الكتاب: التفسير الصافي
المؤلف: الفيض الكاشاني
الجزء: ١
الوفاة: ١٠٩١
المجموعة: مصادر التفسير عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: رمضان ١٤١٦ - ١٣٧٤ ش
المطبعة: مؤسسة الهادي - قم المقدسة
الناشر: مكتبة الصدر - طهران
ردمك:
ملاحظات:

تفسير الصافي
تأليف
فيلسوف الفقهاء، وفقيه الفلاسفة، أستاذ عصره
ووحيد دهره، المولى محسن الملقب ب‍ " الفيض الكاشاني "
المتوفى سنة 1091 ه‍
صححه وقدم له وعلق عليه
العلامة الشيخ حسين الأعلمي
الجزء الأول
منشورات
مكتبه الصدر طهران.
تعريف الكتاب 1

(هوية الكتاب)
كتاب تفسير الصافي
المؤلف: فيلسوف الفقهاء المولى محسن الفيض الكاشاني (قدس سره)
الطبعة الثانية 1416
المطبعة: مؤسسة الهادي - قم المقدسة
الناشر: مكتبة الصدر - بطهران
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التقديم
بقلم الدكتور عباس الترجمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، و
الطيبين من أصحابه أجمعين.
جاء الاسلام الحنيف بأحكامه العادلة، لينقذ الانسانية المعذبة من هلكات
الجهل، وويلات الظلم، ومداحض التمرد والعصيان، وعبادة الأوثان. فأمر
الناس بالتوحيد، وسلك لهم سبلا، وسن لهم قوانين وأنظمة تنير لهم نواحي
الحياة بجميع أبعادها، وأنزل الكتاب الدستور الأساس، فيه تبيان كل شئ، و
جعله نبراسا للساري، ونورا للمهتدي، وشفاء لصدور المؤمنين، خسارا
الكافرين.
وبعث رسوله الكريم - (صلى الله عليه وآله) - به بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى
الهدى وسراجا منيرا، وهاديا إلى كتابه شارحا ومفسرا ومؤولا. فهو أول مفسر
للقرآن الكريم، يتلو عليهم آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة، يبين
محكمه، ويفسر غوامضه، ويؤول متشابهه.
والبررة من أصحابه يحوطونه كما يحوط الفراش السراج المنير، يتزودون
من نوره الوهاج، ليهتدوا إلى سبل الفجاج من سماحة أحكام القرآن. ولذا
فقد اهتم المسلمون منذ صدر الاسلام حتى يومنا هذا بالقرآن الكريم،
ليفوزوا به العظيم في الدنيا والآخرة. فبادروا إلى حفظه والمحافظة
3

عليه، وترتيله ومعرفة ما لديه، والتدقيق في فهم مبانيه، والتوصل إلى
مفاهيمه ومعانيه، لتطبيق أوامره ونواهيه. فانبرى طبقة من أعلام الصحابة و
التابعين وعلى رأسهم أمير المؤمنين - باب مدينة علم الرسول الأمين - و
البررة من أبنائه - (عليهم السلام) - وشيعتهم بتفسير كتاب الله العزيز.
قال ابن النديم في كتابه: (الفهرست ص 47) وهو يذكر جماع القرآن
على عهد النبي - (صلى الله عليه وآله) -: (علي بن أبي طالب - رضوان الله
عليه -، سعد بن عبيد الله بن النعمان بن عمرو بن زيد - رضي الله عنه -،
أبو الدرداء عويمر بن زيد - رضي الله عنه -، معاذ بن جبل بن أوس - رضي الله عنه
-، أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان، أبي بن كعب بن قيس بن مالك
ابن امرئ القيس، عبيد بن معاوية بن زيد بن ثابت ابن الضحاك).
هؤلاء الذين ذكر هم ابن النديم وهم الذين جمعوا القرآن على عهد رسول
الله - (صلى الله عليه وآله) - وعلى رأسهم وأولهم أمير المؤمنين (عليه السلام) -
ص 317) بعد أن ذكر الروايات الواردة عن طريق أبناء السنة في ذلك: وأما
الروايات عن أهل البيت في أن عليا أول من جمع القرآن على ترتيب النزول
ففوق حد الإحصاء - ثم أردف قائلا: -
وأما التفسير فهو الذي عنده علم الكتاب. قال السيوطي في الاتقان: وأما
علي فروي عنه الشئ الكثير، وقد روى معمر بن وهب بن عبد الله عن أبي
الطفيل قال: شهدت عليا يخطب ويقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شئ
إلا خبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت
أم بنهار، أم في سهل أم في جبل.
وأخرج أبو نعيم في (الحلية) عن ابن مسعود، قال: إن القرآن نزل على سبعة
أحرف، ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن، وأن علي بن أبي طالب عنده من
1

الظاهر والباطن
وأخرج - أيضا - من طريق أبي بكر بن عياش عن نصير بن سليمان
الأحمسي عن أبيه عن علي قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت،
وأين نزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقو لا ولسانا سؤولا، إنتهى.
ثم قال - السيد الصدر -: وأما سائر أنواع علوم القرآن، فأول من نوعها و
قسمها فهو - أيضا - علي أمير المؤمنين، أملى ستين نوعا من أنواع علوم
القرآن، وذكر لكل نوع مثالا يخصه. وهو في كتاب نرويه عنه من عدة
طرق، موجود بأيدينا إلى اليوم. وقد أخرجه بتمامه العلامة المجلسي في
الجزء التاسع عشر من بحار الأنوار المطبوع بإيران، هو الأصل لكل من كتب
في أنواع علوم القرآن، إنتهى.
إن الحديث عن القرآن الكريم شيق وشاق، أي أنه ممتع ومتعب، لأنه
لا نهاية له ولا نفاد، وهو طويل متشعب بعدد علومه وفنونه، فالحديث
كإعجازه الذي لا ينفد، كرموزه وأسراره، كأحكامه ومعانيه، كنظمه ومبانيه،
فكما أن أحكامه تسير مسير الزمان، ومعانيه لا نهاية لها، كذلك الحديث عن
القرآن وأخباره وآثاره وبلاغته وبدائعه لا تنتهي معانيه، ولا تضاهي مبانيه،
وقد ولع الذين عرفوا بعض جوانب جماله وروعته، ولعوا به منذ نزوله حتى
يومنا هذا، حيث غاصوا في لججه وهو يمدهم بلآلئه وفرائده، ولا زالوا
كذلك، ولا زاك كذلك. يزدادون غوصا، ويزداد عطاء، فلا تنفد مواهبه
أبدا. فدأب علماء اللغة والنحو، والتفسير، والفقه، وأصول الفقه، والتأريخ، و
الكلام، والبلاغة والأدب، كل يعمل على شاكلته، وحسب رغبته، و
بموجب اختصاصه، يبحث في جانب من جوانبه، ويتجول في بعد من أبعاده،
ويطرق بعض أبوابه. والكل لا يرجع إلا بملء ء كفيه مما أفاض عليه هذا
الكتاب الكريم. وكل منهم قاصر لا مقصر، لأنهم بذلوا ما بوسعهم من الجهد
لما يتوخونه، ولكن عظمة القرآن لا يمكن أن تحيط بها الأفكار القاصرة
2

(ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء).
ولو أردنا أن نستقصي أسماء الذين كتبوا عن تفسير القرآن وعلومه و
فنونه لبلغنا الجهد وما بلغناهم لكثرتهم في البلدان الاسلامية،
وقد أوردت بعض الكتب المعنية بالفهارس والفنون بعض الأسماء إما
متتالية أو متناثرة في طياتها. ومنها ابن النديم (في الفهرست ص 56) في
عرض تسمية الكتب المصنفة في تفسير القرآن، فيقول: -
(كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين - (عليهم السلام - رواه عنه
أبو الجارود زياد بن المنذر، رئيس الجارودية الزيدية، ونحن نستقصي خبره
في موضعه. كتاب ابن عباس) (ويذكر رواته)، ثم يذكر كتاب التفسير لابن
ثعلب، بعده وبعده يقول: (كتاب تفسير أبي حمزة الثمالي، واسمه ثابت بن دينار،
وكنية دينار أبو صفية. وكان أبو حمزة من أصحاب علي - (عليه السلام) - من
النجباء الثقات، وصحب أبا جعفر..)
أقول: نقل الشيخ الطوسي في تفسيره (التبيان)، والعلامة الطبرسي في
تفسيره (مجمع البيان) في كثير من الموارد عن تفسير أبي حمزة الثمالي، مما
يشير إلى أن هذا التفسير كان موجودا آن ذاك.
وبادر العلماء بالقرآن إلى تفسيره جيلا بعد جيل، وكل منهم نحا منحى
في هذا المضمار، فلم يدعوا - حسب مقدرتهم العلمية - جانبا منه إلا تحدثوا
عنه بما لديهم من طاقة وإدراك، وما أروع كلمة العلامة المحقق السيد
الخوئي - قدس سره - في كتابه (البيان ص 21) من مقدمة الطبعة الأولى،
حيث يقول:
(على المفسر أن يجري مع الآية حيث تجري، ويكشف معناها حيث تشير،
ويوضح دلالتها حيث تدل. عليه أن يكون حكيما حين تشتمل الآية على
الحكمة، وخلقيا حين ترشد الآية إلى الأخلاق، وفقيها حين تتعرض للفقه، و
اجتماعيا حين تبحث في الاجتماع، وشيئا آخر حين تنظر في أشياء اخر.
على المفسر أن يوضح الفن الذي يظهر في الآية، والأدب الذي يتجلى
3

بلفظها، عليه أن يحرر دائرة لمعارف القرآن، إذا أراد أن يكون مفسرا. والحق
إلي لم أجد من تكفل بجميع ذلك من المفسرين).
والحقيقة الملموسة في كتب التفاسير هي كما قرره وحرره شيخنا
المحقق الخوئي - قدس الله نفسه الزكية -، وأن كل مفسر التزم جانب رغبته
وعلمه بالتفسير.
وبين يدي القارئ الكريم (تفسير الصافي) لعلامة دهره، ووحيد عصره،
الفقيه الفيلسوف، والمتبحر العارف، محمد المحسن بن مرتض بن محمود
المعروف بالفيض الكاشاني، الذي نحا فيه منحى الفلاسفة والعرفاء.
وكان - رحمه الله - من أعلام القرن الحادي عشر، ذكره معاصره الشيخ
الحر العاملي - قدس سره - في كتابه (أمل: 2 / 305) فقال:
(المولى الجليل محمد بن مرتض المدعو بمحسن الكاشاني. كان فاضلا
عالما ماهرا حكيما متكلما محدثا فقيها محققا شاعرا أديبا، حسن التصنيف،
من المعاصرين، له كتب، منها كتاب الوافي، جمع الكتب الأربعة مع شرح
أحاديثها المشكلة، إلا أن فيه ميلا إلى بعض طريقة الصوفية، وكذا جملة من
متوسط..) ثم ذكر سبعة وعشرين من كتبه بأسمائها.
أقول: إن ما ذكره الشيخ الحر العاملي - رضوان الله عليه - في وصف كتبه
من: (أن فيها ميلا إلى بعض الطريقة الصوفية) قد يكون ناتجا مما رآه من
وأنه استعمل الكلمات المصطلحة لديهم، متأثرا بأستاذه صدر المتألهين
المعروف بملا صدرا الشيرازي ثنيت له الوسادة في الفلسفة والعرفان،
فتراءى للشيخ العاملي أن فيها ميلا إلى بعض الطريقة الصوفية. ولو أردنا أن
نحتسب الجملة هذه باحتساب ما تعبر كل كلمة منها عن المعنى الذي تحمله،
يتضح لنا ما أراد الشيخ العاملي.
ففي كلمة (ميل) معنى أقل بكثير من معنى الا تجاه، فلو كان صوفيا - كما
4

يدعيه الصوفيون - لقال معاصره العاملي. إن فيها اتجاه إلى..، وكلمه (بعض)
تشير إلى الجزئية التي تتجلى في المصطلحات العرفانية التي طغت على
كتاباته. ولولا ذلك لقال - رحمه الله - إلى الطريقة الصوفية، ولما قيدها
بكلمة (بعض).
ولهذا نرى أن أصحابنا - قدست أسرارهم - لم يجدوا فيه مغمزا، وأثنوا
عليه غاية الثناء، وأطروه بأحسن إطراء. ولنستعرض أقوال بعض هؤلاء
الأعلام: -
1 - محمد باقر الخوانساري في روضات الجنات: 6 / 79:
(اسمه كما يظهر من تقريرات نفسه محمد، وأمره في الفضل والفهم و
النبالة في الفروع والأصول، والإحاطة بمراتب المعقول والمنقول، وكثرة
التصنيف والتأليف مع جودة التعبير والترصيف، أشهر من أن يخفى في هذه
الطائفة على أحد إلى منتهى الأبد. وعمره كما استفيد لنا من تتبع تصانيفه
الوافرة تجاوز حدود الثمانين، ووفاته بعد الألف من الهجرة الطاهرة بنيف
يلحق تمام التسعين، ومرقده الشريف معروف بالكرامة والمقامة في دار
المؤمنين..)
2 - الأردبيلي في (جامع الرواة: 2 / 42):
(العلامة المحقق المدقق، جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة، فاضل
كامل أديب، متبحر في جميع العلوم، له قريبا من مائة تأليفات منها كتاب
تفسير الصافي وكتاب الوافي، وكتاب الشافي ملخص الصافي و..)
3 - الشيخ عباس القمي في (الكنى والألقاب: -
(الفيض لقب العالم الفاضل الكامل العارف المحدث المحقق المدقق
الحكيم المتأله محمد بن المرتضى المدعو بالمولى محسن الكاشاني. صاحب
التصانيف الكثيرة الشهيرة كالوافي، والصافي، والشافي، والمفاتيح، و..)
4 - العلامة الأميني في (الغدير: 11 / 362) قال عند ذكر ابنه (علم الهدى): -
5

(هو ابن المحقق الفيض علم الفقه، وراية الحديث، ومنار الفلسفة، و
معدن العرفان، وطود الأخلاق، وعباب العلوم والمعارف.
هو ابن ذلك الفذ الذي قل ما أنتج شكل الدهر بمثيله، وعقمت الأيام عن
أن تأتي بمشبهه).
وكتابه (تفسير الصافي) هذا يعد من كتب التفسير المهمة التي يعول عليها
كل من تأخر عنها. وها نحن نرى أن العلامة السيد محمد الحسين الطباطبائي
قد أفاد كثيرا من تفسير الصافي، واستشهد بأقوال مؤلفه في تفسيره الميزان، و
من يتصفح تفسير الميزان، يجد ذلك واضحا. وهذا يدلنا على أهمية تفسير
الصافي، والاعتماد على مؤلفه.
وقد طبع هذا التفسير القيم عده طبعات في إيران بالقطع الرحلي وبالطبعة
الحجرية، ثم طبع في المطبعة الاسلامية بطهران بخط الهمداني، وبعد ذلك
طبع طبعة حديثة في بيروت، ضم إليه تعليقات بيانية لنفس المؤلف تحت رمز
(منه، وتعليقات من كتب أخرى تحت رموز مثل: -
م. ن = مجمع البيان في تفسير القرآن.
ق = القاموس للفيروز آبادي.
ص = الصحاح للجوهري.
وقد تصدى أخيرا صديقنا الفاضل سماحة السيد كاظم صدر السادات
الدزفولي صاحب مكتبة الصدر في طهران، الذي طالما وفقه الله لإصدار
الكتب الاسلامية المفيدة، إلى طبع هدا الكتاب القيم والتفسير البين، بطبعته
الحديثة، وحلته القشيبة هذه التي تتجلى ميزتها عما سبقها من الطبعات،
بنصاعة الورق، ووضوح الحروف، والإخراج الفني، والتجليد الحديث. كل
ذلك خدمة للاسلام والمسلمين، فحيا الله روحه الاسلامية، وأخذ بيده لما
فيه الصلاح، وكلل مساعيه بالنجاح، إنه ولي التوفيق.
طهران 22 / جمادى الثانية 1415 ه‍
عباس الترجمان
6

بسم الله الرحمن الرحيم
نحمدك يا من تجلى لعباده في كتابه، بل في كل شئ، وأراهم نفسه في
خطابه، بل في كل نور وفئ، دل على ذاته بذاته، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته،
كيف يستدل عليه بما هو في وجوده مفتقر إليه، بل متى غاب حتى يحتاج إلى
دليل يدل عليه، ومتى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه، عميت عين
لا تراه ولا يزال عليها رقيبا، وخسرت صفقة عبد لم يجعل له من حبه نصيبا،
تعرف لكل موجود فما جهله موجود، وتعرف إلينا بكل شاهد لنشاهده في كل
مشهود، نزل الفرقان على عبده ليكون للعلمين نذيرا وأودع أسراره أهل البيت
فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، أبلج عن هدى نبيه المرسل، بنور كتابه
المنزل، وكشف عن سر كتابه المنزل بعترة نبيه المرسل، جعل الكتاب والعترة
حبلين ممدودين بينه وبيننا، ليخرجنا بتمسكنا بهما من مهوى ضلالتنا ويذهب
عنا شيننا، لم يزل أقامهما فينا طرف منهما بيده وطرف بأيدينا، من بهما علينا
وحببهما بفضله إلينا، وهما الثقلان اللذان تركهما النبي فينا، وخلفهما لدينا،
وقال إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي حوضي،
فأخبرنا بأنهما صاحبان مصطحبان، وأخوان مؤتلفان، وإن العترة تراجمة
للقرآن، فمن الكشاف عن وجوه عرائس أسراره ودقائقه وهم قد خوطبوا به،
ومن التبيان مشكلاته ولديه مجمع بيان معضلاته ومنبع بحر حقائقه وهم: أبو
حسنه، ومن لشرح آيات الله وتيسير تفسيرها بالرموز والصراح الا من شرح الله
صدره بنوره، ومثله بالمشكاة والمصباح ومن عسى يبلغ علمه بمعالم التنزيل
7

والتأويل وفي بيوتهم كان ينزل جبرئيل، وهي البيوت التي أذن الله أن ترفع،
فعنهم يؤخذ ومنهم يسمع، إذ أهل البيت بما في البيت أدرى والمخاطبون لما
خوطبوا به أوعى، فأين نذهب عن بابهم، وإلى من نصير لا والله ولا ينبئك مثل
خبير، سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، اللهم فكما هديتنا للتمسك
بحبل الثقلين وجعلت لنا المودة في القربى قرة عين، فاشرح صدورنا لأسرار
كتابك لنرتقي من العلم إلى العين، ونور أفئدتنا بأنوار العترة لتخرجنا من ظلمات
الغين والرين وصل اللهم على محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلى
التسعة من ولد الحسين (عليهم السلام) وصن بياننا عن الشين ولساننا عن المين.
أما بعد: فيقول خادم علوم الدين، وراصد اسرار كتاب الله المبين،
والفقير إلى الله في كل موقف وموطن (محمد بن مرتضى) المدعو (بمحسن)
حشره الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
هذا يا اخواني ما سألتموني من تفسير القرآن بما وصل إلينا من أئمتنا
المعصومين من البيان، أتيتكم به مع قلة البضاعة، وقصور يدي عن هذه
الصناعة، على قدر مقدور فإن المأمور معذور، والميسور لا يترك بالمعسور،
ولا سيما كنت أراه امرا مهما، وبدونه أرى الخطب مدلهما، فان المفسرين وان
أكثروا القول في معاني القرآن، إلا أنه لم يأت أحد منهم فيه بسلطان وذلك لأن
في القرآن ناسخا ومنسوخا ومحكما ومتشابها وخاصا وعاما ومبينا ومبهما ومقطوعا
وموصولا وفرائض وأحكاما وسننا وآدابا وحلا لا وحراما وعزيمة ورخصة وظاهرا
وباطنا وحدا ومطلعا، ولا يعلم تمييز ذلك كله إلا من نزل في بيته، وذلك هو
النبي وأهل بيته، فكل ما لا يخرج من بيتهم فلا تعويل عليه.
ولهذا ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) من فسر القرآن برأيه فأصاب الحق
فقد أخطأ،
وقد جاءت عن أهل البيت في تفسير القرآن وتأويله أخبار كثيرة إلا
أنها خرجت متفرقة عند أسئلة السائلين، وعلى قدر أفهام المخاطبين، وبموجب
إرشادهم إلى مناهج الدين وبقيت بعد خبايا في زوايا خوفا من الأعداء وتقية من
8

البعداء ولعله مما برز وظهر لم يصل إلينا الأكثر، لأن رواته كانوا في محنة من
التقية وشدة من الخطر وذلك بأنه لما جرى في الصحابة ما جرى، وضل بهم
عامة الورى، أعرض الناس عن الثقلين وتاهوا في بيداء ضلالتهم عن النجدين
إلا شرذمة من المؤمنين فمكث العامة بذلك سنين وعمهوا في غمرتهم حتى
حين، فآل الحال إلى: أن نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته، فكان الكتاب
وأهله في الناس وليسا في الناس ومعهم وليسا معهم، لأن الضلالة لا توافق
الهدى وإن اجتمعا، وكان العلم مكتوما وأهله مظلوما لا سبيل لهم إلى إبرازه إلا
بتعميته وألغازه، ثم خلف من بعدهم خلف غير عارفين ولا ناصبين لم يدروا ما
صنعوا بالقرآن، وعمن أخذوا التفسير والبيان، فعمدوا إلى طائفة يزعمون أنهم
من العلماء، فكانوا يفسرونه لهم بالآراء ويروون تفسيره عمن يحسبونه من
كبرائهم، مثل: أبي هريرة، وأنس وابن عمر ونظرائهم. وكانوا يعدون
أمير المؤمنين (عليه السلام) من جملتهم ويجعلونه كواحد من الناس، وكان خير
من يستندون إليه بعده ابن مسعود وابن عباس ممن ليس على قوله كثير تعويل ولا
له إلى لباب الحق سبيل، وكان هؤلاء الكبراء ربما يتقولون من تلقاء أنفسهم
غير خائفين من مآله وربما يستندونه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن
الآخذين عنهم من لم يكن له معرفة بحقيقة أحوالهم لما تقرر عنهم أن الصحابة
كلهم عدول ولم يكن لأحد منهم عن الحق عدول، ولم يعلموا أن أكثرهم كانوا
يبطنون النفاق ويجترون على الله ويفترون على رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) في عزة وشقاق، هكذا كان حال الناس قرنا بعد قرن فكان لهم في كل
قرن رؤساء ضلالة، عنهم يأخذون وإليهم يرجعون، هم بآرائهم يجيبون وإلى
كبرائهم يستندون وربما يروون عن بعض أئمة الحق في جملة ما يروون عن
رجالهم ولكن يحسبونه من أمثالهم. فتبا لهم ولأدب الرواية، إذ ما رعوها حق
الرعاية، نعوذ بالله من قوم حذفوا محكمات الكتاب ونسوا الله رب الأرباب راموا
غير باب الله أبوابا، واتخذوا من دون الله أربابا، وفيهم أهل بيت نبيهم وهم
أزمة الحق وألسنة الصدق وشجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط
9

الوحي وعيبة العلم ومنار الهدى والحجج على أهل الدنيا وخزائن اسرار الوحي
والتنزيل، ومعادن جواهر العلم والتأويل، الأمناء على الحقائق، والخلفاء على
الخلائق، أولوا الأمر الذين أمروا بطاعتهم وأهل الذكر الذين أمروا بمسألتهم
وأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والراسخون في
العلم الذين عندهم علم القرآن كله تأويلا وتفسيرا ومع ذلك كله يحسبون أنهم
مهتدون إنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما أصبح الأمر كذلك وبقي العلم مخزونا هنالك صار الناس كأنهم أئمة
الكتاب وليس الكتاب بإمامهم فضربوا بعضه ببعض لترويج مرامهم وحملوه
على أهوائهم في تفاسيرهم وكلامهم، والتفاسير التي صنفها علماء العامة من
هذا القبيل فكيف يصح عليها التعويل، وكذلك التي صنفها متأخروا أصحابنا،
فإنها أيضا مستندة إلى رؤساء العامة وشذ ما نقل فيه حديث عن أهل العصمة،
وذلك لأنهم إنما نسجوا على منوالهم واقتصروا في الأكثر على أقوالهم، مع أن
أكثر ما تكلم به هؤلاء وهؤلاء فإنما تكلموا في النحو والصرف والاشتقاق واللغة
والقراءة وأمثالها مما يدور على القشر دون اللباب فأين هم والمقصود من
الكتاب، وإنما أورد كل طائفة منهم ما قويت فيه منته، وترك ما لا معرفة له به
مما قصرت عنه همته، ومنهم من أدخل في التفسير ما لا يليق به فبسط الكلام
في فروع الفقه وأصوله وطول القول في اختلاف الفقهاء أو صرف همته فيه إلى
المسائل الكلامية وذكر ما فيها من الآراء، واماما وصل الينا مما ألفه قدماؤنا من
أهل الحديث فغير تام لأنه إما غير منته إلى آخر القرآن وإما غير محيط بجميع
الآيات المفتقرة إلى البيان، مع أن منه ما لم يثبت صحته عن المعصوم لضعف
رواته أو جهالة حالهم ونكارة بعض مقالهم، ومنه ما أورد جامعه في كثير من
المواضع ما لا مدخل له في فهم القرآن وترك فيه وفي مواضع اخر ما لا بد منه
في التفسير والتبيان. لم يأت بنظم يليق، ولا بأسلوب أنيق، ومنه ما يشتمل مع
ذلك على ما ثبت خلافه في العقل والأنباء كنسبة الكبائر والسفه إلى الأنبياء،
ومنه ما يشتمل على التأويلات البعيدة التي تشمئز عنها الطباع وتنفر عنه الأسماع
10

وتحجب عن البيان وتزيد في حيرة الحيران مما يجب رده إليهم من غير إنكار
كما وردت به الأخبار ولعلها إن صحت فإنما وردت لمصالح ومعان يقتضيها
الوقت والزمان.
ومنه ما يشتمل على ما يوهم عليه التناقض والتضاد (1) لتخصيص المعنى
تارة ببعض الأفراد كأنه هو المراد، وتارة بفرد آخر كأن غيره لا يراد، من غير
تعرض للجمع والتوفيق، ولا اتيان بما هو التحقيق وجله يشتمل على ما يوهم
اختصاص آيات الرحمة بأشخاص بأعيانهم، كأنها لا يجاوزهم إلى الغير
واختصاص آيات العذاب بأشخاص اخر كأنهم خصوا بالبعد عن الخير من غير
تعرض منهم لبيان المراد، وأن ليس المقصود بهما خصوص الآحاد والأفراد،
كما يعرفه البصير في الدين والخبير بأسرار كلام المعصومين، كيف ولو كان
ذلك كذلك لكان القرآن قليل الفائدة، يسير الجدوى والعائدة، حاشاه عن ذلك
بل إنما ورد ذلك على سبيل المثال، لإزاحة الخفاء أو ذكر الفرد الأكمل
أو الأخفى، أو المنزل فيه أو للإشارة إلى أحد بطون معانيه.
وأما في كتب الأخبار مما يتعلق بالتفسير فكان مع اشتماله على بعض هذه
الأمور متفرقا بحيث يعسر ضبطه وربطه بالآيات، مع أنه لم يف بأكثر
المهمات وبالجملة لم نر إلى الآن في جملة المفسرين مع كثرتهم وكثرة
تفاسيرهم من أتى بتصنيف تفسير مهذب صاف واف كاف شاف يشفي العليل
ويروي الغليل، يكون منزها عن آراء العوام مستنبطا من أحاديث أهل البيت
(عليهم السلام)، وليس لهذا الأمر الخطير والاتيان بمثل هذا التفسير الا ناقد
بصير، ينظر بنور الله ويؤيده روح القدس، بإذن الله ليشاهد صدق الحديث
وصحته من اشراق نوره، ويعرف كذبه وضعفه من لحن القول وزوره فيصحح

(1) وذلك كما ورد في قول الله عز وجل: (الذين يؤمنون بالغيب) تارة بأن المراد بالغيب التوحيد وأخرى أن المزاد به
الأنبياء الماضون، وأخرى أن المراد به القيامة، وأخرى أن المراد به القائم (ع)، وأخرى أن المراد به الرجعة إلى غير
ذلك. وهذه الأخبار توهم التناقض وليست بمتناقضة لأن المراد به الجميع دائما خرجت على ما اقتضاه الحال وارتضاه
السؤال (منه)
11

الاخبار بالمتون دون الأسانيد، ويأخذ العلم من الله لا من الأساتيذ حتى يتأتى له
تمييز الصافي من الكدر، وتخريج الشافي من المضر، فينقر الأخبار التفسيرية
المعصومية نقرا حتى تصفوا عما يوهم غبارا في البيان، ويبقرها بقرا إلى أن
يخرج من خاصرتها ما يناسب فهم أبناء الزمان، يجمع شتاتها من كتب
متعددة، ويؤلف متفرقاتها من مواضع متبددة، ويفردها من كلام كثير ليس
لأكثره مدخل في التفسير ويلفقها من غير واحد بحذف الزوائد، بحيث يزيل
الإبهام لا أن يزيد إبهاما على إبهام، على نحو لا يخرج عن مقصود الامام ولا
يفوت شيئا من لطائف الكلام، وقد جاءت الرخصة عنهم في نقل حديثهم
بالمعنى إذا لم يخل بالمرام، وأن يعمم في تفسيره المعنى والمفهوم في كل ما
يحتمل الإحاطة والعموم، لأن التناقض والتضاد الموهومين في الأخبار إنما
يرتفعان بذلك في الغالب، وفهم أسرار القرآن يبتني على ذلك للطالب، فإن
نظر أهل المعرفة إنما يكون في العلوم إلى الحقائق الكلية دون الافراد، فما ورد
في الأخبار من التخصيص فإنما ورد للأفهام القاصرة على خصوص الآحاد
للاستيناس إذ كان كلامهم مع الناس على قدر عقول الناس، وقد عمم مولانا
الصادق (عليه السلام) لآية التي وردت في صلة رحم آل محمد (صلى الله عليه
وآله وسلم) صلة كل رحم ثم قال ولا تكونن ممن يقول في الشئ إنه في شئ
واحد، وهذا نهي عن التخصيص فضلا عن الاذن في التعميم وهذا هو المعنى
بالتأويل كما يأتي بيانه نقلا عن المعصوم ثم تحقيق معناه ببسط من الكلام انشاء
الله وأن يأتي بذكر القصص التي يتوقف عليها فهم الآيات، وتعاطيها دون ما لا
مدخل له فيها، وأن يترك ما يبعد عن الافهام في طي الأخبار، ويذره في سنبله
من غير نقل ولا إنكار، امتثالا لما ورد فيما رواه مولانا الباقر (عليه السلام) عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال إن حديث آل محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) صعب مستصعب لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن
الله قلبه للإيمان فما عرض عليكم من حديث آل محمد فلانت له قلوبكم
وعرفتموه فخذوه وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول
12

وإلى العالم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) وإنما الهلاك أن يحدث عليكم
أحدكم بشئ منه لا يحتمله فيقول والله ما كان هذا والله ما هذا بشئ والانكار
هو الكفر وإذا أتى المفسر بهذا كله فمرجو له أن يكون من أهل البشارة في قوله
سبحانه * (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم
الله وأولئك هم أولوا الألباب) * وإني لأرجو من فضل الله وكرمه أن يكون هذا
الكتاب هو ذلك التفسير مع إني ما بلغت معشار حسنة من حسنات ذلك الناقد
البصير إلا أن يعرفني (بصرني خ ل) ربي ونصرني وأيدني وسددني وآتاني فهما
في قرآنه ثم أطلق لساني ببيانه، وما ذلك يا إلهي إلا بيدك ولا يوصل إليه إلا
بمعونتك وقدرتك ولا ينال إلا بمشيئتك وإرادتك، ولا يتأتى إلا بتوفيقك
وتسديدك فهب لي منك تأييدا وتسديدا وتوفيقا، وتحقيقا حتى استفيد ذلك من
خزائنك على أيدي خزانك الأمناء على وحيك العلماء بكتابك، فإنك إن وكلتني
إلى سواك وسواهم تهت وإن تركتني ونفسي ولهت، وإن كنت لي فيما بيني
وبينك فزت، وعن مواقع الهلكة جزت وذلك هو الفوز العظيم وهو المرجو منك يا
كريم وما ذلك عليك بعزيز.
وبالحري أن يسمى هذا التفسير بالصافي لصفائه عن كدورات آراء العامة
والممل والمحير والمتنافي.
ونمهد أولا اثنتي عشرة مقدمة مهمات ثم نشرع إنشاء الله في تفسير
الآيات:
المقدمة الأولى: في نبذ مما جاء في الوصية بالتمسك بالقرآن وفضله.
والمقدمة الثانية: في نبذ مما جاء في أن علم القرآن كله إنما هو من عند
أهل البيت (عليهم السلام.)
والمقدمة الثالثة: في نبذ مما جاء في أن جل القرآن إنما ورد فيهم وفي
أوليائهم وفي أعدائهم، وبيان سر ذلك.
والمقدمة والرابعة: في نبذ مما جاء في معاني وجوه الآيات من التفسير
13

والتأويل والظهر والبطن والحد والمطلع والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ
وغير ذلك، وتحقيق القول في معنى المتشابه وتأويله.
والمقدمة الخامسة: في نبذ مما جاء في المنع من تفسير القرآن بالرأي
والسر فيه.
والمقدمة السادسة: في نبذ مما جاء في جمع القرآن وتحريفه وزيادته
ونقصه وتأويل ذلك.
والمقدمة السابعة: في نبذ مما جاء في أن القرآن تبيان كل شئ وتحقيق
معناه.
والمقدمة الثامنة: في نبذ مما جاء في أقسام الآيات واشتمالها على
البطون والتأويلات وأنواع اللغات واختلاف القراءات والمعتبرة منها.
والمقدمة التاسعة: في نبذ مما جاء في زمان نزول القرآن وتحقيق ذلك.
والمقدمة العاشرة: في نبذ مما جاء في تمثل القرآن لأهله يوم القيامة
وشفاعته لهم وثواب حفظه وتلاوته.
والمقدمة الحادية عشرة: في نبذ مما جاء في كيفية التلاوة وآدابها.
والمقدمة الثانية عشرة: في بيان ما اصطلحنا عليه في تفسير الآيات
ليكون الناظر فيه على بصيرة ومن الله الإعانة وإعطاء الفهم والبصيرة.
14

المقدمة الأولى
في نبذ مما جاء في الوصية بالتمسك بالقرآن وفي فضله
روى محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه في الكافي باسناده، ومحمد بن
مسعود العياشي في تفسيره باسناده عن الصادق عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام)
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أيها الناس إنكم في دار هدنة
وأنتم على ظهر سفر والسير بكم سريع وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر
يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد ويأتيان بكل موعود فأعدوا الجهاز لبعد
المجاز. قال: فقام المقداد بن الأسود فقال يا رسول الله: وما دار الهدنة
فقال (ص). دار بلاغ وانقطاع فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم
بالقرآن فإنه شافع مشفع وماحل مصدق ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن
جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل يدل على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل
وبيان وتحصيل، وهو الفصل وليس بالهزل وله ظهر وبطن، فظاهره حكم وباطنه
علم ظاهره أنيق وباطنه عميق له تخوم وعلى تخومه تخوم لا تحصى عجائبه ولا
تبلى غرائبه فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل على المعرفة لمن عرف
الصفة.
وزاد في الكافي: فليجل جال بصره وليبلغ الصفة نظره ينج من عطب
ويخلص من نشب فإن التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات
بالنور، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص.
أقول: ماحل: أي يمحل بصاحبه إذا لم يتبع ما فيه، أعني سعى به إلى
15

الله تعالى. وقيل معناه خصم مجادل.
والأنيق الحسن المعجب.
والتخوم بالمثناة الفوقانية والمعجمة: جمع تخم بالفتح وهو منتهى الشئ لمن عرف الصفة: أي صفة التعريف وكيفية الاستنباط.
والعطب: الهلاك. والنشف: الوقوع فيما لا مخلص منه.
وروى العياشي بإسناده عن الحارث الأعور قال: دخلت على أمير
المؤمنين (عليه السلام) فقلت: يا أمير المؤمنين انا إذا كنا عندك سمعنا الذي نشد
به ديننا وإذا خرجنا من عندك سمعنا أشياء مختلفة مغموسة ولا ندري ما هي.
قال: أوقد فعلوها قال: قلت: نعم. قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم يقول: أتاني جبرئيل فقال: يا محمد ستكون في أمتك فتنة.
قلت: فما المخرج منها؟ فقال: كتاب الله فيه بيان ما قبلكم من خبر، وخبر ما
بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من وليه من جبار فعمل بغيره
قصمه الله، ومن التمس الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو
الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم لا تزيغه الأهوية ولا تلبسه الألسنة ولا يخلق
على الرد ولا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء هو الذي لم تلبث الجن إذ
سمعته أن قالوا: (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد) من قال به صدق
ومن عمل به أجر ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم وهو الكتاب العزيز
الذي لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وبإسنادهما عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) القرآن: هدى من الضلالة وتبيان من العمى واستقالة من العثرة
ونور من الظلمة وضياء من الأجداث وعصمة من الهلكة ورشد من الغواية وبيان
من الفتن وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة وفيه كمال دينكم وما عدل أحد من القرآن
إلا إلى النار.
16

وروى العياشي بإسناده عنه (عليه السلام) قال: عليكم بالقرآن فما وجدتم
آية نجى بها من كان قبلكم فاعملوا به وما وجدتموه مما هلك بها من كان قبلكم
فاجتنبوه.
وفي تفسير الامام أبي محمد الزكي: قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) إن هذا القرآن هو النور المبين والحبل المتين والعروة الوثقى والدرجة
العليا والشفاء الأشفى والفضيلة الكبرى والسعادة العظمى من استضاء به نوره الله
ومن عقد به أموره عصمه الله ومن تمسك به أنقذه الله، ومن لم يفارق أحكامه
رفعه الله ومن استشفى به شفاه الله ومن أثره على ما سواه هداه الله ومن طلب
الهدى في غيره أضله الله ومن جعله شعاره ودثاره أسعده الله ومن جعله إمامه
الذي يقتدي به ومعوله الذي ينتهي إليه أداه الله إلى جنات النعيم والعيش
السليم.
وفي الكافي بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم): يا معاشر قراء القرآن اتقوا الله فيما حملكم من كتابه فإني
مسؤول وإنكم مسؤولون، إني مسؤول عن تبليغ الرسالة وأما أنتم فتسألون عما
حملتم من كتاب الله وسنتي.
وبإسناده عنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثم أمتي ثم أسألهم
ما فعلتم بكتاب الله وأهل بيتي.
وبإسناده عن سعد الإسكاف (1) عنه (عليه السلام) قال: قال (صلى الله عليه
وآله وسلم) أعطيت السور الطول مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الإنجيل
وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت
بالمفصل ثمان وستون سورة وهو مهيمن
على سائر الكتب، فالتوراة لموسى والإنجيل لعيسى والزبور لداود.
أقول: اختلفت الأقوال في تفسير هذه الألفاظ أقربها إلى الصواب وأحوطها

(1) روى هذا الحديث العياشي أيضا إلى قوله (عليه السلام: وستون سورة وأورد مكان ثمان سبع.
17

لسور الكتاب إن الطول كصرد هي السبع الأول بعد الفاتحة على أن يعد الأنفال
والبراءة واحدة نزولهما جميعا في المغازي وتسميتهما بالقرينتين.
والمئين من بني إسرائيل إلى سبع سور سميت بها لأن كلا منها على نحو
مائة آية، والمفصل من سورة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى آخر القرآن
سميت به لكثرة الفواصل بينها والمثاني بقية السور وهي التي تقصر عن المئين
وتزيد على المفصل كأن الطول جعلت مبادي تارة والتي تليها مثاني لها لأنها ثنت
الطول أي تلتها، والمئين جعلت مبادي أخرى والتي تليها مثاني لها.
18

المقدمة الثانية
في نبذ مما جاء في أن علم القرآن كله إنما هو
عند أهل البيت (عليهم السلام)
روي في الكافي بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي قال سمعت أمير
المؤمنين يقول وساق الحديث إلى أن قال: ما نزلت آية على رسول الله (صلى
الله وآله) الا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها
وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها ودعا الله لي أن يعلمني فهمها وحفظها
فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه
علي فكتبته منذ دعا لي بما دعا وما
ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب
منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته فلم أنس منه حرفا
واحدا ثم وضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وحكمة
ونورا. فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي مذ دعوت الله لي بما دعوت لم
أنس شيئا ولم يفتني شئ لم أكتبه أو تتخوف علي النسيان فيما بعد. فقال: لست أتخوف عليك نسيانا ولا جهلا.
ورواه العياشي في تفسيره والصدوق في إكمال الدين بتفاوت يسير في
ألفاظه.
وزيد في آخره:
وقد أخبرني ربي أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من
بعدك فقلت: يا رسول الله ومن شركائي من بعدي؟ قال: الذين قرنهم الله
بنفسه وبي. فقال: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فقلت ومن
19

هم؟ قال: الأوصياء مني. إلى أن يردوا علي الحوض كلهم هادين مهديين لا
يضرهم من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه بهم
ينصر أمتي وبهم تمطر وبهم يدفع عنهم البلاء وبهم يستجاب دعاؤهم فقلت: يا
رسول الله سمهم لي. فقال: ابني هذا ووضع يده على رأس الحسن ثم ابني
هذا ووضع يده على رأس الحسين ثم ابن له يقال له علي وسيولد في حياتك
فاقرأه مني (السلام) ثم تكمله اثني عشر من ولد محمد (صلى الله عليه وآله) فقلت
له بأبي أنت وأمي فسمهم لي فسماهم رجلا رجلا فقال: فيهم والله يا أخا بني
هلال مهدي أمة محمد الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا والله
إني لأعرف من يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم.
وفي الكافي بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما ادعى أحد من
الناس أنه جمع القرآن كله كما انزل الا كذاب وما جمعه وحفظه كما أنزل الله،
الا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده (عليهم السلام). وبإسناده عن أبي جعفر
(عليه السلام) إنه قال: ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره
وباطنه غير الأوصياء.
وبإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: * (بل هو آيات
بينات في صدور الذين أوتوا العلم) * قال: هم الأئمة.
وبإسناده عنه (عليه السلام) قال: قد ولدني رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وأنا أعلم كتاب الله تعالى وفيه بدؤ الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة وفيه خبر
السماء وخبر الأرض وخبر الجنة والنار وخبر ما كان وما هو كائن أعلم ذلك كما
أنظر إلى كفي إن الله تعالى يقول: * (فيه تبيان كل شئ) *.
أقول: الولادة المشار إليها تشمل الولادة الجسمانية والروحانية فإن علمه
يرجع إليه كما أن نسبه يرجع إليه فهو وارث علمه كما هو وارث ماله ولهذا
قال: وأنا أعلم كتاب الله تعالى وفيه كذا وكذا يعني وأنا عالم بذلك كله
وبإسناده: عنه (عليه السلام) قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وحبر ما بعدكم
20

وفصل ما بينكم ونحن نعلمه.
وبإسناده عنه (عليه السلام) قال: نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم
تأويله.
وفي تفسير العياشي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: انا أهل بيت لم
يزل الله يبعث فينا من يعلم كتابه من أوله إلى آخره وإن عندنا من حلال الله
وحرامه ما يسعنا كتمانه ما نستطيع أن نحدث به أحدا.
وفي رواية: إن من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه لو وجدنا أوعية أو
مستراحا لقلنا والله المستعان.
وفيه عنه (عليه السلام) قال: ان الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن
وقطب جميع الكتب عليها يستدير محكم القرآن وبها نوهت الكتب ويستبين
الإيمان، وقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تقتدي بالقرآن وآل
محمد (عليهم السلام).
وذلك حيث قال: في آخر خطبة خطبها إني تارك فيكم الثقلين الثقل
الأكبر والثقل الأصغر فأما الأكبر فكتاب ربي وأما الأصغر فعترتي أهل بيتي
فاحفظوني فيهما فلن تضلوا ما تمسكتم بهما.
وفي الكافي بإسناده عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي
جعفر (عليه السلام) فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا
يزعمون، فقال أبو جعفر (عليه السلام): بلغني أنك تفسر القرآن؟ قال له قتادة:
نعم فقال أبو جعفر (عليه السلام): بعلم تفسره، أم بجهل؟ قال: لا بل بعلم.
فقال له أبو جعفر (عليه السلام): فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك؟
قال قتادة: سل. قال: أخبرني عن قول الله تعالى في سبأ * (وقدرنا فيها السير
سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) *. فقال قتادة: ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة
وكرى حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتى يرجع إلى أهله، فقال أبو جعفر (عليه
21

السلام): نشدتك بالله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد وراحلة
وكرى حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك
ضربة فيها اجتياحه؟ قال قتادة: اللهم نعم. فقال أبو جعفر (عليه السلام) ويحك
يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت وإن
كنت أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ويحك يا قتادة ذلك من خرج من
بيته بزاد وراحلة وكرى حلال يؤم هذا البيت عارفا بحقنا يهوانا قلبه كما قال الله
تعالى: * (فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم) * ولم يعن البيت (1) فيقول إليه
فنحن والله دعوة إبراهيم (ع) التي من هوانا قلبه قبلت حجته وإلا فلا، يا قتادة
فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنم يوم القيامة، قال: قتادة لا جرم والله
لا فسرتها إلا هكذا. فقال أبو جعفر (عليه السلام): ويحك يا قتادة إنما يعرف
القرآن من خوطب به.
أقول: هكذا وجدنا هذا الحديث في نسخ الكافي ويشبه أن يكون قد
سقط منه شئ وذلك لأن ما ذكره قتادة لا تعلق له بقوله تعالى: * (سيروا فيها
ليالي وأياما آمنين) * لأنه ما ذكر فيه أين هي من الأرض وإنما يتعلق بقوله:
* (ومن دخله كان آمنا) *. وكذلك ما قاله الإمام علي، وفيما ورد عن الصادق
(عليه السلام) من سؤال تفسير الآيتين عن أبي حنيفة دلالة أيضا على ما ذكرناه من
السقوط وهو ما رواه في علل الشرائع بإسناده عنه (عليه السلام) أنه قال لأبي
حنيفة: أنت فقيه أهل العراق؟ فقال: نعم. قال: فبم تفتيهم؟ قال: بكتاب
الله تعالى وسنة نبيه. قال: يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف
الناسخ من المنسوخ؟ فقال: نعم. فقال: يا أبا حنيفة لقد ادعيت علما ويلك ما
جعل الله ذلك الا عند أهل الكتاب الذي أنزله (عليهم)، ويلك وما هو الا عند
الخاص من ذرية نبينا وما أراك تعرف من كتابه حرفا فإن كنت كما تقول ولست
كما تقول فأخبرني عن قول الله تعالى: * (سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) * أين

(1) أي لم يعن البيت فيقول مكان تهوى إليهم تهوى إليه بل عني إياهم. فقال: تهوى إليهم أي أهل البيت (عليهم
السلام) (منه قده).
22

ذلك من الأرض. قال احسبه ما بين مكة والمدينة فالتفت أبو عبد الله (عليه
السلام) إلى أصحابه فقال: تعلمون أن الناس يقطع (عليهم) ما بين المدينة ومكة
فتؤخذ أموالهم ولا يؤمنون على أنفسهم ويقتلون. قالوا: نعم. فسكت أبو
حنيفة فقال؟ يا أبا حنيفة أخبرني عن قول الله عز وجل: * (ومن دخله كان آمنا) *
أين ذلك من الأرض؟ قال: الكعبة. قال: أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين
وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها فسكت. ويأتي
تفسير الآيتين في محلهما إنشاء الله.
23

المقدمة الثالثة
في نبذ مما جاء في أن جل القرآن إنما نزل فيهم وفي أوليائهم وأعدائهم وبيان
سر ذلك
في الكافي وتفسير العيا شي بإسنادهما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
نزل القرآن على أربعة أرباع ربع فينا وربع في عدونا وربع سنن وأمثال وربع
فرائض وأحكام، وزاد العياشي: ولنا كرائم القرآن، وبإسنادهما عن الأصبغ بن
نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول نزل القرآن أثلاثا: ثلث فينا
وفي عدونا وثلث سنن وأمثال وثلث فرائض وأحكام.
وروى العياشي بإسناده عن خيثمة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: القرآن
نزل أثلاثا: ثلث فينا وفي أحبائنا وثلث في أعدائنا وعدو من كان قبلنا، وثلث سنة
ومثل، ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن
شئ ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض
ولكل قوم آية يتلونها هم منها من خير أو شر.
أقول: لا تنافي بين هذه الأخبار لأن بناء هذا التقسيم ليس على التسوية الحقيقية ولا على التفريق من جميع الوجوه فلا بأس باختلافها بالتثليث والتربيع
ولا بزيادة بعض الأقسام على الثلث أو الربع أو نقصه عنهما ولا دخول بعضها
في بعض.
وبإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لنا حق في كتاب الله تعالى المحكم لو محوه فقالوا ليس من عند الله أو لم يعلموا لكان سواء.
أقول: إنه قد وردت أخبار جمة عن أهل البيت (عليهم السلام) في تأويل
24

كثير من آيات القرآن بهم وبأوليائهم وبأعدائهم حتى أن جماعة من أصحابنا
صنفوا كتبا في تأويل القرآن على هذا النحو جمعوا فيها ما ورد عنهم (عنهم
السلام) في تأويل آية آية اما بهم أو بشيعتهم أو بعدوهم على ترتيب القرآن وقد
رأيت منها كتابا كاد يقرب من عشرين الف بيت.
وقد روي في الكافي وفي تفسيري العياشي وعلي بن إبراهيم القمي
والتفسير المسموع من الإمام أبي محمد الزكي أخبار كثيرة من هذا القبيل وذلك
مثل ما رواه في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: * (نزل به
الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) *. قال: هي
الولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام).
وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
يا أبا محمد إذا سمعت الله ذكر قوما من هذه الأمة بخير فنحن هم وإذا سمعت
الله ذكر قوما بسوء ممن مضى فهم عدونا.
وفيه عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) سأله عن قول الله
تعالى * (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتب) * قال: فلما
رآني أتتبع هذا وأشباهه من الكتاب. قال: حسبك كل شئ في الكتاب من
فاتحته إلى خاتمته مثل هذا فهو في الأئمة عنوا به.
أقول: والسر فيه إنما ينكشف ويتبين ببسط من الكلام وتحقيق للمقام
فنقول وبالله التوفيق: إنه لما أراد الله أن يعرف نفسه لخلقه ليعبدوه وكان لم
تيسر معرفته كما أراد على سنة الأسباب إلا بوجود الأنبياء والأوصياء إذ بهم
تحصل المعرفة التامة والعبادة الكاملة دون غيرهم وكان لم يتيسر وجود الأنبياء
والأوصياء إلا بخلق سائر الخلق ليكون انسا لهم وسببا لمعاشهم فلذلك خلق
سائر الخلق ثم أمرهم بمعرفة أنبيائه وأوليائه وولايتهم والتبري من أعدائهم ومما
يصدهم عن ذلك ليكونوا ذوي حظوظ من نعيمهم ووهب الكل معرفة نفسه على
قدر معرفتهم بالأنبياء والأوصياء إذ بمعرفتهم إياهم يعرفون الله وبولايتهم إياهم
25

يتولون الله فكل ما ورد من البشارة والإنذار والأوامر والنواهي والنصائح والمواعظ
من الله سبحانه فإنما هو لذلك ولما كان نبينا سيد الأنبياء ووصيه سيد الأوصياء،
لجمعهما كمالات سائر الأنبياء والأوصياء ومقاماتهم مع ما لهما من الفضل عليهم
وكان كل منهما نفس الآخر صح أن ينسب إلى أحدهما من الفضل ما ينسب
إليهم لاشتماله على الكل وجمعه لفضائل الكل وحيث كان الأكمل يكون الكامل
لا محالة ولذلك خص تأويل الآيات بهما وبسائر أهل البيت (عليهم السلام) الذين
هم منهما ذرية بعضها من بعض وجئ بالكلمة الجامعة التي هي الولاية فإنها
مشتملة على المعرفة والمحبة والمتابعة وسائر ما لا بد منه في ذلك، وأيضا فإن
أحكام الله سبحانه إنما تجري على الحقائق الكلية والمقامات النوعية دون
خصائص الأفراد والآحاد كما أشرنا إليه سابقا فحيثما خوطب قوم بخطاب أو
نسب إليهم فعل دخل في ذلك الخطاب وذلك الفعل عند العلماء وأولي الألباب
كل من كان من سنخ أولئك القوم وطينتهم فصفوة الله حيثما خوطبوا بمكرمة أو
نسبوا إلى أنفسهم مكرمة يشمل ذلك كل من كان من سنخهم وطينتهم من الأنبياء
والأولياء وكل من كان من المقربين الا مكرمة خصوا بها دون غيرهم وكذلك إذا
خوطبت شيعتهم بخير أو نسب إليهم خير أو خوطب أعداؤهم بسوء ونسب إليهم
سوء يدخل في الأول كل من كان من سنخ شيعتهم وطينة محبيهم وفي الثاني كل
من كان من سنخ أعدائهم وطينة مبغضيهم من الأولين والآخرين، وذلك لأن كل
من أحبه الله ورسوله أحبه كل مؤمن من ابتداء الخلق إلى انتهائه وكل من أبغضه
الله ورسوله أبغضه كل مؤمن كذلك وهو يبغض كل من أحبه الله تعالى ورسوله
وكل مؤمن في العالم قديما أو حديثا إلى يوم القيامة فهو من شيعتهم ومحبيهم
وكل جاحد في العالم قديما أو حديثا إلى يوم القيامة فهو من مخالفيهم
ومبغضيهم.
وقد وردت الإشارة إلى ذلك في كلام الصادق (عليه السلام) في حديث
المفضل بن عمر وهو الذي رواه الصدوق طاب ثراه في كتاب علل الشرائع
بإسناده عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بما صار علي
26

ابن أبي طالب (عليه السلام) قسيم الجنة والنار؟ قال: لأن حبه إيمان وبغضه كفر
وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان وخلقت النار لأهل الكفر فهو (عليه السلام) قسيم
الجنة والنار لهذه العلة والجنة لا يدخلها إلا أهل محبته والنار لا يدخلها إلا أهل
بغضه، قال المفضل: يا بن رسول الله فالأنبياء والأوصياء هل كانوا يحبونه
وأعداؤهم يبغضونه؟ فقال: نعم. قلت فكيف ذلك قال: أما علمت أن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله
تعالى ورسوله ويحبه الله ورسوله ما يرجع حتى يفتح الله على يده، قلت:
بلى. قال: أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أوتي بالطائر
المشوي قال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير وعني به عليا،
قلت بلى قال: يجوز أن لا يحب أنبياء الله ورسله وأوصيائهم (عليهم السلام
رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله. فقلت: لا. قال فهل يجوز أن
يكون المؤمنون من أممهم لا يحبون حبيب الله وحبيب رسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وأنبياء ه. قلت: لا، قال: فقد ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله وجميع
المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) محبين وثبت أن المخالفين لهم
كانوا له ولجميع حبته مبغضين. قلت: نعم. قال: فلا يدخل الجنة إلا من
أحبه من الأولين والآخرين فهو إذن قسيم الجنة والنار. قال: المفضل بن
عمر. فقلت: له يا ابن رسول الله فرجت عني فرج الله عنك فزدني مما علمك
الله تعالى؟ فقال: سل يا مفضل. فقلت: أسأل يا بن رسول الله فعلي بن أبي طالب (عليه السلام) يدخل محبه الجنة ومبغضه النار أو رضوان ومالك فقال: يا
مفضل أما علمت أن الله تبارك وتعالى بعث رسوله وهو روح إلى الأنبياء وهم
أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام. قلت: بلى. قال: أما علمت أنه دعاهم
إلى توحيد الله وطاعته واتباع أمره ووعدهم الجنة على ذلك وأوعد من خالف ما
أجابوا إليه وأنكره النار فقلت: بلى. قال: أفليس النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) ضامنا لما وعد وأوعد عن ربه عز وجل؟ قلت: بلى. قال: أوليس
علي بن أبي طالب (عليه السلام) خليفته وإمام أمته؟ قال: بلى. قال: أوليس
27

رضوان ومالك من جملة الملائكة والمستغفرين لشيعته الناجين بمحبته. قلت:
بلى. قال: فعلي بن أبي طالب (عليه السلام) إذن قسيم الجنة والنار عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ورضوان ومالك صادران عن أمره بأمر الله تبارك وتعالى،
يا مفضل خذ هذا فإنه من مخزون العلم ومكنونه لا تخرجه إلا إلى أهله. أقول: وقد فتح هذا الحديث بابا من العلم انفتح منه ألف باب وسيأتي له
مزيد انكشاف في المقدمة الرابعة عند تحقيق القول في المتشابه وتأويله إن شاء الله.
ومن هذا القبيل خطاب الله تعالى لبني إسرائيل الذين كانوا في زمان نبينا
(صلى الله عليه وآله وسلم) بما فعل بأسلافهم أو فعلت أسلافهم كانجائهم من
الغرق وسقيهم من الحجر وتكذيبهم الآيات إلى عير ذلك وذلك لأن هؤلاء كانوا
من سنخ أولئك راضين بما رضوا به ساخطين بما سخطوا به، وأيضا فإن القرآن
إنما نزل بلغة العرب ومن عادة العرب أن تنسب إلى الرجل ما فعلته القبيلة التي
هو منهم وان لم يفعل هو بعينه ذلك الفعل معهم.
وقد ورد ذلك بعينه في كلام السجاد (عليه السلام) حيث سئل عن ذلك،
فقال: إن القرآن بلغة العرب فيخاطب فيه أهل اللسان بلغتهم أما تقول للرجل
التميمي الذي قد أغار قومه على بلد وقتلوا من فيه أغرتم على بلد كذا وفعلتم
كذا الحديث. وسر هذه العادة في لغتهم ما قلناه. وبهذا التحقيق انحل كثير
من المشكلات والشبهات في تأويل الآيات الواردة عنهم (عليهم السلام) بل كفينا
مؤنة ذكر التأويلات في ذيل تلك الآيات إذ لا يخفى بعد معرفة هذا الأصل
إجراء تلك التأويلات في آية آية على أولي الألباب، إلا إنا سنأتي بنبذ منها في
محالها إنشاء الله تعالى والحمد لله على ما أفهمنا ذلك وألهمناه.
28

المقدمة الرابعة
في نبذ مما جاء في معاني وجوه الآيات وتحقيق
القول في المتشابه وتأويله
روى العياشي بإسناده عن جابر قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن
شئ من تفسير القرآن فأجابني. ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر فقلت
جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب آخر غير هذا قبل اليوم فقال
لي يا جابر ان للقرآن بطنا وللبطن بطنا وظهرا وللظهر ظهرا يا جابر وليس شئ
أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن إن الآية لتكون أولها في شئ وآخرها
في شئ وهو كلام متصل يتصرف على وجوه.
وبإسناده عن حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ظهر القرآن:
الذين نزل فيهم، وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم.
وبإسناده عن الفضيل بن
يسار قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية ما في القرآن آية إلا ولها
ظهر وبطن وما فيه حرف إلا وله حد ولكل حد مطلع ما يعني بقوله لها ظهر
وبطن، قال: ظهره تنزيله وبطنه تأويله منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد يجري
كما يجري الشمس والقمر كلما جاء منه شئ وقع، قال الله تعالى * (وما يعلم
تأويله إلا الله والر سخون في العلم) * نحن نعلمه.
أقول: المطلع بتشديد الطاء وفتح اللام مكان الاطلاع من موضع عال
ويجوز أن يكون بوزن مصعد بفتح الميم ومعناه أي مصعد يصعد إليه من معرفة
علمه، ومحصل معناه قريب من معنى التأويل والبطن كما أن معنى الحد قريب
من معنى التنزيل والظهر.
وبإسناده عن مسعدة بن صدقة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
29

الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه، قال: الناسخ الثابت المعمول به
والمنسوخ ما قد كان يعمل به ثم جاء ما نسخه، والمتشابه ما اشتبه على
جاهله.
وفي رواية الناسخ: الثابت، والمنسوخ ما مضى، والمحكم ما يعمل
به، والمتشابه الذي يشبه بعضه بعضا.
وبإسناده عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
القرآن والفرقان قال: القرآن جملة الكتاب وأخبار ما يكون والفرقان المحكم الذي
يعمل به وكل محكم فهو فرقان.
وبإسناده عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إن
القرآن فيه محكم ومتشابه فأما المحكم فنؤمن به ونعمل به وندين به. وأما
المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به.
وبإسناده عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزل
القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة.
أقول: هذا مثل يضرب لمن يتكلم بكلام ويريد به غير المخاطب وهذا
الحديث مما يؤيد ما حققناه في المقدمة السابقة، وبإسناده عن ابن أبي عمير
عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما عاتب الله نبيه (صلى الله عليه
وآله وسلم) فهو يعني به من قد مضى في القرآن مثل قوله تعالى * (ولولا أن ثبتناك
لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) * عني بذلك غيره.
أقول: لعل المراد بمن قد مضى في القرآن من مضى ذكره فيه من الذين
أسقط أسماء هم الملحدون في آيات الله كما يظهر مما يأتي ذكره في المقدمة
السادسة وهذان الحديثان مرويان في الكافي أيضا.
ومن طريق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) إن للقرآن ظهرا وبطنا وحدا
ومطلعا.
30

وعنه (عليه السلام) إن القرآن انزل على سبعة أحرف (1) لكل آية منها ظهر
وبطن ولكل حد مطلع.
وفي رواية ولكل حرف حد ومطلع.
وعنه (عليه السلام) إن للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ما من آية الا ولها أربعة معان ظاهر
وباطن وحد ومطلع فالظاهر التلاوة والباطن الفهم والحد هو أحكام الحلال
والحرام والمطلع هو مراد الله من العبد بها.
ورووا أنه (عليه السلام) سئل هل عندكم من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
شئ من الوحي سوى القرآن قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي
عبدا فهما في كتابه.
ورووا عن الصادق (عليه السلام) إنه قال: كتاب الله على أربعة أشياء
العبارة والإشارة واللطائف والحقائق فالعبارة للعوام والإشارة للخواص واللطائف
للأولياء والحقائق للأنبياء.
أقول: وتحقيق القول في المتشابه وتأويله يقتضي الإتيان بكلام مبسوط
من جنس اللباب وفتح باب من العلم ينفتح منه لأهله الف باب. فنقول وبالله
التوفيق: إن لكل معنى من المعاني حقيقة وروحا وله صورة وقالب وقد يتعدد
الصور والقوالب لحقيقة واحدة وإنما وضعت الألفاظ للحقائق والأرواح
ولوجودهما في القوالب تستعمل الألفاظ فيهما على الحقيقة لاتحاد ما بينهما،
مثلا لفظ القلم إنما وضع لآلة نقش الصور في الألواح من دون أن يعتبر فيها
كونها من قصب أو حديد أو غير ذلك بل ولا أن يكون جسما ولا كون النقش
محسوسا أو معقولا ولا كون اللوح من قرطاس أو خشب بل مجرد كونه منقوشا

(1) قال بعض أهل المعرفة: الوجه في انحصار الأحرف في السبعة أن لكل من الظهر والبطن طرفين فذاك حدود
أربعة وليس لحد الظهر الذي من تحت مطلع لأن المطلع لا يكون الا من فوق فالحد أربعة والمطلع ثلاثة والمجموع سبعة،
منه قدس سره.
31

فيه وهذا حقيقة اللوح وحده وروحه فإن كان في الوجود شئ يستطر بواسطة
نقش العلوم في ألواح القلوب فأخلق به أن يكون هو القلم فان الله تعالى قال
* (علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم) * بل هو القلم الحقيقي حيث وجد فيه
روح القلم وحقيقته وحده من دون أن يكون معه ما هو خارج عنه وكذلك الميزان
مثلا فإنه موضوع لمعيار يعرف به المقادير وهذا معنى واحد هو حقيقته وروحه وله
قوالب مختلفة وصور شتى بعضها جسماني وبعضها روحاني كما يوزن به الأجرام
والأثقال مثل ذي الكفتين والقبان وما يجري مجراهما وما يوزن به المواقيت
والارتفاعات كالأسطرلاب وما يوزن به الدواير والقسي كالفرجار وما يوزن به
الأعمدة كالشاقول وما يوزن به الخطوط كالمسطرة وما يوزن به الشعر كالعروض
وما يوزن به الفلسفة كالمنطق وما يوزن به بعض المدركات كالحس والخيال وما
يوزن به العلوم والأعمال كما يوضع ليوم القيامة وما يوزن به الكل كالعقل الكامل
إلى غير ذلك من الموازين.
وبالجملة: ميزان كل شئ يكون من جنسه ولفظة الميزان حقيقة في كل
منها باعتبار حده وحقيقته الموجودة فيه وعلى هذا القياس كل لفظ ومعنى.
وأنت إذا اهتديت إلى الأرواح صرت روحانيا وفتحت لك أبواب الملكوت
وأهلت لمرافقة الملأ الأعلى وحسن أولئك رفيقا فما من شئ في عالم الحس
والشهادة إلا وهو مثال وصورة لأمر روحاني في عالم الملكوت وهو روحه المجرد
وحقيقته الصرفة وعقول جمهور الناس في الحقيقة أمثلة لعقول الأنبياء والأولياء
فليس للأنبياء والأولياء أن يتكلموا معهم إلا بضرب الأمثال لأنهم أمروا أن يكلموا
الناس على قدر عقولهم وقدر عقولهم انهم في النوم بالنسبة إلى تلك النشأة
والنائم لا ينكشف له شئ في الأغلب إلا بمثل، ولهذا من كان يعلم الحكمة
غير أهلها رأى في المنام أنه يعلق الدر في أعناق الخنازير، ومن كان يؤذن في
شهر رمضان قبل الفجر رأى أنه يختم على أفواه الناس وفروجهم. وعلى هذا
القياس وذلك لعلاقة خفية بين النشئات فالناس نيام فإذا
ماتوا انتبهوا وعلموا
حقائق ما سمعوه بالمثال وعرفوا أرواح ذلك وعقلوا أن تلك الأمثلة كانت قشورا،
32

قال الله سبحانه: * (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا
رابيا) * فمثل العلم بالماء والقلوب بالأودية والضلال بالزبد ثم نبه في آخرها
فقال: * (كذلك يضرب الله الأمثال) * فكل ما لا يحتمل فهمك فإن القرآن يلقيه
إليك على الوجه الذي كنت في النوم مطالعا بروحك للوح المحفوظ ليتمثل لك
بمثال مناسب ذلك يحتاج إلى التعبير فالتأويل يجري مجرى التعبير فالمفسر يدور
على القشر ولما كان الناس إنما يتكلمون على قدر عقولهم ومقاماتهم فما
يخاطب به الكل يجب أن يكون للكل فيه نصيب فالقشرية من الظاهريين لا
يدركون إلا المعاني القشرية كما أن القشر من الانسان وهو ما في الاهاب
والبشرة ومن البدن لا ينال الا قشر تلك المعاني وهو ما في الجلد والغلاف من
السواد والصور وأما روحها وسرها وحقيقتها فلا يدرك الا أولوا الألباب وهم
الراسخون في العلم وإلى ذلك أشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعائه
لبعض أصحابه حيث قال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ولكل منهم حظ
قل أم كثر وذوق نقص أو كمل ولهم درجات في الترقي إلى أطوارها وأغوارها
وأسرارها وأنوارها وأما البلوغ للاستيفاء والوصول إلى الأقصى فلا مطمع لأحد
فيه ولو كان البحر مدادا لشرحه والأشجار أقلاما * (قل لو كان البحر مدادا لكلمات
ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا) *.
ومما ذكر يظهر سبب اختلاف ظواهر الآيات والأخبار الواردة في أصول
الدين وذلك لأنها مما خوطب به طوائف شتى وعقول مختلفة فيجب أن يكلم
كل على قدر فهمه ومقامه ومع هذا فالكل صحيح غير مختلف من حيث الحقيقة
ولا مجاز فيه أصلا.
واعتبر ذلك بمثال العميان والفيل وهو مشهور وعلى هذا فكل من لم يفهم
شيئا من المتشابهات من جهة أن حمله على الظاهر كان مناقضا بحسب الظاهر
لأصول صحيحة دينية وعقائد حقة يقينية عنده فينبغي أن يقتصر على صورة اللفظ
لا يبدلها ويحيل العلم به إلى الله سبحانه والراسخين في العلم ثم يرصد لهبوب
رياح الرحمة من عند الله تعالى ويتعرض لنفحات أيام دهره الآتية من قبل الله
33

تعالى لعل الله يأتي له بالفتح أو أمر من عنده ويقضي الله امرا كان مفعولا فان الله
سبحانه ذم قوما على تأويلهم المتشابهات بغير علم فقال سبحانه: * (فأما الذين
في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا
الله والراسخون في العلم) *.
34

المقدمة الخامسة
في نبذ مما جاء في المنع من تفسير القرآن بالرأي والسر فيه.
روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من فسر القرآن برأيه فأصاب
الحق فقد أخطأ.
وعنه (عليه السلام): من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار.
وعنه وعن الأئمة القائمين مقامه (عليه السلام) أن تفسير القرآن لا يجوز إلا
بالأثر الصحيح والنص الصريح.
وفي تفسير العياشي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من فسر القرآن
برأيه إن أصاب لم يؤجر وإن أخطأ فهو بعد من السماء.
وفيه وفي الكافي عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) قال ما ضرب رجل
القرآن بعضه ببعض إلا كفر.
أقول: لعل المراد بضرب بعضه ببعض متشابهاته إلى بعض بمقتضى
الهوى من دون سماع من أهله أو نور وهدى من الله، ولا يخفى أن هذه الأخبار
تناقض بظواهرها ما مضى في المقدمة الأولى من الأمر بالاعتصام بحبل القرآن
والتماس غرائبه وطلب عجائبه والتعمق في بطونه والتفكر في تخومه وجولان
البصر فيه وتبليغ النظر إلى معانيه فلا بد من التوفيق والجمع.
فنقول: وبالله التوفيق إن من زعم أن لا معنى للقرآن الا ما يترجمه ظاهر
التفسير فهو مخبر عن حد نفسه وهو مصيب في الاخبار عن نفسه ولكنه مخطئ
في الحكم برد الخلق كافة إلى درجته التي هي حده ومقامه بل القرآن والأخبار
35

والآثار تدل على أن في معاني القرآن لأرباب الفهم متسعا بالغا ومجالا رحبا قال
الله عز وجل: * (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها) * وقال سبحانه:
(ونزلنا عليك الكتاب تبينا لكل شئ).
وقال * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) *. وقال: * (لعلمه الذين يستنبطونه
منهم) *.
وقال النبي (صلى الله وآله وسلم): إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه
على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالفه فاضربوا به عرض
الحائط وكيف يمكن العرض ولا يفهم به شئ، وقال (ص): القرآن ذلول ذو
وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) الا أن يؤتي
الله عبدا فهما في القرآن. وقال (عليه السلام) من فهم القرآن فسر جمل العلم.
أشار به إلى أن القرآن مشير إلى مجامع العلوم كلها إلى غير ذلك من الآيات
والأخبار فالصواب أن يقال من أخلص الانقياد لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) ولأهل البيت (عليهم السلام) وأخذ علمه منهم وتتبع آثارهم واطلع على
جملة من أسرارهم بحيث حصل له الرسوخ في العلم والطمأنينة في المعرفة
وانفتح عينا قلبه وهجم به العلم على حقائق الأمور وباشر روح اليقين واستلان ما
استوعره المترفون وأنس بما استوحش منه الجاهلون وصحب الدنيا ببدن روحه
معلقة بالمحل الأعلى فله أن يستفيد من القرآن بعض غرائبه ويستنبط منه نبذا من
عجائبه ليس ذلك من كرم الله تعالى بغريب ولا من جوده بعجيب فليست السعادة
وقفا على قوم دون آخرين وقد عدوا (عليهم السلام) جماعة من أصحابهم
المتصفين بهذه الصفات من أنفسهم كما قالوا سلمان منا أهل البيت (عليهم
السلام) فمن هذه صفته لا يبعد دخوله في الراسخين في العلم العالمين بالتأويل
بل في قولهم نحن الراسخون في العلم كما دريت في المقدمة السابقة فلا بد من
تنزيل التفسير المنهي عنه على أحد وجهين: الأول: أن يكون للمفسر في
الشئ رأي وإليه ميل من طبعه وهواه فيتأول القرآن على وفق. رأيه وهواه ليحتج
على تصحيح غرضه ومدعاه ولو لم يكن ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من
36

القرآن ذلك المعنى وهذا تارة يكون مع العلم كالذي يحتج ببعض آيات القرآن
على تصحيح بدعته وهو يعلم أنه ليس المراد بالآية ذلك ولكن يلبس به على
خصمه وتارة يكون مع الجهل ولكن إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى
الوجه الذي يوافق غرضه ويترجح ذلك الجانب برأيه وهواه فيكون قد فسر القرآن
برأيه أي رأيه هو الذي حمله على ذلك التفسير ولولا رأيه لما كان يترجح عنده
ذلك الوجه.
وتارة قد يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القرآن ويستدل عليه
بما يعلم أنه أريد به ذلك كمن يدعو إلى الاستغفار بالأسحار فيستدل عليه
بقوله (عليه السلام) تسحروا فإن السحور بركة، ويوهم أن المراد به التسحر بالذكر
وهو يعلم أن المراد به الأكل وكالذي يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول قال الله
تعالى: * (اذهب إلى فرعون إنه طغى) *، ويشير إلى قلبه ويؤمي إلى أنه المراد
بفرعون وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة تحسينا
للكلام وترغيبا للمستمع وهو ممنوع منه.
وقد يستعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس ودعوتهم إلى
مذهبهم الباطل فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعا
أنه غير مراد به فهذه الفنون أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي. الوجه
الثاني: أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع
والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيها من الألفاظ المبهمة والمبدلة وما فيها
من الاقتصار والحذف والاضمار والتقديم والتأخير وفيما يتعلق بالناسخ والمنسوخ
والخاص والعام والرخص والعزائم والمحكم والمتشابه إلى غير ذلك من وجوه
الآيات فمن لم يحكم ظاهر التفسير ومعرفة وجوه الآيات المفتقرة إلى السماع
وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه ودخل في زمرة من يفسر
بالرأي فالنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولا ليتقي مواضع الغلط ثم
بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط فان ظاهر التفسير يجري مجرى تعليم اللغة
التي لا بد منها للفهم وما لا بد فيه من السماع فنون كثيرة منها ما كان مجملا لا
37

ينبئ ظاهره عن المراد به مفصلا مثل قوله سبحانه: * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
وآتوا حقه يوم حصاده) * فإنه يحتاج فيه إلى بيان النبي (صلى الله عليه وآله) بوحي
من الله سبحانه فيبين تفصيل أعيان الصلوات واعداد الركعات ومقادير النصب في
الزكاة وما تجب فيه من الأموال وما لا تجب وأمثال ذلك كثيرة.
فالشروع في بيان ذلك من غير نص وتوقيف ممنوع منه.
ومنها الإيجاز بالحذف والإضمار كقوله تعالى: * (وآتينا ثمود الناقة مبصرة
فظلموا بها) * معناه آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها فالناظر إلى ظاهر العربية يظن
أن المراد به أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء ولا يدري أنهم بماذا ظلموا أو
أنهم ظلموا غيرهم وأنفسهم.
ومنها المقدم والمؤخر وهو مظنة الغلط كقوله تعالى * (ولولا كلمة سبقت
من ربك لكان لزاما وأجل مسمى) * معناه ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل
مسمى (1) لكان لزاما وبه ارتفع الأجل ولولاه لكان نصبا كاللزام إلى غير ذلك كما
سنذكره في مواضعها.
روي عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني أنه روى في
تفسيره باسناده عن إسماعيل بن جابر قال سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد
الصادق (عليهما السلام) يقول إن الله تبارك وتعالى بعث محمدا فختم به الأنبياء
فلا نبي بعده وأنزل عليه كتابا فختم به الكتب فلا كتاب بعده أحل فيه حلا لا
وحرم حراما فحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة فيه
شرعكم وخبر من قبلكم وبعدكم وجعله النبي (صلى الله عليه وآله) علما باقيا في
أوصيائه فتركهم الناس وهم الشهداء على أهل كل زمان وعدلوا عنهم ثم قتلوهم
واتبعوا غيرهم وأخلصوا لهم الطاعة حتى عاندوا من أظهر ولاية ولاة الأمر وطلب

(1) لكان مثل ما أنزل بعاد وثمود لازما لهذه الفكرة وأجل مسمى عطف على كلمة أي ولولا العدة بتأخير العذاب
وأجل مسمى لأعمارهم أو لعذابهم إلزاما والفصل للدلالة على استقلال كل منهما بنفي اللزوم، القمي. قال: اللزام
الهلاك، قال: وكان ينزل بهم ولكن قد أخرهم إلى أجل مسمى (منه).
38

علومهم، قال الله سبحانه: * (فنسوا حظا مما ذكروا به) * ولا تزال تطلع على
خائنة منهم وذلك انهم ضربوا بعض القرآن ببعض واحتجوا بالمنسوخ وهم يظنون
أنه الناسخ واحتجوا بالمتشابه وهم يرون أنه المحكم واحتجوا بالخاص وهم
يقدرون أنه العام واحتجوا بأول الآية وتركوا السبب في تأويلها ولم ينظروا إلى ما
يفتح الكلام وإلى ما يختمه ولم يعرفوا موارده ومصادره إذ لم يأخذوه عن أهله
فضلوا وأضلوا واعلموا رحمكم الله أنه من لم يعرف من كتاب الله عز وجل
الناسخ من المنسوخ والخاص من العام والمحكم من المتشابه والرخص من
العزائم والمكي والمدني وأسباب التنزيل والمبهم من القرآن في ألفاظه
المنقطعة والمؤلفة وما فيه من علم القضاء والقدر والتقديم والتأخير والمبين
والعميق والظاهر والباطن والابتداء من الانتهاء والسؤال والجواب والقطع والوصل
والمستثنى منه والجار فيه والصفة لما قبل مما يدل على ما بعد والمؤكد منه
والمفصل وعزائمه ورخصه ومواضع فرائضه وأحكامه ومعنى حلاله وحرامه الذي
هلك فيه الملحدون والموصول من الألفاظ والمحمول على ما قبله وعلى ما بعده
فليس بعالم بالقرآن ولا هو من أهله ومتى ما ادعى معرفة هذه الأقسام مدع بغير
دليل فهو كاذب مرتاب مفتر على الله الكذب ورسوله ومأواه جهنم وبئس
المصير.
39

المقدمة السادسة
في نبذ مما جاء في جمع القرآن وتحريفه وزيادته ونقصه وتأويل ذلك
روى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره بإسناده عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام) يا علي إن
القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا
تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة فانطلق علي (عليه السلام) فجمعه في ثوب
أصفر ثم ختم عليه في بيته وقال: لا أرتدي حتى أجمعه. قال: كان الرجل
ليأتيه فيخرج إليه بغير رداء حتى جمعه.
وفي الكافي عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن
(عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي
عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم فقال لا اقرأوا
كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم.
أقول: يعني به صاحب الأمر (عليه السلام). وبإسناده عن سالم بن سلمة
قال: قرأ رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس
على ما يقرؤها الناس. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كف عن هذه القراءة
وإقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم (عليه السلام) فإذا قام قرأ كتاب الله تعالى
على حده واخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السلام)، وقال: أخرجه علي
(عليه السلام) إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم هذا كتاب الله كما أنزله
الله على محمد (صلى الله وآله) وقد جمعته بين اللوحين فقالوا هوذا عندنا
مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم
40

هذا أبدا إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤه.
وبإسناده عن البزنطي قال: دفع أبو الحسن (عليه السلام) مصحفا وقال: لا
تنظر فيه ففتحته وقرأت فيه لم يكن الذين كفروا فوجدت فيه اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم. قال: فبعث إلي ابعث إلي بالمصحف.
وفي تفسير العياشي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لولا إنه زيد في
كتاب الله ونقص ما خفي حقنا على ذي حجى ولو قد قام قائمنا فنطق صدقه
القرآن.
وفيه عن أبي عبد لله (عليه السلام) قال: لو قرأ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه
مسمين. وفيه عنه (عليه السلام) ان في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن كانت
فيه أسماء (1) الرجال فألقيت وإنما الاسم الواحد منه في وجوه لا تحصى يعرف
ذلك الوصاة.
وفيه عنه (عليه السلام) إن القرآن قد طرح منه آي كثيرة ولم يزد فيه إلا
حروف قد أخطأت به الكتبة وتوهمتها الرجال. وروى الشيخ أحمد بن أبي
طالب الطبرسي طاب ثراه في كتاب الاحتجاج في جملة إحتجاج أمير المؤمنين
(عليه السلام) على جماعة من المهاجرين والأنصار أن طلحة قال له (عليه السلام)
في جملة مسائله عنه يا أبا الحسن شئ أريد أن أسألك عنه رأيتك خرجت بثوب
مختوم فقلت أيها الناس إني لم أزل مشتغلا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
بغسله وكفنه ودفنه ثم اشتغلت بكتاب الله حتى جمعته فهذا كتاب الله عندي
مجموعا لم يسقط عني حرف واحد ولم أر ذلك الذي كتبت ألفت وقد رأيت

(1) لعل المراد بأسماء الرجال الملقية أعلامهم وبالاسم الواحد ما كنى به تارة عنهم وتارة عن غيرهم من الألفاظ التي
لها معان متعددة وذلك كالذكر فإنه قد يراد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد يراد به أمير المؤمنين (عليه السلام)
وقد يراد به القرآن. وكالشيطان فإنه قد يراد به الثاني، وقد يراد به إبليس، وقد يراد به غيرهما أراد (عليه السلام): أن
الرجال كانوا مذكورين في القرآن تارة بأعلامهم فألقيت وأخرى بكنايات فألقيت فهم اليوم مذكورون بالكنايات بألفاظ لها
معان أخر يعرف ذلك الأوصياء. (منه قدس سره).
41

عمر بعث إليك أن أبعث به إلي فأبيت أن تفعل فدعا عمر الناس فإذا شهد
رجلان على آية كتبها وإن لم يشهد عليها غير رجل واحد أرجأها فلم يكتب فقال
عمر وأنا أسمع إنه قد قتل يوم اليمامة قوم كانوا يقرؤن قرآنا لا يقرؤه غيرهم
فقد ذهب وقد جاءت شاة إلى صحيفة وكتاب يكتبون فأكلتها وذهب ما فيها
والكاتب يومئذ عثمان وسمعت عمر وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا على عهد عمر
وعلى عهد عثمان يقولون إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة وأن النور نيف
ومائة آية والحجر تسعون ومائة آية فما هذا وما يمنعك يرحمك الله أن تخرج
كتاب الله إلى الناس وقد عهد عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع له الكتاب
وحمل الناس على قراءة واحدة فمزق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود
وأحرقهما بالنار. فقال له علي: يا طلحة إن كل آية أنزلها الله عز وجل على
محمد (صلى الله عليه وآله) عندي بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وخط يدي وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكل
حلال وحرام أو حد أو حكم أو شئ يحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مكتوب
بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخط يدي حتى أرش الخدش. قال
طلحة كل شئ من صغير أو كبير أو خاص أو عام كان أو يكون إلى يوم القيامة
فهو عندك مكتوب. قال: نعم وسوى ذلك إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أسر إلى في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب ولو أن
الأمة منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من
فوقهم ومن تحت أرجلهم وساق الحديث إلى أن قال: ثم قال طلحة: لا أراك
يا أبا الحسن أجبتني عما سألتك عنه من أمر القرآن ألا تظهره للناس. قال يا
طلحة عمدا كففت عن جوابك فأخبرني عما كتب عمر وعثمان أقرآن كله أم فيه
ما ليس بقرآن؟! قال طلحة بل قرآن كله. قال إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار
ودخلتم الجنة فان فيه حجتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا. قال طلحة: حسبي أما
إذا كان قرآنا فحسبي. ثم قال طلحة: فأخبرني عما في يديك من القرآن وتأويله
وعلم الحلال والحرام إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك؟ قال (عليه السلام): إن
42

الذي أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أدفعه إليه وصيي وأولى الناس من
بعدي بالناس ابني الحسن ثم يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين (عليهما
السلام) ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين (عليه السلام) حتى يرد
آخرهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حوضه هم مع القرآن لا
يفارقونه والقرآن معهم لا يفارقهم ألا أن معاوية وابنه سيليانها بعد عثمان ثم يليها
سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص واحد بعد واحد تكمله اثني عشر إمام
ضلالة وهم الذين رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على منبره يردون
الأمة على أدبارهم القهقرى عشرة منهم من بني أمية ورجلان أسسا ذلك لهم
وعليهما مثل جميع أوزار هذه الأمة إلى يوم القيامة.
قال: وفي رواية أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) أنه لما توفي رسول الله
(صلى الله عليه وآله) جمع علي (عليه السلام) القرآن وجاء به إلى المهاجرين
والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله فلما
فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر وقال: يا علي
أردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه علي (عليه السلام) وانصرف ثم احضر زيد بن ثابت
وكان قارئا للقرآن فقال له عمر إن عليا (عليه السلام) جاءنا بالقرآن وفيه فضائح
المهاجرين والأنصار، وقد أردنا أن تؤلف لنا القرآن وتسقط منه ما كان فيه
فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار. فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال: فإن أنا
فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل
ما قد عملتم. قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة. فقال
عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه. فدبر في قتله على يد خالد بن
الوليد فلم يقدر على ذلك وقد مضى شرح ذلك (1)، فلما استخلف عمر سأل
عليا أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم. فقال: يا أبا الحسن إن كنت
جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتى نجتمع عليه. فقال علي (عليه السلام):
هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا

(1) قوله: وقد مضى شرح ذلك كأنه من كلام صاحب الإحتجاج (منه قدس سره)
43

تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به إن القرآن الذي
عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي فقال عمر فهل وقت لإظهاره
معلوم؟ قال علي (عليه السلام): نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل
الناس عليه فتجري السنة به.
وقال في احتجاجه (عليه السلام) على الزنديق الذي جاء إليه مستدلا بآي
من القرآن متشابهة يحتاج إلى التأويل وكان من سؤاله إني أجد الله قد شهر
هفوات أنبيائه بقوله * (وعصى آدم ربه فغوى) * وبتكذيبه نوحا (عليه السلام) لما
قال: إن ابني من أهلي. بقوله: إنه ليس من أهلك، وبوصفه إبراهيم (عليه
السلام) بأنه 3 عبد كوكبا مرة ومرة قمرا ومرة شمسا، وبقوله في يوسف (عليه
السلام): ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه، وبتهجينه موسى (عليه
السلام) حيث قال: رب أرني أنظر إليك. قال: لن تراني. الآية. وببعثه إلى
داود جبرئيل وميكائيل حيث تسوروا المحراب إلى آخر القصة، وبحبسه يونس
في بطن الحوت حيث ذهب مغاضبا مذنبا، وأظهر خطأ الأنبياء وزللهم ثم ورى
اسما من اغتر وفتن خلقه وضل وأضل وكنى عن أسمائهم في قوله (عليه
السلام): * (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا
يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جائني) * فمن
هذا الظالم الذي لم يذكر من اسمه ما ذكر من أسماء الأنبياء. ثم قال: وأجده
قد بين فضل نبيه على سائر الأنبياء. ثم خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في
الكتاب من الازراء عليه وانخفاض محله وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه ما لم
يخاطب به أحدا من الأنبياء مثل قوله: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا
تكونن من الجاهلين، وقوله: ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا
إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا، وقوله:
وتخفى في نفسك ما الله مبديه والله أحق أن تخشاه، وقوله ما أدري ما يفعل بي
ولا بكم، وهو يقول: ما فرطنا في الكتب من شئ وكل شئ أحصيناه في
إمام مبين، فإذا كانت الأشياء تحصى في الإمام وهو وصي النبي (صلى الله عليه
44

وآله وسلم) فالنبي (صلى الله عليه وآله) أولى أن يكون بعيدا من الصفة التي قال
فيها: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم. وقال في جملة سؤاله: وأجده يقول:
فان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء. وليس يشبه
القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتام فما معنى ذلك؟.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):
وأما هفوات الأنبياء وما بينه الله في كتابه ووقوع الكناية عن أسماء من
اجترم أعظم مما اجترمته الأنبياء ممن شهد الكتاب بظلمهم فإن ذلك من أدل
الدلائل على حكمة الله عز وجل الباهرة وقدرته القاهرة وعزته الظاهرة لأنه علم أن براهين
أنبيائه تكبر في صدور أممهم وإن منهم من يتخذ بعضهم إلها كالذي كان من
النصارى في ابن مريم فذكرها دلالة على تخلفهم من الكمال الذي تفرد به عز
وجل. ألم تسمع إلى قوله في صفة عيسى (عليه السلام) حيث قال فيه وفي أمه:
كانا يأكلان الطعام يعني أن من أكل الطعام كان له ثقل ومن كان له ثقل فهو بعيد
مما ادعته النصارى لابن مريم ولم يكن عن أسماء الأنبياء تجبرا وتعززا بل تعريفا
لأهل الاستبصار أن الكناية (1) عن أسماء ذوي الجرائر العظيمة من المنافقين في
القرآن ليست من فعله تعالى، وأنها من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا
القران عضين واعتاضوا الدنيا من الدين وقد بين الله تعالى قصص المغيرين
بقوله: * (الذين يكتبون الكتب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به
ثمنا قليلا) *. وبقوله: * (وإن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتب) * وبقوله:
* (إذ يبيتون ما لا يرضى من القول) *. بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود باطلهم
حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة

(1) قوله: ان الكناية مفعول للتعريف أراد (عليه السلام) أن الله سبحانه صرح في كتابه بأسماء المنافقين كما صرح
بأسماء الأنبياء وإنما بدلها المبدلون وإنما لم يكن من أسماء الأنبياء في مقام ذكر هفواتهم بل صرح بها تجبرا وتعززا لئلا يتخذوا
من دونه آلهة وليعرف أهل الاستبصار أن التكنية عن أسماء المنافقين ليست من فعله بل هو من فعل المغيرين وذلك لعلمه
بأنهم سيبدلونها ويبقى أسماء الأنبياء مصرحا بها فلفظة بل ليست للإضراب بل للترقي. منه قدس سره.
45

بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره) * يعني أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله
ليلبسوا على الخليفة فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه ما دل على ما أحدثوه فيه
وحرفوه منه وبين عن إفكهم وتلبيسهم وكتمان ما علموه منه ولذلك قال لهم لم
تلبسون الحق بالبطل وتكتمون الحق وضرب مثلهم بقوله: * (فأما الزبد فيذهب
جفأ وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) * فالزبد في هذا الموضع كلام
الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل
والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه والقلوب تقبله والأرض في هذا الموضع هي محل العلم وقراره وليس
يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه
من تلقائهم في الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر والملل
المنحرفة عن قبلتنا وابطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق
والمخالف بوقوع الاصطلاح على الايتمار لهم والرضا بهم ولأن أهل الباطل في
القديم والحديث أكثر عددا من أهل الحق ولأن الصبر على ولاة الأمر مفروض
لقول الله عز وجل
لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فاصبر كما صبر أولوا العزم من
الرسل، وايجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله لقد كان لكم في رسول
الله أسوة حسنة. فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت فان شريعة
التقية تحظر التصريح بأكثر منه ثم قال (عليه السلام): وأما ما ذكرته من الخطاب
الدال على تهجين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإزراء به والتأنيب له مع ما
أظهره الله تبارك وتعالى في كتابه من تفضيله إياه على سائر أنبيائه فان الله عز
وجل جعل لكل نبي عدوا من المشركين كما قال في كتابه وبحسب جلالة منزلة
نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ربه كذلك عظم محنته بعدوه الذي عاد منه
إليه في حال شقاقه ونفاقه كل أذى ومشقة لدفع نبوته وتكذيبه إياه وسعيه في
مكارهه وقصده لنقض كل ما أبرمه واجتهاده ومن مالاه على كفره وعناده ونفاقه
وإلحاده في ابطال دعواه وتغيير ملته ومخالفة سنته ولم ير شيئا أبلغ في تمام كيده
من تنفيرهم عن موالاة وصيه وايحاشهم منه وصدهم عنه وإغرائهم بعداوته
46

والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به واسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل وكفر
ذوي الكفر منه وممن وافقه على ظلمه وبغيه وشركه ولقد علم الله ذلك منهم
فقال إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا، وقال يريدون أن يبدلوا كلم
الله، ولقد احضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل والمحكم
والمتشابه والناسخ والمنسوخ لم يسقط منه حرف ألف ولا لام فلما وقفوا على ما
بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل وإن ذلك إن ظهر نقض ما عقدوه قالوا لا
حاجة لنا فيه نحن مستغنون عنه بما عندنا، ولذلك قال: فنبذوه وراء ظهورهم
واشتروا بآياتي ثمنا قليلا فبئس ما يشترون، ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل
عليهم عما لا يعلمون تأويله إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به
دعائم كفرهم فصرح مناديهم من كان عنده شئ من القرآن فليأتنا به ووكلوا
تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم إلى معاداة أولياء الله فألفه على اختيارهم وما
يدل للتأمل على اختلال تمييزهم وافترائهم وتركوا منه ما قدروا أنه لهم وهو
عليهم وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره وعلم الله أن ذلك يظهر ويبين فقال ذلك
مبلغهم من العلم وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم وافتراؤهم والذي بدأ في
الكتاب من الإزراء على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من فرية الملحدين
ولذلك قال يقولون منكرا من القول وزورا. ويذكر جل ذكره لنبيه (صلى الله عليه
وآله وسلم) ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله: وما أرسلنا من قبلك من
رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان
ثم يحكم الله آيته. يعني أنه ما من نبي تمنى مفارقة ما يعانيه من نفاق قومه
وعقوقهم والانتقال عنهم إلى دار الإقامة الا ألقى الشيطان المتعرض بعداوته عند
فقده في الكتاب الذي أنزل عليه ذمه والقدح فيه والطعن عليه فينسخ الله ذلك
في قلوب المؤمنين فلا تقبله ولا يصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاهلين
ويحكم الله آياته بأن يحمي أولياءه من الضلال والعدوان ومشايعة أهل الكفر
والطغيان الذين لم يرض الله أن يجعلهم كالأنعام حتى قال بل هم أضل سبيلا
فافهم هذا واعلمه واعمل به.
47

وقال (عليه السلام) في هذا الحديث بعد أن بين تأويل بعض المتشابهات وإنما
جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه
وحججه في أرضه لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون من اسقاط أسماء حججه
منه وتلبيسهم ذلك على الأمة ليعينوهم على باطلهم فأثبت فيه الرموز وأعمى
قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدال على ما
أحدثوه فيه وجعل أهل الكتاب المقيمين به والعاملين بظاهره وباطنه من شجرة
أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، أي يظهر مثل
هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت وجعل أعدائها أهل (أصل خ. ل.)
الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم فأبى الله إلا أن يتم نوره
ولو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها
لأسقطوها مع ما أسقطوا منه ولكن الله تبارك اسمه ماض حكمه بإيجاب الحجة
على خلقه كما قال الله: فلله الحجة البلغة، أعشى أبصارهم وجعل على
قلوبهم أكنة، عن تأمل ذلك فتركوه بحاله وحجبوا عن تأكيد الملتبس بابطاله
فالسعداء يتنبهون عليه والأشقياء يعمون عنه ومن لم يجعل الله له نورا فما له من
نور ثم أن الله جل ذكره بسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدلون من
تغيير كتابه قسم كلامه ثلاثة أقسام فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل وقسما
لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه ممن شرح الله صدره
للإسلام وقسما لا يعرفه إلا الله وامناؤه الراسخون في العلم وإنما فعل ذلك لئلا
يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله من علم الكتاب ما لم
يجعله الله لهم وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن والاه (ولاه خ ل) أمرهم
فاستكبروا عن طاعته تعززا وافتراء على الله عز وجل واغترارا بكثرة من ظاهرهم
وعاونهم وعاند الله عز وجل اسمه ورسوله فاما ما علمه الجاهل والعالم من فضل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كتاب الله فهو قول الله سبحانه * (من يطع
الرسول فقد أطاع الله) * وقوله إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين
آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله صلوا
عليه والباطن قوله وسلموا تسليما أي سلموا لمن وصاه واستخلفه عليكم فضله
48

وما عهد به إليه تسليما وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله الا من لطف حسه
وصفا ذهنه وصح تمييزه وكذلك قوله سلام على آل ياسين لأن الله سمى النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الاسم حيث قال: * (يس والقران الحكيم إنك
لمن المرسلين) *، لعلمه بأنهم يسقطون قول سلام على آل محمد (صلى الله
عليه وآله وسلم) كما أسقطوا غيره وما زال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتألفهم
ويقربهم ويجلسهم عن يمينه وشماله حتى اذن الله عز وجل في ابعادهم بقوله
واهجرهم هجرا جميلا، وبقوله: فما للذين كفروا قبلك مهطعين (1) عن اليمين
وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلا إنا خلقناهم
مما يعلمون. وقال: واما ظهورك على تناكر قوله: فان خفتم ألا تقسطوا في
اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء. وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح
النساء ولا كل النساء أيتام فهو مما قدمت ذكره في إسقاط المنافقين من القرآن
وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث
القرآن وهذا وما أشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل
ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للاسلام مساغا إلى القدح في القرآن ولو
شرحت لك كل ما أسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال وظهر ما
تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء.
أقول: المستفاد من مجمع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل
البيت (عيهم السلام) إن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما انزل على محمد
(صلى الله عليه وآله وسلم) منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغير
ومحرف وإنه قد حذف عنه أشياء كثيرة منها اسم علي (عليه السلام) في كثير من
المواضع ومنها غير ذلك وأنه ليس أيضا على الترتيب المرضي عند الله وعند
رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وبه قال علي بن إبراهيم قال في تفسيره: وأما ما كان خلاف ما أنزل الله

(1) قوله: مهطعين: أي مسرعين عزين: أي فرق شتى. كان المشركون يحلقون حول رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) حلقا حلقا (منه قدس سره).
49

فهو قوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن
المنكر وتؤمنون بالله. فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لقارئ هذه الآية: خير أمة
تقتلون أمير المؤمنين والحسين بن علي (عليهما السلام) فقيل له كيف نزلت يا بن
رسول الله فقال إنما نزلت خير أئمة أخرجت للناس الا ترى مدح الله لهم في آخر
الآية تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، ومثله إنه قرأ على أبي
عبد الله * (الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا
للمتقين إماما) * فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لقد سألوا الله عظيما أن يجعلهم
للمتقين إماما فقيل له يا بن رسول الله كيف نزلت فقال:؟ إنما نزلت: واجعل لنا
من المتقين إماما. وقوله تعالى: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من
أمر الله. فقال أبو عبد الله (عليه السلام) كيف يحفظ الشئ من أمر الله وكيف
يكون المعقب من بين يديه فقيل له وكيف ذلك يا بن رسول الله فقال إنما أنزلت
له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله، ومثله كثير قال:
وأما ما هو محذوف عنه فهو فوله لكن الله يشهد بما انزل إليك في علي كذا
أنزلت أنزله بعلمه والملائكة يشهدون، وقوله: يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك
من ربك في علي فإن لم تفعل فما بلغت رسالته، وقوله: إن الذين كفروا
وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم. وقوله: وسيعلم الذين ظلموا
آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون، وقوله وترى الذين ظلموا آل محمد حقهم
في غمرات الموت، ومثله كثير نذكره في مواضعه إن شاء الله.
قال: وأما التقديم والتأخير فإن آية عدة النساء الناسخة (1) التي هي أربعة
أشهر وعشر قدمت على المنسوخة التي هي سنة وكان يجب أن يقرأ المنسوخة
التي نزلت قبل ثم الناسخة التي نزلت بعد. وقوله: أفمن كان على بينة من ربه
ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة، وإنما هو ويتلوه شاهد منه

(1) الآيتان متقاربتان في سورة البقرة واما الناسخة المتقدمة فهي قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون
أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) *. وأما المنسوخة المتأخرة فهي قوله تعالى: * (والدين يتوفون منكم ويذرون
أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج) *. منه قدس سره.
50

إماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى، وقوله: وما هي إلا حياتنا الدنيا نموت
ونحيا وإنما هو نحيي ونموت لأن الدهرية لم يقروا بالبعث بعد الموت وإنما
قالوا: نحيى ونموت فقدموا حرفا على حرف ومثله كثير.
قال: وأما الآيات التي هي في سورة وتمامها في سورة أخرى فقول
موسى: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم
فقالوا: يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن
يخرجوا منها فإنا داخلون، ونصف الآية في سورة البقرة ونصفها في سورة
المائدة. وقوله: اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا، فرد الله عليهم وما كنت
تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون، فنصف الآية في
سورة الفرقان ونصفها في سورة العنكبوت ومثله كثير انتهى كلامه.
أقول: ويرد على هذا كله إشكال وهو أنه على هذا التقدير لم يبق لنا
اعتماد على شئ من القرآن إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفا
ومغيرا ويكون على خلاف ما أنزل الله فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلا فتنتفي
فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك، وأيضا قال الله عز
وجل: وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقال: إنا
نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فكيف يتطرق إليه التحريف والتغيير، وأيضا قد
استفاض عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) حديث
عرض الخبر المروي على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته
فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفا فما فائدة العرض مع أن خبر التحريف
مخالف لكتاب الله مكذب له فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله.
ويخطر بالبال في دفع هذا الاشكال والعلم عند الله أن يقال: إن صحت
هذه الأخبار فلعل التغيير إنما وقع فيما لا يخل بالمقصود كثير إخلال كحذف
اسم علي وآل محمد (صلى الله عليهم)، وحذف أسماء المنافقين عليهم لعائن الله
فإن الانتفاع بعموم اللفظ باق وكحذف بعض الآيات وكتمانه فان الانتفاع بالباقي
51

باق مع أن الأوصياء كانوا يتداركون ما فاتنا منه من هذا القبيل ويدل على هذا
قوله (عليه السلام) في حديث طلحة: إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم
الجنة فإن فيه حجتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا.
ولا يبعد أيضا أن يقال إن بعض المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان
ولم يكن من أجزاء القرآن فيكون التبديل من حيث المعنى أي حرفوه وغيروه في
تفسيره وتأويله أعني حملوه على خلاف ما هو به، فمعنى قولهم (عليهم السلام) كذا
نزلت أن المراد به ذلك لا أنها نزلت مع هذه الزيادة في لفظها فحذف منها ذلك
اللفظ.
ومما يدل على هذا ما رواه في الكافي باسناده عن أبي جعفر (عليه
السلام): أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا
حروفه وحرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية
والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية. الحديث.
وما روته العامة أن عليا (عليه السلام) كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ
ومعلوم أن الحكم بالنسخ لا يكون إلا من قبيل التفسير والبيان ولا يكون جزء من
القرآن فيحتمل أن يكون بعض المحذوفات أيضا كذلك هذا ما عندي من
التفصي عن الاشكال والله يعلم حقيقة الحال. واما اعتقاد مشايخنا (ره) في
ذلك فالظاهر من ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد
التحريف والنقصان في القرآن لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه
الكافي ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه
فيه وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمي (ره) فان تفسيره مملو منه وله غلو
فيه، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي (رضي الله عنه) فإنه أيضا نسج
على منوالهما في كتاب الاحتجاج. وأما الشيخ أبو علي الطبرسي فإنه قال في
مجمع البيان: اما الزيادة فيه فمجمع على بطلانه وأما النقصان فيه فقد روى
جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييرا ونقصانا
52

والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى (رضي الله عنه)
واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات.
وذكر في مواضع: أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث
الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة فان العناية
اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت حدا لم تبلغه فيما ذكرناه لأن
القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد
بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شئ اختلف فيه من إعرابه وقرأته
وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيرا ومنقوصا مع العناية الصادقة والضبط
الشديد.
وقال أيضا (قدس الله روحه): إن العلم بتفصيل القرآن وابعاضه في صحة
نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة
ككتاب سيبويه والمزني فان أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما
يعلمونه من جملتها حتى لو أن مدخلا أدخل في كتاب سيبويه بابا في (من
خ ل) النحو ليس من الكتاب لعرف وميز وعلم أنه ملحق وليس من أصل الكتاب
وكذلك القول في كتاب المزني ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من
العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء وذكر أيضا أن القرآن كان على عهد
رسول الله مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن واستدل على ذلك بأن القرآن كان
يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في
حفظهم له وإنه كان يعرض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتلى عليه وأن
جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن
على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عدة ختمات وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه
كان مجموعا مرتبا غير مبتور ولا مبثوث.
وذكر أن من خالف في ذلك من الامامية والحشوية لا يعتد بخلافهم فان
الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا
53

صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته.
أقول: لقائل أن يقول كما أن الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن
وحراسته من المؤمنين كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين
للوصية المغيرين للخلافة لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم والتغيير فيه إن وقع
فإنما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الآن. والضبط
الشديد إنما كان بعد ذلك فلا تنافي بينهما بل لقائل أن يقول إنه ما تغير في نفسه
وإنما التغيير في كتابتهم إياه وتلفظهم به فإنهم ما حرفوا إلا عند نسخهم من
الأصل وبقي الأصل على ما هو عليه عند أهله وهم العلماء به فما هو عند
العلماء ليس بمحرف وإنما المحرف ما أظهروه لأتباعهم وأما كونه مجموعا في
عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما هو عليه الآن فلم يثبت وكيف كان
مجموعا وإنما كان ينزل نجوما وكان لا يتم الا بتمام عمره.
وأما درسه وختمه فإنما كانوا يدرسون ويختمون ما كان عندهم منه
لا تمامه.
وقال شيخنا الصدوق رئيس المحدثين محمد بن علي بن بابويه القمي
طيب الله ثراه في اعتقاداته: اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه (صلى
الله عليه وآله وسلم) هو ما بين الدفتين وما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك،
قال: ومن نسب إلينا: إنا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب.
وقال شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (رضي الله عنه) في تبيانه:
وأما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به لأن الزيادة فيه مجمع على
بطلانه والنقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق
بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى (رضي الله عنه)، وهو الظاهر في
الروايات. غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من
آي القرآن (1) ونقل شئ منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد التي لا توجب

(1) روي في الكافي بإسناده عن هشام بن سالم أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن القرآن الذي جاء جبرائيل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) آلاف آية. ويقال إن الموجود منه في أيدي الناس أقل من ذلك، والمشهور أنه ستة آلاف وستمائة وستون.
وفي مجمع البيان من طريق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أن القرآن ستة آلاف ومائتان وثلاث
وستون آية وقد ذكر بعض أصحابنا عدد السور والكلمات والحروف والفتحات والضمات والكسرات والهمزات
والتشديدات والألفات والباءات إلى آخر حروف التهجي واعتمد في عدد الآية على المشهور. ولعل بناء حديث العامة على
ما رأوه من عد البسملات آية واحدة وعلى ما حصل لهم القطع بكونه آية فإن للقراء في تعيين الآيات اختلافات والعلم عند
الله. منه رحمه الله تعالى.
54

علما فالأولى الاعراض عنها وترك التشاغل بها لأنه يمكن تأويلها ولو صحت لما
كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين فان ذلك معلوم صحته لا يعترضه
أحد من الأمة ولا يدفعه، وروايتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما
فيه، ورد ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه وعرضها عليه فما وافقه
عمل عليه وما خالفه يجنب ولم يلتفت إليه، وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) وآية لا يدفعها أحد، إنه قال: إني مخلف فيكم الثقلين ما إن
تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا
علي الحوض وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر لأنه لا يجوز أن يأمرنا
بالتمسك بما لا نقدر على التمسك به كما أن أهل البيت (عليهم السلام) ومن
يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت وإذا كان الموجود بيننا مجمعا على صحته
فينبغي أن يتشاغل بتفسيره وبيان معانيه وترك ما سواه.
أقول: يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعا كما أنزله الله محفوظا
عند أهله ووجود ما احتجنا إليه منه عندنا وإن لم نقدر على الباقي كما أن الإمام (عليه
السلام) كذلك فان الثقلين سيان في ذلك.
ولعل هذا هو المراد من كلام الشيخ. واما قوله من يجب اتباع قوله
فالمراد به البصير بكلامه فإنه في زمان غيبتهم قائم مقامهم لقولهم (عليهم السلام
) انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف
أحكامنا فاجعلوه بينكم حاكما فإني قد جعلته عليكم حاكما، الحديث.
55

المقدمة السابعة
في نبذ مما جاء في أن القرآن تبيان كل شئ وتحقيق معناه
روى في الكافي بإسناده عن مرازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن
الله تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شئ حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه
العباد حتى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أنزل في القرآن الا وقد أنزله الله
فيه.
وبإسناده عن عمرو بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سمعته يقول إن الله
تعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة الا أنزله في كتابه وبينه لرسوله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وجعل لكل شئ حدا وجعل عليه دليلا يدل عليه وجعل على من تعدى ذلك
حدا.
وبإسناده عن المعلى بن خنيس قال قال: أبو عبد الله (عليه السلام) ما من
أمر يختلف فيه اثنان الا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال.
وبإسناده عن حماد (عمار خ ل) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته
يقول ما من شئ الا وفيه كتاب أو سنة. وبإسناده عن سماعة عن أبي الحسن
موسى (عليه السلام) قال: قلت له: أكل شئ في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون
فيه، قال: بل كل شئ في كتاب الله وسنة نبيه.
وبإسناده عن أبي الجارود قال قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا حدثتكم
بشئ فاسألوني أين هو من كتاب الله تعالى. ثم قال في بعض حديثه أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال
فقيل له يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أين هذا من كتاب الله؟ قال:
56

إن الله تعالى يقول لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو
إصلاح بين الناس. وقال: لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما
وقال: لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم. قال بعض أهل المعرفة ما
ملخصه: إن العلم بالشئ اما يستفاد من الحس برؤية أو تجربة أو سماع خبر
أو شهادة أو اجتهاد أو نحو ذلك ومثل هذا العلم لا يكون الا متغيرا فاسدا
محصورا متناهيا غير محيط لأنه إنما يتعلق بالشئ في زمان وجوده علم وقبل
وجوده علم آخر وبعد وجوده علم ثالث وهكذا كعلوم أكثر الناس وأما ما يستفاد
من مبادئه وأسبابه وغاياته علما واحدا كليا بسيطا على وجه عقلي غير متغير فإنه
ما من شئ الا وله سبب ولسببه سبب. وهذا إلى أن ينتهي إلى مسبب الأسباب
وكل ما عرف سببه من حيث يقتضيه ويوجبه فلا بد أن يعرف ذلك الشئ علما
ضروريا دائما فمن عرف الله تعالى بأوصافه الكمالية ونعوته الجلالية وعرف أنه
مبدأ كل وجود وفاعل كل فيض وجود وعرف ملائكته المقربين ثم ملائكته
المدبرين المسخرين للأغراض الكلية العقلية بالعبادات الدائمة والنسك
المستمرة من غير فتور ولغوب الموجبة لأن يترشح عنها صور الكائنات كل ذلك
على الترتيب السببي والمسببي
فيحيط علمه بكل الأمور وأحوالها ولواحقها علما (بريئا خ ل) من
التغيير والشك والغلط فيعلم من الأوائل الثواني ومن الكليات الجزئيات المترتبة
عليها ومن البسائط المركبات، ويعلم حقيقة الانسان وأحواله وما يكملها ويزكيها
ويسعدها ويصعدها إلى عالم القدس وما يدنسها ويرديها ويشقيها ويهويها إلى
أسفل السافلين علما ثابتا غير قابل للتغيير ولا محتمل لتطرق الريب فيعلم الأمور
الجزئية من حيث هي دائمة كلية ومن حيث لا كثرة فيه ولا تغيير وإن كانت هي
كثيرة متغيرة في أنفسها وبقياس بعضها إلى بعض وهذا كعلم الله سبحانه بالأشياء وعلم ملائكته المقربين وعلوم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) بأحوال الموجودات
الماضية والمستقبلة وعلم ما كان وعلم ما سيكون (يكون خ ل) إلى يوم القيامة
من هذا القبيل فإنه علم كلي ثابت غير متجدد بتجدد المعلومات ولا متكثر
57

بتكثرها، ومن عرف كيفية هذا العلم عرف معنى قوله تعالى: ونزلنا عليك
الكتب تبيانا لكل شئ. ويصدق بأن جميع العلوم والمعاني في القرآن الكريم
عرفانا حقيقيا وتصديقا يقينيا على بصيرة لا على وجه التقليد والسماع ونحوهما إذ
ما من أمر من الأمور الا وهو مذكور في القرآن إما بنفسه أو بمقوماته وأسبابه
ومبادئه وغاياته ولا يتمكن من فهم آيات القرآن وعجائب أسراره وما يلزمها من
الأحكام والعلوم التي لا تتناهى الا من كان علمه بالأشياء من هذا القبيل. انتهى
كلامه أعلى الله مقامه، وينبه عليه لفظة الأصل في رواية المعلى.
58

المقدمة الثامنة
في نبذ مما جاء في أقسام الآيات واشتمالها على البطون والتأويلات وأنواع
اللغات والقراءات، والمعتبرة منها
قد اشتهرت الرواية من طريق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
أنه قال: نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف وقد ادعى بعضهم تواتر
أصل هذا الحديث الا انهم اختلفوا في معناه على ما يقرب من أربعين قولا.
وروت العامة عنه (عليه السلام) أيضا أنه قال: نزل القرآن على سبعة أحرف أمر
وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل. وفي رواية أخرى: زجر وأمر
وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، والمستفاد من هاتين الروايتين إن
الأحرف إشارة إلى أقسامه وأنواعه.
ويؤيده ما رواه أصحابنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إن الله
تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف وهي: أمر
وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص.
وروت العامة أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن القرآن أنزل على سبعة
أحرف لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حرف حد ومطلع.
وفي رواية أخرى أن للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن.
وربما يستفاد من هاتين الروايتين أن الأحرف إشارة إلى بطونه وتأويلاته ولا
نص فيهما على ذلك لجواز أن يكون المراد بهما أن الكل من الأقساط ظهرا وبطنا
ولبطنه بطنا (بطن خ ل) إلى سبعة أبطن.
ومن طريق الخاصة ما رواه في الخصال بإسناده عن حماد قال: قلت لأبي
59

عبد الله (عليه السلام) إن الأحاديث تختلف منكم، قال: فقال: إن القرآن نزل
على سبعة أحرف وأدنى ما للامام أن يفتي على سبعة وجوه. ثم قال: هذا
عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب، وهذا نص في البطون وتأويلات. ورووا
في بعض ألفاظ هذا الحديث أن هذا القرآن انزل على سبعة أحرف فاقرؤوا بما
تيسر منه.
وفي بعضها قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لجبرئيل (عليه السلام):
إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة والغلام. قال:
فمرهم فليقرؤا القرآن على سبعة أحرف.
ومن طريق الخاصة ما رواه في الخصال بإسناده عن عيسى بن عبد الله
الهاشمي عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
أتاني آت من الله عز وجل فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف
واحد فقلت: يا رب وسع على أمتي. فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تقرأ
القرآن على سبعة أحرف ويستفاد من هذه الروايات ان المراد بسبعة أحرف
اختلاف اللغات كما قاله ابن الأثير في نهايته فإنه قال في الحديث نزل القرآن
على سبعة أحرف كلها شاف كاف أراد بالحرف اللغة يعني على سبع لغات من
لغات العرب أي انها (متفرقة خ ل) في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه
بلغة هذيل وبعضه بلغة الهوازن (هوازن خ ل) وبعضه بلغة اليمن. قال: ومما
يبين ذلك قول ابن مسعود إني قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما
علمتم إنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال واقبل. وقال في مجمع البيان: إن
قوما قالوا إن المراد بالأحرف اللغات مما لا يغير حكما في تحليل ولا تحريم
مثل: هلم وأقبل وتعال. وقالوا: مخيرين في مبتدء الإسلام في أن
يقرؤا بما شاؤوا منها ثم أجمعوا على أحدها وإجماعهم حجة فصار ما أجمعوا
عليه مانعا مما اعرضوا عنه.
أقول: والتوفيق بين الروايات كلها أن يقال: إن للقرآن سبعة أقسام من
60

الآيات وسبعة بطون لكل آية. ونزل على سبع لغات. واما حمل الحديث على
سبعة أوجه من القراءات ثم التكلف في تقسيم وجوه القراءات على هذا العدد
كما نقله في مجمع البيان عن بعضهم فلا وجه له مع أنه يكذبه ما رواه في
الكافي باسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن القرآن واحد نزل
من عند واحد ولكن الاختلاف يجيئ من قبل الرواة. وبإسناده عن الفضيل بن
يسار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن الناس يقولون إن القرآن نزل على
سبعة أحرف. فقال: كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند
الواحد، ومعنى هذا الحديث معنى سابقه والمقصود منهما واحد وهو أن القراءة
الصحيحة واحدة الا أنه (عليه السلام) لما علم أنهم فهموا من الحديث الذي رووه
صحة القراءات جميعا مع اختلافها كذبهم. وعلى هذا فلا تنافي بين هذين
الحديثين وشئ من أحاديث الأحرف أيضا.
وبإسناده عن عبد الله بن فرقد والمعلى بن خنيس قالا كنا عند أبي عبد الله
(عليه السلام) ومعنا ربيعة الرأي فذكر القرآن فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن
كان ابن مسعود لا يقرء على قراءتنا فهو ضال. (فقال خ ل): ربيعة
ضال. فقال: نعم ضال. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): أما نحن فنقرأ على
قراءة أبي.
ولعل آخر الحديث ورد على المسامحة مع ربيعة مراعاة لحرمة الصحابة
وتداركا لما في ابن مسعود ذلك لأنهم (عليهم السلام) لم يكن يتبعون أحدا
سوى آبائهم (عليهم السلام) لأن علمهم من الله وفي هذا الحديث اشعار بأن قراءة
أبي كانت موافقة لقراء تهم (عليهم السلام) أو كنت أوفق لها من قراءة غيره من
الصحابة.
ثم الظاهر أن الاختلاف المعتبر ما يسري من اللفظ إلى المعنى مثل مالك
وملك دون ما لا يجاوز اللفظ أو يجاوزه ولم يخل بالمعنى المقصود سواء كان
بحسب اللغة مثل كفؤا بالهمزة والواو ومخففا ومثقلا أو بحسب الصرف مثل يرتد
61

ويرتدد أبحسب النحو مثل ما لا يقبل منها شفاعة بالتاء، والياء وما يسري إلى
المعنى ولم يخل بالمقصود مثل الريح والرياح للجنس والجمع فان في أمثال هذه
موسع علينا القراءات المعروفة.
وعليه يحمل ما ورد عنهم (عليهم السلام) من اختلاف القراءة في كلمة
واحدة وما ورد أيضا في تصويبهم القراءتين جميعا كما يأتي في مواضعه أو يحمل
على أنهم لما لم يتمكنوا أن يحملوا الناس على القراءة الصحيحة جوزوا القراءة
بغيرها كما أشير إليه بقولهم (عليهم السلام): اقرؤا كما تعلمتم فسيجيئكم من
يعلمكم وذلك كما جوزوا قراءة أصل القرآن بما هو عند الناس دون ما هو
محفوظ عندهم وعلى التقديرين في سعة منها جميعا، وقد اشتهر بين الفقهاء
وجوب التزام عدم الخروج عن القراءات السبع أو العشر المعروفة لتواترها
وشذوذ غيرها.
والحق: أن المتواتر من القرآن اليوم ليس إلا القدر المشترك بين القراءات
جميعا دون خصوص آحادها إذ المقطوع به ليس إلا ذاك فان المتواتر لا يشتبه
بغيره وأما نحن فنجعل الأصل في هذا التفسير أحسن القراءات كانت قراءة من
كانت كالأخف على اللسان والأوضح في البيان والآنس للطبع السليم والأبلغ
لذي الفهم القويم والأبعد عن التكلف في إفادة المراد والأوفق لأخبار
المعصومين. فان تساوت أو أشبهت فقراءة الأكثرين في الأكثر.
ولا نتعرض لغير ذلك إلا ما يتغير به المعنى المراد تغييرا يعتد به أو يحتاج
إلى التفسير وذلك لأن التفسير إنما يتعلق بالمعنى دون اللفظ وضبط اللفظ إنما
هو للتلاوة فيخص به المصاحف، وأما ما دونوه في علم القراءة وتجويدها من
القواعد والمصطلحات فكل ما له مدخل في تبيين الحروف وتمييز بعضها عن
بعض لئلا يشتبه أو في حفظ الوقوف بحيث لا يختل المعنى المقصود به أو في
صحة الإعراب وجودته لئلا تصير ملحونة أو مستهجنة أو في تحسين الصوت
وترجيعه بحيث يلحقها بألحان العرب وأصواتها الحسنة فله وجه وجيه.
62

وقد وردت الإشارة في الروايات المعصومية وإنما ينبغي مراعاة ذلك
فيما اتفقوا عليه لاتفاق السلائق عليه دون ما اختلفوا فيه لاختلافها لديه.
63

المقدمة التاسعة
في نبذ مما جاء في زمان نزول القرآن وتحقيق ذلك
روي في الكافي عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته
عن قول الله تعالى: شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن، وإنما انزل عشرين سنة
بين أوله وآخره. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): انزل القرآن جملة واحدة في شهر
رمضان إلى البيت المعمور ثم نزل في طول عشرين سنة ثم قال النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست
مضين من شهر رمضان وانزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان وانزل
الزبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان وانزل القرآن في ليلة ثلاث وعشرين من
شهر رمضان.
وفيه وفي الفقيه بإسنادهما عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال نزلت التوراة في
ست مضين من شهر رمضان ونزل الإنجيل في اثني عشرة ليلة مضت من شهر
رمضان ونزل الزبور في ليلة ثمان عشرة من شهر رمضان ونزل القرآن في ليلة القدر.
وفي بعض نسخ الفقيه، ونزل الفرقان في ليلة القدر. وباسنادهما عن حمران
أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة مباركة قال هي
ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر. ولم ينزل القرآن إلا
في ليلة القدر. قال الله تعالى: فيها يفرق كل أمر حكيم. قال: يقدر في ليلة القدر
كل شئ يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر أو طاعة أو معصية أو
مولود أو أجل أو رزق. الحديث.
وباسنادهما عن يعقوب قال: سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن
64

ليلة القدر؟ فقال: أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال أبو عبد
الله (عليه السلام) لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن.
أقول: وذلك لأن في ليلة القدر ينزل كل سنة من تبيين القرآن وتفسيره ما يتعلق
بأمور تلك السنة إلى صاحب الأمر (عليه السلام) فلو لم يكن ليلة القدر لم ينزل من
أحكام القرآن ما لا بد منه في القضايا المتجددة وإنما لم ينزل ذلك إذا لم يكن من
ينزل عليه وإذا لم يكن من ينزل
عليه لم يكن قرآن لأنهما متصاحبان لن يفترقا حتى
يردا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حوضه كما ورد في الحديث المتفق
عليه وقد مضى معنى تصاحبهما.
والمستفاد من مجموع هذه الأخبار، وخبر الياس الذي أورده في الكافي في
باب شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها من كتاب الحجة إن القرآن نزل كله جملة
واحدة في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان إلى البيت المعمور وكأنه أريد به نزول
معناه على قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قال الله نزل به الروح الأمين على
قلبك ثم نزل في طول عشرين سنة نجوما من باطن قلبه إلى ظاهر لسانه كلما آتاه
جبرئيل (عليه السلام) بالوحي وقرأه عليه بألفاظه وأن معنى انزال القرآن في ليلة القدر
في كل سنة إلى صاحب الوقت انزال بيانه بتفصيل مجمله وتأويل متشابهه وتقييد
مطلقه وتفريق محكمه من متشابهه.
وبالجملة تتميم إنزاله بحيث يكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان
كما قال الله سبحانه: * (شهر رمضان الذين انزل فيه القران) * يعني في ليلة القدر منه
* (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) * تثنية (تثبيت خ ل) لقوله عز وجل: * (إنا
أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم) * أي محكم أمرا من
عندنا إنا كنا مرسلين فقوله فيها يفرق وقوله والفرقان معناهما واحد فان الفرقان هو
المحكم الواجب العمل به كما مضى في الحديث، وقد قال تعالى: إن علينا جمعه
وقرآنه. أي حين أنزلناه نجوما فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه أي جملته ثم إن
علينا بيانه في ليلة القدر بانزال الملائكة والروح فيها عليك وعلى أهل بيتك من بعدك
65

بتفريق المحكم من المتشابه وبتقدير الأشياء وتبيين أحكام خصوص الوقائع التي
تصيب الخلق في تلك السنة إلى ليلة القدر الآتية.
قال في الفقيه: تكامل نزول القرآن ليلة القدر وكأنه أراد به ما قلناه. وبهذا
التحقيق حصل التوفيق بين نزوله تدريجا ودفعة واسترحنا من تكلفات المفسرين.
66

المقدمة العاشرة
في نبذ مما جاء في تمثل القرآن لأهله يوم القيامة وشفاعته لهم
وثواب حفظه وتلاوته
روي في الكافي باسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يجيئ
القرآن في أحسن منظور إليه صورة فيمر بالمسلمين (1) فيقولون هذا رجل منا
فيجاوزهم إلى النبيين فيقولون هو منا فيجاوزهم إلى الملائكة المقربين فيقولون هو
منا حتى ينتهي إلى رب العزة جل وعز فيقول: يا رب فلان بن فلان أظمأت هواجره
وأسهرت ليله في دار الدنيا وفلان بن فلان لم أظمئ هواجره ولم أسهر ليله فيقول
تعالى: أدخلهم الجنة على منازلهم فيقوم فيتبعونه فيقول للمؤمن اقرأ وأرق قال:
فيقرأ ويرقى حتى يبلغ كل رجل منهم منزلته التي هي له فينزلها. وباسناده عن يونس
ابن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الدواوين يوم القيامة ثلاثة ديوان فيه
النعم وديوان فيه الحسنات وديوان فيه السيئات فيقابل ديوان النعم وديوان الحسنات
فتستغرق النعم عامة الحسنات ويبقى ديوان السيئات فيدعى يا بن آدم المؤمن
للحساب فيتقدم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول يا رب أنا القرآن وهذا عبدك
المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي ويطيل ليله بترتيلي وتفيض عيناه إذا تهجد فأرضه
كما أرضاني. قال: فيقول العزيز الجبار عبدي أبسط يمينك فيملأها من رضوان الله

(1) لما كان المؤمن في نيته أن يعبد الله حق عبادته ويتلو كتابه حق تلاوته ويسهر ليله بقراءته والتدبر في آياته وينصب
بدنه بالقيام به في صلواته إلا أنه لا يتيسر له ذلك كما يريد ولا يأتي به كما ينبغي.
وبالجملة لا يوافق عمله بما في نيته بل أنزل منه كما ورد في الحديث نية المؤمن خير من عمله. فالقرآن بتجلي لكل
طائفة بصورة من جنسهم الا أنه أحسن في الجمال والبهاء ومن الصورة التي لو كانوا يأتون بما في نيتهم من العمل وزيادة
الاجتهاد في الإتيان بمقتضاه لكان لهم تلك الصورة وإنما لا يعرفونه كما ينبغي لأنهم لم يأتوا بذلك كما ينبغي ولم يعملوا بما هو
به حري وإنما يعرفونه بكونه منهم لأنهم كانوا يتلونه في آناء الليل وأطراف النهار ويقرأونه في الإعلان الإسرار وإنما يشفع
لمن عمل به وإن كان مقصرا لما كان في نيته من العمل بمقتضاه كما ينبغي. منه رحمه الله تعالى.
67

العزيز الجبار ويملأ شماله من رحمة الله ثم يقال هذه الجنة مباحة لك فاقرأ واصعد
فإذا قرأ آية صعد درجة.
أقول: وفي هذا المعنى أخبار كثيرة ومنها ما هو أبسط من هذا وقد أوردنا نبذا
منها في كتابنا الوافي وشرحناها هناك.
وبإسناده عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الحافظ للقرآن
العامل به مع السفرة الكرام البررة.
وبإسناده عن الزهري قال: قلت لعلي بن الحسين (عليهما السلام) أي الأعمال
أفضل قال: الحال المرتحل. قلت: وما الحال المرتحل؟ قال: فتح القرآن
وختمه كلما جاء بأوله ارتحل في آخره، وقال قال رسول الله (صلى الله وآله وسلم
) من أعطاه الله القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد صغر عظيما وعظم
صغيرا.
أقول: يشبه أن يكون قوله جاء بأوله كان حل بأوله فصحف.
وبإسناده عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: القرآن عهد الله إلى
خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين
آية.
وبإسناده عن محمد بن بشير عن علي بن الحسين (عليهما السلام) ومرسلا عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قالا: من استمع حرفا من كتاب الله تعالى من غير قراءة كتب
الله تعالى له به حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له درجة ومن قرأ نظرا من غير صوت كتب
الله له بكل حرف حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له درجة ومن تعلم منه حرفا ظاهرا كتب
الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات.
قال: لا أقول بكل آية ولكن بكل حرف باء أو ياء أو شبههما. قال: ومن قرأ
حرفا وهو جالس في صلاته كتب الله له خمسين حسنة ومحا عنه خمسين سيئة ورفع
الله له خمسين درجة، ومن قرأ حرفا وهو قائم في صلاته كتب الله له ماءة حسنة ومحا
68

عنه مائة سيئة ورفع له ماءة درجة ومن ختمه كانت له دعوة مستجابة مؤخرة أو معجلة
قال: قلت جعلت فداك ختمه كله. قال: ختمه كله.
وبإسناده عن ليث بن أبي سليم رفعه قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم): نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن ولا تتخذوها قبورا كما فعلت اليهود والنصارى
صلوا في الكنائس والبيع وعطلوا بيوتهم فان البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره
واتسع أهله وأضاء لأهل السماء كما تضيئ نجوم السماء لأهل الدنيا.
69

المقدمة الحادية عشرة
في نبذ مما جاء في كيفية التلاوة وآدابها
روي في الكافي بإسناده عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام
) قال: قلت له جعلت فداك إني احفظ القرآن عن ظهر قلبي فأقرأه عن ظهر قلبي أفضل
أو انظر في المصحف؟ فقال لي: لا بل اقرأه وانظر في المصحف فهو أفضل أما
علمت أن النظر في المصحف عبادة. وبإسناده عن محمد بن عبد الله قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): أقرأ القرآن في ليلة؟ قال: لا يعجبني أن تقرأ في أقل من
شهر.
وبإسناده عن أبي بصير أنه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك
أقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة؟ فقال: لا قال ففي ليلتين قال: لا قال ففي
ثلاث؟ قال: ها وأشار بيده. ثم قال: يا أبا محمد إن لرمضان حقا وحرمة ولا يشبهه
شئ من الشهور وكان أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ أحدهم القرآن
في شهر أو أقل. إن القرآن لا يقرأ هذرمة ولكن يرتل ترتيلا وإذا مررت بآية فيها ذكر
الجنة فقف عندها واسئل الله تعالى الجنة وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها
وتعوذ بالله من النار.
أقول: ها كلمة إجابة يعني بها نعم. ثم علل جواز الختم في ثلاث ليال في
شهر رمضان بحق الشهر وحرمته (1) واختصاصه من بين الشهور.
والهذرمة السرعة في القرآن.

(1) أريد به الاختصاص لا اختصاصه بزيادة القراءة ولذا لم يقل اختصاصه بذلك. منه قدس سره.
70

وبإسناده عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله
تعالى: ورتل القران ترتيلا. قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): بينه تبيينا ولا
تهذه هذ الشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن فزعوا قلوبكم القاسية ولا يكن هم أحدكم
آخر السورة.
أقول: الهذ السرعة في القراءة أي لا تسرع فيه كما تسرع في قراءة الشعر ولا
تفرق كلماته بحيث لا تكاد تجتمع كذرات الرمل، والمراد به الاقتصاد بين السرعة
المفرطة والبطؤ المفرط.
وفي رواية أخرى: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن ترتيل القرآن
فقال: هو حفظ الوقوف وبيان الحروف، وفسر الأول بالوقف التام والحسن والثاني
بالإتيان بصفاتها المعتبرة من الجهر والهمس والاطباق والاستعلاء وغيرها. وعن أبي
عبد الله (عليه السلام) هو أن تمكث وتحسن به صوتك.
وبإسناده عنه (عليه السلام): قال القرآن نزل بالحزن.
وبإسناده عنه (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لكل
شئ حلية وحلية القرآن الصوت الحسن. وعنه (عليه السلام) قال كان علي بن
الحسين (عليهما السلام) أحسن الناس صوتا بالقرآن. وكان السقاؤون يمرون فيقفون
ببابه يستمعون قرأته. وكان أبو جعفر (عليه السلام) أحسن الناس صوتا.
وبإسناده عن علي بن محمد النوفلي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: ذكرت
الصوت عنده فقال إن علي بن الحسين (عليهما السلام) كان يقرأ القرآن فربما مر به
المار فصعق من حسن صوته، وإن الإمام (عليه السلام) لو أظهر من ذلك شيئا لما
احتمله الناس من حسنه. قلت: ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
يصلي بالناس ويرفع صوته بالقرآن فقال: إن رسول الله (ص) كان يحمل الناس من
خلفه (1) ما يطيقون.

(1) يحتمل كلمة من أن تكون اسما موصولا بدلا من الناس، يعني كان يحمل من كان يصلي خلفه من الناس على ما
يطيقون معه إتمام الصلاة من غير أن يخرجوا عن حدود التكليف وذلك لمصالح تقتضيه فإنه (عليه السلام) كان مأمورا بالإقبال
والإدبار جميعا. ويحتمل أن يكون حرفا قيدا للناس أو متعلقا بيحمل فتدبر.
71

وبإسناده عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إذا قرأت القرآن
فرفعت به صوتي جائني الشيطان. فقال: إنما ترائي بهذا أهلك والناس قال: يا
أبا محمد اقرأ قراءة بين القراءتين تسمع أهلك ورجع بالقرآن صوتك فان الله تعالى
يحب الصوت الحسن يرجع به ترجيعا.
وبإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اقرؤا القرآن بألحان العرب وأصواتها وإياكم ولحون
أهل الفسق وأهل الكبائر فإنه سيجيئ بعدي أقوام يرجعون القرآن بترجيع الغناء
والنوح والرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة وقلوب من يعجبه شأنهم. وعن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زينوا القرآن بأصواتكم. وعنه (عليه السلام): إن
القرآن نزل بالحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به لم يتغن
بالقرآن فليس منا، قال في مجمع البيان تأول بعضهم تغنوا به بمعنى استغنوا به وأكثر
العلماء على أنه تزيين الصوت وتحزينه.
أقول: المستفاد من هذه الأخبار جواز التغني بالقرآن والترجيع به بل
استحبابهما فما ورد من النهي عن الغناء كما يأتي في محله إنشاء الله ينبغي حمله
على لحون أهل الفسق والكبائر وعلى ما كان معهودا في زمانهم (عليهم السلام) في
فساق الناس وسلاطين بني أمية وبني العباس من تغني القينات بين الرجال وتكلمهن
بالأباطيل ولعبهن بالملاهي من العيدان والقضيب ونحوها.
قال في الفقيه: سأل رجل علي بن الحسين (عليهما السلام) عن شراء جارية لها
صوت؟ فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة. قال: يعني بقراءة القرآن
والزهد والفضائل التي ليست بغناء فأما الغناء فمحظور.
وفي الكافي والتهذيب: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أجر المغنية التي
تزف العرائس ليس به بأس ليست بالتي تدخل عليها الرجال.
وفي معناه أخبار أخر وكلام الفقيه يعطي أن بناء الحل والحرمة على ما يتغنى
72

والحديث الأخير يعطي أن لسماع صوت الأجنبية مدخلا في الحرمة فليتأمل.
وفي مصباح الشريعة عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: من قرأ القرآن ولم
يخضع له ولم يرق عليه ولم ينشئ حزنا ووجلا في سره فقد استهان بعظم شأن الله
وخسر خسرانا مبينا فقارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء قلب خاشع، وبدن فارغ،
وموضع خال. فإذا أخشع لله قلبه فر منه الشيطان الرجيم وإذا تفرغ نفسه من الأسباب
تجرد قلبه للقراءة فلا يعترضه عارض فيحرمه نور القرآن وفوائده وإذا اتخذ مجلسا
خاليا واعتزل من الخلق بعد أن أتى بالخصلتين الأوليين استأنس روحه وسره بالله
ووجد حلاوة مخاطبات الله عباده الصالحين وعلم لطفه بهم ومقام اختصاصه لهم
بقبول كراماته وبدائع إشاراته فإذا شرب كأسا من هذا الشراب فحينئذ لا يختار على
ذلك الحال حالا ولا على ذلك الوقت وقتا بل يؤثره على كل طاعة وعبادة لأن فيه
المناجاة مع الرب بلا واسطة فانظر كيف تقرأ كتاب ربك ومنشور ولايتك وكيف تجيب
أوامره ونواهيه وكيف تمتثل حدوده فإنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه تنزيل من حكيم حميد فرتله ترتيلا، وقف عند وعده ووعيده وتفكر في أمثاله
ومواعظه واحذر أن تقع من إقامتك حروفه في إضاعة حدوده.
وروي عنه (عليه السلام) أنه قال: والله لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكن لا
يبصرون.
وقال: أيضا وقد سألوه عن حالة لحقته في الصلاة حتى خر مغشيا عليه فلما
سري (سوى خ ل) عنه قيل له في ذلك فقال: ما زلت أردد الآية على قلبي وعلى
سمعي حتى سمعتها من المتكلم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته.
أقول: وللتلاوة آداب اخر منها ظاهرة كالطهارة والاستعاذة وتعظيم المصحف
والدعاء أولا وآخرا وغير ذلك ومنها باطنة كحضور القلب والتدبر والتفهم والتخلي عن
موانع الفهم وتخصيص نفسه بكل خطاب وتأثر قلبه بآثار مختلفة والترقي بقلبه إلى أن
يسمع الكلام من الله لا من نفسه والتبري من حوله وقوته ومن الالتفات إلى نفسه بعين
73

الرضا واحضار عظمة الكلام والمتكلم بقلبه إلى غير ذلك كما مرت الإشارة إلى
بعضها وقد أوردناها جميعا وبيناها في كتابنا المسمى بالمحجة البيضاء من أرادها
فليراجع إليه.
74

المقدمة الثانية عشرة
في بيان ما اصطلحنا عليه في التفسير
فنقول كلما يحتاج من الآيات إلى بيان وتفسير لفهم المقصود من معانيه أو إلى
تأويل لمكان تشابه فيه أو إلى معرفة سبب نزوله المتوقف عليه فهمه وتعاطيه أو إلى
تعرف نسخ أو تخصيص أو صفة أخرى فيه.
وبالجملة ما يزيد على شرح اللفظ والمفهوم مما يفتقر إلى السماع من
المعصوم فان وجدنا شاهدا من محكمات القرآن يدل عليه أتينا به فان القرآن يفسر
بعضه بعضا وقد أمرنا من جهة أئمة الحق (عليهم السلام) أن نرد متشابهات القرآن إلى
محكماته وإلا فان ظفرنا فيه بحديث معتبر عن أهل البيت (عليهم السلام) في الكتب
المعتبرة من طرق أصحابنا (رضوان الله عليهم) أوردناه، وإلا أوردنا ما روينا عنهم
(عليهم السلام) من طرق العامة لنسبته إلى المعصوم وعدم ما يخالفه، نظيره في
الاحكام ما روي عن الصادق (عليه السلام): إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها
فيما يروى عنا فانظروا إلى ما رووه عن علي (عليه السلام) فعملوا به. رواه الشيخ
الطوسي (رضوان الله عليه) في العدة وما لم نظفر فيه بحديث عنهم (عليهم السلام) أوردنا
ما وصل إلينا من غيرهم من علماء التفسير إذا وافق القرآن وفحواه وأشبه أحاديثهم في
معناه فإن لم نعتمد عليه من جهة الاستناد اعتمدنا عليه من جهة الموافقة والشبه
والسداد. قال رسول الله (ص) إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما
وافق كتاب الله فخذوا به وما خالف كتاب الله فدعوه. وقال الصادق (عليه السلام): ما
يخالف القرآن فلا تأخذ.
75

وقال الكاظم (عليه السلام) إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب
الله وعلى أحاديثنا فإن أشبههما فهو حق وإن لم يشبههما فهو باطل وما ورد فيه أخبار
كثيرة فإن لم يكن فيها كثير اختلاف اقتصرنا منها على ما اشتمل على مجامعها وتركنا
سائرها مما في معناه روما للاختصار وصونا من الإكثار.
وربما أشرنا إلى تعددها وتكثرها إذا أهمنا (أهمنا خ ل) الاعتماد وإن كانت
مختلفة نقلنا أصحها وأحسنها وأعمها فائدة ثم أشرنا إلى مواضع الاختلاف ما
استطعنا وما لا يحتاج إلى شرح اللفظ والمفهوم والنكات المتعلقة بعلوم الرسوم مما
لا يفتقر إلى السماع من المعصوم أوردنا فيه ما ذكره المفسرون الظاهريون من كان
تفسيره أحسن وبيانه أوجز وأتقن كائنا من كان الا أوائل السورة التي تذكر فيها البقرة
فان تفسير أكثرها وأكثر تفسيرها مأخوذ من التفسير المنسوب إلى مولانا الزكي أبي
محمد العسكري الذي منه ما هو من كلامه ومنه ما يرويه عن آبائه (عليهم السلام.
منه ما أوردناه بألفاظه ومتونه. ومنه ما أوردناه بمعانيه ومضمونه.
ومنه ما لفقناه من غير موضع منه ثم منه ما نسبناه إليه ومنه ما لم ننسبه إليه وما لم
ننسبه إليه ولا إلى غيره فهو منه إلا نادرا من شرح لفظه لا يجري فيه اختلاف وإنما
النسبة للفصل من كلام الغير فإن (فإذا خ ل) فصل بالقرآن فلا نسبة وذلك إلى حيث
ما وجد منه من تفسير هذه السورة وهو قوله عز وجل * (ولله المشرق والمغرب فأينما
تولوا فثم وجه الله) * ثم من قوله تعالى: * (الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات
والهدى) * إلى قوله سبحانه * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) * فإن وجد منه
تفسير آية أخرى في ضمن تفسير هذه الآيات أو على حدة نسبناه إليه في محله إنشاء
الله وهو تفسير حسن لا سيما ما يتعلق منه بألفاظ القرآن ومعناه مما له مدخل في فهم
القرآن وإن لم يقع موقع القبول عند جماعة من أصحابنا طاعنين في إسناده فإذا أردنا
أن نأتي بمزيد بيان لآية أو حديث من لدنا أو من قول بعض أهل العلم والمعرفة أو
أردنا أن نجمع ونوفق بين ما يوهم التناقض أو نحو ذلك صدرنا كلامنا بقولنا (أقول أو
قيل) ليفصل من كلام
المعصوم (عليه السلام) إلا إذا كانت هناك قرينة تدل على ذلك
76

وما لا يحتاج إلى مزيد كشف وبيان إما لوضوحه وإحكام معناه أو لما عرف مما سلف
قريبا من تفسير ما يجري مجراه طوينا تفسيره أو أحلنا على ما أسلفناه، وقلما نتعرض
لانحاء النحو وصروف الصرف وشقوق الاشتقاق واختلاف القراءة فيما لا يختلف به
أصل المعنى لأن نظر أولى الألباب إلى المعاني أكثر منه إلى المباني.
وربما يحوجنا تمام الكشف من المقصود إلى ذكر شئ من الأسرار فمن لم
يكن من أهله فلا يبادر بالإنكار وليتركه لأهله فان لكل أهلا وذاك أيضا من مخزون
علمهم الذي استفدناه من عباراتهم ومكنون سرهم الذي استنبطناه من إشاراتهم
باخلاص الولاء والحب وبمصاص المخ واللب ولله الحمد وما نقلناه من كتب
الأصحاب نسبناه إليها باقتصار في أسمائها كالاكتفاء بالمضاف عما أضيف إليه
كالمجمع والجوامع للشيخ أبي علي الطبرسي، وكالتوحيد والعيون والعلل والاكمال
والمعاني والمجالس والاعتقادات من (تصانيف خ ل) الصدوق أبي جعفر
بن بابويه رحمه الله وكالمناقب لمحمد بن شهرآشوب المازندراني، وكالتهذيب
والغيبة والأمالي للشيخ أبي جعفر الطوسي أطاب الله ثراهم، وكنينا عن كتاب من لا
يحضره الفقيه بالفقيه واكتفينا عن ذكر تفسيري علي بن إبراهيم القمي ومحمد بن
مسعود العياشي واسميهما بالقمي والعياشي، وعبرنا عن تفسير الإمام أبي محمد
العسكري (عليه السلام) بتفسير الإمام واقتصرنا في التعبير عن المعصوم على ذكر لقبه
تعظيما بعدم التسمية وحذرا عن الاشتباه بذكر الكنى لاشتراك بعضها وطلبا للاختصار
وكلما أضمرنا عن المعصوم بقولنا عنه (عليه السلام) فمرجع الضمير الإمام الذي سبق
ذكره وكلما لم نسم الكتاب فالمروي عنه (منه خ ل) الكتاب الذي مضى اسمه أو
اسم مصنفه إلا ما صدر بروي والقمي قد يسند إلى المعصوم (عليه السلام) وقد لا يسند
وربما يقول: قال والظاهر أنه أراد به الصادق (عليه السلام) فان (كما أن خ ل) الشيخ
أبا علي الطبرسي قد يروي عنه ما أضمره ويسنده إلى الصادق (عليه السلام) ونحن
نروي ما أضمره على إضماره وحذفنا الأسانيد في الكل لقلة جدوى المعرفة بها في
هذا العصر البعيد العهد عنها مع الاختلاف فيها والاشتباه على أنا إنما نصحح الأخبار
بنحو آخر غير الأسانيد إلا قليلا ونستعين في ذلك كله بالله وحده ولا نتخذ إلى غيره
77

سبيلا فيا إخواني خذوا ما آتيناكم بقوة فقد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في
الصدور يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلم ويخرجهم من الظلمات إلى
النور.
78

تفسير الاستعاذة
في تفسير الإمام (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أعوذ امتنع بالله
السميع لمقال الأخيار والأشرار ولكل المسموعات من الاعلان والأسرار العليم
بأفعال الأبرار والفجار وبكل شي مما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون
من الشيطان البعيد من كل خير الرجيم المرجوم باللعن المطرود من بقاع الخير،
وفي المعاني عن الزكي (صلى الله عليه وآله وسلم) معنى الرجيم أنه مرجوم باللعن
مطرود من الخير لا يذكره مؤمن الا لعنه وإن في علم الله السابق إذا خرج القائم (عليه
السلام) لا يبقى مؤمن إلا رجمه بالحجارة كما كان قبل ذلك مرجوما باللعن، وفي
تفسير الإمام (عليه السلام) والاستعاذة هي: ما قد أمر الله بها عباده عند قراءتهم القرآن
فقال: فإذا (إذا خ ل) قرأت القران فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له
سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين
هم به مشركون.
أقول: الاستعاذة تطهير اللسان عما جرى عليه من غير ذكر الله ليستعد لذكر
الله والتلاوة وتنظيف للقلب من تلوث الوسوسة، ليتهيأ للحضور لدى المذكور
ويجد الحلاوة.
79

سورة الفاتحة
مكية، وقيل مدنية، وقيل أنزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة وهي سبع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
في التوحيد وتفسير الإمام عن أمير المؤمنين (عليه السلام): الله هو الذي يتأله
إله كل مخلوق الحوائج والشدائد إدا انقطع الرجاء من كل وجه من، دونه
وتقطع الأسباب من (عن خ ل) جميع من سواه تقول بسم الله أي أستعين على
أموي كلها بالله الذي لا تحق العبادة الا المغيث إذا استغيث والمجيب إذا
دعي.
أقول: معنى يتأله إليه: يفزع إليه ويلتجأ ويسكن.
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) يعني بهذا الاسم اقرأ واعمل هذا العمل.
وفي العيون والمعاني عن الرضا (عليه السلام) يعني بهذا أسم نفسي بسمة من
سمات الله وهي العبادة، قيل له ما السمة قال العلامة.
وفي التوحيد وتفسير الإمام (عليه السلام) قال رجل للصادق (عليه السلام):
يا بن رسول الله دلني على الله ما هو فقد أكثر علي المجادلون وحيروني فقال يا عبد

(1) قيل الوجه في كتابه البسملة بحذف الألف على خلاف وضع الخط كثرة الاستعمال وتطويل الباء عوض عنها.
منه قدس الله سره.
روي أن قريشا كانت تكتب في الجاهلية بسمك اللهم حتى نزلت سورة هود فيها بسم الله مجريها ومرسيها فأمر النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكتب بسم الله ثم نزل عليه بعد ذلك: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعو فله الأسماء
الحسنى، فأمر (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكتب بسم الله الرحمن فلما نزلت سورة النمل: إنه من سليمان وإنه بسم الله
الرحمن الرحيم أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكتب ذلك في صدور الكتب وأوائل الرسائل. وهي آية من كل سورة
وقولنا: بسم الله أي أبتدئ بسم الله أو ابتدائي بسم الله فهو خبر مبتدأ محذوف واشتقاق الاسم من السمو وهو العلو
والرفعة ومنه سما الزرع أي علا وارتفع. ومنه اشتقاق السماء لارتفاعها وعوها وقيل هو مشتق من السمة التي هي العلامة
فكأنه علامة لما وضع له. منه قدس سره.
80

لله هل ركبت سفينة قط؟ قال: بلى، قال: فهل كسرت بك حيث لا سفينة
تجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: بي قال: فهل تعلق قلبك هناك أن شيئا من
الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: بلى. قال الصادق (عليه
السلام): فذاك الشئ هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي وعلى الإغاثة حين
لا مغيث ويأتي في معنى الله حديث آخر في تفسير سورة الاخلاص انشاء الله،
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): الله أعظم اسم من أسماء الله عز وجل لا ينبغي
أن يتسمى به غيره.
وعنه غليه السلام: الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا. وفي رواية
العاطف على خلقه بالرزق لا يقطع عنهم مواد وإن انقطعوا عن طاعته.
الرحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا خفف علينا الدين وجعله سهلا خفيفا (حنيفا
خ ل) وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه.
أقول: رزق كل مخلوق ما به قوام وجوده وكماله اللائق به فالرحمة
الرحمانية تعم جميع الموجودات وتشمل كل النعم كما قال الله سبحانه: أحسن
كل شئ خلقه ثم هدى. وأما الرحمة الرحيمية بمعنى التوفيق في الدنيا والدين
فهي مختصة بالمؤمنين وما ورد من شمولها للكافرين فإنما هي من جهة دعوتهم
إلى الإيمان والدين مثل ما في تفسير الإمام (عليه السلام) من قولهم (عليهم السلام)
الرحيم بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم طاعاته وبعباده الكافرين في الرفق في
دعائهم إلى موافقته. ومن ثمة قال الصادق (عليه السلام): الرحمن اسم خاص
لصفة عامة والرحيم اسم عام لصفة خاصة. وقال عيسى بن مريم (عليه السلام):
الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة يعني في الأمور الأخروية
رواهما في المجمع وفي الكافي والتوحيد والمعاني والعياشي عن الصادق
(عليه السلام) الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم مجد الله. وفي رواية ملك الله
والله إله كل شئ الرحمن بجميع خلقه، والرحيم بالمؤمنين خاصة.
والقمي عنه (عليه السلام) مثله بالرواية الأخيرة فحسب.
81

وروي في المشكاة وأورده في المجمع عن النبي (صلى عليه وآله) إن لله عز
وجل مائة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه فبها يتعاطفون
ويتراحمون وأخر تسعا وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة.
وروي أن الله قابض هذه إلى تلك فيكملها مائة يرحم بها عباده يوم القيامة.
وفي تفسير الامام معنى ما في الروايتين عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
والتسمية في أول كل سورة آية منها وإنما كان يعرف انقضاء السورة بنزولها ابتداء
للأخرى وما أنزل الله كتابا من السماء الا وهي فاتحته كذا عن الصادق (عليه السلام)
رواه العياشي.
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام): أول كل كتاب أنزل من السماء بسم الله
الرحمن الرحيم فإذا قرأتها فلا تبال أن لا تستعيذ فإذا قرأتها سترتك فيما بين السماء
والأرض.
وفي العيون عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنها من الفاتحة وأن رسول الله
(صلى الله وآله) يقرؤها ويعدها آية منها ويقول فاتحة الكتاب هي السبع
المثاني، وفيه وفي العياشي عن الرضا (عليه السلام) أنها أقرب إلى اسم الله الأعظم
من ناظر العين إلى بياضها.
ورواه في التهذيب عن الصادق (عليه السلام).
والقمي عنه أنها أحق ما يجهر به وهي الآية التي قال الله عز وجل: وإذا
ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا.
وفي الخصال عنه (عليه السلام): أن الاجهار بها في الصلاة واجب.
والعياشي عنه (عليه السلام) قال: مالهم قاتلهم الله عمدوا إلى أعظم آية في
كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها.
أقول: يعني العامة، عن الباقر (عليه السلام) سرقوا آية من كتاب الله بسم الله
الرحمن الرحيم وينبغي الإتيان بها عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير ليبارك فيه.
82

ففي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال: لا تدعها ولو كان بعده شعر.
وفي التوحيد وتفسير الامام عنه (عليه السلام) من تركها من شعيتنا امتحنه الله
بمكروه لينبهه على الشكر والثناء ويمحق عنه وصمة تقصيره عند تركه، وعن أمير
المؤمنين (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حدثني عن الله عز وجل أنه
قال كل أمر ذي بال لم يذكر فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر.
(1) الحمد لله: يعني على ما أنعم الله به علينا، في العيون وتفسير الإمام (عليه
السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه سئل عن تفسيرها فقال: هو أن الله
عرف عباده بعض نعمه عليهم جملا إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل
لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف فقال قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام): ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت
أو كبرت فقال: الحمد لله الا أدى شكرها.
رب العلمين: في العيون وتفسير الإمام (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه
السلام) يعني مالك الجماعات من كل مخلوق وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم من
حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون يقلب الحيوانات في قدرته ويغذوها من رزقه
ويحوطها بكنفه ويدبر كلا منها بمصلحته ويمسك الجمادات بقدرته ويمسك ما
اتصل منا عن التهافت والمتهافت عن التلاصق والسماء أن تقع على الأرض إلا
باذنه والأرض أن تنخسف الا بأمره.
(2) الرحمن الرحيم: قيل لعل تكريرهما للتنبيه بهما في جملة الصفات
المذكورة على استحقاقه للحمد.
(3) مالك يوم الدين: في تفسير الإمام (عليه السلام) يعني القادر على إقامته
والقاضي فيه بالحق والدين والحساب. وقرئ ملك يوم الدين روى العياشي أنه قرأه الصادق (عليه السلام) ما لا
يحصى.
83

وفي تفسير الإمام (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
أكيس الكيسين من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت وإن أحمق الحمقاء من اتبع
نفسه هواه وتمنى على الله تعالى الأماني، وفي حديث آخر: حاسبوا أنفسكم قبل
أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا.
أقول: وفيهما دلالة على أن لكل انسان أن يفرغ من حسابه ووزن عمله في
دار الدنيا بحيث لا يحتاج إليهما في الآخرة وهو كذلك عند اولي الألباب.
(4) إياك نعبد في تفسير الإمام (عليه السلام) قال الله تعالى: قولوا يا أيها
الخلق المنعم عليهم إياك نعبد أيها المنعم علينا نطيعك مخلصين موحدين مع
الذلل والخضوع بلا رياء ولا سمعة.
وفي رواية عامية عن الصادق (عليه السلام): يعني لا نريد منك غيرك لا
نعبدك بالعوض والبدل كما يعبدك الجاهلون بك المغيبون عنك.
أقول: إنما انتقل العبد من الغيبة إلى الخطاب لأنه كان بتمجيده (لتمجيده
خ ل) لله سبحانه وتعالى يتقرب إليه متدرجا إلى أن يبلغ في القرب مقاما كأن العلم
صار له عيانا والخبر شهودا والغيبة حضورا.
وإياك نستعين (1): على طاعتك وعبادتك وعلى دفع شرور أعدائك ورد
مكائدهم والمقام على ما أمرت، كذا في تفسير الإمام (عليه السلام). قيل:
المستتر في نعبد ونستعين للقاري ومن معه من الحفظة وحاضري صلاة الجماعة
أوله ولسائر الموحدين أدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم وخلط حاجته بحاجتهم
لعلها تقبل ببركتها وتجاب إليها ولهذا شرعت الجماعة وقدم إياك للتعظيم له
والاهتمام به وللدلالة على الحصر.
(5) إهدنا الصراط المستقيم: في المعاني وتفسير الامام عن الصادق (عليه

(1) قيل: إنما قدمت العبادة على الاستعانة لتوافق رؤوس الآي ويعلم منه أن تقديم الوسيلة على طلب الحاجة
ادعى إلى الإجابة.. ولما نسب المتكلم العبادة إلى نفسه أوهم ذلك تبجحا أو اعتدادا منه بما يصدر عنه تعقبه بقوله وإياك
نستعين ليدل على أن العبادة أيضا مما لا يتم الا بمعونة منه وتوفيق منه، منه قدس سره.
84

السلام) يعني أرشد نا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك والمبلغ إلى جنتك والمانع
من أن نتبع أهواءنا فنعطب أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): يعني أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به في
ماضي أيامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا.
أقول: لما كان العبد محتاجا إلى الهداية في جميع أموره آنا فآنا ولحظة
فلحظة فإدامة الهداية هي هداية أخرى بعد الهداية الأولى فتفسير الهداية بإدامتها
ليس خروجا عن ظاهر اللفظ. وعنه (عليه السلام) الصراط المستقيم في الدنيا ما
قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير واستقام وفي الآخرة طريق المؤمنين إلى
الجنة.
وفي المعاني عن الصادق (عليه السلام): وهي الطريق إلى معرفة الله وهما
صراطان صراط في الدنيا وصراط في الآخرة فأما الصراط في الدنيا فهو الامام
المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر
جهنم في الآخرة ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى
في نار جهنم.
وعنه (عليه السلام): إن الصراط: أمير المؤمنين (عليه السلام).
وفي رواية أخرى: ومعرفته.
وفي أخرى: أنه معرفة الامام، وفي أخرى: نحن الصراط المستقيم.
والقمي عنه (عليه السلام): الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف فمنهم
من يمر عليه مثل البرق ومنهم من يمر عليه مثل عدو الفرس ومنهم من يمر عليه
ماشيا ومنهم من يمر عليه حبوا ومنهم من يمر عليه متعلقا فتأخذ النار منه شيئا وتترك منه
شيئا.
وفي رواية أخرى: أنه مظلم يسعى الناس عليه على قدر أنوارهم.
أقول: ومآل الكل واحد عند العارفين بأسرارهم.
85

وبيانه على قدر فهمك أن لكل انسان من ابتداء حدوثه إلى منتهى عمره
انتقالات جبلية باطنية في الكمال وحركات طبيعية ونفسانية تنشأ من تكرر
الأعمال وتنشأ منها المقامات والأحوال فلا يزال ينتقل من صورة إلى صورة ومن
خلق إلى خلق ومن عقيدة إلى عقيدة ومن حال إلى حال ومن مقام إلى مقام ومن
كمال إلى كمال حتى يتصل بالعالم العقلي والمقربين ويلحق بالملأ الأعلى
والسابقين إن ساعده التوفيق وكان من الكاملين أو بأصحاب اليمين إن كان من
المتوسطين أو يحشر مع الشياطين وأصحاب الشمال إن ولا ه الشيطان وقارنه
الخذلان في المآل وهذا معنى الصراط المستقيم، ومنه ما إذا سلكه أوصله إلى
الجنة وهو ما يشتمل عليه الشرع كما قال الله عز وجل: * (وإنك لتهدى إلى صرط
مستقيم) * صراط الله وهو صراط التوحيد والمعرفة والتوسط بين الأضداد في
الأخلاق والتزام صوالح الأعمال.
وبالجملة: صورة الهدى التي الذي أنشأه المؤمن لنفسه ما دام في دار الدنيا
مقتديا فيه بهدى إمامه وهو أدق من الشعر وأحد من السيف في المعنى مظلم لا
يهتدي إليه إلا من جعل الله له نورا يمشي به في الناس يسعى الناس عليها على قدر
أنوارهم.
وروي عن الصادق (عليه السلام) أن الصورة الانسانية هي الطريق المستقيم
إلى كل خير والجسر الممدود بين الجنة والنار.
أقول: فالصراط والمار عليه شئ واحد في كل خطوة يضع قدمه على رأسه
أعني يعمل على مقتضى نور معرفته التي هي بمنزلة رأسه بل يضع رأسه على قدمه
أي يبني معرفته على نتيجة عمله الذي كان بناؤه على المعرفة السابقة حتى يقطع
المنازل إلى الله وإلى الله المصير.
وقد تبين من هذا أن الامام هو الصراط المستقيم وإنه يمشي سويا على
الصراط المستقيم وأن معرفته معرفة الصراط المستقيم ومعرفة المشي على الصراط
المستقيم وان من عرف الامام ومشى على صراطه سريعا أو بطيئا بقدر نوره ومعرفته
86

إياه فاز بدخول الجنة والنجاة من النار ومن لم يعرف الامام لم يدر ما صنع فزل
قدمه وتردى في النار.
(6) صراط الذين أنعمت عليهم: (1) في المعاني وتفسير الامام عن
أمير المؤمنين (عليه السلام): أي قولوا إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق
لدينك وطاعتك لا بالمال والصحة فإنهم قد يكونون كفارا أو فساقا. وقال: هم
الذين قال الله تعالى: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
(7) غير المغضوب عليهم: قال هم اليهود الذين قال الله فيهم من لعنه
الله وغضب عليه.
ولا الضالين: قال: هم النصارى الذين قال الله فيهم: قد ضلوا من قبل
وأضلوا كثيرا.
وزاد في تفسير الإمام (عليه السلام) ثم قال: أمير المؤمنين (عليه السلام) كل من
كفر بالله فهو مغضوب عليه وضال عن سبيل الله.
وفي المعاني عن النبي (صلى الله عليه وآله) الذين أنعمت عليهم شيعة علي
(عليه السلام) يعني أنعمت عليهم بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم تغضب
عليهم ولم يضلوا.
وعن الصادق (عليه السلام) يعني محمدا وذريته.
والقمي عنه (عليه السلام) أن المغضوب عليهم النصاب، والضالين أهل
الشكوك الذين لا يعرفون الامام.
أقول: ويدخل في صراط المنعم عليهم كل وسط واستقامة في اعتقاد أو
عمل فهم الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا. وفي صراط المغضوب عليهم كل

(1) وإذا عرفت الصراط فجزها في الدنيا وخذ هذا ممن يمر على الصراط متعلقا قد أخذت منه النار نجاه الله من النار
وحشره مع الأبرار والأخيار، منه قدس سره.
87

تفريط وتقصير ولا سيما إذا كان عن علم كما فعلت اليهود بموسى وعيسى ومحمد
وفي صراط الضالين كل افراط وغلو لا سيما إذا كان عن جهل كما فعلت النصارى
بعيسى وذلك لأن الغضب يلزمه البعد والطرد والمقصر هو المدبر المعرض فهو
البعيد والضلال هو الغيبة عن المقصود والمفرط هو المقبل المجاوز فهو الذي غاب
عنه المطلوب.
والعياشي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن أم الكتاب أفضل سورة أنزلها الله
في كتابه وهي شفاء من كل داء الا السام يعني الموت.
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام): من لم يبرأه الحمد لم يبرأه شئ.
وعن الصادق (عليه السلام): لو قرأت الحمد على ميت سبعين مرة ثم ردت
فيه الروح ما كان عجيبا.
وفي رواية: أنها من كنوز العرش.
وفي العيون وتفسير الامام عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه أمير
المؤمنين (عليهم السلام) قال: لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
قال الله عز وجل: قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها
لعبدي ولعبدي ما سأل إذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله جل
جلاله: بدأ عبدي باسمي وحق علي أن أتمم له أموره وأبارك له في أحواله فإذا قال
الحمد لله رب العالمين قال جل جلاله: حمدني عبدي وعلم أن النعم التي له من
عندي وان البلايا التي اندفعت عنه فبتطولي أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا
نعم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، وإذا قال الرحمن
الرحيم قال الله جل جلاله: شهد لي عبدي بأني الرحمن الرحيم أشهدكم لأوفرن
من نعمتي حظه ولأجزلن من عطائي نصيبه فإذا قال مالك يوم الدين قال الله
تعالى: أشهدكم كما اعترف بأني أنا الملك يوم الدين لأسهلن يوم الحساب حسابه
ولأقبلن حسناته ولأجاوزن عن سيئاته فإذا قال العبد: إياك نعبد قال الله عز وجل
صدق عبدي إياي يعبد أشهدكم لأثيبنه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في
88

عبادته لي فإذا قال وإياك نستعين قال الله تعالى: بي استعان وإلي التجأ أشهدكم
لأعيننه على أمره ولأغيثنه في شدائده ولآخذن بيده يوم نوائبه فإذا قال إهدنا الصراط
المستقيم إلى آخر السورة قال الله جل جلاله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فقد
استجبت لعبدي وأعطيته ما أمل وآمنته بما منه وجل.
89

سورة البقرة
مدنية كلها الا آية واحدة منها، وهي * (واتقوا يوما ترجعون) * الآية وهي مأتان
وست وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم تفسيرها.
(1) ألم: في المعاني عن الصادق (عليه السلام) ألم هو حرف من حروف
اسم الله الأعظم المقطع في القرآن الذي يؤلفه النبي (صلى الله عليه وآله) وأله الامام
فإذا دعا به أجيب.
أقول: فيه دلالة على أن الحروف المقطعات أسرار بين الله تعالى ورسوله
ورموز لم يقصد بها إفهام غيره وغير الراسخين في العلم من ذريته والتخاطب
بالحروف المفردة سنة الأحباب في سنن (سنة خ ل) المحاب فهو سر الحبيب مع
الحبيب بحيث لا يطلع عليه الرقيب شعر:
بين المحبين سر ليس يفشيه * قول ولا قلم للخلق يحكيه
والدليل عليه أيضا من القرآن قوله عز وجل: وأخر متشابهات، إلى قوله:
وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم.
ومن الحديث ما رواه العياشي عن أبي لبيد المخزومي قال: قال:
أبو جعفر (عليه السلام) يا أبا لبيد إنه يملك من ولد العباس إثنا
عشر يقتل بعد الثامن منهم أربعة تصيب أحدهم الذبحة فتذبحه فئة قصيرة
أعمارهم خبيثة سيرتهم منهم الفويسق الملقب بالهادي والناطق والغاوي يا أبا لبيد
إن لي في حروف القرآن المقطعة لعلما جما إن الله تبارك وتعالى أنزل * (ألم) * ذلك
الكتب فقام محمد حتى ظهر نوره وثبتت كلمته وولد يوم ولد وقد مضى من الألف
90

السابع مأة سنة وثلاث سنين ثم قال: وتبيانه في كتاب الله في الحروف المقطعة إذا
عددتها من غير تكرار وليس من حروف مقطعة حرف تنقضي أيامه الا وقائم من بني
هاشم عند انقضائه ثم قال: الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد
تسعون فذلك مائة وواحد وستون ثم كان بدور خروج الحسين بن علي (عليهما
السلام) ألم الله فلما بلغت مدته قام قائم من ولد العباس عند المص ويقوم قائمنا
عند انقضائها بالمر فافهم ذلك وعه واكتمه.
وفي تفسير الامام أن معنى ألم إن هذا الكتاب الذي أنزلته هو الحروف
المقطعة التي منها ألف لام ميم وهو بلغتكم وحروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم
صادقين.
أقول: هذا أيضا يدل على أنها من جملة الرموز المفتقرة إلى هذا البيان
فيرجع إلى الأول وكذا سائر ما ورد في تأويلها وهي كثيرة.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لكل كتاب صفوة وصفوة
هذا الكتاب حروف التهجي.
أقول: ومن الأسرار الغريبة في هذه المقطعات أنها تصير بعد التركيب
وحذف المكررات (علي صراط حق نمسكه أو صراط علي حق نمسكه).
(2) ذ لك الكتب: في تفسير الإمام (عليه السلام) يعني القرآن الذي افتتح
بالم هو ذلك الكتاب الذي أخبرت به موسى (عليه السلام) ومن بعده من الأنبياء وهم
أخبروا بني إسرائيل اني سأنزله عليك يا محمد لا ريب فيه: لا شك فيه لظهوره
عندهم.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال: كتاب علي لا ريب فيه.
أقول: ذلك تفسيره وهذا تأويله وإضافة الكتاب إلى علي بيانية يعني أن
ذلك إشارة إلى علي والكتاب عبارة عنه، والمعنى أن ذلك الكتاب الذي هو علي
لا مرية فيه وذلك لأن كمالاته مشاهدة من سيرته وفضائله منصوص عليها من الله
91

ورسوله واطلاق الكتاب على الانسان الكامل شائع في عرف أهل الله وخواص
أوليائه. قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
شعر دواؤك فيك وما تشعر * وداؤك منك وما تبصر
وأنت الكتاب المبين الذي * بأحرفه يظهر المضمر
وتزعم أنك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر
وقال الصادق (عليه السلام) الصورة الانسانية هي أكبر حجة الله على خلقه
وهي الكتاب الذي كتبه الله بيده.
هدى: بيان من الضلالة.
للمتقين: الذين يتقون الموبقات ويتقون تسليط السفه على أنفسهم حتى إذا
علموا ما يجب عليهم علمه عملوا بما يوجب لهم رضاء ربهم.
وفي المعاني والعياشي عن الصادق (عليه السلام): المتقون شيعتنا.
أقول: وإنما خص المتقين بالاهتداء به لأنهم المنتفعون به وذلك لأن
التقوى شرط في تحصيل المعرفة الحقة.
(3) الذين يؤمنون بالغيب: بما غاب عن حواسهم من توحيد الله ونبوة
الأنبياء وقيام القائم والرجعة والبعث والحساب والجنة والنار وسائر الأمور التي
يلزمهم الايمان بها مما لا يعرف بالمشاهدة وإنما يعرف بدلائل نصبها الله عز وجل
عليه.
ويقيمون الصلاة: باتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وحدودها
وصيانتها مما يفسدها أو ينقصها.
ومما رزقناهم: من الأموال والقوى والأبدان والجاه والعلم.
ينفقون: يتصدقون: يحتملون الكل ويؤدون الحقوق لأهاليها (1) ويقرضون

(1) اللام متعلق بالحقوق لا بيؤدون، منه قدس سره.
92

ويسعفون الحاجات ويأخذون بأيدي الضعفاء يقودون الضرائر وينجونهم من
المهالك ويحملون عنهم المتاع ويحملون الراجلين على دوابهم ويؤثرون على من
هو أفضل منهم في الايمان على أنفسهم بالمال والنفس ويساوون من كان في
درجتهم فيه بهما ويعلمون العلم لأهله ويروون فضائل أهل البيت (عليهم السلام)
لمحبيهم، ولمن يرجون هدايته.
وفي المعاني والمجمع والعياشي عن الصادق (عليه السلام): ومما علمناهم
يبثون.
(4) والذين يؤمنون بما أنزل إليك: من القرآن والشريعة.
وما أنزل من قبلك: من التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر
كتب الله المنزلة.
وبالآخرة أي الدار التي بعد هذه الدنيا التي فيها جزأ الأعمال الصالحة
بأفضل مما عملوه وعقاب الأعمال السيئة بمثل ما كسبوه.
هم يوقنون: لا يشكون.
(5) أولئك على هدى من ربهم: على بيان وصواب وعلم بما أمرهم به.
وأولئك هم المفلحون: الناجون مما منه يوجلون الفائزون بما يؤملون.
(6) إن الذين كفروا: بالله وبما آمن به هؤلاء المؤمنون.
سواء عليهم أنذرتهم: خوفتهم.
أم لم تنذرهم لا يؤمنون: أخبر عن علمه فيهم.
(7) ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم: وسمها بسمة يعرفها من يشاء من
ملائكته وأوليائه إذا نظر إليها بأنهم الذين لا يؤمنون، في العيون عن الرضا (عليه
السلام) قال الختم: هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال عز
وجل * (بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) *.
93

وعلى أبصارهم غشوة: غطاء وذلك أنهم لما أعرضوا عن النظر فيما كلفوه
وقصروا فيما أريد منهم جهلوا ما لزمهم الايمان به فصاروا كمن على عينيه غطاء لا
يبصر ما أمامه فان الله عز وجل يتعالى عن العبث والفساد وعن مطالبة العباد بما قد
منعهم بالقهر منه.
ولهم عذاب عظيم: يعني في الآخرة العذاب المعد للكافرين في الدنيا
أيضا لمن يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح لينبهه على طاعته
أو من عذاب الاصطلام ليصيره إلى عدله وحكمته.
أقول: الاصطلام بالمهملتين الاستيصال والاستصلاح إنما هو يصح لمن لم
يستحكم ختمه وغشاؤه وكان ممن يرجى له الخير بعدا وهو تنبيه من الله له واتمام
للحجة وإن لم ينتفع هو به.
(8) ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر.
أقول كابن أبي وأصحابه وكالأول والثاني واضرابهما من المنافقين الذين زادوا
على الكفر الموجب للختم والغشاوة والنفاق ولا سيما عند نصب أمير المؤمنين
(عليه السلام) للخلافة والإمامة.
أقول: ويدخل فيه كل من ينافق في الدين إلى يوم القيامة وإن كان دونهم
في النفاق كما قال الباقر (عليه السلام) في حكم بن عتيبة إنه من أهل هذه الآية (1).
وفي تفسير الامام ما ملخصه أنه لما أمر الصحابة يوم الغدير بمبايعة أمير
المؤمنين (عليه السلام) بإمرة المؤمنين وقام أبو بكر وعمر إلى تسعة من المهاجرين
والأنصار فبايعوه بها ووكد عليهم بالعهود والمواثيق واتى عمر بالبخبخة (2) وتفرقوا،
تواطأ قوم من متمرديهم وجبابرتهم بينهم لئن كانت بمحمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) كائنة ليدفعن هذا الأمر عن علي (عليه السلام) ولا يتركونه له وكانوا يأتون

(1) قال مجاهد أربع آيات من أول السورة نزلت في المؤمنين وآيتان بعدهما نزلتا في الكافرين وثلاث عشرة آية بعدها
نزلت في المنافقين. منه قدس سره.
(2) البخبخة: قوله بخ بخ لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. منه قدس سره.
94

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقولون: لقد أقمت علينا أحب الخلق إلى
الله وإليك وكفيتنا به مؤنة الظلمة لنا والجائرين في سياستنا وعلم الله تعالى من
قلوبهم خلاف ذلك وإنهم مقيمون على العداوة ودفع الحق عن مستحقه فأخبر الله
عنهم بهذه الآية.
وما هم بمؤمنين: بل تواطؤا على إهلاكك واهلاك من أحبك وتحبه إذا
قدروا والتمرد عن أحكام الله خصوصا خلافة من استخلفته بأمر الله على أمتك من
بعدك لجحودهم خلافته وإمارته عليهم حسدا وعتوا.
قيل: أخرج ذواتهم من عداد المؤمنين مبالغة في نفي الايمان عنهم رأسا.
(9) يخادعون الله والذين آمنوا: يخادعون رسول الله بإبدائهم له خلاف ما
في جوانحهم.
أقول: وإنما أضاف مخادعة الرسول إلى الله لأن مخادعته ترجع إلى
مخادعة الله كما قال الله عز وجل: * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * وقال * (إن
الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) *.
وقال: * (وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى) *. ولك أن تقول معناه يعاملون الله معاملة المخادع كما يدل عليه ما رواه
العياشي عن الصادق (عليه السلام) إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل فيما
النجاة غدا؟ قال: إنما النجاة ان لا تخادعوا الله فيخدعكم فان من يخادع الله
يخدعه ويخلع منه الايمان ونفسه يخدع لو يشعر. قيل له: وكيف يخادع الله؟
قال: يعمل ما أمره الله عز وجل ثم يريد به غيره فاتقوا الله والرياء فإنه شرك بالله.
وما يخدعون: وما يضرون بتلك الخديعة، وقرئ يخادعون.
إلا أنفسهم: فإن الله غني عنهم وعن نصرتهم ولولا امهاله لهم لما قدروا
على شئ من فجورهم وطغيانهم.
وما يشعرون: أن الأمر كذلك وأن الله يطلع نبيه على نفاقهم وكذبهم
وكفرهم ويأمره بلعنهم في لعنة الظالمين.
95

(10) في قلوبهم مرض: قيل نفاق وشك وذلك لأن قلوبهم تغلي على النبي
والوصي والمؤمنين حقدا وحسدا وغيظا وحنقا وفي تنكير المرض وإيراد الجملة
ظرفية إشارة إلى استقراره ورسوخه وإلا لقال قلوبهم مرضى.
فزادهم الله مرضا: بحيث تاهت له قلوبهم.
ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون.
أقول: أي عذاب مؤلم يبلغ إيجاعه غاية البلوغ بسبب كذبهم أو تكذيبهم
على اختلاف القراءة فان وصف العذاب بالأليم إنما يكون للمبالغة وهو العذاب
المعد للمنافقين وهو أشد من عذاب الكافرين لأن المنافقين في الدرك الأسفل من
النار.
(11) وإذا قيل لا تفسدوا في الأرض: باظهار النفاق لعباد الله
المستضعفين فتشوشوا عليهم دينهم وتحيروهم في مذاهبهم.
قالوا إنما نحن مصلحون: لأنا لا نعتقد دينا فنرضى محمدا (صلى الله عليه
وآله وسلم) في الظاهر ونعتق أنفسنا من رقه في الباطن وفي هذا صلاح حالنا.
(12) ألا إنهم هم المفسدون: بما يفعلون في أمور أنفسهم لأن الله يعرف
نبيه نفاقهم فهو يلعنهم ويأمر المسلمين بلعنهم ولا يثق بهم أيضا أعداء المؤمنين
لأنهم يظنون أنهم ينافقونهم أيضا كما ينافقون المؤمنين فلا يرتفع لهم عندهم منزلة
ولهذا رد عليهم أبلغ رد (1).
ولكن لا يشعرون.
(13) وإذا قيل لهم: قال لهم خيار المؤمنين:
آمنوا: قيل هو من تمام النصح والإرشاد فان كمال الايمان إنما هو

(1) وما روته العامة أن سلمان (رضي الله عنه) قال: إن أهل هذه الآية لم يأتوا بعد فلعله أراد أن الأصل فيها
المسمون زورا بخلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم لم يأتوا بإفسادهم بعد هذا كان قوله هذا قبل وفاة النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) وإلا فأراد به أن أهلها ليس الذين كانوا فقط بل وسيكون من بعد أو من حاله حالهم. منه قدس سره.
96

بالإعراض عما لا ينبغي المقصود من قوله: لا تفسدوا والاتيان بما ينبغي المطلوب
بقوله آمنوا كما آمن الناس: المؤمنون كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار، وقيل أي
الكاملون في الانسانية العاملون بمقتضى العقل أي آمنوا إيمانا مقرونا بالإخلاص
مبرأ عن شوائب النفاق، قالوا: في الجواب لمن يفيضون إليه لا لهؤلاء المؤمنين
فإنهم لا يجسرون على مكاشفتهم بهذا الجواب، أنؤمن كما آمن السفهاء المذلون
أنفسهم لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى إذا اضمحل أمره أهلكهم أعداؤه.
ألا إنهم هم السفهاء الأخفاء العقول والآراء الذين لم ينظروا حق النظر فيعرفوا نبوته
وثبوت أمره وصحة ما ناطه بوصيه من أمر الدين والدنيا فبقوا خائفين من محمد
(صلى الله عليه وآله) وأصحابه ومن مخاليفهم ولا يأمنون أيهم يغلب فيهلكون معه
فان كلا من الفريقين يقدر ان نفاقهم معه كنفاقهم مع الآخر ولكن لا يعلمون ان
الأمر كذلك وأن الله يطلع نبيه على أسرارهم فيخسئهم ويسقطهم.
(14) وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا: بيان لمعاملتهم مع المؤمنين والكفار
بعد بيان مذهبهم وتمهيد نفاقهم فإنهم كانوا يظهرون الايمان لسلمان وأبي ذر
ومقداد وعمار وإذا خلوا إلى شياطينهم أخدانهم من المنافقين المشاركين لهم في
تكذيب الرسول قالوا إنا معكم أي في الدين والاعتقاد كما كنا إنما نحن مستهزؤن
بالمؤمنين.
(15) الله يستهزئ بهم يجازيهم جزاء من يستهزئ به اما في الدنيا فباجراء
أحكام المسلمين عليهم وأمره الرسول بالتعريض لهم حنى لا يخفى من المراد
بذلك التعريض واما في الآخرة فبما روي أنه يفتح لهم وهم في النار بابا إلى الجنة
فيسرعون نحوه فإذا صاروا إليه سد عليهم الباب وذلك قوله تعالى: فاليوم الذين
آمنوا من الكفار يضحكون، رواه العامة.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) ما يقرب من معناه في حديث طويل،
ويمدهم يمهلهم ويتأتى بهم برفقه ويدعوهم إلى التوبة ويعدهم إذا أنابوا المغفرة
في طغيانهم قيل في التعدي عن حدهم الذي كان ينبغي أن يكونوا عليه يعمهون لا
97

يرعوون عن قبيح ولا يتركون أذى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، قيل تعمي
قلوبهم والعمه عمى القلب وهو التحير في الأمر.
(16) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى: باعوا دين الله واعتاضوا منه
الكفر بالله فما ربحت تجارتهم ما ربحوا في تجارتهم في الآخرة لأنهم اشتروا النار
وأصناف عذابها بالجنة التي كانت معدة لهم لو آمنوا وما كانوا مهتدين إلى الحق
والصواب.
أقول: ولا لطرق التجارة لأن المقصود منها سلامة رأس المال والربح
وهؤلاء أضاعوا رأس مالهم الذي هو الفطرة السليمة بما اعتقدوه من الضلالات ولم
يربحوا.
(17) مثلهم حالهم العجيبة قيل إنما يضرب الله الأمثال للناس في كتبه لزيادة
التوضيح والتقرير فإنها أوقع في القلب وأقمع للخصم الألد لأنها تري المتخيل
محققا والمعقول محسوسا كمثل الذي استوقد نارا (1) طلب سطوع النار ليبصر بها
ما حوله فلما أضائت ما حوله قيل أي النار ما حول المستوقد أو استضاءت
الأشياء
التي حوله ان جعلت أضاءت لازمة ذهب الله بنورهم بارسال ريح أو مطر أطفأها
وذلك أنهم أبصروا بظاهر الإيمان الحق والهدى وأعطوا أحكام المسلمين من حقن
الدم وسلامة المال فلما أضاء إيمانهم الظاهر ما حولهم أماتهم الله وصاروا في
ظلمات عذاب الله في الآخرة لا يرون منها خروجا ولا يجدون عنها محيصا وتركهم
في ظلمات لا يبصرون في العيون عن الرضا (عليه السلام) إن الله لا يوصف بالترك
كما يوصف خلقه ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلال منعم
المعاونة واللطف وخلى بينهم وبين اختيارهم.
(18) صم بكم عمى: يعني في الآخرة كما قال عز وجل: * (ونحشرهم

(1) قيل يعني بنور المستوقدين إن جعلت جواب لما وبنور المنافقين إن جعلت مستأنفا أو بدلا أو يكون جواب لما
محذوفا للإيجاز ومن الالتباس كما في قوله تعالى: فلما ذهبوا به، وإنما لم يقل بنارهم على الأول لأن المقصود من ايقادها
النور. منه قدس سره.
98

على وجوههم عميا وبكما وصما) *.
أقول: وفي الدنيا أيضا عما يتعلق بالآخرة من العلوم والمعارف ولذلك
يحشرون يومئذ كذلك قال الله تعالى: * (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا
يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها) * يعني أمور الآخرة في الدنيا. وقال أيضا
* (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) * وقال أيضا
* (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) *.
فهم لا يرجعون عن الضلالة إلى
الهدى.
(19) أو كصيب (1): قيل يعني أو مثل ما خوطبوا به من الحق والهدى كمثل
مطر إذ به حياة القلوب كما بالمطر حياة الأرض من السماء من العلو.
فيه ظلمات مثل للشبهات والمصيبات المتعلقة به ورعد وبرق مثل للتخويف
والوعيد والآيات الباهرة المتضمنة للتبصير والتسديد يجعلون أصابعهم في آذانهم
من الصواعق حذر الموت لئلا يخلع (2) الرعد أفئدتهم أو ينزل البرق بالصاعقة
عليهم فيموتوا فان هؤلاء المنافقين فيما هم فيه من الكفر والنفاق كانوا يخافون أن
يعثر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على كفرهم ونفاقهم فيقتلهم أو يستأصلهم فإذا
سمعوا منه لعنا أو وعيدا لمن نكث البيعة جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا
فيتغير ألوانهم فيعرف المؤمنون أنهم المعنيون بذلك والله محيط بالكافرين مقتدر
عليهم لو شاء أظهر لك نفاق منافقيهم وأبدى لك أسرارهم وأمرك بقتلهم.
(20) يكاد البرق يخطف أبصرهم يذهب: بها وذلك لأن هذا مثل قوم
ابتلوا ببرق فنظروا إلى نفس البرق ولم يغضوا عنه أبصارهم ولم يستروا منه
وجوههم لتسلم عيونهم من تلألؤه ولم ينظروا إلى الطريق الذي يريدون أن
يتخلصوا فيه بضوء البرق فهؤلاء المنافقون يكاد ما في القرآن من الآيات المحكمة

(1) صيب: فيعل من الصوب بمعنى النزول يقال للمطر والسحاب، منه قدس سره.
(2) الصاعقة: قصفة رعد هايل معها نار تمر بشئ الا حرقته من الصعق وهو شدة الصوت. (منه)
99

ويجحدون الحق فيها يبطل عليهم سائر ما عملوه من الأشياء التي يعرفونها فان من
جحد حقا أداه ذلك إلى أن يجحد كل حق فصار جاحده في بطلان سائر الحقوق
عليه كالناظر إلى جرم الشمس في ذهاب نور بصره كلما أضاء لهم ظهر لهم ما
اعتقدوه انه الحجة مشوا فيه وهؤلاء المنافقون إذا رأوا ما يحبون في دنياهم فرحوا
ببيعتهم ويتمنوا باظهار طاعتهم وإذا أظلم عليهم قاموا وقفوا وتحيروا وهؤلاء
المنافقين إذا رأوا في دنياهم ما يكرهون وقفوا وتشاءموا ببيعتهم التي بايعوها قيل
: مثل اهتزازهم لما يلمع لهم من رشد يدركونه أو رفد يتطلع إليه أبصارهم بمشيهم
في مطرح ضوء البرق كلما أضاء لهم وتحيرهم وتوقفهم في الأمر حين تعرض لهم
شبهة أو تعن لهم مصيبة بتوقفهم إذا أظلم عليهم [وإنما قال: مع
الا ظلام إذا] لأنهم حراص على المشي كلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ولا كذلك
التوقف ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم حتى لا يتهيأ لهم الاحتراز من أن
تقف على كفرهم أنت وأصحابك فتوجب قتلهم إن الله على كل شئ قدير لا
يعجزه شئ.
(21) يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم
تتقون: قيل لما عدد فرق المكلفين وذكر خواصهم ومصارف أمورهم أقبل عليهم
بالخطاب على سبيل الالتفات هزا للسامع وتنشيطا له واهتماما بأمر العبادة وتفخيما
لشأنها وجبرا لكلفة العبادة واهتماما بلذة المخاطبة.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) لها وجهان أحدهما خلقكم وخلق الذين من
قبلكم لتتقوا كما قال: * (وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون) * والوجه الآخر
* (اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم) * أي اعبدوه لعلكم تتقون النار
ولعل (1) من الله واجب لأنه أكرم من أن يعني عبده بلا منفعة ويطمعه في فضله ثم
يخيبه.
أقول: لعلكم على الوجه الأول يتعلق بخلقكم ويراد بالتقوى العبادة وعلى

(1) لعل وعسى وسوف في مواعيد الملوك يكون كالجزم بها وإنما أطلقت إظهارا لوقارهم وإشعارا بأن الرمز منهم
كالصريح من غيرهم وعليه جرى وعد الله ووعيده. منه قدس الله.
100

الوجه الثاني يتعلق باعبدوا ويراد بالتقوى الحذر، نبه (عليه السلام) بقوله: لها
وجهان على أن القرآن ذو وجوه وان حمله على الجمع صحيح ويأتي نظائره في
كلامهم (عليهم السلام) وكون الكلام ذا وجوه مما يزيد في بلاغته ولطافته.
(22) الذي جعل لكم الأرض فراشا جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة
لأجسادكم مطاوعة لحرثكم ودفن موتاكم لم يجعلها شديدة الحمى
والحرارة فتحرقكم ولا شديدة البرودة فتجمد كم ولا شديدة طيب الريح فتصدع
هاماتكم ولا شديدة النتن فتعطبكم ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ولا شديدة
الصلابة فتمتنع عليكم في حرثكم وأبنيتكم ودفن موتاكم ولكنه جعل فيها من
المتانة ما تنتفعون به وتتماسكون وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم وجعل فيها من
اللين ما تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم والسماء بناء سقفا من فوقكم
محفوظا يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم وأنزل من السماء ماء: يعني
المطر ينزله من على ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم (1) وأوهادكم ثم فرقه
رذاذا ووابلا وهطلا وطلا لتنشفه أرضوكم ولم يجعل نازلا عليكم قطعة واحدة
فيفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم، وعن النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) أنه قال: (ينزل مع كل قطرة ملك يضعها في موضعها الذي أمره به ربه عز
وجل) فأخرج به من الثمرات رزقا لكم.
أقول: لمطعمكم ومشربكم وملبسكم وسائر منافعكم فلا تجعلوا لله أندادا
أشباها وأمثالا من الأصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ولا تقدر على شئ
وأنتم تعلمون (2) أنها لا تقدر على شئ من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم
ربكم.
(23) وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا: حتى تجحدوا أن يكون محمد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن يكون هذا المنزل عليه كلامي مع إظهاري عليه

(1) الهضبة ما يقابل الوهدة، والرذاذ المطر الضعيف، والوابل المطر الشديد، والهطل تتابع المطر، والطل:
أضعف المطر، منه قدس سره.
(2) قيل والمعنى وأنتم من أهل العلم والنظر. منه قدس سره.
101

بمكة من الآيات الباهرات كالغمامة المظللة عليه والجمادات المسلمة عليه وغير ذلك
فأتوا بسورة من مثله من مثل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل منكم لا يقرأ ولا
يكتب ولا يدرس كتابا ولا اختلف إلى عالم ولا تعلم من أحد وأنتم تعرفونه في
أسفاره وحضره بقي كذلك أربعين سنة ثم أوتي جوامع العلم حتى علم علم الأولين
والآخرين أو من مثل (1) هذا القرآن من الكتب السالفة في البلاغة والنظم.
في الكافي عن الكاظم (عليه السلام) ما معناه أنه لما كان الغالب على أهل
عصره الخطب والكلام أتاهم الله من مواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم وأثبت به
الحجة عليهم كما أتى قوم موسى (عليه السلام) ما أبطل به سحرهم إذ كان الغالب
عليهم السحر وقوم عيسى (عليه السلام) الطب وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص
إذ كان الغالب عليهم الزمانات وادعوا شهداءكم من دون الله أصنامكم التي
تعبدونها أيها المشركون وشياطينكم أيها اليهود والنصارى وقرناءكم (2) الملحدين يا
منافقي المسلمين من النصاب لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الطيبين الذين
يشهدون بزعمكم أنكم محقون وتزعمون أنهم شهداؤكم عند رب العالمين
بعبادتكم ويشفعون لكم إليه ليشهدوا لكم أن ما أتيتم مثله قيل أو لينصرونكم على
معارضته كما في قوله تعالى: * (قل لئن اجتمعت الجن والإنس على أن يأتوا بمثل
هذا القران لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * فان الشهيد جاء بمعنى
الامام والناصر والقائم بالشهادة والتركيب للحضور حسا أو خيالا إن كنتم صادقين
بأن محمدا (صلى الله عليه وآله) تقوله من تلقاء نفسه لم ينزله الله عليه.
(24) فإن لم تفعلوا هذا الذي تحديتكم به أيها المقرعون بحجة رب
العالمين ولن تفعلوا ولا يكون هذا منكم ابدا ولن تقدروا عليه فاتقوا النار التي
وقودها حطبها الناس والحجارة حجارة الكبريت لأنها أشد الأشياء حرا.
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام): لقد مررنا مع رسول الله

(1) هذا الترديد في التفسير أيضا مما ينبه على أن القرآن ذو وجوه وان حمله على جميع الوجوه صحيح حق وليس من
قبيل التردد كما يقع في كلام سائر المفسرين، حاشاهم عن ذلك. منه قدس سره.
(2) هذا مما لفق من موضعين من تفسير الإمام (عليه السلام). منه قدس سره.
102

(صلى الله عليه وآله) بجبل وإذا الدموع تسيل من بعضه فقال: ما يبكيك يا جبل؟
قال: يا رسول الله كان المسيح مر بي وهو يخوف الناس بنار وقودها الناس
والحجارة فانا أن أكون من تلك الحجارة. قال (ص): (لا تخف تلك
حجارة الكبريت) فقر الجبل وسكن وهدء. وقيل المراد بها الأصنام التي نحتوها
وقرنوا بها أنفسهم وعبدوها طمعا في شفاعتها، كما في قوله تعالى: * (إنكم وما
تعبدون من دون الله حصب جهنم) *.
القمي عن الصادق (ع) قال إن ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم
وقد أطفئت سبعين مرة بالماء ثم التهبت ولولا ذلك ما استطاع آدمي أن يطفأها وإنها
ليؤتى بها يوم القيامة حتى توضع على النار فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرب ولا
نبي مرسل الا جثا على ركبتيه فزعا من صرختها أعدت للكافرين المكذبين بكلامه
ونبيه.
(25) وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من
تحتها: من تحت أشجارها ومساكنها الا نهر روي أنها نزلت في علي وحمزة
وجعفر وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب.
أقول: وهذا لا ينافي عموم حكمها كما دريت كلما رزقوا منها من تلك
الجنات من ثمرة من ثمارها رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا فأسماؤه
كأسمائه ولكنها في غاية الطيب غير مستحيل إلى ما يستحيل إليه ثمار الدنيا من
العذرة والصفراء والسوداء والدم إلا العرق الذي يجري في أعراضهم أطيب ريحا من المسك.
أقول: العرض بالكسر الجسد.
وأتوا به متشابها يشبه بعضه بعضا بأنها كلها خيار لا رذل فيها وبأن كل صنف
منها في غاية الطيب واللذة ليست كثمار الدنيا التي بعضها ني وبعضها متجاوز لحد
النضج والادراك إلى حد الفساد من حموضة ومرارة وسائر صنوف المكاره
ومتشابهات أيضا متفقات الألوان مختلفات الطعوم.
103

أقول: لما كان المعرفة في الدنيا بذر المشاهدة في الآخرة جاز أن يكون
أشير الذي رزقنا من قبل لأهل المعرفة إلى ثمرة علومهم ومعارفهم التي
صارت عينا وعيانا.
ولهم فيها أزواج مطهرة من الحيض والنفاس وسائر أنواع الأقذار لفواحش
لا ولاجات ولا خراجات ولا دخالات ولا ختالات ولا متغايرات ولا لأزواجهن
فركات ولا صخابات (1) ولا عيابات ولا نخاسات ومن كل العيوب والمكاره
بريئات.
أقول: الولاجات والخراجات اللواتي يكثرن الظرف والاختيار والدخالات
الغاشات والختالات الخداعات والمتغايرات من الغيرة وفركات مبغضات
والصخابات الصياحات والعيابات من العيب والنخاسات الدفاعات.
وفي الفقيه عن الصادق (عليه السلام) لا يحضن ولا يحدثن.
وهم فيها خلدون: لأن نياتهم في الدنيا لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا
فبالنيات خلدوا كذا في العلل عن الصادق (عليه السلام).
(26) إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا: للحق يوضحه به لعباده
المؤمنين، ما ما هو المثل.
أقول: يعني أي مثل كان فان ما لزيادة الإيهام والشيوع في النكرة بعوضة
فما فوقها وهو الذباب رد بذلك على من طعن في ضربه الأمثال بالذباب والعنكبوت
وبمستوقد النار والصيب في كتابه.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) إنما ضرب الله المثل بالبعوضة لأنها
على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق الله في الفيل مع كبره وزيادة
عضوين آخرين فأراد الله أن ينبه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعه.
فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم إنه المثل المضروب الحق من

(1) بالمهملة ثم المعجمة ثم الموحدة. منه قدس سره.
104

ربهم أراد به الحق وإبانته والكشف عنه وإيضاحه.
أقول: يعني يعلمون أن المعتبر في المثل أن يكون على وفق الممثل له في
الصغر والعظم والخسة والشرف ليبينه ويوضحه حتى يصير في صورة المشاهد
المحسوس دون الممثل.
وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا أي شئ أراد به من جهة
المثل يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا قيل هو جواب ماذا أي إضلال كثير بسبب
إنكاره وهداية كثير من جهة قبوله فهو يجري مجرى البيان للجملتين المتقدمتين
يعني أن كلا الفريقين موصوف بالكثرة ولسببيته لهما نسبا إليه.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) يعني: يقول الذين كفروا لا معنى للمثل لأنه
وإن نفع به من يهديه فهو يضر به من يضل به فرد الله عليهم قولهم فقال: وما يضل
به إلا الفاسقين الخارجين عن دين الله الجانين على أنفسهم بترك تأمله وبوضعه
على خلاف ما أمر الله بوضعه عليه.
(27) الذين ينقضون عهد الله: المأخوذ عليهم لله بالربوبية ولمحمد (صلى
الله عليه وآله) بالنبوة ولعلي (عليه السلام) بالإمامة ولشيعتهما بالكرامة من بعد ميثاقه
إحكامه وتغليظه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل من الأرحام والقرابات أن
يتعاهدوهم ويقضوا حقوقهم وأفضل رحم وأوجبهم حقا رحم محمد (صلى الله عليه
وآله وسلم) فان حقهم بمحمد (صلى الله عليه وآله) كما أن حق قرابات الانسان بأبيه
وأمه ومحمد أعظم حقا من أبويه وكذلك حق رحمه أعظم وقطيعته أقطع وأفضح.
أقول: ويدخل في الآية التفريق بين الأنبياء والكتب في التصديق وترك
موالاة المؤمنين وترك الجمعة والجماعات المفروضة وسائر ما فيه رفض خير أو
تعاطي شر فإنه يقطع الوصلة بين الله وبين العبد التي هي المقصودة بالذات من كل
وصل وفصل. ويفسدون في الأرض بسبب قطع ما في وصله نظام العالم
وصلاحه أولئك هم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم بما صاروا إلى النيران وحرموا
الجنان فيالها من خسارة ألزمتهم عذاب الأبد وحرمتهم نعيم الأبد.
105

(28) كيف تكفرون بالله الخطاب لكفار قريش واليهود وكنتم أمواتا في
أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم فأحياكم أجرى فيكم الروح وأخرجكم أحياء ثم
يميتكم في هذه الدنيا ويقبر كم ثم يحييكم في القبور وينعم فيها المؤمنين ويعذب
الكافرين ثم إليه ترجعون في الآخرة بأن تموتوا في القبور بعد الاحياء ثم تحيوا
للبعث يوم القيامة ترجعون إلى ما وعدكم من الثواب على الطاعات إن كنتم فاعليها
ومن العقاب على المعاصي إن كنتم مقارفيها.
(29) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا: قال أمير المؤمنين (عليه
السلام) خلق لكم لتعتبروا به وتتوصلوا به إلى رضوانه وتتوقوا من عذاب نيرانه ثم
استوى (1) إلى السماء أخذ في خلقها واتقانها فسواهن وقيل عدلهن مصونة عن
العوج والقصور والضمير مبهم يفسره ما بعده سبع سماوات وهو بكل شئ عليم
ولهذا خلق ما خلق كما خلق لصالحكم على حسب ما اقتضته الحكمة.
(30) وإذ قال ربك للملا كانوا في الأرض مع إبليس وقد طردوا
عنها الجن بني الجان وخففت العبادة (2).
والقمي عن الصادق (عليه السلام) إن إبليس كان بين الملائكة يعبد الله في
السماء وكانت الملائكة تظنه منهم ولم يكن منهم وذلك أن الله خلق خلقا قبل آدم
وكان إبليس حاكما فيهم فأفسدوا في الأرض وعتوا وسفكوا بغير حق فبعث الله
عليهم الملائكة فقتلوهم وأسروا إبليس ورفعوه معهم إلى السماء فكان مع الملائكة
يعبد الله إلى أن خلق الله آدم فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم وظهر ما كان من
حسد إبليس له واستكباره علمت الملائكة أنه لم يكن منهم، وقال إنما دخل في
الأمر لكونه منهم بالولاء ولم يكن من جنسهم.

(1) من قولهم استوى إليه كالسهم المرسل إذا قصده قصدا مستويا من غير أن يلوي على شئ. منه قدس سره.
(2) يحتمل كون البناء للفاعل والعبادة مفعولا والضمير المستتر للجان بني الجان يعني قد طردهم الملائكة في حال
إفسادهم في الأرض وتخفيفهم وتحقيرهم للعبادة وعدم اعتنائهم بها أو تقليلهم للعبادة بالنسبة إلى سابق الزمان وللمفعول
والعبادة نائب الفاعل والفاعل الحقيقي أيضا الجن بني الجان بأحد المعنيين أو للمفعول ونائب الفاعل مستتر يرجع إلى
الملائكة والعبادة منصوب على أنه مفعول ثان أي وقد خفف الله على الملائكة العبادة بالنسبة إلى عبادتهم في عالم الملكوت.
منه قدس سره.
106

والعياشي عنه (عليه السلام) أنه سئل عن إبليس أكان من الملائكة أو هل يلي
شيئا من أمر السماء؟ قال: لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء
وكان من الجن وكان مع الملائكة وكانت الملائكة ترى أنه منها وكان الله يعلم أنه
ليس منها فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان.
وفي الكافي: عنه (عليه السلام) مثله إلى قوله ولم يكن يلي شيئا من أمر
السماء وزاد بعده ولا كرامة إني جاعل في الأرض خليفة بدلا منكم ورافعكم منها
فاشتد ذلك عليهم لأن العبادة عند رجوعهم إلى السماء تكون أثقل عليهم.
وفي رواية خليفة تكون حجة لي في أرضي على خلقي كما يأتي قالوا أتجعل
فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء كما فعلته الجن بني الجان الذين قد طردناهم عن
هذه الأرض ونحن نسبح بحمدك ننزهك عما لا يليق بك من الصفات ونقدس لك
نطهر أرضك ممن يعصيك. قال إني أعلم ما لا تعلمون من الصلاح الكامن فيه
ومن الكفر الباطن في من هو فيكم وهو إبليس لعنه الله.
القمي عن الباقر عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، ورواه في
العلل أيضا عنه (عليه السلام) على اختلاف في ألفاظه قال: إن الله لما أراد أن يخلق
خلقا بيده وذلك بعدما مضى عن الجن والنسناس في الأرض سبعة آلاف سنة فرفع
سبحانه حجاب السماوات وأمر الملائكة أن انظروا إلى أهل الأرض من الجن
والنسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض
بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا الله تعالى وتأسفوا على الأرض ولم يملكوا
غضبهم وقالوا ربنا أنت العزيز القادر العظيم الشأن وهذا خلقك الذليل الحقير
المتقلب في نعمتك المتمتع بعافيتك المرتهن في قبضتك وهم يعصونك بمثل هذه
الذنوب ويفسدون في الأرض ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك وأنت تسمع وترى وقد
عظم ذلك علينا وأكبرناه لك، فقال جل جلاله: إني جاعل في الأرض خليفة
تكون حجة لي في أرضي على خلقي. قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها
كما أفسد هؤلاء ويسفك الدماء كما فعل هؤلاء ويتحاسدون ويتباغضون فاجعل
ذلك الخليفة منا فانا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك
107

ونقدس لك، قال تبارك وتعالى: إني أعلم ما لا تعلمون إني أريد أن أخلق خلقا
بيدي واجعل من ذريته الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين وأئمة مهديين
واجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي يهدونهم إلى طاعتي وينهونهم عن
معصيتي وأجعلهم حجة لي عليهم عذرا ونذرا وأبين النسناس عن أرضي وأطهرها
منهم وأنقل الجن المردة العصاة عن بريتي وخيرتي من خلقي وأسكنهم في الهواء وفي اقفار الأرض فلا يجاورون خلقي وأجعل بين الجن وبين نسل خلقي حجابا
ومن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم أسكنتهم مسكن العصاة وأوردتهم
مواردهم فقالت الملائكة: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا قال: فباعدهم الله عز
وجل من العرش مسيرة خمسماءة عام فلاذوا بالعرش وأشاروا بالأصابع فنظر الرب
جل جلاله إليهم ونزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال: طوفوا به ودعوا
العرش فإنه لي رضا. فطافوا به وهو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك
لا يعودون إليه أبدا ووضع الله تعالى البيت المعمور توبة لأهل السماء والكعبة توبة لأهل
الأرض فقال الله تبارك وتعالى: إني خلق (1) بشرا من صلصال من حماء مسنون
قال وكان ذلك من الله تعالى تقدمة في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم قال
فاغترف جل جلاله من الماء العذب الفرات غرفة بيمينه وكلتا يديه يمين فصلصلها
فجمدت، وقال الله جل جلاله: (منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي
الصالحين والأئمة المهديين الدعاة إلى الجنة واتباعهم إلى يوم القيامة ولا أسئل
عما أفعل وهم يسألون). ثم اغترف من الماء المالح الأجاج غرفة فصلصلها
فجمدت فقال تعالى: ومنك أخلق الفراعنة والجبابرة واخوان الشياطين والعتاة
والدعاة إلى النار وأشياعهم إلى يوم القيامة (ولا اسئل عما أفعل وهم يسألون) قال
وشرط في ذلك البداء فيهم ولم يشترط في أصحاب اليمين ثم خلط الماءين جميعا
في كفه فصلصلهما، ثم كفاهما قدام عرشه وهما سلالة من طين ثم أمر ملائكة
الجهات الشمال والجنوب والصبا والدبور أن يجولوا على هذه السلالة من الطين

(1) روى العياشي هذه الرواية في سورة الحجر من قوله: قال الله تعالى: إني خالق بشرا إلى قوله وهما سلالة من
طين. منه قدس الله سره.
108

فأبرؤوها وأنشأوها ثم جزؤ وها وفصلوها وأجروا فيها الطبائع الأربع المرتين (1) والدم
والبلغم، فجالت الملائكة عليها وأجروا فيها الطبائع الأربع فالدم من ناحية الصبا
والبلغم من ناحية الشمال والمرة الصفراء من ناحية الجنوب والمرة السوداء من
ناحية الدبور فاستقلت النسمة وكمل البدن فلزمه من جهة الريح حب النساء وطول
الأمل والحرص ومن جهة البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق ومن
جهة المرة الغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة ومن جهة الدم حب
الفساد واللذات وركوب المحارم والشهوات.
قال أبو جعفر (عليه السلام): وجدنا هذا في كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام)
وزاد القمي في روايته فخلق الله آدم (عليه السلام) وبقي أربعين سنة مصورا وكان يمر
به إبليس اللعين فيقول: لأمر ما خلقت قال العالم (عليه السلام: فقال إبليس لئن
أمرني الله بالسجود لهذا عصيته قال ثم نفخ فيه الروح وبلغت دماغه عطس عطسة
وجلس منها مستويا فقال الحمد لله فقال الله عز وجل يرحمك الله ربك يا آدم
فقال الإمام (عليه السلام) فسبقت له من الله الرحمة.
أقول: أكثر ما تضمنه هذا الحديث قد روي في أخبار كثيرة عنهم (عليهم
السلام).
وفي رواية العياشي أن الملائكة منوا على الله بعبادتهم إياه فأعرض عنهم وأنهم
قالوا في سجودهم في أنفسهم ما كنا نظن أن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا نحن
خزان الله وجيرانه وأقرب الخلق إليه فلما رفعوا رؤوسهم قال الله واعلم ما تبدون
من ردكم علي وما كنتم تكتمون من ظنكم أني لا أخلق خلقا أكرم علي منكم فلما
عرفت الملائكة أنها وقعت في خطيئة لا ذوا بالعرش وانها كانت عصابة من الملائكة
ولم يكن جميعهم. الحديث.
وعن الباقر (عليه السلام) كان ذلك تعصيا منهم فاحتجب عنهم سبع سنين

(1) والمرة إحدى الطبائع الأربع من الدم والسوداء والصفراء والبلغم والمرة: القوة وشدة العقل أيضا. صحاح
اللغة.
109

فلا ذوا بالعرش يقولون لبيك ذا المعارج لبيك حتى تاب عليهم فلما أصاب آدم
الذنب طاف بالبيت حتى قبل الله منه.
وفي الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) فغضب الله عليهم ثم سألوه التوبة
فأمرهم أن يطوفوا بالضراح (1) وهو البيت المعمور فمكثوا يطوفون به سبع سنين
يستغفرون الله مما قالوا ثم تاب الله عليهم من بعد ذلك ورضي عنهم فكان هذا
أصل الطواف ثم جعل الله البيت الحرام حذاء الضراح توبة لمن أذنب من بني آدم
وطهورا لهم.
وفي العلل عن الصادق (عليه السلام) فحجبهم عن نوره سبعة (2) آلاف عام
فلا ذوا بالعرش سبعة آلاف سنة فرحمهم وتاب عليهم وجعل لهم البيت المعمور
الذي في السماء الرابعة فجعله مثابة لهم وأمنا ووضع البيت الحرام تحت البيت
المعمور فجعله مثابة للناس وأمنا فصار الطواف سبعة أشواط أوجب على العباد
لكل ألف سنة شوطا.
أقول: لا منافاة بين السبع سنين وسبعة آلاف عام لأن مدة السنين والأيام
تختلف باختلاف النشئات والعوالم، قال الله تعالى: (في يوم كان مقداره
خمسين ألف سنة) وقال (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) فيجوز أن
يكون تارة عده بسني نشأة وأخرى بسني أخرى.
(31) وعلم آدم الا سماء كلها ثم (3) القمي قال (ع) أسماء الجبال والبحار
والأودية والنبات والحيوان.
وفي المجمع والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل ماذا علمه قال
الأرضين والجبال والشعاب والأودية ثم نظر إلى بساط تحته فقال وهذا البساط مما
علمه.

(1) الضراح بضم الضاد المعجمة ثم الراء ثم الحاء المهملتين. منه قدس الله سره.
(2) لعل السبعة آلاف سنة كناية عن عمر الدنيا فإن في هذه المدة يتكامل هذا النوع وينال الملائكة المسخرون له
قسطهم من الكمال ولعل البيت المعمور كناية عن ملكوت قلوب الأولياء وروحا نيتها (منه).
(3) في العلل عن الصادق (عليه السلام) إنما سمي آدم آدم لأنه خلق من أديم الأرض. منه قدس سره.
110

وفي تفسير الامام عن السجاد (عليه السلام) علمه أسماء كل شئ، وفيه أيضا
أسماء أنبياء الله وأوليائه وعتاة أعدائه.
أقول: تحقيق المقام والتوفيق بين روايتي الامام يقتضي بسطا من الكلام
وذكر نبذ من الأسرار فنقول وبالله التوفيق ليس المراد بتعليم الأسماء تعليم الألفاظ
الدلالة على معانيها فحسب كيف وهو يرجع إلى تعليم اللغة وليس هو علما يصلح
لأن يتفاخر به على الملائكة ويتفضل به عليهم بل المراد بالأسماء حقائق
المخلوقات الكائنة في عالم الجبروت المسماة عند طائفة بالكلمات وعند قوم
بالأسماء وعند آخرين بالعقول.
وبالجملة: أسباب وجود الخلائق وأرباب أنواعها التي بها خلقت وبها قامت
وبها رزقت فإنها أسماء الله تعالى لأنها تدل على الله بظهورها في المظاهر دلالة
الاسم على المسمى فان الدلالة كما تكون بالألفاظ كذلك تكون بالذوات من غير
فرق بينهما فيما يؤول إلى المعنى وأسماء الله لا تشبه أسماء خلقه وإنما أضيفت
في الحديث تارة إلى المخلوقات كلها لأن كلها مظاهرها التي فيها ظهرت صفاتها
متفرقة وأخرى إلى الأولياء والأعداء لأنهما مظاهرها التي فيها ظهرت صفاتها
مجتمعة أي ظهرت صفات اللطف كلها في الأولياء وصفات القهر كلها في الأعداء
وإلى هذا أشير في الحديث القدسي الذي يأتي ذكره في تفسير آية سجود الملائكة
لآدم (عليه السلام) من قوله سبحانه: يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا الحميد المحمود في فعالي شققت له اسما من
اسمي وهذا علي وأنا العلي العظيم شققت له اسما من اسمي، إلى آخر ما ذكر من
هذا القبيل فان معنى الاشتقاق في مثل هذا يرجع إلى ظهور الصفات وانباء المظهر
عن الظاهر فيه أو هما سببان للاشتقاق أو مسببان عنه وإنما يقول بالسببية من لم
يفهم العينية، والمراد بتعليم آدم الأسماء كلها خلقه من أجزاء مختلفة وقوى متباينة
حتى استعد لا دراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات والمتخيلات
والموهومات والهامة معرفة ذوات الأشياء وخواصها وأصول العلم وقوانين
الصناعات وكيفية آلاتها والتمييز بين أولياء الله وأعدائه فتأتي له بمعرفة ذلك كله
111

مظهريته لأسماء الله الحسنى كلها وبلوغه مرتبة أحدية الجمع التي فاق بها سائر
أنواع الموجودات ورجوعه إلى مقامه الأصلي الذي جاء منه وصار منتخبا لكتاب الله
الكبير الذي هو العالم الأكبر كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): وفيك انطوى
العالم الأكبر.
ان قلت: ما نفقه كثيرا مما تقول فهب أن المراد بالأسماء الحقائق فأي
مناسبة بين تعليم آدم أسماء المخلوقات وبين خلقه مختلف القوى والأجزاء والهامة
معرفة ذوات
الأشياء والتمييز بين الأولياء والأعداء فهل لك من تبيان أو تستطيع
الإتيان فيه بسلطان على أن ينحل به هذا اللغز والمعمى أو ينجلي به عن البصائر
العمة والعمى.
قلت: لعلك نسيت ما حققناه في المقدمة الرابعة في معنى المتشابه وتأويله
أو لم تستطع إجراءه فيما نحن بسبيله فلنورد ذلك لك بتقرير آخر يكون أظهر لك
فيما نحن فيه مما قررناه هناك.
فنقول: وبالله التوفيق ان الاسم ما يدل على المسمى ويكون علامة لفهمه
فمنه ما يعتبر فيه صفة تكون في المسمى وبذلك الاعتبار يطلق عليه ومنه ما لا يعتبر
فيه ذلك فالأول يدل على الذات الموصوفة بصفة معينة كلفظ الرحمن فإنه يدل على
ذات متصفة بالرحمة ولفظ القهار فإنه يدل على ذات لها القهر إلى غير ذلك، وقد
يطلق الاسم بهذا المعنى على مظاهر صفة الذات باعتبار اتصافه بالصفة كالنبي
الذي هو مظهر هداية الله سبحانه فإنه اسم الله الهادي لعباده والأسماء الملفوظة
بهذا الاعتبار هي أسماء الأسماء.
وسئل مولانا الرضا (عليه السلام) عن الاسم ما هو؟ قال: صفة لموصوف
وهذا اللفظ يحتمل المعنيين اللفظ والمظهر وإن كان في المظهر اظهر وقد يطلق
الاسم على ما يفهم من اللفظ أي المعنى الذهني، وعليه ورد قول الصادق (عليه
السلام): من عبد الله بالتوهم فقد كفر، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك ومن
عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه ونطق
112

به لسانه في سرائره وعلانيته فأولئك هم المؤمنون حقا فان المراد بالاسم هاهنا ما
يفهم من اللفظ لا اللفظ فان اللفظ لا يعبد وبالمعنى ما يصدق عليه اللفظ فالاسم
معنى ذهني والمعنى موجود عيني وهو المسمى والاسم غير المسمى لأن الانسان
مثلا في الذهن ليس بانسان ولا له جسمية ولا حياة ولا حس ولا حركة ولا نطق ولا
شئ من خواص الإنسانية فتدبر فيه تفهم معنى الحديث ومن الله الإعانة. إذا تمهد
هذا فاعلم أن لكل اسم من الأسماء الله الإلهية مظهرا من الموجودات باعتبار غلبة
ظهور الصفة التي اشتمل عليها ذلك الاسم فيه وهو اسم باعتبار دلالته على الله من
جهة اتصافه بتلك الصفة وذلك لأن الله سبحانه إنما يخلق ويدبر كل نوع من أنواع
الخلائق باسم من أسمائه وذلك الاسم هو رب ذلك النوع والله سبحانه رب
الأرباب.
وإلى هذا أشير في كلام أهل البيت (عليهم السلام) في أدعيتهم (عليهم السلام)
بقولهم وبالاسم الذي خلقت به العرش وبالاسم الذي خلقت به الكرسي وبالاسم
الذي خلقت به الأرواح إلى غير ذلك من هذا النمط،
وعن مولانا الصادق (عليه
السلام) نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا
وذلك لأنهم (عليه السلام) وسائل معرفة ذاته ووسائط ظهور صفاته وأرباب أنواع
مخلوقاته ولا يحصل لأحد العلم بالأسماء كلها إلا إذا كان مظهرا لها كلها ولا يكون
مظهرا لها كلها إلا إذا كان في جبلته استعداد قبول ذلك كله وهو ما ذكرناه فافهم
ترشد إن شاء الله.
ثم عرضهم على الملائكة:
أقول: أي عرض أشباح المخلوقات فردا فردا في عالم الملكوت المسمى
عند قوم بعالم الروحانيات المدلول عليها بذكر الأسماء إذ هي مظاهر الأسماء كلها
أو بعضها ولهذا أورد بضمير ذوي العقول لأنهم كلهم ذوو عقل، وفي الرواية
الأخيرة أي عرض أشباحهم وهم أنوار في الأظلة وهو صريح فيما قلناه.
فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء
113

أقول: يعني بأسماء الله التي بها خلقت هذه الأشباح فإنها بتمامها كانت
مستورة على الملائكة الأرضية الا نوعا واحدا لكل صنف منهم كما أنها مستورة
على سائر المخلوقات سوى الأنبياء والأولياء.
إن كنتم صادقين: بأنكم أحقاء بالخلافة من آدم وأن جميعكم تسبحون
وتقدسون وأن ترككم هاهنا أصلح من إيراد من بعدكم أي فكما لم تعرفوا غيب من
في خلالكم ممن ترون أشخاصها فبالحري أن لا تعرفوا الغيب الذي لم يكن.
(32) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم بكل شئ
الحكيم المصيب بكل فعل.
أقول: وإنما اعترفوا بالعجز والقصور لما قد بان لهم من فضل آدم ولا حت
لهم الحكمة في خلقه فصغر حالهم عند أنفسهم وقل علمهم لديهم وانكسرت
سفينة جبروتهم فغرقوا في بحر العجز وفوضوا العلم والحكمة إلى الله وإنما لم
يعرفوا حقائق الأشياء كلها لاختلافها وتباينها وكونهم وحدانية الصفة إذ ليس في
جبلتهم خلط وتركيب ولهذا لا يفعل كل صنف منهم إلا فعلا واحدا فالراكع منهم
راكع ابدا والساجد منهم ساجد أبدا والقائم منهم قائم أبدا كما حكى الله عنهم
بقوله: * (وما منا الا له قام معلوم) * ولهذا ليس لهم تنافس وتباغض بل مثالهم مثال
الحواس فان البصر لا يزاحم السمع في إدراك الأصوات ولا الشم يزاحمهما ولا
هما يزاحمان الشم فلا جرم مجبولون على الطاعة ولا مجال للمعصية في حقهم لا
يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون فكل
صنف منهم مظهر لاسم واحد من الأسماء الإلهية لا يتعداه ففاقهم آدم بمعرفته
الكاملة ومظهريته الشاملة.
(33) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم.
أقول: يعني أخبرهم بالحقائق المكنونة عنهم والمعارف المستورة عليهم
ليعرفوا جامعيتك لها وقدرة الله تعالى على الجمع بين الصفات المتباينة، والأسماء
المتناقضة ومظاهرها بما فيها من التضاد في مخلوق واحد كما قيل: ليس على الله
114

بمستنكر أن يجمع العالم في واحد.
فلما أنبأهم بأسمائهم فعرفوها أخذ عليهم العهود والمواثيق للأنبياء والأولياء
بالإيمان بهم والتفضيل لهم على أنفسهم فعند ذلك قال ألم أقل لكم إني أعلم
غيب السماوات والأرض سرهما وأعلم ما تبدون من ردكم علي وما كنتم تكتمون
من اعتقادكم أنه لا يأتي أحد يكون أفضل منكم وعزم إبليس على الاباء على آدم أن
أمر بطاعته فجعل آدم حجة عليهم.
(34) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم وذلك لما كان في صلبه من أنوار نبينا
(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) وكانوا قد فضلوا
على الملائكة باحتمالهم الأذى في جنب الله فكان السجود لهم تعظيما وإكراما ولله
سبحانه عبودية ولآدم (عليه السلام) طاعة.
قال علي بن الحسين حدثني أبي عن أبيه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) قال: يا عباد الله إن آدم (عليه السلام) لما رآى النور ساطعا من
صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره رأى النور ولم يتبين
الأشباح فقال: يا رب ما هذه الأنوار فقال عز وجل: (أنوار وأشباح نقلتهم من
أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء
لتلك الأشباح فقال آدم يا رب لو بينتها لي فقال الله عز وجل: انظر يا آدم إلى
ذروة العرش فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان
في المرآة الصافية فرأى أشباحنا فقال ما هذه الأشباح يا رب فقال الله: يا آدم هذه
أشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وانا الحميد
المحمود في فعالي شققت له اسما من اسمي وهذا علي وأنا العلي العظيم شققت
له اسما من اسمي وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض فاطم أعدائي من
رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عما يعرهم ويشينهم فشققت لها اسما من
اسمي وهذا الحسن وهذا الحسين وأنا المحسن المجمل شققت أسميهما من
اسمي هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي بهم آخذ وبهم أعطي وبهم أعاقب وبهم
أثيب فتوسل بهم إلي يا آدم وإذا دهتك داهية فاجعله إلي شفعاءك فاني آليت على
115

نفسي قسما حقا أن لا أخيب بهم آملا ولا أرد بهم سائلا فلذلك حين زلت منه
الخطيئة دعا الله عز وجل بهم فتيب عليه وغفرت له فسجدوا إلا إبليس في المعاني
عن الرضا (عليه السلام) كان اسمه الحارث سمي إبليس لأنه ابلس من رحمة الله أبى
واستكبر أخرج ما كان في قلبه من الحسد وكان من الكافرين. في العيون عن أمير
المؤمنين (عليه السلام) أنه أول من كفر وأنشأ الكفر.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) مثله والقمي عنه (عليه السلام) الاستكبار
هو أول معصية عصي الله بها. قال (عليه السلام): فقال إبليس رب اعفني من
السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل فقال جل
جلاله لا حاجة لي في عبادتك إنما عبادتي من حيث أريد لا من حيث تريد.
(35) وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة في الكافي والعلل والقمي عن
الصادق (عليه السلام) أنها كانت من جنان الدنيا يطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت
من جنان الخلد ما خرج منها أبدا، وزاد القمي ولم يدخلها إبليس وكلا منها رغدا
واسعا حيث شئتما بلا تعب ولا تقربا هذه الشجرة العياشي عن الباقر (عليه السلام)
يعني لا تأكلا منها قيل وإنما علق النهي بالقرب الذي هو من مقدمات التناول مبالغة
في تحريمه، ووجوب الاجتناب عنه وتنبيها على أن القرب من الشئ يورث داعية
وميلانا يأخذ بمجامع القلب ويلهيه عما هو مقتضى العقل والشرع.
وفي تفسير الامام أنها شجرة علم محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
آثرهم الله تعالى بها دون سائر خلقه لا يتناول منها بأمر الله الا هم ومنها ما كان
يتناوله النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) بعد
إطعامهم المسكين واليتيم والأسير حتى لم يحسوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب
ولا نصب وهي شجرة تميزت من بين سائر الأشجار بأن كلا منها إنما يحمل نوعا
من الثمار وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البر والعنب والتين والعناب وسائر
أنواع الثمار والفواكه والأطعمة فلذلك اختلف الحاكون بذكرها، فقال بعضهم:
برة، وقال آخرون: هي عنبة، وقال آخرون: وهي الشجرة التي من
116

تناول منها بإذن الله ألهم علم الأولين والآخرين من غير تعلم ومن تناول بغير اذن الله
خاب من مراده وعصى ربه.
أقول: وفي رواية أنها شجرة الحسد، وفي رواية أخرى أنها شجرة
الكافور.
وفي العيون باسناده إلى عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا
(عليه السلام) يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني عن الشجرة التي أكل منها
آدم وحواء ما كانت فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنها الحنطة ومنهم من
يروي أنها العنب ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد فقال كل ذلك حق قلت فما
معنى هذه الوجوه على اختلافها فقال يا أبا الصلت ان شجرة الجنة تحمل أنواعا
وكانت شجرة الحنطة وفيها عنب ليست كشجرة الدنيا وإن آدم لما أكرمه الله تعالى
ذكره باسجاده ملائكة له وبادخاله الجنة قال في نفسه هل خلق الله بشرا أفضل مني
فعلم الله عز وجل ما وقع في نفسه فناداه ارفع رأسك يا آدم وانظر إلى ساق عرشي
فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة فقال آدم يا رب من هؤلاء فقال
عز وجل: هؤلاء من ذريتك وهم خير منك ومن جميع خلقي ولولاهم ما خلقتك
ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء والأرض فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد
فأخرجك عن جواري فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم فتسلط عليه الشيطان
حتى أكل من الشجرة التي نهى عنها وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة بعين
الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم فأخرجهما الله تعالى عن جنته
وأهبطهما عن جواره إلى الأرض.
أقول: كما أن لبدن الانسان غذاء من الحبوب والفواكه كذلك لروحه غذاء
من العلوم والمعارف وكما أن لغذاء بدنه أشجارا تثمرها فكذلك لروحه أشجار
تثمرها ولكل صنف منه ما يليق به من الغذاء فان من الانسان من يغلب فيه حكم
117

البدن على حكم الروح ومنه من هو بالعكس ولهم في ذلك درجات يتفاضل بها
بعضهم على بعض ولأهل الدرجة العليا كل ما لأهل الدرجة السفلى وزيادة ولكل
فاكهة في العالم الجسماني مثال في العالم الروحاني مناسب لها كما مرت الإشارة
إليه في المقدمة الرابعة.
ولهذا فسرت الشجرة تارة بشجرة الفواكه وأخرى بشجرة العلوم وكان شجرة
علم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إشارة إلى المحبوبية الكاملة المثمرة لجميع
الكمالات الإنسانية المقتضية للتوحيد المحمدي الذي هو الفناء في الله والبقاء بالله
المشار إليه بقوله (عليه السلام) لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي
مرسل فان فيها من ثمار المعارف كلها وشجرة الكافور إشارة إلى برد اليقين
الموجب للطمأنينة الكاملة المستلزمة للخلق العظيم الذي كان لنبينا (ص) ودونه
لأهل بيته (عليهم السلام) فلا منافاة بين الروايات ولا بينها وبين ما قاله أهل التأويل
انها شجرة الهوى والطبيعة لأن قربها إنما يكون بالهوى والشهوة والطبيعة وهذا معنى
ما ورد أنها شجرة الحسد فان الحسد إنما ينشأ منها فتكونا من الظالمين بمعصيتكما والتماسكما درجة قد أوثر بها غيركما إذا رمتما بغير حكم الله.
(36) فأزلهما وقرئ فأزالهما الشيطان عنها بوسوسته وخديعته وإيهامه
وعداوته وغروره بأن بدأ بآدم ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا
ملكين ان تناولتما منها تعلمان الغيب وتقدران على ما يقدر عليه من خصه الله تعالى
بالقدرة أو تكونا من الخلدين لا تموتان ابدا وقاسمهما حلف لهما أني لكما لمن
الناصحين وكان إبليس بين لحيي الحية أدخلته الجنة وكان آدم يظن أن الحية هي
التي تخاطبه ولم يعلم أن إبليس قد اختبي بين لحييها فرد آدم على الحية أيتها
الحية هذا من غرور إبليس كيف يخوننا ربنا أم كيف تعظمين الله بالقسم به وأنت
تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر وهو أكرم الأكرمين أم كيف أروم التوصل إلى ما
منعني منه ربي وأتعاطاه بغير حكمة فلما أيس إبليس من قبول آدم (ع) منه عاد ثانية
بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحية هي التي تخاطبها وقال يا
حواء أرأيت هذه الشجرة التي كان الله عز وجل حرمها عليكما فقد أحلها لكما بعد
118

تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له وتوقيركما إياه وذلك أن الملائكة الموكلين
بالشجرة التي معها الحراب يدفعون عنها سائر حيوانات الجنة لا تدفعك عنها إن
رمتها فاعلمي بذلك إنه قد أحل لك وابشري بأنك إن تناولتها قبل آدم (ع) كنت أنت
المتسلطة عليه الآمرة الناهية فوقه فقالت حواء: سوف أجرب هذا فرامت الشجرة
فأرادت الملائكة أن يدفعوها عنها بحرابها فأوحى الله إليها إنما تدفعون بحرابكم
من لا عقل له يزجره فأما من جعلته متمكنا مميزا مختارا فكلوه إلى عقله الذي
جعلته حجة عليه فان أطاع استحق ثوابي وإن عصى وخالف أمري استحق عقابي
وجزائي فتركوها ولم يتعرضوا لها بعدما هموا بمنعها بحرابهم فظنت أن الله نهاهم
عن منعها لأنه قد أحلها بعدما حرمها فقالت صدقت الحية وظنت أن المخاطب لها
هي الحية فتناولت منها ولم تنكر من نفسها شيئا فقالت لآدم (عليه السلام) ألم تعلم
أن الشجرة المحرمة علينا قد أبيحت لنا تناولت منها ولم يمنعني املاكها ولم أنكر
شيئا من حالي فلذلك اغتر آدم (عليه السلام) وغلط فتناول فأخرجهما مما كانا فيه من
النعم وقلنا يا آدم ويا حواء ويا أيتها الحية ويا إبليس اهبطوا بعضكم لبعض عدو
فآدم وحواء وولدهما عدو للحية وإبليس، وإبليس والحية وأولادهما أعداؤهم وكان
هبوط آدم وحواء والحية من الجنة فان الحية كانت من أحسن دوابها وهبوط إبليس
من حواليها فإنه كان يحرم عليه دخول الجنة.
أقول: لعله إنما يحرم عليه دخول الجنة بارزا بحيث يعرف وذلك لأنه قد
دخلها مختفيا في فم الحية ليدليهما بغرور كما ورد في حديث آخر وبهذا يرتفع التنافي
بين هذا الحديث وبين الحديث الذي مر انها لو كانت من جنان الخلد لم يدخلها
إبليس أراد به دخولها وهو في فم الحية فليتدبر.
ولكم في الأرض مستقر منزل ومقر للمعاش ومتاع منفعة إلى حين حين
الموت يخرج الله منها زروعكم وثماركم وبها ينزهكم وينعمكم وفيها بالبلايا
يمتحنكم يلذذكم بنعيم الدنيا تارة لتذكروا به نعيم الآخرة الخالص مما ينغص نعيم
الدنيا ويبطله ويزهد فيه ويصغره ويمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي تكون في خلالها
الزحمات وفي تضاعيفها النقمات ليحذركم بذلك عذاب الأبد الذي لا يشوبه عافية،
119

وفي رواية القمي: إلى حين يعني إلى يوم القيامة.
أقول: لا منافاة بين الروايتين لأن الموت هو القيامة الصغرى للأكثرين
والكبرى للآخرين، ولذا ورد من مات فقد قامت قيامته.
(37) فتلقى آدم من ربه كلمات يقولها فقالها وقرئ بنصب آدم ورفع كلمات
فتاب عليه بها إنه هو التواب الكثير القبول للتوبة الرحيم بالتائبين.
أقول: التوبة بمعنى الرجوع والإنابة فإذا نسبت إلى الله تعالى تعدت بعلى
وإذا نسبت إلى العبد تعدت بإلى ولعل الأول لتضمين معنى الاشفاق والعطف ومعنى
التوبة من العبد رجوعه إلى الله بالطاعة والانقياد بعدما عصى وعتا ومعناها من الله
رجوعه بالعطف على عبده بإلهامه التوبة أولا ثم قبوله إياها منه آخرا فلله توبتان وللعبد
واحدة بينهما قال الله: * (ثم تاب عليهم ليتوبوا) * أي ألهمهم التوبة ليرجعوا ثم إذا
رجعوا قبل توبتهم لأن هو التواب الرحيم ولهذه الآية معنى آخر يأتي في سورة التوبة
إن شاء الله.
وفي الكافي عن أحدهما (عليهما السلام) أن الكلمات * (لا إله إلا أنت سبحانك
اللهم وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي وأنت خير الغافرين لا إله إلا أنت
سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني إنك أنت
أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي
فتب على إنك التواب الرحيم) * وفي رواية: (بحق محمد وعلى وفاطمة والحسن
والحسين)، وفي أخرى: بحق محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم.)
وفي تفسير الإمام (ع) لما زلت من آدم الخطيئة واعتذر إلى ربه عز وجل قال:
يا رب تب علي واقبل معذرتي واعدني إلى مرتبتي وارفع لديك درجتي فلقد تبين
نقص الخطيئة وذلها بأعضائي وسائر بدني قال الله تعالى: يا آدم أما تذكر أمري إياك
بأن تدعوني بمحمد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك وفي النوازل التي تنهضك.
قال آدم: يا رب بلى، قال الله عز وجل: فبهم بمحمد وعلي وفاطمة والحسن
والحسين خصوصا صلوات فادعني أجبك إلى ملتمسك وأزدك فوق مرادك. فقال آدم: يا
120

رب إلهي وقد بلغ عندك من محلهم لأنك بالتوسل بهم تقبل توبتي وتغفر خطيئتي وانا
الذي أسجدت له ملائكتك وأبحته جنتك وزوجته حواء أمتك وأخدمته كرام ملائكتك.
قال الله تعالى: يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك بالسجود لك إذ كنت وعاء هذه
الأنوار ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها وأن أفطنك لدواعي عدوك
إبليس حتى تحترز منها لكنت قد جعلت ذلك ولكن المعلوم في سابق علمي يجري
موافقا لعلمي فالآن فبهم فادعني لأجيبك فعند ذلك قال آدم: اللهم بجاه محمد
وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم لما تفضلت بقبول توبتي وغفران
زلتي وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي فقال الله عز وجل: قد قبلت توبتك وأقبلت
برضواني عليك وصرفت آلائي ونعمائي إليك وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي
ووفرت نصيبك من رحماتي فذلك قوله عز وجل * (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب
عليه انه هو التواب الرحيم) *.
(38) قلنا اهبطوا منها جميعا أمروا أولا بالهبوط وثانيا بأن لا يتقدم أحدهم
الآخرين فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون:
قيل ما مزيدة لتأكيد الشرط ولذلك حسن النون وإن لم يكن فيه معنى الطلب والشرط
الثاني مع جوابه جواب للشرط الأول.
(39) والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون:
ذكر العياشي حديثا طويلا في محاجة آدم ربه في خطيئته قال في آخره:
بلى يا رب الحجة لك علينا ظلمنا أنفسنا وعصينا وإن لم تغفر لنا وترحمنا نكن من
الخاسرين، والقمي عن الصادق (عليه السلام): أن آدم هبط على الصفا وحواء على
المروة فمكث آدم أربعين صباحا ساجدا يبكي على خطيئته وفراقه للجنة قال: فنزل
جبرائيل على آدم وقال: يا آدم ألم يخلقك الله بيديه ونفخ فيك من روحه وأسجد لك
ملائكته قال: بلى قال: وأمرك أن لا تأكل من تلك الشجرة فلم عصيته فقال: يا
جبرئيل إن إبليس حلف لي بالله أنه لي ناصح وما ظننت أن أحدا خلقه الله يحلف بالله
عز وجل كاذبا. فقال له جبرائيل (عليه السلام): يا آدم تب إلى الله. وعنه (عليه السلام)
قال: سأل موسى ربه أن يجمع بينه وبين آدم فجمع فقال له موسى: يا أبت ألم
121

يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأمرك أن لا تأكل من تلك
الشجرة فلم عصيته. قال يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة قال:
بثلاثين ألف سنة قال: فهو ذلك. قال الصادق (عليه السلام): فحج آدم موسى.
وفي العيون عن الرضا (عليه السلام) أن الله تعالى قال لهما لا تقربا هذه الشجرة
وأشار لهما إلى شجرة الحنطة ولم يقل لهما ولا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من
جنسها فلم يقربا تلك الشجرة وإنما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان إليهما.
ثم قال: وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك منه بذنب كبر استحق به دخول
النار وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي إليهم
فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة. قال الله
تعالى: * (وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى وقال: أن الله اصطفى
آدم ونوحا) *، الآية.
وفي رواية ان الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده لم يخلقه
للجنة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض ليتم مقادير أمر الله عز وجل
فلما اهبط إلى الأرض وجعل حجة وخليفة عصم بقوله عز وجل: إن الله اصطفى آدم
ونوحا الآية. والقمي عن الباقر (عليه السلام) كان عمر آدم منذ خلقه الله إلى أن قبضه
تسعمائة وثلاثين سنة ودفن بمكة ونفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال ثم برأ زوجته من
أسفل أضلاعه وأسكنه جنته من يومه ذلك فما استقر فيها الاست ساعات من يومه
ذلك حتى عصى الله فأخرجهما من الجنة بعد غروب الشمس وما باتا فيها.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) ان الله تعالى نفخ في آدم روحه بعد زوال
الشمس من يوم الجمعة ثم برأ زوجته من أسفل أضلاعه الحديث كما مر، وزاد في
آخره وصيرا بفناء الجنة حتى أصبحا وبدت لهما سوأتهما فناداهما ربهما: ألم
أنهكما عن تلكما الشجرة فاستحى آدم من ربه فخضع وقال: ربنا ظلمنا أنفسنا
واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا. قال الله لهما: اهبطا من سماواتي إلى الأرض فإنه لا
يجاورني في جنتي عاص ولا في سماواتي. ثم قال (عليه السلام): إن آدم لما أكل من
122

الشجرة ذكر ما نهاه الله عنها فندم فذهب ليتنحى من الشجرة
فأخذت الشجرة برأسه
فجرته إليها وقالت له: أفلا كان فرارك من قبل أن تأكل مني.
(40) يا بني إسرائيل ولد يعقوب.
في العلل عن الصادق (عليه السلام) في حديث يعقوب هو إسرائيل ومعنى
إسرائيل (1) عبد الله لأن اسرا هو
الله اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم أن بعثت محمدا وأقررته في مدينتكم ولم
اجشمكم الحط والترحال إليه وأوضحت علاماته ودلائل صدقه كيلا يشتبه عليكم
حاله وأوفوا بعهدي الذي أخذه على أسلافكم أنبياؤهم وأمروهم أن يؤدوه إلى
أخلافهم ليؤمنن بمحمد العربي القرشي الهاشمي المبان بالآيات والمؤيد
بالمعجزات الذي من آياته علي بن أبي طالب (عليه السلام) شقيقه ورفيقه عقله من
عقله وعلمه من علمه وحلمه من حلمه مؤيد دينه بسيفه أوف بعهدكم الذي أوجبت به
لكم نعيم الأبد في دار الكرامة وإياي فارهبون في مخالفة محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) فإني القادر على صرف بلاء من يعاديكم على موافقتي فهم لا يقدرون على
صرف انتقامي عنكم إذا آثرتم مخالفتي، والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل
عن هذه الآية فقال أوفوا بولاية علي فرضا من الله أوف لكم بالجنة.
أقول: ويجري في كل عهد لله على كل أحد.
القمي: قال رجل للصادق (عليه السلام) يقول الله عز وجل: * (ادعوني
استجب لكم) * وانا ندعو فلا يستجاب لنا فقال إنكم لا تفون لله بعهده فإنه تعالى
يقول أوفوا بعهدي أوف بعهدكم والله لو وفيتم الله سبحانه لوفى لكم.
(41) وآمنوا بما أنزلت على محمد من ذكر نبوته وإمامة أخيه وعترته مصدقا لما

(1) العياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن قول الله يا بني إسرائيل فقال هم نحن خاصة. وعن النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) أنه سمع يقول انا عبدك اسمي أحمد وانا عبد الله اسمي إسرائيل فما أمره فقد أمرني وما عناه فقد
عناني. منه قدس الله سره.
123

معكم فان مثل هذا الذكر في كتابكم ولا تكونوا أول (1) كافر به قيل تعريض بأن
الواجب أن تكونوا أول من آمن به لأنهم كانوا أهل النظر في معجزاته والعلم بشأنه
والمستفتحين به والمبشرين بزمانه.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) هؤلاء يهود المدينة جحدوا بنبوة محمد (صلى
الله عليه وآله وسلم) وخانوه وقالوا نحن نعلم أن محمدا نبي وأن عليا وصيه ولكن لست
أنت ذلك ولا هذا ولكن يأتيان بعد وقتنا هذا بخمسماءة سنة.
ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا في المجمع عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية أن
حي بن اخطب وكعب بن أشرف وآخرين من اليهود كان لهم مأكلة على اليهود في كل
سنة فكرهوا بطلانها بأمر النبي فحرفوا لذلك آيات من التوراة فيها صفته وذكره فذلك
الثمن الذي أريد به في الآية وإياي فاتقون في كتمان أمر محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) وأمر وصيه.
(42) ولا تلبسوا الحق بالباطل: لا تخلطوه به بأن تقروا به من وجه وتجحدوه
من وجه وتكتموا عطف على النهي أو نصب باضمار أن الحق من نبوة هذا وإمامة هذا
وأنتم تعلمون أنكم تكتمونه تكابرون علومكم وعقولكم.
(43) وأقيموا الصلاة: المكتوبة التي جاء بها محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) وأقيموا أيضا الصلاة على محمد وآله الطاهرين وآتوا الزكاة من أموالكم إذا
وجبت ومن أبدانكم إذا الزمت ومن معونتكم إذا التمست.
وفي الكافي عن الكاظم (عليه السلام) أنه سئل عن صدقة الفطرة أهي مما قال
الله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فقال نعم، والعياشي عنه (عليه السلام) مثله.
وعن الصادق (عليه السلام) هي الفطرة التي افترض الله على المؤمنين.
وفي رواية: نزلت الزكاة وليست للناس الأموال وإنما كانت الفطرة واركعوا

(1) أول أفعل لا له وقيل أصله أوءل فأبدلت همزته واوا تخفيفا بغير قياس أو أول من آل يؤول أي رجع فقلبت
همزته واوا فأدغمت. منه قدس سره.
124

مع الراكعين تواضعوا مع المتواضعين لعظمة الله في الانقياد لأولياء الله، وقيل أي
في جماعاتهم للصلاة.
أقول: وهذا فرد من افراد ذاك.
(44) أتأمرون الناس بالبر بالصدقات وأداء الأمانات وتنسون أنفسكم تتركونها
وأنتم تتلون الكتاب التوراة الآمرة لكم بالخيرات الناهية عن المنكرات أفلا تعقلون ما
عليكم من العقاب في أمركم بما به لا تأخذون وفي نهيكم عما أنتم فيه منهمكون
نزلت في علماء اليهود ورؤسائهم المردة المنافقين المحتجنين (1) أموال الفقراء
المستأكلين للأغنياء الذين كانوا يأمرون بالخير ويتركونه وينهون عن الشر ويرتكبونه.
القمي: نزلت في الخطباء (2) والقصاص وهو قول أمير المؤمنين (عليه السلام)
وعلى كل منبر منهم خطيب مصقع يكذب على الله وعلى رسوله وعلى كتابه.
أقول: وهي جارية في كل من وصف عدلا وخالف إلى غيره.
وفي مصباح الشريعة عن الصادق (عليه السلام) قال: من لم ينسلخ من هواجسه
ولم يتخلص من آفات نفسه وشهواتها ولم يهزم الشيطان ولم يدخل في كنف الله وأمان
عصمته لا يصلح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه إذا لم يكن بهذه الصفة فكل
ما أظهر يكون حجة عليه ولا ينتفع الناس به، قال الله تعالى: أتأمرون الناس بالبر
وتنسون أنفسكم ويقال له يا خائن أتطالب خلقي بما خنت به نفسك وأرخيت عنه
عنانك.
(45) واستعينوا بالصبر عن الحرام على تأدية الأمانات وعن الرئاسات الباطلة
على الاعتراف بالحق واستحقاق الغفران والرضوان ونعيم الجنان.
أقول: وعن سائر المعاصي وعلى أصناف الطاعات وأنواع المصيبات وعلى

(1) الإحتجان ضم الشئ واحتواؤه، منه قدس الله سره.
(2) وفي المجمع عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص): مررت ليلة أسرى بي على أناسي تقرض شفاههم
بمقاريض من نار، فقلت: هؤلاء يا جبرائيل، فقال هؤلاء خطباء من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر
وينسون أنفسهم. منه قدس الله سره.
125

قرب الوصول إلى الجنان.
وفي الكافي والفقيه والعياشي عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية أن الصبر
الصيام وفيهما وقال (عليه السلام) إذا نزلت بالرجل النازلة الشديدة فليصم فان الله
تعالى يقول استعينوا بالصبر يعني الصيام، والعياشي عن الكاظم (عليه
السلام) مثله والصلاة الصلوات الخمس والصلاة على النبي وآله الطاهرين.
أقول: وكل صلاة فريضة أو نافلة لما روي في المجمع والعياشي عن الصادق
(عليه السلام) ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل
مسجده فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما أما سمعت الله يقول: * (واستعينوا بالصبر
والصلاة) *.
وفي الكافي عنه عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) إذا هاله شئ فزع
إلى الصلاة ثم تلا هذه الآية واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها القمي يعني الصلاة وقيل
الاستعانة بهما، وفي تفسير الإمام (عليه السلام) إن هذه الفعلة من الصلوات الخمس
والصلاة على محمد وآله مع الانقياد لأوامرهم والايمان بسرهم وعلانيتهم وترك
معارضتهم بلم وكيف لكبيرة: عظيمة.
أقول: يعني لثقيلة شاقة كقوله تعالى: * (كبر على المشركين ما تدعوهم
إليه) * إلا على الخاشعين) الخائفين عقاب الله في مخالفته في أعظم فرائضه.
أقول: وذلك لأن نفوسهم مرتاضة بأمثالها متوقعة في مقابلتها ما يستخف
لأجله مشاقها ويستلذ بسببه متاعبها كما قال نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلت قرة
عيني في الصلاة وكان يقول روحنا أو أرحنا يا بلال.
(46) الذين يظنون أنهم ملقوا ربهم: في التوحيد والاحتجاج والعياشي عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) يوقنون أنهم يبعثون والظن منهم يقين وفيهما قال (عليه
السلام) اللقاء البعث والظن هاهنا اليقين.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) يقدرون ويتوقعون أنهم يلقون ربهم اللقاء الذي
هو أعظم كرامته لعباده وأنهم إليه راجعون إلى كراماته ونعيم جناته قال: وإنما قال
126

يظنون لأنهم لا يدرون بماذا يختم لهم لأن العاقبة مستورة عنهم لا يعلمون ذلك يقينا
لأنهم لا يأمنون أن يغيروا ويبدلوا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يزال
المؤمن خائفا، من سوء العاقبة ولا يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت
نزع روحه وظهور ملك الموت له الحديث. ويأتي تمامه في سورة حم السجدة إن شاء الله
عند تفسير ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، الآية.
(47) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم إذ بعثت موسى
وهارون إلى أسلافكم بالنبوة فهدياهم إلى نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
ووصية علي (عليه السلام) وإمامة عترته الطيبين (عليهم السلام) واخذا عليهم بذلك
العهود التي إن وفوا بها كانوا ملوكا في الجنان وأنى فضلتكم على العلمين هناك أي
فعلته بأسلافكم فضلتهم في دينهم بقبول ولاية محمد (وآله عليهم السلام) وفي دنياهم
بتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وسقيم من الحجر ماء عذبا وفلق البحر لهم
وانجائهم وغرق أعدائهم فضلتهم بذلك على عالمي زمانهم الذين خالفوا طريقتهم
وحادوا عن سبيلهم.
أقول: وإنما خاطب الله الأخلاف بما فعل بالأسلاف أو فعلوه من الخير والشر
لأن القرآن نزل بلغة العرب وهم يخاطبون بمثل ذلك يقول الرجل للتميمي الذي أغار
قومه على بلدة وقتلوا من فيها أغرتم على بلدة كذا وفعلتم كذا وقتلتم أهلها وإن لم
يكن هو معهم مع أن الأخلاف راضون بما فعل بالأسلاف أو فعلوه، كذا في تفسير
الإمام (1) (عليه السلام) عن السجاد (عليه السلام) وقد مضى تحقيقه في المقدمة الثالثة.
(48) واتقوا يوما وقت النزع لا تجزي نفس عن نفس شيئا لا تدفع عنها عذابا
قد استحقته ولا يقبل وقرئ بالتاء منها شفاعة بتأخير الموت عنها ولا يؤخذ منها عدل
أي فداء مكانها تمات وتترك هي ولا هم ينصرون.
أقول: يعني في دفع الموت والعذاب.
وفي تفسير الإمام الصادق (عليه السلام) هذا يوم الموت فان الشفاعة والفداء لا يغني عنه

(1) أورد عند تفسير قوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت. منه قدس سره.
127

فأما في القيامة فانا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء لنكونن على الأعراف بين الجنة
والنار محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبون من آلهم (ع) فنرى بعض
شيعتنا في تلك العرصات فمن كان منهم مقصرا وفي بعض شدائدها فنبعث
عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظرائهم في العصر الذي يليهم
ثم في كل عصر إلى يوم القيامة فينقضون عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما
يتناول البزاة والصقور صيدها فيزفونهم إلى الجنة زفا وانا لنبعث على آخرين من
محبينا خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحب
وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا وسيؤتى بالواحد من مقصري شيعتنا في أعماله بعد
أن حاز الولاية والتقية وحقوق إخوانه ويوقف بإزائه ما بين ماءة وأكثر من ذلك إلى
ماءة ألف من النصاب فيقال له هؤلاء فداؤك من النار فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة
وأولئك النصاب النار وذلك ما قال الله عز وجل * (ربما يود الذين كفروا) * يعني بالولاية
لو كانوا مسلمين في الدنيا منقادين للإمامة ليجعل مخالفوهم من النار فداؤهم.
(49) وإذ نجيناكم واذكروا إذ أنجينا أسلافكم.
أقول: هذا تفصيل لما أجمله في قوله واذكروا نعمتي من آل فرعون وهم
الذين كانوا يدنون إليه بقرابته بدينه ومذهبه يسومونكم كانوا يعذبونكم.
أقول: يعني يكلفونكم العذاب من سامة الأمر كلفه إياه وأكثر ما يستعمل في
العذاب والشر. سوء العذاب شدة العذاب وكان من عذابهم الشديد أنه كان فرعون
يكلفهم عمل البناء والطين ويخاف أن يهربوا عن العمل فأمر بتقييدهم وكانوا ينقلون
ذلك الطين على السلاليم إلى السطوح فربما سقط الواحد منهم فمات أو زمن ولا
يحفلون بهم إلى أن أوحى الله إلى موسى (عليه السلام) قل لهم لا يبتدئون عملا إلا
بالصلاة على محمد وآله الطيبين فيخفف عليهم فكانوا يفعلون ذلك فيخفف عليهم
يذبحون أبناءكم وذلك لما قيل لفرعون أنه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده
هلاكك وزوال ملكك فأمر بذبح أبنائهم ويستحيون نساءكم يبقونهن ويتخذونهن إماء
ثم قال ما ملخصه إنه: ربما يسلم أبناءهم من الذبح وينشئون في محل غامض
بصلاتهم على محمد وآله الطيبين وكذلك نساؤهم يسلمن من الافتراش بصلواتهم
عليه وآله وفي ذ لكم وفي ذلك الإنجاء منهم بلاء نعمة من ربكم عظيم كبير قال الله
128

تعالى: يا بني إسرائيل اذكروا إذ كان البلاء يصرف عن أسلافكم ويخف بالصلاة
على محمد وآله الطيبين أفما تعلمون أنكم إذا شاهدتموهم فآمنتم بهم كانت النعمة
عليكم أعظم وأفضل وفضل الله لديكم أجزل.
(50) وإذ فرقنا بكم البحر واذكروا إذ جعلنا ماء البحر فرقا ينقطع بعضه من
بعض فأنجيناكم هناك وأغرقنا آل فرعون فرعون وقومه وأنتم تنظرون إليهم وهم
يغرقون وذلك أن موسى لما انتهى إلى البحر أوحى الله إليه قل لبني إسرائيل جددوا
توحيدي واقروا بقلوبكم ذكر محمد سيد عبيدي وإمائي واعقدوا على أنفسكم ولاية
علي أخي محمد وآله الطيبين وقولوا اللهم جوزنا على متن هذا الماء فان الماء يتحول
لكم أرضا فقال لهم موسى ذلك فقالوا: تورد علينا ما نكرهه وهل فررنا من فرعون الا
من خوف الموت وأنت تقتحم بنا هذا الماء الغمر بهذه الكلمات وما يدرينا ما يحدث
من هذه علينا فقال لموسى كالب بن يوحنا وهو على دابة له وكان ذلك الخليج أربعة
فراسخ يا نبي الله: الله أمرك بهذا أن نقوله وندخل قال: نعم. قال: وأنت تأمرني
به قال: بلى، فوقف وجدد على نفسه من توحيد الله ونبوة محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) وولاية علي والطيبين من آلهما ما أمره به ثم قال اللهم بجاههم جوزني على متن
هذا الماء ثم أقحم فرسه فركض على متن الماء وإذا الماء من تحته كأرض لينة حتى
بلغ آخر الخليج ثم عاد راكضا ثم قال لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل أطيعوا موسى
فما هذا الدعاء الا مفتاح أبواب الجنان ومغاليق أبواب النيران ومستنزل الأرزاق
والجالب على عباد الله وإمائه رضاء الرحمن المهيمن الخلاق فأبوا وقالوا نحن لا نسير
الا على الأرض فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر وقل اللهم صل على
محمد وآله الطيبين لما فلقته ففعل فانفلق وظهرت الأرض إلى آخر الخليج فقال
موسى ادخلوها قالوا: الأرض وحلة نحاف أن نرسب فيها فقال الله: يا موسى قل
اللهم بحق محمد وآله الطيبين جففها فقالها فأرسل الله عليها ريح الصبا فجفت وقال
موسى: ادخلوها قالوا: يا نبي الله نحن اثنتا عشرة قبيلة بنو اثني عشر أبا فان دخلنا
رام كل فريق منا تقدم صاحبه ولا نأمن وقوع الشر بيننا فلو كان لكل فريق منا طريق
على حدة لآمنا مما نخافه فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم اثنتي عشرة ضربة
129

في اثني عشر موضعا إلى جانب ذلك ويقول اللهم بجاه محمد وآله الطيبين بين لنا
الأرض وامط الماء عنا فصار فيه تمام اثني عشر طريقا وجف قرار الأرض بريح الصبا
فقال ادخلوها قالوا: كل فريق منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدري ما يحدث
على الآخرين فقال الله عز وجل فاضرب كل طود من الماء بين هذه السكك فضرب
وقال اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما جعلت في هذه الماء طيقانا واسعة يرى
بعضهم بعضا ثم دخلوها فلما بلغوا آخرها جاء فرعون وقومه فدخل بعضهم فلما دخل
آخرهم وهم بالخروج أولهم أمر الله تعالى البحر فانطبق عليهم فغرقوا وأصحاب
موسى ينظرون إليهم قال الله عز وجل لبني إسرائيل في عهد محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) إذا كان الله فعل هذا كله بأسلافكم لكرامة محمد (صلى الله عليه وآله) ودعاء
موسى دعاء تقرب بهم فما تعقلون إن عليكم الايمان بمحمد (وآله صلى الله عليهم) إذ
قد شاهدتموه الآن.
(51) وإذ واعدنا موسى وقرئ وعدنا بغير ألف أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل
من بعده وأنتم ظالمون كان موسى ابن عمران يقول لبني إسرائيل إذا فرج الله عنكم
وأهلك أعداءكم أتيتكم بكتاب من ربكم يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره
وأمثاله فلما فرج الله عنهم أمره الله عز وجل أن يأتي للميعاد ويصوم ثلاثين يوما فلما
كان في آخر الأيام استاك قبل الفطر فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى أما علمت أن
خلوق فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك صم عشرا اخر ولا تستك عند الافطار
ففعل ذلك موسى فكان وعد الله عز وجل أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة فأعطاه إياه
فجاء السامري فشبه على مستضعفي بني إسرائيل وقال وعدكم موسى أن يرجع إليكم
بعد أربعين ليلة وهذه عشرون ليلة وعشرون يوما تمت أربعون أخطأ موسى ربه وقد
اتاكم ربكم أراد أن يريكم أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه وإنه لم يبعث
موسى لحاجة منه إليه فأظهر لهم العجل الذي كان عمله فقالوا له فكيف يكون العجل
إلهنا قال لهم إنما هذا العجل يكلمكم منه ربكم كما كلم موسى من الشجرة فالإله في
العجل كما كان في الشجرة فضلوا بذلك وأضلوا فقال موسى: يا أيها العجل أكان
فيك ربنا كما يزعم هؤلاء فنطق العجل وقال عز ربنا عن أن يكون العجل حاويا له أو
130

شئ من الشجرة والأمكنة عليه مشتملا لا والله يا موسى ولكن السامري نصب عجلا
مؤخره إلى حائط وحفر في الجانب الآخر في الأرض واجلس فيه بعض مردته فهو
الذي وضع فاه على دبره وتكلم بما تكلم لما قال هذا إلهكم وإله موسى يا موسى بن
عمران ما خذل هؤلاء بعبادتي واتخاذي إلها الا لتهاونهم بالصلاة على محمد وآله
الطيبين وجحودهم لموالاتهم ونبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصية الوصي قال
الله تعالى: فإذا خذل عبدة العجل بتهاونهم بالصلاة على محمد وعلي فما تخافون
من الخذلان الأكبر في معاندتكم لهما وقد شاهدتموهما وتبينتم آياتهما ودلائلهما.
والقمي: إن بني إسرائيل لما ذهب موسى إلى الميقات ليأتيهم بألواح التوراة
ووعدهم بالرجعة بعد ثلاثين يوما فعندما انتهت الثلاثون يوما ولم يرجع موسى إليهم
جاءهم إبليس في صورة شيخ وقال لهم إن موسى قد هرب ولا يرجع إليكم ابدا
فاجمعوا إلي حليكم حتى اتخذ لكم إلها تعبدونه وكان السامري يوم أغرق الله فرعون
وأصحابه على مقدمة موسى وهو من خيار من اختصه موسى فنظر السامري إلى
جبرئيل (عليه السلام) وهو على مركوب في صورة رمكة فكانت كلما وضعت حافرها
على موضع من الأرض تحرك موضع حافرها فجعل السامري يأخذ التراب من تحت
حافر رمكة جبرئيل فصره في صرة وحفظه وكان يفتخر به على بني إسرائيل فلما اتخذ
إبليس لهم العجل قال للسامري هات التراب الذي عندك فأتاه به فألقاه في جوف
العجل فتحرك وخار ونبت له الوبر والشعر فسجد بنو إسرائيل للعجل وكان عدد من
سجد له سبعين ألفا.
(52) ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون أي عفونا عن أوائلكم
عبادتهم العجل لعلكم يا أيها الكائنون في عصر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من
بني إسرائيل تشكرون تلك النعمة على أسلافكم وعليكم بعدهم وإنما عفا الله عز
وجل عنهم لأنهم دعوا الله بمحمد (وآله صلى الله عليهم) وجددوا على أنفسم الولاية
بمحمد وعلي وآلهما الطاهرين فعند ذلك رحمهم وعفا عنهم.
(53) وإذ اتينا موسى الكتاب واذكروا إذ أتينا موسى التوراة المأخوذ عليكم
131

الإيمان به والانقياد لما يوجبه والفرقان أتيناه أيضا فرق ما بين الحق والباطل وفرق ما
بين المحق والمبطل وذلك أنه لما أكرمهم الله بالكتاب والايمان به أوحى الله إلى
موسى هذا الكتاب قد
أقروا به وقد بقي الفرقان فرق ما بين المؤمنين والكافرين فجدد
عليهم العهد به فاني آليت على نفسي قسما حقا ان لا أتقبل من أحد إيمانا ولا عملا
الا به قال موسى ما هو يا رب قال الله يا موسى: تأخذ عليهم أن محمدا (صلى الله عليه
وآله وسلم) خير النبيين وسيد المرسلين وأن أخاه ووصيه عليا خير الوصيين وأن أولياءه
الذين يقيمهم سادة الخلق وأن شيعته المنقادين له ولخلفائه نجوم الفردوس الأعلى
وملوك جنات عدن قال فأخذ عليهم موسى ذلك فمنهم من اعتقده حقا ومنهم من
أعطاه بلسانه دون قلبه قال فالفرقان النور المبين الذي كان يلوح على جبين من آمن
بمحمد وعلي وعترتهما وشيعتهما وفقده من جبين من أعطى ذلك بلسانه دون قلبه
لعلكم تهتدون أي لعلكم تعلمون أن الذي يشرف العبد عند الله هو اعتقاد الولاية كما
تشرف به أسلافكم وقيل أريد بالكتاب التوراة وبالفرقان المعجزات الفارقة بين
المحق والمبطل في الدعوى وبالاهتداء الاهتداء بتدبر الكتاب والتفكر في الآيات.
(54) وإذ قال موسى لقومه: واذكروا يا بني إسرائيل إذ قال موسى لقومه عبدة
العجل يقوم إنكم ظلمتم أنفسكم أضررتم بها باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم
الذي (1) برأكم وصوركم قيل فاعزموا على التوبة والرجوع إلى من خلقكم فاقتلوا
أنفسكم يقتل بعضكم بعضا يقتل من لم يعبد العجل من عبده ذ لكم ذلك القتل خير
لكم عند بارئكم لأنه كفارتكم فهو خير من أن تعيشوا في الدنيا ثم تكونوا في النار
خالدين فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم قبل توبتكم قبل استيفاء القتل لجماعتكم
وقبل اتيانه على كافتكم وأمهلكم للتوبة واستبقاكم للطاعة وذلك أن موسى لما أبطل
الله على يديه أمر العجل فأنطقه بالخبر عن تمويه السامري وأمر موسى (عليه السلام) أن
يقتل من لم يعبده من عبده تبرأ أكثرهم وقالوا لم نعبد ووشى بعضهم ببعض فقال الله عز
وجل لموسى (عليه السلام): أبرد هذا العجل المذهب بالحديد بردا (2) ثم ذره في

(1) يعني من خلقكم بريئا من التفاوت مميزا بعضكم من بعض بصورة وهيئة مختلفة واصله تركيب. بري لخلوص
الشئ من غيره. منه قدس الله سره.
(2) البرادة السحالة بالمهملتين وهي فتات الذهب والفضة (منه).
132

البحر فمن شرب ماءه اسود شفتاه وأنفه إن كان ابيض اللون وابيضا إن كان اسود وبان
ذنبه ففعل فبان العابدون فأمر الله الاثني عشر ألفا أن يخرجوا على الباقين شاهرين
السيوف ويقتلوهم ونادى مناديه الا لعن الله أحدا اتقاهم بيد أو رجل ولعن الله من تأمل
المقتول لعله تبينه حميما أو قريبا فيتعداه إلى الأجنبي فاستسلم المقتولون فقال
القاتلون نحن أعظم مصيبة منهم نقتل بأيدينا آباءنا وأبناءنا واخواننا وقراباتنا ونحن لم
نعبد فقد ساوى بيننا وبينهم في المصيبة فأوحى الله إلى موسى يا موسى إني إنما
امتحنتهم بذلك لأنهم ما اعتزلوهم لما عبدوا العجل ولم يهجروهم ولم يعادوهم على
ذلك قل لهم من دعا الله بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الطاهرين الطيبين
يسهل عليه قتل المستحقين للقتل بذنوبهم فقالوها فسهل عليهم ولم يجدوا لقتلهم
ألما فلما استحر القتل فيهم وهم ستماءة ألف الا اثني عشر ألفا وقف الله الذين عبدوا
العجل بمثل هذا التوسل فتوسلوا بهم واستغفروا لذنوبهم فأزال الله القتل عنهم.
والقمي إن موسى لما رجع من الميقات وقد عبد قومه العجل قال لهم بعد
الغضب عليهم والعتب لهم توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم قالوا وكيف نقتل أنفسنا
قال لهم ليعمد كل واحد منكم إلى بيت المقدس ومعه سيف أو سكين فإذا صعدت
المنبر تكونوا أنتم متلثمين لا يعرف أحدكم صاحبه فاقتلوا بعضكم بعضا فاجتمع
الذين عبدوا العجل وكانوا سبعين ألفا فلما صلى بهم موسى (عليه السلام) وصعد المنبر
أقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل الوحي قل لهم يا موسى ارفعوا القتل فقد تاب الله
عليكم وكان قد قتل منهم عشرة آلاف.
(55) وإذ قلتم قال أسلافكم: يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
فأخذتكم الصاعقة أخذتهم وأنتم تنظرون وهم ينظرون إلى الصاعقة تنزل بهم.
(56) ثم بعثناكم من بعد موتكم بسبب الصاعقة.
أقول: قيد البعث بالموت لأنه قد يكون عن اغماء ونوم وفيه دلالة واضحة
على جواز الرجعة التي قال بها أصحابنا نقلا عن أئمتهم وقد احتج بهذه الآية أمير
المؤمنين (عليه السلام) على ابن الكواحين أنكرها كما رواه عنه الأصبغ بن نباتة.
133

والقمي وهذا دليل على الرجعة في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه
قال: لم يكن في بني إسرائيل شئ إلا وفي أمتي مثله يعني دليل على وقوعها لعلكم
تشكرون لعل أسلافكم يشكرون الحياة التي فيها يتوبون ويقلعون وإلى ربهم ينيبون
لم يدم عليهم ذلك الموت فيكون إلى النار مصيرهم وهم فيها خالدون.
وفي العيون: عن الرضا (عليه السلام) أنهم السبعون الذين اختارهم موسى
وصاروا معه إلى الجبل فقالوا له إنك قد رأيت الله فأرناه كما رأيته فقال لهم: إني لم
أره فقالوا له لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ويأتي تمام القصة إن شاء الله تعالى في
سورة الأعراف.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) أن موسى لما أراد أن يأخذ عليهم عهد الفرقان
فرق ما بين المحقين والمبطلين لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بنبوته ولعلي والأئمة
(عليهم السلام) بإمامتهم قالوا: لن نؤمن لك ان هذا أمر ربك حتى نرى الله عيانا
يخبرنا بذلك فأخذتهم الصاعقة معاينة فقال موسى (عليه السلام) للباقين الذين لم
يصعقوا: أتقبلون وتعترفون وإلا فأنتم بهؤلاء لاحقون فقالوا لا ندري ما حل بهم فإن
كانت إنما أصابتهم لردهم عليك في أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه
السلام) فاسئل الله ربك بمحمد وآله أن يحييهم لنسألهم لماذا أصابهم ما أصابهم فدعا
الله موسى (عليه السلام) فأحياهم فسألوهم فقالوا: أصابنا ما أصابنا لآبائنا اعتقاد امامة
علي بعد اعتقاد نبوة محمد لقد رأينا بعد موتنا هذا ممالك ربنا من سماواته وحجبه
وعرشه وكرسيه وجنانه ونيرانه فما رأينا أنفذ أمرا في جميع الممالك وأعظم سلطانا من
محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وإنا لما متنا بهذه الصاعقة
ذهبنا إلى النيران فناداهم محمد وعلي كفوا عن هؤلاء عذابكم فإنهم يحيون بمسألة
سائل سأل ربنا عز وجل بنا وبآلنا الطيبين قال الله عز وجل لأهل عصر محمد فإذا كان
بالدعاء بمحمد وآله الطيبين نشر ظلمة أسلافكم المصعوقين بظلمهم فإنما يجب
عليكم أن لا تتعرضوا لمثل ما هلكوا به إلى أن أحياهم الله.
(57) وظللنا عليكم الغمام لما كنتم في التيه يقيكم من حر الشمس وبرد القمر
134

وأنزلنا عليكم المن الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه والسلوى السماني
كلوا.
والقمي لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة فقالوا يا موسى أهلكتنا
وأخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل فيها ولا شجر ولا ماء فكانت تجئ بالنهار
غمامة تظلهم من الشمس وتنزل عليهم بالليل المن فيأكلونه وبالعشي يجئ طائر
مشوي فيقع على موائدهم فإذا أكلوا وشبعوا طار عنهم وكان مع موسى حجر يضعه في
وسط العسكر ثم يضربه بعصاه فينفجر منه اثنتا عشرة عينا فيذهب الماء إلى كل سبط
وكانوا إثنا عشر سبطا فلما طال عليهم ملوا وقالوا: يا موسى لن نصبر على طعام واحد
وما ظلمونا لما بدلوا وغيروا ما به أمروا ولم يفوا بما عليه عوهدوا لأن كفر الكافر لا
يقدح سلطاننا وممالكنا كما أن إيمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا ولكن كانوا
أنفسهم يظلمون يضرون بها بكفرهم وتبديلهم.
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) في قوله عز وجل وما ظلمونا قال إن الله
أعظم وأعز وأجل وأمنع من أن يظلم ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا
ولايته حيث يقول إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني الأئمة.
(58) وإذ قلنا واذكروا يا بني إسرائيل إذ قلنا لأسلافكم ادخلوا هذه القرية وهي
أريحا من بلاد الشام وذلك حين خرجوا من التيه فكلوا منها حيث شئتم رغدا واسعا
بلا تعب وادخلوا الباب باب القرية سجدا مثل الله تعالى على الباب مثال محمد
وعلي وأمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك ويجددوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما
ويذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما وقولوا حطة وقولوا سجودنا لله تعظيما
للمثال واعتقادنا الولاية حطة لذنوبنا ومحو لسيئاتنا نغفر لكم خطاياكم السالفة ونزيل
عنكم آثامكم الماضية وقرئ بضم الياء وفتح الفاء وسنزيد المحسنين من لم يقارف
منكم الذنب وثبت على عهد الولاية ثوابا.
(59) فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم لم يسجدوا كما أمروا ولا قالوا
135

ما أمروا بل دخلوها باستاههم وقالوا ما معناه حنطة حمراء نتقوتها أحب إلينا من هذا
الفعل وهذا القول.
وفي موضع آخر من تفسير الإمام (عليه السلام) وكان خلافهم أنهم لما بلغوا
الباب رأوا بابا مرتفعا قالوا ما بالنا نحتاج أن نركع عند الدخول هاهنا ظننا أنه باب
متطامن لا بد من الركوع فيه وهذا باب مرتفع وإلى متى يسخر بنا هؤلاء يعنون موسى
(عليه السلام) ثم يوشع بن نون ويسجدوننا في الأباطيل وجعلوا استاههم نحو الباب
وقالوا بدل قولهم حطة ما معناه حنطة حمراء فذلك تبديلهم.
فأنزلنا على الذين ظلموا وبدلوا ما قيل لهم ولم ينقادوا لولاية محمد (صلى الله
عليه وآله وسلم) وعلي وآلهما، قيل كرره مبالغة في تقبيح أمرهم واشعارا بأن الانزال
عليهم بظلمهم بوضع غير المأمور به موضعه أو بظلمهم على أنفسهم بأن تركوا ما
يوجب نجاتها إلى ما يوجب بهلاكها رجزا من السماء قيل أي عذابا مقدرا من السماء هو
في الأصل لما يعاف عنه كالرجس بما كانوا يفسقون يخرجون من أمر الله وطاعته
والرجز الذي أصابهم أنه مات منهم بالطاعون في بعض يوم ماءة وعشرون ألفا وهم
الذين كان في علم الله أنهم لا يؤمنون ولا يتوبون ولم ينزل على من علم أنه يتوب أو
يخرج من صلبه ذرية طيبة.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) قال: نزل جبرائيل بهذه الآية فبدل الذين
ظلموا آل محمد (صلى الله عليهم) حقهم غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا
آل محمد (صلى الله عليهم) حقهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون.
(60) وإذ استسقى واذكروا إذ استسقى موسى لقومه طلب لهم السقيا لما
عطشوا في التيه ضجوا إليه بالبكاء فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا
عشرة عينا فضربه بها داعيا بمحمد وآله الطيبين فانفجرت.
وفي المجمع والعياشي عن الباقر (عليه السلام) نزلت ثلاثة أحجار من الجنة
حجر مقام إبراهيم وحجر بني إسرائيل والحجر الأسود.
وفي الكافي والإكمال عنه (عليه السلام) إذ اخرج القائم (عليه السلام) من مكة
136

ينادي مناديه الا لا يحملن أحد طعاما ولا شرابا وحمل معه حجر موسى بن عمران وهو
وقر بعير ولا ينزل منزلا الا انفجرت منه عيون فمن كان جائعا شبع ومن كان ظمآنا
روى ورويت دوابتهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة. قد علم كل أناس كل
قبيلة: من بني أب من أولاد يعقوب مشربهم ولا يزاحم الآخرين في مشربهم كلوا
واشربوا قال الله تعالى: كلوا واشربوا من رزق الله الذي آتاكموه قيل أي من المن
والسلوى والماء ولا تعثوا في الأرض مفسدين ولا تعثوا فيها وأنتم مفسدون عاصون
قيل هو من العثو بمعنى الاعتداء ويقرب منه العيث غير أنه يغلب على ما يدرك
بالحس.
(61) وإذ قلتم واذكروا إذ قال اسلافكم يا موسى لن نصبر على طعام واحد اي
المن والسلوى ولا بد لنا من خلط معه فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من
بقلها وقثائها وفومها في المجمع عن الباقر (عليه السلام) والقمي الثوم الحنطة وقيل هو
الثوم.
وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى أتستدعون الأدون بالذي هو
خير ليكون لكم بدلا من الأفضل اهبطوا من هذه التيه مصرا من الأمصار فإن لكم ما
سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة الجزية والفقر وباؤا بغضب احتملوا الغضب
واللعنة.
أقول: يعني ورجعوا وعليهم للغضب كما يأتي في مثله في هذه السورة
فالمذكور هنا محصل المعنى ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين
بغير الحق بلا جرم منهم إليهم ولا إلى غيرهم، وقرئ النبيئين بالهمزة حيث وقع
في سائر تصاريفها اجمع ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون يتجاوزون امر الله إلى أمر
إبليس، قيل جرهم العصيان والاعتداء فيه إلى الكفر بالآيات وقتل النبيين فان صغار
الذنوب تؤدي إلى كبارها كما أن صغار الطاعات تؤدي إلى كبارها.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا عباد الله
فاحذروا الانهماك في المعاصي والتهاون بها فان المعاصي يستولي بها الخذلان على
137

صاحبها حتى توقعه فيما هو أعظم منها فلا يزال يعصي ويتهاون ويخذل ويوقع فيما هو
أعظم مما جنى حتى توقعه في رد ولاية وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
دفع نبوة نبي الله ولا يزال أيضا بذلك حتى توقعه في دفع توحيد الله والالحاد في دين
الله قيل المراد بآيات الله المعجزات والكتب المنزلة وما فيها من نعت نبينا (صلى الله
عليه وآله وسلم) وبقتل النبيين قتل شعيب وزكريا ويحيى وغيرهم.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) انه تلا هذه الآية فقال والله ما
ضربوهم بأيديهم ولا قتلوهم بأسيافهم ولكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فأخذوا عليها
فقتلوا فصار قتلا باعتداء ومعصية.
(62) ان الذين آمنوا بالله وبما فرض عليهم الايمان به والذين هادوا اليهود
والنصارى الذين زعموا انهم في دين الله متناصرون.
وفي العيون عن الرضا (عليه السلام) انهم من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام
نزلتها مريم وعيسى بعد رجوعهما من مصر.
والصابئين الذين زعموا انهم صبوا إلى دين الله وهم كاذبون.
أقول: صبوا اي مالوا إن لم يهمز وخرجوا ان قرئ بالهمزة.
والقمي انهم ليسوا من أهل الكتاب ولكنهم يعبدون الكواكب والنجوم من آمن
بالله واليوم الآخر منهم ونزع عن كفره وعمل صلحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا
خوف عليهم في الآخرة حين يخاف الفاسقون ولا هم يحزنون إذا حزن المخالفون.
(63) وإذ أخذنا واذكروا إذ أخذنا ميثاقكم عهودكم ان تعلموا بما في التوراة وما
في الفرقان الذي أعطيته موسى مع الكتاب وتقروا بما فيه من نبوة محمد (صلى الله عليه
وآله) ووصيه علي والطيبين من ذريتهما وان تؤدوه إلى اخلافكم قرنا بعد قرن فأبيتم
قبول ذلك واستكبرتموه ورفعنا فوقكم الطور الجبل أمرنا جبرئيل ان يقلع من جبل
فلسطين (1) قطعة على قدر معسكر اسلافكم فرسخا في فرسخ فقطعها وجاء بها

(1) فلسطون وقد يفتح فاؤهما كورة بالشام وبلد بالعراق. تقول في حال الرفع بالواو وفي النصب والجر
بالياء أو يلزمها الياء في كل حال والنسبة فلسطي. قاموس.
138

فرفعها فوق رؤوسهم خذوا ما آتيناكم فقال لهم موسى اما ان تأخذوا بما أمرتم به فيه
واما ان القي عليكم هذا الجبل فالجأوا إلى قبوله كارهين الا من عصمه الله من العناد
فإنه قبله طائعا مختارا ثم لما قبلوه سجدوا وعفروا وكثير منهم عفر خديه لا لا رادة
الخضوع لله ولكن نظرا إلى الجبل هل يقع أم لا بقوة من قلوبكم ومن أبدانكم.
في المحاسن والعياشي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن هذه الآية أقوة في الأبدان أم قوة في القلوب فقال: فيهما جميعا واذكروا ما فيه من جزيل ثوابنا على
قيامكم به وشديد عقابنا على إبائكم له.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) واذكروا ما في تركه من العقوبة لعلكم
تتقون لتتقوا المخالفة الموجبة للعقاب فتستحقوا بذلك الثواب.
(64) ثم توليتم يعني تولى أسلافكم من بعد ذلك عن القيام به والوفاء بما
عوهدوا عليه فلولا فضل الله عليكم ورحمته بامهالكم للتوبة وانظاركم للإنابة
لكنتم من الخاسرين المغبونين.
(65) ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت لما اصطادوا السموك فيه
فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين مبعدين عن كل خير.
(66) فجعلناها: اي المسخة التي أخزيناهم ولعناهم بها.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) فجعلنا الأمة.
نكالا لما بين يديها وما خلفها عقوبة لما بين يدي المسخة من ذنوبهم
الموبقات التي استحقوا بها العقوبة وردعا للذين شاهدوهم بعد مسخهم وللذين
يسمعون بها من بعدها لكي يرتدعوا عن مثل افعالهم وموعظة للمتقين وسيأتي
قصتهم في سورة الأعراف إنشاء الله.
(67) وإذ قال موسى: واذكروا إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن
تذبحوا بقرة تضربون ببعضها هذا المقتول بين أظهركم ليقوم حيا سويا بإذن الله
عز وجل ويخبركم بقاتله وذلك حين القى القتيل بين أظهركم فألزم موسى أهل
139

القبيلة بأمر الله ان يحلف خمسون من أماثلهم بالله القوي الشديد إله بني
إسرائيل مفضل محمد وآله الطيبين على البرايا أجمعين إنا ما قتلناه ولا علمنا له
قاتلا فان حلفوا بذلك غرموا دية المقتول وإن نكلوا نصوا على القاتل أو أقر
القاتل فيقاد منه وإن لم يفعلوا حبسوا في محبس ضنك إلى أن يحلفوا أو يقروا أو
يشهدوا على القاتل فقالوا يا نبي الله أما وقت أيماننا أموالنا ولا أموالنا أيماننا
قال: لا هذا حكم الله وكان السبب ان امرأة حسناء ذات جمال وخلق كامل
وفضل بارع ونسب شريف وستر ثخين كثر خطابها وكان لها بنو أعمام ثلاثة
فرضيت بأفضلهم علما وأثخنهم سترا وأرادت التزويج به فاشتد حسد ابني عمه
الآخرين له وغبطاه عليها لايثارها إياه فعمدا إلى ابن عمها المرضي فأخذاه إلى
دعوتهما ثم قتلاه وحملاه إلى محلة تشتمل على أكثر قبيلة من بني إسرائيل
فألقياه بين أظهرهم ليلا فلما أصبحوا وجدوا القتيل هناك فعرف حاله فجاء ابنا
عمه القاتلان له فمزقا على أنفسهما وحثيا التراب على رؤسهما واستعديا عليهم
فأحضر هم موسى وسألهم فأنكروا ان يكونوا قتلوه وعلموا قاتله فقال: فحكم الله
عز وجل على من فعل هذه الحادثة ما عرفتموه فالتزموه فقالوا يا موسى اي نفع
في إيماننا إذا لم تدرأ عنا الغرامة الثقيلة أم اي نفع في غرامتنا إذا لم تدرأ عنا
الأيمان.
فقال موسى (عليه السلام): كل النفع في طاعة الله والائتمار لأمره والانتهاء
عما نهى عنه فقالوا: يا نبي الله غرم ثقيل ولا جناية لنا وإيمان غليظة ولا حق في
رقابنا لو أن الله عز وجل عرفنا قاتله بعينه وكفانا مؤنته فادع لنا ربك أن يبين لنا
هذا القاتل لينزل به ما يستحقه من العذاب وينكشف أمره لذوي الألباب. فقال
موسى (عليه السلام) إن الله قد بين ما أحكم به في هذا فليس لي ان اقترح عليه
غير ما حكم ولا اعترض عليه فيما أمر الا ترون أنه لما حرم العمل في يوم
السبت وحرم لحم الجمل لم يكن لنا ان نقترح عليه ان نغير ما حكم به علينا من
ذلك بل علينا ان نسلم حكمه ونلتزم ما ألزمناه وهم بأن يحكم عليهم بالذي كان
يحكم به على غيرهم في مثل حادثتهم فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى أجبهم
140

إلى ما اقترحوا وسلني ان أبين لهم القاتل ليقتل ويسلم غيره من التهمة والغرامة
فاني إنما أريد بإجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار أمتك
دينه الصلاة على محمد وآله الطيبين والتفضيل لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
وعلي بعده على سائر البرايا وأغنيه في الدنيا في هذه القضية ليكون بعض ثوابه
عن تعظيمه لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال موسى: يا رب بين لنا قاتله
فأوحى الله عز وجل إليه قل لبني إسرائيل إن الله يبين لكم ذلك بأن يأمركم أن
تذبحوا بقرة فتضربوا ببعضها المقتول فيحيى أفتسلمون لرب العالمين ذلك والا
فكفوا عن المسألة والتزموا ظاهر حكمي فذلك ما حكى الله عز وجل وإذ قال
موسى لقومه إن الله يأمركم أي سيأمركم أن تذبحوا بقرة إن أردتم الوقوف على
القاتل.
والقمي عن الصادق (عليه السلام) أن رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم
خطب امرأة منهم فأنعمت له وخطبها ابن عم لذلك الرجل وكان فاسقا فردته
فحسد ابن عمه الذي أنعمت إليه فرصده وقتله غيلة ثم حمله إلى موسى (عليه
السلام) فقال يا نبي الله إن هذا ابن عمي قد قتل فقل من قتله قال: لا أدري
وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا فعظم قتل ذلك الرجل على موسى (عليه
السلام) فاجتمع إليه بنو إسرائيل فقالوا ما ترى يا نبي الله وكان في بني إسرائيل
رجل له بقرة وكان له ابن بار وكان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته وكان
مفتاح بيته في تلك الحال تحت رأس أبيه وهو نائم فكره ابنه أن ينبهه وينغص
عليه نومه فانصرف القوم ولم يشتروا سلعته فلما انتبه أبوه قال يا بني ما صنعت
في سلعتك؟ قال: هي قائمة لم أبعها لأن المفتاح كان تحت رأسك فكرهت أن
أزعجك من رقدتك وأنغص عليك نومك قال له أبوه: قد جعلت هذه البقرة لك
عوضا عما فاتك من ربح سلعتك وشكر الله للابن ما فعل بأبيه فأمر الله جل
جلاله موسى أن يأمر بني إسرائيل بذبح تلك البقرة بعينها ليظهر قاتل ذلك الرجل
الصالح فلما اجتمع بنو إسرائيل إلى موسى وبكوا وضجوا قال لهم موسى إن الله
يأمركم أن تذبحوا بقرة فتعجبوا وقالوا: أتتخذنا هزوا نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا
141

بقرة قالوا: يا موسى أتتخذنا هزوا سخرية تزعم أن الله يأمر بذبح بقرة وتأخذ
قطعة من ميت ونضرب بها ميتا فيحيى أحد الميتين بملاقاة بعض الميت له فكيف
يكون هذا وقرئ باسكان الزاي وبغير همز قال موسى أعوذ بالله أن أكون من
الجاهلين أنسب إلى الله ما لم يقل لي أعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت
دافعا لقول الله عز وجل وأمره ثم قال موسى: أوليس ماء الرجل نطفة ميتة وماء
المرأة كذلك ميتان يلتقيان فيحدث الله من التقاء الميتين بشرا حيا سويا أوليس
بذوركم التي تزرعونها في أرضكم تتفسخ في أرضكم وتتعفن وهي ميتة ثم يخرج
منها هذه السنابل الحسنة البهيجة وهذه الأشجار الباسقة المونقة فلما بهرهم
موسى.
(68) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي مواصفاتها لنقف عليها
وفي رواية القمي: فعلموا أنهم قد أخطأوا قال إنه إن الله يقول بعد ما
سأل ربه إنها بقرة لا فارض لا كبيرة ولا بكر ولا صغيرة عوان وسط بين ذلك بين
الفارض والبكر فافعلوا ما تؤمرون إذا أمرتم به.
(69) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها أي لون هذه البقرة التي تريد أن
تأمرنا بذبحها قال إنه يقول إن الله يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها حسنة الصفرة
ليس بناقص يضرب إلى البياض ولا بمشبع يضرب إلى السواد تسر الناظرين
إليها لبهجتها وحسنها وبريقها.
(70) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ما صفتها يزيد في صفتها إن البقر
تشابه علينا وإنا إنشاء الله لمهتدون وفي الحديث النبوي لو لم يستثنوا لما بينت
لهم آخر الأبد.
(71) قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض لم تذلل لإثارة الأرض
ولم ترض بها ولا تسقي الحرث ولا هي مما تجر به الدلاء للزرع ولا تدير
النواعير قد أعفيت من ذلك أجمع مسلمة من العيوب كلها لا شية فيها من
غيرها.
142

في العيون والعياشي عن الرضا (عليه السلام) لو عمدوا إلى أي بقرة أجزأهم
ولكن شددوا فشدد الله عليهم، وفي تفسير الإمام (عليه السلام) فلما سمعوا هذه
الصفات قالوا يا موسى أفقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها قال: بلى ولم يقل
موسى في الابتداء إن الله قد أمركم بل قال: يأمركم لأنه لو قال إن الله أمركم
لكانوا إذ قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي وما لونها كان لا يحتاج أن يسأله
ذلك عز وجل ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول أمركم ببقرة فأي شئ وقع عليه
اسم البقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها فلما استقر الأمر عليهم طلبوا هذه
البقرة فلم يجدوها الا عند شاب من بني إسرائيل أراه الله في منامه محمدا وعليا
وطيبي ذريتهما (عليهم السلام) فقالا له إنك كنت لنا محبا مفضلا ونحن نريد أن
نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا فإذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها الا بأمر أمك
فان الله يلقنها ما يغنيك به وعقبك ففرح الغلام وجاء القوم يطلبون بقرته فقالوا
بكم تبيع بقرتك هذه قال: بدينارين والخيار لأمي قالوا رضينا بدينار فسألها
فقالت بأربعة فأخبرهم فقالوا نعطيك دينارين فأخبر أمه فقالت ثمانية فما أزالوا
يطلبون على النصف مما تقول أمه ويرجع إلى أمه فتضعف الثمن حتى بلغ ثمنها
ملأ مسك ثورا أكثر مما يكون ملأ دنانير فأوجبت لهم البيع ثم ذبحوها قالوا الآن
جئت بالحق في رواية القمي عرفناها هي بقرة فلان فذهبوا ليشتروها فقال لا
أبيعها الا بملل ء جلدها ذهبا فرجعوا إلى موسى فأخبروه فقال لهم موسى لا بد
لكم من ذبحها بعينها فاشتروها بملل ء جلدها ذهبا.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) أنه بلغ خمسماءة ألف دينار فذبحوها وما
كادوا يفعلون فأرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة ولكن اللجاج حملهم
على ذلك واتهامهم موسى حداهم عليه.
(72) وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها اختلفتم وتدارأتم ألقى بعضكم ذنب
القتل على بعض وأدرأه عن نفسه وذويه والله مخرج ما كنتم تكتمون من خبر
القاتل وإرادة تكذيب موسى باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيب إليه.
القاتل وإرادة تكذيب موسى باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيب إليه.
(73) فقلنا اضربوه ببعضها اضربوا الميت ببعض البقرة ليحيى وقولوا له
143

من قتلك فأخذوا الذنب وضربوه به.
والعياشي عن الرضا (عليه السلام) أن الله أمرهم بذبح بقرة وإنما كانوا
يحتاجون بذنبها فشددوا فشدد الله عليهم.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) أخذوا قطعة وهي عجز (1) الذنب الذي منه
خلق ابن آدم وعليه يركب إذا أعيد خلقا جديدا فضربوا بها وقالوا: اللهم بجاه
محمد وعلي وآله الطيبين لما أحييت هذا الميت وأنطقته ليخبر عن قاتله فقام
سالما سويا وقال: يا نبي الله قتلني هذان ابنا عمي حسداني على بنت عمي
فقتلاني والقياني في محلة هؤلاء ليأخذا ديتي فأخذ موسى الرجلين فقتلهما.
وفي رواية القمي: ابن عمي فلان بن فلان الذي جاء به.
كذ لك يحي الله الموتى في الدنيا والآخرة كما أحيى الميت بملاقاة ميت
آخر له أما في الدنيا فيلاقي ماء الرجل ماء المرأة فيحيى الله الذي كان في
الأصلاب والأرحام حيا واما في الآخرة فان الله عز وجل ينزل بين نفختي الصور
بعد ما ينفخ النفخة الأولى من دوين (2) السماء من البحر المسجور الذي
قال الله والبحر المسجور وهي مني كمني الرجال فيمطر ذلك على الأرض فيلقي
الماء المني مع الأموات البالية فينبتون من الأرض ويحيون ويريكم آياته سوى
هذه من الدلالات على توحيده ونبوة موسى وفضل محمد وآله (عليهم السلام) على
سائر خلق الله أجمعين لعلكم تعقلون وتتفكرون أن الله الذي يفعل هذه العجائب
لا يأمر الخلق الا بالحكمة ولا يختار محمدا وآله (عليهم السلام) الا لأنهم أفضل
أولي الألباب وقيل لكي يكمل عقلكم وتعلموا أن من قدر على إحياء نفس قدر
على إحياء الأنفس كلها.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) أن المقتول المنشور توسل إلى الله سبحانه

(1) عجز الذنب ويقال عجب الذنب بالتسكين وهو العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز، وفي الحديث
النبوي: كل ابن آدم يبلى الأعجب الذنب وكأنه عما يقوم به البدن. منه قدس الله سره.
(2) دوين مصغر دون ونقيض الفوق. منه قدس الله سره.
144

بمحمد وآله أن يبقيه في الدنيا متمتعا بابنة عمه ويجزي عنه ويخزي أعداءه ويرزقه رزقا كثيرا
طيبا فوهبه الله له سبعين سنة بعد أن كان قد مضى عليه ستون سنة قبل قتله
صحيحة حواسه فيها قوية شهواته فتمتع بحلال الدنيا وعاش لم يفارقها ولم تفارقه
وماتا جميعا معا وصارا إلى الجنة وكانا زوجين فيها ناعمين وإن أصحاب البقرة
ضجوا إلى موسى وقالوا افتقرت القبيلة وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا
فأرشدهم موسى (عليه السلام) إلى التوسل بنبينا وآله (عليهم السلام) فأوحى الله إليه
ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان ويكشفوا عن موضع كذا ويستخرجوا ما
هناك فإنه عشرة آلاف ألف دينار ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما
دفع لتعود أحوالهم على ما كانت ثم ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل وهو خمسة
آلاف ألف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة كذا في نسخة
من تفسير الإمام (عليه السلام) ليتضاعف أموالهم جزاءا على توسلهم بمحمد وآله
(عليهم السلام) واعتقادهم لتفضيلهم.
(74) ثم قست: غلظت وجفت ويبست من الخير والرحمة قلوبكم معاشر
اليهود من بعد ذلك من بعد ما تبينت الآيات الباهرات في زمن موسى
والمعجزات التي شاهدتموها من محمد (صلى الله وآله وسلم) فهي كالحجارة
اليابسة لا يترشح برطوبة ولا ينتفض (1) منها ما ينتفع به اي انكم لا حق الله
تؤدون ولا من أموالكم ولا من مواشيها تتصدقون ولا بالمعروف تتكرمون
وتجودون ولا الضيف تقرون (2) ولا مكروبا تغيثون ولا بشئ من الإنسانية
تعاشرون وتعاملون أو أشد قسوة أبهم على السامعين أولا ثم بين ثانيا ان قلوبهم
أشد قسوة من الحجارة بقوله: وإن من الحجارة لما يتفجر منه الا نهار فيجئ
بالخير والنبات لبني آدم وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وهو ما يقطر منه الماء
دون الأنهار وقلوبكم لا يجيئ منها الكثير من الخير ولا القليل وإن منها لما يهبط

(1) نفضت الثوب والشجر انفضه إذا حركته لينتفض، والنفض بالتحريك ما تساقط من الورق والثمر.
صحاح.
(2) قريت الضيف قرى مثال قليته قلى وقراء أحسنت إليه إذا كسرت القاف قصرت وإذا فتحت مدت. صحاح.
145

من خشية الله إذا اقسم عليها باسم الله وبأسماء أوليائه محمد وعلي وفاطمة
والحسن والحسين والطيبين من آلهم وما الله بغافل عما تعملون بل عالم بها
يجازيكم بالعدل وقرئ بالياء.
(75) أفتطمعون يا محمد أنت وأصحابك وقر ئ بالياء أن يؤمنوا لكم
هؤلاء اليهود ويصدقوكم بقلوبهم وقد كان فريق منهم طائفة من اسلافهم
يسمعون كلام الله في أصل جبل طور سيناء وأو امره ونواهيه ثم يحرفونه عما
سمعوه إذا أدوه إلى من ورائهم من سائر بني إسرائيل من بعد ما عقلوه فهموه
بعقولهم وهم يعلمون انهم في تقولهم كاذبون قيل معنى الآية ان أحبار هؤلاء
ومقدميهم كانوا على هذه الحالة فما طمعكم بسفلتهم وجهالهم.
(76) وإذا لقوا الذين آمنوا كسلمان وأبي ذر ومقداد قالوا آمنا كإيمانكم
واخبروهم بما بين الله لهم من الدلالات على نعت محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا اي كبراؤهم اي شئ صنعتم
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من الدلالات الواضحة على صدقه ليحاجوكم به
عند ربكم بأنكم قد علمتم هذا وشاهدتموه فلم لم تؤمنوا به ولم تطيعوه وقد رأوا
بجهلهم أنهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن لهم عليهم حجة في غيرها أفلا
تعقلون إن هذا الذي تخبرونهم به حجة عليكم عند ربكم.
(77) أولا يعلمون: هؤلاء القائلون لاخوانهم تحدثونهم بما فتح الله
عليكم أن الله يعلم ما يسرون من عداوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وان
إظهارهم الايمان به أمكن لهم من اصطلامه وإبادة أصحابه وما يعلنون من
الايمان به ظاهرا ليؤنسوهم ويقفوا به على اسرارهم ويذيعوها بحضرة من
نصرهم.
(78) ومنهم أميون لا يقرؤون الكتاب ولا يكتبون والأمي منسوب إلى
الام اي هو كما خرج من بطن أمه لا يقرأ ولا يكتب لا يعلمون الكتب المنزل
من السماء ولا المكذب به لا يميزون بينهما إلا أماني الا ان يقرأ عليهم ويقال
146

لهم هذا كتاب الله وكلامه لا يعرفون ان ما قرئ من الكتاب خلاف ما فيه.
أقول: هو استثناء منقطع يعني الا ما يقدرونه في أنفسهم من منى أخذوها
تقليدا من المحرفين للتوراة واعتقدوها ولم يعرفوا انه خلاف ما في التوراة وإن
هم إلا يظنون ما يقلدونه من رؤسائهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم.
قال (عليه السلام): قال رجل للصادق (عليه السلام) فإذا كان هؤلاء العوام
من اليهود لا يعرفون الكتاب الا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره
فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوام اليهود الا كعوامنا يقلدون
علماءهم فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم لم يجز لهؤلاء القبول من
علمائهم فقال (عليه السلام) بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق
من جهة وتسوية من جهة أما من حيث استووا فان الله قد ذم عوامنا بتقليدهم
علماءهم كما قد ذم عوامهم وأما من حيث افترقوا فلا، قال بين لي ذلك يا بن
رسول الله قال إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علمائهم بالكذب الصرايح وبأكل
الحرام والرشا وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات (1)
وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم وأنهم إذا تعصبوا أزالوا
حقوق من تعصبوا عليه وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم
وظلموهم من أجلهم وعرفوهم يقارفون المحرمات واضطروا بمعارف قلوبهم إلى
أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز ان يصدق على الله ولا على الوسائط
بين الخلق وبين الله فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنه لا
يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم
يشاهدوه ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ
كانت دلائله أوضح من أن يخفى وأشهر من أن لا تظهر لهم وكذلك عوام أمتنا
إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب (2) على حطام
الدنيا وحرامها وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقا وبالترفق

(1) المصانعة الرشوة والمداهنة والمداراة. منه قدس الله سره.
(2) هم يتكالبون على كذا أي يتواثبون. منه قدس الله سره.
147

بالبر والإحسان على من تعصبوا له وإن كان للاذلال والإهانة مستحقا فمن قلد
من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة
فقهائهم فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا
لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم
فان من يركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم
عنا شيئا ولا كرامة لهم.
(79) فويل: شدة من العذاب في أسوء بقاع جهنم للذين يكتبون الكتاب
بأيديهم يحرفون من أحكام التوراة ثم يقولون هذا من عند الله وذلك أنهم كتبوا
صفة زعموا أنه صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو خلاف صفته وقالوا
للمستضعفين هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان إنه طويل عظيم البدن
والبطن أصهب (1) الشعر ومحمد (صلى الله عليه وآله) بخلافه وأنه يجئ بعد هذا
الزمان بخمسمائة سنة ليشتروا به ثمنا قليلا لتبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم
وتدوم (2) لهم منهم إصاباتهم وبكفوا أنفسهم مؤونة خدمة رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) فويل لهم مما كتبت أيديهم يعني المحرف وويل لهم شدة من
العذاب ثانية مضافة إلى الأولى مما يكسبون من الأموال التي يأخذونها إذا ثبتوا
عوامهم على الكفر.
(80) وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة لما قال لهم ذووا أرحامهم لم
تفعلون هذا النفاق الذي تعلمون أنكم به عند الله مسخوط عليكم معذبون أجابهم
هؤلاء اليهود بأن مدة العذاب الذي نعذب به لهذه الذنوب أيام معدودة وهي التي
عبدنا فيها العجل وهي تنقضي ثم نصير بعده في النعمة في الجنان ولا نستعمل
المكروه في الدنيا للعذاب الذي هو بقدر أيام ذنوبنا فإنها تفنى وتنقضي ونكون

(1) الصهبة الشقرة في شعر الرأس. صحاح. الشقرة لون الأشقر وهي في الإنسان حمرة صافية وبشرته مائلة إلى
البياض. ص.
(2) أي تدوم للرؤساء منهم أي من ناحية الضعفاء إصاباتهم أي مقاصدهم وحوائجهم وأمانيهم والمراد بالضعفاء
الضعفاء في الرأي.
148

قد حصلنا لذات الحرية من الخدمة ولذات نعمة الدنيا ثم لا نبالي بما يصيبنا
بعد فإنه إذا لم يكن دائما فكأنه قد فنى قل يا محمد أتخذتم عند الله عهدا ان
عذابكم على كفركم منقطع غير دائم فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله
ما لا تعلمون يعني اتخذتم عهدا أم تقولون بل أنتم في أيهما ادعيتم كاذبون بل
ما هو الا عذاب دائم لا نفاد له.
(81) بلى من كسب سيئة وأحطت به خطيئته وقرئ خطيئاته بالجمع،
قيل أي استولت عليه وشملت جملة أحواله حتى صار كالمحاط بها لا يخرج
عنها شئ من جوانبه.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) السيئة المحيطة به أن تخرجه عن جملة دين
الله وتنزعه عن ولاية الله ولا تؤمنه من سخط الله وهي الشرك بالله والكفر به وبنبوة
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وولاية علي (عليه السلام) وخلفائه وكل واحدة من
هذه سيئة تحيط به أي تحيط بأعماله فتبطلها وتمحقها، قيل وتحقيق ذلك أن من
أذنب ذنبا ولم يقلع عنه استجره إلى معاودة مثله والانهماك فيه وارتكاب ما هو
أكبر منه حتى يستولي عليه الذنوب ويأخذ بمجامع قلبه فيصير بطبعه مائلا إلى
المعاصي مستحسنا إياها معتقدا أن لا لذة سواها مبغضا لمن يمنعه عنها مكذبا
لمن ينصحه فيها كما قال الله تعالى ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوءى أن كذبوا
بآيات الله فأولئك عاملوا هذه السيئة المحيطة أصحاب النار هم فيها خالدون لأن
نياتهم في الدنيا ان لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا فبالنيات خلدوا كذا في
الكافي عن الصادق (عليه السلام).
وفي التوحيد عن الكاظم (عليه السلام) لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر
والجحود وأهل الضلال والشرك.
وفي الكافي عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إذا جحدوا إمامة أمير
المؤمنين (عليه السلام) فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
149

(82) والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها
خالدون.
(83) وإذ أخذنا واذكروا إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل عهدهم المؤكد
عليهم.
أقول: وهو جار في أخلافهم لما أدى إليهم أسلافهم قرنا بعد قرن وجار
في هذه الأمة أيضا كما يأتي بيانه في ذي القربى لا تعبدون وقرئ بالياء إلا الله
لا تشبهوه بخلقه ولا تجوزوه في حكمه ولا تعملوا ما يراد به وجهه تريدون به
وجه غيره، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من شغلته (1) عبادة الله
عن مسألته أعطاه أفضل ما يعطي السائلين.
وقال الصادق (عليه السلام): ما أنعم الله على عبد أجل من أن لا يكون في
قلبه مع الله غيره وبالوالدين إحسانا وأن تحسنوا بهما إحسانا مكافأة عن إنعامهما
عليهم وإحسانهما إليهم واحتمال المكروه الغليظ فيهم لترفيههم.
وفي الكافي سئل الصادق (عليه السلام) ما هذا الإحسان قال: أن تحسن
صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين
أليس الله (1) يقول: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) *.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
أفضل والديكم وأحقهما بشكركم محمد (ص) وعلي (عليه السلام)
وقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) سمعت رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يقول: أنا وعلي أبوا هذه الأمة ولحقنا عليهم أعظم من حق أبوي ولادتهم
فانا ننقذهم ان أطاعونا من النار إلى دار القرار ونلحقهم من العبودية بخيار
الأحرار.

(1) هذا الحديث مروي في جملة تفسير الإمام (عليه السلام) ويأتي نظيره مما أرسل في كلامه. منه قدس سره.
(2) لعل وجه الاستشهاد بالآية أن مما يحب الانسان لنفسه الرفاهية والدعة وفراغ البال مما يهمه ورعاية حال الوالدين
بحيث لا يسألانه شيئا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين لا يقتضي تفقد حالهما في كل حال والاهتمام بشأنهما في جميع
الأحوال فهذا إنفاق مما يحب. منه قدس الله سره.
150

قول: ولهذه الأبوة صار المؤمنون أخوة كما قال الله عز وجل إنما
المؤمنون اخوة وذي القربى وأن تحسنوا بقراباتهما لكرامتهما وقال أيضا: هم
قراباتك من أبيك وأمك قيل لك اعرف حقهم كما أخذ العهد به على بني
إسرائيل وأخذ عليكم معاشر أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمعرفة حق
قرابات محمد الذين هم الأئمة بعده ومن يليهم بعد من خيار أهل دينهم، قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من رعى حق قرابات أبويه أعطي في الجنة ألف
ألف درجة ثم فسر الدرجات ثم قال ومن رعى حق قربى محمد وعلي أوتي من
فضائل الدرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) وعلي (عليه السلام) على أبوي نسبه واليتامى الذين فقدوا آباءهم الكافين
لهم أمورهم السائقين إليهم قوتهم وغذائهم المصلحين لهم معاشهم قال (عليه
السلام): وأشد من يتم هذا اليتيم من يتم عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه
ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه الا فمن كان من شيعتنا عالما
بعلومنا وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ألا فمن
هداه وارشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى حدثني بذلك أبي عن
آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمساكين هو سكن من الضر
والفقر حركته قال: ألا فمن واساهم بحواشي ماله وسع الله عليه جنانه وأناله
غفرانه ورضوانه ثم قال (عليه السلام): إن من محبي محمد مساكين مواساتهم
أفضل من مواساة مساكين الفقر وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم عن
مقابلة أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم ويسفهون أحلامهم ألا فمن قواهم بفقهه
وعلمه حتى أزال مسكنتهم ثم سلطهم على الأعداء الظاهرين من النواصب وعلى
الأعداء الباطنين إبليس ومردته حتى يهزمونهم عن دين الله ويذودوهم عن أولياء
رسول الله حول الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم وأعجزهم عن إضلالهم
قضى الله بذلك قضاء حقا على لسان رسول الله وقولوا للناس الذين لا مؤونة
لهم عليكم حسنا وقرئ بفتحتين عاملوهم بخلق جميل، قال: قال الصادق
(عليه السلام): قولوا للناس حسنا كلهم مؤمنهم ومخالفهم أما المؤمنون فيبسط
151

لهم وجهه وبشره وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمان فان
ييأس من ذلك يكف شرورهم عن نفسه وإخوانه المؤمنين ثم قال (عليه السلام)
: إن مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء على نفسه وإخوانه وكان رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) في منزله إذ استأذن عليه عبد الله بن أبي بن سلول
فقال رسول الله (صلى الله وآله وسلم) بئس أخو العشيرة ائذنوا له فلما دخل
أجلسه وبشر في وجهه فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله (ص) قلت فيه ما
قلت وفعلت فيه من البشر ما فعلت فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
يا عويش يا حميراء إن شر الناس عند الله يوم القيامة من يكرم اتقاء شره.
وفي الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قولوا للناس حسنا
أحسن ما تحبون أن يقال لكم فان الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين
المتفحش السائل الملحف (1) ويحب الحيي الحليم الضعيف المتعفف.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) لا تقولوا الا خيرا حتى تعلموا ما
هو.
وفيه وفي التهذيب والخصال عنه (عليه السلام) والعياشي عن الباقر (عليه
السلام) أنها نزلت في أهل الذمة ثم نسخها قوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون
بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين
أوتوا الكتب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
والقمي: نزلت في اليهود ثم نسخت بقوله تعالى: فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم.
أقول: إن قيل فما وجه التوفيق بين نسخها وبقاء حكمها قلنا إنما نسخت
في حق اليهود وأهل الذمة المأمور بقتالهم وبقي حكمها في سائر الناس وأقيموا
الصلاة باتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وأداء حقوقها التي إذا لم تؤد لم
يتقبلها رب الخلائق أتدرون ما تلك الحقوق هو إتباعها بالصلاة على محمد

(1) الحف في المسألة يلحف إلحافا إذا ألح فيها ولزمها. منه قدس الله سره.
152

وعلي وآلهما منطويا على الاعتقاد بأنهم أفضل خيرة الله والقوام بحقوق الله
والنصار لدين الله، قال (عليه السلام): وأقيموا الصلاة على محمد وآله عند
أحوال غضبكم ورضاكم وشدتكم ورخاكم وهمومكم المعلقة بقلوبكم واتوا
الزكاة من المال والجاه وقوة البدن ثم توليتم أيها اليهود من الوفاء بالعهد الذي
أداه إليكم أسلافكم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون عن ذلك العهد تاركين له
غافلين عنه.
(84) وإذ أخذنا ميثاقكم واذكروا يا بني إسرائيل حين أخذنا ميثاقكم على
أسلافكم وعلى كل من يصل إليه الخبر بذلك من أخلافكم الذين أنتم فيهم لا
تسفكون دماءكم ولا يسفك بعضكم دماء بعض ولا تخرجون أنفسكم من دياركم
لا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم ثم أقررتم بذلك الميثاق كما أقر به أسلافكم
والتزمتموه كما التزموه وأنتم تشهدون بذلك على أسلافكم وأنفسكم.
(85) ثم أنتم معاشر اليهود هؤلاء قيل هو خبر أنتم على معنى أنتم بعد
ذلك هؤلاء الناقضون كقولك أنت ذلك الرجل الذي فعل كذا استبعادا لما
ارتكبوه بعد الميثاق والاقرار به والشهادة عليه تقتلون أنفسكم يقتل بعضكم بعضا
وتخرجون فريقا منكم من ديارهم غضبا وقهرا عليهم تظاهرون عليهم تظاهر
بعضكم بعضا على إخراج من تخرجونه من ديارهم وقتل من تقتلونه منهم بغير
حق وقرى بتشديد الظاء والتظاهر التعاون بالإثم والعدو ن بالتعدي تتعاونون
وتتظاهرون وإن يأتوكم يعني هؤلاء الذين تخرجونهم أي ترومون إخراجهم
وقتلهم ظلما أن يأتوكم أسارى قد أسرهم أعداؤكم وأعداؤهم وقرئ
أسرى تفدوهم من الأعداء بأموالكم وقرئ تفدوهم بفتح التاء بغير الف وهو
محرم عليكم إخراجهم أعاد قوله إخراجهم لئلا يتوهم ان المحرم إنما هو
مفاداتهم أفتؤمنون ببعض الكتب وهو الذي أوجب عليكم المفاداة وتكفرون
ببعض وهو الذي حرم عليكم قتلهم وإخراجهم فإذا كان قد حرم الكتاب قتل
النفوس والاخراج من الديار كما فرض فداء الأسرى فما بالكم تطيعون في بعض
وتعصون في بعض كأنكم ببعض مؤمنون فما جزاء من يفعل ذلك منكم معاشر
153

اليهود إلا خزي ذل في الحياة الدنيا جزية تضرب عليه ويذل بها ويوم القيمة
يردون إلى أشد العذاب إلى جنس أشد العذاب يتفاوت ذلك على قدر تفاوت
معاصيهم وما الله بغافل عما تعملون يعمل هؤلاء اليهود وقرئ بالياء.
(86) أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ورضوا بالدنيا وحطامها
بدلا من نعيم الجنان المستحق بطاعات الله فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم
ينصرون ولا ينصرهم أحد يدفع عنهم العذاب قال (عليه السلام): قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم): لما نزلت الآية في اليهود أي الذين نقضوا عهد الله
وكذبوا رسل الله وقتلوا أولياء الله أفلا أنبئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأمة
قالوا بلى يا رسول الله قال قوم من أمتي ينتحلون بأنهم من أهل ملتي يقتلون
أفاضل ذريتي وأطايب أرومتي (1) ويبدلون شريعتي وسنتي ويقتلون ولدي الحسن
والحسين كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى ألا وان الله يلعنهم كما لعنهم
ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرفهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم.
والقمي أنها نزلت في أبي ذر (ره) وفيما فعل به عثمان بن عفان وكان
سبب ذلك أنه لما امر عثمان بنفي أبي ذر (ره) إلى الربذة دخل عليه أبو ذر
وكان عليلا وهو متكئ على عصاه وبين يدي عثمان ماءة ألف درهم اتته من بعض
النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون أن يقسمها فيهم فقال أبو ذر
لعثمان: ما هذا المال؟ فقال: حمل إلينا من بعض الأعمال ماءة ألف درهم
أريد أن أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأيي. قال أبو ذر: يا عثمان أيما أكثر ماءة
ألف درهم أم أربعة دنانير؟ قال عثمان: بل ماءة ألف درهم فقال: اما تذكر إذ
أنا وأنت دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشاء فوجدناه كئيبا
حزينا فسلمنا عليه ولم يرد (علينا السلام) فلما أصبحنا اتيناه فرأيناه ضاحكا
مستبشرا فقلت له بأبي أنت وأمي دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا وعدنا

(1) الأروم: بفتح الهمزة أصل الشجرة والقرن (ص). الأرومة بالضم الأصل. ق
154

إليك اليوم فرأيناك ضاحكا مستبشرا فقال: نعم كان قد بقي عندي من في ء
المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسمتها وخفت ان يدركني الموت وهي عندي وقد
قسمتها اليوم فاسترحت. ونظر عثمان إلى كعب الأحبار فقال له: يا أبا إسحاق
ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك فقال:
لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شئ فرفع أبو ذر عصاه
فضرب بها رأس كعب وقال: يا بن اليهودية المشركة ما أنت والنظر في احكام
المسلمين قول الله عز وجل أصدق من قولك حيث قال: الذين يكنزون الذهب
والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم إلى قوله فذوقوا ما كنتم
تكنزون قال عثمان: يا أبا ذر إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك
لرسول الله لقتلتك. فقال: كذبت يا عثمان ويلك اخبرني حبيبي رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: لا يفتنونك يا أبا ذر ولا يقتلونك اما عقلي فقد
بقي منه ما اذكرني حديثا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قاله فيك
وفي قومك قال: وما سمعت من رسول الله في وفي قومي قال سمعته يقول:
وهو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثين رجلا صيروا
مال الله دولا (1) وكتاب الله دغلا (2) وعباد الله خولا (3) والصالحين حربا والفاسقين
حزبا. قال عثمان: يا معشر أصحاب محمد هل سمع أحد منكم هذا الحديث
من رسول الله؟ قالوا: لا ما سمعنا هذا من رسول الله فقال عثمان ادعوا عليا
(عليه السلام) فجاءه أمير المؤمنين فقال له عثمان: يا أبا الحسن اسمع ما يقول
هذا الشيخ الكذاب فقال أمير المؤمنين: مه يا عثمان لا تقل كذاب فإني سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على
ذي لهجة أصدق من أبي ذر قال أصحاب رسول الله: صدق علي سمعنا هذا
القول من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعند ذلك بكى أبو ذر وقال ويلكم كلكم

(1) الدولة بالضم في المال يقال صار القئ دولة بينهم يتداولونه يكون مرة لهذا ومرة لهذا والجمع دولات ودول
صحاح.
(2) الدغل بالتحريك الفساد مثل الدخل يقال قد أدغل في الأمر إذا أدخل فيه ما يخالفه ويفسده. ص.
(3) الخول بالتحريك ما أعطاك الله من النعم والعبيد والإماء وغيرهم. وخول الرجل: حشمه. ص.
155

قد مد عنقه إلى هذا المال ظننتم إني أكذب على رسول الله.
ثم نظر إليهم فقال من خيركم فقالوا: أنت تقول إنك خيرنا قال: نعم
خلفت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الجبة وهي علي بعد
وأنتم قد أحدثتم احداثا كثيرة والله سائلكم عن ذلك ولا يسألني فقال عثمان: يا
أبا ذر أسألك بحق رسول الله إلا ما أخبرتني عما أنا سائلك عنه فقال أبو ذر:
والله لو لم تسألني بحق رسول الله أيضا لأخبرتك فقال: أي البلاد أحب إليك أن
تكون فيها؟ فقال مكة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت
فقال لا ولا كرامة لك قال المدينة حرم رسول الله فقال لا ولا كرامة لك قال:
فسكت أبو ذر. فقال أي البلاد أبغض إليك أن تكون بها قال الربذة التي كنت
بها على غير دين الإسلام. فقال عثمان سر إليها فقال أبو ذر: قد سألتني
فصدقتك وأنا أسألك فأصدقني قال نعم قال أخبرني لو أنك بعثتني فيمن بعثت
من أصحابك إلى المشركين فأسروني وقالوا لا نفديه إلا بثلث ما تملك قال:
كنت أفديك قال فان قالوا لا نفديه إلا بنصف ما تملك قال: كنت أفديك
قال: فان قالوا لا نفديه إلا بكل ما تملك قال: كنت أفديك فقال أبو ذر: الله
أكبر قال لي حبيبي رسول الله يوما: يا أبا ذر كيف أنت إذا قيل لك أي البلاد
أحب إليك أن تكون فيها فتقول مكة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى
يأتيني الموت فيقال لا ولا كرامة لك فتقول فالمدينة حرم رسول الله فيقال: لا
ولا كرامة لك ثم يقال لك فأي البلاد أبغض إليك أن تكون فيها فتقول الربذة
التي كنت فيها على غير دين الإسلام فيقال لك سر إليها فقلت: وإن هذا لكائن
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إي والذي نفسي بيده انه لكائن
فقلت يا رسول الله أفلا أضع سيفي على عاتقي فأضرب به قدما قدما، قال: لا
اسمع واسكت ولو لعبد حبشي وقد أنزل الله تعالى فيك وفي عثمان خصمك آية
فقلت: وما هي يا رسول الله فقال قول الله تعالى: وتلا هذه الآية.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في حديث وجوه الكفر في القرآن
قال: الرابع من الكفر ترك ما أمر الله وهو قول الله عز وجل وتلا هذه الآية فقال
156

فكفرهم بترك ما أمر الله ونسبهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده.
(87) ولقد آتينا موسى الكتب: التوراة المشتملة على أحكامنا وعلى ذكر
فضل محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته وإمامة علي (عليه السلام) وخلفائه بعده
وشرف أحوال المسلمين له وسوء أحوال المنافقين عليه وقفينا من بعده بالرسل
جعلنا رسولا في إثر رسول وآتينا عيسى ابن مريم البينات أعطيناه الآيات
الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والانباء بما يأكلون وما يدخرون
في بيوتهم وأيدناه بروح القدس وقرئ مخففا وهو جبرائيل وذلك حين رفعه من
روزنة بيته إلى السماء والقى شبهه على من رام قتله فقتل بدلا منه وقيل هو
المسيح.
أقول: وفي رواية أخرى أنه القي شبهه على رجل من خواصه إثر حياته
على حياة نفسه كما يأتي.
والقمي عن الباقر (عليه السلام) القى شبهه على رجل من خواصه ليقتل
فيكون معه في درجته كما يأتي في سورة آل عمران إن شاء الله.
أفكلما جاءكم أيها اليهود رسول بما لا تهوى أنفسكم أخذ عهودكم
ومواثيقكم بما لا تحبون من اتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبذل الطاعة
لأولياء الله استكبرتم على الإيمان والاتباع ففريقا كذبتم كموسى وعيسى وفريقا
تقتلون قتل أسلافكم زكريا ويحيى وأنتم رمتم قتل محمد وعلي (عليهما السلام)
فخيب الله سعيكم ورد كيدكم في نحوركم فمعنى تقتلون قتلتم كما تقول لمن
توبخه ويلك لم تكذب ولا تريد ما يفعله بعد وإنما تريد لم فعلت وأنت عليه
موطن ثم قال (عليه السلام): ولقد رامت الفجرة الكفرة ليلة العقبة قتل رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) على العقبة ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة
قتل علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فما قدروا على مغالبة ربهم حملهم
على ذلك حسدهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في علي لما فخم أمره
وعظم شأنه ثم ذكر القصة بطولها وسيأتي ذكر ملخصها من طريق آخر من
157

المجمع في سورة التوبة إن شاء الله.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) قال: ضرب الله مثلا لأمة محمد (صلى
الله وآله وسلم) فقال لهم: فان جاءكم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بما
لا تهوي أنفسكم بموالاة علي استكبرتم ففريقا من آل محمد (صلى الله عليه وآله
) كذبتم وفريقا تقتلون، قال: فذلك تفسيرها في الباطن.
(88) وقالوا قلوبنا غلف أي أوعية للخير والعلوم قد أحاطت بها
واشتملت عليها ثم هي مع ذلك لا نعرف لك يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم
) فضلا مذكورا في شئ من كتب الله ولا على لسان أحد من أنبيا الله فرد الله
عليهم بقوله: بل لعنهم الله بكفرهم أبعدهم من الخير فقليلا ما يؤمنون يعني
فإيمانا قليلا يؤمنون ببعض ما أنزل الله ويكفرون ببعض قال (عليه السلام): وإذا
قرئ غلف (1) فإنهم قالوا قلوبنا في غطاء فلا نفهم كلامك وحديثك كما قال الله
تعالى وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفى آذاننا وقر ومن بيننا وبينك
حجاب، قال: وكلتا القراءتين حق وقد قالوا بهذا وهذا جميعا.
(89) ولما جاءهم يعني اليهود كتب من عند الله القرآن مصدق لما معهم
من التوراة التي بين فيها أن محمدا الأمي من ولد إسماعيل المؤيد بخير خلق
الله بعده علي ولي الله وكانوا من قبل أن ظهر محمد بالرسالة يستفتحون يسألون
الله الفتح والظفر على الذين كفروا من أعدائهم وكان الله يفتح لهم وينصرهم
فلما جاءهم ما عرفوا من نعت محمد وصفته كفروا به جحدوا نبوته حسدا له
وبغيا عليه فلعنة الله على الكافرين.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: في هذه الآية
كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين
عير وأحد فخرجوا يطلبون الموضع فمروا بجبل يسمى جبيل وبجبل يسمى

(1) كان القراءة الأولى بضم اللام جمع غلاف والثانية بسكون اللام جمع أغلف مستعار من الأغلف الذي لم يختن.
منه قدس الله سره.
158

حداد فقالوا حداد واحد سواء فتفرقوا عنده فنزل بعضهم بتيماء وبعضهم بفدك
وبعضهم بخيبر فاشتاق الذين بتيماء (1) إلى بعض إخوانهم فمر بهم أعرابي من
قيس فتكاروا منه، وقال: أمر بكم ما بين عير (2) وأحد فقالوا له إذا مررت بهما
فأذنا بهما فلما توسط بهم ارض المدينة قال لهم ذلك عير وهذا أحد فنزلوا عن
ظهر إبله وقالوا قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة لنا في إبلك فاذهب حيث شئت وكتبوا
إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر أنا قد أصبنا الموضع فهلموا إلينا فكتبوا إليهم أنا
قد استقرت بنا الدار واتخذنا الأموال وما أقربنا منكم فلما كان ذلك فما أسرعنا
إليكم فاتخذوا بأرض المدينة الأموال فلما كثرت أموالهم بلغ
تبع (3) فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم وكانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبع فيلقون
إليهم بالليل التمر والشعير فبلغ ذلك تبع فرق لهم وأمنهم فنزلوا إليه فقال لهم:
إني قد استطبت بلادكم ولا أراني إلا مقيما فيكم فقالوا له إن ذاك ليس لك إنها
مهاجر نبي وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك فقال لهم إني مخلف فيكم من
أسرتي من إذا كان ذلك ساعده ونصره فخلف حيين الأوس (4) والخزرج (5) فلما
كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود وكانت اليهود تقول لهم: أما لو قد
بعث الله فيكم محمدا لنخرجنكم من ديارنا وأموالنا فلما بعث الله محمدا (صلى
الله عليه وآله وسلم) آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود وهو قول الله عز وجل
وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة
الله على الكافرين.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال كان قوم
فيما بين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعيسى وكانوا يتوعدون أهل الأصنام

(1) تيما اسم موضع. ص.
(2) عير جبل بالمدينة. ص.
(3) تبع كسكر واحد التبايعة من ملوك خمير سمي تبعا لكثرة أتباعه، وقيل سموا تبابعة لأن الأخير يتبع الأول في
الملك وهم سبعون تبعا ملكوا جميع الأرض ومن فيها من العرب والعجم وكان تبع الأوسط مؤمنا الخ. مجمع.
(4) الأوس أبو قبيلة من اليمن وهو أوس بن قيلة أخو الخزرج منهم الأنصار وقيلة أمهما.
(5) الخزرج قبيلة من الأنصار.
159

بالنبي ويقولون ليخرجن النبي فليكسرن أصنامكم وليفعلن بكم كذا فلما خرج
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفروا به.
والقمي كانت اليهود يقولون للعرب قبل مجئ النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم): أيها العرب هذا أوان نبي يخرج من مكة وكانت مهاجرته بالمدينة وهو آخر الأنبياء وأفضلهم في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يلبس الشملة (1)
ويجتزئ بالكسرة (2) والتميرات ويركب الحمار العري وهو الضحوك القتال يضع
سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر لنقتلنكم به
يا معشر العرب قتل عاد فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به كما قال
الله وكانوا من قبل، الآية.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ان الله
تعالى أخبر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما كان من إيمان اليهود بمحمد
(صلى الله عليه وآله وسلم) قبل ظهوره ومن استفتاحهم على أعدائهم بذكره
(والصلاة عليه وآله)، قال وكان الله عز وجل أمر اليهود في أيام موسى وبعده إذا
دهمهم أمر أو دهمتهم داهية أن يدعوا الله عز وجل بمحمد وآله الطيبين وأن
يستنصروا بهم، وكانوا يفعلون ذلك حتى كانت اليهود من أهل المدينة قبل
ظهور محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بسنين كثيرة يفعلون ذلك فيكفون البلاء
والدهماء والداهية وكانت اليهود قبل ظهور محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعشر
سنين يعاديهم أسد وغطفان وقوم من المشركين ويقصدون أذاهم فكانوا
يستدفعون شرورهم وبلاءهم بسؤالهم ربهم بمحمد وآله الطيبين حتى قصدهم
في بعض الأوقات أسد وغطفان في ثلاثة آلاف فارس إلى بعض قرى اليهود
حوالي المدينة فتلقاهم اليهود وهم ثلاثمائة فارس ودعوا الله بمحمد وآله
فهزموهم وقطعوهم وقال أسد وغطفان بعضهم لبعض تعالوا نستعين عليهم بسائر

(1) الشملة بالفتح كساء دون القطيفة يشتمل به. ق.
(2) الكسرة بالكسر القطعة من الشئ المكسور، والجمع كسر كقطعة وقطع، ومنه الحديث معه كسرة قد غمسها
في اللبن. ص.
160

القبائل فاستعانوا عليهم بالقبائل فأكثروا حتى اجتمعوا على قدر ثلاثين ألفا
وقصدوا هؤلاء الثلثمائة في قريتهم فألجؤوهم إلى بيوتها وقطعوا عنها المياه
الجارية التي كانت تدخل إلى قراهم فلم يأمنوهم وقالوا لا إلا أن نقتلكم
ونسبيكم وننهبكم فقالت اليهود بعضها لبعض كيف نصنع فقال لهم أماثلهم وذوو
الرأي منهم أما أمر موسى اسلافكم فمن بعدهم بالاستنصار بمحمد وآله الطيبين
أما أمركم بالابتهال إلى الله عز وجل عند الشدائد بهم قالوا بلى قالوا فافعلوا
فقالوا اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما سقيتنا فقد قطعت الظلمة عنا المياه
حتى ضعف شباننا وتماوت (1) ولداننا وأشرفنا على الهلكة فبعث الله لهم وابلا
هطلا صبا متتابعا ملا حياضهم وآبارهم وأنهارهم وأوعيتهم وظروفهم فقالوا هذه
إحدى الحسنيين ثم أشرفوا من سطوحهم على العساكر المحيطة بهم فإذا المطر
قد أذاهم غاية الأذى وافسد أمتعتهم وأسلحتهم وأموالهم فانصرف عنهم لذلك
بعضهم وذلك أن المطر اتاهم في غير أوانه في حمازة (2) القيظ حين لا يكون
مطر فقال الباقون من العساكر هبكم سقيتم فمن أين تأكلون ولئن انصرف عنكم
هؤلاء فلسنا ننصرف حتى نقهركم على أنفسكم وعيالاتكم وأهاليكم وأموالكم ونشفي غيظا
منكم فقالت اليهود ان الذي سقانا بدعائنا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قادر
على أن يطعمنا وان الذي صرف عنا من صرفه قادر ان يصرف الباقين ثم دعوا
الله بمحمد وآله ان يطعمهم فجاءت قافلة عظيمة من قوافل الطعام قدر الفي
جمل وبغل وحمار موقرة حنطة ودقيقا وهم لا يشعرون بالعساكر فانتهوا إليهم وهم
نيام ولم يشعروا بهم لأن الله تعالى ثقل نومهم حتى دخلوا القرية ولم يمنعوهم
وطرحوا فيها أمتعتهم وباعوها منهم فانصرفوا وابعدوا وتركوا العساكر نائمة وليس
في أهلها عين تطرف فلما ابعدوا انتبهوا ونابذوا اليهود الحرب وجعل يقول
بعضهم لبعض: الوحا (3) الوحا فان هؤلاء اشتد بهم الجوع وسيذلون لنا قال لهم

(1) تماوت ولداننا ماتوا أو أشرفوا عليه.
(2) حمازة القيظ بالحاء المهملة والزاي شدته. منه قدس الله سره.
(3) الوحا الوحا بالمد والقصر السرعة المسرعة وهو منصوب بفعل مضمر واستوحيته استصرخته.
161

اليهود: هيهات بل قد أطعمنا ربنا وكنتم نياما جاءنا من الطعام كذا وكذا ولو
أردنا قتلكم في حال نومكم ليهئ لنا ولكنا كرهنا البغي عليكم فانصرفوا عنا وإلا
دعونا عليكم بمحمد وآله واستنصرنا بهم ان يخزيكم كما قد أطعمنا وسقانا فأبوا
إلا طغيانا فدعوا الله بمحمد وآله واستنصروا بهم.
ثم برز الثلاثمائة إلى الثلاثين ألفا فقتلوا منهم وأسروا وطحطحوهم (1)
واستوثقوا منهم بأسرائهم فكان لا يبدأهم مكروه من جهتهم لخوفهم على من لهم
في أيدي اليهود فلما ظهر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حسدوه إذ كان من
العرب وكذبوه ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه نصرة الله تعالى
لليهود على المشركين بذكرهم لمحمد وآله ألا فاذكروا يا أمة محمد (صلى الله
عليه وآله وسلم) محمدا وآله عند نوائبكم وشدائدكم لينصرن الله به ملائكتكم
على الشياطين الذين يقصدونكم فان كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب
حسناته وملك عن يساره يكتب سيئاته ومعه شيطانان من عند إبليس يغويانه فإذا
وسوسا في قلبه ذكر الله تعالى وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وصلى الله على محمد وآله خنس (1) الشيطانان واختفيا. الحديث.
(90) بئس ما اشتروا به أنفسهم: ذم الله اليهود وعاب فعلهم في كفرهم
بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يعني اشتروا أنفسهم بالهدايا والفضول التي
كانت تصل إليهم وكان الله أمرهم بشرائها من الله بطاعتهم له ليجعل لهم أنفسهم
والانتفاع بها دائما في نعيم الآخرة فلم يشتروها بل اشتروها بما انفقوه في عداوة
رسول الله ليبقى لهم عزهم في الدنيا ورئاستهم على الجهال وينالوا المحرمات
وأصابوا الفضولات من السفلة وصرفوهم عن سبيل الرشاد ووقفوهم على طريق
الضلالات أن يكفروا بما أنزل الله على موسى من تصديق محمد (صلى الله عليه
وآله وسلم) بغيا لبغيهم وحسدهم أن ينزل الله وقرى ء مخففا من فضله على من
يشاء من عباده يعني تنزيل القرآن على محمد الذي ابان فيه نبوته واظهر به آيته

(1) يقال طحطحت الشئ إذا كسرته وفرقته. ص.
(1) خنس عنه يخنس بالضم أي تأخر وأخنسه غيره إذا خلفه ومضى عنه. ص.
162

ومعجزاته وفضائل أهل بيته.
وفي الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام): قال: بما انزل الله في علي
بغيا.
فباءوا وبغضب على غضب يعني رجعوا وعليهم الغضب من الله في اثر
غضب فالغضب الأول حين كذبوا بعيسى بن مريم فجعلهم قردة خاسئين ولعنهم
على لسان عيسى والغضب الثاني حين كذبوا بمحمد (صلى الله عليه وآله) فسلط
عليهم سيوف أصحابه حتى ذللهم بها فاما دخلوا في الإسلام طائعين وإما أعطوا
الجزية صاغرين. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يقول من سئل عن علم فكتمه حيث يجب اظهاره ويزول عنه التقية جاء
يوم القيامة ملجما بلجام من نار وللكافرين عذاب مهين يعني لهم أظهر لينبئ
عن السبب كذا قيل وله نظائر كثيرة في القرآن.
(91) وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله: على محمد (صلى الله على
محمد وآله وسلم) من القرآن قالوا نؤمن بما أنزل علينا وهو التوراة ويكفرون بما
وراءه ما سواه لا يؤمنون به وهو الحق لأنه هو الناسخ للمنسوخ الذي تقدمه
مصدقا لما معهم وهو التوراة قل فلم تقتلون فلم كنتم تقتلون لم كان يقتل
أسلافكم أنبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين بالتوراة فان فيها تحريم قتل الأنبياء
وفيها الأمر بالإيمان بمحمد والقرآن فما آمنتم بعد بالتوراة.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) إنما نزل هذا في قوم من اليهود كانوا
على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يقتلوا الأنبياء بأيديهم ولا
كانوا في زمانهم فإنما قتل أوائلهم الذين كانوا من قبلهم فجعلهم الله منهم
وأضاف إليهم فعل أوائلهم بما تبعوهم وتولوهم.
أقول: قد مضى تحقيق ذلك في المقدمة الثالثة.
(92) ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل إلها من بعده بعد
انطلاقه إلى الجبل وخالفتم خليفته الذي نص عليه وتركه عليكم وهو هارون
163

وأنتم ظالمون بما فعلتم.
(93) وإذ أخذنا ميثاقكم: واذكروا إذ أخذنا ميثاق اسلافكم ورفعنا فوقكم
الطور: فعلنا بهم ذلك لما أبوا من قبول ما جاءهم به موسى من دين الله
واحكامه وفرض تعظيم محمد وآله خذوا قلنا لهم خذوا ما آتيناكم ما أعطيناكم
من الفرائض بقوة قد أعطيناكموها ومكناكم بها وأزحنا عللكم في تركيبها فيكم
واسمعوا ما يقال لكم وتؤمرون به قالوا سمعنا قولك وعصينا أمرك اي انهم
عصوا بعد واضمروا في الحال أيضا العصيان قالوا سمعنا بآذاننا وعصينا بقلوبنا
فاما في الظاهر فاعطوا كلهم الطاعة داخرين صاغرين.
وأشربوا في قلوبهم العجل
أمروا بشرب العجل الذي كان قد ذريت سحالته (1) في الماء الذي أمروا بشربه
ليتبين من عبده ممن لم يعبده كما مر في تفسير قوله تعالى: فاقتلوا أنفسكم قال
(عليه السلام): عرضوا لشرب العجل الذي عبدوه حتى وصل ما شربوه من ذلك
إلى قلوبهم بكفرهم لأجل كفرهم أمروا بذلك.
أقول: لا تنافي بين هذا التفسير وما هو المشهور في تفسير الآية وهو ان
معناه تداخلهم حبه ورسخ في قلوبهم صورته لفرط شغفهم به كما يتداخل الصبع
الثوب والشراب اعماق البدن لجواز الجمع بين الأمرين وأن يكون الشرب ظاهرا
سببا للحب باطنا وفي قلوبهم بيان لمكان الأشراب كقوله: إنما يأكلون في
بطونهم نارا.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) قال: لما ناجى موسى ربه أوحى الله
تعالى إليه أن يا موسى قد فتنت قومك قال بماذا يا رب؟ قال بالسامري قال وما
السامري قال قد صاغ لهم من حليهم عجلا قال: يا رب ان حليهم لا يحتمل
أن يصاغ منه غزال أو تمثال أو عجل فكيف فتنتهم؟ قال: انه صاغ لهم عجلا
فخار قال: يا رب ومن اخاره قال: انا فقال: عندها موسى إن هي الا فتنتك
تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء قال: فلما انتهى موسى إلى قومه ورآهم

(1) بالمهملتين الفتات ذريت أي فرقت. منه قدس الله سره.
164

يعبدون العجل القى الألواح من يده فكسرت.
قال أبو جعفر (عليه السلام): كان ينبغي أن يكون ذلك عند اخبار الله تعالى
إياه قال: فعمد موسى فبرد العجل من انفه إلى طرف ذنبه ثم أحرقه بالنار فذره
في اليم قال: فكان أحدهم ليقع في الماء وما به إليه من حاجة فيتعرض بذلك
الرماد فيشربه وهو قول الله: * (واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) *.
أقول: وعلى هذه الرواية يشبه أن يكون حبهم للعجل صار سببا لشربهم
إياه بالعكس مما مر.
قل بئس ما يأمركم به إيمانكم بموسى والتوراة ان تكفروا بي إن كنتم
مؤمنين كما تزعمون بموسى والتوراة ولكن معاذ الله لا يأمركم إيمانكم بموسى
والتوراة الكفر بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
(94) قل: يا محمد لهؤلاء اليهود القائلين بأن الجنة خالصة لنا من دونك
ودون أهل بيتك وانا مبتلون بكم وممتحنون ونحن أولياء الله المخلصون وعباد الله
الخيرون ومستجاب دعاؤنا غير مردود علينا شي ء من سؤالنا إن كانت لكم الدار
الآخرة الجنة ونعيمها عند الله خالصة من دون الناس محمد وأهل بيته ومؤمني
أمته فتمنوا الموت للكاذب منكم ومن مخالفيكم فان محمدا وعليا وذريتهما
يقولون انهم أولياء الله من دون الناس الذين هم يخالفونهم في دينهم وهم
المجاب دعاؤهم فان كنتم معاشر اليهود تدعون ذلك فقولوا اللهم أمت الكاذب
منا ومن مخالفينا ليستريح منا الصادقون ولتزداد حجتك وضوحا بعد أن وضحت
إن كنتم صادقين إنكم أنتم المحقون المجاب دعاؤكم على مخالفيكم ثم قال
رسول الله بعدما عرض هذا عليهم: لا يقولها أحد منكم الا غص بريقه فمات
مكانه وكانت اليهود علماء بأنهم الكاذبون وان محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم)
وأصحابه هم الصادقون فلم يجسروا ان يدعوا به.
أقول: المشهور أن المراد بتمنيهم الموت تمنيه لأنفسهم لدعواهم انهم
أولياء الله وأحباؤه وقولهم لن يدخل الجنة الا من كان هودا فان في التوراة مكتوبا
165

ان أولياء الله يتمنون الموت ولا يرهبونه والوجه في ذلك ان من أيقن أنه من أهل
الجنة اشتاقها وأحب التخلص إليها من الدار ذات الشوائب كما قال أمير
المؤمنين (عليه السلام) بماذا أحببت لقاء ربك قال لما رأيته قد اختار لي دين
ملائكته ورسله وأنبيائه علمت بأن الذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحببت لقائه.
(95) ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم من موجبات النار كالكفر بمحمد
وآله والقرآن وتحريف التوراة والله عليم بالظالمين تهديد لهم وتنبيه على أنهم
ظالمون في دعوى ما ليس لهم ونفيه عمن هو لهم كذا قيل.
(96) ولتجدنهم أحرص الناس على حياة: ليأسهم عن نعيم الآخرة
لانهماكهم في كفرهم الذي يعلمون انه لاحظ لهم معه في شئ من خيرات
الجنة ومن الذين أشركوا واحرص من الذين أشركوا يعني المجوس الذين لا
يرون النعيم الا في الدنيا ولا يأملون خيرا في الآخرة قيل افرادهم بالذكر للمبالغة
فان حرصهم شديد إذ لم يعرفوا الا الحياة العاجلة أو للزيادة في التوبيخ والتقريع
فإنهم لما زاد حرصهم وهم مقرون بالجزاء على حرص المنكرين دل ذلك على
علمهم بأنهم سائرون إلى النار يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو أي التعمير
ألف سنة بمزحزحه مباعده من العذاب أن يعمر إنما ابدل من الضمير وكرر
التعمير لئلا يتوهم عوده إلى التمني والله بصير بما يعملون فعلى حسبه يجازيهم
ويعدل عليهم ولا يظلمهم.
(97) قل من كان عدوا لجبريل: وقرى ء بفتح الجيم وكسر الراء من غير
همز وبفتحهما مهموزا بياء بعد الهمزة وبغير ياء فإنه فان جبرائيل نزله نزل القرآن
على قلبك يا محمد وهذا كقوله سبحانه نزل به الروح الأمين على قلبك بإذن الله
بأمره مصدقا لما بين يديه من كتب الله وهدى من الضلالة وبشرى للمؤمنين بنبوة
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وولاية علي (صلوات الله عليه) ومن بعده من
الأئمة (عليهم السلام) بأنهم أولياء الله حقا قال شيعة محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) وعلي (عليه السلام) ومن تبعهم من أخلافهم وذراريهم.
(97) قل من كان عدوا لجبريل: وقرئ بفتح الجيم وكسر الراء من غير
همز وبفتحهما مهموزا بياء بعد الهمزة وبغير ياء فإنه فان جبرائيل نزله نزل القرآن
على قلبك يا محمد وهذا كقوله سبحانه نزل به المروح الأمين على قلبك بإذن الله
بأمره مصدقا لما بين يديه من كتب الله وهدى من الضلالة وبشرى للمؤمنين بنبوة
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وولاية علي (صلوات الله عليه) ومن بعده من
الأئمة (عليهم السلام) بأنهم أولياء الله حقا قال شيعة محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) وعلي (عليه السلام) ومن تبعهم من أخلافهم وذراريهم.
166

(98) من كان عدوا لله: بأن يخالفه عنادا لإنعامه على المقربين من عباده
وملائكته المبعوثين لنصرتهم ورسله المخبرين عن فضلهم الداعين إلى متابعتهم
وجبريل وميكال خصوصا وقرئ بغير همزة ولا ياء وبهمزة من غير ياء فإن الله
عدو للكافرين بهم وذلك قول من قال من النصاب لما قال النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) في علي (عليه السلام): جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره
وإسرافيل من خلفه وملك الموت امامه والله تعالى من فوق عرشه ناظر بالرضوان
إليه ناصره قال بعض النصاب انا أبرأ من الله وجبرائيل وميكائيل والملائكة الذين
حالهم مع علي ما قال محمد (صلى عليه وآله وسلم) فقال الله من كان عدوا
لهؤلاء تعصبا على علي فان الله يفعل بهم ما يفعل العدو بالعدو.
والقمي انها نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله
لو كان الملك الذي يأتيك ميكائيل لآمنا بك فإنه ملك الرحمة وهو صديقنا
وجبرئيل ملك العذاب وهو عدونا.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) ان الله ذم اليهود في بغضهم لجبرئيل الذي
كان ينفذ قضاء الله فيهم فيما يكرهون كدفعه عن بخت نصر ان يقتله دانيال (عليه
السلام من غير ذنب جنى بخت نصر حتى بلغ كتاب الله في اليهود أجله وحل
بهم ما جرى في سابق علمه وذمهم أيضا وذم النواصب في بغضهم لجبرائيل
وميكائيل وملائكة الله النازلين لتأييد علي بن أبي طالب (عليه السلام) على
الكافرين حتى أذلهم بسيفه الصارم.
وفيه وفي الاحتجاج قال أبو محمد قال جابر بن عبد الله لما قدم النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة اتوه بعبد الله بن صوريا غلام أعور يهودي تزعم
اليهود انه اعلم يهودي بكتاب الله وعلوم أنبيائه فسأله عن أشياء فأجابه عنها
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما لم يجد إلى إنكار شئ منه سبيلا إلى
أن قال بقيت خصلة ان قلتها آمنت بك واتبعتك أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله
قال جبرئيل: قال ابن صوريا ذاك عدونا من بين الملائكة ينزل بالقتل والشدة
والحرب ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك
167

آمنا بك وميكائيل كان يشد ملكنا وجبرئيل كان يهلك ملكنا فهو عدونا قال فقال
له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ويحك أجهلت أمر الله وما ذنب
جبرئيل إن أطاع الله فيما يريده بكم أرأيتم الآباء والأمهات إذا أوجروا الأولاد
الدواء الكريهة لمصالحهم يجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك لا
ولكنكم بالله جاهلون وعن حكمه غافلون أشهد ان جبرئيل وميكائيل بأمر الله
عاملان وله مطيعان وانه لا يعادي أحدهما الا من عادى الآخر وانه من زعم أنه
يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كذب وكذلك محمد رسول الله (ص) وعلي
اخوان فمن أحبهما فهو من أولياء الله ومن أبغضهما فهو من أعداء الله ومن أبغض
أحدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذب وهما منه بريئان والله تعالى وملائكته
وخيار خلقه منه براء.
قال الإمام (عليه السلام): فقال له سلمان الفارسي (ص) فما بدو
عداوته لكم قال نعم يا سلمان عادانا مرارا كثيرة وكان من أشد ذلك علينا ان الله
أنزل على أنبيائه: ان البيت المقدس يخرب على يد رجل يقال له بخت نصر
وفي زمانه أخبرنا بالخبر الذي يخرب به والله يحدث الأمر بعد الأمر فيمحو ما
يشاء ويثبت ما يشاء فلما بلغنا ذلك الخبر الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس
بعث أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم كان يعد من أنبيائهم يقال له
دانيال في طلب بخت نصر ليقتله فحمل معه وقرة مال لينفقه في ذلك فلما انطلق
في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولا منعة فأخذه صاحبنا ليقتله
فدفع عنه جبرائيل وقال لصاحبنا إن كان ربكم هو الذي امر بهلاككم فإنه لا
يسلطك عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي شئ تقتله فصدقه صاحبنا وتركه ورجع
إلينا فأخبرنا بذلك وقوي بخت نصر وملك وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا
نتخذه عدوا وميكائيل عدو لجبرئيل.
فقال سلمان: يا ابن صوريا بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم
أرأيتم أوايلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر وقد أخبر الله تعالى في كتبه على
ألسنة رسله انه يملك ويخرب بيت المقدس أرادوا بذلك تكذيب أنبياء الله في
168

خبرهم واتهموهم في اخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن الله ومع ذلك أرادوا
مغالبة الله هل كان هؤلاء ومن وجهوه الا كفارا بالله واي عداوة يجوز ان يعتقد
لجبرئيل وهو يصده عن مغالبة الله عز وجل وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى
فقال ابن صوريا قد كان الله اخبر بذلك على ألسن أنبيائه ولكنه يمحو ما يشاء
ويثبت.
قال سلمان: فإذا لا تثقوا بشئ مما في التوراة من الأخبار عما مضى وما
يستأنف فان الله يمحو ما يشاء ويثبت وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون
عن النبوة وابطلا في دعواهما لأن الله يمحو ما يشاء ويثبت ولعل كل ما أخبراكم
أنه يكون لا يكون وما أخبراكم أنه لا يكون يكون وكذلك ما أخبراكم عما (1) كان
لعله لم يكن وما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان ولعل ما وعده من الثواب يمحوه
ولعل ما توعده به من العقاب يمحوه فإنه يمحو ما يشاء ويثبت وإنكم جهلتم
معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت فلذلك كنتم أنتم بالله كافرون ولأخباره عن الغيوب
مكذبون وعن دين الله منسلخون ثم قال سلمان فاني أشهد ان من كان عدوا
لجبرائيل فإنه عدو لميكائيل وانهما جميعا عدوان لمن عاداهما سلمان لمن
سالمهما فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان قل من كان عدوا لجبرائيل
الآية.
(99) ولقد أنزلنا إليك آيات بينات: دالات على صدقك في نبوتك
وإمامة علي (عليه السلام) أخيك موضحات عن كفر من شك فيكما وما يكفر بها
إلا الفاسقون الخارجون عن دين الله وطاعته من اليهود والكاذبين من النواصب
المتسمين بالمسلمين.
(100) أوكلما عاهدوا واثقوا وعاقدوا عهدا ليكونن لمحمد (صلى الله عليه
وآله وسلم) طائعين ولعلي (عليه السلام) بعده مؤتمرين وإلى أمره صائرين نبذه نبذ
العهد فريق منهم وخالفه بل أكثرهم بل أكثر هؤلاء اليهود والنواصب لا يؤمنون

(1) أريد بالأخبار عما كان وما لم يكن الأخبار عما غاب عن الحس بغير طريق الا حساس بكونه وعدم كونه. منه
قدس الله سره.
169

في مستقبل أعمارهم لا يرعون ولا يتوبون مع مشاهدتهم الآيات ومعاينتهم
الدلالات.
(101) ولما جاءهم رسول (1) من عند الله مصدق لما معهم قال: قال
الصادق (عليه السلام) ولما جاءهم جاء اليهود ومن يليهم من النواصب كتاب من
عند الله القرآن مشتملا على وصف محمد وعلي وإيجاب ولايتهما وولاية
أوليائهما وعداوة أعدائهما.
أقول: إنما فسر الرسول بالكتاب لاستلزامه إياه دون العكس وليوافق ما
سبق في نظيره ولموافقة المنبوذ. نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله
التوراة وسائر كتب أنبيائه وراء ظهورهم تركوا العمل بما فيها حسدا لمحمد
(صلى الله عليه وآله وسلم) على نبوته ولعلي (عليه السلام) على وصيته وجحدوا
على ما وقفوا عليه من فضائلهما كأنهم لا يعلمون فعلوا قعل من لا يعلم مع
علمهم بأنه حق.
(ونحن أيضا به نظهر العجائب حتى ينقاد لنا الناس ونستغني عن الانقياد
لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام).
القمي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) قال: لما هلك سليمان وضع
إبليس السحر ثم كتبه في كتاب فطواه وكتب على ظهره هذا ما وضع آصف بن
برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم من أراد كذا وكذا فليعمل
كذا وكذا ثم دفنه تحت السرير ثم استشاره لهم فقرأه فقال الكافرون ما كان يغلبنا
سليمان إلا بهذا وقال المؤمنون بل هو عبد الله ونبيه فقال الله في كتابه واتبعوا ما

(1) يعني ان فسر الرسول لم يفد هذه الفائدة ولم يفهم منه الكتاب. منه قدس الله سره.
(2) على بمعنى في كما في قوله تعالى ودخل في المدينة على حين غفلة من أهلها.
170

تتلو الشياطين على ملك سليمان أي السحر.
وفي الاحتجاج عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال السائل فمن أين
علم الشياطين السحر قال من حيث عرف الأطباء الطب بعضه تجربة وبعضه
علاج وما كفر سليمان ولا استعمل السحر كما قال هؤلاء الكافرون ولكن
الشياطين كفروا وقرئ بتخفيف النون ورفع ما بعده يعلمون الناس السحر يعني
كفروا بتعليمهم الناس السحر الذي نسبوه إلى سليمان بن داود وما أنزل على
الملكين وبتعليمهم إياهم ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت اسم
الملكين.
قال الصادق (عليه السلام: وكان بعد نوح قد كثر السحرة والمموهون فبعث
الله تعالى ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة وذكر ما يبطل به
سحرهم ويرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله عز
وجل وأمرهم أن يقفوا به على السحر وان يبطلوه ونهاهم أن يسحروا به الناس
وهذا كما يدل على السم ما هو وعلى ما يدفع به غائلة السم ثم يقال لمتعلم
ذلك هذا السم فمن رأيته سم فادفع غائلته بكذا وكذا وإياك أن تقتل بالسم أحدا
قال: وذلك النبي أمر الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين ويعلما هم ما
علمهما الله من ذلك ويعظاهم وما يعلمان من أحد ذلك السحر وابطاله حتى
يقولا للمتعلم إنما نحن فتنة امتحان للعباد وليطيعوا الله عز وجل فيما يتعلمون من
هذا ويبطلوا به كيد السحر ولا يسحروا فلا تكفر باستعمال هذا السحر وطلب
الاضرار به ودعاء الناس إلى أن يعتقدوا أنك به تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر
عليه إلا الله فان ذلك كفر فيتعلمون يعني طالبي السحر منهما يعني مما تتلوا
الشياطين على ملك سليمان من النيرنجات وما أنزل على الملكين ببابل هاروت
وماروت يتعلمون من هذين الصنفين ما يفرقون به بين المرء وزوجه هذا من
يتعلم للاضرار بالناس يتعلمون التفريق بضروب من الحيل والتمائم والإيهام وانه
قد دفن في موضع كذا وعمل كذا ليخب قلب المرأة على الرجل وقلب الرجل
على المرأة ويؤدي إلى الفراق بينهما وما هم بضارين به من أحد أي ما
171

المتعلمون لذلك بضارين به من أحد إلا بإذن الله يعني بتخلية الله وعلمه فإنه لو
شاء لمنعهم بالجبر والقهر ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم لأنهم إذا تعلموا ذلك
السحر ليسحروا به ويضروا فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم ولا ينفعهم فيه بل
ينسلخون عن دين الله بذلك ولقد علموا علم هؤلاء المتعلمون لمن اشتراه بدينه
الذي ينسلخ عنه بتعلمه ما له في الآخرة من خلق من نصيب في ثواب الجنة.
وفي العيون عن الصادق (عليه السلام) لأنهم يعتقدون أن لا آخرة فهم
يعتقدون أنها إذا لم تكن فلا خلاق لهم في دار الآخرة بعد الدنيا وإن كانت بعد
الدنيا آخرة فهم مع كفرهم بها لا خلاق لهم فيها.
ولبئس ما شروا به أنفسهم رهنوها بالعذاب لو كانوا يعلمون انهم قد باعوا
الآخرة وتركوا نصيبهم من الجنة لأن المتعلمين لهذا السحر هم الذين يعتقدون
ان لا رسول ولا إله ولا بعث ولا نشور.
(103) ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة (1) من عند الله خير لو كانوا يعلمون قال
الراوي قلت لأبي محمد (عليه السلام) فان قوما عندنا يزعمون أن هاروت وماروت
ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم وأنزلهما الله مع ثالث لهما إلى
الدنيا وانهما افتتنا بالزهرة وارادا الزنا بها وشربا الخمر وقتلا النفس المحرمة وأن الله
تعالى يعذبهما ببابل وان السحرة منهما يتعلمون السحر وان الله مسخ تلك المرأة هذا
الكوكب الذي هو الزهرة فقال الامام معاذ الله من ذلك ان ملائكة الله معصومون
محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله تعالى قال الله عز وجل فيهم: * (لا يعصون
الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * وقال: * (وله من في السماوات والأرض ومن
عنده) *. يعني الملائكة لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل
والنهار لا يفترون، وقال في الملائكة أيضا بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم
بأمره يعملون إلى قوله مشفقون.

(1) المثوبة والثواب والأجر نظائر ونقيض المثوبة العقوبة يقال ثاب يثوب ثوبا وثوابا وإثابة إثابة وثوابا ومثوبة والأصل
في الثواب ما رجع إليك من شئ. م.
172

وفي العيون عن الصادق (عليه السلام) مثل ما في تفسير الإمام (عليه السلام) من
قوله واتبعوا ما تتلوا الشياطين إلى هنا بزيادة أشرنا إليها في محلها وعن الرضا (عليه
السلام) أنه سئل عما يرويه الناس من امر الزهرة وانها كانت امرأة فتن بها هاروت
وماروت وما يروونه من أمر سهيل وانه كان عشارا باليمن فقال: كذبوا في قولهم إنهما
كوكبان وإنما كانتا دابتين من دواب البحر فغلط الناس وظنوا انهما الكوكبان وما كان
الله عز وجل ليمسخ أعداءه أنوارا مضيئة ثم يبقها ما بقيت السماوات والأرض وان
المسوخ لم يبق أكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت وما تناسل منها شئ وما على وجه
الأرض اليوم مسخ وان التي وقع عليها اسم المسوخة مثل القردة والخنزير والدب
وأشباهها إنما هي مثل ما مسخ الله عز وجل على صورها قوما غضب الله عليهم
ولعنهم بانكارهم توحيد الله وتكذيبهم رسله واما هاروت وماروت فكانا ملكين علما
الناس السحر ليحترزوا به من سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم وما علما أحدا من ذلك
شيئا الا قالا له إنما نحن فتنة فلا تكفر فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه
وجعلوا يفرقون بما تعلموه بين المرء وزوجه.
أقول: واما ما كذبوه (عليهم السلام) من امر هاروت وماروت ومسخ زهرة
وقصتهم المشتهرة بين الناس فقد ورد عنهم (عليهم السلام) في صحتها أيضا روايات
والوجه في الجمع والتوفيق اي يحمل روايات الصحة على كونها من مرموزات
الأوائل وإشاراتهم وإنهم لما رأوا ان حكاتها كانوا يحملونها على ظاهرها كذبوها ولا
بأس بإيرادها وحلها فان هاهنا محلها.
القمي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) انه سأله عطاء عن هاروت وماروت
فقال (عليه السلام إن الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كل يوم وليلة
يحفظون اعمال أوساط أهل الأرض من ولد آدم ومن الجن ويسطرونها ويعرجون بها
إلى السماء قال فضج أهل السما من اعمال أوساط أهل الأرض في المعاصي
والكذب على الله تعالى وجرأتهم عليه ونزهوا الله مما يقولون ويصفون فقالت طائفة
من الملائكة يا ربنا اما تغضب مما يعمل خلقك في أرضك ومما يصفون فيك الكذب
ويقولون الزور ومما يرتكبونه من المعاصي التي نهيتهم عنها وهم في قبضتك وتحت
173

قدرتك قال: فأحب الله عز وجل ان يرى الملائكة سابق علمه في جميع خلقه
ويعرفهم ما من به عليهم مما طبعهم عليه من الطاعة وعدل به عنهم من الشهوات
الإنسانية فأوحى الله عز وجل إليهم ان انتدبوا منكم ملكين حتى أهبطهما إلى الأرض
واجعل فيهما الطبائع البشرية من الشهوة والحرص والأمل كما هو في ولد آدم ثم
اختبرهما في الطاعة لي ومخالفة الهوى قال: فندبوا لذلك هاروت وماروت وكانا من
أشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم واستيثار غضب الله تعالى عليهم فأوحى الله
سبحانه وتعالى إليهما اهبطا إلى الأرض فقد جعلت فيكما طبائع الشهوات والحرص
والأمل وأمثالها كما جعلت في بني آدم واني آمركما ألا تشركا بي شيئا ولا تقتلا النفس
التي حرمتها ولا تزنيا ولا تشربا الخمر ثم اهبطا إلى الأرض في صورة البشر ولباسهم
فهبطا في ناحية بابل فرفع لهما بناء مشرف فأقبلا نحوه فإذا ببابه
امرأة جميلة حسناء
متزينة متعطرة مسفرة مستبشرة نحوهما فلما تأملا حسنها وجمالها وناطقاها وقعت في
قلوبهما أشد موقع واشتد بهما الشهوة التي جعلت فيهما فمالا إليها ميل فتنة وخذلان
وحادثاها وراوداها عن نفسها فقالت لهما إن لي دينا أدين به وليس في ديني أن
أجيبكما إلى ما تريدان الا ان تدخلا في ديني فقالا وما دينك فقالت لهما: إن لي إلها
من عبد وسجد له فهو ممن في ديني وانا مجيبة لما يسأل مني فقالا وما إلهك فقالت
إلهي هذا الصنم فنظر كل إلى صاحبه فقال له: هاتان خصلتان مما نهينا عنه الزنا
والشرك لأنا إن سجدنا لهذا الصنم وعبدنا أشركنا بالله وهو ذا نحن نطلب الزنا ولا
نقدر على مغالبة الشهوة فيه ولن يحصل بدون هذا قالا لها: إنا نجيبك إلى ما سألت
قالت: فدونكما هذه الخمرة فاشربا فإنها قربان لكما منه وبها تبلغان مرادكما فائتمرا
بينهما وقالا: هذه ثلاث خصال مما نهينا عنها الشرك والزنا وشرب الخمر وإنا لا نقدر
على الزنا الا بهاتين حتى نصل إلى قصاء وطرنا فقالا ما أعظم البلية بك فقد أجبناك
قالت: فدونكما اشربا هذا الخمر واسجدا للصنم فشربا الخمر وسجدا ثم راوداها
فلما تهيأت لذلك دخل عليهما سائل
فرأهما على تلك الحالة فذعرا منه فقال:
ويلكما قد خلوتما بهذه المرأة المعطرة الحسناء وقعدتما منها على مثل هذه الفاحشة
إنكما لرجلا سوء لأفعلن بكما وخرج على ذلك فنهضت، فقالت: لا وإلهي لا
174

تصلان الآن إلي وقد اطلع هذا الرجل علينا وعرف مكانكما وهو لا محالة يخبر
بخبركما فبادرا واقتلاه قبل أن يفضحنا جميعا ثم دونكما فاقضيا وطركما مطمئنين
آمنين فأسرعا إلى الرجل فأدركاه وقتلاه ثم رجعا إليها فلم يرياها وبدت لهما سوأتهما
ونزع عنهما رياشهما وأسقطا في أيديهما وسمعا هاتفا: إنكما هبطتما إلى الأرض
بين البشر من خلق الله تعالى ساعة من النهار فعصيتما بأربع من كبائر المعاصي وقد
نهاكما عنها وقدم إليكما فيها ولم تراقباه ولا استحييتما منه وقد كنتما أشد من نقم على
أهل الأرض المعاصي واسجر غضبه عليهم ولما جعل فيكما من طبع خلقه البشري
وكان عصمكم من المعاصي كيف رأيتم موضع خذلانه فيكم قال وكان قلبهما في
حب تلك المرأة ان وضعا طرائق من السحر ما تداوله أهل تلك الناحية.
قال الإمام (عليه السلام): فخيرهما الله عز وجل بين عذاب الدنيا وعذاب
الآخرة فقال أحدهما لصاحبه نتمتع من شهوات الدنيا إذ صرنا إليها إلى أن نصير إلى
عذاب الآخرة فقال الآخران: عذاب الدنيا له انقطاع وعذاب الآخرة لا انقطاع له
وليس حقيق بنا أن نختار عذاب الآخرة الشديد الدائم على عذاب الدنيا المنقطع
الفاني قال: فاختارا عذاب الدنيا وكانا يعلمان الناس السحر بأرض بابل ثم لما علما
الناس السحر رفعا من الأرض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في الهواء إلى
يوم القيامة.
والعياشي عن أبي الطفيل قال كنت في مسجد الكوفة فسمعت عليا وهو على
المنبر فناداه ابن الكوا وهو في مؤخر المسجد فقال: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) ما
الهدى؟ قال: لعنك الله أولم تسمعه ما الهدى تريد ولكن العمى تريد.
ثم قال (عليه السلام): ادن فدنا منه فسأله عن أشياء فأخبره فقال: أخبرني عن
هذه الكوكبة الحمراء يعني الزهرة قال: إن الله اطلع ملائكته على خلقه وهم على
معصية من معاصيه فقال الملكان هاروت وماروت هؤلاء الذين خلقت آباهم بيدك
وأسجدت له ملائكتك يعصونك قال فلعلكم لو ابتليتم بمثل الذي ابتليتهم به
عصيتموني كما عصوني قالا: لا وعزتك قال: فابتلاهم بمثل الذي ابتلى به
175

بني آدم من الشهوة ثم أمرهم أن لا يشركوا به شيئا ولا يقتلوا النفس التي حرم الله ولا
يزنوا ولا يشربوا الخمر ثم أهبطهما إلى الأرض فكانا يقضيان بين الناس هذا في ناحية
وهذا في ناحية فكانا بذلك حتى أتت أحدهما هذه الكوكبة تخاصم إليه وكانت من
أجمل الناس فأعجبته فقال لها: الحق لك ولا أقضي لك حتى تمكنيني من نفسك
فواعدت يوما ثم أتت الآخر فلما خاصمت إليه وقعت في نفسه وأعجبته كما أعجبت
الآخر فقال لها مثل مقالة صاحبه فواعدته الساعة التي واعدت صاحبه فاتفقا جميعا
عندها في تلك الساعة فاستحي كل واحد من صاحبه حيث رآه وطأطأ رؤوسهما
ونكسا ثم نزع الحياء منهما فقال أحدهما لصاحبه يا هذا جاء بي الذي جاء بك قال ثم
أعلماها وزاودا عن نفسها فأبت عليهما حتى يسجدا لوثنها ويشربا من شرابها فأبيا
عليها وسألا ها فأبت الا أن يشربا من شرابها فلما شربا صليا لوثنها ودخل مسكين
فرأهما فقالت لهما يخرج هذا فيخبر عنكما فقاما إليه فقتلاه ثم راوداها عن نفسها
فأبت حتى يخبرانها بما يصعدان به إلى السماء وكان يقضيان بالنهار فإذا كان الليل
صعدا إلى السماء فأبيا عليها وأبت أن تفعل فأخبراها فقالت: ذلك لتجرب (1)
مقالتهما وصعدت ورفعا أبصارهما إليها فرأيا أهل السماء مشرفين عليها ينظرون إليها
وتناهت إلى السماء فمسخت وهي الكوكبة التي ترى.
وفي الخصال عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جده قال: ان المسوخ من
بني آدم ثلاثة عشر إلى أن قالوا وما الزهرة فكانت امرأة فتنت هاروت وماروت فمسخها
الله كوكبا.
وعنه عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال سألت رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) عن المسوخ قال هي ثلاثة عشر إلى أن قال: وأما الزهرة
فكانت امرأة نصرانية وكانت لبعض ملوك بني إسرائيل وهي التي فتن بها هاروت
وماروت وكان اسمها ناهيل والناس يقولون ناهيد.
وفي العلل عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث قال: ومسخت الزهرة لأنها

(1) يعني لتقول مثل مقالتهم فتعلم هل يتأتى الصعود بذلك القول أم لا. منه قدس الله سره.
176

كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت.
وعنه عن أبيه في حديث قال: واما الزهرة فإنها كانت امرأة تسمى ناهيل وهي
التي تقول الناس انه افتتن بها هاروت وماروت.
أقول: في نسبة افتتانهما إلى قول الناس دليل على ما قلناه من أنها من
المرموزات، وأما حلها فلعل المراد بالملكين الروح والقلب فإنهما من العالم
الروحاني اهبطا إلى العالم الجسماني لإقامة الحق فافتتنا بزهرة الحياة الدنيا ووقعا في
شبكة الشهوة فشربا خمر الغفلة وعبدا صنم الهواء وقتلا عقلهما الناصح لهما بمنع
تغذيته بالعلم والتقوى ومحو اثر نصحه عن أنفسهما وتهيئا للزنا ببغي الدنيا الدنية التي
تلي تربية النشاط والطرب فيها الكوكب المسمى بزهرة فهربت الدنيا منهما وفاتتهما
لما كان من عادتها أن تهرب من طالبيها لأنها متاع الغرور وبقي اشراق حسنها في
موضع مرتفع بحيث لا تنالها أيدي طلابها ما دامت الزهرة باقية في السماء وحملهما
حبها في قلبهما إلى أن وضعا طرائق من السحر وهو ما لطف مأخذه ودق فخيرا
للتخلص منها فاختارا بعد التنبه وعود العقل إليهما أهون العذابين ثم رفعا إلى البرزخ
معذبين ورأسهما بعد إلى أسفل إلى يوم القيامة هذا ما خطر بالبال في حل هذا الرمز
وأما حل بقية اجزائه التي في رواية أبي الطفيل فموكول إلى بصيرة ذوي البصائر وقيل
بل هو إشارة إلى أن الشخص العالم الكامل المقرب من حظائر القدس قد يوكل إلى
نفسه الغرارة ولا يلحقه العناية والتوفيق فينبذ علمه وراء ظهره ويقبل على مشتهياته
الحسية الخسيسة ويطوي كشحه عن اللذات الحقيقية والمراتب العلية فينحط إلى
أسفل السافلين والشخص الناقص الجاهل المنغمس في الأوزار قد يختلط بذلك
الشخص العالم قاصدا بذلك الفساد والفحشاء فيدركه توفيق إلهي فيستفيد من ذلك
العالم ما يضرب بسببه صفحا عن أدناس دار الغرور وأرجاس عالم الزور ويرتفع ببركة
ما تعلمه عن حضيض الجهل والخسران إلى أوج العز والعرفان فيصير المتعلم في
أرفع درج العلاء والمعلم في أسفل درك الشقاء.
أقول: هذا الحل غير منطبق على الرمز بتمام أجزائه.
177

(104) يا أيها الذين آمنوا العياشي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) والسجاد
ليس في القرآن يا أيها الذين آمنوا الا وهي في التوراة يا أيها المساكين لا تقولوا (1)
راعنا راع أحوالنا وراغبنا وتأن بنا فيما تلقننا حتى نفهمه وذلك لأن اليهود لما سمعوا
المسلمين يخاطبون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقولهم راعنا وكان راعنا في
لغتهم سبا بمعنى اسمع لا سمعت قال بعضهم لبعض لو كنا نشتم محمدا (صلى الله
عليه وآله وسلم) إلى الآن سرا فتعالوا الآن نشتمه جهرا فكانوا يقولون له راعنا يريدون
شتمه ففطن لذلك سعد بن معاذ الأنصاري فلعنهم وأوعدهم بضرب أعناقهم لو
سمعها منهم فنزلت وقولوا انظر إلينا واسمعوا إذا قال لكم رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) قولا وأطيعوا وللكافرين الشاتمين عذاب أليم.
(105) ما يود الذين كفروا من أهل الكتب ولا المشركين أن ينزل عليكم من
خير من ربكم آية بينة وحجة معجزة لنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وشرفه وشرف
أهل بيته والله يختص برحمته توفيقه لدين الاسلام وموالاة محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) وعلي (عليه السلام) من يشاء، وفي المجمع عن أمير المؤمنين والباقر (عليهما
السلام) يعني بنبوته والله ذو الفضل العظيم يعني على من وفقه لدينه وموالاتهما.
أقول: أو من يختاره لنبوته أو ما يشملهما وغيرهما.
(106) ما ننسخ من آية بأن نرفع حكمها، وقرأ بعضهم النون وكسر
السين أو ننسها بأن نرفع رسمها ونبلي عن القلوب حفظها وعن قلبك يا محمد كما
قال: سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله أن ينسيك فرفع عن قلبك ذكره وقرئ ننساها
بفتح النون واثبات الألف نأت بخير منها بما هو أعظم لثوابكم واجل لصلاحكم أو
مثلها من الصلاح يعني إنا لا ننسخ ولا نبدل الا وغرضنا في ذلك مصالحكم.

(1) قوله تعالى لا تقولوا راعنا كان المسلمون يقولون يا رسول الله راعنا أي استمع منا فحرفت اليهود هذه اللفظة
فقالوا يا محمد راعنا وهم ملحدون إلى الرعونة يريدون به النقيصة والوقيعة فلما عوتبوا قالوا نقول كما يقول المسلمون فنى
الله عن ذلك بقوله ولا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا وقال قتادة إنها كلمة تقولها اليهود على وجه الاستهزاء، وقال عطا هي
كلمة كانت الأنصار تقولها في الجاهلية فتهوا عنها في الإسلام، وقال السدي كان ذلك كلام يهودي بعينه يقال له رفاعة
بن زيد يريد بذلك الرعونة فني المسلمون عن ذلك (مجمع).
178

أقول: وذلك لأن المصالح تختلف باختلاف الأعصار والأشخاص فان النافع
في عصر وبالنسبة إلى شخص قد يضر في غير ذلك العصر وفي غير ذلك الشخص،
ويأتي بيان ذلك مفصلا من كلام المعصوم (عليه السلام) في تفسير آيات القبلة إن شاء الله
، قيل إنها نزلت حين قالوا إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر بأمر ثم ينهى
عنه ويأمر بخلافه.
ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير يقدر على النسخ والتبديل لمصالحكم
ومنافعكم.
(107) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وهو العالم بتدبيرها
ومصالحها فهو يدبركم بعلمه وما لكم من دون الله من ولي يلي صلاحكم إذ كان
العالم بالمصالح هو دون غيره ولا نصير ولا لكم من ناصر ينصركم من مكروه إن أراد
إنزاله بكم أو عقاب إن أراد إحلاله بكم.
(108) أم تريدون بل تريدون يا كفار قريش ويهود أن تسألوا رسولكم ما
تقترحونه من الآيات التي لا تعلمون هل فيه صلاحكم أو فسادكم كما سئل موسى من
قبل واقترح عليه لما قيل له لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة ومن
يتبدل الكفر بالإيمان بعد جواب الرسول له إن ما سأله لا يصلح اقتراحه على الله فلا
يؤمن إذا عرف أنه ليس له أن يقترح أو بعد ما يظهر له ما اقترح إن كان اقتراحه صوابا
فلا يؤمن عند مشاهدته ما يقترح أو لا يكتفي بما أقامه الله من الدلالات والبينات بأن
يعاند ولا يلزم الحجة القائمة وذلك أن الني (صلى الله عليه وآله وسلم) قصده عشرة من
اليهود يريدون أن يتعنتوه ويسألوه عن أشياء ويعانتوه بها ثم ذكر (عليه السلام) أشياء
سألوها وآيات اقترحوها وسنذكرها أنشأ الله في مواضعها فقد ضل سواء السبيل
أخطأ طريق القصد المؤدية إلى الجنان وأخذ في الطريق المؤدية إلى النيران.
(109) ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا بما
يوردونه عليكم من الشبه حسدا لكم بأن أكرمكم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
وعلي وآلهما الطيبين من عند أنفسهم، قيل أي تمنوا ذلك من عند أنفسهم وتشهيهم
179

لا من عند تدينهم وميلهم إلى الحق أو حسدا بالغا منبعثا من أصل نفسهم من بعد ما
تبين لهم الحق بالمعجزات الدالات على صدق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
وفضل علي وآلهما (عليهم السلام) قيل وبالنعوت المذكورة في التوراة فاعفوا
واصفحوا عن جهلهم وقابلوهم بحجج الله وادفعوا بها أباطيلهم قيل العفو ترك عقوبة
المذنب والصفح ترك تثريبه حتى يأتي الله بأمره فيهم بالقتل يوم فتح مكة إن الله على
كل شئ قدير.
(110) وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة قيل عطف على فاعفوا كأنه أمرهم بالصبر
والمخالفة واللجأ إلى الله بالعبادة والبر وما تقدموا لأنفسكم من خير كصلاة ومال
تنفقونه في طاعة الله أو جاه تبذلونه لاخوانكم المؤمنين تجرون به إليهم المنافع
وتدفعون به المضار تجدوه عند الله تجد ثوابه تحط به سيئاتكم وتضاعف به حسناتكم
وترفع به درجاتكم إن الله بما تعملون بصير عالم ليس يخفى عليه ظاهر فعل ولا باطن
ضمير على حسب اعتقاداتكم ونياتكم.
(111) وقالوا يعني اليهود والنصارى قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان
هودا (1) أي يهوديا أو نصارى يعني وقالت النصارى لن يدخل الجنة الا من كان
نصرانيا تلك أمانيهم التي يتمنونها بلا حجة قل لهم هاتوا برهانكم حجتكم على
مقالتكم إن كنتم صادقين في دعواكم.
(112) بلى من أسلم وجهه لله لما سمع الحق وبرهانه وهو محسن في عمله
لله فله أجره ثوابه عند ربه يوم الفصل والقضاء ولا خوف عليهم حين يخاف الكافرون
مما يشاهدونه من العقاب ولا هم يحزنون عند الموت لأن البشارة بالجنان تأتيهم.
(113) وقالت اليهود ليست النصارى على شئ من الدين بل وكفر وقالت النصارى ليست اليهود على شئ من الدين بل دينهم باطل وكفر لأن كلا

(1) في هود ثلاثة أقوال أحدها أنه جمع هائد كعائد وعود وعائط وعوط وهو جمع للمؤنث والمذكر على لفظ واحد
والهائد التائب الراجع إلى الحق وثانيها أن يكون مصدرا يصلح للواحد والجمع كما يقال رجل فطر وقوم فطر رجل صوم
وقوم صوم وثالثها أن يكون معناه الا من كان يهودا فحذفت الياء الزائدة (مجمع).
180

من الفريقين مقلد بلا حجة وهم يتلون الكتاب ولا يتأملونه ليعلموا بما يوجبه
فيتخلصوا من الضلالة كذلك قال الذين لا يعلمون الحق ولم ينظروا فيه من حيث أمره
الله مثل قولهم يكفر بعضهم بعضا فالله يحكم بينهم بين الفريقين يوم القيمة فيما
كانوا فيه يختلفون في الدنيا يبين ضلالتهم وفسقهم ويجازي كل واحد منهم بقدر
استحقاقه قال (عليه السلام) قال الحسن بن علي بن أبي
طالب (عليهم السلام) إنما نزلت
لأن قوما من اليهود وقوما من النصارى جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
فقالوا يا محمد اقض بيننا فقال (عليه السلام) قصوا علي قصتكم فقالت اليهود نحن
المؤمنون بالله الواحد الحكيم وأولياؤه وليست النصارى على شئ من الدين والحق
وقالت النصارى بل نحن المؤمنون بالله الواحد الحكيم وأولياؤه وليست هؤلاء اليهود
على شئ من الحق والدين فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كلكم
مخطئون مبطلون فاسقون عن دين الله وأمره فقالت اليهود وكيف نكون كافرين وفينا
كتاب الله التوراة نقرؤه وقالت النصارى وكيف نكون كافرين وفينا كتاب الله الإنجيل
نقرؤه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنكم خالفتم أيها اليهود والنصارى
كتاب الله ولم تعملوا به فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفر بعضكم بعضا بغير حجة
لأن كتب الله أنزلها شفاء من العمى وبيانا من الضلالة تهدي العالمين بها إلى صراط
مستقيم وكتاب الله إذا لم تعملوا به كان وبالا عليكم وحجة الله إذا لم تنقادوا لها كنتم
لله عاصين ولسخطه متعرضين ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على اليهود
فقال: احذروا أن ينالكم لخلاف أمر الله وخلاف كتابه ما أصاب أوائلكم الذين قال
الله فيهم: * (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا
من السماء). * (114) ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه هي مساجد خيار
المؤمنين بمكة منعوهم من التعبد فيها بأن ألجأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
إلى الخروج عن مكة، وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) والقمي انهم قريش
حين منعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخول مكة والمسجد الحرام وعن زيد
ابن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) أنه أراد جميع الأرض لقول النبي (صلى الله
181

عليه وآله وسلم): جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا.
أقول: وهو عام لكل مسجد وكل مانع وان نزل خاصا.
وسعى في خرابها خراب تلك المساجد لئلا تعمر بطاعة الله أولئك ما كان لهم
أن يدخلوها إلا خائفين من عدله وحكمه النافذ عليهم أن يدخلوها كافرين بسيوفه
وسياطه.
أقول: يعني إمام العدل فهو وعد للمؤمنين بالنصرة واستخلاص المساجد
منهم وقد أنجز وعده بفتح مكة لمؤمني ذلك العصر وسينجزه لعامة المؤمنين حين
ظهور العدل.
والعياشي عن محمد بن يحيى يعني لا يقبلون الايمان إلا والسيف على
رؤوسهم.
لهم في الدنيا خزي وهو طرده إياهم عن الحرم ومنعهم أن يعودوا إليه ولهم في
الآخرة عذاب عظيم بكفرهم وظلمهم، قال قال علي بن الحسين (عليهم السلام):
ولقد كان من المنافقين والضعفاء أشباه المنافقين قصد إلى تخريب المساجد بالمدينة
وتخريب مساجد الدنيا كلها بما هموا به من قتل علي (عليه السلام) بالمدينة وقتل رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في طريقهم إلى العقبة يعني في غزوة تبوك.
هذا آخر ما وجد من تفسير أبي محمد الزكي مرتبا مجتمعا وما وجد منه متفرقا
نذكره في مواضعه انشاء الله.
(115) ولله المشرق والمغرب يعني ناحيتي الأرض أي له كلها فأينما تولوا
فثم وجه الله قيل اي ذاته إذ لا يخلو منه مكان إن الله وسع ذاتا وعلما وقدرة ورحمة
وتوسعة على عباده عليم بمصالح الكل وما يصدر عن الكل في كل مكان وجهة.
القمي إنها نزلت في صلاة النافلة تصليها حيث توجهت إذا كنت في السفر وأما
الفرائض فقوله تعالى: * (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * يعني الفرائض لا
تصليها إلا إلى القبلة.
182

وفي المجمع مثله قال هذا هو المروي عن أئمتنا.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) أنزل الله هذه الآية في التطوع خاصة فأينما
تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم وصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
المساء على راحلته أينما توجهت به حيث خرج إلى خيبر وحين رجع من مكة وجعل
الكعبة خلف ظهره، قال: قال زرارة قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الصلاة في
السفر والسفينة والمحمل سواء قال النافلة كلها سواء تومئ ايماء أينما توجهت دابتك
وسفينتك والفريضة تنزل بها عن المحمل إلى الأرض إلا من خوف فان خفت أومأت
واما السفينة فصل فيها قائما وتوخ القبلة بجهدك ان نوحا قد صلى الفريضة فيها قائما
متوجها إلى القبلة وهي مطبقة عليهم قال قلت وما كان علمه بالقبلة فيتوجهها وهي
مطبقة عليهم قال كان جبرئيل يقومه نحوها قال قلت فأتوجه نحوها في كل تكبيرة قال
اما في النافلة فلا إنما تكبر في النافلة على غير القبلة أكثر ثم قال كل ذلك قبلة للمتنفل
إنه قال أينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم.
وفي العلل والعياشي عنه (عليه السلام) أنه سئل عن رجل يقرء السجدة وهو على
ظهر دابته قال يسجد حيث توجهت فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان
يصلي على ناقته النافلة وهو مستقبل المدينة يقول فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله
واسع عليم.
وفي الفقيه عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن رجل يقوم في الصلاة ثم ينظر
بعدما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا فقال قد مضت صلاته وما بين
المشرق والمغرب قبلة ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير ولله المشرق والمغرب فأينما
تولوا فثم وجه الله.
وفي التوحيد عن سلمان الفارسي (رض) في حديث الجاثليق الذي سأل
أمير المؤمنين (عليه السلام) عن مسائل فأجابه عنها أن فيما سأله ان قال أخبرني عن
وجه الرب تبارك وتعالى فدعا علي (عليه السلام) بنار وحطب فأضرمه فلما اشتعلت قال
علي (عليه السلام): أين وجه هذه النار قال النصراني هي وجه من جميع حدودها قال
علي (عليه السلام) هذه النار مدبرة مصنوعة لا يعرف وجهها وخالقها لا يشبهها ولله
183

المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله لا تخفى على ربنا خافية وقريب منه ما رواه
في الخصال عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في أجوبة مسائل اليهودي.
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان وجه الله هم الحجج الذين
قرنهم الله بنفسه وبرسوله وفرض على العباد طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه.
(116) وقالوا اتخذ الله ولدا قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى (1) المسيح ابن الله وقالت مشركوا العرب الملائكة بنات الله سبحانه تنزيه له عن ذلك
فإنه يقتضي التشبيه والحاجة والفناء بل له ما في السماوات والأرض بل كله ملك له
عزير والمسيح والملائكة وغيرهم كل له قانتون منقادون مقرون له بالعبودية طبعا
وجبلة لا يمتنعون عن مشيئته وتكوينه فكيف يكونون مجانسين له ومن حق الولد أن
يجانس والده.
(117) بديع السماوات والأرض في الكافي عن الباقر (عليه السلام) في تفسيره
ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله فابتدع السماوات والأرض ولم يكن
قبلهن سماوات ولا ارضون أما تسمع لقوله تعالى: * (وكان عرشه على الماء) * وإذا
قضى أمرا أراد فعله وخلقه كما قال إنما أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون لا
بصوت يقرع ولا بنداء يسمع وإنما كلامه سبحانه فعل منه انشاء ومثله لم يكن من قبل
ذلك كائنا ولو كان قديما لكان إلها ثانيا كذا في نهج البلاغة قال يقول ولا يلفظ ويريد
ولا يضمر.
وفي الكافي والتوحيد عن الكاظم: الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له
بعد ذلك من الفعل واما من الله تعالى فإرادته للفعل احداثه لا غير ذلك لأنه لا يروي
ولا يهم (2) ولا يتفكر وهذه الصفات منفية عنه وهي من صفات الخلق فإرادة الله هي

(1) قيل أن السبب في هذه الضلالة ان أرباب الشرائع المتقدمة كانوا يطلقون الأب على الله باعتبار أنه السبب الأول
حتى قالوا إن الأب هو الأب الأصغر والله سبحانه هو الأب الأكبر ثم ظنت الجهلة منهم أن المراد به معنى الولادة فاعتقدوا
ذلك تقليدا (منه) (ه).
(2) الهم حديث النفس بفعله يقال هم بالأمر يهم هما وجمعه هموم واهمة الأمر إذا عنى به يحدث به نفسه والفرق بين
الهم بالشئ قبل أن يريده ويقصده بأنه يحدث نفسه به وهو مع ذلك مقبل على فعله (مجمع).
184

الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا
كيف لذلك كما أنه لا كيف له.
وفي رواية وكن منه صنع وما يكون منه المصنوع.
(118) وقال الذين لا يعلمون جهلة المشركين وغير العاملين بعلمهم من أهل
الكتاب لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية
أقول: هذا كقوله سبحانه في المدثر يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا
منشرة كذلك قال الذين من قبلهم من الأمم الماضية مثل قولهم فقالوا أرنا الله جهرة
وهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء تشابهت قلوبهم قلوب هؤلاء ومن
قبلهم في العمى والعناد قد بينا الآيات لقوم يوقنون الحقائق.
(119) إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا فلا عليك ان أصروا أو كابروا ولا تسأل
عن أصحب الجحيم.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) أنه على النهي كما قرئ.
(120) ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم مبالغة في اقناط
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن إسلامهم فإنهم إذا لم يرضوا منه حتى يتبع
ملتهم فكيف يتبعون ملته كذا قيل قل إن هدى الله أي الاسلام هو الهدى إلى الحق لا
ما تدعون إليه ولئن اتبعت أهواءهم آرائهم الزائفة (1) بعد الذي جاءك من العلم مالك
من الله من ولي ولا نصير يدفع عنك عقابه وهذا من قبيل إياك أعني واسمعي يا
(121) الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته بالوقوف عند ذكر الجنة والنار
يسأل في الأولى ويستعيذ في الأخرى كذا في المجمع عن والعياشي عن الصادق (عليه
السلام.)
وفي الكافي عنه هم الأئمة ورواه العياشي أيضا.

(1) الزيغ الشك والجور عن الحق (ص).
185

أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون.
(122) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على
العلمين.
(123) واتقوا يوما لا تجزي نفس
عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها
شفاعة ولا هم ينصرون قد مضى تفسير الآيتين قيل لما صدر قصتهم بالأمر بذكر
النعم والقيام بحقوقها والحذر من إضاعتها والخوف عن الساعة وأهوالها كرر ذلك
وختم به الكلام معهم مبالغة في النصح وإيذانا بأنه فذلكة القصة والمقصود منها.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) ان العدل الفريضة وعن الباقر (عليه السلام)
ان العدل الفداء.
(124) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما
قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين، القمي: هو ما ابتلاه به مما رآه في نومه
من ذبح ولده فأتمها إبراهيم (عليه السلام) وعزم عليها وسلم فلما عزم قال تبارك
وتعالى ثوابا لما صدق وسلم وعمل بما أمره الله اني جاعلك للناس إماما فقال إبراهيم
ومن ذريتي قال جل جلاله لا ينال عهدي الظالمين أي لا يكون بعهدي إمام ظالم ثم
أنزل عليه الحنيفية وهي الطهارة وهي عشرة أشياء خمسة في الرأس وخمسة في البدن
فاما التي في الرأس فأخذ الشارب واعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال واما
التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وقلم الأظافر والغسل من الجنابة
والطهور بالماء فهذه الحنيفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم (عليه السلام) فلم تنسخ ولا
تنسخ إلى يوم القيامة.
وفي الخصال عن الصادق (عليه السلام): قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من
ربه فتاب عليه وهو أنه قال يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين
صلوات الله عليهم الا تبت علي فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم فقيل له يا بن رسول
الله فما يعني بقوله عز وجل: فأتمهن قال يعني اتمهن إلى القائم اثني عشر إماما
تسعة من ولد الحسين (عليهم السلام).
186

والعياشي مضمرا قال: اتمهن بمحمد وعلي والأئمة من ولد علي (عليهم
السلام) قال وقال إبراهيم: يا رب فعجل بمحمد وعلي ما وعدتني فيهما وعجل
نصرك لهما.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم
عبدا قبل أن يتخذه نبيا وان الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وان الله اتخذه رسولا
قبل أن يتخذه خليلا وان الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما فلما جمع له الأشياء قال
إني جاعلك للناس إماما قال فمن عظمها في عين إبراهيم قال ومن ذريتي قال لا ينال
عهدي الظالمين قال لا يكون السفيه إمام التقي وعنه (عليه السلام) من عبد صنما أو وثنا
لا يكون إماما.
أقول: وفيه تعريض بالثلاثة حيث عبدوا الأصنام قبل الاسلام.
في العيون عن الرضا (عليه السلام) في حديث طويل ان الإمامة خص الله عز
وجل بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفها بها
وأشاد (1) بها ذكره فقال عز وجل إني جاعلك للناس إماما فقال الخليل (عليه السلام)
سرورا بها ومن ذريتي قال الله عز وجل لا ينال عهدي الظالمين فأبطلت هذه الآية
إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة.
(125) وإذ جعلنا البيت الكعبة مثابة مرجعا ومحل عود للناس وأمنا.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) من دخل الحرم من الناس مستجيرا به فهو
آمن من سخط الله عز وجل ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى
حتى يخرج من الحرم.
واتخذوا وقرئ بفتح الخاء من مقام إبراهيم مصلى هو الحجر الذي عليه أثر
قدمه في التهذيب عن الصادق (عليه السلام) يعني بذلك ركعتي طواف الفريضة ومثله
في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) ما أعظم فرية أهل الشام على الله تعالى

(1) الإشادة رفع الصوت بالشئ وأشاد بذكره إذا رفع من قدره (ص).
187

يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت
المقدس ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على صخرة فأمرنا الله أن نتخذه مصلى
الحديث.
وفي المجمع والعياشي عنه (عليه السلام) قال نزلت ثلاثة أحجار من الجنة مقام
إبراهيم وحجر بني إسرائيل والحجر الأسود.
وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع
السجود القمي عن الصادق (عليه السلام) نحيا عنه المشركين وقال لما بنى إبراهيم
البيت وحج الناس شكت الكعبة إلى الله تعالى ما تلقى من أنفاس
المشركين فأوحى الله تعالى إليها قري كعبتي فاني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون
بقضبان (2) الشجر ويتخللون.
وفي العلل والعياشي عنه (عليه السلام) أنه سئل أيغتسلن النساء إذا أتين البيت
قال نعم إن الله تعالى يقول طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود فينبغي
للعبد أن لا يدخل إلا وهو طاهر قد غسل عنه العرق والأذى وتطهر ومثله في الكافي.
(126) وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات في
العلل عن الرضا (عليه السلام) لما دعا إبراهيم ربه أن يرزق أهله من الثمرات أمر بقطعة
من الأردن (1) فسارت بثمارها حتى طافت بالبيت ثم أمرها أن تنصرف إلى هذا
الموضع الذي سمي بالطائف ولذلك سمي طائفا.
والقمي عن الصادق (عليه السلام) يعني من ثمرات القلوب أي حببهم إلى
الناس لينتابوا إليهم ويعودوا.
أقول: هذا تأويل وذاك تفسير وشاهد التأويل قوله في سورة إبراهيم واجعل
أفئدة من الناس تهوي إليهم. وفي العوالي حديث آخر يأتي هناك إنشاء الله.
من آمن منهم بالله واليوم الآخر العياشي عن السجاد (عليه السلام) قال: إيانا

(1) القضيب واحد القضبان وهي الأغصان (ص).
(1) الأردن كالأحمر ضرب من الخز وبضمتين وشد الدال النعاس وكورة بالشام (ق).
188

عني بذلك وأوليائه وشيعة وصيه قال قال الله ومن كفر ارزقه أيضا فأمتعه) وقرئ
بالتخفيف قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير عذاب النار قال عنى بذلك
من جحد وصيه ولم يتبعه من أمته كذلك والله هذه الأمة.
(127) وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا تقربنا
إليك ببناء البيت إنك أنت السميع لدعائنا العليم بنياتنا.
القمي عن الصادق (عليه السلام) قال لما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال أمر الله
إبراهيم أن يبني البيت فقال: يا رب في أي بقعة قال في البقعة التي أنزلت بها على
آدم القبة فأضاء لها الحرم فلم يدر إبراهيم في أي موضع يبنيه فان القبة التي أنزلها الله
على آدم كانت قائمة إلى أيام الطوفان أيام نوح فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة
وبقي موضعها لم يغرق ولهذا سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق فبعث الله
جبرئيل فخط له موضع البيت فأنزل الله عليه القواعد من الجنة وكان الحجر لما أنزله
الله على آدم أشد بياضا من الثلج فلما مسته أيدي الكفار اسود فبنى إبراهيم (عليه
السلام) البيت ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه في السماء تسعة أذرع ثم
دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن فلما
بنى جعل له بابين بابا إلى المشرق وبابا إلى المغرب والباب الذي إلى المغرب يسمى
المستجار ثم القى عليه الشجر والإذخر وعلقت هاجر على بابه كساء كان معه وكانوا
يكنون تحته.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) في حديث فلما اذن الله له في البناء قدم إبراهيم
فقال يا بني قد أمر الله ببناء الكعبة وكشفا عنها فإذا هو حجر واحد احمر فأوحى الله
تعالى إليه ضع بناءها عليه وانزل الله تعالى أربعة أملاك يجمعون إليه الحجارة
والملائكة تناولهما حتى تمت اثنا عشر ذراعا وهيأ له بابين بابا يدخل منه وبابا يخرج
منه ووضعا عليه عتبا وشرجا من حديد على أبوابه.
وعن أحدهما (عليهما السلام) قال إن الله تعالى أمر إبراهيم ببناء الكعبة وان يرفع
189

قواعدها ويري الناس مناسكهم فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت كل يوم ساقا (1) حتى
انتهى إلى موضع الحجر الأسود.
وقال أبو جعفر (عليه السلام) فنادى أبو قبيس إبراهيم ان لك عندي وديعة فأعطاه
الحجر فوضعه موضعه.
وفي العلل والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال إن الله عز وجل أنزل الحجر
لآدم (عليه السلام) من الجنة وكان البيت درة بيضاء فرفعه الله إلى السماء وبقي اسه فهو
بحيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله إبراهيم
وإسماعيل يبنيان البيت على القواعد.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) ان إسماعيل أول من شق لسانه بالعربية
وكان أبوه يقول وهما يبنيان: هاي أي أعطني حجرا فيقول له إسماعيل بالعربية يا
أبت هاك حجرا فإبراهيم يبني
وإسماعيل يناوله.
(128) ربنا واجعلنا مسلمين منقادين مخلصين لك ومن ذريتنا واجعل بعض
ذريتنا أمة جماعة يؤمون أي يقصدون ويقتدون ويقتدى بهم مسلمة لك وهم أهل البيت الذي
اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا كذا عن الصادق (عليه السلام) وفي رواية
العياشي عنه (عليه السلام) أراد بالأمة بني هاشم خاصة وأرنا عرفنا وقرئ باسكان الراء
حيث وقع مناسكنا متعبداتنا والنسك في الأصل العبادة وشاع في الحج لما فيه من
الكلفة والبعد عن العادة وتب علينا عما لا ينبغي إنك أنت التواب الرحيم لمن تاب.
(129) ربنا وابعث فيهم في الأمة المسلمة رسولا منهم يعني من تلك الأمة
كذلك عن الصادق (عليه السلام) رواه العياشي ولم يبعث من ذريتهما غير نبينا (صلى
الله عليه وآله وسلم).
والقمي يعني ولد إسماعيل قال فلذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
أنا دعوة أبي إبراهيم (عليه السلام) يتلوا عليهم آياتك يقرء عليهم ويبلغهم ما يوحى

(1) الساق كل عرق من الحائط.
190

إليه من دلائل التوحيد والنبوة ويعلمهم الكتاب والحكمة ما تكمل به نفوسهم من
المعارف والأحكام ويزكيهم عن الشرك والمعاصي إنك أنت العزيز الذي لا يقهر ولا
يغلب على ما يريد الحكيم المحكم للأمر والصانع على وفق الحكمة.
(130) ومن يرغب عن ملة إبراهيم استبعاد وانكار يعني لا يرغب عن ملته إلا
من سفه نفسه الا من استمهانها وأذلها واستخف بها قيل أصله سفه نفسه بالرفع نصب
على التميز مثل غبن رأيه وقيل سفه بالكسر متعد وبالضم لازم ويشهد له ما جاء في
الحديث الكبر ان تسفه الحق وتغمض الناس.
في المحاسن عن السجاد: ما أحد على ملة إبراهيم الا نحن وشيعتنا وسائر
الناس منها برا.
وفي الكافي عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) ما في معناه.
ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين حجة وبيان لذلك فان
من كان بهذه الصفة فهو حقيق بأن يتبع لا يرغب عن اتباعه الا سفيه أو متسفه.
(131) إذ قال له ربه أسلم قال مبادرا إلى الاذعان واخلاص السر أسلمت لرب
العالمين.
(132) ووصى بها أي بالملة أو بهذه الكلمة أي بكلمة أسلمت لرب العالمين
وقرئ أوصى إبراهيم بنيه ويعقوب ووصى بها يعقوب أيضا بنيه يا بنى إن الله اصطفى
لكم الدين دين الاسلام فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أمرهم بالثبات على الاسلام
بحيث لا يتطرق إليه الزوال بحال.
(133) أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت على لإنكار أي ما كنتم
حاضرين، قيل إن اليهود قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألست تعلم أن
يعقوب أوصى بنيه باليهودية يوم مات فنزلت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي أراد به
تقريرهم على التوحيد والاسلام وأخذ ميثاقهم على الثبات عليهما قالوا نعبد إلهك
وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق عد إسماعيل من آبائه لأن العرب تسمي العم
191

أبا كما تسمي الجد أبا وذلك لوجوب تعظيمهما كتعظيمه، وفي الحديث عم الرجل
صنو أبيه إلها وحدا تصريح بالتوحيد ونحن له مسلمون.
العياشي عن الباقر (عليه السلام) أنها جرت في القائم (عليه السلام.
أقول: لعل مراده (عليه السلام) أنها جارية في قائم آل محمد (عليهم السلام)
فكل قائم منهم يقول حين الموت ذلك لبنيه ويجيبونه بما أجابوا به.
(134) تلك أمة قد خلت يعني إبراهيم ويعقوب وبنيهما لها ما كسبت ولكم ما
كسبتم لكل أجر عمله.
أقول: يعني انتسابكم إليهم لا ينفعكم وإنما الانتفاع بالأعمال. ولا تسألون
عما كانوا يعملون لا تؤاخذون بسيئاتهم كما لا تثابون بحسناتهم.
(135) وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا تهتدوا قالت اليهود كونوا هودا تهتدوا
وقالت النصارى كونوا نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم بل نكون أهل ملة إبراهيم
متبعين له حنيفا مائلا عن كل دين إلى دين الحق.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال الحنيفية هي الاسلام، وعن الباقر (عليه
السلام) قال ما أبقت الحنيفية شيئا حتى أن منها قص الشارب وقلم الأظافر والختان وما
كان إبراهيم من المشركين تعريض لأهل الكتابين فإنهم كانوا يدعون اتباع ملة
إبراهيم وهم مع ذلك كانوا على الشرك.
(136) قولوا آمنا بالله.
في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) إنما عنى بذلك عليا وفاطمة
والحسن والحسين (عليهم السلام) وجرت في الأئمة (عليهم السلام) ثم يرجع القول من
الله في الناس فقال فان آمنوا يعني الناس بما آمنتم به الآية والعياشي مضمرا وأما قوله
قولوا فهم آل محمد (عليهم السلام. وما أنزل إلينا يعني القرآن وما أنزل إلى إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط يعني الصحف والأسباط حفدة يعقوب.
العياشي: عن الباقر (عليه السلام أنه سئل هل كان ولد يعقوب أنبياء قال: لا
192

ولكنهم كانوا أسباطا أولاد الأنبياء ولم يكونوا فارقوا الدنيا الا سعداء تابوا وتذكروا ما
صنعوا.
وما أوتي موسى وعيسى التوراة والإنجيل وما أوتي النبيون جملة المذكورون
منهم وغير المذكورين من ربهم نزل عليهم من ربهم لا نفرق بين أحد منهم كاليهود
يؤمن ببعض ويكفر ببعض، وأحد لوقوعه في سياق النفي عم فساغ أن يضاف إليه
بين ونحن له لله مسلمون مذعنون مخلصون.
في الخصال فيما علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه إذا قرأتم قولوا آمنا
فقولوا آمنا إلى قوله مسلمون.
وفي الفقيه في وصاياه لابنه محمد بن الحنفية وفرض على اللسان الا قرار
والتعبير عن القلب بما عقده عليه فقال عز وجل قولوا آمنا بالله وما انزل الينا الآية.
(137) فأن آمنوا أي سائر الناس بمثل ما آمنتم به بما آمنتم به والمثل مقحم
في مثله كما في قوله تعالى وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله أي عليه وقرئ
بحذفه فقد اهتدوا وإن تولوا أعرضوا فإنما هم في شقاق في كفر كذا في المجمع
عن الصادق (عليه السلام) وأصله المخالفة والمناوأة فان كل واحد من المتخالفين في
شق غير شق الآخر فسيكفيكهم الله تسلية وتسكين للمؤمنين ووعد لهم بالحفظ
والنصر على من ناوأهم وهو السميع لأقوالكم العليم باخلاصكم.
(138) صبغة الله صبغنا الله صبغة وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها
وفسرها الصادق (عليه السلام) بالاسلام كما في الكافي ورواه العياشي وعنه هي صبغ
المؤمنين بالولاية في الميثاق وقيل سمي صبغة لأنه ظهر عليهم أثره ظهور الصبغ على
المصبوغ وتداخل قلوبهم تداخل الصبغ الثوب أو للمشاكة فان النصارى كانوا
يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وبه تحقق
نصرانيتهم ومن أحسن من الله صبغة لا صبغة أحسن من صبغته ونحن له عابدون
تعريض بهم أي لا نشرك به كشرككم.
(139) قل أتحاجوننا أتجادلوننا في الله في شأنه واصطفائه نبيا من العرب قيل
193

ان أهل الكتاب قالوا الأنبياء كلهم منا وديننا أقدم وكتابنا أسبق فلو كنت نبيا لكنت منا
فنزلت وهو ربنا وربكم لا اختصاص له بقوم دون قوم يصيب برحمته من يشاء ولنا
أعمالنا ولكم أعمالكم فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا ونحن له مخلصون موحدون
نخلصه بالايمان والطاعة دونكم.
(140) أم تقولون وقرئ بالياء إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب
والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله وقد نفى الله عز وجل عن إبراهيم
اليهودية والنصرانية بقوله سبحانه ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ومن أظلم ممن
كتم شهادة عنده من الله قيل يعني لا أحد أظلم من أهل الكتاب حيث كتموا شهادة الله
لإبراهيم بالحنيفية والبراءة من اليهودية والنصرانية أو منا لو كتمنا هذه الشهادة وفيه
تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة ولعلي (عليه
السلام) بالوصاية في كتبهم وغيرها وما الله بغافل عما تعملون وقرئ بالياء وعيد
لهم.
(141) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا
يعملون قيل التكرير للمبالغة في التحذير والزجر عما استحكم في الطبائع من
الافتخار بالآباء والاتكال عليهم أو الخطاب فيما سبق لهم وفي هذه الآية لنا تحذير
عن الاقتداء بهم أو المراد بالأمة في الأول الأنبياء وفي الثاني أسلاف اليهود
والنصارى.
(142) سيقول السفهاء من الناس الذين خف أحلامهم أو استمهنوها بالتقليد
والاعراض عن النظر يريد المنكرين لتغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين
وفائدة تقديم الأخبار به توطين النفس واعداد الجواب ما ولا هم ما صرفهم عن قبلتهم
التي كانوا عليها يعني بيت المقدس قل لله المشرق والمغرب لا يختص به مكان دون
مكان يهدي به من يشاء إلى صراط مستقيم وهو ما يقتضيه الحكمة والمصلحة من
التوجه إلى بيت المقدس تارة وإلى الكعبة أخرى.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) عند قوله عز وجل ما ننسخ من آية أو ننسها.
194

وفي الاحتجاج أيضا عنه (عليه السلام) قال لما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) بمكة أمره الله عز وجل أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلواته ويجعل الكعبة
بينه وبينها إذا أمكن وإذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان وكان رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة فلما كان بالمدينة
وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا
وجعل قوم من مردة اليهود يقولون والله ما يدري محمد كيف صلى حتى صار يتوجه
إلى قبلتنا ويأخذ في صلواته بهدانا ونسكنا فاشتد ذلك على رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) لما اتصل به عنهم وكره قبلتهم وأحب الكعبة فجاءه جبرائيل فقال له رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا جبرائيل لوددت لو صرفني الله عز وجل عن بيت
المقدس إلى الكعبة فلقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم فقال جبرائيل
(عليه السلام): فسل ربك أن يحولك إليها فإنه لا يردك عن طلبتك ولا يخيبك عن
بغيتك فلما استتم دعاؤه صعد جبرائيل ثم عاد من ساعته فقال اقرأ يا محمد قد نرى
تقلب وجهك في السماء الآيات فقالت اليهود عند ذلك ما ولا هم عن قبلتهم التي
كانوا عليها فأجابهم الله بأحسن جواب فقال قل لله المشرق والمغرب وهو يملكهما
وتكليفه التحول إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر يهدي من يشاء إلى صراط
مستقيم وهو مصلحهم ومؤديهم بطاعته إلى جنات النعيم قوم من اليهود إلى
رسول الله (عليه وآله وسلم) فقالوا يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد
صليت إليها اربع عشرة سنة ثم تركتها الآن فحقا كان ما كنت عليه فقد تركته إلى باطل
فان ما يخالف الحق فهو باطل أو كان باطلا فقد كنت عليه طول هذه المدة فما يؤمننا
أن تكون الآن على باطل فقال رسول الله (صلى الله عليه بل ذلك كان حقا
وهذا حق يقول الله تعالى: * (قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط
مستقيم) * إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم به وإذا عرف
صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به فلا تنكروا تدبير الله تعالى في عباده وقصده
إلى مصالحكم ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد تركتم العمل يوم
السبت ثم عملتم بعده في سائر الأيام ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده أفتركتم
195

الحق إلى الباطل أو الباطل إلى حق أو الباطل إلى باطل أو الحق إلى حق قولوا كيف
شئتم فهو قول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وجوابه لكم قالوا بل ترك العمل في
السبت حق والعمل بعده حق فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكذلك قبلة
بيت المقدس في وقته حق ثم قبلة الكعبة في وقتها حق فقالوا يا محمد (صلى الله عليه
وآله وسلم) أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حين
نقلك إلى الكعبة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بدا له عن ذلك فإنه
العالم بالعواقب والقادر على المصالح لا يستدرك على نفسه غلطا ولا يستحدث رأيا
بخلاف المتقدم جل عن ذلك ولا يقع عليه أيضا مانع يمنعه من مراده وليس يبدو الا
لمن كان هذا وصفه وهو جل وعز يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا ثم قال لهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يمرض ثم
يصح ويصح ثم يمرض أبدا له في ذلك أليس يحيي ويميت أبدا له في كل واحد من
ذلك؟ قالوا: لا، قال فكذلك الله يعبد نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة
إلى الكعبة بعد أن كان يعبده بالصلاة إلى بيت المقدس وما بدا له في الأول قال أليس
الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف والصيف بعد الشتاء أبدا له في كل واحد من ذلك
قالوا: لا قال: فكذلك لم يبد له في القبلة ثم قال أليس ألزمكم في الشتاء أن
تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر فبدا له في
الصيف حتى أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء قالوا: لا، فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم): فكذلكم الله في تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئ ثم
تعبدكم في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشئ آخر فإذا أطعتم الله في الحالين
استحققتم ثوابه وأنزل الله * (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) * إذا
توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه ثم قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) يا عباد الله أنتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب وصلاح
المريض فيما يعلمه الطبيب ويدبره لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه الا فسلموا لله
أمره تكونوا من الفائزين.
(143) وكذلك جعلناكم أمة القمي يعني أئمة وسطا قال أي عدلا وواسطة بين
196

الرسول والناس.
أقول: فالخطاب للمعصومين (عليهم السلام) خاصة لتكونوا شهداء على
الناس يعني يوم القيامة ويكون الرسول عليكم شهيدا في الكافي والعياشي عن الباقر
(عليه السلام) نحن الأمة الوسط ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه وسمائه
وفي حديث ليلة القدر عنه (عليه السلام) وأيم الله لقد قضي الأمر أن لا يكون بين
المؤمنين اختلاف ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمد (صلى الله عليه
وآله وسلم) علينا ولنشهد على شيعتنا ولتشهد شيعتنا على الناس.
أقول: أراد بالشيعة خواص الشيعة الذين معهم وفي درجتهم كما قالوا شيعتنا
معنا وفي درجتنا لئلا ينافي الخبر السابق والأخبار الآتية، وفي شواهد التنزيل عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) إيانا عني بقوله: لتكونوا شهداء على الناس فرسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) شاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه
ونحن الذين قال الله وكذلك جعلناكم أمة وسطا.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) نحن نمط الحجاز قيل وما نمط الحجاز قال
أوسط الأنماط إن الله يقول وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال إلينا يرجع الغالي وبنا
يلحق المقصر.
وفي المناقب عنه (عليه السلام) إنما أنزل الله وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا
شهداء على الناس ويكون الرسول شهيدا عليكم قال ولا يكون شهداء على الناس إلا
الأئمة والرسل فأما الأمة فإنه غير جائز ان يستشهدها الله وفيهم من لا تجوز شهادته في
الدنيا على حزمة بقل.
أقول: لعل المراد بهذا المعنى أنزل الله وقد مضى في دعاء إبراهيم ومن
ذريتنا أمة مسلمة لك وقد عرفت هناك أن الأمة بمعنى المقصود سميت بها الجماعة
لأن الفرق تؤمها.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال ظننت أن الله عنى بهذه الآية جميع أهل
197

القبلة من الموحدين أفترى أن من لا يجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب
الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية كلا لم يعن الله مثل
هذا من خلقه يعني الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم كنتم خير أمة أخرجت للناس
وهم الأئمة الوسطى وهم خير أمة أخرجت للناس.
أقول: لما كان الأنبياء والأوصياء معصومين من الكذب وجاز الوثوق
بشهادتهم لله سبحانه على الأمم دون سائر الناس جعل الله تعالى في كل أمة منهم
شهيدا ليشهد عليهم بأن الله أرسل رسوله إليهم وأتم حجته عليهم وبأن منهم من
أطاعه ومنهم من عصاه لئلا ينكرونه غدا فالنبي يشهد لله على الأئمة بأن الله أرسله
إليهم وأنهم أطاعوه والأئمة يشهدون لله على الأمم بأن الله أرسل النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) إليهم وللنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه بلغهم وأن منهم من أطاعه
ومنهم من عصاه وكذلك يشهد نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) لسائر النبيين على أممهم
بأن النبيين بلغوا رسالات ربهم إلى أممهم، ويأتي تمام الكلام في هذا في سورة
النساء إنشاء الله.
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها يعني بيت المقدس إلا لنعلم من يتبع الرسول
ممن ينقلب على عقبيه يرتد عن دينه ألفا بقبلة آبائه، في تفسير الامام وفي الاحتجاج
عنه (عليه السلام) يعني الا لنعلم ذلك منه وجودا بعد أن علمناه سيوجد قال وذلك أن
هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن يبين متبع محمد ممن خالفه باتباع القبلة
التي كرهها ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر بها ولما كان هوى أهل المدينة في
بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليتبين من يوافق محمدا (صلى الله
عليه وآله وسلم) فيما يكرهه فهو مصدقه وموافقه وإن كانت الصلاة إلى بيت المقدس
في ذلك الوقت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وعرف ان الله يتعبد بخلاف ما يريده
المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه وما كان الله ليضيع إيمانكم يعني صلاتكم إن الله
بالناس لرؤوف رحيم.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الايمان أقول هو وعمل أم قول
198

بلا عمل فقال الايمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل مفترض من الله مبين في
كتابه واضح نوره ثابتة حجته يشهد له بها الكتاب ويدعو إليه ولما انصرف نبيه إلى
الكعبة عن بيت المقدس قال المسلمون للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرأيت صلاتنا
التي كنا نصلي إلى بيت المقدس ما حالنا فيها وحال من مضى من أمواتنا وهم يصلون
إلى بيت المقدس فأنزل الله وما كان الله ليضيع إيمانكم فسمي الصلاة إيمانا فمن لقي
الله حافظا لجوارحه موفيا كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عليه لقي الله مستكملا
لايمانه وهو من أهل الجنة ومن خان في شئ منها أو تعدى ما أمر الله فيها لقي الله
ناقص الايمان.
(144) قد نرى تقلب وجهك في السماء أي تردد وجهك في جهة السماء
تطلعا للوحي، وقيل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقع في روعه ويتوقع
من ربه أن يحوله إلى الكعبة لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم وأقدم القبلتين وادعى للعرب
إلى الايمان ولمخالفة اليهود فلنولينك قبلة ترضاها تحبها وتتشوق إليها لمقاصد دينية
وافقت مشية الله تعالى وحكمته فول وجهك اصرف وجهك شطر المسجد الحرام
نحوه وإنما ذكر المسجد اكتفاء بمراعاة الجهة.
والقمي ان هذه الآية متقدمة على آية سيقول السفهاء.
وفي الفقيه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى إلى بيت المقدس بعد
النبوة ثلاث عشرة سنة بمكة وتسعة عشر شهرا بالمدينة ثم عيرته اليهود فقالوا له إنك
تابع لقبلتنا فاغتم لذلك غما شديدا فلما كان في بعض الليل خرج (عليه السلام) يقلب
وجهه في آفاق السماء فلما أصبح صلى الغداة فلما صلى من الظهر ركعتين جاء
جبرائيل فقال له قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك
شطر المسجد الحرام الآية ثم أخذ بيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فحول وجهه
إلى الكعبة وحول من خلفه وجوههم حتى قام الرجال مقام النساء والنساء مقام الرجال
فكان أول صلاته إلى البيت المقدس وآخرها إلى الكعبة وبلغ الخبر مسجدا بالمدينة وقد صلى أهله من العصر ركعتين فحولوا نحو القبلة فكانت أول صلاتهم إلى بيت
المقدس وآخرها إلى الكعبة فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين.
199

والقمي ما يقرب منه قال: وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجد بني
سالم.
وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره خص الرسول بالخطاب تعظيما له
وإيجابا لرغبته ثم عم تصريحا بعموم الحكم جميع الأمة وسائر الأمكنة وتأكيد الأمر
القبلة وتخصيصا للأمة على المتابعة وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من
ربهم لعلمهم بأن عادته تعالى تخصيص كل شريعة بقبلة ولتضمن كتبهم أنه يصلي
إلى القبلتين وما الله بغافل عما يعملون وعد ووعيد للفريقين.
(145) ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية برهان وحجة ما تبعوا قبلتك
لأن المعاند لا تنفعه الدلالة وما أنت بتابع قبلتهم قطع لأطماعهم وما بعضهم بتابع
قبلة بعض لتصلب كل حزب فيما هو فيه ولئن اتبعت أهواء هم من بعد ما جاءك من
العلم على سبيل الفرض المحال أو المراد به غيره من أمته من قبيل إياك أعني
واسمعي يا جارة إنك إذا لمن الظالمين أكد تهديده وبالغ فيه تعظيما للحق وتحريصا
على اقتفائه وتحذيرا عن متابعة الهواء واستعظاما لصدور الذنب عن الأنبياء.
(146) الذين آتيناهم الكتاب يعني علماءهم يعرفونه يعرفون محمدا (صلى الله
عليه وآله وسلم) بنعته وصفته ومبعثه ومهاجره وصفة أصحابه في التوراة والإنجيل كما
يعرفون أبناءهم في منازلهم وإن فريقا وهم المعاندون دون المؤمنين ليكتمون
الحق وهم يعلمون.
(147) الحق من ربك إنك الرسول إليهم فلا تكونن من الممترين الشاكين.
(148) ولكل وجهة ولكل قوم قبلة وملة وشرعة ومنهاج يتوجهون إليها هو
موليها الله موليها إياهم وقرئ مولا ها بالألف أي قد وليها فاستبقوا الخيرات الطاعات
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) الخيرات الولاية.
أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا قيل أينما متم في بلاد الله يأت بكم الله
جميعا إلى المحشر يوم القيامة.
200

وفي اخبار أهل البيت أن المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان.
وفي المجمع والعياشي عن الرضا (عليه السلام) أن لو قام قائمنا لجمع الله جميع
شيعتنا من جميع البلدان.
وفي الاكمال والعياشي عن الصادق (عليه السلام) لقد نزلت هذه الآية في
أصحاب القائم وإنهم المفتقدون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكة وبعضهم يسير في
السحاب نهارا نعرف اسمه واسم أبيه وحليته ونسبه إن الله على كل شئ قدير على
الإماتة والاحياء والجمع.
(149) ومن حيث خرجت للسفر في البلاد فول وجهك شطر المسجد
الحرام إذا صليت وإنه للحق من ربك وإن التوجه إلى الكعبة للحق الثابت المأمور به
من ربك وما الله بغافل عما تعملون وقرئ بالياء.
(150) ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم
فولوا وجوهكم شطره قيل كرر الحكم لتعدد علله فإنه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل
تعظيم الرسول ابتغاء لمرضاته وجري العادة الإلهية على أن يولي أهل كل ملة
وصاحب دعوة جهة يستقبلها ويتميز بها ودفع حجج المخالفين كما يأتي وقرن بكل
علة معلولها كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله تقريبا وتقريرا مع أن القبلة لها
شأن والنسخ من مظان الفتنة والشبهة فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد
أخرى لئلا يكون للناس عليكم حجة علة لقوله تعالى فولوا، والمعنى أن
التولية عن بيت المقدس إلى الكعبة يدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلته الكعبة
وان محمدا يجحد ديننا ويتبعنا في قبلتنا واحتجاج المشركين بأنه يدعي ملة إبراهيم
ويخالف قبلته إلا الذين ظلموا منهم.
القمي: إلا هاهنا بمعنى ولا وليست استثناء يعني ولا الذين ظلموا منهم وقيل
معناه إلا الحجة الداحضة من المعاندين بأن قالوا ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى
دين قومه وحبا لبلده أو بدا له فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم.
201

فلا تخشوهم فان مطاعنهم لا تضركم واخشوني فلا تخالفوا ما أمرتكم به
ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تمام النعمة
دخول الجنة وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) تمام النعمة الموت على الاسلام.
أقول: لا تنافي بين الخبرين لتلازم الأمرين.
(151) كما أرسلنا فيكم رسولا منكم أي ولأتم نعمتي عليكم كما أتممتها
بإرسال رسول منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم يحملكم على ما تصيرون به أزكياء
قدمه على التعليم باعتبار القصد وأخره في دعوة إبراهيم باعتبار الفعل ويعلمكم
الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون بالفكر والنظر إذ لا طريق إلى معرفته
سوى الوحي وكرر الفعل ليدل على أنه جنس آخر.
(152) فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب واشكروا لي ما أنعمت به عليكم
ولا تكفرون بجحد النعم وعصيان الأمر أراد بالكفر كفر النعم كذا في الكافي
والعياشي عن الصادق، والقمي عن الباقر صلوات الله عليهما ذكر الله لأهل الطاعة
أكبر من ذكرهم إياه ألا ترى أنه يقول اذكروني أذكركم.
وفي الخصال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أذكروا الله في كل مكان فإنه
معكم.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال قال الله عز وجل: * (يا بن آدم
اذكرني في ملأ أذكرك في ملأ خير من ملئك) * وعنه (عليه السلام) في حديث عيسى يا
عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي واذكرني في ملئك أذكرك في ملأ خير من
ملأ الآدميين.
وعنه (عليه السلام) ان الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين الا ذكره بخير فاعطوا
الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته.
وفي المجمع والعياشي عن الباقر (عليه السلام) قال قال النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) ان الملك ينزل الصحيفة من أول النهار وأول الليل يكتب فيها عمل ابن آدم
202

فأملوا في أولها خيرا وفي آخرها خيرا فان الله يغفر لكم ما بين ذلك انشاء الله فإنه
يقول اذكروني أذكركم.
وفي الخصال عنه (عليه السلام) في البلاء من الله الصبر فريضة وفي القضاء من
الله التسليم فريضة وفي النعمة من الله الشكر فريضة.
وعن السجاد: من قال الحمد لله فقد أدى شكر كل نعم الله.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) شكر كل نعمة الورع عما حرم الله.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل هل للشكر حد إذا فعله الرجل كان
شاكرا قال نعم قيل وما هو قال الحمد لله على كل نعمة أنعمها علي وإن كان له فيما
أنعم عليه حق أداه ومنه قول الله: * (الحمد لله الذي سخر لنا هذا) * حتى عد آيات.
(153) يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر عن المعاصي وحظوظ النفس
والصلاة التي هي أم العبادات ومعراج المؤمنين ومناجاة رب العالمين إن الله مع
الصابرين بالنصر وإجابة الدعوة.
في مصباح الشريعة عن الصادق (عليه السلام) في كلام له قال فمن صبر كرها
ولم يشك إلى الخلق ولم يجزع بهتك ستره فهو من العام ونصيبه ما قال الله وبشر
الصابرين أي بالجنة ومن استقبل البلايا بالرحب وصبر على سكينة ووقار فهو من
الخاص ونصيبه ما قال الله ان الله مع الصابرين.
(154) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات أي هم أموات بل أحياء بل
هم أحياء ولكن لا تشعرون ما حالهم.
في الكافي والتهذيب عن يونس بن ظبيان عن الصادق (عليه السلام) أنه قال له ما
يقول الناس في أرواح المؤمنين قال يقولون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت
العرش فقال سبحان الله المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير يا
يونس إذا كان ذاك أتاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم
والملائكة المقربون فإذا قبضه الله تعالى صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا
203

فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا.
وفي التهذيب عنه (عليه السلام) أنه سئل عن أرواح المؤمنين فقال في الجنة
على صور أبدانهم لو رأيته لقلت فلان.
(155) ولنبلونكم ولنصيبنكم إصابة المختبر هل تصبرون على البلاء
وتستسلمون للقضاء بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس
والثمرات وبشر الصابرين أي بالجنة كما مر.
وفي نهج البلاغة إن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس
البركات وإغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكر متذكر ويزدجر
مزدجر.
وفي الاكمال عن الصادق (عليه السلام) ان هذه علامات قيام القائم يكون من
الله عز وجل للمؤمنين قال بشئ من الخوف من ملوك بني أمية في آخر سلطانهم
والجوع بغلاء أسعارهم ونقص من الأموال فساد التجارات وقلة الفضل ونقص من
الأنفس الموت الذريع ونقص من الثمرات بقلة ريع ما يزرع وبشر الصابرين عند ذلك
بتعجيل خروج القائم (عليه السلام) ثم قال هذا تأويله ان الله عز وجل يقول وما يعلم
تأويله الا الله والراسخون في العلم.
(156) الذين إذا أصابتهم مصيبة في الحديث كل شئ يؤذي المؤمن فهو له
مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.
في نهج البلاغة: إن قولنا انا لله إقرار على أنفسنا بالملك وقولنا انا إليه
راجعون إقرار على أنفسنا بالهلك.
وفي المجمع: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من استرجع عند المصيبة
جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه وقال قال من أصيب
بمصيبة فأحدث استرجاعا وان تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثل يوم أصيب.
وفي الكافي: عن الباقر (عليه السلام) ما من عبد يصاب بمصيبة فيسترجع عند
204

ذكره المصيبة ويصبر حين تفجأه الا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وكل ما ذكر مصيبته
فاسترجع عند ذكره المصيبة غفر الله له كل ذنب فيما بينهما.
وعن الصادق (عليه السلام) من ذكر مصيبة ولو بعد حين فقال إنا لله وإنا إليه
راجعون والحمد لله رب العالمين اللهم أجرني على مصيبتي واخلف علي أفضل منها
كان له من الأجر مثل ما كان عند أول صدمته.
وفي الخصال والعياشي: عنه (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
أربع خصال من كن فيه كان في نور الله الأعظم من كانت عصمة أمره شهادة أن لا إله
إلا الله وأني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن إذا أصابته مصيبة قال: إنا لله
وإنا إليه راجعون ومن إذا أصاب خيرا قال الحمد لله ومن إذا أصابته خطيئة قال استغفر
الله وأتوب إليه.
(157) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون قيل
الصلاة من الله التزكية والمغفرة والرحمة واللطف والاحسان.
وفي الخصال والعياشي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الله تعالى إني جعلت
الدنيا بين عبادي فيضا فمن أقرضني منها قرضا أعطيته بكل واحدة منها عشرا إلى
سبعماءة ضعف وما شئت من ذلك ومن لم يقرضني منها قرضا فأخذت منه قسرا
أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن لملائكتي لرضوا الصلاة والهداية والرحمة
إن الله تعالى يقول الذين إذا أصابتهم مصيبة الآية.
(158) إن الصفا والمروة هما علما جبلين بمكة من شعائر الله من أعلام
مناسكه جمع شعيرة وهي العلامة فمن حج البيت أو اعتمر الحج لغة القصد
والاعتمار الزيارة فغلبا شرعا على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين فلا
جناح عليه أن يطوف بهما العياشي عن الباقر (عليه السلام) أي لا حرج عليه أن يطوف
بهما.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن السعي بين الصفا
205

والمروة فريضة أم سنة فقال فريضة قيل أوليس قال الله عز وجل فلا جناح عليه أن
يطوف بهما، قال كان ذلك في عمرة القضاء ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة فتشاغل رجل عن السعي حتى
انقضت الأيام وأعيدت الأصنام فجاؤوا إليه فقالوا يا رسول الله إن فلانا لم يسع بين
الصفا والمروة وقد أعيدت الأصنام فأنزل الله تعالى: * (إن الصفا والمروة) * إلى قوله
فلا جناح عليه أن يطوف بهما أي وعليهما الأصنام.
والقمي أن قريشا كانت وضعت أصنامهم بين الصفا والمروة ويتمسحون بها إذا
سعوا فلما كان من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة الحديبية ما كان
وصدوه عن البيت وشرطوا له أن يخلوا له البيت في عام قابل حتى يقضي عمرته ثلاثة
أيام ثم يخرج عنه فلما كانت عمرة القضاء في سنة سبع من الهجرة دخل مكة وقال
لقريش ارفعوا أصنامكم حتى أسعى فرفعوها الحديث كما في الكافي بأدنى تفاوت.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) أن المسلمين كانوا يظنون أن السعي ما
بين الصفا والمروة شي صنعه المشركون فأنزل الله هذه الآية، وعنه (عليه السلام)
جعل السعي بين الصفا والمروة مذلة للجبارين ومن تطوع خيرا فأكثر الطواف أو فعل
طاعة أخرى وقرئ بالياء وتشديد الطاء وجزم العين فإن الله شاكر عليم مثيب عليه لا
يخفى عليه.
أقول: الآية الآتية وما بعدها إلى قوله سبحانه: كتب عليكم إذا حضر أحدكم
الموت مما وجد من تفسير أبي محمد الزكي تفسيره ويكون بناء تفسيرنا فيها عليه كما
كان فيما سبق فيما يوجد منه.
(159) إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات كأحبار اليهود الكاتمين للآيات
الشاهدة على أمر محمد وعلي (عليهما السلام) ونعتهما وحليتهما وكالنواصب الكاتمين
لما نزل في فضل علي (عليه السلام) والهدى وكل ما يهدي إلى وجوب اتباعهما
والايمان بهما من بعد ما بيناه للناس في الكتاب في التوراة وغيره أولئك يلعنهم الله
ويلعنهم اللاعنون أي الذين يتأتى منهم اللعن عليهم من الملائكة والثقلين حتى
206

أنفسهم فان الكافرين يقولون لعن الله الكافرين.
والعياشي: عن الصادق (عليه السلام) في قوله اللاعنون قال نحن هم وقد قالوا
هوام الأرض.
وفي الاحتجاج وتفسير الإمام (عليه السلام): في غير هذا الموضع قال أبو
محمد (عليه السلام) قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) من خير خلق الله بعد أئمة الهدى
ومصابيح الدجى قال العلماء إذا صلحوا قيل فمن شر خلق الله بعد إبليس وفرعون
وثمود وبعد المتسمين بأسمائكم والمتلقبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتآمرين
في ممالككم قال العلماء إذا فسدوا هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق وفيهم
قال الله عز وجل أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال من سئل عن علم يعلمه فكتمه
الجم يوم القيامة بلجام من نار.
والقمي مرفوعا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ظهرت البدع في أمتي
فليظهر العالم علمه ومن لم يفعل فعليه لعنة الله.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) أن رجلا أتى سلمان الفارسي رضي الله عنه
فقال حدثني فسكت عنه ثم عاد فسكت ثم عاد فسكت فأدبر الرجل وهو يتلو هذه
الآية: * (إن الذين يكتمون) * فقال له أقبل انا لو وجدنا أمينا لحدثناه الحديث.
(160) إلا الذين تابوا عن الكتمان وأصلحوا ما أفسدوا بالتدارك وبينوا ما ذكره
الله من نعت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفته وما ذكره رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) من فضل علي وولايته لتتم توبتهم فأولئك أتوب عليهم بالقبول
والمغفرة وأنا التواب الرحيم المبالغ في قبول التوبة وإفاضة الرحمة.
(161) إن الذين كفروا في ردهم نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وولاية
علي (عليه السلام) وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
استقر عليهم البعد من الرحمة.
207

(162) خالدين فيها في اللعنة في نار جهنم لا يخفف عنهم العذاب يوما ولا
ساعة ولا هم ينظرون يمهلون.
(163) وإلهكم إله واحد قيل أي المستحق منكم للعبادة واحد لا شريك له
يصح أن يعبد أو يسمى إلها لا إله إلا هو تقرير للوحدانية وإزاحة لأن يتوهم ان في
الوجود إلها ولكن لا يستحق منهم العبادة الرحمن الرحيم كالحجة عليها.
(164) إن في خلق السماوات والأرض بلا عمد من تحتها تمنعها من السقوط
ولا علاقة من فوقها تحبسها من الوقوع عليكم وأنتم أيها العباد والإماء اسرائي في
قبضتي الأرض من تحتكم لا منجى لكم منها أين هربتم والسماء من فوقكم لا
محيص لكم عنها أين ذهبتم فان شئت أهلكتكم بهذه وإن شئت أهلكتكم بتلك ثم ما
في السماوات من الشمس المنيرة في نهاركم لتنشروا في معايشكم ومن القمر
المضئ في ليلكم لتبصروا في ظلمتها وألجأتكم بالاستراحة في الظلمة إلى ترك
مواصلة الكد الذي ينهك أبدانكم واختلاف الليل والنهار المتتابعين الكارين عليكم
بالعجائب التي يحدثها ربكم في عالمه من إسعاد واشقاء واعزاز واذلال وإغناء وإفقار
وصيف وشتاء وخريف وربيع وخصب وقحط وخوف وأمن والفلك التي تجري في
البحر بما ينفع الناس التي جعلها الله مطاياكم لا تهدأ ليلا ولا نهارا ولا تقتضيكم علفا
ولا ماء وكفاكم بالرياح مؤونة تسييرها بقواكم التي كانت لا تقوم بها لو ركدت عنها
الرياح لتمام مصالحكم ومنافعكم وبلوغكم الحوائج لأنفسكم وما أنزل الله من
السما من ماء وابلا وهطلا ورذاذا لا ينزل عليكم دفعة واحدة فيغرقكم ويهلك
معايشكم لكنه ينزل متفرقا من علاء حتى يعم الأوهاد والتلال والتلاع فأحيا به الأرض
بعد موتها فيخرج نباتها وحبوبها وثمارها وبث فيها من كل دابة منها ما هي لأكلكم
ومعايشكم ومنها سباع ضارية حافظة عليكم أنعامكم لئلا تشذ عليكم خوفا من
افتراسها لها وتصريف الرياح المربية لحبوبكم المبلغة لثماركم النافية لركود الهواء
والاقتار عنكم، وقرئ بتوحيد الريح والسحاب المسخر المذلل الواقف بين السماء
والأرض يحمل أمطارها ويجري بإذن الله ويصبها حيث يؤمر لآيات دلائل واضحات
لقوم يعقلون يتفكرون فيها بعقولهم.
208

(165) ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا من الأصنام ومن الرؤساء
الذين يطيعونهم.
في الكافي عن الباقر (عليه السلام) والعياشي عن الصادق (عليه السلام) هم والله
أولياء فلان وفلان اتخذوهم أئمة دون الامام الذي جعله الله للناس إماما فلذلك قال
ولو يرى الذين ظلموا الآية ثم قال والله هم أئمة الظلم وأشياعهم يحبونهم كحب الله
قيل أي يعظمونهم ويطيعونهم كتعظيمه والميل إلى طاعته أي يسوون بينهم وبينه في
المحبة والطاعة والذين آمنوا أشد حبا لله من هؤلاء المتخذين الأنداد مع الله
لأندادهم لأن المؤمنين يرون الربوبية والقدرة لله لا يشركون به شيئا فمحبتهم خالصة
له.
والعياشي عن الباقر والصادق (عليهما السلام هم آل محمد (عليهم السلام).
أقول: يعني الذين آمنوا ويأتي تحقيق معنى محبة الله عز وجل في سورة آل
عمران عند تفسير قوله تعالى قل إنكم كنتم تحبون الله انشاء الله.
ولو يرى الذين ظلموا باتخاذ الأصنام أندادا لله سبحانه والكفار والفجار مثالا
لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) وقرئ بالتاء إذ يرون العذاب
حين يرون العذاب الواقع بهم لكفرهم وعنادهم وقرئ بضم
الياء أن القوة لله يعلمون
ان القوة لله جميعا يعذب من يشاء ويكرم من يشاء ولا قوة للكفار يمتنعون بها من
عذابه وأن الله شديد العذاب ويعلمون أن الله شديد العذاب وقيل جواب لو محذوف
أي لندموا أشد الندم.
(166) إذ تبرأ الذين اتبعوا أي لو يرى هؤلاء المتخذون الأنداد حين تبرأ
الرؤساء من الذين اتبعوا الرعايا والاتباع ورأوا العذاب وتقطعت بهم الا سباب
الوصلات التي كانت بينهم يتواصلون بها ففنيت حيلتهم ولا يقدرون على النجاة من
عذاب الله بشئ.
(167) وقال الذين اتبعوا الاتباع لو أن لنا كرة يتمنون لو كان لهم رجعة إلى
209

الدنيا فنتبرأ منهم هناك كما تبرءوا منا هنا كذ لك كما تبرى بعضهم من بعض يريهم
الله أعمالهم حسرات عليهم وذلك إنهم عملوا في الدنيا لغير الله أو على غير الوجه
الذي أمر الله فيرونها لا ثواب لها ويرون أعمال غيرهم التي كانت لله قد عظم الله
ثواب أهلها.
وفي الكافي والفقيه والعياشي عن الصادق (عليه السلام) في قوله عز وجل يريهم
الله أعملهم حسرات عليهم هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله بخلا ثم يموت
فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله أو معصية الله فان عمل به في طاعة الله رآه في ميزان
غيره فرآه حسرة وقد كان المال له وإن كان عمل به في معصية الله قواه بذلك المال
حتى عمل به في معصية عز وجل وما هم بخارجين من النار كان عذابهم سرمدا
دائما إذ كانت ذنوبهم كفرا لا تلحقهم شفاعة نبي ولا وصي ولا خير من خيار
شيعتهم.
(168) يا أيها الناس كلوا مما في الأرض من أنواع ثمارها وأطعمتها حللا لا
طيبا لكم إذا أطعتم ربكم في تعظيم من عظمه والاستخفاف لمن أهانه وصغره وقيل
نزلت في قوم حرموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس ولا تتبعوا خطوات
الشيطان ما يخطو بكم إليه ويغريكم به من مخالفة الله عز وجل.
العياشي عن الباقر (عليه السلام) كل يمين بغير الله فهو من خطوات الشيطان.
وفي المجمع عنهما (عليهما السلام) ما في معناه إنه لكم عدو مبين.
(169) إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون قيل
كاتخاذ الأنداد وتحليل المحرمات وتحريم الطيبات.
أقول: فيه دلالة على المنع من اتباع الظن في المسائل الدينية رأسا.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك
إياك أن تفتي الناس برأيك وتدين بما لا تعلم.
وعن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن حق الله تعالى على العباد قال أن يقولوا ما
210

يعلمون ويقفوا عندما لا يعلمون.
(170) وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله في كتابه قيل الضمير للناس وعدل عن
الخطاب عنهم للنداء على ضلالتهم كأنه التفت إلى العقلاء وقال لهم انظروا إلى
هؤلاء الحمقى ماذا يجيبون قالوا بل نتبع ما ألفينا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا من الدين
والمذهب أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) إلى الحق والصواب.
أقول: فيه دلالة على وجوب اعمال البصيرة ولو في معرفة من يقلده.
(171) ومثل الذين كفروا في عبادتهم الأصنام واتخاذهم الأنداد من دون
محمد وعلي كمثل الذي ينعق يصوت بما لا يسمع منه إلا دعاء ونداء لا يفهم ما يراد
منه فيغيث المستغيث ويعين من استعانه.
وفي المجمع عن الباقر أي مثلهم في دعائك إياهم إلى الأيمان كمثل الناعق
في دعائه المنعوق به من البهائم التي لا تفهم وإنما تسمع الصوت.
أقول: يعني بذلك أن مثل داعيهم كمثل داعي البهائم فإنهم لانهماكهم في
التقليد لا يلقون أذهانهم إلى ما يتلى عليهم ولا يتأملون فيما يقرر معهم فهم في
ذلك كالبهائم التي ينعق عليها فتسمع الصوت ولا تعرف مغزاه وتحس النداء ولا تفهم
معناه وهذا المعنى مع افتقاره إلى الاضمار أوضح من الأول لأن الأصنام لا تسمع
دعاء ولا نداء كما انها لا تفهم ما يراد منها الا أن يجعل ذلك من باب التمثيل
المركب أو يجعل اتخاذهم الأنداد في الحديث تفسيرا لعبادتهم الأصنام وأريد
بالأنداد والأصنام جميعا أئمة الظلال.
صم بكم عمي عن الهدى فهم لا يعقلون) أمر الله سبحانه.
(172) يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله على ما
رزقكم وأحل لكم إن كنتم إياه تعبدون.
أقول: يعني واشكروا له نعمه إن صح انكم تختصونه بالعبادة وتقرون انه
مولى النعم فان عبادته لا تتم إلا بالشكر بأن تعتقدوا بأن النعمة من الله وتصرفوا النعم
211

فيما خلقت له وتحمدوا الله بألسنتكم، وروي عن النبي (صلى عليه وآله وسلم)
يقول الله تعالى إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وارزق ويشكر
غيري.
(173) إنما حرم عليكم الميتة التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث اذن
الله والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح
وهي التي تتقرب بها الكفار بأسامي أندادهم التي اتخذوها من دون الله فمن اضطر
إلى شئ من هذه المحرمات غير باغ ولا عاد وهو غير باغ عند الضرورة على إمام
هدى ولا معتد قوال بالباطل في نبوة من ليس بنبي وإمامة من ليس بإمام.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) الباغي الذي يخرج على الامام والعادي
الذي يقطع الطريق لا تحل لهما الميتة.
والعياشي عنه (عليه السلام) ما في معناه وفي رواية الباغي الظالم والعادي
الغاصب.
وفي التهذيب والعياشي عنه (عليه السلام) الباغي باغي الصيد والعادي السارق
ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على
المسلمين.
وفيه وفي الفقيه عن الجواد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) سئل رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل له إنا نكون بأرض عراق فتصيبنا المخمصة فمتى تحل
لنا الميتة قال ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتقبوا بقلا فشأنكم بهذا، قال عبد العظيم
فقلت له يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما معنى قول الله عز وجل: * (فمن
اضطر غير باغ ولا عاد) * فقال العادي السارق والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا
لا ليعود به على عياله ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما في حال
الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار وليس لهما أن يقصرا في صوم ولا
صلاة في سفر، الحديث.
فلا إثم عليه في تناول هذه الأشياء إن الله غفور ستار لعيوبكم رحيم بكم حين
212

أباح لكم في الضرورة ما حرمه في الرخاء.
في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير
فلم يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر.
(174) إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا عرضا
من الدنيا يسيرا وينالون به في الدنيا عند الجهال رئاسة أولئك ما يأكلون في بطونهم
قيل أي ملء بطونهم يقال أكل في بطنه وأكل في بعض بطنه وفي الحديث كلوا في
بعض بطنكم تعفوا إلا النار بدلا من إصابتهم اليسير من الدنيا لكتمانهم الحق ولا
يكلمهم الله يوم القيمة بكلام خير بل يلعنهم ويخزيهم وقيل هو كناية عن غضبه
تعالى عليهم وتعريض لحرمانهم عن الزلفى من الله ولا يزكيهم من ذنوبهم قيل ولا
يثني عليهم ولهم عذاب أليم موجع في النار.
(175) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى في الدنيا والعذاب بالمغفرة في
الآخرة بكتمان الحق للأغراض الدنيوية فما أصبرهم على النار ما أجرأهم على عمل
يوجب عليهم عذاب النار.
وفي الكافي والعياشي ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم إلى النار.
والقمي ما أجرأهم على النار كلها عن الصادق (عليه السلام).
(176) ذلك العذاب بأن الله نزل الكتاب بالحق أي ما يوعدون به يصيبهم ولا
يخطيهم وقيل نزل بالحق فرفضوا بالتكذيب والكتمان وإن الذين اختلفوا في الكتاب
بأن قال بعضهم سحر وقال آخر إنه شعر وقال آخر انه كهانة إلى غير ذلك لفي شقاق
خلاف بعيد عن الحق كان الحق في شق وهم في شق غيره يخالفه.
(175) ليس البر الفعل المرضي وقرئ بالنصب أن تولوا وجوهكم قبل
المشرق والمغرب إلى الكعبة قيل رد على الذين أكثروا الخوض في أمر القبلة من
أهل الكتاب حين حولت إلى الكعبة مدعيا كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلتها
213

والمشرق قبلة النصارى والمغرب قبلة اليهود.
وفي تفسير الامام عن السجاد (عليه السلام) قالت اليهود قد صلينا على قبلتنا هذه
الصلاة الكثيرة وفينا من يحيي الليل صلاة إليها وهي قبلة موسى التي أمرنا بها وقالت
النصارى قد صلينا على قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة وفينا من يحيي الليل صلاة إليها
وهي قبلة عيسى التي أمرنا بها وقال كل واحد من الفريقين أترى ربنا يبطل أعمالنا هذه
الكثيرة وصلاتنا إلى قبلتنا لأنا لا نتبع محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) على هواه في
نفسه وأخيه فأنزل الله يا محمد قل ليس البر الطاعة التي تنالون بها الجنان وتستحقون
بها الغفران والرضوان ان تولوا وجوهكم بصلواتكم قبل المشرق يا أيها النصارى وقبل
المغرب يا أيها اليهود وأنتم لأمر الله مخالفون وعلى ولي الله مغتاظون ولكن البر قرئ
بتخفيف لكن ورفع البر من آمن قيل يعني البر الذي ينبغي أن يهتم به بر من آمن بالله
واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين واتى المال على حبه اعطى في الله تعالى
المستحقين من المؤمنين على حبه للمال وشدة حاجته إليه يأمل الحياة ويخشى الفقر
لأنه صحيح شحيح ذوي القربى اعطى قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الفقراء
هدية وبرا لا صدقة لأن الله أجلهم عن الصدقة وأعطى قرابة نفسه صدقة وبرا واليتامى
من بني هاشم الفقراء برا لا صدقة ويتامى غيرهم صدقة وصلة والمساكين) مساكين
الناس وابن السبيل المجتاز المنقطع به لا نفقة معه والسائلين الذين يتكففون وفي
الرقاب في تخليصها يعني المكاتبين يعينهم ليؤدوا حقوقهم فيعتقوا وأقام الصلاة
بحدودها وآتى الزكاة الواجبة عليه لإخوانه المؤمنين والموفون بعهدهم إذا عاهدوا
قيل عطف على من آمن يشمل عهد الله والناس والصابرين نصبه على المدح ولم
يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال في البأساء يعني في محاربة الأعداء ولا عدو
يحاربه أعدى من إبليس ومردته ويهتف به ويدفعه وإياهم بالصلاة على محمد وآله
الطيبين والضراء الفقر والشدة ولا فقر أشد من فقر مؤمن يلجأ إلى التكفف من أعداء
آل محمد (عليهم السلام) يصبر على ذلك ويرى ما يأخذه من مالهم مغنما يلعنهم به
ويستعين بما يأخذ على تجديد ذكر ولاية الطيبين الطاهرين وحين البأس عند شدة
القتال يذكر الله ويصلي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى علي ولي الله
214

يوالي بقلبه ولسانه أولياء الله ويعادي كذلك أعداء الله أولئك الذين صدقوا في
إيمانهم وصدقوا أقاويلهم بأفاعيلهم وأولئك هم المتقون لما أمروا باتقائه. قيل الآية
كما ترى جامعة للكمالات الانسانية بأسرها دالة عليها صريحا أو ضمنا فإنها بكثرتها
وتشتتها منحصرة في ثلاثة أشياء صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس وقد
أشير إلى الأول بقوله: * (من آمن إلى والنبيين وإلى الثاني) * بقوله: * (وآتى المال
إلى وفي الرقاب) * وإلى الثالث بقوله وأقام الصلاة إلى آخرها ولذلك وصف
المستجمع لها بالصدق نظرا إلى إيمانه واعتقاده وبالتقوى اعتبارا بمعاشرته للخلق
ومعاملته مع الحق وإليه أشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله من عمل بهذه الآية
فقد استكمل الايمان.
(178) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم قيل أي فرض وأوجب عليكم القصاص
في القتلى يعني المساواة وان يسلك بالقاتل في طريق المقتول الذي سلكه به لما قتله
الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.
العياشي: عن الصادق (عليه السلام) هي لجماعة المسلمين ما هي للمؤمنين
خاصة.
وفي التهذيب عنه (عليه السلام) لا يقتل حر بعبد ولكن يضرب ضربا شديدا
ويغرم دية العبد ولا يقتل الرجل بالمرأة إلا إذا أدى أهلها إلى أهله نصف ديته.
والعياشي ما في معناه قيل كان بين حيين من أحياء العرب دماء وكان لأحدهما
على الآخر طول فأقسموا ليقتلن الحر بالعبد والذكر بالأنثى والرجلين بالرجل فلما جاء
الاسلام تحاكموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت فأمرهم أن يتكافؤوا
فمن عفي له أي الجاني الذي عفي له من أخيه الذي هو ولي الدم قيل ذكر بلفظ
الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من أخوة الاسلام شئ
من العفو وهو العفو من القصاص دون الدية فاتباع فليكن اتباع من العافي أي مطالبته
بالدية بالمعروف وهي وصية للولي بأن يطلب الدية بالمعروف بأن لا يظلم الجاني
215

بالزيادة ولا يعنفه وأداء إليه من الجاني إلى العافي بإحسان وصية للجاني بأن لا
يماطله ولا يبخس حقه بل يشكره على عفوه.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) ينبغي للذي له الحق أن لا يعسر
أخاه إذا كان قد صالحه على دية وينبغي للذي عليه الحق أن لا يمطل أخاه إذا قدر
على ما يعطيه ويؤدي إليه باحسان ذلك التخيير تخفيف من ربكم ورحمة لما فيه من
التسهيل والنفع فإنه لو لم يكن إلا القتل أو العفو لقل ما طابت نفس ولي المقتول بالعفو
بلا عوض يأخذه فكان قل ما يسلم القاتل من القتل، في العوالي: روي أن
القصاص كان في شرع موسى حتما والدية كان حتما في شرع عيسى فجاءت الحنفية
السمحة بتسويغ الأمرين معا قيل كتب على اليهود القصاص وحده وعلى النصارى
العفو مطلقا، وخير هذه الأمة بينهما وبين الدية تيسيرا عليهم فمن اعتدى بعد ذلك
بأن يقبل الدية أو يعفو أو يصالح ثم يجئ بعد فيمثل أو يقتل كذا في الكافي والعياشي
عن الصادق فله عذاب أليم.
(179) ولكم يا أمة محمد في القصاص حياة لأن من هم بالقتل فعرف أنه
يقتص منه فكف لذلك عن القتل كان حياة للذي هم بقتله وحياة لهذا الجاني الذي
أراد أن يقتل وحياة لغيرهما من الناس إذا علموا أن القصاص واجب لا يجرؤ ون على
القتل مخافة القصاص قيل هذا من أوجز الكلام وأفصحه.
وفي الأمالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال اربع قلت فأنزل الله تصديقي
في كتابه وعد منها قلت القتل يقل القتل فأنزل الله تعالى ولكم في القصاص حياة يا
أولي الا لباب أولي العقول قيل ناداهم للتأمل في حكمة القصاص من استبقاء الأرواح
وحفظ النفوس لعلكم تتقون.
(180) كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت حضر أسبابه وظهر إماراته إن
ترك خيرا مالا كثيرا.
في المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه دخل على مولى له في
مرضه وله سبع ماءة درهم أو ستماءة درهم فقال ألا
216

أوصي قال لا إنما قال الله إن ترك خيرا وليس لك كثير مال الوصية للولدين والأقربين
بالمعروف بالشئ الذي يعرف العقل أنه لا جور فيه ولا جنف حقا على المتقين.
العياشي: عن أحدهما هي منسوخة بآية المواريث وحملت على التقية
لموافقتها مذهب العامة ومخالفتها القرآن ولما في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه
السلام) أنه سئل عن الوصية للوارث فقال تجوز ثم تلا هذه الآية وفي معناه أخبار أخر
كثيرة.
أقول: نسخ الوجوب لا ينافي بقاء الجواز.
وفي المجمع والعياشي عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم
السلام) قال من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية
وفي الفقيه والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه شئ جعله الله تعالى
لصاحب هذا الأمر قيل هل لذلك حد قال أدنى ما يكون ثلث الثلث.
والعياشي عنه (عليه السلام) حق جعله الله في أموال الناس لصاحب هذا الأمر
قيل لذلك حد محدود قال نعم قيل كم قال أدناه السدس وأكثره الثلث.
(181) فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه والله سميع
عليم وعيد للمبدل بغير حق.
في الكافي عن أحدهما (عليهما السلام) والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في
رجل أوصى بماله في سبيل الله قال أعطه لمن أوصى به له وإن كان يهوديا أو نصرانيا
إن الله يقول وتلا هذه الآية وفي معناه أخبار كثيرة وفي عدة منها أنه يغرمها إذا خالف.
(182) فمن خاف من موص وقرئ بفتح الواو وتشديد الصاد توقع وعلم جنفا
أو إثما ميلا عن الحق بالخطأ أو التعمد كذا في المجمع عن الباقر (عليه السلام.
وفي العلل والعياشي عن الصادق يعني إذا اعتدى في الوصية.
وزاد العياشي وزاد على الثلث ويأتي له معنى آخر.
217

وفي الفقيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان الجنف في الوصية من الكبائر
فأصلح بينهم بين الورثة والموصي لهم فلا إثم عليه في التبديل لأنه تبديل باطل إلى
الحق إن الله غفور رحيم وعد للمصلح وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الاثم.
وفي الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن قول الله تعالى فمن
بدله قال نسختها الآية التي بعدها فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا
إثم عليه قال يعني الموصي إليه إن خاف جنفا من الموصي فيما أوصى به إليه فيما لا
يرضى الله به من خلاف الحق فلا إثم على الموصى إليه أن يرده إلى الحق وإلى ما
يرضى الله به من سبيل الخير.
وفي رواية في الكافي ان الله أطلق للموصى إليه أن يغير الوصية إذا لم تكن
بالمعروف وكان فيها جنف ويردها إلى المعروف لقوله تعالى فمن خاف من موص
جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه.
والقمي عن الصادق (عليه السلام) إذا أوصى الرجل بوصية فلا يحل للوصي أن
يغير وصيته بل يمضيها على ما أوصى إلا أن يوصي بغير ما أمر الله فيعصي في الوصية
ويظلم فالموصى إليه جائز له أن يردها إلى الحق مثل رجل يكون له ورثة فيجعل المال
كله لبعض الورثة ويحرم بعضها فالوصي جائز له أن يردها إلى الحق وهو قوله تعالى
جنفا أو إثما فالجنف الميل إلى بعض ورثتك دون بعض والاثم أن تأمر بعمارة بيوت
النيران واتخاذ المسكر فيحل للوصي أن لا يعمل بشئ من ذلك.
(183) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) العياشي عن الصادق (عليه
السلام) إنه سئل عن هذه الآية وعن قوله سبحانه كتب عليكم القتال فقال هذه كلها
يجمع الضلال والمنافقين وكل من أقر بالدعوة الظاهرة.
وفي المجمع عنه (عليه السلام) قال لذة النداء أزال تعب العبادة والعناء كما كتب
على الذين من قبلكم من الأنبياء والأمم، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن أولهم
آدم يعني أنه عبادة قديمة ما أخلى الله أمة من إيجابها عليهم لم يوجبها عليكم وحدكم
وفيه ترغيب على الفعل وتطييب عن النفس لعلكم تتقون المعاصي فان الصيام يكسر
218

الشهوة التي هي معظم أسبابها وفي الحديث من لم يستطع الباه فليصم فان الصوم له
وجاء.
(184) أياما معدودات قيل أي قلائل فان القليل يعد عدا والكثير يهال هيلا أو
موقتات بعدد معلوم فمن كان منكم مريضا مرضا يضره الصوم ويعسر كما يدل عليه
قوله تعالى: * (ولا يريد بكم العسر) * أو على سفر راكب سفر فعدة من أيام أخر فعليه
عدة من أيام أخر وهذا نص في وجوب الافطار على المريض والمسافر كما ورد عن
أئمتنا (عليهم السلام) في أخبار كثيرة حتى قالوا الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر
فيه في الحضر رواه في الكافي والتهذيب والفقيه وفي الثلاثة في حديث الزهري عن
السجاد من صام في السفر أو المرض فعليه القضاء لأن الله تعالى يقول فمن كان منكم
مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعن الباقر (عليه السلام) قال سمى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قوما صاموا حين أفطر وقصر عصاة قال وهم العصاة إلى يوم
القيامة وإنا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا.
وعن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عمن صام في السفر فقال إذا كان بلغه أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن ذلك فعليه القضاء وإن لم يكن بلغه فلا
شئ عليه.
وفي رواية أخرى وإن صامه بجهالة لم يقض، وعنه (عليه السلام) أنه سئل ما
حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام قال بل الانسان على نفسه
بصيرة وهو أعلم بما يطيقه.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) هو مؤتمن عليه مفوض إليه فان وجد ضعفا
فليفطر وإن وجد قوة فليصم كان المريض على ما كان.
وفيه أنه (عليه السلام) سئل عن حد المرض الذي يترك منه الصوم قال إذا لم
يستطع أن يتسحر.
وفي الفقيه عنه (عليه السلام) الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر، وعنه
219

(عليه السلام) كلما أضر به الصوم فالافطار له واجب واما حد السفر الذي يفطر فيه
فقصد ثمانية فراسخ فصاعدا ذهابا أو مع الإياب ما لم ينقطع سفره دونها بعزم إقامة
عشرة أيام أو مضي ثلاثين يوما عليه مترددا في بلد أو بالوصول إلى بلد يكون له فيه
منزل يقيم فيه ستة أشهر فان انقطع بأحدها فقد صار سفرين بينهما حضور وأن لا
يكون السفر عمله إلا إذا جد به السير وشق عليه مشقة شديدة وأن يكون السفر جائزا له
وأن يتوارى عن جدران البلد أو يخفى عليه أذانه هذا ما استفدناه من أخبار أئمتنا
(عليهم السلام) في شرائط السفر الموجب للافطار في الصيام والتقصير في الصلاة
وبيناه في كتابنا المسمى بالوافي من أراد الاطلاع عليه فليراجع إليه.
وعلى الذين يطيقونه إن أفطروا فدية طعام مسكين في الجوامع عن الباقر (عليه
السلام) طعام مساكين وقرأ به قيل كان القادر على الصيام الذي لا عذر له مخيرا بينه
وبين الفدية لكل يوم نصف صاع وقيل مد وكان ذلك في بدو الاسلام حين فرض
عليهم الصيام ولم يتعودوا فرخص لهم في الافطار والفدية ثم نسخ ذلك بقوله عز
وجل فمن شهد منكم الشهر فليصمه قيل إنه غير منسوخ بل المراد بذلك الحامل
المقرب والمرضعة القليلة اللبن والشيخ والشيخة فإنه لما ذكر المرض المسقط
للفرض وكان هناك أسباب اخر ليست بمرض عرفا لكن يشق معها الصوم وذكر
حكمها فيكون تقديره وعلى الذين يطيقونه ثم عرض لهم ما يمنع الطاقة فدية وهذا هو
المروي عن الصادق (عليه السلام) ويؤيده ما ورد في شواذ القراءة عن ابن عباس وعلى
الذين يطوقونه أي يتكلفونه وعلى هذا يكون قوله وان تصوموا خير لكم كلاما مستأنفا
لا تعلق له بما قبله وتقديره وإن صومكم خير عظيم لكم هذا ما قالوه في معنى الآية ويخطر بالبال أنه لا حاجة بنا إلى مثل هذه التكلفات البعيدة من القول بالنسخ تارة مع
دلالة الأخبار المعصومية على خلافه والتزام الحذف والتقدير وفصل ما ظاهره الوصل
أخرى مع عدم ثبوت تلك الروايات المشار إليها وذلك لأن الله سبحانه لا يكلف نفسا
إلا وسعها كما قاله في محكم كتابه والوسع دون الطاقة كما ورد في تفسيره عن أهل
البيت (عليهم السلام) فلا تكلف نفس بما هو على قدر طاقتها أي بما يشق عليها تحمله
عادة ويعسر فالذين يطيقون الصوم يعني يكون الصوم بقدر طاقتهم ويكونون معه على
220

مشقة وعلى عسر لم يكلفهم الله على سبيل الحتم كالشيخ والحامل ونحوهما بل
خيرهم بينه وبين الفدية توسيعا منه ورحمة ثم جعل الصوم خيرا لهم من الفدية في
الأجر والثواب إذا اختاروا المشقة على السعة ويؤيده القراءة الشاذة كما يؤيده ما
ذكروه ويدل على هذا أيضا ما رواه في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في
قوله تعالى: * (الذين يطيقونه) * قال الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش.
وفي رواية المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير وقوله تعالى: * (وأن تصوموا
خير لكم) * فإنه يدل على أن المطيق هو الذي يقدر على الصيام حدا في القدرة دون
الحد الذي أوجب عليه التكليف.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في رجل كبير ضعف عن صوم شهر
رمضان قال يتصدق عن كل يوم بما يجزي من طعام مسكين وفي رواية لكل يوم
مد فمن تطوع خيرا أي زاد في مقدار الفدية وقرئ يطوع كما في آية الحج فهو
فالتطوع خير له وأن تصوموا أيها المطيقون خير لكم من الفدية وتطوع الخير إن كنتم
تعلمون ما في الصيام من الفضيلة إن صمتم أو إن كنتم من أهل العلم علمتم ذلك.
(185) شهر رمضان أي الأيام المعدودات هي شهر رمضان.
وفي الفقيه عن الصادق (عليه السلام) إنما فرض الله صيام شهر رمضان على
الأنبياء دون الأمم ففضل الله به هذه الأمة وجعل صيامه فرضا على رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) وعلى أمته الذي أنزل فيه القرآن أي بيانه وتأويله كما مضى تحقيقه
في المقدمة التاسعة من هذا الكتاب وقرئ بغير الهمزة حيث وقع هدى للناس
وبينات من الهدى والفرقان قد مضى تفسيره في تلك المقدمة فمن شهد منكم الشهر
فمن حضر في الشهر ولم يكن مسافرا فليصمه في الكافي والفقيه والتهذيب عن
الصادق (عليه السلام) ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه.
وفي التهذيب عنه (عليه السلام) إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط قال الله
تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن
يخرج إلا في حج أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه وليس له أن يخرج
221

في إتلاف مال أخيه فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء ومن كان
مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر كرر ذلك تأكيدا للأمر بالافطار وإنه عزيمة لا
يجوز تركه يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر يريد أن ييسر عليكم ولا يعسر فلذلك أمركم بالافطار في المرض والسفر.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) إن الله تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالتقصير والافطار أيسر أحدكم إذا
تصدق بصدقة أن ترد عليه.
وفي الخصال عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الله تبارك وتعالى أهدى
إلي وإلى أمتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم كرامة من الله لنا قالوا وما ذلك يا
رسول الله قال الافطار في السفر والتقصير في الصلاة فمن لم يفعل ذلك فقد رد على
الله هديته. ولتكملوا العدة وشرع جملة ما ذكر لتكملوا عدة أيام الشهر، وقرئ
لتكملوا مثقلا ولتكبروا الله على ما هديكم ولتعظموا الله وتمجدوه على هدايته إياكم
ولعلكم تشكرون تسهيله الأمر لكم، في الفقيه عن الرضا (عليه السلام) وإنما جعل
التكبير في صلاة العيد أكثر منه في غيرها من الصلوات لأن التكبير إنما هو تعظيم لله
وتمجيد على ما هدى وعافى كما قال عز وعلا ولتكبروا الله على ما هديكم ولعلكم
تشكرون.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) أما إن في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون قال
قلت وأين هو قال في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفي صلاة الفجر وفي
صلاة العيد ثم يقطع قال قلت كيف أقول قال تقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله
أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا وهو قول الله تعالى: * (ولتكملوا العدة) * يعني
الصيام ولتكبروا الله على ما هداكم.
(186) وإذا سالك عبادي عني فإني قريب فقل لهم إني قريب روي أن اعرابيا
قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت.
أقول: قربه تعالى عبارة عن معيته عز وجل كما قال سبحانه وهو معكم أينما
222

كنتم فكما أن معيته للأشياء ليست بممازجة ومداخلة ومفارقته عنها ليست بمباينة
ومزايلة فكذلك قربه ليس باجتماع وأين وبعده ليس بافتراق وبين بل بنحو آخر أقرب
من هذا القرب وأبعد من هذا البعد ولهذا قال تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد
وقال ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون، وفي مناجاة سيد الشهداء (عليه الصلاة
والسلام) إلهي ما أقربك مني وأبعدني عنك وما أرأفك بي فما الذي يحجبني عنك
وإنما يجد قربه من عبده كأنه يراه كما قال نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أعبد الله
كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، إن قيل كيف يكون الشئ قريبا من الآخر
ويكون ذلك الآخر بعيدا عنه، قلنا هذا كما يكون لك محبوب وهو حاضر عندك وأنت
عنه في عمى لا تراه ولا تشعر بحضوره فإنه قريب منك وأنت بعيد عنه أجيب دعوة
الداع إذا دعان تقرير للقرب ووعد للداعي بالإجابة فليستجيبوا لي إذا دعوتهم
للايمان والطاعة كما أجبتهم إذا دعوني لمهامهم وليؤمنوا بي في المجمع عن الصادق
(عليه السلام) أي وليتحققوا اني قادر على إعطائهم ما سألوه.
والعياشي ما في معناه لعلهم يرشدون قال أي لعلهم يصيبون الحق ويهتدون
إليه.
وروي أن الصادق (عليه السلام) قرأ أمن يجيب المضطر إذا دعاه فسئل ما لنا
ندعو ولا يستجاب لنا فقال لأنكم تدعون من لا تعرفون وتسألون ما لا تفهمون
فالاضطرار عين الدين وكثرة الدعاء مع العمى عن الله من علامة الخذلان من لم يشهد
ذلة نفسه وقلبه وسره تحت قدرة الله حكم على الله بالسؤال وظن أن سؤاله دعاء
والحكم على الله من الجرأة على الله.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) أنه قيل له في قوله سبحانه ادعوني استجب لكم
ندعوه ولا نرى إجابة قال أفترى الله عز وجل أخلف وعده فال لا قال فمم ذلك قال لا
أدري قال لكني أخبرك من أطاع الله عز وجل فيما أمره ثم دعاه من جهة الدعاء أجابه
قيل وما جهة الدعاء قال تبدأ وتحمد الله وتذكر نعمه عندك ثم تشكره ثم تصلي على
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم تذكر ذنوبك فتقر بها ثم تستعيذ منها فهذا جهة
الدعاء.
223

وعنه (عليه السلام) أن العبد ليدعو فيقول الله للملكين قد استجبت له ولكن
احبسوه بحاجته فاني أحب أن أسمع صوته وإن العبد ليدعو فيقول الله تبارك وتعالى
عجلوا له حاجته فاني أبغض صوته.
والقمي عنه (عليه السلام) أنه قيل له إن الله تعالى يقول: ادعوني أستجب لكم
وإنا ندعوه فلا يستجاب لنا فقال لأنكم لا توفون بعهده الله وان الله يقول: * (أوفوا
بعهدي أوف بعهدكم) * والله لو وفيتم لله لوفى لكم.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) أن من سره أن يستجاب دعوته فليطيب مكسبه.
وروي عنه (عليه السلام) إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاء فلييأس
من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا عند الله عز وجل فإذا علم الله ذلك من قلبه لم
يسأله شيئا إلا أعطاه ويأتي حديث آخر في هذا الباب في سورة المؤمن انشاء الله.
(187) أحل لكم ليلة الصيام أي الليلة التي تصبح منها صائما الرفث إلى
نسائكم كنى به عن الجماع لأنه قلما يخلو عن رفث وهو الا فصاح بما يجب أن يكنى
عنه وعدى بالى لتضمنه معنى الإفضاء هن لباس لكم وأنتم لباس لهن استيناف يبين
سبب الا حلال وهو قلة الصبر عنهن وصعوبة اجتنابهن لكثرة المخالثة وشدة
الملابسة علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم من الخيانة كالاكتساب
من الكسب وهو أبلغ منها أي تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص
حظها من الثواب فتاب عليكم لما تبتم ورخص لكم وأزال التشديد
عنكم وعفا عنكم محى أثره عنكم فالآن باشروهن كنى بالمباشرة عن الجماع
وهي الصاق البشرة بالبشرة وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا
قيل يعني اطلبوا ما قدر لكم وأثبته في اللوح من الولد
بالمباشرة أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها ولكن لابتغاء ما وضع الله النكاح له من
التناسل وقيل وابتغوا ما كتب الله لكم من الإباحة بعد الحظر فان الله يحب أن يؤخذ
برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
الأبيض من الخيط الأسود من الفجر شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق
224

وما يمتد معه من ظلمة الليل بخيطين ابيض واسود واكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله
من الفجر عن بيان الخيط الأسود لدلالته عليه.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) هو بياض النهار من سواد الليل.
وفي رواية: هو الفجر الذي لا شك فيه وفي أخرى ليس هو الأبيض صعداء إن
الله لم يجعل خلقه في شبهة من هذا وتلا هذه الآية فقال المعترض.
وفي التهذيب عنه أنه سئل آكل في شهر رمضان بالليل حتى أشك قال كل حتى
لا تشك.
وفيه وفي الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) أنه سئل عن رجلين قاما في رمضان
فقال أحدهما هذا الفجر وقال الآخر ما أرى شيئا قال ليأكل الذي لم يستيقن الفجر وقد
حرم الاكل على الذي زعم أنه رأى الفجر لأن الله يقول: * (كلوا واشربوا حتى يتبين
لكم) * الآية.
وفي الكافي والفقيه والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنها نزلت في خوات بن
جبير الأنصاري وكان مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخندق وهو صائم
فأمسى وهو على تلك الحال وكانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم حرم عليه
الطعام والشراب فجاء خوات إلى أهله حين أمسى فقال هل عندكم طعام فقالوا لا تنم
حتى نصلح لك طعاما فاتكى فنام فقالوا له قد فعلت فقال نعم فبات على تلك الحال
فأصبح ثم غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه فمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) فلما رأى الذي به أخبره كيف كان أمره فأنزل الله فيه الآية، وزاد القمي فيما زاد
وكان النكاح حراما بالليل والنهار وفي شهر رمضان قال وكان قوم من الشبان ينكحون
بالليل في شهر رمضان فأنزل الله، في الجوامع عن الصادق (عليه السلام) قال كان
الأكل محرما في شهر رمضان بالليل بعد النوم وكان النكاح حراما بالليل والنهار وكان
رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقال له مطعم بن جبير نام قبل
أن يفطر وحضر حفر الخندق فأغمي عليه وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل سرا في
شهر رمضان فنزلت الآية فأحل النكاح بالليل والأكل بعد النوم فذلك قوله وعفا عنكم.
225

وفي المجمع اختلفت العامة في اسم هذا الرجل ثم ذكر قصته عنهم بنحو آخر
قال فقال عمر يا رسول الله اعتذر إليك من مثله رجعت إلى أهلي بعد ما صليت العشاء
فأتيت امرأتي وقام رجال فاعترفوا بمثل الذي سمعوا فنزلت ثم أتموا الصيام إلى الليل
بيان لآخر وقت الصيام ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد معتكفون فيها
والاعتكاف أن يحبس نفسه في المسجد الجامع للعبادة تلك أي الأحكام التي ذكرت.
حدود الله حرمات الله ومناهيه فلا تقربوها في الحديث النبوي الشريف أن لكل ملك
حمى وان حمى الله محارمه فمن وقع حول الحمى يوشك أن يقع فيه كذلك مثل ذلك
التبيين يبين الله آياته حججه ودلائله للناس على ما أمرهم به ونهاهم عنه لعلهم يتقون
مخالفة أوامره ونواهيه.
(188) ولا تأكلوا أموالكم بينكم لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل بالوجه
الذي لا يحل ولم يشرعه الله.
وفي المجمع عن الباقر يعني بالباطل اليمين الكاذبة تقتطع به الأموال.
وفي الفقيه والعياشي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل الرجل منا يكون
عنده الشئ يتبلغ به وعليه الدين أيطعمه عياله حتى يأتيه الله تعالى بميسرة
فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسبة أو يقبل
الصدقة فقال يقضي بما عنده دينه ولا يأكل أموال الناس الا وعنده ما يؤدي إليهم
ان الله عز وجل يقول ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام
عطف على المنهي أو نصب باضمار ان، والادلاء الالقاء أي ولا تلقوا أمرها
والحكومة فيها إلى الحكام لتأكلوا بالتحاكم فريقا طائفة من أموال الناس بالإثم
بما يوجب إثما كشهادة الزور واليمين الكاذبة أو بالصلح مع العلم بأن المقضي
له ظلم وأنتم تعلمون أنكم مبطلون.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال إن الله عز
وجل قد علم أن في الأمة حكاما يجورون اما إنه لم يعن حكام أهل العدل ولكنه
عنى حكام أهل الجور.
226

والقمي قال العالم (عليه السلام) قد علم الله أنه يكون حكام يحكمون بغير
الحق فنهى أن يتحاكم إليهم لأنهم لا يحكمون بالحق فيبطل الأموال.
وفي التهذيب والعياشي عن الرضا (عليه السلام) أنه كتب في تفسيرها ان
الحكام القضاة ثم كتب تحته وهو أن يعلم الرجل أنه ظالم فيحكم له القاضي
فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي حكم له إذا كان قد علم أنه ظالم.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) كانت قريش تقامر الرجل في أهله
وماله فنهاهم الله.
أقول: الآية تعم الكل ولا تنافي بين الأخبار.
(189) يسألونك عن الأهلة عن أحوالها في زيادتها ونقصانها ووجه
الحكمة في ذلك قل هي مواقيت للناس والحج أي معالم يوقت بها الناس
عباداتهم ومزارعهم ومتاجرهم ومحال ديونهم وعدد نسائهم.
وفي التهذيب عن الصادق (عليه السلام) لصومهم وفطرهم وحجهم وليس
البر بأن تأتوا البيوت وقرئ بكسر الباء حيث وقع من ظهورها في المجمع عن
الباقر (عليه السلام) كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها ولكنهم كانوا
ينقبون في ظهور بيوتهم أي في مؤخرها نقبا يدخلون ويخرجون منه فنهوا عن
التدين بها ولكن البر من اتقى ما حرم الله كذا عن الصادق (عليه السلام) وأتوا
البيوت من أبوبها وفي المحاسن والمجمع والعياشي عن الباقر (عليه السلام) يعني
أن يأتي الأمر من وجهه أي الأمور كان.
أقول: ومنه أخذ أحكام الدين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعترته
الطيبين لأنهم أبواب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجمعين كما قال
أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا يؤتى المدينة إلا من بابها.
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد جعل الله للعلم أهلا
وفرض على العباد طاعتهم بقوله وأتوا البيوت من أبوابها والبيوت هي بيوت العلم
227

الذي استودعته الأنبياء وأبوابها أوصياؤهم.
وعنه (عليه السلام) نحن البيوت التي أمر الله أن يؤتى أبوابها نحن باب الله
وبيوته التي يؤتى منه فمن تابعنا وأقر بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن
خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها إن الله عز وجل لو شاء عرف الناس
نفسه حتى يعرفونه ويأتونه من بابه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي
يؤتى منه قال فمن عدل عن ولا يتنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها
وإنهم عن الصراط لناكبون.
وفي المجمع والعياشي عن الباقر (عليه السلام) آل محمد صلوات الله
عليهم أبواب الله وسبله والدعاة إلى الجنة والقادة إليها والادلاء عليها إلى يوم
القيامة واتقوا الله في تغيير أحكامه لعلكم تفلحون لكي تظفروا بالهدى والبر.
(190) وقاتلوا في سبيل الله جاهدوا لاعلاء كلمته واعزاز دينه الذين
يقتلونكم هي ناسخة لقوله تعالى كفوا أيدكم كذا في المجمع عنهم (عليهم
السلام) ولا تعتدوا بابتداء القتال والمفاجأة به من غير دعوة والمثلة وقتل من نهيتم
عن قتله من النساء والصبيان والمشايخ والمعاهدين إن الله لا يحب المعتدين.
(191) واقتلوهم حيث ثقفتموهم وجدتموهم هي ناسخة لقوله عز وجل
ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم كذا في المجمع عنهم (عليهم السلام)
وأخرجوهم من حيث أخرجوكم منها أخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها وقد
فعل ذلك يوم الفتح بمن لم يسلم منهم والفتنة أشد من القتل قيل معناه شركهم
في الحرم وصدهم إياكم عنه أشد من قتلكم إياهم فيه ولا تقتلوهم عند المسجد
الحرام حتى يقتلوكم فيه لا تفاتحوهم بالقتال وهتك حرمة الحرم فإن قاتلوكم
فاقتلوهم فلا تبالوا بقتالهم ثمة فإنهم الذين هتكوا حرمته، وقرئ ولا تقتلوهم حتى
يقتلوكم فان قتلوكم بدون الألف كذلك مثل ذلك جزاء الكافرين جزاؤهم يفعل
بهم ما فعلوا.
(192) فإن انتهوا عن القتال والشرك فإن الله غفور رحيم يغفر لهم ما قد سلف.
228

(193) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة شرك كذا في المجمع عن الباقر (عليه
السلام) ويكون الدين أي الطاعة والعبادة لله وحده خالصا ليس للشيطان فيه
نصيب فإن انتهوا عن الشرك فلا عدوان إلا على الظالمين فلا تعتدوا على
المنتهين سمي الجزاء باسم الاعتداء للمشاكلة وازدواج الكلام كما في قوله
سبحانه: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * ومثله فاعتدوا عليه كما يأتي.
والعياشي عن أحدهما (عليهما السلام) أي لا عدوان إلا على ذرية قتلة
الحسين (عليه السلام). وفي رواية لا يعتدي الله على أحد الا على نسل ولد قتلة
الحسين (ع).
وفي العلل: عن الرضا (عليه السلام) أنه سئل يا بن رسول الله ما تقول في
حديث روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة
الحسين (عليه السلام) بفعال آبائهم فقال هو كذلك فقيل فقول الله عز وجل ولا تزر
وازرة وزر أخرى ما معناه فقال صدق الله في جميع أقواله لكن ذراري قتلة
الحسين (عليه السلام) يرضون بأفعال آبائهم كذلك ويفتخرون بها ومن رضي شيئا
كان كمن أتاه ولو أن رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان
الراضي عند الله شريك القاتل وإنما يقتلهم القائم (عليه السلام) إذا خرج لرضاهم
بفعل ابائهم.
أقول: وذلك لأنهم إنما يكونون من سنخهم وحقيقتهم بحيث لو قدروا
على ما قدر عليه أولئك فعلوا ما فعلوا كما حقق في المقدمة الثالثة.
(194) الشهر الحرام بالشهر الحرام قيل قاتلهم المشركون في عام
الحديبية في ذي القعدة واتفق خروجهم لعمرة القضاء فيه فكر هوا أن يقاتلوهم
فيه لحرمته فقيل لهم هذا الشهر بذلك وهتكه بهتكه فلا تبالوا به.
وفي المجمع روي مثله عن الباقر (عليه السلام) والحرمات قصاص أي كل
حرمة وهي ما يجب أن يحافظ عليها يجري فيه القصاص فلما هتكوا حرمة
شهركم فافعلوا بهم مثله.
229

في التهذيب والعياشي مضمرا أنه سئل عن المشركين أيبتدؤهم
المسلمون بالقتال في الشهر الحرام فقال إذا كان المشركون ابتداؤهم
باستحلالهم ثم رأى المسلمون أنهم يظهرون عليهم فيه وذلك قول سبحانه:
الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم فذلكة وتأكيد لما سبق في التهذيب عن الصادق (عليه
السلام) في رجل قتل رجلا في الحرم وسرق في الحرم فقال يقام عليه الحد
وصغار له لأنه لم ير حرمة للحرم وقد قال الله تعالى: * (فمن اعتدى عليكم
فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * يعني في الحرم وقال فلا عدوان إلا على
الظالمين واتقوا الله في الانتصار فلا تعتدوا إلى ما لم يرخص لكم واعلموا أن
الله مع المتقين فيحرسهم ويصلح شأنهم.
(195) وأنفقوا في سبيل الله في الجهاد وسائر أبواب البر ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة بالإسراف وتضييع وجه المعاش وبكل ما يؤدي إلى الهلاك،
في المجالس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال طاعة السلطان واجبة ومن
ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله ودخل في نهيه ان الله يقول: * (ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة) * وأحسنوا إن الله يحب المحسنين.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال لو أن رجلا أنفق ما في
يديه في سبيل من سبل الله ما كان أحسن ولا وفق للخير أليس يقول الله: * (ولا
تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) * يعني المقتصدين.
وفي المحاسن عنه (عليه السلام) قال إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف الله
عمله بكل حسنة سبعماءة وذلك قول الله سبحانه: * (يضاعف لمن يشاء) *
فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله فقيل له وما الاحسان فقال إذا صليت
فأحسن ركوعك وسجودك وإذا صمت فتوق كل ما فيه فساد صومك وإذا حججت
فتوق ما يحرم عليك في حجك وعمرتك قال وكل عمل تعمله لله فليكن نقيا من
الدنس.
230

(196) وأتموا الحج والعمرة ائتوا بهما تامين كاملين بشرائطهما وأركانهما
ومناسكهما لله لوجه الله خالصا وهو نص في وجوب العمرة كوجوب الحج.
في الكافي والعياشي سئل الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية فقال هما
مفروضان.
وفيه وفي العلل والعياشي عنه (عليه السلام) قال العمرة واجبة على الخلق
بمنزلة الحج على من استطاع لأن الله يقول وأتموا الحج والعمرة لله قيل فمن
تمتع بالعمرة إلى الحج أيجزي ذلك عنه قال: نعم.
وفي رواية قال يعني بتمامهما أداؤهما واتقاء ما يتقي المحرم فيهما.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين والسجاد صلوات الله عليهما يعني
أقيموهما إلى آخر ما فيهما.
وفي الخصال والعيون عنه (عليه السلام) تمامهما اجتناب الرفث والفسوق
والجدال في الحج.
والعياشي عنهما ما في معناه.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) قال إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله
كثيرا وقلة الكلام الا بخير فان من تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه الا
من خير كما قال الله تعالى: * (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا
جدال في الحج) *.
وفيه عن الباقر (عليه السلام) قال تمام الحج لقاء الامام.
وعن الصادق (عليه السلام) إذا حج أحدكم فليختم حجه بزيارتنا لأن ذلك
من تمام الحج.
أقول: وفي هذا الزمان زيارة قبورهم تنوب مناب زيارتهم ولقائهم كما
يستفاد من اخبار أخر ولا منافاة بين هذه الأخبار لأن ذلك كله من تمام الحج فإن
231

أحصرتم منعكم خوف أو عدو أو مرض عن المضي إليه وأنتم محرمون بحج أو
عمرة فامتنعتم لذلك كذا عنهم (عليهم السلام) رواه في المجمع.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) المحصور غير المصدود والمحصور
المريض والمصدود الذي يرده المشركون كما ردوا رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) والصحابة ليس من مرض والمصدود تحل له النساء والمحصور لا تحل له
النساء فما استيسر من الهدي فعليكم إذا أردتم التحلل من الاحرام ما تيسر من
الهدى من بعير أو بقرة أو شاة.
وفي العيون عن الرضا (عليه السلام يعني شاة وضع على أدنى القوم قوة
ليسع القوي والضعيف.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) يجزيه شاة والبدنة والبقرة أفضل.
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) المصدود يذبح حيث صد ويرجع
صاحبه فيأتي النساء والمحصور يبعث بهديه ويعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحل
هذا في مكانه وعنه (عليه السلام) إذا أحصر الرجل بعث بهديه فإذا أفاق ووجد من
نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس فان قدم مكة قبل أن ينحر الهدي
فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك ولينحر هديه ولا شئ عليه
وإن قدم من مكة وقد نحر هديه فان عليه الحج من قابل أو العمرة قيل فان مات
وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة قال يحج عنه إن كانت حجة الاسلام ويعتمر
إنما هو شئ عليه ولا تحلقوا رؤوسكم لا تحلوا حتى يبلغ الهدي محله مكانه
الذي يجب أن ينحر فيه فمن كان منكم مريضا مرضا يحوجه إلى الحلق أو به
أذى من رأسه كجراحة أو قمل ففدية فعليه فدية إن حلق من صيام أو صدقة أو
نسك في الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إذا احصر الرجل بعث بهديه فان أذاه
رأسه قبل أن ينحر هديه فإنه يذبح شاة في المكان الذي احصر فيه أو يصوم أو
يتصدق والصوم ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين نصف صاع لكل مسكين.
وفيه والعياشي عنه (عليه السلام) قال مر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
232

على كعب بن عجرة والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم فقال له أتؤذيك هوامك
فقال نعم فأنزلت هذه الآية فأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحلق
وجعل الصيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدين والنسك
شاة، قال أبو عبد الله (عليه السلام) وكل شئ في القرآن أو فصاحبه بالخيار
يختار ما شاء وكل شئ في القرآن فمن لم يجد كذا فعليه كذا فالأول الخيار.
أقول: فالأول الخيار أي الخير والحري بالاختيار فإذا أمنتم الموانع يعني
إذا كنتم غير محصرين وفي حال امن وسعة فمن تمتع بالعمرة استمتع وانتفع بعد
التحلل من عمرته باستباحة ما كان محرما عليه إلى الحج إلى أن يحرم بالحج
فما استيسر من الهدي فعليه دم استيسره.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) شاة فمن لم يجد الهدي فصيام ثلاثة
أيام في الحج في وقت الحج وأيام الاشتغال به والأفضل أن يصوم سابع ذي
الحجة وثامنه وتاسعه.
وفي الكافي أيضا عن الصادق (عليه السلام) في المتمتع لا يجد الهدي قال
يصوم قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة قيل فإنه قد قدم يوم التروية قال
يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق قيل لم يقم عليه جماله قال يصوم يوم الحصبة
وبعده يومين قيل وما الحصبة قال يوم نفره قيل يصوم وهو مسافر قال نعم أليس
هو يوم عرفة مسافرا إنا أهل بيت نقول ذلك بقول الله تعالى فصيام ثلاثة أيام في
الحج يقول في ذي الحجة وسبعة إذا رجعتم إلى أهاليكم فان بدا له الإقامة
بمكة نظر مقدم أهل بلاده فإذا ظن أنهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام كذا في
الكافي عنهم (عليهم السلام) تلك عشرة كاملة لا تنقص عن الأضحية الكاملة.
في التهذيب عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن سفيان الثوري أي
شئ يعني بكاملة قال سبعة وثلاثة قال (عليه السلام) ويختل ذا على ذي حجى إن
سبعة وثلاثة عشرة قال فأي شئ هو أصلحك الله قال انظر قال لا علم لي فأي
شئ هو أصلحك الله قال الكاملة كمالها كمال الأضحية سواء أتيت بها أو لم
233

تأت ذلك أي التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام في الكافي عن
الصادق في هذه الآية من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها وثمانية
عشر ميلا عن خلفها وثمانية عشر ميلا عن يمينها وثمانية عشر ميلا عن يسارها فلا
متعة له مثل مر (1) وأشباهها، وفيه عن الباقر (عليه السلام) سئل عن هذه الآية قال
ذلك أهل مكة ليس لهم متعة ولا عليهم عمرة قيل فما حد ذلك قال ثمانية
وأربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان وذات عرق واتقوا الله في
المحافظة على أوامره ونواهيه خصوصا في الحج واعلموا أن الله شديد العقاب
لمن لم يتقه وخالف أمره وتعدى حدوده.
(197) الحج يعني وقت إحرامه ومناسكه أشهر معلومات وهي شوال وذو
القعدة وذو الحجة كذا عن الباقر والصادق (عليهما الصلاة والسلام) في عدة أخبار
قالا (عليهما السلام) ليس لأحد أن يحج فيما سواهن ومن أحرم الحج في غير
أشهر الحج فلا حج له فمن فرض فيهن الحج في الكافي والعياشي قال الصادق
(عليه السلام) الفرض التلبية والاشعار والتقليد فأي ذلك فعل فقد فرض الحج فلا
رفث ولا فسوق وقرئ بالرفع والتنوين فيهما ولا جدال في الحج في أيامه، في
الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) الرفث الجماع والفسوق الكذب
والسباب والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله، وزاد في الكافي وقال في
الجدال شاة وفي الفسوق بقرة والرفث فساد الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله
حث على البر وتزودوا لمعادكم التقوى فإن خير الزاد التقوى قيل كانوا يحجون
من غير زاد فيكونون كلا على الناس واتقون يا أولي الألباب فان مقتضى اللب خشية الله عقب الحث
على التقوى بأن يكون المقصود بها هو الله سبحانه والتبري عما سواه
(198) ليس عليكم جناح أن تبتغوا في أن تطلبوا فضلا من ربكم كانوا يتأثمون
بالتجارة في الحج فرفع عنهم الجناح في ذلك كذا في المجمع عنهم (عليهم السلام)
وفي رواية فضلا أي مغفرة.

(1) بطن مر ويقال له مر الظهران موضع على مر حلة من مكة (ق).
234

والعياشي عن الصادق (ع) فضلا من ربكم يعني الرزق إذا حل الرجل من
إحرامه وقضى نسكه فليشتر وليبع في الموسم فإذا أفضتم دفعتم أنفسكم بكثرة من
أفاض الماء إذا صبه بكثرة من عرفات في تفسير الامام ومضيتم إلى المزدلفة فاذكروا
الله عند المشعر الحرام قال بنمائه وآلائه والصلاة على سيد أنبيائه وعلى علي سيد
أصفيائه واذكروه كما هديكم لدينه والايمان برسوله وقيل أي أذكروه ذكرا حسنا كما
هداكم هداية حسنة وقيل أي ذكرا يوازي هدايتكم إياه.
أقول: ليس المراد بالكاف في مثل هذا الكلام التشبيه بل المراد به تعليل
الطلب بوجود ما يقتضيه وأن المطلوب ليس بغريب بل إن وقع فهو في موضعه
والمعنى اذكروه بإزاء هدايته إياكم فإنه هداكم فبالحري أن تذكروه وله نظائر كثيرة في
الكلام ولكنه اشتبه على كثير من الأعلام وإن كنتم من قبله من قبل الهدى
لمن الضالين الجاهلين لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه.
وفي تفسير الامام: الضالين عن دينه قبل أن يهديكم لدينه.
(199) ثم أفيضوا ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس قيل أي من
عرفات.
وفي المجمع عن الباقر (ع) كانت قريش وحلفاؤهم من الحمس لا يقفون مع
الناس بعرفات ولا يفيضون منها ويقولون نحن أهل حرم الله تعالى فلا نخرج من
الحرم فيقفون بالمشعر
ويفيضون منه فأمرهم الله أن يقفوا بعرفات ويفيضوا منه.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) مثله في عدة أخبار.
وعنه (عليه السلام) يعني بالناس إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومن بعدهم ممن
أفاض من عرفات.
وفي الكافي عن الحسين نحن الناس، وعن الصادق (عليه السلام)
في حديث حج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ثم غدا والناس معه وكانت قريش
تفيض من المزدلفة وهي جمع ويمنعون الناس أن يفيضوا منها فأقبل رسول الله (صلى
235

الله عليه وآله وسلم) وقريش ترجو أن تكون افاضته من حيث كانوا يفيضون فأنزل الله
تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله يعني إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق فإفاضتهم منها ومن كان من بعدهم.
أقول: وعلى هذه الأخبار فمعنى ثم الترتيب في الرتبة لتفاوت ما بين
الإفاضتين كما في قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير الكريم.
وأورد في المجمع سؤالا وهو ان ثم للترتيب فما معنى الترتيب هاهنا وأجاب
بأن أصحابنا رووا ان هاهنا تقديما وتأخيرا تقديره ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا
من ربكم ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند
المشعر الحرام واستغفروا الله وذكر تفسيرا آخر وهو أن يكون المراد الإفاضة من
المزدلفة إلى منى يوم النحر قبل طلوع الشمس قال والآية تدل عليه لأن قوله ثم أفيضوا
يدل على أنها إفاضة ثانية.
أقول: وهو مخالف للأخبار الواردة في سبب نزول الآية من طرق الخاصة
والعامة كما مر الا ما في تفسير الامام فان فيه ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس اي
ارجعوا من المشعر الحرام من حيث رجع الناس من جمع قال والناس في هذا
الموضع الحاج غير الحمس فان الحمس كانوا لا يفيضون من جمع وهو كما ترى
والعلم عند الله. واستغفروا الله واطلبوا المغفرة من الله من جاهليتكم في تغيير
المناسك إن الله غفور رحيم يغفر ذنب المستغفر ويرحم عليه.
(200) فإذا قضيتم مناسككم فرغتم من افعال الحج فاذكروا الله كذكركم
آباءكم أو أشد ذكرا فاذكروا ذكر الله بآلائه لديكم وإحسانه إليكم وبالغوا فيه كما
تفعلونه في ذكر آبائكم بأفعالهم ومآثرهم وأبلغ منه.
في تفسير الامام خيرهم بين ذلك ولم يلزمهم أن يكونوا أشد ذكرا له منهم
لآبائهم وإن كانت نعم الله عليهم أكثر وأعظم من نعم آبائهم.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) كانوا إذا فرغوا من الحج يجتمعون هناك
236

يعدون مفاخر آبائهم ومآثرهم ويذكرون أيامهم القديمة وأياديهم الجسيمة فأمرهم الله
سبحانه أن يذكروه مكان ذكر آبائهم في هذا الموضع أو أشد ذكرا أو يزيدوا على ذلك
بأن يذكروا نعم الله سبحانه ويعدوا آلاءه ويشكروا نعمائه لأن آبائهم وإن كانت لهم
عليهم أياد ونعم فنعم الله سبحانه عليهم أعظم أياديه عندهم وأفخم ولأنه سبحانه
المنعم عليهم بتلك المآثر والمفاخر على آبائهم وعليهم فمن الناس من يقول فان الناس من
بين مقل لا يطلب بذكره الا الدنيا ومكثر يطلب به خير الدارين فيكونوا من المكثرين
ربنا آتنا اجعل إيتاءنا ومنحتنا في الدنيا خاصة وما له في الآخرة من خلاق نصيب وحظ
لأن همه مقصور على الدنيا لا يعمل للآخرة عملا ولا يطلب منها خيرا.
(201) ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة كالصحة والأمن والكفاف
وتوفيق الخير وفي الآخرة حسنة كالرحمة والزلفة وقنا عذاب النار بالمغفرة والعفو.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال رضوان الله والجنة في
الآخرة والسعة في المعاش وحسن الخلق في الدنيا.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء
وعذاب النار المرأة السوء وقيل الحسنة في الدنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنة،
وعذاب النار الشهوات والذنوب المؤدية إليها.
أقول: كل ذلك أمثلة للمراد بها فلا تنافي بينها.
(202) أولئك في تفسير الامام أولئك الداعون بهذا الدعاء على هذا الوصف
لهم نصيب مما كسبوا قال من ثواب ما كسبوا في الدنيا والآخرة.
أقول: وإنما قيل ما كسبوا لأن الأعمال أنفسها تتصور بصور حسنة يتنعم بها
صاحبها أو بصور قبيحة يتعذب بها صاحبها كما ورد في أخبار كثيرة عن أهل العصمة
وفي الحديث النبوي إنما (هي أعمالكم ترد إليكم) والله سريع الحساب يحاسب
الخلائق كلهم على كثرتهم وكثرة أعمالهم في مقدار لمح البصر كما ورد في الخبر.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال معناه انه يحاسب الخلائق
237

دفعة كما يرزقهم دفعة.
وعنه أنه سئل كيف يحاسب الله سبحانه الخلق ولا يرونه قال كما يرزقهم الله
ولا يرونه.
وفي تفسير الامام لأنه لا يشغله شأن عن شأن ولا محاسبة عن محاسبة فإذا
حاسب واحدا فهو في تلك الحال محاسب للكل يتم حساب الكل بتمام حساب
الواحد وهو كقوله: (ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة) ويأتي في سورة
الأنعام ما يقرب منه.
أقول: ولسرعة الحساب معنى آخر يجتمع مع هذا المعنى ويؤيده وهو ان الله
يحاسب العبد في الدنيا في كل آن ولحظة ويجزيه على عمله في كل حركة وسكون
ويكافئ طاعاته بالتوفيقات ومعاصيه بالخذلانات فالخير يجر الخير والشر يدعو إلى
الشر ومن حاسب نفسه في الدنيا عرف هذا المعنى ولهذا ورد حاسبوا أنفسكم قبل أن
تحاسبوا وهذا من الأسرار التي لا يمسها الا المطهرون.
(203) واذكروا الله في أيام معدودات يعني أيام التشريق وذكر الله فيها التكبير
في أعقاب الصلوات من ظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث لمن كان
بمنى وفي الأمصار إلى عشر صلوات والتكبير الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام كذا
عنهم (عليهم السلام).
في الكافي والعياشي وغيرهما فمن تعجل استعجل النفر من منى في يومين بعد
يوم النحر إذا فرغ من رمي الجمار فلا إثم عليه ومن تأخر حتى رمى في اليوم الثالث
فلا إثم عليه قيل معنى نفي الإثم بالتعجل والتأخر التخيير بينهما والرد على أهل الجاهلية
فان منهم من اثم المتعجل ومنهم من اثم المتأخر.
وفي الفقيه سئل الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية فقال ليس هو على أن ذلك
واسع إن شاء صنع ذا وإن شاء صنع ذا لكنه يرجع مغفورا له لا إثم عليه ولا ذنب له.
238

والعياشي عنه قال يرجع مغفورا له لا ذنب له.
لمن اتقى في الفقيه عن الباقر لمن اتقى الله عز وجل قال وروي أنه يخرج من
الذنوب كيوم ولدته أمه.
وفي التهذيب عن الصادق (عليه السلام) قال لمن اتقى الصيد يعني في احرامه
فان اصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول. والعياشي ما في معناه.
وفي الفقيه عنه (عليه السلام) لمن اتقى الصيد حتى ينفر أهل منى في النفر
الأخير.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) لمن اتقى منهم الصيد واتقى الرفث والفسوق
والجدال وما حرم الله عليه في إحرامه.
وفي تفسير الامام فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فانصرف من حجه إلى
بلاده التي خرج منها فلا إثم عليه ومن تأخر إلى تمام اليوم الثالث فلا إثم عليه أي لا
إثم عليه من ذنوبه السالفة لأنها قد غفرت له كلها بحجته هذه المقارنة لندمه عليها
وتوقيه منها لمن اتقى ان يواقع الموبقات بعدها فإنه ان واقعها كان عليه إثمها ولم يغفر
له تلك الذنوب السالفة بتوبة قد أبطلها بموبقاته بعدها وإنما يغفر بتوبة يجددها.
أقول: وذلك لأن الذنوب السالفة هي التي حملت صاحبها على المعاودة إذ
الباعث عليها بعد التوبة إنما هو العادة.
وفي الكافي والفقيه عن الصادق (عليه السلام) يعني من مات قبل أن يمضي إلى أهله فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى الكبائر.
وعن الباقر (عليه السلام) اتقى الكبر وهو أن يجهل الحق ويطعن على أهله.
وعن الصادق (عليه السلام) إنما هي لكم والناس سواد وأنتم الحاج.
أقول: أراد ان نفي الاثم في الصورتين مختص بأصحاب التقوى وهم الشيعة
ليس الا.
239

والعياشي عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال أنتم والله هم ان رسول الله قال: لا يثبت على ولاية علي صلوات الله عليه الا المتقون واتقوا الله في
مجامع أموركم.
وفي تفسير الامام واتقوا الله أيها الحاج المغفور لهم سالف ذنوبهم بحجهم
المقرون بتوبتهم فلا تعاودوا الموبقات فتعود إليكم أثقالها ويثقلكم احتمالها فلا تغفر
لكم الا بتوبة بعدها واعلموا أنكم إليه تحشرون فيجازيكم بما تعملون والحشر
الجمع وضم المتفرق.
(204) ومن الناس من يعجبك قوله يروقك ويعظم في قلبك في الحياة الدنيا
باظهاره لك الدين والاسلام وتزينه بحضرتك بالورع والاحسان ويشهد الله على ما في
قلبه بأن يحلف لك بأنه مؤمن مخلص مصدق قوله بعمله وهو ألد الخصام شديد
العداوة والجدال للمسلمين.
القمي نزلت في الثاني وقيل في معاوية.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) فلان وفلان.
أقول: تشمل عامة المنافقين وإن نزلت خاصة.
(205) وإذا تولى ادبر وانصرف عنك وقيل ملك الأمر وصار واليا سعى في
الأرض ليفسد فيها يعني بالكفر المخالف لما اظهر والظلم المباين لما وعد ويهلك
الحرث الزرع بأن يحرقه أو يفسده والنسل الذرية بأن يقتل الحيوان فيقطع نسله.
وفي المجمع والقمي عن الصادق (عليه السلام) الحرث في هذا الموضع الدين
والنسل الناس.
وفي الكافي والعياشي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يهلك الحرث والنسل
بظلمه وسوء سيرته.
أقول: ومنه ان يمنع الله بشؤم ظلمه المطر فيهلك الحرث والنسل إلى غير
ذلك من نتائج الظلم والله لا يحب الفساد لا يرتضيه ولا يترك العقوبة عليه.
240

(206) وإذا قيل له اتق الله ودع سوء صنيعتك أخذته العزة بالإثم حملته
الانفة وحمية الجاهلية على الاثم الذي يؤمر باتقائه وألزمته ارتكابه لجاجا من قولك
أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه فيزداد إلى شره شرا ويضيف إلى ظلمه ظلما
فحسبه جهنم كفته جزاء وعذابا على سوء فعله ولبئس المهاد أي الفراش يمهدها
ويكون دائما فيها كذا فسرت الآيات الثلاث.
(207) ومن الناس من يشرى يبيع نفسه يبذلها لله ابتغاء مرضات الله طلبا
لرضاه فيعمل بطاعته ويأمر الناس بها روت العامة عن جماعة من الصحابة والتابعين.
والعياشي وعدة من أصحابنا عن أئمتنا في عدة أخبار انها نزلت في
أمير المؤمنين (عليه السلام) حين بات على فراش النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) إلى الغار.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين ان المراد بالآية الرجل يقتل على
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أقول: يعني هي عامة وإن نزلت خاصة.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) هؤلاء خيار أصحاب رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) عذبهم أهل مكة ليفتنوهم عن دينهم فمنهم بلال وصهيب وخباب وعمار بن
ياسر وأبواه والله رؤوف بالعباد روي أنه لما نام على فراشه قام جبرئيل عند رأسه
وميكائيل عند رجليه وجبرائيل ينادي بخ بخ من مثلك يا علي بن أبي طالب يباهي الله
الملائكة بك.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) اما الطالبون لرضاء ربهم فيبلغهم أقصى أمانيهم
ويزيدهم عليها ما لم يبلغه آمالهم واما الفاجرون فيرفق بهم في دعوتهم إلى طاعته ولا
يقطع ممن علم أنه سيتوب عن ذنبه عظيم كرامته.
(208) يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم في الاستسلام والطاعة وقرئ
241

بالفتح وهو بمعناه.
وفي الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) ولايتنا.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) في ولاية علي (عليه السلام) وعنهما أمروا
بطاعتنا ومعرفتنا كافة جميعا ولا تتبعوا خطوت الشيطان بالتفرق والتفريق.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) السلم ولاية علي والأئمة (عليهم السلام)
والأوصياء من بعده وخطوات الشيطان ولاية فلان وفلان وفي رواية ولاية الثاني
والأول.
وفي تفسير الامام السلم في والمسالمة إلى دين الاسلام كافة جماعة ادخلوا فيه
وأدخلوا جميع الاسلام فتقبلوه واعملوا به ولا تكونوا ممن يقبل بعضه ويعمل به ويأبى
بعضه ويهجره قال ومنه الدخول في قبول ولاية علي فإنه كالدخول في قبول نبوة رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه لا يكون مسلما من قال إن محمدا (صلى الله عليه
وآله وسلم) رسول الله فاعترف به ولم يعترف بأن عليا وصيه وخليفته وخير أمته وقال
خطوات الشيطان ما يتخطى بكم إليه من طرق الغي والضلالة ويأمركم من ارتكاب
الآثام الموبقات إنه لكم عدو مبين ظاهر العداوة.
(209) فإن زللتم عن الدخول في السلم من بعد ما جاءتكم البينات الحجج
والشواهد على أن ما دعيتم إليه حق فاعلموا أن الله عزيز غالب لا يعجزه الانتقام
منكم حكيم لا ينتقم الا بالحق.
(210) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله أي يأتيهم أمر الله أو بأسه في ظلل جمع
ظلة وهي ما أظلك من الغمام من السحاب الأبيض الذي هو مظنة الرحمة فإذا جاء
منه العذاب كان أصعب والملائكة ويأتي الملائكة إن قرئ بالرفع ان قرئ
بالجر.
وفي العيون والتوحيد عن الرضا (عليه السلام) الا أن يأتيهم الله بالملائكة في
ظلل من الغمام قال وهكذا نزلت وقضي الأمر وأتم أمر اهلاكهم وفرغ منه وإلى الله
242

ترجع الا مور وقرئ بفتح التاء وكسر الجيم حيث وقع.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) أي هل ينظر هؤلاء المكذبون بعد إيضاحنا لهم
الآيات وقطعنا معاذيرهم بالمعجزات الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وتأتيهم
الملائكة كما كانوا اقترحوا عليك اقتراحهم المحال في الدنيا في إتيان الله الذي لا
يجوز عليه الاتيان واقتراحهم الباطل في إتيان الملائكة الذين لا يأتون الا مع زوال
هذا التعبد لأنه وقت مجيئ الأملاك بالإهلاك فهم في اقتراحهم مجيئ الأملاك
جاهلون وقضي الأمر أي هل ينظرون مجيئ الملائكة فإذا جاؤوا وكان ذلك قضي
الأمر بهلاكهم.
القمي عن الباقر (عليه السلام) قال إن الله إذا بدا له أن يبين خلقه ويجمعهم لما
لا بد منه أمر مناديا ينادي فاجتمع الإنس والجن في اسرع من طرفة العين ثم اذن
للسماء الدنيا فتنزل وكان من وراء الناس واذن للسماء الثانية فتنزل وهي ضعف التي
تليها فإذا رآها أهل السماء الدنيا قالوا جاء ربنا قالوا لا وهو آت يعني امره حتى تنزل
كل سماء تكون كل واحدة منها من وراء الأخرى وهي ضعف التي تليها ثم ينزل امر
الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى ربكم ترجع الأمور ثم يأمر مناديا
ينادي يا معشر الجن والإنس ان استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض
فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان.
والعياشي: عنه (عليه السلام) في هذه الآية قال ينزل في سبع قباب من نور ولا
يعلم في أيها هو حين ينزل في ظهر الكوفة فهذا حين ينزل، وفي رواية أخرى عنه
(علية السلام) قال كأني بقائم أهل بيتي قد علا نجفكم نشر راية رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر، وقال إنه نازل في قباب من نور
حين ينزل بظهر الكوفة على الفاروق فهذا حين ينزل واما قضي الأمر فهو الوسم على
الخرطوم يوم يوسم الكافر.
أقول: لعل المراد انه ينزل على أمر يفرق به بين المؤمن والكافر وان المعني
بقضاء الأمر امتياز أحدهما عن الآخر بوسمه على خرطوم الكافر وذلك في الرجعة.
243

(211) سل بني إسرائيل كم اتيناهم من آية بينة معجزة ظاهرة على أيدي
أنبيائهم أو آية في التوراة شاهدة على صحة نبوة محمد.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) انه كان يقرأ كم آتيناهم من آية بينة فمنهم
من آمن ومنهم من جحد ومنهم من أقر ومنهم من بدل.
والعياشي لم يذكر القراءة وإنما روى الزيادة كأنها تفسير وأورد انكر مكان
بدل ومن يبدل نعمة الله آياته التي هي سبب الهدى والنجاة الذين هما من أجل
النعم يجعلها سبب الضلالة وازدياد الرجس من بعد ما جاءته من بعد ما عرفها أو
تمكن من معرفتها فإن الله شديد العقاب فيعاقبه أشد عقوبة لأنه ارتكب أشد جريمة.
(212) زين للذين كفروا الحياة الدنيا حسنت في أعينهم وأشربت محبتها في
قلوبهم حتى تهالكوا عليها ويسخرون من الذين آمنوا من فقراء المؤمنين الذين لاحظ
لهم منها والذين اتقوا من المؤمنين فوقهم يوم القيمة لأنهم في عليين وفي
الكرامة وهم في سجين وفي الندامة والله يرزق من يشاء في الدارين بغير حساب
بغير تقدير فيوسع في الدنيا استدراجا تارة وابتلاء أخرى ويعطي أهل الجنة ما لا
يحصى.
(213) كان الناس أمة واحدة العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال كان هذا
قبل بعث نوح كانوا أمة واحدة فبدا لله فأرسل الرسل قبل نوح (عليه السلام) قيل أعلى
هدى كانوا أم على ضلالة قال بل كانوا ضلالا لا مؤمنين ولا كافرين ولا مشركين.
وفي رواية أخرى له عنه قال وذلك أنه لما انقرض آدم وصالح ذريته بقي شيث وصيه لا
يقدر على اظهار دين الله الذي كان عليه آدم وصالح ذريته وذلك أن قابيل توعده بالقتل
كما قتل أخاه هابيل فسار فيهم بالتقية والكتمان فازدادوا كل يوم ضلالا حتى لحق
الوصي بجزيرة في البحر يعبد الله فبدا لله تبارك وتعالى أن يبعث الرسل ولو سئل
هؤلاء الجهال لقالوا قد فرغ من الأمر وكذبوا إنما هي شئ يحكم به الله في كل عام
ثم قرأ فيها يفرق كل امر حكيم فيحكم الله تبارك وتعالى ما يكون في تلك السنة من
شدة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك قيل أفضلا لا كانوا قبل النبيين أم على هدى قال لم
244

يكونوا على هدى كانوا على فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ولم
يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم الله اما تسمع يقول إبراهيم لئن لم يهدني ربى لأكونن من
القوم الضالين أي ناسيا للميثاق.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) قال كان قبل نوح أمة ضلال فبدا لله فبعث
المرسلين وليس كما يقولون لم يزل وكذبوا يفرق في ليلة القدر ما كان من شدة أو
رخاء أو مطر بقدر ما يشاء أن يقدر إلى مثلها.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله لا
مهتدين ولا ضلالا فبعث الله النبيين.
أقول: أريد بالضلال المنفي في هذا الحديث التدين بالشرك والكفر
وبالمثبت في الحديث السابق الخلو عن الدين فلا منافاة بينهما.
والقمي: كان الناس أمة واحدة قبل نوح على مذهب واحد فاختلفوا فبعث الله
النبيين قيل وإنما حذف لدلالة قوله فيما اختلفوا فيه عليه.
أقول: لا دلالة فيه على وقوع الاختلاف قبل البعث بل الظاهر أ ن المراد
بالاختلاف في الآية اختلافهم في الدين بعد البعث على أن ظاهر الأخبار السابقة يدل
على أنه لم يكن قبل البعث اختلاف وقيل بل اختلفوا بعد البعث على الرسل.
فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ليتخذ عليهم الحجة كذا في الكافي عن
الصادق (عليه السلام) وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه
وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه جعلوا نزول الكتاب الذي أنزل لإزالة الخلاف سببا في
شدة الاختلاف من بعد ما جاء تهم البينات بغيا حسدا وظلما بينهم لحرصهم على
الدنيا فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق من بيان لما بإذنه والله يهدى من
يشاء إلى صراط مستقيم.
(214) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة قيل أحسبتم استبعاد للحسبان وتشجيع
للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين على الصبر والثبات مع الذين اختلفوا عليه
245

وعداوتهم له ولما يأتكم متوقع إتيانه منتظر مثل الذين خلوا من قبلكم حالهم التي هي
مثل في الشدة مستهم بيان للمثل البأساء والضراء القتل والخروج عن الأهل
والمال وزلزلوا وأزعجوا ازعاجا شديدا بما أصابهم من الشدائد.
وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) أنه كان يقرأ وزلزلوا ثم زلزلوا حتى
يقول وقرئ بالرفع الرسول والذين آمنوا معه لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث
تقطعت حبال الصبر متى نصر الله استبطاء له لتأخره ألا إن نصر الله قريب فقيل ذلك
لهم إسعافا لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر قيل فيه إشارة إلى أن الوصول إلى الله
تعالى والفوز بالكرامة عنده برفض الهوى واللذات ومكابدة الشدائد والرياضات كما
قال (عليه الصلام) حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات.
وفي الخرائج عن السجاد (عليه السلام) قال فما تمدون أعينكم ألستم آمنين لقد
كان من قبلكم ممن هو على ما أنتم عليه يؤخذ فيقطع يده ورجله ويصلب ثم تلا هذه
الآية.
(215) يسألونك ماذا ينفقون أي شئ ينفق قل ما أنفقتم من خير من مال
فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل سئل عن المنفق فأجيب ببيان
المصرف لأنه أهم إذ النفقة لا تعتد بها إذا وقعت موقعها قيل وكان السؤال متضمنا
للمصرف أيضا وإن لم يكن مذكورا في الآية على ما روي أن عمرو بن الجموح
الأنصاري كان هما ذا مال عظيم فقال يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها
فنزلت وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم ان تفعلوا خيرا فالله يعلم كنهه ويوفي
ثوابه.
(216) كتب عليكم القتال وهو كره لكم شاق عليكم مكروه طبعا وعسى أن
تكرهوا شيئا في الحال وهو خير لكم في العاقبة وهكذا أكثر ما كلفوا به فان الطبع
يكرهه وهو مناط صلاحهم وسبب فلاحهم وعسى أن تحبوا شيئا في الحال وهو شر
لكم في العاقبة وهكذا أكثر ما نهوا عنه فان النفس تحبه وتهواه وهو يفضي بها إلى
الردى وإنما ذكر عسى لأن النفس إذا ارتاضت ينعكس الأمر عليها والله يعلم ما هو
246

خير لكم وأنتم لا تعلمون ذلك.
(217) يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قيل بعث النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) عبد الرحمن بن جحش ابن عمته على سرية في جمادى الاخر قبل قتال
بدر بشهرين ليترصد عيرا لقريش فيهم عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه فقتلوه
وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها تجارة الطائف وكان ذلك في غرة رجب وهم يظنونه
من جمادى الأخرى فقالت قريش قد استحل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الشهر
الحرام شهرا يأمن فيه الخائف ويذعر فيه الناس إلى معايشهم وشق على أصحاب
السرية وقالوا ما نبرح حتى تنزل توبتنا ورد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مال
العير والأسارى فنزلت.
والقمي ما يقرب منه مع زيادات وفي آخره فكتب قريش إلى النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) إنك استحللت الشهر الحرام وسفكت فيه الدم وأخذت المال وكثر القول
في هذا قال الصحابة يا رسول الله أيحل القتل في الشهر الحرام فنزلت قل قتال فيه
كبير عظيم تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ وقال وصد عن سبيل الله يعني ولكن ما فعلوه من
صدهم عن سبيل الله أي الإسلام وكفر به وكفرهم بالله والمسجد الحرام وبالمسجد
الحرام على بتقدير الباء وصدهم عن المسجد الحرام على أن يكون الكفر بالله عين
الصد عن سبيل الله فلا يكون أجنبيا بين المعطوفين أو يكون تقديمه مع أن حقه
التأخير لفرط العناية به كما في قوله تعالى ولم يكن له كفوا أحد وإخراج أهله وإخراج
أهل المسجد الحرام وهم رسول الله والمؤمنون منه أكبر أعظم وزرا عند الله من القتل
الذي وقع في الشهر الحرام والفتنة أكبر من القتل وما ارتكبوه من الاخراج والشرك
أقطع مما وقع من القتل ولا يزالون يقتلونكم حتى يردوكم عن دينكم لكي يردوكم
عنه اخبار عن دوام عداوة الكفار لهم وأنهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم
هذا إن استطاعوا استبعاد لاستطاعتهم وإيذان بأنهم لا يردونهم ومن يرتدد منكم عن
دينه يرجع عنه فيمت وهو كافر أي على الردة فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا لما
يفوتهم من ثمرات الاسلام والآخرة لما يفوتهم من الثواب وأولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون كسائر الكفار.
247

(218) إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون
رحمت الله قيل نزلت في قصة ابن جحش وأصحابه وقتلهم الحضرمي في رجب حين
ظن قوم أنهم ان سلموا من الإثم فليس لهم أجر والله غفور لما فعلوه خطأ وقلة
احتياط رحيم باجزال الأجر والثواب.
(219) يسألونك عن الخمر والميسر أي عن تعاطيهما قل فيهما في تعاطيهما
إثم كبير لأنهما مفتاح كل شئ وقرئ بالثاء المثلثة ومنافع للناس من الطرب وكسب
المال وغيرهما وإثمهما أكبر من نفعهما أي المفاسد التي تنشأ منها أعظم من
المنافع المتوقعة منها.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال إن الخمر رأس كل إثم ومفتاح كل
شر وقال إن الله جعل للشر أقفالا فجعل مفاتيحها الشراب، وقال ما عصي الله بشئ
أشد من شرب المسكر ان أحدهم ليدع الصلاة الفريضة ويثب على أمه وأخته وبنته
وهو لا يعقل وقال إنه أشر من ترك الصلاة لأنه يصير في حال لا يعرف معها ربه وقال
يغفر الله في شهر رمضان لكل أحد الا لثلاثة صاحب مسكر أو صاحب شاهين أو
مشاحن، وقال كلما قومر عليه فهو ميسر، وفسر المشاحن بصاحب البدعة المفارق
للجماعة.
وعن الباقر (عليه السلام) قال: ما بعث الله نبيا قط الا وفي علم الله تعالى أنه إذا
أكمل له دينه كان فيه تحريم الخمر ولم يزل الخمر حراما وإنما ينقلون من خصلة ثم
خصلة ولو حمل ذلك عليهم جملة لقطع بهم دون الدين قال ليس أحد أرفق من الله
تعالى فمن رفقه تبارك وتعالى انه ينقلهم من خصلة إلى خصلة ولو حمل عليهم جملة
لهلكوا، وعنهم (عليهم السلام) أن أول ما نزل في تحريم الخمر قوله تعالى:
* (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من
نفعهما) * فلما نزلت هذه الآية أحس القوم بتحريمها وعلموا أن الاثم مما ينبغي
اجتنابه ولا يحمل الله تعالى عليهم من كل طريق لأنه قال ومنافع للناس ثم أنزل الله آية
أخرى إنما الخمر والميسر والأنصاب والأز لام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه
248

لعلكم تفلحون فكانت هذه الآية أشد من الأولى واغلظ في التحريم ثم ثلث بآية أخرى
فكانت أغلظ من الآية الأولى والثانية وأشد فقال * (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم
العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم
منتهون) * فأمر تعالى باجتنابها وفسر عللها التي لها ومن أجلها حرمها ثم بين الله تعالى
تحريمها وكشفه في الآية الرابعة مع ما دل عليه في هذه الآية المذكورة المتقدمة بقوله
تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والا ثم والبغي بغير الحق،
وقال عز وجل في الآية الأولى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع
للناس ثم قال في الآية الرابعة قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن
والا ثم، فخبر عز وجل ان الاثم في الخمر وغيرها وأنه حرام وذلك أن الله تعالى إذا
أراد أن يفترض فريضة أنزلها شيئا بعد شئ حتى يوطن الناس أنفسهم عليها ويسكنوا
إلى أمر الله ونهيه فيها وكان ذلك من أمر الله تعالى على وجه التدبير فيهم أصوب
وأقرب لهم إلى الأخذ بها وأقل لنفارهم عنها، وعن علي بن يقطين قال سأل
المهدي (1) أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله تعالى فان
الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها فقال له أبو الحسن (عليه السلام)
بل هي محرمة في كتاب الله يا أمير المؤمنين فقال له في أي موضع هي محرمة في
كتاب الله عز وجل يا أبا الحسن فقال قول الله تعالى: * (قل إنما حرم ربى الفواحش
ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق) * إلى أن قال واما الإثم فإنها الخمر
بعينها وقد قال الله في موضع آخر * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير
ومنافع للناس) * فأما الاثم في كتاب الله فهي الخمر والميسر وإثمهما أكبر كما قال الله
تعالى فقال المهدي يا علي بن يقطين وهذه فتوى هاشمية قال قلت له صدقت والله يا
أمير المؤمنين الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت قال فوالله ما صبر
المهدي أن قال لي صدقت يا رافضي ويأتي ما طويناه من هذا الحديث في سورة
الأعراف انشاء الله تعالى. ويسألونك ماذا ينفقون قيل سأله أيضا ابن الجموح سأل
أولا عن المنفق والمصرف ثم سأل عن كيفية الأنفال وقدره قل العفو وقرئ بالرفع

(1) وهو أبو عبد الله منصور الدوانيقي والد الرشيد.
249

والعفو نقيض الجهد وهو أن ينفق ما تيسر له بذله ولا يبلغ منه الجهد واستفراغ الوسع
قال خذي العفو مني تستديمي مودتي، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
يأتي أحدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) العفو الوسط.
وفي المجمع عنه (عليه السلام) والقمي قال لا اقتار ولا اسراف.
وفي التبيان والمجمع عن الباقر (عليه السلام) أن العفو ما يفضل عن قوت
السنة.
وفي المجمع عنه نسخ ذلك بآية الزكاة.
كذلك مثل ما بين أن العفو أصلح من الجهد يبين الله لكم الآيات لعلكم
تتفكرون.
(220) في الدنيا والآخرة في أمور الدارين فتأخذون بالأصلح والأنفع
ويسألونك عن اليتامى القمي عن الصادق (عليه السلام) لما نزلت إن الذين يأكلون
أموال اليتامى ظلما أخرج كل من كان عنده يتيم وسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) في اخراجهم فنزلت.
وفي المجمع عنه وعن أبيه (عليهما السلام) لما نزلت واتوا اليتامى أموالهم كرهوا
مخالطة اليتامى فشق ذلك عليهم فشكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
فنزلت قل إصلاح لهم خير مداخلتهم لا صلاحهم خير من مجانبتهم وإن تخالطوهم
تعاشروهم وتشاركوهم فإخوانكم فإنهم اخوانكم في الدين ومن حق الأخ أن يخالط
الأخ.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) والعياشي عن الباقر (عليه السلام) قال
تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم وتخرج من مالك قدر ما يكفيك ثم تنفقه قلت أرأيت
ان كانوا يتامى صغارا وكبارا وبعضهم أعلى كسوة من بعض وبعضهم آكل من بعض
ومالهم جميعا فقال أما الكسوة فعلى كل انسان منهم ثمن كسوته واما الطعام فاجعلوه
250

جميعا فان الصغير يوشك أن يأكل مثل الكبير.
وفي رواية: ولا يرزأن (1) من أموالهم شيئا إنما هي النار.
والله يعلم المفسد من المصلح لا يخفى عليه من داخلهم لا صلاح أو إفساد
فيجازيهم على حسب مداخلتهم.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه قيل له أنا ندخل على أخ لنا
في بيت أيتام ومعهم خادم لهم فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا
خادمهم وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم فما ترى في ذلك
فقال إن كان في دخولكم عليه منفعة لهم فلا بأس وإن كان فيه ضرر فلا وقال بل
الانسان على نفسه بصيرة فأنتم لا يخفى عليكم وقد قال الله تعالى: * (والله يعلم
المفسد من المصلح) *.
ولو شاء الله لأعنتكم لحملكم على العنت وهي المشقة ولم يجوز لكم
مداخلتهم إن الله عزيز غالب قادر على ما يشاء حكيم يفعل ما يقتضيه الحكمة ويتسع
له الطاقة.
(221) ولا تنكحوا المشركات لا تزوجوا الكافرات حتى يؤمن ولأمة مملوكة
مؤمنة خير من مشركة حرة ولو أعجبتكم المشركة بجمالها أو مالها وتحبونها ولا
تنكحوا المشركين لا تزوجوا منهم المؤمنات حتى يؤمنوا ولعبد مملوك مؤمن خير من
مشرك حر ولو أعجبكم جماله أو ماله أو حاله أولئك إشارة إلى المشركين والمشركات
يدعون إلى النار إلى الكفر المؤدي إلى النار فحقهم أن لا يوالوا ولا يصاهروا والله
يدعوا إلى الجنة والمغفرة إلى فعل ما يوجب الجنة والمغفرة من لايمان والطاعة بإذنه
بأمره وتوفيقه ويبين آياته أوامره ونواهيه للناس لعلهم يتذكرون ويتعظون.
القمي هي منسوخة بقوله تعالى في سورة المائدة اليوم أحل لكم الطيبات إلى
قوله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن قال فنسخت

(1) لا يرزان بتقديم الراء المهملة أي لا ينقصن ولا يصيبن منها شيئا (منه).
251

هذه الآية له ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ونزلت قوله: * (ولا تنكحوا المشركين
حتى يؤمنوا) * على حاله لم ينسخ لأنه لا يحل للمسلم أن ينكح المشرك ويحل له أن
يتزوج المشركة من اليهود والنصارى وكذلك قاله النعماني في كتابه وكلاهما عدا قوله
تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات) * في منسوخ النصف من الآيات ويأتي تمام الكلام
فيه في سورة المائدة انشاء الله تعالى.
(222) ويسألونك (1) عن المحيض هو مصدر حاضت قل هو أذى مستقذر
يؤذي من يقربه نفرة منه له فاعتزلوا النساء في المحيض فاجتنبوا مجامعتهن في وقت
الحيض ولا تقربوهن بالجماع حتى يطهرن ينقطع الدم عنهن ومن قرأ يطهرن فإنما
هو من يتطهرن أي يغتسلن (2).
في الكافي سئل عن الصادق (عليه السلام) ما يحل لصاحب المرأة الحائض منها
فقال كل شئ ما عدا القبل بعينه.
وفي رواية فليأتها حيث شاء ما اتقى موضع الدم. والأخبار في هذا المعنى
عنهم (عليهم السلام) كثيرة.
فإذا تطهرن اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله يعني فاطلبوا الولد من حيث
أمركم الله كذا عن الصادق (عليه السلام) كما يأتي، وأريد بحيث أمركم الله المأتي
الذي أمركم به وحلله لكم وإنما استفيد طلب الولد من لفظة من.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر
أيامها قال إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسها إن شاء قبل أن
تغتسل.
وفي رواية أخرى والغسل أحب إلي، وسئل عنه (عليه السلام) إذا تيممت من

(1) إنما ذكر يسألونك ثلاثا بغير الواو ثم ثلاثا بها لأن السؤالات الأول كانت في أوقات متفرقة والثلاثة الأخيرة كانت
في وقت واحد فلذلك ذكره بحرف الجمع كذا قيل (منه ره).
(2) عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما أمرتم ان تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم يأمر كم باخراجهن من البيوت كفعل
الأعاجم وهذا هو الاقتصاد بين افراط اليهود إذ كانوا يخرجوهن من البيوت وتفريط النصارى إذ كانوا يجامعونهن ولا يبالون
بالحيض (منه).
252

الحيض تحل لزوجها قال نعم يعني بعدما طهرت إن الله يحب التوابين من الذنوب
ويحب المتطهرين بالماء والمتنزهين عن الأقذار.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) أن الله يحب العبد المفتن التواب ومن لا
يكون ذلك منه كان أفضل.
وعنه (عليه السلام) كان الناس يستنجون بالكرسف والأحجار ثم احدث الوضوء وهو
خلق كريم فأمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصنعه فأنزل الله في كتابه ان الله
يحب التوابين ويحب المتطهرين.
أقول: أراد بالوضوء الاستنجاء بالماء
وفي العلل والعياشي عنه (عليه السلام) قال كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار
لأنهم كانوا يأكلون البسر فكانوا يبعرون بعرا فأكل رجل من الأنصار الدبا فلان بطنه
واستنجى بالماء فبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه قال فجاء الرجل وهو خائف
أن يكون قد نزل فيه أمر يسوءه في استنجائه بالماء فقال له هل عملت في يومك هذا
شيئا فقال يا رسول الله إني والله ما حملني على الاستنجاء بالماء إلا إني أكلت طعاما
فلان بطني فلم تغن عني الحجارة شيئا فاستنجيت بالماء فقال رسول الله هنيئا لك فان
الله عز وجل قد انزل فيك آية فأبشر ان الله يحب التو بين ويحب المتطهرين فكنت
أنت أول من صنع هذا أول التوابين وأول المتطهرين.
وفي رواية كان الرجل البراء بن معرور الأنصاري وأوردهما في الفقيه
مرسلا.
(223) نساؤكم حرث لكم مواضع حرث لكم أنى شبههن بها تشبيها لما يلقى في
أرحامهن من النطف بالبذور فأتوا حرثكم أنى شئتم قيل أي من أي جهة شئتم.
والعياشي والقمي عن الصادق (عليه السلام) أي متى شئتم في الفرج.
وفي رواية أخرى في أي ساعة شئتم. وفي أخرى من قدامها ومن خلفها في
القبل.
253

وفي التهذيب عن الرضا (عليه السلام) أن اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل
المرأة من خلفها خرج ولده أحول فأنزل الله عز وجل: * (نساؤكم حرث لكم فأتوا
حرثكم أنى شئتم) * من خلف أو قدام خلافا لقول اليهود ولم يعن في ادبارهن.
وعن الصادق (عليه السلام) عن الرجل يأتي المرأة في دبرها قال لا بأس إذا
رضيت قيل فأين قول الله عز وجل: * (فأتوهن من حيث أمركم الله) * قال هذا في طلب
الولد فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله ان الله تعالى يقول * (نساؤكم حرث لكم فأتوا
حرثكم أنى شئتم) *.
أقول: لا منافاة بين الروايتين لأن المراد بالأول نفي دلالة هذه الآية على حل
الادبار والمراد بالثانية نفي دلالة قوله تعالى من حيث أمركم الله على حرمتها واما
تلاوته هذه الآية عقيب ذلك فاستشهاد منه بها على أن الله سبحانه إنما أراد طلب الولد
إذ سماهن الحرث ويجوز أن يكون قوله تعالى من حيث أمركم الله إشارة إلى الأمر
بالمباشرة وطلب الولد في قوله سبحانه فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم.
وفي الرواية الثانية إشارة إلى أن المتوقف حله على التطهر هو موضع الحرث
خاصة دون سائر المواضع.
وفي الكافي سئل الصادق (عليه السلام) عن إتيان النساء في أعجازهن فقال هي
لعبتك لا تؤذها وفي رواية والمرأة لعبة لا تؤذى وهي حرث كما قال الله. وفي أخرى لا بأس
به وما أحب أن تفعله.
وقدموا لأنفسكم قيل أي ما يدخر لكم من الأعمال الصالحة وقيل هو طلب
الولد وقيل التسمية على الوطي واتقوا الله ولا تجتروا على المناهي واعلموا أنكم
ملاقوه فتزودوا ما لا تفتضحون به وبشر المؤمنين لعل المراد وبشر من صدقك وامتثل
أمرك بالملاقاة والكرامة والنعيم الدائم عندها.
(224) ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم العرضة تطلق لما يعترض دون الشئ
254

فيحجز عنه وللمعرض للأمر والمعنى على الأول لا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه
من أنواع الخير فيكون المراد بالايمان الأمور المحلوف عليها، وعليه ورد قول
الصادق في تفسيرها إذا دعيت لصلح بين اثنين فلا تقل علي يمين ان لا أفعل وعلى
الثاني لا تجعلوا الله معرضا لايمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف وعليه ورد قوله (عليه
السلام) لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين فان الله يقول ولا تجعلوا الله عرضة
لأيمانكم.
وفي رواية: من حلف بالله كاذبا كفر ومن حلف بالله صادقا أثم ان الله يقول
وتلا الآية والثلاثة مروية في الكافي وذكر العياشي الأولين في رواية واحدة، وعنه
(عليه السلام) يعني الرجل يحلف أن لا يتكلم أخاه ولا يكلم أمه وما يشبه ذلك.
أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس بيان للايمان أي الأمور المحلوف عليها
على المعنى الأول وعلة للنهي على المعنى الثاني أي أنهاكم عن إرادة بركم وتقواكم
وإصلاحكم بين الناس فان الحلاف مجترئ على الله والمجتري على الله تعالى لا
يكون برا متقيا ولا موثوقا به في اصلاح ذات البين ولذلك ذم الله تعالى الحلاف فقال
ولا تطع كل مهين سميع لايمانكم عليم بنياتكم.
(225) لا يؤاخذكم الله بالعقوبة والكفارة باللغو في أيمانكم الساقط الذي لا
عقد معه بل يجري على عادة اللسان كقول العرب لا والله وبلى والله لمجرد التأكيد
كذا في المجمع عنهما (عليهما السلام) ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم بما
واطأت فيها قلوبكم ألسنتكم وعزمتموه كقوله سبحانه بما عقدتم الا يمان فان كسب
القلوب هو العقد والنية والقصد والله غفور حيث لا يؤاخذكم بلغو الايمان حليم
حيث لا يعجل بالمؤاخذة على يمين الجد تربصا للتوبة.
(226) للذين يؤلون من نسائهم يحلفون على أن لا يجامعوهن مضارة لهن
والايلاء الحلف وتعديته بعلى ولكن لما ضمن هذا القسم معنى البعد عدي بمن
تربص أربعة أشهر انتظارها والتوقف فيها فلا يطالبوا بشئ فإن فاؤا أي رجعوا إليهن
بالحنث وكفارة اليمين وجامعوا مع القدرة ووعدوها مع العجز فإن الله غفور رحيم لا
255

يتبعهم بعقوبة.
(227) وإن عزموا الطلق فإن الله سميع لطلاقهم عليم بضمائرهم.
القمي عن الصادق (عليه السلام) الايلاء أن يحلف الرجل على امرأته أن لا
يجامعها فان صبرت عليه فلها أن تصبر وإن رفعته إلى الامام انظره أربعة أشهر ثم
يقول له بعد ذلك اما ان ترجع إلى المناكحة واما أن تطلق أبى حبسه ابدا.
وفي الكافي عنه وعن أبيه (عليهما السلام) انهما قالا إذا آلى الرجل أن لا يقرب
امرأته فليس لها قول ولا حق في الأربعة اشهر ولا إثم عليه في كفه عنها في الأربعة
اشهر فان مضت الأربعة اشهر قبل أن يمسها فسكتت ورضيت فهو في حل وسعة فان
رفعت أمرها قيل له إما أن تفئ فتمسها وإما أن تطلق وعزم الطلاق أن يخلى عنها فإذا
حاضت وطهرت طلقها وهو أحق برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء فهذا الإيلاء أنزله الله
تبارك وتعالى في كتابه وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
(228) والمطلقات يعني المدخول بهن من ذوات الأقراء لما دلت الآيات
والأخبار ان حكم غيرهن خلاف ذلك يتربصن ينتظرن خبر في معنى الأمر للتأكيد
والاشعار بأنه مما يجب أن يمتثلن فكأنهن امتثلن فيخبر عنه بأنفسهن تهييج وبعث لهن
على التربص ثلاثة قروء لا يزوجن فيها.
في الكافي عن الباقر (عليه السلام) قال الأقراء هي الأطهار.
وعن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إني سمعت ربيعة الرأي يقول إذا
رأت الدم من الحيضة الثالثة بانت منه وإنما القرء ما بين الحيضتين وزعم أنه أخذ
ذلك برأيه فقال أبو جعفر (عليه السلام) كذب لعمري ما قال ذلك برأيه ولكنه أخذ عن
علي (عليه السلام) قال قلت له وما قال فيها علي (عليه السلام) قال كان يقول إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها ولا سبيل له
عليها وإنما القرء ما بين
الحيضتين وليس لها أن تتزوج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة.
256

وفي رواية أخرى قال سمعت ربيعة الرأي يقول من رأى أن الأقراء التي سمى
الله عز وجل في القرآن إنما هو الطهر فيما بين الحيضتين فقال (عليه السلام) كذب لم
يقله برأيه ولكنه إنما بلغه عن علي فقلت له أصلحك الله أكان علي (عليه
السلام) يقول ذلك قال نعم إنما القرء الطهر يقرى فيه الدم فتجمعه فإذا جاء المحيض
دفعه.
وعن الصادق (عليه السلام) عدة التي لم تحيض والمستحاضة التي لم تحض تطهر ثلاثة أشهر وعدة التي تحيض وتستقيم حيضها ثلاثة قروء
والقرء جمع الدم بين الحيضتين.
ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الولد ودم الحيض
استعجالا للعدة وإبطالا لحق الرجعة.
في المجمع عن الصادق (عليه السلام) الحبل والحيض.
والقمي: لا يحل للمرأة أن تكتم حملها أو حيضها أو طهرها وقد فوض الله إلى
النساء ثلاثة أشياء الطهر والحيض والحبل.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) يعني لا يحل لها أن تكتم الحمل إذا طلقت
وهي حبلى والزوج لا يعلم بالحمل وهو أحق بها في ذلك الحمل ما لم تضع.
إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر يعني ذلك ينافي الايمان عظم فعلهن ذلك
وبعولتهن أزواجهن أحق بردهن إلى النكاح والرجعة إليهن في ذلك في زمان التربص
إن أرادوا بالرجعة إصلاحا لما بينهن ولم يريدوا مضارتهن ولهن حقوق عليهم مثل
الذي عليهن لهم في الوجوب والاستحقاق لا في الجنس بالمعروف بالوجه الذي لا
ينكر في الشرع ولا في عادات النساء فلا يكلفنهم ما ليس لهن ولا يكلفونهن ما ليس
لهم وللرجال عليهن درجة زيادة في الحق وفضيلة بقيامهم عليهن.
في الفقيه سئل الصادق (عليه السلام) عن حق المرأة على زوجها قال يشبع بطنها
ويكسو جثتها وإن جهلت غفر لها.
257

وفيه وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) قال جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) فقالت يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة فقال لها أن تطيعه ولا
تعصيه ولا تتصدق من بيته بشئ إلا باذنه ولا تصوم تطوعا الا باذنه ولا تمنعه نفسها
وإن كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها الا باذنه فان خرجت بغير اذنه لعنتها
ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها
فقالت يا رسول الله من أعظم الناس حقا على الرجل قال والداه قالت فمن أعظم
الناس حقا على المرأة قال زوجها قالت فمالي من الحق عليه مثل ما له علي قال لا
ولا من كل ماءة واحدة فقالت والذي بعثك بالحق نبيا لا يملك رقبتي رجل ابدا.
والله عزيز يقدر على الانتقام ممن خالف الأحكام حكيم يشرعها لحكم
ومصالح.
(229) الطلاق مرتان أي التطليق الرجعي اثنتان فان الثالثة باين.
وفي المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل أين الثالثة فقال أو
تسريح بإحسان.
فإمساك بمعروف أي بالمراجعة وحسن المعاشرة أو تسريح بإحسان بأن يطلقها
التطليقة الثالثة بعد الرجعة كما في الخبر النبوي المذكور أو بأن لا يراجعها حتى تبين
منه وتخرج من العدة فالإمساك هو الأخذ والتسريح هو الا لطلاق ولا يحل لكم أن
تأخذوا مما آتيتموهن من المهر شيئا إلا أن يخافا التفات من الخطاب إلى الغيبة ثم
منها إليه أو الخطاب راجع إلى الحكام لأن الأخذ والاعطاء إنما يقعان بأمرهم وقرئ
بضم الياء ألا يقيما حدود الله فيما يلزمهما الله من وظائف الزوجية فإن خفتم ألا يقيما
حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به لا جناح على الرجل في أخذ ما افتدت به
نفسها واختلعت ولا على المرأة في إعطائه تلك حدود الله إشارة إلى ما حد من
الأحكام فلا تعتدوها بالمخالفة ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون تعقيب
للنهي بالوعيد مبالغة في التهديد.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) في المختلعة فقال لا يحل خلعها حتى تقول
258

والله لا أبر لك قسما ولا أطيع لك امرا ولا أو طين فراشك ولأدخلن عليك بغير إذنك
فإذا هي قالت ذلك حل خلعها وحل له ما أخذ منها من مهرها وما زاد وهو قول الله
تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به وإذا فعل ذلك فقد بانت منه بتطليقة وهي أملك
بنفسها ان شاءت نكحته وإن شاءت فلا فان نكحته فهي عنده على اثنتين.
وفي الكافي اخبار تقرب منه.
وعن الباقر (عليه السلام) إذا قالت المرأة لزوجها جملة لا أطيع لك أمرا مفسرا أو
غير مفسر حل له ما أخذ منها وليس له عليها رجعة.
(230) فإن طلقها بعد الثنتين ثالثة.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) يعني التطليقة الثالثة.
فلا تحل له من بعد ذلك هذا الطلاق حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها
الزوج الثاني فلا جناح عليهما أن يتراجعا يرجع كل واحد منهما إلى الآخر بالزواج إن
ظنا أن يقيما حدود الله إن كان في ظنهما أنهما يقيمان ما حده الله وشرعه من حقوق
الزوجية وتلك حدود الله أي الأحكام المذكورة يبينها لقوم يعلمون يفهمون
ويعملون بمقتضى العلم.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن رجل طلق امرأته طلاقا لا
تحل له حتى تنكح
زوجا غيره وتزوجها رجل متعة أيحل له أن ينكحها قال لا حتى
تدخل في مثل ما خرجت منه، وزاد العياشي قال الله تعالى فان طلقها فلا جناح
عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله والمتعة ليس فيها طلاق.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته الطلاق الذي لا
تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثم تزوج رجلا ولم يدخل بها قال لا حتى يذوق
عسيلتها.
(231) وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن قاربن آخر عدتهن فان البلوغ قد يطلق
على الدنو كما يطلق على الوصول والأجل يطلق على منتهى المدة كما يطلق على
259

المدة فأمسكوهن بمعروف راجعوهن بما يجب لها من القيام بمواجبها من غير طلب
ضرار بالمراجعة أو سرحوهن بمعروف خلوهن حتى تنقضي عدتهن فيكن أملك
بأنفسهن ولا تمسكوهن ضرارا ولا تراجعوهن إرادة الاضرار بهن من غير رغبة فيهن
لتعتدوا لتظلموهن بتطويل المدة عليهن في حبالكم أو الجائهن إلى الافتداء.
في الفقيه سئل الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية فقال الرجل يطلق حتى إذا
كادت أن يخلو أجلها راجعها ثم طلقها يفعل ذلك ثلاث مرات فنهى الله عن ذلك.
ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه بتعريضها للعقاب ولا تتخذوا آيات الله هزوا لا
تستخفوا بأوامره ونواهيه واذكروا نعمت الله عليكم بما أباحه لكم من الأزواج
والأموال وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة من القرآن والعلوم المبينة لكم يعظكم
به لتتعظوا واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شئ عليم تأكيد وتهديد.
(232) وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن انقضت عدتهن فلا تعضلوهن أن
ينكحن أزوجهن لا تمنعوهن ظلما عن التزوج قيل هذا إما أن يكون خطابا
للأزواج الذين يعضلون نسائهم بعد انقضاء العدة ظلما لا يتركونهن يتزوجن من شئن
من الأزواج وإما أن يكون خطابا للأولياء في عضلهن أن يرجعن إلى أزواجهن أو لهما
جميعا أو للناس كلهم والعضل الحبس والتضييق إذا تراضوا بينهم إذا تراضى
الخطاب والنساء بالمعروف بما يحسن في الدين والمروة من الشرائط ذلك الذي
سبق من الأمر والنهي يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر لأنه المتعظ به
والمنتفع ذلكم العمل بما ذكره أزكى لكم أنفع وأطهر من دنس الآثام والله يعلم ما فيه
النفع والصلاح لكم وأنتم لا تعلمون لقصور علمكم.
(233) والوالدات يرضعن أولادهن خبر في معنى الأمر المؤكد والوالدات
تعم المطلقات وغيرهن. وقيل بل يختص بهن إذ الكلام فيهن.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) لا تجبر الحرة على ارضاع الولد
وتجبر أم الولد.
أقول: فيحتمل أن يكون معنى الآية أن الارضاع حقهن لا يمنعن منه إن
260

أردنه فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس للصبي لبن خير من لبن أمه.
وفي الكافي والفقيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ما من لبن رضع به الصبي
أعظم بركة عليه من لبن أمه قيل وقد يجب عليهن كما إذا لم يرتضع الا من أمه أو لا
يعيش الا بلبنها أو لا يوجد غيرها حولين كاملين تامين أكده به لأنه مما يتسامح فيه
لمن أراد أن يتم الرضاعة هذا الحكم لمن أراد اتمام الرضاع أو متعلق بيرضعن أي
لأجل أزواجهن فان نفقة الولد على والده وفيه تحديد لأقصى مدة الرضاع وتجويز
للنقص عنه وعلى المولود له الذي ولد له وهو الوالد وفيه إشارة إلى أن الولد للأب
ولهذا ينسب إليه وإنما لم يقل على الزوج لأنه قد يكون غير الزوج كالمطلق وللتنبيه
على المعنى المقتضي لوجوب الارضاع ومؤن المرضعة على الأب رزقهن
مأكولهن وكسوتهن إذا أرضعن ولده بالمعروف بما يعرفه أهل العرف لا تكلف
نفس إلا وسعها تعليل لإيجاب المؤن والتقييد بالمعروف وما بعده تفصيل له وتقرير
أي لا يكلف كل منهما الآخر ما ليس في وسعه ولا يضاره بسبب الولد لا تضار والدة
زوجها بولدها بسبب ولدها بأن تترك ارضاعه تعنتا أو غيظا على أبيه وسيما بعد ما
ألفها الولد أو تطلب منه ما ليس بمعروف أو تشغل قلبه في شأن الولد أو تمنع نفسها
منه خوف الحمل لئلا يضر بالمرتضع ولا مولود له أي لا يضار المولود له أيضا
امرأته بولده بسبب ولده بأن ينزعه منها ويمنعها عن ارضاعه ان ارادته وسيما بعدما
ألفها الولد أو يكرهها عليه أو يمنعها شيئا مما وجب عليه أو يترك جماعها خوف
الحمل اشفاقا على المرتضع.
في الكافي ان الصادق (عليه السلام) سئل عن هذه الآية فقال كانت المراضع
مما تدفع إحداهن الرجل إذا أراد الجماع تقول لا أدعك إني أخاف أن أحبل فاقتل
ولدي هذا الذي أرضعه وكان الرجل تدعوه المرأة فيقول أخاف أن أجامعك فاقتل
ولدي فيدعها ولا يجامعها فنهى الله عز وجل عن ذلك بأن يضار الرجل المرأة
والمرأة الرجل.
وعنه (عليه السلام) إذا طلق الرجل امرأته وهي حبلى أنفق عليها حتى تضع
حملها فإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارها الا أن يجد من هو أرخص أجرا منها
261

فان هي رضيت بذلك الأجر فهي أحق بابنها حتى تفطمه.
أقول: ويجوز أن يكون لا تضار على البناء للمفعول أي لا تضار والدة من
جهة زوجها ولا مولود له من جهة زوجته ولا يتفاوت المعنى غير أنه يتعاكس على
اللفظين وقرئ لا تضار بالرفع بدلا من قوله لا تكلف.
وعلى الوارث وعلى وارث المولود له بعد موته مثل ذلك مثل ما كان يجب
على المولود له.
العياشي عن الباقر (عليه السلام) انه سئل عنه فقال النفقة على الوارث مثل ما
على الوالد.
وعن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عنه فقال لا ينبغي للوارث أن يضار المرأة
فيقول لا أدع ولدها يأتيها ويضار ولدها إن كان لهم عنده شئ فلا ينبغي أن يقتر
عليه.
وفي الكافي عنه في قوله وعلى الوارث مثل ذلك أنه نهى أن يضار بالصبي أو
يضار أمه في رضاعه وليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين.
وفي الفقيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قضى في رجل توفي وترك
صبيا واسترضع له ان أجر رضاع الصبي مما يرث من أبيه وأمه.
فإن أرادا فصالا فطاما عن الرضاع قبل الحولين كذا في المجمع عن الصادق
(عليه السلام) عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما في ذلك وهذه توسعة بعد
التحديد وإنما اعتبر تراضيهما مراعاة لصلاح الطفل وحذرا أن يقدم أحدهما على ما
يضر به لغرض وإن أردتم أن تسترضعوا المراضع أولا دكم لأولادكم يقال أرضعت
المرأة الطفل واسترضعها إياه حذف المفعول الأول للاستغناء عنه فلا جناح عليكم
فيه إذا سلمتم إلى المراضع ما آتيتم ما أردتم إيتائه إياهن وشرطتم لهن وقرئ ما
أتيتم بالقصر من أتى إليه احسانا إذا فعله بالمعروف صلة سلمتم أي بالوجه
المتعارف المستحسن شرعا.
262

وفي الكافي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تسترضع الحمقاء ولا
العمشاء فان اللبن يعدي.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) انظروا من ترضع أولادكم فان الولد يشب
عليه.
أقول: يعني يصير شابا على الرضا واتقوا الله مبالغة في المحافظة على ما
شرع في أمر الأطفال والمراضع واعلموا أن الله بما تعملون بصير حث وتهديد.
(234) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن بعدهم
أربعة أشهر وعشرا تأنيث العشر باعتبار الليالي لأنها غرر الشهور والأيام والأيام لا
يستعمل التذكير في مثله وإن كانت الأيام مرادة يقال صمت عشرا قيل لعل
المقتضي لهذا التقدير أن الجنين في غالب الأمر يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرا
ولأربعة إن كانت أنثى فاعتبر أقصى الأجلين وزيد عليه العشر استظهارا إذ ربما
يضعف حركته في المبادي فلا يحس بها.
وفي العلل: عن الرضا (عليه السلام) أوجب عليها إذا أصيبت بزوجها وتوفي
عنها بمثل ما أوجب عليها في حياته إذا آلى منها وعلم أن غاية صبر المرأة أربعة
أشهر في ترك الجماع فمن ثم أوجب عليها ولها.
وعن الصادق (عليه السلام) لأن حرقة المطلقة تسكن في ثلاثة أشهر وحرقة
المتوفي عنها زوجها لا تسكن الا في أربعة اشهر وعشرا.
والعياشي عنه (عليه السلام) لما نزلت هذه الآية جئن النساء يخاصمن رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقلن لا نصبر فقال لهن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) كانت إحداكن إذا مات زوجها أخذت بعرة فألقتها خلفها في دويرتها في
خدرها ثم قعدت فإذا كان مثل ذلك اليوم من الحول أخذتها ففتتها ثم اكتحلت بها
ثم تزوجت فوضع الله عنكن ثمانية أشهر.
وفي التهذيب عن الباقر (عليه السلام) كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة
263

حرة كانت أو أمة وعلى أي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة
أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن انقضت عدتهن فلا جناح عليكم أيها الأولياء
فيما فعلن في أنفسهن من التعرض للخطاب وسائر ما حرم عليهن للعدة بالمعروف
بالوجه الذي لا ينكره الشرع والله بما تعملون خبير فيجازيكم عليه.
(235) ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء المعتدات
والتعريض هو أن يقول إنك لجميلة أو صالحة أو إني أحب امرأة صفتها كذا ويذكر
بعض صفاتها ونحو ذلك من الكلام الذي يوهم أنه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها
عليه إن رغبت فيه ولا يصرح بالنكاح أو أكننتم في أنفسكم أو سترتم وأضمرتم في
قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم معرضين ولا مصرحين علم الله أنكم ستذكرونهن لا
محالة لرغبتكم فيهن مع خوفكم أن يسبقكم غيركم إليهن فاذكروهن ولكن لا
تواعدوهن سرا أي خلوة كما يأتي الا أن تقولوا في الخلوة قولا معروفا بأن تعرضوا
بالخطبة ولا تصرحوا بها ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب ما كتب وفرض
من العدة أجله منتهاه.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية ولكن لا
تواعدوهن سرا الا أن تقولوا قولا معروفا، فقال هو الرجل يقول للمرأة قبل أن
تنقضي عدتها أواعدك بيت آل فلان ليعرض لها بالخطبة ويعني بقوله الا أن تقولوا
قولا معروفا التعريض بالخطبة.
وفي رواية: هو أن يقول الرجل موعدك بيت آل فلان ثم يطلب إليها أن لا
تسبقه بنفسها إذا انقضت عدتها والقول المعروف هو طلب الحلال في غير أن يعزم
عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله وفي أخرى هو أن يلقيها فيقول إني فيك
لراغب وإني للنساء لمكرم فلا تسبقيني بنفسك والسر أن لا يخلو معها حيث
وعدها.
أقول: هذه الروايات تفسير للمواعدة المتضمنة للقول المعروف المرخص
فيها وآخر الأخيرة تفسير للسر المنهي عن مواعدته أعني الخلوة وإنما قال لا يخلو
264

تنبيها على أن النهي راجع إلى الخلوة لا للتعريض بالخطبة كأنهم كانوا يتكلمون
فيها بما يستهجن فنهوا عن ذلك كما يستفاد من الروايات الآتية ويحتمل أن يكون
المراد بالمواعدة سرا التعريض بالخطبة بمواعدة الرفث ونحوه وسمي ذلك سرا لأنه
مما يسر ويكون المراد ببيت آل فلان توقيت المكان لذلك.
وعن الكاظم (عليه السلام) هو أن يقول الرجل أواعدك بيت آل فلان يعرض
لها بالرفث ويوقت يقول الله عز وجل: * (الا أن تقولوا قولا معروفا) * والقول
المعروف التعريض بالخطبة على وجهها وحلها.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في هذه الآية المرأة في عدتها
تقول لها قولا جميلا ترغبها في نفسك ولا تقول إني أصنع كذا واصنع كذا القبيح
من الأمر في البضع وكل أمر قبيح وفي أخرى لها وهي في عدتها يا هذه لا
أحب الا ما أسرك ولو قد مضى عدتك لا تفوتيني إن شاء الله ولا تسبقي بنفسك
وهذا كله من غير أن يعزموا عقدة النكاح.
واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم من العزم على ما لا يجوز فاحذروه ولا
تعزموا واعلموا أن الله غفور لمن عزم ولم يفعل حليم لا يعاجلكم بالعقوبة.
(236) لا جناح عليكم لا تبعة عليكم من مهر أو وزر إن طلقتم النساء ما لم
تمسوهن ما لم تجامعوهن وقرئ تماسوهن بضم التاء والألف في الموضعين أو
تفرضوا الا أن تفرضوه لهن فريضة فرض الفريضة تسمية المهر وذلك أن المطلقة.
الغير المدخول بها إن سمي لها مهرا فلها نصف المسمى كما في الآية الآتية وإن لم
يسم لها مهر فليس لها الا المتعة كما في هذه الآية والحكمان مرويان أيضا رواهما
العياشي وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام). ومتعوهن أي أعطوهن من مالكم
ما يتمتعن به على الموسع قدره وعلى المقتر قدره أي على الغني الذي هو في
سعة لغناه على قدر حاله وعلى الفقير الذي هو في ضيق على قدر حاله ومعنى قدره
مقداره الذي يطيقه وقرئ بسكون الدال متاعا تمتيعا بالمعروف بالوجه الذي
يستحسنه الشرع والمروة حقا على المحسنين.
265

في الكافي والعياشي سئل الصادق عن الرجل يطلق امرأته يمتعها قال نعم
اما يحب أن يكون من المحسنين واما يحب أن يكون من المتقين.
وفي التهذيب عنه (عليه السلام) ان متعة المطلقة فريضة.
وعن الباقر (عليه السلام) انه سئل عن الرجل يريد أن يطلقها قبل أن يدخل بها
قال يمتعها قبل أن يطلقها فان الله قال ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر
قدره.
والعياشي عن الكاظم (عليه السلام) انه سئل عن المطلقة ما لها من المتعة قال
على قدر مال زوجها.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها
من النساء.
أقول: ولعل المراد المراعي حالهما جميعا.
وفي الفقيه روي أن الغني يمتع بدار أو خادم والوسط يمتع بثوب والفقير
بدرهم أو خاتم.
وروي ان أدناه الخمار وشبهه
وفيه وفي التهذيب عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى ومتعوهن في سورة
الأحزاب في هذا الحكم بعينه قال أي احملوهن على ما قدرتم عليه من معروف
فإنهن يرجعن بكآبة ووحشة وهم عظيم وشماتة من أعدائهن فان الله كريم يستحي
ويحب أهل الحياء ان أكرمكم أشدكم اكراما لحلائلهم ويأتي بقية الكلام فيه عن
قريب.
(237) وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة
فنصف ما فرضتم نصف ما فرضتم إلا أن يعفون يعني المطلقات أي يتركن
ما يجب لهن من نصف المهر فلا يطلبن الأزواج بذلك أو يعفوا الذي بيده عقدة
النكاح وهو الولي الذي يلي عقد نكاحهن.
266

وفي الفقيه وفي التهذيب عن الصادق (عليه السلام) يعني الأب والذي توكله
المرأة وتوليه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) في عدة اخبار هو الأب والأخ والرجل يوصى
ليه والرجل يجوز أمره في مال المرأة فيبيع لها ويشتري وإذا عفا فقد جاز.
وفي رواية العياشي فأي هؤلاء عفا فقد جاز قيل أرأيت ان قالت لا أجيز ما
يصنع قال ليس لها ذلك أتجيز بيعه فيما لها ولا تجيز هذا.
وفي رواية أبوها إذا عفا جاز وأخوها إذا كان يقيم بها وهو القائم عليها فهو
بمنزلة الأب يجوز له فإذا كان الأخ لا يقيم بها ولا يقوم عليها لم يجز له عليها أمر.
وعن الصادق (عليه السلام) الذي بيده عقدة النكاح وهو الولي الذي انكح
يأخذ بعضا ويدع بعضا وليس له أن يدع كله.
وفي المجمع عنهما (عليهما السلام) الذي بيده عقدة النكاح هو الولي.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الزوج قال والولي عندنا هو الأب والجد
مع وجود الأب الأدنى على البكر غير البالغ فاما من عداهما فلا ولاية له الا
بتوليتهما إياه غير أن الأول أظهر وعليه المذهب ومعنى عفو الزوج عدم استرداده
فإنهم كانوا يسوغون المهر قبل الدخول.
وأن تعفوا أقرب للتقوى في الكافي عن الباقر (عليه السلام) انه حلف رجل
على ضرب غلامه فلم يف به فلما سئل عنه (عليه السلام) فقال أليس الله يقول وان
تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم ولا تنسوا أن يتفضل بعضكم على
بعض ولا تستقصوا.
وفي المجمع عن علي (عليه السلام) ولا تناسوا الفضل إن الله بما تعملون
بصير.
العياشي عن الباقر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأتي
على الناس زمان عضوض يعض كل امرئ على ما في يديه وينسون الفضل بينهم
267

قال الله ولا تنسوا الفضل بينكم.
وفي العيون عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال سيأتي على الناس زمان
عضوض يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤثر بذلك قال الله تعالى: * (ولا
تنسوا الفضل بينكم) * الآية.
وفي نهج البلاغة الموسر مكان المؤمن وزاد تنهد فيه الأشرار وتستذل الأخيار
ويبايع المضطرون وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع
المضطرين.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) ما يقرب منه.
(238) حفظوا على الصلوات داوموا عليها في مواقيتها بأداء أركانها والصلاة
الوسطى بينها خصوصا أو الفضلى من قولهم للأفضل الأوسط وقوموا لله في الصلاة
قيل أي داعين في القيام والقنوت أيضا هو الطاعة والخشوع.
وفي الكافي والتهذيب عن الباقر (عليه السلام) في الصلاة الوسطى قال هي صلاة
الظهر وهي أول صلاة صلا ها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي وسط النهار ووسط
الصلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر، قال (عليه السلام) وفي بعض القراءات
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين قال وأنزلت هذه
الآية يوم الجمعة ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفر فقنت فيها رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) وتركها على حالها في السفر والحضر وأضاف للمقيم ركعتين وإنما
وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الجمعة للمقيم لمكان
الخطبتين مع الامام فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربع ركعات كصلاة
الظهر في سائر الأيام.
والعياشي عنه (عليه السلام) أنه قرئ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
وصلاة العصر وقوموا لله قانتين والوسطى هي الظهر قال وكذلك كان يقرؤها رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم).
268

وعن الصادق (عليه السلام) قال الصلاة الوسطى هي الوسطى من صلاة النهار وهي
الظهر وإنما يحافظ أصحابنا على الزوال من أجلها.
وفي المجمع عن علي (عليه السلام) انها الجمعة يوم الجمعة والظهر سائر الأيام.
والقمي عن الصادق (عليه السلام) انه قرأ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
وصلاة العصر وقوموا لله قانتين قال اقبال الرجل على صلاته ومحافظته حتى لا يلهيه ولا
يشغله عنها شئ.
وفي رواية العياشي هو الدعاء.
وفي أخرى له قانتين مطيعين راغبين.
وفي الكافي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا يزال الشيطان ذعرا من
المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيعهن تجرأ عليه وأدخله في العظام.
وعن الباقر (عليه السلام) أن الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي
بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك الله وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى
صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك الله.
وعن الصادق (عليه السلام) الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهن وحافظ
على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم يقم حدودهن ولم
يحافظ على مواقيتهن لقي الله ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
(239) فإن خفتم من لص أو سبع أو غير ذلك فرجالا أو ركبانا فصلوا راجلين أو
راكبين.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) سئل عن هذه الآية فقال إن خاف من سبع أو
لص يكبر ويؤمي إيماء.
وفي الفقيه عنه (عليه السلام) في صلاة الزحف قال تكبير وتهليل ثم تلا الآيات.
وعنه (عليه السلام) إن كنت في أرض مخوفة فخشيت لصا أو سبعا فصل الفريضة
269

وأنت على دابتك.
وعن الباقر (عليه السلام) الذي يخاف اللصوص يصلي ايماء على دابته.
فإذا أمنتم وزال خوفكم فاذكروا الله قيل صلوا صلاة الأمن أو اشكروه على الأمن
كما علمكم مثل ما علمكم أو شكرا يوازي تعليمكم ما لم تكونوا تعلمون من الشرائع
وكيفية الصلاة.
(240) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية قبل أن
يحتضروا وقرئ بالرفع لأزواجهم متاعا إلى الحول بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا
كاملا أي ينفق عليهن من تركته غير إخراج ولا يخرجن من مساكنهن كان ذلك في أول
الاسلام ثم نسخت كان الرجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولا ثم أخرجت
بلا ميراث ثم نسختها آية الربع والثمن فالمرأة ينفق عليها من نصيبها رواه العياشي.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) وفي عدة روايات عنه وعن الباقر (عليهما
السلام) هي منسوخة نسختها يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ونسختها آيات
الميراث.
أقول: يعني نسخت المدة بآية التربص والنفقة بآيات الميراث وآية التربص وإن
كانت متقدمة في التلاوة فهي متأخرة في النزول وقد مر في المقدمة السادسة كلام في هاتين
الآيتين.
فإن خرجن من منزل الأزواج فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن كالتزين
والتعرض للأزواج من معروف مما لم ينكره الشرع والله عزيز ينتقم ممن خالفه حكيم
يراعي مصالحهم.
(241) وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين أثبت المتعة للمطلقات
جميعا بعدما أوجبها لواحدة منهن وقد مر من الأخبار أيضا ما يدل على التعميم.
وفي الفقيه عن الباقر (عليه السلام) قال متعة النساء واجبة دخل بها أو لم يدخل بها
ويمتع قبل أن يطلق وقال في التهذيب إنما تجب المتعة للتي لم يدخل بها وأما التي دخل بها
270

فيستحب تمتيعها إذا لم يكن لها في ذمته مهر والأول قبل الطلاق والثاني بعد انقضاء
العدة.
وفيه عن الكاظم (عليه السلام) انه سئل عن المطلقة التي تجب لها على زوجها المتعة
فكتب الباينة وفي رواية لا تمتع المختلعة.
وفي المجمع اختلف في ذلك فقيل إنما تجب المتعة للتي لم يسم لها صداق خاصة
وهو المروي عن الباقر والصادق (عليهما السلام) وقيل لكل مطلقة الا المختلعة والمباراة
والملاعنة وقيل لكل مطلقة سوى المفروض لها إذا طلقت قبل الدخول فإنما لها نصف
الصداق ولا متعة لها وقد رواه أصحابنا أيضا وذلك محمول على الاستحباب وقال في هذه
الآية انها مخصوصة بتلك الآية إن نزلتا معا وإن كانت تلك متأخرة فمنسوخة لأن عندنا لا
تجب المتعة الا للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يفرض لها مهر فاما المدخول بها فلها مهر
مثلها إن لم يسم لها مهر وإن سمي لها مهر فما سمي لها وغير المدخول بها المفروض مهرها
لها نصف المهر ولا متعة في هذه الأحوال فلا بد من تخصيص هذه الآية.
وفي الكافي في عدة روايات عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال متاعها بعدما
تنقضي عدتها على الموسع قدره وعلى المقتر قدره قال وكيف يمتعها وهي في عدتها ترجوه
ويرجوها ويحدث الله عز وجل بينهما ما يشاء وقال إذا كان الرجل موسعا عليه متع امرأته
بالعبد والأمة والمقتر يمتع بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم وإن الحسن بن علي متع
امرأة له بأمة ولم يطلق امرأة الا متعها.
(242) كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون تفهمونها وتستعملون العقل
فيها.
(243) ألم تر تعجيب وتقرير لقصتهم إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف أي
آلاف كثيرة حذر الموت فقال لهم الله موتوا أي أماتهم الله وهذا مثل قوله سبحانه إنما أمره
إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ثم أحياهم.
في الكافي عن الباقر والصادق (عليهما السلام) أن هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام
وكانوا إذا وقع الطاعون وأحسوا به خرج من المدينة الأغنياء لقوتهم وبقي فيها الفقراء
271

لضعفهم فكان الموت يكثر في الذين أقاموا ويقل في الذين خرجوا فيقول الذين خرجوا لو
كنا أقمنا لكثر فينا الموت ويقول الذين أقاموا لو كنا خرجنا لقل فينا الموت قال فاجتمع رأيهم
جميعا انه إذا وقع الطاعون وأحسوا به خرج كلهم من المدينة فلما أحسوا بالطاعون خرجوا
جميعا وتنحوا عن الطاعون حذر الموت فساروا في البلاد ما شاء الله ثم أنهم مروا بمدينة
خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون فنزلوا بها فلما حطوا رحالهم واطمئنوا قال لهم الله
تعالى عز وجل موتوا جميعا فماتوا من ساعتهم وصاروا رميما يلوح وكان على طريق المارة
فكنستهم المارة فنحوهم وجمعوهم في موضع فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له
حزقيل فلما رأى تلك العظام بكى واستعبر وقال رب لو شئت لأحييتهم الساعة كما أمتهم
فعمروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك من خلقك فأوحى الله إليه أفتحب ذلك قال
نعم يا رب فأحياهم الله قال فأوحى الله عز وجل ان قل كذا وكذا فقال الذي أمره الله عز وجل أن
يقوله قال قال أبو عبد الله وهو الاسم الأعظم فلما قال حزقيل ذلك نظر إلى العظام يطير
بعضها إلى بعض فعادوا أحياء ينظر بعضهم إلى بعض يسبحون الله عز وجل ويكبرونه
ويهللونه فقال حزقيل عند ذلك أشهد أن الله على كل شئ قدير.
قال الراوي فقال أبو عبد الله (عليه السلام) فيهم نزلت هذه الآية.
وفي الغوالي عن الصادق (عليه السلام) في حديث يذكر فيه نيروز الفرس قال ثم إن
نبيا من أنبياء بني إسرائيل سأل ربه أن يحيي القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر
الموت فأماتهم الله فأوحى الله إليه أن صب الماء في مضاجعهم فصب عليهم الماء في هذا
اليوم فعاشوا وهم ثلاثون ألفا فصار صب الماء في يوم النيروز سنة ماضية لا يعرف سببها الا
الراسخون في العلم.
وفي المجمع سئل الباقر (عليه السلام) عن هؤلاء القوم الذين قال لهم الله موتوا ثم
أحياهم فقال أحياهم حتى نظر الناس إليهم ثم أماتهم أم ردهم إلى الدنيا حتى سكنوا الدور
وأكلوا الطعام قال لا بل ردهم الله حتى سكنوا الدور وأكلوا الطعام ونكحوا النساء ومكثوا
بذلك ما شاء الله ثم ماتوا بآجالهم.
إن الله لذو فضل على الناس حيث يبصرهم ما يعتبرون به ولكن أكثر الناس لا
272

يشكرون لا يعتبرون.
(244) وقاتلوا في سبيل الله فان الفرار من الموت غير مخلص عنه واعلموا أن الله
سميع لما يقوله المخلفون والسابقون عليم بما يضمرونه.
(245) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا مقرونا بالاخلاص وطيب النفس من
حلال طيب فيضاعفه وقرئ بنصب الفاء له أضعافا كثيرة لا يقدرها الا الله والله يقبض
ويبصط يمنع ويوسع فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم وإليه ترجعون فيجازيكم على حسب
ما قدمتم.
في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) إنها نزلت في صلة الامام.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) قال ما من شئ أحب إلى الله من اخراج الدراهم إلى
الامام وإن الله ليجعل له الدرهم في الجنة مثل جبل أحد ثم قال إن الله يقول في كتابه من ذا
الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة قال هو والله من صلة الامام خاصة.
وفي المعالي والمجمع عنه (عليه السلام) لما نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) من جاء بالحسنة فله خير منها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم
زدني فأنزل الله سبحانه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
اللهم زدني فأنزل الله عز وجل من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة
فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان الكثير من الله لا يحصى وليس له منتهى.
(246) ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى ألم ينته علمك يا محمد إلى
جماعة الأشراف من بني إسرائيل من بعد وفاة موسى إذ قالوا لنبي لهم.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) هو اشموئيل وهو بالعربية إسماعيل ابعث لنا ملكا
نقاتل في سبيل الله أقم لنا أميرا ننهض للقتال معه ندبر أمره ونصدر فيه عن رأيه.
في المجمع والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال كان الملك في ذلك الزمان هو
الذي يسير بالجنود والنبي يقيم له أمره وينبئه بالخبر من عند ربه وقال هل عسيتم إن كتب
عليكم القتال ألا تقتلوا أن لا تجيبوا ولا تفوا وهذا كأخذ العهد عليهم قالوا وما لنا ألا نقاتل
273

في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا بالسبي والقهر على نواحينا فلما كتب عليهم
القتال تولوا الا قليلا منهم والله عليم بالظالمين تهديد لمن تولوا.
(247) وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك
علينا من أين يكون له ذلك ويستأهل ونحن أحق بالملك منه وراثة ومكنة ولم يؤت سعة من
المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة فضيلة وسعة في العلم والجسم والله يؤتي
ملكه من يشاء والله واسع واسع الفضل يوسع على الفقير ويغنيه عليم بمن يليق بالملك لما
استبعدوا تملكه لفقره رد عليهم بأن العمدة فيه اصطفاء الله وقد اختاره عليكم وهو أعلم
بالمصالح وبأن الشرط فيه وفور العلم ليتمكن به من معرفة الأمور السياسية وجسامة البدن
ليكون أعظم خطرا في القلوب وأقوى على مقاومة العدو ومكابدة الحروب لا ما ذكرتم وقد
زاده الله فيهما قيل وكان الرجل القائم يمد يده فينال رأسه وبأنه تعالى مالك الملك على
الاطلاق فله أن يؤتيه من يشاء وبأنه واسع الفضل يغنيه عليم به إذ يصطفيه.
القمي عن الباقر (عليه السلام) ان بني إسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي وغيروا دين
الله وعتوا عن امر ربهم وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه، وروي انه ارميا النبي
فسلط الله عليهم جالوت وهو من القبط فأذاهم وقتل رجالهم وأخرجهم من ديارهم وأخذ
أموالهم واستعبد نساء هم ففزعوا إلى نبيهم وقالوا سل الله أن يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل
الله وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت والملك والسلطان في بيت آخر ولم يجمع الله لهم
النبوة والملك في بيت واحد فمن ذلك قالوا ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل
الله فقال لهم نبيهم هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا
قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا
وكان كما قال الله تعالى فما كتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم وقال
لهم نبيهم ان الله ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال وكانت النبوة في ولد لاوي والملك في ولد
يوسف وكان طالوت من ولد ابن يامين أخي يوسف لأمه ولم يكن من بيت النبوة ولا من بيت
المملكة قال لهم نبيهم ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي
ملكه من يشاء والله واسع عليم وكان أعظمهم جسما وكان شجاعا قويا وكان أعلمهم الا أنه
274

كان فقيرا فعابوه بالفقر فقالوا لم يؤت سعة من المال.
(247) وقال لهم نبيهم ان الله يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقيه مما
ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة قال (عليه السلام) وكان التابوت الذي أنزله الله
على موسى فوضعته فيه أمه فألقته في اليم وكان في بني إسرائيل يتبركون به فلما حضر
موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه فلم
يزل التابوت بينهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا
النبي وبعث الله طالوت إليهم ملكا يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت كما قال الله تعالى * (ان
آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله
الملائكة) * قال البقية ذرية الأنبياء.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن قوله تعالى وبقية مما ترك آل موسى
وآل هارون قال ذرية الأنبياء.
وفي الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال رضراض (1)
الألواح فيها العلم والحكمة.
وزاد العياشي العلم جاء من السماء فكتب في الألواح وجعل في التابوت.
والعياشي عن الرضا (عليه السلام) أنه قال كان فيه ألواح موسى التي تكسرت
والطست التي يغسل فيها قلوب الأنبياء.
والقمي عنه قال السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الانسان وكان إذا وضع
التابوت بين يدي المسلمين والكفار فان تقدم التابوت رجل لا يرجع حتى يقتل أو يغلب
ومن رجع عن التابوت كفر وقتله الامام.
وفي المعاني سئل الكاظم (عليه السلام) ما كان تابوت موسى وكم كان سعته قال ثلاثة
أذرع في ذراعين قيل وما كان فيه قال عصا موسى والسكينة قيل وما السكينة قال ر و ح الله

(1) الرضراض: الفتات من رضرضه إذا كسره وفرقه ورضراض الألواح مكسوراتها وربما يؤل التابوت بالقلب
والسكينة بالعلم والا خلاص واتيانه تصييره العلم والوقار بعد ان لم تكن (منه ره).
275

يتكلم كانوا إذا اختلفوا في شئ كلمهم وأخبرهم ببيان ما يريدون.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان السكينة التي كانت فيه ريح هفافة
من الجنة له وجه كوجه الانسان.
وعن الباقر (عليه السلام) ان البقية عصا موسى ورضراض الألواح.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) فجاءت به الملائكة تحمله.
وفي رواية تحمله في صورة البقرة.
وعن الصادق (عليه السلام) قال إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل
كانت بنو إسرائيل أي أهل بيت وجد التابوت على بابهم أوتوا النبوة فمن صار إليه السلاح منا
أوتي
الإمامة. وفي رواية حيث ما دار التابوت في بني إسرائيل دار الملك وأينما دار السلاح
فينا دار الملك والعلم.
وفي أخرى سئل الكاظم (عليه السلام) ما السكينة فقال ريح تخرج من الجنة لها
صورة كصورة الانسان ورائحة طيبة وهي التي نزلت على إبراهيم فأقبلت تدور حول
أركان البيت وهو يضع الأساطين فقيل له هي التي قال الله تعالى فيه سكينة من ربكم
وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال وتلك السكينة في التابوت وكان فيه طست
يغسل فيه قلوب الأنبياء وكان التابوت يدور في بني إسرائيل مع الأنبياء ثم أقبل علينا
فقال ما تابوتكم قلنا السلاح قال صدقتم هو تابوتكم.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) ما يقرب منه وزاد بعد ذكر الآية قال هي من
هذا.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) كان التابوت في أيدي أعداء بني
إسرائيل من العمالقة غلبوهم عليه لما برح امر بني إسرائيل وحدث فيهم الأحداث ثم
انتزعه الله من أيديهم ورده على بني إسرائيل تحمله الملائكة قال وقيل. وفي رواية
أن السكينة لها جناحان ورأس كرأس الهرة من الزبرجد والزمرد وروي ذلك في
أخبارنا قال والظاهر أن السكينة امنة وطمأنينة جعلها الله سبحانه فيه ليسكن إليه بنو
276

إسرائيل والبقية جائز أن يكون بقية من العلم أو شيئا من علامات الأنبياء وجائز أن
يتضمنها جميعا.
ان في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين اما من تمام كلام النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) أو خطاب من الله.
(249) فلما فصل طالوت بالجنود انفصل بهم عن بلده لقتال العمالقة وأصله
فصل نفسه عنه ولكن لما كثر حذف مفعوله صار كاللازم قال إن الله مبتليكم مختبركم
بنهر فمن شرب منه فليس مني فليس من جملتي وأشياعي ومن لم يطعمه لم يذقه فإنه
مني إلا من اغترف غرفة بيده استثناء من قوله فمن شرب منه ومعناه الرخصة في
اغتراف الغرفة باليد وقرئ غرفة بالفتح فشربوا منه إلا قليلا منهم الا ثلاث ماءة وثلاثة
عشر رجلا منهم من اغترف ومنهم من لم يشرب كذا في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام).
وروي أن من اقتصر على الغرفة كفته لشربه وأداوته ومن لم يقتصر غلب عطشه
واسودت شفته ولم يقدر أن يمضي وهكذا الدنيا لقاصد الآخرة.
فلما جاوزه هو تخطى النهر طالوت والذين آمنوا معه يعني القليل من أصحابه
ورأوا كثرة عدد جنود جالوت قالوا قال الذين اغترفوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده
قال الذين يظنون الذين كانوا يتيقنون أنهم ملاقوا الله وهم الذين لم يغترفوا كم من فئة
قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين.
(250) ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ (1) علينا صبرا وثبت أقدامنا
وانصرنا على القوم الكافرين.
(251) فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة
وعلمه مما يشاء القمي عن الرضا (عليه السلام) أوحى الله إلى نبيهم أن جالوت يقتله
من يستوي عليه درع موسى (عليه السلام) وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه داود

(1) أفرغ اي أصب علينا صبرا اي وفقنا للصبر على الجهاد.
277

بن اشي (1) وكان اشي راعيا وكان له عشر بنين أصغرهم داود فلما بعث طالوت إلى
بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى أشي ان احضر واحضر ولدك فلما
حضروا دعا واحدا بعد واحد من ولده فالبسه الدرع درع موسى فمنهم من طالت عليه
ومنهم من قصرت عنه فقال لا شي هل خلفت من ولدك أحدا قال نعم أصغرهم تركته
في الغنم راعيا فبعث إليه فجاء به فلما دعا أقبل ومعه مقلاع قال فناداه ثلاث صخرات
في طريقه فقالت يا داود خذنا فأخذها في مخلاته وكان شديد البطش قويا في بدنه
شجاعا فلما جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى فاستوت عليه ففصل طالوت بالجنود
وقال لهم نبيهم يا بني إسرائيل ان الله مبتليكم بنهر في هذه المفازة فمن شرب منه
فليس من حزب الله ومن لم يشرب فهو من حزب الله الا من اغترف غرفة بيده فلما
وردوا النهر اطلق الله لهم أن يغترف كل واحد منهم غرفة فشربوا منه الا قليلا منهم
فالذين شربوا منه كانوا ستين ألفا وهذا امتحان امتحنوا به كما قال الله عز وجل.
وعن الصادق (عليه السلام) أنه قال القليل الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاث (2)
ماءة وثلاثة عشر رجلا فلما جاوزوا النهر ونظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا منه
لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده وقال الذين لم يشربوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت
أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فجاء داود فوقف بحذاء جالوت وكان جالوت
على الفيل وعلى رأسه التاج وفي جبهته ياقوتة يلمع نورها وجنوده بين يديه فأخذ داود
من تلك الأحجار حجرا فرمى به ميمنة جالوت فمر في الهواء ووقع عليهم فانهزموا
وأخذ حجرا آخر فرمى به ميسرة جالوت فانهزموا فرمى جالوت بحجر فصك الياقوتة
في جبهته ووصلت إلى دماغه ووقع على الأرض ميتا وهو قوله تعالى فهزموهم بإذن الله
وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة.
وفي رواية العياشي ان داود لما دخل العسكر سمعهم يتعظمون امر جالوت
فقال لهم ما تعظمون من أمره فوالله لئن عاينته لأقتلنه فتحدثوا بخبره حتى ادخل على
طالوت فقال يا فتى وما عندك من القوة وما جربت من نفسك قال كان الأسد يعدو على

(1) في المجمع؟ وتفسير البيضاوي أيش بالياء ثم المعجمة ويشبه أن يكون عبريا واسى معربا له (منه).
(2) هذا مناف لما سبق من الكافي والعياشي من أن هذه العدة من اغترف (منه).
278

شاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه فأفك لحييه منها فاخذها من فيه قال فقال ادع لي
بدرع سابغة، قال فأتي بدرع فقذفها في عنقه فتملأ منها قال فقال طالوت والله لعسى
الله أن يقتله به قال فلما أن أصبحوا ورجعوا إلى طالوت والتقى الناس قال داود أروني
جالوت فلما رآه أخذ الحجر فجعله في مقذافه فرماه فصك به بين عينيه فدمغه فنكس
على دابته وقال الناس قتل داود جالوت وملك الناس حتى لم يكن يسمع لطالوت ذكر
واجتمعت بنو إسرائيل على داود وانزل الله عليه الزبور وعلمه صنعة الحديد ولينه له.
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض وقرئ دفاع الله قيل اي بنصر المؤمنين
على الكفار وقيل أي بدفع الهلاك بالبر عن الفاجر.
وفي المجمع روى الثاني عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
لفسدت الأرض لعم الكفر والهلاك ولكن الله عز وجل ذو فضل على
العالمين.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال إن الله ليدفع بمن يصلي
من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا ولو اجتمعوا على ترك الصلاة لهلكوا وان الله
ليدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي ولو اجتمعوا على ترك الزكاة لهلكوا وان الله
ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج ولو اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا وهو قول
الله عز وجل ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل
على العالمين فوالله ما نزلت الا فيكم ولا عنى بها غيركم.
وفي المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لولا عباد ركع وصبيان رضع
وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله يصلح
بصلاح الرجل المسلم وولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله لا يزالون في
حفظ الله ما دام فيهم.
(252) تلك آيات الله إشارة إلى ما قص من حديث الألوف وتمليك طالوت
واتيان التابوت وانهزام الجبابرة وقتل جالوت على يد صبي نتلوها عليك بالحق بالوجه
279

المطابق الذي لا يشك فيه أهل الكتاب لأنه في كتبهم كذلك وإنك لمن المرسلين
حيث تخبر بها من غير تعرف واستماع.
(253) تلك الرسل إشارة إلى الجماعة المذكورة قصصها في السورة فضلنا
بعضهم على بعض بأن خصصناه بمنقبة ليست لغيره منهم من كلم الله من غير سفير
كموسى (عليه السلام) ليلة الحيرة في الطور ومحمد (صلى الله عليه وآله) ليلة المعراج
حين كان قاب قوسين أو أدنى وبينهما بون بعيد ورفع بعضهم درجات بأن فضله على
غيره من وجوه متعددة وبمراتب متباعدة فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث أوتي
ما لم يؤت أحد من المعجزات المرتقية إلى الألف وأكثر وبعث إلى الجن والإنس
وخص بالمعجزة القائمة إلى يوم القيامة.
وفي العيون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا
أكرم عليه مني، قال علي صلوات الله عليه فقلت يا رسول الله أفأنت أفضل أم
جبرائيل فقال إن الله تعالى فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني
على جميع النبيين والمرسلين والفضل بعدي لك يا علي والأئمة من بعدك وإن
الملائكة لخدامنا وخدام محبينا.
وآتينا عيسى بن مريم البينات كإحياء الموتى وابراء الأكمه والأبرص وأيدناه
بروح القدس جبرائيل كما مر في تفسير الإمام (عليه السلام) ولو شاء الله ما اقتتل
الذين من بعدهم من بعد الرسل من بعد ما جاءتهم البينات المعجزات الواضحات
لاختلافهم في الدين وتفضيل بعضهم بعضا ولكن اختلفوا فمنهم من آمن بالتزام دين
الأنبياء ومنهم من كفر لإعراضه عنه ولو شاء الله ما اقتتلوا كرره للتأكيد ولكن الله
يفعل ما يريد من الخذلان والعصمة عدلا وفضلا.
في الكافي عن الباقر (عليه السلام) وفي هذا ما يستدل به على أن أصحاب
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اختلفوا من بعده فمنهم من آمن ومنهم من كفر.
والعياشي سئل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمل كبر القوم وكبرنا
وهلل القوم وهللنا وصلى القوم وصلينا فعلام نقاتلهم فتلا هذه الآية ثم قال نحن
280

الذين من بعدهم وقال فنحن الذين آمنا وهم الذين كفروا.
وفي رواية قال فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله عز وجل وبالنبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) وبالكتاب وبالحق فنحن الذين آمنوا وهم الذين كفروا وشاء الله
قتالهم بمشيته وإرادته.
(254) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه
ولا خلة ولا شفاعة وقرئ بالفتح فيها اجمع أي من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون على
تدارك ما فرطتم والخلاص من عذابه إذ لا بيع فيه فتحصلون ما تنفقونه وتفتدون به من
العذاب ولا خلة حتى يعينكم عليه اخلاؤكم أو يسامحونكم به لأن الأخلاء يومئذ
بعضهم لبعض عدو الا المتقين ولكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ولا شفاعة الا لمن
أذن له الرحمن ورضي له قولا حتى تتكلموا على شفعاء تشفع لكم في حط ما في
ذممكم ويحتمل أن يكون المراد به يوم الموت كما مر في قوله عز وجل واتقوا يوما لا
تجزي نفس عن نفس شيئا وهو أظهر والكافرون هم الظالمون حيث بلغ ظلمهم
بأنفسهم الغاية وبلغ حرمانهم هذه الأمور النهاية وهذا كما يقال فلان هو الفقيه في
البلد يراد تقدمه على غيره.
(255) الله لا إله إلا هو هو المستحق للعبادة لا غير الحي العليم القدير القيوم
الدائم القائم القيام بتدبير الخلق وحفظه من قام به إذا حفظه لا تأخذه سنة نعاس وهو
الفتور الذي يتقدم النوم ولا نوم بالطريق الأولى وهو تأكيد للنوم المنفي ضمنا والجملة
نفي للتشبيه وتأكيد لكونه حيا قيوما.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) انه رأى جالسا متوركا برجله على فخذه فقيل
له هذه جلسة مكروهة فقال لا إن اليهود قالت إن الرب لما فرغ من خلق السماوات
والأرض جلس على الكرسي هذه الجلسة ليستريح فأنزل الله: الله لا إله إلا هو الحي
القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض يملكهما ويملك
تدبيرهما تأكيد لقيمومته واحتجاج على تفرده بالألوهية والمراد بما فيهما ما وجد فيهما
داخلا في حقيقتهما أو خارجا عنهما متمكنا فيهما.
281

في الكافي والقمي عن الرضا (عليه السلام) انه قرأ له ما في السماوات وما في
الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي الآية.
من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه بيان لكبرياء شأنه وانه لا أحد يساويه أو يدانيه
يستقل بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضلا من أن يعيقه عنادا أو مناصبة يعلم ما
بين أيديهم ما كان وما خلفهم وما لم يكن بعد كذا، روى القمي عن الرضا (عليه
السلام) ولا يحيطون بشئ من علمه من معلوماته إلا بما شاء.
القمي أي الا بما يوحي إليهم.
أقول: الإحاطة بالشئ علما ان يعلم كما هو على الحقيقة ومجموع
الجملتين يدل على تفرده بالعلم الذاتي التام الدال على وحدانيته.
وسع كرسيه السماوات والأرض علمه كذا في التوحيد.
وعن الصادق في الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) انه سئل السماوات
والأرض وسعن الكرسي أم الكرسي وسع السماوات والأرض فقال إن كل شي ء في
الكرسي.
والقمي أن عليا صلوات الله عليه سئل عن هذه الآية فقال (عليه السلام)
السماوات والأرض وما بينهما من مخلوق في جوف الكرسي وله أربعة املاك يحملونه
بإذن الله الحديث.
أقول: وقد يراد بالكرسي الجسم الذي تحت العرش الذي دونه السماوات
والأرض لاحتوائه على العالم الجسماني كأنه مستقره والعرش فوقه كأنه سقفه.
وفي الحديث النبوي ما السماوات السبع والأرضون السبع مع الكرسي الا
كحلقة ملقاة في فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك
الحلقة رواه العياشي عن الصادق (عليه السلام) وقد يراد به وعاء العرش.
وفي التوحيد عن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن العرش والكرسي ما هما
282

فقال العرش في وجه هو جملة الخلق والكرسي وعاؤه وفي وجه آخر العرش هو العلم
الذي اطلع الله عليه الأنبياء ورسله وحججه والكرسي هو العلم الذي لم يطلع عليه
أحد من أنبيائه ورسله وحججه.
أقول: وكان جملة الخلق عبارة عن مجموع العالم الجسماني ووعاؤه عن
عالمي الملكوت والجبروت لاستقراره عليهما وقيامه بهما وربما يقال أن كون
الكرسي في العرش لا ينافي كون العرش في الكرسي لأن أحد الكونين بنحو والآخر
بنحو آخر لأن أحدهما كون عقلي إجمالي والآخر كون نفساني تفصيلي وقد يجعل
الكرسي كناية عن الملك لأنه مستقر الملك وقد يقال إنه تصوير لعظمته تعالى وتخييل
بتمثيل حسي ولا كرسي ولا قعود ولا قاعد كقوله سبحانه والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه وهذا مسلك الظاهريين وما قلناه أولا مسلك
الراسخين في العلم.
ولا يؤده ولا يثقله ولا حفظهما حفظه إياهما وهو العلي عن الأنداد والأشباه ولا
يدركه وهم العظيم المستحقر بالإضافة إليه كل ما سواه ولا يحيط به فهم.
في الخصال عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان أعظم آية في القرآن آية
الكرسي.
وفي المجمع والجوامع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) سمعت نبيكم على
أعواد المنبر وهو يقول من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول
الجنة الا الموت ولا يواظب عليها الا صديق أو عابد ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله.
(256) لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي القمي أي لا يكره أحد على
دينه الا بعد أن تبين الرشد من الغي وقيل يعني ان الاكراه في الحقيقة الزام الغير فعلا
لا يرى فيه خيرا فيحمله عليه ولكن قد تبين الرشد من الغي تميز الايمان من الكفر
بالآيات الواضحة ودلت الدلائل على أن الايمان رشد يوصل إلى السعادة الأبدية
والكفر غي يؤدي إلى الشقاوة السرمدية والعاقل متى تبين له ذلك بادرت نفسه إلى
283

الايمان طلبا للفوز بالسعادة والنجاة ولم يحتج إلى الاكراه والالحاح وقيل اخبار في
معنى النهي أي لا تكرهوا في الدين وهو اما عام منسوخ بقوله جاهد الكفار والمنافقين
واغلظ عليهم واما خاص بأهل الكتاب إذا أدوا الجزية.
أقول: ان أريد بالدين التشيع كما يستفاد من حديث ابن أبي يعفور الآتي وأول
تمام الآية بولايتهم (عليهم السلام) فهو اخبار في معنى النهي من غير حاجة إلى القول
بالنسخ والتخصيص فمن يكفر بالطاغوت الشيطان كذا في المجمع عن الصادق (عليه
السلام).
أقول: ويعم كل ما عبد من دون الله من صنم أو صاد عن سبيل الله كما يستفاد
من أخبار أخر فالطاغوت فلعوت من الطغيان.
القمي هم الذين غصبوا آل محمد حقهم (عليهم السلام).
ويؤمن بالله بالتوحيد وتصديق الرسل فقد استمسك بالعروة الوثقى طلب
الامساك من نفسه بالحبل الوثيق وهي مستعارة للتمسك المحق من النظر الصحيح
والدين القويم.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) هي الايمان بالله وحده لا شريك له.
وعن الباقر (عليه السلام) هي مودتنا أهل البيت.
لا انفصام لها لا انقطاع لها.
في المعاني عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحب أن يستمسك بالعروة
الوثقى التي لا انفصام لها فليستمسك بولاية أخي ووصيي علي بن أبي طالب صلوات
الله عليه فإنه لا يهلك من أحبه وتولاه ولا ينجو من أبغضه وعاداه.
والله سميع بالأقوال عليم بالنيات.
(257) الله ولي الذين آمنوا متولي أمورهم يخرجهم بهدايته وتوفيقه من
الظلمات ظلمات الجهل والذنوب إلى النور نور الهدى والمغفرة.
284

في الخصال عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم
السلام) قال المؤمن يتقلب في خمسة من النور مدخله نور ومخرجه نور وعلمه نور
وكلامه نور ومنظره يوم القيامة إلى النور.
والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت (1) في الكافي عن الباقر (عليه السلام) أولياؤهم
الطواغيت القمي وهم الظالمون آل محمد (عليهم السلام) أولياؤهم الطاغوت وهم
الذين تبعوا من غصبهم يخرجونهم من النور إلى الظلمات قيل من نور الفطرة إلى
فساد الاستعداد.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) النور آل محمد (عليهم السلام) والظلمات
عدوهم وعن ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اني أخالط الناس
فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلانا وفلانا لهم أمانة وصدق ووفاء وأقوام
يتولونكم ليست لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق قال فاستوى أبو عبد الله (عليه
السلام) جالسا فأقبل علي كالغضبان ثم قال لا دين لمن دان الله بولاية امام جائر وليس
من الله ولا عتب على من دان الله بولاية امام عادل من الله قلت لا دين لأولئك ولا عتب
على هؤلاء قال نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء ثم قال الا تسمع لقول الله عز
وجل الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور يعني من ظلمات الذنوب
إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل امام عادل من الله عز وجل وقال والذين كفروا
أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات إنما عنى بهذا انهم كانوا على
نور الاسلام فلما ان تولوا كل امام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم من نور الاسلام
إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع الكفار. وزاد العياشي بعد قوله إلى
الظلمات قال قلت أليس الله عنى بهذا الكفار حين قال والذين كفروا قال فقال وأي
نور للكافر وهو كافر فأخرج منه إلى الظلمات إنما عنى بهذا إلى آخر الحديث أولئك
أصحب النار هم فيها خالدون العياشي عن الصادق (عليه السلام) في آخر الحديث
السابق برواية أخرى فأعداء علي أمير المؤمنين (عليه السلام) هم الخالدون في النار

(1) أصله طغيوت قدم لامه على خلاف القياس (منه).
285

وان كانوا في أديانهم على غاية الورع والزهد والعبادة، القمي هم فيها خالدون
والحمد لله رب العالمين.
(258) ألم تر (1) إلى الذي حاج إبراهيم في ربه تعجبت من محاجة نمرود
وحماقته أن آتاه الله الملك لأن أتاه قيل أي أبطره ايتاؤه الملك وحمله على المحاجة
أو وضع المحاجة موضع الشكر على إيتائه الملك.
في الخصال عن البرقي مرفوعا قال ملك الأرض كلها أربعة مؤمنان وكافران اما
المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين واما الكافران فنمرود وبخت نصر.
إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت في المجمع عن الصادق (عليه السلام)
انه كان بعد القائه في النار قال أنا أحي وأميت بالعفو عن القتل والقتل وعنه (عليه
السلام) ان إبراهيم قال له احي من قتلته ان كنت صادقا قال إبراهيم فإن الله يأتي
بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب اعرض إبراهيم عن الاعتراض على
معارضته الفاسدة إلى الاحتجاج بما لا يقدر فيه نحو هذا التمويه رفعا للمشاغبة وهو
في الحقيقة عدول عن مثال خفي إلى مثال جلي من مقدوراته التي يعجز عن الاتيان
بها غيره لا عن حجة إلى أخرى فبهت الذي كفر فصار مبهوتا وعلى قراءة المعلوم
فغلبه، القمي أي انقطع وذلك أنه علم أن الشمس أقدم منه والله لا يهدي بمحجة
المحاجة وسبيل النجاة وطريق الجنة القوم الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالامتناع
عن قبول الهداية.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) خالف إبراهيم قومه وعاب
آلهتهم حتى ادخل على نمرود فخاصمهم.

(1) اعلم أن كلا من لفظي ألم تر وأرأيت يستعمل لقصد التعجب الا أن الأولى تعلق بالمتعجب منه فيقال ألم تر إلى
الذي صنع كذا بمعنى انظر إليه فتعجب من حاله والثانية بمثل المتعجب منه فيقال أرأيت مثل الذي صنع كذا بمعنى أنه في
الغرابة بحيث لا يرى له مثل أو انظر إلى المثل وتعجب من الذي صنع وعلى هذا لا يستقيم عطف كالذي مر على الذي حاج
واحتج إلى التأويل فقيل تقديره أو رأيت مثل الذي حذف لدلالة ألم تر عليه وتخصيصه بحرف التشبيه لأن المنكر للاحياء
كثير والجاهل بكيفية أكثر من أن تحصى بخلاف مدعي الربوبية وقيل الكاف مزيدة وتقدير الكلام ألم تر إلى الذي حاج أو
الذي مر وقيل إنه عطف محمول على المعنى كأنه قيل ألم ترى كالذي حاج أو كالذي مر (منه).
286

(259) أو كالذي مر على قرية هو أرميا النبي وقيل عزير النبي وتأتي الأخبار في
ذلك وهي خاوية على عروشها ساقطة حيطانها على سقوفها قال أنى يحي كيف
يحيي أو متى يحيي هذه الله بعد موتها اعترافا بالعجز عن معرفة طريق الاحياء
واستعظاما لقدرة المحيي أراد أن يعاين أحياء الموتى ليزداد بصيرة فأماته الله ماءة عام
ثم بعثه أحياه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت ماءة
عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه لم يتغير بمرور السنين وقرئ
بحذف الهاء في الوصل وانظر إلى حمارك كيف تفرقت عظامه
ونخرت وتفتتت ولنجعلك آية للناس) أي وفعلنا ذلك لنجعلك آية
وانظر إلى العظام يعني عظامك كيف ننشزها كيف نرفع بعضها على
بعض للتركيب وقرئ ننشرها بالراء من انشر الله الموتى إذا أحياهم وننشرها بالفتح
والراء من نشر بمعنى انشر ثم نكسوها لحما من هاهنا وهاهنا كما يأتي فلما تبين له ما
تبين قال أعلم أن الله على كل شئ قدير وقرئ اعلم على الأمر.
القمي عن الصادق (عليه السلام) قال لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصي وعتوا
عن أمر ربهم أراد الله أن يسلط عليهم من يذلهم ويقتلهم فأوحى الله إلى ارميا يا ارميا ما
بلد انتخبته من بين البلدان وغرست فيه من كريم الشجر فاخلف فأنبت خروبا (1)
فأخبر ارميا أحبار بني إسرائيل فقالوا له راجع ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل فصام
ارميا سبعا فأوحى الله إليه يا ارميا اما البلد فبيت المقدس واما ما انبت فيها فبنو
إسرائيل الذين أسكنتهم فيها فعملوا بالمعاصي وغيروا ديني وبدلوا نعمتي كفرا فبي
حلفت لأمتحنهم بفتنة يظل الحكيم فيها حيرانا ولأسلطن عليهم شر عبادي ولادة
شرهم طعاما فليسلطن عليهم بالجبرية فيقتل مقاتليهم ويسبي حريمهم ويخرب بيوتهم
التي يعيرون بها ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل ماءة سنة
فأخبر ارميا أحبار بني إسرائيل فقالوا له راجع ربك فقل له ما ذنب الفقراء والمساكين
والضعفاء فصام ارميا ثم أكل أكلة فلم يوح إليه شئ ثم صام سبعا فلم يوح إليه شئ
ثم صام سبعا فأوحى الله إليه يا ارميا لتكفن عن هذا أو لأردن وجهك إلى قفاك قال ثم

(1) يقال خروب كتنور شجرة برية ذات شوك (منه).
287

أوحى الله إليه قل لهم لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه فقال ارميا رب أعلمني من هو
حتى آتيه وآخذ لنفسي وأهل بيتي منه أمانا قال ائت إلى موضع كذا وكذا فأنزل إلى
غلام أشدهم زمانا وأخبثهم ولادة وأضعفهم جسما وأشرهم غذاء فهو ذاك فأتى ارميا
ذلك البلد فإذا هو بغلام في خان زمن ملقى على مزبلة وسط الخان وإذا له أم تربى
بالكسر وتفتت الكسرة في القصعة وتحلب عليه خنزيرة لها ثم تدنيه من ذلك الغلام
فيأكل فقال ارميا إن كان في الدنيا الذي وصفه الله فهو هذا فدنا منه فقال له ما اسمك
فقال بخت نصر فعرف انه هو فعالجه حتى برئ ثم قال له تعرفني قال لا أنت رجل
صالح قال انا ارميا نبي بني إسرائيل أخبرني الله انه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل
رجالهم وتفعل بهم ما تفعل قال فتاه الغلام في نفسه في ذلك الوقت ثم قال ارميا اكتب
لي كتابا بأمان منك فكتب له كتابا وكان يخرج في الليل إلى الجيل ويحتطب ويدخله
المدينة ويبيعه فدعا إلى حرب بني إسرائيل وكان مسكنهم في بيت المقدس وأقبل
بخت نصر فيمن أجابه نحو بيت المقدس وقد اجتمع إليه بشر كثير فلما بلغ ارميا اقباله
نحو بيت المقدس استقبله على حمار له ومعه الأمان الذي كتب له بخت نصر فلم
يصل إليه ارميا من كثرة جنوده وأصحابه فصير الأمان على خشبة ورفعها فقال من أنت
فقال انا ارميا النبي الذي بشرتك بأنك ستسلط على بني إسرائيل وهذا أمانك لي قال
اما أنت فقد أمنتك واما أهل بيتك فاني ارمي من هاهنا إلى بيت المقدس فان وصلت
رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندي وإن لم تصل فهم آمنون ونزع قوسه ورمى
نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس فقال لا أمان
لهم عندي فلما وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة وإذا دم يغلي وسطه كلما
القي عليه التراب خرج وهو يغلي فقال ما هذا قالوا هذا نبي كان لله فقتله ملوك بني
إسرائيل ودمه يغلي وكلما ألقينا عليه التراب خرج يغلي فقال بخت نصر لأقتلن بني
إسرائيل ابدا حتى يسكن هذا الدم وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا وكان في زمانه
ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل وكان يمر بيحيى بن زكريا فقال له يحيى اتق الله
أيها الملك لا يحل لك هذا فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني الملك بهن حين
سكر أيها الملك اقتل يحيى فامر أن يؤتى برأسه فاتي برأس يحيى في الطست وكان
288

الرأس يكلمه ويقول يا هذا اتق الله لا يحل لك هذا ثم غلى الدم في الطست حتى
فاض إلى الأرض فخرج يغلي ولا يسكن وكان بين قتل يحيى وخروج بخت نصر ماءة سنة ولم يزل بخت نصر يقتلهم وكان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان
وكل حيوان والدم يغلي حتى أفنى من بقي منهم ثم قال أبقي أحد في هذا البلاد قالوا
عجوز في موضع كذا وكذا فبعث إليها فضرب عنقها على ذلك الدم فسكن وكانت آخر
من بقي ثم أتى بابل فبنى بها مدينة واقام وحفر بئرا فألقى فيها دانيال والقى معه اللبوة
تأكل طين البئر ويشرب دانيال لبنها ولبث بذلك زمانا فأوحى الله إلى النبي الذي كان
ببيت المقدس ان اذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال واقرأه مني السلام قال وأين
هو يا رب فقال في بئر بابل في موضع كذا وكذا قال فأتاه فاطلع في البئر فقال يا دانيال
قال لبيك صوت غريب قال إن ربك يقرؤك السلام قد بعث إليك بالطعام والشراب
فدلاه إليه قال فقال دانيال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره الحمد لله الذي لا يخيب
من دعاه الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى
غيره الحمد لله الذي يجزي بالاحسان احسانا الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة
والحمد لله الذي يكشف ضرنا عند كربتنا والحمد لله الذي هو ثقتنا حين ينقطع
الحيل منا الحمد لله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا بأعمالنا قال فأرى بخت نصر في
نومه كأن رأسه من حديد ورجليه من نحاس وصدره من ذهب قال فدعا المنجمين
فقال لهم ما رأيت فقالوا ما ندري ولكن قص علينا ما رأيته في المنام فقال وانا أجري
عليكم الأرزاق منذ كذا وكذا ولا تدرون ما رأيت في المنام فأمر بهم فقتلوا قال فقال له
بعض من كان عنده إن كان أحد شئ فعند صاحب الجب فان اللبوة لم تعرض له
وهي تأكل الطين وترضعه فبعث إلى دانيال فقال ما رأيت في المنام فقال رأيت كأن
رأسك من كذا ورجليك من كذا وصدرك من كذا قال هكذا رأيت فما ذاك قال قد
ذهب ملكك وأنت مقتول إلى ثلاثة أيام يقتلك رجل من ولد فارس قال فقال له ان
علي لسبع مدائن على باب كل مدينة حرس وما رضيت بذلك حتى
وضعت بطة من نحاس على باب كل مدينة لا يدخل غريب الا
صاحت عليه حتى يؤخذ قال فقال له ان الأمر كما قلت لك قال
فبث الخيل وقال لا تلقون أحدا من الخلق إلا قتلتموه كائنا من كان
289

وكان دانيال جالسا عنده وقال لا تفارقني هذه الثلاثة الأيام فان مضت قتلتك فلما كان
في اليوم الثالث ممسيا أخذه الغم فخرج فتلقاه غلام كان اتخذه ابنا له من أهل فارس
وهو لا يعلم أنه من أهل فارس فدفع إليه سيفه وقال له يا غلام لا تلقى أحدا من الخلق
الا قتلته وان لقيتني انا فاقتلني فاخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله
فخرج أرميا على حماره ومعه تين قد تزوده وشئ من عصير فنظر إلى سباع البر وسباع
البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف ففكر في نفسه ساعة ثم قال إني يحيي الله هؤلاء
وقد أكلتهم السباع فأماته الله مكانه وهو قول الله تعالى: * (أو كالذي مر على قرية
وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله ماءة عام ثم
بعثه) * اي أحياه فلما رحم الله بني إسرائيل وأهلك بخت نصر رد بني إسرائيل إلى
الدنيا وكان عزير لما سلط الله بخت نصر على بني إسرائيل هرب ودخل في عين
وغاب فيها وبقي ارميا ميتا ماءة سنة ثم أحياه الله فأول ما أحيى الله منه عينيه في مثل
غرقي البيض فنظر فأوحى الله إليه كم لبثت قال لبثت يوما ثم نظر إلى الشمس قد
ارتفعت فقال أو بعض يوم فقال الله تعالى: * (بل لبثت ماءة عام فانظر إلى طعامك
وشرابك لم يتسنه أي لم يتغير وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى
العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع
إليه وإلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من هاهنا وهاهنا ويلتزق بها
حتى قام وقام حماره فقال اعلم أن الله على كل شئ قدير.
والعياشي عنه (عليه السلام) ما يقرب من صدر هذا الحديث وذيله من قصة ارميا ولم
يذكر دم يحيى ولا جب دانيال بل أجمل قصة بخت نصر قال فسلط الله عليهم بخت نصر
فصنع بهم ما قد بلغك ثم بعث إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إنك قد نبئت عن
ربك وحدثتهم بما اصنع بهم فان شئت فأقم عندي فيمن شئت وإن شئت فاخرج فقال لا بل
اخرج فتزود عصيرا وتينا وخرج فلما ان غاب مد البصر التفت إليها فقال أنى يحيي هذه الله
بعد موتها فأماته الله ماءة عام أماته غدوة وبعثه عشية قبل أن تغيب الشمس وكان أول شئ
خلق منه عيناه في مثل غرقي البيض ثم قيل له كم لبثت قال لبثت يوما فلما ان نظر إلى
الشمس لم تغب قال أو بعض يوم قال بل لبثت ماءة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه
290

وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما قال
فجعل ينظر إلى عظامه كيف يصل بعضها إلى بعض ويرى العروق كيف تجري فلما استوى
قائما قال اعلم أن الله على كل شئ قدير.
وفي الاحتجاج عنه (عليه السلام) قال وأمات الله ارميا النبي (عليه السلام) الذي نظر إلى
خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر فقال إني يحبي؟ هذه الله بعد موتها
فأماته الله ماءة عام ثم أحياه ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم وكيف تلبس اللحم وإلى مفاصله
وعروقه كيف توصل قال فلما استوى قاعدا قال اعلم أن الله على كل شئ قدير.
وفي الاكمال عنه (عليه السلام) قال وتصديق ذلك من كتاب الله ان الآيات هم الحجج
قول الله عز وجل وجعلنا ابن مريم وأمه آية يعني حجة، وقوله عز وجل لأرميا حين أحياه الله
من بعد أن أماته وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس يعني حجة.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث قد ذكر فيه بخت نصر وقتله من قتل
من اليهود على دم يحيى بن زكريا في سبعة وأربعين سنة من ملكه قال فبعث الله تعالى العزير
نبيا إلى أهل القرى التي أمات الله عز وجل أهلها ثم بعثهم له وكانوا من قرى شتى فهربوا
فرقا من الموت فقتلوا في جوار عزير وكانوا مؤمنين وكان يختلف إليهم ويسمع كلامهم
وإيمانهم وأحبهم على ذلك وآخاهم عليه فغاب عنهم يوما واحدا ثم أتاهم فوجدهم
صرعى موتى فحزن عليهم وقال إني يحبي؟ هذه الله بعد موتها تعجيبا منه حيث أصابهم وقد
ماتوا أجمعين في يوم واحد فأماته الله عز وجل عند ذلك ماءة عام فلبث فيهم ماءة سنة ثم
بعثهم وكانوا ماءة ألف مقاتل ثم قتلهم الله أجمعين لم يفلت منهم أحد على يدي
بخت نصر.
وعنه (عليه السلام) في حديث ذكر فيه تسلط بخت نصر على بني إسرائيل وقتله إياهم
وسبيه ذراريهم واصطفائه من السبي دانيال وعزير أو هما صغيران وكان دانيال أسيرا في يده
تسعين سنة ثم ذكر القاءه إياه في الجب ثم اخراجه منها بعد حين على نحو آخر غير ما في
رواية القمي ثم قال وفوض النظر إليه في أمور ممالكه والقضاء بين الناس ولم يلبث الا قليلا
حتى مات وأفضى الأمر بعده إلى عزير فكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون عنه
291

معالم دينهم فغيب الله عنهم شخصه ماءة عام ثم بعثه.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان عزيرا خرج من أهله وامرأته حامل
وله خمسون سنة فأماته الله ماءة سنة ثم بعثه فرجع إلى أهله ابن خمسين وله ابن له ماءة سنة
فكان ابنه أكبر منه فذلك من آيات الله.
والعياشي ان ابن الكوا قال لعلي (عليه السلام) يا أمير المؤمنين ما ولد أكبر من أبيه من
أهل الدنيا قال نعم أولئك ولد عزير حيث مر على قرية خربة وقد جاء من ضيعة له تحته حمار
ومعه سلة فيها تين وكوز فيه عصير فمر على قرية خربة فقال إني يحيي هذه الله بعد موتها
فأماته الله ماءة عام فتوالد ولده وتناسلوا ثم بعثه الله إليه فأحياه في المولد الذي أماته فيه
فأولئك ولده أكبر من أبيهم.
وروي أنه اتى قومه على حماره وقال انا عزير فكذبوه فقرأ التوراة من الحفظ ولم
يحفظها أحد قبله فعرفوه بذلك فقالوا هو ابن الله وقيل لما رجع إلى منزله كان شابا وأولاده
شيوخا فإذا حدثهم بحديث قالوا حديث ماءة سنة.
أقول: ويمكن التوفيق بين هذه الأخبار بالقول بوقوع هذه القضية مرتين مرة لأرميا
في تعجبه في احياء قتلى بخت نصر وأخرى لعزير في تعجبه في إحياء من مات من أصحابه
في يوم واحد الا انه عبرت لأرميا بالموت ولعزير تارة بالغيبة وأخرى بالموت وإنما التنافي
بين رواية القمي في قصة دانيال ورواية الاكمال فيها وبين روايتي الاكمال حيث قيل في
إحداهما ان قتل بخت نصر كان على دم يحيى بن زكريا موافقا للقمي والعياشي وقال في
الأخرى ان ولادة يحيى كانت بعد تلك القضايا بسنين والعلم عند الله (1).
(260) وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى إنما سأل ذلك ليصير علمه
عيانا قال أولم تؤمن بأني قادر على الاحياء بإعادة التركيب والحياة قال له ذلك وقد علم أنه
أغرق الناس في الايمان وأثبتهم ليجيب بما أجاب فيعلم السامعون غرضه قال بلى ولكن

(1) ومما يؤيده ما في التفسير ما رواه في الاكمال أيضا في موضع آخر عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل
بعد أن ذكر أن الله استودع علمه وحكمته بعد عيسى شمعون بن حمون الصفا وبعده يحيى بن زكريا وبعده ولد شمعون
وبعده في ذرية يعقوب بن شمعون قال وعند ذلك ملك بخت نصر ماءة سنة وسبعا وثمانين سنة وقتل من اليهود سبعين
الف مقاتل على دم يحيى بن زكريا وخرب بيت المقدس وتفرقت اليهود في البلدان (منه).
292

ليطمئن قلبي أي بلى آمنت ولكن سألت لأزيدن بصيرة وسكون قلبي بمضامة العيان إلى
الوحي والبيان، في المحاسن والعياشي سئل الرضا (عليه السلام) كان في قلبه شك قال لا
كان على يقين ولكنه أراد من الله الزيادة في يقينه قال فخذ أربعة من الطير فصرهن فاملهن
وقرئ بكسر الصاد واضممهن إليك لتتأملها وتعرف شأنها لئلا تلتبس عليك بعد الاحياء ثم
اجعل على كل جبل منهن جزء قطعهن واخلطهن وفرق الأجزاء على الجبال وقرئ جزءا
مثقلا مهموزا ومشددا ثم أدعهن قل لهن تعالين بإذن الله يأتينك سعيا ساعيات مسرعات
واعلم أن الله عزيز لا يعجز عما يريده حكيم ذو حكمة بالغة في كل ما يفعله ويدبره.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) لما رأى إبراهيم (عليه السلام) ملكوت
السماوات والأرض التفت فرأى جيفة على ساحل البحر نصفها في الماء ونصفها في البر
تجئ سباع البحر فتأكل ما في الماء ثم ترجع فيشد بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا
وتجئ سباع البر فتأكل منها فيشد بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فعند ذلك تعجب
إبراهيم مما رأى وقال رب أرني كيف تحيى الموتى قال كيف تخرج ما تناسل التي أكل
بعضها بعضا قال * (أو لم تؤمن) * قال بلى ولكن ليطمئن قلبي يعني حتى أرى هذا كما رأيت
الأشياء كلها قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهم جزء فقطعهن واخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي أكل بعضها بعضا فخلط
ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم أدعهن يأتينك سعيا فلما دعاهن أجبنه وكان الجبال
عشرة.
وفي العيون عن الرضا (عليه السلام) ان الله تعالى أوحى إلى إبراهيم انى متخذ من
عبادي خليلا ان سألني احياء الموتى أجبته فوقع في نفس إبراهيم انه ذلك الخليل فقال رب
أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على الخلة قال فخذ
أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم أدعهن يأتينك سعيا
واعلم أن الله عزيز حكيم فأخذ إبراهيم نسرا وبطا وطاووسا وديكا فقطعهن وخلطهن ثم
جعل على كل جبل من الجبال التي حوله وكانت عشرة منهن جزء وجعل مناقيرهن بين
أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض
حتى استوت الأبدان وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه فخلى إبراهيم عن
293

مناقيرهن فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب وقلن يا نبي الله
أحييتنا أحياك الله فقال إبراهيم بل الله يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) في حديث وان إبراهيم دعا بمهراس فدق فيه
الطير جميعا وحبس الرؤوس عنده ثم إنه دعا بالذي امر به فجعل ينظر إلى الريش كيف
يخرج وإلى العروق عرقا عرقا حتى خرج جناحه مستويا فأهوى نحو إبراهيم فمال إبراهيم
ببعض الرؤوس فاستقبله به فلم يكن الرأس الذي استقبله لذلك البدن حتى انتقل إليه غيره
فكان موافقا للرأس فتمت العدة وتمت الأبدان.
وفي الخصال والعياشي عنه (عليه السلام) انه أخذ الهدهد والصرد والطاووس
والغراب فذبحهن وعزل رؤوسهن ثم نخر أبدانهن في المنخار بريشهن ولحومهن
وعظامهن حتى اختلطت ثم جزأهن عشرة أجزاء على عشرة جبال ثم وضع عنده حبا وماء ثم
جعل مناقيرهن بين أصابعه ثم قال آيتين سعيا بإذن الله فتطاير بعضهن إلى بعض اللحوم
والريش والعظام حتى استوت الأبدان كما كانت وجاء كل بدن حتى التزق برقبته التي فيها
رأسه والمنقار فخلى إبراهيم عن مناقيرهن فوقعن وشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك
الحب ثم قلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله فقال إبراهيم (عليه السلام) بل الله يحيي ويميت
فهذا تفسيره في الظاهر قال وتفسيره في الباطن خذ أربعة ممن يحتمل الكلام فاستودعهن
علمك ثم ابعثهن في أطراف الأرضين حججا على الناس وإذا أردت أن يأتوك دعوتهم
بالاسم الأكبر يأتونك سعيا بإذن الله تعالى.
وفي العلل والمجمع عنه (عليه السلام) وكانت الطيور الديك والحمامة والطاووس
والغراب.
والعياشي عنه (عليه السلام) مثله.
وفي رواية ابدال الغراب بالهدهد وفي أخرى بالوزة والحمامة بالنعامة. وفي هذه
القصة إشارة إلى أن إحياء النفس بالحياة الأبدية إنما يتأتى بإماتة القوى البدنية الباعثة على
حب الشهوات والزخارف والحرص وطول الأمل وخسة النفس والمسارعة إلى الهوى
الموصوف بها الطيور المزبورة ومزج بعضها ببعض حتى تنكسر سورتها فيطاوعن
294

مسرعات متى دعين بداعية العقل والشرع وإنما خص الطير لأنه أقرب إلى الانسان واجمع
لخواص الحيوان.
(261) مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل باذر حبة أنبتت سبع سنابل
بانشعاب ساقه سبع شعب في كل منها سنبلة في كل سنبلة ماءة حبة والله يضاعف لمن يشاء
بفضله على حسب حال المنفق من اخلاصه وتعبه وحال المصرف وغير ذلك.
القمي عن الصادق (عليه السلام) لمن انفق ماله ابتغاء مرضات الله.
وفي ثواب الأعمال والعياشي عنه (عليه السلام) إذا أحسن العبد المؤمن عمله
ضاعف الله له عمله بكل حسنة سبعماءة ضعف وذلك قول الله تعالى والله يضاعف لمن
يشاء وزاد في رواية أخرى للعياشي في آخرها فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله
قيل وما الاحسان قال إذا صليت فأحسن ركوعك وسجودك وإذا صمت فتوق ما فيه فساد
صومك وإذا حججت فتوق كل ما يحرم عليك في حجتك وعمرتك قال وكل عمل تعمله
فليكن نقيا من الدنس والله واسع لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة عليم بنية المنفق
وقدر إنفاقه.
(262) الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم
أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون المن أن يعتد باحسانه على من أحسن
إليه والأذى أن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه وثم للتفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عدة أخبار ان الله كره عدة خصال وعد منها المن بعد
الصدقة.
وفي المجمع والقمي عن الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
من أسدى إلى مؤمن معروفا ثم أذاه بكلام أو من عليه فقد أبطل الله صدقته.
(263) قول معروف جميل ومغفرة وتجاوز عن السائل الحاجة أو نيل مغفرة من الله
بسبب الرد الجميل خير من صدقة يتبعها أذى والله غني لا حاجة له إلى المنفق يمن ويؤذي
حليم عن المعاجلة بالعقوبة.
295

(264) يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى
العياشي عنهما (عليهما السلام) نزلت في عثمان وجرت في معاوية وأتباعهما.
وعن الباقر (عليه السلام) بالمن والأذى لمحمد وآل محمد قال هذا تأويله.
كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر لا يريد به رضاء الله ولا
ثواب الآخرة فمثله في انفاقه كمثل صفوان حجر أملس عليه تراب فأصابه وابل مطر عظيم
القطر فتركه صلدا أملس نقيا من التراب لا يقدرون على شئ مما كسبوا لا ينتفعون بما
فعلوه ولا يجدون ثوابه والله لا يهدي القوم الكافرين إلى الخير والرشاد وفيه تعريض بأن
الرياء والمن والأذى على الانفاق من صفة الكفار ولابد للمؤمن أن يتجنب عنها.
(265) ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم القمي
عن المن والأذى.
أقول: يعني يوطنون أنفسهم على حفظ هذه الطاعة وترك اتباعها مما يفسدها من
المن والأذى والسمعة والرياء والعجب ونحوها بعد اتيانهم بها ابتغاء مرضات الله.
العياشي عن الباقر (عليه السلام) انها نزلت في علي (عليه السلام).
كمثل جنة أي مثل نفقتهم في الزكاة كمثل بستان بربوة أي في موضع مرتفع فان
شجره يكون أحسن منظرا وأزكى ثمرا وأمنع من أن يفسده السيل بالوابل ونحوه أصابها وابل
فآتت أكلها ثمرتها وقرئ بالتخفيف ضعفين مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل.
في المجمع عن الصادق (عليه السلام) معناه يتضاعف ثمرتها كما يتضاعف أجر من
أنفق ماله ابتغاء مرضات الله فإن لم يصبها وابل فطل فمطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها
والطل يقال لما يقع بالليل على الشجر والنبات، قيل إن المعنى ان نفقات هؤلاء زاكية عند
الله تعالى لا تضيع بحال وإن كانت تتفاوت باعتبار ما ينضم إليها من الأحوال ويجوز أن
يكون التمثيل لحالهم عند الله تعالى بالجنة على الربوة ونفقاتهم الكثيرة والقليلة الزائدتين
في زلفاهم بالوابل والطل والله بما تعملون بصير تحذير عن رياء وترغيب في الإخلاص.
296

(266) أيود أحدكم الهمزة فيه للانكار أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري
من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات جعل الجنة منهما مع ما فيها من سائر الأشجار تغليبا
لهما لشرفهما وكثرة منافعهما ثم ذكر أن فيها من كل الثمرات ليدل على احتوائها على سائر
أنواع الأشجار ويجوز أن يكون المراد بالثمرات المنافع وأصابه الكبر أي كبر السن فان
الفاقة والغالة في الشيخوخة أصعب وله ذرية ضعفاء صغار لا قدرة لهم على الكسب
فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت والأعصار ريح عاصف ينعكس من الأرض إلى السماء
مستديرة كعمود.
القمي عن الصادق (عليه السلام) من أنفق ماله ابتغاء مرضات الله ثم امتن على من
تصدق عليه كمن كان له جنة كثيرة الثمار وهو شيخ ضعيف له أولاد صغار ضعفاء فتجئ
ريح أو نار فتحرق ماله كله كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون فيها فتعتبرون بها.
(267) يا أيها الذين آمنوا من طيبات ما كسبتم من حلاله وجياده ومما أخرجنا
لكم من الأرض ومن طيبات ما أخرجنا من الحبوب والثمار والمعادن.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهلية
فلما أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدقوا بها فأبى الله تبارك وتعالى الا أن
يخرجوا من طيب ما كسبوا.
ولا تيمموا الخبيث تقصدوا الردئ منه من المال أو من الخبيث تنفقون تخصونه
بالانفاق ولستم بآخذيه وحالكم أنكم لا تأخذونه في حقوقكم لردأته إلا أن تغمضوا فيه الا
أن تتسامحوا فيه فجاز من أغمض بصره عن بعض حقه إذا غضه.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إذا أمر بالنخل أن يزكى يجئ قوم بألوان من التمر هو من أردى التمر يؤدونه من زكاتهم تمرة
يقال له الجعرور والمعافارة قليلة اللحا بكسر اللام عظيمة النوى وكان بعضهم يجئ بها
عن التمر الجيد فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تخرصوا هاتين التمرتين ولا
تجيئوا منها بشئ وفي ذلك نزل ولا تيمموا الخبيث الآية، قال والاغماض أن تأخذ هاتين
التمرتين.
297

والعياشي عن الباقر (عليه السلام) كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيه عذق يسمى الجعرود وعذق يسمى
المعافارة كانا عظيم نواهما رقيق لحاهما في طعمهما مرارة فقال رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) للخارص لا تخرص عليهم هذين اللونين لعلهم يستحيون لا يأتون بهما فأنزل
الله * (يا أيها الذين آمنوا انفقوا) * إلى قوله * (تنفقون) *.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشف
فيدخلونه في تمر الصدقة.
أقول: الحشف ردي التمر وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال إن الله يقبل
الصدقات ولا يقبل منها الا الطيب. واعلموا أن الله غني عن إنفاقكم وإنما يأمركم به
لانتفاعكم حميد بقبوله واثباته.
(268) الشيطان يعدكم الفقر في الانفاق في وجوه البر وفي انفاق الجيد من المال
والوعد يستعمل في الخير والشر ويأمركم بالفحشاء ويغريكم على البخل ومنع الزكاة
اغراء الأمر للمأمور والعرب يسمي البخيل فاحشا والله يعدكم في الانفاق مغفرة منه
لذنوبكم وكفارة لها وفضلا وخلفا أفضل مما أنفقتم في الدنيا أو في الآخرة أو كليتهما والله
واسع واسع الفضل لمن انفق عليم بانفاقه.
(269) يؤتي الحكمة تحقيق العلم واتقان العمل من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد
أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب ذووا العقول الخالصة عن شوائب الوهم
والهوى.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال طاعة الله ومعرفة
الامام.
وعنه (عليه السلام) معرفة الامام واجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار.
والعياشي عنه (عليه السلام) الحكمة المعرفة والفقه في الدين فمن فقه منكم فهو
حكيم وما أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من فقيه.
298

والقمي قال الخير الكثير معرفة أمير المؤمنين والأئمة.
وفي مصباح الشريعة عنه (عليه السلام) الحكمة ضياء المعرفة وميراث التقوى وثمرة
الصدق ولو قلت ما أنعم الله على عباده بنعمة أنعم وأعظم وأرفع وأجزل وأبهى من الحكمة
لقلت قال الله عز وجل * (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما
يذكر الا أولوا الألباب) * أي لا يعلم ما أودعت وهيأت في الحكمة الا من استخلصته لنفسي
وخصصته بها والحكمة هي الكتاب وصفة الحكيم هي الثبات عند أوائل الأمور والوقوف
عند عواقبها وهو هادي خلق الله إلى الله وفي المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله) ان الله تعالى آتاني القرآن وآتاني من
الحكمة مثل القرآن وما من بيت ليس فيه شئ من الحكمة الا كان خرابا ألا فتفقهوا
وتعلموا ولا تموتوا جهلاء، وفي الخصال عنه (عليه السلام) رأس الحكمة مخافة الله.
وفيه وفي الكافي عنه (عليه السلام) انه كان ذات يوم في بعض أسفاره إذ لقيه ر كب
فقالوا (السلام عليك) يا رسول الله فالتفت إليهم وقال ما أنتم فقالوا مؤمنون قال فما حقيقة
إيمانكم قالوا الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله فقال رسول الله علماء
حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء فان كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا
تجمعوا ما لا تأكلون واتقوا الله الذي إليه ترجعون.
(270) وما أنفقتم من نفقة قليلة أو كثيرة سرا أو علانية في حق أو باطل أو نذرتم من
نذر في طاعة أو معصية فإن الله يعلمه فيجازيكم عليه وما للظالمين الذين ينفقون في
المعاصي وينذرون فيها أو يمنعون الصدقات ولا يوفون بالنذر من أنصار من ينصرهم من
الله ويمنع عنهم العقاب.
(271) إن تبدوا الصدقات فنعما هي فنعم شيئا ابداؤها وإن تخفوها وتؤتوها
تعطوها مع الاخفاء الفقراء فهو خير لكم في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى
وان تخفوها قال هي سوى الزكاة ان الزكاة علانية غير سر.
وعنه (عليه السلام) قال كل ما فرض الله عليك فاعلانه أفضل من إسراره وما كان تطوعا
299

فإسراره أفضل من إعلانه ولو أن رجلا حمل زكاة ماله على عاتقه فقسمها علانية كان ذلك
حسنا جميلا.
وعن الباقر (عليه السلام) في قوله عز وجل إن تبدوا الصدقات فنعما هي قال هي يعني
الزكاة المفروضة قال قلت وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء قال يعني النافلة انهم كانوا
يستحبون إظهار الفرائض وكتمان النوافل.
ويكفر اي الله يكفر أو الاخفاء وقرئ بالنون مرفوعا أو مجزوما عنكم من سيئاتكم
والله بما تعملون خبير ترغيب في الاسرار ومجانبة الرياء.
(272) ليس عليك هداهم لا يجب عليك أن تجعلهم مهتدين إلى الانتهاء عما نهوا عنه
من المن والأذى والانفاق من الخبيث وغير ذلك وما عليك الا البلاغ. ولكن الله يهدي من يشاء
يلطف بمن يعلم أن اللطف ينفع فيه فينتهي عما نهي عنه وما تنفقوا من خير من مال فلأنفسكم
فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا به على من تنفقونه عليه ولا تؤذوه وما تنفقون وليست
نفقتكم إلا ابتغاء وجه الله الا لطلب ما عنده فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا
يتوجه بمثله إلى الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم ثوابه أضعافا مضاعفة ولا عذر لكم في أن
ترغبوا عن الانفاق على أحسن الوجوه وأجملها وأنتم لا تظلمون لا تنقصون ثواب نفقتكم.
(273) للفقراء اعمدوا للفقراء أو صدقاتكم للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله
أحصرهم الجهاد لا يستطيعون لاشتغالهم به ضربا في الأرض ذهابا بها للكسب.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) انها نزلت في أصحاب الصفة قيل كانوا نحوا من
أربعمائة من الفقراء المهاجرين يسكنون صفة المسجد يستغرقون أوقاتهم بالتعلم والعبادة
وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحسبهم الجاهل
بحالهم وقرئ بفتح السين حيث وقع من تصاريف المستقبل أغنياء من التعفف من أجل
تعففهم عن السؤال تعرفهم بسيماهم من صفرة الوجه ورثاثة الحال لا يسألون الناس إلحافا
إلحاحا وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ترغيب في
الانفاق ولا سيما على هؤلاء.
(274) الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلا نية فلهم أجرهم عند ربهم
300

ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
في المجمع والجوامع عن ابن عباس نزلت في علي (عليه السلام) كان معه أربعة دراهم
فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية قال وروى ذلك عن الباقر والصادق صلوات الله عليهما.
والعياشي عن أبي إسحاق قال كان لعلي بن أبي طالب أربعة دراهم لم يملك غيرها
فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية فبلغ ذلك النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) فقال يا علي ما حملك على ما صنعت قال انجاز موعد الله فأنزل الله الآية.
وفي الفقيه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انها نزلت في النفقة على الخيل قال وروي
انها نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وكان سبب نزولها انها كان معه
أربعة دراهم فتصدق بدرهم بالليل وبدرهم بالنهار وبدرهم في السر وبدرهم في العلانية
فنزلت فيه هذه الآية قال والآية إذا نزلت في شئ فهي منزلة في كل ما يجري فيه والاعتقاد في
تفسيرها انها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) وجرت في النفقة على الخيل وأشباه ذلك.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) انها ليست من الزكاة.
(275) الذين يأكلون الربا لا يقومون إذا بعثوا من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه
الشيطان من الا كقيام المصروع من أي الجنون.
في المجمع والقمي عن الصادق (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) لما اسرى بي السماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه
فقلت من هؤلاء يا جبرئيل قال هؤلاء الذين يأكلون الر بالا يقومون الا كما يقوم الذي
يتخبطه الشيطان من المس وإذا هم بسبيل آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا يقولون
ربنا متى تقوم الساعة.
والعياشي عنه (عليه السلام) قال آكل الربا لا يخرج من الدنيا حتى يتخبطه الشيطان.
ذلك العقاب بأنهم قالوا إنما البيع مثل الر با قاسوا أحدهما بالآخر وأحل الله البيع وحرم الربا
إنكار لتسويتهم وإبطال للقياس.
301

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) إنما حرم الله الربا لئلا يمتنع الناس من اصطناع
المعروف.
أقول: يعني بالمعروف القرض الحسن كما يأتي عند تفسير * (لا خير في كثير من
نجويهم) * فمن جاءه بلغه موعظة من ربه زجر بالنهي فانتهى فاتعظ وامتنع منه فله ما سلف لا
يؤاخذ بما مضى منه ولا يسترد منه.
في الكافي عن أحدهما (عليهما السلام) وفي التهذيب عن الباقر (عليه السلام) والعياشي
عنهما (عليهما السلام) قال الموعظة التوبة.
وفي الكافي والفقيه عن الصادق (عليه السلام) قال كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا
فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة وقال لو أن رجلا ورث من أبيه مالا وقد عرف ان في ذلك
المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالا طيبا فليأكله وإن عرف منه شيئا
معزولا انه ربا فليأخذ رأس ماله وليرد الربا وأيما رجل أفاد (1) مالا كثيرا قد أكثر فيه من الربوا
فجهل ذلك ثم عرفه بعد ذلك فأراد أن ينزعه فما مضى فله ويدعه فيما يستأنف وفي معناه أخبار
كثيرة.
وأمره إلى الله يحكم في شأنه ومن عاد إلى تحليل الربوا والاستخفاف به بعد أن تبين له
تحريمه فأولئك أصحب النار هم فيها خالدون.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن الرجل يأكل الربوا وهو يرى أنه حلال.
قال لا يضره حتى يصيبه متعمدا فإذا أصابه متعمدا فهو بالمنزلة التي قال الله عز وجل.
وفي الفقيه والعيون عن الرضا (عليه السلام) وهي كبيرة بعد البيان قال والاستخفاف
بذلك دخول في الكفر، قال بعض العارفين أكل الربوا أسوأ حالا من جميع مرتكبي الكبائر
فان كل مكتسب له توكل فيما كسبه قليلا كان أو كثيرا كالتاجر والزارع والمحترف لم يعينوا
أرزاقهم بعقولهم ولم يتعين لهم قبل الاكتساب فهم على غير معلوم في الحقيقة كما قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) أبى الله أن يرزق المؤمن الا من حيث لا يعلم وأما أكل الربوا فقد عين

(1) أفاد بمعنى استفاد وفي الفقيه أراد مكان أفاد وذلك إشارة إلى تحريم الربوا والبارز في ينزعه؟ راجع إلى الربوا بمعنى
الزائد، وفي الفقيه نزع ذلك المال وهو أوضح (منه).
302

مكسبه ورزقه وهو محجوب عن ربه بنفسه وعن رزقه بتعيينه لا توكل له أصلا فوكله الله إلى
نفسه وعقله وأخرجه من حفظه وكلائته فاختطفته الجن وخبلته فيقوم يوم القيامة ولا رابطة
بينه وبين الله عز وجل كسائر الناس من المرتبطين به بالتوكل فيكون كالمصروع الذي مسه
الشيطان فيتخبطه لا يهتدي إلى مقصده.
(276) يمحق الله الربا يذهب بركته ويهلك المال الذي يدخل فيه.
في الفقيه والكافي سئل الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية قيل وقد أرى من يأكل
الربوا يربو ماله قال فأي محق أمحق من درهم ربوا يمحق الدين وإن تاب منه ذهب ماله وافتقر
ويربي الصدقات يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه
ليس شئ الا وقد وكل (1) به ملك غير الصدقة فان الله يأخذه بيده ويربيه كما يربي أحدكم
ولده حتى تلقاه يوم القيامة وهي مثل أحد وفي معناه أخبار كثيرة.
وفي الحديث النبوي ما نقص مال من صدقة والله لا يحب كل كفار مصر على تحليل
المحرمات أثيم منهمك في ارتكابه.
(277) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم
عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
(278) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر واما بقي من الربا واتركوا بقايا ما شرطتم على
الناس من الربوا إن كنتم مؤمنين بقلوبكم فان دليله امتثال ما أمرتم به.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) أن الوليد بن المغيرة كان يربي في الجاهلية وقد بقي له
بقايا على ثقيف فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد أن أسلم فنزلت.
والقمي لما نزلت الذين يأكلون الربوا قام خالد بن الوليد فقال يا رسول الله ربا أبي في

(1) وفي رواية ان الله يقول ليس شئ الا وكلته به ان يقضيه غيري الا الصدقة فأنا أتلقفها حتى الرجل والمرأة
يتصدق بتمرة وشق تمرة أربيها كما يربى الرجل فلوه وفصيله فيلقى يوم القيامة وهي مثل أحد وأعظم من أحد والفلو ولد
الفرس والفصيل ولد الناقة إذا فصل عن أمه (منه).
303

(279) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله فاعلموا بها من أذن بالشئ إذا
علم به وقرئ بمد الألف وكسر الذال من الايذان بمعنى الاعلام فإنهم إذا علموا بدون
العكس فهو آكد والتنكير للتعظيم.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) درهم ربا أشد عند الله من سبعين زنية كلها بذات
محرم.
وزاد القمي في بيت الله الحرام وقال الربوا سبعون جزءا أيسره مثل أن ينكح الرجل أمه
في بيت الله الحرام.
وفي الفقيه والتهذيب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لعن رسول الله الربوا وآكله وبايعه
ومشتريه وكاتبه وشاهديه.
وإن تبتم من الإرتباء واعتقاد حله فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون المديونين بأخذ
الزيادة ولا تظلمون بالمطل والنقصان منها.
(280) وإن كان ذو عسرة ان وقع في غرمائكم ذو اعسار فنظرة فانظار أي فانظروه إلى
ميسرة وقرئ بضم السين إلى وقت يسار وأن تصدقوا تتصدقوا وقرئ بتخفيف الصاد تتصدقوا
بالإبراء خير لكم أكثر ثوابا من الانظار إن كنتم تعلمون في الكافي عن الصادق (عليه السلام)
قال صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على
أنبيائه ثم قال أيها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب الا ومن أنظر معسرا كان له على الله
في كل يوم صدقة بمثل ماله حتى يستوفيه ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) وإن كان ذو عسرة
فنظرة إلى ميسرة وإن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون انه معسر فتصدقوا عليه بما لكم
عليه، وعنه (عليه السلام) قال من أراد أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله قالها ثلاثا فهابه الناس أن
يسألوه فقال فلينظر معسرا أو ليدع له من حقه، وعنه (عليه السلام) قال خلوا سبيل المعسر
كما خلاه الله.

(1) أراد ان المعسر إذا صار بحيث انظاره فهل لانظاره مدة معلومة إذا لم يكن له منتظر (منه).
304

وعنه (عليه السلام) انه جاء إليه رجل فقال له يا أبا عبد الله قرض إلى ميسرة فقال له أبو
عبد الله (عليه السلام) إلى غلة تدرك فقال الرجل لا والله قال فإلى تجارة تؤوب قال لا والله قال
فإلى عقدة تباع فقال لا والله فقال أبو عبد الله (عليه السلام) فأنت ممن جعل الله له من أموالنا حقا
ثم دعا بكيس فيه دراهم فأدخل يده فيه فناوله منه قبضة.
وفيه وفي العياشي عن الرضا (عليه السلام) انه سئل عن هذه النظرة التي ذكرها الله عز وجل
في كتابه لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر لابد له من أن ينظر وقد أخذ مال هذا الرجل وأنفقه
على عياله وليس له غلة ينتظر إدراكها ولا دين ينتظر محله ولا مال غائب ينتظر قدومه قال نعم
ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الامام فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في
طاعة الله فإن كان أنفقه في معصية الله فلا شئ له على الامام قيل فما لهذا الرجل الذي ائتمنه
وهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله أم في معصيته الله قال يسعى له فيما له فيرده وهو صاغر.
القمي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ما من غريم ذهب بغريمه إلى
وال من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته الا برئ هذا المعسر من دينه وصار دينه
على والي المسلمين فيما في يديه من أموال المسلمين.
(281) واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله تأهبوا لمصيركم إليه وقرئ بفتح التاء وكسر
الجيم ثم توفى كل نفس ما كسبت من خير أو شر وهم لا يظلمون بنقص ثواب أ تضعيف
عقاب.
في المجمع عن ابن عباس انها آخر آية نزل بها جبرائيل.
(282) يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إذا تعاملتم نسيئة إلى أجل مسمى معلوم
فاكتبوه لأنه أوثق وادفع للنزاع.
وفي العلل عن الباقر (عليه السلام) ان الله عز وجل عرض على آدم أسماء الأنبياء
وأعمارهم قال فمر بآدم اسم داود النبي فإذا عمره في العالم أربعون سنة فقال آدم يا رب ما أقل
عمر داود وما أكثر عمري يا رب ان انا ازددت داود ثلاثين سنة أتثبت ذلك له قال نعم يا آدم قال
فاني قد زدته من عمري ثلاثين سنة فأنفذ ذلك وأثبتها له عندك واطرحها من عمري قال أبو
305

جعفر (عليه السلام) فأثبت الله عز وجل لداود في عمره ثلاثين سنة وكانت له عند الله مثبتة فذلك
قوله عز وجل يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، قال فمحا الله ما كان عنده مثبتا لآدم
وأثبت لداود ما لم يكن عنده مثبتا قال فمضى عمر آدم فهبط ملك الموت لقبض روحه فقال له
آدم يا ملك الموت انه قد بقي من عمري ثلاثون سنة فقال له ملك الموت يا آدم ألم تجعلها لابنك
داود النبي وطرحتها من عمرك حين عرض عليك أسماء الأنبياء من ذريتك وعرضت عليك
أعمارهم وأنت يومئذ بوادي الدخياء فقال له آدم ما اذكر هذا قال فقال له ملك الموت يا آدم لا
تجحد ألم تسأل الله عز وجل أن يثبته لداود ويمحوها من عمرك فأثبتها لداود في الزبور ومحاها من
عمرك في الذكر قال آدم حتى أعلم ذلك، قال أبو جعفر (عليه السلام): وكان آدم صاد قال لم
يذكر ولم يجحد فمن ذلك اليوم أمر الله تبارك وتعالى العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا
إلى أجل لأجل نسيان آدم وجحوده ما على نفسه.
وفي الكافي ما يقرب منه في روايتين على اختلاف في عدد ما يزيد على عمر داود
وزاد شهادة جبرائيل وميكائيل على آدم.
وليكتب بينكم كاتب بالعدل لا يزيد على ما يجب ولا ينقص ولا يأب كاتب لا يمتنع
أحد من الكتاب أن يكتب كما علمه الله مثل ما علمه الله من كتبة الوثائق ولا يأب أن ينفع
الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها كقوله وأحسن كما أحسن الله إليك فليكتب تأكيدا
ومتعلق بكما علمه الله وليملل الذي عليه الحق لأنه المقر المشهود عليه والاملال والإملاء
واحد وليتق الله ربه أي المملي أو الكاتب ولا يبخس ولا ينقص منه من الحق أو مما أملى
عليه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها ناقص العقل أو مبذرا أو ضعيفا أو لا يستطيع أن
يمل هو في تفسير الامام يعني ضعيفا في بدنه لا يقدر أن يمل أو ضعيفا في فهمه وعلمه لا
يقدر أن يمل ويميز الألفاظ التي هي عدل عليه وله من الألفاظ التي
هي جور عليه أو على حميمه أو لا يستطيع أن يمل هو بمعنى
أن يكون مشغولا في مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو لذة في غير محرم فان تلك الأشغال التي
لا ينبغي للعاقل أن يشرع في غيرها.
وفي التهذيب عن الصادق (عليه السلام) السفيه الذي يشتري الدرهم بأضعافه
والضعيف الأبله.
306

والعياشي عنه السفيه الشارب الخمر والضعيف الذي يأخذ واحدا باثنين فليملل
وليه النائب عنه والقيم بأمره بالعدل بأن لا يحيف على المكتوب له ولا المكتوب عليه
واستشهدوا على الدين شهيدين من رجالكم أحراركم دون عبيدكم فان الله قد شغل العبيد
بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادات وعن أدائها وليكونوا من المسلمين منكم فان الله شرف
المسلمين العدول بقبول شهاداتهم وجعل ذلك من الشرف العاجل لهم ومن ثواب دنياهم
قبل أن يصلوا إلى الآخرة كذا في تفسير الامام عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
أقول: لا ينافيه تقييد الاستشهاد بالأحرار لاشتغال العبيد بالخدمة قبول شهادة
العبيد إذا استشهدوا وكانوا عدولا كما يثبت عن أهل البيت (عليهم السلام) فإن لم يكونا يعني
الشهيدين رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء قال (عليه السلام) يعني ممن
ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقظه فيما يشهد به وتحصيله وتمييزه فما كل صالح
مميز ولا محصل ولا كل محصل مميز صالح وإن من عباد الله لمن هو أهل لصلاحه وعفته لو
شهد لم يقبل شهادته لقلة تميزه فإذا كان صالحا عفيفا مميزا محصلا مجانبا للمعصية
والهوى والميل والتحامل فذلك الرجل الفاضل فبه فتمسكوا وبهداه فاقتدوا وإن انقطع
عنكم المطر فاستمطروا به وإن امتنع نبات فاستخرجوا به النبات وان تعذر عليكم الرزق
فاستدروا به الرزق فان ذلك ممن لا يخيب طلبه ولا ترد مسألته أن تضل إحداهما وقرى ء
بكسر الهمزة فتذكر وقرئ مرفوعا وبالتخفيف والنصب من الأذكار إحداهما الأخرى في
تفسير الامام عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا ضلت إحداهما عن الشهادة ونسيتها ذكرتها
الأخرى فاستقامتا في أداء الشهادة.
أقول: وهو من قولهم ضل الطريق إذا لم يهتد وهذه علة لاعتبار العدد قال (عليه
السلام) عدل الله شهادة امرأتين بشهادة رجل لنقصان عقولهن ودينهن.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في عدة أخبار أربعة لا يستجاب لهم دعوة
أحدهم رجل كان له مال فأدانه بغير بينة يقول الله عز وجل ألم آمرك بالشهادة، وعنه (عليه السلام) من ذهب حقه على غير بينة لم يؤجر.
ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) في عدة
307

أخبار في هذه الآية قال لا ينبغي لأحد إذا ما دعي إلى الشهادة ليشهد عليها أن يقول لا أشهد
لكم وفي بعضها قال في آخره فذلك قبل الكتاب وفي بعضها هي قبل الشهادة ومن يكتمها
بعد الشهادة.
وعن الكاظم (عليه السلام) فيها إذا ما دعاك الرجل تشهد له على دين أو حق لم ينبغ لك
أن تقاعس عنه.
وفي تفسير الامام عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الآية من كان في عنقه
شهادة فلا يأب إذا دعي لإقامتها وليقمها ولينصح فيها ولا تأخذه فيها لومة لائم وليأمر
بالمعروف ولينه عن المنكر، وقال في خبر آخر ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا أنزلت فيمن إذا
دعي لإقامة اسماع الشهادة فأبى ونزلت فيمن امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت عنده ولا
تسأموا ولا تملوا أن تكتبوه صغيرا كان الحق أو كبيرا إلى أجله إلى وقت حلوله الذي أقر به
المديون ذ لكم أقسط عند الله أعدل وأقوم للشهادة وأثبت لها واعون على إقامتها وأدنى ألا
ترتابوا وأقرب في أن لا تشكوا في جنس الدين وأجله والشهور ونحو ذلك إلا أن تكون
تجارة حاضرة تديرونها بينكم إلا أن تتبايعوا يدا بيد فليس عليكم جناح ألا تكتبوها لبعده
عن التنازع والنسيان وأشهدوا إذا تبايعتم لأنه أحوط ولا يضار كاتب ولا شهيد يحتمل
البنائين وهو نهى لهما عن ترك الإجابة والتحريف والتغير في الكتب والشهادة أو نهي عن
الضرار بهما مثل أن يعجلا عن مهم ويكلفا الخروج عما حد لهما أو لا يعطي الكاتب
جعله والشهيد مؤنة مجيئه حيث كان وإن تفعلوا الضرار وما نهيتم عنه فإنه فسوق بكم
خروج عن الطاعة لا حق بكم واتقوا الله في مخالفة أمره ونهيه ويعلمكم الله أحكامه
المتضمنة لمصالحكم والله بكل شئ عليم قيل كرر لفظة الله في الجمل الثلاث
لاستقلالها فان الأولى حث على التقوى والثانية وعد بانعامه والثالثة تعظيم لشأنه ولأنه
ادخل في التعظيم من الكناية.
القمي في البقرة خمسماءة حكم وفي هذه الآية خاصة خمسة عشر حكما.
(283) وإن كنتم على سفر أي مسافرين ولم تجدوا كاتبا فرهان فالذي يستوثق به
رهان وقرئ فرهن بضمتين وكلاهما جمع رهن هو بمعنى مرهون مقبوضة في الكافي عن
308

الصادق (عليه السلام) لا رهن الا مقبوضا.
أقول: وليس الغرض تخصيص الارتهان بحال السفر ولكن السفر لما كان مظنة
لإعواز الكتب والاشهاد امر المسافر بأن يقيم الارتهان مقام الكتابة والإشهاد على سبيل
الارشاد إلى حفظ المال فإن أمن بعضكم بعضا بعض الدائنين بعض المديونين بحسن ظنه
به فليؤد الذي أوتمن وهو الذي عليه الحق أمانته سمى الدين أمانه لايتمانه عليه بترك
الارتهان منه وليتق الله ربه في الخيانة وإنكار الحق وفيه من المبالغات ما لا يخفى ولا
تكتموا الشهادة خطاب للشهود ومن يكتمها مع علمه بالمشهود به وتمكنه من أدائها فإنه اثم
قلبه يعني أن كتمان الشهادة من آثام القلوب ومن معاظم الذنوب
في أفقية عن الباقر (عليه السلام) قال كافر قلبه وفي حديث مناهي النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) ونهى عن كتمان الشهادة وقال من كتمها أطعمه الله لحمه على رؤوس
الخلائق وهو قول الله عز وجل ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون
عليم تهديد.
(284) لله ما في السماوات وما في الأرض خلقا وملكا وإن تبدوا ما في أنفسكم
من خير أو شر أو تخفوه يحاسبكم به الله في نهج البلاغة وبما في الصدور يجازي العباد.
أقول: لا يدخل فيما يخفيه الانسان الوساوس وحديث النفس لأن ذلك مما ليس
في وسعه الخلو منه ولكن ما اعتقده وعزم عليه.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وضع عن أمتي تسع خصال الخطأ والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه
وما استكرهوا عليه والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو
يد.
والعياشي عنه (عليه السلام) في هذه الآية قال حقيق على الله أن لا يدخل الجنة من
كان في قلبه مثقال حبة من خردل من حبهما.
فيغفر لمن يشاء مغفرته ويعذب من يشاء تعذيبه والله على كل شئ قدير فيقدر على
المحاسبة.
309

(285) آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه شهادة وتنصيص من الله على الاعتداد بايمانه
والمؤمنون قيل اما عطف على الرسول وما بعده استئناف واما استئناف بافراد الرسول وافراد
ايمانه تعظيما لشأنه وشأن إيمانه.
أقول: وللافراد وجه آخر يأتي في الحديث.
كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وقرئ وكتابه في الغيبة عن النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) أنه قال ليلة أسري بي إلى السماء قال العزيز جل ثناؤه آمن الرسول بما انزل إليه
من ربه قلت والمؤمنون قال صدقت يا محمد لا نفرق بين أحد من رسله يقولون ذلك
والمراد نفي الفرق في التصديق وقرئ لا يفرق بالياء واحد في معنى الجمع لوقوعه في
سياق النفي ولذا دخل عليه بين وقالوا سمعنا أجبنا وأطعنا أمرك غفرانك اغفر غفرانك أو
نطلب غفرانك ربنا وإليك المصير المرجع بعد الموت وهو اقرار منهم بالبعث لا يكلف
الله نفسا فيما افترض الله عليها رواه العياشي عن أحدهما (عليهما السلام) إلا وسعها الا ما
يسعه قدرتها فضلا ورحمة.
وفي التوحيد عن الصادق صلوات الله عليه ما أمر العباد الا دون سعتهم وكل شئ
امر الناس بأخذه فهم متسعون له ما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم ولكن الناس لا خير فيهم
لها ما كسبت من خير وعليها ما اكتسبت من شر لا ينتفع بطاعتها ولا يتضرر بمعاصيها غيرها
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا أي لا تؤاخذنا بما أدي بنا إلى نسيان أو خطأ من تفريط أو
من قلة مبالاة ربنا ولا تحمل علينا إصرا حملا ثقيلا يأصر صاحبه أي يحبسه في مكانه يعني به
التكاليف الشاقة كما حملته على الذين من قبلنا يعني به ما كلف به بنو إسرائيل من قتل
الأنفس وقطع موضع النجاسة وغير ذلك ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به من العقوبات النازلة
بمن قبلنا واعف عنا وامح ذنوبنا واغفر لنا واستر عيوبنا ولا تفضحنا بالمؤاخذة وارحمنا
وتعطف بنا وتفضل علينا أنت مولانا سيدنا ونحن عبيدك فانصرنا على القوم الكافرين
بالقهر لهم والغلبة بالحجة عليهم فان من حق المولى أن ينصر مواليه على الأعداء.
العياشي عن أحدهما (عليهما السلام) في آخر البقرة قال لما دعوا أجيبوا.
والقمي عن الصادق (عليه السلام) ان هذه الآية مشافهة الله لنبيه (صلى الله عليه وآله
310

وسلم) لما أسري به إلى السماء قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما انتهيت إلى سدرة
المنتهى وإذا الورقة منها تظل أمة من الأمم وكنت من ربي كقاب قوسين أو أدنى كما حكى
الله عز وجل فناداني ربي تبارك وتعالى * (آمن الرسول بما انزل إليه من ربه) * فقلت أنا مجيبه
عني وعن أمتي والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله
فقلت سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فقال الله لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما
كسبت وعليها ما اكتسبت فقلت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا فقال الله لا أؤاخذك
فقلت ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا فقال الله لا أحملك فقلت
ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم
الكافرين فقال الله تبارك وتعالى قد أعطيت ذلك لك ولامتك فقال الصادق (عليه السلام) ما
وفد إلى الله وتعالى أحد أكرم من رسول الله حين سأل لأمته هذه الخصال.
والعياشي ما في معناه في حديث بدون قوله فقال الصادق (عليه السلام) إلى آخر
الحديث.
وفي الاحتجاج عن الكاظم (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)
في حديث يذكر فيه مناقب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إنه لما أسري به من
المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة
خمسين الف عام في أقل من ثلث ليلة حتى انتهى إلى ساق العرش فدنا بالعلم فتدلى وقد
دلى له من الجنة رفرف أخضر وغشى النور بصره فرأى عظمة ربه عز وجل بفؤاده ولم يرها
بعينه فكان كقاب قوسين بينها وبينه أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى فكان فيما أوحى إليه
الآية التي في سورة البقرة قوله تعالى * (لله ما في السماوات وما في الأرض وان تبدوا ما في
أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ
قدير) * وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم على نبينا و (عليه السلام) إلى أن بعث
الله تبارك اسمه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من
ثقلها وقبلها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرضها على أمته فقبلوها فلما رأى الله عز
وجل منهم القبول على أنهم لا يطيقونها فلما أن سار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام
ليفهمه فقال آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه فأجاب مجيبا عنه وعن أمته فقال والمؤمنون
311

كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله فقال جل ذكره لهم الجنة
والمغفرة على أن فعلوا ذلك فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أما إذا فعلت ذلك بنا
فغفرانك ربنا وإليك المصير يعني المرجع في الآخرة، قال فأجابه الله عز وجل ثناؤه وقد
فعلت ذلك بك وبأمتك، ثم قال عز وجل اما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد
عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمتك فحق علي أن أرفعها عن أمتك وقال لا
يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت من خير وعليها ما اكتسبت من شر، فقال النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) لما سمع ذلك اما إذا فعلت ذلك بي وبأمتي فزدني قال سل قال ربنا لا
تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال الله تعالى لست أؤاخذ أمتك بالنسيان والخطأ لكرامتك
علي وكانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب وقد رفعت ذلك
عن أمتك وكانت الأمم السالفة إذا أخطأوا أخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه وقد رفعت
ذلك عن أمتك لكرامتك علي فقال النبي (ص) اللهم إذا أعطيتني ذلك فزدني فقال الله تعالى
له سل قال: * (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) * يعني بالإصر
الشدائد التي كانت على من كان قبلنا فأجابه الله إلى ذلك فقال تبارك تعالى اسمه قد رفعت
عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة كنت لا أقبل صلاتهم الا في بقاع من
الأرض معلومة اخترتها لهم وإن بعدت وقد جعلت الأرض كلها لأمتك مسجدا وطهورا
فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك وكانت الأمم السالفة إذا
أصابهم اذى من نجاسة قرضوها من أجسادهم وقد جعلت الماء طهورا لأمتك فهذه من
الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها (1) إلى
بيت المقدس فمن قبلت ذلك منه أرسلت إليه نارا فأكلته فرجع مسرورا ومن لم أقبل ذلك
منه رجع مثبورا (2) وقد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبلت ذلك منه
أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا وقد رفعت
ذلك عن أمتك وهي من الآصار كانت على الأمم من قبلك وكانت الأمم السالفة صلاتها
مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار وهي من الشدائد التي كانت عليهم فرفعت
عن أمتك وفرضت عليهم صلواتهم في أطراف الليل والنهار وفي أوقات نشاطهم وكانت

(1) القربان بالضم ما يتقرب به إلى الله تعالى ج قرابين (ق).
(2) قوله تعالى مثبورا أي مهلكا وقيل ملعونا مطرودا (مجمع).
312

الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا وهي من الآصار التي
كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وجعلتها خمسا في خمسة أوقات وهي إحدى وخمسون
ركعة وجعلت لهم أجر خمسين صلاة وكانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة
وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وجعلت الحسنة بعشر والسيئة بواحدة
وكانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة ثم لم يعملها لم تكتب له وإن عملها كتبت له
حسنة وإن أمتك إذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له عشرا
وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وكانت الأمم السالفة إذا هم أحدهم
بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه وإن عملها كتبت عليه سيئة وإن أمتك إذا هم أحدهم
بسيئة ثم لم يعملها كتبت له حسنة وهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعت ذلك عن
أمتك وكانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم وجعلت توبتهم من الذنوب
ان حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم وقد رفعت ذلك عن أمتك وجعلت ذنوبهم
فيما بيني وبينهم وجعلت عليهم ستورا كثيفة أو قبلت توبتهم بلا عقوبة ولا أعاقبهم بأن
أحرم عليهم أحب الطعام إليهم وكانت الأمم السالفة يتوب أحدهم من الذنب الواحد ماءة
سنة أو ثمانين سنة أو خمسين سنة ثم لا أقبل توبته دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة وهي من
الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وان الرجل من أمتك ليذنب عشرين سنة أو
ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو ماءة سنة ثم يتوب ويندم طرفة عين فاغفر له ذلك كله فقال النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم إذا أعطيتني ذلك كله فزدني قال سل قال ربنا ولا تحملنا ما لا
طاقة لنا به قال تبارك اسمه قد فعلت ذلك بك وبأمتك وقد رفعت عنهم عظيم بلايا الأمم
وذلك حكمي في جميع الأمم أن لا أكلف خلقا فوق طاقتهم قال النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا، قال الله عز وجل قد فعلت ذلك بتائبي أمتك
قال فانصرنا على القوم الكافرين قال الله جل اسمه ان أمتك في الأرض كالشامة البيضاء في
الثور الأسود هم القادرون وهم القاهرون يستخدمون ولا يستخدمون لكرامتك علي وحق
علي أن أظهر دينك على الأديان حتى لا يبقى في شرق الأرض وغربها دين الا دينك أو
يؤدون إلى أهل دينك الجزية.
في ثواب الأعمال عن السجاد (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله
313

وسلم) من قرأ أربع آيات من أول البقرة وآية الكرسي وآيتين بعدها وثلاث آيات من آخرها لم ير في نفسه وماله شيئا يكرهه ولا يقربه الشيطان ولا ينسى القرآن.
وعن جابر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث قال قال الله تبارك وتعالى
وأعطيت لك ولأمتك كنزا من كنوز عرشي فاتحة الكتاب وخاتمة سورة البقرة.
وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) انزل الله آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن
بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل.
وفي رواية من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه.
وفي ثواب الأعمال عن الصادق (عليه السلام) من قرأ سورة البقرة وآل عمران جاءتا
يوم القيامة تظلانه على رأسه مثل الغمامتين أو مثل الغيابتين يعني المظلتين.
314

سورة آل عمران
مدنية وهي مائتا آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) ألم قد مضى الكلام في تأويله في أول سورة البقرة.
وفي المعاني عن الصادق (عليه السلام) في حديث واما ألم في آل عمران فمعناه انا
الله المجيد.
(2) الله لا إله إلا هو الحي القيوم.
(3) نزل عليك الكتاب القرآن نجوما بالحق بالعدل والصدق والحجج المحققة انه
من عند الله مصدقا لما بين يديه من الكتب وأنزل التوراة والإنجيل جملة على موسى
وعيسى.
(4) من قبل من قبل تنزيل القرآن هدى للناس عامة وقومهما خاصة وأنزل الفرقان
ما يفرق به بين الحق والباطل.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم
الواجب العمل به.
وفي الجوامع عنه (عليه السلام) الفرقان كل آية محكمة في الكتاب.
والقمي والعياشي عنه (عليه السلام) الفرقان هو كل أمر حكم والكتاب هو جملة
القرآن الذي يصدق فيه من كان قبله من الأنبياء.
وفي العلل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سمي القرآن فرقانا لأنه متفرق الآيات
315

والسور أنزلت في غير الألواح وغير الصحف والتوراة والا نجيل والزبور أنزلت كلها جملة
في الألواح والورق. إن الذين كفروا بآيات الله من كتبه المنزلة وغيرها لهم عذاب شديد
بسبب كفرهم والله عزيز غالب لا يمنع من التعذيب ذو انتقام شديد لا يقدر على مثله
منتقم.
(5) إن الله لا يخفي عليه شئ الأرض ولا في السماء عبر عن العالم بهما لأن
الحس لا يتجاوزهما.
(6) هو الذي يصور كم في الأرحام كيف يشاء من الصور المختلفة من صبيح أو
قبيح ذكر أو أنثى فكيف يخفى عليه شئ.
في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) ان الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقا جمع
كل صورة بينه وبين آدم ثم خلقه على صورة إحداهن فلا يقولن أحد لولده هذا لا يشبهني ولا
يشبه شيئا من آبائي.
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) قال إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق النطفة
التي هي مما اخذ عليها الميثاق من صلب آدم أو ما يبدو له فيه ويجعلها في الرحم حرك
الرجل للجماع وأوحى إلى الرحم ان افتحي بابك حتى يلج فيك خلقي وقضائي النافذ
وقدري فتفتح الرحم بابها فتصل النطفة إلى الرحم فتردد فيه أربعين يوما ثم تصير فيه علقة
أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما ثم تصير لحما تجري فيه عروق مشتبكة ثم يبعث الله
ملكين خلاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان
إلى الرحم وفيها الروح القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء فينفخان فيها
روح الحياة والبقاء ويشقان له السمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما في البطن بإذن الله
تعالى ثم يوحي الله إلى الملكين اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري واشترطا لي البداء
فيما تكتبان فيقولان يا رب ما نكتب قال فيوحي الله عز وجل إليهما ان ارفعا رؤوسكما إلى
رأس أمه فيرفعان رؤوسهما فإذا اللوح يقرع جبهة أمه فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته
وزينته وأجله وميثاقه شقيا أو سعيدا وجميع شأنه، قال (عليه السلام) فيملي أحدهما على
صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح ويشترطان البداء فيما يكتبان ثم يختمان الكتاب
316

ويجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قائما في بطن أمه قال فربما عتا فانقلب ولا يكون ذلك الا في
كل عات أو مارد وإذا بلغ أوان خروج الولد تاما أو غير تام أوحى الله تعالى إلى الرحم ان
افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي وينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه قال فتفتح
الرحم باب الولد فيبعث الله عز وجل إليه ملكا يقال له زاجر فيزجره زجرة فيفزع منها الولد
فينقلب فيصير رجلاه فوق رأسه ورأسه في أسفل البطن ليسهل الله على المرأة وعلى الولد
الخروج قال فإذا احتبس زجره الملك زجرة أخرى فيفزع منها فيسقط الولد إلى الأرض
باكيا فزعا من الزجرة.
أقول: قوله إن يخلق النطفة اي يخلقها بشرا تاما وقوله وما يبدو له فيه اي ما يبدو له
في خلقه فلا يتم خلقه بأن يجعله سقطا وقوله حرك الرجل يعني بالقاء الشهوة عليه وإيحاؤه
سبحانه إلى الرحم كناية عن فطرة إياها على الإطاعة طبعا فتردد بحذف احدى التائين أي
تتحول من حال إلى حال يقتحمان يدخلان بعنف والروح القديمة كناية عن النفس النباتية
وفي عطف البقاء على الحياة دلالة على أن النفس الحيوانية مجردة عن المادة باقية في تلك
النشأة وان النفس النباتية بمجردها لا تبقي وقد حققنا معنى البداء في كتابنا الموسوم
(بالوافي) وقرع اللوح جبهة أمه كأنه كناية عن ظهور أحوال أمه وصفاتها وأخلاقها من
ناصيتها وصورتها التي خلقت عليها كأنها جميعا مكتوبة عليها وإنما يستنبط الأحوال التي
ينبغي أن يكون الولد عليها من ناصية أمه ويكتب ذلك على وفق ما ثمة للمناسبة التي تكون
بينه وبينها وذلك لأن جوهر الروح إنما يفيض على البدن بحسب استعداده وقبوله إياه
واستعداد البدن تابع لأحوال نفسي الأبوين وصفاتهما وأخلاقهما لا سيما الأم المربية له
على وفق ما جاء به من ظهر أبيه فناصيتها مشتملة على أحواله الأبوية والأمية أعني ما
يناسبهما بحسب مقتضى ذاته وجعل الكتاب المختوم بين عينيه كناية عن ظهور
صفاته وأخلاقه من ناصيته وصورته التي خلق عليها وانه عالم بها وقتئذ بعلم بارئها بها لفنائه
بعد وفناء صفاته في ربه لعدم دخوله بعد في عالم الأسباب والصفات المستعارة والاختيار
المجازي ولكنه لا يشعر بعلمه فان الشعور بالشئ أمر والشعور بالشعور أمر آخر والعتو
الاستكبار ومجاوزة الحد ويقرب منه المرود لا إله إلا هو إذ لا يعلم غيره جملة ما يعلمه ولا
يقدر على مثل ما يفعله العزيز في جلاله الحكيم في أفعاله.
317

(7) هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات أحكمت عباراتها بأن حفظت
من الاجمال هن أم الكتاب أصله يرد إليها غيرها وأخر متشابهات محتملات لا يتضح
مقصودها الا بالفحص والنظر ليظهر فيها فضل العلماء الربانيين في استنباط معانيها وردها
إلى المحكمات وليتوصلوا بها إلى معرفة الله تعالى وتوحيده.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن المحكم والمتشابه فقال المحكم ما
يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله وقد سبقت اخبار اخر في تفسيرهما في المقدمة
الرابعة.
وفي الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) في تأويله أن المحكمات أمير المؤمنين
والأئمة (عليهم السلام) فلان وفلان.
فأما الذين في قلوبهم زيغ ميل عن الحق كالمبتدعة فيتبعون ما تشابه منه فيتعلمون
بظاهره أو بتأويل باطل ابتغاء الفتنة طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس
ومناقضة المحكم بالمتشابه.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) ان الفتنة هنا الكفر وابتغاء تأويله وطلب أن
يأولوه على ما يشتهونه وما يعلم تأويله الذي يجب أن يحمل عليه إلا الله والراسخون في
العلم الذين تثبتوا وتمكنوا فيه.
العياشي عن الباقر (عليه السلام) يعني تأويل القرآن كله.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) نحن الراسخون في العلم ونحن
نعلم تأويله وفي رواية فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل الراسخين في العلم قد
علمه الله عز وجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل وما كان الله لينزل عليه شيئا لم
يعلمه تأويله وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله.
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث قال ثم إن الله جل ذكره
بسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كلامه قسم كلامه ثلاثة
أقسام فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل وقسما لا يعرفه الا من صفا ذهنه ولطف حسه
318

وصح تميزه ممن شرح الله صدره للاسلام وقسما لا يعرفه الا الله وأنبياؤه والراسخون في
العلم وإنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) من علم الكتاب ما 9 لم يجعله لهم وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار بمن ولاه
أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعززا وافتراء على الله عز وجل واغترارا بكثرة من ظاهرهم
وعاونهم وعاند الله جل اسمه ورسوله.
يقولون آمنا به هؤلاء الراسخون العالمون بالتأويل يقولون آمنا بالمتشابه كل من
المحكم والمتشابه عند ربنا من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه وما يذكر إلا أولوا
الألباب مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن التدبر وإشارة إلى ما استعدوا به للاهتداء إلى
تأويله وهو تجرد العقل عن غواشي الحس.
في التوحيد والعياشي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال اعلم أن الراسخين في
العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الإقرار
بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا آمنا به كل من عند ربنا) فمدح الله عز
وجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسمي تركهم التعمق فيما لم يكلفهم
البحث عنه منهم رسوخا فاقتصر على ذلك ولا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من
الهالكين.
وفي العيون عن الرضا (عليه السلام) قال من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى
صراط مستقيم ثم قال (عليه السلام) ان في اخبارنا متشابها كمتشابه القرآن ومحكما كمحكم
القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا.
(8) ربنا لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه وإنما
أضيف الزيغ إلى الله لأنه مسبب عن امتحانه وخذلانه بعد إذ هديتنا إلى الحق وهب لنا من
لدنك رحمة بالتوفيق والمعونة إنك أنت الوهاب لكل سؤال، في الكافي عن الكاظم (عليه
السلام) في حديث هشام يا هشام ان الله قد حكى عن قوم صالحين انهم قالوا ربنا لا تزغ
قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب حين علموا ان القلوب تزيغ
وتعود إلى عماها ورداها انه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ومن لم يعقل عن الله لم يعقد
319

قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ولا يكون أحد كذلك الا من كان قوله
لفعله مصدقا وسره لعلانيته موافقا لأن الله تعالى لم يدل على الباطل الخفي من العقل الا
بظاهر منه وناطق عنه.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أكثروا من أن تقولوا ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ
هديتنا ولا تأمنوا الزيغ.
(9) ربنا إنك جامع الناس ليوم لحساب يوم وجزائه لا ريب فيه في وقوعه إن الله لا
يخلف الميعاد الموعد لأن الإلهية تنافيه.
(10) إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولدهم من الله شيئا وأولئك هم
وقود النار.
(11) كدأب آل فرعون كشأنهم وأصل الدأب الكدح (1) والذين من قبلهم كذبوا
بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب تهويل للمؤاخذة وزيادة تخويف
للكفرة.
(12) قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد وقرئ بالياء
فيهما.
في المجمع نسب إلى رواية أصحابنا أنه لما أصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) قريشا ببدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق قينقاع فقال: يا معشر اليهود احذروا
من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل ان ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم اني نبي
مرسل تجدون ذلك في كتابكم فقالوا يا محمد لا يغرنك انك لقيت قوما اغمارا (2) لا علم
لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة اما والله لو قاتلتنا لعرفت انا نحن الناس فأنزل الله هذه الآية
وقد فعل الله ذلك وصدق وعده بقتل بني قريظة واجلاء بني النضير وفتح خيبر ووضع الجزية
على من بقي منهم وغلب المشركون وهو من دلائل النبوة.

(1) كدح في العمل كمنع سعى لنفسه خيرا أو شرا والكدح بفتح العمل والسعي في الكسب لآخرة ودنيا.
(2) رجل غمر: لم يجرب الأمور (ص).
320

(13) قد كان لكم آية دلالة معجزة على صدق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في
فئتين التقتا يوم بدر فئة تقاتل في سبيل الله في دينه وطاعته وهم الرسول وأصحابه وفرقة
أخرى كافرة وهم مشركوا مكة يرونهم مثليهم يرى المشركون المسلمين مثلي عدد
المشركين وكانوا قريب الف أو مثلي عدد المسلمين وكانوا ثلاثماءة وبضع عشر وكان ذلك
بعد ما قللهم في أعينهم حتى غلبوا مددا من الله للمؤمنين لو يرى المؤمنون المشركين
مثلي المؤمنين وكانوا ثلاثة أمثالهم ليثبتوا لهم بالنصر الذي وعدهم الله به في قوله وان يكن
منكم ماءة صابرة يغلبوا ماءتين ويؤيده قراءة التاء كذا قيل وإنما يصح التأييد إذا كان
الخطاب للمؤمنين دون المشركين رأي العين رؤية ظاهرة معاينة والله يؤيد بنصره من
يشاء كما أيد أهل بدر إن في ذلك في التقليل والتكثير وغلبة القليل على الكثير لعبرة لأولي
الأبصار لعظة لذوي البصائر.
(14) زين للناس حب الشهوات أي المشتهيات سماها شهوات مبالغة وإيماء إلى
أنهم انهمكوا في محبتها حتى أحبوا شهواتها كقوله تعالى حكاية من سليمان اني أحببت
حب الخير من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة القنطار ملأ مسك ثور
ذهبا كذا في المجمع عنهما، والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد كقولهم الف مؤلف والخيل
المسومة المعلمة أو المرعية والأنعام الإبل والبقر والغنم والحرث ذلك متاع الحيات
الدنيا والله عنده حسن المئاب المرجع وهو تحريض على استبدال ما عنده من اللذات
الحقيقية الأبدية بالشهوات المخدجة (1) الفانية.
(15) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم يريد به تقرير ان ثواب الله خير من
مستلذات الدنيا للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين
فيها وأزواج مطهرة مما يستقذر من النساء ورضوان من الله والله بصير بالعباد
بأعمالهم فيثيب المحسن ويعاقب المسئ على قدر استحقاقهم.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) ما تلذذ الناس في الدنيا
والآخرة بلذة أكبر لهم من لذة النساء وهو قول الله تعالى زين للناس حب

(1) أخدجت: قل مطرها، والناقة بولد ناقص وإن كانت تامة فهي مخدج (ق).
321

الشهوات من النساء والبنين إلى آخر الآية، ثم قال وان أهل الجنة ما يتلذذون
بشئ من الجنة أشهى عندهم من النكاح لا طعام ولا شراب قيل قد نبه بهذه
الآية على مراتب نعمه فأدناها متاع الدنيا وأعلاها رضوان الله لقوله ورضوان من
الله أكبر وأوسطها الجنة ونعيمها.
(16) الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار.
(17) الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار
المصلين في وقت السحر كذا في المجمع عن الصادق (عليه السلام) وقال من
استغفر سبعين مرة في وقت السحر فهو من أهل هذه الآية.
وفي الفقيه والخصال عنه (عليه السلام) من قال في وتره إذا أوتر استغفر الله وأتوب إليه
سبعين مرة وهو قائم فواظب على ذلك حتى تمضي له سنة كتبه الله عنده من المستغفرين
بالأسحار ووجبت له المغفرة من الله تعالى، قيل تخصيص الأسحار لأن الدعاء فيها أقرب
إلى الإجابة لأن العبادة حينئذ أشق والنفس أصفى والروع أجمع سيما للمتهجدين.
(18) شهد الله أنه لا إله إلا هو بين وحدانيته لقوم بظهوره في كل شئ وتعرفه ذاته
في كل نور وفئ ولقوم بنصب الدلائل الدالة عليها ولقوم بانزال الآيات الناطقة بها
والملائكة بالاقرار ذاتا لقوم وفعلا لقوم وقولا لقوم وأولوا العلم بالايمان والعيان والبيان
شبه الظهور والاظهار في الانكشاف والكشف بشهادة الشاهد قائما بالقسط مقيما للعدل.
العياشي عن الباقر (عليه السلام) ان أولي العلم الأنبياء والأوصياء وهم قيام بالقسط
والقسط هو العدل لا إله إلا هو تأكيد وتمهيد لقوله العزيز الحكيم.
(19) إن الدين عند الله الإسلام لا دين مرضي عند الله سوى دين الاسلام وهو
التوحيد والتدرع بالشرع الذي جاء به محمد.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) ان الاسلام قبل الايمان وعليه يتوارثون
ويتناكحون والايمان عليه يثابون.
وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في الاسلام الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم
322

حسدا وطلبا للرئاسة لا لشبهة فيه ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب وعيد لمن
كفر منهم.
(20) فإن حاجوك في الدين وجادلوك فيه بعدما أقمت لهم الحجج فقل أسلمت
وجهي لله أخلصت نفسي وجملتي له لا أشرك فيها غيره، قيل عبر عن النفس بالوجه لأنه
أشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والحواس ومن اتبعن واسلم من اتبعني وقل للذين
أوتوا الكتاب والأميين الذين لا كتاب لهم كمشركي العرب أسلمتم كما أسلمت لما
أوضحت لكم الحجة أم أنتم بعد على كفركم ونظيره قوله فهل أنتم منتهون فإن أسلموا فقد
اهتدوا فقد نفعوا أنفسهم بأن أخرجوها من الضلال وإن تولوا فإنما عليك البلاغ فلم
يضروك إذ ما عليك الا أن تبلغ وقد بلغت والله بصير بالعباد وعد ووعيد.
(21) إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين
يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم قيل هم أهل الكتاب الذين في عصره
(صلى الله عليه وآله) قتل أوائلهم الأنبياء ومتابعيهم من عباد بني إسرائيل، وهم رضوا به
وقصدوا قتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين ولكن الله عصمهم وقد سبق مثله في
سورة البقرة وقرئ يقاتلون الذين.
في المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه سئل أي الناس أشد عذابا يوم
القيامة قال رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بمعروف أو نهى عن منكر ثم قرأ ويقتلون النبيين بغير
حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ثم قال قتلت بنوا إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا
من أول النهار في ساعة واحدة فقام ماءة رجل واثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل فأمروا
من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار في ذلك اليوم وهو
الذي ذكره الله تعالى.
(22) أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة إذ لم ينالوا بها المدح والثناء
ولم تحقن دماؤهم وأموالهم ولم يستحقوا بها الأجر والثواب وما لهم من ناصرين يدفعون
عنهم العذاب.
(23) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب قيل يريد به أحبار اليهود أعطوا حظا
323

وافرا من التوراة أو من جنس الكتب المنزلة يدعون إلى كتاب الله وهو التوراة ليحكم بينهم
قيل يعني في نبوة نبينا وقيل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل مدارسهم فدعاهم
فقال له بعضهم على أي دين أنت قال ملة إبراهيم (عليه السلام) فقالوا ان إبراهيم كان
يهوديا فقال إن بيننا وبينكم التوراة فأبوا وقيل نزلت في الرجم وقد اختلفوا فيه وله قصة يأتي
ذكرها عند تفسير قوله سبحانه يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم
تخفون من الكتاب من سورة المائدة ثم يتولى فريق منهم استبعاد لتوليهم مع علمهم بأن
الرجوع إلى كتاب الله واجب وهم معرضون عن اتباع الحق.
(24) ذلك التولي والاعراض بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات بسبب
تسهيلهم العقاب على أنفسهم وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون من أن النار لن تمسهم الا
أياما قلائل أو ان آباءهم الأنبياء يشفعون لهم أو انه تعالى وعد يعقوب ان لا يعذب أولاده الا
تحلة القسم يعني قوله عز وجل لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وما أشير إليه بقوله
* (سبحانه وان منكم الا واردها) *.
(25) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه استعظام لما يحيق بهم في الآخرة
وتكذيب لقولهم لن تمسنا النار الا أياما روي أن أول راية ترفع يوم القيامة من رايات الكفر
راية اليهود فيفضحهم الله على رؤوس الأشهاد ثم يأمرهم إلى النار ووفيت كل نفس ما
كسبت جزاء ما كسبت وهم لا يظلمون.
(26) قل اللهم الميم فيه عوض من ياء ولذلك لا يجتمعان مالك الملك اي يملك
جنس الملك يتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكونه تؤتي الملك تعطي ما تشاء من
الملك من تشاء وتنزع الملك تسترد ما تشاء منه ممن تشاء فالملك الأول عام والآخران
خاصان بعضان من الكل وتعز من تشاء في الدنيا والدين وتذل من تشاء بيدك الخير
تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك إنك على كل شئ قدير.
(27) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل أن تنقص من الليل وتجعل ذلك
النقصان زيادة في النهار وتنقص من النهار وتجعل ذلك النقصان زيادة في الليل وتخرج
الحي من الميت المؤمن من الكافر وتخرج الميت من الحي والكافر من المؤمن كذا في
324

المجمع عن الباقر والصادق (عليهما السلام).
وفي المعاني: عن الصادق (عليه السلام) ان المؤمن إذا مات لم يكن ميتا وان الميت
هو الكافر ثم فسر الآية بما ذكر. وترزق من تشاء بغير حساب بلا تقتير ولا مخافة نقصان.
(28) لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء نهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية
أو نحوهما حتى لا يكون حبهم وبغضهم الا في الله وقد كرر ذلك في القرآن لا تتخذوا اليهود
والنصارى أولياء لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر الآية والحب في الله والبغض في الله
أصل كبير من أصول الايمان من دون المؤمنين المعنى أن لهم في موالاة المؤمنين مندوحة
عن موالاة الكافرين فلا تؤثروهم عليهم ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ أي ليس من
ولاية الله في شئ يعني أنه منسلخ عن ولاية الله رأسا وهذا أمر معقول لأن مصادقة الصديق
ومصادقة عدوه منافيان كما قيل:
تود عدوي ثم تزعم أنني * صديقك ان الرأي منك لعازب.
إلا أن تتقوا منهم تقاة الا أن تخافوا من جهتهم خوفا أو أمرا يجب أن يخاف منه وقرئ
تقية منع من موالاتهم ظاهر أو باطنا في الأوقات كلها الا وقت المخافة فان اظهار الموالاة
حينئذ جائز بالمخالفة كما قيل كن وسطا وامش جانبا.
في الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث وأمرك أن تستعمل التقية
في دينك فان الله يقول لا يتخذ المؤمنون الآية قال وإياك ثم إياك أن تتعرض للهلاك وأن
تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شائط بدمك ودماء اخوانك معرض لزوال نعمك ونعمهم
مذلهم في أيدي أعداء دين الله وقد أمرك الله تعالى باعزازهم.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
يقول لا إيمان لمن لا تقية له ويقول قال الله الا أن تتقوا منهم تقاة.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) قال التقية ترس الله بينه وبين خلقه.
وعن الباقر (عليه السلام) قال التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم وقد أحل الله له.
والأخبار في ذلك مما لا يحصى.
325

ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير فلا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه
وموالاة أعدائه وهذا تهديد عظيم ووعيد شديد.
(29) قل إن تخفوا ما في صدوركم من ولاية الكفار وغيرها أو تبدوه يعلمه الله لم
يخف عليه ويعلم ما في السماوات وما في الأرض فيعلم سركم وعلنكم والله على كل
شئ قدير فيقدر على عقوبتكم ان لم تنتهوا عما نهيتم عنه، قيل الآية بيان لقوله تعالى
* (ويحذركم الله نفسه) * فكأنه قال ويحذركم نفسه لأنها متصفة بعلم ذاتي يحيط
بالمعلومات كلها وقدرة ذاتية تعم المقدورات بأسرها فلا تجسروا على عصيانه إذ ما من
معصية الا وهو مطلع عليها قادر على العقاب بها.
(30) يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن
بينها وبينه أمدا بعيدا.
يوم ظرف لتود اي تتمنى كل نفس يوم تجد صحائف أعمالها أو جزاء أعمالها من
الخير والشر حاضرة لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهوله أمدا بعيدا أو المضمر نحو اذكر وتود
حال من الضمير في عملت من سوء أو خبر لما عملت من سوء وتجد مقصورة على ما عملت
من خير ويحذركم الله نفسه كرر للتأكيد والتذكير والله رؤوف بالعباد إشارة إلى أنه تعالى
إنما نهاهم وحذرهم رأفة بهم ومراعاة لصلاحهم وانه لذو مغفرة وذو عقاب يرجى رحمته
ويخشى عذابه.
(31) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) هل الدين الا الحب ثم تلا هذه
الآية.
أقول: المحبة من العبد ميل النفس إلى الشئ لكمال أدركته فيه بحيث يحملها
على ما يقربها إليه ومن الله رضاه على العبد وكشف الحجاب عن قلبه والعبد إذا علم أن
الكمال الحقيقي ليس الا لله وان كل ما يراه كمالا من نفسه أو غيره فهو من الله وبالله وإلى الله
لم يكن حبه الا لله وفي الله وذلك يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقر به إليه فعلامة المحبة
326

إرادة الطاعة والعبادة والاجتهاد البليغ في اتباع من كان وسيلة له إلى معرفة الله تعالى ومحبته
ممن كان عارفا بالله محبا إياه محبوبا له فان من هذه صفاته إنما نال هذه الصفات بالطاعة
على الوجه المخصوص وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن يحذو حذوه فمن
أحب الله لا بد له من اتباع الرسول في عبادته وسيرته وأخلاقه وأحواله حتى يحبه الله فان
بذلك يحصل التقرب إلى الله وبالتقرب يحصل محبة الله تعالى إياه كما قال تعالى وإن
العبد ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه وأيضا لما كان الرسول حبيب الله فكل من يدعي محبة
الله لزمه محبة الرسول لأن محبوب المحبوب محبوب ومحبة الرسول إنما تكون بمتابعته
وسلوك سبيله قولا وعملا وخلقا وحالا وسيرة وعقيدة ولا يتمشى دعوى محبة الله الا بهذا
فإنه قطب المحبة ومظهرها فمن لم يكن له من متابعته نصيب لم يكن له من المحبة نصيب
ومن تابعه حق المتابعة ناسب باطنه وسره وقلبه ونفسه باطن الرسول وسره وقلبه ونفسه وهو
مظهر محبة الله فلزم بهذه المناسبة أن يكون لهذا التابع قسط من محبة الله بقدر نصيبه من
المتابعة فيلقي الله محبته عليه ويسري من باطن الرسول نور تلك المحبة إليه فيكون محبوبا
لله محبا له ومن لم يتابعه يخالف باطنه باطن الرسول فبعد عن وصف المحبوبية وزوال
المحبة عن قلبه أسرع ما يكون إذ لو لم يحبه الله لم يكن محبا له وفي حكم الرسول من أمر
الله والرسول بحبه واتباعه وهم الأئمة والأوصياء (عليهم السلام).
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في حديث من سره أن يعلم أن الله
يحبه فليعمل بطاعته وليتبعنا ألم تسمع قول الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه
وآله وسلم): * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) *
والله لا يطيع الله عبد ابدا الا ادخل الله عليه في طاعته اتباعنا ولا والله يتبعنا عبد
ابدا الا أحبه الله ولا والله لا يدع أحد اتباعنا ابدا الا أبغضنا ولا والله لا يبغضنا
أحد أبدا الا عصى الله ومن مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار.
ويغفر لكم ذنوبكم بالتجاوز عما فرط منكم والله غفور رحيم لمن تحبب
إليه بطاعته واتباع من أمر الله ونبيه باتباعه، وروي انها نزلت لما قالت اليهود
نحن أبناء الله وأحباؤه وقيل نزلت في وفد نجران لما قالوا إنما نعبد المسيح حبا
لله وقيل في أقوام زعموا على عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) انهم يحبون الله
327

فأمروا أن يجعلوا لقولهم تصديقا من العمل.
(32) قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا يحتمل المضي والمضارعة
بمعنى فان تتولوا فإن الله لا يحب الكافرين لا يرضى عنهم ولا يثني عليهم قيل
إنما لم يقل ولا يحبهم لقصد العموم والدلالة على أن التولي كفر وانه بهذه
الحيثية ينفي محبة الله تعالى وان محبته مخصوصة بالمؤمنين.
(33) إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين
بالرسالة والخصائص الروحانية والفضائل الجسمانية ولذلك قووا على ما لم يقو
عليه غيرهم لما أوجب طاعة الرسل وبين انها الجالبة لمحبة الله، عقب ذلك
ببيان مناقبهم تحريضا عليها وبه استدل على فضلهم على الملائكة وآل إبراهيم
إسماعيل وإسحاق وأولا دهما وآل عمران: موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر
ابن فاهث ابن لاوي بن يعقوب وعيسى وأمه مريم (عليها السلام) بنت عمران بن
ما ثان وماثان ينتهي بسبعة وعشرين أبا إلى يهود بن يعقوب وبين العمرانين ألف
وثمانمائة سنة كذا قيل.
أقول: وقد دخل في آل إبراهيم نبينا وأهل بيته (عليهم السلام).
العياشي عن الباقر (عليه السلام) انه تلا هذه الآية فقال نحن منهم ونحن
بقية تلك العترة.
وفي المجالس عن الصادق (عليه السلام) قال قال محمد بن أشعث بن قيس
الكندي لعنة الله عليه: للحسين (عليه السلام) يا حسين بن فاطمة (صلوات الله
عليهما) اية حرمة لك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليست لغيرك فتلا الحسين
(عليه السلام) هذه الآية * (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على
العالمين ذرية بعضها من بعض) * الآية ثم قال والله إن محمدا (صلى الله عليه وآله
وسلم) لمن آل إبراهيم وان العترة الهادية لمن آل محمد (صلوات الله عليهم).
وفي العيون: في حديث الفرق بين العترة والأمة فقال المأمون: هل فضل الله العترة والأمة فقال المأمون هل فضل
328

الله العترة على سائر الناس فقال أبو الحسن (عليه السلام) ان الله تعالى ابان فضل
العترة على سائر الناس في محكم كتابه فقال له المأمون أين ذلك من كتاب الله
فقال له الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم
وآل عمران على العالمين.
والقمي قال العالم (عليه السلام) نزل وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد
(صلوات الله عليهم) على العالمين فأسقطوا آل محمد (عليهم السلام) من الكتاب.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال وآل محمد كانت فمحوها.
وفي المجمع وفي قراءة أهل البيت وآل محمد (صلوات الله عليهم) على
العالمين وقالوا أيضا ان آل إبراهيم (عليهم السلام) هم آل محمد (صلوات الله
عليهم) الذين هم أهله ويجب أن يكون الذين اصطفاهم الله تعالى مطهرين
معصومين منزهين عن القبائح لأنه سبحانه لا يختار ولا يصطفي الا من كان
كذلك انتهى كلامه.
أقول: وعلى هذه القراءة يكون من قبيل عطف الخاص على العام كعطف
آل عمران بكلا معنييه على آل إبراهيم (عليهم السلام).
وفي المعاني عن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن معنى آل محمد (عليهم
السلام) فقال آل محمد (صلوات الله عليهم) من حرم الله عز وجل على محمد
(صلى الله عليه وآله وسلم) نكاحه.
وعنه (عليه السلام) ان آل محمد (صلوات الله عليهم) ذريته وأهل بيته الأئمة
الأوصياء وعترته أصحاب العباء وأمته المؤمنون الذين صدقوا بما جاء به من عند
الله المتمسكون بالثقلين الذين أمروا بالتمسك بهما كتاب الله وعترته أهل بيته
الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهم الخليفتان على الأمة بعده.
(34) ذرية بعضها من بعض الذرية يقع على الواحد والجمع يعني انهم
ذرية واحدة متسلسلة بعضها متشعبة من بعض.
329

وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) في بيانه ان الذين اصطفاهم الله
بعضهم من نسل بعض.
والعياشي عنه (عليه السلام) انه قيل له ما الحجة في كتاب الله ان آل محمد
هم أهل بيته (صلوات الله عليهم) قال قول الله عز وجل * (ان الله اصطفى آدم
ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد هكذا نزلت على العالمين ذرية بعضها
من بعض والله سميع عليم) * قال ولا يكون الذرية من القوم الا نسلهم من
أصلابهم.
والله سميع بأقوال الناس عليم بأعمالهم فيصطفي من كان مستقيم القول
والعمل.
(35) إذ قالت اذكر إذ قالت أو سميع بقول امرأة عمران عليم بنيتها إذ
قالت امرأة عمران هي امرأة عمران بن ما ثان أم مريم البتول جدة عيسى بنت
قاقوذا والمشهور ان اسمها حنة كما يأتي عن الصادق (عليه السلام).
وفي الكافي عن الكاظم (عليه السلام) أنه قال لنصراني اما أم مريم فاسمها
مرثار وهي وهيبة بالعربية.
رب إني نذرت لك ما في بطني محررا معتقا لخدمة بيت المقدس لا
أشغله بشئ فتقبل مني ما نذرته إنك أنت السميع لقولي العليم بنيتي.
(36) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت
اعتراض وهو قول الله وليس الذكر كالأنثى من تتمة كلام امرأة عمران، وقرئ
بما وضعت على أنه من كلامها تسلية لنفسها أي ولعل لله فيه سرا أو الأنثى كان
خيرا.
ورواها في المجمع عن علي (عليه السلام) في الكافي والقمي عن الصادق
(عليه السلام) قال إن الله أوحى إلى عمران اني واهب لك ذكرا سويا مباركا يبرئ
الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل فحدث
330

عمران امرأته حنة بذلك وهي أم مريم فلما حملت بها كان حملها عند نفسها
غلاما فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى لا تكون
البنت رسولا يقول الله تعالى: * (والله أعلم بما وضعت) * فلما وهب الله لمريم
عيسى (عليه السلام) كان هو الذي بشر به عمران ووعده إياه فإذا قلنا في الرجل منا
شيئا وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) ما يقرب منه.
وعن الصادق (صلوات الله عليه) ان المحرر يكون في الكنيسة لا يخرج منها
فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى ان الأنثى تحيض
فتخرج من المسجد والمحرر لا يخرج من المسجد، وعن أحدهما (عليهما
السلام) نذرت ما في بطنها للكنيسة ان يخدم العباد وليس الذكر كالأنثى في
الخدمة قال نشبت (1) وكانت تخدمهم وتناوئهم حتى بلغت فأمر زكريا ان يتخذ
لها حجابا دون العباد.
وإني سميتها مريم انه قلت ذلك تقربا إلى الله وطلبا لأن يعصمها
ويصلحها حتى يكون فعلها مطابقا لا سمها فان مريم في لغتهم بمعنى العابدة
وإني أعيذها بك وذريتها أجيرها بحفظك من الشيطان الرجيم المطرود واصل
الرجم الرمي بالحجارة.
في المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما من مولود يولد الا
والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مسه الا مريم وابنها، قيل معناه ان
الشيطان يطمع في اغواء كل مولود بحيث يتأثر من طمعه فيه الا مريم وابنها فان
الله عصمهما ببركة هذه الاستعاذة.
(37) فتقبلها ربها فرضي بها في النذر مكان الذكر بقبول حسن بوجه حسن
يقبل به النذائر وهو اقامتها مقام الذكر وتسلمها عقيب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح

(1) نشب في الشئ إذا وقع فيما لا مخلص له ونشب الشئ في الشئ من باب تعب نشوبا علق به فهو ناشب
(مجمع).
331

للسدانة، روي أن حنة لما ولدتها لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعت
عند الأحبار وقالت دونكم هذه النذرة فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت امامهم
وصاحب قربانهم فان بني ما ثان كانت رؤوس بني إسرائيل وملوكهم فقال زكريا
انا أحق بها عندي خالتها فأبوا الا القرعة وكانوا سبعة وعشرين فانطلقوا إلى نهر
فألقوا فيه أقلامهم فطفا قلم زكريا ورسبت أقلامهم فتكفلها.
أقول: وفي رواية أصحابنا أن زوجة زكريا كانت أختها لا خالتها.
رواه القمي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) ويأتي من تفسير الامام أيضا
ما يدل عليه.
وأنبتها نباتا حسنا مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع أحوالها وكفلها
وقرئ بالتشديد اي الله زكريا وقرئ بالقصر حيث وقع كلما دخل عليها زكريا
المحراب أي الغرفة التي بنيت لها أو المسجد أو اشرف مواضعه ومقدمها سمي
به لأنه محل محاربة الشيطان كأنها وضعت في اشرف موضع من بيت المقدس
وجد عندها رزقا جواب كلما روي أنه كان لا يدخل عليها غيره وإذا خرج أغلق
عليها سبعة أبواب وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وبالعكس.
أقول: ويأتي مثله في رواية أصحابنا قال يا مريم أنى لك هذا من أين لك
هذا الرزق الآتي في غير أوانه والأبواب مغلقة عليك قالت هو من عند الله فلا
تستبعد إن الله يرزق من يشاء بغير حساب العياشي عن الباقر (عليه السلام) قال إن فاطمة ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجن والخبز وقم البيت
وضمن لها علي (عليه الصلاة والسلام) ما كان خلف الباب من نقل الحطب وأن
يجئ بالطعام فقال لها يوما يا فاطمة هل عندك شئ قالت لا والذي عظم حقك
ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شئ نقريك به قال أفلا أخبرتني قالت كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) نهاني ان أسألك شيئا فقال لا تسألي ابن عمك شيئا
ان جاءك بشئ عفو والا فلا تسأليه قال فخرج علي (عليه السلام) فلقي رجلا
فاستقرض منه دينارا ثم أقبل به وقد أمسى فلقي مقداد بن الأسود فقال للمقداد ما
332

أخرجك في هذه الساعة قال الجوع والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين قال فهو
أخرجني وقد استقرضت دينارا وسأوثرك به فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول الله
جالسا وفاطمة تصلي وبينهما شئ مغطى فلما فرغت اختبرت ذلك فإذا جفنة من
خبز ولحم قال يا فاطمة انى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء
بغير حساب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الا أحدثك بمثلك
ومثلها قال بلى قال: مثل زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا
قال يا مريم انى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب
فأكلوا منها شهرا وهي الجفنة التي يأكل منها القائم وهي عندنا.
وفي الكافي أورد هذا الخبر بنحو آخر من طريق العامة بنحو ثالث أوردها
الزمخشري والبيضاوي وغيرهما في تفاسيرهم.
(38) هنالك في ذلك المكان أو الوقت دعا زكريا ربه لما رأى كرامة مريم
ومنزلتها من الله. العياشي عن الباقر (عليه السلام) انها كانت أجمل النساء وكانت
تصلي فيضئ المحراب لنورها فدخل عليها زكريا فإذا عندها فاكهة الشتاء في
الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فقال إني لك هذا قالت هو من عند الله هنالك
دعا زكريا ربه.
وفي تفسير الامام في سورة البقرة ان زكريا (عليه السلام) قال في نفسه ان
الذي يقدر ان يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء
لقادر ان يهب لي ولدا وإن كنت شيخا وكانت امرأتي عاقرا فهنالك دعا زكريا
ربه.
قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ولدا مباركا كما وهبتها لحنة قيل
كانت عنده ايشاع بنت عمران بن ما ثان أخت حنة فرغب أن يكون له ولد منها
مثل ولد أختها حنة في الكرامة على الله إنك سميع الدعاء.
(39) فنادته وقرئ فناداه بالتذكير الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب
أن الله وقرئ بكسر الهمزة يبشرك وقرئ بفتح الياء وضم الشين وكذا فيما يأتي
333

بيحيى مصدقا بكلمة من الله يعني بعيسى كما يأتي عن قريب وسيدا يسود قومهم
ويفوقهم وكان فائقا للناس كلهم في أنه ما هم بمعصية.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام) يعني رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته.
وحصورا مبالغا في حصر النفس عن الشهوات والملاهي، روي أنه مر
في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال ما للعب خلقت.
وعن الصادق (عليه السلام) هو الذي لا يأتي النساء ويأتي ذكر الروايتين في
سورة مريم انشاء الله
ونبيا من الصالحين كائنا من عدادهم أو ناشئا منهم.
في تفسير الامام عند قوله واستشهدوا شهيدين من رجالكم ما الحق الله
صبيانا برجال كاملي العقول الا هؤلاء الأربعة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا
والحسن والحسين (عليهم الصلاة والسلام) ثم ذكر قصتهم ثم قال وكان أول
تصديق يحيى بعيسى ان زكريا كان لا يصعد إلى مريم في تلك الصومعة غيره
يصعد إليها بسلم فإذا نزل اقفل عليها ثم فتح لها من فوق الباب كوة صغيرة
يدخل عليها منها الريح فلما وجد مريم وقد حبلت ساءه ذلك وقال في نفسه ما
كان يصعد إلى هذه أحد غيري وقد حبلت والآن أفتضح في بني إسرائيل لا
يشكون اني أحبلتها فجاء إلى امرأته وقال لها ذلك فقالت يا زكريا لا تخف فان
الله لن يصنع بك الا خيرا فأتني بمريم انظر إليها وأسألها عن حالها فجاء بها
زكريا إلى امرأته فكفى الله مريم مؤنة الجواب عن السؤال ولما دخلت إلى أختها
وهي الكبرى ومريم الصغرى لم تقم إليها امرأة زكريا فاذن الله تعالى ليحيى وهو
في بطن أمه فنخس بيده في بطنها وأزعجها وناداها يا أمه تدخل إليك سيدة نساء
العالمين مشتملة على سيدة رجال العالمين فلا تقومين لها فانزعجت وقامت إليها
وسجد يحيى وهو في بطن أمه لعيسى بن مريم فذلك كان أول تصديقه له فذلك
قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحسن والحسين (عليهما السلام).
334

(40) قال رب أنى يكون لي غلام استبعاد عادي واستفهام وقد بلغني
الكبر اثر في السن وأضعفني وامرأتي عاقر لا تلد من العقر بمعنى القطع قال
كذلك مثل خلق الولد من الشيخ الفاني والعجوز العاقر الله يفعل ما يشاء من
العجائب الخارقة للعادة.
(41) قال رب اجعل لي آية علامة اعرف بها الحمل لاستقبله بالشكر قال
آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ان لا تقدر على تكليم الناس ثلاثا قيل وإنما
حبس لسانه عن مكالمتهم خاصة ليخلص المدة لذكر الله وشكره قضاء لحق
النعمة وكأنه قال آيتك أن تحبس لسانك الا عن الشكر.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال إن زكريا لما دعا ربه ان يهب له
ولدا فنادته الملائكة بما نادته به أحب أن يعلم أن ذلك الصوت من الله فأوحى
إليه ان آية ذلك ان يمسك لسانه عن الكلام ثلاثة أيام فلما امسك لسانه ولم
يتكلم علم أنه لا يقدر على ذلك الا الله وذلك قول الله رب اجعل لي آية.
إلا رمزا إشارة، العياشي عن أحدهما (عليهما السلام) فكان يؤمي برأسه
واذكر ربك كثيرا قيل يعني في أيام العجز عن تكلم الناس وهو مؤكد لما قبله
مبين للغرض منه وسبح بالعشي من الزوال أو العصر إلى الغروب والإبكار من
طلوع الفجر إلى الضحى.
(42) وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على
نساء العالمين كلموها شفاها لأنها كانت محدثة تحدثهم ويحدثونها قيل الاصطفاء
الأول تقبلها من أمها ولم تقبل قبلها أنثى وتفريغها للعبادة واغناؤها برزق الجنة
عن الكسب وتطهيرها عما يستقذر من النساء والثاني هدايتها وارسال الملائكة
إليها وتخصيصها بالكرامات السنية كالولد من غير أب وتبرأتها عما قذفته اليهود
بانطاق الطفل وجعلها وابنها آية للعالمين.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) معنى الآية اصطفاك من ذرية الأنبياء
وطهرك من السفاح واصطفاك لولادة عيسى من غير فحل.
335

(43) يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين في جماعتهم أو
كوني في عدادهم أمرت بالصلاة بذكر أركانها.
القمي إنما هو اركعي واسجدي وعده مما وقع فيه التقديم والتأخير من
القرآن.
وفي العلل عن الصادق (عليه السلام) قال سميت فاطمة محدثة لأن الملائكة
كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول يا فاطمة ان
الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتي لربك
واسجدي واركعي مع الراكعين فتحدثهم ويحدثونها فقالت لهم ذات ليلة أليست
المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران فقالوا ان مريم كانت سيدة نساء
عالمها وان الله عز جلاله جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين
والآخرين.
(44) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم
أيهم يكفل مريم العياشي عن الباقر (عليه السلام) يقرعون بها حين ايتمت من أبيها
وما كنت لديهم إذ يختصمون تنافسا في كفالتها.
(45) إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح
قيل أصله بالعبرية مشيحا ومعناه المبارك عيسى بن مريم قيل هو معرب ايشوع
وجيها القمي ذو وجه وجاه في الدنيا بالنبوة والرسالة وفي الآخرة بالشفاعة وعلو
الرتبة ومن المقربين من الله برفعه إلى السماء وصحبة الملائكة وعلو درجته في
الجنة.
(46) ويكلم الناس كلام الأنبياء في المهد حال كونه طفلا وكهلا من غير
تفاوت قيل فيه دليل على نزوله لأنه رفع قبل أن يكتهل ومن الصالحين قيل ذكر
أحواله المختلفة المتنافية ارشاد إلى أنه بمعزل عن الألوهية.
(47) قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله
336

يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.
كما يقدر ان يخلق الأشياء مدرجا بأسباب ومواد يقدر أن يخلقها دفعة من
غير ذلك.
(48) ويعلمه الكتاب وقرئ بالنون الكتبة أو جنس الكتب المنزلة والحكمة
والتوراة والإنجيل خص الكتابان لفضلهما.
(49) ورسولا ويرسله رسولا إلى بني إسرائيل، في الاكمال عن الباقر
(عليه السلام) انه ارسل إلى بني إسرائيل خاصة وكانت نبوته ببيت المقدس أني قد
جئتكم بآية من ربكم حجة شاهدة على صحة نبوتي أني أخلق لكم أقدر وأصور
شيئا وقرئ إني بالكسر من الطين كهيئة الطير مثل صورته فأنفخ فيه فيكون طيرا
حيا طيارا بإذن الله بأمره نبه على أن إحياءه من الله لا منه، وقرئ طائرا وأبرئ
الأكمه الأعمى والأبرص وأحي الموتى بإذن الله كرر بإذن الله دفعا لوهم
الألوهية فان الأحياء ليس من جنس الأفعال البشرية وأنبئكم بما تأكلون ما
تدخرون في بيوتكم بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها إن في ذلك لآية
لكم إن كنتم مؤمنين مصدقين غير معاندين.
القمي عن الباقر (عليه السلام) ان عيسى (عليه السلام) كان يقول لبني
إسرائيل اني رسول الله إليكم واني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه
فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص والأكمه هو الأعمى قالوا ما نرى
الذي تصنع الا سحرا فأرنا آية نعلم أنك صادق قال أرأيتكم ان أخبرتكم بما
تأكلون وما تدخرون في بيوتكم قبل أن تخرجوا وما ادخرتم بالليل تعلمون اني
صادق قالوا نعم وكان يقول أنت اكلت كذا وكذا وشربت كذا وكذا ورفعت كذا
وكذا فمنهم من يقبل منه فيؤمن ومنهم من يكفر وكان لهم في ذلك آية ان كانوا
مؤمنين.
والعياشي مقطوعا قال فمكث عيسى حتى بلغ سبع سنين أو ثمان سنين
فجعل يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم فأقام بين أظهرهم يحيي
337

الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويعلمهم التوراة وانزل الله عليه الإنجيل لما أراد
الله عليهم حجة ومرفوعا قال إن أصحاب عيسى سألوه أن يحيي لهم ميتا فأتى
بهم إلى قبر سام بن نوح فقال له قم بإذن الله يا سام بن نوح قال فانشق القبر ثم
أعاد الكلام فتحرك ثم أعاد الكلام فخرج سام بن نوح فقال له عيسى أيهما أحب
إليك تبقى أو تعود قال فقال يا روح الله بل أعود اني لأجد حرقة الموت أو قال
لذعة الموت في جوفي إلى يومي هذا.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل هل كان
عيسى بن مريم أحيى أحدا بعد موته حتى كان له أكل ورزق ومدة وولد فقال نعم
انه كان له صديق مواخ له في الله تعالى وكان عيسى (عليه السلام) يمر به وينزل
عليه وان عيسى غاب عنه حينا ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه أمه فسألها عنه
فقالت مات يا رسول الله قال أفتحبين ان تريه قالت نعم فقال لها فإذا كان غدا
فأتيك حتى أحييه لك بإذن الله تعالى فلما كان من الغد أتاها فقال لها انطلقي
معي إلى قبره فانطلقا حتى اتيا قبره فوقف عيسى ثم دعا الله تعالى فانفرج القبر
وخرج ابنها حيا فلما رأته أمه وراءها بكيا فرحمهما عيسى فقال أتحب ان تبقى
مع أمك في الدنيا فقال يا نبي الله بأكل ورزق ومدة أم بغير اكل ولا رزق ولا مدة
فقال له عيسى بأكل ورزق ومدة تعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك قال نعم إذا
فدفعه عيسى إلى أمه فعاش عشرين سنة وولد له.
أقول: وقد صدر عن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أمثال ما صدر عن
عيسى وأكثر منها واعجب كما رواه في الاحتجاج عن الحسين بن علي (عليهما
السلام).
وفي التوحيد عن الرضا (عليه السلام) في حديث له طويل لقد اجتمعت
قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم
فوجه معهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له اذهب إلى الجبانة فناد
بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان ويا فلان ويا فلان
338

يقول لكم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قوموا بإذن الله تعالى فقاموا ينفضون
التراب عن رؤوسهم وأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ثم أخبروهم ان محمدا
(صلى الله عليه وآله وسلم) قد بعث نبيا وقالوا وددنا ان كنا أدركناه فنؤمن به قال
(عليه السلام) ولقد أبرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلمه البهائم والطير والجن
والشياطين.
(50) ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم
عليكم في شريعة موسى (عليه السلام) كالشحوم والثروب (1) والسمك ولحوم الإبل
والعمل بالسبت كذا قيل.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال كان بين داود وعيسى بن مريم
(عليهم السلام) اربعماءة سنة وكانت شريعة عيسى (عليه السلام) انه بعث بالتوحيد
والإخلاص وبما أوصى به نوح وإبراهيم وموسى (عليهم السلام) وانزل عليه
الإنجيل وأخذ عليه الميثاق الذي أخذ على النبيين وشرع له في الكتاب أقام
الصلاة مع الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحريم الحرام وتحليل
الحلال وانزل عليه في الإنجيل مواعظ وأمثال وليس فيها
قصاص ولا أحكام حدود ولا فرض مواريث وانزل
عليه تخفيف ما كان على موسى (عليه السلام) في التوراة وهو قول الله عز وجل
في الذي قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل ولأحل لكم بعض الذي حرم
عليكم، وامر عيسى (عليه السلام) من معه ممن اتبعه من المؤمنين أن يؤمنوا
بشريعة التوراة والإنجيل.
أقول: نسخ بعض احكام التوراة لا ينافي تصديقه كما لا يعود نسخ
القرآن بعضه ببعض عليه بتناقض وذلك لأن النسخ في الحقيقة بيان لانتهاء مدة
الحكم وتخصيص في الأزمان.
وجئتكم بآية من ربكم لعله كرر هذا القول لأن الأول كان تمهيدا للحجة
والثاني تقريبا للحكم ولهذا رتب عليه ما بعده بالفاء. وقيل بل المراد قد جئتكم

(1) الثرب شحم رقيق يغشى الكرش والأمعاء (منه).
339

بحجة أخرى شاهدة على صحة نبوتي وهي قوله إن الله ربي وربكم فإنه دعوة
الحق المجمع عليها بين الرسل الفارق بين النبي والساحر وما بينهما اعتراض
فاتقوا الله وأطيعون فاتقوا الله في المخالفة وأطيعوني فيما أدعوكم إليه.
(51) إن الله ربي وربكم إشارة إلى استكمال العلم بالاعتقاد الحق الذي
غايته التوحيد فاعبدوه إشارة إلى استكمال العمل بملازمة الطاعة التي هي الاتيان
بالأوامر والانتهاء عن المناهي هذا صراط مستقيم إشارة إلى أن الجمع بين
الأمرين هو الطريق المشهود له بالاستقامة.
(52) فلما أحس عيسى منهم الكفر لما سمع ورأي انهم يكفرون كذا رواه
القمي عن الصادق (عليه السلام) قال من أنصاري إلى الله من أعواني إلى سبيله
قال الحواريون حواري الرجل خالصته من الحور وهو البياض الخالص.
في العيون عن الرضا (عليه السلام) انه سئل لم سمي الحواريون الحواريين
قال اما عند الناس فإنهم سموا حواريين لأنهم كانوا قصارين يخلصون الثياب من
الوسخ بالغسل وهواسم مشتق من الخبز الحوار واما عندنا فسمي الحواريون
الحواريين لأنهم كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلصين غيرهم من أوساخ الذنوب
بالوعظ والتذكير.
وفي التوحيد عنه (عليه السلام) انهم كانوا اثني عشر رجلا وكان أفضلهم
واعلمهم الوقا.
نحن أنصار الله أنصار دينه آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون كن شهيدا لنا
عند الله يوم القيامة حين يشهد الرسل لقومهم وعليهم.
(53) ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين بوحدانيتك
أو مع الشاهدين مع الناس ولهم.
(54) ومكروا اي الذين أحس عيسى منهم الكفر من اليهود بأن وكلوا عليه
من يقتله غيلة ومكر الله حين رفع عيسى والقى شبهه على من قصد اغتياله حتى
340

قتل بدلا منه كما روته العامة.
ومضى عن تفسير الإمام (عليه السلام) أيضا في سورة البقرة أو على أحد من
خواصه ليكون معه في درجته كما ذكره القمي ويأتي عن قريب والمكر من حيث إنه
في الأصل حيلة يجلب بها غيره إلى مضرة لا يسند إلى الله تعالى الا على
سبيل المقابلة والازدواج أو بمعنى المجازاة كما مر عن الرضا (عليه السلام) والله
خير الماكرين أقواهم مكرا وأنفذهم كيدا وأقدرهم على العقاب من حيث لا
يحتسب المعاقب.
(55) إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك متوفي أجلك ومؤخرك إلى أجلك
المسمى عاصما إياك من قتلهم أو قابضك من الأرض من توفيت مالي أو مميتك
عن الشهوات العائقة عن العروج إلى عالم الملكوت ورافعك إلي إلى محل
كرامتي ومقر ملائكتي ومطهرك من الذين كفروا من سوء جوارهم وجاعل الذين
اتبعوك من المسلمين والنصارى فوق الذين كفروا من اليهود والمكذبين إلى يوم
القيمة يغلبونهم بالحجة والسيف ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما
كنتم فيه تختلفون من امر الدين.
(56) فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم
من ناصرين.
(57) وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم تفسير للحكم
وتفصيل له وقرئ فتوفاهم بالتاء والله لا يحب الظالمين في الاكمال عن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث بعث الله عيسى بن مريم واستودعه النور
والعلم والحكم وجميع علوم الأنبياء قبله وزاده الإنجيل وبعثه إلى بيت المقدس
إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الايمان بالله ورسوله فأبى
أكثرهم الا طغيانا وكفرا فلما لم يؤمنوا دعا ربه وعزم عليه فمسخ منهم شياطين
ليريهم آية فيعتبروا فلم يزدهم ذلك الا طغيانا وكفرا فأتى بيت المقدس فكان
يدعوهم ويرغبهم فيما عند الله ثلاثة وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت انها
341

عذبته ودفنته في الأرض حيا وادعى بعضهم انهم قتلوه وصلبوه وما كان الله
ليجعل لهم سلطانا عليه وإنما شبه لهم وما قدروا على عذابه ودفنه ولا على قتله
وصلبه لأنهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله ولكن رفعه الله بعد ان توفاه.
والقمي عن الباقر (عليه السلام) قال إن عيسى (عليه السلام) وعد أصحابه ليلة
رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا ثم خرج
من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء فقال إن الله أوحى إلي أنه
رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب
ويكون معي في درجتي فقال شاب منهم انا يا روح الله قال فأنت هوذا فقال
لهم عيسى (عليه السلام) اما ان منكم من يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة
فقال له رجل منهم انا هو يا نبي الله فقال عيسى أتحس بذلك في نفسك فلتكن
هو ثم قال لهم عيسى اما انكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق فرقتين مفتريتين
على الله في النار وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة ثم رفع الله عيسى
(عليه السلام) إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه ثم قال إن اليهود جاءت في
طلب عيسى من ليلتهم فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى ان منكم لمن يكفر بي
قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة وأخذوا الشاب الذي القي عليه شبح عيسى (عليه
السلام) فقتل وصلب وكفر الذي قال له عيسى (عليه السلام) يكفر قبل أن يصبح
اثنتي عشرة كفرة.
(58) ذلك إشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى وغيره نتلوه عليك من الآيات
والذكر الحكيم المشتمل على الحكم أو المحكم الممنوع من تطرق الخلل إليه
يريد به القرآن أو اللوح المحفوظ.
(59) إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم أي شأنه الغريب كشأن آدم خلقه من
تراب جملة مفسرة للتمثيل مبينة لما له الشبه وهو انه خلق بلا أب كما خلق آدم من
التراب بلا أب وأم شبه حاله بما هو أقرب افحاما للخصم وقطعا لمواد الشبه والمعنى
خلق قالبه من التراب ثم قال له كن أي أنشأ بشرا كقوله ثم أنشأناه خلقا آخر وقدر
342

تكوينه من التراب ثم كونه فيكون أي فكان في الحال.
(60) الحق هو الحق من ربك فلا تكن من الممترين.
(61) فمن حاجك من النصارى فيه في عيسى (عليه السلام) من بعد ما جاءك
من العلم من البينات الموجبة للعلم فقل تعالوا هلموا بالرأي والعزم ندع أبناءنا
وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم أي يدع كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله
وألصقهم بقلبه إلى المباهلة ويحمل عليها وإنما قدمهم على النفس لأن الرجل
يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم ثم نبتهل أي نتباهل بأن نلعن الكاذب منا والبهلة
بالضم والفتح اللعنة واصله الترك من قولهم بهلت الناقة إذا تركتها بلا صرار والصرار
خيط يشد فوق الخلف لئلا يرضعها ولدها فنجعل لعنت الله على الكاذبين عطف فيه
بيان، روي أنهم لما دعوا إلى المباهلة قالوا حتى ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان
ذا رأيهم وما ترى فقال والله لقد عرفتم نبوته ولقد جاءكم بالفصل في أمر صاحبكم والله
ما باهل قوم نبيا الا هلكوا فان أبيتم الا ألف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا فآتوا
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد غدا محتضنا الحسين (عليه الصلاة والسلام)
آخذا بيد الحسن وفاطمة (عليهم السلام) تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول إذا انا
دعوت فآمنوا فقال أسقفهم (2): يا معشر النصارى اني لأرى وجوها لو سألوا الله ان
يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا فاذعنوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وبذلوا له الجزية الفي حلة حمراء وثلاثين درعا من حديد فقال والذي نفسي
بيده لو تباهلوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله
نجران وأهله حتى الطير على الشجر كذا روته العامة وهو دليل على نبوته وفضل من
اتى بهم من أهل بيته وشرفهم شرفا لا يسبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي (عليه
السلام) كنفسه.
وفي العيون عن الكاظم (عليه الصلاة والسلام) لم يدع أحدا انه ادخله النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الكساء عند المباهلة للنصارى الا علي بن أبي طالب
(عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فكان تأويل قوله عز وجل أبناءنا
343

الحسن والحسين ونساءنا فاطمة وأنفسنا علي بن أبي طالب (عليهم صلوات الله).
والقمي عن الصادق (عليه السلام) ان نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) وكان سيدهم الأهتم والعاقب والسيد وحضرت صلاتهم
فأقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا
رسول الله هذا في مسجدك فقال دعوهم فلما فرغوا دنوا من رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) فقالوا له إلى ما تدعو؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله
وان عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث قالوا فمن أبوه فنزل الوحي على رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: قل لهم ما تقولون في آدم أكان عبدا مخلوقا يأكل
ويشرب ويحدث وينكح فسألهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا نعم قال فمن
أبوه فبهتوا فأنزل الله ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب الآية وقوله فمن
حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم إلى قوله فنجعل لعنة الله على الكاذبين فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فباهلوني فان كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم وان
كنت كاذبا أنزلت علي فقالوا أنصفت فتواعدوا للمباهلة فلما رجعوا إلى منازلهم قال
رؤساؤهم السيد والعاقب والأهتم ان باهلنا بقومه باهلناه فإنه ليس نبيا وان باهلنا بأهل
بيته خاصة فلا نباهله فإنه لا يقدم إلى أهل بيته الا وهو صادق فلما أصبحوا جاؤوا إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين
(صلوات الله عليهم) فقال النصارى من هؤلاء فقيل لهم ان هذا ابن عمه ووصيه وختنه
علي بن أبي طالب وهذه بنته فاطمة وهذان ابناه الحسن والحسين (صلوات الله عليهم)
ففرقوا وقالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة
فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجزية وانصرفوا.
وفي العلل عن الجواد (عليه السلام) ولو قال تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم
لم يكونوا يجيبون للمباهلة وقد عرف الله ان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤدي عنه
رسالته وما هو من الكاذبين وكذلك عرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه صادق
فيما يقول ولكن أحب ان ينصف من نفسه.
(62) إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله.
344

أتى بمن الزائدة للاستغراق تأكيدا للرد على النصارى في تثليثهم وإن الله لهو
العزيز الحكيم لا أحد سواه يساويه في القدرة التامة والحكمة البالغة ليشاركه في
الألوهية.
(63) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين وعيد لهم وضع المظهر موضع
المضمر ليدل على أن التولي عن الحجج والاعراض عن التوحيد افساد للدين ويؤدي
إلى افساد النفس بل وإلى افساد العالم.
(64) قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا
الله ان نوحده بالعبادة ونخلص فيها ولا نشرك به شيئا ولا نجعل غيره شريكا له
في العبادة ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ولا نقول عزير ابن الله ولا
المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل لأن كلا منهم
بشر مثلنا.
في المجمع روي أنهم لما نزلت اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون
الله قال عدي بن حاتم ما كنا نعبدهم يا رسول الله قال أليس كانوا يحلون لكم
ويحرمون فتأخذون بقولهم قال نعم قال هو ذاك فإن تولوا عن التوحيد فقولوا
اشهدوا بأنا مسلمون اي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم قيل انظر
إلى ما راعى في هذه القصة من المبالغة في الارشاد وحسن التدرج في الحجاج
بين أولا أحوال عيسى وما تعاور عليه من الأطوار المنافية للا لهية ثم ذكر ما يحل
عقدتهم ويزيح شبهتهم فلما رأى عنادهم ولجاجهم دعاهم إلى المباهلة بنوع من
الاعجاز ثم لما اعرضوا عنها وانقادوا بعض الانقياد عاد عليهم بالارشاد وسلك
طريقا أسهل وألزم بأن دعاهم إلى ما وافق عليه عيسى والإنجيل وسائر الأنبياء
والكتب ثم لما لم يجد ذلك أيضا عليهم وعلم أن الآيات والنذر لا تغني عنهم
اعرض عن ذلك وقال اشهدوا بأنا مسلمون.
(65) يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا
من بعده قيل تنازعت اليهود والنصارى في إبراهيم وزعم كل فريق انه منهم فترافعوا
345

إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت والمعنى أن اليهودية والنصرانية
حدثت بنزول التوراة والإنجيل على موسى وعيسى وكان إبراهيم قبل موسى بألف سنة
وعيسى بألفين سنة فكيف يكون عليهما أفلا تعقلون فتدعون المحال.
(66) ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به
علم بهوا بحرف التنبيه عن حالهم التي غفلوا عنها اي أنتم هؤلاء الحمقى وبيان
حماقتكم انكم جادلتم فيما لكم به علم مما وجدتموه في التوراة والإنجيل عنادا أو
تدعون وروده فيه فلم تجادلون فيما لا علم لكم به ولا ذكر له في كتابكم من دين
إبراهيم وقيل هؤلاء بمعنى الذين وقيل عطف بيان لأنتم والله يعلم ما حاججتم فيه
من شأن إبراهيم ودينه وأنتم لا تعلمون فلا تتكلموا فيه.
(67) ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا تصريح بمقتضى ما قرره ولكن كان
حنيفا مائلا عن العقائد الزائفة مسلما منقادا لله تعالى وليس المراد انه كان على ملة
الاسلام والا لاشترك الالزام.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) خالصا مخلصا ليس فيه شئ من عبادة
الأوثان.
والعياشي عنه (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يهوديا يصلي
إلى المغرب ولا نصرانيا يصلي إلى المشرق ولكن كان حنيفا مسلما على دين محمد
(صلى الله عليه وآله وسلم).
أقول: يعني كان يصلي إلى الكعبة ما بين المشرق والمغرب وكان دينه موافقا
لدين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وما كان من المشركين تعريض بأنهم مشركون لاشراكهم به عزيرا والمسيح
ورد لادعاء المشركين انهم على ملة إبراهيم.
(68) إن أولى الناس بإبراهيم ان أخصهم به وأقربهم منه من الولي وهو القرب.
للذين اتبعوه من أمته وهذا النبي خصوصا والذين آمنوا من أمته لموافقتهم له في أكثر
346

ما شرع لهم على الأصالة.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) هم الأئمة ومن اتبعهم.
والقمي والعياشي عن عمر بن يزيد عنه (عليه السلام) قال أنتم والله من آل محمد
فقلت جعلت من أنفسهم جعلت فداك قال نعم والله من أنفسهم ثلاثا ثم نظر إلي ونظرت إليه
فقال يا عمر ان الله تعالى يقول في كتابه: * (ان أولى الناس) * الآية.
وفي المجمع قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ان أولى الناس بالأنبياء
اعلمهم بما جاؤوا به ثم تلا هذه الآية قال إن ولي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من
أطاع الله وان بعدت لحمته وان عدو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من عصى الله
قربت قرابته والله ولي المؤمنين يتولى نصرتهم.
(69) ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم قيل نزلت في اليهود لما دعوا
حذيفة وعمارا ومعاذا إلى اليهودية وما يضلون إلا أنفسهم وما يتخطئهم الا ضلال ولا
يعود وباله الا عليهم إذ يضاعف به عذابهم أو ما يضلون الا أمثالهم وما يشعرون وزره
واختصاص ضرره بهم.
(70) يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله بما نطقت من التوراة والإنجيل
ودلت على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنتم تشهدون انها آيات الله أو بما
يتلى عليكم من القرآن وأنتم تشهدون نعته في الكتابين أو تعلمون بالمعجزات انه حق
أو بالمعجزات وأنتم تشهدون ان ظهور المعجزات يدل على صدق الرسالة.
(71) يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل بالتحريف وابراز الباطل في
صورته أو بالتقصير في المميز بينهما وتكتمون الحق نبوة محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) ونعته وأنتم تعلمون عالمون بما تكتمونه.
(72) وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه
النهار أي أظهروا الايمان بالقرآن أول النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون يشكون في
دينهم ظنا بأنكم قد رجعتم لخلل ظهر لكم.
347

والقمي عن الباقر (عليه السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قدم
المدينة وهو يصلي نحو بيت المقدس أعجب ذلك القوم فلما صرفه الله عن بيت
المقدس إلى بيت الله الحرام وجدت اليهود من ذلك وكان صرف القبلة صلاة
الظهر، فقالوا صلى محمد الغداة واستقبل قبلتنا فآمنوا بالذي انزل على محمد (صلى
الله عليه وآله وسلم) وجه النهار واكفروا آخره يعنون القبلة حين استقبل رسول الله
المسجد الحرام لعلهم يرجعون إلى قبلتنا.
(73) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قيل هذا من تتمة كلام اليهود أي لا تصدقوا
ولا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم الا لأهل دينكم قل إن الهدى هدى الله اعتراض
بين المفعول وفعله من كلام الله تعالى ومعناه ان الدين دين الله أن يؤتى أحد مثل ما
أوتيتم يعني من العلم والحكمة والكتاب والحجة والمن والسلوى والفضائل
والكرامات وقرئ ان يؤتى بالمد على الاستفهام (1) أو يحاجوكم عند ربكم عطف
على قوله إن يؤتى أحد والواو ضمير أحد لأنه في معنى الجمع والمعنى ولا تؤمنوا بأن
يحاجوكم عند ربكم لأنكم انصح دينا منهم فلا تكون لهم الحجة عليكم. وفي الآية
وجوه أخر وهي من المتشابهات التي لم يصل الينا عن أهل البيت شئ قل إن الفضل
بيد الله اي الهداية والتوفيق منه يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.
(74) يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
(75) ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه
بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما إلا مدة دوامك على رأسه تطالبه بالعنف
ذلك يعني ترك الأداء بأنهم قالوا بسبب قولهم ليس علينا في الأمين سبيل أي ليس
علينا في شأن من ليسوا من أهل الكتاب ولم يكونوا على ديننا عقاب وذم ويقولون
على الله الكذب بادعائهم ذلك وهم يعلمون أنهم كاذبون وذلك لأنهم استحلوا ظلم
من خالفهم وقالوا لم يجعل لهم في التوراة حرمة.

(1) وقيل: أن يؤتى متعلق بمحذوف أي دبرتم ذلك وقلتم أن يوتى أحد، والمعنى أن الحسد حملكم على ذلك وقراءة
أن يؤتى على الاستفهام للتفريع يؤيد هذا التفسير وقيل أن يؤتى خبر ان على أن هدى الله بدل عن الهدى فيكون معنى أو
يحاجوكم حتى يحاجوكم فيد حض حجتكم وقيل فيه أقوال والعلم عند الله (منه قده).
348

وفي المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قرأ هذه الآية قال كذب
أعداء الله ما من شئ كان في الجاهلية الا وهو تحت قدمي الا الأمانة فإنها مؤدات
إلى البر والفاجر.
(76) بلى اثبات لما نفوه اي بلى عليهم سبيل من أوفى بعهده واتقى فإن الله
يحب المتقين استئناف اي كل من أوفى بما عاهد عليه اي عهد كان واتقى الله في ترك
الخيانة والغدر فان الله يحبه في وضع الظاهر موضع المضمر اشعار بأن التقوى ملاك
الأمر.
(77) إن الذين يشترون يستبدلون بعهد الله بما عاهدوا عليه من الإيمان
بالرسول والوفاء بالأمانات وأيمانهم وبما حلفوا به ثمنا قليلا متاع الدنيا من الرياسة
وأخذ الرشوة والذهاب بمال أخيهم المسلم ونحو ذلك أولئك لا خلاق لهم لا نصيب
لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيمة كناية عن سخطه عليهم
واستهانته بهم.
وفي التوحيد عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يعني لا يصيبهم بخير قال وقد
تقول العرب والله ما ينظر الينا فلان وإنما يعنون بذلك انه لا يصيبنا منه بخير ولا
يزكيهم قيل ولا يثني عليهم.
وفي تفسير الامام ولا يزكيهم من ذنوبهم كما مر.
ولهم عذاب أليم في الأمالي قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حلف
على يمين يقطع بها مال أخيه لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديقه في
كتابه ان الذين يشترون الآية.
(78) وإن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتاب يفتلونها بقراءته فيميلونها
عن المنزل إلى المحرف لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو
من عند الله وما هو من عند الله تأكيد وزيادة تشنيع عليهم ويقولون على الله
الكذب وهم يعلمون تأكيد وتسجيل عليهم بالكذب على الله والتعمد فيه.
349

القمي مقطوعا قال كان اليهود يفترون شيئا ليس في التوراة ويقولون هو في
التوراة فكذبهم الله.
(79) ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس
كونوا عبادا لي من دون الله في المجمع قيل أن أبا رافع القرظي والسيد
النجراني قالا يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا فقال معاذ الله ان يعبد غير
الله وان نأمر بغير عبادة الله فما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني فنزلت ولكن كونوا
ربانيين ولكن يقول كونوا ربانيين والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون
وهو الكامل في العلم والعمل.
والقمي اي ان عيسى لم يقل للناس إني خلقتكم وكونوا عبادا لي من دون
الله ولكن قال لهم كونوا ربانيين اي علماء.
بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون بسبب كونكم معلمين الكتاب
ودارسين له فان فائدة التعليم والتعلم معرفة الحق والخير للاعتقاد والعمل،
وقرئ بالتخفيف اي بسبب كونكم عالمين.
في العيون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا ترفعوني فوق حقي
فان الله تعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا ثم تلا هذه الآية.
وعن أمير المؤمنين يهلك في اثنان ولا ذنب لي محب مفرط ومبغض مفرط
وانا لبراء إلى الله تعالى ممن يغلو فينا فيرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى بن مريم
من النصارى.
(80) ولا يأمركم وقر ئ بنصب الراء أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا
أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون القمي كان قوم يعبدون الملائكة وقوم من
النصارى زعموا ان عيسى رب واليهود قالوا عزير ابن الله فقال الله ولا يأمركم
الآية.
(81) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم وقرئ بكسر اللام وآتيناكم من كتاب
350

وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه في الجوامع
والمجمع عن الصادق (عليه السلام) وإذا أخذ الله ميثاق أمم النبيين كل أمة
بتصديق نبيها والعمل بما جاءهم به فما وفوا به وتركوا كثيرا من شرائعهم وحرفوا
كثيرا منها.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) ما في معناه مبسوطا وقال هكذا أنزلها الله
يعني طرح منها.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان الله تعالى اخذ الميثاق
على الأنبياء قبل نبينا ان يخبروا أممهم بمبعثه ونعته ويبشروهم به ويأمروهم
بتصديقه.
وعنه (عليه السلام) أنه قال لم يبعث الله نبيا آدم ومن بعده الا أخذ عليه
العهد لئن بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه
وأمره ان يأخذ العهد بذلك على قومه.
والقمي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) ما بعث الله نبيا من لدن آدم
فهلم جرا الا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين وهو قوله لتؤمنن به يعني
رسول الله ولتنصرنه يعني أمير المؤمنين (عليه السلام).
وفي كتاب الواحدة عن الباقر (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه
السلام) ان الله تعالى أحد واحد تفرد في وحدانيته تعالى ثم تكلم بكلمة فصارت
نورا ثم خلق من ذلك النور محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلقني وذريتي ثم
تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنه الله في ذلك النور واسكنه في أبداننا فنحن
روح الله وكلماته فبنا احتجب على خلقه فما زلنا في ظلة خضراء لا شمس ولا
قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطرف نعبده ونقدسه ونسبحه وذلك قبل أن يخلق
خلقه واخذ ميثاق الأنبياء بالأيمان والنصرة لنا وذلك قوله عز وجل * (وإذ أخذ الله
ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم
لتؤمنن به ولتنصرنه) * يعني لتؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولتنصرن
351

وصيه وسينصرونه جميعا وان الله اخذ ميثاقي مع ميثاق محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) بنصرة بعضنا لبعض فقد نصرت محمدا وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه
ووفيت لله بما أخذ علي من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله إليه وسوف
ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها وليبعثهم الله أحياء من آدم إلى
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام
الأموات والأحياء والثقلين جميعا فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله
أحياء يلبون زمرة زمرة بالتلبية لبيك لبيك يا داعي الله قد أظلوا بسكك الكوفة قد
شهروا سيوفهم على عواتقهم يضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم واتباعهم من
جبابرة الأولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله عز وجل * (وعد الله
الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين
من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا
يعبدونني لا يشركون بي شيئا) * اي يعبدونني آمنين لا يخافون أحدا في عبادتي
ليس عندهم تقية وإن لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب
الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات وانا قرن من
جديد. الحديث (1) بطوله.
قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري اي عهدي قالوا أقررنا قال فاشهدوا
وأنا معكم من الشاهدين القمي عن الصادق (عليه السلام) قال لهم في الذر
أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري اي عهدي قالوا أقررنا قال الله للملائكة
فاشهدوا.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال أقررتم وأخذتم العهد
بذلك على أممكم قالوا اي قال الأنبياء وأممهم أقررنا بما أمرتنا بالاقرار به قال

(1) القمي هذه الآية مع الآية التي في سورة الأحزاب وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح والآية التي في
سورة الأعراف وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وقد كتبت هذه الثلاث آيات في ثلاث سور (منه قدس سره).
352

الله فاشهدوا بذلك على أممكم وانا معكم من الشاهدين عليكم وعلى أممكم.
(82) فمن تولى بعد ذلك الميثاق والتوكيد فأولئك هم الفاسقون
المتمردون من الكفار.
(83) أفغير دين الله يبغون وقرئ بالتاء وله أسلم من في السماوات
والأرض طوعا وكرها.
في التوحيد والعياشي عن الصادق (عليه السلام) وهو توحيدهم لله عز
وجل.
وفي المجمع عنه (عليه السلام) ان معناه اكره أقوام على الاسلام وجاء أقوام
طائعين قال كرها اي فرقا من السيف.
أقول: لعل المراد ان ذلك في زمان القائم (عليه السلام) كما رواه العياشي
عنه (عليه السلام) انها نزلت في القائم (عليه السلام).
وفي رواية تلاها فقال إذا قام القائم (عليه الصلاة والسلام) لا تبقى ارض الا
نودي فيها شهادة ان لا إله الا الله وان محمدا رسول الله.
وإليه ترجعون وقرئ بالياء.
(84) قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم أمر
الرسول بأن يخبر عن نفسه ومتابعيه بالايمان لا نفرق بين أحد منهم بالتصديق
والتكذيب ونحن له مسلمون منقادون مخلصون في عبادته.
(85) ومن يبتغ غير الإسلام دينا اي غير التوحيد والانقياد لحكم الله
تعالى فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين بابطاله الفطرة السليمة التي
فطر الناس عليها.
(86) كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق
353

وجاءتهم البينات استبعاد لأن يهديهم الله فان الحائد عن الحق بعدما وضح له
منهمك في الضلال بعيد عن الرشاد وشهدوا عطف على ما في إيمانهم من معنى
الفعل أو حال باضمار قد والله لا يهدي القوم الظالمين.
(87) أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
(88) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.
(89) إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور يقبل توبتهم
رحيم يتفضل عليهم.
في المجمع عن الصادق (عليه السلام) نزلت الآيات في رجل من الأنصار
يقال له الحارث ابن سويد بن الصامت وكان قتل المحذر بن زياد البلوي غدرا
وهرب وارتد عن الاسلام ولحق بمكة فندم فأرسل إلى قومه ان اسألوا رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) هل لي من توبة فسألوا فنزلت فحملها رجل من قومه
إليه فقال إني لأعلم انك لصدوق وان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصدق
منك وان الله تعالى أصدق الثلاثة ورجع إلى المدينة وتاب وحسن اسلامه.
(90) إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا كاليهود كفروا بعيسى
والأنجيل بعد الايمان بموسى والتوراة ثم ازدادوا كفرا بمحمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) والقرآن أو كفروا بمحمد بعدما آمنوا به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بالاصرار
والعناد والطعن فيه والصد عن الايمان ونقض الميثاق وكقوم ارتدوا ولحقوا بمكة
ثم ازدادوا كفرا بقولهم نتربص بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ريب المنون أو
نرجع إليه وننافقه باظهار التوبة لن تقبل توبتهم لأنها لا تكون عن الاخلاص أو
لأنها لا تكون الا عند اليأس ومعاينة الموت وأولئك هم الضالون الثابتون على
الضلال.
(91) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض
ذهبا ما يملأ الأرض من الذهب ولو افتدى به نفسه من العذاب قيل تقديره فلن
يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء ء الأرض ذهبا ويحتمل أن يكون المراد فلن
354

يقبل من أحدهم انفاقه في سبيل الله بملء ء الأرض ذهبا في الدنيا ولو كان على
وجه الافتداء من عذاب الآخرة من دون توقع ثواب آخر أولئك لهم عذاب أليم
وما لهم من ناصرين.
(92) لن تنالوا البر لن تبلغوا حقيقته ولا تكونوا أبرارا حتى تنفقوا مما
تحبون من المال والجاه والمهجة وغيرها في طاعة الله.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما
تحبون قال هكذا فاقرأها.
وفي المجمع اشترى علي (صلوات الله وسلامه عليه) ثوبا فأعجبه فتصدق به
وقال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من آثر على نفسه آثره الله
يوم القيامة بالجنة ومن أحب شيئا فجعله لله قال الله يوم القيامة قد كان العباد
يكافئون فيما بينهم بالمعروف وانا أكافيك اليوم بالجنة.
وعن الحسين بن علي والصادق (صلوات الله عليهم) انهما كانا يتصدقان
بالسكر ويقولان انه أحب الأشياء الينا وقد قال الله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا
مما تحبون وما تنفقوا من شئ محبوب أو غيره فإن الله به عليم: فيجازيكم
بحسبه.
(93) كل الطعام اي المطعومات كان حلا لبنى إسرائيل كان اكلها حلالا
لهم والحل مصدر نعت به إلا ما حرم إسرائيل يعقوب على نفسه من قبل أن
تنزل التوراة.
في الكافي والعياشي: عن الصادق (عليه السلام) ان إسرائيل كان إذا أكل
من لحم الإبل هيج عليه وجع الخاصرة فحرم على نفسه لحم الإبل وذلك قبل
أن تنزل التوراة فلما نزلت التوراة لم يحرمه ولم يأكله.
أقول: يعني لم يحرمه موسى ولم يأكله أو لم تحرمه التوراة ولم تؤكله اي
أهمل ولم يندب إلى أكله من التأكيل.
355

والقمي ان يعقوب كان يصيبه عرق النساء فحرم على نفسه لحم الجمل
فقالت اليهود الجمل محرم في التوراة فقال الله عز وجل لهم قل فأتوا بالتوراة
فاتلوها ان كنتم صادقين إنما حرم هذا إسرائيل على نفسه ولم يحرمه على
الناس. ومحصل المعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل
انزال التوراة وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم لم يحرم منها شئ قبل
ذلك غير المطعوم الذي حرمه إسرائيل على نفسه وهذا رد على اليهود حيث
أرادوا براءة ساحتهم مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم
وظلمهم في قوله ذلك جزيناهم ببغيهم. وقوله فبظلم من الذين هادوا حرمنا
عليهم طيبات أحلت لهم فقالوا لسنا بأول من حرمت عليه وقد كانت محرمة على
نوح وإبراهيم ومن بعده من بني إسرائيل إلى أن انتهى التحريم الينا فكذبهم الله.
قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما
فيه حتى يتبين أنه تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم لا تحريم قديم كما زعموا
فلم يجسروا على اخراج التوراة فبهتوا.
(94) فمن افترى على الله الكذب بزعمه أن ذلك كان محرما على الأنبياء
وعلى بني إسرائيل قبل انزال التوراة من بعد ذلك من بعد ما لزمتهم الحجة
فأولئك هم الظالمون لأنفسهم لمكابرتهم الحق من بعد وضوحه.
(95) قل صدق الله تعريض بكذبهم أي ثبت أن الله صادق فيما أنزله
وأنتم الكاذبون فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وهي ملة الاسلام التي عليها محمد
(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن آمن معه ثم برأ سبحانه إبراهيم مما كان ينسبه
اليهود والمشركون إليه من كونه على دينهم فقال وما كان من المشركين.
(96) إن أول بيت وضع للناس ليكون متعبدا لهم للذي ببكة البيت الذي
ببكة وهو الكعبة.
في الكافي عنهما (عليهما السلام.) وفي الفقيه والعياشي عن الباقر (عليه
السلام) قال لما أراد الله تعالى أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربن متن الماء حتى
356

صار موجا ثم ازبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من
زبد ثم دحى الأرض من تحته وهو قول الله تعالى ان أول بيت وضع للناس للذي
ببكة مباركا وزاد في الفقيه فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثم مدت الأرض
منها.
وفيه أن الله اختار من كل شئ شيئا اختار من الأرض موضع الكعبة.
وفي العلل عن الصادق (عليه السلام) إنما سميت مكة بكة لأن الناس يبكون
فيها يعني يزدحمون.
وفي رواية أخرى لبكاء الناس حولها وفيها وقيل لأنها تبك أعناق الجبابرة
يعني تدقها.
وعنه (عليه السلام) موضع البيت بكة والقرية مكة.
وعن الباقر (عليه السلام) إنما سميت مكة بكة لأنه يبك بها الرجال والنساء
والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك وعن يسارك ومعك ولا بأس
بذلك لأنه إنما يكره في ساير البلدان.
وفي الخصال عن الصادق (عليه السلام) أسماء مكة خمسة أم القرى ومكة
وبكة والبساسة (1) إذا ظلموا بها بستهم أي أخرجتهم وأهلكتهم وأم رحم كانوا إذا
لزموها رحموا، ومثله في الفقيه مرسلا.
وفيه عن الصادق (عليه السلام) قال إن الله عز وجل أنزله لآدم من الجنة
وكانت درة بيضاء فرفعه الله إلى السماء وبقي اسه وهو بحيال هذا البيت يدخله
كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله عز وجل إبراهيم
وإسماعيل لبنيان البيت على القواعد.

(1) وفي رواية الكافي كانت تسمى بكة لأنها تبك أعناق الباغين إذا بغوا فيها، والعياشي عن الصادق (ع) سميت
بكة لأن الناس يبك بعضهم بعضا بالأيدي. وعن الباقر (ع) أن بكة موضع البيت ومكة جميع ما اكتنفه الحرم والبس
بالموحدة الطم بالنون الطرد، ويروى بهما، والرحم بالضم الرحمة قال الله تعالى: * (وأقرب رحما) * وربما يحرك (منه ره).
357

وفي الكافي عنه (عليه السلام) قال كان موضع الكعبة ربوة من الأرض بيضاء
تضئ كضوء الشمس والقمر حتى قتل ابنا آدم أحدهما صاحبه فاسودت فلما نزل
آدم رفع الله تعالى له الأرض كلها حتى رآها ثم قال هذه لك كلها قال يا رب ما
هذه الأرض البيضاء المنيرة قال هي حرمي في أرضي وقد جعلت عليك أن
تطوف بها في كل يوم سبعماءة طواف.
وفي الفقيه عنه (عليه السلام) قال وجد في حجر اني انا الله ذو بكة صنعتها
يوم خلقت السماوات والأرض ويوم خلقت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك
حفا مباركا لأهلها في الماء واللبن يأتيها رزقها من ثلاثة سبل من أعلاها وأسفلها
والثنية بعده مباركا كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره واعتكف عنده وطاف
حوله وقصد نحوه من مضاعفة الثواب وتكفير الذنوب ونفي الفقر وكثرة الرزق.
وهدى للعالمين لأنه قبلتهم ومتعبدهم.
(97) فيه آيات بينات (1) كقهره لمن تعرض له من الجبابرة بسوء كأصحاب
الفيل وغير ذلك مقام إبراهيم أي منها مقام إبراهيم.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل ما هذه الآيات
البينات قال مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه والحجر الأسود
ومنزل إسماعيل.
أقول: أما كون المقام آية فلما ذكر ولارتفاعه بإبراهيم (عليه السلام) حتى
كان أطول من الجبال كما يأتي ذكره في سورة الحج إن شاء الله. وأما كون
الحجر الأسود آية فلما ظهر منه للأنبياء والأوصياء من العجائب إذ كان جوهرة
جعله الله مع آدم في الجنة وإذ كان ملكا من عظماء الملائكة القمه الله الميثاق
وأودعه عنده ويأتي يوم القيامة له لسان ناطق وعينان يعرفه الخلق يشهد لمن

(1) عن ابن عباس انه قرء آية بينة مقام إبراهيم فجعل مقام إبراهيم وحده هو الآية وقال أثر قدميه في المقام آية بينة
كذا في المجمع، وقيل المشاعر كلها آيات بينات لازدحام الناس عليها وتعظيمهم لها ويحكى أن الطواف بالبيت لا ينقطع ابدا
ولانحراف الطير عن موازاة البيت ومخالطة الصيود في الحرم لضواري السباع واستيناسها بالناس ولانمحاق الجمار على كثرة
الرماة فلولا أنه ترفع لكان يجتمع هناك من الحجارة مثل الجبال إلى غير ذلك (منه).
358

وافاه بالموافاة ولمن أدى إليه الميثاق بالأداء وعلى من جحده بالانكار إلى غير
ذلك كما ورد في الأخبار عن الأئمة الأطهار ولما ظهر لطائفة من تنطقه لبعض
المعصومين كالسجاد حيث نازعه عمه محمد بن الحنفية في أمر الإمامة كما ورد
في الروايات ومن عدم طاعته لغير المعصوم في نصبه في موضعه كما جرب غير
مرة، وأما كون منزل إسماعيل آية فلانة أنزل به من غير ماء فنبع له الماء، وإنما
خص المقام بالذكر في القرآن وطوى ذكر غيره لأنه أظهر آياته اليوم للناس، قيل
سبب هذا الأثر أنه لما ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكن من رفع
الحجارة فغاضت فيه قدماه، وقيل أنه لما جاء زائرا من الشام إلى مكة فقالت له
امرأة إسماعيل انزل حتى نغسل رأسك فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر فوضعته
على شقه الأيمن فوضع قدمه عليه حتى غسلت شق رأسه ثم حولته إلى شقه
الأيسر حتى غسلت الشق الآخر فبقي أثر قدميه عليه.
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم
(عليه السلام) عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان
الذي هو فيه اليوم فلما فتح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة رده إلى الموضع
الذي وضعه إبراهيم (عليه السلام) فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر بن الخطاب
فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام فقال رجل أنا قد
أخذت مقداره بنسع (1) فهو عندي فقال تأتيني به فآتاه به فقاسه ثم رده إلى ذلك
المكان ومن دخله كان آمنا.
في العلل عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لأبي حنيفة أخبرني عن قول الله
عز وجل ومن دخله كان آمنا أين ذلك من الأرض قال الكعبة قال أفتعلم ان
الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا
فيها قال فسكت فسئله عن الجواب فقال من بايع قائمنا ودخل معه ومسح على
يده ودخل في عقد أصحابه كان آمنا.

(1) النسع بالكسر: سير ينسج عريضا ويشد به الرحال (منه قده).
359

والعياشي عنه (عليه السلام) من دخله وهو عارف بحقنا كما هو عارف به
خرج من ذنوبه وكفي هم الدنيا والآخرة.
وفي الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) قال من أم هذا البيت وهو يعلم أنه
البيت الذي أمره الله عز وجل به وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا كان آمنا في الدنيا
والآخرة.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) أن من دخله عارفا بجميع ما أوجبه الله
عليه كان آمنا في الآخرة من العذاب الدائم.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في أدعية دخول البيت اللهم انك
قلت ومن دخله كان آمنا فامني من عذاب النار.
وفيه والعياشي عنه (عليه السلام) قال من دخل الحرم من الناس مستجيرا به
فهو آمن به من سخط الله ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا أن يهاج أو
يؤذى حتى يخرج من الحرم.
وعنه (عليه السلام) قال إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فر إلى
الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم ولكن يمنع من السوق ولا يباع ولا
يطعم ولا يسقى ولا يكلم فإنه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ وإذا جنى
في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم.
وزاد في الكافي لأنه لم يرع للحرم حرمته.
وفي رواية إن سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية على نفسه ففر إلى
الحرم لم يؤخذ ما دام في الحرم حتى يخرج منه ولكن يمنع من السوق فلا يباع
ولا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ وان أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ
فيه.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) وقد سأله سماعة عن رجل لي عليه مال
فغاب عني بزمان فرأيته يطوف حول الكعبة أفأتقاضاه مالي قال لا لا تسلم عليه
360

ولا تروعه حتى يخرج من الحرم.
وعنه من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر من بر الناس وفاجرهم.
وفي الفقيه من مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين ومن مات بين
الحرمين لم ينشر له ديوان ومن دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر ولله على
الناس حج البيت وقرئ بكسر الحاء يعني به الحج والعمرة جميعا لأنهما
مفروضان من استطاع إليه سبيلا.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال الصحة في
بدنه والقدرة في ماله.
وفي الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) أنه سئل ما السبيل قال أن يكون له
ما يحج قال قلت من عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك أهو ممن يستطيع
إليه سبيلا قال نعم ما شأنه يستحيي ولو يحج على حمار أجدع أبتر فإن كان يطيق
أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج. وفي رواية يخرج ويمشي ان لم يكن
عنده، قيل لا يقدر على المشي قال يمشي ويركب قيل لا يقدر على ذلك قال
يخدم القوم ويخرج معهم. وفي رواية أنه سئل عن هذه الآية فقال من كان
صحيحا في بدنه مخلى سربه وله زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج أو قال ممن
كان له مال. وفي رواية أنه (عليه السلام) سئل عن هذه الآية فقال ما يقول
الناس فقيل الزاد والراحلة فقال قد سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن هذا فقال
هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغني به
عن الناس ينطلق إليهم فيسألهم إياه لقد هلكوا فقيل له وما السبيل قال فقال
السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضا يقوت به عياله أليس قد فرض
الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم.
أقول: معنى الحديث لئن كان من كان له قدر ما يقوت به عياله فحسب
وجب عليه أن ينفق ذلك في الزاد والراحلة ثم ينطلق إلى الناس يسألهم قوت
361

عياله لهلك الناس إذا وينبغي أن يحمل اختلاف الروايات على اختلاف الناس
في جهات الاستطاعة ودرجات التوكل ومراتب القوة والضعف بل الانسان على
نفسه بصيرة ومن كفر فإن الله غني عن العالمين قيل وضع كفر موضع من لم يحج
تأكيدا لوجوبه وتغليظا على تاركه.
وفي الفقيه وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) يا
علي تارك الحج وهو مستطيع كافر قال الله تعالى * (ولله على الناس حج البيت
من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين) * يا علي من سوف
الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا.
وفي الكافي والتهذيب عن الصادق (عليه السلام) من مات ولم يحج حجة
الإسلام ولم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو
سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا.
وفي التهذيب عنه (عليه السلام) في قوله تعالى ومن كفر قال يعني من ترك.
وعن الكاظم (عليه السلام) وقد سأله أخوه علي من لم يحج منا فقد كفر قال
لا ولكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر.
أقول: وذلك لأن الكفر يرجع إلى الإعتقاد دون العمل فقوله تعالى ومن
كفر أي ومن لم يعتقد فرضه أو لم يبال بتركه فان عدم المبالاة يرجع إلى عدم
الإعتقاد.
والعياشي عنه (عليه السلام) قال هو كفر (1) النعم وقال يعني من ترك،
وروي انه لما نزل صدر الآية جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرباب
الملل فخطبهم وقال إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة
وكفرت خمس ملل فنزلت ومن كفر قيل وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من
وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر وابرازه في صورة الاسمية وايراده على

(1) لأن امتثال امر الله شكر لنعمته وترك المأمور به كفر لنعمته (مجمع).
362

وجه يفيد أنه حق واجب لله تعالى في رقاب الناس وتعميم الحكم أولا
وتخصيصه فإنه كإيضاح بعد ابهام وتثنية وتكرير للمراد وتسمية ترك الحج كفرا
من حيث أنه فعل الكفرة وذلك الاستغناء في هذا الموضع مما يدل على المقت
والخذلان وقوله على العالمين بدل عنه لما فيه من مبالغة التعميم والدلالة على
الاستغناء عنه بالبرهان والإشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر
النفس واتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإقبال على الله
تعالى.
(98) قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن كرر الخطاب
والاستفهام مبالغة في التقريع ونفي العذر لهم واشعارا بأن كل واحد من الأمرين
مستقبح في نفسه مستقل باستجلاب العقاب وسبيل الله دينه الحق المأمور
بسلوكه وهو الإسلام، قيل كانوا يفتنون المؤمنين ويحرشون (2) بينهم حتى أتوا
الأوس والخزرج فذكروهم ما بينهم في الجاهلية من التعادي والتحارب ليعودوا
لمثله ويحتالون لصدهم عنه تبغونها عوجا طالبين لها اعوجاجا بأن تلبسوا على
الناس وتوهموا أن فيه عوجا عن الحق بمنع النسخ وتغيير صفة رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) ونحوهما أو بأن يحرشوا بين المؤمنين ليختلف كلمتهم
ويختل أمر دينهم وأنتم شهداء أنها سبيل الله تعالى والصد عنها ضلال واضلال
أو أنتم عدول عند أهل ملتكم يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا وما الله

(1) استستر: استتر (ق).
(2) التحريش الإغراء بين القوم والكلاب وتهييج بعضها على بعض (م).
363

بغافل عما تعملون وعيد لهم ولما كان المنكر في الآية الأولى كفرهم وهم
يجهرون به ختمها بقوله والله شهيد ولما كان في هذه الآية صدهم المؤمنين عن
الإسلام وكانوا يخفونه ويحتالون فيه قال الله وما الله بغافل عما تعملون.
(100) يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم
بعد إيمانكم كافرين قيل نزلت في نفر من الأوس والخزرج كانوا جلوسا يتحدثون
فمر بهم شاس بن قيس اليهودي فغاظه تألفهم واجتماعهم فأمر شابا من اليهود أن
يجلس إليهم ويذكرهم يوم بغاث (1) وينشدهم بعض ما قيل فيه وكان الظفر في
ذلك اليوم للأوس ففعل فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا السلاح السلاح
واجتمع من القبيلتين خلق عظيم فتوجه إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وأصحابه فقال أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله
بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم فعلموا أنها نزغة (2) من الشيطان
وكيد من عدوهم فالقوا السلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضا وانصرفوا مع
الرسول وإنما خاطبهم الله بنفسه بعدما أمر الرسول بأن يخاطب أهل الكتاب
اظهارا لجلالة قدرهم واشعارا بأنهم هم الأحقاء بأن يخاطبهم الله ويكلمهم.
(101) وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله انكار
وتعجب لكفرهم في حال اجتمع لهم الأسباب الداعية إلى الايمان الصارفة عن
الكفر ومن يعتصم بالله ومن بالله ومن يستمسك بدينه أو يلتجئ إليه في مجامع أموره فقد
هدي إلى صراط مستقيم فقد اهتدى لا محالة.
(102) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته حق تقواه وما يجب منها وهو
استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم.
في المعاني والعياشي سئل الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية قال يطاع
ولا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر ولا يكفر.

(1) بغاث: بالغين ويثلث: موضع بقرب المدينة ويومه معروف (ق).
(2) فاما ينزغنك من الشيطان نزغ، النزغ: شبيه النخس وكان الشيطان ينخس الإنسان أي يحركه ويبعثه على
بعض المعاصي ولا يكون النزغ الا في الشر (مجمع).
364

والعياشي عنه (عليه السلام) أنه سئل عنها قال منسوخة قيل وما نسخها قال
قول الله اتقوا الله ما استطعتم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ولا تكونن على حال
سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) وأنتم مسلمون بالتشديد ومعناه
مستسلمون لما أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) به منقادون له.
والعياشي عن الكاظم (عليه السلام) أنه قال لبعض أصحابه كيف تقرأ هذه
الآية يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم ماذا قال مسلمون
فقال سبحان الله يوقع عليهم الايمان فيسميهم مؤمنين ثم يسألهم الإسلام
والإيمان فوق الإسلام قال هكذا يقرأ في قراءة زيد قال إنما هي في قراءة علي
(صلوات الله عليه) وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمد (صلى الله عليه
وآله وسلم) الا وأنتم مسلمون لرسول الله ثم الإمام من بعده.
(103) واعتصموا بحبل الله قيل بدينه الإسلام أو بكتابه لقوله القرآن
حبل الله المتين استعار له الحبل والموثوق به الإعتصام من حيث أن التمسك به
سبب النجاة عن الردى كما أن التمسك بالحبل الموثوق به سبب السلامة عن
التردي.
والقمي: الحبل التوحيد والولاية.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) آل محمد (صلوات الله عليهم) هم حبل الله
المتين الذي أمر بالاعتصام به فقال واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
وعن الكاظم (عليه السلام) علي بن أبي طالب (عليه السلام) حبل الله
المتين.
وفي المعاني عن السجاد قال الإمام منا لا يكون إلا معصوما وليست
العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلا منصوصا فقيل له يا بن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فما معنى المعصوم فقال هو المعتصم بحبل
365

الله وحبل الله هو القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام وذلك قول الله عز وجل ان هذا
القرآن يهدي للتي هي أقوم.
أقول ومآل الكل واحد يفسره قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حبلين
ممدودين طرف منهما بيد الله وطرف بأيديكم وانهما لن يفترقا جميعا مجتمعين
عليه ولا تفرقوا ولا تتفرقوا عن الحق بإيقاع الاختلاف بينكم.
والقمي عن الباقر (عليه السلام) ان الله تبارك وتعالى علم أنهم سيفترقون بعد
نبيهم فيختلفون فنهاهم عن التفرق كما نهى من كان قبلهم فأمرهم أن يجتمعوا
على ولاية آل محمد (صلوات الله عليهم) ولا يتفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ
كنتم أعداء في الجاهلية متقاتلين فألف بين قلوبكم بالإسلام فأصبحتم بنعمته
إخوانا متحابين مجتمعين على الاخوة في الله تعالى قيل كان الأوس والخزرج
أخوين لأبوين فوقع بين أولادهما العداوة وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة
حتى أطفأها الله تعالى بالإسلام وألف بينهم برسوله وكنتم على شفا حفرة من
النار مشرفين على الوقوع في نار جهنم لكفركم إذ لو أدرككم الموت في تلك
الحالة لوقعتم في النار فأنقذكم منها.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال فأنقذكم منها بمحمد (صلى الله
عليه وآله وسلم) هكذا والله أنزل بها جبرئيل على محمد كذلك مثل ذلك التبيين
يبين الله آياته لعلكم تهتدون إرادة ثباتكم على الهدى وازديادكم فيه.
(104) ولتكن منكم بعضكم أمة في المجمع قرأ الصادق (عليه السلام) أئمة يد عون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر أواجب هو على الأمة جميعا فقال لا فقيل ولم قال إنما هو على
القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعفة الذين لا يهتدون
سبيلا أي من أي يقول إلى الحق من الباطل والدليل على ذلك كتاب الله
تعالى قوله ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن
366

المنكر فهذا خاص غير عام كما قال الله تعالى ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق
وبه يعدلون ولم يقل على أمة موسى ولا على كل قوم وهم يومئذ أمم مختلفة
والأمة واحد فصاعدا كما قال الله سبحانه إن إبراهيم كان أمة قانتا لله يقول
مطيعا لله وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له ولا
عدد ولا طاعة، وسئل عن الحديث الذي جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) ان أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر ما معناه قال هذا على أن يأمره
بعد معرفته وهو مع ذلك يقبل منه وإلا فلا.
وعنه (عليه السلام) إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ أو
جاهل فيتعلم فاما صاحب سيف أو سوط فلا.
والقمي عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال فهذه لآل محمد (صلوات
الله عليهم) ومن تابعهم يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر.
وفي نهج البلاغة قال وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه فإنما أمرتم بالنهي بعد
التناهي وقال لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له والناهين عن المنكر العاملين
به وأولئك هم المفلحون المخصوصون بكمال الفلاح الأحقاء به.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
خلقان من خلق الله تعالى فمن نصرهما أعزه الله ومن خذلهما خذله الله.
وفي التهذيب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لا يزال الناس
بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر فإذا لم يفعلوا ذلك
نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض
ولا في السماء.
وفيهما عن الباقر (عليه السلام قال يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم
مراؤون يتقرؤون (1) ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا

(1) تقرء: تعبد وتنسك من النسك مثلثة وبضمتين العبادة وكل حق لله عز وجل وحد ثاء جمع حديث كسفهاء أي جدد وكان المراد أن طريقتهم حادثة مستحدثة ليست طريقة قدماء أصحابهم أو سبكهم سبك ما كان حدث السن لا سبك الكهول.
367

عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر ويطلبون لأنفسهم الرخص (1) والمعاذير، يتبعون زلات
العلماء وفساد علمهم يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلمهم (2) في نفس ولا
مال ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا
اسمى الفرائض وأشرفها ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها
تقام الفرائض هنالك يتم غضب الله عليهم فيعمهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار
الفجار والصغار في دار الكبار ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء
ومنهاج الصالحين فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل
المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر فأنكروا
بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم فإن
اتعظوا أو إلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم إنما السبيل على الذين يظلمون
الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم هنالك فجاهدوهم
بأبدانكم وابغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا ولا باغين مالا ولا مريدين بالظلم
ظفرا حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته، قال أبو جعفر (عليه السلام)
وأوصى الله إلى شعيب النبي (عليه السلام) اني معذب من قومك مائة الف أربعين
ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال
الأخيار فأوحى الله عز وجل إليه أنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي.
(105) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا كاليهود والنصارى اختلفوا في
التوحيد والتنزيه وأحوال الآخرة من بعد ما جاءتهم البينات الآيات والحجج
المبينة للحق الموجبة للاتفاق عليه وأولئك لهم عذاب عظيم وعيد للذين تفرقوا
وتهديد على التشبه بهم.
(106) يوم تبيض وجوه وتسود وجوه كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة

(1) الرخص بالضم ضد الغلاء وقد رخص ككرم وبالفتح الشئ الناعم، والرخصة بالضم التسهيل والرخيص
الناعم من الثياب (ق) ولعل الغرض أنهم يطلبون مهل؟ الأمور ويعتذرون عن صعبها باصطناع المعاذير.
(2) قوله ولا يكلمهم أي لا يجرحهم فيهما أي لا يضرهم في أنفسهم ولا في أموالهم.
368

الخوف فيه وقيل يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة واشراق البشرة وسعي
النور بين يديه وبيمينه وأهل الباطل بأضداد ذلك فأما الذين اسودت وجوههم
أكفرتم بعد إيمانكم على إرادة القول أي فيقال لهم أكفرتم والهمزة للتوبيخ
والتعجب من حالهم.
في المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) هم أهل البدع والأهواء والآراء
الباطلة من هذه الأمة.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال والذي نفسي بيده ليردن علي
الحوض ممن صحبني حتى إذا رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن أصحابي أصحابي
فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى ذكره
الثعلبي في تفسيره فذوقوا العذاب أمر إهانة بما كنتم تكفرون بسبب كفركم.
(107) وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله يعني الجنة أو
الثواب المخلد عبر عن ذلك بالرحمة تنبيها على أن المؤمن وان استغرق عمره
في طاعة الله لا يدخل الجنة إلا برحمته وفضله وقيل كان حق الترتيب أن يقدم
ذكرهم ولكن قصد أن يكون مطلع الكلام ومقطعه حلية المؤمنين وثوابهم هم فيها
خالدون أخرجه مخرج الاستيناف للتأكيد كأنه قيل كيف يكونون فيها فقال هم
فيها خالدون.
والقمي عن أبي ذر قال لما نزلت هذه الآية يوم تبيض وجوه وتسود
وجوه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرد علي أمتي يوم القيامة على
خمس رايات فراية من عجل هذه الأمة فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي
فيقولون أما الأكبر فحرفناه ونبذناه وراء ظهورنا وأما الأصغر فعاديناه وأبغضناه
وظلمناه فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم ثم يرد علي راية مع
فرعون هذه الأمة فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر
فخرقناه ومزقناه وخالفناه، وأما الأصغر فعاديناه وقاتلناه فأقول ردوا النار ظماء
مظمئين مسودة وجوهكم، ثم يرد علي راية مع سامري هذه الأمة فأقول ما فعلتم
369

بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فعصيناه وتركناه وأما الأصغر فخذلناه
وضيعناه فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم ثم يرد علي راية ذي
الثدية مع أول الخوارج وآخرهم فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما
الأكبر فمزقناه وبرئنا منه وأما الأصغر فقاتلناه وقتلناه فأقول ردوا النار ظماء مظمئين
مسودة وجوهكم، ثم يرد علي راية إمام المتقين وسيد الوصيين وقائد الغر
المحجلين ووصي رسول رب العالمين فأقول لهم ماذا فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون
أما الأكبر فاتبعناه وأطعناه وأما الأصغر فأحببناه وواليناه ونصرناه حتى أهريقت فيه دماؤنا
فأقول ردوا الجنة رواء مرويين مبيضة وجوهكم ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) يوم تبيض وجوه إلى قوله خالدون.
(108) تلك آيات الله الواردة في وعده ووعيده نتلوها عليك بالحق متلبسة
بالحق لا شبهة فيها وما الله يريد ظلما للعالمين إذ يستحيل الظلم منه إذ فاعل
الظلم اما جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله وتعالى الله عن الجهل والحاجة.
(109) ولله ما في السماوات وما في الأرض ملكا وملكا وخلقا وإلى الله
ترجع الأمور فيجازي كلا بما وعده وأوعده.
(110) كنتم خير أمة الكون فيها يعم الأزمنة غير متخصص بالماضي
كقوله تعالى وكان الله غفورا رحيما أخرجت أظهرت للناس تأمرون بالمعروف
وتنهون عن المنكر استيناف بين به كونهم خير أمة أو خبر ثان كنتم وتؤمنون
بالله يتضمن الإيمان بكل ما يجب أن يؤمن به لأن الإيمان به إنما يحق ويعتد به
إذا حصل الإيمان بكل ما أمر أن يؤمن به وإنما أخره وحقه أن يقدم لأنه قصد
واظهارا لدينه.
القمي عن الصادق (عليه السلام) أنه قرأ عليه كنتم خير أمة فقال خير أمة
يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابني علي (صلوات الله وسلامه عليهم)
فقال القارئ جعلت فداك كيف نزلت؟ فقال نزلت كنتم خير أئمة أخرجت للناس
370

ألا ترى مدح الله لهم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.
والعياشي عنه (عليه السلام) قال في قراءة علي كنتم خير أئمة أخرجت
للناس قال هم آل محمد.
وعنه (عليه السلام) إنما نزلت هذه الآية على محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) فيه وفي الأوصياء خاصة فقال أنتم خير أئمة أخرجت للناس تأمرون
بالمعروف وتنهون عن المنكر هكذا والله نزل بها جبرئيل وما عنى بها إلا محمدا
(صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه (عليهم السلام).
وعنه (عليه السلام) في هذه الآية قال يعني الأمة التي وجبت لها دعوة
إبراهيم فهم الأمة التي بعث الله فيها ومنها وإليها وهم الأمة الوسطى وهم خير
أمة أخرجت للناس.
وفي المناقب عن الباقر (عليه السلام) أنتم خير أمة بالألف نزل بها جبرئيل وما
عنى بها إلا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليا والأوصياء من ولده (عليهم السلام).
ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون كعبد الله بن سلام وأصحابه.
وأكثرهم الفاسقون المتمردون في الكفر.
(111) لن يضروكم إلا أذى ضررا يسيرا كطعن وتهديد وإن يقاتلوكم يولوكم
الأدبار وينهزموا ولا يضروكم بقتل وأسر ثم لا ينصرون ثم لا يكون أحد ينصرهم
عليكم أو يدفع بأسكم عنهم وكان الأمر كذلك.
(112) ضربت عليهم الذلة فهي محيطة بهم إحاطة البيت المضروب على
أهله والذلة هدر النفس والمال والأهل أو ذلة التمسك بالباطل والجزية أين ما ثقفوا
وجدوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال الحبل من الله كتاب الله والحبل من
الناس علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) وباءوا بغضب من الله رجعوا به
مستوجبين له.
371

وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون
الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) والله ما قتلوهم بأيديهم ولا
ضربوهم بأسيافهم ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها (1) فاخذوا عليها فقتلوا فصار
قتلا واعتداء ومعصية قيل التقييد بغير حق مع أنه كذلك في نفس الأمر للدلالة
على أنه لم يكن حقا بحسب اعتقادهم أيضا.
(113) ليسوا يعني أهل الكتاب سواء في دينهم من أهل الكتاب أمة
قائمة على الحق وهم الذين أسلموا منهم يتلون آيات الله آناء الليل وهم
يسجدون يعني يتلونها في تهجدهم.
(114) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر ويسارعون في الخيرات وصفهم بصفات ليس في اليهود فإنهم منحرفون
عن الحق غير متعبدين بالليل مشركون بالله ملحدون في صفاته واصفون اليوم
الآخر بخلاف صفته مداهنون في الاحتساب متباطئون عن الخيرات وأولئك من
الصالحين.
(115) وما تفعلوا من خير فلن يكفروه فلن يضيع ولا ينقص ثوابه وقرئ
بالياء فيهما سمي ذلك كفرانا كما سمي توفية الثواب شكرا.
في العلل عن الصادق (عليه السلام) إن المؤمن مكفر وذلك أن معروفه
يصعد إلى الله فلا ينتشر في الناس والكافر مشكور وذلك أن معروفه للناس ينتشر
في الناس ولا يصعد إلى السماء والله عليم بالمتقين بشارة لهم واشعار بأن
التقوى مبدء الخير وحسن العمل.
(116) إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا
وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

(1) ذاع الحديث ذيعا إذا انتشر وظهر وأذاعه غيره أفشاه وأظهره، ومنه الحديث من أذاع علينا حديثنا سلبه الله
الايمان أي من أفشاه واظهره للعدو (مجمع).
372

(117) مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر برد
شديد أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية فأهلكته عقوبة لهم
شبه ما انفقوا في ضياعه بحرث كفار ضربته برد شديد من سخط الله فاستأصلته
ولم يبق لهم فيه منفعة في الدنيا ولا في الآخرة وما ظلمهم الله أي المنفقين
بضياع نفقاتهم ولكن أنفسهم يظلمون لما لم ينفقوها بحيث يعتد بها.
(118) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة وليجة (1) وهو الذي يعرفه
الرجل أسراره ثقة به شبه ببطانة الثوب كما يشبه بالشعار من دونكم من دون
المسلمين لا يألونكم خبالا لا يقصرون لكم في الفساد ودوا ما عنتم تمنوا عنتكم
وهو شدة الضرر قد بدت البغضاء من أفواههم أي من كلامهم لأنهم لا يتمالكون
أنفسهم لفرط بغضهم وما تخفي صدورهم أكبر مما بدا قد بينا لكم الآيات إن
كنتم تعقلون.
(119) ها أنتم أولاء الخاطئون في موالاة الكفار تحبونهم ولا يحبونكم
وتؤمنون بالكتاب بجنس الكتاب كله كتابكم وكتابهم وغيرهما والمعنى أنهم لا
يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم أيضا فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون
بكتابكم وفيه توبيخ بأنهم في باطنهم أصلب منكم في حقكم وإذا لقوكم قالوا
آمنا نفاقا وتعزيرا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ تأسفا وتحسرا حيث
رأوا ائتلافكم واجتماع كلمتكم ولم يجدوا إلى التشفي سبيلا قل موتوا بغيظكم
دعا عليهم بدوام الغيظ إلى أن يموتوا إن الله عليم بذات الصدور من خير أو شر
فيعلم غيظهم وحنقهم وأخفى ما يخفونه وهو اما من جملة المقول أو مستأنف.
(120) إن تمسسكم حسنة نعمة من ألفة أو ظفر على الأعداء تسؤهم وإن
تصبكم سيئة محنة من فرقة أو إصابة عدو منكم يفرحوا بها بيان لتناهي عداوتهم
وإن تصبروا على عداوتهم وتتقوا موالاتهم ومخالطتهم لا يضركم كيدهم شيئا

(1) وليجة الرجل: بطانته ودخلاؤه وخاصته وما يتخذه معتمدا عليه، والوليجة كل شئ أدخلته في شئ وليس
منه والرجل يكون في القوم وليس منهم فهو وليجة فيهم (مجمع).
373

لما وعد الله الصابرين والمتقين بالحفظ وقرئ بكسر الضاد وجزم الراء إن الله بما
يعملون محيط.
(121) وإذ غدوت واذكر إذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين تهيئ لهم
مقاعد للقتال مواقف وأماكن له والله سميع لأقوالكم عليم بنياتكم.
القمي عن الصادق (عليه السلام) قال سبب نزول هذه الآية أن قريشا
خرجت من مكة تريد حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج
رسول الله يبتغي موضعا للقتال.
وفي المجمع عن القمي عنه (عليه السلام) قال سبب غزوة أحد أن قريشا
لما رجعت من بدر إلى مكة قد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر ولأنهم قتل
منهم سبعون وأسر منهم سبعون قال أبو سفيان يا معشر قريش لا تدعوا نسائكم
يبكين على قتلاكم فان الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والعداوة لمحمد (صلى
الله عليه وآله وسلم) فلما غزا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد اذنوا
لنسائهم بالبكاء والنوح وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل
وأخرجوا معهم النساء فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك جمع
أصحابه وحثهم على الجهاد فقال عبد الله بن أبي يا رسول الله لا تخرج من
المدينة حتى نقاتل في أزقتها فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على
أفواه السكك (1) وعلى السطوح فما أرادنا قوم قط نظروا بنا ونحن في حصوننا
ودورنا وما خرجنا على عدو لنا قط إلا كان لهم الظفر علينا فقام سعد بن معاذ
وغيره من الأوس فقال يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون
نعبد الأصنام فكيف يظفرون بنا وأنت فينا، لا حتى نخرج إليهم ونقاتلهم فمن

(1) السكك: الزقاق.
374

قتل منا كان شهيدا ومن نجا منا كان مجاهدا في سبيل الله فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأيه وخرج مع نفر من أصحابه يتبوؤون موضع القتال كما
قال سبحانه وإذ غدوت من أهلك الآية.
وقعد عنه عبد الله بن أبي وجماعة من الخزرج اتبعوا رأيه ووافت قريش
إلى أحد وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عبأ أصحابه (1) وكانوا سبعمائة
رجل فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب (2) وأشفق
أن يأتيهم كمينهم من ذلك المكان فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لعبد الله بن
جبير وأصحابه ان رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا
المكان وان رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم
ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا وقال له إذا رأيتمونا قد
اختلطنا فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا وراءهم، وعبأ رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه ودفع الراية إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ووقع أصحاب رسول الله
في سوادهم وانحط خالد بن الوليد في مائتي فارس على عبد الله بن جبير
فاستقبلوهم بالسهام فرجع ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينهبون سواد القوم فقالوا لعبد الله بن جبير قد غنم
أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة فقال لهم عبد الله اتقوا الله فان رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) قد تقدم الينا أن لا نبرح فلم يقبلوا منه واقبلوا ينسل رجل
فرجل حتى أخلوا مراكزهم وبقي عبد الله بن جبير في اثني عشر رجلا وكانت
راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري من بني عبد الدار فقتله علي (عليه
السلام) فأخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية فأخذها
مسافح بن طلحة فقتله حتى قتل تسعة من بني عبد الدار حتى صار لواؤهم إلى
عبد لهم أسود يقال له صواب فانتهى إليه علي فقطع يده فأخذ الراية باليسرى

(1) عبأ المتاع والأمر كمنع هيأه والجيش جهزه كعبأته تعبئة وتعبيئا فيهما (ق).
(2) الشعب بالكسر الطريق في الجبل ومسيل الماء في بطن ارض وما انفرج بين الجبلين (ق).
375

فضرب يسراه فقطعها فاعتنقها (1) بالجذماوين إلى صدره ثم التفت إلى أبي سفيان
فقال هل أعذرت في بني عبد الدار فضربه علي (عليه السلام) على رأسه فقتله
فسقط اللواء فأخذتها عمرة بنت علقمة الكنانية فرفعتها وانحط (2) خالد بن الوليد
على عبد الله بن جبير وقد فر أصحابه وبقي في نفر قليل فقتلهم على باب
الشعب ثم أتى المسلمين من أدبارهم ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد
رفعت فلا ذوا بها وانهزم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هزيمة
عظيمة وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل وجه فلما رأى رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال إلي أنا رسول الله إلي أين
تفرون عن الله وعن رسوله قال وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر وكلما
انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا ومكحلة وقالت إنما أنت امرأة فاكتحل بهذا
وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد
وكانت هند قد أعطت وحشيا عهدا لئن قتلت محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أو
عليا أو حمزة (صلوات الله عليهما) لأعطيتك كذا وكذا وكان وحشي عبدا لجبير بن
مطعم حبشيا فقال وحشي أما محمد فلا أقدر عليه وأما علي فرأيته حذرا كثير
الالتفات فلا مطمع فيه فكمن لحمزة قال فرأيته يهذ (3) الناس هذا فمر بي فوطى
على جرف (4) نهر فسقط فأخذت حربتي فهززتها (5) ورميته فوقعت في خاصرته
وخرجت من الثنية (6) فسقط فأتيته فشققت بطنه فأخذت كبده وجئت به إلى هند
فقلت هذه كبد حمزة فأخذتها في فمها فلاكتها (7) فجعلها الله في فمها مثل

(1) عانقت المرأة واعتنقتها وهو الضم والالتزام والجذماء مؤنث الأجذم وهو الشئ المقطوع والموصوف هنا اليد
يعني ضم العبد الراية إلى صدره بيديه المقطوعتين.
(2) حططت الرجل وغيره حطا من باب قتل: أنزلته من علو إلى سفل ومنه فانحط الرجل وهو قائم في صلاته
(مجمع).
(3) الهذ: سرعة القطع (م).
(4) الجرف من كل شئ: طرفه (ق).
(5) هززت الشئ هزا فاهتز أي حركته فتحرك (م).
(6) الثنية بالضم: العانة (ق).
(7) اللوك إدارة الشئ في الفم، لاكه يلوكه لوكا ولكت الشئ في فصي؟ علكته (م).
376

الداغصة وهي عظم رأس الركبة فلفظتها ورمت بها، قال رسول الله فبعث الله
ملكا فحمله ورده إلى موضعه قال فجاءت إليه فقطعت مذاكيره وقطعت اذنيه
وقطعت يده ورجله ولم يبق مع رسول الله إلا أبو دجانة سماك بن خرشة وعلي
فكلما حملت طائفة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استقبلهم علي
فدفعهم عنه حتى انقطع سيفه فدفع إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
سيفه ذا الفقار وانحاز (1) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ناحية أحد
فوقف وكان القتال من وجه واحد فلم يزل علي يقاتلهم حتى أصابه في وجهه
ورأسه ويديه وبطنه ورجليه سبعون جراحة قال فقال جبرائيل إن هذا لهي
المواساة يا محمد فقال له انه مني وأنا منه، قال الصادق (عليه السلام) نظر رسول
الله إلى جبرائيل بين السماء والأرض على كرسي من ذهب وهو يقول لا سيف الا
ذو الفقار ولا فتى إلا علي.
وروي أن سبب انهزامهم نداء إبليس فيهم أن محمدا (صلى الله عليه وآله
وسلم) قد قتل وكان النبي، في زحام الناس وكانوا لا يرونه.
(122) إذ همت طائفتان منكم
القمي يعني عبد الله بن أبي وأصحابه وقومه.
وفي المجمع عنهما (عليهما السلام) هما بنو سلمة وبنو حارثة حيان من
الأنصار وقيل هما بنو سلمة من الخزرج وبنو الحارثة من الأوس وكانا جناحي
العسكر أن تفشلا ان تجبنا وتضعفا والله وليهما ناصرهما وعلى الله فليتوكل
المؤمنون فليعتمدوا عليه في الكفاية.
(123) ولقد نصركم الله ببدر تذكير ببعض ما أفادهم التوكل وبدر ماء بين
مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدرا فسمي به وأنتم أذلة.
القمي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) وما كانوا أذلة وفيهم رسول الله

(1) انحاز عنه: عدل (م).
377

وإنما نزل وأنتم ضعفاء.
والعياشي عنه وقرئ عنده أبو بصير الآية فقال مه ليس هكذا أنزلها الله
إنما أنزلت وأنتم قليل وفي رواية ما أذل الله رسوله قط وإنما أنزلت وأنتم قليل.
وفي غير واحد من الأخبار المعصومية أن عدتهم كانت ثلاث مائة وثلاثة
عشر فاتقوا الله في الثبات لعلكم تشكرون ما أنعم به عليكم.
(124) إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من
الملائكة منزلين وقرئ مشددة الزاي.
(125) بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم أي المشركون من فورهم هذا من
ساعتهم هذه يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة في حال اتيانهم بلا تراخ.
مسومين معلمين من التسويم بمعنى اظهار سيماء الشئ وقرئ بكسر الواو.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) كانت على الملائكة العمائم البيض
المرسلة يوم بدر.
وعنه (عليه السلام) أن الملائكة الذين نصروا محمدا (صلى الله عليه وآله
وسلم) يوم بدر ما صعدوا بعد ولا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الأمر وهم
خمسة آلاف.
(126) وما جعله الله وما جعل امدادكم من الملائكة إلا بشرى لكم إلا
بشارة لكم بالنصر ولتطمئن قلوبكم به ولتسكن إليه من الخوف وما النصر إلا من
عند الله لا من العدة والعدة وفيه تنبيه على أنه لا حاجة إلى مدد وإنما أمدهم
ووعد لهم بشارة لهم وربطا على قلوبهم من حيث أن نظر العامة إلى الأسباب
أكثر وحثا على أن لا يبالوا بمن تأخر عنهم العزيز الذي لا يغالب في أقضيته.
الحكيم الذي ينصر ويخذل على مقتضى الحكمة والمصلحة.
(127) ليقطع طرفا من الذين كفروا نصركم لينتقض منهم بقتل بعض
وأسر بعض وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من صناديدهم كما
378

مرت الإشارة إليه ويأتي تمام القصة في سورة الأنفال إن شاء الله أو يكبتهم أو
يخزيهم والكبت شدة غيض أو وهن يقع في القلب أو للتنويع فينقلبوا خائبين
فينهزموا منقطعي الآمال.
(128) ليس لك من الأمر شئ اعتراض أو يتوب عليهم إن اسلموا أو
يعذبهم ان أصروا فإنهم ظالمون قد استحقوا العذاب بظلمهم.
العياشي عن الباقر (عليه السلام) انه قرأ أن تتوب عليهم أو تعذبهم بالتاء
فيهما.
وعنه (عليه السلام) أنه قرئ عنده ليس لك من الأمر شئ قال بلى والله ان له
من الأمر شيئا وشيئا وشيئا وليس حيث ذهبت ولكني أخبرك ان الله تعالى لما أخبر
نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يظهر ولاية علي ففكر في عداوة قومه له فيما
فضله الله به عليهم في جميع خصاله وحسدهم له عليها ضاق عن ذلك فأخبر الله
أنه ليس له من هذا الأمر شئ إنما الأمر فيه إلى الله أن يصير عليا (عليه السلام)
وصيه وولي الأمر بعده وهذا عنى الله وكيف لا يكون له من الأمر شئ وقد فوض
الله إليه ان جعل ما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام قوله ما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
وعنه (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان حريصا على
أن يكون علي (عليه السلام) من بعده على الناس وكان عند الله خلاف ما أراد
فقال له ليس لك من الأمر شئ يا محمد في علي الأمر إلي في علي وفي غيره
ألم أنزل عليك يا محمد فيما أنزل من كتابي إليك ألم أحسب الناس أن يتركوا
أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون الآيات قال ففوض رسول الله الأمر إليه.
أقول: معنى قوله أن يكون علي من بعده على الناس أن يكون خليفة له
عليهم في الظاهر أيضا من غير دافع له.
وعنه (عليه السلام) أنه قرأ ليس لك من الأمر شئ أن يتوب عليهم أو يعذبهم.
379

وروى العامة أن عتبة بن أبي وقاص شجه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد
وكسر رباعيته فجعل يمسح الدم عن وجهه وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه
نبيهم بالدم فنزلت وأعلمه أن كثيرا منهم سيؤمنون.
(129) ولله ما في السماوات وما في الأرض خلقا وملكا فله الأمر كله
يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم.
في المجمع قيل إنما أبهم الله الأمر في التعذيب والمغفرة ليقف المكلف
بين الخوف والرجاء ويلتفت إلى هذا قول الصادق (عليه السلام) لو وزن رجاء
المؤمن وخوفه لاعتدلا.
(130) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة قيل كان الرجل
منهم يربي إلى أجل ثم يزيد فيه إلى آخر حتى يستغرق بقليله مال المديون وقرأ
مضعفة بتشديد العين واتقوا الله فيما نهيتم عنه لعلكم تفلحون رجاء فلا حكم.
(131) واتقوا النار التي أعدت للكافرين بالتجنب عن مثال أفعالهم.
(132) وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون بطاعتهما لعل وعسى في
أمثال ذلك دليل عزة التوصل إليها.
(133) وسارعوا وقرأ سارعوا بلا واو وبادروا إلى مغفرة من ربكم إلى
أسباب المغفرة.
في المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أداء الفرائض وجنة
عرضها السماوات والأرض.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) إذا وضعوهما كذا وبسط يديه إحديهما
مع الأخرى.
وفي المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل إذا كانت الجنة
عرضها السماوات والأرض فأين تكون النار فقال سبحان الله إذا جاء النهار فأين
الليل قال صاحب المجمع هذه معارضة فيها اسقاط المسألة لأن القادر على أن
380

يذهب بالليل حيث يشاء قادر على أن يخلق النار حيث يشاء.
أقول: والسر فيه أن إحدى الدارين لكل انسان إنما يكون مكان الأخرى
بدلا عنها كما في والليل والنهار أعدت للمتقين.
في الخصال عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فإنكم لن تنالوها الا
بالتقوى.
(134) الذين ينفقون في السراء والضراء في حالتي الرخاء والشدة، يعني
ينفقون في أحوالهم كلها ما تيسر لهم من قليل أو كثير والكاظمين الغيظ
الممسكين عليه الكافين عن امضائه.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه
أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا والعافين عن الناس فيه
عنه (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليكم بالعفو
فان العفو لا يزيد العبد إلا عزا فتعافوا يعزكم الله والله يحب المحسنين.
في المجمع روي أن جارية لعلي بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء
ليتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها فشجه فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية ان
الله تعالى يقول والكاظمين الغيظ فقال لها كظمت غيظي قالت والعافين عن
الناس قال عفا الله عنك قالت والله يحب المحسنين قال اذهبي فأنت حرة لوجه
الله.
(135) والذين إذا فعلوا فاحشة سيئة بالغة في القبح كالزنا أو ظلموا
أنفسهم بأن أذنبوا ذنبا أعظم من الزنا ذكروا الله تذكروا وعيده أو حقه العظيم
فاستغفروا لذنوبهم بالندم والتوبة ومن يغفر الذنوب إلا الله استفهام بمعنى النفي
معترض بين المعطوفين والمراد به وصفه تعالى بسعة الرحمة وعموم المغفرة والحث
على الاستغفار والوعد بقبول التوبة ولم يصروا على ما فعلوا أو لم يقيموا على
ذنوبهم غير مستغفرين.
381

في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية قال الإصرار أن
يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك الإصرار.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام قال) والله ما خرج عبد من ذنب إلا
باصرار وما خرج عبد من ذنب إلا بالإقرار.
وعنه (عليه السلام) لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار، وروي
عن النبي ما أصر من استغفر وان عاد في اليوم سبعين مرة وهم يعلمون يعني ولم
يصروا على قبيح فعلهم عالمين به.
(136) أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار
خالدين فيها ونعم أجر العاملين المغفرة والجنات.
في المجالس عن الصادق (عليه السلام قال) لما نزلت هذه الآية صعد
إبليس جبلا فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لما دعوتنا
قال نزلت هذه الآية فمن لها فقام عفريت (1) من الشياطين فقال أنا لها بكذا وكذا
قال لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها فقال الوسواس الخناس أنا
لها قال بماذا قال أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة
أنسيتهم الاستغفار فقال أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة.
وعن عبد الرحمن بن غنم الدوسي (2) قال دخل معاذ فقال يا رسول الله ان
بالباب شابا طري الجسد نقي اللون حسن الصورة يبكي على شبابه بكاء الثكلى
على ولدها يريد الدخول عليك فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ادخل علي
الشاب يا معاذ فأدخله عليه فسلم فرد ثم قال ما يبكيك يا شاب قال كيف لا
أبكي وقد ركبت ذنوبا ان أخذني الله عز وجل ببعضها أدخلني نار جهنم ولا
أراني إلا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبدا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) هل أشركت بالله شيئا قال أعوذ بالله من أن أشرك بربي شيئا قال أقتلت النفس

(1) العفريت: النافذ القوي من خبث ودهاء.
(2) دوس: قبيلة من الأزد قاله الجوهري.
382

التي حرم الله قال لا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يغفر الله لك ذنوبك
وان كانت مثل الجبال الرواسي قال الشاب فإنها أعظم من الجبال الرواسي فقال
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأرضي
السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق قال الشاب فإنها أعظم من
الأرضيين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق فقال النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها
ومثل العرش والكرسي قال فإنها أعظم من ذلك قال فنظر النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) كهيئة الغضبان ثم قال ويحك يا شاب ذنوبك أعظم أم ربك فخرج
الشاب لوجهه وهو يقول سبحان ربي ما من شئ أعظم من ربي ربي أعظم يا
نبي الله من كل عظيم فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهل يغفر الذنب
العظيم إلا الرب العظيم قال الشاب لا والله يا رسول الله ثم سكت الشاب فقال
له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من
ذنوبك قال بلى أخبرك اني كنت أنبش القبور سبع سنين أخرج الأموات وانزع
الأكفان فماتت جارية من بعض بنات الأنصار فلما حملت إلى قبرها ودفنت
وانصرف عنها أهلها وجن عليهم الليل أتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها ونزعت
ما كان عليها من أكفانها وتركتها مجردة على شفير قبرها ومضيت منصرفا فأتاني
الشيطان فأقبل يزينها لي ويقول أما ترى بطنها وبياضها أما ترى وركيها (1) فلم
يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها
مكانها فإذا أنا بصوت من ورائي يقول يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين يوم
يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ونزعتني من حفيرتي وسلبتني
أكفاني وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي لشبابك من النار فما أظن أني أشم ريح
الجنة أبدا يا رسول الله فما ترى لي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تنح
عني يا فاسق اني أخاف أن أحترق بنارك فما أقربك من النار ثم لم يزل (صلى
الله عليه وآله وسلم) يقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه فذهب فأتى المدينة

(1) الورك بالفتح والكسر: وككتف ما فوق الفخذ ج الجمع أوراك، والورك محركة عظمها (ق).
383

فتزود منها ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها ولبس مسحا (1) وغل يديه جميعا إلى
عنقه ونادى يا رب هذا عبدك بهلول (2) بين يديك مغلول يا رب أنت الذي
تعرفني وزل مني ما تعلم سيدي يا رب إني أصبحت من النادمين وأتيت نبيك
تائبا فطردني وزادني خوفا فأسألك باسمك وجلالك وعظم سلطانك أن لا تخيب
رجائي سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك فلم يزل يقول ذلك
أربعين يوما وليلة تبكي له السباع والوحوش فلما تمت له أربعون يوما وليلة رفع
يديه إلى السماء وقال اللهم ما فعلت في حاجتي ان كنت استجبت دعائي
وغفرت لي خطيئتي فأوح إلى نبيك وان لم تستجب دعائي ولم تغفر لي خطيئتي
وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني وخلصني من
فضيحة يوم القيامة فأنزل الله تعالى على نبيه والذين إذا فعلوا فاحشة يعني الزنا أو
ظلموا أنفسهم يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا وهو نبش القبور وأخذ الأكفان
ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم يقول خافوا الله فعجلوا التوبة ومن يغفر الذنوب إلا
الله يقول الله عز وجل أتاك عبدي يا محمد تائبا فطردته فأين يذهب وإلى من يقصد
ومن يسأل أن يغفر له ذنبه غيري، ثم قال تعالى ولم يصروا على ما فعلوا وهم
يعلمون يقول لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الأكفان أولئك جزاؤهم
مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين
فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج وهو يتلوها
ويتبسم فقال لأصحابه من يدلني على هذا الشاب التائب فقال معاذ يا. رسول الله
بلغنا أنه في موضع كذا وكذا فمضى رسول الله بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك
الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشاب فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين مغلولة
يداه إلى عنقه قد اسود وجهه وتساقطت أشفار عينيه من البكاء وهو يقول سيدي
قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي فليت شعري ماذا تريد بي أفي النار تحرقني
أو في جوارك تسكنني اللهم انك قد أكثرت الإحسان إلي فأنعمت علي فليت

(1) المسح بالكسر فالسكون واحد المسوح وهو كساء معروف (م).
(2) البهلول من بالضم: المجنون.
384

شعري ماذا يكون آخر أمري إلى الجنة تزفني (1) أم إلى النار تسوقني اللهم ان
خطيئتي أعظم من السماوات والأرض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم فليت
شعري تغفر لي خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة فلم يزل يقول: نحو هذا وهو
يبكي ويحثو التراب على رأسه وقد أحاطت به السباع وصفت فوقه الطير وهم
يبكون لبكائه فدنا منه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأطلق يديه من عنقه
ونفض التراب عن رأسه وقال يا بهلول ابشر يا بهلول فإنك عتيق الله من النار ثم
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول
ثم تلا عليه ما أنزل الله عز وجل فيه وبشره بالجنة.
(137) قد خلت من قبلكم سنن وقائع سنها الله تعالى في الأمم المكذبة فسيروا
في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين لتعتبروا بما ترون من آثار
هلاكهم.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى سيروا في الأرض
فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين قال عنى بذلك انظروا في القرآن فاعلموا كيف
كان عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه.
(138) هذا أي القرآن بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين خاصة.
(139) ولا تهنوا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم يوم أحد ولا تحزنوا
على من قتل منكم تسلية لهم عما أصابهم وأنتم الأعلون وحالكم أنكم أعلى
منهم شأنا فإنكم على الحق وقتالكم لله وقتلاكم في الجنة وانهم على الباطل
وقتالهم للشيطان وقتلاهم في النار وانكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا
منكم اليوم أو انكم منصورون في العاقبة غالبون إن كنتم مؤمنين ان صح
ايمانكم.
(140) إن يمسسكم قرح بالفتح والضم لغتان وقيل بالفتح الجراح وبالضم

(1) قوله تعالى واقبلوا إليه يزفون أي يسرعون فقال جاء الرجل يزف من باب ضرب زفيف النعامة وهو أول عدوها
وآخر مشيها (م).
385

ألمها وقرأ بهما حيث وقع فقد مس القوم قرح مثله يعني ان أصابوا منكم فقد
أصبتم منهم وتلك الأيام أوقات النصر والغلبة نداولها بين الناس نصرفها بينهم
نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى كما قيل فيوما علينا ويوما لنا ويوما نساء ويوما نسر
وليعلم الله الذين آمنوا نداولها ليكون كيت وكيت ومن المصالح وليتميز الثابتون
على الإيمان من الذين على حرف ويعلم الله ذلك حين يشاهده الناس كما يعلمه
من قبل ومن بعد ويتخذ منكم شهداء ويكرم أناسا منكم بالشهادة والله لا يحب
الظالمين اعتراض فيه تنبيه على أنه لا ينصرهم على الحقيقة وإنما يديل لهم
أحيانا استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين.
(141) وليمحص الله الذين آمنوا ليطهرهم ويصفيهم من الذنوب ان كانت
الدولة عليهم ويمحق الكافرين ويهلكهم ان كانت عليهم والمحق نقص الشئ قليلا
قليلا.
(142) أم حسبتم بل أحسبتم يعني لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله
الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولما يجاهد من يجاهد ويصبر من يصبر منكم.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال إن الله هو أعلم بما هو
مكونه قبل أن يكونه وهم ذر وعلم من يجاهد ممن لا يجاهد كما أنه يميت خلقه قبل
أن يميتهم ولم يرهم موتهم وهم أحياء.
(143) ولقد كنتم تمنون الموت بالشهادة من قبل أن تلقوه من قبل أن
تشاهدوه وتعرفوا شدته فقد رأيتموه وأنتم تنظرون معاينين له حين قتل دونكم من قتل
من اخوانكم.
القمي عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية أن المؤمنين لما أخبرهم الله
تعالى بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر في منازلهم في الجنة رغبوا في ذلك فقالوا اللهم
أرنا قتالا نستشهد فيه فأراهم الله يوم أحد فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم فذلك
قوله ولقد كنتم تمنون الموت الآية.
(144) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل فيخلو كما خلوا بالموت
386

أو القتل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم انكار لارتدادهم وانقلابهم على
أعقابهم عن الدين لخلوه بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم
متمسكا به.
العياشي عن الباقر (عليه الصلاة والسلام) أنه سئل عمن قتل أمات قال لا الموت
موت والقتل قتل قيل ما أحد يقتل إلا وقد مات فقال قول الله أصدق من قولك وفرق
بينهما.
في القرآن قال أفإن مات أو قتل وقال ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون وليس
كما قلت الموت موت والقتل قتل قيل فان الله يقول كل نفس ذائقة الموت قال من قتل
لم يذق الموت ثم قال لا بد من أن يرجع حتى يذوق الموت ويأتي حديث آخر في هذا
المعنى في أواخر هذه السورة إن شاء الله.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال لما انهزم الناس يوم أحد عن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) انصرف إليهم بوجهه وهو يقول أنا محمد انا رسول الله لم
أقتل ولم أمت فالتفت إليه فلان وفلان وقالا الآن يسخر بنا أيضا وقد هزمنا وبقي معه
علي (عليه السلام) وسماك بن خرشة أبو دجانة (ره) فدعاه النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) فقال يا أبا دجانة انصرف وأنت في حل من بيعتك فأما علي (عليه السلام) فهو أنا
وأنا هو فتحول وجلس بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكى وقال لا والله
ورفع رأسه إلى السماء وقال لا والله لا جعلت نفسي في حل من بيعتي إني بايعتك
فإلى من انصرف يا رسول الله إلى زوجة تموت أو ولد يموت أو دار تخرب أو مال يفنى
وأجل قد اقترب فرق له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يزل يقاتل حتى أثخنته
الجراحة وهو في وجه وعلي (عليه السلام) في وجه فلما اسقط احتمله علي (عليه السلام)
فجاء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فوضعه عنده فقال يا رسول الله أوفيت
بيعتي قال نعم وقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خيرا وكان الناس يحملون على
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الميمنة فيكشفهم علي فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلاث قطع فجاء إلى
387

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فطرحه بين يديه وقال هذا سيفي قد تقطع فيومئذ أعطاه
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذا الفقار ولما رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
اختلاج ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي وقال يا رب وعدتني أن
تظهر دينك وان شئت لم يعيك فاقبل علي (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) فقال يا رسول الله أسمع دويا شديدا واسمع أقدم حيزوم وما أهم أضرب أحدا
الا سقط ميتا قبل أن اضربه فقال هذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في الملائكة ثم جاء
جبرئيل (عليه السلام) فوقف إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا
محمد ان هذه لهي المواساة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان عليا مني وأنا منه
فقال جبرئيل (عليه السلام) وأنا منكما ثم انهزم الناس فقال رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) لعلي يا علي امض بسيفك حتى تعارضهم فإن رأيتهم ركبوا القلاص
وجنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة وان رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص (1)
فإنهم يريدون المدينة فأتاهم علي (عليه السلام) فكانوا على القلاص فقال أبو سفيان
لعلي (عليه السلام) ما تريد هوذا نحن ذاهبون إلى مكة فانصرف إلى صاحبك فاتبعهم
جبرئيل فكلما سمعوا وقع حافر فرسه جدوا في السير وكان يتلوهم فإذا ارتحلوا قالوا
هوذا عسكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أقبل فدخل أبو سفيان مكة فأخبرهم
الخبر وجاء الرعاة والحطابون فدخلوا مكة فقالوا رأينا عسكر محمد كلما رحل أبو
سفيان نزلوا يقدمهم فارس على فرس أشقر يطلب آثارهم فأقبل أهل مكة على أبي
سفيان يوبخونه ثم رحل النبي (صلى الله عليه وآله والراية مع علي (عليه السلام)
وهو بين يديه فلما ان أشرف بالراية من العقبة وراء الناس نادى علي (عليه السلام) أيها
الناس هذا محمد لم يمت ولم يقتل فقال صاحب الكلام الذي قال الآن يسخر بنا وقد
هزمنا هذا علي والراية بيده حتى هجم (2) عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ونساء الأنصار في أفنيتهم على أبواب دورهم وخرج الرجال إليه يلوذون به ويتوبون
إليه والنساء نساء الأنصار قد خدشن الوجوه ونشرن الشعور وجززن (3) النواصي

(1) القوص من الإبل الشابة والناقة الطويلة القوائم خاص بالإناث جمع قلائص وقلص جمع قلاص (ق).
(2) هجم عليه هجوما انتهى إليه بغتة أو دخل بغير اذن (ق).
(3) الجز القطع والخرم الشق (ق).
388

وخرقن الجيوب وخرمن البطون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رأينه قال
لهن خيرا وأمرهن أن يتسترن ويدخلن منازلهن وقال إن الله وعدني أن يظهر دينه على
الأديان كلها وأنزل الله على محمد * (وما محمد الا رسول قد خلت) * الآية ومن ينقلب
على عقبيه فلن يضر الله شيئا بارتداده بل يضر نفسه وسيجزي الله الشاكرين كأمير
المؤمنين (عليه السلام) ومن يحذو حذوه.
في الاحتجاج في خطبة الغدير: معاشر الناس انذر كم إني رسول الله إليكم قد
خلت من قبلي الرسل فان مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه
فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين، الا وان عليا هو الموصوف بالصبر والشكر
ثم من بعدي ولدي من صلبه.
وفي الكافي في خطبة الوسيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) حتى إذا دعا الله نبيه
ورفعه الأعقاب وانتكصوا على الأدبار وطلبوا بالأوتار وأظهروا الكتائب وردموا الباب
وفلوا الديار وغيروا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورغبوا عن أحكامه وبعدوا
من أنواره واستبدلوا بمستخلفه بديلا اتخذوه وكانوا ظالمين وزعموا أن من اختاروا من
آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممن اختاره
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لمقامه وان مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري
الأنصار
والعياشي عن الباقر (عليه الصلاة والسلام) قال كان الناس أهل ردة بعد رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ثلاثة قيل ومن الثلاثة قال المقداد وأبو ذر وسلمان
الفارسي رحمهم الله ثم عرف أناس بعد يسير فقال هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا
وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) مكرها فبايع وذلك قول الله وما
محمد الآية.
وعن الصادق (عليه السلام) أتدرون مات النبي أو قتل ان الله يقول أفإن مات أو

(1) ومض البرق يمض ومضا وميضا لمع خفيفا (ق).
389

قتل انقلبتم على أعقابكم ثم قال إنهما سقتاه قبل الموت يعني الامرأتين.
(145) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله إلا بمشيته أو باذنه لملك الموت
في قبض روحها لا تستأخر ساعة بالا حجام عن القتال ولا تستقدم بالإقدام عليه وفيه
تحريض وتشجيع على القتال كتابا كتب الموت كتابا مؤجلا موقتا لا يتأخر ولا يتقدم
ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها تعريض بمن شغلته الغنائم يوم أحد ومن يرد ثواب
الآخرة نؤته منها من ثوابها وسنجزي الشاكرين الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم
شئ عن الجهاد.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) أنه أصاب عليا عليه السلام يوم أحد وستون
جراحة، وإن النبي صلى الله عليه وآله أمر أم سليم وأم عطية أن تداويا فقالتا أنا
لا نعالج منه مكانا إلا انفتق مكان وقد خفنا عليه ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم المسلمون يعودونه وهو قرحة (1) واحدة فجعل يمسحه بيده ويقول إن رجلا
لقي هذا في الله فقد أبلى وأعذر فكان القرح الذي يمسحه رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يلتئم فقال علي عليه السلام الحمد لله إذ لم أفر ولم أول الدبر فشكر الله له
ذلك في موضعين من القرآن وهو قوله وسيجزي الله الشاكرين وسنجزي الشاكرين.
(146) وكأين من نبي وكم من نبي وقرئ كائن ككا عن قاتل معه حارب وقرئ قتل
بضم القاف ربيون كثير - قيل: أي علماء فقهاء صبر وقيل المجموع.
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام الربيون عشرة آلاف.
والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه قرأ وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير
قال ألوف وألوف ثم قال أي والله يقتلون فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله فما فتروا
ولم ينكسر جدهم من قتل من قتل منهم. ما ضعفوا في الدين وعن العدو وما استكانوا
. ما خضعوا للعدو وهو تعريض بما أصابهم عند الارجاف (2) بقتله صلى الله عليه وآله
وسلم.

(1) أي لا يبقى شئ من جسمه الا بلغه جراحة.
(2) أرجفت الأرض: زلزلت، والقوم تهيأوا للقتال.
390

في المجمع عن الباقر عليه السلام بين الله سبحانه أنه لو كان قتله صلى الله
عليه وآله وسلم كما أرجف بذلك يوم أحد لما أوجب ذلك أن يضعفوا ويهنوا كما لم
يهن من كان مع الأنبياء بقتلهم والله يحب الصابرين فينصرهم في العاقبة ويعظم
قدرهم.
(147) وما كان قولهم مع ثباتهم وقوتهم في الدين وكونهم ربانيين إلا أن قالوا
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين
أضافوا الذنوب والاسلام إلى أنفسهم هضما لها وإضافة لما أصابهم إلى سوء
أعمالهم واستغفروا عنها ثم طلبوا التثبيت في مواطن الحرب والنصر على العدو
ليكون على خضوع وطهارة فيكون أقرب إلى الإجابة
(148) فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة فأتاهم الله بسبب
الاستغفار واللجأ إلى الله النصر والغنيمة وحسن الذكر في الدنيا والجنة والنعيم في
الآخرة وخص ثواب الآخرة بالحسن اشعارا بفضله وأنه لمعتد به عند الله والله يحب
المحسنين في أقوالهم وأفعالهم.
(149) يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا
خاسرين.
في المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) نزلت في المنافقين إذ قالوا
للمؤمنين يوم أحد عند الهزيمة ارجعوا إلى اخوانكم وارجعوا إلى دينهم.
(150) بل الله مولاكم ناصركم وقرئ بالنصب بمعنى بل أطيعوا الله وهو خير
الناصرين فاستغنوا به عن ولاية غيره ونصره.
(151) سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب وقرئ بضمتين قيل وهو ما قذف
في قلوبهم من الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب.
في المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نصرت بالرعب مسيرة شهر بما
أشركوا بالله بسبب اشراكهم به ما لم ينزل به سلطانا أي آلهة ليس على اشراكها حجة
391

نازلة من الله عليهم والمراد نفي الحجة ونزولها جميعا ومأواهم النار وبئس مثوى
الظالمين أي مثواهم وضع الظاهر موضع الضمير للتغليظ والتعليل.
(152) ولقد صدقكم الله وعده إياكم بالنصر بشرط التقوى والصبر وكان
كذلك حتى خالف الرماة فان المشركين لما اقبلوا جعل الرماة يرشقونهم (1) والباقون
يضربونهم بالسيف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم إذ تحسونهم بإذنه أي
تقتلونهم بإذن الله بمعنى القتل على الاستيصال وأصله الا حساس من أحسه إذا أبطل
حسه حتى إذا فشلتم جبنتم وضعف رأيكم بالميل إلى الغنيمة وتنازعتم في الأمر يعني
اختلاف الرماة حين انهزام المشركين فقال بعضهم فما موقفنا هيهنا وقال آخرون لا
نخالف أمر الرسول فثبت مكانه أميرهم في نفر يسير ونفر الباقون للنهب وعصيتم من
بعد ما أراكم ما تحبون من الظفر والغنيمة وانهزام العدو وجواب إذا محذوف وهو
امتحنكم منكم من يريد الدنيا وهم التاركون المركز لحيازة الغنيمة.
القمي يعني أصحاب عبد الله بن جبير الذين تركوا مراكزهم ومروا للغنيمة
ومنكم من يريد الآخرة وهم الثابتون محافظة على أمر الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم).
القمي يعني عبد الله بن جبير وأصحابه الذين بقوا حتى قتلوا ثم صرفكم عنهم
كفكم عنهم حين غلبوكم ليبتليكم على المصائب ويمتحن ثباتكم على الإيمان عندها
ولقد عفا عنكم تفضلا ولما علم من ندمكم على المخالفة والله ذو فضل على
المؤمنين يتفضل عليهم بالعفو وغيره في الأحوال كلها سواء اديل (2) لهم أو عليهم إذ
الابتلاء أيضا رحمة.
(153) إذ تصعدون متعلق بصرفكم والإصعاد الذهاب والإبعاد في الأرض ولا
تلوون على أحد لا يقف أحد لأحد ولا ينتظره والرسول يدعوكم كان يقول إلي عباد

(1) الرشق بالفتح فالسكون الرمي ورشقه يرشقه من باب قتل رشقا إذا رماه بالسهام والرشق بالكسر عدد الرمي
الذي يتفقان عليه (مجمع).
(2) دالت الأيام: أي دارت والله يداولها بين الناس أي يديرها وتداولته الأيدي: أخذته هذه مرة وهذه مرة إلى أن
قال يقال أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم (مجمع).
392

الله إلي عباد الله ارجعوا أنا رسول الله إلى أين تفرون عن الله وعن رسوله وفي رواية من
يكر فله الجنة في أخراكم في ساقتكم وجماعتكم الأخرى فأثابكم غما بغم فجازاكم
الله عن فتلكم وعصيانكم غما متصلا بغم.
القمي عن الباقر (عليه السلام) فأما الغم الأول فالهزيمة والقتل والغم الآخر
فاشراف خالد بن الوليد عليهم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة ولا على ما
أصابكم من قتل اخوانكم والله خبير بما تعملون.
(154) ثم أنزل عليكم من بعد الغم يعني الهزيمة أمنة نعاسا أمنا حتى أخذكم
النعاس يغشى طائفة منكم وقرئ بالتاء وهم المؤمنون حقا روي أنهم غشيهم النعاس
في المصاف حتى كان السيف يسقط عن يد أحدهم ثم يسقط فيأخذه وطائفة هم
المنافقون قد أهمتهم أنفسهم أوقعتهم أنفسهم في الهموم إذ ما بهم الا هم أنفسهم
وطلب خلاصها يظنون بالله غير الحق يظنون أن أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
مضمحل وأنه لا ينصر ظن الجاهلية ظن أهل الملة الجاهلية أي الكفار يقولون هل
لنا من الأمر من شئ من النصر والظفر نصيب قط كما وعدنا أو في تدبير أنفسنا
وتصريفها اختيار يقولون ذلك على سبيل الإنكار قل إن الأمر كله لله الغلبة الحقيقية
لله تعالى وأوليائه فان حزب الله هم الغالبون أو النصر والشهادة والقضاء كله لله يفعل ما
يشاء ويحكم ما يريد وقرئ كله بالرفع يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك: يظهرون انهم
مسترشدون طالبون للنصر ويبطنون الإنكار والتكذيب يقولون في أنفسهم وإذا خلا
بعضهم إلى بعض لو كان لنا من الأمر شئ لو كان النصر لنا أو الاختيار الينا ما قتلنا
هيهنا لم نبرح من المدينة بل أقمنا فيها كما كان رأي ابن أبي وغيره فما غلبنا وما قتل
من قتل منا في هذه المعركة قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل
لخرج الذين قدر الله عليهم القتل وكتب في اللوح المحفوظ إلى مضاجعهم إلى
مصارعهم ولم تنفع الإقامة بالمدينة ولم ينج من القتل أحد لأن ما قدر الله من الأمور
ودبرها في سابق قضائه لا دافع له إذ لا معقب لقضائه ولا مانع لحكمه وليبتلي الله ما
في صدوركم وليمحن الله ما في صدوركم ويظهر سرائرها من الإخلاص والنفاق
فعل ما فعل وليمحص ما في قلوبكم وليكشفه ويميزه والله عليم بذات الصدور عليم
393

بخفياتها قبل اظهارها وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه غني عن الابتلاء وإنما فعل ذلك
لتمرين المؤمنين واظهار حال المنافقين.
(155) إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انهزموا يوم أحد والجمعان
جمع المسلمين وجمع المشركين إنما استزلهم الشيطان حملهم على الزلة ببعض ما
كسبوا من معصيتهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بترك المركز والحرص على
الغنيمة وغير ذلك فمنعوا التأييد وقوة القلب.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال هم أصحاب العقبة ولقد عفا الله عنهم
لتوبتهم واعتذارهم ان الله غفور للذنوب حليم لا يعاجل بعقوبة المذنب كي يتوب.
(156) يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا يعني المنافقين وقالوا
لإخوانهم لأجلهم وفيهم إذا ضربوا في الأرض إذا سافروا فيها فماتوا أو كانوا غزى
أي غازين فقتلوا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم
اللام للعاقبة مثلها في ليكون لهم عدوا وحزنا والله يحيي ويميت رد لقولهم أي هو
المحيي والمميت لا الإقامة والسفر فإنه تعالى قد يحيي المسافر والغازي ويميت
المقيم والقاعد والله بما تعملون بصير تهديد للمؤمنين على أن يماثلوهم وعلى قراءة
الياء وعيد للذين كفروا.
(157) ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم في سبيله وقرئ بكسر الميم لمغفرة من
الله ورحمة خير مما يجمعون وقرئ بالتاء أقيم جواب القسم مقام الجزاء والمعنى ان
السفر والغزاة ليسا مما يجلبان الموت أو يقدمان الأجل وان وقع ذلك في سبيل الله فما
تنالون من المغفرة والرحمة بالموت خير مما تجمعون من الدنيا وما فيها ومنافعها لو لم
تموتوا أو لم تقتلوا.
(158) ولئن متم أو قتلتم على أي وجه اتفق لإلى الله تحشرون في جميع
الأحوال.
وفي المعاني والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية أن سبيل الله علي
394

وذريته من قتل في ولايته قتل في سبيل الله ومن مات في ولايته مات في سبيل الله وقد
سبق حديث في الفرق بين الموت والقتل عند تفسير قوله أفإن مات أو قتل انقلبتم من
هذه السورة.
(159) فبما رحمة من الله لنت لهم ما مزيدة للتأكيد بلغ لينه لهم إلى أن اغتم لهم
بعد أن خالفوه ولو كنت فظا سئ الخلق جافيا غليظ القلب قاسية لانفضوا من حولك
لتفرقوا عنك ولم يسكنوا إليك فاعف عنهم فيما يختص بك واستغفر لهم فيما لله
وشاورهم في الأمر في أمر الحرب وغيره مما يصح أن يشاور فيه استظهارا برأيهم
وتطييبا لنفوسهم وتمهيدا لسنة المشاورة للأمة
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا وحدة أوحش من العجب ولا مظاهرة
أوثق من المشاورة.
وفي نهج البلاغة من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها،
وفيه الاستشارة عين الهداية وقد خاطر (1) من استغنى برأيه.
وفي الخصال عن الصادق (عليه السلام) وشاور في أمرك الذين يخشون الله.
والعياشي كتب الجواد إلى علي بن مهزيار ان سل فلانا أن يشير (2) علي ويتخير
لنفسه فهو يعلم ما يجوز في بلده وكيف يعامل السلاطين فان المشاورة مباركة قال الله
تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في محكم كتابه وتلا هذه الآية قال وشاورهم في الأمر يعني الاستخارة فإذا عزمت فإذا وطنت نفسك على شئ بعد الشورى فتوكل
على الله في امضاء أمرك على ما هو أصلح لك فإنه لا يعلمه سواه، وروت العامة عن
الصادق (عليه السلام) فإذا عزمت بضم التاء اي فإذا عزمت لك ووفقتك وأرشدتك إن
الله يحب المتوكلين فينصرهم ويهديهم إلى الصلاح.
(160) إن ينصركم الله كما نصركم يوم بدر فلا غالب لكم فلا أحد يغلبكم

(1) من المخاطرة وهي ارتكاب خطر (م).
(2) لعل المراد من قوله (ع) يشير علي: أي سله يظهر لي ما عنده من مصلحتي في أمر كذا ويتخير لنفسه أي يتخير لي
تخيرا كتخيره لنفسه كما هو شأن الأخ المحب المحبوب الذي يخشى الله تعالى.
395

وإن يخذلكم كما خذلكم يوم أحد فمن ذا الذي ينصركم من بعده لا ناصر لكم من
بعد الله إذا جاوزتموه ومن بعد خذلانه وعلى الله فليتوكل المؤمنون فليخصوه
بالتوكل لما آمنوا به وعلموا أن لا ناصر سواه.
(161) وما كان لنبي أن يغل وما صح لنبي أن يخون في الغنائم فان النبوة تنافي
الخيانة والغلول أخذ الشئ من المغنم في خفية، وقرئ بضم الياء وفتح الغين أي
ينسب إلى الخيانة.
القمي نزلت في حرب بدر وكان سبب نزولها أنه كان في الغنيمة التي أصابوها
يوم بدر قطيفة حمراء ففقدت فقال رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) ما لنا لا نرى القطيفة ما أظن إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وخذها أخذها
فأنزل الله في ذلك هذه الآية فجاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إن
فلانا غل قطيفة فاحفرها هنالك فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحفر
ذلك الموضع فأخرج القطيفة.
في المجالس عن الصادق (عليه السلام) ان رضاء الناس لا يملك وألسنتهم لا
تضبط ألم ينسبوه يوم بدر إلى أنه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء حتى أظهره الله
على القطيفة وبرأ نبيه من الخيانة وانزل في كتابه وما كان لنبي أن يغل الآية ومن يغلل
يأت بما غل يوم القيمة يحمله على عنقه.
والقمي عن الباقر (عليه السلام) ومن غل شيئا رآه يوم القيامة في النار ثم يكلف
أن يدخل إليه فيخرجه من النار ثم توفى كل نفس ما كسبت تعطى جزاء ما كسبت
وافيا عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود وهم لا يظلمون لا ينقص ثواب
مطيعهم ولا يزاد في عقاب عاصيهم.
(162) أفمن اتبع رضوان الله بالطاعة كمن باء رجع بسخط من الله بالمعصية
ومأواه جهنم وبئس المصير.
(163) هم درجات عند الله قيل ذو درجات أو شبهوا بالدرجات لما بينهم من
التفاوت.
396

في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) الذين اتبعوا رضوان الله هم
الأئمة وهم والله درجات عند الله للمؤمنين وبولايتهم ومعرفتهم إيانا يضاعف الله لهم
أعمالهم ويرفع الله لهم الدرجات العلى.
وزاد العياشي الذين باؤوا بسخط من الله هم الذين جحدوا حق علي وحق
الأئمة منا أهل البيت (صلوات الله عليهم) فباؤوا لذلك بسخط من الله.
وعن الرضا (عليه الصلاة والسلام) الدرجة ما بين السماء والأرض والله بصير بما
يعملون فيجازيهم على حسبها.
(164) لقد من الله على المؤمنين أنعم الله عليهم إذ بعث فيهم رسولا من
أنفسهم عربيا مثلهم ليفهموا كلامه بسهولة يتلوا عليهم آياته أي القرآن بعد ما كانوا
جهالا لم يسمعوا الوحي ويزكيهم يطهرهم من سوء العقائد والأخلاق والأعمال
ويعلمهم الكتاب والحكمة القرآن والسنة وإن كانوا وانه كانوا من قبل من قبل بعثه
لفي ضلال مبين ظاهرا.
(165) أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها الهمزة للتقريع والتقرير.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) كان المسلمون قد أصابوا ببدر مائة
وأربعين رجلا قتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين فلما كان يوم أحد أصيب من
المسلمين سبعون رجلا فاغتموا لذلك فنزلت قلتم أنى هذا من أين هذا أصابنا وقد وعدنا الله
النصر قل هو من عند أنفسكم باختياركم الفداء يوم بدر وكذا عن أمير المؤمنين
(صلوات الله وسلامه عليه) رواه في المجمع.
القمي وكان الحكم في الأسارى يوم بدر القتل فقامت الأنصار فقالوا يا رسول
الله هبهم لنا ولا تقتلهم حتى نفاديهم فنزل جبرائيل فقال إن الله قد أباح لهم الفداء أن
يأخذوا من هؤلاء القوم ويطلقوهم على أن يستشهد منهم في عام قابل بعدد من
يأخذون منه فداء فأخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسم) بهذا الشرط فقالوا قد
رضينا به نأخذ العام الفداء من هؤلاء ونتقوى به ويقتل منا في عام قابل بعدد من نأخذ
397

منه الفداء وندخل الجنة فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم فلما كان يوم أحد قتل من
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعون فقالوا يا رسول الله ما هذا الذي
أصابنا وقد كنت تعدنا النصر فأنزل الله أو لما أصابتكم الآية هو من عند أنفسكم أي بما
اشترطتم يوم بدر ويأتي تمام قصة بدر في سورة الأنفال إن شاء الله تعالى إن الله على
كل شئ قدير فيقدر على النصر ومنعه وعلى أن يصيب بكم ويصيب منكم.
(166) وما أصابكم يوم التقى الجمعان يعني يوم أحد فبإذن الله فهو كائن بقضائه
بتخلية (1) الكفار وليعلم المؤمنين.
(167) وليعلم الذين نافقوا وليتميز الفريقان بظهور ايمان هؤلاء، وكفر هؤلاء
وقيل لهم أي للمنافقين تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا عن الأنفس والأموال أو
بتكثير السواد قالوا لو نعلم قتالا لا تبعناكم قالوه دغلا (2) واستهزاء لزعمهم أن ما
يفعلونه ليس بقتال بل القاء بالأنفس إلى التهلكة هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان
كما يظهر من كلامهم هذا يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم يظهرون خلاف ما
يضمرون والله أعلم بما يكتمون من النفاق وما يخلو به بعضهم إلى بعض فإنه يعلمه
مفصلا بعلم واجب وأنتم إنما تعلمونه مجملا بامارات.
في مصباح الشريعة عن الصادق (عليه السلام) في كلام ومن ضعف يقينه تعلق
بالأسباب رخص (3) لنفسه بذلك واتبع العادات وأقاويل الناس بغير حقيقة والسعي
في أمور الدنيا وجمعها وامساكها يقر باللسان أنه لا مانع ولا معطي إلا الله وأن العبد لا
يصيب إلا ما رزق وقسم به والجهد لا يزيد في الرزق وينكر ذلك بفعله وقلبه قال الله
تعالى يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون.
(168) الذين قالوا وصف آخر لهم لإخوانهم لأجلهم وفيهم يريد من قتل منهم
يوم أحد وقعدوا حال كونهم قاعدين عن القتال لو أطاعونا في القعود ما قتلوا كما لم

(1) تخلية الكفار تركهم وعدم هلاكهم.
(2) الدغل بالتحريك: الفساد مثل الدخل يقال قد أدغل في الأمر إذا أدخل فيه ما يخالفه ويفسده.
(3) الرخصة: هي كغرفة وقد تضم الخاء للاتباع التسهيل في الأمر ودفع التشديد فيه يقال رخص لنا الشارع في
كذا ترخيصا وأرخص ارخاصا إذا يسره وسهله (مجمع).
398

واثما مبينا ثم إن بشيرا كفر ولحق بمكة وأنزل الله في النفر الذين أعذروا بشيرا وأتوا
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعذروه ولولا فضل الله عليك ورحمته (الآية) ونزل
في بشير وهو بمكة ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل
المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا.
وفي الكافي عن الكاظم (عليه السلام) في قوله تعالى إذ يبيتون ما لا يرضى من
القول يعني فلانا وفلانا وأبا عبيدة الجراح.
المغيرين بقوله إذ يبيتون ما لا يرضى من القول بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود (1)
باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة
والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه.
(114) لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أمر جميل أو
إصلاح بين الناس تأليف بينهم بالمودة.
في الكافي والعياشي والقمي عن الصادق (عليه السلام) يعني بالمعروف
القرض.
والقمي عنه (عليه السلام) ان (2) الله فرض التمحل (3) في القرآن فسئل وما
التمحل قال أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك فتمحل له وهو قوله تعالى لا خير
في كثير من نجواهم.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض
عليكم زكاة ما ملكت أيديكم.

(1) الأود العوج واود الشئ بالكسر يأود اودا أي أعوج وتأود تعوج (م).
(2) قوله (ع) ان الله فرض: أقول قد نقل في مجمع البيان هذه الرواية بلفظ التحمل في مكان التمحل في المواضع
الثلاثة منها ولا يخفى أنه أنسب.
(3) التمحل الاحتيال والمراد هنا أن تصرف وجهك وجه أخيك لما بينك وبينه من الكدرة وضيق خلقك عنه،
ثم تذكرت أمر الله ووصيته فصرفت وجهك إليه بيشر؟ وفرح وبهجة وتحية ابتغاء لمرضاته تعالى وقد يكون سبب الإعراض
غير هذا كهم وغم وألم وشغل أهم أو مصلحة دينية أو دنيوية.
399

طيور خضر حول العرش فقال لا المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في
حواصل (1) طير ولكن في أبدان كأبدانهم وقد مضى في حديث آخر في هذا المعنى
في سورة البقرة عند قوله تعالى: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات.
(171) يستبشرون بنعمة من الله وهي أمنهم ثوابا لأعمالهم وفضل وهي
الزيادة عليه كقوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وتنكيرهما للتعظيم وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين من جملة المستبشر به بكسر وقرئ الهمزة على الاستيناف.
(172) الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين
أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم.
القمي إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما دخل المدينة من وقعة أحد نزل
عليه جبرئيل فقال يا محمد ان الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم ولا يخرج معك إلا من به
جراحة فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مناديا ينادي يا
معشر المهاجرين والأنصار من كانت به جراحة فليخرج ومن لم يكن به جراحة
فليقم فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح
فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حمراء (2) الأسد وقريش قد نزلت
الروحاء (3) قال عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن العاص وخالد بن
الوليد نرجع ونغير (4) على المدينة قد قتلنا سراتهم (5) وكبشهم يعنون حمزة فوافاهم
رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر فقال تركت محمدا وأصحابه بحمراء الأسد
يطلبونكم جد الطلب فقال أبو سفيان هذا النكد والبغي فقد ظفرنا بالقوم وبغينا والله ما
أفلح قوم قط بغوا فوافاهم نعيم بن مسعود الأشجعي فقال أبو سفيان أين تريد قال

(1) الحوصلة بالتخفيف والتشديد واحدة حواصل الطير وهي ما يجتمع فيها الحب وغيره من المأكول وهو للطير كالمعدة
للانسان (مجمع).
(2) حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة (ق).
(3) الروحاء: موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة (ق).
(4) من الا غارة بمعنى الغارة (منه).
(5) السراة أعلى كل شئ والكبش سيد القوم (منه).
400

المدينة لا متار لأهلي طعاما قال هل لك أن تمر بحمراء الأسد وتلقى أصحاب محمد
(صلى الله عليه وآله وسلم) وتعلمهم أن حلفاءنا وموالينا قد وافونا أتونا من الأحابيش (1)
حتى يرجعوا عنا ولك عندي عشرة قلايص املأها تمرا وزبيبا قال نعم فوافى من غد
ذلك اليوم حمراء الأسد فقال لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أين تريدون
قالوا قريشا قال ارجعوا ان قريشا قد اجتمعت إليهم حلفاؤهم ومن كان تخلف عنهم
وما أظن إلا وأوائل خيلهم يطلعون عليكم الساعة فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ما
نبالي فنزل جبرئيل على رسول فقال ارجع يا محمد فان الله قد أرعب قريشا ومروا
لا يلوون على شئ فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة وأنزل الله
الذين استجابوا لله والرسول الآيات.
(173) الذين قال لهم الناس يعني نعيم بن مسعود الأشجعي كذا في المجمع
عنهما (عليهم السلام) إن الناس قد جمعوا لكم يعني أبا سفيان أصحابه فاخشوهم
فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) أنها نزلت في غزوة بدر الصغرى وذلك أن
أبا سفيان قال يوم أحد حين أراد أن ينصرف يا محمد موعدنا بيننا وبينك موسم بدر
الصغرى القابل إن شئت فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك بيننا وبينك
فلما كان عام المقبل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة (2) من ناحية مر (3)
الظهران ثم القى الله عليه الرعب فبدا له في الر جوع فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي
وقد قدم معتمرا فقال له أبو سفيان اني واعدت محمدا أن نلتقي موسم بدر الصغرى
وان هذه عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي
أن لا اخرج إليها وأكره أن يخرج محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أخرج أنا

(1) وحبشي بالضم جبل بأسفل مكة يقال منه سمي أحابيش قريش وذلك أن بني المصطلق وبني الهون بن خزيمة
اجتمعوا عنده فحالفوا قريشا وتحالفوا بالله إنا ليد على غيرنا ما سجى ليل ووضح نهار وما أرسى حبشي مكانه فسموا
أحابيش قريش باسم الجبل (صحاح).
(2) المجنة: الأرض الكثيرة الجن وموضع قرب مكة وقد تكسر ميمها (ق).
(3) بطن مر ويقال له مر الظهران موضع على مرحلة من مكة (قاموس).
401

فيزيدهم ذلك جرأة فالحق بالمدينة فثبطهم (1) ولك عندي عشرة من الإبل أضعها
على يد سهيل بن عمرو فأتى نعيم المدينة فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبي سفيان
فقال بئس الرأي رأيكم أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلا شريد (2)
فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم فوالله لا يفلت (3) منكم أحد فكره
أصحاب رسول الله الخروج فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي نفسي
بيده لأخرجن ولو وحدي فأما الجبان فإنه رجع وأما الشجاع فإنه تأهب للقتال وقال حسبنا
الله ونعم الوكيل فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أصحابه حتى وافى
بدر الصغرى وهو ماء لبني كنانة وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها
في كل عام ثمانية أيام فأقام ببدر ينتظر أبا سفيان وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى
مكة فسماهم أهل مكة جيش السويق ويقولون إنما خرجتم تشربون السويق ولم يلق
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه أحدا من المشركين ببدر ووافوا السوق وكانت
لهم تجارات فباعوا وأصابت الدرهم درهمين وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.
(174) فانقلبوا فرجعوا من بدر بنعمة من الله عافية وثبات على الإيمان وزيادة
فيه وفضل وربح في التجارة لم يمسسهم سوء من جراحة وكيد عدو واتبعوا رضوان
الله بجرأتهم وخروجهم والله ذو فضل عظيم قد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة
الإيمان والتوفيق للمبادرة إلى الجهاد والتصلب في الدين واظهار الجرأة على العدو
وبالحفظ عن كل ما يسوؤهم وإصابة النفع مع ضمان الأجر حتى انقلبوا بنعمة منه
وفضل وفيه تحسير وتخطئة للمتخلف حيث حرم نفسه ما فازوا به.
(175) إنما ذلكم الشيطان يعني به المثبط وهو نعيم يخوف أولياءه القاعدين
عن الخروج مع الرسول فلا تخافوهم وخافون في مخالفة أمري إن كنتم مؤمنين فان
الإيمان يقتضي ايثار خوف الله على خوف الناس.

(1) ثبطة: عوقة (ق).
(2) الشريد: الطريد (ص).
(3) التفلت والافلات التخلص يقال أفلت الطائر وغيره افلاتا تخلص وفلت الطائر فلتا من باب ضرب لغة
(مجمع).
402

(176) ولا يحزنك وقرئ بضم الياء وكسر الزاي الذين يسارعون في الكفر
خوف أن يضروك ويعينوا عليك وهم المنافقون من المتخلفين إنهم لن يضروا الله
شيئا لن يضروا أولياء الله بمسارعتهم في الكفر وإنما يضرون بها أنفسهم يريد الله ألا
يجعل لهم حظا في الآخرة نصيبا من الثواب فيها وفيه دلالة على تمادي طغيانهم
حظ من رحمته ولهم عذاب عظيم مع الحرمان والثواب.
(177) إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب
أليم تأكيد وتعميم.
(178) ولا يحسبن الذين كفروا وقرئ بالتاء أنما نملي لهم خير لأنفسهم الاملاء
الامهال وإطالة العمر أو تخليتهم وشأنهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما اللام للعاقبة أي
ليكون عاقبة أمرهم ازدياد الإثم ولهم عذاب مهين.
العياشي عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن الكافر الموت خير له أم الحياة
فقال الموت خير للمؤمن والكافر لأن الله يقول وما عند الله خير للأبرار ويقول ولا
يحسبن الذين كفروا ان ما نملي لهم خير لأنفسهم الآية.
(179) ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه مختلطين لا يعرف
مخلصكم من منافقكم حتى يميز الخبيث من الطيب حتى يميز المنافق من المخلص
بالتكاليف الشاقة التي لا يصبر عليها ولا يذعن بها إلا الخلص المخلصون وقرئ يميز
من التمييز وما كان الله ليطلعكم على الغيب ليؤتي أحدكم علم الغيب فيطلع على ما
في القلوب من اخلاص ونفاق ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فيوحي إليه ويخبره
ببعض المغيبات فآمنوا بالله ورسله مخلصين وإن تؤمنوا حق الإيمان وتتقوا النفاق
فلكم أجر عظيم لا يقادر قدره.
(180) ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم وقرئ
بالتاء بل هو أي البخل شر لهم لاستجلاب العقاب عليهم سيطوقون ما بخلوا به يوم
403

القيامة سيلزمون وباله الزام الطوق.
في الكافي عن الباقر والصادق (عليهما السلام) ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا
إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش (1) من لحمه حتى
يفرغ من الحساب وهو قول الله تعالى سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة يعني ما بخلوا
به من الزكاة.
وعن الصادق (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما من
ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنح زكاة ماله إلا قلده الله تربة أرضه يطوق بها من
سبع أرضين إلى يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض وله ما فيهما مما يتوارث
فما لهؤلاء يبخلون عليه بماله ولا ينفقونه في سبيل الله والله بما تعملون من المنع
والإعطاء خبير فيجازيهم وقرئ بالتاء على الالتفات وهو أبلغ في الوعيد.
(181) لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء قاله اليهود لما
سمعوا من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا كذا قيل.
والقمي قال والله ما رأوا الله فيعلموا أنه فقير ولكنهم رأوا أولياء الله فقراء فقالوا
لو كان غنيا لأغنى أولياءه ففخروا على الله بالغنى.
وفي المناقب عن الباقر (عليه السلام) هم الذين يزعمون أن الإمام يحتاج إلى ما
يحملونه إليه. سنكتب ما قالوا في صحائف الكتبة ونحفظه في علمنا لا نهمله لأنه
كلمة عظيمة إذ هو كفر بالله واستهزاء به وقتلهم الأنبياء بغير حق.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) أما والله ما قتلوهم بأسيافهم ولكن أذاعوا
أمرهم وافشوا عليهم فقتلوا وقرئ سيكتب بالياء وضمها وقتلهم بالرفع ونقول وقرئ
بالياء ذوقوا عذاب الحريق وننتقم منهم بهذا القول.
(182) ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد بل إنما يعذب
بمقتضى العدل ان عذب ولم يتفضل.

(1) نهشته الحية من بابي ضرب ونفع لسعته وعضته (مجمع).
404

(183) الذين قالوا إن الله عهد إلينا أمرنا في التوراة وأوصانا ألا نؤمن لرسول
حتى يأتينا بقربان تأكله النار حتى يأتينا بهذه المعجزة الخاصة التي كانت لأنبياء بني
إسرائيل وهو أن يقرب بقربان وهو ما يتقرب به إلى الله من ذبيحة أو غيرها فيقوم النبي
(عليه السلام) فيدعو فتنزل نار من السماء فتحرق قربان من قبل منه وهذا من مفترياتهم
وأباطيلهم لأن هذه إنما توجب الإيمان لكونها معجزة فهي وسائر المعجزات سواء في
ذلك قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم
صادقين تكذيب والزام بأن رسلا جاؤوهم قبله كزكريا ويحيى بمعجزات اخر موجبة
للتصديق وبما اقترحوه فقتلوهم فلو كان الموجب للتصديق هو الإتيان به وكان
امتناعهم عن الإيمان لأجله فمالهم لا يؤمنوا بمن جاء به في معجزات اخر واجتروا
على قتله.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال كان بين القائلين والقاتلين خمسمائة
عام فألزمهم الله القتل لرضاهم بما فعلوا ومثله العياشي في عدة روايات.
(184) فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات المعجزات والزبر
الحكم والمواعظ والزواجر والكتاب المنير المشتمل على الشرائع والأحكام وقرئ
وبالزبر.
(185) كل نفس ذائقة الموت وعد ووعيد للمصدق والمكذب.
العياشي عن الباقر (عليه السلام) من قتل لم يذق الموت ثم قال لا بد من أن
يرجع حتى يذوق الموت.
وعنه (عليه السلام) من قتل ينشر حتى يموت ومن مات ينشر حتى يقتل وقد مضى
الحديث الأول بتمامه عند تفسير قوله تعالى أفإن مات أو قتل من هذه السورة.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال يموت أهل الأرض حتى لا يبقى
أحد ثم يموت أهل السماء حتى لا يبقى أحد إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل
وميكائيل قال فيجئ ملك الموت حتى يقوم بين يدي الله عز وجل فيقال له من بقي
405

وهو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل فيقال
له قل لجبرئيل وميكائيل فليموتا فتقول الملائكة عند ذلك يا رب رسولاك وأميناك
فيقول إني قد قضيت على كل نفس فيها الروح الموت ثم يجئ ملك الموت حتى
يقف بين يدي الله عز وجل فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك
الموت وحملة العرش فيقول قل لحملة العرش فليموتوا ثم قال يجئ كئيبا حزينا لا
يرفع طرفه فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت فيقال له
مت يا ملك الموت فيموت ثم يأخذ الأرض بيمينه ويقول أين الذين كانوا يدعون معي
شريكا أين الذين كانوا يجعلون معي إلها آخر وإنما توفون أجوركم تعطون جزاء
أعمالكم خيرا كان أو شرا تاما وافيا يوم القيامة يوم قيامكم عن القبور وقد يكون قبلها
وأدخل الجنة فقد فاز ظفر بالنجاة ونيل المراد.
في المجالس عن النبي (صلى الله عليه وآله) حاكيا عن الله عز وجل في
حديث فبعزتي حلفت وبجلالي أقسمت أنه لا يتولى عليا عبد من عبادي إلا زحزحته
عن النار وأدخلته الجنة ولا يبغضه أحد من عبادي إلا أبغضته وأدخلته النار وبئس
المصير.
وفي الكافي عن الصادق خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم ومن خالص
الإيمان البر بالاخوان والسعي في حوائجهم وان البار بالاخوان ليحببه الرحمن وفي
ذلك مرغمة الشيطان وتزحزح عن النيران ودخول الجنان وما الحياة الدنيا أي زخارفها
وفضولها إلا متاع الغرور مصدر أو جمع غار.
(186) ولتبلون أي والله لتختبرن في أموالكم بتكليف الإنفاق وما يصيبه من
الآفات وأنفسكم بالجهاد والقتل والأسر والجراح وما يرد عليها من المخاوف
والأمراض والمتاعب.
في العلل عن الرضا (عليه السلام) في أموالكم باخراج الزكاة وفي أنفسكم
بالتوطين على الصبر ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا
406

أذى كثيرا من هجاء الرسول والطعن في الدين واغراء الكفرة على المسلمين وغير
ذلك أخبرهم بذلك قبل وقوعها ليوطنوا أنفسهم على الصبر والاحتمال ويستعدوا
للقائها حتى لا يرهقهم نزولها بغتة وإن تصبروا على ذلك وتتقوا مخالفة أمر الله فإن
ذلك يعني الصبر والتقوى من عزم الأمور مما يجب ثبات الرأي عليه نحو امضائه.
(187) وإذ أخذ الله اذكر وقت أخذه ميثاق الذين أوتوا الكتاب.
القمي عن الباقر (عليه السلام) يعني في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لتبيننه
للناس ولا تكتمونه قال إذا خرج وقرئ بالياء فيهما فنبذوه أي الميثاق وراء ظهورهم
فلم يراعوه ولم يلتفتوا إليه والنبذ وراء الظهر مثل في ترك الاعتداد وعدم الالتفات
ويقابله جعله نصب عينيه واشتروا به اخذوا بدله ثمنا قليلا من حطام الدنيا واعراضها.
فبئس ما يشترون.
في المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ما أخذ الله على أهل الجهل أن
يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا.
وفي الاحتجاج عنه (عليه السلام) في حديث يذكر فيه أن أعداء رسول الله
الملحدين في آيات الله (1) تأويل لهذه الآية وقد سبق ذكره في المقدمة السادسة.
(188) لا تحسبن الذين يفر حون بما أتوا يعجبون بما فعلوا من التدليس
وكتمان الحق أو من الطاعات والحسنات وقرئ بالياء ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا
من الوفاء بالميثاق واظهار الحق والإخبار بالصدق أو كل خير فلا تحسبنهم تأكيد وقرئ
بالياء وضم الباء بمفازة بمناجاة.

(1) ولقد احضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ولم يسقط حرف
الف ولا لام فلما وقفوا على ما بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل وان ذلك ان ظهر نقض ما عقدوه قالوا لا حاجة فيه نحن
مستغنون عنه بما عندنا ولذلك قال نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ثم دفعهم الاضطرار بورود
المسائل عليهم عمالا يعلمون إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم فصرخ مناديهم من كان
عنده شئ من القرآن فليأتنا به ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله والفه على اختيارهم وتركوا
منه ما قد رأوا أنه لهم وهو عليهم ورأوا ما ظهر تناكره وتنافره وانكشف لأهل الاستعباد عوارهم وافتراؤهم.
407

والقمي عن الباقر (عليه السلام) ببعيد من العذاب ولهم عذاب أليم بكفرهم
وتدليسهم.
(189) ولله ملك السماوات والأرض فهو يملك أمرهم والله على كل شئ
قدير فيقدر على عقابهم.
(190) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي
الألباب لدلائل واضحة على التوحيد وكمال علمه سبحانه وحكمته ونفاذ قدرته ومشيته
لذوي العقول الخالصة عن شوائب الحس والوهم.
(191) الذين يذكرون الله في جميع الأحوال وعلى جميع الهيئات قياما
وقعودا وعلى جنوبهم.
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر
ذكر الله.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال قال رسول الله من أكثر ذكر الله تعالى
أحبه الله.
وفيه والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في قوله الذين يذكرون الله قياما، قال
الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي جالسا وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من
المريض الذي يصلي جالسا.
وفي الأمالي والعياشي عنه (عليه السلام) لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في
ذكر الله قائما أو جالسا أو مضطجعا ان الله تعالى يقول الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى
جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ويعتبرون بهما.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) أفضل العبادات ادمان التفكر في الله وفي
قدرته.
وعنه قال كان أمير المؤمنين يقول نبه في التفكر قلبك وجاف عن الليل جنبك
واتق الله ربك.
408

وعن الرضا (عليه السلام) ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم إنما العبادة التفكر في
أمر الله.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تفكر ساعة خير من قيام ليلة، وفي رواية
من عبادة سنة، وفي أخرى ستين سنة وإنما اختلفت لاختلاف مراتب التفكر ودرجات
المتفكرين وأنواع المتفكر فيه ربنا ما خلقت هذا الخلق باطلا عبثا ضائعا من غير
حكمة يعني يقولون ذلك سبحانك تنزيها لك من العبث وخلق الباطل وهو اعتراض.
فقنا عذاب النار للاخلال بالنظر فيه والقيام بما يقتضيه.
(192) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار وضع
المظهر موضع المضمر للدلالة على أن ظلمهم صار سببا لإدخالهم النار وانقطاع
النصرة عنهم في الخلاص منها
العياشي عن الباقر (عليه السلام) مالهم من أئمة يسمونهم بأسمائهم.
(193) ربنا إننا سمعنا مناديا هو الرسول وقيل القرآن ينادي للإيمان أن آمنوا
بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا كبائرنا فإنها ذات تبعات وأذناب وكفر عنا سيئاتنا
صغائرنا فإنها مستقبحة ولكنها مكفرة عن مجتنب الكبائر وتوفنا مع الأبرار
مخصوصين بصحبتهم معدودين في زمرتهم.
(194) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك أي على ألسنتهم وإنما سألوا ما وعدوا
مع أنه لا يخلف الله وعده تعبدا واستكانة ومخافة أن يكونوا مقصرين في الامتثال ولا
تخزنا يوم القيامة بأن تعصمنا عما يقتضي الخزي إنك لا تخلف الميعاد بإثابة المؤمن
وإجابة الداعي وتكرير ربنا للمبالغة في الابتهال والدلالة على استقلال المطالب وعلو
شأنها، روي من حزنه أمر فقال خمس مرات ربنا أنجاه الله مما يخاف.
في المجمع عن النبي لما أنزلت هذه الآية قال ويل لمن لاكها بين فكيه ولم
يتأمل ما فيها.
(195) فاستجاب لهم ربهم إلى طلبهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من
409

ذكر أو أنثى بعضكم من بعض لأن الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر أو لأنهما من
أصل واحد أو لفرط الاتصال والاتحاد ولاتفاقهم في الدين والطاعة وهو اعتراض روي
أن أم سلمة قالت يا رسول الله ما بال الرجال يذكرون (1) في الهجرة دون النساء فأنزل
الله فالذين هاجروا الأوطان والعشائر للدين وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي
بسبب إيمانهم بالله ومن أجله وقاتلوا الكفار وقتلوا في الجهاد وقرئ بتقديم وقتلوا
وبتشديد تائها لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا
من عند الله والله عنده حسن الثواب.
في الأمالي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما هاجر من مكة إلى المدينة ليلحق
بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قارع (2) الفرسان من قريش ومعه فاطمة بنت أسد
وفاطمة بنت رسول الله وفاطمة بنت الزبير فسار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان (3) فلزم
بها يوما وليلة ولحق به نفر من ضعفاء المؤمنين وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) وكان يصلي ليلته تلك هو والفواطم ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى
جنوبهم فلن يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لوجهه
فجعل وهن يصنعون كذلك منزلا بعد منزل يعبدون الله عز وجل ويرغبون إليه كذلك
حتى قدموا المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم الذين يذكرون الله
قياما وقعودا الآيات. قوله من ذكر وأنثى الذكر علي والأنثى الفواطم بعضكم من
بعض يعني علي من فاطمة أو قال الفواطم وهن من علي.
والقمي فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)
وسلمان وأبا ذر حين أخرج وعمار الذين أوذوا في سبيل الله.
أقول: وتشمل الآيات كل من اتصف بهذه الصفات.

(1) حاصل سؤالها أنه أي فرق بين الرجال والنساء في ثبوت الهجرة لهم دونهن وحاصل الجواب بالآية أن للهجرة
لوازم واحكام لا يليق بالنساء ويمكن أن يكون المراد ثبوتها لهن أيضا إما اختصاصا بالفواطم أو عاما لغيرهن أيضا بشرط
المساواة لهن في الكيفية والسبب
(2) قارعته أي ضاربته وجادلته فقرعته أي غلبته بالمجادلة وقارعته أقرعه بفتحتين غلبته (مجمع).
(3) ضجنان كسكران جبل قرب مكة (ق).
410

(196) لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد تبسطهم في مكاسبهم
ومتاجرهم ومزارعهم وسعتهم في عيشهم وحظهم الخطاب لكل أحد أو للنبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) والمراد أمته. روي أن بعض المسلمين كانوا يرون المشركين في
رخاء ولين عيش فيقولون ان أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع
فنزلت.
(197) متاع قليل ذلك التقلب متاع قصير مدته يسير في جنب ما أعد الله تعالى
للمؤمنين.
وفي الحديث النبوي: ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في
اليم فلينظر بم يرجع ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ما مهدوا لأنفسهم.
(198) لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها
نزلا من عند الله النزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة وما عند الله لكثرته
ودوامه خير للأبرار مما يتقلب فيه الفجار لقلته وسرعة زواله وامتزاجه بالآلام.
(199) وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم خاشعين لله لا
يشترون بآيات الله ثمنا قليلا كما فعله المحترفون من أحبارهم أولئك لهم أجرهم
عند ربهم ويؤتون أجرهم مرتين كما وعدوه في آية أخرى إن الله سريع الحساب
لعلمه بالأعمال وما يستوجبه كل عامل من الجزاء فيسرع في الجزاء ويوصل الأجر
الموعود سريعا.
(200) يا أيها الذين آمنوا اصبروا على الفرائض وصابروا على المصائب.
ورابطوا على الأئمة.
كذا في الكافي عن الصادق (عليه السلام) والقمي عنه (عليه السلام) اصبروا على
المصائب وصابروا على الفرائض ورابطوا عن الأئمة.
والعياشي عنه اصبروا على المعاصي وصابروا على الفرائض، وفي رواية
اصبروا على دينكم وصابروا عدوكم ممن يخالفكم ورابطوا امامكم.
411

وعن الباقر (عليه السلام) وصابروا على التقية.
وفي المعاني عن الصادق (عليه السلام) اصبروا على المصائب وصابروهم على
الفتنة ورابطوا على من تقتدون به واتقوا الله لعلكم تفلحون.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) يعني فيما أمركم به وافترض عليكم.
والقمي عن السجاد (عليه السلام) نزلت الآية (1) في العباس وفينا ولم يكن
الرباط الذي أمرنا به وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) رابطوا الصلوات قال
أي انظروها واحدة بعد واحدة لأن المرابطة لم تكن حينئذ.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة وقد
سبق ثواب قراءة هذه السورة في آخر البقرة.

(1) ويحتمل أن يكون المراد من قوله (ع) نزلت الآية اه يعني أنهم مأمورون برباطنا وصلتنا وقد تركوا ولم يأتمروا
وسيكون ذلك في زمان ظهور القائم (ع) فيرابطنا من بقي من نسلهم فينصرون قائمنا فيكون من نسلنا المرابط بالفتح أعني
القائم عجل الله فرجه ومن نسله المرابط بالكسر ويحتمل على هذا الوجه أيضا الكسر فيهما والفتح كذلك فتأمل.
412

سورة النساء
مدنية كلها (1) وعدد آيها مأة وسبع وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة هي آدم على
نبينا (وعليه الصلاة والسلام) وخلق منها زوجها هي حواء.
القمي برأها من أسفل أضلاعه وبث منهما رجالا كثيرا ونساء بنين وبنات كثيرة
ورتب الامر بالتقوى على ذلك لما فيه من الدلالة على القدرة القاهرة التي من حقها أن
تخشى والنعمة الظاهرة التي توجب طاعة مولاها.
العياشي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال خلقت حواء من قصيري جنب آدم
والقصير هو الضلع الأصغر فأبدل الله مكانه لحما، وفي رواية خلقت حواء من جنب
آدم وهو راقد.
وعن الصادق (عليه السلام) أن الله خلق آدم من الماء والطين فهمة ابن آدم في
الماء والطين وان الله خلق حواء من آدم فهمة النساء الرجال فحصنوهن في البيوت.
وفي الفقيه والعلل عنه (عليه السلام) انه سئل عن خلق حواء وقيل له أن أناسا
عندنا يقولون إن الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم اليسرى الأقصى قال سبحان الله
تعالى عن ذلك علوا كبيرا، يقول من يقول هذا ان الله تبارك وتعالى لم يكن له من
القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه ويجعل للمتكلم من أهل التشنيع سبيلا إلى
الكلام، أن يقول: إن آدم

(1) قيل: انها مدنية الا قوله * (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات) * الآية، وقوله: * (يستفتونك في النساء قل الله
يفتيكم في الكلالة) * الآية فإنهما نزلتا بمكة (منه).
413

الكلام يقول إن آدم كان ينكح بعضه بعضا إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم الله بيننا
وبينهم ثم قال إن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم من طين وأمر الملائكة فسجدوا له
القى عليه السبات ثم ابتدع له حواء فجعلها في موضع النقرة التي بين وركيه وذلك
لكي تكون المرأة تبعا للرجل فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها فلما انتبه نوديت أن تنحي
عنه فلما نظر إليها نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير أنها أنثى فكلمها فكلمته بلغته
فقال لها من أنت فقالت خلق خلقني الله كما ترى فقال آدم (عليه السلام) عند ذلك يا
رب من هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه فقال الله يا آدم هذه أمتي
حواء أتحب أن تكون معك فتؤنسك وتحدثك وتأتمر لأمرك فقال نعم يا رب ولك علي
بذلك الشكر والحمد ما بقيت فقال الله تعالى فاخطبها إلي فإنها أمتي وقد تصلح لك
أيضا زوجة للشهوة والقى الله عليه الشهوة وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكل شئ فقال
يا رب فاني أخطبها إليك فما رضاك لذلك فقال رضائي ان تعلمها معا لم ديني فقال
ذلك لك يا رب علي ان شئت ذلك لي فقال قد شئت ذلك وقد زوجتكها فضمها إليك
فقال لها آدم إلي فاقبلي فقالت له لا بل أنت فاقبل إلي فأمر الله تعالى آدم أن يقوم إليها
فقام ولولا ذلك لكن النساء يذهبن حتى يخطبن على أنفسهن فهذه قصة حواء.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل من أي شئ خلق الله حواء فقال أي
شئ يقولون هذا الخلق قلت يقولون إن الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم فقال
كذبوا كان يعجز ان يخلقها من غير ضلعه ثم قال اخبرني أبي عن آبائه (عليهم السلام)
قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين
فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضل فضلة من الطين فخلق منها
حواء.
وفي العلل عنه (عليه السلام) خلق الله عز وجل آدم من طين ومن فضلته وبقيته
خلقت حواء، وفي رواية أخرى خلقت من باطنه ومن شماله ومن الطينة التي فضلت
من ضلعه الأيسر.
قال في الفقيه وأما قول الله عز وجل يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من
414

نفس واحدة وخلق منها زوجها، والخبر الذي روي أن حواء خلقت من ضلع آدم
الأيسر صحيح ومعناه من الطينة التي فضلت من ضلعه الأيسر فلذلك صارت أضلاع
الرجال أنقص من أضلاع النساء بضلع.
أقول: فما ورد أنها خلقت من ضلعه الأيسر إشارة إلى أن الجهة الجسمانية
الحيوانية في النساء أقوى منها في الرجال والجهة الروحانية الملكية بالعكس من ذلك
وذلك لأن اليمين مما يكنى به عن عالم الملكوت الروحاني والشمال مما يكنى به عن
عالم الملك الجسماني فالطين عبارة عن مادة الجسم واليمين عبارة عن مادة الروح
ولا ملك (1) إلا بملكوت وهذا هو المعني بقوله وكلتا يديه يمين فالضلع الأيسر
المنقوص من آدم كناية عن بعض الشهوات التي تنشؤ من غلبة الجسمية التي هي من
عالم الخلق وهي فضلة طينة المستنبط من باطنه التي صارت من مادة لخلق حواء فنبه
في الحديث على أنه جهة الملكوت والأمر في الرجال أقوى من جهة الملك والخلق
وبالعكس منهما في النساء فان الظاهر عنوان الباطن وهذا هو السر في هذا النقص في
أبدان الرجال بالإضافة إلى النساء وأسرار الله لا ينالها إلا أهل السر فالتكذيب في
كلام المعصومين إنما يرجع إلى ما فهمه العامة من حمله على الظاهر دون أصل
الحديث.
وفي العلل عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن بدو النسل من ذرية آدم وقيل
له ان عندنا أناسا يقولون إن الله تعالى أوحى إلى آدم أن يزوج بناته من بنيه وأن هذا
الخلق أصله كله من الاخوة والأخوات فقال سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا
يقول من يقول هذا ان الله عز وجل جعل أصل صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله
والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام ولم يكن له من القدرة ما
يخلقهم من الحلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب والله لقد
نبئت ان بعض البهائم تنكرت له أخته فلما نزل عليها ونزل كشف له عنها وعلم أنها
أخته أخرج غرموله (2) ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه ثم خر ميتا، وفي رواية أخرى

(1) قوله: لا ملك الا بملكوت أي ليس عالم المادية الا متقوما بالنفوس الروحانية.
(2) العزمول بالضم الذكر (ق).
415

عنه (عليه السلام) ما يقرب منه مع تأكيد بليغ في تحريم الأخوات على الاخوة وانه لم
يزل كذلك في الكتب الأربعة المنزلة المشهورة وان جيلا من هذا الخلق رغبوا
عن علم أهل بيوتات الأنبياء وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه فصاروا إلى ما قد
ترون من الضلال والجهل وفي آخرها ما أراد من يقول هذا وشبهه الا تقوية حجج
المجوس فما لهم قاتلهم الله، ثم قال إن آدم ولد له سبعون بطنا في كل بطن غلام
وجارية إلى أن قتل هابيل فلما قتل هابيل جزع آدم على هابيل جزعا قطعه عن اتيان
النساء فبقي لا يستطيع أن يغشى حواء خمسمائة عام ثم تجلى ما به من الجزع فغشي
حواء فوهب الله له شيثا وحده وليس معه ثان واسم شيث هبة الله وهو أول وصي أوصى
إليه من الآدميين في الأرض ثم ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان فلما أدركا
وأراد الله عز وجل أن يبلغ بالنسل ما ترون وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما
حرم الله عز وجل من الأخوات على الأخوة أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء
من الجنة اسمها نزلة فأمر الله عز وجل آدم أن يزوجها من شيث فزوجها منه ثم أنزل
بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها منزلة فأمر الله عز وجل آدم أن يزوجها من
يافث فزوجها منه فولد لشيث غلام وولد ليافث جارية فأمر الله تعالى آدم حين أدركا أن
يزوج ابنة يافث من ابن شيث ففعل وولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما
ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوا من أمر الاخوة والأخوات.
وفي الفقيه عنه (عليه السلام) أن آدم ولد له شيث وان اسمه هبة الله وهو أول
وصي أوصى إليه من الآدميين وساق الحديث إلى آخر ما ذكره.
في العلل والعياشي عنه (عليه السلام) قيل له ان الناس يزعمون أن آدم زوج
ابنته من ابنه فقال قد قال الناس ذلك ولكن أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) قال لو علمت أن آدم زوج ابنته من ابنه لزوجت زينب من القاسم وما كنت
لأرغب عن دين آدم.
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) أنه ذكر له المجوس وانهم يقولون نكاح
كنكاح ولد آدم وانهم يحاجوننا بذلك فقال أما أنتم فلا يحاجونكم به لما أدرك هبة الله
416

قال آدم يا رب زوج هبة الله فاهبط الله حوراء فولدت له أربعة غلمة ثم رفعها الله فلما
أدرك ولد هبة الله قال يا رب زوج ولد هبة الله فأوحى الله عز وجل إليه أن يخطب إلى
رجل من الجن وكان مسلما أربع بنات له على ولد هبة الله فزوجهن فما كان من
جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنبوة للانتهاء إلى آدم (عليه السلام) وما كان من سفه أو
حدة (1) فمن الجن.
والعياشي عنه (عليه السلام) قال إن آدم ولد له أربعة ذكور فاهبط الله إليه أربعة
من الحور فزوج كل واحد منهم واحدة فتوالدوا ثم إن الله رفعهن وزوج هؤلاء الأربعة
أربعة من الجن فصار النسل فيهم فما كان من حلم فمن آدم وما كان من جمال فمن
قبل الحور العين وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن. وفي رواية لما ولد لآدم
هبة الله وكبر سأل الله أن يزوجه فأنزل الله له حوراء من الجنة فزوجها إياه فولدت له
أربعة بنين ثم ولد لآدم ابن آخر فلما كبر أمره أن تزوج الجان فولد له أربع بنات فتزوج
بنو هذا بنات هذا فما كان من جمال فمن قبل الحوراء وما كان من حلم فمن قبل آدم
وما كان من خفة فمن قبل الجان فلما توالدوا صعدت الحوراء إلى السماء.
وفي الفقيه عنه (عليه السلام) ان الله عز وجل أنزل على آدم حوراء من الجنة
فزوجها أحد ابنيه وتزوج الآخر ابنة الجان فما كان في الناس من جمال كثير أو حسن
خلق فهو من الحوراء وما كان فيهم من سوء خلق فهو من آدم الجان.
وفي قرب الإسناد عن الرضا (عليه السلام) حملت حواء هابيل وأختا له في بطن
ثم حملت في البطن الثاني قابيل وأختا له في بطن فزوج هابيل التي مع قابيل وتزوج
قابيل التي مع هابيل ثم حدث التحريم بعد ذلك.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) أن حواء امرأة آدم كانت تلد في كل بطن
غلاما وجارية فولدت في أول بطن قابيل وقيل قابين وتوأمته إقليما بنت آدم والبطن
الثاني هابيل وتوأمته (2) لوزاء فلما أدركوا جميعا أمر الله آدم أن ينكح قابيل أخت هابيل

(1) الحدة: ما يعتري الانسان من النزق والغضب، يقال حد يحد إذا غضب (مجمع).
(2) التوأم من جميع الحيوان المولود مع غيره في بطن من الاثنين فصاعدا ذكرا أو أنثى أو ذكرا وأنثى جمعه توائم وتوآم
كرخال ويقال توأم للذكر وتوأمة للأنثى فإذا جمعا فهما توأمان وتوأم وقد اتأمت الأم فهي متئم ومعتادته متئم وتاأم أخاه ولد
معه وهو تئمة بالكسر وتوأمة وتيامة (ق).
417

وهابيل أخت قابيل فرضي هابيل وأبى قابيل لأن أخته كانت أحسنهما وقال ما أمر الله
بهذا ولكن هذا من رأيك فأمرهما الله أن يقربا قربانا فرضيا بذلك (الحديث) ويأتي
تمامه في سورة المائدة عند تفسير واتل عليهم نبأ آدم.
وفي الاحتجاج عن السجاد (عليه السلام) يحدث رجلا من قريش قال لما تاب
الله على آدم واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلا في الأرض وذلك بعدما
تاب الله عليه قال وكان يعظم البيت وما حوله من حرمة البيت فكان إذا أراد أن يغشى
حواء خرج من الحرم وأخرجها معه فإذا جاء الحرم غشيها في الحل ثم يغتسلان
اعظاما منه للحرم ثم يرجع إلى فناء البيت قال فولد لآدم من حواء عشرون ذكرا
وعشرون أنثى يولد له في كل بطن ذكر وأنثى فأول بطن ولدت حواء هابيل ومعه جارية
يقال لها إقليما قال وولدت في البطن الثاني قابيل ومعه جارية يقال لها لوزاء وكانت
لوزاء أجمل بنات آدم قال فلما أدركوا خاف عليهم آدم الفتنة فدعاهم إليه وقال أريد أن
أنكحك يا هابيل لوزاء وأنكحك يا قابيل إقليما قال قابيل ما أرضى بهذا أتنكحني أخت
هابيل القبيحة وتنكح هابيل أختي الجميلة قال فأنا أقرع بينكما فإن خرج سهمك يا
قابيل على لوزاء أو خرج سهمك يا هابيل على إقليما زوجت كل واحدة منكما التي
خرج سهمه عليها قال فرضيا بذلك فأقرعا قال فخرج سهم قابيل على إقليما أخت
هابيل وخرج سهم هابيل على لوزاء أخت قابيل قال فزوجهما على ما خرج لهما من
عند الله قال ثم حرم الله تعالى نكاح الأخوات بعد ذلك قال فقال له القرشي فأولداهما
قال نعم فقال له القرشي فهذا فعل المجوس اليوم قال فقال (عليه السلام ان المجوس
إنما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله ثم قال (عليه السلام) له لا تنكر هذا إنما هي شرائع
الله جرت أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له فكان ذلك شريعة من شرائعهم
ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك، إن قيل كيف التوفيق بين هذه الأخبار والاخبار الأولى
قلنا الاخبار الأولى هي الصحيحة المعتمد عليها وإنما الأخيرة فإنما وردت موافقة
للعامة فلا اعتماد عليها مع جواز تأويلها (1) بما توافق الأولة واتقوا الله الذي تساءلون

(1) قوله مع جواز تأويلها: علل المراد به أن التوأمة في كل بطن ان الله تعالى أنزل تارة من طينة الحوراء في بطن
حواء ما يكون بمنزلة النطفة لا من نطفة آدم نظير ما صنع بمريم وأخرى من طينة الجان على ذلك المنوال أو المراد بما أنكر في
الأولة التزويج من بطن واحد فلا ينافي الثانية إلى غير ذلك مما يجده المتأمل.
418

به أي يسأل بعضكم بعضا فيقول أسألك بالله واصله تتساءلون فأدغمت التاء في السين
وقرئ بالتخفيف وطرح التاء والأرحام واتقوا الأرحام ان تقطعوها.
كذا في المجمع، عن الباقر (عليه السلام) وقيل هو من قولهم أسألك بالله
والرحم أن تفعل كذا أو أنشدك الله والرحم يعني كما انكم تعظمون الله بأقوالكم
فعظموه بطاعتكم إياه وعليه بناء قراءته بالجر.
والقمي قال تساءلون يوم القيامة عن التقوى هل اتقيتم وعن الرحم هل
وصلتموها.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) هي أرحام الناس ان الله عز
وجل أمر بصلتها وعظمها ألا ترى أنه جعلها معه.
أقول: يعني قرنها باسمه في الأمر بالتقوى.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال صلوا
أرحامكم ولو بالتسليم ثم تلا هذه الآية.
وعن الرضا (عليه السلام) ان رحم آل محمد الأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم)
لمعلقة بالعرش تقول اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ثم هي جارية بعدها
في أرحام المؤمنين ثم تلا هذه الآية.
وفي العيون عنه (عليه السلام) ان الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة إلى قوله وأمر
باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله.
وعنه عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) لما أسري بي إلى السماء رأيت رحما معلقة بالعرش تشكو رحما إلى ربها
فقلت لها كم بينك وبينها من أب فقالت نلتقي في أربعين أبا إن الله كان عليكم رقيبا
حفيظا.
(2) وآتوا اليتامى أموالهم يعني إذا بلغوا وآنستم منهم رشدا كما في الآية
419

الأخرى ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تستبدلوا الحرام من أموالهم بالحلال من
أموالكم بأن تتعجلوا الحرام من أموالهم قبل أن يأتيكم الرزق الحلال الذي قدر لكم.
وقيل كانوا يأخذون الرفيع من أموالهم ويجعلون مكانه الخسيس فنهوا عنه ولا تأكلوا
أموالهم إلى أموالكم مضمومة إليها مسوين بينهما فان أحدهما حلال والآخر حرام
يعني فيما زاد على قدر أجره لقوله سبحانه فليأكل بالمعروف إنه كان حوبا كبيرا ذنبا
عظيما.
(3) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء قيل
يعني ان خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النساء إذا تزوجتم بهن فتزوجوا ما طاب من
غيرهن إذ كان الرجل يجد يتيمة ذات مال وجمال فيتزوجها ضنا (1) بها فربما يجتمع
عنده منهن عدد ولا يقدر على القيام بحقوقهن.
وذكر القمي وغيره في سبب نزوله وكيفية نظام محصوله واتصال فصوله وجوها
أخر ولا يخلو شئ منها عن تعسف.
وفي الإحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لبعض الزنادقة في حديث
وأما ظهورك على تناكر قوله تعالى وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب
لكم من النساء فليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء اليتامى فهو
مما قدمت ذكره من اسقاط المنافقين من القرآن وبين القول في اليتامى وبين
نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن وهذا وما أشبهه مما ظهرت
حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة
للإسلام مساغا إلى القدح في القرآن ولو شرحت لك كل ما أسقط وحرف وبدل لما
يجري هذا المجرى لطال وظهر ما تحظر التقية اظهاره من مناقب الأولياء ومثالب
الأعداء مثنى وثلاث ورباع ثنتين ثنتين وثلاث ثلاث وأربع اربع تخيير في العدد لكل
أحد إلى أربع.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) إذا جمع الرجل أربعا فطلق إحداهن فلا

(1) ضننت بالشئ اضن به ضنا وضنانة إذا بخلت وهو ضنين به (صحاح).
420

يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلق وقال لا يجمع الرجل ماءه في
خمس.
والعياشي عنه (عليه السلام) لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة
أرحام من الحراير فإن خفتم ألا تعدلوا بين هذه الأعداد فواحدة فانكحوا واحدة وذروا
الجمع أو ما ملكت أيمانكم وان تعددن لخفة مؤونتهن وعدم وجوب القسم بينهن
وفي حكمهن المتعة.
ففي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في غير واحدة من الروايات أنها ليست
من الأربع ولا من السبعين وانهن بمنزلة الإماء لأنهن مستأجرات لا تطلق ولا ترث ولا
تورث وان العبد ليس له ان يتزوج إلا حرتين أو أربع إماء وله أن يتسرى بإذن مولاه ما
شاء.
وعنه (عليه السلام) ان الغيرة ليست إلا للرجال وأما النساء فإنما ذلك منهن حسد
وان الله أكرم أن يبتليهن بالغيرة ويحل للرجل معها ثلاثا.
وعنه (عليه السلام) فان خفتم ألا تعدلوا يعني في النفقة وأما قوله تعالى ولن
تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم يعني المودة.
والعياشي عنه (عليه السلام) في كل شئ اسراف إلا في النساء قال الله تعالى
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ذلك أدنى ألا تعولوا أقرب من أن
لا تميلوا من عال الميزان إذا مال أو الا تمونوا من عال الرجل عياله إذا مانهم، ويؤيده
قراءة ألا تعيلوا في الشواذ من عال الرجل إذا كثر عياله، والقمي أي لا يتزوج ما لا
يقدر أن يعول.
(4) وآتوا النساء صدقاتهن مهورهن نحلة.
القمي أي هبة وقيل عطية من الله وتفضلا منه عليهن أو دينا من الله شرعه
وفرضه وظاهر الآية أن يكون الخطاب للأزواج.
في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) من تزوج امرأة ولم ينوأن يوفيها صداقها فهو
421

عند الله زان وقال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) ان أحق الشروط أن يوفى بها
ما استحللتم به الفروج.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام ان الخطاب فيه للأولياء لأن الرجل منهم
كان إذا زوج ايمته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك فإن طبن لكم عن شئ منه
من الصداق نفسا وهبن لكم عن طيب نفس، وعدى بعن لتضمنه معنى التجاوز
والتجافي فكلوه هنيئا مريئا سائغا من غير غص وربما يفرق بينهما بتخصيص الهنئ
بما يلذه الإنسان والمرئ بما يحمد عاقبته، روي أن أناسا كانوا يتأثمون أن يقبل
أحدهم من زوجته شيئا مما ساق إليها فنزلت.
وفي المجمع والعياشي جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال إني أجد
بوجع في بطني فقال ألك زوجة قال نعم قال استوهب منها شيئا طيبة به نفسها من مالها
ثم اشتر به عسلا ثم اسكب عليه من ماء السماء ثم اشربه فاني سمعت الله سبحانه
يقول في كتابه وأنزلنا من السماء ماء مباركا وقال يخرج من بطونها شراب مختلف
ألوانه فيه شفاء للناس، وقال فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا فإذا
اجتمعت البركة والشفاء والهنئ والمرئ شفيت إن شاء الله تعالى ففعل ذلك
فشفي.
(5) ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما تقومون بها وتتعيشون
سمي ما به القيام قياما للمبالغة وقرئ قيما وارزقوهم فيها واكسوهم اجعلوها مكانا
لرزقهم وكسوتهم بأن تحصلوا منها ما تحتاجون إليه وقولوا لهم قولا معروفا عدة
جميلة تطيب بها نفوسهم والمعروف ما عرفه الشرع أو العقل بالحسن.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) هم اليتامى لا تعطوهم حتى تعرفوا منهم
الرشد قيل فكيف يكون أموالهم أموالنا فقال إذا كنت أنت الوارث لهم.
وعنه (عليه السلام) في هذه الآية قال من لا تثق به، وفي رواية كل من يشرب
الخمر فهو سفيه.
وفي الفقيه عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال لا تؤتوها شراب
422

الخمر ولا النساء ثم قال وأي سفيه أسفه من شارب الخمر.
والقمي عنه (عليه السلام) في هذه الآية قال فالسفهاء النساء والولد إذا علم
الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلط واحدا منهما
على ماله الذي جعله الله له قياما يقول معاشا قال وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم
قولا معروفا المعروف العدة.
(6) وابتلوا اليتامى اختبروهم قبل البلوغ بتتبع أحوالهم في الدين وحسن
التصرف في المال حتى إذا بلغوا النكاح بلغوا حدا يتأتى منهم النكاح فإن آنستم منهم
رشدا فادفعوا إليهم أموالهم.
في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) إيناس الرشد حفظ ماله.
وعنه (عليه السلام) في تفسير هذه الآية إذا رأيتموهم يحبون آل محمد (صلوات الله) عليهم أجمعين فارفعوهم درجة.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) الرشد العقل واصلاح المال.
والقمي عنه (عليه السلام) في هذه الآية قال من كان في يده مال بعض اليتامى
فلا يجوز له أن يعطيه حتى يبلغ النكاح ويحتلم فإذا احتلم وجبت عليه الحدود وإقامة
الفرائض ولا يكون مضيعا ولا شارب خمر ولا زانيا فإذا أنس منه الرشد دفع إليه المال
واشهد عليه وان كانوا لا يعلمون أنه قد بلغ فإنه يمتحن بريح إبطه أو نبت عانته فإذا
كان ذلك فقد بلغ فيدفع إليه ماله إذا كان رشيدا ولا يجوز له أن يحبس عنه ماله ويعتل
عنه أنه لم يكبر بعد ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا مسرفين ومن كان
غنيا فليستعفف من أكلها ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف بقدر حاجته وأجرة سعيه.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية من كان يلي شيئا
لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه وهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم فليأكل
بقدر ولا يسرف فان كانت ضيعتهم لا تشغله عما يعالج لنفسه فلا يرزأن (1) أموالهم شيئا.

(1) في الحديث انى لا أرزء من فيئكم در هما أي لا أنقص شيئا ولا درهما (مجمع).
423

وفي الكافي عنه (عليه السلام) المعروف هو القوت وإنما عنى الوصي أو القيم
في أموالهم وما يصلحهم.
وعنه (عليه السلام) ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة فلا بأس أن يأكل
بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا.
وعنه (عليه السلام) أنه سئل عن القيم للأيتام في الإبل وما يحل له منها فقال إذا
لاط (1) حوضها وطلب ضالتها وهنا (2) جرباها (3) فله أن يصيب من لبنها في غير نهك
لضرع ولا فساد لنسل.
وفي المجمع والعياشي ما يقرب منه.
والعياشي عنه (عليه السلام) في هذه الآية هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على
حرث أو ماشية ويشغل فيها نفسه فيأكل بالمعروف وليس له ذلك في الدراهم
والدنانير التي عنده موضوعة.
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) قال كان أبي يقول إنها منسوخة.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) من كان فقيرا فليأخذ من مال اليتيم قدر
الحاجة والكفاية على جهة القرض ثم يرد عليه ما أخذ إذا وجد فإذا دفعتم إليهم
أموالهم فأشهدوا عليهم بأنهم قبضوها فإنه أنفي للتهمة وابعد من الخصومة ووجوب
الضمان وكفى بالله حسيبا محاسبا.
(7) للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك
الولدان والأقربون يعني بهم المتوارثين بالقرابة مما قل منه أو كثر من قليله وكثيره.
نصيبا مفروضا واجبا قيل كانت العرب في الجاهلية يورثون الذكور دون الإناث فرد
الله سبحانه عليهم وقال لكل من الفريقين سهم وحظ.

(1) كل شئ لصق بشئ فقد لاط به يلوط لوطا ويليط ليطا واصل اللوط الصوق إلى أن قال ولطت الحوض
بالطين لوطا أي ملطته وطينته (مجمع).
(2) هاهناه يهنأ ويهنؤه أطعمه وأعطاه كأهنأه والإبل يهنأها مثلثة النون طلاها بالهناء ككتاب القطران (مجمع)
(3) الجرب بالتحريك داء معروف يقال جرب البعير جربا من باب تعب فهو أجرب وناقة جرباء (مجمع).
424

(8) وإذا حضر القسمة أي قسمة التركة أولوا القربى ممن لا يرث واليتامى
والمساكين فارزقوهم منه فاعطوهم شيئا من المقسوم
تطييبا لقلوبهم وتصدقا عليهم
وقولوا لهم قولا معروفا تلطفوا لهم في القول واعتذروا إليهم واستقلوا ما تعطونهم ولا
تمنوا بذلك عليهم.
والقمي هي منسوخة بقوله يوصيكم الله.
والعياشي عن الباقر والصادق (عليه السلام) نسختها آية الفرائض.
وفي رواية عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل أمنسوخة هي قال لا إذا حضروك فاعطهم.
أقول: نسخ الوجوب لا ينافي بقاء الجواز والاستحباب وقد مر نظيره في
سورة البقرة.
(9) وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم أمر بأن
يخشوا الله ويتقوه في أمر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف
بعد وفاتهم.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام من ظلم يتيما سلط الله عليه من
يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه ثم تلا هذه الآية فليتقوا الله في أمر اليتامى
وليقولوا لهم قولا سديدا مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة وحسن الأدب.
(10) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم ملء بطونهم
نارا ما يجر إلى النار وسيصلون سعيرا سيدخلون نارا وأي نار وقرئ بضم الياء وصلي
النار مقاساة حرها وصليته شويته والإصلاء الإلقاء فيها وسعر النار إلهابها.
في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) إن أكل مال اليتيم سيلحقه وبال ذلك في
الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا فان الله يقول وليخش الذين الآية، وأما في الآخرة فان الله يقول
إن الذين يأكلون الآية.
والقمي عنه (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أسري
425

بي إلى السماء رأيت قوما تقذف في أجوافهم النار وتخرج من أدبارهم فقلت من
هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما.
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) أن آكل مال اليتيم يجئ يوم القيامة والنار
تلتهب في بطنه حتى يخرج لهب النار من فيه يعرفه أهل الجمع إنه آكل مال اليتيم.
(11) يوصيكم الله يأمركم ويعهد إليكم ويفرض عليكم في أولادكم في شأن
ميراثهم للذكر مثل حظ الأنثيين إذا اجتمع الصنفان والعلة فيه ما في الكافي عن الرضا
(عليه السلام) أنهن يرجعن عيالا عليهم.
وفي الفقيه عن الصادق (عليه السلام) لما جعل الله لها من الصداق.
وفيهما عنه (عليه السلام) لأنه ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة (1) وعد غيرها.
فإن كن نساء ليس معهن ذكر فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك المتوفى منكم وإن كانت
واحدة فلها النصف ولأبويه ولأبوي المتوفى لكل واحد منهما السدس مما ترك إن
كان له ولد ذكرا كان أو أنثى واحدا كان أو أكثر فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث
مما ترك فإن كان له إخوة فلأمه السدس وقرئ فلأمه بكسر الهمزة اتباعا لما
قبلها والاخوة تقع على الاثنين فصاعدا والأختان بمنزلة أخ واحد.
ولهذا ورد في الكافي والتهذيب وغيرهما في غير واحدة من الروايات عن
الصادقين (عليه السلام) أنه لا يحجب الام عن الثلث الا اخوان أو أخ وأختان أو أربع
أخوات وورد أن الاخوة من الام فقط لا يحجبون الام عن الثلث وان الاخوة والأخوات
لا يرثون مع الأبوين وأن الوجه فيه أن الأب ينفق عليهم فوفر نصيبه من بعد وصية
يوصي بها أو دين يعني أن هذه الأنصباء بعد الامرين إن كانا وقرئ على البناء للمفعول
ولفظة أولا توجب الترتيب.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انكم تقرؤون في هذه الآية
الوصية قبل الدين وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله قضى بالدين قبل الوصية
قيل قدم الوصية على الدين وهي متأخرة في الحكم لأنها مشبهة بالميراث شاقة على

(1) قد عقل كفرح وتعاقلوا دم فلان عقلوه بينهم ودمه معقلة بضم القاف على قومه غرم عليهم والمعقلة الدية نفسها
(ق).
426

الورثة آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا يعني لا تعلمون من أنفع لكم
من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم ممن يورثكم ويرثكم أمن أوصى منهم فعرضكم
للثواب بامضاء وصيته أم من لم يوص فوفر عليكم ماله أو من أوصيتم له فوفرتم عليه أم
من لم توصوا له فحرمتموه فتحروا فيهم ما وصاكم الله به ولا تعمدوا إلى تبديل الوصية
أو تفضيل بعض وحرمان بعض فهو اعتراض مؤكد لأمر القسمة وتنفيذ الوصية فريضة
من الله مصدر مؤكد إن الله كان عليما بالمصالح والرتب حكيما فيما قضى وقدر.
(12) ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم
الربع مما تركن أي ولد وارث من بطنها أو من صلب بنيها أبطن بناتها وان سفل ذكرا
كان أو أنثى منكم أو من غيركم من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم
إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها
أو دين فرض للرجل بحق الزواج ضعف ما للمرأة كما في النسب والعلة هاهنا هي العلة
هناك وتستوي الواحدة والعدد منهن في الربع والثمن وإن كان رجل يورث كلالة (1)
لهذا الكلام وجوه من الإعراب لا يتغير بها الحكم والكلالة القرابة ويطلق على الوارث
والموروث وفسرت في الكافي عن الصادق (عليه السلام) بمن ليس بولد ولا والد أي القريب
من جهة العرض لا الطول والمراد بها هنا الأخوة والأخوات من الأم خاصة وفي الآية
الأخرى من الأب والأم أو الأب فقط كذا عن المعصومين (عليهم السلام) أو امرأة كذلك
وله ولكل واحد منهما وقيل أي وللرجل اكتفى بحكمه عن حكم المرأة لدلالة العطف

(1) قوله تعالى وإن كان رجل يورث كلالة في وجهان أحدهما هي تامة ورجل فاعلها ويورث صفة له وكلالة
حال من الضمير في يورث والكلالة على هذا اسم للميت الذي لم يترك ولدا ولا والدا ولو وقرئ كلالة بالرفع على أنه صفة أو
بدل من الضمير في يورث لجاز غير اني لم أعرف أحدا قرأ به فلا يقو أن الا بما نقل، الوجه الثاني أن يكون هي الناقصة
ورجل اسمها ويورث خبرها وكلالة حال أيضا وقيل الكلالة اسم للمال الموروث فعلى هذا فينتصب كلالة على المفعول
الثاني ليورث كما تقول ورث زيد ما لا وقيل الكلالة اسم للورثة الذين ليس فيهم ولد ولا والد فعلى هذا لا وجه لهذا الكلام
على القراءة المشهورة لأنه لا ناصب له ألا ترى أنك لو قلت زيد يورث أخوه لم يستقم وإنما يصح على قراءة من قرأ بكسر
الراء مخففة ومثقلة وقد قرئ بهما وقيل يصح هذا المذهب على تقدير حذف مضاف تقديره وإن كان رجل يورث ذا كلالة فذا حال
أو خبر كان، ومن كسر الراء كلالة مفعولا به اما الورثة واما المال وعلى كلا الأمرين أحد المفعولين محذوف والتقدير
يورث أهله مالا (سيوطي).
427

على تشاركهما فيه أخ أو أخت أي من الام فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من
ذلك فهم شركاء في الثلث سوى بين الذكر والأنثى هاهنا لأن الانتساب بمحض الأنوثة
من بعد وصية يوصى بها أو دين وقرئ على البناء للمفعول غير مضار لورثته بالزيادة على
الثلث أو ان يقصد الإضرار بها دون القرابة أو يقر بدين لا يلزمه وصية من الله والله
عليم بالمضار وغيره حليم لا يعاجل بعقوبته.
(13) تلك إشارة إلى ما تقدم من الاحكام في أمر اليتامى والوصايا والمواريث
حدود الله شرائعه المحدودة التي لا يجوز تجاوزها ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات
تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم.
(14) ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يد خله نارا وقرئ ندخله بالنون
خالدا فيها وله عذاب مهين توحيد الضمير في يدخله (1) وجمع خالدين للفظ والمعنى، ان
قيل إن الله سبحانه وتعالى لم يبين حكم البنتين في الفرائض ولا حكم الفرائض إذا نقصت
التركة عن السهام أو زادت عليها، قلنا لا ضير فقد بين أهل البيت ذلك كله على
أحسن وجه وأجمعت الطائفة المحقة على ما سمعوه منهم من غير اختلاف فيما بينهم
لمطابقته مقتضى العقول السليمة وهذا كما في سائر الآيات القرآنية المجملة فإنها إنما
يؤولها الراسخون في العلم منهم ولا ينفرد أحد الثقلين عن الآخر أما حكم البنتين فقد
نبهت عليه هذه الآيات وثبت عنهم بالروايات من غير اختلاف.
قال في الكافي وقد تكلم الناس في أمر البنتين من أين جعل لهما الثلثان والله تعالى
إنما جعل الثلثين لما فوق اثنتين فقال قوم باجماع وقال قوم قياسا كما أن كانت للواحدة النصف
كان ذلك دليلا على أن لما فوق الواحدة الثلثين وقال قوم بالتقليد والرواية ولم يصب واحد
منهم الوجه في ذلك فقلنا إن الله جعل حظ الأنثيين الثلثين بقوله
للذكر مثل حظ الأنثيين وذلك أنه إذا ترك الرجل بنتا وابنا
فللذكر مثل حظ الأنثيين وهو الثلثان فحظ الأنثيين الثلثان

(1) قوله توحيد الضمير في يدخله (اه) فالإفراد باعتبار اللفظ والجمع بملاحظة المعنى وفي جمع أصحاب الجنة وأفراد
أصحاب النار اشعار بايتلافهم واستيناس بعضهم في درجات الجنة لا منية خاطرهم وعدم اهتمامهم بأنفسهم
بخلاف أصحاب النار فان لكل واحد يومئذ شأنا من العذاب يشغله بنفسه.
428

واكتفى بهذا البيان أن يكون ذكر الأنثيين بالثلثين وهذا بيان قد جهله كلهم والحمد لله
كثيرا انتهى كلامه، وأما إذا نقصت التركة عن السهام فالنقص عندنا إنما يقع على
البنات والأخوات لأن كل واحد من الأبوين والزوجين له سهمان أعلى وأدنى وليس
للبنت والبنتين والأختين لولا ما قلنا إلا سهم واحد فإذا دخل النقص عليهما استوى ذوو
السهام في ذلك وقد تبين ذلك في اخبارهم والمخالفون يقولون في ذلك بالعول (1)
فيوقعون النقص على الجميع بنسبة سهامهم قياسا على تركة لا تفي بالديون واستنادا إلى
قضية عمرية وأخرى متشابهة علوية وقياسهم مع بطلانه مع الفارق وعمرهم كان عن
بدعة لا يفارق مع انكار ابن عباس عليه وان لم يظهر الإنكار إلا بعده معتذرا بأنه كان
رجلا مهيبا وتأويل المتشابه عند من أتى به دون الذين في قلوبهم زيغ مع عدم ثبوت
الرواية وتواتر خلافها عنه (ع) هذا مع ما في العول من التناقض والمحال كما بينه أئمتنا
(ع) وفصله أصحابنا والفضل بن شاذان (ره) في هذا الباب كلمات أوردها في التهذيب
على وجهها وأما إذا زادت التركة عن السهام فإنما يزاد الزايد على من كان يقع عليه
النقص إذا نقصت كما بينوه (عليهم السلام) وأجمعت عليه أصحابنا والمخالفون يقولون
بالتعصيب (2) فيعطون الفاضل أولي عصبة الذكر ولا يعطون الأنثى شيئا وان كانت
أقرب منه في النسب استنادا إلى قصة زكريا حيث لم يسأل الأنثى لعلمه بعدم ارثها مع
العصبة كذلك كانوا يؤفكون وليت شعري ما أدراهم أنه لم يسأل الأنثى وإنما حمله على
الطلب كفالة مريم وما رأى من كرامتها، ثم ما المانع من ارادته الجنس الشامل للذكر
والأنثى وإنما أراد الذكر لأنه أحب إلى طباع البشر وإنما طلبه للإرث والقيام بأعباء
النبوة معا ولا شك أنه غير متصور في النساء أو كان شرعه في الإرث على خلاف
شرعنا واستندوا أيضا إلى رواية ضعيفة روتها رواتها الأعلى بعدما سمعوها منقولة عن
الأدنى وردها بعضهم بمحكمات الكتاب وقال آخر والله ما رويت هذا وإنما الشيطان

(1) من قولهم عال في الحكم أي مال وجار وفي الحديث الذي أحصى رمل عالج يعلم أن السهام لا تعول وفيه أول
من أعال الفرائض عمر بن الخطاب، العول عبارة قصور التركة عن سهام ذوي الفروض ولن يقصر الا بدخول الزوج
أو الزوجة وهو في الشرع ضد التعصيب الذي هو توريث العصبة ما فضل عن ذوي السهام (مجمع).
(2) عصبة الرجل بالتحريك جمع عاصب ككفرة جمع كافر وهم بنوه وقرابته لأبيه، والجمع العصاب قال الجوهري
وإنما سموا عصبة لأنهم عصبوا به أي أحاطوا به فالأب طرف والابن طرف والأخ جانب والعم جانب ومنه التعصيب وهو
باطل عندنا (مجمع).
429

القى على ألسنتهم على أنهم رووا عن زيد بن ثابت أنه قال من قضاء الجاهلية أن يورث
الرجال دون النساء.
(15) واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم أي يفعلنها قيل الفاحشة الزنا سمي بها
لزيادة قبحها وشناعتها فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فاطلبوا ممن قذفهن أربعة من
رجال المؤمنين تشهد عليهن فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت فاحبسوهن فيها حتى
يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا هذه الآية والتي بعدها منسوختان بآية الزانية
والزاني.
ففي الكافي عن الباقر (عليه السلام) في حديث وسورة النور أنزلت بعد سورة
النساء وتصديق ذلك أن الله تعالى أنزل عليه في سورة النساء واللاتي يأتين الفاحشة الآية
والسبيل الذي قال الله سورة أنزلناها وفرضناها إلى قوله طائفة من المؤمنين.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) هي منسوخة والسبيل هو الحدود.
وعنه (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية واللاتي يأتين الفاحشة قال هذه منسوخة
قيل كيف كانت قال كانت المرأة إذا فجرت فقام عليها أربعة شهود أدخلت بيتا ولم
تحدث ولم تكلم ولم تجالس وأوتيت بطعامها وشرابها حتى تموت أو يجعل الله لهن سبيلا قال
جعل السبيل الجلد والرجم.
وفي الغوالي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا
البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عامه والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
(16) واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان
توابا رحيما.
القمي كان في الجاهلية إذا زنا الرجل يؤذى والمرأة تحبس في بيت إلى أن تموت ثم
نسخ ذلك بقوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا الآية انتهى وقيل الآية الأولى في
السحاقات وهذه في اللواطين والزانية والزاني في الزناة ولم يثبت عن أهل البيت (عليهم
السلام).
430

(17) إنما التوبة على الله أي قبول التوبة الذي أوجبه الله على نفسه بمقتضى
وعده من تاب عليه إذا قبل توبته إلا أن على هذه ليست هي على في قولهم تاب عليه وقد
مضى تحقيق معنى التوبة عند تفسير قول الله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه
للذين يعملون السوء بجهالة متلبسين بها سفها فان ارتكاب الذنب والمعصية سفه
وتجاهل.
في المجمع والعياشي عن الصادق (عليه السلام) كل ذنب عمله العد وإن كان عالما
فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه فقد حكى الله سبحانه قول يوسف لا خوته
هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم
بأنفسهم في معصية الله عز وجل.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قيل له فان عاد وتاب مرارا قال يغفر الله له قيل
إلى متى قال حتى يكون الشيطان هو المحسور (1) ثم يتوبون من قريب قيل أي قبل أن
يشرب في قلوبهم حبه فيطبع عليها ويتعذر عليهم الرجوع أو قبل حضور الموت لقوله
تعالى حتى إذا حضر أحدهم الموت سماه قريبا لأن أمد الحياة قريب كما قال سبحانه قل
متاع الدنيا قليل.
أقول: التفسير الثاني بعيد عن ظاهر اللفظ بل ولا دلالة في الآية عليه لجواز
السكوت عن القسم الثالث كما يقع كثيرا في نظائره من مجملات القرآن وأما الحصر
المدلول عليه بلفظة إنما فلا ينافي الاخبار الآتية لأن وجوب القبول غير التفضل به.
في الفقيه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخر خطبة خطبها من تاب
قبل موته بسنة تاب الله عليه ثم قال وإن السنة لكثيرة ومن تاب قبل موته بشهر تاب الله
عليه ثم قال وان الشهر لكثير ومن تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه ثم قال وان يوما
لكثير ومن تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه ثم قال وان الساعة لكثيرة، من تاب وقد

(1) حسر بصره يحسر حسورا أي كل وانقطع نظره من طول مدى وما أشبه ذلك فهو حسر ومحسور أيضا (صحاح)
والراد بالمحسور في الرواية ذو الكلالة والإعياء والملالة والتعب أي لا نهاية لقبول التوبة إلا أن يكل الشيطان؟ فلا يخدعه فلا
يعصي الله حتى يحتاج إلى توبة جديدة.
431

بلغت نفسه هذه واهوى بيده إلى حلقه تاب الله عليه.
وفي الكافي والعياشي ما يقرب منه وذكر الجمعة أيضا وقال في آخره من تاب قبل
أن يعاين قبل الله تعالى توبته، وفي رواية العامة من تاب قبل أن يغرغر بها تاب الله
عليه.
وفي رواية أن إبليس لما هبط قال وعزتك وعظمتك لا أفارق ابن آدم حتى يفارق
روحه جسده فقال الله عز وجل سبحانه وعزتي وعظمتي لا أحجب التوبة عن عبدي
حتى يغرغر بها.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) إذا بلغت النفس هاهنا وأشار بيده إلى حلقه
لم يكن للعالم توبة ثم قرأ هذه الآية.
وفيه والعياشي عن الباقر (عليه السلام) مثله وكان للجاهل توبة.
أقول: لعل السبب في عدم التوبة من العالم في ذلك الوقت حصول يأسه من
الحياة بامارات الموت بخلاف الجاهل فإنه لا ييأس إلا عند معاينة الغيب، قيل ومن
لطف الله تعالى بالعباد ان امر قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرجلين ثم
يصعد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الصدر ثم ينتهي إلى الحلق ليتمكن في هذه المهلة من
الاقبال بالقلب على الله تعالى والوصية والتوبة ما لم يعاين والاستحلال وذكر الله فتخرج
روحه وذكر الله على لسانه فيرجى بذلك حسن خاتمته رزقنا الله ذلك بمنه فأولئك يتوب
الله عليهم وعد بالوفاء بما وعد به وكتب على نفسه من قبول التوبة وكان الله عليما يعلم
اخلاصهم في التوبة حكيما لا يعاقب التائب.
(18) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال
إني تبت الآن.
في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن هذه الآية فقال ذلك إذا عاين
امر الآخرة ولا الذين يموتون وهم كفار سوى بين من سوف التوبة إلى حضور الموت من
الفسقة والكفار وبين من مات على الكفر في نفي التوبة للمبالغة في عدم الاعتداد بها في
432

تلك الحالة وكأنه قال توبة هؤلاء وعدم توبة هؤلاء سواء وقيل المراد بالذين يعملون
السوء عصاة المؤمنين وبالذين يعملون السيئات المنافقون لتضاعف كفرهم وسوء
اعمالهم وبالذين يموتون الكفار أولئك اعتدنا هيأنا لهم عذابا أليما تأكيد لعدم قبول
توبتهم لتهيئة عذابهم وانه يعذبهم متى شاء.
(19) يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها وقرئ بالضم.
القمي عن الباقر (عليه السلام) كان في الجاهلية في أول ما اسلموا في قبائل العرب
إذا مات حميم الرجل وله امرأة ألقى الرجل ثوبه عليها فورث نكاحها بصداق حميمه
الذي كان أصدقها يرث نكاحها كما يرث ماله فلما مات أبو قيس بن الأشلت القى
محصن بن أبي قيس ثوبه على امرأة أبيه وهي كبيشة ابنة معمر بن معبد فورث نكاحها ثم
تركها لا يدخل بها ولا ينفق عليها فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت يا
رسول الله مات أبو قيس بن الأشلت فورث ابنه محصن نكاحي فلا يدخل علي ولا ينفق
علي ولا يخلي سبيلي فألحق بأهلي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ارجعي إلى
بيتك فان يحدث الله في شأنك شيئا أعلمتكه فنزل ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء
إلا ما قد سلف انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا فلحقت بأهلها وكان نسوة في المدينة قد
ورث نكاحهن كما ورث نكاح كبيشة غير أنه ورثهن غير الأبناء فأنزل يا أيها الذين آمنوا
لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال الرجل يكون في حجره
اليتيمة فيمنعها من التزويج يضر بها تكون قريبة له.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) انها نزلت في الرجل يحبس المرأة عنده لا حاجة
له وينتظر موتها حتى يرثها ولا تعضلوهن ولا تحبسوهن ضرارا بهن لتذهبوا ببعض ما
آتيتموهن.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال الرجل تكون له امرأة فيضر بها حتى
تفتدي منه فنهى الله عن ذلك.
وفي المجمع عنه (عليه السلام ان المراد بها الزوج امره الله سبحانه تخلية سبيلها
433

إذا لم يكن له فيها حاجة وان لا يمسكها اضرارا بها حتى تفتدي ببعض مالها إلا أن يأتين
بفاحشة مبينة ظاهرة كالنشوز وسوء العشرة وعدم التعفف.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) كل معصية.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) إذا قالت له لا اغتسل لك من جنابة ولا
ابر (1) لك قسما ولا وطين فراشك من تكرهه حل له ان يخلعها وحل له ما اخذ منها
وعاشروهن بالمعروف بالإنصاف في الفعل والإجمال في القول فإن كرهتموهن فعسى
أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا يعني فاصبروا عليهن ولا تفارقوهن لكراهة
الأنفس فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين واحمد وأحبت ما هو بخلافه.
(20) وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج تطليق امرأة وتزويج أخرى وآتيتم
إحداهن قنطارا ما لا كثيرا فلا تأخذوا منه من القنطار شيئا.
في المجمع عنهما (عليهما السلام) القنطار ملء مسك ثور ذهبا أتأخذونه بهتانا وإثما
مبينا انكار وتوبيخ قيل كان الرجل إذا أراد جديدة بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها
إلى الافتداء إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج الجديدة فنهوا عن ذلك.
(21) وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض.
القمي الإفضاء المباشرة وأخذن منكم ميثاقا غليظا عهدا وثيقا.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) هو العهد المأخوذ على الزوج حالة العقد من
امساك بمعروف أو تسريح باحسان.
وفي الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) الميثاق هي الكلمة التي عقد بها النكاح
والغليظ هو ماء الرجل يفضيه (2) إليها.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن
بكلمة الله.

(1) برأ الله قسمه وأبره أي صدقه ومنه لو أقسم على الله لأبر قسمه أي لو حلف على وقوع شئ لأبره أي صدقه
وصدق يمينه (م).
(2) أفضى الرجل المرأة جعل مسلكها واحدا فهي مفضاة وإليها جامعها أو خلا بها جامعها أم لا (ق).
434

(22) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف استثناء من لازم
النهي فكأنه قيل تستحقون العقاب بذلك الا ما قد سلف في الجاهلية فإنكم
معذورون فيه.
العياشي عن الباقر (عليه السلام) يقول الله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من
النساء فلا يصح للرجل ان ينكح امرأة جده إنه كان فاحشة ومقتا (1) وساء سبيلا قيل
كانوا ينكحون روابهم (2) وذوو مرواتهم يمقتونه ويسمونه نكاح المقت (3) ويقولون لمن
ولد عليه المقتي وقد مضى سبب نزولها آنفا.
(23) حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات
الأخ وبنات الأخت يعني نكاحهن والأمهات يشملن من علت وكذا العمات
والخالات والبنات ويشملن من سفلت وكذا بنات الأخ وبنات الأخت، والأخوات
يشملن الوجوه الثلاثة وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة سماها اما
وأختا، وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب،
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) الرضاع لحمة كلحمة النسب فعم التحريم وأمهات
نسائكم وان علون وربائبكم اللاتي في حجوركم وان سفلن من نسائكم اللاتي
دخلتم بهن أي دخلتم معهن في السر وهي كناية عن الجماع فإن لم تكونوا دخلتم
بهن فلا جناح عليكم.
في الفقيه والتهذيب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا تزوج الرجل المرأة
حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالام فإذا لم يدخل بالام فلا بأس ان يتزوج بالابنة وإذا
تزوج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها فقد حرمت عليه الام وقال الربائب حرام كن في
الحجر أولم يكن. وفي رواية أخرى قال الربائب عليكم حرام مع الأمهات التي قد

(1) المقت البغض ونكاح المقت كان في الجاهلية كانت العرب إذا تزوج الرجل امرأة أبيه فأولدها يقولون للولد
مقتي، وعن الغز إلي معنى كون الشئ مبغوضا نفرة النفس عنه لكونه مولما فان قوى البغض والنفرة سمي مقتا (مجمع).
(2) الرواب جمع الرابة وهي زوجة الأب (ق).
(3) وهو ان يتزوج امرأة أبيه بعده والمقتي ذلك المتزوج أو ولده (ق).
435

دخل بهن في الحجور وغير الحجور والأمهات مبهمات دخل بالبنات أو لم يدخل
بهن.
وفي أخرى قال هذه مستثناة وهذه مرسلة وأمهات نسائكم فما ورد عنهم
بخلاف ذلك محمول على التقية لموافقة العامة ومخالفة القرآن.
وفي الكافي عن أبي الحسن (عليه السلام) انه سئل عن الرجل يتزوج المرأة متعة
أيحل له ان يتزوج ابنتها قال لا.
وعن الصادق (عليه السلام) في الرجل تكون له الجارية يصيب منها أيحل له ان
ينكح ابنتها قال لا هي مثل قول الله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم.
وعنه (عليه السلام) انه سئل عن رجل طلق امرأته فبانت منه ولها ابنة مملوكة
فاشتراها أيحل له ان يطأها قال لا.
وعن الرجل تكون عنده المملوكة وابنتها فيطأ إحداهما فتموت وتبقى الأخرى
أيصلح له ان يطأها قال لا.
القمي ان الخوارج زعمت أن الرجل إذا كانت لأهله بنت ولم يربها ولم تكن
في حجره حلت له لقول الله تعالى اللاتي في حجوركم ثم قال الصادق (عليه السلام) لا
تحل له. قيل وفائدة قوله في حجوركم تقوية العلة وتكميلها، والمعنى ان الربائب
إذا دخلتم بأمهاتهن وهن في احتضانكم أو بصدده قوي الشبه بينها وبين أولادكم
وصارت احقاء بأن تجروها مجراهم لا تقييد الحرمة وحلائل أبنائكم الذين من
أصلابكم احتراز عن المتبني لا أبناء الولد فيشملونهم وان سفلوا.
في الكافي عن الباقر (عليه السلام) في حديث هل كان يحل لرسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) نكاح حليلتي الحسن والحسين (عليهما السلام) فان قالوا نعم كذبوا
وفجروا وان قالوا لا فهما أبناء لصلبه.
وفي الفقيه والتهذيب عن الصادق (عليه السلام) في الرجل تكون عنده الجارية
يجردها وينظر إلى جسدها نظر شهوة هل تحل لأبيه وان فعل أبوه هل تحل لابنه قال
436

إذا نظر إليها نظر شهوة ونظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحل لابنه وان فعل ذلك
لم تحل للأب وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف فإنه مغفور إن الله كان غفورا
رحيما.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في رجل طلق امرأته واختلعت أو بارأت
أله ان يتزوج بأختها قال إذا برأت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله ان يخطب أختها
وفي رجل كانت عنده أختان مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى قال إذا
وطأ الأخرى فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت الأخرى قلت أرأيت ان باعها
أتحل له الأولى قال إن كان يبيعها لحاجة ولا يخطر على قلبه من الأخرى شئ فلا
أرى لذلك بأسا وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الأولى فلا ولا كرامة.
وفي التهذيب عنه عن أبيه (عليهما السلام) في أختين مملوكتين تكونان عند
الرجل جميعا قال قال علي (عليه الصلاة والسلام) احلتهما آية وحرمتهما آية أخرى وانا
انهى عنهما نفسي وولدي.
أقول: الآية المحللة قوله سبحانه والذين هم لفروجهم حافظون الا على
أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم والآية المحرمة هي قوله عز وجل وان تجمعوا بين
الأختين ومورد الحل والحرمة ليس إلا الوطي خاصة دون الجمع في الملك كما ظنه
صاحب التهذيب فظن أن آية الحل آية الملك وآية التحريم آية الوطي ومما يدل على
ذلك صريحا ما رواه فيه عن الباقر (عليه السلام) انه سئل عما يروي الناس عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها ولا ينهى عنها الا نفسه
وولده فقيل كيف يكون ذلك قال أحلتها آية وحرمتها أخرى فقيل هل الآيتان تكون
إحداهما نسخت الأخرى أم هما محكمتان ينبغي ان يعمل بهما فقال قد بين لهم إذ
نهى نفسه وولده قيل ما منعه ان يبين ذلك للناس قال خشي ان لا يطاع ولو أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله والحق كله.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن أختين المملوكتين تنكح
437

إحداهما أتحل له الأخرى فقال ليس له ان ينكح الأخرى إلا دون الفرج وإن لم يفعل
فهو خير له نظير تلك المرأة تحيض فتحرم على زوجها ان يأتيها في فرجها لقول الله
تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن قال وان تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف يعن في
النكاح فيستقيم الرجل ان يأتي امرأته وهي حايض فيما دون الفرج.
(24) والمحصنات (1) من النساء اللاتي أحصنهن التزويج أو الأزواج وقرئ
بكسر الصاد لأنهن أحصن فروجهن.
في الفقيه والعياشي عن الصادق (عليه السلام) هن ذوات الأزواج إلا ما ملكت
أيمانكم من اللاتي سبين ولهن أزواج كفار فإنهن حلال للسابين.
كما في المجمع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) واللاتي اشترين ولهن أزواج
فان بيعهن طلاقهن.
كما في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في عدة روايات واللاتي تحت العبيد
فيأمرهم مواليهم بالاعتزال فيستبرؤونهن ثم يمسونهن بغير نكاح.
كما في الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) كتاب الله عليكم مصدر مؤكد اي
كتب الله عليكم تحريم هؤلاء كتابا وأحل لكم ما وراء ذلكم ما سوى المحرمات
المذكورة وخرج عنه بالسنة ما في معنى المذكورات كسائر محرمات الرضاع والجمع
بين المرأة وعمتها أو خالتها بغير اذنها. كما في الكافي عن الباقر (عليه السلام) في عدة
روايات وقرئ وأحل على البناء للمفعول أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين
ان تصرفوا أموالكم في مهورهن أو أثمانهن والاحصان العفة والسفاح الزنا فما
استمتعتم به منهن فاتوهن أجورهن مهورهن سمي اجرا لأنه في مقابلة الاستمتاع
فريضة مصدر مؤكد.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) إنما نزلت فما استمتعتم به منهن إلى اجل
مسمى فآتوهن أجورهن فريضة.

(1) أحصن الرجل إذا تزوج فهو محصن بالكسر على القياس ومحصن بالفتح على غير القياس وحصنت المرأة أي
عفت فهي حاصن وحصان بالفتح والمحصن من له فرج ويغدو عليه ويروح (مجمع).
438

والعياشي عن الباقر (عليه السلام) انه كان يقرؤها كذلك وروته العامة أيضا عن
جماعة من الصحابة ولا جناح عليكم فيما ترضيتم به من بعد الفريضة من زيادة في
المهر أو الأجل أو نقصان فيهما أو غير ذلك مما لا يخالف الشرع.
في الكافي مقطوعا.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل
فيما بينكما يقول استحللتك بأجل آخر برضى منها ولا تحل لغيرك حتى تنقضي عدتها
وعدتها حيضتان إن الله كان عليما بالمصالح حكيما فيما شرع من الأحكام.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السنة
من رسول الله.
وعن الباقر (عليه السلام) كان علي يقول لولا ما سبقني به بني الخطاب ما زنى الا
شفي.
أقول: الا شفي بالفاء يعني الا قليل، أراد انه لولا ما سبقني به عمر من نهيه
عن المتعة وتمكن نهيه في قلوب الناس لندبت الناس عليها ورغبتهم فيها فاستغنوا بها
عن الزنا فما زنى منهم الا قليل وكان نهيه عنها تارة بقوله متعتان كانتا على عهد
رسول الله انا محرمهما ومعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء وأخرى بقوله ثلاث
كن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انا محرمهن ومعاقب عليهن متعة
الحج ومتعة النساء وحي على خير العمل في الأذان، وفيه جاء عبد الله بن عمير
الليثي إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال له ما تقول في متعة النساء فقال أحلها الله في
كتابه وعلى لسان نبيه فهي حلال إلى يوم القيامة فقال يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد
حرمها عمر ونهى عنها فقال وإن كان فعل قال فاني أعيذك بالله من ذلك ان تحل شيئا
حرمه عمر فقال له فأنت على قول صاحبك وانا على قول رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) فهلم ألا عنك ان القول ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وان
الباطل ما قال صاحبك قال فأقبل عبد الله بن عمير فقال يسرك ان نساءك وبناتك
وأخواتك وبنات عمك يفعلن ذلك قال فاعرض عنه أبو جعفر حين ذكر نساءه وبنات
439

عمه وفيه سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق فقال له يا أبا جعفر
ما تقول في المتعة أتزعم انها حلال قال نعم قال فما يمنعك ان تأمر نساءك يستمتعن
ويكسبن عليك فقال له أبو جعفر ليس كل الصناعات يرغب فيها وان كانت حلالا
وللناس أقدار ومراتب يرفعون اقدارهم ولكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ أتزعم انه
حلال قال نعم قال فما يمنعك ان تقعد نساءك في الحوانيت (1) نباذات (2) فيكسبن
عليك فقال أبو حنيفة واحدة بواحدة وسهمك انفذ ثم قال له يا أبا جعفر ان الآية التي
في سأل سائل تنطق بتحريم المتعة والرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد
جاءت بنسخها فقال له أبو جعفر يا أبا حنيفة ان سورة سأل سائل مكية وآية المتعة مدنية
وروايتك شاذة ردية فقال أبو حنيفة وآية الميراث أيضا تنطق بنسخ المتعة فقال أبو
جعفر قد ثبت النكاح بغير ميراث فقال أبو حنيفة من أين قلت ذاك فقال أبو جعفر لو أن
رجلا من المسلمين تزوج بامرأة من أهل الكتاب ثم توفى عنها ما تقول فيها قال لا
ترث منه فقال قد ثبت النكاح بغير ميراث ثم افترقا.
وعن الصادق (عليه السلام) انه سأله أبو حنيفة عن المتعة فقال عن اي المتعتين
تسأل قال سألتك عن متعة الحج فأنبئني عن متعة النساء أحق هي فقال سبحان الله اما
تقرأ كتاب الله فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة فقال أبو حنيفة والله لكأنها
آية لم اقرأها قط.
وفي الفقيه عنه (عليه السلام) ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ويستحل متعتنا.
أقول: الكرة الرجعة وهي إشارة إلى ما ثبت عنهم (عليهم السلام) من رجوعهم
إلى الدنيا مع جماعتهم من شيعتهم في زمن القائم (عليه السلام) لينصروه وقد مضت
الإشارة إليه فيما سلف ويأتي اخبار اخر فيها إن شاء الله.
(25) من لم يستطع منكم طولا غنى كذا في المجمع عن الباقر (عليه السلام)
أن ينكح المحصنات المؤمنات يعني الحرائر فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم

(1) الحانوت دكان الخمار (ق).
(2) النبيذ ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك يقال: نبذت التمر والعنب
إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذا فصرف من مفعول إلى فعيل (مجمع).
440

المؤمنات يعني الإماء.
في الكافي عنه (عليه السلام) انه سئل عن الرجل يتزوج الأمة قال لا إلا أن يضطر
إليه.
وعن الصادق (عليه السلام) لا ينبغي ان يتزوج الحر المملوكة اليوم إنما كان ذلك
حيث قال الله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا والطول المهر ومهر الحرة اليوم مهر
الأمة أو أقل.
وعنه (عليه السلام) يتزوج الحرة على الأمة ولا يتزوج الأمة على الحرة ونكاح
الأمة على الحرة باطل وان اجتمعت عندك حرة وأمة فللحرة يومان وللأمة يوم ولا
يصلح نكاح الأمة إلا باذن مواليها والله أعلم بإيمانكم فاكتفوا بظاهر الإيمان فإنه
العالم بالسرائر وبتفاضل ما بينكم في الإيمان فرب أمة تفضل الحرة فيه ولا اعتبار
بفضل النسب وحده بعضكم من بعض أنتم ومماليككم متناسبون نسبكم من آدم
ودينكم الإسلام فانكحوهن بإذن أهلهن.
في الفقيه والعياشي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل يتزوج الرجل بالأمة بغير
علم أهلها قال هو زنا ان الله تعالى يقول فانكحوهن بإذن أهلهن.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) لا بأس ان يتمتع الرجل بأمة المرأة فأما أمة الرجل
فلا يتمتع إلا بأمره. وفي التهذيب ما يقرب منه وآتوهن أجورهن بالمعروف بغير مطل وضرار
ونقصان محصنات عفائف غير مسافحات غير مجاهرات بالزنا ولا متخذات أخدان اخلاء في السر فإذا أحصن بالتزويج وقرئ بفتح الهمزة والصاد فإن أتين بفاحشة زناء.
فعليهن نصف ما على المحصنات يعني الحرائر من العذاب يعني الحد كما قال تعالى
وليشهد عذابهما طائفة.
القمي يعني به العبيد والإماء إذا زنيا ضربا نصف الحد فان عادا فمثل ذلك
441

حتى يفعلوا ذلك ثماني مرات ففي الثامنة يقتلون قال الصادق (عليه السلام) وإنما صار
يقتل في الثامنة لأن الله رحمه ان يجمع عليه ربق الرق وحد الحر.
وفي الكافي ما في معناه:
عن الصادق (عليه السلام) وعن الباقر (عليه السلام) في أمة تزني قال تجلد نصف
حد الحرة كان لها زوج أو لم يكن لها زوج. وفي رواية لا ترجم ولا تنفى ذلك اي
نكاح الإماء لمن خشي العنت منكم لمن خاف الإثم الذي يؤدي إليه غلبة الشهوة
وأصل العنت انكسار العظم بعد الجبر فاستعير لكل مشقة وضرورة وأن تصبروا خير
لكم وصبركم عن نكاح الإماء متعففين خير لكم والله غفور رحيم.
(26) يريد الله ليبين لكم ما خفي عنكم من مصالحكم ومحاسن اعمالكم
ويهديكم سنن الذين من قبلكم من الأنبياء وأهل الحق لتقتدوا بهم ويتوب عليكم
ويرشدكم إلى ما يمنعكم عن المعاصي والله عليم بها حكيم في وضعها.
(27) والله يريد أن يتوب عليكم كرره للتأكيد والمقابلة ويريد الذين يتبعون
الشهوات أهل الباطل أن تميلوا عن الحق بموافقتهم على اتباع الشهوات واستحلال
المحرمات ميلا عظيما بالإضافة إلى ميل من اقترف خطيئة على ندور غير مستحل
له.
(28) يريد الله أن يخفف عنكم فلذلك شرع لكم الشريعة الحنفية السمحة
السهلة ورخص لكم في المضائق كاحلال نكاح الأمة عند الاضطرار وخلق الإنسان
ضعيفا لا يصبر عن الشهوات ولا يتحمل مشاق الطاعات.
(29) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل بما لم يبحه الشرع.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) عنى بها القمار وكانت قريش تقامر الرجل
بأهله وماله فنهاهم الله عن ذلك.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) الربا والقمار والبخس والظلم إلا أن تكون
442

تجارة عن تراض منكم.
القمي يعني بها الشراء والبيع الحلال.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن الرجل منا يكون
عنده الشئ يتبلغ به وعليه دين أيطعمه عياله حتى يأتي الله عز وجل بميسرة فيقضي
دينه أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسب ويقبل الصدقة قال
يقضي بما عنده دينه ولا يأكل من أموال الناس إلا وعنده ما يؤدي إليهم حقوقهم ان
الله عز وجل يقول ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض
منكم ولا يستقرض على ظهره الا وعنده وفاء ولو طاف على أبواب الناس فردوه
باللقمة واللقمتين والتمر والتمرتين الا أن يكون له ولي يقضي دينه من بعده ليس منا
من يموت الا جعل الله له وليا يقوم في عدته ودينه فيقضي عدته ودينه ولا تقتلوا
أنفسكم.
القمي كان الرجل إذا خرج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغزو
يحمل على العدو وحده من غير أن يأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنهى الله
ان يقتل نفسه من غير امره.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) ان معناه لا تخاطروا بنفوسكم في القتال
فتقاتلوا من لا تطيقونه.
والعياشي عنه (عليه السلام) كان المسلمون يدخلون على عدوهم في المغارات
فيتمكن منهم عدوهم فيقتلهم كيف يشاء فنهاهم الله ان يدخلوا عليهم في المغارات
إن الله كان بكم رحيما إنما نهاكم الله عن قتل أنفسكم لفرط رحمته بكم.
العياشي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال سألت رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضأ صاحبها وكيف يغتسل إذا أجنب
قال يجزيه المسح بالماء عليها في الجنابة والوضوء، قلت وإن كان في برد يخاف
على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده فقرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا
443

تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما.
أقول: هذا الحديث يشعر بعموم الحكم في سائر أنواع القتل والقاء النفس
إلى التهلكة وارتكاب ما يؤدي إليه بل باقتراف ما يرديها فإنه القتل الحقيقي للنفس،
وقيل المراد بالأنفس من كان من أهل دينهم فان المؤمنين كنفس واحدة جمع في
التوصية بين حفظ النفس والمال الذي هو شقيقها إذ به قوامها استبقاء لهم ريثما (1)
تستكمل النفوس وتستوفي فضائلها رأفة بهم.
(30) ومن يفعل ذلك إشارة إلى ما سبق من المنهيات عدوانا وظلما افراطا في
التجاوز عن الحق واتيانا بما لا يستحقه فسوف نصليه نارا ندخله إياها وكان ذلك على
الله يسيرا لا عسر فيه ولا صارف عنه.
(31) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم نغفر لكم صغائركم
ونمحها عنكم ولا تسألون عنها وندخلكم مدخلا كريما الجنة وما وعدتم من الثواب
أو ادخالا مع كرامة، وقرئ بفتح الميم وهو أيضا يحتمل المكان والمصدر.
في الفقيه والعياشي عن الباقر (عليه السلام) انه سئل عن الكبائر فقال كلما أوعد الله عليه النار.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية الكبائر التي أوجب الله
عليها النار.
وفي ثواب الا عمال عنه (عليه السلام) في هذه الآية من اجتنب ما أوعد الله عليه
النار إذا كان مؤمنا كفر الله عنه سيئاته ويدخله مدخلا كريما والكبائر السبع الموجبات
قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين واكل الربى والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنة
واكل مال اليتيم والفرار من الزحف، ورواها في الكافي عن الكاظم (عليه السلام) مع
اربع روايات صادقية عدت في كل منها سبعا. وروتها العامة أيضا كذلك إلا أن

(1) الريث الإبطاء كالتريث والمقدار كما في القاموس والمراد هنا مقدار ما يستكمل الله النفوس ويستوفي فضائلهما.
444

بعضها بدل بعضا ببعض والمشترك في روايات السبع القتل والعقوق وأكل مال اليتيم
والفرار عن الزحف.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في جملة (1) الأربع أنه سأله زرارة عن
الكبائر فقال هن في كتاب علي (صلوات الله وسلامه عليه) سبع: الكفر بالله وقتل
النفس وعقوق الوالدين وأكل الربى بعد البينة وأكل مال اليتيم ظلما والفرار من
الزحف والتعرب بعد الهجرة قال فقلت هذا أكبر المعاصي قال نعم قلت فأكل درهم
من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة قال ترك الصلاة قلت فما عددت ترك الصلاة
في الكبائر فقال أي شئ أول ما قلت لك قال قلت الكفر قال فان تارك الصلاة كافر
يعني من غير علة.
أقول: الموجبات يجوز فيها الكسر والفتح أي التي توجب النار والتي أوجب
الله تعالى عليها النار والتعرب بعد الهجرة أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد
أن كان مهاجرا وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه بغير عذر يعدونه كالمرتد ولا
يبعد تعميمه كل من تعلم آداب الشرع والسنة ثم تركها وأعرض عنها ولم يعمل بها.
وفي المعاني عن الصادق (عليه السلام) المتعرب بعد الهجرة التارك لهذا
الأمر (2) بعد معرفته ومعنى بعد البينة بعد أن يتبين له تحريمه والمحصنة بفتح الصاد
المعروفة بالعفة كانت ذات زوج أو لم تكن والزحف المشي إلى العدو للمحاربة،
وفي بعض الأخبار عدت أشياء أخر غير ما ذكر من الكبائر كالإشراك بالله واليأس من
روح الله والا من من مكر الله والسحر والزنا واليمين الغموس الفاجرة والغلول وشهادة
الزور وكتمان الشهادة وشرب الخمر وترك الصلاة والزكاة المفروضتين؟ ونقال؟ العهد
وقطيعة الرحم واللواط والسرقة إلى غير ذلك ومعنى اليمين الغموس الفاجرة أي؟ الكاذبة؟.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) اليمين الغموس التي توجب النار الرجل
يحلف على حق امرئ مسلم على حبس ماله، قيل إنما سميت غموسا لأنها تغمس

(1) أي هذه من الروايات الأربع الصادقية.
(2) أي أمر الشرع (منه ره).
445

صاحبها في الإثم.
وعن ابن عباس ان الكبائر إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع.
وفي المجمع نسب إلى أصحابنا ان المعاصي كلها كبيرة لكن بعضها أكبر من
بعض وليس في الذنوب صغيرة وإنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر واستحقاق
العقاب عليه أكثر، قيل وتوفيقه مع الآية أن يقال من عن له أمران ودعت نفسه اليهما
بحيث لا يتمالك فكفها عن أكبرهما كفر عنه ما ارتكبه لما استحق عليه من الثواب
على اجتناب الأكبر كما إذا تيسر له النظر بشهوة والتقبيل فاكتفى بالنظر عن التقبيل
ولعل هذا مما يتفاوت أيضا باعتبار الأشخاص والأحوال فان حسنات الأبرار سيئات
المقربين ويؤاخذ المختار بما يعفى عن المضطرين.
أقول: ظاهر الآية والأخبار الواردة في تفسيرها وتفسير الكبائر يعطي تمايز كل
من الصغائر والكبائر عن صاحبها كما لا يخفى على من تأمل فيها وما نسبه في
المجمع إلى أصحابنا لا مستند له وقول الموفق يعطي ان من قدر على قتال أحد فقطع
أطرافه كان قطع أطرافه مكفرا وهو كما ترى فلا بد لكلامه وكلام الأصحاب من توجيه
حتى يوافقا الظواهر.
(32) ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض من الأمور الدنيوية كالجاه
والمال فلعل عدمه خير.
في المجمع عن الصادق (عليه السلام) أي لا يقل أحدكم ليت ما أعطي فلان من
المال والنعمة والمرأة الحسناء كان لي فان ذلك يكون حسدا ولكن يجوز أن يقول
اللهم اعطني مثله.
وفي الخصال عنه عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
من تمنى شيئا وهو لله تعالى رضى لم يخرج من الدنيا حتى يعطى للرجال نصيب مما
اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن بيان لذلك أي لكل من الرجال والنساء فضل
ونصيب بسبب ما اكتسب ومن أجله فاطلبوا الفضل بالعمل لا بالحسد والتمني
واسألوا الله من فضله أي لا تتمنوا ما للناس واسألوا الله مثله من خزائنه التي لا تنفد.
446

في الفقيه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان الله تعالى أحب شيئا لنفسه
وأبغضه لخلقه أبغض عز وجل لخلقه المسألة وأحب لنفسه أن يسأل وليس شئ أحب
إليه من أن يسأل فلا يستحي أحدكم أن يسأل الله عز وجل من فضله ولو شسع نعل.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) من لم يسأل الله من فضله افتقر.
وفيه والعياشي عن الباقر (عليه السلام) ليس من نفس إلا وقد فرض الله رزقا
حلالا يأتيها في عافية وعرض لها بالحرام من وجه آخر فان هي تناولت شيئا من الحرام
قاصها به من الحلال الذي فرضه لها وعند الله سواهما فضل كثير وهو قوله عز وجل
واسألوا الله من فضله.
والعياشي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يقرب منه.
وعن الصادق (عليه السلام) ان الأرزاق مضمونة مقسومة ولله فضل يقسمه من
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وذلك قوله تعالى واسألوا الله من فضله ثم قال وذكر
الله بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض إن الله كان بكل
شئ عليما فهو يعلم ما يستحقه كل أحد.
(33) ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون أي لكل واحد من
الرجال والنساء جعلنا ورثة هم أولى بميراثه يرثون مما ترك الوالدان والأقربون.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) إنما عنى بذلك اولي الأرحام في
المواريث ولم يعن أولياء النعمة فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها
والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم قيل كان الرجل يعاقد الرجل فيقول دمي دمك
وهدمي هدمك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وارثك وتعقل عني واعقل عنك
فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف فنسخ بقوله وأولو الأرحام بعضهم أولى
ببعض.
القمي وأولو الأرحام نسخت قوله والذين عقدت وقيل معناه أعطوهم نصيبهم
من النصر والعقل والرفد ولا ميراث فلا نسخ.
447

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) إذا والى الرجل الرجل فله ميراث وعليه
معقلته يعني دية جناية خطئاه.
وفيه والعياشي عن الرضا (عليه السلام) عنى بذلك الأئمة بهم عقد الله عز وجل
ايمانكم ويؤيد هذا ما سبق في آية الوصية من سورة البقرة أن لصاحب هذا الأمر في
أموال الناس حقا وقرأ عاقدت أي عاقدتهم أيديكم وماسحتموهم إن الله كان على كل
شئ شهيدا تهديد على منع نصيبهم.
(34) الرجال قوامون على النساء يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية بما
فضل الله بعضهم على بعض بسبب تفضيله الرجال على النساء بكمال العقل وحسن
التدبير ومزيد القوة في الأعمال والطاعات وبما أنفقوا من أموالهم في نكاحهن كالمهر
والنفقة.
في العلل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل ما فضل الرجال على
النساء فقال كفضل الماء على الأرض فبالماء تحيى الأرض وبالرجال تحيى النساء
ولولا الرجال ما خلقت النساء ثم تلا هذه الآية ثم قال ألا ترى إلى النساء كيف يحضن
ولا يمكنهن العبادة من القذارة والرجال لا يصيبهم شئ من الطمث فالصالحات
قانتات.
القمي عن الباقر (عليه السلام) يقول مطيعات حافظات للغيب في أنفسهن
وأموال أزواجهن.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره
إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله بما حفظ الله
بحفظ الله إياهن واللاتي تخافون نشوزهن ترفعهن عن طاعتكم وعصيانهن لكم
فعظوهن بالقول واهجروهن في المضاجع ان لم تنجع العظة.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) أنه يحول ظهره إليها واضربوهن ان لم
448

تنفع الهجرة ضربا غير شديد لا يقطع لحما ولا يكسر عظما.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) أنه الضرب بالسواك فإن أطعنكم فلا تبغوا
عليهن سبيلا بالتوبيخ والإيذاء إن الله كان عليا كبيرا فاحذروه فإنه أقدر عليكم منكم
على من تحت أيديكم.
(35) وإن خفتم شقاق بينهما أي الاختلاف وعدم الاجتماع على رأي كأن كل
واحد في شق أي جانب فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا
يوفق الله بينهما.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) الحكمان يشترطان ان شاءا فرقا
وان شاءا جمعا فان جمعا فجايز وان فرقا فجايز وقال ليس لهما أن يفرقا حتى
يستأمراهما إن الله كان عليما خبيرا فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق.
(36) واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وأحسنوا بهما
احسانا.
العياشي عنهما (عليهما السلام) في هذه الآية ان رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) أحد الوالدين وعلي (عليه السلام) الآخر وبذي القربى وبصاحب القرابة واليتامى
والمساكين والجار ذي القربى الذي قرب جواره والجار الجنب البعيد.
في الكافي عن الباقر (عليه السلام) حد الجوار أربعون دارا من كل جانب من بين
يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.
وعن الصادق (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كل
أربعين دارا جيران من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.
وعنه (عليه السلام) حسن الجوار يزيد في الرزق، وقال حسن الجوار يعمر
الديار ويزيد في الأعمار.
وعن الكاظم (عليه السلام) ليس حسن الجوار كف الأذى ولكن حسن الجوار
صبرك على الأذى.
449

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الجيران ثلاثة فجار له ثلاثة حقوق حق
الجوار وحق القرابة وحق الإسلام وجار له حقان حق الجوار وحق الإسلام وجار له حق
واحد حق الجوار وهو المشرك من أهل الكتاب والصاحب بالجنب قيل من صحبكم
وحصل بجنبكم لرفاقة في أمر حسن كتزوج وتعلم وتصرف وصناعة وسفر وابن
السبيل المسافر والضيف وما ملكت أيمانكم العبيد والإماء.
والقمي والصاحب بالجنب صاحبك في السفر وابن السبيل يعني أبناء الطريق
الذين يستعينون بك في طريقهم وما ملكت ايمانكم يعني الأهل والخادم إن الله لا
يحب من كان مختالا متكبرا يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه ولا يلتفت إليهم
فخورا يتفاخر عليهم.
(37) الذين يبخلون بما منحوا ويأمرون الناس بالبخل.
في الفقيه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس البخيل من أدى الزكاة
المفروضة من ماله وأعطى الباينة (1) في قومه إنما البخيل حق البخيل من لم يؤد الزكاة
المفروضة من ماله ولم يعط الباينة في قومه وهو يبذر فيما سوى ذلك.
أقول: الباينة (2) العطية سميت بها لأنها أبينت من المال.
وعن الصادق (عليه السلام) البخيل يبخل بما في يده والشحيح يشح بما في
أيدي الناس وعلى ما في يديه حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له
بالحل والحرام ولا يقنع بما رزقه الله.
وفي الخصال عنه (عليه السلام) ما كان في شيعتنا فلا يكون فيهم ثلاثة أشياء لا
يكون فيهم من يسأل بكفه ولا يكون فيهم بخيل الحديث.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خصلتان لا تجتمعان في المسلم البخل
وسوء الخلق ويكتمون ما آتاهم الله من فضله من الغنى والعلم حيث ينبغي إظهار

(1) البون بالفتح فالسكون الفضل والمزية وهو المصدر بونا إذا فضله وبينهما بون بعيد أي بين درجتيهما أو بين
اعتبارهما في الشرف واما في التباعد الجسماني فيقال بينهما بين بالياء (مجمع).
(2) فالصدقة الباينة هي التي يتفضل بها صاحبها من غير أن يوجبه الله تعالى عليه.
450

واعتدنا للكافرين عذابا مهينا وضع الظاهر موضع
المضمر اشعار بأن من هذا شأنه
كافر لنعمة الله فله عذاب يهينه كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء.
(38) والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس شاركهم مع البخلاء في الذم
والوعيد لاشتراكهما في عدم الإنفاق على ما ينبغي ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر
ليتحروا بالإنفاق مراضيه وثوابه ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا تنبيه على أن
الشيطان قرينهم يحملهم على ذلك ويزينه لهم كقوله ان المبذرين كانوا اخوان
الشياطين.
(39) وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله في طاعة
الله توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة والاعتقاد في الشئ على خلاف ما هو عليه
وتحريض على التفكر لطلب الجواب لعله يؤدي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد
والعوائد وتنبيه على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب له احتياطا فكيف
إذا تضمن المنافع وإنما قدم الإيمان هاهنا وأخره في الآية السابقة لأن المقصود هنا
التخصيص وثمة التعليل وكان الله بهم عليما وعيد لهم.
(40) إن الله لا يظلم مثقال ذرة لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصغر
شئ كالذرة وهي النملة الصغيرة ويقال لكل جزء من أجزاء الهباء (1) والمثقال من
الثقل وإن تك حسنة وقرئ بالرفع على التامة يضاعفها يضاعف ثوابها ويؤت من لدنه
ويعط صاحبها من عنده على سبيل التفضل زائدا على ما وعد في مقابلة العمل أجرا
عظيما عطاء جزيلا سماه أجر التبعية له.
(41) فكيف حالهم من الهول والفزع إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك يا
محمد على هؤلاء شهيدا.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) نزلت في أمة محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) خاصة في كل قرن منهم امام شاهد عليهم ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
شاهد علينا.

(1) الهباء ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيه الغار (مجمع).
451

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) في حديث يذكر فيه
أحوال أهل الموقف فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حملوها إلى
أممهم فأخبروا انهم قد أدوا ذلك إلى أممهم وتسأل الأمم فيجحدون كما قال الله
فلنسألن الذين ارسل إليهم ولنسألن المرسلين فيقولون ما جاءنا من بشير ولا نذير
فيستشهد الرسل رسول الله فيشهد بصدق الرسل ويكذب من جحدها من الأمم فيقول
لكل أمة منهم بلى قد جاءكم بشير ونذير والله على كل شئ قدير أي مقتدر على
شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم ولذلك قال الله تعالى لنبيه
(صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء
شهيدا فلا يستطيعون رد شهادته خوفا من أن يختم الله على أفواههم وأن يشهد عليهم
جوارحهم بما كانوا يعملون ويشهد على منافقي قومه وأمته وكفارهم بالحادهم
وعنادهم ونقضهم عهده وتغييرهم سنته واعتدائهم على أهل بيته وانقلابهم على
أعقابهم وارتدادهم على ادبارهم واحتذائهم في ذلك سنة من تقدمهم من الأمم
الظالمة الخائنة لأنبيائها فيقولون بأجمعهم ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين.
أقول: نزول الآية في هذه الأمة لا ينافي عموم حكمها فلا تنافى بين الروايتين
وقد مضى تمام الكلام في هذا في سورة البقرة عند قوله سبحانه وكذلك جعلناكم أمة
وسطا لتكونوا شهداء على الناس.
(42) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا
يكتمون الله حديثا.
العياشي عن الصادق عن جده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة يصف
فيها هول يوم القيامة ختم على الأفواه فلا تكلم وتكلمت الأيدي وشهدت الأرجل
وأنطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون الله حديثا.
والقمي قال يتمنى الذين غصبوا أمير المؤمنين (عليه السلام) أن تكون الأرض
تبلعهم في اليوم الذي اجتمعوا فيه على غصبه وان لم يكتموا ما قاله رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) فيه.
452

(43) يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة لا تقوموا إليها وأنتم سكارى من نحو
نوم أو خمر حتى تعلموا ما تقولون حتى تنتبهوا وتفيقوا.
في الكافي والعلل والعياشي عن الباقر (عليه السلام) لا تقم إلى الصلاة متكاسلا
ولا متناعسا ولا متثاقلا فإنها من خلال (1) النفاق وقد نهى الله عز وجل أن تقوموا إلى
الصلاة وأنتم سكارى قال سكارى قال سكر النوم.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام منه سكر النوم وهو يفيد التعميم.
وفي المجمع عن الكاظم (عليه السلام) أن المراد به سكر الشراب ثم نسختها
تحريم الخمر. ومثله ما روته العامة وأنها نزلت فيمن قرأ في صلاته أعبد ما تعبدون
في سكره.
والعياشي عنه هذا قبل أن يحرم الخمر، وعن الصادق (عليه السلام) أنه سئل
عن هذه الآية قال يعني سكر النوم يقول بكم نعاس يمنعكم أن تعلموا ما
تقولون في ركوعكم وسجودكم وتكبيركم وليس كما يصف كثير من الناس يزعمون أن
المؤمنين يسكرون من الشراب والمؤمن لا يشرب مسكرا ولا يسكر.
أقول: لما كانت الحكمة تقتضي تحريم الخمر متدرجا والتأخير في التصريح
به كما مضى بيانه في سورة البقرة وكان قوم من المسلمين يصلون سكارى منها قبل
استقرار تحريمها نزلت هذه الآية وخوطبوا بمثل هذا الخطاب ثم لما ثبت تحريمها
واستقر وصاروا ممن لا ينبغي أن يخاطبوا بمثله لأن المؤمنين لا يسكرون من الشراب
بعد أن حرم عليهم جاز أن يقال الآية منسوخة بتحريم الخمر بمعنى عدم حسن
خطابهم بمثله بعد ذلك لا بمعنى جواز الصلاة مع السكر ثم لما عم الحكم سائر ما
يمنع من حضور القلب جاز أن يفسر بسكر النوم ونحوه تارة وأن يعم الحكم أخرى فلا
تنافي بين هذه الروايات بحال والحمد لله على ما رزقنا من فهم كلام خلفائه ولا جنبا
إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا.
في العلل والعياشي عن الباقر (عليه السلام) والقمي عن الصادق (عليه السلام)

(1) خلال الديار ما حوالي حدودها وما بين بيوتها والخلة الخصلة والجمع خلال (ق).
453

الحائض والجنب لا يدخلان المسجد الا مجتازين فان الله تعالى يقول ولا جنبا إلا
عابري سبيل حتى تغتسلوا قال بعض البارعين في علم البلاغة من أصحابنا في كتاب
الفه في الصناعات البديعة عند ذكر الاستخدام بعد ما عرفه بأنه عبارة من أن يأتي
المتكلم بلفظة مشتركة بين معنيين مقرونة بقرينتين يستخدم كل قرينة منهما معنى من
معنيي تلك اللفظة قال وفي الآية الكريمة قد استخدم سبحانه لفظة الصلاة لمعنيين
أحدهما إقامة الصلاة بقرينة قوله عز وجل حتى تعلموا ما تقولون والآخر موضع
الصلاة بقرينة قوله جل ثناؤه ولا جنبا الا عابري سبيل.
أقول: هذا هو الصواب وهو الموافق لما رويناه من الأخبار في هذا الباب كما
دريت لا ما تكلفته العامة تارة بأن المراد بالصلاة في صدر هذه الآية مواضعها وهي
المساجد بقرينة عابري سبيل، وأخرى بأن المراد بعابري سبيل حالة السفر وذلك إذا
لم يجد الماء وتيمم بقرينة حتى تعلموا ما تقولون وإن كنتم مرضى قيل يعني مريضا
يخاف على نفسه باستعمال الماء والوصول إليه.
أقول: لا حاجة إلى هذا التقييد لأن قوله تعالى فلم تجدوا ماء متعلق بالجمل
الأربع وهو يشمل عدم التمكن من استعماله لأن الممنوع منه كالمفقود وكذلك تقييد
السفر بعدم وجدان الماء وهما مستفادان من النصوص المعصومية أيضا أو على سفر
أي متلبسين به إذ الغالب فقدان الماء في أكثر الصحارى أو جاء أحد منكم من الغائط
كناية عن الحدث إذ الغائط المكان المنخفظ من الأرض كانوا يقصدون للحدث مكانا
منخفضا يغيب فيه أشخاصهم عن الرائي أو لامستم النساء كناية عن الجماع في
المجمع عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه).
وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال هو الجماع ولكن الله ستير
يحب الستر ولم يسم كما تسمون.
وعن الباقر (عليه السلام) ما يعني بهذا أو لامستم النساء إلا المواقعة في الفرج،
وفي رواية أخرى في الكافي أن الله حيي كريم يعبر عن مباشرة النساء بملامستهن فلم
تجدوا ماء بأن تفقدوه أو لم تتمكنوا من استعماله كما سبق فتيمموا صعيدا طيبا
454

فتعمدوا ترابا طاهرا.
وفي المعاني عن الصادق (عليه السلام) الصعيد الموضع المرتفع والطيب
الموضع الذي ينحدر عنه الماء، وقيل الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره فيجوز
التيمم على الحجر الصلد ويدفعه من القرآن قوله سبحانه في سورة المائدة فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم منه أي من بعضه وجعل من لابتداء الغاية تعسف إذ لم يفهم من
مثله الا التبعيض وقد ورد في بعض الأخبار تفسيره به كما يأتي في محله ومن الحديث
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في معرض التسهيل والتخفيف وبيان امتنان الله سبحانه
عليه وعلى هذه الأمة المرحومة في احدى الروايتين جعلت لي الأرض مسجدا وترابها
طهورا فلو كان مطلق الأرض طهورا لكان ذكر التراب مخلا بانطباق الكلام على
الغرض المسوق له وكان مقتضى الحال أن يقول جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا
كما في الرواية الأخرى فامسحوا بوجوهكم وأيديكم.
في الكافي عن الباقر (عليه السلام) في آية التيمم التي في المائدة فلما وضع
الوضوء ان لم يجدوا الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم ثم وصل بها
وأيديكم أقول: نبه بذلك على عدم وجوب استيعاب الوجه واليدين بالمسح كما تفعله
العامة وان الباء فيه للتبعيض ويأتي تمام الحديث إن شاء الله.
وعنه (عليه السلام) في صفة التيمم أنه وضع كفيه على الأرض ثم مسح وجهه
وكفيه ولم يمسح الذراعين بشئ.
وعن الصادق (عليه السلام) أنه وصف التيمم فضرب بيديه على الأرض ثم
رفعهما فنفضهما (1) ثم مسح على جبينه وكفيه مرة واحدة وفي رواية ثم مسح كفيه
إحداهما على ظهر الأخرى.
وعن الرضا (عليه السلام) التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين.

(1) نفضت الثوب والشجر أنفضه نفضا إذا حركته لينتفض (صحاح).
455

وعن الباقر (عليه السلام) هو ضرب واحد للوضوء وللغسل من الجنابة تضرب
بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين ومتى أصبت الماء فعليك بالغسل
ان كنت جنبا والوضوء إن لم تكن جنبا.
أقول: ضرب واحد يعني نوع واحد للطهارتين لا تفاوت فيه كما يستفاد من
ظاهر الآية وظواهر الأخبار الواردة في هذا الباب لا أنه ضربة للوضوء واثنتان للغسل
كما زعمت جماعة من متأخري أصحابنا كيف ذا وكل ما ورد في بيان بدل الغسل
اكتفي فيه بالضربة الواحدة على أنه خلاف ظاهر اللفظ.
وفي الفقيه والتهذيب عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن التيمم من الوضوء
ومن الجنابة ومن الحيض للنساء سواء فقال نعم.
أقول: وإنما تستحب المرتان فيهما لاشتراط علوق التراب بالكف كما أشرنا
إليه فان الضربة في التيمم بمنزلة اغتراف الماء في الوضوء والغسل فلعله ربما يذهب
التراب عن الكفين بمسح الوجه ولا يبقى لليدين فالاحتياط يقتضي الضربتين في
الطهارتين وأما النفض فلعله لتقليل التراب لئلا يتشوه به الوجه إن الله كان عفوا غفورا
فلذلك يسر الأمر عليكم ورخص لكم.
(44) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا حظا يسيرا من الكتاب من علم التوراة كما
قيل أنها نزلت في أحبار اليهود يشترون الضلالة يستبدلونها بالهدى بعد حصوله لهم
بالمعجزات الدالة على صدق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه المبشر به في
التوراة ويريدون أن تضلوا أيها المؤمنون السبيل سبيل الحق.
(45) والله أعلم منكم بأعدائكم وقد أخبركم بعداوة هؤلاء وما يريدون بكم
فاحذروهم وكفى بالله وليا يلي أمركم وكفى بالله نصيرا يعينكم فثقوا به واكتفوا به عن
غيره.
(46) من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه يميلون عنها بتبديل كلمة
مكان أخرى كما حرفوا في وصف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أسمر (1) ربعة عن

(1) الأسمر من شبه لونه لون الحنطة والأدم من اشتد سمرته والربعة من ليس بطويل ولا قصير (منه ره).
456

موضعه في التوراة ووضعوا مكانه أدم طوال (1) ويقولون سمعنا قولك وعصينا أمرك
واسمع غير مسمع يعنون اسمع منا ندعو عليك بلا سمعت أو اسمع غير مجاب إلى
ما تدعو إليه وراعنا انظرنا نكلمك أو نفهم كلامك يعنون به السبب فان راعنا سب في
لغتهم ليا بألسنتهم فتلا بها وصرفا للكلام إلى ما يشبه السب حيث وضعوا راعنا
المشابه لما يتسابون به موضع انظرنا وراقبنا وغير مسمع موضع لا أسمعت مكروها أو
فتلا بها وضما ما يظهرون من الدعاء والتوقير إلى ما يضمرونه من الشتم والتحقير نفاقا
وطعنا في الدين استهزاء به وسخرية ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا
لكان خيرا لهم وأقوم واعدل واسد ولكن لعنهم الله خذلهم وأبعدهم عن الهدى
بكفرهم بسبب كفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا إلا ايمانا قليلا لا يعبأ به وهو الايمان
ببعض الآيات والرسل وايمانا ضعيفا لا اخلاص فيه أو الا قليلا منهم.
(47) يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن
نطمس وجوها فنردها على أدبارها.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) ان المعنى نطمسها عن الهدى فنردها على
ادبارها في ضلالتها حيث لا يفلح أبدا والطمس (2) إزالة الصورة ومحو التخطيط أو
نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت أو نخزيهم بالمسخ كما أخزيناهم به وكان أمر الله
مفعولا فيقع لا محالة ما أو عدتم به إن لم تؤمنوا.
(48) إن الله لا يغفر أن يشرك به لأنه حكم على خلود عذابه من جهة أن ذنبه
لا ينمحي عنه أثره فلا يستعد للعفو الا أن يتوب ويرجع إلى التوحيد فان باب التوبة
مفتوح أبدا ويغفر ما دون ذلك ما دون الشرك صغيرا كان أو كبيرا لمن يشاء تفضلا عليه
واحسانا.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال الكبائر فما سواها.
وفيه وفي الفقيه أنه سئل هل تدخل الكبائر في مشية الله قال نعم ذاك إليه عز

(1) الطوال بالضم (منه ره).
(2) في الحديث لا صورة لا تخطيط ولا تحديد وفيه أن قوما يصنعون الله بالصورة والتخطيط أي انه ذو أضلاع (م).
457

وجل ان شاء عذب عليها وإن شاء عفى عنها.
والقمي عنه (عليه السلام) ما يقرب من صدره.
وفي الفقيه عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في حديث ولقد سمعت حبيبي
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لو أن المؤمن خرج من الدنيا وعليه مثل
ذنوب أهل الأرض لكان الموت كفارة لتلك الذنوب ثم قال من قال لا إله إلا الله
باخلاص فهو برئ من الشرك ومن خرج من الدنيا لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ثم
تلا هذه الآية ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من شيعتك
ومحبيك يا علي قال أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) فقلت يا رسول الله هذا
لشيعتي قال أي وربي انه لشيعتك.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) ان الله لا يغفر أن يشرك به يعني أنه لا يغفر
لمن يكفر بولاية علي (صلوات الله عليه) ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء يعني لمن والى
(عليا عليه السلام).
وعن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن أدنى ما يكون الإنسان مشركا قال من
ابتدع رأيا فأحب عليه أو أبغض.
وفي التوحيد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ما في القرآن آية أحب إلي من قوله
عز وجل ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد
افترى إثما عظيما ارتكب ما يستحقر دونه
من الآثام والافتراء كما يطلق على القول
يطلق على الفعل.
(49) ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا
نحن أبناء الله وأحباؤه وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى كذا في
المجمع عن الباقر (عليه السلام).
والقمي قال هم الذين سموا أنفسهم بالصديق والفاروق وذي النورين بل الله
يزكي من يشاء لأنه العالم بما ينطوي عليه الإنسان من حسن أو قبح دون غيره ولا
458

يظلمون فتيلا أدنى ظلم وأصغره وهو الخيط الذي في شق النواة يضرب به المثل في
الحقارة.
(50) أنظر كيف يفترون على الله الكذب في زعمهم أنهم أبناء الله وأزكياء
عنده وكفى به بالافتراء إثما مبينا.
(51) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت.
القمي قال نزلت في اليهود حين سألهم مشركوا العرب أديننا أفضل أم دين
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا بل دينكم أفضل قال وروي أيضا أنها نزلت في
الذين غصبوا آل محمد (صلوات الله عليهم) أجمعين حقهم وحسدوا منزلتهم.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) الجبت والطاغوت فلان وفلان.
أقول: الجبت في الأصل اسم صنم فاستعمل في كل ما عبد من دون الله
تعالى والطاغوت يطلق على الشيطان وعلى كل باطل من معبود أو غيره ويقولون
للذين كفروا لأجلهم وفيهم أهؤلاء إشارة إليهم أهدى من الذين آمنوا سبيلا أقوم دينا
وأرشد طريقا.
في الكافي عن الباقر (عليه السلام) يقولون لأئمة الضلال والدعاة إلى النار هؤلاء
أهدى من آل محمد (صلوات الله عليهم) أجمعين.
(52) أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا.
(53) أم لهم نصيب من الملك انكار يعني ليس لهم ذلك فإذا لا يؤتون الناس
نقيرا يعني لو كان لهم نصيب في الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا.
في الكافي عن الباقر (عليه الصلاة والسلام) أم لهم نصيب من الملك يعني
الإمامة والخلافة قال ونحن الناس الذين عنى الله والنقير النقطة التي في وسط النواة.
أقول: لعل التخصيص لأجل أن الدنيا خلقت لهم والخلافة حقهم فلو كانت
الأموال في أيديهم لانتفع بها سائر الناس ولو منعوا عن حقوقهم لمنع سائر الناس
459

فكأنهم كل الناس وقد ورد نحن الناس وشيعتنا أشباه الناس وسائر الناس نسناس.
(54) أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
في الكافي والعياشي وغيرهما عنهم (عليهم السلام) في عدة روايات نحن
المحسودون الذين قال الله على ما آتانا الله من الإمامة.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) المراد بالناس النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فلا يبعد أن يؤتيهم
الله مثل ما آتاهم فإنهم (1) كانوا بني عمهم.
في الكافي والقمي عن الصادق (عليه السلام) الكتاب النبوة والحكمة الفهم
والقضاء والملك العظيم الطاعة المفروضة.
وفي الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) يعني جعل منهم الرسل والأنبياء
والأئمة فكيف يقرون في آل إبراهيم وينكرونه في آل
محمد (صلوات الله وسلامه
عليهم) أجمعين، وقال الملك العظيم ان جعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن
عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم.
(55) فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه اعرض ولم يؤمن وكفى بجهنم
سعيرا نارا مسعورة يعذبون بها يعني إن لم يعجلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعد لهم من
سعير جهنم.
(56) إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا.
القمي قال الآيات أمير المؤمنين والأئمة (صلوات الله عليهم) أجمعين.
كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب.
في الإحتجاج عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله ابن أبي العوجاء عن هذه الآية
فقال ما ذنب الغير قال ويحك فهي هي وهي غيرها قال فمثل لي في ذلك شيئا من أمر

(1) لأنهم من أولاد إسحاق وقريش من إسماعيل.
460

الدنيا قال نعم أرأيت لو أن رجلا أخذ لبنة فكسرها ثم ردها في ملبنها فهي هي وهي
غيرها.
والقمي عنه (عليه السلام) ما في معناه إن الله كان عزيزا لا يمتنع عليه ما يريده.
حكيما يعاقب على وفق حكمته.
(57) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها
الأنهار خالدين فيها أبدالهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا دائما لا تنسخه
الشمس مشتقة من الظل لتأكيده كما قيل ليل أليل وشمس شامس وإنما أخر ذكر
الوعد عن الوعيد لكونه (1) بالعرض.
(58) إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها.
في الكافي وغيره في عدة روايات أن الخطاب إلى الأئمة (عليهم السلام) أمر كل
منهم أن يؤدي إلى الإمام الذي بعده ويوصي إليه ثم هي جارية في سائر الأمانات.
وفيه وفي العياشي عن الباقر (عليه الصلاة والسلام) إيانا عنى أن يؤدي الإمام
الأول إلى الذي بعده العلم والكتب والسلاح.
وفي المجمع (عنهما عليهما السلام) أنها في كل من ائتمن أمانة من الأمانات
أمانات الله أوامره ونواهيه وأمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضا من المال وغيره.
(وعنهم عليهم السلام) في عدة روايات لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده
فان ذلك شئ اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء
أمانته.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) ان ضارب علي بالسيف وقاتله لو ائتمنني
واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه لأديت إليه الأمانة وفي معناها أخبار كثيرة.
وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.

(1) قوله؟ لكونه؟ بالعرض أي لكون الوعد في المقام مذكورا بالعرض لأن الغرض الأصلي فيه الوعيد أو لأن الوعد
بلحاظ أسبابه عرضي للانسان لأن العادة الثانوية فيه الشر أو لغير ذلك فتأمل.
461

في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) يعني العدل الذي في أيديكم (1).
وفي رواية أخرى للعياشي أن تحكموا بالعدل إذا ظهرتم أن تحكموا بالعدل
إذا بدت في أيديكم إن الله نعما يعظكم.
العياشي عن الباقر (عليه السلام) فينا نزلت والله المستعان إن الله كان سميعا
بصيرا بأقوالكم وأفعالكم وما تفعلون في أماناتكم.
(59) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أيانا عنى خاصة أمر جميع
المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الأوصياء طاعتهم مفروضة
قال نعم هم الذين قال الله: أطيعوا الله الآية وقال الله إنما وليكم الله الآية.
وفيه والعياشي عنه (عليه السلام) في هذه الآية قال نزلت في علي بن أبي طالب
والحسن والحسين (عليهم الصلاة والسلام) فقيل إن الناس يقولون فماله لم يسم عليا
وأهل بيته في كتابه فقال فقولوا لهم نزلت الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا حتى
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسر ذلك لهم ونزلت عليه الزكاة ولم يسم
لهم من كل أربعين درهما درهم حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو
الذي فسر ذلك لهم ونزلت أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر

(1) لعله أراد بالعدل الذي في أيدينا الشريعة المحمدية البيضاء بالإضافة إلى سائر الشرائع المنسوخة فان كل واحدة
منها وان كانت عدلا وحقا لكن الأمر في هذه الآية تعلقت بخصوصها منسأ عن نسخ الباقي وان الحكم على مقتضاها بعد
اكمال الدين بهذه الشريعة حكم بالباطل مع مخالفتها أو الخطاب للشيعة فالمراد بما في أيديهم المذهب العلوي في قبال
المذاهب الباطلة أو المراد الأحكام المأخوذة من ظاهر القرآن والسنة المبنية على التقية من المعصومين (عليهم السلام) أو الرعية
والإغماض عن التحريفات العارضة لها حتى يظهر صاحب هذا الأمر فيستقيم به ويرشد إلى هذا ظاهر الرواية الثانية فان قوله
(عليه السلام) أن تحكموا بالعدل إذا ظهر، الظاهر أن المراد بوقت الظهور العدل الكلي، وقوله ثم أن تحكموا بالعدل إذا
بدت في أيديكم يعني كلما تمكنتم منه بعد ان لم يظهر العدل كله يعني ما قبل زمان القائم (عج) وقدم الأول مع أنه لم يكن
موجودا وأخر الثاني مع حضوره للاهتمام بالأول وأشرفيته وتقدمه بالطبع أو المراد العدل الذي تقدرون عليه أو تعلمونه.
462

منكم ونزلت في علي والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) في علي من كنت مولاه فعلي مولاه، وقال أوصيكم بكتاب الله وأهل
بيتي فإني سألت الله أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما علي الحوض فأعطاني ذلك
وقال لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم وقال إنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن
يدخلوكم في باب ضلالة فلو سكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يبين من
أهل بيته لا دعاها آل فلان وآل فلان ولكن الله أنزل في كتابه تصديقا لنبيه (صلى الله
عليه وآله وسلم) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهر كم تطهيرا فكان
علي والحسن والحسين وفاطمة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) فأدخلهم رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الكساء في بيت أم سلمة ثم قال (صلى الله عليه
وآله وسلم) اللهم ان لكل نبي أهلا وثقلا وهؤلاء أهل بيتي وثقلي فقالت أم سلمة
ألست من أهلك فقال إنك على خير ولكن هؤلاء أهل بيتي وثقلي (الحديث).
وزاد العياشي آل عباس آل عباس وآل عقيل قبل قوله وآل فلان وآل فلان.
وعن الصادق (عليه السلام) انه سئل عما بنيت عليه دعائم الإسلام إذا أخذ بها
زكى العمل ولم يضر جهل ما جهل بعده فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والإقرار بما جاء به من عند الله وحق في الأموال
الزكاة والولاية التي أمر الله بها ولاية آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) فان
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من مات ولا يعرف امامه مات ميتة جاهلية قال
الله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فكان علي (عليه السلام) ثم
صار من بعده الحسن ثم من بعده الحسين ثم من بعده علي بن الحسين ثم من بعده
محمد بن علي ثم هكذا يكون الأمر ان الأرض لا تصلح إلا بإمام (عليهم السلام)
(الحديث).
وفي المعاني عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه
سئل ما أدنى ما يكون به الرجل ضالا فقال أن لا يعرف من أمر الله بطاعته وفرض
ولايته وجعل حجته في أرضه وشاهده على خلقه قال فمن هم يا أمير المؤمنين قال
463

الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي
الأمر منكم قال فقبلت رأسه وقلت أوضحت لي وفرجت عني وأذهبت كل شك كان
في قلبي.
وفي الإكمال عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضى) قال لما نزلت هذه الآية
قلت يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن أولي الأمر الذين قرنهم الله طاعتهم بطاعتك
فقال هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم
الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي (صلوات الله عليهم)
المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرئه مني السلام ثم الصادق
جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن
محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي محمد وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده
ابن الحسن بن علي (صلوات الله عليهم،) ذاك الذي يفتح الله على يديه مشارق
الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول
بإمامته الا من امتحن الله قلبه للإيمان قال جابر فقلت له يا رسول الله فهل لشيعته
الانتفاع به في غيبته فقال أي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيؤون بنوره، وينتفعون
بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وان تجلاها سحاب يا جابر هذا من مكنون
سر الله ومخزون علم الله فاكتمه الا عن أهله والأخبار في هذا المعنى في الكتب
المتداولة المعتبرة لا تحصى كثرة.
وفي التوحيد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) اعرفوا الله بالله تعالى والرسول
بالرسالة وأولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان.
وفي العلل عنه (عليه السلام) لا طاعة لمن عصى الله وإنما الطاعة لله ولرسوله
ولولاة الأمر إنما أمر الله بطاعة الرسول لأنه معصوم
مطهر لا يأمر بمعصية وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم
معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية فإن تنازعتم أيها المأمورون في شئ من أمور
الدين فردوه فراجعوا فيه إلى الله إلى محكم كتابه والرسول بالسؤال عنه في زمانه
464

وبالأخذ بسنته والمراجعة إلى من أمر بالمراجعة إليه بعده فإنها رد إليه. القمي عن الصادق (عليه السلام) قال نزل فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله
والى الرسول والى أولي الأمر منكم.
وفي الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) انه تلا هذه الآية هكذا فان خفتم
تنازعا في أمر فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم قال كذا نزلت وكيف
يأمرهم الله عز وجل بطاعة ولاة الأمر ويرخص في منازعتهم إنما قيل ذلك للمأمورين
الذين قيل لهم أطيعوا الله.
وفي نهج البلاغة في معنى الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال انا لم نحكم
الرجال وإنما حكمنا القرآن وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين لا ينطق
بلسان ولا بدله من ترجمان وإنما ينطق عنه الرجال ولما دعانا القوم إلى أن نحكم بيننا
القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله تعالى وقال سبحانه فان تنازعتم في شئ
فردوه إلى الله والرسول فرده إلى الله أن نحكم بكتابه ورده إلى الرسول أن نأخذ بسنته
فإذا حكم بالصدق كتاب الله فنحن أحق الناس به وان حكم بسنة رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) فنحن أولاهم به وقال (عليه السلام) في عهده للأشتر واردد إلى الله
ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور فقد قال الله سبحانه لقوم
أحب ارشادهم يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان
تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول فالراد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه والراد إلى
الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.
وفي الإحتجاج عن الحسين بن علي (عليه السلام) في خطبة طويلة وأطيعونا فان
طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله وطاعة رسوله مقرونة قال الله تعالى أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول وقال
ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله
عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلا قليلا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فان
الإيمان يوجب ذلك ذلك أي الرد خير وأحسن تأويلا من تأويلكم بلا رد.
465

(60) ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك
يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن
يضلهم ضلالا بعيدا.
القمي نزلت في الزبير بن العوام نازع رجلا من اليهود في حديقة فقال الزبير
نرضى بابن شيبة اليهودي وقال اليهود نرضى بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل
الله.
وفي الكافي عن الصادق (عليه الصلاة والسلام) أيما رجل كان بينه وبين أخ
مماراة في حق فدعاه إلى رجل من اخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلا أن يرافعه إلى
هؤلاء كان بمنزلة الذين قال الله ألم تر إلى الذين يزعمون الآية.
وعنه (عليه السلام) أنه سئل عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين
أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك فقال من تحاكم إلى
الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا (1) وإن كان حقه ثابتا لأنه أخذ بحكم الطاغوت
وقد أمر الله أن يكفر به قيل كيف يصنعان قال انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا
ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما
فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا راد
على الله وهو على حد الشرك بالله.
(61) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين
يصدون يعرضون عنك صدودا.
القمي هم أعداء آل محمد (صلوات الله عليهم كلهم) جرت فيهم هذه الآية.
(62) فكيف يكون حالهم إذا أصابتهم مصيبة نالهم من الله عقوبة بما قدمت

(1) السحت هو بضمتين واسكان الثاني تخفيفا كل ما لا يحل كسبه واشتقاقه من السحت وهو الاستيصال يقال
سحته وأسحته أي استأصله ويسمى الحرام به لأنه يعقب عذاب الاستيصال وقيل لأنه بركة وقيل إنه يسحت مروة
الإنسان (مجمع).
466

أيديهم من التحاكم إلى غيرك واظهار السخط لحكمك ثم جاؤوك فيعتذرون إليك
يحلفون بالله إن أردنا بالتحاكم إلى غيرك إلا إحسانا وهو التخفيف عنك وتوفيقا بين
الخصمين بالتوسط ولم نرد مخالفتك.
(63) أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم من الشرك والنفاق فأعرض عنهم
أي لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم.
في الكافي والعياشي عن الكاظم (عليه السلام) فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء
وسبق لهم العذاب وعظهم بلسانك وقل لهم في أنفسهم في شأن أنفسهم أو خاليا بهم فان
النصيحة في السر أنجع قولا بليغا يؤثر فيهم كتخويفهم بالقتل والاستئصال ان ظهر
منهم النفاق.
(64) وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله نبه به على أن الذي لم يرض
بحكمه كافر وان أظهر الإسلام ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم بالنفاق جاؤوك تائبين.
شفيعا لوجدوا الله توابا رحيما لعلموه قابلا لتوبتهم متفضلا عليهم بالرحمة.
(65) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم فيما اختلف بينهم
واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ضيقا
مما حكمت به ويسلموا تسليما وينقادوا لك انقيادا بظاهرهم وباطنهم.
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) لقد خاطب الله أمير المؤمنين (عليه السلام)
في كتابه في قوله ولو أنهم إذ ظلموا وتلا إلى قوله فيما شجر بينهم قال فيما تعاقدوا
عليه لئن أمات الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يردوا هذا الأمر في بني هاشم
ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت عليهم من القتل أو العفو ويسلموا تسليما
القمي جاؤوك يا علي قال هكذا نزلت.
(66) ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم اما بالتعرض للجهاد أو كما فعلت
بنو إسرائيل أو اخرجوا من ديار كم ما فعلوه إلا قليل منهم توبيخ بليغ لهم وقرئ قليلا
467

ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا لإيمانهم. في الكافي عن
الصادق (عليه السلام) ولو أن أهل الخلاف فعلوا.
وعن الباقر (عليه السلام) ما يوعظون به في علي (عليه السلام) قال هكذا نزلت.
(67) وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما.
(68) ولهديناهم صراطا مستقيما يصلون بسلوكه جنات القدس ويفتح لهم
أبواب الغيب فان من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم.
(69) ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين الذين
هم في أعلى عليين والصديقين الذين صدقوا في أقوالهم وأفعالهم والشهداء المقتول
أنفسهم وأبدانهم بالجهاد الأكبر والأصغر والصالحين الذين صلحت حالهم
واستقامت طريقتهم وحسن أولئك رفيقا فيه معنى التعجب كأنه قيل وما أحسن أولئك
رفيقا والرفيق كالصديق يستوي فيه الواحد والجمع، رغب الله المؤمنين في طاعة الله
وطاعة رسوله بهذا الوعد وما أحسنه من وعد رزقنا الله نيله بمنه وجوده.
وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) أعينونا بالورع فإنه من لقي الله تعالى منكم
بالورع كان له عند الله فرجا ان الله عز وجل يقول ومن يطع الله والرسول وتلا الآية ثم
قال فمنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنا الصديق والشهداء والصالحون.
وعن الصادق (عليه السلام) المؤمن مؤمنان مؤمن في الله بشروطه التي اشترطها
عليه فذلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وذلك
ممن يشفع ولا يشفع له وذلك ممن لا يصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة ومؤمن
زلت به قدم فذلك كخامة (1) الزرع كيفما كفأته (2) الريح انكفى وذلك ممن يصيبه
أهوال الدنيا وأهوال الآخرة ويشفع له وهو على خير.
وفيه والعياشي عنه (عليه السلام) لقد ذكركم الله في كتابه فقال أولئك مع الذين

(1) الخامة من الزرع أول ما ينبت على ساق أو الطاقة الغضة منه والشجرة الغضة منه (ق).
(2) كفأت الإناء واكفاته إذا كببته وإذا أمليته (مجمع) كفأه كمنعه صرفه وكبه وقلبه كاكفاه واكتفاه وانكفأ رجع ولو
تغير (ق).
468

أنعم الله الآية فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الآية النبيون ونحن في هذا
الموضع الصديقون والشهداء وأنتم الصالحون فتسموا (1) بالصلاح كما سماكم الله.
والعياشي عن الرضا (عليه السلام) حق على الله أن يجعل ولينا رفيقا للنبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وفي العيون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكل أمة صديق وفاروق
وصديق هذه الأمة وفاروقها علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه).
(70) ذلك الفضل من الله تفضل عليما من الله تبعا لثوابهم وكفى بالله عليما
بمقادير الفضل واستحقاق أهله.
(71) يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم تيقظوا واستعدوا للأعداء والحذر
والحذر بمعنى يقال أخذ حذره إذا تيقظ وتحفظ من المخوف كأنه جعل الحذر آلته
التي يحفظ بها نفسه.
وفي المجمع عن الباقر (عليه السلام) خذوا أسلحتكم سمى الأسلحة حذرا لأن
بها يتقى المحذور فانفروا فاخرجوا إلى الجهاد هذا تفسيره وتأويله إلى الخيرات كلها.
ثبات جماعات متفرقة جمع ثبة أو انفروا جميعا مجتمعين كوكبة (2) واحدة ولا
تتخاذلوا.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) الثبات السرايا والجميع العسكر.
(72) وإن منكم لمن ليبطئن يحتمل اللازم والمتعدي وهم المنافقون فإن
أصابتكم مصيبة كقتل وهزيمة قال أي المبطئ قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم
شهيدا حاضرا فيصيبني ما أصابهم.
القمي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) لو قال هذه الكلمة أهل الشرق
والغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان ولكن الله قد سماهم مؤمنين باقرارهم، وفي

(1) وسمه يسمه وسما فأقسم والوسام والسمة بكسرهما ما وسم به الحيوان (ق).
(2) الكوكبة الجماعة (ق).
469

رواية سماهم مؤمنين وليسوا هم بمؤمنين ولا كرامة.
(73) ولئن أصابكم فضل من الله كفتح وغنيمة ليقولن تحسرا كأن لم تكن
بينكم وبينه مودة اعتراض بين القول والمقول يا ليتني يا قوم ليتني كنت معهم فأفوز
فوزا عظيما نبه بالاعتراض على ضعف عقيدتهم وان قولهم هذا قول من لا مواصلة
بينكم وبينه وإنما يريد أن يكون معكم لمجرد المال.
(74) فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة يعني
المخلصين الباذلين أنفسهم في طلب الآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو
يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما قيل وعد له الأجر العظيم غلب أو غلب ترغيبا في
القتال وتكذيبا لقولهم قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا وإنما قال فيقتل أو
يغلب تنبيها على أن المجاهد ينبغي أن يثبت في المعركة حتى يعز نفسه بالشهادة أو
الدين بالظفر والغلبة وأن لا يكون قصده بالذات إلى القتل بل إلى إعلاء الحق وإعزاز
الدين.
في الكافي وغيره عن الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
فوق كل بربر حتى يقتل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر.
وعنه (عليه السلام) من قتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئا من سيئاته.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للشهيد سبع خصال من الله أول قطرة من
دمه مغفور له كل ذنب والثانية يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين وتمسحان
الغبار عن وجهه تقولان مرحبا بك ويقول هو مثل ذلك لهما والثالثة يكسى من كسوة
الجنة والرابعة يبتدر (1) خزنة الجنة بكل ريح طيبة أيهم يأخذه منه والخامسة أن يرى
منزله والسادسة يقال لروحه أسرع في الجنة حيث شئت والسابعة أن ينظر في وجه الله
وأنها الراحلة لكل نبي وشهيد.
(75) وما لكم وأي عذر لكم لا تقاتلون في سبيل الله في طاعته واعزاز دينه

(1) تبتدره خزنة الجنة أي يسرعون إليه (م).
470

واعلاء كلمته والمستضعفين وفي سبيل المستضعفين بتخليصهم عن الأسر وصونهم
عن العدو أو في خلاصهم أو نصب على الإختصاص فان سبيل الله يعم كل خير وهذا
أعظمها من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية
الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا قيل هم الذين
أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم (1) يلقون منهم الأذى
فكانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه فيسر لبعضهم الخروج إلى المدينة وبقي
بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم خير ولي وخير ناصر وهو محمد (صلى الله عليه
وآله وسلم) فولاهم أحسن التولي ونصرهم أعز النصر وكانوا قد أشركوا صبيانهم في
دعائهم استنزالا برحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا.
العياشي عنهما (عليهما السلام) في هذه الآية قالا نحن أولئك.
(76) الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله فيما يصلون به إلى الله والذين كفروا
يقاتلون في سبيل الطاغوت فيما يبلغ بهم إلى الشيطان فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد
الشيطان كان ضعيفا ترغيب للمؤمنين إلى القتال وتشجيع لهم وتنبيه لهم على أنهم
أولياء الله وأنه ناصرهم.
(77) ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم عن القتال وأقيموا الصلاة وآتوا
الزكاة واشتغلوا بما أمرتم به وذلك حين كانوا بمكة وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) كفوا أيديكم يعني كفوا ألسنتكم وقال أما
ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا وتدخلوا الجنة.
وعن الباقر (عليه السلام) أنتم والله أهل هذه الآية فلما كتب عليهم القتال إذا
فريق منهم يخشون الناس كخشية الله يخشون الكفار أن يقتلوهم كما يخشون الله أن
ينزل عليهم بأسه أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل
قريب.

(1) واظهر الناس أوساطهم ومنه الحديث الأئمة تتقلب في الأرض بين أظهر كم أي في أوساطكم ومثله أقاموا بين
ظهرانيهم وبين أظهر هم أي بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم وزيدت فيه الف ونون مفتوحة تأكيدا ومعناه
ظهرانيهم قدامهم وظهرانيهم ورائهم فهم مكنوفون من جوانبهم إذا ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا (مجمع).
471

في الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) كفوا أيديكم مع الحسن كتب عليهم
القتال مع الحسين (عليهم السلام) إلى أجل قريب إلى خروج القائم فان معه الظفر قل
متاع الدنيا قليل سريع التقضي والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ولا ينقصون
أدنى شئ من ثوابكم فلا ترغبوا عنه وقرى ء بالغيبة.
(78) أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة في قصور
مجصصة أو مرتفعة وإن تصبهم حسنة أي نعمة كخصب (1) يقولوا هذه من عند الله
وإن تصبهم سيئة أي بلية كقحط يقولوا هذه من عندك يطيروا بك قل كل من عند الله
يبسط ويقبض حسب ارادته فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا فيعلموا ان الله
هو الباسط القابض وأفعاله كلها صادرة عن حكمة وصواب.
(79) ما أصابك يا انسان من حسنة من نعمة فمن الله تفضلا منه وامتنانا
وامتحانا فان كل ما يأتي به العبد من عبادة فلا يكافي صغرى نعمة من أياديه وما
أصابك من سيئة من سيئة من بلية فمن نفسك لأنها السبب فيها لاستجلابها بالمعاصي وهو لا
ينافي قوله قل كل من عند الله فان الكل منه ايجادا وإيصالا غير أن الحسنة احسان
وامتحان والسيئة مجازاة وانتقام قال الله تعالى ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت
أيديكم ويعفوا عن كثير.
القمي عنهم (عليهم السلام) إن الحسنات في كتاب الله على وجهين أحدهما
الصحة والسلامة والسعة في الرزق والآخر الأفعال كما قال تعالى من جاء بالحسنة فله
عشر أمثالها، وكذلك السيئات فمنها الخوف والمرض والشدة ومنها الأفعال التي
يعاقبون عليها.
وفي التوحيد عن الصادق (عليه الصلاة السلام) كما أن بادي النعم من الله عز
وجل نحلكموه (2) فكذلك الشر من أنفسكم وان جرى به قدره.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال الله: ابن آدم بمشيتي كنت أنت

(1) الخصب بالكسر كحمل: النماء والبركة وهو خلاف الجدب (مجمع).
(2) نحلة أي أعطاه ووهبه من طيب نفس بلا توقع عوض (م).
472

الذي تشاء لنفسك ما تشاء وبقوتي أديت فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي
جعلتك سميعا بصيرا قويا ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن
نفسك وذلك أني أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني وذلك أني لا
أسئل عما أفعل وهم يسألون.
والعياشي ما يقرب منه وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا على ذلك
فما ينبغي لأحد أن يخرج من طاعتك.
(80) ومن يطع الرسول فقد أطاع الله لأنه في الحقيقة مبلغ والآمر والناهي
هو الله وروي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني
فقد أطاع الله فقال المنافقون لقد قارف الشرك (1) وهو ينهى عنه ما يريد الا أن نتخذه
ربا كما اتخذت النصارى عيسى فنزلت.
وفي الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) ذروة (2) الأمر وسنامه ومفتاحه
وباب الأشياء ورضاء الرحمن الطاعة للامام بعد معرفته ثم قال إن الله تبارك وتعالى
يقول من يطع الرسول فقد أطاع الله.
أقول: الامام في هذا الحديث يشمل الرسول وحكم سائر الأئمة حكمه لأنهم خلفاؤه جميعا وذلك لأن الإمام (عليه السلام) مبلغ كما أن الرسول مبلغ ومن تولى
أعرض عن طاعته فما أرسلناك عليهم حفيظا تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها
إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.
(81) ويقولون إذا أمرتهم بأمر طاعة أمرنا وشأننا طاعة فإذا برزوا من عندك
خرجوا بيت طائفة منهم دبروا ليلا غير الذي تقول خلاف ما قلت وأمرت به أو خلاف
ما قالت لك من القبول وضمان الطاعة والله يكتب ما يبيتون (3) يثبته في صحايفهم
للمجازات فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا يكفيك الله شرهم.

(1) قرف الذنب واقترفه عمله وقارف الذنب وغيره إذا داناه ولاصقه وان شئت إذا أتاه وفعله (م).
(2) والذروة بالكسر والضم من كل شئ أعلاه وسنام كل شئ أعلاه أيضا ومنه الحديث ذروة الإسلام وسنامه
الجهاد.
(3) بيت فلان رأيه إذا فكر فيه ليلا وقدره ومنه إذ يبيتون ما لم يرض من القول (مجمع).
473

(82) أفلا يتدبرون القرآن يتأملون في معانيه ويتبصرون ما فيه ولو كان من عند
غير الله من كلام البشر كما زعموه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا من تناقض المعاني
وتفاوت النظم وخروج بعضه عن الفصاحة وعن مطابقة الواقع إلى غير ذلك.
(83) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف مما يوجب الأمن أو الخوف أذاعوا
به أفشوه قيل كان قوم من ضعفة المسلمين إذا بلغهم خبر عن سرايا (1) رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) أو أخبرهم الرسول بما أوحي إليه من وعد بالظفر أو تخويف
من الكفرة أذاعوه وكانت إذاعتهم مفسدة ولو ردوه ردوا ذلك الأمر إلى الرسول وإلى
أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم قيل أي يستخرجون تدبيره بتجاربهم
وأنظارهم.
في الجوامع عن الباقر (عليه السلام) هم الأئمة المعصومون (عليهم السلام).
والعياشي عن الرضا (عليه السلام) يعني آل محمد (صلوات الله عليهم) وهم الذين
يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام وهم حجة الله على خلقه.
وفي الإكمال عن الباقر (عليه السلام) من وضع ولاية الله وأهل استنباط علم الله
في غير أهل الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله عز وجل وجعل الجهال ولاة
أمر الله والمتكلفين بغير هدى وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فكذبوا على الله
وزاغوا عن وصية الله وطاعته فلم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى
فضلوا وأضلوا اتباعهم فلا تكون لهم يوم القيامة حجة ولولا فضل الله عليكم ورحمته
بارسال الرسل وانزال الكتب.
في الجوامع عنهم (عليهم السلام) فضل الله ورحمته النبي وعلي (صلوات الله
عليهما).
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) فضل الله رسوله ورحمته الأئمة.

(1) وفي الحديث فبعث سرية هي بفتح السين فعيلة فاعلة بمعنى القطعة من الجيش من خمس أنفس إلى ثلاثمائة وأربعمأة
توجه مقدم الجيش إلى العدو، والجمع سرايا وسرايات مثل عطية وعطايات، قيل سموا بذلك لأنهم يكونون
خلاصة العسكر وخيارهم أو من الشئ السري النفيس وقيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا أو خفية قال في النهاية وليس
بالوجه لأن لام السر رآه وهذه ياء (مجمع).
474

وعن الكاظم (عليه السلام) الرحمة رسول الله والفضل علي بن أبي طالب (عليه
السلام) لا تبعتم الشيطان بالكفر والضلال قليلا وهم أهل البصائر النافذة.
(84) فقاتل في سبيل الله إن تركوك وحدك لا تكلف إلا نفسك فتقدم إلى
الجهاد وان لم يساعدك أحد فان الله ينصرك لا الجنود.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) ان الله كلف رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) ما لم يكلف أحدا من خلقه كلفه ان يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه ان لم
يجد فئة تقاتل معه ولم يكلف هذا أحدا من خلقه قبله ولا بعده ثم تلا هذه الآية.
والعياشي ما في معناه. روي أن أبا سفيان يوم أحد لما رجع واعد رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) موسم بدر الصغرى فكره الناس وتثاقلوا حين بلغ الميعاد
فنزلت فخرج النبي وما معه إلا سبعون ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده وحرض
المؤمنين إذ ما عليك في شأنهم إلا التحريض عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا
وهم قريش وقد كف بأسهم بأن بدا لأبي سفيان وقال هذا عام مجدب وانصرف النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) بمن معه سالمين والله أشد بأسا من قريش وأشد تنكيلا
تعذيبا تهديد وتقريع (1) لمن لم يتبعه.
(85) من يشفع شفاعة حسنة راعى بها حق مسلم إما بدفع شر عنه أو جلب
خير إليه ابتغاء لوجه الله. ومنها الدعاء للمسلم يكن له نصيب منها ثوابا لها ومن
يشفع شفاعة سيئة وهي ما كان خلاف ذلك ومنها الدعاء على المؤمن يكن له كفل منها
نصيب من وزرها مساو لها في القدر فان الكفل النصيب والمثل وكان الله شئ
مقيتا (2) مقتدرا وحفيظا يعطي على قدر الحاجة فان المقيت جاء بالمعنيين.
في الخصال عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم الصلاة والسلام) عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو دل على خير أو
أشار به فهو شريك، ومن أمر بسوء أو دل عليه أو أشار به فهو شريك.

(1) التفريع: التعنيف عنفه تعنيفا أي لامه وعتب عليه والتعنيف التعبير واللوم (م).
(2) قيل المقيت المقتدر المعطى أقوات الخلائق من اقاته أعطاه قوته وهي لفة في قاته والمقيت من أسمائه تعالى وهو
المقتدر والحافظ والشاهد (مجمع).
475

وفي الجوامع عنه (عليه السلام) من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له
وقال له الملك ولك مثلاه في ذلك النصيب.
وفي الكافي عن السجاد (عليه السلام) أن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو
لأخيه بظهر الغيب ويذكره بخير قالوا نعم الأخ أنت لأخيك تدعو له بالخير وهو غائب
عنك وتذكره بخير قد أعطاك الله تعالى مثلي ما سألت له وأثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه
ولك الفضل عليه وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا بئس الأخ أنت لأخيك
كف أيها المستر على ذنوبه وعورته وأربع (1) على نفسك واحمد الله الذي ستر عليك
واعلم أن الله أعلم بعبده منك.
أقول: أربع على نفسك أي قف وامسك ولا تتعب نفسك من ربع كمنع.
(86) وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها.
القمي قال السلام وغيره من لبر.
وفي الخصال عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا عطس أحدكم قولوا يرحمكم
الله ويقول هو يغفر الله لكم ويرحمكم قال الله تعالى وإذا حييتم بتحية الآية.
وفي المناقب جاءت جارية للحسن (عليه السلام) بطاق ريحان فقال (عليه السلام)
أنت حرة لوجه الله فقيل له في ذلك فقال أدبنا الله تعالى فقال وإذا حييتم بتحية الآية
وكان أحسن منها إعتاقها.
وفي الكافي عن الصادق (عليه الصلاة والسلام) قال قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم السلام) تطوع والرد فريضة.
وعنه (عليه السلام) إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم وإذا رد واحد أجزأ عنهم.
وعنه (عليه السلام) القليل يبدؤون الكثير بالسلام والراكب يبدأ الماشي،
وأصحاب البغال يبدؤون أصحاب الحمير وأصحاب الخيل يبدؤون أصحاب
البغال. وفي رواية يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد وفي أخرى إذا لقيت

(1) ربع كمنع وقف (ق).
476

جماعة جماعة يسلم الأقل على الأكثر وإذا لقي واحد جماعة يسلم الواحد على
الجماعة.
وعنه (عليه السلام) ومن التواضع أن تسلم على من لقيت وقال البخيل من بخل
بالسلام.
وعنه (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى الناس بالله وبرسوله
من بدأ بالسلام.
وعن الباقر (عليه السلام) ان الله يحب افشاء السلام.
أقول الإفشاء أن يسلم على من لقي كائنا من كان.
وعن الصادق (عليه السلام) ثلاثة يرد عليهم رد الجماعة وإن كان واحدا فان معه غيره.
أقول: أراد بالرد ما يشمل الابتداء وبالغير في آخر الحديث الملائكة والرد
بالأحسن في السلام أن يضيف ورحمة الله فان قالها المسلم أضاف وبركاته وهي
النهاية فيرد بالمثل.
ففي الكافي عن الباقر (عليه السلام) قال مر أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه
عليه) بقوم فسلم عليهم فقالوا عليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه فقال
لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) لا تجاوزوا بنا ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم (عليه
السلام) إنما قالوا ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت.
وروي أن رجلا قال لرسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم السلام) عليك فقال وعليك السلام ورحمة الله، وقال آخر
السلام عليك ورحمة الله فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وقال آخر: السلام
عليك ورحمة الله وبركاته فقال وعليك فقال الرجل نقصتني فأين ما قال الله وتلا الآية
فقال إنك لم تترك لي فضلا ورددت عليك مثله.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) من قال السلام عليكم فهي عشر حسنات
477

ومن قال السلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون حسنة ومن قال السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته فهي ثلاثون حسنة.
وعنه (عليه السلام) من تمام التحية للمقيم المصافحة (1) وتمام التسليم على
المسافر المعانقة (2).
وعنه (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا تبدؤوا أهل الكتاب
بالتسليم وإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم.
وعن الصادق (عليه السلام) ثلاثة لا يسلمون الماشي إلى الجمعة وفي بيت
الخلاء وفي حمام.
وفي الخصال عنه عن أبيه (عليه السلام) لا تسلموا على اليهود ولا على النصارى
ولا على المجوس ولا على عبدة الأوثان ولا على موائد شراب الخمر ولا على
صاحب الشطرنج والنرد ولا على المخنث (3) ولا على الشاعر الذي يقذف
المحصنات ولا على المصلي وذلك أن المصلي لا يستطيع أن يرد السلام لأن
التسليم من المسلم تطوع والرد عليه فريضة ولا على آكل الربا ولا على رجل جالس
على غائط ولا على الذي في الحمام ولا على الفاسق المعلن بفسقه إن الله كان على
كل شئ حسيبا يحاسبكم على التحية وغيرها.
(87) الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من
الله حديثا إنكار.
(88) فما لكم في المنافقين فئتين فما لكم تفرقتم فيهم فرقتين ولم تتفقوا
على كفرهم.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام نزلت في قوم قدموا من مكة وأظهروا
الإسلام ثم رجعوا إلى مكة فأظهروا الشرك ثم سافروا إلى اليمامة فاختلف المسلمون

(1) المصافحة الأخذ باليد كالتصافح (قاموس).
(2) المعانقة هو أن يضع كل من الشخصين يده على عنق صاحبه ويضمه إليه (م).
(3) المخنث بفتح النون والتشديد وهو من يوطأ في دبره لما فيه من الانخناث وهو التكسر والتثني (م).
478

في عزوهم لاختلافهم في اسلامهم وشركهم والله أركسهم (1) ردهم في الكفر بأن
خذلهم فارتكسوا بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله أن تجعلوه من المهتدين
ومن يضلل الله فلن له سبيلا إلى الهدى.
(89) ودوا لو تكفرون كما كفروا تمنوا أن تكفروا ككفر هم فتكونون سواء في
الضلال.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في حديث وان لشياطين الانس حيلة ومكرا
وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون ان استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما
أكرمهم الله به من النصرة في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من أهله إرادة
أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والإنكار والتكذيب فيكونون سواء كما
وصف الله تعالى في كتابه ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم
أولياء هي لله لا لغرض من أغراض الدنيا فإن تولوا عن الإيمان المصاحب للهجرة
المستقيمة فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم كسائر الكفرة ولا تتخذوا منهم وليا
ولا نصيرا أي جانبوهم رأسا ولا تقبلوا منهم ولاية ولا نصرة.
(90) إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق استثناء من قوله فخذوهم
واقتلوهم أي الا الذين ينتهون إلى قوم عاهدوكم عهدا ويفارقون محاربتكم.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) هو هلال بن عويمر الأسلمي واثق عن قومه
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال في موادعته على أن لا نحيف (2) يا محمد
من أتانا ولا تحيف من أتاك فنهى الله سبحانه أن يعرض لأحد عهد إليهم أو جاؤوكم
حصرت صدورهم ضاقت.

(1) والله أركسهم بما كسبوا أي ردهم إلى كفرهم بأعمالهم من الركس وهو رد الشئ مقلوبا وأركسته بالألف رددته
على رأسه وركسه وأركسه بمعنى وركست الشئ ركسا من باب قتل أي قلبته ورددت أوله على آخره وارتكس فلان في أمر
قد نجا منه (م).
(2) في الحديث انا معاشر الأنبياء لا نشهد على الحيف يعني على الظلم والجور كان يشهد على من ينحل بعض أولاده
دون بعض أو على من يطلق لغير السنة وعلى الرباء ونحو ذلك والحائف في حكمه الجائر فيه وقد حاف بحيف أي جار ومنه
الحيف في الوصية من الكبائر وقد فسر بالوصية بالثلث ولعله يريد المبالغة (مجمع).
479

العياشي عن الصادق (عليه السلام) هو الضيق أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) نزلت في بني مدلج جاؤوا إلى رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا انا قد حصرت صدورنا أن نشهد أنك رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) فلسنا معك ولا مع قومنا عليك فواعدهم إلى أن يفرغ من العرب
ثم يدعوهم فإن أجابوا والا قاتلهم.
القمي في قوله عز وجل ودوا لو تكفرون كما كفروا إلى آخر الآية نزلت في
أشجع (1) وبني ضمرة (2) وكان خبرهم أنه لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) إلى بدر لموعد مر قريبا من بلادهم وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
صادر (3) بني ضمرة ووادعهم (4) قبل ذلك فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) يا رسول الله هذه بنو ضمرة قريبا منا ونخاف أن يخالفونا إلى المدينة أو يعينوا
علينا قريشا فلو بدأنا بهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلا إنهم أبر
العرب بالوالدين وأوصلهم للرحم وأوفاهم بالعهد وكانت أشجع بلادهم قريبا من بلاد
بني ضمرة وهم بطن من كنانة وكانت أشجع بينهم وبين بني ضمرة حلف بالمراعاة
والأمان فأجدبت بلاد أشجع وأخصبت بني ضمرة فصارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة
فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسيرهم إلى بني ضمرة تهيأ للمصير إلى
أشجع فيغزوهم للموادعة التي كانت بينه وبين بني ضمرة فأنزل الله ودوا لو تكفرون
كما كفروا الآية. ثم استثنى بأشجع فقال الا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم
ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم الآية. وكانت
أشجع محالها البيضاء والجبل والمستباح وقد كانوا قربوا من رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) فهابوا لقربهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبعث إليهم من
يغزوهم وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد خافهم أن يصيبوا من أطرافه شيئا
فهم بالمسير إليهم فبينا هو على ذلك إذ جاءت أشجع ورئيسها مسعود بن رحيلة وهم

(1) أشجع بن ريث بن غطفان أبو قبيلة (ق).
(2) بنو ضمرة رهط عمرو بن أمية الضمري (ق).
(3) صادره على كذا: طالبه به (ق).
(4) وادعهم: صالحهم ونوادعا تصالحا (ق).
480

سبعمائة فنزلوا شعب سلع (1) وذلك في شهر ربيع سنة ست فدعا رسول الله أسيد بن
حصين فقال له اذهب في نفر من أصحابك حتى تنظر ما أقدم أشجع فخرج أسيد ومعه
ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم فقال ما أقدمكم فقام إليه مسعود بن رحيلة وهو
رئيس أشجع فسلم على أسيد وعلى أصحابه وقالوا جئنا لنوادع محمدا (صلى الله عليه
وآله وسلم) فرجع أسيد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) خاف القوم أن أغزوهم فأرادوا الصلح بيني وبينهم ثم بعث
إليهم بعشرة أجمال تمر فقدمها أمامه ثم قال نعم الشئ الهدية امام الحاجة ثم أتاهم
فقال يا معشر أشجع ما أقدمكم قالوا قربت دارنا منك وليس في قومنا أقل عددا منا
فضقنا لحربك لقرب دارنا وضقنا لحرب قومنا لقلتنا فيهم فجئنا لنوادعك فقبل النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك منهم وأودعهم فأقاموا يومهم ثم رجعوا إلى بلادهم
وفيهم نزلت هذه الآية الا الذين يصلوا الآية ولو شاء الله لسلطهم عليكم بأن قوى
قلوبهم وبسط صدورهم وأزال الرعب عنهم فلقاتلوكم ولم يكفوا عنكم فإذا اعتزلوكم
فلم يقاتلوكم فإن لم يتعرضوا لكم وألقوا إليكم السلم الاستسلام والانقياد فما جعل
الله لكم عليهم سبيلا فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم.
القمي عن الصادق (عليه السلام) كانت السيرة من رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) قبل نزول سورة البراءة ألا يقاتل إلا من قاتله ولا يحارب إلا من حاربه وأراده
وقد كان نزل في ذلك من الله سبحانه فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم
فما جعل الله لكم عليهم سبيلا وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يقاتل
أحدا قد تنحى عنه واعتزله حتى نزلت عليه سورة براءة وأمر بقتل المشر كين من
اعتزله ومن لم يعتزله الا الذين قد كان عاهدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
يوم فتح مكة إلى مدة منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحديث طويل وهو
مذكور بتمامه في سورة براءة.
(91) ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم قيل كانوا يظهرون

(1) سلع جبل بالمدينة وقول الجول الجوهري السلع خطأ لأنه علم وجبل لهذيل وحصن بوادي موادي موسى من عمل الشويك
(ق).
481

الإسلام ليأمنوا المسلمين فإذا رجعوا إلى كفروا.
في المجمع، عن الصادق (عليه السلام) نزلت في عيينة بن حصين الفزاري
أجدبت بلادهم فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووادعه على أن يقيم
ببطن (1) نجل ولا يتعرض له وكان منافقا ملعونا وهو الذي سماه رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) الأحمق المطاع.
والقمي مثله كل ما ردوا إلى الفتنة دعوا إلى الكفر وإلى قتال المسلمين أركسوا
فيها عادوا إليها وقلبوا فيها أقبح قلب فإن لم تعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا
أيديهم فإن لم يعتزل هؤلاء قتالكم ولم يستسلموا لكم ولم يكفوا أيديهم عن قتالكم.
فخذوهم فأسروهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم حيث تمكنتم منهم وأولئكم جعلنا
لكم عليهم سلطانا مبينا تسلطا ظاهرا وحجة واضحة في التعرض لهم بالقتل والسبي
لظهور عداوتهم وكفرهم وغدرهم.
(92) وما كان لمؤمن وما صح لمؤمن ولا استقام له وما لاق بحاله أن يقتل.
مؤمنا بغير حق إلا خطئا لأنه في عرضة الخطأ.
والقمي يعني ولا خطأ.
في المجمع، عن الباقر (عليه الصلاة والسلام) نزلت في عياش (2) بن أبي ربيعة
المخزومي أخي أبي جهل لأنه كان أسلم وقتل بعد إسلامه رجلا مسلما وهو لم يعلم
باسلامه وكان المقتول الحارث بن يزيد أبو نبيشة (3) العامري قتله بالحرة (4) بعد
الهجرة وكان أحد من رده عن الهجرة وكان يعذب عياشا مع أبي جهل ومن قتل مؤمنا

(1) بطن نخل بين مكة والطائف (مجمع).
(2) عياش بن أبي ربيعة صحابي (قاموس).
(3) وبنيشة والخير وهوذة بن بنيشة صحابيان (قاموس).
(4) الحرة بالفتح والتشديد أرض ذات حجارة ومنه حرة المدينة والجمع حرار مثل كلبة وكلاب ويوم الحرة معروف
وهو يوم قاتل عسكر يزيد بن معاوية لعنه الله أهل المدينة ونهبهم وكان المتأمر عليهم مسلم بن عقبة وعقيبها هلاك يزيد،
قتل فيه خلق كثير من المهاجرين والأنصار (مجمع).
482

خطئا فتحرير رقبة فعليه تحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين الله كذا عن الصادق (عليه
السلام) رواه العياشي.
وفي الكافي والعياشي عنه (عليه السلام) كل العتق يجوز فيه المولود إلا في كفارة
القتل فان الله عز وجل يقول فتحرير رقبة مؤمنة يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث (1).
والعياشي عن الكاظم (عليه السلام) سئل كيف تعرف المؤمنة قال على
الفطرة (2) ودية مسلمة إلى أهله مؤداة إلى أولياء المقتول إلا أن يصدقوا يتصدقوا
عليه بالدية سمى العفو عن الدية صدقة حثا عليه وتنبيها على فضله.
وفي الحديث كل معروف صدق.
العياشي سئل الصادق (عليه السلام) عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة وهو
الرجل يضرب الرجل ولا يتعمد قتله قال نعم قيل فإذا رمى شيئا فأصاب رجلا قال
ذلك الخطأ الذي لا شك فيه وعليه الكفارة والدية فإن كان من قوم عدو لكم وهو
مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة.
في الفقيه عن الصادق (عليه السلام في رجل مسلم في أرض الشرك فقتله
المسلمون ثم علم به الإمام بعد فقال يعتق مكانه رقبة مؤمنة وذلك قول الله عز وجل
فإن كان من قوم عدو لكم الآية، وزاد العياشي وليس عليه دية وأن كان من قوم كفرة
بينكم وبينهم ميثاق عهد فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة يلزم قاتله كفارة
لقتله كذا في المجمع عن الصادق (عليه السلام) فمن لم يجد رقبة بأن لا يملكها ولا ما
يتوصل به إليها فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله بحاله عليما حكيما فيما
أمر في شأنه.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين
فأفطر أو مرض في الشهر الأول فان عليه أن يعيد الصيام وإن صام الشهر الأول وصام

(1) الحنث بكسر الحاء الذنب وقيل الشرك وقيل الإثم ومنه حنث في يمينه يقال حنث في يمينه حنثا إذا لم يف بموجبها
فهو حانث قال في النهاية وكأنه من الحنث الإثم والمعصية وغلام لم يدرك الحنث أي لم يجر عليه القلم (مجمع).
(2) الظاهران المراد بالخبر الأول في غير المتولد من المسلم والثاني فيه فلا تنافي بينهما.
483

من الشهر الثاني شيئا ثم عرض له ماله فيه عذر فعليه أن يقضي.
أقول: يعني يقضي ما بقي عليه.
(93) ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه
وأعد له عذابا عظيما.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن المؤمن يقتل
المؤمن متعمدا أله توبة فقال إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له وإن كان قتله لغضب أو
لسبب شئ من أشياء الدنيا فإن توبته أن يقاد منه وان لم يكن علم به انطلق إلى أولياء
المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم فان عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية واعتق نسمة
وصام شهرين متتابعين واطعم ستين مسكينا توبة إلى الله عز وجل.
وعنه (عليه السلام) لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما،
وقال لا يوفق قاتل المؤمن متعمدا للتوبة.
وفيه وفي المعاني والعياشي عنه (عليه السلام) من قتل مؤمنا على دينه فذلك
المتعمد الذي قال الله عز وجل في كتابه، وأعد له عذابا عظيما، قيل والرجل يقع
بين الرجل وبينه شئ فيضربه بالسيف فيقتله قال ليس ذلك المتعمد الذي قال الله عز
وجل فجزاؤه جهنم.
وفي المعاني في قوله تعالى فجزاؤه (1) جهنم خالدا فيها قال إن جازاه.
(94) يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله سافرتم للغزو فتبينوا فاطلبوا
بيان الأمر وميزوا بين الكافر والمؤمن وقرئ فتثبتوا في الموضعين أي توقفوا وتأنوا
حتى تعلموا من يستحق القتل والمعنيان. متقاربان يعني لا تعجلوا في القتل لمن اظهر
اسلامه ظنا منكم بأنه لا حقيقة لذلك ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لمن حياكم
بتحية السلام وقرئ، السلم بغير الف وهما بمعنى الاستسلام والانقياد وفسر السلام
بتحية الإسلام أيضا.

(1) وعلى هذا فجزاؤه جواب.
484

والعياشي نسب قراءة السلام إلى الصادق (عليه السلام) لست مؤمنا وإنما فعلت
ذلك خوفا من القتل تبتغون عرض الحياة الدنيا تطلبون ماله الذي هو حطام سريع
الزوال وهو الذي يبعثكم على العجلة وترك التثبت فعند الله مغانم كثيرة تغنيكم عن قتل
أمثاله لماله كذلك كنتم من قبل أول ما دخلتم في الإسلام وتفوهتم بكلمتي الشهادة
فتحصنت بها دماؤكم وأموالكم من غير أن تعلم مواطاة قلوبكم ألسنتكم فمن الله
عليكم بالاشتهار بالإيمان والاستقامة في الدين فتبينوا وافعلوا بالداخلين في الإسلام
كما فعل الله بكم ولا تبادروا إلى قتلهم ظنا بأنهم دخلوا فيه اتقاء وخوفا وتكريرها تأكيد
لتعظيم الأمر وترتيب الحكم على ما ذكر من حالهم إن الله كان بما تعملون خبيرا
عالما به وبالغرض منه فلا تتهافتوا (1) في القتل واحتاطوا فيه.
القمي نزلت لما رجع رسول الله من غزوة خيبر وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى
بعض اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام وكان رجل من اليهود يقال له
مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى فلما أحس بخيل رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) جمع ماله وأهله وصار في ناحية الجبل فأقبل يقول أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمر به أسامة بن زيد فطعنه
فقتله فلما رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبره بذلك فقال له رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله فقال يا
رسول الله إنما قالها تعوذا من القتل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أفلا
شققت الغطاء عن قلبه لا ما قال بلسانه قبلت ولا ما كان في نفسه علمت فحلف أسامة
بعد ذلك أن لا يقاتل أحدا قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) فتخلف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه وأنزل الله في ذلك
ولا تقولوا لمن القى إليكم السلام الآية.
أقول: في هذا الخبر ما يدل على نفاق أسامة وابتغائه عرض الحياة الدنيا
وكفى في ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا ما كان في نفسه علمت عذرا

(1) التهافت التساقط والتتابع، والتهافت التساقط شيئا فشيئا (م) والمراد لا ترتكبوا القتل من غير روية.
485

لأمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه فإنه كان قد علم ذلك من الله ومن رسوله على
أن طاعة الإمام (عليه السلام) واجبة فلا عذر لأسامة في تخلفه عنه. وفي رواية العامة
أن مرداسا أضاف إلى الكلمتين السلم عليكم وهي تؤيد قراءة السلام وتفسيره بتحية
الإسلام.
(95) لا يستوي القاعدون عن الحرب من المؤمنين غير أول الضرر الأصحاء
وقرئ منصوبا أي حال خلوهم من الضرر المانع من الخروج.
في المجمع نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة ومرارة بن ربيع من بني
عمرو بن عوف وهلال بن أمية من بني واقف تخلفوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) يوم تبوك (1) وعذر الله اولي الضرر وهو عبد الله بن أم مكتوم قال رواه أبو حمزة
الثمالي في تفسيره.
وفي العوالي روى زيد بن ثابت أنه لم يكن في آية نفي المساواة بين
المجاهدين والقاعدين استثناء غير اولي الضرر فجاء ابن أم مكتوم وكان أعمى وهو
يبكي فقال يا رسول الله كيف بمن لا يستطيع الجهاد فغشيه الوحي ثانيا ثم سرى (2)
عنه (عليه السلام).
فقال اقرأ غير أولي الضرر فالحقتها والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها
عند صدع (3) في الكتف (4) والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ترغيب
للقاعد في الجهاد فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا

(1) تبوك كرسول موضع بالشام منه إلى المدينة أربع عشرة مرحلة والى دمشق احدى عشرة ومنه غزوة تبوك (م).
(2) سرى عنه: انكشف (ق).
(3) الصدع: الكسر والشق والقطع والتفرق والاجتماع الشديد بحيث كان أن ينقطع المجتمع من شدة الاجتماع
والإبانة والإظهار والايضاح الأمر بحيث لا يخالطه ريب وكل محتمل في المقام فتأمل جيدا.
(4) المراد بالكتف عظم الكتب فإنه ربما تكتب الآيات وقت نزولها على كتف مكان القرطاس ثم يثبت في مكان آخر
ويصدع الكتف كعبه وهو محل إبانته وبالملحق بفتح الحاء مع فتح الميم وضمها محل اللحوق والالحاق يعني لما امتلأ الكتف
بصفحة من الآيات السابقة فلم يكن محل لالحاق هذه الآية الا عند صدع الكتف وهو كعبه فالحقتها بها ثابتة فيه.
486

من القاعدين والمجاهدين وعد الله الحسنى المثوبة الحسنى وهي الجنة، لحسن
عقيدتهم وخلوص نيتهم.
في الجوامع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد خلفتم في المدينة أقواما ما
سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم وهم الذين صحت نياتهم ونصحت
جيوبهم وهوت أفئدتهم إلى الجهاد وقد منعهم من المسير ضرر أو غيره وفضل الله
المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما.
(96) درجات منه ومغفرة ورحمة
في المجمع جاء في الحديث أن الله سبحانه فضل المجاهدين على القاعدين
سبعين درجة بين كل درجتين مسيرة سبعين خريفا (1) للفرس الجواد المضمر (2) قيل
كرر تفضيل المجاهدين وبالغ فيه اجمالا وتفصيلا تعظيما للجهاد وترغيبا فيه وقيل
الأول: ما خولهم (3) في الدنيا من الغنيمة والظفر وجميل الذكر والثاني ما جعل لهم في
الآخرة وقيل الدرجة ارتفاع منزلتهم عند الله والدرجات منازلهم في الجنة.
وقيل القاعدون الأول هم الأضراء (4) والقاعدون الثاني هم الذين أذن لهم في
التخلف اكتفاء بغيرهم. وقيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار والآخرون من

(1) في الحديث فقراء أمتي يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا الخريف الزمان المعروف من فصول السنة ما
بين الصيف والشتاء وهو بحساب المنجمين أحد وتسعون يوما وثمن وهو نصف آب وايلول وتشرين الأول ونصف تشرين
الثاني قيل والمراد من قوله (عليه السلام) بأربعين خريفا أربعون سنة لأن الخريف لا يكون في السنة الا مرة واحدة فإذا
انقضى أربعون خريفا فقد مضت أربعون سنة وفي معاني الأخبار الخريف سبعون سنة. ومنه ما روى من رئيس المحدثين
باسناده إلى أبي جعفر (ع) قال قال إن عبدا مكث في النار سبعين خريفا والخريف سبعون سنة انتهى. وفي مواضع من كتب
الحديث الخريف الف عام والعام الف سنة. وفي بعض الروايات قلت وما الخريف جعلت فداك قال زاوية في الجنة يسير
الراكب فيها أربعين عاما (مجمع).
(2) قال في القاموس ضمر الخيل تضميرا علفها القوت بعد السمن كأضمرها. وفي المجمع تضمير الخيل أن يظاهر
عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا يعلف الا قوتا لتخف وذلك في مدة أربعين يوما إلى أن قال وقيل أن نشد عليها سروجها
وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها فيذهب هزالها ويشد لحمها انتهى. ولعل المراد الفرس القوي السريع السير كثير العدو.
(3) خول الله الشئ أي مكة إياه وخوله نعمة أعطاه نعمة (م).
(4) الضرير الذاهب البصر والجمع اضراء والمريض المهزول وه يبهاء (ق).
487

جاهد نفسه كما ورد في الحديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
أقول: ويحتمل أن يكون المراد بالأول قوما وبالآخر آخرين فان ما بين
المجاهد والمجاهد لما بين السماء والأرض وكان الله غفورا رحيما يغفر لما عسى
أن يفرط منهم ويرحمهم باعطاء الثواب.
(97) إن الذين توفاهم الملائكة يحتمل الماضي والماضي والمضارع وقرئ توفتهم
ظالمي أنفسهم في حال ظلمهم أنفسهم بترك الهجرة وموافقة الكفرة.
في الإحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه سئل عن قول الله تعالى الله
يتوفى الأنفس حين موتها وقوله قل يتوفاكم ملك الموت وقوله عز وجل توفته رسلنا
وقوله تعالى الذين توفاهم الملائكة فمرة يجعل الفعل لنفسه ومرة لملك الموت ومرة
للرسل ومرة للملائكة فقال إن الله تعالى أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه وفعل
رسله وملائكته فعله لأنهم بأمره يعملون فاصطفى من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين
خلقه وهم الذين قال الله فيهم الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس فمن كان من
أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ومن كان من أهل المعصية تولت قبض
روحه ملائكة النقمة ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره
وفعلهم فعله وكل ما يأتونه منسوب إليه فإذا كان فعلهم فعل ملك الموت ففعل ملك
الموت فعل الله لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب
على يد من يشاء وان فعل أمنائه فعله كما قال وما تشاؤون إلا أن يشاء الله.
وفي الفقيه عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن ذلك فقال إن الله تعالى جعل
لملك الموت أعوانا من الملائكة يقبضون الأرواح بمنزلة صاحب الشرطة (1) له أعوان
من الإنس يبعثهم في حوائجه فيتوفاهم الملائكة ويتوفاهم ملك الموت من الملائكة
مع ما يقبض هو ويتوفاها الله تعالى من ملك الموت.
وفي التوحيد سئل أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) عن ذلك فقال إن الله

(1) الشرطة واحد الشرط كصرد وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتهيأ للموت وطائفة من أعوان الولاة (م) وهم
شرطي كتركي وجهني سموا بذلك لأنهم اعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها (ق).
488

تعالى يدبر الأمور كيف يشاء ويوكل من خلقه من يشاء بما يشاء أما ملك الموت فان
الله يوكله بخاصة من يشاء ويوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه
والملائكة الذين سماهم الله عز ذكره وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه وان الله تبارك
وتعالى يدبر الأمور كيف يشاء وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل
الناس لأن منهم القوي والضعيف ولأن منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق حمله إلا من
يسهل الله له حمله وأعانه عليه من خاصة أوليائه وإنما يكفيك أن تعلم أن الله المحيي
والمميت وأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء من خلقه من ملائكته وغيرهم.
أقول: ولغموض هذه المسألة قال (عليه السلام) ما قال والسر فيه أن قابض روح
النبات ومتوفيه ورافعه إلى سماء الحيوانية هي النفس المختصة بالحيوان وهي من
أعوان الملائكة الموكلة بإذن الله لهذا الفعل باستخدام القوى الحساسة والمحركة
وكذلك قابض روح الحيوان ومتوفيه ورافعه إلى سماء الدرجة الإنسانية هي النفس
المختصة بالإنسان وهي كلمة الله المسماة بالروح القدس الذي شأنه إخراج النفوس
من القوة الهيولانية إلى العقل المستفاد بأمر الله وإيصال الأرواح إلى جوار الله وعالم
الملكوت الأخروي وهم المرادون بالملائكة والرسل وأما الإنسان بما هو انسان
فقابض روحه ملك الموت قل يتوفاكم ملك الموت وأما المرتبة العقلية فقابضها وهو
الله سبحانه الله يتوفى الأنفس، يا عيسى اني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من
الذين كفروا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات قالوا أي الملائكة
توبيخا لهم فيم كنتم في أي شئ كنتم من أمر دينكم قالوا كنا مستضعفين في الأرض
يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا وبلادنا بكثرة عددهم وقوتهم ويمنعوننا من
الايمان بالله واتباع رسوله واعتذروا مما وبخوا به بضعفهم وعجزهم عن الهجرة أو عن
إظهار الدين وإعلاء كلمته قالوا أي الملائكة تكذيبا لهم ألم تكن أرض الله واسعة
فتهاجروا فيها فتخرجوا من أرضكم ودوركم وتفارقوا من يمنعكم من الايمان إلى قطر
آخر كما فعل المهاجرون إلى المدينة والحبشة فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا
قيل نزلت في أناس من مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة واجبة.
وفي المجمع والعياشي عن الباقر (عليه السلام) هم قيس بن الفاكهة بن المغيرة
489

والحارث بن زمعة بن الأسود وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبو العاص بن منبه بن
الحجاج وعلي بن أمية ابن خلف.
والقمي نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يقاتلوا معه فقالت
الملائكة لهم عند الموت فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض أي لم نعلم مع من
الحق فقال الله ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها اي دين الله وكتاب الله واسع
فتنظروا فيه.
أقول: لا منافاة بين الخبرين لأن الأول تفسير والثاني تأويل والآية تشملهما.
وفي نهج البلاغة قال (عليه السلام) ولا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته
الحجة فسمعتها اذنه ووعاها قلبه وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل ما تقول في المستضعفين فقال
شبيها بالفزع فتركتم أحدا يكون مستضعفا وأين المستضعفون فوالله لقد مشى بأمركم
هذا العواتق (1) إلى العواتق في خدورهن وتحدثت به السقاءات في طرق المدينة.
وعن الكاظم (عليه السلام) أنه سئل عن الضعفاء فكتب الضعيف من لم ترفع له
حجة ولم يعرف الاختلاف فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف.
أقول: وفي الآية دلالة على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من
إقامة دينه وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من فر بدينه من ارض إلى أرض وإن كان
شبرا من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم (عليه السلام) ومحمد (صلى
الله عليه وآله وسلم).
(98) إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان استثناء منقطع لعدم
دخولهم في الموصول وضميره والإشارة إليه لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
في الكافي عن الباقر (عليه السلام) هو الذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر

(1) قال في المجمع العواتق من النساء جمع عاتق وهي الشابة أول ما تدرك وقيل التي لم تبن من والدتها ولم تتزوج
وأدركت وشبت انتهى. والمشار إليه بهذا أمر الولاية والسقاءات النساء اللاتي يسقين الزوار والحجاج ماء ولبنا من أهل
البوادي فإنه ان وجد استضعاف فهن أولى بالاتصاف به من كل أحد.
490

ولا يهتدي سبيلا إلى الايمان لا يستطيع ان يؤمن ولا يكفر قال والصبيان من كان من
الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان.
وعنه (عليه السلام) انه سئل من هم قال نساؤكم وأولادكم ثم قال أرأيت أم أيمن
فاني اشهد انها من أهل الجنة وما كانت تعرف ما أنتم عليه.
وفي المعاني والعياشي عنه (عليه السلام) ما يقرب من الحديث الأول وفي آخره
مرفوع عنهم القلم.
وعن الصادق (عليه السلام) لا يستطيعون حيلة إلى النصب فينصبون ولا يهتدون
سبيلا إلى الحق فيدخلون فيه هؤلاء يدخلون الجنة بأعمال حسنة وباجتناب المحارم
التي نهى الله عنها ولا ينالون منازل الأبرار.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) انه سئل عن المستضعفين فقال البلهاء (1) في
خدرها (2) والخادم تقول لها صلي فتصلي لا تدري الا ما قلت لها والجليب الذي لا
يدري إلا ما قلت له والكبير الفاني (3) والصغير.
أقول: الجليب الذي يجلب من بلد إلى آخر.
(99) فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ذا صفح عن
ذنوب عباده سائرا عليهم ذنوبهم.
(100) ومن يهاجر يفارق أهل الشرك ويهرب بدينه من وطنه إلى أرض
الإسلام في سبيل الله في منهاج دينه يجد في الأرض مراغما كثيرا متحولا من
الرغام وهو التراب ومخلصا من الضلال وسعة في الرزق واظهار الدين فيرغم بذلك
أنوف من ضيق عليه من قومه ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه
الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما.

(1) في الحديث عليك بالبلهاء قلت وما البلهاء قال (ع) ذوات الخدور العفائف (م).
(2) الخدر بالكسر ستر أعد للجارية البكر في ناحية البيت والجمع خدور وجارية مخدرة إذا لزمت الخدر (م).
(3) يقال للشيخ الكبير فان على المجاز لقربه ودنوه إلى الفناء (مجمع).
491

في المجمع عن أبي حمزة الثمالي لما نزلت آية الهجرة سمعها رجل من
المسلمين وهو جندع أو جندب بن ضمرة وكان بمكة فقال والله ما انا ممن استثنى الله
إني لأجد قوة واني لعالم بالطريق وكان مريضا شديد المرض فقال لبنيه والله لا أبيت
بمكة حتى اخرج منها فاني أخاف ان أموت فيها فخرجوا يحملونه على سرير حتى إذا
بلغ التنعيم مات فنزلت الآية.
والعياشي عن محمد بن أبي عمير قال وجه زرارة بن أعين ابنه عبيدا إلى
المدينة يستخبر له خبر أبي الحسن موسى بن جعفر وعبد الله الأفطس فمات قبل ان
يرجع إليه عبيد الله قال محمد بن أبي عمير حدثني محمد بن حكيم قال ذكرت لأبي
الحسن (عليه السلام) زرارة وتوجيهه عبيدا إلى المدينة فقال إني لأرجو أن يكون زرارة
ممن قال الله: ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله (الآية).
(101) وإذا ضربتم في الأرض سافرتم فليس عليكم جناح أن تقصروا من
الصلاة بتنصيف الرباعيات لما امر الله بالجهاد والهجرة بين صلاة السفر والخوف قيل
كأنهم ألفوا الإتمام وكان مظنة لأن يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا في التقصير فرفع
عنهم الجناح لتطيب نفوسهم بالقصر ويطمئنوا إليه.
وفي الفقيه والعياشي عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا قلنا لأبي جعفر (عليه
السلام) ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي فقال إن الله عز وجل يقول
وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة فصار التقصير في
السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر قالا قلنا إنما قال الله تعالى فليس عليكم جناح
ولم يقل افعلوا كيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر فقال أوليس قد قال الله
عز وجل ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان
يطوف بهما ألا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض لأن الله عز وجل ذكره في كتابه
وصنعه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك التقصير في السفر شئ صنعه النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) وذكره الله تعالى في كتابه قالا قلنا له فمن صلى في السفر أربعا
أيعيد أم لا قال إن كان قد قرأت عليه آية التقصير وفسرت له وصلى أربعا أعاد وان لم
492

يكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه والصلوات كلها في السفر الفريضة ركعتان
كل صلاة إلا المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير وتركها رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) في السفر والحضر ثلاث ركعات وزاد في الفقيه وقد سافر رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) إلى ذي خشب وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان
أربعة وعشرون ميلا فقصر وافطر فصارت سنة وقد سمى رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) قوما صاموا حين أفطر العصاة إلى يوم القيامة وانا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم
إلى يومنا هذا.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرض المسافر ركعتان غير قصر.
أقول: وأقل سفر يقصر فيه ثمانية فراسخ ذاهبا وجائيا كما يستفاد من الأخبار
المعصومية وأكثر أصحابنا قد خفي عليهم ذلك حيث زعموا ان هذه المسافة معتبرة في
الذهاب خاصة وقد حققنا ذلك في كتابنا الموسوم بالوافي وغيره أن خفتم أن يفتنكم
الذين كفروا في أنفسكم أو دينكم وهذا الشرط باعتبار الغالب في ذلك الوقت فان
القصر ثابت في حال الامن أيضا.
وفي الكافي والفقيه والتهذيب عن الصادق (عليه السلام) في هذه الآية أنها في
الركعتين تنقص منهما واحدة في حال الخوف إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا
ظاهر العداوة.
(102) وإذا كنت فيهم في أصحابك الضاربين في الأرض الخائفين عدوهم
ان يغزوهم فأقمت لهم الصلاة بأن تؤمهم فلتقم طائفة منهم من أصحابك معك
وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم يحرسونكم ولتأت طائفة أخرى
لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم تحرزهم وتيقظهم وأسلحتهم ود الذين
كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة تمنوا ان ينالوا
منكم غرة في صلواتكم فيحملون عليكم حملة واحدة وهو بيان ما لأجله أمروا بأخذ
السلاح ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا
أسلحتكم رخصة لهم في وضعها إذا ثقل عليهم اخذها بسبب مطر أو مرض وخذوا
493

حذركم كيلا يهجم عليكم العدو إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا مذلا.
القمي نزلت لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الحديبية يريد
مكة فلما رفع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مأتي فارس ليستقبل رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) فكان يعارض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على
الجبال فلما كان في بعض الطريق وحضرت صلاة الظهر اذن بلال وصلى رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس وقال خالد بن الوليد لو كنا حملنا عليهم وهم في
الصلاة لأصبناهم فإنهم لا يقطعون الصلاة ولكن تجئ لهم الآن صلاة أخرى هي
أحب إليهم من ضياء أبصارهم فإذا دخلوا فيها حملنا عليهم فنزل جبرئيل بصلاة
الخوف بهذه الآية ففرق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه فرقتين ووقف
بعضهم تجاه العدو وقد أخذوا سلاحهم وفرقة صلوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) قائما ومروا فوقفوا موقف أصحابهم وجاء أولئك الذين لم يصلوا فصلى بهم
رسول الله الثانية ولهم الأولى وقعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقاموا
أصحابه فصلوا هم الركعة الثانية وسلم عليهم.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) صلى رسول الله بأصحابه في غزوة ذات
الرقاع صلاة الخوف ففرق أصحابه فرقتين أقام فرقة بإزاء العدو وفرقة خلفه فكبر
وكبروا فقرأ وانصتوا فركع وركعوا فسجد وسجدوا ثم استمر رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) قائما وصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض ثم خرجوا إلى
أصحابهم فقاموا بإزاء العدو وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) فصلى بهم ركعة ثم تشهد وسلم عليهم فقاموا وصلوا لأنفسهم ركعة ثم
سلم بعضهم على بعض.
وعنه (عليه السلام) أنه سئل عن صلاة الخوف قال يقوم الإمام وتجئ طائفة من
أصحابه فيقومون خلفه وطائفة بإزاء العدو فيصلي بهم الإمام ركعة ثم يقوم ويقومون
معه فيمثل قائما ويصلون هم الركعة الثانية ثم يسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون
فيقومون في مقام أصحابهم ويجئ الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي بهم
494

الركعة الثانية ثم يجلس الإمام فيقومون هم فيصلون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم
فينصرفون بتسليمه قال وفي المغرب بمثل ذلك يقوم الإمام وتجيئ طائفة فيقومون
خلفه ثم يصلي بهم ركعة ثم يقوم ويقومون فيمثل الإمام قائما فيصلون ركعتين
فيتشهدون ويسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون في مواقف أصحابهم
ويجئ الآخرون ويقومون في مواقف أصحابهم خلف الإمام فيصلي بهم ركعة يقرأ
فيها ثم يجلس فيتشهد ثم يقوم ويقومون معه ويصلي بهم ركعة أخرى ثم يجلس
ويقومون هم فيتمون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم.
(103) فإذا قضيتم الصلاة فإذا فرغتم من صلاتكم وأنتم محاربوا عدوكم
فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ادعوا الله في هذه الأحوال لعله ينصركم على
عدوكم ويظفركم به مثل قوله تعالى إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم
تفلحون فإذا اطمأننتم فإذا استقررتم في أوطانكم وأقمتم في أمصاركم فأقيموا
الصلاة فأتموا الصلاة التي أذن لكم في قصرها وتخفيفها في حال السفر والخوف
وأتموا حدودها إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا.
في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام يعني مفروضا وليس يعني وقت
فوتها إذا جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن صلاته هذه مؤداة ولو كان كذلك لهلك
سليمان بن داود حين صلاها لغير وقتها ولكن متى ما ذكرها صلاها.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) موقوتا أي ثابتا وليس ان عجلت قليلا
أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضع تلك الإضاعة فان الله عز وجل يقول لقوم
أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا.
(104) ولا تهنوا في ابتغاء القوم لا تضعفوا في طلب القوم الذين هم أعداء
الله وأعداؤكم إن تكونوا تألمون مما ينالكم من الجراح منهم فإنهم يألمون أيضا مما
ينالهم من ذلك كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون من اظهار الدين واستحقاق
الثواب فأنتم أولى وأحرى على حربهم وقتالهم منهم على قتالكم وكان الله عليما
بمصالح خلقه حكيما في تدبيره إياهم.
495

القمي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما رجع من وقعة أحد ودخل المدينة
نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد ان الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم ولا يخرج معك
إلا من به جراحة فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مناديا ينادي يا معشر
المهاجرين والأنصار من كانت به جراحة فليخرج ومن لم يكن به جراحة فليقم فأقبلوا
يضمدون جراحاتهم ويداوونها فأنزل الله على نبيه ولا تهنوا (الآية) وقال عز وجل
إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله إلى قوله شهداء فخرجوا على ما بهم من
الألم والجراح.
(105) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله بما
عرفك وأوحى به إليك.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى الأئمة قال الله عز وجل إنا أنزلنا إليك
الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله وهي جارية في الأوصياء.
وفي الاحتجاج عنه (عليه السلام) إنه قال لأبي حنيفة وتزعم أنك صاحب رأي
وكان الرأي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صوابا ومن دونه خطأ لأن الله قال
فاحكم بينهم بما أراك الله ولم يقل ذلك لغيره ولا تكن للخائنين لأجلهم والذب عنهم
خصيما للبراء.
(106) واستغفر الله مما هممت به إن الله كان غفورا رحيما لمن يستغفره.
القمي كان سبب نزولها أن قوما من الأنصار من بني أبيرق اخوة ثلاثة كانوا
منافقين بشير ومبشر وبشر فنقبوا على عم قتادة بن النعمان وكان قتادة بدريا واخرجوا
طعاما كان أعده لعياله وسيفا ودرعا فشكا قتادة ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) فقال يا رسول الله ان قوما نقبوا على عمي وأخذوا طعاما كان أعده لعياله وسيفا
ودرعا وهم أهل بيت سوء وكان معهم في الرأي رجل مؤمن يقال له لبيد بن سهل فقال
بنو أبيرق لقتادة هذا عمل لبيد بن سهل فبلغ ذلك لبيدا فأخذ سيفه وخرج عليهم فقال
يا بني أبيرق أترمونني بالسرق وأنتم أولى به مني وأنتم المنافقون تهجون رسول الله
496

وتنسبونه إلى قريش لتبينن ذلك أو لأملأن سيفي منكم فداروه فقالوا له ارجع رحمك
الله فإنك برئ من ذلك فمشى بنو أبيرق إلى رجل من رهطهم يقال له أسيد بن عروة
وكان منطيقا بليغا فمشى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله ان
قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منا أهل شرف وحسب ونسب فرماهم بالسرق
وأتاهم بما ليس فيهم فاغتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك وجاء إليه
قتادة فأقبل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له عمدت إلى أهل بيت
شرف وحسب ونسب فرميتهم بالسرقة فعاتبه عتابا شديدا فاغتم قتادة من ذلك ورجع
إلى عمه وقال يا ليتني مت ولم أكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كلمني
بما كرهته فقال عمه: الله المستعان فأنزل الله في ذلك على نبيه إنا أنزلنا إليك
الكتاب (الآيات).
وفي المجمع ما يقرب منه قال وكان بشير يكنى أبا طعمة وكان يقول الشعر
ويهجو به أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم يقول قاله فلان.
وفي الجوامع يروى أن أبا طعمة بن أبيرق سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن
النعمان وخباها عند رجل من اليهود فأخذ الدرع من منزل اليهودي فقال دفعها إلي أبو
طعمة فجاء بنو أبيرق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلموا أن يجادلوا عن
صاحبهم وقالوا أن لم تفعل هلك وافتضح وبرئ اليهودي فهم رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) أن يفل وأن يعاقب اليهودي فنزلت وفي معناه ما روته العامة مع
زيادات.
(107) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم جعل المعصية خيانة لها كما
جعلت ظلما عليها لأن وبالها يعود عليها إن الله لا يحب من كان خوانا مبالغا في
الخيانة مصرا عليها أثيما منهمكا فيه.
(108) يستخفون من الناس يستترون منهم حياء وخوفا ولا يستخفون من الله
ولا يستحيون منه وهو أحق بأن يستحيى منه ويخاف وهو معهم إذ يبيتون يدبرون
ويزورون بالليل ما لا يرضى من القول من رمي البرئ.
497

القمي يعني الفعل فوقع القول مقام الفعل وكان الله بما يعملون محيطا لا
يفوت عنه شئ.
(109) ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم
القيامة أم من يكون عليهم وكيلا محاميا عنهم يحميهم من عذاب الله.
(110) ومن يعمل سوء قبيحا يسوء به غيره أو يظلم نفسه بما يختص به ولا
يتعداه ثم يستغفر الله بالتوبة يجد الله غفورا لذنوبه رحيما متفضلا عليه.
في نهج البلاغة من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ثم تلا الآية.
(111) ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه لا يتعداه وباله وكان الله عليما
حكيما وهو عالم بفعله حكيم في مجازاته.
(112) ومن يكسب خطيئة ذنبا على غير عمد أو إثما ذنبا تعمده كبشير ثم يرم
به بريئا كما رمى بشير لبيدا أو اليهودي فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا بسبب رمي البرئ
وتنزيه النفس الخاطئة.
(113) ولولا فضل الله عليك ورحمته باعلام ما هم عليه بالوحي لهمت طائفة
منهم أن يضلوك عن القضاء بالحق مع علمهم بالحال وليس القصد فيه إلى نفي
همهم بل إلى نفي تأثيره فيه وما يضلون إلا أنفسهم لأن وباله عليهم وما يضرونك من
شئ فان الله عاصمك وناصرك ومؤيدك وما خطر ببالك كان اعتمادا منك على ظاهر
الأمر لا ميلا في الحكم وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم
من خفيات الأمور وكان فضل الله عليك عظيما إذ لا فضل أعظم من النبوة.
القمي عن الباقر (عليه السلام) قال إن أناسا من رهط بشير الأدنين قالوا انطلقوا
بنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نكلمه في صاحبنا ونعذره فان صاحبنا
برئ فلما انزل الله يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إلى قوله
وكيلا فأقبلت رهط بشير فقالت يا بشير استغفر الله وتب من الذنب فقال والذي أحلف
به ما سرقها إلا لبيد فنزلت ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا
498

واثما مبينا ثم إن بشيرا كفر ولحق بمكة وأنزل الله في النفر الذين أعذروا بشيرا وأتوا
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعذروه ولولا فضل الله عليك ورحمته (الآية) ونزل
في بشير وهو بمكة ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل
المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا.
وفي الكافي عن الكاظم (عليه السلام) في قوله تعالى إذ يبيتون ما لا يرضى من
القول يعني فلانا وفلانا وأبا عبيدة الجراح.
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث وقد بين الله قصص
المغيرين بقوله إذ يبيتون ما لا يرضى من القول بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود (1)
باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة
والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه.
(114) لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أمر جميل أو
إصلاح بين الناس تأليف بينهم بالمودة.
في الكافي والعياشي والقمي عن الصادق (عليه السلام) يعني بالمعروف
القرض.
والقمي عنه (عليه السلام) ان (2) الله فرض التمحل (3) في القرآن فسئل وما
التمحل قال أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك فتمحل له وهو قوله تعالى لا خير
في كثير من نجواهم.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض
عليكم زكاة ما ملكت أيديكم.

(1) الأود العوج واود الشئ بالكسر يأود اودا أي أعوج وتأود تعوج (م).
(2) قوله (ع) ان الله فرض: أقول قد نقل في مجمع البيان هذه الرواية بلفظ التحمل في مكان التمحل في المواضع
الثلاثة منها ولا نحيفي أنه أنسب.
(3) التمحل الاحتيال والمراد هنا أن تصرف وجهك عن وجه أخيك لما بينك وبينه من الكدرة وضيق خلقك عنه،
ثم تذكرت أمر الله ووصيته فصرفت وجهك إليه ببشر وفرح وبهجة وتحية ابتغاء لمرضاته تعالى وقد يكون سبب الإعراض
غير هذا كهم وغم وألم وشغل أهم أو مصلحة دينية أو دنيوية.
499

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) الكلام ثلاثة صدق وكذب واصلاح بين
الناس وفسر الإصلاح بأن تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث (1) نفسه فتلقاه فتقول
سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا وكذا خلاف ما سمعت منه.
وفي الخصال عنه (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) ثلاثة يحسن فيهن الكذب المكيدة في الحرب وعدتك زوجتك، والإصلاح بين
الناس ومن يفعل ذلك أي الأمور الثلاثة أو الأمر بها ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه
أجرا عظيما وقرئ بالياء.
(115) ومن يشاقق الرسول يخالفه من بعد ما تبين له الهدى أي ظهر له الحق
ويتبع غير سبيل المؤمنين ما هم عليه من الدين الحنيفي نوله ما تولى نجعله واليا لما
تولى من الضلال بأن نخذله ونخلي بينه وبين ما اختاره ونصله جهنم وساءت
مصيرا.
القمي نزلت في بشير كما مر.
(116) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء تكريره اما
للتأكيد أو لقصة بشير ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا عن الحق.
(117) إن يدعون من دونه ما يدعو هؤلاء المشركون وما يعبدون من دون الله.
إلا إناثا يعني اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وأساف ونائلة كان لكل حي صنم
يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان كذا قيل.
وفي المجمع عن تفسير أبي حمزة الثمالي قال كان في كل واحدة منهن شيطانة
أنثى تتراءى للسدنة (2) وتكلمهم وذلك من صنيع إبليس وهو الشيطان الذي ذكره الله
تعالى ولعنه وإن يدعون أن يعبدون بعبادتها إلا شيطانا مريدا لأنه الذي أمرهم بعبادتها
وأغراهم عليها فكان طاعتهم في ذلك عبادة له والمريد الخارج عن الطاعة الذي لا
يعلق بخير.

(1) خبث الشئ خبثا من باب قرب وخباثة ضد طاب فهو خبيث (م).
(2) سدن سدنا وسدانة خدمة الكعبة أو بيت الصنم (ث).
500

(118) لعنه الله ابعده عن الخير وقال أي الشيطان لأتخذن من عبادك نصيبا
مفروضا قدر لي وفرض قاله عداوة وبغضا.
في المجمع عن تفسير الثمالي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه
الآية من بني آدم تسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة، وفي رواية أخرى من كل
ألف واحد لله وسائرهم للنار ولإبليس.
(119) ولأضلنهم عن الحق ولأمنينهم الأماني الباطلة كطول العمر وان لا
بعث ولا عقاب ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام قيل كانوا يشقون اذانها إذا ولدت
خمسة أبطن والخامس ذكر وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) ليقطعن الأذن من أصلها ولأمرنهم
فليغيرن خلق الله فيه عنه (عليه السلام) يريد دين الله وأمره
ونهيه ويؤيده قوله سبحانه فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله.
أقول: ويزيده تأييدا قوله عز وجل عقيب ذلك ذلك الدين القيم وتفسيرهم (عليهم
السلام) فطرة الله بالإسلام ولعله يندرج فيه كل تغيير لخلق الله عن وجهه صورة أو صفة
من دون اذن من الله كفقئهم (1) عين الفحل الذي طال مكثه عندهم الفقاؤه عن
الركوب وخصأ العبيد وكل مثلة ولا ينافيه التفسير بالدين والأمر لأن ذلك كله داخل
فيهما ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله بأن يؤثر طاعته على طاعة الله عز وجل فقد
خسر خسرانا مبينا إذ ضيع رأس ماله وبدل مكانه من الجنة بمكانه من النار.
(120) يعدهم ما لا ينجز ويمنيهم ما لا ينالون وما يعدهم الشيطان إلا غرورا
وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر وهذا الوعد اما بالخواطر الفاسدة أو بلسان أوليائه.
في المجالس عن الصادق (عليه السلام) لما نزلت هذه الآية والذين إذا فعلوا
فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم صعد إبليس جبلا بمكة يقال له

(1) السقؤ بالهمزة الشق يقال فقأت مينه أفقؤها أي شققتها (م).
501

ثور فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لم دعوتنا قال نزلت
هذه الآية فمن لها فقام عفريت من الشياطين فقال أنا لها قال بماذا قال له بكذا وكذا
قال لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها فقال الوسواس الخناس أنا لها
فقال بماذا قال أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا أوقعوا الخطيئة أنسيتهم
الاستغفار فقال أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة.
(121) أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا معدلا ومهربا.
(122) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها
الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا تأكيد بليغ.
(123) ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب.
القمي ليس ما تتمنون أنتم ولا أهل الكتاب أي أن لا تعذبوا بأفعالكم من يعمل
سوءا يجز به عاجلا أو آجلا.
في العيون أن إسماعيل قال للصادق (عليه السلام يا أبتاه ما تقول في المذنب منا
ومن غيرنا فقال ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به.
وفي المجمع عن أبي هريرة قال لما نزلت هذه الآية بكينا وحزنا وقلنا يا رسول
الله ما أبقت هذه الآية من شئ فقال أما والذي نفسي بيده انها لكما نزلت، ولكن
أبشروا وقاربوا وسددوا أنه لا يصيب أحدا منكم مصيبة الا كفر الله بها خطيئته حتى
الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه.
أقول: معنى قاربوا وسددوا اقتصدوا في أموركم واطلبوا بأعمالكم السداد
والاستقامة من غير غلو ولا تقصير.
وفي معنى هذا الحديث أخبار كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام).
فالعياشي عن الباقر (عليه السلام) لما نزلت هذه الآية من يعمل سوء يجز به قال
بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أشدها من آية فقال لهم رسول
502

الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اما تبتلون في أنفسكم وأموالكم وذراريكم قالوا بلى قال
هذا مما يكتب الله لكم به الحسنات ويمحو به السيئات.
وفي الكافي عنه (عليه السلام) ان الله تعالى إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله
ذنب ابتلاه بالحاجة فإن لم يفعل ذلك به شدد عليه الموت ليكافيه بذلك الذنب
(الحديث). ولا يجد له لنفسه من دون الله وليا من يواليه ولا نصيرا يدفع عنه
العذاب.
(124) ومن يعمل من الصالحات بعضها من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك
يدخلون الجنة وقرئ بضم الياء وفتح الخاء ولا يظلمون نقيرا بنقص شئ من الثواب،
النقير النقطة التي في النواة.
(125) ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله أخلص نفسه لله وهو محسن آت
بالحسنات.
وفي الحديث النبوي الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
واتبع ملة إبراهيم التي هي دين الإسلام والمتفق على صحتها يعني اقتدى بدينه
وبسيرته وطريقته حنيفا مائلا عن سائر الأديان واتخذ الله إبراهيم خليلا اصطفاه
وخصصه بكرامة الخلة.
في الكافي عنهما (عليهما السلام) ان الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن
يتخذه نبيا وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وان الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه
خليلا وان الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما.
وفيه والعياشي عن الباقر (عليه السلام) لما اتخذ الله عز وجل إبراهيم خليلا أتاه
بشراه بالخلة فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه
ماء ودهنا فدخل إبراهيم الدار فاستقبله خارجا من الدار وكان إبراهيم رجلا غيورا
وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه وأخذ مفتاحه معه ثم رجع ففتح فإذا هو برجل قائم
أحسن ما يكون الرجال فأخذه بيده وقال يا عبد الله من أدخلك داري فقال ربها
ادخلنيها فقال ربها أحق بها مني فمن أنت قال ملك الموت ففزع إبراهيم (عليه السلام)
503

وقال جئتني لتسلبني روحي قال لا ولكن اتخذ الله عبدا خليلا فجئت لبشارته قال فمن
هو لعلي أخدمه حتى أموت قال أنت هو فدخل على سارة فقال لها ان الله تعالى
اتخذني خليلا.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) إن إبراهيم كان أبا أضياف وكان إذا لم
يكونوا عنده خرج يطلبهم وأغلق بابه وأخذ المفاتيح يطلب الأضياف وأنه رجع إلى
داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدار فقال يا عبد الله باذن من دخلت هذه الدار
فقال دخلتها باذن ربها يردد ذلك ثلاث مرات فعرف إبراهيم (عليه السلام) أنه جبرئيل
فحمد ربه ثم قال أرسلني ربك إلى عبد من عبيده يتخذه خليلا قال إبراهيم (عليه
السلام) اعلمني من هو أخدمه حتى أموت قال فأنت قال وبم ذلك قال لأنك لم تسأل
أحدا شيئا قط ولم تسأل شيئا قط فقلت لا.
والقمي عنه (عليه السلام) ان إبراهيم (عليه السلام) هو أول من حول له الرمل دقيقا
وذلك أنه قصد صديقا له بمصر في قرض طعام فلم يجده في منزله فكره أن يرجع
بالحمار خاليا فملأ جرابه رملا فلما دخل منزله خلا بين الحمار وبين سارة استحياء
ودخل البيت ونام ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون فخبزت وقدمت إليه طعاما طيبا
فقال إبراهيم (عليه السلام) من أين لك هذا فقالت من الدقيق الذي حملته من عند
خليلك المصري فقال إبراهيم اما إنه خليلي وليس بمصري فلذلك أعطى الخلة
فشكر الله وحمده وأكل.
وفي الاحتجاج عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث قولنا إن إبراهيم
(عليه السلام) خليل الله فإنما هو مشتق من الخلة (1) والخلة إنما معناها الفقر والفاقة فقد
كان خليلا إلى ربه فقيرا إليه منقطعا وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا وذلك أنه لما
أريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله إلى جبرئيل فقال له أدرك عبدي
فجاءه فلقيه في الهواء فقال كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك فقال بل حسبي
الله ونعم الوكيل اني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه فسماه خليله أي فقيره

(1) الخلة: الحاجة والفقر والخصاصة (ق).
504

ومحتاجه والمنقطع إليه عما سواه قال وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو أنه قد تخلل
معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به وبأموره ولا يوجب
ذلك تشبيه الله بخلقه ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله وإذا لم يعلمه بأسراره
لم يكن خليله.
وفي العيون عن الصادق (عليه السلام) إنما اتخذ الله إبراهيم خليلا لأنه لم يرد
أحدا ولم يسأل أحدا قط غير الله.
وفي العلل عنه (عليه السلام) لكثرة سجوده على الأرض.
وعن الهادي (عليه السلام) لكثرة صلواته على محمد وأهل بيته (صلوات الله
عليهم أجمعين).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا طعامه الطعام وصلاته بالليل والناس
نيام.
أقول: لا تنافي بين هذه الأخبار لأنها كلها مشتركة في معنى انقطاعه إلى الله
واستغنائه عما سواه وانه الموجب لاتخاذ الله إياه خليلا ومما يدل على هذا المعنى ما
ورد في بعض الروايات أن الملائكة قال بعضهم لبعض اتخذ ربنا من نطفة خليلا وقد
أعطاه ملكا عظيما جزيلا فأوحى الله تعالى إلى الملائكة اعمدوا على أزهدكم
ورئيسكم فوقع الاتفاق على جبرئيل وميكائيل فنزلا إلى إبراهيم في يوم جمع غنمه
وكان لإبراهيم (عليه السلام) أربعة آلاف راع وأربعة آلاف كلب في عنق كل كلب طوق
وزن من من ذهب أحمر وأربعون الف غنمة حلابة وما شاء الله من الخيل والجمال
فوقف الملكان في طرفي الجمع فقال أحدهما بلذاذة (1) صوت سبوح قدوس فجاوبه
الثاني رب الملائكة والروح فقال أعيداهما ولكما نصف مالي ثم قال أعيداهما ولكما
مالي وولدي وجسدي فنادت ملائكة السماوات هذا هو الكرم هذا هو الكرم فسمعوا
مناديا من العرش يقول الخليل موافق لخليله.
(126) ولله ما في السماوات وما في الأرض خلقا وأمرا وملكا فهو مستغن عن

(1) اللذة نقيض الألم ج لذات لذه وبه لذاذا ولذاذة والتذه وبه واستلذه وجده لذيذا (ق).
505

جميع خلقه وجميع خلقه محتاجون إليه وكان الله بكل شئ محيطا علما وقدرة.
(127) ويستفتونك ويسألونك الفتوى أي تبيين الحكم في النساء في
ميراثهن.
القمي عن الباقر (عليه السلام) سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن النساء ما
لهن من الميراث فأنزل الله الربع والثمن قل الله يفتيكم فيهن يبين لكم ما سألتم في
شأنهن وما يتلى عليكم في الكتاب أي ويبين لكم أيضا ما يقرأ عليكم القرآن في
يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن لا تعطونهن ما كتب لهن من الميراث كان أهل الجاهلية
لا يورثون الصغير ولا المرأة وكانوا يقولون لا نورث إلا من قاتل ودفع عن الحريم
فأنزل الله تعالى الفرائض التي في أول السورة وهو معنى قوله لا تؤتونهن ما كتب
لهن كذا في المجمع عن الباقر (عليه السلام).
وزاد القمي وكانوا يرون ذلك في دينهم حسنا فلما أنزل الله فرائض المواريث
وجدوا (1) من ذلك وجدا شديدا فقالوا انطلقوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
فنذكر ذلك له لعله يدعه أو يغيره فأتوه فقالوا يا رسول الله للجارية نصف ما ترك أبوها
وأخوها ويعطى الصبي الصغير الميراث وليس واحد منهما يركب الفرس ولا يحوز (2)
الغنيمة ولا يقاتل العدو فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك أمرت
وترغبون أن تنكحوهن عن نكاحهن.
القمي ان الرجل كان في حجره اليتيمة فتكون دميمة (3) وساقطة يعني حمقاء
فيرغب الرجل أن يتزوجها ولا يعطيها مالها فينكحها غيره من أجل مالها ويمنعها
النكاح ويتربص بها الموت ليرثها فنهى الله عن ذلك والمستضعفين ويفتيكم في

(1) وجد في الحزن وجدا بالفتح وتوجدت لفلان حزنت له (مجمع).
(2) الحوز الجمع وكل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه يحوزه حوزا أو حيازة (ص).
(3) الدميمة القبيحة المنظر والساقطة من لا رتبة لها والحمقاء تفسير للساقطة وهي من قل عقلها وحاصل المراد أن
القبيحة لما لم يكن لها حسن ولا رتبة ورشد فكان الرجل يرغب عن نكاحها لكن يريد مالها لا نحيليها تتزوج حتى تموت
فيرثها.
506

المستضعفين من الولدان من الصبيان الصغار أن تعطوهم حقوقهم لأن فيما يتلى
عليكم وآتوا اليتامى أموالهم كما مضى وأن تقوموا لليتامى بالقسط ويفتيكم في أن
تقوموا لليتامى بالقسط في أنفسهم وأموالهم وما تفعلوا من خير في أمر النساء واليتامى
وغير ذلك فإن الله كان به عليما وعد لمن آثر الخير في ذلك.
(128) وإن امرأة خافت من بعلها توقعت لما ظهر لها من المخائل نشوزا
تجافيا عنها وترفعا عن صحبتها وكراهة لها ومنعا لحقوقها أو إعراضا بأن يقل
مجالستها ومحادثتها فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا.
في الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) وهي المرأة تكون عند الرجل
فيكرهها فيقول لها أريد أن أطلقك فتقول له لا تفعل اني أكره أن يشمت بي ولكن انظر
في ليلتي فاصنع بها ما شئت وما كان سوى ذلك من شئ فهو (1) لك ودعني على
حالتي وهو قوله تعالى فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا هذا هو الصلح.
والقمي ما في معناه مع ذكر سبب النزول والصلح خير من الفرقة وسوء العشرة.
وأحضرت الأنفس الشح لكونها مطبوعة عليه فلا تكاد المرأة تسمح باعراض الزوج
عنها وتقصيره في حقها ولا الرجل يسمح بأن يمسكها ويقوم بحقها على ما ينبغي إذا
كرهها أو أحب غيرها.
القمي قال وأحضرت الأنفس الشح فمنها من اختارته ومنها من لم تختره وإن
تحسنوا في العشرة وتتقوا النشوز والإعراض ونقص الحق فإن الله كان بما تعملون من الإحسان والخصومة خبيرا فيجازيكم عليه.
(129) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء أن تسووا بينهن في المحبة والمودة
بالقلب كما مضى في أوائل السورة من الكافي.
ورواه العياشي والقمي عن الصادق (عليه السلام).

(1) والحاصل أنها تصالح زوجها على إباحة حقوقها من جهة الزوجية والمضاجعة والنفقة والمهر ونحوها جميعا أو
بعضا على ما تراضيا عليه.
507

وفي المجمع عنهما (عليهما السلام) أن معناه التسوية في كل الأمور من جميع
الوجوه ولو حرصتم على ذلك كل الحرص فان ذلك ليس إليكم ولا تملكونه ولا
تكلفونه ولا تؤاخذون به.
في المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان يقسم بين نسائه ويقول
اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك فلا تميلوا كل الميل
بترك المستطاع والجور على المرغوب عنها فان ما لا يدرك كله لا يترك كله فتذروها
كالمعلقة التي ليست ذات بعل ولا أيما.
في المجمع عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) أن النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهن، قال وروي أن
عليا (عليه الصلاة والسلام) كان له امرأتان فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت
الأخرى وإن تصلحوا ما تفسدون من أمورهن وتتقوا فيما يستقبل فإن الله كان غفورا
رحيما يغفر لكم ما مضى من قبلكم.
(130) وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته قيل يعني إذا أبى كل واحد منهما
مصالحة الآخر ويتفرقا بالطلاق يغن الله كلا منهما عن الآخر ببدل أو سلو من غناه
وقدرته ويرزقه من فضله وكان الله واسعا حكيما.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) انه شكا رجل إليه الحاجة فأمره بالتزويج
فاشتد به الحاجة فأمره بالمفارقة فأثرى (1) وحسن حاله فقال له أمرتك بأمرين أمر الله
بهما قال تعالى وأنكحوا الأيامى إلى قوله إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله وقال
وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته.
(131) ولله ما في السماوات وما في الأرض لا يتعذر عليه الاغناء بعد الفرقة
والإيناس بعد الوحشة تنبيه على كمال قدرته وسعة ملكه ولقد وصينا الذين أوتوا
الكتاب من قبلكم من اليهود والنصارى وغيرهم وإياكم أن اتقوا الله.

(1) أثرى الرجل إذا كثرت أمواله (ص).
508

في مصباح الشريعة قال الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قد جمع الله ما
يتواصى (1) به المتواصون من الأولين والآخرين في خصلة واحدة وهي التقوى وفيه
جماع كل عبادة صالحة وبه وصل من وصل إلى الدرجات العلى وإن تكفروا فإن لله
ما في السماوات وما في الأرض مالك الملك كله لا يتضرر بكفرانكم وعصيانكم كما
لا ينتفع بشكركم وتقواكم وإنما وصاكم لرحمته لا لحاجته وكان الله غنيا عن الخلق
وعباداتهم حميدا في ذاته حمد أو لم يحمد.
(132) ولله ما في السماوات وما في الأرض كل يدل بحاجته على غناه وبما
فاض عليه من الوجود والكمال على كونه حميدا وكفى بالله وكيلا حافظا للجميع لا
يعزب عنه مثقال ذرة فيهما وقيل راجع إلى قوله يغن الله كلا من سعته فإنه يوكل
بكفايتهما وما بينهما تقرير لذلك.
(133) إن يشأ يذهبكم يفنكم أيها الناس ويأت بآخرين ويوجد قوما آخرين
مكانكم وكان الله على ذلك من الإعدام والإيجاد قديرا بليغ القدرة لا يعجزه مراد.
في المجمع ويروى أنه لما نزلت هذه الآية ضرب النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) يده على ظهر سلمان رضي الله عنه وقال هم قوم هذا يعني عجم الفرس.
(134) من كان يريد ثواب الدنيا كمن يجاهد للغنيمة فعند الله ثواب الدنيا
والآخرة فليطلب الثوابين جميعا من عند الله وما باله يكتفي بأخسهما ويدع أشرفهما
على أنه لو طلب الأشرف لم يخطئه الأخس.
في الكافي والخصال عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (صلوات
الله عليهم) قال كانت الحكماء والفقهاء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس
معهن رابعة من كانت الآخرة همته كفاه الله همته من الدنيا ومن أصلح سريرته أصلح
الله علانيته ومن أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله فيما بينه وبين الناس.
وفي الفقيه عن الصادق (عليه السلام) الدنيا طالبة ومطلوبة فمن طلب الدنيا طلبه

(1) تواصى القوم أي أوصى بعضهم بعضا (ص).
509

الموت حتى يخرجه منها ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى توفيه رزقه وكان الله
سميعا بصيرا عالما بالأغراض فيجازي كلا بحسب قصده.
(135) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط مواظبين على العدل مجتهدين
في اقامته شهداء لله بالحق تقيمون شهاداتكم لوجه الله ولو على أنفسكم ولو كانت
الشهادة على أنفسكم بأن تقروا عليها أو الولدين والأقربين إن يكن المشهود عليه أو
المشهود له غنيا أو فقيرا فلا تمتنعوا عن إقامة الشهادة للغني على الفقير لاستغناء
المشهود له وفقر المشهود عليه ولا عن إقامة الشهادة للفقير الغني تهاونا بالفقير وتوقيرا
للغني أو خشية منه أو حشمة له فالله أولى بهما بالغني والفقير وأنظر لهما فلا تتبعوا
الهوى أن تعدلوا لأن تعدلوا عن الحق من العدول أو لأجل أن تعدلوا في الشهادة من
العدل نهي عن متابعة الهوى في اقامتها كمراعاة صداقة أو عداوة أو وحشة أو عصبية
أو غير ذلك وإن تلوا ألسنتكم عن شهادة الحق أو تعرضوا عن أدائها
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) أن تلووا (1) أي تبدلوا الشهادة أو تعرضوا أي
تكتموها.
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) أن تلووا الأمر أو تعرضوا عما أمرتم به وقرئ
ان تلوا على معنى ان وليتم إقامة الشهادة فإن الله كان بما تعملون خبيرا فيجازيكم
عليه.
(136) يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم وظاهرهم آمنوا بقلوبكم وباطنكم بالله
ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله يعني القرآن والكتاب الذي أنزل من قبل
التوراة الإنجيل وغيرهما أريد به الجنس وقرئ على البناء للمفعول فيهما ومن يكفر
بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ومن يكفر بشئ من ذلك فقد ضل ضلالا
بعيدا عن المقصد بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه.
(137) إن الذين آمنوا كاليهود آمنوا بموسى (عليه السلام) وكالمنافقين آمنوا
بمحمد ثم كفروا ثم عبد اليهود العجل وارتد المنافقون ثم آمنوا عادوا إلى الإيمان ثم

(1) لويت الحبل افتلته ولوى الرجل رأسه والوى برأسه أمال وأعرض (صحاح).
510

كفروا وكفر اليهود بعيسى وارتد المنافقون مرة أخرى ثم ازدادوا كفرا بمحمد (صلى الله
عليه وآله وسلم) وتمادوا (1) في الغي وأصروا عليه حتى ماتوا.
القمي نزلت في الذين آمنوا برسول الله اقرارا لا تصديقا ثم كفروا لما كتبوا
الكتاب فيما بينهم أن لا يردوا الأمر في أهل بيته أبدا فلما نزلت الولاية وأخذ رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) الميثاق عليهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) آمنوا اقرارا لا
تصديقا فلما مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفروا وازدادوا كفرا.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) قال هما والثالث والرابع وعبد الرحمن وطلحة
وكانوا سبعة (الحديث) وذكر فيه مراتب ايمانهم وكفرهم.
وعن الصادق (عليه السلام) نزلت في فلان وفلان وفلان آمنوا برسول الله في أول
الأمر ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية حيث قال من كنت مولاه فعلي مولاه ثم
آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قالوا له بأمر الله وأمر رسوله فبايعوه ثم
كفروا حيث مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يقروا بالبيعة ثم ازدادوا
كفرا بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شئ، وفي رواية
أخرى عنهما (عليهما السلام) نزلت في عبد الله بن أبي سرح الذي بعثه عثمان إلى
مصر قال وازدادوا كفرا حتى لم يبق فيه من الايمان شئ وفي أخرى من زعم أن
الخمر حرام ثم شربها ومن زعم أن الزنا حرام ثم زنى ومن زعم أن الزكاة حق ولم
يؤدها لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا إلى الجنة لأن بصائرهم عميت عن
الحق فلا يتأتى منهم الرجوع إليه.
(138) بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما.
(139) الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم
العزة يتعززون بموالاتهم فإن العزة لله جميعا لا يتعزز إلا من أعزه الله وقد كتب العزة
لأوليائه كما قال عز وجل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.

(1) تمادى في الذنوب إذا لج وداوم وتوسع فيها ومثله تمادى في الجهل وتمادى في غيه (مجمع).
511

القمي نزلت في بني أمية حيث حالفوا على أن لا يردوا الأمر في بني هاشم.
(140) وقد نزل عليكم في الكتاب القرآن أن أنه إذا سمعتم آيات الله يكفر بها
ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره.
القمي آيات الله هم الأئمة (عليهم السلام).
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) والعياشي عن الرضا (عليه السلام) في
تفسيرها إذا سمعت الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع (1) في أهله فقم من عنده ولا
تقاعده.
وعن الصادق (عليه السلام) وفرض الله على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما
حرم الله وأن يعرض عما لا يحل له مما نهى الله عنه والإصغاء إلى ما أسخط الله فقال
في ذلك وقد نزل عليكم الآية قال ثم استثنى موضع النسيان فقال وإما ينسينك
الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين إنكم إذا مثلهم في الكفر ان رضيتم
به وإلا ففي الإثم لقدرتكم على الإنكار والإعراض إن الله جامع المنافقين والكافرين
القاعدين والمقعود معهم في جهنم جميعا.
(141) الذين يتربصون بكم ينتظرون وقوع أمر بكم فإن كان لكم فتح من الله
قالوا ألم نكن معكم مظاهرين لكم فأسهموا لنا فيما غنمتم وإن كان للكافرين نصيب
من الحرب قالوا للكافرين ألم نستحوذ عليكم ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم فأبقينا
عليكم والاستحواذ الاستيلاء وكان القياس أن يقال ألم نستحذ فجاءت على الأصل.
ونمنعكم من المؤمنين بأن أخذلناهم عنكم بتخييل ما ضعفت به قلوبهم وتوانينا في
مظاهرتهم، وكنا عيونا لكم حتى انصرفوا عنكم وغلبتموهم فأشركونا فيما أصبتم قيل
إنما سمي ظفر المسلمين فتحا وظفر الكافرين نصيبا لخسة حظهم فإنه مقصور على
أمر دنيوي سريع الزوال فالله يحكم بينكم يوم القيامة يفصل بينكم بالحق ولن يجعل
الله للكافرين على المؤمنين سبيلا بالحجة ان جاز أن يغلبوهم بالقوة.
في العيون عن الرضا (عليه السلام) قيل له ان في سواد الكوفة قوما يزعمون أن

(1) وقع في الناس اغتابهم (م).
512

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقع عليه السهو فقال كذبوا لعنهم الله ان الذي
لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو قيل وفيهم قوم يزعمون أن الحسين بن علي (صلوات
الله عليهما) لم يقتل وأنه القي شبهه على حنظلة بن سعد الشامي وأنه رفع إلى السماء
كما رفع عيسى بن مريم (عليه السلام) ويحتجون بهذه الآية ولن يجعل الله للكافرين
على المؤمنين سبيلا فقال كذبوا عليهم غضب الله ولعنته وكفروا بتكذيبهم النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) في أخباره بأن الحسين (عليه السلام) سيقتل والله لقد قتل
الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) وقتل من كان خيرا من الحسين أمير المؤمنين
والحسن بن علي (عليهما السلام) وما منا الا مقتول واني والله لمقتول باغتيال (1) من
يغتالني أعرف ذلك بعهد معهود إلي من رسول الله أخبره به جبرئيل عن رب العالمين
فاما قوله عز وجل ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا فإنه يقول لن يجعل
الله لكافر على مؤمن حجة ولقد أخبر الله تعالى عن كفار قتلوا نبيين بغير حق ومع
قتلهم إياهم لن يجعل الله لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة.
(142) إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم مضى تفسيره في أول سورة
البقرة وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى متثاقلين كالمكره على الفعل وقرئ كسالى
بالفتح يراؤون الناس ليخالوهم مؤمنين ولا يذكرون الله إلا قليلا إذ المرائي لا يفعل
إلا بحضرة من يرائيه.
في الكافي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من ذكر الله في السر فقد ذكر الله
كثيرا ان المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر فقال الله عز وجل
يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا.
(143) مذبذبين بين ذلك مرددين بين الإيمان والكفر من الذبذبة وهو جعل
الشئ مضطربا وأصله الذب بمعنى الطرد وقرئ بكسر الذال بمعنى يذبذبون قلوبهم أو
دينهم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء لا يصيرون إلى المؤمنين بالكلية ولا إلى الكافرين
كذلك يظهرون الإيمان كما يظهره المؤمنون ولكن لا يضمرونه كما يضمرون

(1) غاله الشئ واغتاله إذا أخذه من حيث لم يدر إلى أن قال واغتاله قتله غيلة (ص).
513

ويضمرون الكفر كما يضمره الكافرون ولكن لا يظهرونه كما يظهرون ومن يضلل الله
فلن تجد له سبيلا طريقا ومذهبا نظيره قوله ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
(144) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء (1)
من دون المؤمنين فإنه صنيع المنافقين وشعارهم أتريدون أن تجعلوا لله عليكم
سلطانا مبينا حجة بينة فان موالاة الكافرين دليل النفاق.
(145) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار فان للنار دركات كما أن
للجنة درجات سميت بهذا لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض والأسفل منها هي
التي في قعر جهنم ولن تجد لهم نصيرا يخرجهم منه.
(146) إلا الذين تابوا عن النفاق وأصلحوا ما أفسدوا من اسرارهم وأحوالهم
في حال النفاق واعتصموا بالله ووثقوا به وتمسكوا بدينه وأخلصوا دينهم لله لا
يريدون بطاعتهم الا وجهه فأولئك مع المؤمنين من عدادهم في الدارين وسوف يؤت
الله المؤمنين أجرا عظيما فيساهمونهم فيه.
(147) ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم يتشفى به غيظا أو يدفع به
ضرا أو يستجلب به نفعا سبحانه هو الغني المتعال عن النفع والضرر وإنما يعاقب
المصر على كفره لأن اصراره عليه كسوء مزاج يؤدي إلى مرض فإذا زال بالإيمان
والشكر ونقى نفسه عنه تخلص من تبعته وإنما قدم الشكر لأن الناظر يدرك النعمة أولا
فيشكر شكرا مبهما ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به كذا قيل وكان الله
شاكرا مثيبا يقبل اليسير ويعطي على القليل الجزيل عليما بحق شكركم وايمانكم.
(148) لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم.
في المجمع عن الباقر (عليه السلام) لا يحب الله الشتم في الإنتصار إلا من ظلم
فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الإنتصار به في الدين وفيه ونظيره وانتصروا
من بعد ما ظلموا.

(1) قوله عز وجل من دون المؤمنين في المقام وغيره كالصفة الموضحة إشارة أن ولاية الفار لا يجتمع وصف الإيمان.
514

والقمي ما يقرب منه قال وفي حديث آخر في تفسيرها إن جاءك رجل وقال فيك
ما ليس فيك من الخير والثناء والعمل الصالح فلا تقبله منه وكذبه فقد ظلمك.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) أنه الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن
ضيافته فلا جناح عليه أن يذكر سوء ما فعله.
والعياشي عنه (عليه السلام) في هذه الآية من أضاف قوما فأساء ضيافتهم فهو
ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه.
وعنه (عليه السلام) الجهر بالسوء من القول أن يذكر الرجل بما فيه وكان الله
سميعا لما يجهر به من سوء القول عليما بصدق الصادق وكذب الكاذب فيجازي كلا
بعمله.
(149) إن تبدوا خيرا تظهروا طاعة وبرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء مع
قدرتكم على الانتقام من دون جهر بالسوء من القول وهو المقصود ذكره وما قبله تمهيد
له ولذا رتب عليه قوله فإن الله كان عفوا قديرا لم يزل يكثر العفو عن العصاة مع كمال
قدرته على الانتقام وهو حث للمظلوم على العفو بعد ما رخص له في الانتصار حملا
على مكارم الأخلاق.
(150) إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله بأن
يؤمنوا بالله ويكفروا برسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض نؤمن ببعض الأنبياء
ونكفر ببعض كما فعلته اليهود صدقوا موسى (ع) ومن تقدمه من الأنبياء وكذبوا عيسى
ومحمدا (ع) وكما فعلت النصار صدقوا عيسى ومن تقدمه وكذبوا محمدا (صلى الله
عليه وآله وسلم) ويريدون أن يتخذوا بين ذلك بين الإيمان والكفر سبيلا طريقا إلى
الضلالة مع أن الإيمان بالله لا يتم إلا بالايمان برسله كلهم وتصديقهم فيما بلغوا عنه
كله فالكافر ببعض ذلك كافر بالكل فماذا بعد الحق الا الضلال فانى تصرفون.
(151) أولئك هم الكافرون الكاملون في الكفر حقا تأكيد لئلا يتوهم ان قولهم
نؤمن ببعض يخرجهم عن حيز الكفار وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا يهينهم ويذلهم.
515

القمي قال هم الذين أقروا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنكروا
أمير المؤمنين عليه السلام).
(152) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم بل آمنوا بجميعهم.
أولئك سوف يؤتيهم نعطيهم أجورهم الموعودة لهم سمي الثواب أجرا للدلالة على
استحقاقهم لها والتصدير بسوف للدلالة على أنه كائن لا محالة وان تأخر وقرأ يؤتيهم
بالياء وكان الله غفورا لم يزل يغفي ما فرط منهم من المعاصي رحيما يتفضل عليهم
بأنواع الإنعام.
(153) يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء.
في المجمع روي أن كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود قالوا يا محمد كنت
نبيا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى (عليه السلام) بالتوراة جملة فنزلت فقد
سألوا موسى أكبر من ذلك أي لا يعظمن عليك سؤالهم إياك إنزال الكتاب من السماء
فإنهم سألوا موسى أعظم من ذلك بعد ما أتاهم بالبيات الظاهرة والمعجزات الباهرة
وهذا السؤال وإن كان من آبائهم أسند إليهم لأنهم كانوا آخذين بمذهبهم تابعين لهم
والغرض أن عرفهم (1) راسخ في ذلك وان ما اقترحوا عليك ليس بأول جهالاتهم.
وسؤالهم لما يستحيل ثم اتخذوا العجل عبدوه من بعد ما جاءتهم البينات
المعجزات الباهرات فعفونا عن ذلك لسعة رحمتنا وآتينا موسى سلطانا مبينا حجة بينة
تبين عن صدقه.
(154) ورفعنا فوقهم الطور الجبل بميثاقهم ليقبلوه وقلنا لهم على لسان
موسى (عليه السلام) ادخلوا الباب باب حطة سجدا وقلنا لهم على لسان موسى وداود
لا تعدوا في السبت لا تتجاوزوا في يوم السبت ما أبيح لكم إلى ما حرم عليكم وأخذنا
منهم ميثاقا غليظا على ذلك.
(155) فبما نقضهم ميثاقهم يعني فخالفوا ونقضوا ففعلنا بهم ما فعلنا بسبب

(1) قوله عرقهم راسخ في ذلك أي أصلهم ثابت عليه وانطبع على قلوب هؤلاء حتى كأنهم ينشئون على الإبرام
والمحاجة.
516

نقضهم وما مزيدة للتأكيد ويجوز أن يكون الباء متعلقة بحرمنا عليهم طيبات متقدمة
عليه وكفرهم بآيات الله بحججه وأدلته وقتلهم الأنبياء بغير حق.
القمي قال هؤلاء لم يقتلوا الأنبياء وإنما قتلهم أجداد هم فرضي هؤلاء بذلك
فألزمهم الله القتل بفعل أجدادهم وكذلك من رضي بفعل فقد لزمه وان لم يفعله.
وقولهم قلوبنا غلف أوعية للعلوم أو في أكنة كما مر تفسيره بل طبع الله عليها بكفرهم
فجعلها محجوبة عن العلم وخذلها ومنعها التوفيق للتدبر في الآيات والتذكر بالمواعظ
فلا يؤمنون إلا قليلا منهم أو إيمانا قليلا لا عبرة به لنقصانه.
(156) وبكفرهم بعيسى (عليه السلام) وقولهم على مريم بهتانا عظيما يعني
نسبتها إلى الزنا.
في المجالس عن الصادق (عليه السلام) ان رضى الناس لا يملك وألسنتهم لا
تضبط ألم ينسبوا مريم ابنة عمران إلى أنها حملت بعيسى (عليه السلام) من رجل
نجار (1) اسمه يوسف.
(157) وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله يعني رسول الله
بزعمه نظيره ان رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون وذلك لما رفعه الله إليه وما قتلوه
وما صلبوه ولكن شبه لهم قد مضى ذكر هذه القصة في سورة آل عمران عند قوله
تعالى إذ قال الله يا عيسى انى متوفيك ورافعك إلي وقيل إنما أذمهم الله بما دل عليه
الكلام من جرأتهم على الله وقصدهم قتل نبيه المؤيد بالمعجزات القاهرة
وبتجحجحهم (2) به لا لقولهم هذا على حسب حسبانهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي
شك منه قيل لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس فقال بعض اليهود انه كان كاذبا
فقتلناه حقا وتردد آخرون فقال بعضهم إن كان هذا عيسى (عليه السلام) فأين صاحبنا

(1) وفي بعض النسخ المصححة بخار بتقديم الباء الموحدة على الخاء المعجمة أي بايع البخورات.
(2) الجحجح بتقديم الجيم المفتوحة ثم الحاء الساكنة ثم الجيم المفتوحة ثم الحاء وزان سلسل السيد وكسلسال أيضا
(ج) كسلاسل وجبابرة وحواصيل وكهدهد الكبش العظيم والمراد هنا التسيد والافتخار واظهار القوة والشجاعة.
517

وقال بعضهم الوجه وجه عيسى (عليه السلام) والبدن بدن صاحبنا وقال من سمع منه ان
الله يرفعني إلى السماء رفع إلى السماء وقال قوم صلب (1) الناسوت وصعد اللاهوت
ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ولكنهم يتبعون الظن وما قتلوه يقينا قتلا يقينا كما
زعموه أو تأكيد لنفي القتل يعني حقا.
(158) بل رفعه الله إليه رد وانكار لقتله واثبات لرفعه.
في الفقيه عن السجاد (عليه السلام) ان لله بقاعا في سماواته فمن عرج به إلى
بقعة منها فقد عرج به إليه ألا تسمع الله يقول في قصة عيسى بن مريم بل رفعه الله
إليه.
القمي رفع وعليه مدرعة من صوف.
والعياشي عن الصادق (عليه السلام) قال رفع عيسى بن مريم بمدرعة صوف من
غزل مريم ومن نسج مريم ومن خياطة مريم فلما انتهى إلى السماء نودي يا عيسى الق
عنك زينة الدنيا.
وفي الإكمال عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن عيسى بن مريم أتى إلى
بيت المقدس فمكث يدعوهم ويرغبهم فيما عند الله ثلاثة وثلاثين سنة حتى طلبته
اليهود وادعت أنها عذبته ودفنته في الأرض حيا وادعى بعضهم أنهم قتلوه وصلبوه وما
كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه وإنما شبه لهم وما قدروا على عذابه ودفنه ولا على
قتله وصلبه لأنهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله ولكن رفعه الله إليه بعد أن
توفاه وقد سبق صدر هذا الحديث في سورة آل عمران وكان الله عزيزا لا يغلب على ما
يريده حكيما فيما دبر لعباده.
(159) وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قيل يعني ما من اليهود
والنصارى أحد إلا ليؤمنن بأن عيسى (عليه السلام) عبد الله ورسوله قبل أن يموت ولو
حين تزهق روحه ولا ينفعه ايمانه وبه رواية عنهم (عليهم السلام) ويوم القيامة يكون

(1) قوله صلب الناسوت: يعني عالم الناسوت وصعد إلى عالم اللاهوت.
518

عليهم شهيدا فيشهد على اليهود بالتكذيب وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله.
القمي عن شهر بن حوشب قال قال لي الحجاج يا شهر آية في كتاب الله قد
أعيتني فقلت أيها الأمير أية آية هي فقال وان من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته
والله لأني أمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه ثم أرمقه (1) بعيني فما آراه يحرك شفتيه
حتى يخمد (2) فقلت أصلح الله الأمير ليس على ما تأولت قال كيف هو قلت إن عيسى
(عليه السلام) ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا غيره إلا آمن
به قبل موته ويصلي خلف المهدي (عليه السلام) قال ويحك أنى لك هذا ومن أين
جئت به فقلت حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات
الله عليهم) فقال جئت بها من عين صافية.
قال القمي وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رجع آمن به الناس
كلهم.
والعياشي عن الباقر (عليه السلام) في تفسيرها ليس من أحد من جميع الأديان
يموت إلا رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهم)
حقا من الأولين والآخرين.
وعن الصادق (عليه السلام) إنما ايمان أهل الكتاب إنما هو بمحمد (صلى الله
عليه وآله وسلم).
وفي المجمع في أحد معانيها ليؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل
موت الكتابي قال ورواه أصحابنا.
وفي الجوامع عنهما (عليهما السلام) حرام على روح أن تفارق جسدها حتى
ترى محمدا وعليا والأخبار في هذا المعنى كثيرة (3).

(1) رمقه بعينه رمقا من باب قتل أطال النظر إليه (مجمع).
(2) خمد المريض أغمي عليه أو مات (م).
(3) منها ما رواه الامامية ان المحتضرين من جميع الأديان يرون رسول الله وخلفائه عند الموت ويروون في ذلك عن
علي (ع) أنه قال للحارث الهمداني (يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا، يعرفني طرفه وأعرفه، بعينه
واسمه وما فعلا، والمراد برؤيتهم في ذلك الحال العلم بثمرة ولا يتهم وعداوتهم علم اليقين بعلامات يجدونها من نفوسهم
ومشاهدة أحوال يدركونها كما قد روي أن الإنسان إذا عاين الموت أري في تلك الحالة ما يدله على أنه من أهل الجنة أو من
أهل النار.
519

والعياشي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال هذه نزلت فينا
خاصة إنه ليس رجل من ولد فاطمة يموت ولا يخرج من الدنيا حتى يقر للامام وبامامته
كما أقر ولد يعقوب ليوسف حين قالوا تالله لقد آثرك الله علينا.
أقول: يعني أن ولد فاطمة هم المعنيون بأهل الكتاب هنا وذلك لقوله سبحانه
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فإنهم المرادون بالمصطفين هناك كما يأتي
ذكره عنده تفسيره.
(160) فبظلم من الذين هادوا فبظلم عظيم منهم حرمنا عليهم طيبات أحلت
لهم قيل هي التي ذكرت في قوله سبحانه وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر
(الآية).
وفي الكافي والعياشي والقمي عن الصادق عليه السلام) من زرع حنطة في
أرض ولم يزك زرعه فخرج زرعه كثير الشعير فبظلم عمله في ملك رقبة الأرض أو
بظلم لمزارعيه واكرته (1) لأن الله يقول فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات
أحلت لهم يعني لحوم الإبل والبقر والغنم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (2).
(161) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل بالرشوة
وغيرها من الوجوه المحرمة وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما دون من تاب وآمن.
(162) لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما
أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة قيل يعني ويؤمنون بالمقيمين الصلاة يعني الأنبياء
وقيل بل نصب على المدح وقرئ في الشواذ بالرفع والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله

(1) في الحديث ذكر الأكار بالفتح والتشديد وهو الزراع والأكرة بالضم الحفرة وبها سمي الأكار وأكرت النهر من
باب ضرب شققته (م).
(2) وبمنعهم عباد الله عن دينه وسبيله التي شرعها لعباده صدا كثيرا وكان صدهم عن سبيل الله بقولهم على الله
الباطل وادعائهم ان ذلك على الله وتبديلهم كتاب الله وتحريفهم معانيه عن وجوهه وأعظم من ذلك كله جحدهم نبوة
محمد (ص) تركهم بيان ما عملوه من امره لمن جهله من الناس عن مجاهد وغيره (مجمع البيان).
520

واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما لجمعهم بين الإيمان الصحيح والعمل
الصالح.
(163) إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده قيل هذا جواب
لأهل الكتاب عن اقتراحهم أن ينزل عليهم كتابا من السماء واحتجاج عليهم بأن أمره
في الوحي كسائر الأنبياء الذين تقدموه وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا وقرئ
بضم الزاي.
(4 16) ورسلا وأرسلنا رسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم
عليك وكلم الله موسى تكليما قيل وهو منتهى مراتب الوحي خص به موسى من بينهم
وقد فضل الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن أعطاه مثل ما أعطى كل واحد
منهم.
العياشي عنهما (عليهما السلام) إني أوحيت إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين
من بعده فجمع له كل وحي.
وفي الكافي (1) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطيت السور الطوال مكان
التوراة وأعطيت المئين مكان الإنجيل وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت
بالمفصل ثمان وستون سورة.
وفيه وفي الإكمال والعياشي عن الباقر (عليه السلام) وكان بين آدم ونوح من
الأنبياء مستخفين ومستعلنين ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسموا كما سمي من
استعلن من الأنبياء وهو قول الله عز وجل ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا
لم نقصصهم عليك يعني لم يسم المستخفين كما سمى المستعلنين من الأنبياء.
وفي الخصال عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الله ناجى موسى (عليه
السلام) بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيام ولياليهن ما طعم فيها

(1) قد تقدم في المقدمة الأولى شرح هذا الحديث من (المصنف قدس سره) فراجع.
521

موسى (عليه السلام) ولا شرب فيها فلما انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلامهم
مقتهم (1) لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام الله عز وجل.
وفي التوحيد عن الكاظم (عليه السلام) في حديث فخرج بهم إلى طور سيناء
فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور وسأل الله تعالى أن يكلمه ويسمعهم
كلامه فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام
ان الله عز وجل أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثا منها حتى يسمعوه من جميع
الوجوه.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) كلم الله موسى تكليما بلا جوارح وأدوات
وشفة ولا لهوات سبحانه وتعالى عن الصفات.
وعنه (عليه السلام) في حديث وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات وكلام
الله ليس بنحو واحد منه ما كلم الله به الرسل ومنه ما قذفه في قلوبهم ومنه رؤيا يراها
الرسل ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ فهو كلام الله فاكتف بما وصفت لك من كتاب الله
فان معنى كلام الله ليس بنحو واحد فان منه ما تبلغ رسل السماء رسل الأرض.
وفي الاحتجاج في مكالمة اليهود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا موسى
خير منك قال ولم قالوا لأن الله تعالى كلمه أربعة آلاف كلمة ولم يكلمك بشئ فقال
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك قالوا وما ذاك قال قوله
عز وجل سبحان الذي أسرى بعبده ليلا (الآية) ويأتي تمام الحديث في سورة بني إسرائيل
إن شاء الله.
(165) رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل
فيقولوا لولا أرسلت الينا رسولا فينبهنا ويعلمنا ما لم نكن نعلم وكان الله عزيزا لا
يغلب فيما يريده حكيما فيما دبر.
(166) لكن الله يشهد بما أنزل إليك قيل لما نزلت إنا أوحينا إليك قالوا ما

(1) مقته مقتا من باب قتل ابغضه أشد البغض عن أمر قبيح فهو مقيت وممقوت (م).
522

نشهد لك بهذا فنزلت أنزله بعلمه بأنك مستأهل له والملائكة يشهدون أيضا وكفى بالله
شهيدا وإن لم يشهد غيره.
القمي عن الصادق (عليه السلام) إنما أنزلت لكن الله يشهد بما أنزل إليك في
علي في الآية.
(167) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا لأنهم
جمعوا بين الضلال والإضلال ولأن المضل يكون أغرق في الضلال وابعد من
الانقلاع عنه.
(168) إن الذين كفروا وظلموا جمعوا بينهما لم يكن الله ليغفر لهم ولا
ليهديهم طريقا.
(169) إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا.
في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) قال نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا
ان الذين كفروا وظلموا آل محمد (صلوات الله عليهم) حقهم لم يكن الله (الآية).
والقمي قرأ أبو عبد الله إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم (الآية).
(170) يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم
ايمانا خيرا لكم أو آتوا أمرا خيرا لكم أو يكن الإيمان خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما
في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما.
في الكافي والعياشي عن الباقر (عليه السلام) قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم
في ولاية علي فآمنوا خيرا لكم وان تكفروا بولاية علي (الآية).
(171) يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غلت اليهود في حط عيسى (عليه
السلام) حتى رموه بأنه ولد لغير رشده (1) والنصارى في رفعه حتى اتخذوه إلها ولا
تقولوا على الله إلا الحق يعني تنزيهه عن الشريك والصاحبة والولد إنما المسيح

(1) وهو لرشدة بكسر الراء والفتح لغة أي صحيح النسب ولغير رشدة بخلافه وعن الأزهري الفتح في لرشدة
ولزينة أفصح من الكسر (مجمع).
523

عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم أوصلها إليها وحصلها فيها وروح
منه صدرت منه.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عنها قال هي روح مخلوقة خلقها
الله في آدم وعيسى.
وفي التوحيد عن الباقر (عليه السلام) روحان مخلوقتان اختارهما واصطفا هما
روح آدم وروح عيسى (عليه السلام) فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا الآلهة ثلاثة الله
والمسيح ومريم كما يدل عليه قوله تعالى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من
دون الله انتهوا عن التثليث خيرا لكم مر نظيره إنما الله إله واحد وحدة حقيقية لا
يتطرق إليها نحو من أنحاء الكثرة والتعدد أصلا سبحانه أن يكون له ولد سبحه تسبيحا
من أن يكون له ولد كيف والولد لابد أن يكون مماثلا للوالد تعالى الله أن يكون له
مماثل ومعادل له ما في السماوات وما في الأرض ملكا وملكا وخلقا لا يماثله شئ من
ذلك فيتخذه ولدا وكفى بالله وكيلا تنبيها على غناه عن الولد فان الحاجة إليه إنما
تكون ليكون وكيلا لأبيه والله سبحانه قائم بحفظ الأشياء كاف في ذلك مستغن عمن
يخلفه أو يعينه.
(172) لن يستنكف المسيح لن يأنف (1) أن يكون عبدا لله لأن عبودية الله
شرف يباهي به وإنما المذلة والاستنكاف في عبودية غيره، وروي أن وفد نجران قالوا
لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تعيب (2) صاحبنا قال ومن صاحبكم قالوا
عيسى قال وأي شئ أقول قالوا تقول إنه عبد الله قال إنه ليس بعار أن يكون عبدا لله
قالوا بلى فنزلت ولا الملائكة المقربون ولا يستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا
عبيدا لله ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر ويترفع عنها والاستكبار دون الاستنكاف
وإنما يستعمل حيث لا استحقاق بخلاف التكبر فإنه قد يكون باستحقاق كما هو في الله
سبحانه فسيحشرهم إليه جميعا المستنكف والمستكبر والمقر بالعبودية فيجازيهم

(1) أنف من الشئ يأنف أنفا أي استنكف واستكبر.
(2) عيبه أي نسبه إلى العيب وعيبه أيضا إذا جعله ذا عيب وتعيبه مثله (مجمع).
524

على حسب أحوالهم.
(173) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من
فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون
الله وليا ولا نصيرا ظاهر المعنى.
(174) يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا قيل
البرهان رسول الله والنور القرآن وقيل البرهان المعجزات والنور القرآن أي جاءكم
دلائل العقل وشواهد النقل ولم يبق لكم عذر ولا علة.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) النور ولاية علي (صلوات الله وسلامه
عليه).
(175) فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه ثواب
مستحق وفضل واحسان زائد عليه ويهديهم إليه أي إلى الله أو إلى الموعود من
الرحمة والفضل صراطا مستقيما قد مضى تحقيق معنى الصراط في سورة الفاتحة.
العياشي عن الصادق (عليه السلام) البرهان محمد والنور علي والصراط
المستقيم علي (صلوات الله عليهما).
والقمي النور امامة أمير المؤمنين والاعتصام التمسك بولايته وولاية الأئمة
بعده.
(176) يستفتونك أي في الكلالة كما يدل عليه الجواب، روي أن جابر بن
عبد الله كان مريضا فعاده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله ان لي
لكلالة فكيف أصنع في مالي فنزلت قل الله يفتيكم في الكلالة قد مضى تفسيرها في
أول السورة إن امرؤ أهلك ليس له ولد وله أخت أي أخت لأم وأب أو أخت لأب كذا عن
الصادق (عليه السلام) كما مر فلها نصف ما ترك وهو يرثها أي والمرء يرث أخته جميع
مالها إن كانت الأخت هي الميتة إن لم يكن لها ولد ولا والد لأن الكلام في ميراث
الكلالة ولأن السنة دلت على أن الأخوة لا يرثون مع الأب كما تواتر عن أهل البيت
525

(عليهم السلام) فإن كانتا اثنتين الضمير لمن يرث بالاخوة فلها الثلثان مما ترك وإن
كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين.
القمي عن الباقر (عليه السلام) إذا مات الرجل وله أخت تأخذ نصف الميراث
بالآية كما تأخذ البنت لو كانت والنصف الباقي يرد عليها بالرحم إذا لم يكن للميت
وارث أقرب منها فإن كان موضع الأخت أخ أخذ الميراث كله بالآية لقول الله وهو
يرثها ان لم يكن لها ولد فان كانت أختين أخذتا الثلثين بالآية والثلث الباقي بالرحم
وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين وذلك كله إذا لم يكن للميت ولد
وأبوان أو زوجة ومضمون هذا الخبر مروي في كثير من الأخبار المعصومية المروية في
الكافي وغيره.
يبين الله لكم أن تضلوا قيل أي يبين لكم ضلالكم الذي من شأنكم إذا خليتم
وطبائعكم لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه أو يبين لكم الحق والصواب كراهة أن تضلوا
أو لئلا تضلوا والله بكل شئ عليم فهو عالم بمصالح العباد والمحيا والممات قيل
هي آخر آية نزلت في الأحكام.
في ثواب الأعمال والعياشي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من قرأ سورة النساء
في كل جمعة آمن من ضغطة القبر إن شاء الله تعالى.
526