامي يكى پرتو روى أو يا من العظمة والكبرياء ردائه في الحديث القدسي الكبرياء
ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قصمته ويعجبني ان يكون الازار الذي
هو لباس الاسافل من الأعضاء إشارة إلى الكونين الصوريين أعني الكون الصوري الصرف الذي
هو المثل المعلقة والكون الصوري المادي اللذين هما أسافل العوالم والرداء الذي هو لباس
الأعالي منها إشارة إلى الكون المعنوي الروحاني من النفوس الكلية والعقول النورية الذي هو
أعالي العوالم ولذلك يطلق وراء اللبس على الحق المتردي المتئرز بهما في اصطلاح العرفاء والاكتفاء
بالرداء في الاسم الشريف لسعته كما في الرداء الذي في عالمنا ففيه إشارة إلى انطواء عالم الصورة
في فسحة عالم المعنى فان الأول في الثاني كحلقة في فلاة يا من لا يرد العباد قضائه فان الصور
القضائية لغلبة احكام الوجوب عليها ولكليتها ولكونها العلم الفعلي لله تعالى لا ترد ولا تبدل يا من
لا ملك الا ملكه أي لا سلطنة الا سلطنته يا من لا عطاء الا عطاؤه سبحانك الخ
إشارة إلى توحيد الافعال يا من له المثل الاعلى المثل لغة له معان منها المثال وهو المراد
ومنها الصفة كقوله تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون وليس بمراد هنا بقرينة المقابلة للاسم
الشريف التالي ومثله تعالى كثير كالمصباح الذي في الزجاجة التي في المشكاة المتوقد من الشجرة المباركة
وكالظل الممدود وكالشعلة الجوالة الراسمة للدايرة وكالحركة التوسطية الراسمة بنسبها إلى حدود المساحة
للحركة القطعية وكالنقطة الراسمة بحركتها طولا للخط الراسم بحركته بتمامه عرضا للسطح الراسم بحركته بتمامه وعمقا للجسم
211

وكالان السيال الراسم للزمان وكالوحدة الراسمة للاعداد المقومة والعادة لها وكالعكس الحاصل
في المرائي المتخالفة وكالبحر المنبعث منه الموج والحباب والبخار والسحاب إلى غير ذلك من الأمثلة الدايرة
في لسان الشرع أو لسان العرفاء والحكماء بل لا تعد ولا تحصى ففي كل شئ له أية تدل على أنه واحد
لكن المثل الاعلى من كل مثل هو الحقيقة المحمدية المعبر عنها بالرحمة الواسعة ورحمة للعالمين والنفس الكلية
الولوية العلوية وهما في الحقيقة نور واحد كما قال صلى الله عليه وآله انا وعلى من نور واحد وقال على مني وانا من
علي يا من له الصفات العليا يا يا من له الآخرة والأولى يا من له الجنة المأوى
التي عند سدرة المنتهى وهي جنة العقول قال الطبرسي عليه الرحمة قيل هي التي يأوى إليها جبرئيل
والملائكة وقيل هي التي كان اوى إليها ادم (ع) وتصير إليها أرواح الشهداء وسدرة المنتهى هي البرزخية
الكبرى التي ينتهى إليها مسير الكمل واعمالهم وعلومهم وهي نهاية المراتب الأسمائية التي لا تعلوها مرتبة
وقال الشيخ المذكور روح روحه المبرور سدرة المنتهى شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة انتهى
إليها علم كل ملك وقيل إليها ينتهى ما يعرج إلى السماء وما يهبط من فوقها من أمر الله يا من له الآيات
الكبرى أية الشئ علامته وقد تطلق على المعجزة والكرامة والعالم بشراشره ووجود الآفاق والأنفس
بحذافيره علاماته وكراماته وبيناته ولو شاء الانسان المتفكر المعتبر ان يحرر بقوة العزيز المقتدر ما وصل
إليه من حكمه ومصالحه تعالى المودعة في اثار صنعه وعجايب عنايته لاجتمعت مجلدات مع أن الحكماء النظار
والعرفاء الكبار أولي الأيدي والابصار اعترفوا بان لا نسبة لما وصلنا إليه إلى ما لم نصل ولو تفكرت
في ورقة من أوراق شجره وكيفية تخاطيطها وأوضاعها وتهندسها وكيفية ايصال رزقها من
العروق الشعرية ثم من التي كالسواقي والجداول والأنهار من الاسافل إلى الأعالي مع أن ذلك
الرزق من الثقال المائلة إلى المركز بالطبع لقضيت كل العجب فضلا عن شهودك ما وكل الله تعالى
بضاهته بتلك الوريقة من الملائكة المدبرين لها والموصلين رزقها فهذه المرتزقة التي في رأس
الورقة التي في رأس الشجرة كمسكين يشيلون هؤلاء غذائه يدا بيد إلى أن يؤدوا حقه ولو نظرت
حق النظر وتفكرت ثاقبة الفكر في الهيكل الجامع الانساني الذي هو هيكل التوحيد لرأيت ذاته وصفاته
وافعاله كلها كرامات وعجايب فضلا عن الانسان الكامل بالفعل إما ترى أول أفعاله التي يترائى في غاية
الحقارة ويصدره عنه في أضعف حالاته وهو التقام الثدي ومصه لولا الهام الحق وملائكته لجعل من
212

فيه يمجه أو في فضائه يلجلجه فانصف لي ما يدريه بان يجذبه ويمصه في فيه ثم إما تعد كرامة وأعجوبة
فتح أبواب مشاعره ومعالمه إلى النشآت والعوالم بل نشأته وعوالمه وخيرته وتنبهه بسكانها وقطانها
ثم إما ترى تذكره وتحفظه وتعقله ولو سد الله عليه أبواب الجبروت والملكوت لم يقدر على اقتناص
الخفيات والنظريات بل على ادراك الجليات والبديهيات ولم يعرف مسلك بيته ولم يميز
صديقه عن عدوه ولا منافعه عن مضاره أفرأيتم ان جعل عليكم الليل سرمدا فمن يأتيكم
بضياء وانما لا يعرف الانسان قدر هذه ولا يتعجب وفى عمائه وعدم تعجبه أيضا كل العجب
لعدم تذكره ونسيانه أيامه التي فيها لم يكن شيئا مذكورا وكان كالحجارة المطروحة والمدرة المنبوذة
فتأزر بازار ملكوتي وتخلع برداء جبروتي وتسربل بسربال لاهوتي بعد ما كان في ثوب رث
خلق ناسوتى كل ذلك شيئا فشيئا ولحظة فلحظة فمن شاء ان يتذكر فليسترجع حالته التي كان معطلا
عن الحلى عريا عن الحلل فكان مدة في هاوية الهيولي والظلمات وحينا في بيداء الجمادات وبرهة في
آجام القصيات ومنبت النباتات ووقتا كالديدان في الموحلات وكباقي الجمادات ثم نال ما نال
وآل ما آل ولما كان هذا حال جميع أمثالك واخوتك وكل ما خلقت من فضالتك فلو لاحظت الكل
في السلسلة المترتبة الصعودية متوجهة إلى الغايات سالكة من البدايات طولا بلا طفرة ولا فترة لرأيت
العالم قبل نزول اجلال الحضرة الآدمية مملوة من الجان والمثل المعلقة التي في المثال الأصغر وقبلها مملوة
من الجمادات وقبلها من الديدان والحشرات وقبلها اجاما ومنابت وعرفت سر ما ورد من الاخبار
في هذا الباب أو من شاء التذكرة فليفرض نفسه نشأ في بيت مظلم لم ير أحدا ولا شيئا من العالم حتى
بلغ أشده فإذا خرج وله طينة صافية ومشاعر ذكية وقريحة سليمة وشاهد السماوات الرفيعة والكواكب
النيرة البديعة وهذه البسايط والمركبات لقضى اخر العجب بل أشرف من عجبه على العطب وتخبط عقله
أو صار مجذوبا فكل موجود وإن كان من أحقر ما يمكن يجرى على يد قدرته ما يعجز عنه غيره فله سبحانه في
كل شئ أية لا يراها الا ذو دراية ولكن كاين من أية يمرون عليها وهم عنها معرضون ألم تر
إلى النحل ومسدساته والى العنكبوت ومثلثاته وفى العناكب ما جثته بقدر النملة الصغيرة وينسج على
الأغصان وغيرها دواير محيطة بعضها على بعض ويفرز من مركزها إلى محيطها أضلاعا مثلثات متساوية
الساقات يعجز المهندس عن مثل فعله فهذا المقام أيضا تحت القاعدة الكلية التي أشار العرفاء الشامخون
213

إليها من أن الشئ إذا جاوز حده انعكس ضده فلما لم يكن في الوجود غير الآيات والمعجزات الباهرات
والكرامات البينات فقدت وغابت عن أعين هؤلاء العميان فطفقوا يطلبون المعجزة أو الكرامة
عند الدلالة على الله من الدعاة إليه قال السيد المحقق الداماد نور الله ضريحه في أواخر القبسات
وبالجملة تنافس الحكماء في الرغايب العقلية أكثر وعنايتهم بالأمور الروحانية أوفر سواء عليها أكانت في
في هذه النشأة الفانية أم في تلك النشأة الباقية ولذلك يفضلون معجزة نبينا صلى الله عليه وآله أعني القران الحكيم
والتنزيل الكريم والنور العقلي الباهر والفرقان السماوي الداهر على معجزات الأنبياء من قبل إذ المعجزة
القولية أعظم وأدوم ومحلها في العقول الصريحة أثبت وأوقع ونفوس الخواص المراجيح أطوع وقلوبهم
لها اخضع وأيضا ما من معجزة فعلية مأتى بها الا وفى أفاعيل الله تعالى قبلنا من جنسها أكبر وأبهر منها وآنق
واعجب واحكم وأتقن فخلق النار مثلا أعظم من جعلها بردا وسلاما على إبراهيم وخلق الشمس والقمر
والجليدية والحس المشترك أعظم من شق القمر في الحس المشترك ولو تدبر متدبر في خلق معدل النهار
ومنطقة البروج متقاطعين على الحدة والانفراج لا على زوايا قوائم وجعل مركز الشمس ملازما لسطح
منطقة البروج في حركتها الخاصة وما في ذلك من استلزام بدايع الصنع وغرايب التدبير واستتباع
فيوض الخيرات ورواشح البركات في افاق نظام العالم العنصري لدهشه الحيرة وطفق يخر مبهورا
في عقله مغشيا عليه في حسه وذلك أن هو الا فعل ما من أفاعيله سبحانه وصنع ما من صنايعه عز سلطانه
انتهى كلامه رفع مقامه قوله وذلك أن هو الا فعل ما من أفاعيله نعم هو كما قال ونعم ما قال فالبشر أي صنع
يذكر أو يذكر وأية أعجوبة الأعاجيب يحرر وقد قلت زعشقش سوز در هر سينه بينم
غمش را كنج هر كنجينه بينم * همه آيينه اويند ودلكش * ندانم بر كدام آيينه بينم
زبان بكام خموشى كشيم ودم نزنيم يا من له الأسماء الحسنى الاسم عند العرفاء هو حقيقة الوجود
مأخوذة بتعين من التعينات الصفاتية من كمالاته تعالى أو باعتبار تجل خاص من التجليات الإلهية فالوجود
الحقيقي مأخوذا بتعين الظاهرية بالذات والمظهرية للغير اسم النور وبتعين كونه ما به الانكشاف لذاته ولغيره
اسم العليم وبتعين كونه خيرا محضا وعشقا صرفا اسم المريد وبتعين الفياضية الذاتية للنورية عن علم ومشية
اسم القدير وبتعين الدراكية والفعالية اسم الحي وبتعين الاعراب عما في الضمير المخفي والمكنون الغيبي اسم المتكلم
وهكذا وكذا مأخوذا بتجل خاص على مهية خاصة بحيث يكون كالحصة التي هي الكلى المضاف إلى خصوصية
214

يكون الإضافة بما هي إضافة وعلى سبيل التقييد لا على سبيل كونها قيدا داخلة والمضاف إليه خارجا
لكن هذه بحسب المفهوم والتجلي بحسب الوجود اسم خاص فنفس الوجود الذي لم يلحظ معه تعين ما بل بنحو اللا تعين
البحت هو المسمى والوجود بشرط التعين هو الاسم ونفس التعين هو الصفة والمأخوذ بجميع التعينات
الكمالية اللايقة به المستتبعة للوازمها من الأعيان الثابتة الموجودة بوجود الأسماء كالأسماء بوجود المسمى
هو مقام الأسماء والصفات الذي يقال له في عرفهم المرتبة الواحدية كما يقال للموجود الذي هو اللا تعين
البحت المرتبة الأحدية والمراد من اللا تعين عدم ملاحظة التعين الوصفي واما بحسب الوجود والهوية
فهو عين التشخص والتعين والمتشخص بذاته والمتعين بنفسه وهذه الألفاظ ومفاهيمها مثل الحي العليم المريد
القدير المتكلم السميع البصير وغيرها أسماء الأسماء إذا عرفت هذا عرفت ان النزاع المشهور المذكور
في تفسير البيضاوي وغيره من أن الاسم عين المسمى أو غيره مغزاه ماذا فان الاسم علمت أنه عين ذلك
الوجود الذي هو المسمى وغيره باعتبار التعين واللا تعين والصفة أيضا وجودا ومصداقا عين الذات
ومفهوما غيره فظهر ان بيانهم في تحرير محل النزاع غير محرر بل لم يأتوا ببيان حتى أن شيخنا البهائي أعلى الله
مقامه قال في حاشيته على ذلك التفسير قد تحير تحارير الفضلاء في تحرير محل البحث على نحو يكون حريا
بهذا التشاجر حتى قال الامام في التفسير الكبير ان هذا البحث يجرى مجرى العبث وفى كلام المؤلف ايماء
إلى هذا أيضا انتهى كلامه رفع مقامه وانا أقول لو تنزلنا عما حررنا على مذاق العرفاء الشامخين نقول
يجرى النزاع في اللفظ بل في النقش إذ كما مر لكل شئ وجود عيني وذهني ولفظي وكتبي والكل وجوداته واطواره
وعلاقتها معه إما طبيعية أو وضعية فكما ان وجوده الذهني وجوده كذلك وجوده اللفظي والكتبي إذا جعلا
عنوانين له آلتين للحاظه فان وجه الشئ هو الشئ بوجه وظهور الشئ هو هو فإذا سمع لفظ السماء مثلا أو نظر
إلى نقشه يستغرق في وجوده الذهني الذي هو اربط واعلق به ولا يلتفت إلى أنه كيف مسموع أو مبصر
بل جوهر بجوهريته وظهور من ظهوراته وطور من أطواره ومن ثم لا يمس نقش الجلالة بلا طهارة ويترتب
على تعويذه وتعويذ أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام الآثار ومن ههنا قيل دايم بروى دست ودعا جلوه ميكنى
هركز نديده است كسى نقش پاى تو ثم إنه يمكن ان يراد بالأسماء الحسنى في هذا الاسم الشريف الأئمة
الاطهار كما ورد عنهم نحن الأسماء الحسنى الذين لا يقبل الله عملا الا بمعرفتنا وفى كلام
أمير المؤمنين علي (ع) انا الأسماء الحسنى قال الاسم من السمة وهي العلامة ولا شك انهم علايمه العظمى
215

وآياته الكبرى كما قال النبي صلى الله عليه وآله من رآني فقد رأى الحق ولان مقام الأسماء والصفات مقامهم (ع)
وحق معرفته حاصل لهم والتحقق بأسمائه والتخلق باخلاقه حقهم فهم المرحومون برحمته الصفتية والمستفيضون
بفيضه الأقدس كما أنهم مرحومون برحمته الفعلية والفيض المقدس واما معرفة كنه المسمى والمرتبة الأحدية
فهى مما استأثرها الله لنفسه يا من له الحكم والقضا يا من له الهوا والفضاء التخصيص بالهواء
لان الهواء مع كونه معتبرا في قوام بدن الانسان وساير الحيوانات ادخل في بقائها لان المتعلق الأول
للنفس هو الروح البخاري الذي في هذا الإهاب الذي هو كالقشر الصاين له والهواء وان لم يكن غذاء
لهذا الروح كما توهم لبساطته غذاؤه البخار المركب من الأجزاء اللطيفة من الاخلاط الأربعة لكنه محتاج
إليه في ترويح ذلك الروح بجذبه ولذلك فالقلب الصنوبري والشرايين والرية والصدر دائمة الحركة
ما دام ذات الموضوع موجودة بحركات الانبساط والانقباض نبضا وتنفسا وهي بإزاء الحركة الدائمة
الوضعية الفلكية في الانسان الكبير إما حركة القلب فلا خلاف ولا خفاء في أنها مؤلفة من انبساط
وانقباض واما الحركة النبضية التي للشرايين فهل هي مؤلفة من ارتفاع وانخفاظ فقط أي من
غير اتساع وضيق أولا تكون كذلك بل مع اتساع وضيق وهل هي تابعة لحركة القلب أو لا بل على
سبيل الاستقلال لقوة فيها ثم تلك القوة هل هي القوة الحيوانية متحدة بالنوع أو بالشخص مع
القوة الحيوانية المحركة للقلب أو متباينة لها أو هي القوة الطبيعية التي للشريان أي المحرك له طبيعته
أو تلك القوة جاذبة غذاء الروح ودافعة فضله بلا قوة أخرى قائمة بالشريان حيوانية أو طبيعية
إذ الروح بنفسه يفعل ذلك الفعل واما على المتابعة لحركة القلب فاما على سبيل المد والجزر حتى يكون
انبساط الشرايين بانقباض القلب وانقباضها بانبساطه لأنه إذا انبسط القلب توجه الروح إليه
من الشرايين فينقبض الشرايين وإذا انقبض القلب انبسط ما فيه من الروح إلى الشرايين فانبسطت
هي واما على سبيل الفرعية واللزوم كما يلزم من حركة الشجرة حركة فروعها حتى يكون انبساطها بانبساط
القلب وانقباضها بانقباضه فاختلف الأطباء فيه على ستته مذاهب أحدها انها على سبيل
التوتير أي بطريق الصعود والنزول من غير انبساط وانقباض وثانيها انه بتحريك القوة الحيوانية
المتفقة مع القوة الحيوانية القائمة بالقلب أو المختلفة معها وثالثها انها بتحريك القوة الطبيعية
ورابعها انها بتحريك جاذبة الروح ودافعته وخاسها انها بطريق التحريك الشئ ما يتفرع عنه
216

وسادسها انها على طريق المد والجزر والحركة في هذه الأقوال الخمسة انبساطية وانقباضية واما حركتا
الصدر والرية ففيهما أيضا خلاف بينهم فمنهم من قال إنهما متحركان من ذاتيهما بمعنى ان انبساط أحدهما
وانقباضه مع انبساط الأخر وانقباضه لا به ومنهم من قال إن حركة الرية تابعة لحركة الصدر ومنهم
من عكس ومنهم من قال إنهما متحركان على سبيل المد والجزر بمعنى ان الصدر عندما ينبسط ينقبض الرية
وبالعكس وربما يقول بعضهم ان الرية ساكنة والصدر متحرك لان الصدر عند انبساطة يجذب
الهواء ويملا تجويفه ثم عند انقباضه يخرج ما يسخن من الهواء إلى خارج والرية في نفسها إسفنجية متخلخلة
الجوهر لا يمنع الهوا من الدخول والخروج فهو يداخلها ويصلح مزاجها ثم يخرج عند انقباض الصدور الرية
ساكنة وربما يقول اخر ان الرية متحركة والصدر ساكن وجرحها وتعديل الصواب منها يطلب من موضعه
ثم إن حركة القلب وحركة الصدر والرية ليستا على نهج واحد بل الثانية ابطأ قالوا إن القلب إذا تحرك
خمس مرات تحركت الرية والصدر مرة واحدة هذا تنفس الانسان على المجرى الطبيعي إما لو تكلف حصر النفس
فقد يمكنه تأخير حركة نفسه بمقدار ما يتحرك القلب عشرين مرة والمراد بالفضاء البعد المجرد الموجود الذي
هو المكان عند الاشراقيين يا من له العرش والثرى العرش قد يطلق ويراد به علمه المحيط
وقد يطلق ويراد به به الفيض المقدس وقد يطلق ويراد به عالم العقل وقد يطلق ويراد به الفلك الأطلس
وما سوى الأول هنا انسب بقرينة لام التمليك ومقابلته مع الثرى والثرى التراب والكثرة مأخوذة
في هذه المادة ومنه المثرى لكثير المال والثريا للنجم لكثرة كواكبه فكأنه قيل يا من له عالما الوحدة والكثرة
ونشأتا المعنى والصورة أي في كل منهما تجليه وظهوره يا من له السماوات العلى سبحانك الخ
اللهم إني أسئلك باسمك يا عفو يا غفور يا صبور يا شكور أي كثير الشكر
والشكر من الله تعالى المجازاة ومنه شكر الله سعيه يا رؤوف يا عطوف يا مسؤول يا ودود
إما فعول بمعنى المفعول أي محبوب لأوليائه أو بمعنى الفاعل أي محب لعباده الصالحين قال تعالى
يحبهم ويحبونه يا سبوح يا قدوس سبحانك الخ بضم اولهما ويفتح على الندرة كما في القاموس
وهما من الصفات التنزيهية والسلبية معنا هما المنزه عن النقايص والمجرد عن المواد حتى عن المهية
كما شرحناه في اسم ذي القدس والسبحان والصفات السلبية أعم من أن يوضع بازائها لفظ بسيط
أم لا كما في بعض سلوبنا الذي وضع لفظ بازائه مثل الأمية لعدم تعلم العلم والكتابة والعمى لعدم البصر
217

وغير هما يا من في السماء عظمته من حيث عظمة مقداره فان الشمس التي يتراءى من بعد بقدر
اترجه إذا كانت اضعاف كرة الأرض كما بين في علم الهيئة فما ظنك بمقدار فلكه ثم بالافلاك
المحيطة بفلكه ثم بمقدار ثخن الفلك الأعظم الذي قالوا لا سبيل للبشر إلى استخراجه وتعرفه وتعرف
بعد محدبه من مركز الأرض فلا يعلمه الا صانعه العزيز العليم ومن حيث ديمومة وجوده في مقابلة الفساد
إلى شئ الممتنع عليه وان وجب عليه الفناء المحض والطمس البحت ومن حيث فعاليته وحركته في مقابلة
انقطاع فيض الفياض المطلق وان وجب عليه الحدوث والتجدد جوهرا وذاتا من حيث هيولاه
وصورته وطبيعته السيالة الهوية وعرضا وصفة بنعت تجدد الأمثال ومن حيث عدم اتصافه
بالتضاد الموجب لتفاسد بعض ببعض ومن حيث كثرة انواره التي لا يطفأ الا بسطوع نور الله الواحد
القهار ومن حيث كثرة ملائكته التي قال فيها النبي (ص) أطت السماء وحق لها ان تأط ما فيها
موضع قدم الا وفيها ملك راكع أو ساجد ومن حيث مؤثريته فيما دونه وتكون فيوضات
لا نهاية لها ومن حيث سرعة حركته ولا سيما حركة الفلك الأقصى إذ قالوا إنه بمقدار ما يقول أحد واحد
يتحرك ألفا وسبعمائة وثلثين فرسخا من مقعره أو الفين وأربعمائة فرسخ من مقعره على الخلاف والله أعلم
بما يتحرك محدبه يا من في الأرض آياته يا من في كل شئ دلائله الدلائل بصيغة الجمع تدل
على أن في كل شئ دلالة عليه تعالى من وجوه عديدة كما أن امكانه الذي في مهيته ووجوده يدل على وجود صانعه
وكونه محتاجا إليه له وكونه مبقيا ومديما له واحكامه واتقانه ومنافعه ومصالحه تدل على علمه وحكمته وعنايته
به وهكذا أوان امكانه يدل على وجوب مبدئه وفقره يدل على غناه وعجزه على قدرته وجهله على علمه وحدوثه
على قدمه وهكذا إذ يجب ان يثبت للمبدء أشرف طرفي النقيض أو الضد أو نقول لما ثبت ان
حقيقة الحياة والعلم والإرادة والقدرة وغيرها يرجع إلى الوجود وهي في كل بحسبه كانت حياة كل شئ وعلمه وارادته
وقدرته ووحدته وغيرها من صفاته التي هي عين وجوده بحسبه دلايل على صفات مبدئه كما انها حيث ترى
منفكة في أشياء متعددة أو في شئ واحد ولكن مجتمعة دلايله ولكن في الأول دليل واحد في عين وحدته
دلايل كثيرة في عين كثرته فعلم الشئ بذاته وبغيره من صقع علمه تعالى بذاته وبغيره وإرادة الشئ ومحبته بذاته
وبغيره من صقع عشقه بذاته ومحبته لاثاره بما هي اثار وقدرته من صقع قدرته ووحدته وانه ليس له
شبيه ولا يساويه شئ من جميع الوجوه حتى لا يؤدى إلى رفع الاثنينية كانسانين لا يتساويان
218

من جميع الوجوه بحسب الظاهر والجسد وكذا بحسب الباطن والنفس لأن الظاهر عنوان الباطن ولذا كل
يحب الفردانية لنفسه بل لا تجد اثرين متساويين من جميع الوجوه لانسانين كصوتهما وخطوطهما فلكل
من الاثرين خصوصية ليست للاخر فإن لم يتفطن بالخصوصية فذلك لعدم المراقبة التامة كشاتين متشابهتين
بالنسبة إلى الناظر إليهما اجمالا واما بالنسبة إلى الراعي المزاول فلا مظهر لوحدة من ليس كمثله شئ ومن صقعه
يا من في البحار عجايبه يا من في الجبال خزائنه باعتبار تكون المعادن فيها لحبس الأبخرة
والأدخنة الصابغة للأرض والمحيلة لها فيها واختلاطها على ضروب مختلفة بحسب الكم والكيف وبحسب
الأمكنة وفصول السنة فان غلب البخار على الدخان تولد منها الجواهر الغير المتطرقة كالياقوت والبلور
ونحو هما وان غلب الدخان على البخار تولد مثل الملح والزاج والكبريت والنوشادر ثم يتولد من اختلاط
بعض هذه وهو الزبيق مع بعض وهو الكبريت الأجسام السبعة المتطرقة مثل الذهب والفضة ونحو هما
أو تتولد من اعتدال البخار والدخان تقريبا يا من يبدأ الخلق ثم يعيده بان يبتدى من العقل
إلى الهيولي ثم يعود منها إلى العقل يا من إليه يرجع الامر كله بفناء أفعالها في فعله كما هو
مفاد الكلمة العلية العظيمة أعني لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وفناء صفاتها في صفاته كما
هو مفاد الكلمة الطيبة التوحيدية أعني لا إله إلا الله وفناء ذواتها وهوياتها في ذاته وهويته كما هو
مفاد كلمة التوحيد الخاصي أعني لا هو الا هو ولو وصل الذاكر السالك من مقام التعلق بهذه الاذكار
الثلاثة إلى مقام التخلق بل التحقق بها لعاين المحو والطمس والمحق بحسب سلوكه قبل موته موتوا قبل ان تموتوا
يا من أظهر في كل شئ لطفه أي أظهر في كل شئ لطايف صنعه ودقايق حكمته يا من أحسن كل شئ
خلقه بالنصب بدل من مفعول أحسن ويمكن على القواعد العربية ان يقرء خلقه فعلا ماضيا لكن لعله
لم يثبت بكذا وأيضا الأول أوفق بالآية الشريفة ربنا الذي اعطى كل شئ خلقه ثم هدى يا من
تصرف في الخلائق قدرته سبحانك الخ يا حبيب من لا حبيب له يا طبيب
من لا طبيب له يا مجيب من لا مجيب له يا شفيق من لا شفيق له يا رفيق
من لا رفيق له يا مغيث من لا مغيث له يا دليل من لا دليل له يا أنيس من
لا أنيس له يا راحم من لا راحم له يا صاحب من لا صاحب له سبحانك الخ
الحبيب هنا يمكن ان يكون بمعنى الفاعل وبمعنى المفعول ثم إن كونه تعالى حبيبا لمن لا حبيب له وهكذا الاجل
219

انه ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه والمستعطي لا بد ان يكون خاليا صفر الكف حتى يعطى بل
كل قابل هذا شرطه يا كافي من استكفاه يا هادي من استهداه يا كالي من استكلاه
يا راعى من استرعاه يا شافي من استشفاه يا قاضى من استقضاه يا مغنى من
استغناه يا موفى من استوفاه يا مقوى من استقواه يا ولي من استولاه
سبحانك الخ كل ذلك بشرط ان يوافق في الطلب لسان مقاله مع لسان حاله والا فلا عبرة
بمجرد لقلقة اللسان وقد مر سابقا فلا تتوهم انه كثيرا ما يستهدى ولا يحصل الهداية اللهم إني
أسئلك بسمك يا خالق أصل الخلق بحسب اللغة التقدير فهو تعالى خالق باعتبار انه يوجد
الأشياء على وفق التقدير والتقدير إما الهندسة والذكر الأول كما مر في اسمه تعالى ذا الفضل والقضاء
واما قدره الذي هو علمه بالجزئيات هذا بحسب اللغة واما بحسب الاصطلاح فالخالق معناه موجد
عالم الخلق والكاينات كما أنه باعتبار ايجاده العقول مبدع وباعتبار ايجاده السماوات مخترع
يا رازق يا ناطق يا صادق يا فالق فلقه أي شقه وهو تعالى فالق الحب والنوى باخراج الأغصان
والأوراق والأزهار منها وفالق كل مادة باخراج الصور منها بل فالق ظلمة العدم بنور الوجود كما هو
فالق ظلمة الليل بنور الاصباح يا فارق بين الحق والباطل وفارق كل أمر في ليلة القدر قال تعالى
حم والكتاب المبين انا أنزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم
أمرا من عندنا انا كنا مرسلين وقال كثير من المفسرين فيها يفرق كل أمر حكيم ان في هذه الليلة
يقضى كل أمر محكم لا تلحقه الزيادة والنقصان فيقسم الآجال والأرزاق وغيرها من أمور السنة إلى مثلها
من العام القابل أقول لم اطلع على نكتة التعبير عن يقضى بكلمة يفرق في كلامهم ولعل النكتة بحسب
ظاهر التفسير ان التقدير يلزمه التفريق والتوزيع لكل حق على ذي حق وبحسب الباطن ان هذا العالم
دار الاختلاط والامتزاج فان الأنواع المختلفة مختلطة وافراد النوع الواحد مفترقة بخلاف نشاة العلم
والتجرد الا ترى ان في عالم علمنا يعقل كل نوع تاما وممتازا عن حقيقة نوع اخر مجردا عما يخالطه
في المواد من الاعراض الغريبة فالبياض والسطح والشكل وغيرها كل منها في الخارج مختلط مع الأخر ومع
الموضوع لا تحقق لها بدون الموضوع ولا للموضوع بدون العوارض المشخصة المكتنفة به واما في العلم فيحصل
كل منها تاما مفترقا عما سوى ذاتياته حتى عن الموضوع بحيث يكون جامعا لكل ما هو من سنخه فكأنه كل افراد
220

نوعه الغير المتناهية في وحدته وهذا سر ما يقال إن كل حرف في اللوح أعظم من جبل قاف وإذا كان
هذا هكذا في علمنا وليس لنفوسنا الا التجرد الضعيف فكيف يكون في علم بارئنا وله من التجرد أعلاه ومن
العلم أسناه والمراد علمه الفعلي القضائي فكل أمر في قضائه الذي لا يرد ولا يبدل مفصول مبان عما هو
من غرايبه مجرد عما هو من أجانبه وإذا بلغ الكلام إلى التأويل فنقول قد حمل في التأويلات ليلة القدر
على السلسلة النزولية والامر على المجردات كما في قوله تعالى الا له الخلق والامر وقوله تعالى قل الروح من
أمر ربي فبالحقيقة كل أمر عبارة عن كل فرد جبروتي ابداعى جامع لجميع افراده الناسوتية مع جميع
أحوالها وهو الصورة العلمية القضائية التفصيلية والحكيم بمعناه إذ كل مجرد عاقل كما تقرر في محله ولو
نزلنا عنه فهو من الاسناد المجازى من قبيل الكتاب الحكيم والأسلوب الحكيم أي حكيم صاحبه كما قالوا
في علم المعاني يا فاتق يا راتق الرتق والفتق ضدان وهو تعالى راتق باعتبار ابداع عالم العقل
الذي هو عالم الجمع والوحدة وفاتق باعتبار تكوين عالم الأجسام الذي هو عالم الفرق والكثرة
قال تعالى ان السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقنا هما وكما كانتا رتقا في الأول تصير ان رتقا
في الأخر يوم نطوى السماء كطي السجل للكتب والأرض جميعا قبضته يوم القيمة يا سابق
يا سامق سبحانك الخ سمق سموقا علاء يا من يقلب الليل والنهار يا من جعل الظلمات
والأنوار أي المهيات والوجودات لكن الأولى مجعولة بالعرض والثانية بالذات يا من خلق
الظل والحرور يا من سخر الشمس والقمر يا من قدر الخير والسر في لفظ قدر
إشارة إلى أن الشر في القدر العيني لا في القضا لان القضا عالم نصالح الأضداد برئ عن الشرور
مصون عن التفاسد الذي هو منبعها بل لا شر في عالم السماوات إذ لا تضاد هناك فلا تفاسد
فلا شر انما هو في عالم الكون والفساد وذلك في افراد نادرة في أوقات قليلة مع أنه عدمي يختلف
بالإضافة أيضا ولذلك كان تقدير الشر بالعرض وفى الاسم الشريف حيث جعل فيه الخير والشر
كلاهما بتقدير الله وإن كان أحدهما بالذات والاخر بالعرض رد على الثنوية بل القدرية الجاعلين
لكل منهما جاعلا علي حده فوقعوا في الشرك الجلي أو الخفى لشبهة مشهورة صعبة الانحلال عند
هؤلاء الثنوية وهي انا نرى شرورا في هذا العالم كالعيوب والنقصانات خلقة أو طريانا والبلايا كالقحط
والغلا والسموم والوباء وتسليط الظالم على المظلوم والسباع على الحيوان الضعيف المحروم فاما
221

ان لا يكون لهذه الأمور مبدء فاعلي فهو ظاهر البطلان وكيف يكون ممكن بلا فاعل واما ان يكون
لها فاعل ففاعلها لا يكون ذلك الفاعل الخير الذي هو مصدر الخير والجود كيف والحكيم لا يجوز
صدور أمرين متماثلين على سبيل التكافؤ عن الواحد فكيف يجوز صدور الضدين عنه وهل
يكون النور منشأ الظلمة والعلم مصدر الجهل البسيط والقدرة منشأ العجز فيكون موجود شرير
هو الاهر من أو الظلمة والانسان إذا كان فاعلا مستقلا في خلق الأعمال كما يقول به القدرية
كان من هذا القبيل والحكماء الإلهيون أجابوا بان الوجود خير والعدم شر وبالعكس وحكموا ببداهة
هذا ونبهوا بأمثلة مسطورة في الكتب ومع ذلك فقد ذكر العلامة الشيرازي س في شرح حكمة الاشراق
الدليل على أن الشر لا ذات له بل هو إما عدم ذات أو عدم كمال ذات بأنه لو كان وجوديا
لكان إما شرا لنفسه أو شرا لغيره لا جايز ان يكون شرا لنفسه والألم يوجد لان وجود الشئ لا يقتضى
عدم نفسه أو كماله ولو اقتضى الشئ عدم بعض ما له من الكمالات لكان الشر هو ذلك العدم
لا نفسه ثم كيف يكون الشئ مقتضيا لعدم كمالاته مع كون جميع الموجودات طالبة لكمالاتها
ولا جايز أيضا ان يكون شرا لغيره لان كونه شرا لغيره إما ان يكون لأنه يعدم ذلك الغير
أو يعدم بعض كمالاته أو لأنه لا يعدم شيئا فعلى الأولين ليس الشر الا عدم ذلك الشئ أو عدم
كماله لا نفس الامر الوجودي المعدم وعلى الأخير لم يكن شرا لما فرض انه شر له فان العلم الضروري
حاصل بان كلما لا يوجب عدم شئ أو عدم كمال له فإنه لا يكون شرا لذلك الشئ لعدم تضرره به
وإذا لم يكن الشر الذي فرض أمرا وجوديا شرا لنفسه ولا لغيره لم يكن شرا وما يلزم من وجوده رفعه
فليس بموجود فظهر ان الشر إما عدم ذات أو عدم كمال لذات انتهى فإذا كان الشر عد ما فلا
يستدعى مبدء موجودا فبطل قول الثنوية بمبدأين موجودين أحدهما للخيرات والاخر
للشرور وأجاب المعلم الأول وقد تفاخر به بان الشئ بحسب احتمال العقل على خمسة أقسام
خير محض وشر محض وما خيره غالب على شره وما شره غالب على خيره وما يتساوى طرفاه
وظاهر ان الشر المحض ليس بموجود واما ما يتساوى خيره وشره فلو كان موجودا عن الحكيم
لزم الترجيح بلا مرجح وكذا ما شره غالب لو كان موجودا عنه لزم ترجيح المرجوح فبقى ان ما
وجد عنه إما الخير المحض واما الخير الغالب إما الأول فكالعقول إذ لا حالة منتظرة لها
222

ويتلوها النفوس السماوية لأنها وإن كانت أولات حالات منتظرة الا انها مستكفية بذاتها ومقوم
ذاتها غير ممنوعة عن كمالاتها ومثلها العقول بالفعل الحاصلة في سلسلة الصعود بإزاء العقول
التي في سلسلة النزول فهى خاتمة الكتاب التكويني كما أن تلك فاتحته بل الخاتمة بوجه عين
الفاتحة فعقول الأنبياء والأولياء وعقول الكمل بما هي عقول من هذا القسم بل الأجسام السماوية
من هذا القسم لعدم التضاد والتفاسد فيها وعدم جواز القسر عليها فلا شرية بمعنى فقد الذات
أو فقد كمال الذات وان اطلق الشرية عليها أو على غيرها فليس بالمعنى المتعارف بل بمعنى النقص
والقصور الذاتيين لكل وجود معلول بالنسبة إلى علته واما الثاني فكالموجودات الكاينة
التي يعرض لها في عالم التضاد والتزاحم ودار القسر افساد أو منع عن بلوغ الكمال فهذا أيضا بحسب
وجوده من ذلك المبدء الذي هو فاعل الخيرات لان ترك ايجاده لأجل شره القليل ترك
لخير كثير وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير فالنار مثلا كمالها الاحراق وفيها منافع جمة
فان الأنواع الكثيرة لا يمكن وجودها حدوثا وبقاء بدونها وكمالاتها الأولية والثانوية منوطة بها وقد
يعرض انها تحرق ثوب سعيد فالعناية الإلهية لا يمكن ان يترك تلك الخيرات الكثيرة لأجل ذلك
الشر القليل مع أنه لو قيس مقدار استضرار ذلك السعيد بالنار إلى مقدار انتفاعه طول عمره بها
لم يكن بينهما نسبة يعتد بها فكيف إذا قيس إلى جميع المنتفعين بها ولا يختلج باوهام الناس أقل خيرا
من الكافر وهو أيضا لا نسبة لخيراته إلى شروره إما كونه خيرا ذاتيا بما هو وجود وموجود فلا كلام على القواعد
الحكمية واما كونه خيرا اضافيا فاما بالإضافة إلى علته وذلك أن كل معلول ملايم لعلته واما بالإضافة
إلى ما في عرضه وذلك لا تعد ولا تحصى وأقلها ان الأشياء تعرف بمقابلاتها والتفصيل موكول إلى
فطانته من ينظر بنظر الاعتبار ولا يستعمل القياسات الخطابية في هذا المقام ونعم ما نظم بالفارسية
احمقى ديد كافر قتال * كردار خير أو زپير سؤال * كفت باشد در آن دو خير نهان
كه نبي وولى ندارد آن * قاتلش غازي است در ره دين * باز مقتول أو شهيد كزين
ثم إن هذا الشر القليل مجعول بالعرض ومعنى قولهم إن الشر مجعول ومقضى أو مقدر بالعرض شيئان
أحدهما ان الشر عدم فلا جعل له بالذات كما أن اعدام الملكات مجعولة بالعرض لملكاتها
والإنتزاعيات جعلها بمعنى جعل منشأ انتزاعها إذ ليس لانفسها ما يحاذيها حتى يستدعى
223

جعلا بالذات وثانيهما ان النار التي هي موجود من الموجودات ويقال انها شر مجعولة بالعرض
بما هي شر وشرير بمعنى ان الجاعل جعلها بما هي خير ولأجل الانتفاع بها لا لأجل ان يحرق
ثوب السعيد مثلا لكن كونها بحيث إذا يماس بدن حيوان يؤذيه لازم لوجودها وكونها يحبث
يترتب عليها كمالاتها وخيراتها اللايقة بها واللازم مستند إلى نفس الملزوم بالذات والى جاعل
الملزوم بالعرض إذا عرفت هذا فاعلم انك ربما تسمعهم يقولون إن إبليس مجعول بالعرض
وفى العقل والجهل ان الجهل وجنوده أو الوهم مجعول بالعرض وهكذا غيرها من الصور القهرية فإبليس
والجهل باعتبار حقيقتهما مجعول بالعرض بالمعنى الأول وباعتبار رقيقتهما بالمعنى الثاني والسر فيه ان
في العقل ومظاهره الظاهر أقوى وأظهر من المظهر لكونه من الحاشية العليا للموجودات وفى الجهل
ومظاهره المظهر أقوى من الظاهر والرقيقة أظهر من الحقيقة لان تلك الحقيقة من الحاشية السفلى
للموجودات وهكذا الوهم ولا سيما ان لم تجعل قوة متأصلة كما قيل فالوهم جعل لا بداء الخوف
والهزم لك لئلا تقع في المهالك قبل بلوغك إلى الكمال لا لان تخاف من فقد ما تكفل الله
من أمورك مثلا ولا بداء المحبة لما يقربك وتحميه من حماك وحريمك لئلا يهمل امرهم بل أمر العالم
لا لتزيين الا ما في الكاذبة والغايات الوهمية الداثرة ثم إن ما ذكرناه من التقسيم إلى الأشياء الخمسة
غير مخصصين بالخير والشر الإضافيين هو المشهور في كتب القوم والسيد المحقق الداماد نور الله ضريحه
خصصه بالإضافيين فقال في القبسات فاذن قد استتب ان الشر في مهيته عدم وجود أو عدم كمال ما
لموجود من حيث إن ذلك العدم غير لايق به في نفس الامر أو غير مؤثر عنده وان الموجودات لست
من حيث هي موجودات ولا من حيث هي اجزاء نظام الوجود بشرور أصلا انما يصح ان يدخل
في الشرية بالعرض إذا قيست إلى خصوصيات الأشياء العادمة لكمالاتها من حيث هي مؤدية إلى
تلك الاعدام فاذن انما شرور العالم أمور اضافية مقيسة إلى آحاد اشخاص معينة بحسب لحاظ خصوصياتها
مفصولة عن النظام الواحد في المتسق الملتئم من الأشياء جميعها واما في حد أنفسها وبالقياس إلى
الكل فلا شر أصلا فلو ان أحدا أحاط بجملة نظام الوجود ولاحظ جميع الأسباب المتأدية إلى المسببات
على الترتيب النازل من مبدء الكل طولا وعرضا رأى كل شئ على الوجه الذي ينبغي للوجود والكمال
الذي يبتغيه النظام فلم ير في الوجود شرا على الحقيقة بوجه من الوجوه أصلا فليعلم وميض فإذا اعتبرت
224

الشرية الإضافية بالعرض بحسب القياس إلى شخصيات الآحاد لخصوصياتها فاعلمن ان الأشياء
بحسب اعتبار وجود الشر بالعرض وعدمه ينقسم بالقسمة العقلية إلى أمور تبرء وجودها من كل جهة عن
استيجاب الشر والخلل والفساد مطلقا وأمور لا يتعرى وجودها عن ذلك رأسا ولا يمكن ان توجد
تامة الكمال المبتغاة منها الا ويلزمها ان يكون في الوجود بحيث يعرض منها شر ما بالقياس إلى بعض
الأشياء عند ازدحامات الحركات ومصادمات المتحركات ومصاكاتها وأمور شرية على الاطلاق
يكون شريتها بالعرض في الوجود بالقياس إلى كل شئ يستضر بوجودها أي شئ كان ولا ينتفع به شئ من الأشياء
أصلا وانما خيريتها بحسب وجودها في أنفسها لا بالإضافة إلى شئ مما في نظام الكل غيرها ثم بعد ما قسم القسم
الثاني إلى ما يغلب فيه الشرية الإضافية وما يتساوى وما يقل ويندر وفرع ان الأول موجود كالعقول
حيث لا يزاحم موجودا ما من الموجودات ولا يستضر بوجودها شئ من الأشياء أصلا وكذا ما يغلب
خيريته على شريته كالنار وأمثالها واما الثلاثة الباقية فهى جميعا من أقسام الشرور يمتنع صدورها عن الخير
بالذات الفياض بالعناية الفعال بالحكمة التامة قال فاذن قد تلخص ان الشر الحقيقي بالذات هو عدم
الكمال المبتغى ولا يصح استناده الا إلى عدم العلة لا غير وهذا أصل به أبطل أفلاطون الإلهي شبهة الثنوية
وان الشر بالعرض مضافا إلى بعض ما في نظام الوجود وهو الوجود المستلزم لانسلاخ موجود ما عن كماله
بالفعل شريته الطفيفة الاتفاقية بالإضافة إلى اشخاص جزئية في أويقات يسيره من لوازم خيريته
العظيمة الثابتة المستمرة بالقياس إلى نظام الكل وبالإضافة إلى أكثر ما في النظام على الاتصال والاطراد وهذا
أصل عليه فرع أرسطا طاليس المعلم دخول الشرور في القضاء الأول الإلهي بالعرض قال فكما شريته بالعرض
فكذلك شرية بالعرض مقضية بالعرض لا بالذات فالشر بالعرض يتكرر فيه بالعرض ثم قال فهذه دقيقة
أخرى في هذا الموضع حايجة إلى تدقيق للنظر ومحوجة إلى تأمل اخر أدق من التأملات المشهورية وميض
كان خاتم الحكماء المحصلين البرعة في ذهول في شرح الإشارات عن هذه الدقيقة واقتصر في تقرير
كلام الشريك على قوله بهذه العبارة وظاهر ان هذه الموجودات يكون من شأنها الإحالة والاستحالة
أو الكون والفساد وهي قليلة بالقياس إلى الكل ووقوع التقاوم المقتضى لصيرورة البعض ممنوعا عن
كمالاته أيضا منها قليل فإنه لا يقع في اجزاء العناصر وبعض المركبات وفى بعض الأوقات واما الأقسام
الثلاثة الباقية التي يكون شرا محضا أو يغلب الشر فيها أو يساوى ما ليس بشر فغير موجودة لان الوجودات
225

الحقيقية والإضافية في الموجودات أكثر من الاعدام الإضافية الحاصلة على الوجه المذكور أقول اسناد
الذهول إلى خاتم الحكماء (س) لأجل قصره الشرور على الاعدام بقرينة قوله أكثر من الاعدام الإضافية
الحاصلة على الوجه المذكور أي الاعدام المؤدى إليها الأسباب بالتقاوم لا مطلقا وح فالعدمات
كيف تدخل في القضا فإنها نفى محض وأيضا العدمات شرور بالذات لا بالعرض والسيد (س) ذكر
ان قولنا بالعرض متكرر الاعتبار ويرد عليه ان هذا شئ اعتبرتموه والمحقق الطوسي (س) لم يعتبره واما
الدخول في القضا فبأي طريق يدخل الشرور الإضافية الوجودية عندكم في القضا ولو كان قضاء عينيا
فبذلك الطريق بعينه يدخل عند المحقق الشرور العدمية فيه فان القضاء العيني عند السيد (س) وجود
الأشياء منتسبا إلى الحق الأول دفعة طولا وصرح في أول كلامه ان بهذا النظر لا شر أصلا ثم على طريقة
السيد جاز جعل المقسم هو الموجود وأشار إلى تفاوت مشرب أفلاطون وأرسطو في دفع شبهة الثنوية
ومشرب أفلاطون أعذب واحلى ان قلت كيف التوفيق بين مفاد هذا الاسم الشريف
وبين قوله تعالى بيدك الخير انك على كل شئ قدير حيث لم يتعرض لذكر الشر وما في دعاء تكبيرات
الافتتاح لبيك وسعديك والخير بيديك والشر ليس إليك حيث نفى صريحا انتساب الشر إليه
سبحانه قلت يحمل ما في الاسم الشريف على مجعوليته بالعرض والآية والدعاء على عدم المجعولية
بالذات أو يحمل الاسم على القدر كما مر لوجود الشر فيه والآية والدعاء على القضا وبعبارة أخرى الأول
بملاحظة نسبة الأشياء بعضها إلى بعض في العرض بما هي متصادمة ومتقاومة والثاني بملاحظة نسبتها
إلى مبدء الخير والكمال وانها مظاهر أسماء الجمال والجلال بل فانية فيها فما في الدعاء لا بد ان يؤخذ سالبة
بسيطة لا موجبة معدولة أو موجبة سالبة المحمول يا من خلق الموت والحياة ههنا سؤالان
أحدهما كيف تعلق الخلق بالموت وهو عدمي والعدميات تستند إلى عدم حصول العلة التامة
ولا يستدعى خلقا وخالقا وثانيهما لم قدم الموت على الحياة كما في الآية أيضا وأجيب عن الثاني
كما في المجمع بأنه إلى القهر أقرب كما قدم البنات على البنين في قوله تعالى يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن
يشاء الذكور وقيل كما فيه أيضا انما قدم لأنه أقدم فان الأشياء كانت في حكم الأموات
كالنطفة والتراب ثم عرضت الحياة انتهى أقول مراد القائل الثاني إما ان الموت أريد به خلو المادة
عن الصورة الحية في تطوراتها السابقة واما ان الموت محمول على معناه الظاهر الا ان تقدمه باعتبار
226

وجوده الشبهي كما يدل عليه قوله كانت في حكم الأموات وأجاب السيد المحقق الداماد (س) بقوله
لعل المعنى بهما الحياة الدنيا الغارة البايدة والحياة الأخروية القارة الخالدة فان هذه الحياة الظاهرية
موت بالقياس إلى تلك الحياة الحقيقية أو الموت هو الموت الظاهري والحياة هي الحياة الحقيقية
القدسية الأبدية أقول ويمكن ان يراد الموت الاختياري والحياة المترتبة عليه واما الجواب
عن الأول فقد استنبط أيضا مما ذكروا أيضا لما كان الموت عدم ملكة الحياة فله حظ من الوجود
باعتبار الموضوع القابل المتهيئ وأيضا انه مخلوق بالعرض لكونه عدميا فخلقه كجعل المهية والإنتزاعيات
الأخر ولان رفع الحياة الطارئ من لوازم تخصيص الحياة بزمان معين إذ هذا التخصيص يلزمه ان
يكون معدوما فيما بعد ذلك المعين والا لم يكن تلك الحياة موقتة وكذا فيما قبل أيضا واللازم مجعول
بالعرض لملزومه يا من له الخلق والامر أي له عالم المقارنات وعالم المفارقات انما سمى
المفارق أمرا إذ يكفى في ايجاده مجرد أمر الله تعالى بلا حاجة إلى مادة وصورة واستعداد وحركة أو لأنه حيث
لا مهية له على التحقيق فهو عين أمر الله فقط يعنى كلمة كن فلم يكن هنا يكون وهذا أحد وجوه قول بعضهم الروح
لم يخرج من كن لأنه لو خرج من كن كان عليه الذل ولما كان الامر بهذا الاصطلاح يطلق على المفارق حد نفس الامر بالعقل الفعال
عند بعض الحكماء يا من لم يتخذ صاحبة ولا ولدا حتى مثل ما في العقول بمقتضى النكاح الساري
في جميع الذراري الذي قال به العرفاء الأخيار والحكماء الكبار فان الازدواج الذي كان في المعلول
الأول من الجنس والفصل والمهية والآنية أو ما بالقوة من جهة نفس الذات وما بالفعل من تلقاء الجاعل
القيوم أو الامكان بالذات والوجوب بالغير أو الجهة الظلمانية والجهة النورانية أول نكاح وقع وكان
منشأ لسريان الازدواج في جميع ذرات الموجودات كما قال تعالى وخلقنا من كل زوجين ونعم
ما قال المغربي مجتمع كشت با وجود عدم * اجتماع قرين ببوس وعناق * چه عروسي است اينكه هستى حق
باشد أو را كه نكاح صداق * هر كه أو زين نكاح آكه شد * دو جهان را بكل بداد طلاق
وفى التوحيد حتى مثل ما في التكونات والاستحالات فان فيضان الوجود منه ليس مثل حصول
النداوة من البحر ليكون مثل التوليد بل كالفئ من الشئ والعكس من العاكس بوجه كما مر غير مرة
يا من ليس له شريك في الملك نعم الوجود الصرف الذي لا شريك له في الوجود ولا ثاني
له في الوجوب كيف يكون له شريك في الملك يا من لم يكن له ولى من الذل سبحانك الخ
227

أي لم يتخذ وليا يعاونه لمذلة فيه تعالى عن ذلك علوا كبيرا يا من يعلم مراد المريدين يا من
يعلم ضمير الصامتين يا من يسمع انين الواهنين يا من يرى بكاء الخائفين
يا من يملك حوائج السائلين يا من يقبل عذر التائبين يا من لا يصلح اعمال
المفسدين يا من لا يضيع اجر المحسنين يا من لا يبعد عن قلوب العارفين
يا أجود الأجودين سبحانك الخ اعلم أنه كما أن الأعضاء تحتاج إلى رئيس
هو القلب الصنوبري والقوى تحتاج إلى رئيسة هي النفس والقلب المعنوي كذلك الناس
يحتاجون إلى رئيس فذلك الرئيس إما ان يكون حكمه على الظاهر فقط وهو السلطان الظاهري
أو على الباطن فقط وهو العالم وعليهما جميعا وهو النبي أو من يقوم مقامه ثم العالم ان تذكر عهد
الأزل فهو العارف والعارف إن كان له مقام القدرة ومقام كن يقال له العارف المتصرف
والا فهو العارف الخبير بالحقايق والمراد بالعارفين هنا المعنى الأعم من أن يكون نبيا أو وليا
أو عارفا بالمعنى الأخص وأقل مراتب عدم البعد عن القلوب ان يكون بنحو التذكر الباطني والتوجه
القلبي لان العنوان الغير المطابق للشيئ في الواقع بما هو عنوانه ووجهه بالمواضعة نحو من ظهوراته
الأربعة فكيف إذا كان مطابقا ولذلك فالعلم بالحقايق بوجدان العنوانات المطابقة حدا ورسما
وهلية ولمية فصورة الشمس مثلا في حس الجاهل بحقيقته أو خياله التي هي بالحقيقة صورة ضوئه وشكله
ومقداره الجزئية بقدر الأترجة إذا كانت علمنا به وظهورا من ظهوراته فصورته العقلية بحده وحقيقته
وانه جسم بسيط خال عن كثيرة من صفات العناصر الكائنة الفاسدة ذات نفس مستكفية وغير
ذلك من احكامه كيف لا يكون ظهورا من ظهوراته وهذا العلم نسبته إلى العلم الأول كنسبة العلم
بزيد من بعد بعنوان انه شبح إلى العلم به بشخصه وبصفاته وهيئاته ومراياه الجزئية فضلا عن العلم الكلى
بحقيقته علما مطابقا للواقع وأعلى مراتب عدم البعد ان يكون العارف بعد ان صار عالما عقليا
مضاهيا للعالم العيني يعرض عما سوى الله تعالى ويقبل بشراشر وجوده عليه تعالى بحيث يتلاشى وجوده
تحت نور وجوده ويفنى فيه بالكلية بل يفنى عن فنائه وهذا مقام الفناء في الله والفناء عن الفناء
وهو قرة عين العارفين وغاية منى المحبين فإنه عين الحياة الأبدية والديمومة السرمدية وهناك يظهر
ان الله تبارك وتعالى هو الأول والاخر والمبدء والمعاد يا دائم البقاء بقاء سرمديا لا كبقاء
228

السيالات زمانيا إذ لا امتداد ولا تدريج ولا كم هناك إذ لا حالة منتظرة ولا كم لمقربي حضرته من
العقول النورية فضلا عن ذاته بل تلك السيالات لو لوحظت بما هي الوجود الذي هو لا جوهر
ولا عرض ولا كم ولا كيف له أو بما هي مضافة إليه تعالى وتجلياته ينقلب احكامها بغلبة احكام الوجود
والوجوب عليها ويصير تفاوت الشؤون كتفاوت أطوار شخص واحد فالتجلي الذي هو الان
بعينه التجلي الذي هو في زمان الطوفان والمراتب العرضية للانسان الكبير كمراتب الأسنان
العرضية للانسان الصغير والطولية كالطولية ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ولكن
حيث لوحظت الجهة النورانية في مراتب الانسان الكبير يرجع ذلك البقاء إلى بقاء وجه الله
المتفرد بالوحدانية والثبات لا إليها يا سامع الدعاء يا واسع العطاء وسع كرسي عطاء
سماوات الأرواح وأراضي الأشباح بل نفسهما فوايده وعوايده يا غافر الخطاء يا بديع
السماء يا حسن البلاء فان بلاء الحبيب حبيب نحمدك على بلائك كما نشكرك
على نعمائك ويمكن ان يكون المعنى حسن الاختبار يا جميل الثناء يا قديم السناء
في هذين الاسمين الشريفين جناس مضارع كما في سأبقى سأبقيهما والسنا بالقصر الضوء واما السناء
بالمد فهو الرفعة كما مر يا كثير الوفاء يا شريف الجزاء سبحانك الخ اللهم إني
أسئلك بسمك يا ستار يا غفار يا قهار قهره غلبة نوريته عنت الوجوه
للحي القيوم وشدة قهره المستفادة من صيغة المبالغة شدة غلبة نوريته كقهر نور الشمس
أنوار الكواكب الموجودة في النهار ولذلك استعمل تعالى هذا الاسم الشريف في الطامة الكبرى والتجلي
الأعظم عند القيمة الكبرى حيث قال لمن الملك اليوم لله الواحد القهار يا جبار من الجبر
بمعنى التلافي والتدارك كالجبروت فكلما يتوجه المهيات بمقتضى الليسية الذاتية إلى كتم العدم
وبقعة الامكان يتدارك ذلك ويتلافى بان يوليها إلى حاق الوجود ومنصة الوجوب فيسد خللها
ويكسوها الحلل ويجبر نقصاناتها ويبدلها إلى نعم البدل وكذا كلما يتوجه المواد إلى البوار والهلاك
من القوة الذاتية يجبرها بالانجرار إلى معمورة الفعلية الغيرية فلا يمكن عميم لطفه وسطوع نوره تطرق
البيد وبروز الظلمة في المهيات والمواد وكذا جرح قلوب عاشقيه بأنفاس متبركة يداويه يا صبار
يا بار أي محسن بعباده يا مختار ان جعل اسم الفاعل فاطلاقه عليه واضح وان جعل اسم
229

المفعول فمعناه ان الحق مؤثر ولا سيما عند أهله أو غاية كل مختار يا فتاح فتح أبواب الخيرات
على الممكنات يا نفاح ان لله في أيام دهركم نفحات الا فتعرضوا لها يا مرتاح
سبحانك الخ الارتياح الابتهاج ان جعل اسم المفعول فهو مبتهج به لأهله بل لغيرهم
وان لم يستشعروا وان جعل اسم الفاعل فهو مبتهج بذاته وبآثار ذاته بما هي اثار ذاته يا من خلقني و
سواني يا من رزقني ورباني يا من أطعمني وسقاني يا من قربني وأدناني يا من عصمني
وكفاني يا من حفظني وكلاني يا من أعزني واعناني يا من وفقني وهداني يا من
آنسني وأواني يا من أماتني وأحياني سبحانك الخ في هذه الأسماء الشريفة
يذكر الذاكر الداعي كثرة الاحسان واللطف والرأفة التي وقعت من المحسن المجمل عمت الطافه
بالنسبة إليه ويتذكرها ويعرضها على نفسه ويعدها على رؤوس الاشهاد ترغيبا للقلب على محبته واغراء
له على شد الوسط للقيام على الاتصال بخدمته والجد في طاعته فيحصيها بأنه الذي خلقني وعدلني
ورزقني عد منها انه رباني كما في دعاء أبى حمزة إلهي ربيتني في نعمك واحسانك صغيرا و
نوهت باسمي كبيرا يعنى عند طلوع شمس الحقيقة يظهر انه لم يكن في الحقيقة مرب سواه وان أثبتنا
تربية على سبيل الاعداد للغير كالافلاك والأمهات ففي النظر الظاهري وفى الحقيقة لم يكن تربيتها
الا بحوله وقوته وهذا معنى كلام المولوي در طفوليت كه بودم شيرجو * كاهوارم را كه جنبانيد أو
از كه خوردم شير غير از شير أو * كه مرا پرورد جز تدبير أو فإنه كما قال (ع) قلعت باب خيبر
بقوة ربانية وكما يكون بعض ما يرد على القلب من الخواطر ربانيا ويعرف بالثقوب والتسلط وعدم
الاندفاع كذلك يكون ما يرد على قلب الام من المحبة التي سلبت فؤادها وتحملت معها التعب
والنصب وسهر الليل ودؤب النهار من الله الرؤف العطوف الذي هو ارحم من الأب الرحيم
والام الشفيقة ولذاته التسلط والقوة بحيث لا يمكن دفعه وهكذا في الحيوانات قل كل من عند الله
والخير كله بيديه والإضافة في البيت الثاني لأدنى ملابسة كما في كوكب الخرقاء وعد أيضا
منها انه قربني وأدناني وانه آنسني وآواني والظاهر أنه ليس المراد بهذا التقريب القربات التي أشرنا
إليها سابقا بل قريب من الانس المذكور وبالجملة هذا أيضا منة عظيمة ونعمة جسيمة ولو لم يؤنسنا
ولم يرخصنا في اجراء اسمه الجليل على لساننا الكليل فأين الدرة من الذرة والبيضاء من الحرباء وأين
230

لوث الامكان من ازار كبرياء الوجوب كما أشير في الدعاء اللهم أذنت لي في دعائك
ومسألتك وقد نظمت في سالف الزمان في المناجاة برداشته أم دو دست از بهر دعا * ايشاه دو عالم بنكر سوى كدا
دادى بمن اذن ذكر نامت از لطف * ور نه تو كجا ومن بي رتبه كجا ثم عد منها انه أماتني وأحياني
فنقول بعد تذكر ما مضى من الكلام في اسم من خلق الموت والحياة انه معلوم ان الإماتة من النعم
العظيمة لأنها سبب الوصول إلى المقامات العالية والى منصة التجلي والتمكن في مقعد صدق عند
مليك مقتدر وتقدمها على الحياة لان حقيقتها التجرد والمجرد منسلخ عن الزمان مع حصولها بعد الحياة
وهذا كما أن النفس جسمانية الحدوث روحانية البقا على قول أفضل المحققين صدر المتألهين س
وروحانيتها يظهر بعد الجسمانية ولكن في عين كونها حاصلة من حيث الوجود الرابطي بعدها
مقدمة عليها من حيث ذاتها دهرا إذ المجرد بالفعل يكون قبل الجسم ومعه وبعده أو لموافقة
الأسجاع أو الإماتة والاحياء ما يحصل من الترقيات الجمادية والنباتية والحيوانية والانسانية
وغيرها ومعلوم ان كل إماتة مقدمة على كل احياء يا من يحق الحق بكلماته قال بعض العارفين
أول كلام شق اسماع الممكنات كلمة كن وهي كلمة وجودية فما ظهر العالم الا بالكلام بل العالم كله عين
أقسام الكلام بحسب مقاماته ومنازله الثمانية والعشرين في نفس الرحمن وهو فيض الوجود المنبعث
عن منبع الإفاضة والرحمة والممكنات مراتب تعينات ذلك الفيض الوجودي والجواهر العقلية
حروف عاليات وهي كلمات الله التامات التي لا تبيد ولا تنقص والجواهر الجسمانية مركبات اسمية
وفعلية قابلة للتحليل والفساد وصفاتها واعراضها اللازمة والمفارقة كالبناء والاعراب
والجميع قائمة بالنفس الرحماني الوجودي الذي يسمى بالحق المخلوق به كما أن الحروف والكلمات قائمة
بنفس المتكلم من الانسان المخلوق على صورة الرحمن بحسب منازله ومخارجه واما المنازل الثمانية
والعشرون التي هي لهذا القمر المنير أعني النفس الرحماني بإزاء مخارج الكلام اللفظي فهى كما في الجذوات
العوالم الثمانية عشر من العقل والنفس والأفلاك التسعة والأركان الأربعة والمواليد الثلاثة وعالم
المثال من الجواهر والمقولات التسع من الاعراض هذا على المشهور وبعضهم جعلوا الحروف الوجودية
الطبقات التسع عشر الجوهرية التي بعدد حروف البسملة وجعلوا المقولات التسع العرضية بإزاء
المد والتشديد والسكون والحركات الست المفردة والمزوجة أعني الحركات الاعرابية والبنائية
231

ثم إنه كما أن الجواهر العقلية التي في السلسلة النزولية كلماته التامة وإحقاق الحق واظهار جامعيته
بها كذلك الجواهر العقلية التي في السلسلة الصعودية من عقول الأنبياء والأولياء وغيرهم
من الكاملين كلماته الجامعة التامة الوجودية وكلمات العرفاء والحكماء مشحونة باطلاق الكلمة
على العقل والنفس بل كل موجود ومنها كلمات أرسطا طاليس في اثولوجيا وقال تعالى وكلمة
منه اسمه المسيح وفى أحاديث أئمتنا (ع) اطلق كثيرا عليهم الكلمة فبهم إحقاق الحق واعراب
عما في الضمير المكنون المطلق كما قال خاتمة كتاب الله التكويني وفاتحته الذي أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وآله
وسلم من رآني فقد رأى الحق وقال كتاب الله الناطق وكلامه الفايق وسره السابق
الذي كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق معرفتي بالنورانية معرفة الله وفى
الأئمة جميعا الذين هم أبواب الله جاء من عرفهم فقد عرف الله ولا يعرف اله أحد
الا بسبيل معرفتنا وغير ذلك مما لا يحصى كيف وهم المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان
يعرفه بها من عرفه ولهم مقام البيان وهم ادم الحقيقي الذي قيل فيه چو ادم را فرستاديم بيرون
جمال خويش بر صحرا نهاديم وقد قلت نيابة عن ألسنتهم * وحكاية عن ترجمتهم
اختران پرتو مشكاة دل أنور ما * دل ما مظهر كل كل همكى مظهر ما * نه همين أهل زمين را همه باب اللهيم
نه فلك در دورانند بدور سر ما * بر ما پير خرد طفل دبيرستانيست * فلسفي مقتبسي از دل دانشور ما
بازى بازوى نصريم نه چون (نهر)؟؟ بچرخ * دو جهان بيضه وفرخي بزير پر ما
يا من يقبل التوبة عن
عباده هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات يا من يحول بين المرء وقلبه
ايماء إلى كمال القرب لان قلب المرء نفسه الناطقة وهي مبدء فصله وصورته التي هي مهيته التي
هو بها ما هو وهي شيئيته ومعلوم انه لا يقتحم بين الشئ ما هو من الأجانب والأباعد عن الشئ ومن
المباينات عنه بينونة عزلة فإذا حال ودخل هو تعالى في حريم لا يمكن بوجه لغيره التخطي فيه والقدوم
عليه ظهر وانجلى انه قريب من المرء اقصى ما يتصور من مراتب القرب لا يتصور فوقه قرب فما الطف
إشاراته وما أدق تنبيهاته وهذا المعنى أتم ما يفسر به ذلك يا من لا تنفع الشفاعة الا
باذنه فيه بيان لكبرياء شانه وانه ليس يستقل أحد بان يدفع ما يريده شفاعة واستكانة
فضلا عن أن يعاوقه عنادا ومخاصمة والشفاعة كالعفو واقعة لأصحاب الكباير قبل التوبة
232

خلافا للمعتزلة حيث فسروا الشفاعة بطلب زيادة المنافع للمؤمنين المستحقين للثواب وكذا
منعوا العفو لأصحاب الكباير إلى غير ذلك من أباطيلهم والمسألة في الكتب الكلامية ثم إن حقيقة الشفاعة
بروز صور دلالات الأدلاء على الله في الدنيا بصور الشفاعات في الأخرى إذ الكل يسعدون
بدلالة شرايع الأنبياء ورشد طرايق الأئمة الهداة في الأخرى وهداية النبي الداخل أعني العقل
الذي هو الحجة البالغة أيضا بهداية روحانية النبي والوصي والولي الخارجين لان كل العقول
في تعقلاتهم يتصلون بالعقل الفعال وبروح القدس كما هو مقرر عند الحكماء قاطبة فهى كمرائي
حازت وجوهها شطر مراة كبيرة فيها كل المعقولات فيفيض على كل قسطه بحسبه وروح القدس
في جنان الصاقورة ذاق من حدائقهم الباكورة بل الشفاعة منها تكوينية سارية ولكل موجود
منها قسط بحسب دلالته على الله تعالى كالنبوة التكوينية السارية كالمعلم بالنسبة إلى الأطفال
والرجل بالنسبة إلى أهل بيته ولهذا ورد ان المؤمن يشفع أكثر من قبيلة ربيعة أو مضر
ومنه شفاعة القران لأهله وأمثال ذلك لكن لما كان دلالتها بتعريف النبوة وارشاد الولاية
في الظاهر أو في الباطن وفى الشرايع والطرايق والحقايق الفقهاء مظاهر الأنبياء والعرفاء مظاهر الأولياء
والأوصياء ومناهج الظواهر والمظاهر في الاوايل والأواخر كأنهار أكابر وأصاغر من قاموس منهج
خاتمهم صلى الله عليه وآله كما قال صلى الله عليه وآله الشريعة أقوالي والطريقة افعالي والحقيقة حالي وله السيدودة العظمى
على جميعهم كما قال انا سيد ولد ادم ولا فخر وقال أيضا ادم ومن دونه تحت لوائي يوم
القيمة ختم عليه الدلالة العظمى في الأولى والشفاعة الكبرى في الأخرى كما قال تعالى ولسوف
يعطيك ربك فترضى هذا ما عندي في هذا الموضع ان قلت كيف يتحقق الشفاعة في الأخرى
لمن يرتكب الكباير ولا دلالة ولا هداية له في الأولى قلت لا يمكن ذلك إذ له عقايد صحيحة ولو
اجمالية متلقاة من الشارع ظاهرا وباطنا وربما يكون له خصال حميدة ولا أقل من خواطر حقه
ثابتة على درجات متفاوتة وله سيما ان العبرة بأخيرة حالاته ونهاية أوقاته ولو فرض خلوه
عن جميع الوسايل وانبتات يده عن تمام الحبايل فنلتزم عدم حصول الشفاعة له لا يشفعون
الا لمن ارتضى ولهذا وقع في الدعاء اللهم قرب وسيلته وارزقنا شفاعته
والشفاعة الكبرى التي أشرنا عليها للختم صلى الله عليه وآله هي ان يشفع أمة وأمم ساير الأنبياء بل يشفع
233

جميع الأنبياء بان يستأذن من الحق تعالى لهم ان يشفعوا وفى الصافي عند قوله تعالى واتقوا يوما لا تجزي
نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون
ان في تفسير الإمام قال الصادق (ع) هذا يوم الموت فان الشفاعة والفداء لا يغنى عنه واما
في القيمة فانا وأهلنا نجزى عن شيعتنا كل جزاء لنكونن على الأعراف بين الجنة والنار
محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والطيبون من الهم فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات
فمن كان مقصرا وفى بعض شدايدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان ومقداد
وأبي ذر وعمار ونظرائهم في العصر الذي يليهم ثم في كل عصر إلى يوم القيمة فينقضون
عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما يتناول البزاة والصقور صيدها فينزفونهم
إلى الجنة زفا وانا لنبعث على آخرين من محبينا خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من
العرصات كما يلتقط الطير الحب وينقلبونهم إلى الجنان بحضرتنا وسيؤتى بالواحد
من مقصري شيعتنا في أعماله بعد ان حاز الولاية والتقية وحقوق اخوانه ويوقف
بازائه ما بين مائة واكثر من ذلك إلى مائة الف من النصاب فيقال هؤلاء فداؤك من النار
فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة وأولئك النصاب النار وذلك ما قال الله عز وجل
ربما يود الذين كفروا يعنى بالولاية لو كانوا مسلمين في الدنيا منقادين للامامة ليجعل
مخالفوهم من النار فداؤهم يا من هو اعلم بمن ضل عن سبيله يا من لا معقب
لحكمه يا من لا راد لقضائه فهو مصون عن التغير والنسخ والبداء لان علمه القضائي
مثل علمه الأزلي في عدم جواز التغير عليه بخلاف القدر إذ منه النسخ والبداء والتردد ونحوها
حتى القدر العلمي أعني نقوش النفوس الفلكية المنطبعة على وجه الجزئية لأنها متحركة كطبايعها
بالحركة الجوهرية فإذا كانت جواهر ذواتها متبدلة كانت صفاتها أيضا متبدلة ولكن على
سبيل تجدد الأمثال في كلا القبيلين يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب
فهذا معنى محوها واثباتها لا زوال صور وثبت أخرى إذ لا يجوز سنوح أمثال هذه التغيرات
في الفلكيات وقد جوز بعض من القائلين بالأدوار والأكوار المحو والاثبات بالمعنى الثاني
يا من انقاد كل شئ لامره يا من السماوات مطويات بيمينه يا من
234

يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته سبحانك الخ شبهت السماوات التي
هي أوراق كتاب التكوين في محاطيتها بالنسبة إلى محيطية الحق تعالى وسعة نوره وقاهريته
بسجل يطوى بعد نشره فان السجل إذا كان في العظمة وعدم التحديد في الغاية لا يحيط بأطرافه
ولا بحروفه الغير المتناهية من كان ضيق الوجود بل لو أمكن له الإحاطة ولو ببعضها لم يمكن الا ولاء
واما الواسع العليم فهذا السجل وحروفه مع عدم نهايتها كنقطة واحدة في مشهودية كلها دفعة
واحدة لا ان بعضها حاضر وبعضها غايب بل هذا هكذا بالنسبة إلى مقربي حضرته فان الأزمنة والزمانيات
والأمكنة والمكانيات كالان والنقطة بالنسبة إلى المبادى العالية في النزول والى العقول المستفادة
في الصعود كما ينسب إلى رأس الأولياء ورئيسهم علي (ع) انه كان يتلو تمام القران من حين وضع أحد رجليه
في ركاب إلى حين وضع الأخر في الأخر والقرآن التدويني مطابق للقران التكويني ولذا نسب
الله تعالى في كتابه المجيد الانطواء إلى يمينه سواء كان الباء ظرفية أو سببية أو آلية واليمين في
التأويلات عالم العقل كالوادي الأيمن والسر في أن هذا هكذا بالنسبة إلى المقربين ان وجود كل
واحد منهم كمراة فيها كل الصور وكل واحد مع ما فيه في صاحبه والبسيط كل الخيرات وقد ذكرنا في فصل
النور ان السالك لا بد ان يقصر نظره على نور الأنوار ومعدن الوجودات الذي هو ناظم شتاتها
وجامع متفرقاتها لينطوي في نظر شهوده ومشهوده الكل فليرجع إليه يا من جعل الأرض
مهادا يا من جعل الجبال أوتادا ربما يستشكل بعض الأوهام الظاهرية أمر وتدية
الجبل إذ لم يعلموا سره ولبه فبيانه ان الأرض لما كانت ثقيلة طالبة للمركز كانت اجزائه الثقيلة نسبتها
إلى المركز من جميع الجهات على السواء وهذا صار منشأ لسكونها في الوسط ولهذا إذا انتقل مقدار
مدرة من جانبه الشرقي إلى جانبه الغربي مثلا لزم ان يتزلزل ويتحرك تمام كرة الأرض إلى أن ينطبق
مركز ثقله على مركز العالم وان لم يدرك الحس تلك الحركة لكبرها كما على القول بحركة الأرض على
الاستدارة ولكن العقل يقطع به ولا يسكن إلى أن يعادل ويقاوم بمقدارها على خلاف
تلك الجهة فالمقاوم والمعادل الموجب لسكونها في الوسط بمنزلة المسمار فالجبال من جميع الجوانب
مقاومات ومعادلات فما أحسن التعريف الإلهي والتنبيه الرباني وسمعت ان بعض النصارى
كان يقدح به في الكلام الإلهي اللهم اقطع لسانهم كما اظلمت جنانهم يا من جعل الشمس سراجا
235

فبوضعه في محفل الكون يحصل من الخيرات ما لا يحصى وينجح المطالب ويظفر بالمأرب وهو سيد
الكواكب ثم عدم رفع كثير من الناس رؤوسهم إليه وعدم اعتبارهم به وانه كيف خير يستفيض
بفيضه من ضيائه وحره كل المركبات من أعجب العجايب فإنه لو كان رجل خير ينتفع به أهل بلدة
صار نصب أعينهم وطفقوا يذكرون شمايله ويعدون فضايله مع أن المنتفعين به قليلون وانتفاعاتهم
قليلة وفيضه عليهم في معرض الزوال بخلافه فان فيضه على الكل بنسبة واحدة وعلى سبيل اللزوم
كاستواء نسبة مبدئه ولزوم فيضه ثم مع ذلك لا يقولون ما هو ولم هو ولا يعظمون لخالقه
من هذا الباب ولا ينتقلون منه إلى نفسه ومنها إلى عقله وهو المسمى بسهرير عند حكماء الفرس
واهل الاشراق ومنه إلى مبدئه وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها
وهم عنها معرضون يا من جعل القمر نورا قد يخص في اصطلاح خاص النور بالعارض
قال تعالى جعل الشمس ضياء والقمر نورا وهما بحسب التأويل بوجه العقل والنفس وبوجه
النبي والولي فان النبي شمس محفل الوجود والإفاضة والولي يكتسب منه نور الشريعة يا من
جعل الليل لباسا يا من جعل النهار معاشا يا من على النوم سباتا
أي قطعا للأعمال والتصرفات التي في اليقظة لان السبات لغة قطع العمل للراحة ومنه يوم السبت
أي يوم قطع العمل كما في شرع موسى (ع) أو جعل النوم سباتا لا موتا على الحقيقة إذ ليس فيه اعراض
النفس بالكلية إذ لا يقعد سوى القوى الحساسة الظاهرة وبعض القوى المحركة عن شغلها كالقوى
الطبيعية والنباتية والحواس الباطنة أو جعل النوم راحة ودعة للأجساد والمعاني الثلاثة ذكرها
المفسرون في قوله تعالى وجعلنا نومكم سباتا والغرض انه لا يلزم حمل الشئ على نفسه واما بيان
كون النوم راحة ودعة فهو ان النوم حال يعرض للحيوان يقف فيه النفس عن استعمال الحواس
الظاهرة والحركات الإرادية ويلزمه رجوع الروح النفساني وانقطاعه عن الآلات إلى المبدء لا
بالكلية بل ينبعث منه شئ يسير إليها وبحسب ذلك يكون استغراق النوم وعدم استغراقه والطبيعي
منه ما يكون لغرض هو اجتماع الروح الحيواني في الباطن طلبا للدعة والراحة فان الروح البخاري
جسم لطيف سهل التحلل فلو استمرت اليقظة لتحلل بالكلية وفنى لان اليقظة انما يتم باعمال القوى
النفسانية التي هي الاحساس والتحريك الإرادي وهذه انما يتم بحركة الروح النفساني والحركة محللة
236

لجوهره وجوهره من جوهر الروح الحيواني فاحتيج إلى أن يجتمع في نفسه بمقدار ما يغتذى وينمى وينال
عوض ما تحلل منه في اليقظة لأنه إذا قطع الأعمال نقص التحلل من الروح وهو دائما في الاستمداد
فيتكثر جوهره وأيضا طلبا لهضم الغذاء فان اشتغال النفس في اليقظة بالافعال مما يمنعه عن
تكميل الهضم فاحتيج إلى أن يجتمع في نفسه ليتدارك تقصير الهضم الواقع فيها ويتبعه الروح النفساني في
الرجوع والاجتماع في الباطن وعند ذلك يجتمع الرطوبات التي يتحلل في اليقظة ويرتفع إلى الدماغ
أبخرة رطبة عذبة فيسترخى الأعصاب وينطبق بعض أجزائها على بعض ويمتنع الروح من النفوذ
فيها لذلك ولكثافة الأبخرة أيضا فان نفوذ الروح فيها كما قال جالينوس مثال نفوذ شعاع
الشمس في الهواء والماء فإنهما متى كانا صافيين لم يمتنع نفوذه فيهما ومتى حصل فيهما تكدر كالضباب
أو الدخان في الهواء وكالحماء والعكر في الماء امتنع ويختلط أيضا تلك الأبخرة بالأرواح فيغلظ
قوامها وح يعسر نفوذها في مسالكها يا من جعل السماء بناء يا من جعل الأشياء
أزواجا لان الوترية مما استأثرها لنفسه وما عداه زوج تركيبي وفسر الأزواج في الآية بالاشكال
أي كل واحد شكل الأخر وبالذكران والإناث يا من جعل النار مرصادا سبحانك الخ
أي محبسا يحبس فيه الناس أو معدة للكفار ترصد لهم خزنتها إذ المرصاد لغة المعتد لأمر على ارتقاب
الوقوع فيه اللهم إني أسئلك بسمك يا سميع يا شفيع يا رفيع يا منيع
فعيل من منع ككرم أي صار منيعا مجيدا يا سريع في الإجابة وسريع في حساب الخلايق وسريع
في تفنن التجليات وتنوع الشئونات يا بديع يا كبير يا قدير يا خبير يا مجير
اسم فاعل من اجاره سبحانك الخ ذكر خبير هنا تكرار لما مضى في فصل يا حبيب يا طبيب اه
ولعل بعض نسخ الدعاء على خلاف ما وقع إلينا يا حيا قبل كل حي يا حيا بعد كل حي
يا حي الذي ليس كمثله حي يا حي الذي لا يشاركه حي يا حي الذي لا يحتاج
إلى حي يا حي الذي يميت كل حي يا حي الذي يرزق كل حي يا حيا لم يرث الحياة
من حي يا حي الذي يحيى الموتى يا حي يا قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم
سبحانك الخ التوصيف بالموصول في بعض هذه الأسماء الشريفة للتعريف بالندا بدليل
البناء على الضم الذي هو حكم المنادى المفرد المعرفة والتوصيف بالجملة في بعضها وهو المقتضى
237

لتنكير الموصوف باعتبار ان مجموع الموصوف والصفة منادى من قبيل شبه المضاف واستعمال
بعضها بالوجه الأول وبعضها بالوجه الثاني لعدم التفاوت في الوجهين فلو استعمل يا حيا قبل
كل حي يا حي الذي قبل كل حي لجاز على القاعدة كما لو استعمل يا حي الذي ليس كمثله حي يا حيا ليس
كمثله حي وهكذا لجاز أيضا عليها وظني ان التنكير والتوصيف بالجملة أولي لأن هذه أسماء مركبة و
على التعريف والبنا تكون اسما واحدا بسيطا والمأثور هو المتبع ثم الحياة قد تطلق ويراد بها الوجود
ولذا كان أحد أسماء الوجود المطلق المنبسط هو الحياة السارية في كل شئ وبهذا الاعتبار كلما هو
موجود فهو حي فالجمادات حية وتسبيحها بهذا الاعتبار وكثيرا ما تطلق وخصوصا في عرف أهل النظر
ويراد بها ما يقتضى الدرك والفعل وأقل ما يعتبر في الدرك الشعور اللمسي وأقل ما يعتبر في الفعل الحركة
الإرادية وأعلاهما كما يكون في الواجب تعالى من العلم الحضوري بذاته على وجه يستتبع انكشاف ما عدا
ذاته على ذاته انكشافا حضوريا اجماليا في عين الكشف التفصيلي ومن القدرة التامة بل فوق التمام
التي هي عين علمه الفعلي الخالي عن الغرض الزايد على ذاته لأنه تعالى فاعل بالعناية كما عند الحكيم لا بالقصد
كما يظنه المتكلم فبهذا الاعتبار فالحيوان ولو كالخراطين وما فوقه حية والجمادات ليست حية أو ليست دراكة
فعالة ولو على سبيل أقل ما يعتبر في الدرك والفعل وهو تعالى حي بكلا المعنيين إذ له أعلى مراتب الوجود
وله أعلى مراتب العلم والقدرة كما علمت ثم إن الحياة الحقة الحقيقية ذاتية له تعالى إذ الحي إما حقيقي وهو ان
يكون نفس الحياة واما غير حقيقي وهو ان يكون شئ له الحياة فالأول كالأول تعالى والمفارقات من العقول
والنفوس حيث إن الحياة ذاتية لها والثاني كالابدان المتعلقة بها النفوس فان الحياة لو كانت
ذاتية للأجسام بما هي أجسام لكان كل جسم حيا فهى أشياء طرء عليها الحياة ولذا سموا عالم
الأجسام عالم الموت والظلمة ولكن حياة العقول والنفوس وإن كانت ذاتية لها بمعنى انها عين
ذواتها أعني وجوداتها لكن ليست عين مهياتها كنفس وجوداتها إذ المهية من حيث هي ليست الا هي
واما الحي الحق الحقيقي تعالى شانه فحيث لا مهية له غير الآنية فكما حياته عين وجوده كذلك عين
ذاته فهو قبل كل حي قبلية ذاتية هي عين حيثية البعدية ولم يرث الحياة من حي بان يكون حياته
عرضية معللة بغيره وان ورث الأرض ومن عليها باعتبار انه غاية الغايات والمالك بالاستحقاق
للوجودات والكمالات في الباديات والعايدات وفيما مضى وفيما هوات يظهر ذلك بملاحظة الأجسام
238

بل المهيات فقط وبشرط لا والحيوتات بل الوجودات كلا وطرا مرتبطات في الطول بالحي الحقيقي وآلات
لملاحظته فحينئذ يظهر بالنظر العلمي ان هذه الحيوتات من صقعه وليس مثله وثانيه حي ولا يشاركه ولا
يكافيه شئ يا من له ذكر لا ينسى يمكن ان يراد بالذكر المبنى للفاعل أو المفعول أعني
الذاكرية أو المذكورية وينسى هو المضارع المبنى للفاعل أو المفعول إما من نسى أو من انسى إما الذاكرية
فأمرها واضح واما المذكورية فباعتبار الذكر والعبادة التكوينيتين وقضى ربك ان لا تعبدوا
الا إياه وأقل مراتبها عدم النسيان والانساء للانسان بل الحيوان عن ذاته وذاته غير خالية
عن الجهة النورانية التي هي جهة اضافته إلى ربه فكذا مذكوريتها لا يخلو عن مذكوريته يا من
له نور لا يطفى لان الوجود يمتنع عليه العدم لمحالية سلب الشئ عن نفسه وضرورة ثبوت
الشئ لنفسه وهو نوره فلا يجوز إفوله ودثوره بخلاف الأنوار الامكانية فان الأنوار العرضية
معلومة الانطفاء ونيراتها كالكواكب والسرج وغيرها مشهودة الأفول والأنوار الاسفهبدية
بما هي أنوار مدبرة قبل وجودها وبعد وجودها منطفية وفى حال وجودها أيضا في مقام مادتها ومهيتها
ومقام الوجودات الأخر طولا وعرضا منطفية والأنوار القاهرة في مقام مهياتها وذات علتها
منطفية بخلاف نور الأنوار إذ لا شأن من الشؤون الا وله معه شأن وكما هو موجود في ذاته موجود
بجميع مراتب الواقع وبكل الاعتبارات فان واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات
وهو الأول بلا أول كان قبله والاخر بلا اخر يكون بعده فلا يتصور له أفول وانتقال ولنوره انطفاء
وزوال ولذا قال تعالى حكاية عن الخليل لا أحب الآفلين وجهت وجهي للذي فطر السماوات
والأرض حتى أنه ليس لأنوار تجلياته ولو في الكيانيات أفول وانطفاء بما هي تجلياته لأنه لما كان
ما به الامتياز ما به الاشتراك في النور الوجودي والجهة النورانية التي في كل شئ واحدة بسيطة
ثابتة على حال واحدة وهو الأصل المحفوظ والسنخ الباقي في الجهات الظلمانية فبهذا الاعتبار لا أفول
ولا طلوع ولا مضى ولا رجوع ولا انعدام ولا تكرار ولا إعادة للمعدوم بعينه حيث لابوار نعم كل ذلك
باعتبار طرف المتجلى عليه الا التكرار والإعادة بعينه يا من له نعم لا تعد إذ لا تعد أنواعها
التي منبثة على ذويها في عالم الملك فكيف اشخاصها التي لا يتناهى وكيف أنواعها واشخاصها التي
في الجبروت والملكوت وكل شخص له أظلة في عرش الله وفى المرائي من القوى العالية كالنفوس
239

المنطبعة والقوى السافلة كمرائي الخيالات والحواس حتى مرائي الجليديات ومرائي الأجسام الصيقليات
والى هذه الا ظلة أشير بقوله تعالى ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم
بالغدو والآصال يا من له ملك لا يزول روى عن باقر علم الأولين والآخرين (ع)
حين سئل عن قوله تعالى أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد أنه قال
تأويل ذلك ان الله تعالى إذا افنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن أهل الجنة الجنة واهل النار
النار جدد الله تعالى عالما غير هذا العالم وجدد خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه
ويوحدونه وخلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم وسماء غير هذه السماء تظلهم
ولعلك ترى ان الله تعالى انما خلق هذا العالم الواحد وترى ان الله تعالى لم يخلق بشرا
غير كم بلى والله لقد خلق الله تعالى الف الف عالم وألف الف ادم أنت في اخر تلك العوالم
وأولئك الآدميين والمراد من العدد بيان الكثرة وقد اتفق للشيخ العارف المحقق محى الدين
العربي س مكاشفة وقعت له فيها مخاطبة مع روح إدريس النبي (ع) تناسب المقام كلاما بهذه العبارة
قلت انى رأيت في واقعتي شخصا بالطواف اخبرني انه من أجدادي وسمى لي نفسه فسألته عن زمان
موته فقال أربعون الف سنة فسألته عن ادم (ع) بما تقرر عندنا في التاريخ لمدته فقال من اي ادم
تسئل عن ادم الأقرب فقال إدريس صدق انى نبي الله ولا أدرى للعالم مدة يقف عليها بجملتها
الا انه بالجملة لم يزل خالقا ولا يزال دنيا وآخرة والآجال في المخلوق بانتهاء الذكر والخلق مع الأنفاس
يتجدد فما علمناه علمناه ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء قلت فيما بقى لظهور الساعة فقال اقتربت
الساعة اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون فقلت عرفني بشرط من شروط اقترابها
فقال وجود ادم (ع) من شروط الساعة فقلت هل كان قبل الدنيا دار غيرها قال دار الوجود واحدة
والدار ما كانت دنيا ولا آخرة الا بكم والآخرة ما تميزت الا بكم وانما الامر في الأجسام أكوان واستحالات
واتيان وذهاب ولم يزل ولا يزال انتهى أقول قد مر غير مرة انه لا منافاة بين قدم ملكه تعالى
بما هو ملكه وحدوث مملوكه فعلمه وقدرته الفعليان قديم كالذاتيين والمعلوم والمقدور حادث
وكذا كلامه الفعلي كالذاتي قديم والمخاطب من الجسم والجسماني على الأنفاس يتجدد وملكه بضم الميم
قديم وملكه بكسر الميم حادث وهكذا جوده واحسانه لا يتغير والمستجاد والمحسن إليه من عالم الطبيعة واثر
240

زايل ونوره ومشيته ووجهه وغير ذلك من صفاته وافعاله بما هي أفعاله واحد بسيط بحيث لا عود
ولا تكرار في التجلي ولا مثل ولا ند في الظهور طول الأعوام ومدى الدهور ويرتفع أمثال هذه العنوانات
من البين بهذا اللحاظ ومد هذه العين كما مر والمستنير والمشاء والجهة الظلمانية من هذه الأشياء الطبيعية
داثرة زايلة سايلة آفلة وبالجملة الخلق وما من ناحيته حادث والحق وكل ما هو من صقعه قديم إذ
لا يجوز ان يحبر العاقل ويبلغ غبار الحدوث إلى ذيل جلاله المطهر بذاته وصفاته وافعاله من عشير
الحدثان المنزه بجميع ما ينسب إليه من مثالب الامكان ومع ذلك لا قديم سوى الله لان ما ينسب
إليه كالمعنى الحرفي لا حكم له وكالعنوان الذي هو آلة لحاظ المعنون لا وجود له والى عدم زوال ملكه
أشار الاشراقيون بالقول بالأدوار والأكوار فبعد ما اتفقوا على أن نقوش جميع الكاينات في
نفوس الأفلاك ويرشد إليه المنامات الصادقة واخبار النبوات الحقة بل عند شيخ الاشراق س
التذكر من هناك وكيف لا تكون عالمة بالكائنات والكل من لوازم حركاتها حتى أن الشيخ الرئيس أسند
التخيلات إلى أوضاعها والعلم بالملزوم غير منفك عن العلم باللازم فيجب ان يكون لها ضوابط كلية
انه كلما كان كذا كان كذا لكن كان كذا فيكون كذا أوليس فليس منهم من ذهب إلى أن الكاينات
التي هي اثارها واجبة التكرار في الأعيان لا بمعنى ان المعدوم يعاد فإنه ممتنع بل بمعنى عود شبيهها
بعد آلاف كثيرة مضبوطة وهي عند بعضهم ستة وثلثون ألفا وأربعمائة وخمس وعشرون سنة
واعتبر بالفصول الأربعة وعود كل منها في السنة القابلة إلى شبيه ما كان في السنة الماضية وهذا
التكرر في الماضي والمستقبل عندهم غير متناه أقول تعيين هذا العدد الذي ذكره ذلك البعض
لم أجد له وجها ولو حدد بمدة دورة فلك الثوابت وهي خمسة وعشرون ألفا من السنين كان
انسب فإذا استونفت الدورة استونفت أمثال اثارها وهذا المذهب اختاره الشيخ الاشراقي س
فقال في حكمة الاشراق واعلم أن نقوش الكاينات أزلا وابدا محفوظة في البرازخ العلوية
مصورة وهي واجبة التكرار فإنه إن كان في البرازخ العلوية نقوش غير متناهية لحوادث
مرتبة لا يكون شئ منها الا بعد شئ فتلك النقوش هي السلاسل المجتمعة المرتبة فيناقض
ما برهن عليه وهو محال ثم إن كان فيها نقوش غير متناهية لحوادث في المستقبل مرتبة فإن كان
كل واحد منها لا بد وان يقع وقتا ما فيأتي وقت ما يكون الكل قد وقع فيه فيتناهى السلسلة وقد فرضت
241

غير متناهية وهو محال وان لم يكن حصول وقت قد فرغ فيه الكل عن الوقوع ففيها ما لا يقع ابدا فليس
من الكاينات في المستقبل وقد فرض منها هذا محال انتهى حاصل مذهبه س انه لما كانت الحوادث
المترتبة الزمانية غير متناهية في الماضي والمستقبل وكان للنفوس الفلكية علم بها كما مر وجب أن تكون
العلوم المتعلقة بالحوادث الغير المتناهية متناهية العدد واجبة التكرار أي تكرار ما هي صور لها
من الكاينات ومنهم من قال بالمحو والاثبات قال صدر المتألهين س وهذا يتصور على وجهين
الأول ان يثبت الله بحسب الجهات الكثيرة المتضاعفة من نسب العقول والقواهر الطولية
والعرضية بعضها مع بعض في رأس كل سنة من سنين العام الإلهية وهي ثلثمأة وستون ألفا مما
يعده المنجمون إذ كل يوم ربوبي منها كالف سنة مما تعدون في تلك القوى الفلكية صور جميع ما أوجده
في تلك السنة ثم بعد تمام الايجاد فيها يمحوها ويثبت صور ما يوجده في السنة الأخرى وهكذا إلى غير النهاية
على ما ذهب إليه بعض الحكماء وتبعه المحقق الخفري وأشير إلى أوايل تلك السنين بقوله تعالى يوم نطوى
السماء كطي السجل وأشير إلى أيام تلك السنين بقوله يدبر الامر من السماء إلى الأرض
ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون الوجه الثاني ان يتوارد الصور
من المبادى الإلهية على تلك القوى المنطبعة على حسب توارد الأشواق عليها المنبعثة عن تجدد
الأوضاع شيئا بعد شئ وصورة بعد صورة على نعت الاتصال التجددي على طبق ما يترشح منها على
المواد العنصرية على التعاقب دائما وهذا أولي وأوفق بقوله تعالى كل يوم هو في شأن وعلى أي الوجهين
لا يلزم منه عدم التناهى في الصور العلمية الفلكية على وجه الاجتماع ولا أيضا يتصور تكرار الصور الحادثة
العنصرية انتهى يا من له ثناء لا يحصى كما قال (ع) رب لا احصى ثناء عليك أنت
كما أثنيت على نفسك يا من له جلال لا يكيف إذ السؤال بكيف هو انما
هو عما له المعاني والأحوال الزايدة على ذاته وجلاله عين جماله وهما عين ذاته فليس له كيفية زائدة
يا من له كمال لا يدرك لان كماله بحسب الوجود عين ذاته وذاته لا تدرك بالكنه يا من
له قضاء لا يرد لأنه احكام كلية لا ضد ولا منازع لها ولا تجدد فيها يا من له صفات
لا تبدل لان عالم العقل الذي هو فعله مصون عن التبدل فكيف صفته يا من له
نعوت لا تغير سبحانك الخ النعت أخص من الصفة لاختصاصه بالصفة
242

المحمودة واحدى التائين من تغير وتبدل محذوفة يا رب العالمين يا مالك يوم الدين
مضمونه متحد مع مضمون قوله تعالى لمن الملك اليوم لله الواحد القهار يا غاية الطالبين
يا ظهر اللاجين يا مدرك الهاربين يا من يحب الصابرين يا من يحب
التوابين يا من يحب المتطهرين يا من يحب المحسنين محبته تعالى لهم ليست
مجازا من غفران خطيئاتهم وقبول توباتهم كما زعمه الزمخشري وغيره بل حقيقة المحبة لان محبة الذات
الذات يستلزم المحبة للآثار بما هي اثار وخصوصا الصابر والتائب وأمثالهما يا من هو اعلم
بالمهتدين سبحانك الخ هذا نظير الاسم الشريف السابق أعني من هو اعلم بمن ضل
عن سبيله والسر ان هذه الدار دار الخلط والتشابه وسكانها بدت بحسب الظاهر والصورة
أمثالا وأندادا وإن كانت بحسب الباطن والروح أنواعا وأضدادا روى أن محمد ابن علي الباقر (ع)
قال لابنه جعفر الصادق (ع) يا بنى ان الله تعالى خبأ ثلثة أشياء في ثلثة أشياء خبأ رضاه
في طاعته فلا تستحقرن من الطاعة شيئا فلعل رضاه فيه وخبأ سخطه
في معصيته فلا تستحقرن من المعصية شيئا فلعل سخطه فيه وخبأ أوليائه
في خلقه فلا تستحقرن أحدا فلعله ذلك الولي اللهم إني أسئلك بسمك
يا شفيق قد قسم علماء علم الحروف المقطعة باعتبار وجود النقطة وعدمها إلى النواطق ويسمى
معجمة أيضا والى الصوامت ويسمى مهملة أيضا وقال بعضهم لم يتركب اسم من أسماء الله من النواطق
فقط الا الغنى أقول الشفيق نقض عليهم يا رفيق يا حفيظ يا محيط إحاطة متحصل
بلا متحصل كإحاطة الصورة بالمادة بل كالفصل بالجنس بل كالوجود بالمهية لا إحاطة متحصل
بمتحصل كإحاطة الفلك بما في جوفه يا مقيت أي معطى القوت والرزق قال في القاموس
والمقيت الحافظ للشئ والشاهد له والمقتدر كالذي يعطى كل أحد قوته يا مغيث يا معز يا مذل
يا مبدء يا معيد سبحانك الخ يا من هو أحد بلا ضد الاثنان إما يتحدان
في المهية ولازمها فهما المثلان أولا فاما يمكن اجتماعهما في موضوع واحد من جهة واحدة فهما الخلافان
أولا فهما المتقابلان وهما إما وجوديان واما أحدهما وجودي والاخر عدمي ولا يمكن كونهما عدميين
إذ لا تمايز في الاعدام والأولى إما ان يكون كل واحد منهما معقولا بالقياس إلى الأخر فهما المتضايفان
243

أولا فهما المتضادان والثاني إما ان يكون العدمي فيه عدما للوجودي من موضوع قابل فهما العدم
والملكة أولا فهما الايجاب والسلب فالضدان امران وجوديان يتعاقبان على موضوع واحد أو محل واحد
على الخلاف ولا يجتمعان وبينهما غاية الخلاف ويكونان داخلين تحت جنس قريب فهو تعالى لا ضد له
لأنه ليس أمرا وجوديا لأنه صرف الوجود ولا مهية له فليس هو ذات له الوجود ولا موضوع ولا محل له
ولا جنس له ولا غاية البعد له مع شئ لأنه أقرب من نفس الشئ إلى الشئ وأيضا الضدية ونحوها
من صفات شيئية المهية وهو شيئية الوجود بحقيقة الشيئية والضد قد يطلق على مطلق ممانع الشئ
ومعلوم انه لا ضد له بهذا المعنى أيضا يا من هو فرد بلا ند الفردية فيه تعالى الواحدية بالوحدة
الحقة التي معناها انه لا ثاني له في الوجود لا ان الفردية فيه عدم الزوجية عما من شانه ان يكون زوجا
لامتناع الزوجية عليه والند بالكسر المثل ونقل عن الكشاف انه المثل المخالف المنادى ولعله لكونه
من ندا البعير ينداى شرد ونفر وقال بعض أهل اللغة الند مثل الشئ الذي يضاده في أموره أقول
ولذلك يقال كل ند ضد وكل ضد ند أي في الضدية لان الضدية من الإضافات المتشابهة الأطراف
كالاخوة ويمكن ان يكون الند ضدا بمعنى الممانع للشئ يا من هو صمد بلا عيب لأنه لما
كان الصمد هو السيد المصمود إليه في طلب الأمور والغنى المطلق المقصود في دفع الحوايج أو الذي
لا جوف له كما مر في مقابل الممكن الأجوف الناقص المعتل لزمه ان يكون بلا عيب إذ العيب إما
بالنقص في جوهر الذات واما بالنقص في صفة من الصفات وهو بسيط الحقيقة جامع كل
الكمالات والخيرات يا من هو وتر بلا كيف الوتر الفرد ولما كانت الفردية والزوجية
من الكيفيات المختصة بالكميات استدرك في الاسم الشريف بنفي الكيفية وهذا كقولهم هو تعالى
واحد لا بالوحدة العددية كيف والكيف مخلوق والله تعالى خلو عن خلقه وهو عرض والله تعالى
لا عرض ولا محل العرض برئ عن المعاني والأحوال يا من هو قاض بلا حيف أي قاضى
عدل بلا ميل وجور في حكمه يا من هو رب بلا وزير لان وزير الملك من يحمل أوزاره
وثقله ويعينه برايه وهو تعالى من تمامية العلم والقدرة بحيث لا يدرك الواصف المطري خصايصه
وان يكن بالغا في كل ما وصفا يا من هو عزيز بلا ذل يا من هو غنى بلا فقر
يا من هو ملك بلا عزل لان كل عزيز وغنى وملك مستعيرون ومستودعون من
244

حضرته ونواصيهم مسخرة بيد قدرته يعز من يشاء ويذل من يشاء ويبسط الرزق لمن يشاء
ويقدر على من يشاء ويؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء وهو تعالى لا قاهر
فوقه بل هذه الصفات في أربابها مشوبة بمقابلاتها بل عين مقابلاتها وهو البسيط الصرف
والواحد المحض الثابت له أشرف طرفي المقابلات يا من هو موصوف بلا شبيه
لان صفاته تعالى عين ذاته كما قال (ع) كمال الاخلاص نفي الصفات والتشابه هو الاتحاد
في الصفات والكيفيات الزايدة سبحانك الخ يا من ذكره شرف للذاكرين
يا من شكره فوز للشاكرين يا من حمده عز للحامدين يا من طاعته نجاة
للمطيعين كون ذكره شرفا للذاكر وشكره فوزا للشاكر لا للمذكور والمشكور وهكذا الباقيان
من خصايصه تعالى لأنه غنى عن العالمين وتوجهاتهم بهذه الأنحاء إليه من أسباب سعادتهم
ومن مكملات أنفسهم قل لا تمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان
كر بود انديشه آت كل كلشنى * وربود خارى تو هيمه ء كلخنى يا من بابه مفتوح
للطالبين يا من سبيله واضح للمنيبين إذ لم يقع بينه وبينهم سد وحاجز وجودي
سوى عدم الطلب الحقيقي وعدم التأهب والتشمر لسلوك سبيله بالعزم الصميمي وهما عدميان والفرض
الطلب والإنابة وهذا الباب وهذا السبيل لا أقرب منهما بعد الحق إليهم فان الباب باب القلب والسبيل
هو النفس الناطقة التي هي أكبر حجة الله على خلقه وهي الصراط المستقيم إلى كل خير مضافا إلى الأدلاء على
الله الذين هم أبواب الرحمن واعلامه الهداة فإنهم كانوا دائما منصوبين لهداية الخلق مكملين
لطلاب الحق وكيف لا يكون الباب مفتوحا والسبيل واضحا وقد قال الحكماء والعرفاء الطرق إلى الله بعدد
أنفاس الخلايق وقال صلى الله عليه وآله لا تفضلوني على يونس ابن متى فان معراجي إلى السماء ومعراجه
إلى الماء والخطوط إلى المركز واصلة والركب الحجيج من كل درب وطريق ومن كل فج عميق في أم القرى
نازلة فكل امرء في شانه من شانه الوصول ولكن بشرط الطلب والوغول وأن يكون الطالب في كل
أمر على أو دنى ينظر إلى وجهه إلى الحق من طرف خفى ولذا كان الأعمال مشروطة بالنيات والنيات
منوطة بالقربات ولولاها كانت صورا بلا معنى وإن كانت كنحر قرابين أنفسهم الحيوانية بمنى
ومعها كانت معاني محضة وأرواحا صرفة وإن كان كادنى أدنى حرفة ولذا ورد من الأئمة (ع) المدح
245

والذم في كثير من الحرف عموما أو خصوصا كاطلاق الكاسب حبيب الله وكلب اليهود خير
من أهل السوق وكخصوص المتاجر المذكورة في الكتب الفقهية وما ورد فيه الذم فحسب فلكونه
مما يكثر فيه العثور ويصعب فيه المقام لأنه من مزال الاقدام لا لأنه لا يمكن التوصل به في نفسه إلى
الحق بوجهه إلى الحق أينما تولوا فثم وجه الله يكقدم بر نفس خود نه * ديكرى در كوى دوست
يا من آياته برهان للناظرين هذا في حق طايفة أشير إليهم بوصف النظر فان أهل النظر
أصحاب الفكر وفى حق طايفة أخرى هو تعالى برهان على الآيات فان للعلماء في الاستدلال عليه تعالى
طرقا عديده فبعضهم يستدلون عليه بالامكان وبعضهم بالحركة وبعضهم بالحدوث وبعضهم بالامكان مع
الحدوث شرط أو شطرا وبعضهم يرون ان حقيقة الوجود بنية المائية والهلية غنية الثبوت والاثبات
عن اللمية وهي الأصل في التحقق والظهور والاظهار لكل شئ وهي أظهر وأجلي من الامكان والحدوث
ونحو هما ولولاها لما ظهرت هي حتى أن في الموجودات المقيدة هل البسيطة مقدمة على ماء الحقيقية واما
الوجود المطلق الغنى عنهما الظاهر في الأنفس والآفاق فعلمته بالفطرة أولا ولا تعلم بعد ما الامكان
وغيره من الأخفياء فيستشهدون به عليه فعند الطايفة الأولى مهيات الأنفس والآفاق مرايا نور
الوجود وعند الطايفة الثانية نور الوجود مرات يظهر بها تلك المهيات وعند الطايفة الأولى
كان الوجود قائما بالمهيات وعند الثانية كان المهيات قائمة بحضرة الوجود القائم بذاته وفى حق الأولى
سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين انه الحق وفى حق الثانية أولم يكف
بربك انه على كل شئ شهيد يا من دل على ذاته بذاته لغيرك من الظهور ما ليس لك الدعاء
وقد قلت هست در سينه سل بديده سبل * زين تعامى كه كرده حضم دغل * كه زامكان برد بواجب پى
كه نهد از حدوث طرح جدل * انكه ليل ونهار با ليلى است * بنكرد كي بربع ودمنه وتل
ثم بنظر اخر حديث المرآتية بالعكس مما ذكر قال بعض العرفاء ذو العقل هو الذي يرى الخلق ظاهرا
والحق باطنا فيكون الحق عنده مراة الخلق لاحتجاب المراة بالصورة الظاهرة فيه احتجاب المطلق
بالمقيد وذو العين هو الذي يرى الحق ظاهرا والخلق باطنا فيكون الخلق عنده مرات الحق لظهور
الحق عنده واختفاء الخلق فيه اختفاء المراة بالصورة وذو العقل والعين هو الذي يرى الحق
في الخلق والخلق في الحق ولا يحتجب بأحدهما عن الأخر يا من كتابه تذكرة للمتقين
246

استعمال التذكرة كما في الآيات للإشارة إلى أن للنفوس كينونات سابقة كانت فيها عالمة
عارفة معترفة لكن لا بما هي نفوس مدبرة بل بما هي عقل وهي الكينونة الجبروتية وبما هي لوازم
أسماء الله تعالى وهي الكينونة اللاهوتية وذلك لتطابق العوالم واتحاد الرقايق والحقايق فان
الرقيقة هي الحقيقة بوجه ضعيف والحقيقة هي الرقيقة بوجه أعلى فكون حقيقة الانسان الطبيعي
وهي الانسان الجبروتي الذي يقال له رب النوع وصاحب الصنم وصاحب الطلسم في مقام شامخ
كون الرقيقة هناك واخلاد الرقيقة وهو الانسان اللحمي الطبيعي إلى الأرض اخلاد الحقيقة إليها ولكن
بلا تجاف عن ذلك المقام الشامخ والنزول والعروج والهبوط والسقوط والذرات والبرزات
ونحوها من التعبيرات في إشارات الأنبياء والأولياء والحكماء رموز حلها ما ذكرنا وكذا ما اشتهر
من أفلاطون الإلهي من قدم النفس إشارة إلى كينونتها العقلية ونحوها وقد ذكرت في المعلقات
على سفر النفس من الاسفار الأربعة انه لما كان للنفس شؤون ذاتية وفى مقام طبع وفى مقام نفس
مدبرة وفى مقام عقل وفى مقام فانية عن هذه كلها باقية ببقاء الله تعالى كما أخبر صاحب مقام لي
مع الله عن نفسه صلى الله عليه وآله فان قلت إنها حادثة ذاتا في مقام الطبع صدقت وان قلت إنها حادثة تعلقا
وأردت بالتعلق وجودها الطبيعي الذاتي لا الإضافة المقولية كما مر ان تعلقها بالبدن ليس كتعلق
صاحب الدكان بدكانه صدقت وان قلت إنها قديمة ذاتا لا تعلقا باعتبار العقل النازلة
هي منه وانه تمامها وصورتها النوعية المفارقة عند الاشراقيين التي شيئية الشئ بها بل باعتبار
انقلابها إلى العقل الفعال المجرد الذي كل الأزمنة والزمانيات بالنسبة إليه كالان صدقت كما أنه
بهذا الاعتبار ان قلت إنها باقية ببقائه بل ببقاء الله صدقت وان قلت إنها غير باقية بل
زايلة سيالة باعتبار حركتها الجوهرية صدقت وان قلت بهذه الاعتبارات انها جسمانية
بل جسم وروحانية صدقت فما أعجب حال هذا المعجون وطاير بوقلمون الذي هو هيكل التوحيد
وبرزخ التكثير والتفريد ثم إن للتقوى مراتب عام وخاص وأخص العام هو الاجتناب عن الحرام
والخاص هو الاجتناب عن الحلال الا بقدر الضرورة والأخص الاجتناب عما سوى الله وإذا
أريد هذا ههنا أريد من الكتاب والتذكرة مرتبتهما الاعلى يا من رزقه عموم للطائعين
والعاصين حمل العموم على الرزق على سبيل المبالغة يا من رحمته قريب من
247

المحسنين سبحانك الخ المراد بالرحمة القريبة منهم المرتبة العالية منها والا فالرحمة
الرحمانية وسعت كل شئ بحيث لم يبق مرحوما كالوجود المطلق بالنسبة إلى المهيات والرحمة الرحيمية
وان اختصت باهل التوحيد والايمان لكن المفروض هنا الاحسان وهو الايمان وفروعه بل كما قال (ع)
الاحسان ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك أو القرب باعتبار
استعداد عينهم الثابت في الأزل يا من تبارك اسمه قيل معناه عظمت البركة في
اسمه كما في تبارك اسم ربك فاطلبوا البركة في كل شئ بذكر اسمه وقيل اسم مقتحم والمعنى تبارك
ربك كمال قال لبيد إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن بيك حولا كاملا فقد اعتذر
ومثله قيل في البسملة كما في البيضاوي وربما يجعل السلام في قول لبيد اسم الله وعليكما اسم
فعل أي ألزما اسم الله وذكره والحق في الاسم الشريف والآية انه من باب التعظيم لأنه إذا
تعاظم وتبارك اسم الشئ ووجهه فنفسه بطريق أولي لا سيما ان جعل الاسم اسما وجوديا كما مر
ومن هذا القبيل سبح اسم ربك يا من تعالى جده مأخوذ من الآية وانه تعالى جد ربنا
ما اتخذ صاحبة ولا ولدا والجد الحظ والبخت والعظمة والغنا ومنه الحديث لا ينفع ذا الجد منك
الجد أي لا ينفع ذا الغناء منك غنائه أو لا ينفع ذا الخط حظه بالمال والولد وغير هما وانما ينفعه
الايمان والطاعة فمعنى تعالى جده تعالى عظمته وجلاله يا من لا اله غيره أي لا معبود
ولا متذلل إليه سواه قد سبق ان الموجودات لكل منها تذلل للاخر ولا سيما للسافل بالنسبة
إلى العالي ولكنه باعتبار وجهه إلى الرب إليه التذلل فبالآخرة ينتهى إلى الله تعالى المعبودية والملجأية
وقد قالوا في كلمة التوحيد لا بد ان ينظر في النفي إلى الممكنات وبطلانها الذاتي بما هي هي فينفي بكلمة لا
وفى الاثبات إلى الجهة النورانية التي فيها من نور السماوات والأرض فتثبت بكلمة الا ونعم ما قال
في سلسلة الذهب * لا نهنكى است كاينات آشام * عرش تا فرش در كشيده بكام
هر كجا كرده آن نهنك آهنك * از من وما نه بوى مانده نه رنك * چه مركب در أين فضا چه بسيط
هست حكم فنا بجمله محيط يا من جل ثناؤه يا من تقدست أسمائه يا من
يدوم بقاؤه يا من العظمة بهائه يا من الكبرياء ردائه اللهم إني أسئلك
بسمك يا معين يا امين في القاموس الأمين القوى والمؤتمن والمؤتمن ضد
248

أقول إن كان الأمين بمعنى المؤتمن بالفتح فواضح وإن كان بمعنى المؤتمن بالكسر فمعنى كونه أمينا انه تعالى
أئتمن أنبيائه وأوليائه على سره أو أئتمن جميع الناس على صيانة الأمانة التي أشار إليها في
كتابه الكريم بقوله تعالى انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين ان
يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا وحقيقة الأمانة
التي جعل الانسان أمينا عليها هي الفيض المقدس الإلهي والوجود المنبسط فإنه حمله بشراشره
والوجودات تماما يقع في صراطه وهو يفنى عن الكل ويبقى بالله لا كما سواه فان لكل منها
حدا يقف عنده ولا تتجاوزه وان شئت قلت هي الاتصاف بأسمائه وصفاته جميعا
تنزيهياتها وتشبيهياتها وهو المشار إليه بقوله تعالى وعلم ادم الأسماء كلها وعلى أي تقدير
فالتسمية بالأمانة انما هي لكونها من الله تعالى أودعها الانسان وأعادها له ولا بد ان ترد إلى
أهلها بالآخرة ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها وما الروح والجثمان
الا وديعة ولا بد يوما ان ترد الودايع وفيها إشارة أيضا إلى لزوم حفظها و
حراستها وعدم المسامحة في امرها واما ظلم الانسان فلا فنائه ذاته وقتله نفسه بالاختيار
واما صيغة المبالغة فلان الظالم من يظلم غيره ومن يظلم نفسه فهو ظلوم واما جهل الانسان فلانه يمكن
ان يذهل عن جميع ما سوى الله ويجهلها ويمحو عن لوح قلبه نقوش الأغيار ولم يبق في نظر شهوده بدار
الوجود سواه ديار واما صيغة المبالغة فلان الجاهل من يجهل غيره وهو يجهل الجميع حتى نفسه فهو جهول
لكن نعم ظلم هو عين المعدلة بل المعدلة فدائه من قتلته فعلى ديته ومن علي ديته فانا ديته
وحبذا جهل هو عين المعرفة بل هو صدر والمعرفة فناؤه ولذا قال أرسطا طاليس ان العقل الأول
يجهل أشياء جهلا هو أشرف من العلم بها فالكل مرائي الانسان والانسان مرات الحق والحق مطلوب
الانسان والانسان مطلوب الكل يا بن ادم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي
يا مبين ابان الأشياء وأظهرها يا متين أي قوى يا مكين من المكانة أي المنزلة يقال
فلان مكين عند السلطان أي صاحب منزلة عنده قال تعالى في حق جبرئيل (ع) ذي قوة عند
ذي العرش مكين مطاع ثم امين وفى حقه تعالى معناه صاحب المرتبة الرفيعة في نفسه أو
من قبل الوصف بحال المتعلق وهو خلفائه المكناء يا رشيد قال بعض أهل اللغة هو
249

الذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سنن السداد من غير إشارة مشير وتسديد مسدد أقول
وعلى هذا فيكون هذا فيكون هذا أيضا من باب الوصف بحال المتعلق وقال في القاموس والرشيد في
صفات الله تعالى الهادي إلى سواء الصراط وقال بعض اخر من أهل اللغة الرشيد في أسماء الله تعالى
هو الذي ارشد الخلق إلى مصالحهم أي هديهم ودلهم عليها فعيل بمعنى مفعل أقول فيمكن كون
المكين بمعنى الممكن من باب فعيل بمعنى مفعل يا حميد يا مجيد يا شديد أي شديد
عقابه ونكاله وفاقا للعرف واللغة أو شديد النور بل الوجود لقبول الوجود التشكيك بالشدة والضعف
ووجوده فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى عدة ومدة وشدة تبعا للبرهان يا شهيد
أي الحاضر على كل شئ سبحانك الخ يا ذا العرش المجيد يا ذا القول السديد
يا ذا الفعل الرشيد يا ذا البطش الشديد يا ذا الوعد والوعيد يا من
هو الولي الحميد يا من هو فعال لما يريد يا من هو قريب غير بعيد
يا من هو على كل شئ شهيد يا من ليس بظلام للعبيد سبحانك الخ
الفعل الرشيد من قبيل الكتاب الحكيم وأمثاله اسناد مجازى ومعنى ليس بظلام للعبيد
انه ليس بظالم لهم في عقابه وليس العقاب من باب التشفي بل هم الظالمون لأنفسهم بارتكابهم المعاصي
كما أشار إليه تعالى في مواضع كثيرة من كتابه الكريم كقوله جزاء بما كنتم تعملون وبما كنتم تكسبون
وبما كسبت أيديكم وقوله (ع) انما هي أعمالكم ترد إليكم وغير ذلك كما أشرنا إليه سابقا
ثم إن في صيغة المبالغة اشكالا مشهورا وأجوبة مشهورة منها ان المشتق بمعنى المنتسب ومنها
انه لو كان ظالما العياذ بالله لكان كثير الظلم لان له كمال القدرة والسلطنة بلا مانع عن حكمه
ودافع لمشيته فعبر بصيغة المبالغة ايماء إلى هذا يا من لا شريك له ولا وزير
يا من لا شبيه له ولا نظير قد تقرر في العلوم الحقيقية ان الاتحاد في الجنس
مجانسة وفى النوع مماثلة وفى الكيف مشابهة وفى الكم مساواة وفى الوضع مطابقة وفى
الإضافة مناسبة والحق المتعال ليس انه لا شريك له في الوجوب فقط بل لا شريك
له في حقيقة الوجود إذ لا موجود في نفسه لنفسه بنفسه الا هو ولا مجانس له إذ لا جنس له ولا مماثل
ونظير له إذ لا نوع له ولا شبيه له إذ لا كيف له ولا مساوى له إذ لا كم له ولا مطابق له إذ لا وضع له
250

ولا مناسب له إذ لا إضافة مقولية له فنفى الشريك ينطوى فيه جميع ذلك لان المشابه أو المساوى
أو غير هما شريك في الكيف أو الكم أو نحو هما ثم بعد ذكر العام ذكر بعض الخواص الذي الاعتناء
بشأنه أكثر مما لم يذكر وهو نفى المثل المعبر عنه بنفي النظير ونفى الشريك في الكيف المعبر عنه
بنفي الشبيه ونفى المناسب المعبر عنه بنفي الوزير فان الوزير يناسب الملك في نسبة تدبير
المملكة وانما الوزير المنفى بالنظر الاجمالي واخذ الكل من الافعال المفاضة عنه أمرا واحدا كما قال تعالى
وما امرنا الا واحدة وهذا الامر كلمة كن وهي الوجود المنبسط عنه على كل المهيات دفعة واحدة
والظل الممدود على الأعيان الثابتة مرة واحدة سرمدية لا زمانية فبهذا النظر يسقط الوسايط
والايجاد والصدور عنه بنفسه واحد واما بالنظر التفصيلي ولحاظ المراتب من الأشرف فالأشرف
وصدور كل سافل عن الرب الاعلى بواسطة عال فالعقول الكلية في السلسلة النزولية وزرائه
ووسايط جوده وخلفائه في الأرض نوابه لكن لا كالملك والوزير المجازيين حيث إن لكل منهما وجودا
في نفسه وصفة وفعلا علي حده وهنا شئ وربط الشئ ووجود وظل الوجود لا ذات ولا صفة ولا فعل
لهذه الوسايط الا منه ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فكما ان الغلاة غالطون كذلك
المفوضة قدريون مشركون ففي هذا النظر التفصيلي أيضا لا وزير له بهذا النحو وانما لم يكن كثير اهتمام
بالباقي كنفي المساوى المطابق والمجانس لاندراجها في نفى النظير لارجاع أقسام الاتحاد إلى
التماثل وانما ذكر نفى الشبيه علي حده مع اندراجه فيه لكون الكيف أصح وجودا من باقي الاعراض
حتى من الكم لكونه غير مقتض للقسمة وانما لم يذكر الكم مع أشملية وجوده واكتفى بالعام لوضوح
بطلان التجسم المتلازم مع التقدر كالوضع واما نفى الوزير فليهتم بشأنه لان ثبوت الوزير
لا ينافى في ظاهر الامر التنزيه بل أوفق بالملك إذ لا يباشر الأمور الخسيسة بنفسه النفيسة فلهذا ذكر
علي حده بعد ما كان مندرجا تحت العام يا خالق الشمس والقمر المنير وهما اتيان عظيمتان
من الكتاب الكبير إحديهما مظهر النبوة والاخرى مظهر الولاية يا مغنى البائس الفقير
البائس الفقير الشديد الحاجة يا رازق الطفل الصغير يا راحم الشيخ الكبير
الانسان وإن كان في جميع حالاته ومراتب أسنانه محتاجا إلى الرزق مستحقا للرحم بلا تفاوت
لكونه ممكنا أجوف محض الفقر والفاقة إلى الغنى المطلق الا ان حاجته في أضعف حالاته وهو حالة
251

الطفولية من مراتب سن النمو وحالة الذبول من مراتب سن الانحطاط والشيخوخة أظهر وأبين حتى أن
وهمه المخطئ وخياله الداعب أيضا يعترفان بنهاية عجزه وقصوره وحسه يشهد بأنه لا يتمشى منه
ح ولا سيما في الصغر فعل أدنى سحلة وفى نهاية الشيخوخة أيضا بحسب أفعاله الطبيعية والنباتية والحيوانية
فإنها في الشيخ مثل الافعال الظاهرة الاختيارية في الطفل الصغير لغلبة البرد واليبس على مزاجه المناسبة
للموت مضافا إلى الرطوبة البالة الغريبة الخامدة لحرارته اليسيرة يا جابر العظم الكسير
تخصيص جبر كسر العظم في هذا الاسم الشريف لأجل كون العظام قوائم البدن ودعائم بيته ولولاها
لم يتمش الحركة والقيام والقعود ونحو هما ولم يشيد أركانه والعظم من الأعضاء الأصلية المنخلقة من
المنى كالغضروف والرباط والعصب والوتر والغشاء والشرايين والأوردة ولذا جبر كسرة لا يصيره
مثل الأول غايته احداث وضع يقرب من وضع الأول يا عصمة الخائف المستجير
يا من هو بعباده خبير بصير يا من هو على كل شئ قدير سبحانك الخ
يا ذا الجود والنعم يا ذا الفضل والكرم يا خالق اللوح والقلم أي خالق
النفس والعقل اعلم أن الواجب تعالى إحدى الذات واحدى الصفة وبالجملة واحد من جميع الجهات
وكل من كان كذلك كان إحدى الفعل فذلك الواحد الذي هو أول صادر عن المبدء لا يجوز
ان يكون عرضا لاحتياجه إلى الموضوع ولا هيولى لاحتياجها إلى الصورة في الوجود ولا صورة
لافتقارها إلى المادة في التشخص ولا جسما لتركبه وقد قلنا إن الصادر الأول يجب ان يكون واحدا
بسيطا ولا نفسا لاحتياجها إلى البدن في الفعل فبقى ان يكون أول ما خلق الله العقل فذلك
الصادر الأول الواحد من حيث إنه مجرد ذاته لذاته لا للمادة عقل وعاقل ومعقول عبر عنه بالعقل
ومن حيث إنه اللب والباطن للعالم عبر عنه بالروح ومن حيث إنه ظاهر بذاته مظهر لغيره مما
دونه عبر عنه بالنور ثم من حيث إنه روحانية الخاتم ومقامه اضافه إلى نفسه في قوله صلى الله عليه وآله أول ما
خلق الله روحي أو نوري ومن حيث إنه ينتقش به الأرواح والألواح بالعلوم والصور
عبر عنه بالقلم كما قال صلى الله عليه وآله أول ما خلق الله القلم وقال تعالى ن والقلم وما يسطرون
وقال علم بالقلم وغير ذلك من التعبيرات كالأمر والمشية والكلمة التامة والدرة
البيضاء والجوهرة التي نظر الحق تعالى إليها بعين الهيبة ونحوها ثم هذا الواحد في عين وحدته فيه
252

كثرة اعتبارية مجعولة بالعرض لينفتح عنه باب الخيرات ولذا يقال له مفتاح الغيب وهي الوجوب
الغيري والامكان الذاتي والوجود أو النور والظلمة والظل أو تعقل مبدئه وتعقل وجوده وتعقل
امكانه فباعتبار تعقل مبدئه مثلا ينشأ منه العقل الثاني وباعتبار تعقل وجوده ينشأ منه
نفس الفلك الأطلس وباعتبار تعقل امكانه جسمية الأطلس وهكذا يصدر من كل عقل عقل ونفس
وفلك حتى يصدر من العقل الأخير نفوس عالم العناصر وجسميتها وهيولاها وفى كل منها الجهة العالية
للصادر العالي والمتوسطة للمتوسط والدانية للداني وهذا في المثال كما إذا تصورت الكمال
والبقاء لك فأوجب السرور في قلبك والحمرة والبشاشة في وجهك وإذا تصورت النقص
والفناء لك فأوجب الحزن والسواد والانقباض فيك فتلك العقول هي الأقلام وتلك
النفوس بل الأجسام ألواح قال تعالى انه لقران كريم في لوح محفوظ لا يمسه الا
المطهرون وقال يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وفى الخبر لما خلق
الله تعالى القلم قال اكتب قال ما اكتب قال علمي في خلقي فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم
القيمة وروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه سبق العلم وجف القلم ومضى القضا وتم القدر
بتحقيق الكتاب وتصديق الرسول وبالسعادة من الله تعالى وقال ابن بابويه رضوان الله عليه
اعتقادنا في اللوح والقلم انهما ملكان كشف الله لهما مخفيات علمه وأطلعهما على علومه الغيبية يا بارئ
الذر والنسم برئ الله الخلق برء وبروء خلقهم والذر صغار النمل أو صغارها الحمر
والواحد ذرة ويطلق الذرة على ما يرى في شعاع الشمس الداخل في الكوة والنسم النفس والروح
يقال نسمة المؤمن أي روحه وفى القاموس النسم محركة نفس الروح كالنسمة محركة ونفس
الريح إذا كان ضعيفا والمراد بالذر والنسم في هذا الاسم الشريف الأرواح والنفوس الجزئية بحسب
الكينونة السابقة واللاحقة كما أن المراد باللوح والقلم في الاسم الشريف الذي قبله العقل
والنفس الكليان فالذر هنا عالم الذر الذي ورد ان ذرية بنى ادم فيه المأخوذ منهم العهد والميثاق
كما قال تعالى وإذ اخذ من بنى ادم من ظهورهم ذريتهم الآية على شكل الذر ومعلوم ان
العظمة لله والحمد والملك له هناك كما هنا عند أهله فهم في جنب عظمته أصغر وأحقر من الذر والذرات
في الحقيقة بل لا نسبة أصلا لكنه في مقام التمثيل نظير قوله تعالى وما أمر الساعة الا كلمح بالبصر
253

أو هو أقرب وهذا لا ينافى ان يكون ما هم عليه محفوظة لعدم الهيئات المغيرة بعد كهيئة الحرص
المقتضية لتلك الصورة الملكوتية بل هم عند كبرياء الأزل كالجمل بجنب الجبل يا ذا البأس
والنقم يا ملهم العرب والعجم اعلم أن الخاطر الذي يرد على القلب على سبيل الخطاب
أربعة أقسام رباني يعرف بالقوة والتسلط وعدم الاندفاع ويسمى نقر الخاطر وملكي وهو الباعث
على مندوب أو مفروض ويسمى الهاما ونفساني وهو ما فيه حظ للنفس ويسمى هاجسا وشيطاني وهو
ما يدعو إلى مخالفة الحق قال الله تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وقال
النبي صلى الله عليه وآله لمة الشيطان تكذيب بالحق وايعاد بالشر ويسمى وسواسا قيل ويعير بميزان
الشرع فما فيه قربة فهو من الأولين وما فيه كراهة أو مخالفة شرعا فهو من الآخرين ويشتبه في المباحات
فما هو أقرب إلى مخالفة النفس فهو من الأولين وما هو أقرب إلى الهوى وموافقة النفس فهو من
الآخرين والصادق الصافي القلب الحاضر مع الحق سهل عليه الفرق بينهما بتيسير الله وتوفيقه
يا كاشف الضر والألم الألم ادراك المنافر كما أن اللذة ادراك الملايم قد مر ان الشر
عدم ذات أو عدم كمال لذات ونوقض هذه القاعدة بالألم حيث إنه شر مع كونه وجوديا
وقد تعرض صدر المتألهين الشيرازي قدس الله روحه وكثر فتوحه لدفعه في ثلثة مواضع من الاسفار
مرة في مبحث الكيف منه ومرة في أواخر المعاد من سفر النفس وابسطها ما في الإلهيات منه في
مبحث الخير والشر فنذكر ما حققه وما فيه وما عندي من التحقيق ولا باس بالخروج عن طور هذا الشرح
لان المسألة من المهمات فقال اعلم أن هاهنا اشكالا معضلا لم ينحل عقدته إلى هذا الوقت
وهي منحلة بعون الله العزيز تقريره ان الألم هو نوع من الادراك فيكون وجوديا معدودا من الخيرات
بالذات وإن كان متعلقه عدميا فيكون شرا بالعرض كما ذكروا فيكون هناك شر واحد بالحقيقة هو
عدم كمال ما لكنا نجد بالوجدان انه يحصل هناك شران أحدهما ذلك الامر العدمي كقطع العضو
أو زوال الصحة والاخر ذلك الامر الوجودي الذي هو نفس الألم وذلك الامر الوجودي المخصوص
شر لذاته وإن كان متعلقه أيضا شرا اخر فإنه لا شك ان تفرق الاتصال شر سواء أدرك أم لم يدرك
ثم الألم المترتب عليه شر اخر بين الحصول لا ينكره عاقل لو كان التفرق حاصلا بدون الألم لم يتحقق
هذا الشر الأخر ولو فرض تحقق هذا الألم من غير حصول التفرق كان الشر بحاله فثبت ان نحو امن الوجود
254

شر بالذات فبطلت هذه القاعدة الكلية ان كل ما هو شر بالذات فهو أمر عدمي فهذا ما ذكره
العلامة الدواني في حاشية التجريد ولم يتيسر له دفعه ولذا قال والتحقيق انهم ان أرادوا ان منشأ
الشرية هو العدم فلا يرد هذا النقض عليهم وان أرادوا ان الشر بالذات هو العدم وما عداه انما
توصف به بالغرض حتى لا يكون بالحقيقة الا شرية واحدة هي صفة العدم بالذات وينسب إلى غيره
بالتوسط كما هو شأن الاتصاف بالعرض فهو وارد فافهم انتهى كلام المحقق الدواني قال س
وأقول في دفعه ان مقصودهم هو الثاني والايراد مدفوع منهم بان الألم ادراك المنافى العدمي
كتفرق الاتصال ونحوه بالعلم الحضوري وهو الذي يكون العلم فيه هو المعلوم بعينه لا صورة أخرى
حاصلة منه فيه فليس في الألم امران أحدهما مثل التفرق والقطع وفساد المزاج والثاني صورة
حاصلة منه عند المتألم لأجلها بل حضور ذلك المنافى العدمي هو الألم بعينه فهو وإن كان نوعا من
الادراك لكنه من افراد العدم فيكون شرا بالذات فهو وإن كان نحوا من العدم لكن له ثبوت
على نحو ثبوت اعدام الملكات كالعمى والسكون والفقر والنقص والامكان والقوة ونظايرها
وقد علمت أن وجود كل شئ عين مهيته فوجود العدم عين ذلك العدم كما أن وجود
الانسان عين الانسان ووجود الفلك عين الفلك وعلمت أيضا ان العلم بكل شئ عين المعلوم
منه بالذات فههنا الوجود عين التفرق أو الانقطاع أو الفساد الذي هو عدمي والإدراك
المتعلق به عين ذلك الوجود الذي هو نفس الامر العدمي فقد ثبت ان الألم الذي هو الشر
بالذات من افراد العدم ولا شك ان العدم الذي يقال إنه شر هو العدم الحاصل لشئ لا العدم
مطلقا كما أشرنا إليه سابقا فاذن لا يرد نقض على قاعدة الحكماء ان كلما هو شر بالذات فهو من
افراد العدم البتة والذي يزيدك ايضاحا لهذا المقام من أن الآلام والأوجاع من جملة الاعدام
ان النفس قد أشرنا إلى أن قوتها سارية في البدن وانها هي التي تشعر وتحس بأنواع المحسوسات فهى
بعينها الجوهر اللامس الذائق الشام وهي عين الصورة الطبيعية الاتصالية المزاجية وكلما يرد
على البدن من الأحوال وجوديا كان أو عدميا فالنفس ينفعل منه ويناله بالحقيقة ويتأثر منه لأجل
قواها السارية في البدن فتفرق الاتصال الوارد على الجسم لا شك انه شر للجسم لأنه زوال اتصاله
وعدم كماله فلو كان الجسم موجودا حيا عند انفصاله شاعرا بتفرق اتصاله كان له غاية الشرية
255

التي لا يتصور فوقها شرية البتة لأنه يثبت عدمه له عند وجوده فإذا كان كذلك والنفس كما
علمت لها ضرب من الاتحاد بالبدن فكل ما يرد على البدن عند تعلق النفس فكانما ورد على ذات
النفس ولهذا يتألم بالجراحات والأمراض وسوء المزاج البدني بقدر تعلقها به واتحادها لكن النفس
لما كانت لها مقامات أخرى ونشأت غير هذه النشأة التي وقع لها الأذى بسببها لم يكن آذاها
من جراحة عظيمة أو سوء مزاج شديد أو فساد أو موت مثل اذى الحي الذي حيوتها بعينها حياة
البدن فتأمل يا حبيبي لتدرك ان الشر غير لاحق الا لما في طباعه ما بالقوة وذلك لأجل المادة
الجسمية بسبب ان وجودها وجود ناقص متهيئ لقبول الفساد والانقسام والتكثر وحصول الأضداد
والاستحالة والتجدد في الأحوال والانقلاب في الصور فكل ما هو أكثر براءة من المادة فهو أقل شرا
ووبالا انتهى كلامه س أقول المحقق الدواني لم يجعل المدرك تفرق الاتصال فقط حتى يقال
لما كان المدرك في العلم الحضوري عين الادراك وتفرق الاتصال عدمي فالألم الذي هو ادراك
غير الملايم عدمي فله ان يمنع ويقول سلمنا ان الادراك عين المدرك في العلم الحضوري لكن لا نسلم
ان المدرك هو تفرق الاتصال فقط وإن كان هو أيضا مدركا على نحو ادراك الأمور العدمية
بل غير الملايم المدرك بالادراك المعتبر في تعريف الألم وهو الحالة الوجودية الوجدانية الموجعة
غير عدم الاتصال ولا سيما إذا كان السبب سوء المزاج وكيف يكون تلك الحالة الوجدانية
عدما وإن كان عدما للملكة والعدم بما هو عدم أينما تحقق لا خبر عنه ولا اثر له وفى تلك الحالة الموجعة
المؤذية كل الأثر والخبر وهو س قال في مبحث الحركة والسكون من ذلك الكتاب في نفى من قال بنفي
وجود الحركة القطعية لكل مهية نحو خاص من الوجود وكونها في الأعيان عبارة عن صدقها على أمر
وتحقق حدها فيه كما ذكره الشيخ في باب المضاف انتهى فإذا كان الحركة والمضاف وغير هما من ضعفاء
الوجود وجودية فكيف لا يكون الآلام والأوجاع وجودية وأيضا قد عده القوم من الكيفيات المحسوسة
والكيف موجود وأيضا اختلفوا في أن سبب الألم هل هو التفرق أو سوء المزاج أو قد يكون هذا وقد
يكون ذاك فجالينوس واكثر الأطباء على الأول وجماعة منهم الإمام الرازي على الثاني والشيخ الرئيس
على الثالث والسبب والمسبب لا يكونان واحدا فكيف قلتم ان الألم نفس التفرق وأيضا كيف يكون
الآلام نفس الاعدام وعدم اليد وعدم الرجل وعدم البصر وغيرها حاصلة بقاء حين التيام جراحاتها
256

ولا ألم فيها الا أوايل حدوثها ومعلوم ان الهم والغم غير الوجع والألم فظهر ان الطريق إلى كونه
وجوديا غير منحصر في كونه ادراكا كما زعمه المحقق الدواني ثم في قوله س لكن له ثبوت على نحو ثبوت
اعدام الملكات وقوع فيما هرب عنه إذ ح يكون الشر وجوديا اللهم الا ان يكون مراده س من الثبوت
تحقق العدم كما أن تحقق الباطل بطور البطلان وتحقق المحال بطريق المحالية والا لم يتحققا يدل
عليه قوله فوجود العدم عين ذلك العدم لكن لا نسلم كفاية هذا القدر من التحقق وهو اللا تحقق
حقيقة لتلك الحالة المؤذية فالتحقيق في دفع الشبهة التي ذكرها المحقق الدواني ان يقال المدرك
المنافى في الألم الذي هو نحو من الادراك الحضوري إما تفرق الاتصال ونحوه من الاعدام فيكون
الألم عدميا كما قاله الدافع س واما أمر وجودي كما ذكره مورد الشبهة وذكرنا أيضا في ابداء
الاحتمال في المنع فنقول كيف يكون ذلك الوجود شرا في ذاته ومهيته والحال ان كل وجود ملائم
مهيته ومسئول عينه الثابت فالجسم يقتضى وجودا عين الكثرة بالقوة والكم المنفصل يستدعى وجودا
عين الكثرة بالفعل والمتصل القار وجودا قارا وغير القار وجودا غير قار والنار وجودا تراعا قطاعا
وسم الحية وجودا لذاعا وهكذا ولا شئ منها شرورا لذواتها ومهياتها فهكذا في الألم وانما لا يمكن
ان توصف بالشرية لذواتها لان ما يعد شرا لشيئ هو ما هو مناف لوجوده وهذا انما يتم فيما كان موجودا
أولا حتى يكون شئ منافيا له وكلامنا في الاستدعاء الذاتي الأولى الأزلي لنفس الوجود للاعيان
الثابتة اللازمة للأسماء المستفيضة بالفيض الأقدس في المرتبة الواحدية للخير المحض فلا شيئية الا
شيئية المهية وبالجملة الاستدعاء في العلم للوجودات الخاصة في العين والذي يدلك دلالة
واضحة عليه انه لو كانت الآلام شرورا بالذات والذاتي لا يختلف ولا يتخلف لكانت هذه في علم
الله تعالى أيضا شرورا ولا سيما ان علمه تعالى بها حضوري وهو عين المعلوم وحيث لا يحكم عليها
بالشرية هناك لفعاليته وكون علمه تعالى فعليا وعدم انفعاله وتأثره إذ لا مادة له ولا مهية له وراء
الآنية البحتة علمنا أن شرية الأوجاع في علمنا ليست باعتبار كونها ادراكات ووجودات
بل باعتبار الانفعالات والتأثرات وهي عدميات أو مستلزمات لها حتى يكون شريتها بالعرض
بواسطتين ولو فرض ان يحصل فنون الأوجاع لا حد ولا سيما لو كان طالبا لمعرفتها من حيث إن
العلم بكل شئ أولي من الجهل بها وفرض ان لا يكون له تأثر وانقهار لكان كلها بهاء وكمالا له لأنها وجودات
257

فثبت ان الشرور بالذات اعدام والآلام وإن كانت مؤذية فليست بشرور بل خيرات لكونها وجودية
وما ذكره المحقق الدواني ان هناك شرين أحدهما تفرق الاتصال والاخر الألم ولا ينكره عاقل مثل
ان يقال فقد الثمار بالبرد شر والبرد شر اخر ولا ينكره عاقل ان البرد المؤذي المفسد شر وكما أن هذا
القول باطل إذ العاقل يقطع بان الشر انما هو فقد الثمار واما البرد وهو كيفية موجودة أو الحر فليس
بشر بالذات وان أجمد ذاك أو أحرق هذا سعيدا فكذا القطع بان الألم شر باطل نعم يكرهه المتألم
وليس كلما يكرهه أحد يجب ان يكون شرا إذ يكره الانسان وجود الحية مثلا بل وجود الظالم من بنى
نوعه بل كثيرا من الأشياء كما قال تعالى ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السماوات والأرض
وليست هي بما هي وجودات بشرور ففرق بين كون الوجع مكروها للانسان وبين كونه شرا في نفسه
فالمغالطة في كلام المحقق من هذا الباب وهو اشتباه ما بالعرض بما بالذات ثم إن فيها من الخيرات
الإضافية ما لا تعد ولا تحصى فإنها من حيث الإضافة الصدورية إلى القلم الاعلى خيرات حيث إن المعلول
ملايم علته ومقتضى ذاتها وكذا من حيث إن السعداء والمتقربين بها يرتقون إلى المقامات العالية من
الصبر والرضا والتسليم وغيرها وكذا بهذه الادراكات المؤلمة يحصل الاطلاع على أحوال أهل الابتلاء
فيستغيثون ويغاثون وأيضا يعرف قدر مقابلاتها من اللذات مع أن شريتها بالذات مع وجوديتها
معارضة بالقياس المنقول عن العلامة الشيرازي وبالتقسيم والتشقيق الذي ذكره أرسطو في
دفع شبهة الثنوية يا عالم السر والهمم يا رب البيت والحرم يا من خلق
الأشياء من العدم سبحانك الخ في معنى هذا العدم وجوده أحدها وهو الأولى ان يكون المراد منه الوجود
المطلق أعني فيض الله المقدس عن التعينات إذ قد علمت أن للوجود ثلث مراتب الوجود الحق
والوجود المطلق الذي هو صنعه والوجود الذي هو مصنوعه وهذا المطلق بمنزلة مادة الشئ التي
ينسب إليها بكلمة من كما يقال صنع الخاتم من الفضة وهنا أيضا استعمل كلمة من بل هذا الوجود
المطلق نفس مادة الشئ والمهية الامكانية صورته عند بعض العرفاء كسعد الدين الحموي رحمه الله
وغيره ومعلوم انه ليس مادة مصطلحة عند القوم بل مقصود هم إما تشبيهه في السعة والحيطة الوجودية
بالمادة في السعة الابهامية أو عقد اصطلاح خاص ولكل ان يصطلح على ما شاء وبالجملة أصل كل شئ
كان ذلك الوجود الاطلاقي الذي هو فيض الله تعالى وصنعه وهو كما يشعر تسميته بالمقدس كان مجردا
258

عن التعينات العقلية والنفسية والطبيعية والفلكية والعنصرية وغيرها فهو عدم كل وجود بما هو
مقيد ومتعين بتعين خاص وإن كان وجود كل شئ بما هو موجود بنحو أعلى إذ شيئية الشئ بصرفه ومطلقه
الوجودي وكليه السعي والاحاطي وبتمامه لا بمخلوطه بالأجانب والغرايب ولا بنقصه وثانيها ان يكون
المراد بالعدم المهية إذ يطلق عليها فان صيرورة الشئ هذا الشئ انما هي بالمهية المعينة وهي اعتباره الذي
من نفسه كما أن الأول اعتباره الذي من ربه وثالثها ان يكون المراد منه العدم الذي جعله الحكماء
من المبادى للأشياء الطبيعية وسماها أرسطا طاليس الرؤس الثلاثة كما نقل السيد الداماد س عنه
أنه قال انشاء الخليقة لا من موجودات واحداثها لا من متقدمات خلق الرؤس الاوايل كيف شاء دبر
الطبايع الكلية من تلك الرؤس على ما شاء والرؤس أول الخلقة وابتداء ما انشاء الباري عز وجل
والطبايع وما كان من اختلاف خلق الطباع تفرع من تلك الرؤس فالرؤوس ثلثة لا محالة أولها واكرمها
الصورة والثاني الهيولي والثالث العدم لا بزمان ولا بمكان إلى اخر ما نقل وقال الشيخ الرئيس في النجاة
كلما كان بعد ما لم يكن فلا بد له من مادة موضوعة توجد فيها أو عنها أو معها وهذا في الكاينات الطبيعية
محسوس ولا بد له من عدم يتقدمه لان ما لم يتقدمه عدم فهو أزلي ولا بد له من صورة له حصلت في المادة
في الحال والا فالمادة كما كانت ولا كون فاذن المبادى المقارنة للطبيعيات الكاينة ثلثه صورة
ومادة وعدم وكون العدم مبدء هو لأنه لا بد منه للكاين من حيث هو كائن وله عن الكائن بدو هو مبدء
بالعرض لان بارتفاعه يكون الكائن لا بوجوده انتهى والسيد س يرى أن العدم الذي جعله الحكماء
من المبادى والرؤس هو العدم الصريح بلا زمان ومكان وهو المتقدم على وجود الحادث تقدما دهريا
والأولى ما حققه صدر المتألهين س حيث يرى أنه العدم المعتبر في هويات الطبايع السيالة
بالحركة الجوهرية فقال في مباحث الجواهر من كتابه الكبير واما الجسم من حيث وجوده الخاص المتغير
أو المستكمل أو الكائن الفاسد فان له زيادة مبدء فان كون الشئ متغيرا تغيرا طبيعيا أولا أو ان يصير
بصدد الاستكمال كمالا ذاتيا أو عرضيا أو كائنا لا بد وأن يكون فيه شئ ثابت هو المتغير وصفة كانت
موجودة فعدمت وصفة كانت معدومة فوجدت ومعلوم انه لا بد للكائن من حيث هو متغير
في ذاته من أن يكون له أمر قابل لما تغير عنه ولما تغير إليه وصورة حاصلة وعدم سابق لها مع الصورة
الزايلة وعدم مقارن معها للزايلة وهذا في التغيرات التي في الصفات الزايدة على جوهريات
259

الأشياء معلوم لأكثر الناظرين واما نحن فبضل الله وجوده قد بينا ذلك في جوهريات الطبايع
المادية على وجه لم يتيسر لاحد بعد المعلم الأول ومن يحذو حذوه جسما سلف ذكره من كيفية تجدد
الطبيعة وتقوم وجود كل جزء بالعدم وعدم كل جزء منها بالوجود فعلى هذا يجب ان يكون العدم
معدودا من جملة المبادى المقومة للكاينات فان العدم شرط في كون الشئ متغيرا وإذا كان التغير
في جوهر الشئ وقوامه كان للعدم شركة في تقويمه مع ساير المقومات فرفع العدم بالكلية عما هو متغير
في ذاته موجب رفع ذاته من غير عكس فالعدم على هذا الوجه مبدء بمعنى انه لا بد منه في وجود الشئ
ولو نوقش في اطلاق اللفظ وقيل المبدء هو الذي لا بد من وجوده في وجود شئ فلا مناقشة لنا
في ذلك مع قائله فليستعمل بدل المبدء المحتاج إليه فالعدم لا بد من اخذه في تحديد المتغير المستكمل
وكذا لا بد من اخذ الصورة فيه على أن هذا العدم ليس هو العدم المحض بل عدم له نحو من الوجود كأنه
عدم شئ مع تهيؤ واستعداد في مادة معينة فان الانسان لا يتكون عن كل لا انسانية بل لا انسانية
في قابل الانسانية لكن الكون باعتبار الصورة لا العدم والفساد باعتبار العدم لا الصورة وقد يقال إن
الشئ كان عن الهيولي وعن العدم ولا يقال عن الصورة فيقال ان السرير كان عن الخشب أو كان
عن اللا سرير انتهى اللهم إني أسئلك باسمك يا فاعل يا جاعل يا قابل
توبات العباد ومعاذيرهم ويجوز ان يكون بالهمزة من القول يا كامل من جميع الوجوه فإنه تام
لا حالة منتظرة فيه بل فوق التمام يا فاضل له من الفضايل أبهاها واسناها ومن الفواضل أعمها وأعلاها
يا فاصل يفصل بين الحق والباطل في العاجل والأجل يا عادل بعدله أقام السماوات
والأرضين فوضع كل شئ منها في موضعه وأوفى كل ذي حق حقه اعطى كل شئ خلقه ثم هدى فأول
معدلة نشأت منه اعطاء الأعيان الثابتة مقتضياتها الذاتية في المرتبة الواحدية وايتاء مسؤلات
ألسنتها الثبوتية في الحضرة العلمية كما قال تعالى ما يبدل القول لدى وما انا بظلام للعبيد
إذ ما عاملهم الا بما علم منهم وأيضا عادل بمعنى انه عدل بعض اجزاء المعتدل ببعض كما قال تعالى
الذي خلقك فسواك فعدلك فعدل جوهر النفس الناطقة الكاملة في الانسان
بالفعل مراتبها بعضها ببعض كتعادل الأسماء التشبيهية بالأسماء التنزيهية واللطفية بالقهرية
على السوية وكذا في الأخلاق حتى يحصل ملكة العدالة المركبة من الحكمة والعفة والشجاعة والسخاوة
260

وعدل البدن الانساني وغيره بتفاعل الصور النوعية وتكاسر الكيفيات الفعلية والانفعالية
حتى حصل المزاج المعتدل اعتدالا طبيا ولما كان الانسان اعدل الأنواع ظاهرا وباطنا وميزانا
سويا وضعه الرحمن جعل في مركبات الحروف لفظ الانسان بازائه فإنه كميزان عموده السين
وكفتاه المتساويان هما الألف والنون المكتنفان بالسين كما قيل سين انسان چونكه خيزد از ميان
أول واخر نماند غير آن وجعل في الحروف البسيطة المقطعة حرف السين بإزاء الانسان
حيث إن زبره أعني س معادل لبيناته أعني ى ن وليس شئ من الحروف المقطعة كذلك ولكون
السين حرف الانسان فسرت يس بالانسان الكامل الختمي صلى الله عليه وآله أي الياء وهي المراتب التي هي الخمس في
القوس النزولي والخمس في القوس الصعودي وتلك عشرة كاملة عبارة عن السين التي
هي الانسان الكامل المشتمل على الكل أو نقول الياء زبره وبينته هو والمراد القسم بالياء والسين
والمسمى والاسم والظاهر والمظهر ويكون القران الحكيم عبارة أخرى عن مدلول السين أو نقول
المراد هو التصديق ولكن مدلوله مدلول هو معكم يا غالب يا طالب في الحديث القدسي
من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا الحديث أو هو الطالب لذاته وهو المطلوب
لذاته إذ العالي لا يلتفت إلى السافل الا بالعرض يا واهب سبحانك الخ يا من
أنعم بطوله الطول الفضل والقدرة والسعة يا من أكرم بجوده يا من جاد بلطفه
يا من تعزز بقدرته يا من قدر بحكمته يا من حكم بتدبيره يا من دبر
بعلمه يا من تجاوز بحلمه يا من دنى في علوه يا من علاء في دنوه سبحانك الخ
في هذين الاسمين الشريفين أشار إلى جمعه تعالى بين غايتي التشبيه والتنزيه كما قيل عرفت الله بجمعه
بين الأضداد وأشير بالظرف في الموضعين إلى أن الجمع بينهما من حيثية واحدة لما مر انه إذا جاوز الشئ
حده انعكس ضده فإذا جاوز القرب والدنو غايته انعكس البعد والعلو يا من يخلق ما يشاء يا من
يفعل ما يشاء يا من يهدي من يشاء يا من يضل من يشاء يا من يعذب من
يشاء يا من يغفر لمن يشاء يا من يعز من يشاء يا من يذل من يشاء هذه وأمثالها
لاستواء نسبته تعالى إلى الجميع الرحمن على العرش استوى فليس هو تعالى قريبا من شئ وبعيدا
من شئ اخر مثلا انما التفاوت من طرف المخلوق كان الله ولم يكن كفر ولا اسلام
261

إذا ظهرت الحقايق بطلت الشرايع فبالحقيقة لا هداية ولا اضلال بالنسبة إليه بل يصير فيضه في
المهتدى هداية وفى الضال ضلالة كالماء الذي لا طعم له بذاته ففي قصب السكر يصير حلوا وفى الحنظل
مرا وأيضا مشيته لهذه على طبق الاستدعاء الذاتي لمهياتها كما مر لا ظلم في مشيته ولا جور في
حكومته والتعميم لان الاظهار والابراز ليس متعلقا بشئ دون شئ فكما إذا طلع الشمس يظهر الطاهر
والقاذور والطيب والخبيث كذلك الوجود الذي هو نور الحق تعالى يظهر المهتدى والضال ولهذه المذكورات
يقول هذه في كتابه المجيد ولا يبالي وكذا في القدسي خلقت هؤلاء للنار ولا أبالي وهؤلاء للجنة
ولا أبالي والخلاف في اختلاف الطينة واختلاف العقول في الأصل واتفاقها الحق عندي فيه الجمع
فإنها باعتبار وجودها كانت متفقة وباعتبار مهياتها مختلفة والطين مركب من الماء والتراب
والماء هو الوجود والتراب هو المهية يا من يصور في الأرحام ما يشاء هذا بحسب باطنه
يناسب الأسماء الشريفة المذكورة مشيرا إلى ما ذكرنا ثانيا بحمل الأرحام على الأعيان في الحضرة العلمية
كما هو أحد وجوه قوله (ع) السعيد سعيد في بطن امه والشقي شقي في بطن امه واما بحسب
ظاهره فاعلم أن النطفة إذا وقعت في الرحم صارت كروية لأن الماء كروية الشكل بالطبع ثم نضجت
بالتدريج حتى طفت اجزاؤها اللطيفة من مركزها إلى محيطها وتوزعت طبقات أربع بعدد العناصر
فما هو غليظ في الغاية يبقى في المركز وما هو لطيف في الغاية يطفو ويصير طبقة محيطة وما غليظه غالب
يقرب إلى المركز وما لطافته غالبة يقرب من المحيط فما في المركز سوداء وما في المحيط صفراء وما يلى
المركز بلغم وما يلى المحيط دم فهذه وإن كانت طبايعها مختلفة ولكن باعتبار كونها في حشو الرحم ودم الطمث
تحمر بالتدريج فتصير علقة حمراء وهذا كله في أربعين يوما وهو عدد ميقات موسى (ع) ومعتبر عند العرفا يشار إليه
في الحديث الشريف المشهور من أخلص لله أربعين صباحا جرت ينابيع الحكمة من قلبه
على لسانه والعلة في ذلك كله ان الشئ باكمال هذا العدد ينقلب انقلابا تاما ثم جعل العناية الإلهية هذه
الاخلاط الأربعة التي هي كالعناصر مادة لخلق الأعضاء السبعة الظاهرة من الرأس والظهر والبطن
واليدين والرجلين والسبعة الباطنة من الدماغ والقلب والكبد والرية وأعضاء التناسل والمرارة
والطحال فاخذ من الاخلاط لخلق كل بحسبه وقدره على ما اقتضته العناية وهذا هو الدور المعدني ثم خلق
العناية في هذه الأعضاء الظاهرة والباطنة قوى نباتية من رؤساء أربع وجعل لكل منها خوادم من
262

الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة وغيرها فجذبت الجاذبة دم الرحم من السرة إلى معدة الجنين
فجذبت جاذبة الكبد الكيلوس من طريق ألما ساريا فهضمته هاضمة الكبد حتى صار كيموسا نضيجا فخلق من
زبدته وصفوته الروح النباتي فانبعاثه من الكبد والباقي من الاخلاط الأربعة ما كان دما دخل في
الأوردة ووصل نصيب كل (صنمو)؟ إليه وما كان صفراء انجذب إلى المرارة وخاصيته تنفيذ الدم لأنه بمنزلة
النار ملطف ومخلخل وما كان سوداء انجذب إلى الطحال وخاصيته تصيير الدم ذا متانة وقوام وادخاله
في غذاء الطحال والعظام وما كان بلغما فهو في جميع الأعضاء لا وعاء خاص وخاصيته ترطيب المفاصل
والأدوات الأخر وصيرورته ما عند عوز الغذاء وهذا هو الدور النباتي ثم انجذب صفوة الدم وزبدة
الروح النباتي إلى القلب وإذا نضجا وطنجا صار الروح النباتي روحا حيوانيا وبعثه من طريق الشرايين إلى
جملة الأعضاء فالقلب منبع حياة جميع الأعضاء ومنزلته في الانسان الصغير منزلة الشمس في الانسان
الكبير وعند كثير من الحكماء القلب محل تكون الروح مطلقا ثم تسفل قسط منه إلى الكبد وتصعد قسط صالح
منه من طريق بعض الشرايين إلى الدماغ ونضج فيه مرة أخرى فاعتدل وصار روحا نفسانية مطية
للقوى المدركة الظاهرة والباطنة والقوى المحركة وهذا هو الدور الحيواني والى هنا التصويرات في الأرحام
وإذا خرج المولود من بطن امه إلى رحم الأرض كانت في درجة الحيوانية إلى أوان البلوغ الصوري ثم يأخذ
في الدورة الانسانية مستعملا للفكر والروية فاما يسلك مسلك التوحيد ويستكمل في العقل والمعقول
واما يسلك مسالك اخر فينخرط في سلك المقربين أو في زمرة أصحاب اليمين أو في حزب أصحاب الشمال
من الضالين والمكذبين يا من يختص برحمته من يشاء سبحانك الخ أي برحمته الرحيمية من الايمان بالله
وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر مما اختص باهل التوحيد واما الرحمة الرحمانية فمعلوم انه لا اختصاص
لها بطايفة دون طايفة أخرى كما مر يا من لم يتخذ صاحبة ولا ولدا يا من جعل
لكل شئ قدرا أي حدا محدودا ورتبة مخصوصة بخلافة تعالى إذ لا حد لوجوده ونوريته ولا تعين
لا نيته وهويته يا من لا يشرك في حكمه أحد يا من جعل الملائكة رسلا
اعلم أن المبادى الفاعلة إما لا علاقة لها مع الأجسام ولو علاقة التدبير وهي الأنوار القاهرة فاما مترتبة
وهي الطبقة الطولية من القواهر الأعلين واما متكافئة وهي الطبقة العرضية من القواهر الأدنين وكلهم
مهيمون في مشاهدة جماله عبر عنهم القران الكريم بالصافات صفا والسابقات سبقا واما لها علاقة
263

مع الأجسام فكل منها إما مبدء أفعال مختلفة واما مبدء فعل واحد ثم على كل واحد من التقديرين إما
مع الشعور واما عديم الشعور فمبادئ الافعال المختلفة بلا شعور هي النفوس النباتية ومع الشعور
الكلى أو الجزئي هي النفوس الناطقة والنفوس الحيوانية الحساسة المتحركة ومبادي الفعل الواحد الذي
على وتيرة واحدة مع الشعور هي النفوس السماوية ومبادي الفعل الواحد بلا شعور ان لم يقوم
المحل فهى المبادى العرضية وان قومت فاما في البسيط فهى الطبايع واما في المركب فهى الصور النوعية
فجميع تلك المبادى ملائكة سماوية وملائكة أرضية ولكن باعتبار جهاتها النورية وباعتبار انها متدليات
بالحق وبعبارة أخرى من حيث إنها في الدهر لا في الزمان وقد عبر عنها القران المجيد بالمدبرات أمرا
فالأنبياء والإلهيون لما كانوا خادمي القضاء الإلهي كما أن الطبيب والطبيعي خادم الطبيعة رأوا كل
المبادى جنود الحق تعالى وعماله وأيديه الفعالة مرتبطة به ولا يسندون الافعال إلى النفس والطبيعة
والصورة والعرض وغيرها مما يسند إليه الغافلون عن الله اللاهون الساهون عنه المتشتتوا الانظار
لأجل عقدها على عالم الكثرة بما هي كثرة ولا سيما في مبادى لا تثبت تلك المبادى لانفسها وجودا
بل مسبحات بحمده مسخرات بأمره بل هم تكلموا على قدر عقول الناس ووسع فهو أغلبهم في الأغلب
والا فيداه العمالتان أسماؤه الجمالية والجلالية كما أشار إليه القران الحكيم بقوله تعالى الله يتوفى الأنفس
حين موتها وقوله هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء وقوله يهدى من يشاء
ويضل من يشاء وغير ذلك ولذا سمى العرفاء أسماء الله أرباب الأنواع كما سمى الاشراقيون
العقول المتكافئة بهذا الاسم وحبذا كلمة علية جاء بها الشرع الأقدس من قوله لا حول ولا
قوة الا بالله العلي العظيم تقسيم اخر ذكره في الطوالع من الكتب الكلامية وذكر ان هذا
التقسيم مما استنبطته من فوايد الأنبياء (ع) والتقطته من فرايد الحكماء وهو ان الجواهر الغايبة عن الحواس الانسانية
إما ان يكون مؤثرة في الأجسام أو مدبرة للأجسام أو لا يكون مؤثرة ولا مدبرة لها والأول هو العقول
السماوية عند الحكماء والملاء الاعلى في عرف الشرع والثاني ينقسم إلى علوية تدبر الاجرام الفلكية وهي
النفوس الفلكية عند الحكماء والملائكة السماوية عند أهل الشرع والى سفلية تدبر عالم العناصر وهي إما أن تكون
مدبرة للبسايط الأربعة النار والهواء والماء والأرض وأنواع الكاينات وهم يسمون ملائكة
الأرض واليهم أشار صاحب الوحي صلى الله عليه وآله وقال جائني ملك البحار وملك الجبال وملك الأمطار
264

وملك الأرزاق واما ان يكون مدبرة للاشخاص الجزئية ويسمى نفوسا أرضية كالنفوس الناطقة
والثالث وهي الجواهر الغايبة التي لا تكون مؤثرة ولا مدبرة للأجسام تنقسم إلى خيرة بالذات وهم
الملائكة الكروبيون عند أهل الشرع والى شريرة بالذات وهم الشياطين وإلى مستعد للخير والشر وهم
الجن ثم إن الناس اختلفوا في مهية الملائكة وقد ذكر صدر المتألهين س وجه ضبط لأقوالهم لا باس بذكره
فقال في مفاتيح الغيب ان الناس قد اختلفوا في مهية الملائكة وحقيقتها وطريق الضبط ان يقال إن
الملائكة لا بد وأن يكون لها ذوات قائمة بأنفسها في الجملة ثم إن تلك الذوات إما أن تكون متحيزة
أو لا تكون إما الأول ففيه أقوال أحدها انها أجسام لطيفة هوائية تقدر على التشكل باشكال مختلفة
مسكنها السماوات وهو قول الظاهريين وثانيها قول طوايف من عبدة الأصنام ان الملائكة
في الحقيقة هي هذه الكواكب الموصوفة بالانحاس والاسعاد فإنها عند هم احياء ناطقة وان السعدات
منها ملائكة الرحمة والنحسات منها ملائكة العذاب وثالثها قول معظم المجوس والثنوية وهو ان
هذا العالم مركب من أصلين أولين وهما النور والظلمة وهما في الحقيقة جوهران شفافان قادران مختاران
متضادا النفس والصورة مختلفا الفعل والتدبير فجوهر النور فاضل خير نقى طيب الريح كريم النفس
يسر ولا يضر وينفع ولا يمنع ويحيى ولا يبلى وجوهر الظلمة على ضد ذلك في جميع هذه الصفات
ثم إن جوهر النور لم يزل يولد الأولياء وهم الملائكة لا على سبيل التناكح بل على سبيل تولد الحكمة
من الحكيم والضوء من المضئ وجوهر الظلمة لم يزل يولد الأعداء وهم الشياطين على سبيل تولد
السفه من السفيه لا على سبيل التناكح فهذه أقوال من جعل الملائكة أشياء متحيزة واما الثاني من أن
الملائكة ذوات قائمة بأنفسها وليست بمتحيزة ولا بأجسام فههنا قولان أحدهما قول النصارى
وهو ان الملائكة في الحقيقة هي الأنفس الناطقة بذاتها المفارقة لابد انها على نعت الصفاء والخبرة
وذلك لأن هذه النفوس المفارقة إن كانت صافية خالصة فهى الملائكة وإن كانت خبيثة كدرة
فهى الشياطين وثانيهما قول الفلاسفة وهو انها جواهر قائمة بأنفسها ليست بمتحيزة وانها بالمهية
مخالفة لأنواع النفوس الناطقة البشرية وانها أكمل قوة منها واكثر علما وانها للنفوس البشرية
جارية مجرى الشمس بالنسبة إلى الأضواء ثم إن هذه الجواهر على قسمين منها ما هي بالنسبة إلى اجرام الأفلاك
والكواكب كالنفوس الناطقة بالنسبة إلى أبداننا ومنها ما هي أعلى شانا من تدبير اجرام الأفلاك
265

بل هي مستغرقة في معرفة الله ومحبته مشتغلة بطاعته وهذا القسم هم الملائكة المقربون ونسبتهم
إلى الملائكة الذين يدبرون السماوات كنسبة أولئك المدبرين إلى نفوسنا الناطقة فهذان القسمان
قد اتفق الفلاسفة على اثباتهما ومنهم من أثبت نوعا اخر من الملائكة وهي الملائكة الأرضية المدبرة
لأحوال هذا العالم السفلى ثم إن مدبرات هذا العالم إن كانت خيرة فهم الملائكة وإن كانت شريرة فهم
الشياطين فهذا تفصيل المذاهب في الملائكة انتهى ثم رسالة الملائكة المشار إليه في الاسم الشريف
وفى الآية المباركة جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة منها تكوينية ومنها تشريعية وتعليمية
كالموكلين بالايحاء والالهام ولا نبالي بان يكون لرقايقهم المثالية وأشباحهم الصورية أجنحة ولهم طيران
وسير كما أن لكل حقيقة من حقايقهم المعنوية حقيقة الجناح من جناح القوة العلامة وجناح القوة العمالة
وحقيقة الطيران والسير من الدرك والفعل كما سمى بعضهم القوى المدركة من النفس الناطقة بالطيارة و
المحركة بالسيارة وفى خطب نهج البلاغة لسيد الموحدين أمير المؤمنين (ع) وفى الصحيفة السجادية لسيد
الساجدين زين العابدين (ع) تصريحات وتلويحات إلى كثرة أصنافها وشعبها وقبايلها يا من جعل
في السماء بروجا اثنى عشر مشهورة جنوبية وشمالية ينشأ من مرور الشمس عليها فصول أربعة
يحصل فيها خيرات غير متناهية ويبتنى على احكامها من الانقلاب والثبات وكونها ذوات الجسدين
والمثلثات والفحولة والأنوثه وغير ذلك تأثيرات جمة وكما أن في سماء هذا العالم اثنى عشر برجا كذلك
في سماء عالم الولاية اثنا عشر برجا مسير شمس الولاية ولقمر الوصاية وكلمة الإمامة الطيبة ثمانية وعشرون
منزلا ومقطعا وقد أشير إلى ذلك في حديث مشهور معتمد الرواة وموثوق النقلة ومروي عن أبي
عبد الله جعفر الصادق (ع) وقد مر في أوايل هذا لشرح الا انه لم يذكر هناك بتمامه والآن نريد ان
نذكره بتمامه ونشرحه توشيحا وتيمنا ونشير إلى تزييف ما قيل فيه قال (ع) ان الله تبارك وتعالى
خلق اسما بالحروف غير متصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد
وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ منفى عنه الأقطار مبعد عنه
الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامة على
أربعة اجزاء معا ليس شئ منها قبل الأخر فاظهر منها ثلثة أسماء لفاقة الخلق
إليها وحجب واحدا منها وهو الاسم المكنون المخزون وهذه الأسماء التي ظهرت
266

فالظاهر هو الله تبارك وتعالى وسخر لكل اسم من هذه الأسماء أربعة أركان
فذلك اثنا عشر ركنا ثم خلق لكل ركن منها ثلثين اسما فعلا منسوبا إليها فهو
الرحمن الرحيم الملك القدوس الخالق البارئ المصور الحي القيوم لا تأخذه سنة
ولا نوم العليم الخبير السميع البصير الحكيم العزيز الجبار المتكبر العلي العظيم المقتدر
القادر السلام المؤمن المهيمن الباري المنشئ البديع الرفيع الجليل الكريم الرزاق
المحيى المميت الباعث الوارث فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتى
يتم ثلثمائة وستون اسما فهى نسبة لهذه الأسماء الثلاثة وهذه الأسماء الثلاثة
أركان وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة وذلك قول الله تعالى
قل ادعو الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى قوله (ع) ان الله تبارك
وتعالى خلق اسما قال الفاضل المازندراني الشارح لأصول الكافي عليه الرحمة قيل هو الله وقيل
هو اسم دال على صفات ذاته جميعا وكان هذا القائل وافق الأول لان الاسم الدال على صفاته جميعا
هو الله عند المحققين ويرد عليهما ان الله من توابع هذا الاسم المخلوق أو لا كما يدل عليه هذا الحديث
ويحتمل ان يراد بهذا الاسم اسم دال على مجرد ذاته تعالى من غير ملاحظة صفة من الصفات معه وكانه هو
ويؤيده ما ذكره بعض المحققين من الصوفية من أن هو أشرف أسمائه تعالى وان يا هو أشرف الاذكار
لان هو إشارة إلى ذاته من حيث هو هو وغيره من الأسماء يعتبر معه صفات ومفهومات قد تكون
حجبا بينه وبين العبد وأيضا إذا قلت هو الله الرحمن الرحيم الغفور الحليم كان هو بمنزلة
الذات وغيره من الأسماء بمنزلة الصفات والذات أشرف من الصفات فهو أشرف الأسماء ويحتمل
ان يزاد به العلي العظيم لدلالة الحديث الآتي عليه حيث قال (ع) فأول ما اختار لنفسه العلي العظيم
الا ان ذكره في أسماء الأركان ينافى هذا الاحتمال ولا يستقيم الا بتكلف وهو ان مزج الأصل بالفرع
للاشعار بالارتباط وبكمال الملايمة بينهما انتهى وفيه مؤاخذة لأنه ينبغي ان يقال ذلك الاسم
مجموع هو الله الرحمن الرحيم أو مجموع هو الله العلي العظيم لا انه هو وحده مثلا لقوله (ع) فجعله اه قوله (ع) بالحروف
غير منصوت جعله هذا الشارح حالا من فاعل خلق أي خلقه والحال انه تعالى لم يتصوت بالحروف ولم يخرج
منه حرف وصوت ولم ينطق بلفظ لتنزه قدسه عن ذلك ولا يخفى ان جعل هذا وما بعده إلى قوله (ع) فجعله
267

كلمة تامة صفة له تعالى فيه بعد غاية البعد ولا سيما التنزيه عن الجسمية والكيفية والكمية وغيرها ليس
فيه كثير مناسبة لخلق ذلك الاسم ولا خصوصية له به بل المتصوت والمنطق بصيغة المفعول والكل
صفة الاسم على ما سنذكره وقوله (ع) مستتر غير مستور أي مستتر عن الحواس غير مستور عن
القلوب أو معناه مستتر عن فرط الظهور قوله (ع) على أربعة اجزاء معا قال الشارح أي على أربعة
أسماء باشتقاقها وانتزاعها منه وهي غير مترتبة بعضها على بعض كترتب الخالق والرازق على العالم
والقادر وعلى ما نذكر فالمقصود نفى الترتب المكاني وقوله (ع) وحجب واحدا منها أي لا يعلمه الا هو
حتى الأنبياء (ع) فإنه قد استأثر علمه لنفسه قوله (ع) وهذه الأسماء التي ظهرت فالظاهر هو الله تبارك
وتعالى قال الشارح أي الظاهر البالغ إلى غاية الظهور وكماله من بينها هو الله تعالى ويؤيده انه يضاف
غيره إليه فيعرف به فيقال الرحمن اسم الله ولا يقال الله اسم الرحمن وليس المراد ان المتصف بأصل الظهور
هو الله لان غيره أيضا متصف بالظهور كما قال (ع) وأظهر منها ثلثة وهذا صريح بان أحد هذه الثلاثة
الظاهرة هو الله واما الآخران فلا نقلهما على الخصوص ويحتمل ان يراد بهما الرحمن الرحيم ويؤيده اخر الحديث
واقترانهما مع الله في التسمية ورجوع ساير الأسماء الحسنى إلى هذه الثلاثة عند التأمل ثم قال الا ان عد
الرحمن الرحيم في جملة ما يتفرع على الأركان ينافى هذا الاحتمال ولا يستقيم الا بتكلف مذكور ونسب إلى
بعض الأفاضل انه يفهم من لفظ تبارك جواد ومن لفظ تعالى أحد قوله (ع) أربعة أركان قال الشارح
اعتبار الأركان إما على سبيل التخييل والتمثيل أو على سبيل التحقيق باعتبار حروف هذه الأسماء فان
الحروف المكتوبة في كل واحد من الأسماء المذكورة أربعة ويحتمل ان يراد بالأركان كلمات تامة مشتقة
من تلك الكلمات الثلث أو من حروفها وان لم نعلمها بعينها قوله (ع) وذلك قول الله تعالى
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن قال الشارح انما يذكر الثالث لقصد الاختصار أو لأنه أراد
بالرحمن المنصف بالرحمة المطلقة الشاملة للرحمة الدنيوية والأخروية أقول قد علمت حقيقة الاسم
وان هذه الألفاظ أسماء الأسماء فالمراد وهم (ع) اعلم بمراد هم بذلك الاسم الوجود المطلق المنبسط الذي
هو تجليه وصنعه ورحمته الواسعة الفعلية وجعله أربعة عبارة عن تجليه في الجبروت والملكوت
والناسوت ونفس ذلك التجلي ساقط الإضافة عنها وبعبارة أخرى أصلها المحفوظ وسنخها التأقي
وروحها الكامن ومعلوم انه بهذا الوجه مكنون عنده فالخلق المفتاق إليها شيئيات مهياتها والأسماء
268

الثلاثة هي التجليات عليها إذ قد مر انه كما أن الوجود باعتبار تعين كمالي اسم من الأسماء كذلك باعتبار تجلى
فعلى اسم أيضا وان كنت من المتفطنين لحقيقة الخلق والايجاد وانه اختفاء نور الحق تعالى في حجب
أسمائه وفى حجب صور أسمائه وان مدة اختفاء النور دورة الخلق كما أن مدة ظهور نوره واستتار
حجبه دورة الحق وافنائهم تعرج إليه الملائكة والروح في يوم كان مقداره خمسين الف
سنة لوسع لك تجويز ان يكون ذلك الاسم أعم من الرحمة الصفتية والرحمة الفعلية والمكنون
منه هو التجلي اللاهوتي أعني التجلي في أسمائه وصفاته في المرتبة الواحدية والثلاثة الظاهرة التجليات
الثلاثة المذكورة والاكتنان هنا أشد لأنه إذا كان الرحمة الفعلية ساقطة الإضافة من صقع الذات
كان الرحمة الصفتية اوغل في ذلك لان الصفة أقرب من الفعل وقوله (ع) فالظاهر هو الله
تبارك وتعالى معناه انه لما كان الاسم عنوانا للمسمى وألة للحاظه فالأسماء الثلاثة ظهورات
المسمى فهو الظاهر لان معنى الظاهر ذات له الظهور فالذات التي هو الله له الظهورات فهو الظاهر
بالأسماء أو المراد ان الأسماء الثلاثة ظهورات الاسم المكنون المستأثر لنفسه الذي هو عنوان لذاته
عند ذاته لكنه معنون بالنسبة إلى الثلاثة والدليل على هذا المراد ان الله اسم واقع على الحضرة الواحدية
كاللاهوت فان معناه الذات المستجمعة لجميع الصفات والكمالات وتلك الحضرة أيضا مجمع
الأسماء والصفات ولذا عبر في حديث الأعرابي عن النفس اللاهوتية بذات الله العليا والأركان
الأربعة لكل واحد من هذه الأسماء عبارة عن الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة المعنويات أعني
حرارة العشق والابتهاج وبرودة الطمأنينة والايقان ورطوبة القبول والاذعان أو الإحاطة والسريان
ويبوسة التثبت والاستقامة عند الملك المنان نظير ما قال بعض أهل الذوق كجابر بن حيان ان
السماوات وما فيها من العناصر الأربعة وحمل عليه قول أمير المؤمنين (ع) في خطبة المبتدئة المذكورة في
نهج البلاغة والصواب الحمل على ما ذكرنا والغرض كل الغرض منه تطبيق العالمين الظاهر والباطن
بجعل ذلك الاسم كالنير والأثنى عشر ركنا بروجه والثلثين اسما درجات كل برج حتى يتم ثلاثمأة وستون
درجة وهي تعينات الأسماء التي انطوت فيها وهي مظهرها فيكون بعدد درجات دورة الفلك الظاهر
أو نقول المراد بذلك الاسم الغوث الأعظم الذي هو خاتمة كتاب الوجود كما أن المعنى الأول الذي
هو فاتحته روحانيته وهو ختم الكل والاسم الأعظم وقال خلفائه نحن الأسماء الحسنى فجعله أربعة
269

اجزاء ثلثة منها ظاهرة هي العقل والقلب والنفس وواحد مستور هو أصلها المحفوظ الذي لا يعلمه الا
الله وهذه الثلاثة هي المشار إليها بقوله تعالى حمعسق أي حق لا باطل محمد الذي هو العقل والنفس
والقلب أو حم أي التسعة والتسعون من الأسماء هو العقل والنفس والقلب من الانسان الكامل
أو الثمانية والأربعون من الصور التي هي مجالي شمس الحقيقة هي العقل اه ثم الأركان الاثنا عشر والدرجات
الثلثمائة والستون كما سبق وكان بروج نوره الواحد التي هي خلفاؤه في هذا العالم أيضا اثنا عشر كل واحد
منها مظهر ثلثين اسما باعتبار من الأسماء المحيطة ثم المقصود من ذكر الأسماء إما تعداد على سبيل التمثيل فلا كلام
واما تعيين ثلثين فيكون بعضها من الأسماء المركبة كالرحمن الرحيم والعلى العظيم مثلا فان العلى مثلا مفردا اسم
من أسمائه وله خاصية علي حده وكذا للعظيم ومركبا اسم ولذكره خاصية أخرى ومن المركبة البارئ المنشى
فلا تكرار من الناسخ كما زعمه الشارح المذكور يا من جعل الأرض قرارا يا من خلق من الماء
بشرا أي ماء أبويه يا من جعل لكل شئ أمدا أي وقتا موقوتا إن كان من الزمانيات ودهرا مبسوطا
إن كان من الدهريات المفارقات وهذا هو الاجل الذي في الحديث السابق ذكره في أول الكتاب انه
لا يدخل شئ في الوجود بدونه ووعاء وجود كل شئ بحسبه فكما وجود السيالات وعائه الزمان المتكمم ليسال
كذلك وعاء وجود المفارقات الثابتات الدهر الثابت البسيط الذي هو روح الزمان ووجود الواجب تعالى
في السرمد الذي هو روح الدهر يا من أحاط بكل شئ علما يا من احصى كل شئ عددا سبحانك الخ
نصب عددا إما على أنه مفعول مطلق من غير لفظ فعله واما على الحالية واما على البدلية اللهم إني أسئلك
بسمك يا أول يا اخر هو تعالى أول السلسلة الطولية النزولية ومبدء المبادى كان الله
ولم يكن معه شئ واخر السلسلة الطولية الصعودية وغاية الغايات ان إلى ربك الرجعي أيضا وكما أن
الوجود مطلقا حيثما اتفق وأينما تحقق بلا حيث وأين قبل المهية بجميع انحاء القبلية اللايقة بحاله وإن كان
تأخرها بالعرض للوجود الذهني فان المهية دون التأخر بالحقيقة كما انها دون الجعل كذلك الوجوب
قبل الامكان فان الوجوب شدة الوجود الحقيقي وكما أن الوجود الحقيقي قبل المهيات طرا مفارقاتها ومادياتها
كذلك قبل الوجود نفسه بما هو مضاف إلى المهيات لان الحق وما هو مضاف إليه ومن صقعه قديمة والمهيات
والتعينات وما هو مضاف إليها حادثة ثم إنه كما كان قبلها كذلك يكون بعدها على حذو ذلك
لان كل كائن فاسد وكل حادث داثر وكل مركب ينحل إلى البسيط وكل كثير ينتهى إلى الواحد وكل
270

عرضي يزول كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام لمن الملك اليوم
لله الواحد القهار يا باطن يا ظاهر أي باطن بكنهه وظاهر بوجهه أو باطن من فرط الظهور
وظاهر من شدة الإحاطة أو باطن بأسمائه التنزيهية وظاهر بأسمائه التشبيهية أو باطن بأنه مقوم الأرواح
وظاهر بأنه قيوم الأشباح وفى الكافي سئل على ابن الحسين عليهما السلام عن التوحيد ثم يحصل
فقال (ع) ان الله عز وجل علم أنه يكون في اخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله تعالى
قل هو الله أحد والآيات من سورة الحديد إلى قوله والله عليم بذات الصدور فمن رام
وراء ذلك فقد هلك صدق ولى الله يا بر بالفتح وهو والبار بمعنى أي العطوف على عباده
باحسانه وبره والبر بالكسر الاحسان والصلة ومنه بر الوالدين يا حق قال المعلم الثاني أبو نصر
الفارابي يق حق للقول المطابق للمخبر عنه إذا طابق القول ويق حق للموجود الحاصل بالفعل ويق حق
للموجود الذي لا سبيل للبطلان إليه والأول تعالى حق من جهة الخبر عنه حق من جهة الوجود حق من جهة انه
لا سبيل للبطلان إليه لكنا إذا قلنا إنه حق فلانه الواجب الذي لا يخالطه بطلان وبه يجب وجود كل باطل
الا كل شئ ما خلا الله باطل يا فرد أي انه الوجود البحت البسيط الذي هو عين الهوية
الشخصية بذاته لا بتشخص زايد بخلاف غيره من الافراد فان لها أمرا مبهما وكليا طبيعيا متشخصا بمشخصات
تزيد على ذواتها فليست هي بالحقيقة افرادا وهو الفرد المحض ولما لم يكن لهذا الوجود حد ولا ثان
فلا شريك له ولو في الذهن يا وتر أي انه الوجود الصرف البسيط الذي لا يخالطه سنخ اخر
من مهية أو مادة أو قوة أو استعداد وبالجملة كلما هو غير سنخ الوجود بخلاف غيره من الأوتار فان
له سنخا اخر غير الوجود بل الوجود عارية له وأمانة لديه ومهيته تبعة محضة فهو الوتر المحض وما سواه زوج
تركيبي ما دام له وجود مجازى وفى الحقيقة هالك صرف ولا شئ سلبا بسيطا ولعل الوتر بحسب
اللغة أعم فان الفرد لا يطلق على ما لم يتشفع من العدد وان اطلق في عرف الآخرين قال في القاموس
الفرد نصف الزوج والمتحد ج افراد ومن لا نظير له ج افراد وفرادى وقال في فصل الواو مع الراء الوتر
ويفتح الفرد أو ما لم يتشفع من العدد يا صمد يا سرمد سبحانك الخ أي دائم الوجود واشتقاقه من السرد
وهو التوالي والتعاقب كما يقال يسرد الصوم أي يواليه وسرد الدرع أي نسجه ولما كان الزمان انما
يبقى بسبب تعاقب اجزائه وكان ذلك مسمى بالسرد ادخلوا عليه الميم الزايدة لتقيد المبالغة في ذلك
271

لان زيادة المباني تدل على زيادة المعاني كذا نقل عن الفخر الرازي هذا بحسب اللغة واما بحسب الاصطلاح
فالسرمد مفهوما وعاء وجود الحق الدائم الذي لا مهية له فلا شئ وشيئ هناك مطلقا فضلا عن شئ شئ مثل ما يوجد في الكميات والمتكممات القارات أو السيالات بل هو على حالة واحدة بسيطة في الأول
بلا ابتداء والاخر بلا انتهاء والآن كما ابتدى وكما انتهى كما أن الدهر وعاء وجودات المفارقات
الثابتة الصادرة عن الحق تعالى والزمان وعاء وجود السيالات والموروث من القدماء ان نسبة
المتغير إلى المتغير زمان ونسبة المتغير إلى الثابت دهر ونسبة الثابت إلى الثابت سرمد ثم الأشهر اطلاق
السرمدي عليه تعالى لكن لما يكن هناك ظرف ومظروف اطلق عيه اسم السرمد كما في الدعاء يا أزل يا أبد
يا أزلي يا أبدى يا خير معروف عرف يا أفضل معبود عبد يا أجل مشكور
شكر يا أعز مذكور ذكر يا أعلى محمود حمد يا أقدم موجود طلب يا ارفع
موصوف وصف يا أكبر مقصود قصد يا أكرم مسؤول سئل يا أشرف
محبوب علم سبحانك الخ التوصيف بالجمل الفعلية في هذه الأسماء الشريفة للتعميم
كما في قوله تعالى ما من دابة في الأرض ولا طاير يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم ليكون التفضيل
فيها حقيقيا لا يشذ موجود عنه لا يكون مفضلا عليه له تعالى وكيف يشذ وكل هذه الكمالات أينما وجدت
فوايد وعوايد وعواري وطواري منه إليها وعليها ولن يكافئ مستفيد في جميع أحواله بل في ذاته مفيده
ولا مستعير في جميع شؤونه حتى الشؤون الذاتية معيره يا حبيب الباكين يا سند المتوكلين
يا هادي المضلين إن كان بفتح الضاد كان المراد من أضلهم الشياطين من الداخل والخارج
والله تعالى هاديهم وإن كان بكسر الضاد فهو تعالى إذا كان هاديهم كان هادي الضالين بطريق أولي أو هادي للضلين
على الثاني هداية تكوينية على نحو ما قال تعالى ربنا الذي اعطى كل شئ خلقه ثم هدى والمأثور هو
المتبع يا ولى المؤمنين يا أنيس الذاكرين يا مفزع الملهوفين قال في ق
الملهوف واللهيف واللهفان واللاهف المظلوم المضطر يستغيث ويتحسر يا منجى الصادقين
يا أقدر القادرين يا اعلم العالمين يا اله الخلق أجمعين سبحانك الخ
يا من علاء فقهر فعلوه قهره لجميع ما سواه لا العلو المكاني كما زعم المجسمة تعالى عنه علوا كبيرا
يا من ملك فقدر فكيف لا يكون مقتدرا من ملك رقاب الخلق وملك بالهم وبيده
272

نواصيهم يا من بطن فخبر أي كان لطيفا نافذا نوره في أعماق كل شئ وبواطن كل حي فكان
خبيرا عالما بها كما قال تعالى الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير يا من عبد فشكر
يا عصى فغفر وفى هذا دلالة على جواز الغفران عن الكباير بدون التوبة لان العقاب حقه
فجاز اسقاطه ولأنه لا ضرر عليه في تركه فحسن اسقاطه وفى الدعاء اللهم ان الطاعة تسرك والمعصية
لا تضرك فهب لي ما يسرك واغفر لي ما لا يضرك يا ارحم الراحمين خلافا للمعتزلة
حيث منعوا عن المغفرة عن الكباير بدون التوبة ان قيل يجوز ان يحمل على المغفرة عن الصغاير أو عن
الكباير بعد التوبة قلنا هذا خلاف الظاهر لا يصار إليه بلا دليل وفى السمعيات من الكتاب والسنة
ونظايره كثيرة يا من لا يحويه الفكر يا من لا يدركه بصر يا من لا يخفى عليه
اثر يا رازق البشر يا مقدر كل قدر سبحانك الخ اللهم إني أسئلك
بسمك يا حافظ يا بارئ يا ذارئ من ذرأ أي خلق ومنه قوله تعالى ولقد ذرأنا
لجهنم كثيرا من الجن والإنس أو من ذرء الشئ أي كثره ومنه الذرية لنسل الثقلين ومنه قوله تعالى
هو الذي ذرأكم في الأرض واليه تحشرون يا باذخ البذخ محركة الكبر بذخ كفرح
وتبذخ تكبر وعلا وشرف باذخ عال وجبال بواذخ كذا في ق فالباذخ كالمتكبر في أسماء الله
يا فارج يا فاتح يا كاشف يا ضامن يا أمر يا ناهى سبحانك الخ يا من
لا يعلم الغيب الا هو لا يقال كثير من الأنبياء والأولياء كانوا يخبرون بالغيب وكيف
هذا الحصر لأنا نقول المراد بالغيب في هذا الاسم الشريف الغيب المطلق أعني كنه ذاته الذي
لا يعلمه الا هو ولهذا يقال له الغيب المصون والغيب المكنون وفى الحقيقة هو الغيب الحقيقي دون
ما عداه فان كل ما في عالم من عوالم الغيب غيب على سكان عالم اخر شهادة بالنسبة إلى سكان
نفسه كما أن مدركات الخيال غيب على الحواس الظاهرة لا على نفسه أو على الاعلى منه ومدركات
العقل غيب على الحواس الباطنة أيضا لا على نفسه أو على الاعلى منه بل شهادة في الموضعين بل في
عالم الشهادة ما في بلدة غيب على ما في بلدة أخرى فمن علم شيئا من هذه علم أمرا شهاديا لا أمرا
غيبيا أو نقول المراد انه لا يعلم الممكن الغيب من قبل نفسه وهذا لا ينافى ان يعلم بتعليم الله وبنوره
فبالنور الوارد من عند الله إذا علم غيبا فهو علمه بالحقيقة لا من ورد عليه النور فذلك العلم
273

وتلك الحالة منه واليه الإشارة بقوله تعالى ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء واما البشر
بما هو بشر فهو كما قال تعالى في حق خير البشر قل لو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني
السوء يا من لا يصرف السوء الا هو يا من لا يخلق الخلق الا هو يا من
لا يغفر الذنب الا هو يا من لا يتم النعمة الا هو يا من لا يقلب القلوب
الا هو يا من لا يدبر الامر الا هو يا من لا ينزل الغيث الا هو يا من لا يبسط
الرزق الا هو يا من لا يحيى الموتى الا هو سبحانك الخ كما أنه تعالى في العالم
الظاهر لعلمه الغيبي بغاية تدبير الامر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء صرف سوء العدم
أولا عن المواد العنصرية ووجه إلى مهياتها حسن الخلق وخير الوجود والايجاد ثم ستر ذنب القوة
عنها بحلل الفعليات واتمام النعمة بإرادة الايصال إلى الغاية التي لا يعلمها الا هو فقلب قلوب
المواد الكانية العنصرية بان أمر الملائكة المدبرات أمرا بان يأمروا ويدبروا ملائكة البحار والبخار
والسحاب حتى ينزلوا الغيث فيبسط الرزق بانبات النباتات الحسنة حتى تكون أغذية
للحيوانات فيحيى الحيوان والانسان من موتى المواد ثم على الانسان يدور دايرة الغايات
إذ الكامل منه مركزها وهو أيضا كدايرة مركزها الغيب المكنون كذلك في عالم الباطن بعد صرف
سوء العدم عن القلب والنفوس الناطقة باعطاء الوجود وتوجيه الايجاد وستر قوتها التي لها
في مقام عقولها الهيولانية بالتوجيه إلى الفعليات أراد هو تعالى اتمام النعمة عليها وايصالها إلى
الغاية بتقليبها فدبر الامر الذي هو العقل الفعال ونفس الامر فنزل الغيث وامطار الأفكار
بالالهامات والتعليمات من ذلك المعلم الملهم المسدد للصواب الذي هو سحاب الرحمة وبسط الرزق
الذي هو النتايج الحقة والعلوم التفصيلية فاحيى موتى الجهل بحيوة العقل البسيط الاجمالي
الناس موتى واهل العلم احياء يا معين الضعفاء يا صاحب الغرباء يا ناصر
الأولياء أولي هنا بمعنى المحب بقرينة مقابلته لما بعده أعني يا قاهر الأعداء يا رافع السماء
يا أنيس الأصفياء يا حبيب الأتقياء يا كنز الفقراء الفقير الحقيقي من لا يضيف
إلى نفسه فعلا وصفة ووجودا بل يتذكر لسان حاله فضلا عن لسان مقاله بلا حول ولا قوة
الا بالله العلي العظيم ولا إله إلا الله ولا هو الا هو وعند هذا يكون الغنى الحقيقي كنزا له
274

لأنه زخر من لا زخر له وقد اشتهر عنهم ان نهاية الفقر بداية الغناء وانه إذا جاوز الشئ حده
انعكس ضده لان نهاية الفنا في الله بداية البقاء بالله وهو الفقر المحمود الذي افتخر به سيد
الكاينات وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله أيضا الفقر سواد الوجه في الدارين وله معاني منها ان يكون
المراد بالفقر حاجة الممكن إلى الغير المستندة إلى الامكان اللازم للماهية ومنها ان يكون المراد
بسواد الوجه محو وجه الله إذ في الفناء المحض لا وجود للسالك حتى يكون له وجه إلى الله فإنه إذا
بزغ نور شمس الحقيقة اضمحلت ظلمات المجازات ولذلك قال صلى الله عليه وآله كاد الفقر ان يكون كفرا
أي سترا محضا بان يصير وجود الفقير عدما محضا في جنب وجود الحق الغنى أو كاد الفقيران يتفوه
بالشطحيات التي يترائى في ظاهر الشريعة انها كفر لو لم يؤل كقولهم لا يحتاج إلى شئ أصلا وغير ذلك
ومنها ان يكون المراد بالسواد السواد الأعظم كما ورد عليكم بالسواد الأعظم وبالوجه الذات
إذ جاء لغة الوجه بمعنى ذات الشئ أو يراد بالوجه الوجود المنبسط الذي هو فقر المهيات إليه تعالى
وربطها به واضافته الاشراقية إليها فالفقير لا بد وأن يكون متمكنا في هذا السواد الأعظم كما قيل
سواد الوجه في الدارين درويش * سواد أعظم آمد پى كم وبيش ومنها ان يراد بسواد الوجه
تسويد الظاهر بتحمل أعباء الملامة على الكاهل في حب الله كما قال تعالى ولا يخافون لومة لائم
وقال الشاعر جد الملامة في هواك لذيذة ومنها ان يراد بسواد الوجه نور الذات
فان النور الأسود نور الذات فان السالك إذا وصل إلى هذا النور تخلص من التلوين ورسخ
في مقام التمكين كما أن السواد لا يقبل لونا اخر وقد قيل سياهى چون به بيني نور ذاتست
بتاريكى درون آب حياتست وعند بعض السالكين نور الذات نور أخضر إشارة إلى الحياة
الأبدية وفى السواد أيضا إشارة إليها فان ماء الحياة في الظلمة ومنها ان يراد بسواد الوجه
الوجه شأمة وجه القلب وبهائه وزينته كشأمة الوجه الظاهر فإنها بهاؤه وزينته ومنها ان
يراد بسواد الوجه سواد العين فان سواد العين في الوجه بالواسطة فالفقر نور العين وقرة العين للسالكين فالفقر
على جميع هذه التقادير غير الوجه الأول محمول على الفقر المحمود لا المذموم يا اله الأغنياء
انظر إلى التفاوت من أين إلى أين فإنه تعالى للأغنياء اله كما هو للحجر والمدر والشجر اله وللفقراء كنز
كما أنه للأصفياء والأتقياء أنيس وحبيب وهكذا يا أكرم الكرماء سبحانك الخ
275

يا كافيا من كل شئ يا قائما على كل شئ فإنه قيم الكل ومقومه في وجوده لا بمداخلة
ولا قوام للمتقوم بدون المقوم يا من لا يشبهه شئ إذ لا ثاني له في الوجود فان الكل منه
وبه وله واليه وما هذا شانه بالنسبة إلى الشئ كيف يكون ثانيا له يا من لا يزيد في ملكه شئ
إذ ليس في ملكه ما لم يكن من ذاته وأيضا جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيمة فليس له شأن يبتديه
بل كل يوم هو في شأن يبديه يا من لا يخفى عليه شئ يا من لا ينقص من
خزائنه شئ وكيف ينقص والمتعاقبات في سلسلة الزمان مجتمعات في وعاء
الدهر وكل قضية فعلية لا يخلو عن وجوب لاحق بل كل ممكن محفوف بالضرورتين وحيثية الوجود
كاشفة عن حيثية الوجوب وكيف لا وهي أبية عن العدم والنقيض لا يقبل النقيض على أنه إذا
حمل الخزائن على الخزائن العلمية فمعلوم انه لا يجوز التبدل على الصور التي في دفاتره العلمية من
القدر والقضا واللوح والقلم والعناية والا تطرق التبدل في صفاته بل لا يجوز التبدل على هذه
الصور بما هي سجل الوجود من دفاتر علمه من حيث إنها متدليات بذاته كل في حده علم جزئي من
علومه وكلمة جزئية من كلماته وبالجملة صفة من صفاته الفعلية ما عندكم ينفد وما عند الله
باق يا من ليس كمثله شئ وقد مضى في الاسم الشريف الذي هو نور ليس كمثله نور
ما يتعلق به فتذكر يا من لا يعزب عن علمه شئ يا من هو خبير بكل شئ يا من
وسعت رحمته كل شئ سبحانك الخ هو الرحمة الرحمانية الوجودية الوسعة كل شئ
بحسبه وبما هو يليق بمهيته ومسئول عينه الثابت في علم ربه اللهم إني أسئلك بسمك
يا مكرم يا مطعم يا منعم يا معطى يا مغنى يا مقني بالقاف من اقنى من القنية بالضم
والكسر وهي أصل المال وما يقتنى والاقتناء جعل الشئ للنفس على الدوام ومن هنا مأخوذ قول
الحكما للعدم والملكة العدم والقنية وفى الحديث نهى عن ذبح قنى الغنم قال في القاموس قنى الغنم كغنى
ما يتخذ منها لولد اولين وقال بعض المفسرين في قوله تعالى وانه هو اغنى وأقنى أي اغنى الناس
بالأموال واعطى القنية وأصول المال وما يدخرونه بعد الكفاية يا مغنى للكل عند تجليه الأعظم
وظهوره بالوحدة التامة في الطامة الكبرى فعند ذلك فناء هويات الكل ووجوداتها وصفاتها
وافعالها حتى الأفلاك والاملاك كما قال كل شئ هالك الا وجهه وقال ولله ميراث
276

السماوات والأرض إلى غير ذلك من الآيات والبينات وهذه هي القيمة الكبرى التي هي مبهمة
الوقت مجملة الميعاد لان علمها عند ربى وهي في السلسلة الطولية الصعودية لا في العرضية فمن
يطالبها من مستقبل السلسلة العرضية فقد استسمن ذا ورم كمطالبة المبدء الأزلي من ماضيها ولذا
استصعب أهل الكفر دراية ذلك فضلا عن أولي الأوهام والخيالات ونعم ما قال صدر المتألهين
في معنى الساعة ان يوم القيمة الكبرى لساعات الأنفاس الصغريات كاليوم للساعات الزمانية
أو كالسنة للأيام فهذا الاحتواء مثل ذلك الانطواء ومعلوم ان الوصول إلى الغايات والاستكمالات
الذاتية والفناء في الواحدية والأحدية طولية لا عرضية يا محيى وقوعه بعد المفنى يشير إلى أنه تعالى
يحييها بعد افنائها بحيوة طيبة هي الحياة الحقه الحقيقية بخلاف الحياة الأولى التي كانت حال
البقاء قبل الفناء فإنها كانت مجازية ظلمانية يا مرضى يا منجى سبحانك الخ يا أول
كل شئ واخره يا اله كل شئ ومليكه يا رب كل شئ وصانعه يا بارئ
كل شئ وخالقه يا قابض كل شئ وباسطه يا مبدئ كل شئ ومعيده
يا منشئ كل شئ ومقدره يا مكون كل شئ ومحوله يا محيى كل شئ ومميته
يا خالق كل شئ ووارثه سبحانك الخ أكثر الأسماء الشريفة في هذا الفصل يدل
على المبدء والمعاد وقد تكلمنا حسب ما يقتضيه كل مقام في المبدء وصفاته وافعاله فلنتكلم كلاما جليا
في المعاد فنقول المعاد جسماني وروحاني فمن قائل بالجسماني فقط ومن قائل بالروحاني فقط ومن
قائل فحل؟ بهما جميعا وهو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والأول مذهب
أكثر أهل الظاهر والقشريين بناء على أن الروح عندهم جسم سار في البدن سريان النار في الفحم
والماء في الورد وان العالم منحصر في عالم الصورة وان اللذة والألم منحصران في الحسيين أو بناء
على أن شيئية الشئ بمادته على ما يستفاد من كلام بعضهم والثاني مذهب جمهور الفلاسفة بناء على أن
البدن كائن وكل كائن فاسد والباقي انما هو الروح فقط وانسانية الانسان بروحه لا بجسده
وان اللذة انما هي اللذة الروحانية من مشاهدة المفارقات النورية ومبدء المبادى والابتهاج
بها ونيل روح وصالها مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واليه أشار (ع)
بقوله اللهم ان العيش عيش الآخرة واللذات الحسية مما لا يعبؤ بها العقلا ولا سيما انها
277

جزئية لا ينالها الا القوى الجزئية الظاهرة والباطنة والقوى عندهم منطبعات في محالها تفنى
بفناء المحال والنفس لا يدرك الجزئيات بذاتها عندهم فالشكل البهى والطعم الهني واللحن السني
والعرف الطيب الشهى والملمس الناعم الطري والخياليات والوهميات اللذيذة ومقابلات
هذه كلها إذا كانت جزئية فبأي شئ ينالها النفس المفطورة على درك الكليات والفرض
ان آلاتها متلاشية منحلة الأساس بل النفس بذاتها يجل عن الالتفات إلى الجزئيات فالبدن
وآلاتها لا تبقى مادة وصورة للتلازم بين المواد والصور والثالث مذهب المحققين من أكابر
الحكما ومشايخ العرفا وأعاظم المتكلمين من الامامية ومن غيرهم بناء على كون الانسان ذا نشأتين
الجسد والروح ولكل منها غاية وكمال والعالم عالمان عالم الحقايق وعالم الرقايق وعالم المعاني
وعالم الصورة ثم عالم المعاني عالمان عالم المعاني الغير المتعلقة بالعبارات كالعقول وعالم المعاني
المتعلقة بها كالنفوس وعالم الصورة أيضا عالمان عالم الصور الصرفة والأشباح البحتة وهي
المثل المعلقة العرية البرية من المواد وعالم الصور المادية وهي المشوبة بالمواد القائمة بها لا بذاتها
واللذات غير منحصرة في الروحانيات كيف ولو كان كذلك لزم كون أكثر الخلق محرومين لعدم
وصولهم إلى الحقايق والقوى والمشاعر غير منحصرة في هذه الماديات بل للنفس في ذاتها قوى ومشاعر
مدركة للجزئيات وهذه القوى المادية الظاهرة في مظاهر المواد اظلالها وتلك في الأصل لا علاقة
لها مع المواد ولا تلازم بينهما بل لا انطباع لهذه الاضلال أيضا في المواد نعم المواد مظاهر لهذه وقد
حقق كل ذلك في موضعه فما ذكروه من انعدام الآلات والقوى المدركة للجزئيات وان النفس لا يعلم
الجزئيات فلا خبر لها عن اللذات والآلام الجزئية كلها واهنة البنيان ثم إن القائلين بالمعاد
الجسماني اختلفوا في أن البدن الأخروي هل هو عنصري كما يظهر من بعض كلمات الغزالي وغيره
أو مثالي وعلى كل من القولين هل هو عين البدن الدنيوي أو مثله وكل من العينية والمثلية
بل هو باعتبار كل واحد من الأعضاء والاشكال والتخاطيط أم لا والظاهر أن هذا الأخير
أعني اعتبار كل في الكل لم يوجبه أحد لما ورد من أن أهل الجنة جرد مرد وان ضرس الكافر
مثل جبل أحد وان مخالف الامام في الصلاة عمدا يحشر ورأسه رأس الحمار وغير ذلك مما
يدل على أن الناس يحشرون على صور أعمالهم حسنة أو قبيحة انما هي أعمالكم ترد إليكم
278

كان قندم نيستان شكرم * هم زمن ميرويد ومن ميخورم * كر زخارى خسته ء خود كشته ء
ور حرير قز درى خود رشته ء * وبالجملة مع هذا التفاوت الشديد لا يمكن دعوى العينية والمثلية
في كل واحد واحد من الأعضاء أين الظلمة من النور والزنجي من الحور وهل يستوى الأعمى والبصير
اللذان أشير إليهما في الكتاب المجيد بقوله تعالى رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا الا على
قواعدنا التي يسهل بدرايتها كون ما هو في غاية البعد في غاية القرب من وجه لكن ذلك مشرب
اخر لسنا في ذلك المقام بصدده ثم إن الحق ان البدن الأخروي عين البدن الدنيوي بحيث كل من
رآه يقول هذا هو الذي كان في الدنيا بعينه وشخصه في عين كون خواص كل نشاة من لوازمها فمادة
المواد مثلا التي خاصية هذه النشأة لو كانت في الصورة الأخروية لكانت النشأة الآخرة دنيا لكن
ليست تلك المادة ركنا ركينا لولاه لحذف مقوم محصل من الصورة في الآخرة الا ترى انه إذا كانت
هذه المقادير والاشكال والصور الشخصية والصور النوعية والصور الجسمية في أجسام هذا العالم بحالها
ولم يكن معها الهيولي الأولى التي بها تقبل الانفعالات والامتزاجات والكسور والانكسارات
مما به مزرعية هذه الدار وخاصية هذه النشأة الدنيوية كانت كل صورة وكل جسم هي هي بحالها
لم يقدح عدم اعتبار هذه الظلمة والهاوية التي تشبه العدم معها في كونها هي هي كالصور التي في المرايا الا ان الصور التي
في المرايا تسمى أشباحا واظلالا حيث لا حياة لها واما الصور الأخروية فهى صور صرفة متجوهرة
قائمة بذواتها لا بالمرائي والأرواح التي كانت متعلقة بالصور الدنيوية متعلقة بهذه الصور الصرفة
العرية عن المادة فليست كالصور المرآتية صورا بلا معنى وأشباحا بلا حياة بل بوجه كالصور المرآتية
التي فرض ان الأرواح التي في ذوات الصور وذوات الأظلة صارت متعلقة بها فح تصير تلك الصور
احياء وذوات الصور أظلة وأشباحا والدليل على عينية الأبدان الأخروية للأبدان الدنيوية بعد
تمهيد مقدمة هي ما أشرنا إليه من أن عالم الصورة عالمان وان هناك كونا صوريا صرفا فيه بإزاء وكل شئ
في هذا العالم صورة قائمة بذاتها لا بالمادة ولعله يشير إليه قوله صلى الله عليه وآله ان في الجنة سوقا يباع فيه الصور
ان تشخص كل شئ بالوجود والوجود محفوظ في أبدن الدنيوي والأخروي واما العوارض المسماة عند القوم
بالمشخصات فهى امارات التشخص كما حقق في موضعه وان الوجود مقول بالتشكيك ما به الامتياز فيه
عين ما به الاشتراك وان الحركة في جوهر الشئ والتبدل في ذاته واقعة ومعلوم ان كل حركة لا بد لها من أصل
279

محفوظ وسنخ باق في جميع مراتب التبدل مع كون كل حركة متصلة واحدة وان شيئية الشئ بصورته كما
هو رأى أكابر الحكماء ويصدقه البرهان والوجدان فالسرير سرير بصورته لا بمادته والباب باب بصورته
لا بخشبته وهكذا ففيما نحن فيه شيئية البدن بصورته وهيئته لا بهيولاه ومواده المخصوصة المتبدلة وهي
هي بحالها وأيضا بنفسه التي هي مبدء فصله الذي شيئية النوع به وهي صورته التي بمعنى ما به الشئ ء بالفعل
وبها تحصل المادة المصورة بالصورة بالمعنى الأول وهاتان الصورتان أعني الصورة بمعنى شبحه الصرف
وهيئته القائمة بذاتها والصورة بمعنى ما به شيئيته بالفعل كلتاهما محفوظتان ولو لم يبق الا روح زيد لقلنا
انه باق إذ به هويته وبقائه عند تبدل اجزاء بدنه يوما فيوما أو أسبوعا فأسبوعا لا أقل لتخمير بدنه من
اللطايف والاخلاط الرطبة التي يسرع إليها التحلل وعند تبدل صورته الطبيعية بصورة مثالية كما
في المنام أو بصورة أخروية كما في الآخرة كيف وصورة بدنه أيضا محفوظة في الكون الصوري الصرف
لبساطته وعدم انحلاله إذ صورة بصورة لا تنقلب والحاصل انه بناء على أن هوية زيد بروحه
وكذا ثباته وبقائه وانه أصل محفوظ وسنخ باق في جميع مراتب بدنه وانه كالحركة التوسطية
والشعلة الجوالة ولا سيما باعتبار وجهه النوراني الذي يلى ربه ومراتب البدن السيال كالحركة
القطعية والدايرة وغير ذلك لو تفننت اشكال البدن كصورة ادمى وصورة طير لكانت إحدى
الصورتين عين الأخرى باعتبار ذلك الأصل المحفوظ والسنخ الباقي كما في الطفل الصغير واليافع
والمترعرع والشارخ والكهل والشيخ مثلا فكان بقاء صورته على ما كان في الدنيا تفضل ومن باب
الكمال بحسب هذا النظر ولكن بقاء تلك الصورة بحيث لو رايتها لقلت انها عين الصورة التي في
الدنيا حتم لازم وحكم لازب من باب الضرورة والوجوب لا التفضل والكمال الثاني بحسب حاق الواقع
ان قلت إذا اخذ البدن الدنيوي بشرط خصوصيات هذه النشأة والبدن الأخروي بشرط
خصوصيات تلك النشأة لا يمكن ان يقال أحدهما هو الأخر بعينه كيف واحد هما بسيط والاخر
مركب من هذه العناصر المتضادة قلت بعد ما حقق في وجوه الأدلة ان التشخص بنحو الوجود وهو محفوظ
وان في مراتب التبدلات أصلا محفوظا وغير ذلك لا يتطرق هذا السؤال ومع ذلك نقول
الامتياز غير التشخص فلما كان لوجود الشخص ووحدته عرض عريض وسعة وأطوار فطور منه ممتاز
من طور اخر ولكن لا يوجب هذا ان يكون طور من شخص واحد شخص وطور اخر منه شخص اخر فهذا مثل
280

ان يقال الصبوة طور والرجولية طور اخر بل الجوعان طور والشبعان طور اخر ممتاز من الأول
ولكن لا يوجب ان يكون كل طور شخصا بل الهوهوية محفوظة في جميع المراتب بل على ما حققنا معنى الهبوط
والرجوع ونحو هما في هذا الشرح وغيره من أن الحقيقة هي الرقيقة بنحو أعلى والرقيقة هي الحقيقة بوجه ضعيف
فكينونة الرقيقة في نشاة سافلة عين كون الحقيقة فيها بلا تجاف للحقيقة عن مقامها وهي هبوط الحقيقة
وكينونة الحقيقة في مقام شامخ إلهي عين كينونة الرقيقة فيه بلا انتقال أيني وحمل ونقل لا عباء
خصوصيات النشأة السافلة على كاهلها إلى النشأة المقدسة العالية وهذا عروج الرقيقة ففيما نحن فيه
حشر الروح المجرد إلى غاية وكمال بروزه في موطن ومأل حشر الجسد بعينه إليه لمحفوظية الهوهوية بما ذكرنا
من غلبة جهات الوحدة وقاهريتها ومقهورية جهات الكثرة والتمايز كيف والجسد البرزخي والأخروي أيضا
محفوظ وهو ما به يرتبط هاتان الحقيقة والرقيقة أعني الروح المجرد المحشور والجسد الدنيوي بل يمكن ان يقال
ما يرد على هذا الجسد الدنيوي بعد الموت من مقبوريته وضغطته ووحشته وهجوم الحشرات عليه وأدنية
كلها واردة على ذلك الروح المجرد لان الهوهوية هنا أيضا محفوظة ولو باعتبار ما كان من قبيل واتوا
اليتامى أموالهم كيف ولو برهن عليه في الدنيا مرارا انك لست هذه المدرة المحدودة والهيكل الاكل
الشارب لم يذعن فكيف يصير من أصحاب الشهود بمجرد غمض عينه الظاهرة ويدري انه ليس ذلك الجسد
الميت حتى لا يكون وباله وباله من كه خود را زنده در عمر دراز * پى نبردم مرده چون يأبي تو باز
والغرض كسر سورة الاستبعاد في حفظ الهوهوية في الجسد الدنيوي والبرزخي والأخروي وان هذا أيضا
يكون والا فعذاب القبر وثوابه وعذاب الآخرة وثوابها كلها يرد على الجسد البرزخي والأخروي فان هذا
يدثر وهما باقيان والأمور الأخروية كلها باقية دائمة والفرق بين الجسد البرزخي والأخروي بل جميع الأمور البرزخية
والأمور الأخروية بالشدة والضعف والصفاء والكدر فان الانسان بعد موته ما دام كونه قريب العهد
بالدنيا ومتوجها إلى القفاء فجميع ما يشاهده ويراه تكون ذات حظ من الجانبين كما هو حكم البرزخ ولا يكون
في الصفاء مثل الصور الأخروية الذاذا وايلاما ولذا كان البرزخ أيضا مناما بالنسبة إلى الآخرة التي فيها يصير
الانسان بعيد العهد من الدنيا مقبلا بشراشر وجوده إلى أسماء الله اللطفية والقهرية والدنيا كانت مناما
في منام ان قلت كيف يكون الجسد الأخروي بعينه هو الجسد الدنيوي والدنيوي منحل غير باق قلت أولا بقاء
الأخروي بقاء الدنيوي بمقتضى القواعد السابقة وثانيا ان الجسد الدنيوي باق في حده ومرتبته إذ الصورة
281

لا تنقلب إلى صورة فان كل صورة تعاند وتنازع الصورة الأخرى فكيف تقبلها نعم الهيولي تقبل صورة
زمانا ثم تخلع عنها تلك الصورة بعد ذلك الزمان وتكسو بدلها صورة أخرى في زمان اخر والا فان صارت
صورة صورة كان ذلك انقلابا مستحيلا فلحم البدن لا يصير ترابا ولا دودا ولا غير ذلك بما هي صور لاباء
كل وتعصيه عن الأخر فصورة البدن الدنيوي في حدها ومرتبتها أزلا وابدا صورة بدن وكذا صورة
التراب والدود كل في حده هو هو وما يقال في المحاورات ان البدن أو اللحم صار ترابا معناه ان هيولى
البدن أو اللحم التي هي أيضا بدن أو لحم لأنها أيضا جزئهما كالصورة صارت ترابا أي خلع عنها صورة
البدن واكتست صورة التراب كما أنه إذا قيل في الانقلابات صار الماء هواء كان معناه ان المادة
المكتسية صورة المائية خلعت عنها الصورة المائية وتلبست متعاقبة بالصورة الهوائية لأن الماء
بما هو ماء صار هواء بما هو هواء والحاصل ان الصور جميعا سواء كانت آنيات الوجود أو زمانياته وسواء
كانت الزمانيات قصيرة البقاء أو طويلته باقية في وعاء الدهر كما مر انه لا ينقص من خزائنه شئ وبهذا
يدفع شبهة الاكل والمأكول إذ كما أشرنا صور أبدان المؤمنين المأكولة للكافر لا تصير صورة الكافر بل كل
صورة لصاحبه والمادة هي المتحولة في الصور سواء كانت هي الهيولي الأولى أو الجسمية المطلقة والامتداد
المطلق أو الأجزاء التي لا تتجزى أو الاجرام الصغار الصلبة ولما كانت الأجسام الأخروية صورا صرفة
بلا هيولى فلا تصادم وازدحام فيها ولا مكان لها من جنس أمكنة هذا العالم بان يكون في شرق هذا
العالم أو غربه أو علوه أو سفله كما في الصور التي في عالم مثالك الأصغر سواء تراها في يقظتك أو
منامك بل الصور التي في المرائي أيضا لامكان لها في هذا العالم ولا تتطرق شبهة التناسخ أيضا لان تلك
الصور من النفس كالظل اللازم لا كالمادة المستعدة لها كالابدان الدنيوية وان شئت سم ذلك
تناسخا ملكوتيا فلنكتف بهذا القدر من الكلام في المعاد ولنرجع إلى شرح الأسماء الشريفة فنقول
هو تعالى أول كل شئ لان الوجود المطلق الذي في كل شئ نور من ربه أول بالنسبة إلى كل أحواله ولذا
كان كل شئ بما هو موجود مطلق من غير تخصص طبيعي أو تعليمي موضوع أول العلوم أعني الفلسفة الأولى
وبالجملة كان الله ولم يكن معه شئ واخر كل شئ الا إلى الله تصير الأمور يفنى كل مظهر اسم في ذلك
الاسم ثم يفنى ذلك الاسم في المسمى كمال الاخلاص نفى الصفات والأسماء وهو تعالى اله كل شئ
ومالكه ملكوت كل شئ وأزمة وجوده بيده وهو اخذ بناصيته وهو رب كل شئ وصانعه وبارئ كل شئ
282

وخالقه وقابض كل شئ في الأخر بعد بسطه كما كان في الأول قابضه قبل بسطه كما قال تعالى ان السماوات
والأرض كانتا رتقا ففتقنا هما وهو مبدء كل شئ بضم الميم في السلسلة الطولية النزولية ومعيده
في الصعودية وهو منشأ كل شئ من صورها المبدعات والمخترعات ومقدر كل شئ من الكاينات وهو
مكون كل شئ أولا ومحوله بالحركة الجوهرية وغيرها ثانيا حتى يوصله إلى الغاية وهو محيى كل شئ احياء
بعد احياء ومميته إماتة من الجمادية إلى النباتية إلى الحيوانية وهلم إلى الملكية وما بعدها وهو
خالق كل شئ ووارثه يرث الأرض ومن عليها ذاتا وصفة وفعلا واثرا وهو وارث من لا وارث له
يا خير ذاكر ومذكور يا خير شاكر ومشكور يا خير حامد ومحمود قد ذكرنا
سابقا انه إذا قيل له الحمد لا يقصد ان المحمودية فقط أينما وقعت طرا وكلا له تعالى بل المقصود ان
الحامدية أيضا له وبه تعالى فالذاكرية والشاكرية والحامدية ونظايرها له وبه تعالى والعبارة الأولى
في بعض المراتب ان يقال إنه بحوله وقوته تعالى يا خير شاهد ومشهود هذا أيضا مثل
سابقه وقد فسر قوله تعالى وشاهد ومشهود كليهما بجنابه أي أقسم بشاهد هو جنابه المقدس
ومشهود هو ذاته الاجل الأقدس يا خير داع ومدعو هم خود الست كويد وهم خود بلا كند
يا خير مجيب ومجاب يا خير مونس وأنيس يا خير صاحب وجليس يا خير
مقصود ومطلوب يا خير حبيب ومحبوب سبحانك الخ قد مر سابقا ان
الحبيب يجيئ بمعنى الفاعل أيضا هو تعالى أجل مبتهج بذاته لذاته أتم ابتهاج وأجل عاشق بذاته لذاته
عشق أو لم يعشق لأنه أجل مدرك بذاته أتم ادراك لا بهى مدرك وشدة المحبة والعاشقية تابعة
لشدة الخبرة والدرك لجمال المحبوب وبهاء المعشوق وقوة المدرك وتمامية المدرك وكلها هناك
حاصلة فوق ما لا يتناهى يا من هو لمن دعاه مجيب وإذا سئلك عبادي
عنى فانى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان وان ترائى في ظاهر الامر انه غير مجيب أحيانا لمن دعاه
فليس كذلك إما أولا فلما قيل آن ندا وپيك تو لبيك ماست واما ثانيا فما دعاه عن قلب حاضر
واما ثالثا فقد مر ان الدعاء بلسان الاستعداد يستجاب لا ما فيه ضره وشرة بل هلاكته وبالحقيقة
لا يمكن الرد لان الفياض الوهاب الجواد المطلق واجب الوجود بالذات فهو واجب الوجود
من جميع الجهات وقد تم الاستعداد من طرف القابل كما هو المفروض فلا يجوز المهلة في
283

معدلته والتراخي في سنته ولن تجد لسنة الله تبديلا يا من هو لمن اطاعه حبيب
لان المطيع علمه وارادته ومشيته وقدرته وافعاله متلاشية في صفة المطاع وفعله ولم يبق
لنفسه شيئا من ذلك فمطاعه أحب لنفسه من نفسه وآثر عنده فلا حبيب له الا هو يا من هو
إلى من أحبه قريب لان المحبة تخرج نقوش الأغيار عن قلب المحب شيئا فشيئا ويقصر
نظر المحب على وجه المحبوب لحظة فلحظة حتى ينسى الأغيار بل نفسه عن نفسه ويفنى المحب في المحبوب
يا من هو بمن استحفظه رقيب وكيف لا يكون بمن استحفظه رقيبا وهو رقيب
كل شئ ورقيب من لم يستحفظه ممن الكفار والفجار كما قال تعالى حكاية عن عيني وكنت أنت
الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد وقال تعالى ما يلفظ من قول الا لديه
رقيب عتيد يا من هو بمن رجاه كريم يا من هو بمن عصاه حليم يا من
هو في عظمته رحيم يا من هو في حكمته عظيم يا من هو في احسانه قديم
يا من هو بمن اراده عليم سبحانك الخ اللهم إني أسئلك باسمك
يا مسبب للأسباب بجعل بسيط لا بجعل مؤلف يا مرغب للراغبين إليه بواردات
من عنده على قلوبهم وتجليات على أفئدتهم من محبوبهم وتأينسات لهم بمجلس الانس والوصول
وتسديدات إياهم للطلب والوغول بل هو مرغب الكل إلى جنابه بتجليه في كل بحسبه وسلبه أفئدتها بإبداء
مشتهاها واظهار مبتغاها شعروا أو لا يشعرون يا مقلب للكل بالحركة الجوهرية مما لها سيلان
ذاتي ومنها القلوب كما مر في الاسم الشريف أعني مقلب القلوب يا معقب ولا متعقب لحكمه
أو معقب لما يفنيه بالاستخلاف من نوعه بما يبقيه يا مرتب أي مرتب موجودات العالم
ترتيبا محكما عجيبا ومنضدها نضدا وثيقا غريبا كما بين في الحكمة يا مخوف يا محذر الخوف
كيفية نفسانية يتبعها حركة الروح البخاري إلى الداخل دفعة والحذر هو الاحتراز فهذا كالأثر للخوف
به يكون أظهر فالخوف أمر نفساني والحذر أمر بدني يا مذكر والأسماء الثلاثة إما بالتشريعيات
وانذارات النبوات واما بالتكوينيات والالهاميات يا مسخر للكل فإنها مسخرات
بأمره وفاعلات بالتسخير بالنسبة إلى فاعليته يا مغير للمتغيرات ذاتا وصفة وفعلا سبحانك الخ
يا من علمه سابق علمه بجميع مراتبه سابق على المعلومات التي هي موجودات عالم الملك
284

وتلك المراتب كالعلم العنائي والعلم القلمي والعلم اللوحي المحفوظي والعلم اللوحي المحوى والاثباتي
إما العنائي فهو على التحقيق جامعية ذلك الوجود الشديد الأكيد البسيط الحقيقة كل الوجودات
بنحو أعلى سابقا على كل المراتب المبدعة فضلا عن المرتبة الكيانية وعلى مذهب كثير من الحكماء حتى
حكماء الاسلام كالشيخين وغير هما فالعلم العنائي صور مرتسمة في الذات سابقة على كل المبدعات
والكاينات وتكون فعلية منشأ لوجود المعلوم ولسبقها على الكل قال انكسيمايس أول اسم ورسم حصل
كان الصور العلمية ثم إن الأعيان الثابتة اللازمة للأسماء الحسنى عند العرفاء والمهيات المتقررة
عند المعتزلة منزلتها هذه المنزلة واما العلم القلمي فسبقه أيضا معلوم مقرر لكونه بسيط الحقيقة
جامعا لوجودات ما دونه بنحو أعلى واسبق على المراتب التي تحته كانطواء الحروف في المداد التي
في رأس القلم واما اللوحي المحفوظ فباعتبار انه لا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين سابق على ما بعده
سبق نفس الكل على غيره واما اللوحي المحوى والاثباتي فهو الصور الجزئية التي في النفوس المنطبعة
السابقة على الصور الكونية سبق كتاب المحو والاثبات على سجل الوجود ومحوها واثباتها باعتبار انها
بجهة تعلقها حكمها حكم الطبيعة السيالة الممحوة آنا والمثبتة آنا اخر فمحوها واثباتها ليسا بزوال وانطباع
طاريين أو نسخ وتبديل مجددين كما في النفوس الساهية الذاهلة الأرضية بل بتجدد أمثال كما
في جنبتها الطبيعية ولو لم نقل بتجدد الطبيعة وحركتها الجوهرية فلا أقل من حركتها الوضعية والكيفية
في جنبتها الجسمية ومحو واثبات في هيئتها الجسمانية يستتبع المحو والاثبات في علومها الجزئية المنطبعة
ولو أشكل عليك سابقية علمه تعالى على المعلوم على منهج الاشراق حيث إن علمه تعالى بوجود الأشياء
عين وجودها واضافته العلمية عين اضافته الاشراقية وعلمه عين قدرته قلت هذا علمه التفصيلي عندهم
واما علمه الكمالي الاجمالي فهو عندهم عين وجود ذاته تعالى لا عين وجود الأشياء ومعلوم ان وجوده تعالى
سابق على كل الوجودات فذلك العلم الكمالي الاجمالي سابق على كل المعلومات وهذا العلم الكمالي
متفق عليه بينهم وبين غيرهم لا ينكره أحد وانما كان كماليا لان علوه تعالى ومجده وبهاؤه بذاته
التي هي هذا العلم لا بغيرها والمشاؤن أيضا ينادون بذلك ويصرحون مرارا بان علوه بذاته وعلمه
الذاتي لا بتلك الصور المرتسمة وانما كان اجماليا أي من حيث إنه علم بالغير واما من حيث إنه علم
بذاته فمعلوم انه علم تفصيلي بذاته لان ذاته شئ واحد لا يسوغ فيه شئ وشيئ فذلك الشئ الواحد
285

البسيط لا يمكن ان يكون عندهم علما تفصيليا بحقايق مختلفة من الممكنات المتباينة ولا سيما
الواجب والممكن والعلم حكاية مطابقة للمعلوم واعتبر بصورة الشمس في ذهنك فإنها لا يمكن
ان يكون علما وصورة حاكية عن القمر والشجر والحجر والمدر وغيرها فلذلك قالوا ذاته تعالى الواحدة
البسيطة علم تفصيلي بذاته المقدسة ولكنها علم بالغير اجمالا كالملكة البسيطة الاجمالية حيث إنها
علم واحد وصورة واحدة للعلوم التفصيلية التي هي منشأة من تلك الملكة البسيطة ولا
تكون ذاته المقدسة بلا صور زايده وما يجرى مجريها علما تفصيليا بالأغيار في الأزل لعدم امكان
مطابقة شئ واحد للأشياء الكثيرة المتباينة فاذن ثبت ان ذاته علم كمالي تفصيلي بذاته وعلم
كمالي اجمالي بغيره ولا يمكن كونه علما تفصيليا بغيره في أزل الا زال واما على التحقيق الذي استقر
عليه رأينا موافقا لما حققه صدر الحكماء المتألهين في الدورة الاسلامية فذاته تعالى لما كان
بسيط الحقيقة جامعا لجميع الوجودات بنحو أعلى والعلم والدرك هو الوجدان والنيل وجامعيته
ذلك الوجود الشديد للوجودات وعلمه الحضوري بها بحيث لا يشذ عنه مثقال ذرة مالهما واحد
وهاتان العبارتان أعني قولنا البسيط كل الوجودات وقولنا لا يعزب عن علمه الحضوري مثقال
ذرة في الأرض والسماوات أحدهما في قوة الأخرى كان ذاته تعالى علما كماليا اجماليا بالأغيار في
عين الكشف التفصيلي فليس الاجمال على الطريقة الحقة القويمة في مرتبة والتفصيل في مرتبة أخرى بل ذلك
التفصيل مضمن في ذلك الاجمال وذلك الأحمال مضمن في ذلك التفصيل بمعنى ان ذلك الوجود
الشديد الأكيد لما كان بسيط الحقيقة كان علما اجماليا وجوديا أي وجودا واحدا أحدا ولما كان في
عين وحدته وبساطته جامعا للكل كما قال المعلم الثاني هو الكل في وحدة وفوق ما لا يتنا هي بما لا
يتناهى عدة ومدة وشدة كان علما تفصيليا لا تفصيل فوقه وما قالوا إن الشئ ء الواحد لا يحكى
عن الأشياء الكثيرة ولا سيما المتباينة فيه اشتباه وقع بين شيئية المفهوم وشيئية الوجود
فان مفهوما واحدا لا يحكى عن مفهومات كثيرة متباينه واما وجود واحد شديد فهو يحكى عن كل الوجودات
التي دونه أشد من حكايتها عن نفسها ولذلك قالوا العلة حد تام للمعلول فهذا علم تفصيلي كمالي
فعلى بالذات المقدسة وبجميع الأغيار سابقا على جميع الأغيار في أزل للازال وهو العلم العنائي
على طريقتنا كما أشرنا إليه ولعلمه مراتب أخرى أشرنا إليها مرتبتها بعد هذه المرتبة بعدية سرمدية
286

يا من وعده صادق يا من لطفه ظاهر يا من امره غالب أي امره وحكمه
غالب ونافذ لا راد لحكمه ولا ناقض لامره ولا سيما التكويني منهما أو عالم امره غالب على عالم خلقه
جبار لنقايصه كلما يذهب ممعنا إلى العدم الأصلي يجبره بنور الوجود ويجره إلى ساحة حضور الملك
المعبود يا من كتابه محكم كتابه تدويني وتكويني والتكويني أفاقي وأنفسي والأفاقي كتاب
مبين وكتاب محو واثبات وكتاب سجل الوجود وكلها محكم متقن مصون عن الخلل والفساد كما قال تعالى
انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون يا من قضائه كائن يا من قرانه مجيد
يا من ملكه قديم يا من فضله عميم يا من عرشه عظيم سبحانك الخ
الفلك الأطلس الذي هو أحد معاني عرشه عظيم حيث إن جسمه جسم الكل فكيف بالعقل الكلى الذي
هو أحد معانيه أيضا لكونه واجدا جامعا لجميع فعليات ما دونه فكيف بالوجود المنبسط الذي هو
رحمته الواسعة لكونه محيطا بالعقل لكون العقل وجودا مقيدا وهذا الوجود وجود مطلق عرش الوجود الحق
ثم كيف بعلمه المحيط الذي هو أحد معاني عرش الله تعالى لكون الوجود المنبسط فعله وعلمه صفته والصفة
فوق الفعل وعلته ومحيط به واما قلب الانسان الكامل الذي هو عرش الرحمن فعظمته معلومة لأرباب
القلوب فعرشه بجميع معانيه عظيم وإن كان بعضها أعظم من بعض يا من لا يشغله سمع عن
سمع يا من لا يمنعه فعل عن فعل يا من لا يلهيه قول عن قول يا من لا يغلطه سؤال
عن سؤال يا من لا يحجبه شئ عن شئ هذا كله لو كان تعالى وجودا محيطا في غاية الحيطة
قويا في نهاية القوة حافظا لكل الحضرات الوجودية ولا يؤده حفظ الكل ولا يشذ عن وجوده وجود
ولا يطرء على وجوده وجود ولا مضى واستقبال بالنسبة إليه ولا دثور ولا زوال يسوغ عليه الأزمنة والزمانيات
والأمكنة والمكانيات كالان والنقطة بالنسبة إلى مقربي حضرته فضلا عن جنابه المتعالى وأصحاب العقول
المستفادة في الدنيا يقال قد لا يشغلهم شأن عن شأن فضلا عن أولياء خلع النواسيت حالا أو ملكة بل النفس
مطلقا منها قوية ومنها شريفة ومنها مقابلهما والفرق بينهما مذكورة في الكتب منها سفر النفس
من الاسفار ومنها الشواهد الربوبية وقد عرفوا النفس القوية بأنها هي الوافية بصدور الافعال
العظيمة منها والشديدة في أبواب كثيرة ومثلوا بانا نشاهد نفوسا ضعيفة يشغلها فعل عن فعل فإذا انتصبت
إلى الفكر اختل احساسها وبالعكس ونرى نفوسا قوية تجمع بين أصناف من الادراكات أو التحريكات
287

سيما ما يتعلق بالفضايل والشرافة غير القوة وان يمكن اجتماعهما وقد عرفوا النفس الشريفة بحسب الغريزة
بأنها الشبيهة بالمفارق في الحكمة والحرية ثم إن الحس المشترك في جمعه بين أصناف الاحساسات لا يشغله
شأن عن شأن في آن واحد يا من لا يبرمه الحاح الملحين أي لا يمله ولا يسأمه الحاح الملحين
في السؤال يا من هو غاية مراد المريدين يا من هو منتهى همم العارفين
لانهم لا يؤثرون عليه شيئا مما سواه وهو مقصود هم ومبتغاهم ونهاية مأمولهم وغاية مناهم يا من
هو منتهى طلب الطالبين يا من لا يخفى عليه ذرة في العالمين سبحانك الخ
يا حليما لا يعجل بالعقوبة لمن عصاه لغناه ولان أصل العقوبة لازم فعل المعاقب وليس
من باب التشفي فالمعاقبية وصف للمعاقب بالعرض وأيضا يمهل للتوبة يا جوادا لا يبخل
واما كل جواد غيره فلا يخلو عن شايبة بخل وانه مستعيض معامل بوجه إذ لا يعطى بلا عوض ولا غرض مطلقا
يا صادقا لا يخلف يا وهابا لا يمل سبحان الله العظيم كيف وهاب فياض لا بداية
لفوايده ولا نهاية لعوايده ولا ملال في هبته يعتريه ولا كلال في سماحته يداينه بل لا يزيده كثرة العطاء
الا جودا وكرما خيز تا بر كلك آن نقاش جان افشان كنيم * كاين همه نقش عجب در كردش پر كار داشت
يا قاهرا لا يغلب فهو قهار محض بخلاف كل قاهر سواه فإنه مقهور من وجه أو من وجوه يا عظيما
لا يوصف أي لا يوصف كنه عظمته أو انه عظيم لا أعظم منه حيث لا يوصف بصفات زائدة لأنه
عليم بذاته لا بالعلم وقدير بذاته لا بالقدرة ومريد بذاته لا بالإرادة وهكذا في الباقي يا عدلا لا يحيف
يا غنيا لا يفتقر يا كبيرا لا يصغر يا حافظا لا يغفل بل لا غفلة لمقربي حضرته
وساكني جواره وكيف يغفل من يضبط جميع الحضرات ولا يؤده حفظ الأرضين والسماوات
سبحانك يا لا إله إلا أنت الغوث الغوث خلصنا من النار يا رب
اللهم احفظنا عن العثرة والذلل وسددنا للصواب في العلم والعمل اللهم
كما وفقتنا للاختتام فاجعل خاتمة كتاب وجودنا الخير والسلام انك أنت المجمل
المفضل المنعام وصلى الله على محمد واله الذين لفسطاط الوجود قوام ولكتاب
الكون بدو وختام
قد فرغ من تسويد هذا لكتاب المستطاب أقل الحاج وأحقر الطلاب محمد حسين المتخلص بطوبى طوبى له وحسن مآب
288