الكتاب: فتح الملك العلى
المؤلف: أحمد بن الصديق المغربي
الجزء:
الوفاة: ١٣٨٠
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: تحقيق وتعليق وتصحيح الأسانيد : محمد هادي الأميني
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٣٦٢ ش
المطبعة: مطابع نقش جهان - طهران
الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (ع) العامة - اصفهان
ردمك:
ملاحظات:

فتح الملك العلى
بصحة حديث باب مدينة العلم علي
1

بسم الله الرحمن الرحيم
مكتبة الإمام أمير المؤمنين (ع) العامة
أصفهان - إيران
فتح الملك العلى بصحة حديث باب مدينة العلم علي
للإمام المحدث
أحمد بن محمد بن الصديق الحسني المغربي
المتوفى 1380
حققه وعلق حواشيه وصحح أسانيده
محمد هادي الأميني
3

بسم الله الرحمن الرحيم
بعد الانتهاء من تحقيق الكتاب وإخراج أسانيده ومصادره
والتعليق عليه... رفعته إلى مقام سماحة شيخنا الأكبر الحجة
المجاهد... الشيخ الأميني - صاحب الغدير - أخذ الله بيده ووقاه
من كل سوء، للنظر فيه وملاحظته، وبعد أيام تلقيت من سماحته
الكتاب، مشفوعا بالرسالة الكريمة التالية...
4

مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة
التاريخ 4 / ربيع الأول / 1388
بسمه تعالى وله الحمد
ولدنا العزيز الأستاذ المفضال الشيخ محمد هادي الأميني
سلام عليك ورحمة الله وبركاته:
وبعد: أخذت ألو كتك؟؟؟، وسرني أيما سرور نبأ صحتك
أدامها الله لك - وتلقيت ما بعثته إلينا من كتاب - فتح
الملك العلي - ووقفت على ما علقت عليه، فأعجبني جهدك
هذا، وقد زدت بذلك على رونق الكتاب غرة وبهاءا،
وأضفت إلى حسنه زهرة وكمالا، أخذ الله بعضدك في خدمة
العلم والدين، وأوسع خطواتك، وأبعد أشواطك.
وهذا الكتاب... حقا من حسنات الدهر، ومآثر
الفضيلة، مفعم بالغرر والدرر، مشحون بالدقائق والحقائق،
ومؤلفه صدقا علامة فذ، رجل العلم والتحقيق، جاء في سفره
الكريم هذا بدروس عالية، من فنون الحديث، وأبحاثا
راقية من علوم السنة، وفرائد وفوائد جمة من الدراية
ومعرفة الرجال، تضم كل صحيفة منه من أبواب الجرح
والتعديل حقائق قصر عنها يراع الأولين، وخلت منها
زبر الآخرين.
5

وإني منذ طالعته قبل ردح من الزمن لم أفارقه قط، وإنما
أمعن النظرة فيه مرة بعد أخرى، وأعيد جدة الوقفة دونه
والأخذ من منابع علمه الفضفاض، وقد أخذ بمجامع قلبي
حتى إني لو كنت تمكنت من حفظه لحفظته مع كبر سني
برمته بالشوق المؤكد، فعليك بمطالعة أمثاله من الكتب
النفيسة القيمة وقلما هي، ومن الله التوفيق.
شكر الله سعيك هذا وراء العلم الناجع، وأحسن جزاء
ناشره، وأجزل مثوبته.
والسلام عليك من والدك
عبد الحسين أحمد الأميني النجفي (1)

1 - توفي رضي الله عنه يوم الجمعة 28 ربيع الثاني
1390 ه‍.
6

تقديم الكتاب
- 1 -
لشيخنا الأكبر الحجة المجاهد الشيخ الأميني - من الله علينا بشفائه
وعافيته وبارك في عمره - رغبة ملحة في دفع معشر المؤلفين والعاملين في حقلي
البحث والتحقيق على اختلاف إتجاهاتهم وأساليبهم في الكتابة والتأليف..
إلى مطالعة وقراءة قسم كبير من كتب إخواننا أهل السنة... والوقوف
على مؤلفاتهم القيمة الكثيرة التي تصور التراث العربي الاسلامي، وتتبع
بحوثهم وعرفان نظرياتهم وآرائهم في كافة المجالات الفكرية... إذا هم
أرادوا أن يعلموا ويستقصوا حقائق الحضارة العربية الإسلامية، ويستنبطوا
منها العلم والأدب صفوا وميسرا ملائما لطبيعة ثقافتهم الصحيحة، وذلك
لوجود كتب وكنوز هامة لهم.. أودعوا فيها فوائد قيمة ونظريات
صائبة تنفع الخاصة من المتفرغين للبحث والاستقصاء والانتاج.
ولم يزل هذا ديدن سماحته.. في كل مجلس ومحفل وحتى
في اجتماعاته الخاصة بالمؤلفين وعند توجيههم وبيان خطط رئيسة لهم، ورسمها
الذي ينبغي التأليف على ضوئه ونهجه والسير على هديه، لا في بحث خاص
وإنما في كافة المواضيع من التاريخ والأدب والفقه واللغة وغيرها، فيفرغ
قبيل التأليف وخلاله لدرس قسم من الكتب المؤلفة في الموضوع الذي يرغب
الكتابة فيه.. وتحقيقها ثم دفعه وإعداده للنشر ليخرج بوجه صحيح
دقيق وقد ظهر عليه الجهد العلمي والأدبي.
7

وواضح جدا أن التأليف بهذا الشكل والجهد الثقيل يأخذ مكانه
اللائق في المكتبة العربية ويبقى خالدا مع التاريخ.. والحياة.. للمتعة
الفكرية المودوعة فيه وحيويتها وخصبها.
فكان على المؤلف.. أن يتابع نهجا صحيحا دقيقا يسدي بتأليفه
خدمة للفكر والثقافة، ويودع فيه قيما فكرية تخلده وإن اعترضته صعوبات
كثيرة، ومعنى ذلك أنه يحمل للناس في كتابه من القيم الفكرية والخصائص
الأدبية والفوائد العلمية التي كانوا يجهلونها.
ومن تلكم الكتب التي يحاول سماحة شيخنا.. أن يدفع زمرة
المؤلفين إلى مطالعتها، هذا الكتاب القيم الذي بين يديك فطالما حدثني عنه
ورغب إلي اقتنائه والنظر فيه ولو مرة واحدة..
لقد مرت شهور وتلتها أخرى وشاءت الظروف - وما أجملها في بعض
الأحايين - أن اجتمع بالوجيه الجليل الأستاذ محمد كاظم الكتبي.. هذا
الشهم الذي أخذ على نفسه بذل ماله في غير تردد وفي سخاء رائع، لإحياء
التراث الاسلامي والفكر العربي، وإخراجه إلى الناس على أحسن وجه ممكن.
أجل شرفت باجتماعه لأدفع إليه كتابي الذي حققته وعلقت حواشيه
ووضعت فهارسه - أخبار شعراء الشيعة - لأبي عبد الله محمد بن عمران
ابن موسى المرزباني الخراساني المتوفى 384، للطبع والنشر وبعد أحاديث
أدبية وتحدث فرغنا منه، أتحفني بكتاب وقال: لي رغبة في طبعه ولكن
بصورة محققة فقد كثر الطلب عليه وأصبح من النوادر، وبعد أن سمعت
الحجة شيخنا الأكبر.. يثني عليه وعلى مؤلفة ويرغب الناس على
مطالعته واقتنائه.. وأحب أن تقوم أنت بهذه المهمة الشريفة والغاية
الفكرية الجليلة.
لقد كنت في تقبل طلب - أبي صادق - من الزاهدين لأعمالي
8

الكثيرة
المنطقة بالبحث والتحقيق، ولكني أخذت الكتاب فوجدته - فتح
الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي - ومع العذر والشكر
المتواصل الخالص الصادق من - أبي صادق - أرجعت إليه الكتاب، وبعد
أيام سعدت بلقاء شيخنا الأكبر الوالد المعظم.. وأخبرته بالموضوع
فوجدته متأسفا ومتأثرا من عدم قبولي الكتاب، فأمرني أن أتقبل
الكتاب وأعمل في تحقيقه، وإخراج أسانيده ومصادره، وإن اقتضى
ترك وتعطيل بقية شؤوني الخاصة والعامة.. فامتثالا لأمره الكريم
المطاع.. عدت إلى.. - أبي صادق - وأخذت منه الكتاب
وانصرفت إلى تهذيبه وتعيين مصادره وترجمة رجاله، وأنا في كل ذلك اسأل
الله أن يكتب لي التوفيق فيه ويفيض علي من هدايته، ويهيئ لنا من أمرنا رشدا.
ولما بلغت النهاية وانتهى الكتاب بعون الله.. كان قد توجه
شيخنا الأكبر... إلى إيران للسكون والراحة والتداوي، فأرسلته
إلى حضرته ورجوته النظر في الكتاب وحواشيه وتعليقاتي عليه، وبعد
أيام عاد الكتاب من طهران ومعه الرسالة الكريمة المدونة في أول الكتاب
ص 5 وهي إن دلت على شئ فإنما تدل على مبلغ رضاه ومنتهى إعجابه
به.. ففيها آيات تقديره وإكباره، ولله الحمد والمنة.
* * *
أما مؤلف الكتاب فهو أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الحسني
المغربي المتوفى 1380، محدث حافظ من أهل المغرب الأقصى (1).
ولم يعرف عنه أكثر من هذه الكلمات.

(1) معجم المؤلفين 13: 368.
9

والذي يبدو من كتاباته وتعليقاته على بعض كتب الحديث أن المترجم له
اشتغل بالحديث والتفقه فيه وانصرف إلى دراسته وتدريسه سنين متمادية،
وأصبح بحكم انصرافه له متضلعا وحافظا ومحدثا وإماما ولعله رغب إليه منذ
الصغر، فجالس الحفاظ والمحدثين في المغرب الأقصى أولا، وبعد انتقاله
إلى القاهرة والاجتماع بأئمة الحديث هناك والأخذ عنهم والقراءة عليهم.
لقد كانت البحوث التي خاضها المؤلف.. والتعليقات التي سطرها على
بعض الكتب موضع تقدير وعناية المؤلفين في البلاد الإسلامية لما وجدوا
فيها من مواد علمية دسمة ومعلومات في الدراية وافرة جديرة بالدراسة
والمطالعة والاستفادة كما ذهب إليه سيدنا الإمام شرف الدين في المراجعات
ص 194، 213.
إن للمترجم له.. مؤلفات وكتابات كثيرة ذكر بعضها في تضاعيف
كتابه منها:
فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي (1).
سبل السعادة وأبوابها بصحة حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها (2).
إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون (3).
المعجم الوجيز للمستجيز (4).
ومهما يكن من أمر فالكتاب بحث قيم مستفيض حول صحة حديث
النبي - ص -: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب -
وتصحيح لسنده وطرقه ورجاله، ودفاع عنه بما وسعه من القول والكلام

(1) طبع للمرة الأولى في القاهرة عام 1354 ويحتوي على 102 ص.
(2) ذكره في كتابه فتح الملك العلي ص 102 ط الأولى.
(3) المصدر السابق ص 90.
(4) معجم المؤلفين 13: 368.
10

فأشبعه بحثا وتحقيقا وعزز كلامه بآراء الحفاظ وأئمة الحديث ونظرياتهم.
والواقع أن القارئ.. للكتاب يعرف مدى ما أتى الله مؤلفه
من فضل وعلم وأدب واطلاع واسع، وخبرة كاملة بالأحاديث وكتب الدراية
والرجال وكأنه سبحانه.. أودع كل هذا في قلبه الكبير.
- 2 -
أثناء اشتغالي بتحقيق نصوص الكتاب وتصحيحه وتعيين مصادره
ووضع فهارس فنية تجلو ما في دفتي الكتاب هذا من تراجم وآيات قرآنية
وأعلام والكتب التي حفلت بذكر أسمائها أصل الكتاب وحواشيه..
والجهد الذي بذلت والعناء الذي عانيت، مع علمي أن لم أقارب الغاية
والكمال.. فقد كانت لي بعض الملاحظات على ما جاء في مقدمة المؤلف
بعد أن ألفت نظري إليها شيخنا الأكبر.. الشيخ الأميني..
مع اليقين أن المؤلف قد برع في فن الحديث، ويعدم المتصفح لكتابه
هذا أن يجد له هفوات تتعلق بصحة حديث باب مدينة العلم نفسه.
فقد قال في المقدمة: إن هناك أحاديث صححها بعض الحفاظ وأفردوا
فيها كتبا منها: حديث الطير، وحديث الموالاة، وحديث رد الشمس،
ثم ذكر بعض الحفاظ حسب اطلاعه وعلمه، وفاته بيان كثير منهم لذلك
أثبت في الفصل هذا ذكر الحفاظ الذين وقفت عليهم خلال مطالعاتي
في المعاجم مشاركة مني في إحقاق التاريخ وتكامل الموضوع وعسى أن
أسدي به إلى المكتبة العربية برا عاجلا إلى جانب عمل المؤلف الكريم
الجدير باستحاق الثناء والاجلال.
قال: أما (حديث الطير) فقد أفرده بالتأليف الحافظان أبو طاهر
11

محمد بن أحمد بن حمدان أحد تلامذة الحاكم، وأبو عبد الله محمد بن أحمد
ابن عثمان الذهبي.. وإليك ما ذهب علي المؤلف ذكره من الحفاظ
الذين أفردوا في حديث الطير تأليفا خاصا:
1 الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي
المتوفى 332 مولى بني هاشم وكان أبوه نحويا صالحا يلقب بعقدة وإليه
كان المنتهى في قوة الحفظ وكثرة الحديث وصنف في الأبواب والتراجم
والحديث حتى قال عنه الحاكم ابن البيع: ما رأيت لحديث الكوفيين أحفظ
من أبي العباس بن عقدة وكان يحفظ مائة ألف حديث بأسانيدها، وعلى حد
تعبير الدارقطني كان ابن عقدة يعلم ما عند الناس ولا يعلم الناس ما عنده (1)
له مؤلفات كثيرة في الحديث منها كتاب خاص في طرق حديث الطير (2).
2 أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري
المتوفى 310 استوطن بغداد وأقام بها إلى حين وفاته وكان أحد أئمة العلماء
يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله وقد جمع من العلوم ما لم يشاركه
فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله عارفا بالقراءات بصيرا
بالمعاني فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها
وناسخها ومنسوخها عارفا بأقوال الصحابة والتابعين وأيام الناس وأخبارهم
وله مؤلفات كثيرة (3) وقد جمع في مجلد خاص طرق هذا الحديث وألفاظه (4).
3 - أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم أحمد بن

(1) تذكرة الحفاظ 3: 55، لسان الميزان 1: 263، ميزان الاعتدال 1: 64.
(2) عبقات الأنوار 4: 218.
(3) تاريخ بغداد 2: 162، المنتظم 6: 170، تذكرة الحفاظ 2: 251،
شذرات الذهب 2: 260، معجم الأدباء 20: 94، البداية والنهاية 11: 145.
(4) العبقات 4: 4، البداية والنهاية 11: 146، تهذيب التهذيب 7: 337.
12

الحكم الضبي النيسابوري الحاكم الشافعي المعروف بابن البيع المتوفى 405 / 403
كان إمام المحدثين والحفاظ طلب الحديث منذ الصغر وسمع على شيوخ
يزيدون على ألفي شيخ وقرأ القراءات على جماعة ورحل إلى خراسان
وما وراء النهر، بلغت تصانيفه قريبا من خمسمائة جزء وتفقه على ابن
أبي هريرة وأبي سهل الصعلوكي وغيرهم، ومن مصنفاته كتاب جمع فيه
طرق هذا الحديث وقال: أما حديث الطير فله طرق كثيرة جدا قد أفردتها
بمصنف ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل (1).
4 - أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك بن موسى بن جعفر
الإصبهاني المتوفى 410، محدث حافظا مفسر مؤرخ له التفسير الكبير
في سبع مجلدات، المستخرج على صحيح البخاري، والتاريخ والأمالي (2)
وكتاب جمع فيه طرق هذا الحديث وأسانيده (3).
5 - الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى
ابن مهران الإصبهاني الشافعي المتوفى 430 (4) أحد أئمة الحديث وأكابر
الحفاظ الثقات وقد أجمع الناس علي إمامته وفضله وعلمه وسعة اطلاعه
ولم يكن له غذاء سوى التسميع والتصنيف، وقد جاء أن أصحاب
الحديث كانوا يقولون بقي الحافظ أربع عشرة سنة بلا نظير لا يوجد

(1) العبقات 4: 5، أعيان الشيعة 45: 290، المستدرك 3: 130، تاريخ
بغداد 5: 473، طبقات الشافعية 3: 64.
(2) شذرات الذهب 3: 190، تذكرة الحفاظ 3: 238، كشف
الظنون 1: 439.
(3) العبقات 4: 5.
(4) المنتظم 8: 100، تذكرة الحفاظ 3: 7، لسان الميزان 1: 201،
ميزان الاعتدال 1: 52.
13

شرقا ولا غربا أعلى إسنادا منه، ولا أحفظ منه، أجاز له مشايخ الدنيا
وتهيأ له من لقى الكبار ما لم يقع لحافظ، له من التأليف حلية الأولياء
والأربعين، وفضائل الخلفاء، وكتاب الفتن، وتاريخ إصبهان، والمستخرج
على البخاري، والمستخرج على مسلم، وكتاب في حديث الطير وسنده (1).
هذا وأما (حديث الموالاة) فقد أفرد فيه حسب علم المؤلف
الحافظ أبو العباس ابن عقدة وأبو عبد الله الذهبي.. وإليك بعض
من لم يذكره المؤلف:
6 - أبو الحسن علي بن عبد الرحمان بن عيسى بن عروة بن الجراح
القناتي المتوفى 413 كاتب مؤرخ مؤلف، له من الكتب: نوادر الأخبار،
طرق خبر الولاية (2).
7 - أبو سعيد مسعود بن ناصر بن عبد الله بن أحمد بن أبي زائدة
السجزي الركاب المتوفى 477 صاحب المصنفات الحافظ المحدث سمع بسجستان
من علي بن بسرى الليثي وأبي سعيد عثمان النوقاني، وبهراة من محمد أحمد بن
عبد الرحمان الدباس وسعيد بن العباس القرشي ومنصور بن محمد بن محمد
الأزدي، وبنيسابور من أبي حسان محمد بن أحمد المزكي وأبي سعيد البصروي
وأبي حفص بن مسرور، وببغداد من أبي طالب بن غيلان وأبي محمد الخلال
وأبي القاسم التنوخي، وبأصبهان من ابن ريذة (3).
رحل المترجم له إلى البلاد الإسلامية لطلب الحديث وصنف الأبواب
إلى أن توفي بنيسابور في جمادى الأولى، وكان صحيح الخط صحيح النقل

(1) العبقات 4: 5 ط الهند.
(2) رجال النجاشي 192، هدية العارفين 1: 685، إيضاح المكنون 2: 679
الغدير 1: 154.
(3) تذكرة الحفاظ 4: 15، مرآة الجنان 3: 122.
14

حافظا ضابطا (1) ومن مؤلفاته: الدراية في حديث الولاية، في 17 جزء
جمع فيه طرق الحديث ورواه عن مائة وعشرين صحابيا (2).
8 - أبو الحسن الشيخ علي بن الحسن بن محمد الطاطري الكوفي الجرمي
كان حيا قبل 263 من الفقهاء المحدثين وشيوخ الواقفة المتعصبين أخذ عنه
الحسن بن محمد بن سماعة الصير في الحضرمي المتوفى 263، له مؤلفات
كثيرة (3) ومنها: الولاية (4)، التوحيد، الفرايض، المتعة، النكاح، الإمامة.
9 - الحافظ عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حسكان الحاكم
النيسابوري الحنفي المعروف بابن الحداد الحسكاني المتوفى بعد سنة 490
وتأتي ترجمته في المقدمة، له تصانيف منها: دعاة الهداة إلى أداء
حق الموالاة (5).
10 - أبو جعفر محمد جرير بن يزيد بن خالد الطبري المتوفى 310 والمترجم
ص 12 من المقدمة، له مؤلفات في الحديث على اختلاف طرقه وأبوابه
منها - الولاية - رواه فيه من نيف وسبعين طريقا، قال الذهبي: رأيت
مجلدا من طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق (6).
ولا شك أن كتبا أخرى خاصة في هذه الأحاديث الثلاثة - الطير
والموالاة ورد الشمس - توجد لكثير من الحفاظ وأئمة الحديث غير أن

(1) البداية والنهاية 12: 127، لسان الميزان 6: 28.
(2) الغدير 1: 155، المناقب 1: 529، الذريعة 8: 56.
(3) رجال النجاشي 179، فهرست الطوسي 92، منتهى المقال 211، منهج
المقال 229، الذريعة 4: 480، تنقيح المقال 2: 278.
(4) الغدير 1: 156.
(5) الغدير 1: 156.
(6) الغدير 1: 152، 158، 230، تذكرة الحفاظ 2: 254.
15

التاريخ حفظ لنا ما ذكرناه في الفصل هذا، فضلا على أن الأحاديث المذكورة
بطرقها الثابتة ورجالها الثقات وأسانيدها المتعددة جاءت في كتب الأحاديث
وفضائل الإمام أمير المؤمنين - ع - العديدة المتكاثرة والشهيرة المتداولة.
والواقع كما يحدثنا المؤلف في المقدمة: أن جمعا من الحفاظ ذهبوا
إلى أنه لم يرد من الفضائل لأحد من الصحابة بالأسانيد الصحيحة الجياد
ما ورد لعلي بن أبي طالب عليه السلام، وإن تصدى بعض الحفاظ لجمع
بعضها في كتاب خاص أمثال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل
الشيباني المتوفى 241 فقد جمع (فضائل أمير المؤمنين - ع -) في مجلد (1)،
والحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي الدمشقي الشهير بابن عساكر
المتوفى 571 في مجلد خاص من مجلدات تاريخه الكبير عن الشام (2)،
والحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي المتوفى 658
في كتابه - كفاية الطالب المطبوع، إلى غير هم من المؤلفين الذين يعسر
على الباحث عدهم وذكرهم في ثبت خاص.
وقال أيضا في المقدمة بالنسبة إلى حديث (رد الشمس) فقد أفرد
فيه أيضا الحافظ أبو الحسن بن شاذان، والمحدث النسابة الشريف أبو علي محمد
ابن أسعد الجواني أحد الأئمة المصنفين في القرن السادس.. واقتصر عليهما
غير أن هناك مؤلفات أخرى في الموضوع جمعت فيها طرقه وأسانيده وهم:
11 - أبو بكر الوراق الشيخ محمد بن عبد الله المتوفى 249 له كتاب
- من روى رد الشمس - وله كتاب أخلاق النبي - ص - (3).

(1) نسخة مصورة منه في مكتبة الإمام أمير المؤمنين - ع - العامة برقم
283 من قسم المخطوطات.
(2) نسخة في مكتبة الإمام أمير المؤمنين - ع - العامة.
(3) الغدير 3: 127، كشف الظنون 1 38، 1: 458.
16

12 - الحافظ أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بريدة
الأزدي الموصلي المتوفي 374 كان حافظا، صنف في علوم الحديث وله
كتاب مفرد فيه (1).
13 - أبو القاسم الحاكم النيسابوري عبيد الله بن عبد الله بن أحمد
ابن محمد بن أحمد بن حسكان الحنفي القرشي العامري ويعرف بابن الحداد
الحسكاني المتوفى بعد سنة 490 سمع وانتخب، وصنف وجمع الأبواب
والكتب والطرق وتفقه على القاضي أبي العلاء صاعد، وحدث عن أبيه عن
جده وروى عنه الدارقطني، وكان على حد تعبير الذهبي: شيخ متقن
ذو عناية تامة بالحديث والسماع وهو من ذرية عبد الله بن عامر بن كريز
أسن وعمر، له رسالة في الحديث أسماها - مسألة في تصحيح رد الشمس
وترغيم النواصب الشمس - ذكر شطرا منها ابن كثير في البداية والنهاية
6: 80 وقال: وقد جمع فيه أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني
جزءا وسماه مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيم النواصب الشمس (2).
أما الشيخ أبي العدل زين الدين قاسم بن قطلوبغا المتوفى 879
فقال: ووجدت له مجلسا في تصحيح رد الشمس (3).
14 - أبو عبد الله الجعل الحسين بن علي البصري البغدادي المتوفى
399 / 369 سكن بغداد وكان فقيها متكلما ومن شيوخ المعتزلة وله تصانيف
كثيرة على مذاهبهم وينتحل في الفروع مذهب أهل العراق مع تقدمه
في علمي الفقه والكلام وكثرة أماليه فيهما، وتدريسه لهما، دفن

(1) تذكرة الفقهاء 3: 166، الغدير 3: 127.
(2) البداية والنهاية 6: 80 - 86.
(3) تاج التراجم ص 40، تذكرة الفقهاء 3: 367.
17

في تربة أبي الحسن الكرخي وصلى عليه أبو علي الفارسي النحوي. له
كتاب - جواز رد الشمس - (1).
15 - أخطب خوارزم أبو المؤيد وأبو محمد موفق بن أحمد بن محمد أحمد بن
أبي سعيد إسحاق بن المؤيد المكي الحنفي المتوفى 568 فقيه أديب خطيب
شاعر، أخذ العربية عن الزمخشري بخوارزم وتولى الخطابة بجامعها وفيها
قرأ عليه ناصر بن عبد السيد المطرزي، له مؤلفات في علوم متنوعة ومراسلات
ومكاتبات مع رجال الفقه والحديث والتاريخ والأدب ومنها: رد الشمس
لأمير المؤمنين - ع - (2).
16 - أبو عبد الله شمس الدين محمد بن يوسف الشامي الصالحي الدمشقي
المتوفى 942 محدث حافظ مؤرخ، ولد في صالحية دمشق وسكن البرقوقية
بصحراء القاهرة، وكان عالما صالحا مفننا في العلوم وألف السيرة النبوية
المشهورة التي جمعها من ألف كتاب، وكان لا يقبل من مال الولاة
وأعوانهم شيئا ولا يأكل من طعامهم، رآه الشعراوي وبات عنده وتحدث
معه وسأله في اختصار السيرة وله مؤلفات منها: كشف اللبس في رد
الشمس (3).
17 - الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمان بن أبي بكر أحمد بن
محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب بن محمد بن همام الدين

(1) تاريخ بغداد 8: 73، المنتظم 7: 101، الغدير 3: 127، شذرات
الذهب 3: 69، لسان الميزان 2: 303.
(2) الغدير 4: 402، المناقب 1: 484.
(3) شذرات الذهب 8: 251، كشف الظنون 1: 204، 977، 1155،
1260، هدية العارفين 2: 236، إيضاح المكنون 2: 500، الأعلام 8: 30،
31، الغدير 3: 128.
18

الخضيري السيوطي المتوفى 911 / 910 عالم مشارك في أنواع العلوم صنف
في مختلف المواضيع، وقد استقصى الداودي مؤلفاته فتاقت عدتها على خمسمائة
مؤلف، وقد أخذ عن غالب علماء عصره وبلغ شيوخه نحو ثلاثمائة شيخ.
ومن مؤلفاته رسالة في الحديث أسماها كشف - اللبس عن حديث
رد الشمس (1).
هذه ملاحظات على بعض ما جاء في مقدمة الكتاب ذكرتها للفائدة
وتبيان الحقيقة، وأداء لأمانة العلم ومشاركة في إحقاقه، والله المستعان وقد
اختص وحده سبحانه بالكمال.
وبعد: فشكري الجزيل وثنائي المتواصل لإدارة مكتبة آية الله العظمى
السيد الحكيم - دام ظله الوارف - العامة، فقد هيأت لي كافة المصادر
والمراجع التي رجعت إليها في تحقيق الكتاب.. وسمحت لي بالمطالعة والبحث في أية ساعة أحببت من غير مانع وقيد.. والله أسأل أن يرزقني
الاخلاص والسداد في القول والعمل والفكر.. وأن يتقبل هذا لوجهه
خالصا.. وسبحانه الموفق والهادي إلى سبل السلام..
طهران - إيران
صندوق البريد - 634 / 71
محمد هادي الأميني
عفى الله عنه وعن والديه

(1) كشف الظنون 2: 1494، الغدير 3: 128.
19

كلمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد: فإن الأحاديث الصحيحة الواردة بفضل أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب عليه السلام عديدة متكاثرة، وشهيرة متواترة، حتى قال
جمع من الحفاظ: أنه لم يرد من الفضائل لأحد من الصحابة بالأسانيد
الصحيحة الجياد ما ورد لعلي بن أبي طالب عليه السلام، إلا أن هناك
أحاديث اختلف فيها إنظار الحفاظ فصححها بعضهم، وتكلم فيها آخرون
منها: حديث الطير، وحديث الموالاة، وحديث رد الشمس، وحديث
باب العلم.
أما حديث الطير: فقد أفرده بالتأليف الحافظان أبو طاهر محمد أحمد بن
أحمد بن حمدان (1) أحد تلامذة الحاكم، وأبو عبد الله محمد بن أحمد أحمد بن
عثمان الذهبي (2).

(1) محمد بن أحمد بن علي الخراساني المتوفى 442، تذكرة الحفاظ 3: 291،
سير النبلاء: 11: 149.
(2) الحافظ شمس الدين المتوفى 748، طبقات الشافعية 5: 216، الدرر
الكامنة 3: 337، الوافي 2: 163، مرآة الجنان 4: 331.
20

وأما حديث الموالاة (1): فأفرده أيضا الحافظان أبو العباس أحمد بن
عقدة (2) وأبو عبد الله الذهبي.
وأما حديث رد الشمس (3): فأفرده أيضا الحافظ أبو الحسن
ابن شاذان (4)، والمحدث النسابة الشريف أبو علي محمد بن أسعد الجواني (5)
أحد الأئمة المصنفين في القرن السادس.
وأما حديث باب العلم، فلم أر من أفرده بالتأليف ولا وجه العناية
إليه بالتصنيف، فأفردت هذا الجزء لجمع طرقه وترجيح قول من حكم
بصحته سالكا فيه سبيل العدل والإنصاف، متجنبا طريق التعصب والاعتساف
وسميته " فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي " (6) والله أسأل
أن يمن علي بالاخلاص في الأقوال والأعمال، وأن ينفعني بما علمني، ويعلمني
ما ينفعني ويزيدني علما، والحمد لله على كل حال.
المؤلف

(1) هو حديث الغدير الصحيح الثابت المتواتر تربو طرقه على المائة وأفرده
بالتأليف كثير من الحفاظ وقد ذكرناهم في المقدمة من 10 وكما مدون في الغدير
1: 152 157.
(2) الحافظ أحمد بن محمد بن سعيد المتوفى 332، تذكرة الحفاظ 3: 55،
لسان الميزان 1: 263، ميزان الاعتدال 1: 64، تاريخ بغداد 5: 14.
(3) الغدير 3: 126 - 128، المقدمة..
(4) الغدير 3: 127، إيضاح المكنون 1: 64.
(5) شرف الدين الجواني المالكي المتوفى 588، لسان الميزان 5: 74، الوافي
2: 202، كشف الظنون 1: 268، 1104، خريدة القصر 1: 117.
(6) طبع في مصر للمرة الأولى عام 1354.
21

أنبأنا عشرة قالوا: أنبأنا البرهان السقا أنا (1) ثعيلب، أنا الملوي
والجوهري قالا: أنا أبو العز محمد بن أحمد العجمي، أنا الشمس البابلي،
أنا أحمد بن خليل السبكي، أنا النجم الغيظي، أنا زكريا، أنا محمد أحمد بن
عبد الرحيم، أنا عبد الوهاب بن علي (ح) وأنبأنا العفري، أنا البرزنجي،
أنا الفلاني، أنا ابن سنه، أنا الوولاتي، أنا ابن اركماش، أنا احمد أحمد بن
علي الحافظ، أنا عبد الرحيم بن الحسين الحافظ، أنا الصلاح بن كيكلدي
الحافظ، قالا: أنا محمد بن أحمد بن عثمان الحافظ، أنا إسحاق أحمد بن
يحيى، أنا الحسن بن عباس، أنا عبد الواحد بن حمويه، أنا وجيه أحمد بن
طاهر، أنا الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ.
أنا أبو طالب حمزة بن محمد الحافظ، أنا محمد بن أحمد الحافظ، أنا
أبو صالح الكرابيسي، أنا صالح بن محمد، أنا أبو الصلت الهروي، أنا
أبو معاوية عن الأعمش، عن مجاهد عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد بابها فليأت عليها، أخرجه
الحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي (2) في كتابه بحر الأسانيد
في صحاح المسانيد الذي جمع فيه مائة ألف حديث بالأسانيد الصحيحة (3)
وفيه يقول الحافظ أبو سعد بن السمعاني (4): لو رتب وهذب لم يقع
في الإسلام مثله، وهو في ثمانمائة جزء.
قلت: والحديث رواه عن أبي الصلت جماعة منهم: محمد بن إسماعيل

(1) مخفف أنبأنا في مصطلح الحديث. كما أن - ثنا - مخفف حدثنا.
(2) المتوفى 491 وفي الشذرات 3: 394 أن وفاته سنة 490 وولادته 409.
(3) يقع في ثمانية أجزاء كبار.
(4) عبد الكريم بن محمد بن المنصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد التميمي
المروزي الشافعي تاج الدين المتوفى 562.
22

الضراري، ومحمد بن عبد الرحيم الهروي، والحسن بن علي المعمري، ومحمد
ابن علي الصائغ، وإسحاق بن حسن بن ميمون الحربي، والقاسم أحمد بن
عبد الرحمن الأنباري، والحسين بن فهم بن عبد الرحمن.
أما رواية محمد بن إسماعيل: فأخرجها ابن جرير في " تهذيب
الآثار " (1) قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الضراري، ثنا عبد السلام
ابن صالح الهروي، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم وعلي بابها
فمن أراد المدينة فليأتها من بابها.
وأما رواية محمد بن عبد الرحيم: فأخرجها الحاكم في المستدرك على
الصحيحين (2) قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد أحمد بن
عبد الرحيم الهروي، ثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح، ثنا أبو معاوية
عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب. قال الحاكم: هذا
حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأما رواية الحسن بن علي ومحمد بن الصايغ: فأخرجها الطبراني
في " المعجم الكبير " (3) قال: حدثنا الحسن بن علي المعمري ومحمد أحمد بن
الصايغ المكي قالا: حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، ثنا
أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس: قال: قال رسول الله

(1) مخطوط في تركيا بمكتبة - بشيراغا -.
(2) ج 3: 126 ط حيدر اباد.
(3) مخطوطة مصورة بمكتبة الإمام أمير المؤمنين - ع - العامة برقم
2634 - 2637.
23

صلى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم وعلي با بها فمن أراد العلم
فليأته من بابه.
وأما رواية إسحاق بن الحسن الحربي: فأخرجها الخطيب (1) في ترجمة
عبد السلام بن صالح من " تاريخ بغداد " (2) قال: أخبرنا محمد أحمد بن
عمر بن القاسم النرسي، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي، ثنا إسحاق
ابن الحسن بن ميمون الحربي، ثنا عبد السلام بن صالح - يعني الهروي -
ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها..
وأما رواية القاسم بن عبد الرحمان الأنباري: فأخرجها الخطيب أيضا (3)
قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق: أخبرنا أبو بكر مكرم بن أحمد
ابن مكرم القاضي، ثنا القاسم بن عبد الرحمن الأنباري، ثنا أبو الصلت
الهروي، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم وعلي بابها، قال
القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال: هو صحيح.
وأما رواية الحسين بن فهم: فأخرجها الحاكم في " المستدرك " (4)
قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن تميم، ثنا الحسين بن فهم
قال: حدثناه أبو الصلت الهروي عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد

(1) الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد البغدادي الشافعي
المتوفى 463، المنتظم 8: 265، طبقات الشافعية 3: 12، تذكرة الحفاظ 3: 312،
مرآة الجنان 3: 87، معجم الأدباء 4: 13.
(2) ج 11 ص 480.
(3) ج 11 ص 49.
(4) ج 3: 127.
24

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا
مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب، قال الحاكم: الحسين
ابن فهم بن عبد الرحمان ثقة مأمون حافظ..
فهذا الحديث بمفرده على شرط الصحيح (1) كما حكم به يحيى أحمد بن
معين والحاكم وأبو محمد السمرقندي، وبيان ذلك من تسعة مسالك:
(المسلك الأول): أن مدار صحة الحديث على الضبط والعدالة
ورجال هذا السند كلهم عدول ضابطون، أما أبو معاوية والأعمش ومجاهد
فلا يسأل عنهم لكونهم من رجال الصحيح، وللاتفاق على ثقتهم وجلالتهم
وأما من دون أبي الصلت الهروي فلا يسأل عنهم أيضا لنعددهم وثقة
أكثرهم، وكون الحديث مشهورا ومعروفا عن أبي الصلت، فلم يبق محلا
للنظر إلا أبو الصلت وعليه يدور محور الكلام على هذا الحديث، وهو
عدل ثقة صدوق مرضي معروف بطلب الحديث والاعتناء به، رحل في طلبه
إلى البصرة والكوفة والحجاز واليمن والعراق ودخل بغداد فحدث بها،
روى عنه أحمد بن منصور الرمادي الحافظ صاحب المسند (2) وعباس أحمد بن
محمد الدوردي (3) صاحب يحيى بن معين، وإسحاق بن الحسن الحربي ومحمد
ابن علي المعروف بفستقة (4) والحسن بن علوية القطان (5) وعلي بن أحمد

(1) شرط الصحيح اصطلاح يطلق على إسناد أخرج برجاله البخاري حديثا
في صحيحة.
(2) المتوفى 265، تاريخ بغداد 5: 151، تهذيب التهذيب 1: 83، طبقات
الحنابلة 42.
(3) المتوفى 271 تاريخ الخطيب 12: 144.
(4) أبو العباس المتوفى 289، تاريخ بغداد 3: 64.
(5) الحسن بن علي بن محمد بن سليمان المتوفى 298، تاريخ بغداد 7: 375.
25

ابن النضر الأزدي (1) ومحمد بن إسماعيل الأحمسي (2) وسهل بن زبحلة (3)
ومحمد بن رافع النيسابوري (4) وعبد الله بن أحمد بن حنبل (5) وأحمد
ابن سيار المروزي (6) وعلي بن حرب الموصلي (7) وعمار بن رجاء (8)
ومحمد بن عبد الله الحضرمي (9) ومعاذ بن المثنى (10) وآخرون.
قال الخطيب (11): قرأت على الحسن بن أبي القاسم عن أبي سعيد
أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال: سمعت أحمد بن محمد بن عمر
ابن بسطام، يقول: سمعت أحمد بن سيار بن أيوب، يقول أبو الصلت
عبد السلام بن صالح الهروي: ذكر لنا أنه من موالي عبد الرحمن أحمد بن
سمرة وقد لقى وجالس الناس ورحل في الحديث، وكان صاحب قشافة
وهو من آحاد المعدودين في الزهد، قدم مرو (12) أيام المأمون يربد
التوجه إلى الغزو، فلم يزل عنده مكرما إلى أن أراد إظهار كلام جهم،

(1) أبو غالب المتوفى 295، تاريخ بغداد 11: 316.
(2) أبو جعفر الكوفي المتوفى 260 / 258 تهذيب التهذيب 9: 58.
(3) أبو عمرو المرازي كان حيا 231، تاريخ بغداد 9: 116.
(4) اسمه سابور القشيري المتوفى 245 تهذيب التهذيب 9: 160.
(5) أبو عبد الرحمان الشيباني المتوفى 290، تاريخ بغداد 9: 375.
(6) أبو الحسن المتوفى 268، تاريخ بغداد 4: 187.
(7) أبو الحسن الطائي المتوفى 265، تاريخ بغداد 11: 418.
(8) أبو ياسر التغلبي الأسترآبادي المتوفى 267، تذكرة الحفاظ 2: 561.
(9) محدث الكوفة المتوفى 277، لسان الميزان 5: 233.
(10) أبو المثنى معاذ بن معاذ البصري المتوفى 196، تاريخ بغداد 13: 131.
(11) تاريخ بغداد 11: 47.
(12) معجم البلدان 5: 112 ط بيروت.
26

وقول القرآن مخلوق، وجمع بينه وبين بشر المرسي (1) وسأله أن يكلمه
وكان عبد السلام يرد على أهل الأهواء من المرجئة، والجهمية، والزنادقة
والقدرية (2) وكلم بشر المرسي غير مرة بين يدي المأمون مع غيره من
أهل الكلام، كل ذلك كان الظفر له، وكان يعرف بكلام الشيعة، وناظرته
في ذلك لأستخرج ما عنده فلم أره يفرط، ورأيته يقدم أبا بكر
وعمر ويترحم على علي وعثمان، ولا يذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
إلا بالجميل، وسمعته يقول: هذا مذهبي الذي الله به، إلا أن ثم
أحاديث يرويها المثالب، وسألت إسحاق بن إبراهيم عن تلك الأحاديث
وهي أحاديث مروية نحو ما جاء في أبي موسى وما روي في معاوية
فقال: هذه أحاديث قد رويت، قلت: فتكره كتابتها وروايتها والرواية
عمن يرويها. فقال: أما من يرويها عن طريق المعرفة فلا أكره ذلك.
وأما من يرويها ديانة ويريد عيب القوم بها فلا أرى الرواية عنه (3).
وقال الخطيب: أخبرني عبيد الله بن عمر الواعظ، ثنا أبي، وأخبرنا
عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤدب، أخبرنا عمر بن أحمد الواعظ، ثنا
عمر بن الحسن بن علي بن مالك قال، سمعت أبي يقول: سألت يحيى
ابن معين عن أبي الصلت الهروي فقال: ثقة صدوق إلا أنه يتشيع (4).
وقال الخطيب: أخبرنا الجوهري، أخبرنا محمد بن العباس، ثنا محمد
ابن القاسم بن جعفر الكوكبي، ثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال:

(1) أبو عبد الرحمان المريسي المتوفى 218، 219، تاريخ بغداد 7: 56.
(2) الملل والنحل 1: 222، 113، فرق الشيعة ص 67.
(3) في تاريخ بغداد 11: 48 هكذا: فإني لا أرى الرواية عنه.
(4) تاريخ بغداد 11: 48.
27

سألت يحيى بن معين (1) عن أبي الصلت الهروي فقال: قد سمع
وما أعرفه بالكذب (2).
وقال الخطيب: أخبرنا محمد بن علي المقري، أخبرنا محمد بن عبد الله
النيسابوري، قال: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم يقول:
سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يوثق أبا الصلت
عبد السلام بن صالح فقلت - أو قيل له -: إنه حدث عن أبي معاوية
بحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، فقال: ما تريدون من هذا المسكين
أليس قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي عن أبي معاوية هذا أو نحوه (3).
وقال الخطيب: قرأت على البرقاني عن محمد بن العباس قال: حدثنا
أحمد محمد بن مسعدة، حدثنا جعفر بن درستويه، ثنا أحمد بن محمد أحمد بن
القاسم بن محرز قال: سألت يحيى بن معين، عن أبي الصلت عبد السلام
ابن صالح الهروي، فقال: ليس ممن يكذب، فقيل له: في حديث
أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس: أنا مدينة العلم وعلي
بابها، فقال: هو من حديث أبي معاوية (4).
أخبرني ابن نمير قال: حدث به أبو معاوية قديما ثم كف عنه،
وكان أبو الصلت رجلا موسرا يطلب هذه الأحاديث ويكرم المشايخ وكانوا
يحدثونه بها.
وقال الخطيب أيضا: أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي

(1) أبو زكريا المري المتوفى 233، تاريخ بغداد 14: 177، تهذيب
التهذيب 11: 280، تذكرة الحفاظ 2: 429.
(2) تاريخ بغداد 11: 48.
(3) تاريخ بغداد 11: 50.
(4) المصدر السابق 11: 50.
28

أخبرنا أبو مسلم بن مهران، أخبرنا عبد المؤمن بن خلف النسفي قال:
سألت أبا علي صالح بن محمد عن أبي الصلت الهروي، فقال: رأيت يحيى
ابن معين يحسن القول فيه، ورأيت يحيى بن معين عنده، وسئل عن
هذا الحديث الذي رواة عن أبي معاوية حديث علي: أنا مدينة العلم وعلي
بابها، فقال: رواه أيضا الفيدي، قلت: ما اسمه؟ قال محمد أحمد بن
جعفر ا ه‍ (1).
وقال الحاكم في المستدرك عقب تخريج الحديث: هذا حديث صحيح
الإسناد وأبو الصلت ثقة مأمون، فإني سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب (2)
في التاريخ يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سألت يحيى
ابن معين عن أبي الصلت الهروي فقال: ثقة، قلت: أليس قد حدث
عن أبي معاوية بحديث: أنا مدينة العلم؟ فقال: قد حدث به محمد أحمد بن
جعفر الفيدي (3)، وهو ثقة مأمون (4).
وقال الحاكم أيضا: سمعت أبا النضر أحمد بن سهل الفقيه القباني (5)
إمام عصره ببخارى يقول: سمعت صالح بن محمد بن حبيب (6) الحافظ،
يقول: وسئل عن أبي الصلت الهروي فقال: دخل يحيى بن معين ونحن

(1) تاريخ بغداد 11: 50.
(2) المتوفى 284، تذكرة الحفاظ 3: 86.
(3) أبو جعفر الكلبي وقيل: أبو عبد الله المتوفى 236 / 230 تاريخ بغداد
2: 118، تهذيب التهذيب 9: 95.
(4) المستدرك 3: 126.
(5) لم أجد له في المعاجم ترجمة.
(6) صالح بن محمد بن عمرو بن حبيب الأسدي المتوفى 293، تذكرة الحفاظ
2: 641، مرآة الجنان 2: 222، شذرات الذهب 2: 216.
29

معه على أبي الصلت فسلم عليه، فلما خرج تبعته فقلت له: ما تقول
رحمك الله: في أبي الصلت فقال: هو صدوق، فقلت له: إنه روى
حديث أنا مدينة العلم، فقال: قد روى هذا ذاك الفيدي عن أبي معاوية
عن الأعمش كما رواه أبو الصلت ا ه‍ (1).
وقال الدارقطني (2): قال لي دعلج: أنه سمع أبا سعيد الهروي
وقيل له: ما تقول في أبي الصلت؟ قال: نعيم بن الهيصم ثقة، قال:
إنما سألتك عن عبد السلام فقال: نعم ثقة (3).
وقال الآجري (4) عن أبي داود: كان ضابطا ورأيت ابن معين
عنده (5).
وقال الذهبي في الميزان (6): عبد السلام بن صالح أبو الصلت
الهروي الرجل الصالح إلا أنه شيعي جلد (7) ا ه‍.
ووثقه عبد الله بن أحمد بن حنبل بروايته عنه، وذلك يدل على
أنه ثقة عند أبيه أيضا، فإن عبد الله كان لا يروي إلا عمن يأمره
أبوه بالرواية عنه ممن هو عنده ثقة، كما ذكره الحافظ في غير موضع
من كتابه " تعجيل المنفعة " (8) فقال في ترجمة إبراهيم بن الحسن الباهلي:

(1) المستدرك 3: 127.
(2) علي بن عمر بن أحمد البغدادي المتوفى 385.
(3) تاريخ بغداد 11: 51.
(4) أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الشافعي المتوفى 360.
(5) تاريخ بغداد 11: 50.
(6) لسان الميزان ط القاهرة 1382 / 1963.
(7) الميزان ج 2 ص 616.
(8) لابن حجر العسقلاني المتوفى 852 ط حيدر آباد سنة 1324.
30

كان عبد الله بن أحمد لا يكتب إلا عمن أذن له أبوه في الكتابة
عنه، وكان لا يأذن له أن يكتب إلا عن أهل السنة حتى كان يمنعه أن
يكتب عمن أجاب في المحنة، ولذلك فاته علي بن الجعد ونظراؤه من
المسند ا ه‍ (1).
وقال في ترجمة إبراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي: كان عبد الله
لا يكتب إلا عن ثقة عند أبيه (2).
وقال في ترجمة عبد الله بن صندل عقب قول الحسيني أنه مجهول:
كيف يكون مجهولا من روى عنه جماعة ويأذن أحمد لابنه في الكتابة
عنه، فإن عبد الله كان لا يأخذ إلا عمن يأذن له أبوه في الأخذ عنه (3).
وقال في ترجمة عبد الرحمن بن المعلم عقب قول الحسيني لا يدري
من هو: قلت: ما كان عبد الله يكتب إلا عمن يأذن له أبوه في الكتابة
عنه، فهذا القدر يكفي في التعريف به (4).
وقال في ترجمة الليث بن خالد البلخي: كان عبد الله بن أحمد لا يكتب
إلا عمن أذن له أبوه في الكتابة عنه ولهذا كان معظم شيوخه ثقات (5).
وقال في ترجمة محمد بن تميم النهشلي: حكم شيوخ عبد الله القبول
إلا أن يثبت فيه جرح مفسر. لأنه كان لا يكتب إلا عمن أذن له
أبوه فيه (6).

(1) تعجيل المنفعة ص 15، تذكرة الحفاظ 2: 685.
(2) المصدر السابق ص 18.
(3) المصدر السابق ص 225.
(4) المصدر السابق ص 258.
(5) المصدر السابق ص 355.
(6) المصدر السابق ص 360.
31

ونص علي ذلك أيضا في ترجمة محمد بن عبد الله بن جعفر.
وفي ترجمة محمد بن يعقوب الزبالي (1).
وقال في " تقريب التهذيب " (2): عبد السلام بن صالح بن سليمان
أبو الصلت الهروي مولى قريش صدوق له مناكير، وكان يتشيع، وأفرط
العقيلي فقال: كذاب ا ه‍ (3).
وقد نص في خطبة هذا الكتاب (4): على أنه يحكم على الرجال
بأصح ما قيل فيه، فهؤلاء جماعة من الأئمة وثقوه ووصفوه بالصدق
والصلاح والضبط، وهذا أعلى ما يطلب في راوي الصحيح، وليس في رجال
الصحيحين من وصف بأكثر من هذا، ولا من اتفق على توثيقه إلا القليل،
وقد قال الذهبي في ترجمة مالك بن الخير الزيادي من الميزان: قال ابن
القطان: هو ممن لم تثبت عدالته، يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة (5).
وفي الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحدا نص على توثيقهم
والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما
ينكر أن حديثه صحيح ا ه‍.
فإذا كان حديث من هذا حاله صحيحا فكيف بعبد السلام بن صالح الذي
وثقه جماعة فيهم مثل يحيى بن معين الذي هو أشد الناس تعنتا في الرجال،
والذي يأذن أحمد بن حنبل لابنه في الرواية عنه، وقد روى عنه جماعة
ولم يأت بما ينكر بل يجب أن يكون حديثه أصح من حديث المذكورين.

(1) تعجيل المنفعة ص 366.
(2) لابن حجر العسقلاني 1 - 2 ط القاهرة 1380.
(3) تقريب التهذيب 1: 506.
(4) المصدر السابق 1: 3.
(5) ميزان الاعتدال 3: 426.
32

(المسلك الثاني): أنهم قد صححوا لرجال لم يبلغوا رتبة عبد السلام
ابن صالح في الضبط والعدالة، ولم يقاربوه فيما اثني به عليه أئمة الجرح
والتعديل حتى صححوا لرجال مجهولين كما تقدم عن الذهبي في رجال الصحيحين
ونسبه إلى الجمهور، وكما هو شرط كثير ممن صنف في الصحيح كابن
خزيمة (1) وابن حبان (2) اللذين تصحيحهما أعلى من تصحيح الحاكم
كما نص عليه الحافظ ابن كثير (3) وغيره، فقد نقل ابن عبد الهادي
في (الصارم المنكى) عن ابن حبان أنه قال: ضابط الحديث الذي يحتج به
إذا تعرى راويه من أن يكون مجروحا أو فوقه مجروح أو دونه مجروح،
أو كان سنده مرسلا أو منقطعا أو كان المتن منكرا ا ه‍.
وقال الحافظ في مقدمة اللسان (4) ملك ابن حبان في كتاب
" الثقات " (5): أنه يذكر خلقا ممن نص عليهم أبو حاتم وغيره على
أنهم مجهولون وكان عند ابن حبان أن جهالة العين ترفع برواية واحد مشهور
وهو مذهب شيخه ابن خزيمة ولكن جهالة حاله باقية عند غيره، وقد
أفصح ابن حبان بقاعدته فقال: العدل من لم يعرف فيه الجرح إذ التجريج
ضد التعديل فمن لم يجرح فهو عدل حتى يتبين جرحه إذ لم يكلف الناس
ما غاب عنهم ا ه‍.

(1) أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري المتوفى بعد 273.
(2) ابن حبان محمد بن حبان البستي المتوفى 354، طبقات الشافعية 2: 141،
البداية والنهاية 11: 259، اللباب 1: 273، تذكرة الحفاظ 3: 125.
(3) عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي المتوفى 774.
(4) لسان الميزان 1: 14.
(5) كتاب الثقات للحافظ ابن حبان، تأليف قيم ضخم فخم يوجد مصوره
في مكتبة الإمام أمير المؤمنين - ع - العامة برقم 2644 - 2646.
33

وقال الحافظ أيضا في آخر من اسمه أيوب من اللسان: ذكره
ابن حبان في الثقات، وقال: روى عنه مهدي بن ميمون لا أدري من
هو ولا ابن من هو، وهذا القول من ابن حبان يؤيد ما ذهبنا إليه
من أنه يذكر في كتاب الثقات كل مجهول روى عنه ثقة ولم يجرح
ولم يكن الحديث الذي يرويه منكرا هذه قاعدته وقد نبه على ذلك الحافظ
صلاح الدين العلائي، والحافظ شمس الدين بن عبد الهادي وغيرهما (1).
وقال أيضا في ترجمة سيف أبي محمد بعد نقل كلام ابن حبان: وهذا
دليل واضح على أنه كان عنده أن حديث المجهولين الذين لم يجرحوا
مقبول ا ه‍ (2).
وقال في ترجمة عبد الله بن أبي سعيد المدني في (تعجيل المنفعة)
بعد كلام ما نصه: وتلخص من هذا أن لعبد الله بن أبي سعيد راويين
ولم يجرح ولم يأت بمتن منكر فهو على قاعدة ثقات أن حبان ا ه‍ (3).
وقد سلك الحافظ هذا المسلك في كثير من تصرفاته منها أنه قال:
في ترجمة عبد الله بن رماجس من اللسان ردا على الذهبي في حديث ما نصه،
فالحديث حسن الإسناد لأن راوييه مستوران لم تتحقق أهليتهما ولم يجرحا
ولحديثهما شاهد قوي وصرحا بالسماع وما رميا بالتدليس لا سيما تدليس
التسوية الذي هو أفحش أنواع التدليس، إلا في القول الذي حكيناه
آنفا عن ابن عبد البر ا ه‍ (4).
(فإن قيل): هذا مشروط بكونهم لم يجرحوا كما صرحوا به

(1) لسان الميزان 1: 492، الثقات 2: 100.
(2) المصدر السابق 3: 134.
(3) تعجيل المنفعة ص 223.
(4) لا توجد ترجمة في اللسان - باسم عبد الله بن رماجس.
34

وليس حال عبد السلام بن صالح كذلك فإنه وإن كان وثقه جماعة فقد
ضعفه آخرون، فقال زكريا الساجي: يحدث بمناكير هو عندهم ضعيف.
وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: لم يكن بصدوق
هو ضعيف، وقال ابن عدي: له أحاديث مناكير في فضل أهل البيت
وهو المتهم بها، وقال البرقاني عن الدارقطني: كان رافضيا خبيثا،
وكذا قال العقيلي وزاد في رواية عنه: أنه كذاب لا يجوز الاحتجاج
به إذا انفرد (1).
(قلنا): الجواب عنه من وجهين:
(الوجه الأول): أن هذا الجرح باطل مردود على رأي الجمهور
والقواعد المقررة عندهم، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى لأنه مبني علي
أصل فاسد فهو بمنزلة المعدوم.
(الوجه الثاني): أنهم صححوا لرجال تكلم فيهم بأشد مما تكلم به
في عبد السلام بن صالح، ورموا بأسوأ مما رمي به من الكذب وسوء
العقيدة مما يجب معه أن يكون حديثه أصح من حديثهم، فقد صححوا
لرجال كذابين متهمين بالوضع وفيهم من أقر على نفسه بذلك فصحح البخاري
ومسلم لإسماعيل بن أبي أويس (2).
قال أحمد بن أبي يحيى عن ابن معين: يسرق الحديث.
وقال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين: يخلط ويكذب ليس بشئ.
وقال النسائي ضعيف، وقال في موضع آخر: غير ثقة ولم يخرج له.
وقال ابن معين: روى عن خاله يعني مالكا أحاديث غرائب لا يتابعه
عليها أحد.

(1) تاريخ بغداد 11 ص 51.
(2) أبو عبد الله المدني المتوفى 226.
35

وقال النضر بن سلمة المروزي: كذاب كان يحدث عن مالك
به مسائل ابن وهب، وذكره العقيلي: في الضعفاء. ونقل عن ابن معين أنه
قال: لا يسوى فلسين.
وقال الأزدي: حدثنا سيف بن محمد أن ابن أبي أويس: كان
يضع الحديث.
وقال سلمة بن شبيب: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت
أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شئ فيما بينهم (1).
(وصحح البخاري) لأسيد بن زيد الجمال (2) قال ابن معين:
كذاب أتيته ببغداد فسمعته يحدث بأحاديث كذب، وقال النسائي:
متروك، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المناكير ويسرق الحديث،
وقال ابن عدي: يتبين على روايته الضعف وعامة ما يرويه لا يتابع عليه،
وقال أبو حاتم: يتكلمون فيه، وقال الدارقطني: ضعيف الحديث، وقال
ابن ماكولا: ضعفوه، وقال الخطيب: كان غير مرضي في الرواية،
وقال البزاز: حدث بأحاديث لم يتابع عليها وقد أحتمل حديثه مع شيعة
شديدة فيه، وقال الساجي: سمعت أحمد بن يحيى الصوفي يحدث عنه
بمناكير (3).
(وصحح البخاري) للحسن بن مدرك السدوسي.
قال فيه أبو داود: كذاب كان يأخذ أحاديث فهد بن عوف

(1) ميزان الاعتدال 1: 222، تقريب التهذيب 1: 71، الغدير ط نجف
5: 192، تهذيب التهذيب 1: 310.
(2) أبو محمد الجمال الكوفي المتوفى قبل 220، الجمع بين رجال الصحيحين 1: 51.
(3) تجد هذه الآراء في تاريخ بغداد 7: 47، تقريب التهذيب 1: 77
ميزان الاعتدال 1: 256، الغدير ط نجف 5: 193.
36

فيلقيها على يحيى بن حماد (1).
(وصحح البخاري ومسلم) لأحمد بن عيسى بن حسان المصري،
قال أبو داود: كان ابن معين يحلف أنه كذاب، وقال أبو حاتم:
تكلم الناس فيه، وقال سعيد بن عمرو البردعي: أنكر أبو زرعة على
مسلم روايته عنه في الصحيح، وقال: ما رأيت أهل يشكون في أنه
- وأشار إلى لسانه - يعني أنه يكذب (2).
وصحح البخاري للحسن بن ذكوان، قال ابن معين: صاحب
الأوابد مسكر الحديث، وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه أباطيل وضعفه
أبو حاتم والنسائي وابن المديني والساجي وآخرون (3).
(وصحح أيضا) لنعيم بن حماد قال الدولابي: كان يضع الحديث،
وقال الأزدي: قالوا كان يضع الحديث في تقوية السنة، وحكم ابن
الجوزي بوضع أحاديث كثيرة أعلها بنعيم ويكاد يجزم من يعتبر حديثه
بذلك لكثرة ما فيه من المناكير.
وقد قال الحافظ السيوطي: في ذيل الموضوعات أتعبنا نعيم بن حماد
من كثرة ما يأتي بهذه الطامات (4).
وصحح أيضا لعكرمة مولى ابن عباس وقد كذبه جماعة من الأئمة
وبينوا أدلة ذلك، بل نقل عنه الاعتراف الكذب في مسألة أو مسألتين هذا
مع البدعة الشديدة التي كانت فيه (5).

(1) ميزان الاعتدال 1: 522، تهذيب التهذيب 2: 321.
(2) تاريخ بغداد 4: 273.
(3) ميزان الاعتدال 1: 489، تقريب التهذيب 1: 166.
(4) الغدير 5: 232.
(5) عكرمة بن عبد الله البربري المتوفي 107، تهذيب التهذيب 7: 263.
37

(وصحح مسلم) لأفلح بن سعيد اتهمه ابن حبان بالوضع بل
بوضع الحديث الذي أخرجه مسلم عنه (1).
(وصحح) أيضا لقطن بن نسير قال ابن عدي: يسرق الأحاديث
واتهمه أبو زرعة والقواريري وابن عدي بوضع حديث (2).
(وصحح البخاري) لحريز بن عثمان وقد وصل في البدعة إلى حد
مفسق بالاجماع أو مكفر على رأي البعض (3).
وكذلك (صحح) لعمران بن حطان وهو مثله (4).
(وصحح مالك ومسلم) لعبد الكريم بن أبي المخارق وهو مجمع
على ضعفه كما قال ابن عبد البر وغيره، وصحح الإمام الشافعي لإبراهيم
ابن أبي يحيى قال فيه مالك: لم يكن بثقة في دينه ولا في حديثه،
وقال يحيى بن معين: سمعت القطان يقول: أنه كذاب، وقال أحمد:
تركوا حديثه قدري معتزلي يروي أحاديث ليس لها أصل، وقال البخاري:
تركه ابن المبارك والناس، وقال عباس عن ابن معين: كذاب رافضي،
وقال ابن المديني: كذاب، وكان يقول بالقدر، وقال النسائي
والدارقطني وجماعة: متروك، وأطلق النسائي أنه كان يضع الحديث، وقال
إبراهيم بن سعد: كنا نسميه ونحن نطلب الحديث خرافة، وقال محمد أحمد بن
سحنون: لا أعلم بين الأئمة اختلافا في إبطال الحجة به، ومع هذا كله

(1) تقريب التهذيب 1: 82، تهذيب التهذيب 1: 367.
(2) تقريب التهذيب 2: 126، الكامل 3: 9.
(3) مات سنة 63، تقريب التهذيب 1: 159.
(4) تقريب التهذيب 2: 82 وقال: أنه كان على مذهب الخوارج، تهذيب
التهذيب 8: 127، شذرات الذهب 1: 95.
38

قال الحافظ في التلخيص كم من أصل أصله الشافعي لا يوجد إلا من
رواية إبراهيم ا ه‍ (1).
فأين ما قيل في عبد السلام بن صالح مما قيل في هؤلاء فإن جرحه
لا يذكر بالنسبة لجرحهم ومع ذلك حكموا بصحة أحاديثهم، وذلك يوجب
أن يكون حديثه أصح وأرفع بدرجات من أحاديثهم.
(فإن قيل): إنما صحح هؤلاء الأئمة للمجروحين لعدم ثبوت
الجرح عندهم ولكونهم ثقات في نظرهم.
(قلنا): وكذلك عبد السلام بن صالح إنما صحح له ابن معين
والحاكم والسمرقندي، لعدم ثبوت الجرح عندهم ولكونه ثقة في نظرهم،
على أن الواقع في أكثر رجال الصحيحين ليس كذلك، لأن منهم من كان
جرحه ذائعا مشهورا لا يخفى على مثل البخاري ومسلم، وقد اعترض
أبو زرعة على مسلم في إخراجه لأناس ضعفاء فأقر واعترف بذلك واعتذر
أنه خرج عنهم لعلو إسنادهم.
(فإن قيل): فهذا دليل على أنهم ما صححوا لهؤلاء المجروحين
إلا ما توبعوا عليه كما صرح به مسلم وكما أجابوا به عن كثير من أحاديث
البخاري ومالك والشافعي وغيرهم.
(قلنا): وكذلك عبد السلام بن صالح قد توبع على هذا
الحديث بأكثر عددا مما توبع عليه كثير من رجال تلك الأحاديث كما
ستراه في المسلك الذي بعده..
(المسلك الثالث): أن الراوي وإن كان متكلما فيه فحديثه يقوى
ويصحح بالمتابعات وإنما يعدون في منكراته ما تفرد به، وعبد السلام بن صالح

(1) تهذيب التهذيب 6: 376، وقد توفي عام 126 / 127. تاريخ البخاري
3 ق 2: 89.
39

لم ينفرد بهذا الحديث بل تابعه عليه جماعة منهم: محمد بن جعفر الفيدي (1)
وجعفر بن محمد الفقيه (2)، وعمر بن إسماعيل بن مجالد (3)، وأحمد أحمد بن
سلمة الجرجاني (4)، وإبراهيم بن موسى الرازي (5)، ورجاء بن سلمة (6)
وموسى بن محمد الأنصاري (7)، ومحمود بن خداش (8) والحسن أحمد بن
علي بن راشد (9)، وأبو عبيد القاسم بن سلام (10).
أما متابعة محمد بن جعفر: فذكرها يحيى بن معين كما تقدم وأخرجها
الحاكم في مستدركه قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن تميم القنطري
ثنا الحسين بن فهد، ثنا محمد بن يحيى بن الضريس، ثنا محمد بن جعفر
الفيدي، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا مدينة
العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب.
قال الحسين بن فهم: حدثناه أبو الصلت الهروي عن أبي معاوية،

(1) مرت الإشارة إليه.
(2) مرت الإشارة إليه.
(3) تهذيب التهذيب 7: 427، ميزان الاعتدال 3: 182.
(4) لسان الميزان 1: 179.
(5) تهذيب التهذيب 1: 170.
(6) تهذيب التهذيب 3: 267، تاريخ البخاري 2 ق 1: 286، ابن عساكر
5: 315 وفيه أن وفاته 161.
(7) تهذيب التهذيب 10: 368.
(8) تهذيب التهذيب 10: 62، تاريخ بغداد 13: 90.
(9) تهذيب التهذيب 2: 295، ميزان الاعتدال 1: 506.
(10) تقريب التهذيب 2: 117، تاريخ بغداد 12: 403، تذكرة الحفاظ
2: 417، شذرات الذهب 2: 54.
40

قال الحاكم: ليعلم المستفيد لهذا العلم أن الحسين بن فهم بن عبد الرحمن
ثقة مأمون حافظ ا ه‍ (1).
قلت: ومحمد بن جعفر وثقه يحيى بن معين، فهذه المتابعة بمفردها
على شرط الصحيح.
وأما متابعة جعفر بن محمد الفقيه: فأخرجها الخطيب في ترجمته
من التاريخ فقال: أخبرنا الحسين بن علي الصيمري، ثنا أحمد بن محمد
ابن علي الصيرفي، ثنا إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين، ثنا محمد أحمد بن
عبد الله أبو جعفر الحضرمي، ثنا جعفر بن محمد البغدادي أبو محمد الفقيه،
ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها
فمن أراد العلم فليأت الباب (2).
قلت: جعفر بن محمد ذكره الذهبي في الميزان وقال: فيه جهالة (3)،
وهذه الصيغة يستعملها فيمن يجهله من قبل نفسه، كما ذكره في خطبة
الميزان، فلو سلمنا له جهالته فإن جعفر المذكور قد روى عن ثقة ولم يجرحه
أحد، ولم يأت بما ينكر فحديثه صحيح على رأي الجمهور، كما صرح
به الذهبي فيما حكيناه عنه آنفا.
وأما متابعة عمر بن إسماعيل: فأخرجها الخطيب في ترجمته من التاريخ
فقال: أخبرنا علي بن أبي علي المعدل وعبيد الله بن محمد بن عبيد الله
النجار قالا: حدثنا محمد المظفر، ثنا أحمد بن عبيد الله بن سابور، ثنا
عمر بن إسماعيل بن مجالد، ثنا أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن مجاهد

(1) المستدرك 3: 127.
(2) تاريخ بغداد 7: 172.
(3) ميزان الاعتدال 1: 415.
41

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة الحكمة
وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب (1).
وأخرجها العقيلي في ترجمته أيضا قال: ثنا محمد بن هشام، ثنا عمر
ابن إسماعيل به.
(قلت): عمر بن إسماعيل احتج به الترمذي، وأنكر بعضهم
أن يكون سمع هذا الحديث من أبي معاوية، وقد سأل عبد الله أحمد بن
أحمد بن حنبل أباه عن ذلك، فقال: ما أراه إلا صدق (2).
وأما متابعة أحمد بن سلمة: فأخرجها ابن عدي في ترجمته من
الكامل (3) قال: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن موسى،، ثنا أحمد أحمد بن
سلمة أبو عمر والجرجاني، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد،
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا مدينة
العلم وعلي بابها (4).
وأما متابعة إبراهيم بن موسى الرازي: فأخرجها ابن جرير في تهذيب
الآثار قال: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي وليس بالفراء، ثنا أبو معاوية
عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس به.
وقال ابن جرير: هذا الشيخ لا أعرفه ولا سمعت منه غير هذا الحديث.
قلت: وهذه المتابعة أيضا صحيحة أو حسنة على شرط ابن حبان

(1) تاريخ بغداد 11: 204.
(2) تهذيب التهذيب 7: 428.
(3) الكامل لابن عدي، كتاب كبير توجد مصورته في مكتبة الإمام
أمير المؤمنين - ع - في النجف الأشرف.
(4) لسان الميزان 1: 180، الكامل 1: ورقة 62.
42

وموافقيه كما سبق، لأن إبراهيم روى عن ثقة وروى عنه ثقة ولم يجرح
ولم يأت بما ينكر.
وأما متابعة رجاء بن سلمة: فأخرجها الخطيب في ترجمة أحمد أحمد بن
فاذويه بن عزرة أبي بكر الطحان من التاريخ فقال: أخبرنا أحمد أحمد بن
محمد العتيقي، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله الشاهد، ثنا أبو بكر
أحمد بن فاذويه بن عزرة الطحان، ثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن يزيد
ابن سليم، حدثني رجاء بن سلمة، ثنا أبو معاوية الضرير، عن الأعمش
عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب (1).
وأما متابعة موسى بن محمد الأنصاري: فأخرجها خيثمة بن سليمان (2)
في الفضائل قال: حدثنا ابن عوف، ثنا محفوظ بن بحر، ثنا موسى
ابن محمد الأنصاري الكوفي، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا
مدينة الحكمة وعلي بابها (3).
وأما متابعة محمود بن خداش: فأخرجها ابن عدي في الكامل
حدثنا الحسن بن عثمان، ثنا محمود بن خداش، ثنا أبو معاوية به ومحمود
ابن خداش ثقة صدوق لكن الراوي عنه اتهمه ابن عدي (4).

(1) تاريخ بغداد 4: 348.
(2) الطرابلسي أبو الحسن المتوفى 343، لسان الميزان 2: 411، ابن
عساكر 5: 184، تذكرة الحفاظ 3: 71، كشف الظنون 1385، فهرس
مخطوطات الظاهرية 169.
(3) الغدير 3: 91 ط نجف.
(4) الكامل 1: ورقة 265.
43

وأما متابعة الحسن بن عدي أيضا قال: حدثنا أبو سعيد العدوي
ثنا الحسن بن علي بن راشد، ثنا أبو معاوية به قلت: والحسن أحمد بن
علي أيضا صدوق احتج به أبو داود ولكن الراوي عنه متهم (1).
وأما متابعة أبي عبيد: فأخرجها ابن حبان في ترجمة إسماعيل أحمد بن
محمد بن يوسف أبي هارون الجبريني من الضعفاء فقال، حدثنا الحسين
ابن إسحاق الإصبهاني، ثنا إسماعيل بن محمد بن يوسف، ثنا أبو عبيد القاسم
ابن سلام، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم وعلي
بابها فمن أراد الدار فليأتها من قبل بابها (2).
(متابعات أخرى): قد تقدم عن ابن نمير ويحيى بن معين
وإسحاق بن راهويه فيما أسنده عنهم الخطيب أن هذا الحديث ثابت معروف
من حديث أبي معاوية مما دل على أنه ثابت عنه بطريق الشهرة
والاستفاضة (3).
متابعة أخرى قاصرة من غير طريق أبي معاوية: قال ابن عدي
في ترجمة سعيد بن عقبة أبى الفتح من الكامل: حدثنا أحمد بن حفص
السعدي، ثنا سعيد بن عقبة البو الفتح الكوفي، عن الأعمش، عن مجاهد
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا
مدينة العلم وعلي بابها، وقال: ابن عدي سعيد بن عقبة مجهول (4).
(متابعة أخرى) عن الأعمش: قال ابن عدي في ترجمة عثمان أحمد بن

(1) الكامل 1: ورقة 264.
(2) تاريخ بغداد 12: 403 - 415.
(3) مصادر حديث - أنا مدينة العلم وعلي بابها - الغدير 6 54 - 69 ط نجف.
(4) الكامل ج 2 ورقة 54 سطر 13.
44

عبد الله الأموي الشامي من الكامل أيضا: أنبأنا ابن زاطيا، حدثنا
عثمان بن عبد الله الأموي، حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن
مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
أنا دار الحكمة وعلي بابها (1)، فهذه متابعات لا يوجد مثلها لكثير من
الأحاديث التي صححوها بالمتابعات، وقد صحح التاج السبكي في أول الطبقات (2)
حديث كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع، وهو من رواية قرة عن
الزهري، وقرة قال ابن معين: ضعيف، وقال أحمد: منكر الحديث
جدا، وقال أبو زرعة: الأحاديث التي يرويها مناكير، وقال أبو حاتم
والنسائي: ليس بقوي، وقال أبو داود: في حديثه نكارة ذكر السبكي
هذا الجرح كله ثم قال: ومع هذا فهو عندي من أثبت أحاديثه عن
الزهري لأنه توبع عليه، وذكر وجوها أخرى لا تقاوم الوجوه التي غضضنا
بها نحن حديث الباب وبالله التوفيق.
(المسلك الرابع): أن الراوي لو لم يكن له متابعون فإن حديثه
يصحح أيضا بالشواهد المعنوية كما هو مقرر في علم الحديث، وكما أثبتوا
به صحة أحاديث في الصحيحين والموطأ ومسند أحمد وغيرها، وقد صحح
ابن عبد البر وابن سيد الناس حديث عبد الكريم بن أبي المخارق المجمع
على ضعفه وجود الشواهد المعنوية لحديثه (3).
وقال البيهقي في " شعب الإيمان " (4) في الكلام على حديث العباس

(1) الكامل 2 ورقة 259.
(2) طبقات الشافعية 1: 4 - 13.
(3) تهذيب التهذيب 6: 376، ميزان الاعتدال 2: 646.
(4) توجد نسخة في مكتبات سوريا وتركيا، ومكتبة الإمام أمير المؤمنين " ع "
مصورة منه.
45

ابن مرداس: هذا الحديث له شواهد كثيرة وقد ذكرناها في كتاب البعث
فإن صح لشواهده فقيه الحجة، وإن لم يصح فقد قال الله تعالى:
" ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " (1).
وقال الحافظ في التلخيص في الكلام عن حديث من احتكر طعاما
أربعين ليلة فقد برئ من الله، ردا على ابن الجوزي في ذكره إياه
في الموضوعات بعد كلام ما نصه: ثم أن له شواهد تدل علي صحته ا ه‍ (2).
وقال النووي في الكلام على حديث: لا يحل لأحد أن يجنب في هذا
المسجد غيري وغيرك، قال لعلي خرجه الترمذي وحسنه، وإنما حسنه
الترمذي لشواهده ا ه‍ (3).
قلت: والترمذي يعتمد على الشواهد في أكثر الأحاديث التي يحكم
بصحتها وحسنها في سننه، فإنه يورد الحديث في سنده من تكلم فيه
ثم يصححه أو يحسنه مع ذلك ويقول بعده، وفي الباب عن فلان وفلان
يشير بذلك إلى أن الحديث وإن كان في سنده مقال فإنه يصحح بشواهده
التي سمي رواتها من الصحابة وهو في الأكثر الأغلب يذكر اسم من روى
معنى حديث الباب لا لفظه كما نص عليه الحفاظ وكما يعلم من استقراء تصرفه.
وقال الذهبي في ترجمة حرام بن حكيم من الميزان وثقه دحيم وضعفه
ابن حزم ثم أورد له حديثا ونقل عن عبد الحق أنه قال: لا يصح هذا
ثم تعقبه بقوله: وعليه مؤاخذة في ذلك فإنه يقبل رواية المستور وحرام
فقد وثق وحدث عنه زيد بن واقد وعبد الله بن العلاء روى أيضا عن

(1) سورة البقرة 284.
(2) تلخيص المستدرك 2: 11 - 12.
(3) الجامع 2: 214، الغدير 3: 185 ط نجف.
46

أبي هريرة فحديثه مع غرابته يقتضي أن يكون حسنا ا ه‍ (1).
ولما نقل في ترجمة أفلح بن سعيد عن ابن حبان أنه قال في حديثه:
إنه باطل تعقبه بقوله: بل حديث أفلح صحيح غريب وحديث أبي هريرة
شاهد لمعناه ا ه‍ (2).
والأحاديث التي صححوها بهذه الطريق كثيرة جدا يطول تتبعها،
وحديث الباب له أيضا شواهد كثيرة تشهد بصحة معناه (منها حديث)
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علي عتبة
علمي، أخرجه ابن عدي (3).
وحديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي (4).
أخرجه الديلمي في " الفردوس " (5) قال: أنبأنا أبي، أنا
الميداني، أنا أبو محمد الحلاج، أنا أبو الفضل محمد بن عبد الله. ثنا
أحمد بن عبيد الثقفي، ثنا محمد بن علي بن خلف العطار، ثنا موسى أحمد بن
جعفر بن إبراهيم بن محمد، ثنا عبد المهيمن بن العباس عن أبيه، عن
جده سهل بن سعد، عن أبي ذر به.

(1) ميزان الاعتدال 1: 467.
(2) ميزان الاعتدال 1: 274.
(3) الغدير 3: 90.
(4) كنز العمال 6: 156.
(5) كتاب قيم أسند كتاب الفردوس لأبيه الحافظ توجد منه نسخ نفيسة
عتيقة في مكتبات الهند وسوريا وتركيا ومنه مصورة في مكتبة الإمام
أمير المؤمنين عليه السلام العامة.
47

وأخرجه الحاكم في " المستدرك " (1) من حديث أنس بن مالك
إلا أنه اقتصر على شطره الثاني.
وحديث زيد بن أبي أوفى قال: لما آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بين أصحابه قال علي: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت
بأصحابك ما فعلت غيري، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي وأنت مني بمنزلة هارون من
موسى غير أنه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي، قال: وما أرث منك
يا رسول الله؟ قال: ما ورث الأنبياء من قبلي، قال: وما ورث الأنبياء من
قبلك؟ قال: كتاب ربهم وسنة نبيهم.. الحديث. أخرجه الإمام أحمد
في كتابه المناقب (2).
وأخرجه البغوي في معجمه قال: ثنا علي بن محمد الجوزجاني، ثنا
قصر بن علي الجهضمي، أنا عبد المؤمن بن عباد العبدي، ثنا يزيد أحمد بن
معن، عن عبيد الله بن شراحيل، عن رجل من قريش، عن زيد أحمد بن
أبي أوفى به، وأخرجه من وجه آخر فقال: عن ابن شراحيل، عن
زيد بن أبي أوفى.
وحديث علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وآله
ألف باب كل باب بفتح ألف باب. أخرجه أبو نعيم، وأخرجه إسماعيلي
في معجمه من حديث ابن عباس وإسناده على شرط الحسن لولا ما فيه

(1) راجع مستدرك الحاكم مناقب الإمام أمير المؤمنين - ع - في الجزء الثالث.
(2) كتاب المناقب للإمام أحمد بن حنبل رواية ابن مالك، توجد مصورته
في مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وعليك بالرياض النضرة 2: 209،
والغدير 3: 107.
48

من الاضطراب (1).
وحديث علي أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي وأنزلت هذه الآية: وتعبها
أذن واعية (2)، فأنت أذن واعية لعلمي. أخرجه أبو نعيم في الحلية (3)،
وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير من وجه آخر عن أبي مرة الأسلمي
أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي: إني أمرت أن أدنيك
ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق لك أن تعي، قال: فنزلت هذه
الآية: وتعيها أذن واعية. ومن هذا الوجه أخرجه ابن جرير، وأخرجه
أيضا من وجه آخر عن بريدة، ومن وجه آخر عن مكحول مرسلا قال:
لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سألت
الله أن يجعلها أذنك يا علي. وهكذا أخرجه ابن أبي حاتم، وابن
مردويه، وأخرجه الثعلبي من وجه آخر عن عبد الله بن حسن، وحديث
ابن عباس قال: كنا نتحدث أن النبي صلى الله عليه وآله عهد
إلى علي سبعين عهدا لم يعهدها إلى غيره. أخرجه الطبراني في المعجم
الصغير (4).
ثنا محمد بن سهل ب‍ الصباح، ثنا أحمد بن الفرات الرازي، ثنا
سهل بن عبدويه، ثنا عمرو بن أبي قيس، عن مطرف بن طريف، عن

(1) تاريخ ابن عساكر 38: 13 مخطوطة مكتبة الإمام أمير المؤمنين - ع -
برقم 38 / 115.
(2) سورة الحافة: 12.
(3) حلية الأولياء 1: 67.
(4) المعجم الصغير للحافظ الطبراني طبع في الهند، وأخرجه الحافظ أبو نعيم
في حلية الأولياء 1: 68، وآخرون كما في الغدير 3: 90.
49

المنهال بن عمرو، عن التميمي، عن ابن عباس به. وأخرجه أبو نعيم
في الحلية قال: حدثنا الطبراني به، قلت: التميمي هو المفسر واسمه أربدة
ذكره الذهبي في الميزان ولم يذكر فيه جرحا سوى روايته لهذا الحديث
ومع ذلك فلم يتهمه به بل قال: تفرد به أحمد بن الفرات عن السندي
وهو منكر الحديث ا ه‍ (1).
وهذا باطل مردود على الذهبي فإن أربدة قال: العجلي تابعي كوفي
ثقة (2)، وذكره ابن حبان في الثقات، وأما محمد بن الفرات فإن الذهبي
نفسه وصفه بأنه حافظ ثقة وقال: إن ابن عدي ذكره في الكامل فأساء
فإنه ما أبدى شيئا غير أن ابن عقدة روى عن ابن خراش وفيهما رفض
وبدعة قال: إن ابن الفرات يكذب عمدا، وقال ابن عدي: لا أعرف
له رواية منكرة قال الذهبي: فبطل قول ابن خراش ا ه‍ (3).
قلت: وإذا بطل قول ابن خراش وقال عنه الذهبي: إنه حافظ ثقة
فكيف يقول فيه بعد ذلك بورقات: إنه منكر الحديث، وإذا أراد
بهذا السندي على احتمال بعيد فإنه لم يسبق إلى ذلك ولم يذكره هو
في الضعفاء، وقد وثقه أبو عوانة فاحتج به في صحيحه، وذكره ابن حبان
في الثقات، وقال أبو الوليد الطيالسي: لم أر بالري أعلم بالحديث منه (4)
وهذه عندهم عبارة توثيق، ولكن الذهبي إذا رأى حديثا في فضل
علي عليه السلام بادر إلى إنكاره بحق وبباطل حتى كأنه لا يدري ما يخرج
من رأسه سامحه الله، وحديث علي أنه سئل عن نفسه فقال: إني كنت

(1) ميزان الاعتدال 1: 170.
(2) ميزان الاعتدال 1: 127.
(3) تهذيب التهذيب 1: 197، ميزان الاعتدال 1: 128.
(4) تهذيب التهذيب 1: 66، تذكرة الحفاظ 2: 544.
50

إذا سألت رسول الله صلى الله عليه وآله أنبأني، وإذا سكت ابتدأ في
أخرجه ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم وأبو نعيم في الحلية (1) والضياء
في المختارة (2)، وحسنه الترمذي وصححه الحاكم (3) والضياء، ورواه ابن سعد
من حديث محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب أنه قيل لعلي: ما لك أكثر
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله حديثا فقال: وذكره.
وحديث أبي إسحاق قال: سألت قثم بن العباس كيف ورث علي
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دونكم؟ قال: لأنه كان أولنا
به لحوقا وأشدنا به لزوقا، أخرجه الحاكم وصححه (4) ثم قال: سمعت
قاضي القضاة أبا الحسن محمد بن صالح الهاشمي يقول: سمعت أبا عمر القاضي
يقول: سمعت ابن إسحاق القاضي يقول وذكر له قول قثم هذا فقال:
إنما يرث الوارث بالنسب أو بالولاء ولا خلاف بين أهل العلم أن ابن العم
لا يرث مع العم فقد ظهر بهذا الإجماع أن عليا ورث العلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
دونهم (5)، ثم أسند الحاكم عن ابن عباس قال: كان علي يقول:
في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الله يقول: " أفإن مات أو قتل
انقلبتم على أعقابكم " (6) والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذا هدانا الله
ولئن مات أو قتل لأقاتلن عليه حتى أموت، والله إني لأخوه ووليه وابن

(1) حلية الأولياء 1: 68.
(2) المختارة للحافظ الضياء المقدسي: أحسن مسند في السنة الشريفة، توجد
مصورتها في مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
(3) المستدرك 3: 125 وفيه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
(4) المستدرك 3: 125.
(5) المصدر السابق 3:: 126.
(6) سورة آل عمران 144.
51

عمه ووارث علمه فمن أحق به مني (1).
وحديث علي عليه السلام قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ليستعملني على اليمن فقلت: يا رسول الله إني شاب حديث السن ولا علم
لي بالقضاء، فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله في صدري مرتين أو ثلاثا وهو
يقول: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه، فكأنما كل علم عندي وحشى قلبي
علما وفقها، فما شككت في قضاء بين اثنين. أخرجه الخطيب في ترجمة
القاسم بن جعفر الحجازي من التاريخ (2)، وأصل الحديث معروف مخرج
في الأصول بدون هذه اللفظة، إلى غير هذا من الأحاديث المصرحة بمزيد
اعتناء النبي صلى الله عليه وآله بتعليم علي وتخصيصه إياه منه بما
لم يخص به غيره والدعاء له بذلك، والإخبار بأنه وارث علمه صلى الله عليه وآله وغير
ذلك مما يدل على أنه عليه السلام باب علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وأن الحديث صحيح (3).
(المسلك) الخامس): إن الحديث له مخرجان آخران مباينان لمخرج
حديث ابن عباس قد حكم لكل واحد منهما على انفراده بأنه صحيح
أيضا، وقد تقرر إن من تمام صحة الحديث تعدد مخارجه وتبايها، أما
المخرج الأول فمن حديث علي بن أبي طالب عليه السلام.
كتب إلى الطيب بن محمد قال: أنبأنا محمد بن علي الشلفي، أنا
محمد بن سالم الفشني، أنا أحمد بن عبد الكريم الخالدي، أنا محمد أحمد بن
عبد الباقي الزرقاني، أنا محمد بن العلاء، أنا حجازي الواعظ، أنا عبد الوهاب
ابن أحمد الشعراني، أنا زكريا، أنا أحمد بن علي الحافظ، أنا أبو علي

(1) المستدرك 3: 126.
(2) تاريخ بغداد 12: 444.
(3) رأي النبي الأعظم - ص - في علم أمير المؤمنين - ع - الغدير 3: 89.
52

الفاضلي أذنا مشافهة أنا أحمد بن أبي طالب، أنا جعفر بن علي. أنا
محمد بن عبد الرحمن الحضرمي، أنا عبد الرحمن بن محمد بن عتاب، حدثنا
أبي، ثنا أبو المطرف عبد الرحمن بن مروان القنازعي، ثنا أحمد أحمد بن
عمرو الجريري، ثنا محمد بن جرير، ثنا إسماعيل بن موسى، ثنا محمد أحمد بن
عمر الرومي، ثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة،
عن الصنايجي عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
أنا دار الحكمة وعلي بابها، أخرجه الترمذي في سننه عن موسى أحمد بن
إسماعيل به (1).
وقال ابن جرير: هذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يكون على
مذهب آخرين سقيما غير صحيح لعلتين: أحدهما أنه خبر لا يعرف له مخرج
عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله إلا من هذا الوجه، والآخر
أن سلمة بن كهيل عندهم ممن لا يثبت بنقله حجة قال: وقد وافق
عليا في رواية هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله غيره، ثم
أسنده عن ابن عباس.
(قلت): أصاب ابن جرير رحمه الله في تصحيح هذا الحديث
ولم يصب فيما ذكر أنه قد يكون علة فيه عنده غيره لأنه جعل إحدى
العلتين كونه لم يرو عن علي عليه السلام إلا من هذا الوجه، وليس
كذلك بل روى عنه من أربعة أوجه أخرى.
(الوجه الأول): من رواية الحارث وعاصم بن ضمرة كلاهما عن
علي، أخرجه الخطيب في تلخيص المتشابه (2) قال: أنبأنا علي أحمد بن

(1) جامع الصحيح 2: 214، الغدير 6: 71 بطرق مختلفة.
(2) مخطوط في مكتبة دار الكتب المصرية برقم 31 كما في فهرس المخطوطات
ص 183.
53

علي، ثنا محمد بن المظفر الحافظ، ثنا محمد بن الحسين الخثعمي، ثنا عباد
ابن يعقوب ثنا يحيى بن بشار الكندي، عن إسماعيل بن إبراهيم الهمداني
عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي. وعن عاصم بن ضمرة، عن
علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم
وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، قال الخطيب: يحيى بن بشار
وشيخه إسماعيل مجهولان.
قلت: المجهول إذا روى عنه ثقة ولم يأت مما ينكر فحديثه صحيح
مقبول على رأي جماعة من الحفاظ.
(الوجه الثاني): من رواية ابنه الحسين عليه السلام، أخرجه
ابن النجار في تاريخه (1) قال: حدثتنا رقية بنت معمر بن عبد الواحد (2)
أنبأتنا فاطمة بنت محمد بن أبي سعد البغدادي (3)، أنبأنا سعيد أحمد بن
أحمد النيسابوري (4)، أنبأنا علي بن الحسن بن بندار بن المثنى، (5)،
أنبأنا علي بن محمد بن مهرويه (6)، حدثنا داود بن سليمان الغازي (7)
حدثنا علي بن موسى الرضى (8)، عن عباية، (9) عن علي به.

(1) كشف الظنون 1: 288 الحافظ محمد بن محمود بن النجار البغدادي المتوفى 643.
(2) لم أجد لها ترجمة في المعاجم.
(3) أعلام النساء 4: 101 محدثة ذات دين وصلاح وسند.
(4) المتوفى 457 لسان الميزان 3: 23، 30.
(5) المتوفى حدود 380 لسان الميزان 4: 217.
(6) أبو الحسن القزويني كان حيا 323 تاريخ بغداد 12: 69.
(7) لسان الميزان 2: 417.
(8) الإمام الثامن - ع - من الأئمة الاثنا عشر.
(9) عباية بن ربعي، جامع الرواة 1: 435، ميزان الاعتدال 2: 387.
54

(الوجه الثالث): من رواية الأصبغ بن نباته، ذكره أبو نعيم
في الحلية، وأخرجه أبو الحسن علي بن عمر الحربي في أماليه (1) قال:
حدثنا إسحاق بن مروان، حدثنا أبي، ثنا عامر بن كثير السراج،
عن أبي خالد، عن سعد بن ظريف، عن الأصبغ بن نباته، عن علي أحمد بن
أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة
العلم وأنت بابها يا علي كذب من زعم أنه يدخلها من غير بابها (2).
(الوجه الرابع) من رواية الشعبي، أخرجه ابن مردويه في المناقب
من طريق الحسن بن محمد، عن جرير، عن محمد بن قيس، عن الشعبي، عن
علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا دار الحكمة
وعلي بابها.
وأما العلة الثانية وهي كون سلمة بن كهيل لا تقوم به حجة عندهم:
فمدفوعة أيضا، بأن سلمة بن كهيل ليس عندهم كذلك بل احتج به البخاري
ومسلم والأربعة وغيرهم من أصحاب الصحاح، ووثقه ابن معين
والعجلي وابن سعد وأبو زرعة وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وأحمد
وسفيان والنسائي وآخرون (3)، وإنما توهم ابن جرير عدم احتجاجهم
به من ذلك الأصل الباطل في رد حديث الشيعي، خصوصا إذا روى
فضل علي عليه السلام، لأن سلمة بن كهيل كان كذلك وهو أصل باطل
بالاجماع كما ستعرفه، فهذا الحديث بمفرده أيضا على شرط الصحيح كما
حكم به ابن جرير فإن رجاله كلهم موثقون، أما شريك ومن فوقه
فكلهم ثقات من رجال الصحيح، وأما محمد بن عمر الرومي فروى عنه

(1) أمالي أبي الحسن الحربي، توجد مصورته في مكتبة الإمام أمير المؤمنين " ع ".
(2) الغدير 3: 71.
(3) تهذيب التهذيب 4: 155.
55

البخاري خارج الصحيح، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان
في الثقات، وقال: أبو زرعة شيخ فيه لين، روى حديثا منكرا عن
شريك (1) فهذا أقصى ما قيل فيه، وقد عرفت أن من هذا حاله لا ينزل
عن درجة الصحيح، خصوصا ولم ينفرد بهذا الحديث بل تابعه عليه
عبد الحميد بن بحر أخرج متابعته أبو نعيم في الحلية قال: حدثنا أبو أحمد
محمد بن أحمد الجرجاني، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد الحميد بن بحر
ثنا شريك، ثنا سلمة بن كهيل بن إلا أنه قال عن الصنايجي ولم يذكر
سويد بن غفلة (2)، وأما إسماعيل بن موسى الفزاري فقال أبو حاتم:
صدوق، وكذا قال مطين.
وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال
أبو داود: صدوق في الحديث إلا أنه يتشيع، وقال ابن عدي: إنما
أنكروا عليه الغلو في التشيع (3).
قلت: ومع هذا فلم ينفرد به أيضا بل تابعه الحسن بن سفيان
وإبراهيم بن عبد الله البصري، أما متابعة الحسن بن سفيان فأخرجها أبو نعيم
في الحلية كما سبق، وأما متابعة إبراهيم فأخرجها ابن بطة قال: حدثنا
أبو علي محمد بن أحمد الصواف، ثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري
ثنا محمد بن عمر الرومي، ثنا شريك به، فإذا ضم إلى هذه الطريق التي
هي صحيحة تلك الطرق الأربعة من رواية الشعبي والحسن والأصبغ
والحارث كان حديث علي عليه السلام بمفرده صحيحا جزما فكيف بانضمامه
إلى حديث ابن عباس الذي هو من أصح الصحيح كما عرفت.

(1) تهذيب التهذيب 9: 360، خلاصة تذهيب الكمال 291.
(2) حلية الأولياء 1: 64.
(3) تهذيب التهذيب 1: 335، خلاصة تذهيب الكمال 31، الثقات 2: 94.
56

[فصل] المخرج الثاني من حديث جابر بن عبد الله: أنبأنا
سعيد بن أحمد الفراء الدمشقي بها قال: أنا علاء الدين بن محمد بن عمر
الحسيني، أنا أبي، أنا محمد بن عبد الرحمن الكزبري، أنا أبي، أنا
أبو المواهب الحنبلي، أنا أبي، أنا شمس محمد بن عبد الله الأنصاري، أنا
محمد بن خليل اليشبكي، أنا أبو الفضل الحافظ، أنا أبو إسحاق التنوخي
شفاها، أنا يحيي بن محمد بن سعد كتابة، أنا أبو جعفر أحمد بن علي
ابن حكم، أنا عياض بن موسى، أنا أبو الأصبغ عيسى بن محمد الزهري،
أنا سليمان بن خلف، أنا أبو عبد الله محمد بن علي بن محمود، أنا أبو العباس
الرازي، أنا أبو أحمد بن عدي، ثنا النعمان بن هارون البلدي ومحمد أحمد بن
أحمد بن المؤمل، وعبد الملك بن محمد، قالوا: حدثنا أحمد بن عبد الله
أبو جعفر المكتب، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان، عن عبد الله أحمد بن
عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن بهمان التميمي، سمعت جابر بن عبد الله
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية وهو آخذ
بيد علي، يقول: هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره،
مخذول من خذله، يمد بها صوته، أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد
العلم فليأت الباب، أخرجه الحاكم في المستدرك (1).
وقال حدثني أبو بكر محمد بن علي الفقيه الشاشي القفال البخاري
وأنا سألته حدثني النعمان بن هارون البلدي من أصل كتابه، حدثنا
أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني به مقتصرا على حديث الباب، وقال:
إسناده صحيح (2)، وأخرجه الخطيب في ترجمة محمد بن عبدا الصمد

(1) المستدرك 3: 129، الصواعق المحرقة 123.
(2) المصدر السابق.
57

أبي الطيب الدقاق من تاريخ البغدادي (1) فقال: حدثنا يحيى بن علي السكري
بحلوان، ثنا أبو بكر محمد بن المقري بإصبهان، ثنا أبو الطيب محمد أحمد بن
عبد الصمد الدقاق البغدادي، ثنا أحمد بن عبد الله أبو جعفر المكتب به،
وأخرجه أيضا في ترجمة أحمد بن عبد الله المذكور فقال: أخبرنا أبو الطاهر
عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤدب، ثنا أبو الفتح محمد بن الحسين أحمد بن
أحمد الأزدي الحافظ، ثنا محمد بن عبد الله الصيرفي وعلي بن إبراهيم
البلدي. وجماعة قالوا: حدثنا أحمد بن عبد الله بن بزيد المؤدب أبو جعفر
السامري به قال أبو الفتح: تفرد به عبد الرزاق وحده، قال الخطيب:
ولم يروه عن عبد الرزاق غير أحمد بن عبد الله هذا وهو أنكر ما حفظ
عليه (2).
قلت: وليس كما قال الخطيب بل تابعه عليه أحمد بن طاهر أحمد بن
حرملة بن يحيى عن عبد الرزاق، كما ذكره ابن عدي وابن الجوزي ثم
إنه لإنكاره في تفرد أبي جعفر السامري عن عبد الرزاق بمثل هذا الحديث،
فإن عبد الرزاق كان يعلم أن من حدث بفضائل علي بن أبي طالب يجرح
ويبدع بل يتهم ويكذب، فكان لا يحدث بها إلا أهلها وقد قال في حقه
الذهبي (3) أنه كان يعرف الأمور فلا يتجاسر أن يحدث بها، سامح الله
الذهبي يسمي التحديث بفضائل علي عليه السلام جسارة، وقد وقع مثل هذا
للحافظ أبي الأزهر النيسابوري (4) فإنه لما حدث عن عبد الرزاق بحديث

(1) ويعرف أبو الطيب بالبغوي توفي 319.
(2) تاريخ بغداد 2: 377.
(3) ميزان الاعتدال 2: 609.
(4) أحمد بن الأزهر بن منيع بن سليط المتوفى 263، تذكرة الحفاظ
2: 114 ط حيدر آباد، تاريخ بغداد 4: 39.
58

في فضل علي أخبر يحيى بن معين بذلك، فبينما هو عنده في جماعة أهل الحديث
إذ قال يحيى بن معين: من هذا الكتاب النيسابوري الذي حدث عن عبد الرزاق
بهذا الحديث، فقام أبو الأزهر فقال: هو ذا أنا، فتبسم يحيى أحمد بن
معين وقال: أما أنك لست بكذاب ولكن الذنب لغيرك في هذا الحديث،
ثم سأله يحيى بن معين كيف خصك عبد الرزاق بهذا الحديث؟ فقال:
إني خرجت مع عبد الرزاق إلى قريته فكنت معه في الطريق، فقال لي:
يا أبا الأزهر أفيدك حديثا ما حدثت به غيرك؟ قال: فحدثني بهذا
الحديث (1)، ومع هذا فقد وجد لأبي الأزهر متابع عليه، فذكر الخطيب
أن محمد بن حمدون النيسابوري رواه عن محمد بن علي بن سفيان النجار
عن عبد الرزاق به قال الخطيب: فبرئ أبو الأزهر من عهدته إذ توبع
على روايته (2).
(قلت): وكذا وقع في حديث الباب، فإن عبد الرزاق خص به أبا جعفر
السامري كما خص أبا الأزهر بذلك الحديث، وكما أنه وجد لأبي الأزهر متابع عليه
كذلك وجد لأبي جعفر السامري، فقد أخرج الحافظ أبو الحسن بن شاذان
في خصائص علي (3) قال: حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن فيروز
الأنماطي، حدثنا الحسين بن عبد الله التميمي، حدثنا حبيب بن النعمان
حدثني جعفر بن محمد، حدثني أبي، عن جدي، عن جابر بن عبد الله
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة الحكمة
وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت إلى بابها. وأخرجه الخطيب

(1) المستدرك 3: 128.
(2) تاريخ بغداد 4: 42.
(3) الخصائص في فضل علي بن أبي طالب - ع - كشف الظنون 1: 706.
59

في " تلخيص المتشابه " (1) من طريق الدارقطني، ثنا محمد بن إبراهيم
الأنماطي به فبرئ أبو جعفر السامري منه ولله الحمد.
(المسلك السادس): إن هذه المخارج الثلاثة، قد حكم بصحة كل
منها على انفراده كما رأيت، والحفاظ إذا وجدوا حديثا من هذا القبيل
جزموا بارتقائه إلى درجة الصحيح، وكثيرا ما يجزم المتأخرون كابن كثير
والعلائي والعراقي والحافظ وتلميذه السخاوي بذلك، وقد سلك الحافظ
السيوطي هذا المسلك بالنسبة لهذا الحديث فقال في " الجامع الكبير ":
قد كنت أجيب دهرا عن هذا الحديث بأنه حسن إلى أن وقفت على
تصحيح ابن جرير لحديث علي في (تهذيب الآثار) مع تصحيح الحاكم
لحديث ابن عباس فاستخرت الله تعالى وجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة
الحسن إلى مرتبة الصحة (2).
(المسلك السابع): إننا لو اقتصرنا على تحسين حديث علي وابن
عباس مراعاة لما قيل في عبد السلام بن صالح، ومحمد بن عمر الرومي،
كما يسلكه بعض أهل الحديث فيمن كان ذلك حاله، وكما سلكه الحافظ
صلاح الدين العلائي، والحافظ وتلميذه السخاوي بالنسبة لهذا الحديث
فإنهم اقتصروا على الحكم بحسنه ولم يرفعوه إلى مرتبة الصحة كما فعل
ابن معين والحاكم وابن جرير والسمرقندي، فإن الحسن يرتقي مع وجود
المتابعات والشواهد إلى درجة الصحيح، وقد صرح الحافظ السخاوي بأن
حديث ابن عباس بمفرده على شرط الحسن فإذا انضم إليه حديث علي
وحديث جابر مع ما أوردناه من الشواهد المعنوية فإنه يرتقي إلى درجة

(1) تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم:
كشف الظنون 1: 473.
(2) راجع الجزء السادس من كنز العمال ترتيب الجامع الكبير للحافظ السيوطي.
60

الصحيح لغيره بلا خلاف، وهذا مما لا يشك فيه من له خبرة بعلم الحديث
ودراية بصناعته، فلا نحتاج إلى ذكر دلائله والإطالة بنصوصهم فيه، وقد
قال الحافظ في " القول المسدد " (1) في الكلام على حديث: سدوا كل باب
في المسجد إلا باب علي ما نصه: هذا الحديث له طرق متعددة كل طريق
منها على انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن ومجموعها مما يقطع بصحته على
طريقة كثير من أهل الحديث (2).
(المسلك الثامن): إننا لو حكمنا على جميع هذه الطرق والشواهد
بالضعف ولم نحكم لشئ منها بالصحة ولا بالحسن، فإن الضعيف الذي
هو من هذا القبيل يرتقي إلى درجة الصحيح لأن راويه إنما حكم بصحة
حديثه لغلبة الظن بصدقه، والضعيف إذا تعددت طرقه وكثرت شواهده
مع تباين مخارجها حصلت غلبة الظن أيضا بصدق خبر المجموع، وإن
كانت لا تحصل بخبر كل واحد على انفراده، فاستحق خبرهم الحكم بالصحة
كما استحقه خبر الثقة الواحد لوجود غلبة الظن في الجميع، وقد صرحوا
بأن المتابعات والشواهد لا يشترط في رواتها أن يكونوا ممن يحتج بهم
فقال ابن صلاح: قد يدخل في باب المتابعات والاستشهاد رواية من
لا يحتج بحديثه وحده بل يكون معدودا في الضعفاء.
وفي كتاب البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكرهم في المتابعات
والشواهد (ا ه‍).
بل اشترط الإمام الرازي وجمع من أهل الأصول في الحديث الذي
يحتج بمجموع طرقه أن تكون أفرادها ضعيفة ليحصل الاحتجاج بالمجموع،
وأما إذا كان بعضها صحيحا فالاعتماد حينئذ عليه وحده والضعيف مطروح

(1) القول المسدد: للحافظ ابن حجر العسقلاني ط حيدر آباد 1319.
(2) القول المسدد ص 16.
61

غير معول عليه، والمفروض الاحتجاج بالمجموع وقد حكموا بصحة أحاديث
كثيرة من هذا القبيل، كحديث طلب العلم فريضة على كل مسلم (1)،
وحديث لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره، أورده ابن
الجوزي في الموضوعات (2)، وقال ابن كثير: له شواهد تقتضي صحته
وكذلك حديث: أطلبوا الخير عند حسان الوجوه، وحديث من وسع
على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته، وحديث العباس أحمد بن
مرداس السلمي في فضل الحج (3)، وحديث من احتكر طعاما أربعين
ليلة فقد برئ من الله (4)، حكم ابن الجوزي بوضعه، وقال الحافظ:
له شواهد تدل على صحته، وحديث نعم الشئ الهدية أمام الحاجة،
وحديث اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، وحديث وصية النبي صلى الله عليه وآله
لأنس بن مالك، وحديث الموت كفارة لكل مسلم، وحديث إذا ولي
أحد كم أخاه فليحسن كفنه فإنهم يتزاورون في أكفانهم (5).
(فصل): فإن قيل: قد تقرر في علم الحديث إن الضعيف إذا
تعددت طرقه إنما يرتقي إلى درجة الحسن ولا يبلغ رتبة الصحيح، وقد
قال النووي في كلامه على بعض الأحاديث: وهذه وإن كانت أسانيد
مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوي بعضه بعضا ويصير الحديث حسنا ويحتج
به، وسبقه إلى ذلك البيهقي وغيره.

(1) راجع الجامع الصغير للسيوطي، اللآلئ المصنوعة 1: 100.
(2) كتاب فند فيه أحاديث صحيحة كثيرة المنفق على صحتها فزيفه جمع من
الحفاظ رجال الفن وتكلموا عليه.
(3) تهذيب التهذيب 5: 130.
(4) المستدرك 2: 12.
(5) المستدرك 1: 369.
62

(قلنا): الجواب من وجهين:
(الوجه الأول): إن ذلك ليس مطردا في كل الطرق الضعيفة
بل هو خاص بنوع منها، وهو ما اشتد ضعفه وكان منكرا فإن طرقه إذا
تعددت أوصلته إلى درجة المستور السئ الحفظ فإذا وجد له طريق آخر
فيه ضعف قريب محتمل ارتقى بمجموع ذلك من كونه منكرا إلى درجة الحسن
كما نص عليه الحافظ وغيره، وأما ما كان في كل طرقه أو أكثرها ضعف
قريب فإنه يرتقي بمجموعها إلى درجة الصحيح كالأحاديث المذكورة، لأن
الطريق الذي فيه الضعف القريب قد يكون بمفرده حسنا على مذهب كثير
من المحدثين كما قدمناه وكما نص عليه ابن الجوزي في " مقدمة الموضوعات "
فقال: والأحاديث ستة أقسام، الأول: ما اتفق على صحته البخاري ومسلم
وذلك الغاية، الثاني: ما تفرد به البخاري أو مسلم، الثالث: ما صح
سنده ولم يخرجه واحد منهما، الرابع: ما فيه ضعف قريب محتمل وهذا
هو الحديث الحسن، الخامس: الشديد الضعف الكثير التزلزل، فهذا
تتفاوت مراتبه عند العلماء فبعضهم يدنيه من الحسان ويزعم أنه ليس بقوي
التزلزل، وبعضهم يرى شدة تزلزله فيلحقه بالموضوعات فصرح بأن الحسن
هو ما فيه الضعف القريب المحتمل، فإذا تعددت الطرق به ارتقى إلى الصحيح.
(الوجه الثاني): إن هذا الاختلاف في اللفظ لا في المعنى لأن
الحسن من قسم الصحيح حتى كان المنقدمون يدرجونه في أنواعه ولم يكن
الحسن عندهم معروفا ولا اسمه بينهم شائعا، وأول من نوه باسمه
وأكثر من ذكره الترمذي في جامعه (1) وإن وجد من صرح به من طبقة
شيوخه فهو قليل نادر، بل الذي كان متعارفا بينهم أن الحديث قسمان:

(1) أكثر الحافظ الترمذي في جامعه من قوله: صحيح حسن. فيدل هذا
على أن الحسن من قسم الصحيح عنده.
63

صحيح وضعيف، والصحيح عندهم على طبقات متفاوتة بحسب تفاوت رواته
في درجات الضبط والاتقان، حتى أوصلوه إلى خمس طبقات أو أكثر يشمل
جميعها اسم الصحيح، فجاء المتأخرون منهم ووضعوا للأقسام الأخيرة اسما
يخصها وتتميز به عند التعارض والترجيع، فمنهم من يتشدد فيطلق على
القسم الوسط حسنا، ومنهم من يتساهل فيطلق على القسم الأخير صحيحا.
قال الذهبي في " الموقظة " (1): من أخرج له الشيخان أو أحدهما
على قسمين: أحدهما من احتجا به في الأصول، وثانيهما من خرجا له
متابعة واستشهادا واعتبارا، فمن احتجا به أو أحدهما ولم يوثق ولم يمرض
فهو ثقة حديثه قوي، ومن احتجا به أو أحدهما وتكلم فيه فتارة يكون
الكلام تعنتا والجمهور على توثيقه فهذا حديثه قوي أيضا، ويكون تارة
الكلام في حفظه فهذا حديثه لا ينحط عن درجة الحسن الذي من أدنى
درجات الصحيح، فما في الكتابين بحمد الله رجل احتج به أحدهما وروايته
ضعيفة بل حسنه أو صحيحه (ا ه‍). فصرح بأن الحسن من قسم الصحيح
وأن أحاديث الصحيحين منها ما هو صحيح ومنها ما هو حسن.
وقال ابن الصلاح: من الناس من لا يفرد نوع الحسن ولا يجعله
منفردا ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج
به وهو الظاهر من كلام الحاكم أبي عبد الله (2) " ا ه‍ ".
ولهذا استشكل ابن دقيق العيد في " الاقتراح " (3) هذه التفرقة
بين اسم الحسن والصحيح، فقال: إن ها هنا أوصافا يجب معها قبول

(1) لم يذكر هذا الكتاب للذهبي في ضمن مؤلفاته.
(2) معرفة علوم الحديث ص 59.
(3) الاقتراح في أصول الحديث: للشيخ تقي الدين محمد بن علي بن دقيق العيد
المنفلوطي الشافعي المتوفى 702، كشف الظنون 1: 135، طبقات الشافعية 6: 2.
64

الرواية إذا وجدت في الراوي فإما أن يكون هذا الحديث المسمى بالحسن
مما قد وجدت فيه هذه الصفات على أقل الدرجات التي يجب معها القبول
أو لا. فإن وجدت فذلك صحيح. وإن لم توجد فلا يجوز الاحتجاج
به وإن سمي حسنا، اللهم إلا أن يرد هذا إلى أمر اصطلاحي وهو
أن يقال: إن الصفات التي يجب معها قبول الرواية لها مراتب ودرجات
فأعلاها هو الصحيح، وكذلك وسطها وأدناها هو الحسن، وحينئذ
يرجع الأمر في ذلك إلى الاصطلاح ويكون الكل صحيحا في الحقيقة (ا ه‍)
فرجع الأمر إلى أن الحديث صحيح على كل الفروض والاحتمالات، وهذا
إنما سلكناه تنزلا وإلا فقد علمت من المسلك الأول أن الحديث بمفرده
على شرط الصحيح وبالله التوفيق.
(المسلك التاسع): إنه قد تقرر أن من علامة صدق الراوي وصحة
حديثه مطابقته للواقع وصدق مخبره، وعلي بن أبي طالب عليه السلام كان
أعلم الصحابة على الإطلاق كما هو معلوم مشهور ومستفيض متواتر حتى
ضربوا باشتهار علمه المثل للتواتر المعنوي. فقال الحافظ موفق الدين أحمد بن
قدامة (1) في أول كتابه " إثبات صفات العلو لله ":
واعلم رحمك الله أنه ليس من شرط صحة التواتر الذي يحصل به
اليقين أن يوجد التواتر في جزء واحد، بل متى نقلت أخبار كثيرة في معنى
واحد من طرق يصدق بعضها بعضا، ولم يأت ما يكذبها أو يقدح فيها
حتى استقر ذلك في القلوب واستيقنه، فقد حصل التواتر وثبت القطع
واليقين فإنا نتيقن وجود حاتم وإن كان لم يرد به خبر واحد مرضي
الإسناد لوجود ما ذكرنا، وكذلك عدل عمر وشجاعة علي وعلمه عليه السلام (ا ه‍).
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين من

(1) عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الدمشقي المتوفى 620 شذرات الذهب 5: 88.
65

الشهادة لعلي بالعلم ما لم يأت لأحد قط، فمن شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله
بذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1) قال: حدثنا أبو أحمد، ثنا
خالد يعني ابن طهمان عن نافع بن أبي نافع عن معقل بن يسار قال:
وضأت النبي صلى الله عليه وآله فقال: ألك في فاطمة رضي الله عنها
نعودها؟ فقلت: نعم، فقام متوكئا علي حتى دخلنا على فاطمة " ع "
فقال لها: كيف تجدينك؟ قالت: والله لقد اشتد حزني واشتدت
فاقتي وطال سقمي.
قال أبو عبد الرحمن: وجدت في كتاب أبي بخط يده هذا الحديث
قال: أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم
حلما ()، رجاله ثقات، وقد رواه الطبراني من وجه آخر بإسناد صححه
الحافظ نور الدين (3) في الزوائد من مرسل أبي إسحاق.
قلت: وقد ورد موصولا من طريقه أخرجه ابن عساكر في ترجمة
علي من تاريخه من طريق أبي عمر وعثمان بن أحمد السماك، أنا عبد الله
ابن أبي روح المدائني، أنا سلام بن سليمان المدائني، أنا عمر بن المثنى،
عن أبي إسحاق، عن أنس بن مالك قال: قالت فاطمة عليها السلام:
زوجتني عليا خمش الساقين عظيم البطن قليل الشئ، فقال النبي صلى الله عليه وآله:
زوجتك يا بنية أعظمهم حلما وأقدمهم سلما وأكثرهم علما (4).

(1) مسند الإمام أحمد ط القاهرة 1306.
(2) مسند أحمد 1: 146، الغدير 3: 95.
(3) هو الحافظ علي بن أبي بكر أبو الحسن الهيثمي الشافعي المتوفى 807 له
كتابه الكبير مجمع الزواجر في عشر مجلدات، وكتاب زوائد مسند عبد الرزاق.
(4) ابن عساكر 37: 77، مخطوطة في مكتبة الإمام أمير المؤمنين - ع -
العامة برقم 37 / 115.
66

طريق آخر لهذا الحديث: قال ابن عساكر في تاريخه: أخبرنا
أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن عبد الله، أنا أبو الحسن علي بن محمد
ابن أحمد، أنا أحمد بن محمد بن موسى، ثنا أحمد بن محمد بن سعيد أحمد بن
عقدة، أنا أحمد بن يحيى وأحمد بن موسى بن إسحاق قالا: أنا ضرار
ابن صرد، ثنا عبد الكريم بن يعقوب، عن جابر، عن أبي الضحى،
عن مسروق، عن عائشة قالت: حدثتني فاطمة عليها السلام أن النبي صلى الله عليه وآله
قال لها: زوجتك أعلم المؤمنين وأقدمهم وأفضلهم حلما.
قال ابن عساكر كذا، قال: وأسقط منه المعتمر، ثم أخرجه من
طريق ابن الأعرابي، ثنا أبو عبد الله يحيى بن إبراهيم بن محمد أحمد بن
كثير الزهري، ثنا ضرار بن صرد، أنا المعتمر بن سليمان التيمي قال: أنا
عبد الكريم بن يعقوب الجعفي أخبرنا جابر عن أبي الضحى به (1).
طريق آخر لهذا الحديث: قال ابن عساكر: أخبرنا أبو غالب ابن
البنا، ثنا أبو محمد الجوهري، ثنا أبو محمد عبد العزيز بن الحسن أحمد بن
علي بن أبي صابر. أنا أبو حبيب العباس بن أحمد بن محمد البرتي، ثنا
إسماعيل بن موسى، أنا تليد بن سليمان أبو إدريس، عن أبي الجحاف
عن رجل، عن أسماء بنت عميس قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لفاطمة عليها السلام: زوجتك أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما (2).
طريق آخر لهذا الحديث: قال ابن عساكر: أخبرنا أبو نصر أحمد بن
رضوان وأبو غالب بن البنا وأبو محمد عبد الله بن نجا قالوا: أنا أبو محمد
الجوهري، أنا أبو بكر بن مالك، أنا العباس بن إبراهيم القراطيسي،
ثنا إسماعيل بن محمد الأحمسي، أنا مفضل بن صالح، ثنا جابر الجعفي

(1) المصدر السابق 37: 80.
(2) المصدر السابق 37: 81.
67

عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال لفاطمة عليها السلام: أما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلما وأكثرهم
علما وأفضلهم حلما، والله إن ابنيك لمن شباب أهل الجنة (1)، ومن
هذا الوجه أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق (2). وللحديث طرق أخرى
من حديث علي وابن عباس وأبي هريرة وحديث علي صححه ابن جرير.
(فائدة): تقدم حديث معقل بن يسار من رواية أحمد بن حنبل
وقد قال الحاكم في المستدرك: حدثنا السيد الأوحد أبو يعلى حمزة أحمد بن
محمد الزيدي رضي الله عنه، ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن مهرويه
القزويني القطان قال: سمعت أبا حاتم الرازي يقول: كان يعجبهم أن يجدوا
الحديث في الفضائل من رواية أحمد بن حنبل رضي الله عنه (3).
(حديث آخر): قال أبو نعيم في الحلية، ثنا أبو أحمد
الغطريفي (4)، ثنا أبو الحسين ابن أبي مقاتل، ثنا محمد بن عبد الله أحمد بن
عتبة، ثنا محمد بن علي الوهبي الكوفي، ثنا أحمد بن عمران بن سلمه وكان
ثقة عدلا مرضيا، ثنا سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن
علقمة، عن عبد الله قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم

(1) ابن عساكر 37: 81. وفيه: فلما أبصرت أباها ودمعت عينا ها قال:
ما يبكيك يا بنية؟ قالت: قلة الطعام وكثرة الهم وشدة السقم: قال: أما والله
لما عند الله خير مما ترغبين إليه يا فاطمة أما ترضين..
(2) نسخة منه بتركيا في مكتبة فيض الله برقم 1515.
(3) المستدرك 3: 134.
(4) أبو أحمد الغطريفي له جزء في الحديث من أصول مسانيد السنة أخذ منه
كثير من أعاظم الحفاظ في تآليفهم رواه الحافظ أبو الطيب الشافعي الثاني 1، توجد
مصورته في مكتبة الإمام أمير المؤمنين - ع - برقم 2614.
68

فسئل عن علي فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء
والناس جزءا واحدا (1) ء ا ه‍.
أحمد بن عمران ذكره الذهبي في الميزان وقال: لا يدرى من هو (2)،
ثم ضعفه بهذا الحديث وتعقبه الحافظ في اللسان بما تقدم في السند من
قول الوهبي أنه كان ثقة عدلا مرضيا قال: وفي هذا مخالفة لما ذكره
الذهبي (3).
قلت: لو وثقه الناس كلهم لقال الذهبي في حديثه أنه كذب، كما
فعل في عدة أحاديث أخرجها الحاكم بسند الشيخين وادعى هو دفعا بالصدر
وبدون دليل أنها موضوعة وما علتها في نظره إلا كونها في فضل علي أحمد بن
أبي طالب فالله المستعان.
(حديث آخر): قال أبو نعيم في الحلية: ثنا أبو بكر بن خلاد،
ثنا محمد بن يونس الكديمي، ثنا عبد الله بن داود الخريبي، ثنا هرمز
ابن حوران، عن أبي عون، عن أبي صالح الحنفي، عن علي رضي الله عنه
قال: قلت: يا رسول الله أوصني، قال: قل ربي الله ثم استقم، قال:
قلت: الله ربي وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، فقال: ليهنك
العلم أبا الحسن لقد شربت العلم شربا ونهلته نهلا (4).
(حدث آخر): قال ابن بطة: ثنا أبو ذر أحمد بن الباغندي،
أنا أبي، عن مسعر بن يحيى، ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبيه
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من

(1) حلية الأولياء 1: 65.
(2) ميزان الاعتدال 1: 58.
(3) لسان الميزان 1: 235.
(4) حلية الأولياء 1: 65.
69

أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في حكمته وإلى إبراهيم في حلمه
فلينظر إلى علي، مسعر بن يحيى الهدي ذكره الذهبي في الميزان وقال:
لا أعرفه وأتى بخبر منكر (1)، ثم ذكر هذا الحديث، وقد عرفت أن
النكارة عند الذهبي هي فضل علي بن أبي طالب.
(حديث آخر): قال الطبراني في المعجم الصغير: حدثنا علي أحمد بن
جعفر الملحي الإصبهاني، ثنا محمد بن الوليد العباسي، ثنا عثمان بن زفر
ثنا مندل بن علي، عن ابن جريج، عن محمد بن المنكدر، عن جابر
ابن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقضى
أمتي علي بن أبي طالب مختصر.
وأخرجه البغوي في شرح السنة (2) من حديث أنس بن مالك به
ورواه عبد الرزاق في مصنفه، عن معمر، عن قتاد عن النبي صلى الله عليه وآله
مرسلا، قال الحافظ في الفتح: ورويناه موصولا في فوائد أبي بكر محمد
ابن العباس بن نجيح من حديث أبي سعيد الخدري.
(حديث آخر): أخرج الديلمي في مسند الفردوس (3) من حديث
سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
إعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب. وفي الباب عن معاذ بن جبل
وعمر وابن عباس.
(شهادة عمر بن الخطاب): قال البخاري في تفسير البقرة من
صحيحه: حدثنا عمرو بن علي، ثنا يحيى، ثنا سفيان، عن حبيب

(1) ميزان الاعتدال 4: 99.
(2) الإمام حسين بن مسعود المتوفى 516 كشف الظنون 2: 1040.
(3) تأليف الحافظ شهردار بن شيرويه الهمداني المتوفى 558، مخطوطة
في مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام برقم 2323.
70

سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال عمر رضي الله عنه: أقرؤنا
أبي وأقضانا علي (1).
وقال قاسم بن أصبغ في مصنفه: حدثنا أبو بكر أحمد بن زهير، ثنا
أبو خيثمة، ثنا أبو سلمة التبوذكي، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا
أبو جروة، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال عمر رضي الله عنه:
علي أقضانا، وأخرجه ابن أبي خيثمة من وجه آخر أيضا قال: حدثنا
أبي، ثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن
عباس قال: قال عمر: علي أقضانا. وأسنده الذهبي في ترجمة الحافظ
أبي بكر بن زياد من التذكرة من هذا الوجه وزاد وأبي أقرؤنا (2).
وقال ابن أبي خيثمة، ثنا عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا مؤمل
ابن إسماعيل، ثنا سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد أحمد بن
المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن، وكان
عمر يقول: لولا علي لهلك عمر (3).
وقال ابن الأثير في أسد الغابة بعد إيراده آثارا في علم علي عليه السلام
ولو ذكرنا ما سأله الصحابة مثل عمر وغيره رضي الله عنهم لأطلنا (4).
(شهادة عبد الله بن مسعود): قال أبو نعيم في الحلية: ثنا
أبو القاسم نذير بن جناح القاضي، ثنا إسحاق بن محمد بن مروان، ثنا
أبي، ثنا عباس بن عبيد الله، ثنا غالب بن عثمان الهمداني أبو مالك، عن

(1) صحيح البخاري 6: 187 ط بولاق.
(2) الاستيعاب 2: 461 ط حيدر آباد.
(3) الاستيعاب 3: 39، الرياض النضرة 2: 194، الغدير 3: 91، ج 6:
327، 328.
(4) أسد الغابة 4: 23.
71

عبيدة، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود قال: إن القرآن أنزل
على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن وأن علي بن أبي طالب
عنده علم الظاهر والباطن (1).
(أثر آخر عن ابن مسعود): قال الحسن بن علي الحلواني
في كتاب المعرفة له: حدثنا يحيى بن آدم قال: ثنا ابن أبي زائدة،
عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن ابن ميسرة قال: قال ابن مسعود:
إن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب (2).
(أثر آخر عن ابن مسعود): قال الحلواني أيضا: ثنا يحيى أحمد بن
آدم، ثنا مبذو؟؟؟، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب
قال: قال عبد الله: أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب (3).
(شهادة ابن عباس): قال ابن عبد البر: ثنا خلف بن القاسم،
ثنا عبد الله بن عمر الجوهري، ثنا أحمد بن محمد بن الحجاج، ثنا محمد
ابن أبي السري، ثنا عمرو بن هاشم الجنبي، ثنا جويبر، عن الضحاك
ابن مزاحم، عن عبد الله بن عباس قال: والله لقد أعطي علي أحمد بن
أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر،
وروى طاووس عنه أيضا قال: كان علي والله قد ملئ علما وحلما (4).
(أثر آخر عن ابن عباس): قال ابن أبي خيثمة: حدثنا فضيل
عن عبد الوهاب قال: ثنا شريك، عن ميسرة، عن المنهال، عن سعيد

(1) حلية الأولياء 1: 65.
(2) تاريخ ابن عساكر 38: 24.
(3) الغدير 3: 91 ط إيران.
(4) الاستيعاب 3: 40.
72

ابن جبير، عن ابن عباس قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به (1).
(أثر آخر عن ابن عباس): قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أحمد
ابن إبراهيم بن جعفر، ثنا محمد بن يونس السامي، ثنا أبو نعيم، ثنا
حبان بن علي، عن مجاهد، عن الشعبي، عن ابن عباس أن علي أحمد بن
أبي طالب أرسله إلى زيد بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين إني ما علمتك
لبذات الله عليم وإن الله لفي صدرك لعظيم (2).
(شهادة عائشة): قال ابن أبي خيثمة: ثنا محمد بن سعيد
الإصبهاني، ثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن قليب، عن جابر
قال: قالت عائشة: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ قالوا: علي، قالت:
أما إنه أعلم الناس بالسنة، وكانت كثيرا ما ترجع إليه في المسائل (3).
(شهادة خزيمة بن ثابت): قال الحاكم في المستدرك: ثنا أبو بكر
ابن دارم الحافظ، ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق التميمي، ثنا وضاح
ابن نحى النهشلي، ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن الأسود
ابن يزيد النخعي قال: لما بويع علي بن أبي طالب على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله
قال خزيمة بن ثابت: (4) وهو واقف بين يدي المنبر:
إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا * أبو حسن مما نخاف من الفتن
وجدناه أولى الناس بالناس أنه * أطب قريش بالكتاب وبالسنن (5)
(شهادة عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة): ذكر ابن عبد البر أن

(1) الغدير 3: 91.
(2) حلية الأولياء 1: 68.
(3) الاستيعاب 2: 462.
(4) أخبار شعراء الشيعة: 36.
(5) المستدرك 3: 114.
73

سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قلت لعبد الله بن عياش أحمد بن
أبي ربيعة، يا عم لم كان صفو الناس إلى علي؟ فقال: يا ابن أخي أن
عليا عليه السلام كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم، وكان له البسطة
في العشيرة، والقدم في الإسلام، والصهر لرسول الله صلى الله عليه وآله، والفقه
في السنة، والنجدة في الحرب، والجود في الماعون (1).
(شهادة معاوية): ذكر ابن عبد البر أنه كان يكتب فيما ينزل
به ليسأل علي بن أبي طالب، فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم
بموت ابن أبي طالب (2).
(شهادة جملة الصحابة): قال الحاكم في المستدرك: أخبرني عبد الرحمن
ابن الحسن القاضي بهمدان، ثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا آدم أحمد بن
أبي إياس ح وقال ابن أبي خيثمة، ثنا مسلم بن إبراهيم كلاهما قال:
حدثني شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن علقمة
عن عبد الله قال: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب،
قال الحاكم: صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه، وتقدم عن ابن عباس
قوله: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به، وقول سعيد أحمد بن
عمرو بن العاص لم كان صفو الناس إلى علي مما فيه الأخبار بأن الجميع
كان يرجع إليه لشهرته بالعلم بينهم (3).
(شهادة علي أبي طالب لنفسه): قال الأزرقي في تاريخ

(1) الاستيعاب 2: 463.
(2) المصدر السابق 2: 463 وفيه فقال له عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام
فقال له معاوية: دعني عنك.
(3) المستدرك 3: 135.
74

مكة (1): حدثنا سهل بن أبي الهدي، ثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني،
ثنا معمر عن وهب بن عبد الله بن أبي الطفيل قال: شهدت علي أحمد بن
أبي طالب وهو يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ يكون
إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم به، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما منه
آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم بسهل أم بجبل، فقام ابن الكوا
وأنا بينه وبين علي وهو خلفي فقال: أرأيت البيت المعمور ما هو؟ قال:
ذاك الضراح فوق سبع سماوات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف
ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة، ولهذا الحديث طرق متعددة (2).
(أثر آخر عن علي) قال أبو نعيم في الحلية: ثنا الحسن بن علي
ابن الخطاب، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبه، ثنا أحمد بن يونس، ثنا
أبو بكر بن عياش، عن نصير بن سليمان الأحمسي، عن أبيه، عن علي
قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت وأين أنزلت إن ربي
وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا (3).
(أثر آخر عن علي): قال الحاكم في المستدرك: أخبرنا أبو الحسن
علي بن محمد بن عقبة، ثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا محمد بن عبيد
الطنافسي، ثنا بسام بن عبد الرحمن الصيرفي، ثنا أبو الطفيل قال: رأيت
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قام على المنبر فقال: سلوني
قبل إن تسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي، قال: فقام ابن الكوا فقال:

(1) أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي ط بيروت 1964، المتوفى
244 / 250 / 223 فهرست، ابن النديم 1: 112، اللباب 1: 37، هدية العارفين
2: 11، كشف الظنون 306، 1684.
(2) أخبار مكة 1: 18.
(3) حلية الأولياء 1: 67.
75

يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا؟ قال: الرياح، قال: فما الحاملات؟
وقرأ، قال: السحاب، قال: فما الجاريات يسرا؟ قال: السفن، قال:
فما المقسمات أمرا؟ قال: الملائكة، قال: فمن الذين بدلوا نعمة الله كفرا
وأحلوا قومهم دار البوار جهنم؟ قال: منافقوا قريش، صححه الحاكم.
وورد عنه من طرق متعددة في بعضها: لا تسألوني عن آية من كتاب
الله تعالى ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أنبأتكم
بذلك (1).
(أثر آخر عن علي): قال الموفق بن قدامة في كتابه إثبات
صفات العلو: أخبرنا محمد، أنبأنا أحمد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا
أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث، ثنا الفضل بن الحباب الجمحي، ثنا
مسدد، ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن محمد بن إسحاق، عن النعمان أحمد بن
سعد قال: كنت بالكوفة في دار الإمارة دار علي بن أبي طالب إذ
دخل علينا عوف بن عبد الله فقال: يا أمير المؤمنين بالباب أربعون
رجلا من اليهود، فقال علي: علي بهم، فلما وقفوا بين يديه قالوا له:
صف لنا ربك هذا الذي في السماء كيف هو وكيف كان ومتى كان وعلى
أي شئ هو؟ فاستوى علي جالسا وقال: معشر اليهود اسمعوا مني
ولا تبالوا أن لا تسألوا أحدا غيري.. الحديث، وهو في الحلية أيضا (2).
(أثر آخر عن علي): قال أبو نعيم: ثنا حبيب بن الحسن،
ثنا موسى بن إسحاق ح وثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عثمان أحمد بن
أبي شيبة قال: ثنا أبو نعيم ضرار بن صرد، وثنا أبو أحمد محمد بن محمد
ابن أحمد الحافظ، ثنا محمد بن الحسين الخثعمي، ثنا إسماعيل بن موسى

(1) المستدرك 2: 466.
(2) حلية الأولياء 1: 72.
76

الفزاري، قالا: ثنا عاصم بن حميد الخياط، ثنا ثابت بن أبي صفية
أبو حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل بن زياد قال: أخذ
علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان، فلما أصحرنا جلس
ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد، القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ
ما أقول لك، الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج
رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيؤا بنور العلم،
ولم يلجؤا إلى ركن وثيق. العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت
تحرس المال، العلم يزكوا على العمل، والمال تنقصه النفقة، ومحبة العالم
دين يدان بها، العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة
بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله، مات خزان الأموال وهم أحياء،
والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة
ها إن هاهنا - وأشار بيده إلى صدره - علما لو أصبت له حملة..
إلى آخر الوصية، وهي متداولة شهيرة (1).
(شهادة ابنه الحسن عليه السلام): قال أبو نعيم: ثنا أبو بحر
محمد بن الحسن، ثنا محمد بن سليمان بن الحارث، ثنا عبيد الله بن موسى،
ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن مريم أن الحسن
ابن علي عليهما السلام، قام وخطب الناس وقال: لقد فارقكم رجل
بالأمس لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون بعلم (2).
(شهادة سعيد بن المسيب): قال الدولابي في الكنى والأسماء (3):

(1) نهج البلاغة 3: 186 ط الاستقامة، حلية الأولياء 1: 79.
(2) حلية الأولياء 1: 65.
(3) محمد بن أحمد بن حماد الدولابي المتوفى 310 ط حيدر آباد 1322، البداية
والنهاية 11: 145، لسان الميزان 5: 41، الوافي 2: 36، وفيات الأعيان 1: 642.
77

ثنا محمد بن معاوية، عن سعيد بن صالح وسعيد بن عنبسة قالا: حدثنا
عباد بن العوام أبو سهل، عن داود، عن سعيد بن المسيب قال: ما كان
أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أعلم من علي أحمد بن
أبي طالب (1).
(أثر آخر عن ابن المسيب): قال ابن أبي خيثمة: أخبرنا إبراهيم
ابن بشار، حدثنا سفيان بن عيينة، ثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد أحمد بن
المسيب قال: ما كان أحد من الناس يقول: سلوني، غير علي أحمد بن
أبي طالب (2).
(شهادة عطاء): قال ابن أبي خيثمة: أخبرنا يحيى بن معين قال:
حدثنا عبدة بن سليمان عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: قلت لعطاء:
أكان في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم أحد أعلم من علي أحمد بن
أبي طالب؟ قال: لا والله ما أعلمه (3).
(شهادة الحسن البصري): ذكر ابن عبد البر أنه سئل عن علي
ابن أبي طالب فقال: كان علي والله سهما صائبا من مرامي الله على
عدوه، ورباني هذه الأمة وذا فضلها وذا سابقتها، وذا قرابتها من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكن بالنومة عن أمر الله
ولا بالملومة في دين الله ولا بالسروفة لمال الله، أعطى القرآن عزائمه ففاز
منه برياض مونقة (4).
(شهادة مغيرة بن مقسم): قال ابن عبد البر: حدثنا خلف أحمد بن

(1) الكنى والأسماء 1: 197.
(2) الاستيعاب 3: 1102 ط القاهرة، الصواعق 125.
(3) استيعاب 3: 1104.
(4) الاستيعاب 3: 1110.
78

قاسم، ثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عمر بن راشد، ثنا أبو زرعة
عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان الدمشقي، ثنا عمرو بن حفص بن غياث،
حدثني أبي، عن إسماعيل بن أبي خالد قال: إن المغيرة حلف بالله ما أخطأ
علي في قضاء قضى به قط (1).
(أثر آخر عنه) قال الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة:
حدثني يحيى بن آدم قال: ثنا أبو بكر بن عياش عن مغيرة قال: ليس
أحد منهم أقوى قولا في الفرائض من علي، قال: وكان المغيرة
صاحب الفرائض (2).
(شهادة ضرار بن حمزة): قال الطبراني: ثنا محمد بن زكريا الغلابي
ثنا العباس بن بكار الضبي، ثنا عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي، عن
محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح قال: دخل ضرار بن حمزة الكناني
على معاوية فقال له: صف لي عليا، قال: أو تعفيني؟ قال: لا أعفيك
قال: أما إذ لا بد، فإنه كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا
ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه..
وذكر بقيته، أخرجه أبو نعيم في الحلية عن الطبراني (3)، وأخرجه ابن
عبد البر من وجه آخر، فقال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف،
ثنا يحيى بن مالك بن عائد، ثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن سلمة البغدادي
بمصر قال: ثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرنا العكلي

(1) الاستيعاب 3: 1102.
(2) تهذيب التهذيب 10: 270، رجال الصحيحين 2: 499.
(3) حلية الأولياء 1: 84، والقصة طويلة ذكرها جل أصحاب السير والتاريخ
من الفريقين بأسانيد ثابتة وصحيحة.
79

عن الحرمازي رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار: فذكر القصة (1).
والآثار بهذا كثيرة ويغني عنها ما هو متداول من حكمه العجيبة،
ومعارفه الغريبة التي لم ينقل مثلها عن غيره بحيث من وقف عليها رأى
العجب العجاب، وجزم بأنه البحر العباب، وذلك أعظم دليل على صدق
هذا الخبر، وأنه باب مدينة علم النبي عليه الصلاة والسلام.
[فصل]: وإذ قد فرغنا من الكلام على صحة هذا الحديث وبينا
وجوه ذلك ودلائله، وأوضحنا طرقه ومسالكه، فلنتفرغ لإبطال كلام
الطاعنين فيه، وإفساد ما تعلقوا به في رده فنقول: قال الخطيب: في ترجمة
عمر بن إسماعيل بن مجالد من تاريخ بغداد (2) أخبرنا الجوهري، أخبرنا
محمد بن العباس، ثنا محمد بن القاسم الكوكبي، ثنا إبراهيم بن الجنيد
قال: سمعت يحيى بن معين وسئل عن عمر بن إسماعيل فقال: كذاب
يحدث أيضا بحديث أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وهذا
كذب ليس له أصل، وقال: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا
محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أحمد بن محمد العنزي يقول: سمعت
يحيى بن أحمد بن زياد يقول: سألت يحيى بن معين عن حديث أبي معاوية
عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، أنا مدينة العلم فأنكره
جدا (3)، ثم قال الخطيب: أخبرنا البرقاني، حدثنا يعقوب بن موسى
الأردبيلي، ثنا أحمد بن طاهر بن النجم، ثنا سعيد بن عمرو قال: قال
أبو زرعة، حديث أبي معاوية عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس:

(1) الاستيعاب 2: 463.
(2) تاريخ بغداد 11: 204.
(3) تاريخ بغداد 11: 205.
80

أنا مدينة العلم وعلي بابها، كم من خلق افتضحوا به، ثم قال لي
أبو زرعة: أتينا شيخا ببغداد يقال له: عمر بن إسماعيل بن مجالد فأخرج
إلينا كراسة لأبيه فيها أحاديث جياد عن مجالد وبيان والناس فكنا نكتب
إلى العصر فيقرأ علينا، فلما أردنا أن نقوم قال: حدثنا أبو معاوية عن
الأعمش بهذا الحديث، فقلت له: ولا كل هذا بمرة فأتيت يحيى أحمد بن
معين فذكرت ذلك له فقال: قل له: يا عدو الله إنما كتبت أنت عن
أبي معاوية ببغداد فمتى روى هو هذا الحديث ببغداد (1).
وقال الخطيب في ترجمة جعفر بن محمد الفقيه بعد أن أسند الحديث
من طريق محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الحضرمي عنه بسنده قال أبو جعفر:
لم يرو هذا الحديث عن أبي معاوية من الثقات أحد رواه أبو الصلت
فكذبوه ا ه‍ (2).
وأورده ابن الجوزي في (الموضوعات) من أكثر طرقه ثم قال:
لا يصح ولا أصل له.
قال الدارقطني: حديث علي رواه سويد بن غفلة عن الصنايجي
فلم يسنده وهو مضطرب وسلمة لم يسمع من الصنايحي والرومي لا يجوز
الاحتجاج به، وكذا عبد الحميد ومحمد بن قيس مجهول وطريق الحسن
عن علي فيه مجاهيل وجعفر البغدادي متهم بسرقة هذا الحديث، ورجاء
أيضا وعمر بن إسماعيل وأبو الصلت كذابان، وأبو الصلت هو الذي
وضعه على أبي معاوية، وسرقه منه جماعة، وأحمد بن سلمة يحدث عن
الثقات بالأباطيل، وسعيد بن عقبة مجهول غير ثقة، والعدوي وضاع،
وإسماعيل بن محمد بن يوسف لا يجوز الاحتجاج به يسرق ويقلب، والحسن

(1) تاريخ بغداد 11: 205.
(2) تاريخ بغداد 7: 172.
81

ابن عثمان يضع، والمكتب وابن طاهر كذابان.
قال ابن عدي: الحديث موضوع يعرف بأبي الصلت ومن حدث
به سرقه منه وإن قلب إسناده (1)، وسئل أحمد بن حنبل عن هذا
الحديث فقال: قبح الله أبا الصلت ا ه‍.
ولما صححه الحاكم في المستدرك وقال: أبو الصلت ثقة مأمون
تعقبه الذهبي في التخليص فقال: بل موضوع قال: وأبو الصلت ثقة (2)،
قلت: لا والله لا ثقة ولا مأمون ا ه‍.
وأورد الحديث في ترجمة جعفر بن محمد الفقيه من الميزان (3) وقال:
هذا موضوع، وفي ترجمة سعيد بن عقبة (4) واتهم به الراوي عنه أحمد أحمد بن
حفص السعدي، وكذا فعل ابن طاهر المقدسي والنواوي، وقد تقدم أن
عبد السلام بن صالح قال فيه: الساجي يحدث بمناكير هو عندهم ضعيف
وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: لم يكن بصدوق وهو ضعيف
وقال ابن عدي: له أحاديث مناكير في فضل أهل البيت وهو المتهم بها،
وقال الدارقطني: كان رافضيا خبيثا، وكذا قال العقيلي وزاد أنه كذاب
لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (5)، وقال ذاك الشامي الفضولي صاحب
(أسنى المطالب): حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها قال الترمذي: إنه
منكر، وكذا قال البخاري وقال: إنه ليس له وجه صحيح، وقال
ابن معين: إنه كذب لا أصل له وأورده ابن الجوزي في الموضوع ووافقه

(1) الكامل 2 ورقة 318، الصواعق: 320.
(2) المستدرك 3: 126.
(3) ميزان الاعتدال 1: 415.
(4) ميزان الاعتدال 2: 153.
(5) هذه الأقاويل موجودة برمتها في تهذيب التهذيب 6: 319.
82

الذهبي وغيره، قال: وهذا الحديث قد ولع العلماء به وذكره من دون
بيان رتبته خطأ وذلك لا ينبغي ذكره في كتب العلم لا سيما مثل ابن حجر
الهيثمي ذكر ذلك في الصواعق، والزواجر وهو غير جيد من مثله (1).
(فصل): إذا عرفت هذا فكلامنا مع طائفتين: طائفة المجرمين
لعبد السلام بن صالح، وطائفة المتكلمين في الحديث.
أما الطائفة الأولى فإنهم جرحوا عبد السلام بأمرين: أحدهما التشيع،
وثانيها كونه منكر الحديث، وهذا الجرح مردود من وجوه.
(الوجه الأول): إن الجرح بالتشيع، ورد الحديث به باطل
عقلا ونقلا، أما الأول فإن مدار صحة الحديث على أمرين لا ثالث لهما
وهما بالضبط والعدالة، فمن اتصف بهما وجب أن يكون خبره مقبولا
وحديثه صحيحا، لأن بالضبط يؤمن الخطأ والخلل وبالعدالة يؤمن الكذب
والاختلاق، والضبط هو أن يكون الراوي حافظا متيقظا غير مغفل
ولا متهور حتى لا يحدث من حفظه المختل فيهم ولا من كتابه الذي تطرق
إليه الخلل وهو لا يشعر.
وأما العدالة فالمراد بها في الحقيقة هو صدق الراوي وتجنبه للكذب
في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله خاصة لا لمطلق الكذب
ولا لغيره من المعاصي، لأن العدالة تتجزأ فيكون الرجل عدلا في شئ
غير عدل في غيره، والمطلوب لصحة الحديث إنما هو عدالته فيه، وأمانته
في نقله إلا أنه لما كان هذا القدر لا يتحقق في العموم ولا يمكن انضباطه
ومعرفته إلا بملازمة التقوى واجتناب سائر المعاصي اضطروا إلى اشتراط
العدالة الكاملة التي عرفوها بأنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى واجتناب

(1) راجع أسنى المطالب لابن درويش الحوت، الصواعق المحرقة ص 120،
124 ط القاهرة 1375.
83

الأعمال السيئة، وخوارم المروءة على خلاف في اشتراط الأخير ثم انجر بهم
هذا التوسع إلى توسع آخر، فصاروا يدخلون تحت كل من هذه القيود
ما ليس منها كالتفرد والركض على البرذون وكثرة الكلام والبول قائما
وبيع الزيبق وتولية أموال الأيتام، والقراءة بالألحان، وسماع آلة الطرب
المختلف فيها، والتزي بزي الجند وخدمة الملوك وأخذ الأجرة على السماع
والاشتغال بالرأي وعلم الكلام والتصوف، ومصاحبة الواقفة ورواية الأحاديث
المخالفة لهوى المجرح، أو موافقة المخالف له في بعض الفروع والتطفيل
وإبدال صيغ الإجازة بصيغ الأخبار والبدعة والخلاف في المعتقد كالا رجاء
والقدر والنصب والتشيع، وغيرها من النحل، وهذا التوسع كاد ينسد
معه باب العدالة وينعدم به مقبول الرواية خصوصا بالنسبة للشرط الأخير،
فإن غالب ما جاء بعد الصحابة من رواة السنة وحملة الشريعة في الصدر
الأول والثاني والثالث كانوا من هذا القبيل فلم يسلم من التعلق بأذيال
نحلة من هذه النحل منهم إلا القليل، غير أنهم كانوا متفاوتين فيها
بالتوسط والتعالي والإفراط والاعتدال، فمن كان غالبا في نحتله داعيا
إليها عرف بها واشتهر ومن كان متوسطا غير داعية لم يشتهر، فإذا جرح
كل هؤلاء وردت رواياتهم ذهبت جملة الآثار النبوية، وكاد ينعدم معها
المقبول بالكلية كما قال ابن جرير في جزء جمعه للذب عن عكرمة (1) مولى
ابن عباس: لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الردية ثبت عليه
ما ادعى فيه وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي
الأمصار لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه ا ه‍.

(1) ذكره ملخصا ابن حجر في تهذيب التهذيب 7: 263 - 273 ونص على ذلك
ص 273 بقوله: وبسط أبو جعفر الطبري القول في ذلك ببراهينه وحججه، وقد
لخصت ذلك وزدت عليه كثيرا في ترجمته.
84

وقال الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي من الميزان (1): هو
شيعي جلد لكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته، وقد وثقه أحمد أحمد بن
حنبل وابن معين وأبو حاتم وأورده ابن عدي وقال: كان غالبا في التشيع،
وقال السعدي: زائغ مجاهر، فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع
وحد الثقة العدالة والاتقان فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة،
وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع
بلا غلو ولا تحرق، فهذا كثير في التابعين مع الدين والورع والصدق
فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة
انتهى كلام الذهبي (2).
وإيضاح المقام: إن رد الخبر إنما هو لكونه كذبا في حد ذاته
لا لشئ آخر مضاف إلى الكذب، كما أن قبوله إنما هو لصدقه في حد
ذاته لا لشئ آخر مضاف إلى الصدق، فلو حدث الثقة السني بالكذب
فهو مردود عليه واتصافه بالعدالة والسنبة لا يصير كذبه صدقا، كما أن
الكذاب المبتدع إذا حدث بالصدق فخبره مقبول، واتصافه بالكذب
والبدعة لا يصير صدقه كذبا، بل ذلك محال عقلا إلا أنه لما كان الوقوف
على الحقيقة فيهما متعذرا في الغالب وجب الاكتفاء فيهما بالظن، وهو
يحصل باتصاف الراوي بالصدق أو اتصافه بالكذب، فمن اتصف بالصدق
حتى عرف به حصل الظن بصدق خبره ومن اتصف بالكذب وتكرر منه
حصل الظن بكذب خبره، ولما كان الباعث على اجتناب الكذب هو خوف
الله تعالى بامتثال أو أمره واجتناب نواهيه كان ذلك الظن لا يحصل غالبا
إلا بمن هذه صفته، لأن من ليس له خوف يحجزه عن المحارم قد يجترئ

(1) ميزان الاعتدال 1: 5.
(2) المصدر السابق والصحيفة والمجلد.
85

على الكذب في الحديث كما اجترأ على غيره فلا يحصل ظن الصدق بخبره
وإن كان هو في نفسه قد لا يجترئ على خصوص الكذب على
رسول الله صلى الله عليه وآله، فلذلك اشترطت العدالة التي هي
ملازمة التقوى الحاجزة بين المرء وبين سائر المخالفات، ولما كان الكذب
قد يحصل عن وهم وخطأ كما يحصل عن قصد وتعمد أضيف إلى العدالة
الضبط ليحصل به ظن انتفاء الكذب عن وهم وخطأ كما حصل بها ظن
انتفائه عن قصد وتعمد، إما اعتقاد الراوي أن الأعمال غير داخلة في مسمى
الإيمان أو أن الأمور لا تجري بقدر من الله تعالى، أو أن عليا
أفضل من أبي بكر وعمر وأحق بالخلافة منهما أو أنه إمام جور وظلم
أو غير ذلك من المعتقدات فلا يحصل بشئ منها ظن صدق في الخبر،
ولا عدمه فاشتراط نفيها في قبول الخبر ظاهر البطلان.
فإن قيل: إنما اشترط ذلك لأن الراوي صار بها فاسقا وقد دللت
على أن الفاسق لا يحصل ظن الصدق بخبره، قلنا: وهذا أيضا باطل
لأن الفسق هو الخروج عن أوامر الله تعالى بمخالفة حدوده وانتهاك محارمه
والمبتدع لم يخالف حد الله ولا خرج عن أمره في معتقده، حتى
يكون فاسقا بل ما حمله على التعلق بمعتقده إلا امتثال أمر الله وطلب
مرضاته، باعتقاد ما هو الحق في نظره أو اجتهاده وإن كان مخطئا
في ذلك لأنه بخطئه يكون ضالا لا فاسقا، وفرق بين المقامين وعلى تسليم
تسميته فاسقا وأن هذا اصطلاح لأهل السنة في تسمية من خالفهم، فليست
مادة فسق هي الموجبة لرد الخبر حتى يتصف بذلك كل من سمي بلفظ
مشتق من مادتها، بل ولا معناها الذي هو الخروج عن أمر الله هو
الموجب لذلك أيضا في حد ذاته لأنه غير منحصر في الكذب ولا الكذب
من لوازمه، فقد يكون الرجل زانيا ولا يكون كاذبا، وإنما الموجب
86

لرد الخبر هو الإقدام على ارتكاب المحرم الذي لا يؤمن معه الإقدام على
الكذب لأنه من جملة المحرمات، فمن ليس له خوف يحجزه عن شرب الخمر
وأكل مال الغير مثلا كذلك لا يحجزه عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله،
أو مطلق الكذب وليس المبتدع الذي سمي فاسقا بهذه المثابة، لأنه ما أقدم
على محرم في نظره ولا اجترأ بالبدعة على مخالفة في نظره حتى يخشى أن
يتسرب من جرأته على الكذب في الحديث، بل في المبتدعة من يعتقد أن
ارتكاب الكبيرة كفر وأن صاحبها مخلد في النار مما صار به مبتدعا فاسقا
فحكمتم برد خبره من أجل هذا الفسق الذي هو أعلى ما يطلب في إثبات
الخبر، كما أن في غير هم من طوائف المبتدعة من بلغ الغاية القصوى في الدين
والورع والخشية والتقوى، فتسمية بدعتهم فسقا يرد به الخبر ينافي ما أصلتموه
من قبول خبر من وجدت فيه هذه الصفات ويقتضي مساواتهم بالمنهمكين
في المعاصي وارتكاب المخالفات، لأن اسم الفسق الذي هو علة رد الخبر
شامل لجميعهم فكما يرد خبر يزيد بن معاوية (1)، والحجاج الثقفي (2)،
وأبي نؤاس (3)، كذلك يرد خبر عكرمة مولى ابن عباس (4)، وجابر
ابن زيد (5)، والأعمش (6)، وعبد الرزاق (7)، وقتادة (8)، ووكيع

(1) قال أحمد بن حنبل: لا ينبغي أن يروى عنه. ميزان الاعتدال 4: 440.
(2) تهذيب التهذيب 2: 210، ميزان الاعتدال 2: 466، خلاصة تذهيب
الكمال 62.
(3) ميزان الاعتدال 4: 581.
(4) تهذيب التهذيب 7: 263.
(5) تهذيب التهذيب 2: 38 توفي سنة 93 / 103 / 104.
(6) ميزان الاعتدال 1: 422.
(7) ميزان الاعتدال 2: 609.
(8) ميزان الاعتدال 3: 385، لسان الميزان 4: 469.
87

ابن الجراح (1)، فهؤلاء بسوء رأيهم وفساد معتقدهم، وأولئك بفجورهم
ومخالفتهم وهذا في غاية البطلان.
(فإن قيل): إنما سميناهم فساقا لخروجهم عن أمر الله بمخالفة
نصوص الشريعة وأدلتها القاطعة وذلك يدل على تهاونهم الذي لا يؤمن
معه الاجتراء على الكذب.
(قلنا): لا يخلو ردهم لتلك النصوص أن يكون عن إنكار
صدقها وعدم الاذعان لها مع اعترافهم بثبوتها، أو ذلك إنما هو لعدم
ثبوتها، أو لتأويلها وصرفها عن ظاهرها، فإن كان الأول فمرتكبه كافر
لا فاسق ولا كلام لنا مع الكافر، وإن كان الثاني فهم غير مختصين به
بل جميع الأمة حالهم مع النصوص كذلك فما من إمام إلا وقد خالف
الكثير منها بتأويل رأى معه جواز تلك المخالفة كما قال القرافي (2)
في التنقيح: لا يوجد عالم إلا وقد خالف من كتاب الله تعالى وسنة
نبيه صلى الله عليه وآله أدلة كثيرة ولكن لمعارض راجح عليها
عند مخالفتها ا ه‍.
فإن كان مناط الحكم بالفسق هو مخالفة النصوص بتأويل وجب أن
يطرد هذا الحكم كلما وجدت المخالفة، فيحكم بفسق جميع الأئمة
وهذا باطل، فالحكم بفسقهم أيضا باطل وإن كان المناط هو مخالفتهم لما
تعتقدون أنه الحق وإن كانوا في ذلك متأولين فهذا أبطل لأنه تحكم
لا دليل عليه ولأن لهم أيضا مثل ذلك.

(1) تهذيب التهذيب 11: 123، خلاصة تذهيب الكمال: 356.
(2) شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي المالكي المتوفى 684 كشف الظنون
1: 499، الديباج 62، إيضاح المكنون 1: 72، 127، 135، 161،
206، 732.
88

(فإن قيل): إنما أخرجنا أئمة السنة لصحة تأويلهم وفساد تأويل
المبتدعة. (قلنا): هذا لا يجدي نفعا من وجهين: أما الأول: فلأنهم
يدعون مثل هذا ويزعمون أن تأويلهم هو الصحيح، ويبدون لذلك
براهين وأدلة وأن تأويلكم هو الفاسد، وأما الثاني: فلأنكم قد صرحتم
ببطلان كثير من تأويلات أهل السنة وأقمتم على فسادها الحجج والبراهين
فالشافعية أبطلوا كثيرا من تأويلات مخالفيهم، والحنفية كذلك، وهكذا
فعل كل فريق من أهل السنة مع مخالفه منهم بما أسفر عن مخالفة الكل
ما ليس له تأويل مقبول من النصوص فاستوى أهل السنة والمبتدعة في ذلك
فإما أن تطلقوا اسم الفسق على الجميع، وإما أن ترفعوه عن الجميع.
(فإن قيل): إنما حصل الخلاف بين أهل السنة في الفروع وأمرها
قريب، بخلاف ما حصل من المبتدعة فإنه في الأصول وأمرها عظيم، لأن
الخطأ فيها مؤد إلى الكفر.
(قلنا): وهذا أيضا ليس بنافع من وجوه: أما الأول فإن
الكلام في نفس المخالفة لا فيما يترتب عليها من حق أو باطل، والمخالفة
في حد ذاتها واحدة بالنسبة إلى عدم امتثال الآمر بها فلا تختلف سواء
كانت في الفروع أو في الأصول، فالراد لحديث في النكاح والطلاق كالراد
لحديث في الأسماء والصفات، والجاحد لآية في التوحيد كالجاحد لآية
في الطهارة، إذ المخبر بهما واحد والآمر بهما واحد، والكل من عند الله.
وأما الثاني: فإنكم قد بدعتم أيضا بالمخالفة في الفروع وحكمتم
بذلك على منكر المسح على الخفين حتى نقلتم مساءلته من كتب الفقه إلى
دواوين الأصول، وما ذلك إلا لمجرد المخالفة.
وأما الثالث: فإنكم قد اختلفتم أيضا في مسائل الأصول وخالفتم
من آيات الصفات وأحاديثها كل ما لم يوافق رأيكم، وأولتموها بأضعف
89

التأويلات، وحملتموها على أبعد المحامل، وأبيتم إلا الإيمان بما يقبله
عقلكم لا بما تقتضيه تلك النصوص، وخالفتم السلف الصالح في ذلك،
فارتكبتم من المخالفة ما يكون اسم الفسق معه أولى من غيره من
المخالفات، حتى بدع بعضكم بعضا وأطلق كل فريق منكم اسم الضلال على
مخالفه، فساويتم المبتدعة في جميع ما رميتموهم به من أنواع المخالفات،
فتخصيصكم إياهم باسم الفسق تحكم خارج عن مناهج الدليل، فلم يبق إلا
أن التفسيق بالبدعة باطل وأن رد الرواية بها غير معقول.
(فإن قيل): إنما حكمنا برد رواية المبتدعة لأنا وجدنا الكذب
فيهم شائعا.
وقد حكى ابن لهيعة (1): أنه سمع شيخا من الخوارج يقول بعد
أن تاب: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم، فإنا كنا
إذ هوينا أمرا صيرناه حديثا، وكذلك أقر محرز أبو رجاء بعد أن تاب
من بدعته بأنه كان يضع الأحاديث يدخل بها الناس في القدرة.
وقال علي بن حرب: من قدر أن لا يكتب الحديث إلا عن صاحب
سنة فإنهم لا يكذبون، كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي (2).
وقال أشهب: سئل مالك عن الرافضة فقال: لا تكلمهم ولا ترو
عنهم فإنهم يكذبون (3).

(1) أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة الحضرمي المصري المتوفى 174، احترقت
كتبه سنة 196، تذكرة الحفاظ 1: 237.
(2) تهذيب التهذيب 7: 294.
(3) أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم القيسي الفقيه، تهذيب
التهذيب 1: 359، لسان الميزان 1: 10.
90

وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: لم أر أشهد بالزور من
الرافضة (1).
وقال شريك احمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة فإنهم يضعون
الحديث ويتخذونه دينا.
وقال الذهبي في الميزان لما تكلم على البدعة الكبرى وحصرها في الرفض
على مذهب أهل الشام قال: فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، وأيضا
فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادفا ولا مأمونا بل الكذب
شعار هم والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل من هذا حاله حاشا
وكلا ا ه‍ (2).
فلما رأينا الكذب فيهم شائعا علمنا أن الحامل لهم عليه هو بدعتهم
فرددنا الحكم إليها وشرطنا في قبول الرواية نفي البدعة.
(قلنا): وهذا باطل أيضا من وجهين: أما الأول: فإن الرافضة
الذين وصف الذهبي وهم السابون للشيخين رضي الله عنهما غير داخلين فيما
نحن بصدده من الكلام على البدعة الناشئة عن رأي واجتهاد لأن هؤلاء
فسقة بتمالؤهم على ارتكاب المحرم من سب الشيخين رضي الله عنهما،
وانتقاصهما ونسبة العظائم إليهما بما لا دليل لهم عليه ولا مستند لهم فيه،
فإن السب والتنقيص من مطلق المؤمنين ليس عليه دليل، فضلا عن أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله لأن ارتكاب المحرم المجمع عليه
لا يدخله اجتهاد فهذا الضرب فسقة باجترائهم على المحرمات لا ببدعتهم،

(1) حرملة بن يحيى بن عبد الله التحبيبي المتوفى 244، تهذيب التهذيب 3: 229
الكفاية في علم الدراية ص 126، مرآة الجنان 2: 143، ميزان الاعتدال 1: 219
طبقات الشافعية 1: 257، طبقات الفقهاء 80.
(2) ميزان الاعتدال 1: 6.
91

ثم هم أيضا غير موجودين في أسانيد الأخبار المخرجة في دواوين أهل السنة
إلا على سبيل القلة والندرة، وإنما الموجود فيها أهل التشيع بغلو أو بلا غلو
كما سبق عن الذهبي.
وأما الثاني: فإنا وجدنا الكذب شائعا أيضا في أصناف من أهل
السنة كالمتعصبين من أهل الجمود في التقليد. وكذا القصاص والوعاظ،
بل وفيمن هو خير منهم كالزهاد والعباد حتى قال يحيى القطان: ما رأيت
الكذب في أحد أكثر منه فيما ينسب إلى الخير والزهد.
وأسند الذهبي في ترجمة جعفر المستغفري (1) من تذكرة الحفاظ عنه
قال: سمعت ابن مندة الحافظ يقول: إذا وجدت في إسناد زاهدا
فاغسل يدك من ذلك الحديث (2).
وقال ابن الصلاح: أعظم الوضاعين ضررا قوم من المنسوبين إلى
الزهد وضعوا الحديث احتسابا فيما زعموا فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة
بهم وركونا إليهم ا ه‍.
وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: لقد أدركت بالمدينة أقواما
لو استسقى بهم القطر لسقوا، وقد سمعوا من العلم والحديث شيئا كثيرا
وما أخذت عن واحد منهم وذلك أنهم كانوا قد ألزموا أنفسهم خوف
الله والزهد، وهذا الشأن يحتاج إلى رجل معه تقى وورع وصيانة واتقان
وعلم وفهم ويعلم ما يخرج من رأسه وما يصل إليه غدا في القيامة، فأما
زهد بلا إتقان ولا معرفة فلا ينتفع به، وليس هذا بحجة ولا يحمل
عنهم العلم.

(1) الحافظ المحدث النسفي المتوفى 432، تذكرة الحفاظ 3: 283، تاج
التراجم 15، شذرات 3: 249، مرآة الجنان 3: 54.
(2) تذكرة الحفاظ 3: 1102.
92

وقال معن بن عيسى: سمعت مالكا يقول: كم أخ لي بالمدينة أرجو
دعوته ولا أجيز شهادته (1).
ونقل الحافظ في ترجمة زكريا بن يحيى الوقار عن ابن عدي أنه قال
في المترجم: كان يتهم بوضع الأحاديث لأنه يروي عن قوم ثقات أحاديث
موضوعة قال: والصالحون قد رسموا بهذا أن يرووا أحاديث في فضائل
الأعمال موضوعة ويتهم جماعة منهم بوضعها ا ه‍ (2).
وفي ترجمة إبراهيم بن هراسة منه قال ابن حبان: كان من العباد
غلب عليه التقشف فأغضى عن تعاهد الحفظ حتى صار كأنه يكذب،
وأطلق أبو داود فيه الكذب (3).
وفي ترجمة أحمد بن عطاء الهجيمي الزاهد منه قال ابن المدايني:
أتيته يوما فجلست إليه فرأيت معه درجا يحدث به، فلما تفرقوا عنه قلت
له: هذا سمعته قال: لا ولكن اشتريته وفيه أحاديث حسان أحدث بها
هؤلاء ليعملوا بها وأرغبهم وأقربهم إلى الله ليس فيه حكم ولا تبديل سنة
قلت له: أما تخاف الله تقرب العباد إلى الله بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4)؟.
وفي ترجمة بكر بن الأسود الزاهد قال ابن حبان: غلب عليه التقشف
حتى غفل عن تعاهد الحديث فصار الغالب على حديثه المعضلات، وكان يحيى بن كثير يروي عنه ويكذبه (5).
وفي ترجمة سليمان بن عمرو النخعي قال الحاكم: لست أشك في وضعه

(1) تهذيب التهذيب 10: 252.
(2) ميزان الاعتدال 2: 77.
(3) ميزان الاعتدال 1: 72.
(4) المصدر السابق 1: 119.
(5) المصدر السابق 1: 342.
93

للحديث على تقشفه وكثرة عبادته (1).
وفي ترجمة عبد الله بن أيوب بن أبي علاج متهم بالوضع كذاب
مع أنه من كبار الصالحين قال ابن عدي: كان متعبدا يفتل الشريط
والخوص ويتصدق بما فضل من قوته (2).
وفي ترجمة علي بن أحمد أبي الحسن الهكاري أنه كان من العباد
الزهاد، وقال بعض أصحاب الحديث: كان يضع الحديث بإصبهان (3).
وفي ترجمة معلى بن صبيح الموصلي قال ابن عمار: كان من عباد
الموصل وكان يضع الحديث ويكذب (4).
وأوردوا في الضعفاء غالب الزهاد والعباد كإبراهيم الخواص وسلم
ابن سالم الخواص وسلم بن ميمون الخواص وغيرهم.
وقال الإمام أحمد: أكذب الناس القصاص والسؤال.
وقال محمد بن كثير الصغاني: القصاص أكذب الخلق على الله وعلى
أنبيائه ورسله (5).
وقال أبو الوليد الطيالسي: كنت مع شعبة فدنا منه شاب فسأله
عن حديث فقال: أقاص أنت؟ قال: نعم، قال: اذهب فإنا لا نحدث
القصاص، فقلت له: يا أبا بسطام لماذا؟ فقال: يأخذون الحديث منا شبرا
فيجعلونه ذراعا، وقال أيوب: ما أفسد على الناس حديثهم إلا القصاص.

(1) ميزان الاعتدال 2: 216.
(2) ميزان الاعتدال 2: 394.
(3) ميزان الاعتدال 3: 113.
(4) الغدير 5: 230.
(5) تهذيب التهذيب 5: 352.
94

وقال ابن قتيبة في اختلاف الحديث (1): الحديث يدخله الفساد
من وجوه ثلاثة: الزنادقة واحتيالهم للاسلام بدس الأحاديث المستبشعة
والمستحيلة، والقصاص فإنهم يميلون وجوه العوام إليهم ويستدرون ما عندهم
بالمناكير وغرائب الأحاديث ومن شأن العوام ملازمة القصاص ما دام يأتي
بالعجائب الخارجة عن نظر العقول.
وقال ابن الجوزي في الموضوعات: معظم البلاء في وضع الحديث
إنما يجري من القصاص لأنهم يريدون أحاديث ترفق وتنفق والصحيح
فيها يقل.
ويحكى عن أبي عبد الله النهاوندي أنه قال: قلت لغلام خليل:
هذه الأحاديث التي تحدث بها في الرقاق، قال: وضعناها لنرفق بها
قلوب العامة، قال: وكان يتزهد ويهجر شهوات الدنيا ويتقوت الباقلاء
صرفا غلقت الأسواق ببغداد يوم موته فحسن له الشيطان هذا الفعل القبيح.
وسئل عبد الجبار بن محمد عن أبي داود النخعي فقال: كان أطول
الناس قياما بليل وأكثرهم صياما بنهار وكان يضع الحديث وضعا.
وكان أبو بشر أحمد بن محمد الفقيه المروزي من أصلب أهل زمانه
في السنة وأذبهم عنها وكان مع هذا يضع الحديث (2).
وقال ابن عدي: سمعت أبا بدر أحمد بن خالد يقول: كان وهب
ابن حفص من الصالحين مكث عشرين سنة لا يكلم أحدا، قال أبو عروبة:
وكان يكذب كذبا فاحشا (3).
وقد نص السلف على أن القصص بدعة، وأن التزهد والتقشف

(1) مخطوطة برقم 107 في مكتبة عاشر أفندي بتركيا كما في فهرسها ص 9.
(2) الغدير 5: 190 ط نجف.
(3) الغدير 5: 234 ط نجف.
95

الخارج عن السنة بدعة أيضا. فكان مقتضى هذا ن ترد رواية كل زاهد
ومذكر ويعلق ذلك بزهده وتذكيره لأنه وحد فبهم الكذب شائعا،
ووصفوا بالبدعة كما هو حال الآخرين.
(فإن قيل): لم يصدر الكذب إلا من جهلة الزهاد ومن لا تقوى
عنده من القصاص والوعاظ.
(قليا): وكذلك المبتدعة فإنا لم نجد الكذب شائعا إلا في فسقتهم
ومن لا يخشى الله منهم. أما أهل الدين والتقوى فوجدناهم في نهاية
الصدق وغاية التحرز من الكذب ووجدنا أصولهم كأصولنا في أن من
كذب فهو مجروح مردود الشهادة والرواية حتى الخطابية الذين قال فيهم
يرون الشهادة بالزور لموافقيهم كان هذا مذهبهم فكانوا يرون أن الكذاب
مجروح خارج عن المذهب، فإذا سمع بعضهم بعضا قال: شيئا عرف أنه
ممن لا يجيز الكذب فاعتمد قوله لذلك وشهد بشهادته فلا يكون شهد
بالزور لمعرفته أنه محق وأنه لا يكذب، وكتب رجالهم شاهدة بذلك
بالزور لمعرفته أنه محق وأنه لا يكذب، وكتب رجالهم شاهدة بذلك
كرجال الشيعة للنجاشي، وأبي الحسن بن بابويه، وابن أبي طي. وعلي
ابن فضال، والكشي، وعلي بن الحكم، وابن عقدة، والليثي،
والمازندراني، والطوسي، وغيرهم (1) فإن فيها جرحا كجرح أهل السنة
وتعديلا كتعديلهم، وقد شهد أهل الجرح والتعديل قاطبة بوجود الصدق
في المبتدعة كما سنذكر بعض نصوصهم بذلك وكما سبق عن الذهبي من
قوله: إن التشيع كان شائعا في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق
فاستوى الحال وانقطع المقال (2)

(1) مصفى المقال في علم الرجال: 580، 12، 274، 548، 278، 54، 402.
(2) ميزان الاعتدال 1: 5.
96

(فصل) وأما النقل: فقد ذهب جماعة من أهل الحديث والمتكلمين
إلى أن أخبار أهل الأهواء كلها مقبولة وإن كانوا كفارا أو فساقا
بالتأويل كما حكاه الخطيب في " الكفاية " (1)، وذهب الشافعي وأبو حنيفة
وأبو يوسف وابن أبي ليلى والثوري وجماعة إلى قبول رواية الفاسق
ببدعته ما لم يستحل الكذب ونسبه الحاكم في المدخل، والخطيب في الكفاية
إلى الجمهور وصححه الرازي واستدل له في المحصول، ورجحه ابن دقيق
العيد وغيره من المحققين، وقواه جماعة بما اشتهر من قبول الصحابة أخبار
الخوارج وشهادتهم ومن جرى مجراهم من الفساق بالتأويل، ثم استمر عمل
التابعين على ذلك فصار كما قال الخطيب كالاجماع منهم.
قال السخاوي: وهو أكبر الحجج في هذا الباب وبه يقوى الظن
في مقاربة الصواب ا ه‍.
بل حكي ابن حبان: الإجماع على قبول رواية المبتدع إذا لم يكن
داعية إلى بدعته فقال في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي (2) من ثقاته:
ليس بين أهل الحديث خلاف أن الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعة
ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز فإذا دعى إليها سقط
الاحتجاج بخبره ا ه‍.
لكن اقتصر ابن الصلاح على عزو هذا المذهب إلى الكثير أو
الأكثر فقال - بعد حكاية الخلاف -: وقال قوم: تقبل روايته
ما لم يكن داعية ولا يقبل إذا كان داعية، وهذا مذهب الكثير أو الأكثر
من العلماء وهو أعدل المذاهب و أولاها، والأول بعبد مباعد للشائع عن
أئمة الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة وفي الصحيحين

(1) الكفاية في علم الدراية الخطيب البغدادي ط حيدر آباد 1357.
(2) تهذيب التهذيب 2: 95 - 98، الثقات 2: ورقة 124.
97

كثير من أحاديثهم في الشواهد والأصول ا ه‍.
وسبقه إلى ذلك الحازمي في (شروط الأئمة الخمسة) وتبعه كل
من اختصر كتابه (1)، وقد قال الإمام الشافعي في الأم (2): ذهب الناس
في تأويل القرآن والأحاديث إلى أمور تباينوا فبها تباينا شديدا واستحل
بعضهم من بعض مما تطول حكايته وكان ذلك متقادما منه ما كان في عهد
السلف وإلى اليوم، فلم نعلم من سلف الأئمة من يقتدى به ولا من بعدهم
من التابعين رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل ما حرم
الله عليه فلا نرد شهادة أحد بشئ من التأويل كان له وجه يحتمل وإن
بلغ فيه استحلال المال والدم ا ه‍ (3).
وقال أيضا: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية لأنهم يرون شهادة
الزور لموافقيهم، وكذا قال أبو يوسف القاضي: أجيز شهادة أصحاب
الأهواء أهل الصدق منهم إلا الخطابية والقدرية الذين يقولون: لا يعلم
الله الشئ حتى يكون، رواه الخطيب في الكفاية (4).
وقال أبو بكر الرازي في الأحكام: ويقبل قول الفاسق وشهادته
من وجه آخر، وهو من كان فسقه من جهة الدين باعتقاد مذهب وهم
أهل الأهواء فإن شهادتهم مقبولة، وعلى ذلك جرى أمر السلف في قبول
أخبار أهل الأهواء في رواية الأحاديث وشهادتهم ولم يكن فسقهم من جهة
الدين مانعا من قبول شهادتهم ا ه‍.
وقال الحازمي في (شروط الأئمة الخمسة) لما تكلم على العدالة:

(1) كشف الظنون 2: 1047.
(2) الأم 1: 48 - المقدمة -.
(3) الكفاية ص 120.
(4) الكفاية في علم الرواية ص 126.
98

ومنها أن يكون مجانبا للأهواء تاركا للبدع فقد ذهب أكثرهم إلى المنع
إذا كان داعية واحتملوا رواية من لم يكن داعية ا ه‍.
وقال العز بن عبد السلام في القواعد الكبرى (1): لا ترد شهادة
أهل الأهواء لأن الثقة حاصلة بشهادتهم حصولها بشهادة أهل السنة أو أولى
فإن من يعتقد أنه مخلد في النار على شهادة الزور أبعد في الشهادة الكاذبة
ممن لا يعتقد ذلك، فكانت الثقة بشهادته وخيره أكمل من الثقة بمن
لا يعتقد ذلك، ومدار قبول الشهادة والرواية على التحقق بالصدق وذلك
متحقق في أهل الأهواء، تحققه في أهل السنة والأصح أنهم لا يكفرون
ببدعتهم، ولذلك تقبل شهادة الحنفي إذا حددناه في شرب النبيذ، لأن
الثقة بقوله لا تنخرم بشر به لاعتقاده إباحته، وإنما ردت شهادة الخطابية
لأنهم يشهدون بناء على أخبار بعضهم بعضا فلا تحصل الثقة بشهادتهم لاحتمال
بنائها على ما ذكرناه (2).
وقال ابن دقيق العيد: الذي تقرر عندنا أنه لا تعتبر المذاهب
في الرواية إذ لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب إلا بإنكار قطعي من
الشريعة، فإذا اعتبرنا ذلك وانضم إليه الورع والتقوى فقد حصل معتمد
الرواية، وهذا مذهب الشافعي حيث يقبل شهادة أهل الأهواء ا ه‍.
وقال الحافظ في (شرح النخبة): التحقيق أنه لا يرد كل مكفر
ببدعة لأن كل طائفة تدعى أن مخالفتها مبتدعة وقد تبالغ فتكفرها،
فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف، فالمعتمد أن
الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين

(1) عز الدين عبد السلام الشافعي الشامي المتوفى 660 كشف الظنون 2: 1359.
(2) الكفاية ص 120 - باب ما جاء في الأخذ عن أهل البدع والأهواء
والاحتجاج برواياتهم.
99

بالضرورة فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه
مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله أصلا ا ه‍ (1)
وقال في ترجمة أبان بن تغلب من التهذيب: التشيع في عرف
المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان وأن عليا كان مصيبا في حروبه،
وأن مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما وربما اعتقد بعضهم أن
عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وإذا كان
معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا فلا ترد روايته بهذا لا سيما إن
كان غير داعية ا ه‍ (2).
وقال في مقدمة الفتح (3): والمفسق ببدعته كالخوارج والروافض
الذين لا يغلون وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأهل السنة خلافا ظاهرا
لكنه مستند إلى تأويل ظاهر سائغ، اختلف أهل السنة في قبول من
هذا سبيله إذا كان معروفا بالتحرز من الكذب مشهورا بالسلامة من خوارم
المروءة موصوفا بالديانة والعبادة، فقيل: يقبل مطلقا، وقيل: يرد مطلقا
والثالث: التفصيل بين أن يكون داعية لبدعته أو غير داعية فيقبل غير
الداعية ويرد حديث الداعية وهذا المذهب هو الأعدل، وصارت إليه طوائف
من الأئمة، وادعى ابن حبان إجماع أهل النقل عليه، لكن في دعوى
ذلك نظر، ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل فبعضهم أطلق ذلك وبعضهم
زاده تفصيلا، فقال: إن اشتملت رواية غير الداعية على ما يشيد بدعته
ويزينه ويحسنه ظاهرا فلا تقبل وإن لم تشتمل فتقبل، وطرد بعضهم

(1) شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، كشف الظنون 2: 1936.
(2) تهذيب التهذيب 1: 94.
(3) هدي الساري مقدمة فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني ط القاهرة
1383 / 1963 في جز أين.
100

هذا التفصيل بعينه في عكسه في حق الداعية فقال: إن اشتملت روايته على ما يرد
بدعته قبل وإلا فلا، وعلى هذا إذا اشتملت رواية المبتدع، سواء كان داعية
أم لم يكن على ما لا تعلق له ببدعته أصلا هل ترد مطلقا أو تقبل مطلقا
مال أبو الفتح القشيري إلى تفصيل آخر فقال: إن وافقه غيره فلا يلتفت
إليه هو إخمادا لبدعته وإطفاء لناره، وإن لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك
الحديث إلا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره
بالدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل
ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته ا ه‍ (1).
وقال في مقدمة اللسان: قال الذهبي في ترجمة إبراهيم بن الحكم أحمد بن
ظهير: اختلف الناس في رواية الرافضة على ثلاثة أقوال أحدها: المنع
مطلقا، والثاني: الترخيص مطلقا إلا فيمن يكذب ويضع، والثالث:
التفصيل، فتقبل رواية الرافضي الصدوق العارف بالحديث وترد رواية
الرافضي الداعية ولو كان صدوقا (2).
قال الحافظ: فالمنع من قبول رواية المبتدعة الذين لم يكفروا
ببدعتهم ذهب إليه مالك وأصحابه والقاضي أبو بكر الباقلاني وأتباعه
والقبول مطلقا إلا فيمن يكفر ببدعته وإلا فيمن يستحل الكذب ذهب
إليه أبو حنيفة وأبو يوسف وطائفة وروي عن الشافعي أيضا، وأما التفصيل
فهو الذي عليه أكثر أهل الحديث، بل نقل فيه ابن حبان إجماعهم، ووجه
ذلك: أن المبتدع إذا كان داعية كان عنده باعث على رواية ما يشيد
به بدعته ا ه‍ (3).

(1) مقدمة فتح الباري 2: 144.
(2) لسان الميزان 1: 49.
(3) ميزان الاعتدال 1: 27.
101

وقال أيضا في ترجمة خالد بن مخلد القطواني من المقدمة: أما التشيع
فقد قدمنا أنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضره لا سيما ولم يكن
داعية إلى رأيه ا ه‍ (1).
وقال الذهبي في ترجمة علي بن المديني من الميزان: ما كل أحد فيه
بدعة أو له هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط
الثقة أن يكون معصوما من الخطايا والخطأ ا ه‍ (2).
وقال الأمير الصنعاني في " إرشاد النقاد " (3): إعلم أن هذه
الفوادح المذهبية والابتداعات الاعتقادية ينبغي للناظر أن لا يلتفت إليها
ولا يعرج في القدح عليها، وقد اختار الحافظ وحكاه عن الجماهير غيره
أن الابتداع بمفسق لا يقدح به في الراوي إلا أن يكون داعية وهذه
مسألة قبول فساق التأويل وكفار التأويل، وقد نقل في العواصم إجماع
الصحابة على قبول فساق التأويل من عشر طرق ومثله في كفار التأويل
من أربع طرق، وإذا رأيت أئمة الجرح والتعديل يقولون: فلان ثقة
حجة إلا أنه قدري، أو يرى الارجاء أو يقول بخلق القرآن أو نحو ذلك
أخذت بقولهم ثقة وعملت به وطرحت قولهم قدري ولا تقدح به في الرواية
غاية ذلك أنه مبتدع، ولا يضر الثقة بدعته في قبول روايته لما عرفت
من كلام الحافظ فإن قولهم: ثقة قد أفاد الإخبار بأنه صدوق، وقولهم:
يقول بخلق القرآن مثلا أخبار بأنه مبتدع ولا تضرنا بدعته في قبول
خبره ا ه‍.

(1) مقدمة الفتح الباري 2: 163.
(2) ميزان الاعتدال 3: 141.
(3) البدر الطالع 1: 396، نيل الوطر 2: 97.
102

وقال ابن القيم في " الطرق الحكمية " (1): الفاسق باعتقاده إذا
كان متحفظا في دينه فإن شهادته مقبولة وأن حكمنا بفسقه كأهل البدع
والأهواء الذين لا نكفرهم كالرافضة والخوارج والمعتزلة ونحوهم، هذا
منصوص الأئمة ولم يزل السلف والخلف على قبول شهادة هؤلاء وروايتهم
وإنما منع الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل وأمثاله قبول رواية الداعي المعلن
ببدعته وشهادته والصلاة خلفه هجرا له وزجرا لينكف ضرر بدعته عن
المسلمين ففي قبول شهادته وروايته والصلاة خلفه واستقضائه وتنفيذ أحكامه
رضى ببدعته وإقرار له عليها وتعريض لقبولها منه ا ه‍ (2).
وقال بعده بقليل: إذا غلب على الظن صدق الفاسق قبلت شهادته
وحكم بها، والله سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق فلا يجوز رده مطلقا
بل يتثبت فيه حتى يتبين هل هو صادق أو كاذب، فإن كان صادقا
قبل قوله وعمل به وفسقه عليه، وإن كان كاذبا رد خبره ولم يلتفت
إليه، وخبر الفاسق وشهادته لرده مأخذان أحدهما: عدم الوثوق به إذ
تحمله قلة مبالاته بدينه ونقصان وقار الله في قلبه على تعمد للكذب،
الثاني: هجره على إعلانه بفسقه ومجاهرته به فقبول شهادته إبطال لهذا
الغرض المطلوب شرعا، فإذا علم صدق لهجة الفاسق وأنه من أصدق الناس
فلا وجه لرد شهادته، وقد استأجر النبي صلى الله عليه وآله هاديا
يدله على طريق المدينة وهو مشرك على دين قومه ولكن لما وثق بقوله
أمنه ودفع إليه راحلته وقبل دلالته.

(1) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ط القاهرة 1372 / 1953 تحقيق
محمد حامد الفقي.
(2) الطرق الحكمية ص 173.
103

وقد قال أصبغ بن الفرج (1): إذا شهد الفاسق عند الحاكم وجب
عليه التوقف في القضية وقد يحتج له بقوله تعالى (إن جاء كم فاسق بنبأ
فتبينوا) (2)، ومدار قبول الشهادة وردها على غلبة ظن الصدق وعدمه
والصواب المقطوع به أن العدالة تتبعض فيكون الرجل عدلا في شئ
فاسقا في غيره، ومن عرف شروط العدالة وعرف ما عليه الناس تبين له
الصواب في هذه المسألة ا ه‍.
(فصل): وما سمعته في مطاوي فحاوي هذه النقول من الخلاف
في أصل المسألة إنما هو في لسان المخالف لا في عمله وفي مقاله لا في تصرفه
فإنهم مجمعون على توثيق المبتدعة وقبول روايتهم والاحتجاج بأخبارهم
لم يخالف في ذلك أحد منهم أصلا، فهذا مالك يتشدد في الرواية عن
المبتدعة وينهى عنها، ثم يروي عن جماعة منهم ويحتج بأحاديثهم، كثور
ابن زيد الديلي (3)، وثور بن يزيد الشامي (4)، وداود بن الحصين (5)
وهم خوارج قدرية، وعدي بن ثابت (6) وهو شيعي بل قالوا فيه:
رافضي، والصلت بن زبيد (7) وهو مرجئ، وغيرهم.

(1) الفقيه الحافظ الأموي المتوفى 225، تذكرة الحفاظ 2: 457، مرآة
الجنان 2: 86، مختصر دول الإسلام 1: 105، الديباج 97.
(2) سورة الحجرات 49.
(3) ميزان الاعتدال 1: 373.
(4) تهذيب التهذيب 2: 33، خلاصة تذهيب الكمال: 50.
(5) ميزان الاعتدال 2: 5 أبو سليمان المدني المتوفى 135.
(6) خلاصة تذهيب الكمال 123، تقريب التهذيب 2: 16.
(7) تعجيل المنفعة ص 192.
104

وقد حكى البرقي في " الطبقات " (1): إن مالكا سئل كيف
رويت عن داود بن الحصين، وثور بن زيد، وذكر غيرهما، وكانوا
يرمون بالقدر فقال: كانوا لأن يخروا من السماء إلى الأرض أسهل عليهم
من أن يكذبوا كذبة، كما قال الشافعي في حق إبراهيم بن يحيى (2)
القدري الشيعي وقيل فيه أيضا: رافضي لما سئل عن الرواية عنه لأن يخر
إبراهيم من جبل أحب إليه من أن يكذب وكان ثقة في الحديث، ولهذا
كان يقول: حدثنا الثقة في حديثه المتهم في دينه، كما كان ابن خزيمة
يقول في عباد بن يعقوب (3) أحد رجال البخاري: حدثنا الصادق
في روايته المتهم في دينه، وهذا أحمد بن حنبل يبالغ في التنفير من الرواية
عنهم والتشديد فيها حتى كان يمنع ولده عبد الله من الكتابة عمن أجاب
في المحنة كما سبق، ثم يروي عن كثير منهم ويحتج لمذهبه بأحاديثهم
حتى احتج بغلاتهم كعمران بن حطان، وتلميذه صالح بن سرح ورشيد الهجري
وجابر الجعفي وأضرابهم من أهل الغلو وكم لهم من نظير في مسنده (4).
وقد روى عن عبد الرزاق ما لعله يبلغ نصف مسنده (5)
وفي عبد الرزاق يقول ابن معين: لو ارتد عبد الرزاق ما تركنا حديثه
كما نقله الذهبي عن الحاكم في ترجمة ابن رميح من " طبقات الحفاظ " (6)
وقد سأل عبد الله بن أحمد أباه فقال له: لم رويت عن أبي معاوية الضرير

(1) محمد بن عبد الرحيم البرقي المتوفى 249، الديباج الذهب 233.
(2) أعيان الشيعة 5: 511.
(3) ميزان الاعتدال 2: 379.
(4) تهذيب التهذيب 8: 127، اللسان 2: 88، 460 و ج 3: 169.
(5) يعني أن أحمد الإمام روى نصف مسنده عن عبد الرزاق الصنعاني.
(6) تذكرة الحفاظ 3: 930، أحمد بن محمد بن رميح النسوي النخعي المتوفى 357.
105

وكان مرجئا ولم ترو عن شبابة بن سوار وكان قدريا؟ فقال: لأن
أبا معاوية لم يكن يدعو إلى الارجاء وشبابة كان يدعو إلى القدر، وهذا
من الإمام أحمد رحمه الله عذر غير مقبول فإنه أكثر من الاحتجاج
بأحاديث الدعاة الغلاة كمن سمينا وغيرهم، وهكذا حال الباقين ممن نقل عنه كلام
في منع الرواية عن المبتدعة كشريك فإنا وجدناه يروي عن كثير منهم
كالصلت بن بهرام (1) وغيره، على أنه هو متهم أيضا بالقدر فهذا صنيع
المتقدمين، وأما المتأخرون فقد أجمعوا على صحة أحاديث الصحيحين
وتلقيها بالقبول مع إخراج صاحبيها للمبتدعة والاكثار من الرواية عنهم،
وقد ذكر الذهبي في ترجمة أبي أحمد الحاكم من " الطبقات " (2) أنه
قال: سمعت أبا الحسن الغازي يقول: سألت البخاري عن أبي غسان
فقال: عما تسأل عنه؟ قلت: شأنه في التشيع، فقال: هو على مذهب
أئمة أهل بلده الكوفيين، ولو رأيتم عبيد الله بن موسى وأبا نعيم وجميع
مشايخنا الكوفيين لما سألتمونا عن أبي غسان يعني لشدتهم في التشيع،
وقد جمع الحافظ أسماء من روى لهم البخاري منهم فسمى نحو السبعين
وما أراه استوعب.
وأما صحيح مسلم ففيه أكثر من ذلك بكثير حتى قال الحاكم: إن
كتابه ملآن من الشيعة، فهذا كما ترى إجماع على قبول رواية المبتدعة
كما قال الحافظ في مقدمة الفتح: إن جمهور الأئمة أطبقوا على تسمية
الكتابين بالصحيحين وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيحين
فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما ا ه‍ (3).

(1) تهذيب التهذيب 4: 432.
(2) تذكرة الحفاظ 3: 976، محمد بن محمد بن أحمد المتوفى 378.
(3) مقدمة الفتح الباري 1: 20 - 25.
106

وسبقه إلى ذلك ابن دقيق العيد فقال في مختصره: إن اتفاق الناس
على تسمية كتابيهما بالصحيحين يلزم منه تعديل رواتهما ا ه‍.
ويلزم منه أيضا قبول رواية المبتدعة لكنهم خالفوا هذا الفعل بألسنتهم
كما قال ابن القيم في (الطرق الحكيمة) عند تقرير رواية المبتدعة
وشهادتهم: هذا هو الصواب الذي عليه العمل وإن أنكره كثير من الفقهاء
بألسنتهم ا ه‍.
وقال الأمير الصنعاني في (إرشاد النقاد): قد يصعب على من
يريد درك الحقائق وتجنب المهاوي والمزالق معرفة الحق من أقوال أئمة
الجرح والتعديل، بعد ابتداع هذه المذاهب التي طال فيها القال والقيل
وفرقت كلمة المسلمين وأنشأت بينهم العداوة والبغضاء وقدح بعضهم في بعض
وانتهى الأمر إلى الطامة الكبرى من التفسيق والتكفير، فترى عالما
يقدح في راوية كان يقول بخلق القرآن أو بقدم القرآن والقول بالقدر
والإرجاء والنصب والتشيع، ثم تراهم يصححون أحاديث جماعة من الرواة
قد رموهم بتلك الفوادح، ألا ترى أن البخاري أخرج لجماعة رموهم
بالقدر وكذلك مالك ومسلم، وهذا من صنع أئمة الدين قد يعده الواقف
عليه تناقضا ويراه لما قرروه معارضا وليس الأمر كذلك، فإنه إذا حقق
صنيع القوم وتتبع طرائقهم وقواعدهم علم أنهم لا يعتمدون بعد إيمان
الراوي إلا على صدق لهجته وضبط روايته ا ه‍.
(فصل): وكذلك ما اشترطوه في قبول رواية المبتدع من أن
يكون غير داعية فإنه باطل في نفسه مخالف لما هم مجمعون في تصرفهم
عليه، وإن أغرب ابن حبان فحكى إجماعهم على اشتراطه فقال: إن
الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم
فيه خلافا ا ه‍.
107

ووافقه الحاكم فيما نقله ابن أمير الحاج (1) وإن تقدم عليه ما يخالفه
فإن هذا ناشئ عن تهور وعدم تأمل، ويكفي في إبطاله ما تقدم عن
جماعة من الأئمة كالثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف وابن أبي ليلى وآخرين،
من قبول رواية المبتدع مطلقا سواء كان داعية أو غير داعية، وعن
جماعة من أهل الحديث والكلام من قبول روايته ولو كان كافرا ببدعته،
فكيف وقد احتج الشيخان والجمهور الذين منهم ابن حبان والحاكم الحاكيان
لهذا الإجماع بأحاديث الدعاة كحريز بن عثمان وعمران بن حطان وشبابة
ابن سوار وعبد المجيد الحماني وأضرابهم، بل قد فسروا الدعاية بالاعلان
والأظهار وإن لم تحصل دعوة بالفعل لأنه متى أعلن مذهبه ونشره بين
الناس كان الغرض من ذلك الدعاية إليه بتحسينه وترويجه، وحينئذ فكل
مبتدع داعية إلا القليل النادر فما فائدة هذا الاشتراط، ثم هو أيضا
باطل من جهة النظر والدليل، فإن الداعية لا يخلو أن يكون دينا ورعا
أو فاسقا فاجرا، فإن كان الأول فدينه وورعه يمنعانه من الإقدام على
الكذب، وإن كان الثاني فخبره مردود لفسقه وفجوره لا لدعوته،
فبطل هذا الشرط من أصله.
(فصل): وأما اشتراط كونه روى ما لا يؤيد بدعته فهو من
دسائس النواصب التي دسوها بين أهل الحديث ليتوصلوا بها إلى إبطال كل
ما ورد في فضل علي عليه السلام، وذلك أنهم جعلوا آية تشيع الراوي
وعلامة بدعته هو روايته فضائل علي عليه السلام، كما ستعرفه، ثم
قرروا أن كل ما يرويه المبتدع مما فيه تأييد لبدعته فهو مردود ولو
كان من الثقات، والذي فيه تأييد التشيع في نظرهم هو فضل علي وتفضيله

(1) محمد بن محمد بن محمد بن حسن بن علي بن سليمان شمس الدين الحنفي
المتوفى 879، الضوء اللامع 9: 210، شذرات 7: 328.
108

فينتج من هذا أن لا يصح في فضله حديث كما صرح به بعض من رفع
جلباب الحياء عن وجهه من غلاة النواصب كابن تيمية وأضرابه، ولذلك
تراهم عندما يضيق بهم هذا المخرج ولا يجدون توصلا منه إلى الطعن
في حديث لتواتره أو وجود في الصحيحين يميلون به إلى مسلك آخر وهو
التأويل وصرف اللفظ عن ظاهره، كما فعل حريز بن عثمان (1) في حديث
أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وكما فعل ابن تيمية في أكثر ما صح
من فضائله بالنسبة إلى اعترافه.
وقد حكى ابن قتيبة وهو من المتهمين بالنصب لهذا المذهب عن قبله
من المتقدمين، كما أنهم يفعلون ضد ذلك بالنسبة لأعدائه، فيقول الذهبي
في حديث: اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ودعهما في النار دعا أنه من
فضائل معاوية، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم من سببته
أو لعنته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة، وقد راجت هذه الدسيسة على أكثر
النقاد فجعلوا يثبتون التشيع برواية الفضائل ويجرحون راويها بفسق التشيع
ثم يردون من حديثه ما كان في الفضائل ويقبلون منه ما سوى ذلك،
ولعمري إنها لدسيسة إبليسية ومكيدة شيطانية كاد ينسد بها باب الصحيح
من فضل العترة النبوية لولا حكم الله النافذ والله غالب على أمره " يريدون
أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره
الكافرون " (2)، وأول من علمته صرح بهذا الشرط وإن كان معمولا
به في عصره إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (3) المعروف بين أهل الجرح والتعديل
بالسعدي وهو أحد شيوخ الترمذي وأبي داود والنسائي وكان من غلاة

(1) الرحبي الحمصي المتوفى 163، تهذيب التهذيب 2: 237.
(2) سورة التوبة 39.
(3) المتوفى 256 / 259 تذكرة الحفاظ 2: 549.
109

النواصب بل قالوا: إنه حريزي المذهب على رأي حريز بن عثمان (1)
وطريقته في النصب، وكان حريز المذكور يلعن عليا سبعين مرة في الصباح
وسبعين مرة بالعشي فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي
وأجدادي، ذكره ابن حبان (2).
وقال إسماعيل بن عياش (3): عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى
مكة فجعل يسب عليا ويلعنه (4)، وقيل ليحيى بن صالح (5): لم لم تكتب
عن حريز؟ فقال: كيف أكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين
فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة (6)، وأخباره
في هذا كثيرة.
وقد ذكر الخطيب في ترجمته من تاريخ بغداد، والحافظ في ترجمة
محمد بن حريز من اللسان: أن الحافظ يزيد بن هارون قال: رأيت رب
العزة في المنام فقال: يا يزيد لا تكتب عنه فإنه يسب عليا (7)، فالجوزجاني
كان على مذهب هذا الخبيث وطريقته في النصب وزاد عليه بالتعصب
في الجرح والتعديل، فكان لا يمر به رجل ممن فيه تشيع إلا جرحه وطعن
في دينه وعبر عنه بأنه زائغ عن الحق متنكب عن الطريق مائل عن السبيل، كما
نبه عليه الحافظ في مقدمة اللسان فقال: ومما ينبغي أن يتوقف في قبول

(1) تهذيب التهذيب 1: 182.
(2) تهذيب التهذيب 2: 240، ميزان الاعتدال 1: 475.
(3) أبو عتبة العنسي الحمصي المتوفى 181، ميزان الاعتدال 1: 240.
(4) تهذيب التهذيب 2: 239.
(5) المتوفى 177، لسان الميزان 6: 262.
(6) تهذيب التهذيب 2: 240.
(7) تاريخ بغداد 14: 337.
110

قوله في الجرح من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف
في الاعتقاد فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة
رأى العجب، وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيع،
فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة وعبارة طلقة حتى
أنه أخذ يلين مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين الحديث
وأركان الرواية ا ه‍ (1).
ولما نقل عنه في مقدمة الفتح أنه قال في إسماعيل بن أبان الوراق:
مائلا عن الحق، قال ابن عدي يعني ما عليه الكوفيون من التشيع تعقب
ذلك بقوله: كان الجوزجاني ناصبيا منحرفا عن علي فهو ضد الشيعي
المنحرف عن عثمان والصواب موالاتهما جميعا ولا ينبغي أن يسمع قول
مبتدع في مبتدع ا ه‍ (2).
ونص على ذلك في غير ترجمة منها: ترجمة المنهال بن عمرو فهذا الناصبي
هو أول من نص على هذه القاعدة فقال في مقدمة كتابه في (الجرح
والتعديل) كما نقله عنه الحافظ في مقدمة اللسان: ومنهم زائغ عن
الحق صدوق اللهجة قد جرى في الناس من حديثه لكنه مخذول في بدعته
مأمون في روايته فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلا أن يؤخذ من حديثهم ما يعرف
إلا ما يقوى به بدعتهم فيتهم بذلك (3) ا ه‍.
فانظر كيف اعترف بأنه صدوق اللهجة مأمون الرواية ثم اتهمه مع
ذلك بالكذب والخيانة مما هو تناقض محض وتضارب صريح، ليؤسس بذلك
قاعدة التحكم في مرويات المبتدع الذي يقصد به المتشيع من قبول ما كان

(1) لسان الميزان 1: 11 - خطبة الكتاب.
(2) مقدمة فتح الباري 2: 151، الكامل 1: ورقة 108.
(3) لسان الميزان 1: 11.
111

منها في الأحكام وشبهها، ورد ما كان منها في الفضائل حتى لا يقبل
في فضل علي حديث وهذا الشرط لو اعتبر لأفضى إلى رد جميع السنة إذ
ما من راو إلا وله في الأصول والفروع مذهب يختاره ورأي يستصوبه
ويميل إليه مما غالبه ليس متفقا عليه، فإذا روى ما فيه تأييد لمذهبه وجب
أن يرد ولو كان ثقة مأمونا لأنه لا يؤمن عليه حينئذ غلبة الهوى في نصرة
مذهبه كما لا يؤمن المبتدع الثقة المأمون في تأييد بدعته، فكما لا يقبل
من الشيعي شئ في فضل علي كذلك لا يقبل من غيره شئ في فضل
أبي بكر، ثم لا يقبل من الأشعري ما فيه دليل التأويل ولا من السلفي
ما فيه دليل التفويض، ثم لا يقبل من الشافعي ما فيه تأييد مذهبه،
ولا من الحنفي كذلك، وهكذا بقية أصحاب الأئمة الذين لم يخرج مجموع
الرواة بعدهم عن التعلق بمذهب واحد منهم أو موافقته، خصوصا وقد
وجدنا في أهل كل مذهب من يضع الأحاديث ويفتريها لنصرة مذهبه.
وحينئذ فلا يقبل في باب من الأبواب حديث إلا إذا بلغ رواته
حد التواتر أو كان متفقا على العمل به وذلك بالنسبة لخبر الآحاد وما هو
مختلف فيه قليل، وبذلك ترد أكثر السنة أو ينعدم المقبول منها وهذا
في غاية الفساد فالمبني عليه كذلك إذ الكل يعتقد أن مذهبه حق ورأيه
صواب، وكونه باطلا وبدعة في نفسه أمر خارج عن معتقد الراوي،
ولهذا لم يعتبروا هذا الشرط ولا عرجوا عليه في تصرفاتهم أيضا بل احتجوا
بما رواه الشيعة الثقات مما فيه تأييد مذهبهم، وأخرج الشيخان فضائل
علي عليه السلام من رواية الشيعة كحديث أنت مني وأنا منك أخرجه
البخاري (1) من رواية عبيد الله بن موسى العبسي الذي أخبر البخاري

(1) صحيح البخاري 2: 208 ط مصر 1304.
112

عنه أنه كان شديد التشيع (1)، وحديث: لا يحبك إلا مؤمن
ولا يبغضك إلا منافق، أخرجه مسلم من رواية عدي بن ثابت وهو شيعي غال داعية (2)، وهكذا فعل بقية الأئمة أصحاب الصحاح والسنن
والمصنفات الذين لا يخرجون من الحديث إلا ما هو محتج به وصرحوا
بصحة كثير منها، وذلك كثير لمتتبعه دال على بطلان هذا الشرط وغيره
مما سبق وأنه لا يعتبر في صحة الخبر وقبوله إلا ضبط الراوي وصدقه كما
هو حال عبد السلام بن صالح راوي حديث الباب وكثير من متابعيه
كما أوضحناه والله المستعان.
(الوجه الثاني): أنهم جرحوه بالكذب ونكارة الحديث، وهذا
الجرح بالنسبة له باطل مردود، فإن عبد السلام ما كان كذابا ولا منكر
الحديث، بل كان ثقة صالحا مأمونا صادقا كما قال: من خالطه وعرفه
وعاشره وخبره، وذلك أن الاعتماد في معرفة صدق الراوي وضبطه إنما
هو على اعتبار أحاديثه وتتبع مروياته، فإذا كانت موافقة لمرويات الثقات
غير مخالفة للمعقول ولا للشائع المعروف من المنقول عرف أنه صادق
في حديثه ضابط لمروياته، وإن انفرد وأغرب وخالف الثقات وأتى بالمنكرات
عرف أنه ضعيف غير صادق في خبره ولا ضابط لما يرويه، كما قال
ابن الصلاح: يعرف كون الراوي ضابطا بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات

(1) راجع التاريخ الكبير للبخاري ترجمة عبيد الله العبسي.
(2) هذا الحديث غير موجود في صحيح مسلم على اختلاف طبعاته ولماذا..؟
أنا لست أدري..
وأخرجه بهذا الإسناد جمع حافل من أئمة الحديث والحفاظ الفطاحل كما
في مسند الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من الغدير وهو الحديث الأول من
المسند المذكور.
113

المعروفين بالضبط والاتقان فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى
لرواياتهم أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة عرفنا كونه ضابطا ثبتا
وإن وجدنا كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه ا ه‍.
وكما قال مسلم في مقدمة صحيحه: وعلامة المنكر في حديث المحدث
إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا
خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها، فإن كان الأغلب من حديثه
كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله (1) ا ه‍.
ولهذا تجد أهل الجرح والتعديل يجرحون الراوي أو يعدلونه وبينهم
وبينه قرون عديدة كما قال يحيى بن معين: إنا لنطعن على أقوام لعلهم
قد حطوا رحالهم في الجنة منذ مائتي سنة ذكره الذهبي في ترجمة ابن
أبي حاتم من طبقات الحفاظ (2) وذلك أنهم يتتبعون مروياته ويعتبرون
أحاديثه فإن وجدوها نقية ليس فيها ما يستنكر مع عدم انفراده بها
أو بأكثرها علموا صدقه وضبطه، وإن وجدوه يأتي بالمنكرات والغرائب
نظروا فإن تابعه عليها مثله أو أقوى منه حكموا ببراءته وصدقه أيضا،
وإن لم يتابعه أحد نظروا في الرواة فوقه ودونه فإن كان فيهم ضعيف
أو مجهول احتمل أن تكون النكارة من أحدهم، كما قال الحافظ في اللسان
في ترجمة محمد بن نوح الإصبهاني الذي روى عن الطبراني عن مقدام أحمد بن
داود عن عبد الله بن يوسف عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: طعام
البخيل داء وطعام السخي شفاء، ورواه عنه أبو العباس العدوي فقال
القاضي عياض: الحمل فيه على العدوي أو على المقدام فتعقبه الحافظ بقوله

(1) صحيح مسلم 1: 7.
(2) تذكرة الحفاظ 3: 831.
114

ولا يلصق الوهم بسبب إلا بعد معرفة محمد بن نوح ا ه‍ (1).
وإن كانوا ثقات معروفين انحصرت التهمة وحكموا بأن الغرابة
والنكارة منه فإن كان ذلك منه على سبيل القلة والندرة احتملوه وعرفوا
أنه قليل الضبط، وإن تكرر ذلك منه حكموا بضعفه لسوء حفظه فردوا
من حديثه ما انفرد به، لاحتمال أن يكون قد وهم فيه أو انقلب منه
السند أو المتن عليه وقبلوا ما تابعه عليه غيره لبعد احتمال الوهم والخطأ
من الاثنين والثلاثة، هذا إذا كان الحديث مما يحتمل أما إذا كان ظاهر
الوضع واضح البطلان وانفرد به عن الثقات فإنهم يحكمون عليه حينئذ بأنه
كذاب وضاع، كقول ابن عدي في إبراهيم بن البراء: ضعيف جدا
حدث بالبواطيل وأحاديثه كلها مناكير موضوعة (2) ومن اعتبر حديثه علم
أنه ضعيف جدا متروك الحديث.
وقول ابن حبان في إبراهيم بن أبي حية (3): روى عن جعفر
وهشام مناكير وأوابد يسبق إلى القلب انه المتعمد لها، وقول ابن
أبي حاتم (4) في إبراهيم بن عكاشة: روى عن الثوري خبرا منكرا
دل على أنه ليس بصدوق (5)، وقول النباتي صاحب الحافل في أحمد أحمد بن

(1) لسان الميزان 5: 408.
(2) ميزان الاعتدال 1: 21، الكامل 1: ورقة 88.
(3) المصدر السابق 1: 29.
(4) الحافظ عبد الرحمان بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي
الرازي المتوفى 327، طبقات الشافعية 2: 237، تذكرة الحفاظ 3: 46، مرآة
الجنان 2: 289، طبقات المفسرين 17، البداية والنهاية 11: 191، وطبع كتابه
الجرح والتعديل في حيدر آباد سنة 1371 / 1952.
(5) لسان الميزان 1: 83، الجرح والتعديل 1 ق 1: 117.
115

الحسن الكوفي وقد روى حديثا منكرا: حق لمن يروي مثل هذا الحديث
أن لا يكتب حديثه (1)، وقول ابن حبان في أحمد بن محمد الحماني:
راودني أصحابنا على أن أذهب إليه فأسمع منه فأخذت جزءا لأنتخب فيه
فرأيته حدث عن يحيى بن سليمان بن نضلة عن مالك عن نافع عن ابن عمر
مرفوعا: رد دانق من حرام أفضل عند الله من سبعين حجة مبرورة،
ورأيته حدث عن هناد عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن
عمر: لرد دانق من حرام أفضل من مائة ألف تنفق في سبيل الله، فعلمت
أنه يضع الحديث فلم أذهب إليه، وقول مسلمة بن قاسم في بكر أحمد بن
سهل الدمياطي: تكلم الناس فيه ووضعوه من أجل الحديث الذي حدث
به عن يحيى بن سعيد بن كثير عن يحيى بن أيوب عن مجمع بن كعب
عن مسلمة بن خالد رفعه: أعروا النساء يلزمن الخجال (2).
وقول الذهبي في جعفر بن حميد الأنصاري وقد أسند حديثا من طريقه
عن جده عمر بن أبان ما نصه: عمر بن أبان لا يدرى من هو والحديث
إنما دلنا على ضعفه (3)، وقول ابن أبي حاتم في الحسن بن رشيد:
حديثه يدل على الإنكار، وذلك أنه روى عن ابن جريج عن عطاء
عن ابن عباس: من جلس في حر مكة ساعة باعد الله عنه جهنم سبعين
خريفا (4).
وقول ابن حبان في حميد بن علي القيسي: أتيناه بالبصرة فإذا
شيخ مظهر للصلاح والخير فأملا علينا عن عبد الواحد بن غياث عن حفص

(1) لسان الميزان 1: 151.
(2) لسان الميزان 2: 51، و 1: 270، تاريخ ابن عساكر 2: 56.
(3) ميزان الاعتدال 1: 405.
(4) ميزان الاعتدال 1: 490، الجرح والتعديل ق 2 ج 1: 14.
116

ابن غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا: الأذان
والإقامة مثنى مثنى اللهم فارشد الأئمة واغفر للمؤذنين فقلت: زدنا، قال:
ثنا يحيى بن حبيب، ثنا خالد بن الحارث، ثنا شعبة، عن الأعمش،
عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا: أنه كان يصلي حتى ترم قدماه،
حدثنا هدبة، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس مرفوعا: إذا كان يوم
القيامة بعث الله على قوم ثيابا خضرا بأجنحة خضر فيسقطون على حيطان
الجنة، فيقول لهم خزنة الجنة: ما أنتم أما شهدتم الحساب أما شهدتم
الموقف؟ قالوا: لا نحن عبدنا الله سرا فأحب أن يدخلنا الجنة سرا،
قال: فقمنا وتركناه وعلمنا أنه لم يتعمد فإنه لا يدري ما يقول (1).
قال الذهبي: يعني ابن حبان أنه ما أتى بهذه الأحاديث بين يدي
الطلبة الحفاظ إلا وهو لا يعي ما يخرج من رأسه (2)، وقول الخطيب:
في الرواة عن مالك في ترجمة الهيتم بن خالد الخشاب قال مطين: كان
عبد الرحمن بن نمير قال: اذهب فاكتب عن هيتم الخشاب فذهبت إليه
ثم جئت فألقيت عليه هذا الحديث فقال: هذا قد كفانا مؤنته.
قال الخطيب: يعني أن رواية مثل هذا الحديث تبين حال راويه
لأنه باطل لا أصل له (3).
وذكر الذهبي في كتاب (العلو) له حديثا في فضل علي والعباس
بإسناد رجاله ثقات ثم قال: هذا موضوع في نقدي فلا أدري من آفته
وسفيان بن بشر ثقة مشهور ما رأيت فيه جرحا فليضعف بمثل هذا ا ه‍ (4).

(1) لسان الميزان 2: 365 نقلا عن ابن حبان.
(2) لسان الميزان 2: 366.
(3) ميزان الاعتدال 4: 322، تاريخ بغداد 14: 62.
(4) لم أجد لهذا الكتاب إشارة في ضمن مؤلفات الذهبي.
117

إلى غير ذلك. لكنهم قد يتهمون الراوي ويضعفونه بحديث
يكون في الواقع بريئا منه لوجود المتابعين له أو وجود المجاهيل في السند
فوقه أو دونه، وكثيرا ما يقع هذا لابن حبان من المتقدمين، ولابن
الجوزي من المتأخرين، وربما وقع ذلك للذهبي أيضا حتى قال الحافظ
في ترجمة علي بن صالح الأنماطي من اللسان وقد اتهمه الذهبي بحديث هو
برئ منه ما نصه: ينبغي التثبت في الدين يضعفهم الذهبي من قبله ا ه‍ (1).
(فصل): وأما ما يترتب عليه هذا الحكم وهو معرفة كون
الحديث منكرا لا أصل له فذلك بأمور، منها: ما هو واضح جلى يشترك
في معرفته كل من له دراية بالحديث كركاكة اللفظ والمعنى واشتماله على
المجازفات والافراط في الوعيد الشديد على الأمر اليسير، أو الوعد العظيم
على الفعل اليسير، وغير ذلك مما هو مذكور في كتب الموضوعات وأصول
الحديث، ومنها: ما هو خفي لا يدركه إلا البزل في هذا الشأن
وأهمها أمران:
(الأمر الأول): التفرد من الراوي المجهول أو المستور أو من
لم يبلغ من الحفظ والشهرة ما يحتمل معه تفرد ما يجب أن يشاركه غيره
فيه، أو في أصله تفردا بإطلاق أو بالنسبة إلى شيخ من الحفاظ المشاهير
كما قال مسلم في مقدمة صحيحه: إن حكم أهل العلم والذي نعرف من
مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك
الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا ولو أمعن في ذلك على
الموافقة لهم فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس عند أصحابه
قبلت زيادته، فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه
الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره أو لمثل هشام بن عروة وحديثهما عند

(1) لسان الميزان 4: 235.
118

أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق
منهم في أكثره فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه
أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم فغير جائز
قبول حديث هذا الضرب من الناس ا ه‍ (1).
ولهذا تجدهم يضعفون الراوي بقولهم: أتى بأحاديث لا يتابع عليها
أو ينفرد ويغرب عن الثقات ونحو هذا من العبارات، حتى أنهم يحكمون
بضعفه وكذبه في أحاديث صحيحة أو متواترة لا غرابة في أسنادها
وانفراده بروايتها عن شيوخ ليست معروفة من روايتهم، كقول الدارقطني
في غرائب مالك عقب ما رواه من طريق أبي داود وإبراهيم بن فهد عن
القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه: لا يحل لمسلم أن يهجر
أخاه فوق ثلاث، هذا باطل (2).
وقوله فيه أيضا عقب ما رواه أحمد بن عمر بن زنجويه عن هشام
ابن عمار عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه: البحر هو الطهور ماؤه
الحل ميتته: هذا باطل بهذا الإسناد (3).
وقوله عقب ما رواه من طريق أحمد بن محمد بن عمران عن عبد الله
ابن نافع الصائغ عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: صلاة في مسجدي
هذا أفضل من ألف صلاة: الحديث لا يثبت بهذا الإسناد وأحمد أحمد بن
محمد مجهول (4).
وقوله فيه أيضا عقب ما رواه من طريق الحسن بن يوسف عن

(1) صحيح مسلم 1: 7 ط القاهرة 1374.
(2) الموطأ ص 386 ط حيدر آباد.
(3) سنن الدارقطني 1: 34.
(4) صحيح البخاري 7: 13.
119

بحر بن نصر عن ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه:
اتقوا النار ولو بشق تمرة (1): هذا منكر بهذا الإسناد لا يصح، ولما
نقله الحافظ العراقي في ذيل الميزان عقبه بقوله: رواته ثقات غيره فهو
المتهم به عمدا أو وهما ا ه‍.
مع أن هذه الأحاديث كلها صحيحة مخرجة في الصحيحين ما عدا
حديث البحر فإنه في الموطأ (2)، وله طرق متعددة صححه بعض الحفاظ
من أجلها.
ونقل الذهبي في ترجمة إبراهيم بن موسى المروزي عن الإمام أحمد
أنه قال فيما رواه إبراهيم المذكور عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا:
طلب العلم فريضة على كل مسلم: هذا كذب، قال الذهبي يعني بهذا
الإسناد وإلا فالمتن له طرق ضعيفة (3). وقال في ترجمة إسحاق بن محمد
البيروتي من مناكيره روايته عن مالك عن نافع عن ابن عمر قلت:
يا رسول الله أرسل وأتو كل؟ قال: بل قيد وتوكل: هذا بهذا الإسناد
باطل، ويروى هذا بإسناد آخر فيه ضعف (4).
وقال الحافظ في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت من اللسان: ومن
مناكيره روايته عن بشر الحافي عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن نافع
عن ابن عمر مرفوعا: ازهد في الدنيا يحبك الله، الحديث رواه ابن عساكر
في تاريخه (5)، وهذا الحديث بهذا الإسناد باطل وإنما يعرف من حديث

(1) سنن الدارقطني 2: 125.
(2) الموطأ ص 286 ط حيدر آباد.
(3) ميزان الاعتدال 1: 69.
(4) ميزان الاعتدال 1: 199.
(5) لسان الميزان 1: 277، تاريخ ابن عساكر 2: 56.
120

سهل بن سعد الساعدي بإسناد ضعيف (1).
ونقل أيضا في ترجمة إسحاق بن مالك الحضرمي عن الأزدي أنه قال:
فيما رواه إسحاق المذكور عن يحيى بن الحارث الدماري عن القاسم عن
أبي أمامة رفعه: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب: لا يصح، قال الحافظ:
يعني بهذا الإسناد (2).
وقال الذهبي في ترجمة موسى بن إبراهيم الدمياطي خبره باطل عن
مالك عن نافع عن ابن عمر: من بدل دينه فاقتلوه، فكتب عليه الحافظ
وليس المتن باطلا وإنما أطلق المصنف ذلك بالنسبة لهذا الإسناد (3).
وقال الحافظ في (تعجيل المنفعة) في ترجمة الربيع بن مالك قال البخاري:
لم يثبت حديثه، وتبعه ابن أبي حاتم وهو في القول إذا نزل المسافر منزلا
وهو حديث صحيح مخرج في الصحيح لكن من طريق سعد بن أبي وقاص
عن خولة، وإنما نفى البخاري ثبوته من جهة هذا الإسناد الخاص ا ه‍ (4).
ولما نقل الذهبي في ترجمة رزق الله بن الأسود عن العقيلي (5) أنه
قال: حديثه منكر، وتعقبه بأن المتن صحيح تعقبه الحافظ في اللسان
بقوله: استدراك الذهبي المذكور يلزمه في أحاديث لا تحصى في كتابه
هذا فإنهم يضعفون الرجل برواية تتعلق بالإسناد دون المتن إما أن يكون
مقلوبا أو مركبا أو نحو ذلك مما يدل على ضعف الراوي وسوء حفظه ا ه‍ (6).

(1) لسان الميزان 1: 272.
(2) المصدر السابق 1: 370.
(3) المصدر السابق 6: 112.
(4) تعجيل المنفعة ص 125، الجرح والتعديل 1 ق 2: 468.
(5) ميزان الاعتدال 1: 337.
(6) لسان الميزان 2: 458.
121

وقال الحافظ السيوطي في كتاب المبتدأ من " اللآلئ المصنوعة " (1)
إعلم أنه قد جرت عادة الحفاظ كالحاكم وابن حبان والعقيلي وغيرهم أنهم
يحكمون على حديث بالبطلان من حيثية سند مخصوص لكون راويه اختلق
ذلك السند لذلك المتن، ويكون ذلك المتن معروفا من وجه آخر ويذكرون
ذلك في ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به فيغتر ابن الجوزي بذلك ويحكم على المتن
بالوضع مطلقا ا ه‍، إلى غير هذا مما قد ذكرت الكثير منه في حصول التفريج
بأصول التخريج (2).
(الأمر الثاني): مخالفته للأصول والثابت المعروف من المنقول،
كما نقل ابن الجوزي عن بعضهم أنه قال: إذا رأيت الحديث يباين المعقول
أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع ا ه‍.
فإذا وجدوا الحديث كذلك حكموا بوضعه ولو كان رجاله ثقات،
أو مخرجا في الصحيح كالحديث الذي رواه مسلم من طريق عكرمة بن عمار
عن أبي زميل عن عبد الله بن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى
أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي صلى الله عليه وآله: ثلاث خلال
أعطيهن قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت
أبي سفيان أزوجكها، قال: نعم. الحديث (3)، فهذا مخالف لما ثبت
بالتواتر أن أم حبيبة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل
إظهار أبي سفيان للاسلام، زوجها إياه النجاشي وهي في الحبشة ثم قدمت
على رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن يظهر أبوها الإسلام، لا خلاف بين أهل

(1) في الأحاديث الموضوعة ط القاهرة 1317 في جز أين.
(2) اللآلي المصنوعة 1: 54.
(3) صحيح مسلم 4: 1945.
122

السير والأخبار في ذلك (1)، ولهذا صرح ابن حزم وجماعة بأنه موضوع
وقد أجاب عنه جماعة بأجوبة متعددة ليس فيها ما يساوي سماعه أورد
جميعها ابن القيم في " جلاء الأفهام " (2) وبين بطلانها، والحق أنه
موضوع حصل عن سهو وغلط لا عن قصد وتعمد، والموضوع الذي هو
من هذا القبيل موجود في الصحيحين كما نقل الحافظ شمس الدين ابن
الجزري في " المصعد الأحمد " (3) عن ابن تيمية أنه قال: إن الموضوع
يراد به ما يعلم انتفاء مخبره وإن كان صاحبه لم يتعمد الكذب بل أخطأ
فيه وهذا الضرب في المسند منه بل وفي سنن أبي داود والنسائي،
وفي صحيح مسلم والبخاري أيضا ألفاظ في بعض الأحاديث من هذا الباب ا ه‍.
وكحديث الإسراء الذي رواه البخاري ومسلم (4) من رواية
شريك فإن فيه زيادات باطلة مخالفة لما رواه الجمهور وهم فيها شريك إلا
أن مسلما ساق إسناده ولم يسق لفظه، وكالحديث الذي رواه البخاري
من حديث أبي هريرة مرفوعا: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى
وجه آزر قترة وغبرة الحديث، وفيه: فيقول إبراهيم: يا رب إنك
وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي، إلا بعد
الحديث فقد طعنوا فيه بأنه مخالف لقوله تعالى: " وما كان استغفار
إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله
تبرأ منه " (5).

(1) صحيح مسلم - الهامش -) 4: 1945.
(2) جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام - كشف الظنون 1: 592.
(3) المصعد الأحمد في ختم مسند أحمد ط القاهرة 1347 / 1929.
(4) مفتاح كنوز السنة 42، صحيح مسلم 2: 217، شريك بن عبد الله بن أبي نمر.
(5) سورة التوبة 114.
123

وقال الإسماعيلي: هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم علم
أن الله لا يخلف الميعاد فكيف يجعل ما صار لأبيه خزيا مع علمه بذلك ا ه‍.
وإن كان الحافظ قد أجاب عن هذا بما يطلب من تفسير سورة
الشعراء من الفتح له (1)، وكذلك طعن يعقوب بن سفيان في حديث زيد أحمد بن
خالد الجهني أن عمر قال: يا حذيفة بالله أنا من المنافقين، وقال: هذا محال ا ه‍ (2).
ولكن هذا غير وأرد لأنه صدر من عمر رضي الله عنه، عند
غلبة الخوف وعدم أمن المكر أو على سبيل التواضع كما أجاب عنه الحافظ
في مقدمة الفتح (3)، وكالحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: خلق
الله التربة يوم السبت، وذكر باقي الأيام (4) فقد حكموا بوضعه لمخالفته
نص القرآن في أن الخلق كان في ستة أيام لا في سبعة، ولإجماع أهل
الأخبار على أن السبت لم يخلق فيه شئ، وقد بين علته البيهقي في " الأسماء
والصفات " (5)، وأشار إلى بعضها ابن كثير في سورة البقرة (6)
وأنه مما غلط فيه بعض الرواة فرفعه، وإنما سمعه أبو هريرة من كعب
الأحبار إلى غير ذلك من أحرف وقعت في الصحيحين من هذا القبيل
ترى الكثير منها في كلام ابن حزم على الأحاديث، وأما ما هو خارج
الصحيحين فكثير جدا، من ذلك استدلال الذهبي على بطلان حديث
المتعبد خمسمائة سنة على رأس جبل وفيه قول الحق سبحانه وتعالى:

(1) الفتح الباري 8: 404 - 405.
(2) تهذيب التهذيب 3: 410.
(3) مقدمة الفتح الباري 2: 129.
(4) صحيح مسلم 8: 127.
(5) ص 384 ط القاهرة 1358.
(6) تفسير ابن كثير 1: 68، 69.
124

قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله فيجدوا نعمة البصر قد أحاطت بخمسمائة
سنة وبقيت نعمة الجسد له فيقول: ادخلوا عبدي النار.. الحديث،
بأنه مخالف لقوله تعالى: " ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون " (1)،
ذكر ذلك في ترجمة سليمان بن هرم من الميزان (2).
واستدلاله على بطلان حديث ميسرة: أن عليا عليه السلام نزل
مسكنا فأمر بنبيذ فنبذ في الخوابى فشرب وسقى أصحابه فأخذ رجلا
قد سكر ليحده، فقال: يا أمير المؤمنين تحدني على شراب قد سقيتنيه؟
فقال: ليس أحدك على الشراب إنما أحدك على السكر، بأن هذا من صور
التكليف بما لا يطاق، ذكر ذلك في ترجمة طالب بن عبد الله (3).
واستدلاله أيضا على بطلان حديث: من علق في مسجد قنديلا
صلى عليه سبعون ألف ملك ومن بسط فيه حصيرا فله من الأجر كذا
وكذا، بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يوقد في حياته
في مسجده قنديل ولا بسط فيه حصير، ولو كان قال لأصحابه هذا لبادروا
إلى هذه الفضيلة، وسبقه إلى ذلك ابن حبان ذكره في ترجمة عاصم أحمد بن
سليمان (4). واستدلاله أيضا على بطلان حديث: أن الله أحيا لي أمي
فآمنت بأنه مخالف لما صح أنه عليه الصلاة والسلام استأذن ربه في الاستغفار
لها فلم يؤذن له، ذكره في ترجمة عبد الوهاب بن موسى (5). واستدلال

(1) سورة النحل 32.
(2) ميزان الاعتدال 2: 227.
(3) ميزان الاعتدال 2: 333 أن الوقعة هذه كانت مع سيدنا عمر.. كما
في الغدير 6: 251 - 261.
(4) ميزان الاعتدال 2: 351، الثقات 1 ورقة 175.
(5) المصدر السابق 2: 684.
125

بعض الحفاظ على كذب حديث: ما أنا وأمة سوداء سفعاء الخدين
عملت بطاعة الله إلا سواء بأن الله لم يجعل لنبيه عدلا من أمته، نقله
الحافظ في ترجمة شداد بن عبيد الله من اللسان (1).
وقال الحافظ أبو موسى المديني في خصائص المسند " (2): ومن
الدليل على أن ما أودعه الإمام أحمد رحمه الله تعالى مسنده قد احتاط فيه
إسنادا ومتنا ولم يورد فيه إلا ما صح عنده على ما أخبرنا أبو علي
قال: ثنا أبو نعيم ح، وأنا ابن الحصين قال: أنا ابن المذهب قال:
أنا القطيعي، ثني عبد الله، ثنى أبي، ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة
عن أبي التياح قال: سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة، عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: يهلك أمتي هذا الحي من قريش،
قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله قال: لو أن الناس اعتزلوهم. قال عبد الله:
قال أبي في مرضه الذي مات فيه: اضرب على هذا الحديث فإنه خلاف
الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني قوله: اسمعوا
وأطيعوا، قال أبو موسى: وهذا مع ثقة رجال إسناده حين شذ لفظه
عن الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه (3).
واستدلال الحافظ على كذب ابن بطة الحنبلي الفقيه المشهور، وعلى
وضع زيادة زادها في حديث كلم الله موسى، وهي قوله: من ذا العبراني
الذي يكلمني من الشجرة بأن كلام الله لا يشبه كلام المخلوقين، وسبقه

(1) لسان الميزان 3: 140.
(2) محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الإصبهاني المتوفى 581 تذكرة الحفاظ
4: 1334، شذرات الذهب 4: 272، وفيات الأعيان 2: 615، طبقات
الشافعية 4: 90، الروضتين 2: 68، طبقات القراء 2: 215.
(3) مسند أحمد 2: 301 ط الأولى و ج 15: 161 ط الثانية.
126

إلى ذلك ابن الجوزي واستدل هو والذهبي على بطلان حديث أخرجه
ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر، كان خاتم النبوة مثل البندقة من
لحم مكتوب عليه محمد رسول الله، بمخالفته الأحاديث الصحيحة في صفة
ختم النبوة. واستدل الحافظ السيوطي على بطلان حديث من قال: أنا
عالم فهو جاهل بورود ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وأفرد لذلك
جزأ سماه " أعذب المناهل " (1) وأورد شواهده في الصواعق على
النواعق (2) إلى غير ذلك.
وقد أكثر ابن الجوزي في موضوعاته من الحكم على الأحاديث
بالوضع من هذا الطريق، وسبقه إلى ذلك الجوزقاني في موضوعاته (3)
فإنه بين فيه كما قال الذهبي: أحاديث واهية بمعارضة أحاديث صحاح لها
وهذا موضوع كتابه لأنه سماه (الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير)
يذكر الحديث الواهي ويبين علته ثم يقول: باب في خلاف ذلك، ثم
يذكر حديثا صحيحا ظاهره يعارض الذي قبله، قال الذهبي: وعليه
في كثير منه مناقشات ا ه‍.
وكذلك بين صنيعه هذا الحافظ السيوطي في أول كتاب الإيمان
من اللآلي المصنوعة (4).
(فصل): إذا تقرر هذا وعلمت أن جرح الراوي يكون بسبب

(1) أعذب المناهل في حديث من قال: أنا عالم فهو جاهل، كشف الظنون 1: 121.
(2) ميزان الاعتدال 1: 2 - المقدمة -.
(3) أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني المتوفى 259 / 256
تذكرة الحفاظ 2: 117، البداية 11: 31، تهذيب التهذيب 1: 181،
شذرات 2: 139.
(4) اللآلي المصنوعة 1: 18 - 19.
127

روايته للمنكرات والموضوعات وأن النكارة والوضع يعرفان بالتفرد ومخالفة
الأصول، فاعلم أن عبد السلام بن صالح لم يتفرد بشئ من مروياته
ولا وقع فيها ما هو منكر مخالف للأصول حتى يجرح ويحكم بكونه
منكر الحديث، فإنهم حكموا عليه بذلك من أجل روايته لحديث الباب،
وحديث الإيمان إقرار بالقول، فقد قال الخطيب في ترجمته من تاريخ
بغداد: قد ضعف جماعة من الأئمة أبا الصلت وتكلموا فيه بغير هذا الحديث،
ثم نقل عن الدارقطني أنه قال: روى عن جعفر بن محمد عن آبائه عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الإيمان إقرار بالقول وعمل
بالجوارح الحديث وهو متهم بوضعه لم يحدث به إلا من سرقه منه ا ه‍ (1).
وكذلك فعل ابن الجوزي فإنه لم يورد له في الموضوعات سوى
هذين الحديثين وهو منهم تحامل لا دليل عليه ولا موجب له سوى موالاته
لأهل البيت كعادتهم مع غيره فإنه لم ينفرد بهذين الحديثين حتى يتهم بهما
ويتحامل عليه من أجلهما.
أما حديث الباب فقد عرفت ما فيه، وأما حديث الإيمان فقد تابعه
عليه جماعة منهم: أحمد بن عامر بن سليمان الطائي (2) وعلي بن غراب
وهو ثقة، وثقة ابن معين والدار قطني، وقال أحمد: ما رأيته إلا
صدوقا واحتج به النسائي (3)، وكذلك تابعه محمد بن سهل البجلي (4)
أخرج هذه المتابعات الثلاث الخطيب في التاريخ وتابعه أيضا داود أحمد بن
سليمان بن وهب الغازي، أخرجه أبو زكريا البخاري ففوائده.

(1) تاريخ بغداد 11: 47.
(2) لسان الميزان 1: 190.
(3) المتوفى 184 تهذيب التهذيب 7: 372.
(4) تهذيب التهذيب 9: 207.
128

وقال الحافظ أبو الحجاج المزي في " التهذيب " (1): تابع
أبا الصلت على هذا الحديث الحسن بن علي التميمي الطبرستاني عن محمد
صدق‍ العنبري، عن موسى بن جعفر، وتابعه أحمد بن عيسى بن علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب العلوي، عن عباد بن صهيب عن جعفر ا ه‍.
قال الحافظ السيوطي: ومتابعتهما في فوائد تمام، وتابعه أيضا
أحمد بن محمد بن إبراهيم البلاذري الحافظ (2)، أخرجه الحافظ الشيرازي
في " الألقاب " (3)، وتابعه أيضا محمد بن زياد السهمي أخرجه الصابوني
في المائتين، وتابعه أيضا محمد بن أسلم أخرجه البيهقي في " شعب
الإيمان " (4)، وتابعه أيضا عبد الله بن موسى بن جعفر أخرجه ابن
السني (5) في كتاب " الأخوة والأخوات " فهؤلاء تسعة متابعون، وله
مع هذا شواهد من حديث أبي قتادة وعائشة وأنس بن مالك وعمر أحمد بن
الخطاب وابنه عبد الله وآخرين.
وقد قرأت في ترجمة محمد بن عبد الله بن طاهر أبي العباس الخزاعي من
تاريخ الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن عبد الله

(1) تهذيب الكمال في أسماء الرجال لجمال الدين يوسف بن عبد الرحمان المزي
الدمشقي المتوفى 742، فهرس مخطوطات دار الكتب المصرية 1: 185.
(2) تذكرة الحفاظ 3: 892.
(3) ألقاب الرواة لأبي بكر أحمد بن عبد الرحمان الشيرازي المتوفى 407 كشف
الظنون 1: 157.
(4) الجامع المصنف - خ - في شعب الإيمان: للبيهقي المتوفى 458، كشف
الظنون 1: 574.
(5) الحافظ أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري المتوفى 364، تذكرة الحفاظ
3. 142، طبقات الشافعية 2: 96، شذرات الذهب 3: 47.
129

ابن حمدويه النيسابوري، حدثني علي بن محمد المذكر، حدثنا محمد أحمد بن
علي بن الحسين الفقيه الرازي، حدثنا أبي، عن محمد بن عبد الله بن طاهر
قال: كنت واقفا على رأس أبي وعنده أحمد بن حنبل وإسحاق أحمد بن
راهويه وأبو الصلت الهروي، فقال أبي: ليحدثني كل رجل منكم بحديث
فقال أبو الصلت: حدثني علي بن موسى الرضا وكان والله رضي كما سمي،
عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد أحمد بن
علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الإيمان قول وعمل،
فقال بعضهم: ما هذا الإسناد؟ فقال له أبي: هذا سعوط المجانين،
إذا سعط به المجنون برأ، فأقره أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه على
ذلك ولم ينكراه (1).
وقد ذكر السخاوي في " المقاصد الحسنة "، والحافظ السيوطي
في التعقبات المفردة: أن الديلمي ذكر في " مسند الفردوس " أن علي
ابن موسى الرضا عليه السلام لما دخل نيسابور خرج علماء البلد في طلبه،
يحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حرب، ومحمد أحمد بن
رافع، فتعلقوا بلجامه فقال له إسحاق: بحق آبائك الطاهرين حدثنا
بحديث سمعته من أبيك، فقال: ثنا العبد الصالح أبي موسى بن جعفر
وذكر الحديث، فأفاد هذا أن الحديث مشهور عن الرضا عليه السلام
وأن عبد السلام بن صالح لم ينفرد به (2)، ومن قلة حياء ابن حبان
وابن طاهر المقدسي وعدم تعظيمهما لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله
أنهما تكلما في علي بن موسى الرضا عليه السلام، وعلى من لا يحترم

(1) تاريخ بغداد 5: 418.
(2) مسند الفردوس ص 7.
130

العترة الطاهرة من الله ما يستحقه، مع أن كلا منهما متهم مجروح، بل
رمي ثانيهما بالعظائم (1)، نسأل الله ستره ومعافاته آمين.
ومع عدم تفرده به فالحديث موافق لما جاء به القرآن، ونطقت به
السنة المتواترة وأطبق عليه السلف الصالح من أن الإيمان معرفة بالقلب
وقول باللسان وعمل بالجوارح، فأي شئ ينكر في هذين الحديثين حتى
يكذب راويهما، ويحكم عليه بكونه منكر الحديث، وقد اعتبرنا من حديثه
غير ما ضعفوه به فما وقفنا له على حديث منكر ولا وجدنا له حديثا
تفرد به، ولولا خوف الإطالة لأوردت من ذلك ما حضرني الآن مع
بيان متابعاته وشواهده.
فإن قيل: إذا كان الأمر على هذا فما الحامل لمن جرحه على جرحه
مع أنه لم ينفرد ولم يأت بمنكر مخالف للأصول حتى يسوغ لهم ذلك.
قلنا: الحامل لهم أمور:
(الأمر الأول): أنه قد يحصل منهم أو من بعضهم تشديد وتغال
في بعض الأحيان فيعدون كل تفرد منكرا، أو يضعفون كل من حصل
منه ذلك وقد يبالغ بعضهم فيكذب وذلك باطل مردود، فقد ضعفوا
بهذا من هو أشهر وأحفظ من عبد السلام بن صالح، كالحسن بن علي
ابن شبيب المعمري الحافظ (2) صاحب التصانيف، كذبه فضلك الرازي
وجعفر بن الجنيد وموسى بن هارون لنفرده بأحاديث بين هو سبب تفرده
بها لما كثر عليه الإنكار (3)، وقال في حقه البرديجي (4): ليس بعجب

(1) لسان الميزان 5: 112 - 115.
(2) المتوفى 295، تذكرة الحفاظ 2: 667.
(3) لسان الميزان 2: 222.
(4) أبو بكر أحمد بن هارون بن روح البرديجي البغدادي المتوفى 301 / 303.
تاريخ بغداد 5: 194، تذكرة الحفاظ 2: 746.
131

أن ينفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثا في كثرة ما كتب، وقال
الحافظ في اللسان: قد استقر الحال على توثيقه وغاية ما قبل فيه: أنه
حدث بأحاديث لم يتابع عليها، وقد قال الدارقطني: إنه رجع عنها،
فإن كان قد أخطأ فيها كما قال خصمه فقد رجع عنها وإن كان مصيبا فيها
كما كان يدعي فذاك أرفع له ا ه‍ (1).
وكذلك الطبراني تكلم فيه ابن مردويه وبعض معاصريه، وأجاب
عنه الذهبي بقوله: لا ينكر له التفرد في سعة ما روى ا ه‍.
وكذلك عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وأجاب عنه الذهبي بقوله:
لا ينكر له إذا انفرد بحديث بل وبعشرة يقال: كانت غلته في العام
أربعين ألفا ينفقها على أصحاب الحديث (2).
وكذلك عبد الله بن صالح كاتب الليث تكلموا فيه لانفراده
بأحاديث عن الليث، وقد ذكر الحافظ في مقدمة الفتح: أن ابن عبد الحكم
قال: سمعت أبي وقيل له: إن يحيى بن بكير يقول في أبي صالح فقال:
قل له: هل جئنا الليث قط إلا وأبو صالح عنده رجل كان يخرج معه
إلى الأسفار وإلى الريف وهو كاتبه، فينكر على هذا أن يكون عنده
ما ليس عند غيره ا ه‍ (3).
بل تكلموا فيمن هو أشهر وأوثق وأحفظ من جميع هؤلاء، كعلي
ابن المديني الذي قال فيه البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا
عند علي بن المديني (4) والذي يقول عنه الحفاظ: إنه كان أعرف بعلل

(1) لسان الميزان 2: 221.
(2) ميزان الاعتدال 2: 680 - 681.
(3) مقدمة فتح الباري 2: 178.
(4) علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي المديني البصري المتوفى 234
تذكرة الحفاظ 2: 428.
132

الحديث وأحفظ له من أحمد وابن معين، ومع ذلك فقد ضعفه العقيلي
وتكلم فيه بسبب لفظة تفرد بها في أثر عن عمر بن الخطاب، وتنزل
الذهبي للرد عليه فقال يخاطبه: أما لك عقل يا عقيلي أتدري فيمن تتكلم (1).
فإننا لو تركنا حديث علي وصاحبه محمد وشيخه عبد الرزاق، وعثمان
ابن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان، وأبان العطار، وإسرائيل،
وأزهر السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبد الحميد،
لغلقنا الأبواب، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار واستولت الزنادقة
ولخرج الدجال، وكأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق
منك بطبقات، بل أوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك، فهذا
مما لا يرتاب فيه محدث وإنما أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي
ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث
كان أرفع له وأكمل لرتبته وأدل على اعتنائه بعلم الأثر، وضبطه دون
أقرانه لأشياء ما عرفوها، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشئ فيعرف
بذلك، فانظر أول شئ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
الكبار والصغار، ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة فيقال له هذا الحديث
لا يتابع عليه، وكذلك التابعون كل واحد عنده ما ليس عند الآخر
من العلم وما الغرض هذا فإن هذا مقرر على ما ينبغي في علم الحديث،
وإن تفرد الثقة المتقن يعد صحيحا غريبا، وإن تفرد الصدوق ومن دونه
يعد منكرا، وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظا
أو إسنادا يصيره متروك الحديث، ثم ما كل أحد فيه بدعة أو له هفوة
أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه ا ه‍.
فلو فرضنا أن عبد السلام بن صالح انفرد بحديث أو حديثين فهو

(1) ميزان الاعتدال 3: 140.
133

مثل هؤلاء خصوصا وقد تقدم في ترجمته (1): أنه كان كثير المال
وكان يكرم المشايخ ويتطلب ما عندهم من غريب الحديث في فضل أهل
البيت، فكانوا يخصونه بها كما كان يفعل عبد الوهاب بن عبد المجيد
الثقفي (2) فكيف وهو لم ينفرد بها.
(الأمر الثاني): إنهم قد يجرحون الراوي لكونه روى حديثا
منكرا وهو توسع باطل مردود أيضا، فقد نفل الذهبي عن أحمد بن سعيد
ابن سعدان أنه قال في أحمد بن عتاب المروزي: شيخ صالح روى الفضائل
والمناكير، ثم تعقبه بقوله: ما كل من روى المناكير ضعيف (3)، ثم
إن الذهبي غفل عن هذا فذكر في الميزان الحسين بن الفضل البجلي وقال:
لم أر فيه كلاما لكن ساق الحاكم في ترجمته مناكير عدة ا ه‍ (4).
فتعقبه الحافظ في اللسان وقال: ما كان لذكر هذا الرجل في هذا
الكتاب معنى فإنه من كبار أهل العلم والفضل، ثم ساق ترجمته إلى أن
قال: فلو كان كل من روى شيئا منكرا استحق أن يذكر في الضعفاء
لما سلم من المحدثين أحد لا سيما المكثر منهم، فكان الأولى أن لا يذكر
هذا الرجل لجلالته ا ه‍ (5).
ثم إن الحافظ غفل عن هذا أيضا فاستدرك في اللسان أئمة أجلاء
لا موجب لذكرهم إلا الشره، * وحب الاستكثار والكمال لله وحده،
وفي ترجمة ثابت بن عجلان من مقدمة فتح الباري قال العقيلي: لا يتابع

(1) فتح الملك العلي ص 28.
(2) لسان الميزان 4: 88، تاريخ بغداد 11: 18.
(3) ميزان الاعتدال 1: 118.
(4) لسان الميزان 2: 307.
(5) لسان الميزان 2: 308.
134

على حديثه (1)، وتعقب ذلك أبو الحسن بن القطان بأن ذلك لا يضره
إلا إذا كثر منه رواية المناكير، ومخالفة الثقات قال الحافظ: وهو
كما قال ا ه‍. وقال ابن دقيق العيد: قولهم روى مناكير لا يقتضي بمجرده ترك
روايته حتى تكثر المناكير في روايته، وقد قال أحمد بن حنبل في محمد
ابن إبراهيم التيمي: روى أحاديث منكرة وهو ممن اتفق عليه الشيخان
وإليه المرجع في حديث إنما الأعمال بالنيات ا ه‍ (2).
وقد تكلموا في الطبراني وأبي نعيم وابن مندة والحاكم وجماعة من
الحفاظ لأجل روايتهم المناكير أيضا، وأجيب عنهم بجواب آخر ذكرته في غير
هذا الموضع، فلو فرضنا أن عبد السلام بن صالح وقع في حديثه بعض
المناكير فذلك لا يصيره منكر الحديث كما عرفت.
(الأمر الثالث): إنهم قد يظنون تفرد الراوي بالحديث فيعدونه
في منكراته ويتكلمون فيه من أجله، ويكون هو في الواقع بريئا منه
لوجود متابعين له عليه لم يطلع عليهم المجرحون بحيث لو اطلعوا عليهم
لما جرحوه، وهذا موجود بكثرة يطول معها استيعاب أمثلته أو مقاربته
وقد قال أبو حاتم في بيان بن عمرو: أنه مجهول والحديث الذي رواه
باطل (3)، فتعقبه الحافظ في المقدمة بأنه ليس بمجهول وأن العهدة
في الحديث ليست عليه لأنه لم ينفرد به كما قال الدارقطني في " المؤتلف
والمختلف " ا ه‍ (4)

(6) مقدمة الفتح الباري 2: 155.
(2) تهذيب التهذيب 9: 7، لسان الميزان 5: 20.
(3) الجرح والتعديل 1 ق 1: 425، تهذيب التهذيب 1: 507.
(4) مقدمة فتح الباري 2: 155.
135

وضعف ابن طاهر فتح بن سلمويه بن حمران بحديث فتعقبه
الحافظ بأنه لم ينفرد به وأن ابن حبان ذكره في الثقات، واتهم
الحاكم أبا بكر الباغندي الحافظ بحديث، وقال: لم يتابعه عليه أحد
في الإسلام، وكان يظن ذلك إلى أن أخبره ابن المظفر الحافظ بأن
البزار تابعه عليه (1)، وكذلك تكلموا في مهنا بن يحيى السامي صاحب
الإمام أحمد لظنهم أنه انفرد بحديث في الجمعة وليس كذلك بل توبع
عليه كما ذكره ابن عبد البر (2)، وقد يجرح أحدهم الراوي بناء على التفرد
ثم يقف بعد ذلك على المتابع فيعرف براءة الذي جرحه ثم يوثقه كقول
الحاكم في (المستدرك) في حديث قتل الحسين كنت أحسب دهرا أن
المسمعي تفرد بهذا الحديث عن أبي نعيم حتى حدثناه أبو محمد السبيعي،
ثنا عبد الله بن محمد بن ناجية، ثنا حميد بن الربيع، ثنا أبو نعيم به (3).
وقول ابن حبان في إسحاق بن يحيى: أدخلناه في الضعفاء لما كان فيه من
الابهام ثم سبرت أخباره فإذا الاجتهاد أدى إلى أن يترك ما لم يتابع عليه ويحتج
بما وافق الثقات (4): وقول الخطيب: في حديث كنت أظن الحمل فيه
على الفقاعي، حتى ذكر عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي أن محمد أحمد بن
جعفر مشهور عندهم ثقة، ثم بين علة الحديث إلى غير ذلك (5)،
وهكذا وقع منهم بالنسبة لعبد السلام بن صالح فإنهم ظنوا انفراده بحديث
الباب، وحديث الإيمان، كما صرحوا به والواقع خلاف ذلك كما رأيت

(1) لسان الميزان 4: 425.
(2) لسان الميزان 6: 108، ميزان الاعتدال 4: 197.
(3) لسان الميزان 4: 93.
(4) كشف الظنون 1: 3، إيضاح المكنون 1: 11.
(5) ميزان الاعتدال 1: 471، لسان الميزان 2: 185.
136

وبهذا رد يحيى بن معين علي من اتهمه بحديث الباب فقال: ما تريدون
منه فقد حدث به الفيدي وهو ثقة (1).
(الأمر الرابع): إنهم قد يفعلون ذلك بناء على أن حديث الراوي
منكر مخالف للأصول وهو على خلاف ذلك في الواقع، والسبب فيه
عدم اهتدائهم إلى طريق الجمع بين المتعارضين والحكم يوضع الحديث المعارض
لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، كما هو منصوص عليه في الأصول،
أو لظنهم المعارضة مع انتفائها في نفس الأمر ووقوع هذا أيضا منهم كثير جدا
ومن أمثلته حكم ابن حبان بوضع حديث عبد الله بن عبد الله بن أبي:
أنه أصيبت ثنيته يوم أخذ فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم باتخاذ ثنية من (2)، وحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نهى أن يصلي
إلى نائم أو محدث، فقال: هذان موضوعان وكيف يأمر المصطفى صلى الله عليه وآله
باتخاذ الثنية من ذهب؟ وقد قال: الذهب والحرير محرمان على ذكور
أمتي، وكيف ينهى عن الصلاة إلى النائم وقد كان يصلي وعائشة بينه
وبين القبلة، وتعقبه الذهبي بقوله: حكمك عليهما بالوضع بمجرد ما أبديته
حكم فيه نظر لا سيما خبر الثنيتين ذكر ذلك في ترجمة أبان بن سفيان
المقدسي (3)، وحكم الذهبي بوضع حديث ابن عمر: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ذات يوم وفي يده كتابان تسمية أهل الجنة وتسمية أهل النار بأسمائهم
وأسماء آبائهم وقبائلهم، بأنه يقتضي أن يكون زنة الكتابين عدة قناطر، وتعقبه
الحافظ في اللسان بقوله: وليس ما قاله من زنة الكتابين بلازم بل هو

(1) حديث سد الأبواب جاء بأسانيد ثابتة أخرجها الحفاظ وأئمة الحديث من طرق تربو على التواتر جمع شتاتها الغدير 3: 202 - 215.
(2) الثقات 1: ورقة 103.
(3) ميزان الاعتدال 1: 7.
137

معجزة عظيمة، وقد أخرج الترمذي لهذا المتن شاهدا ا ه‍، ذكر ذلك
في ترجمة عبد الوهاب بن همام الصنعاني (1). قلت: والحديث تكلم عليه
صاحب الابريز بما أزال إشكاله (2).
وأحسن منه وأقرب ما يستفاد من كلام ابن العربي في العارضة فإن
من وقف عليه وتدبره علم أن الحديث من قبيل العاديات، وأنه ليس فيه
إشكال أصلا.
وحكم الذهبي أيضا ببطلان حديث: من سره أن يحب الله ورسوله
فليقرأ في المصحف، بأن المصاحف إنما اتخذت بعد النبي صلى الله عليه وآله، وتعقبه
الحافظ بقوله: هذا التعليل ضعيف ففي الصحيحين نهى أن يسافر بالقرآن
إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو، وما المانع أن يكون الله أطلع
نبيه على أن أصحابه سيتخذون المصاحف، ذكره في ترجمة الحر بن مالك (3)
بل حكم في كتابه (العلو للعلى الغفار) بنكارة حديث: لو دلي أحد كم
بحبل لهبط على الله، مع الاعتراف بصحة إسناده لكونه لم يعرف وجهه،
وقال فيه أيضا في حديث تعدد الأنبياء في كل أرض بعد تصحيح سنده:
وهذه بلية تحير السامع كتبتها استطرادا للتعجب، قال: وهو من قبيل
اسمع واسكت ا ه‍.
وحكم ابن الجوزي بوضع حديث: سدوا كل باب في المسجد إلا
باب على (4)، بأنه مقابل لحديث أبي بكر عملته الرافضة، وتعقبه الحافظ

(1) المستدرك 3: 178.
(2) لسان الميزان 1: 380، الثقات 2: ورقة 96.
(3) تاريخ بغداد 11: 117.
(4) المستدرك 3: 127.
138

في (القول المسدد) بقوله: هذه دعوى لم يستدل عليها إلا بمخالفة
الحديث الذي في الصحيحين، وهذا إقدام على رد الأحاديث الصحيحة
بمجرد التوهم ولا ينبغي الإقدام على الحكم بالوضع إلا عند عدم إمكان
الجمع، ولا يلزم من تعذر الجمع في الحال أنه لا يمكن بعد ذلك لأن
فوق كل ذي علم عليم، وطريق الورع في مثل هذا أن لا يحكم على
الحديث بالبطلان بل يتوقف فيه إلى أن يظهر لغيره ما لم يظهر له وهذا
الحديث من هذا الباب ا ه‍ (1). وحكمه أيضا تقليدا للعقيلي، بوضع
حديث: من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب
الكبائر (2). بأنه معارض بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله
جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء (3)، وحكمه أيضا بوضع حديث:
من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه (4)،
بأن فيه وعيدا مشتملا على البراءة ممن فعل ذلك وهو لا يكفر، وتعقبه
الحافظ في القول المسدد بأن هذا من الأحاديث الواردة في معرض الزجر
والتنفير وظاهره غير مراد (5).
وقد وردت عدة أحاديث في الصحيح تشتمل على البراءة وعلى نفي
الإيمان وغير ذلك من الوعيد الشديد في حق من ارتكب أمورا ليس فيها
ما يخرج عن السلام، كحديث أبي موسى في الصحيح في البراءة ممن حلق
وسلق، وحديث أبي هريرة لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، إلى

(1) القول المسدد: 18.
(2) سنن الدارقطني 1: 395، وقال بعد ذكره الحديث: إنه متروك.
(3) صحيح مسلم ج 5: 217، سنن الدارقطني 1: 388.
(4) المستدرك 2: 12.
(5) القول المسدد: 22.
139

غير ذلك فما كان الجواب عنها كان هو الجواب عن هذا الحديث، ولا يجوز
الإقدام على الحكم بالوضع قبل التأمل والتدبر ا ه‍. وحكمه أيضا بوضع حديث
من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله تعالى إلا ذلا، ومن تزوج امرأة
لما لها لم يزده الله تعالى إلا فقرا، الحديث بأنه مخالف لما في الصحيح تنكح
المرأة لما لها ولحسبها وجمالها (1)، وتعقبه الحافظ السيوطي بأن الحديث
ليس مخالفا لما في الصحيح لأنه ليس المراد الأمر بذلك بل الأخبار بما يفعله
الناس، ولهذا قال في آخر الحديث: فاظفر بذات الدين تربت يداك (2).
وحكمه أيضا بوضع حديث: ولد الزنى لا يدخل الجنة، بأنه مخالف
للأصول وأعظمها قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وتعقبه
الحافظ السيوطي بما نقله الرافعي في " تاريخ قزوين " (3) عن بعض
الأئمة من أن معناه: أنه لا يدخل الجنة بعمل أصله بخلاف ولد الرشدة
فإنه إذا مات طفلا وأبواه مؤمنان لحق بهما، وبلغ درجتهما بصلاحهما
على ما قال تعالى: والذين آمنوا واتبعتهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم (4)،
وولد الزنى لا يدخل الجنة بعمل أصله، أما الزاني فنسبه منقطع، وأما
الزانية فشؤم زناها وإن صلحت يمنع من وصول بركة صلاحها إليه ا ه‍ إلى
غير ذلك.
وحديث الباب أيضا من هذا القبيل فإنهم توهموا منه أن فيه تفضيلا
لعلي على أبي بكر وذلك مخالف لأصول أهل السنة كما صرح به كثير

(1) تيسير الوصول 4: 226.
(2) المنتقى من أخبار المصطفى 2: 3423.
(3) التدوين في أخبار قزوين لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني
المتوفى 622. مخطوطة في مكتبة آية الله السيد الحكيم العامة.
(4) سورة الطور 21.
140

منهم فبادروا إلى تكذيب رواته والأمر بخلاف ذلك كما سأذكره.
(الأمر الخامس): كون الحديث في فضل علي وراويه متهم بالتشيع
بل مجرد كون الحديث في الفضائل من أكبر أسباب الطعن عندهم في الرواة،
ولو لم يتهموا بتشيع فإن من روى ذلك لا يتوقفون في طعنه ولا يتورعون
عن جرحه ولو كان أوثق الثقات وأعدل العدول، وقد تقدم عن أبي زرعة
أنه قال: كم من خلق افتضحوا بهذا الحديث يعني أن كل من حدث به
يحكمون عليه بالضعف ولو كان معروفا عندهم أنه ثقة، فدليل الضعف هو
التحديث بفضل علي عليه السلام، حتى أنهم ضعفوا به جماعة من الحفاظ
المشاهير ورموهم بالرفض والتشيع كمحمد بن جرير الطبري، تكلموا فيه
لتصحيحه حديث الموالاة، والحاكم صاحب المستدرك لتصحيحه فيه حديث
الطير وحديث الموالاة (1) والحافظ ابن السفا (2) لإملائه حديث الطير،
ووثبوا إليه ساعة الاملاء وأقاموه وغسلوا موضعه (3)، والحافظ الحسكاني
لتصحيحه حديث رد الشمس (4)، والحافظ ابن المظفر لتأليفه في فضائل
العباس، وإبراهيم بن عبد العزيز بن الضحاك لكونه أملى مجالس في فضائل
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما فرغ قال: نبدأ بعلي أو بعثمان
فتفرقوا عنه وضعفوه، مع أن المسألة خلافية لا تستوجب ذلك كما قال
الذهبي، بل نسبوا الدارقطني إلى التشيع وما أبعده منه لحفظه ديوان السيد

(1) المستدرك 3: 130 - 132.
(2) الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي المتوفى 371، شذرات
الذهب 3: 81.
(3) تذكرة الحفاظ 3: 966، وفيه: فمضى ولزم بيته فكان لا يحدث
أحدا من الواسطيين.
(4) الغدير 3: 127.
141

الحميري (1)، بل تكلموا في الشافعي ونسبوه إلى التشيع لموافقته الشيعة
في مسائل فرعية أصابوا فيها ولم يبدعوا، كالجهر بالبسملة، والقنوت
في الصبح، والتختم في اليمين، وموالاته لأهل البيت وقد أشار هو رضي الله عنه
إلى ذلك في أبياته المشهورة، وضعفوا المسعودي (2) وحكموا بتشيعه
لقوله في مروج الذهب: والأشياء التي استحق بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
الفضل هي السبق إلى الإيمان والهجرة والنصرة لرسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، والقربى منه والقناعة وبذل النفس له، والعلم بالكتاب والتنزيل،
والجهاد في سبيل الله، والورع والزهد والقضاء والحكم والعفة والعلم،
وكل ذلك لعلي عليه السلام منه النصيب الأوفر والحظ الأكبر إلى ما ينفرد
به من المؤاخاة والموالاة والمنزلة (3) الخ. مع أن كل ما قاله: حق لا شك
فيه. وضعفوا برواية حديث الطير خلائق، منهم: إبراهيم بن باب
البصري (4)، وأحمد بن سعيد بن فرقد الجدي (5)، وحماد بن يحيى
ابن المختار (6)، وإبراهيم بن ثابت القصار (7)، وإسماعيل بن سليمان
الرازي (8). والحسن بن عبد الله الثقفي (9)، وحمزة بن خراش (10)،

(1) تذكرة الحفاظ 3: 991، تاريخ بغداد 12: 34، أخبار السيد الحميري 12.
(2) علي بن الحسين بن علي المسعودي المتوفى 333.
(3) مروج الذهب 2: 39 ط بولاق.
(4) ميزان الاعتدال 1: 21.
(5) ميزان الاعتدال 1: 100.
(6) ميزان الاعتدال 1: 602.
(7) ميزان الاعتدال 1: 25.
(8) ميزان الاعتدال 1: 232.
(9) ميزان الاعتدال 1: 501.
(10) ميزان الاعتدال 1: 607.
142

ودينار أبو مكيس (1)، وسليمان بن حجاج (2)، وعبد الله بن زياد
أبو العلاء (3)، وعمران بن وهب الطائي (4)، ومحمد بن أحمد أحمد بن
عياض (5)، ومحمد بن سليم (6)، ومحمد بن شعيب (7)، وميمون أحمد بن
جابر أبو خلف (8) وغيرهم، وقد أورد هؤلاء الذهبي وضعفهم تبعا
واستقلالا بحديث الطير مع اعترافه بثبوته في التذكرة، وضعفوا بحديث
الباب جماعة أيضا، منهم: أحمد بن عمران بن سلمة، وأحمد بن سلمة
الكوفي، وأحمد بن عبد الله بن يزيد، وإسماعيل بن محمد بن يوسف،
وسعيد بن عقبة، وجعفر بن محمد الفقيه، وعثمان بن عبد الله الأموي،
وعمر بن إسماعيل بن مجالد، ومحفوظ بن بحر الأنطاكي، ويحيى أحمد بن
بشار الكندي، في آخرين، وضعفوا بحديث الشمس وغيره أمما لا تحصى
كالحسن بن محمد بن يحيى، وإسماعيل بن إياس بن عفيف، وصالح أحمد بن
أبي الأسود الكوفي، ومالك بن مالك، ومحمد بن سليم الوراق، ومحمد
ابن الحسن الأزدي، ومحمد بن الخطيب الأنطاكي، وجعفر بن محمد
العوسجي، ومحمد بن المظفر، ومسعر بن يحيى، ويحيى بن إبراهيم

(1) ميزان الاعتدال 2: 30.
(2) ميزان الاعتدال 2: 198.
(3) ميزان الاعتدال 2: 424.
(4) ميزان الاعتدال 3: 244.
(5) ميزان الاعتدال 3: 465.
(6) ميزان الاعتدال 3: 573.
(7) ميزان الاعتدال 3: 580.
(8) ميزان الاعتدال 4: 232.
143

السلماسي، ومحمد بن علي بن النعمان (1) وهو الذي وقعت له مناظرة
مع أبي حنيفة إذ قال له كالمنكر عليه: عمن رويت حديث رد الشمس لعلي
فقال: عمن رويت أنت عنه يا سارية الجبل، فأفحمه. وإبراهيم أحمد بن
الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ضعفه الذهبي لروايته حديث الشمس
ولم يتنبه الحافظ لذلك فقال في تعجيل المنفعة ذكره الذهبي في المغني ولم يذكر
لذكره فيه مستند (2)، وتكلم يحيى بن معين في الحافظ أبي الأزهر
النيسابوري الثقة لروايته حديثا في الفضائل عن عبد الرزاق، كما سبق
إلى غير هؤلاء ممن ضعفوهم، وليس لهم على أكثرهم دليل سوى رواية
الفضائل، والسبب في ذلك: أن الرفض كان شائعا في عصورهم فكانوا
يتوهمون أن قبول مثل هذه الأحاديث فيه ترويج لبدعة الرفض فيبالغون
في الإنكار على من أتى بشئ من ذلك سدا لهذا الباب مع أن الكثير منهم
كان فيه أيضا بدعة النصب فكان ينتقم لنحلته وهواه من حيث لا يشعر
غيره ممن يظن به أنه من أهل السنة فيقلده في ذلك والكلام في عبد السلام
ابن صالح من هذا القبيل، فما أجيب به عن الحافظ ابن الأزهر وابن
جرير والحاكم وابن المظفر وابن السفا والحسكاني وابن عقدة وأمثالهم
فهو الجواب عنه أيضا.
(الوجه الثالث): أن هذا الجرح على ما عرفته من بطلان أساسه صدر مبهما
لم يفسره أصحابه ولا بينوا مستندهم فيه، والجرح المبهم إذا عارضه تعديل
كان مردودا باطلا والعمل على التعديل بالاجماع من فعلهم وإن خالفه فريق
في مقالهم نظير ما سبق في التضعيف بالبدعة، وذلك لاختلاف أنظار الناس
في أسباب الجرح مع غلبة الهوى والعصبية على النفوس. فقد تحمله العداوة

(1) تجد الإشارة إلى تراجمهم في ميزان الاعتدال 1 - 4.
(2) تعجيل المنفعة ص 14.
144

والمنافسة على الجرح في عدوه وقرينه بلا موجب كما وجد ذلك بكثرة
بين الأقران وبين المختلفين في النحل والعقائد. وقد يبنى جرحه على كون
الراوي تفرد بالحديث المنكر وعلى أن حديثه مخالف للأصول ويكون
الواقع خلاف ذلك كما رأيت، وقد يبنيه على أمور ليست هي من باب
الجرح أصلا كجماعة ضعفوا رواة فلما سئلوا عن ذلك أبدوا من الأسباب
ما لا دخل له في الجرح، كشعبة بن الحجاج (1) ضعف راويا فسئل
عن السبب فقال: رأيته يركض على برذون، وضعف المنهال بن عمرو
أيضا لسماعه من داره صوت القراءات بالتطريب، وضعف الحكم أحمد بن
زاذان، فسأله شعبة عن السبب فقال: كان كثير الكلام، وضعف جرير
ابن عبد الحميد سماك بن حرب لأنه رآه يبول قائما، وضعف بعضهم
إسماعيل بن عبد الملك لكونه كان يبيع الزئبق، وصف العجلي إسحاق
ابن إسماعيل والد إسماعيل القاضي لأنه كان أمينا علي أموال الأيتام،
وضعف ابن أبي حاتم راويا سمعه يقرأ بالتلحين، وضعف وكيع ويحيى أحمد بن
سعيد إبراهيم بن سعد لتجويزه سماع الملاهي، ورده الذهبي بأنه كان
لا يجد دليلا ناهضا على التحريم فأداه اجتهاده إلى الرخصة فكان ماذا،
وضعفوا الزهري لكونه لبس زي الجند وخدم هشام بن عبد الملك،
وفي حقه يقول الذهبي: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث.
وضعفوا بأخذ الأجرة على السماع جماعة يطول عدهم، كابن الأعرابي
والحسن بن سفيان، وعلي بن عبد العزيز البغوي، والحارث بن أبي أسامة،
وأبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي، وأبي شعيب عبد الله بن الحسن
الحرابي في آخرين مع أن كثيرا من الأئمة صرحوا بجواز ذلك عند

(1) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي المتوفى 160، تهذيب
التهذيب 4: 338 - 346.
145

الضرورة، وضعفوا أبا ثور لأنه كان يتكلم في الرأي، وقال الفريابي
في إبراهيم الجرجاني كان شيخ أصحاب الرأي وأنا لا أكتب عن أصحاب
الرأي، وتكلم الكثير منهم في أكثر أصحاب أبي حنيفة لأجل الرأي أيضا،
وضعف أحمد بن حنبل الحارث المحاسبي لاشتغاله بعلم الكلام، وضعف
غيره الكثير من علماء الكلام بذلك بل جعلوا الاشتغال بعلم الكلام من
البدعة الموجبة لضعف كل من وجدت فيه كما نص عليه الحافظ السلفي
في " معجم السفر " (1)، والحافظ ابن رشيد في " الرحلة " (2)، وعلى
هذا فرأس المبتدعة الضعفاء هو أبو حسن الأشعري، وضعف أبو داود
الحافظ أحمد بن منصور الرمادي صاحب المسند (3)، لكونه صحب
الواقفة، وتكلم يحيى بن معين في الشافعي لمجرد تعصبه لمذهب الحنفية
الذي كان غالبا فيه، وضعفوا زكريا بن منظور لزعم بعضهم أنه كان
طفيليا، وقد جمع الذهبي في الثقات المجروحين بمثل هذا جزأ لكنه ما استوعب
ولا قارب بحيث يستدرك عليه إضعافه، وقال في أوله: قد كتبت في مصنفي
الميزان عددا كثيرا من الثقات الذين احتج بهم البخاري أو مسل م
أو غيرهما لكون الرجل منهم قد دون اسمه في مصنفات الجرح وما أوردتهم
لضعف فيهم عندي بل ليعرف ذلك، وما زال يمر بي الرجل الثبت
وفيه مقال لا يعبأ به ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة

(1) أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سلعة السلفي الإصبهاني المتوفى 576.
إيضاح المكنون 2: 508.
(2) محمد بن عمر بن رشيد الفهري المتوفى 721 في ست مجلدات. كشف
الظنون 1: 836.
(3) مسند بغداد المتوفى 265، تذكرة الحفاظ 2: 564، تاريخ بغداد
5: 151.
146

من الصحابة والتابعين والأئمة (1).
فبغض الصحابة كفر بعضهم بتأويل ما والله يرضى عن الكل ويغفر
لهم فما هم بمعصومين، وما اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلينهم عندنا أصلا
وبتكفير الخوارج لهم انحطت رواياتهم، بل صار كلام الخوارج والشيعة
فيهم جرحا في الطاعنين، فانظر إلى حكمة ربك نسأل الله السلامة.
وهكذا كثير من كلام الأقران بعضهم في بعض ينبغي أن يطوى ولا يروى
ويطرح ولا يجعل طعنا ويعامل الرجل بالعدل والقسط ا ه‍، ومعاملته بالعدل
والقسط لا تعرف من الجرح المبهم وإنما تعرف من الجرح المفسر فيقبل من الجارح
ما هو جرح حقيقة كقوله فلان كذاب لأنه حدث عن فلان وادعى السماع منه
وقد مات قبل ولادته أو قبل دخوله لبلده أو سئل الشيخ عن الحديث
فأنكره وأبدى دليلا على عدم سماعه له أو أقر على نفسه بالكذب،
أو زاد في النسخة، أو أدخل نفسه في الطباق، أو كان يترك الصلاة،
ويقيم الدليل على ذلك كما فعل بعضهم مع بعض الحفاظ، حيث لم يروه
يصلي وهم يسمعون عليه فوضعوا في أطراف رجله حبرا ثم رجعوا إليه
بعد ثلاثة أيام والحبر في رجله، أو رؤيتهم إياه سكران أو نحو ذلك،
ويطرح له ما ليس بجرح كالأشياء التي ذكرناها وأما على الإبهام المحتمل
لهذا فلا يقبل خصوصا مع معارضه التعديل، وعلى هذا استقر صنيع
جميعهم وصرح به أكثرهم في أصول الفقه والحديث كما هو معروف. وقد
قال النووي في الجواب عن إخراج مسلم لجماعة ضعفاء في أو ل شرحه
ما نصه: ولا يقال: الجرح مقدم على التعديل لأن ذلك فيما إذا كان
الجرح ثابتا مفسر السبب وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذا،
وقد قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي

(1) لسان الميزان 1: 6 - 8.
147

وغيره ما احتج به البخاري ومسلم وأبو داود من جماعة علم الطعن فيهم
من غيرهم محمول على أنه لم يثبت الطعن المؤثر مفسر السبب (1) ا ه‍.
وقال الحافظ في الجواب عن إخراج البخاري لجماعة ضعفوا أيضا في مقدمة
الفتح ما نصه: ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح
لأي راوي كان مفتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته فإذا وجدنا
لغيره في أحد منهم طعنا فذلك الطعن مقابل بتعديل هذا الإمام فلا يقبل
إلا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه،
لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها
ما لا يقدح ا ه‍ (2).
ولما نقل عن الدارقطني أنه قال في سعيد بن سليمان الواسطي (3)
يتكلمون فيه تعقبه بقوله: هذا تليين مبهم لا يقبل، وكذلك تعقب ابن
سعد على قوله في عبد إلا علي بن عبد الأعلى: لم يكن بالقوي فقال:
هذا مجروح مردود غير مقبول، وتعقب الخليلي على قوله في عبد الملك
ابن الصباح: كان متهما بسرقة الحديث، فقال: هذا جرح مبهم، وتعقب
الدارقطني على قوله في يزيد بن أبي مريم: ليس بذاك فقال: هذا
جرح غير مفسر فهو مردود، وقال في ترجمة محمد بن بشار البصري:
ضعفه عمرو بن علي الفلاس ولم يذكر سبب ذلك فما عرجوا على تجريحه،
وقال الحافظ نور الدين في مجمع الزوائد في الكلام على حديث في ترجمة
معاوية فيه شيخ الطبراني لم يوثقه إلا الذهبي وليس فيه جرح مفسر ا ه‍ (4).

(1) شرح النووي على صحيح مسلم 1: 25.
(2) مقدمة الفتح الباري 2: 144.
(3) تهذيب التهذيب 4: 43.
(4) مجمع الزوائد 9: 355.
148

وقال ابن دقيق العيد في " شرح الالمام " (1): مقتضى قواعد الأصول
عند أهله أنه لا يقبل الجرح إ مفسرا ا ه‍. وقال الكمال الأدفوي
في " الامتاع " (2): ومن ذلك قولهم فلان ضعيف ولا يبينون وجه
الضعف فهو جرح مطلق وفيه خلاف وتفصيل والأولى أن لا يقبل من
متأخري المحدثين لأنهم يجرحون بما لا يكون جرحا ا ه‍. وقال الحاكم
في المستدرك: هؤلاء الذين ذكرتهم في هذا الكتاب ثبت عندي صدقهم
لأنني لا أستحل الجرح إلا مبينا ولا أجيزه تقليدا، والذي أختاره لطالب
العلم أن لا يكتب حديث هؤلاء أصلا ا ه‍ (3). وذكر الذهبي في الميزان
أن البخاري ذكر أرقم بن شرحبيل في الضعفاء، ثم تعقبه الذهبي بقوله:
لم يذكر أبو عبد الله مستندا لذكره في كتاب الضعفاء وقد وثقه أبو زرعة
وغير واحد (4) ا ه‍. وقال اللكنوي في " الرفع والتكميل " (5): قد زل
قدم كثير من علماء عصرنا في مسألة كون الجرح مقدما على التعديل
لغفلتهم عن التقييد والتفضيل توهما منهم أن الجرح مطلقا مقدم على التعديل،
وليس الأمر كما ظنوا بل ذلك مقيد بأن يكون الجرح مفسرا فإن
الجرح المبهم غير مقبول مطلقا على المذهب الصحيح فلا يمكن أن يعارض

(1) تذكرة الحفاظ 4: 1481، كشف الظنون 1: 158.
(2) كمال الدين جعفر بن تغلب الأدفوي الشافعي المتوفي 749، كشف الظنون
1: 167، شذرات الذهب 6: 153، حسن المحاضرة 1: 320، البدر الطالع
1: 182، الدرر الكامنة 1: 535.
(3) المستدرك 4: 74.
(4) ميزان الاعتدال 1: 171.
(5) الرفع والتكميل في الجرح والتعديل تأليف محمد بن عبد الحي الهندي
اللكنوي المتوفى 1304، إيضاح المكنون 1: 581.
149

التعديل وإن كان مبهما ا ه‍. ونصوصهم في هذا كثيرة ذكرت بعضها
في " إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون " (1) وبسطتها أيضا
في غيره، وإذا عرفت هذا فالجرح في عبد السلام بن صالح كله من هذا
القبيل، لم يذكر أحد من الجارحين له سببا لجرحه حتى ينظر فيه هل
هو مقبول أو مردود، على أن قرائن أحوالهم دلت على سبب جرحهم
إياه وقد أبطلناه بما لا مزيد عليه إن شاء الله، ومن هذه الوجوه تعرف
صحة حكم الحافظ في التقريب حيث اعتمد أنه صدوق (2) وطرح كل
ما قيل فيه فالحمد لله رب العالمين.
[فصل] وهنا أمور يجب التنبيه عليها:
(الأول): زعم الدارقطني أن عبد السلام بن صالح كان رافضيا
خبيثا، وهذا منه غلو وإسراف فإن الرافضي هو من كان يحط على الشيخين
كما ذكره الذهبي في الميزان، والحافظ في التهذيب (3) وغيرهما، ولم يكن
عبد السلام بن صالح كذلك فقد تقدم عنه أنه كان يقدم أبا بكر وعمر
ويترحم على علي وعثمان ولا يذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله إلا بالجميل، وصرح
بأن هذا مذهبه الذي يدين الله به، فكيف يكون هذا رافضيا وقد نقل
الحافظ في اللسان عن ياقوت أنه قال في أحمد بن طارق الكركي: كان
رافضيا، ثم تعقبه بقوله: وياقوت متهم بالنصب فالشيعي عنده
رافضي ا ه‍ (4).
(الثاني): قال العقيلي: إنه كذاب، وهذا القول لم يسبقه إليه

(1) من كتب المؤلف غير المطبوعة.
(2) تقريب التهذيب 1: 506.
(3) ميزان الاعتدال 1: 6، تهذيب التهذيب 1: 94.
(4) لسان الميزان 1: 188.
150

أحد ممن عاصر عبد السلام، وقد تقدم عن الحافظ أنه قال: هذا إفراط
من العقيلي، وتقدم أيضا كلام الذهبي فيه ومجازفته في حق علي أحمد بن
المديني، وقد اعترض الحافظ أبو زرعة العراقي على من جرح راويا لم يعاصره
كما نقله عنه تلميذه الثعالبي في " غنيمة الوافد وبغية الطالب الماجد " (1).
(الثالث): أنه قال: لا يجور الاحتجاج به إذا انفرد وعبد السلام
ابن صالح لم يتفرد، ثم هو تهافت من العقيلي فإن الكذاب لا يجوز
الاحتجاج به مطلقا.
(الرابع): زعموا أنه كان يروي أحاديث في المثالب، وهذا
ليس بجرح فقد جرحوا به أيضا الفضيل بن عياض وذكروا أنه روى
أحاديث تزري على عثمان وأجاب عنه الذهبي في الجزء الذي جمعه في الثقات
المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم فقال: إنه روى ما سمع ولم يقصد
غضا ولا أزرى على عثمان ففعل ما يسوغ ا ه‍ (2).
وبمثل هذا أجاب إسحاق بن راهويه عن عبد السلام بن صالح
أيضا كما سبق، ولو كان هذا جرحا لجرح جميع الأئمة والحفاظ فما منهم
إلا وقد روى من ذلك ما بلغه أو صح عنده، وهذا أحمد بن حنبل
أورعهم قد خرج كثيرا من ذلك في مسنده كحديث: اللهم اركسهما
في الفتنة ركسا ودعهما في النار دعا، لكنه أبهم اسم عمرو بن العاص
ومعاوية فقال: فلانا وفلانا، وكخبر شرب معاوية للخمر في إمارته
وغير ذلك يطول ذكره، وخرج مالك والبخاري ومسلم حديث الحوض
الذي حكي عن مالك أنه قال: ما ندمت على حديث أدخلته في الموطأ

(1) لم أجد ذكرا لهذا الكتاب ولا لمؤلفه في المعاجم.
(2) ميزان الاعتدال 3: 361.
151

إلا هذا الحديث (1)، وعن الشافعي أنه قال: ما علمنا في كتاب مالك
حديثا فيه إزراء على الصحابة إلا حديث الحوض ووددنا انه لم يذكره،
وكذلك في الصحيحين حديث الرؤيا وما شابهه وشاكله فلو كانت روايتها
تجرح لثبت جرح جميع الرواة، وأغرب من هذا ما ذكره الذهبي في ترجمة
عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد من الميزان فقال ما نصه: نقم
على عبد المجيد أنه أفتى الرشيد بقتل وكيع لكونه روى عن إسماعيل أحمد بن
أبي خالد عن عبد الله البهي إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما
مات لم يدفن حتى ربا بطنه وأنتنت خضراه، قال قتيبة: حدث وكيع
بمكة وكان سنة حج فيها الرشيد فقدموه إليه، فدعا الرشيد سفيان أحمد بن
عينية وعبد المجيد، فأما عبد المجيد فقال: يجب أن يقتل فإنه لم يرو
هذا إلا وفي قلبه غش للنبي صلى الله عليه وآله، فسأل الرشيد
سفيان فقال: لا يجب عليه القتل رجل سمع حديثا فرواه، والمدينة
شديدة الحر وتوفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين فترك إلى
ليلة الأربعاء فمن ذلك تغير، قال الذهبي: قلت: النبي صلى الله عليه وآله سيد البشر
وهو بشر يأكل ويشرب وينام ويقضى حاجته ويمرض ويتداوى ويتسوك
ويتطيب فهو في هذا كسائر المؤمنين، ولما مات بأبي هو وأمي
صلى الله عليه وآله عمل به كما يعمل بالبشر من الغسل والتنظيف
والكفن واللحد والدفن لكن ما زال طيبا مطيبا حيا وميتا وارتخاء
أصابعه المقدسة وانثناؤها وربو بطنه ليس معنى نص على انتفائه والحي
قد يحصل له ريح وينتفخ منه جوفه فلا يعد هذا إن كان قد وقع
عيبا (2)، ثم اندفع الذهبي في تقرير كلام يدل كسابقة على جهله

(1) الموطأ 1: 40 ط مصر 1369.
(2) ميزان الاعتدال 2: 649.
152

بمنصب النبوة وانصباغه بصبغة تيمية وما الغرض هذا فإن بطلانه ضروري
عند كل مؤمن ولكن الغرض تبريتهم ساحة من رواه من الجرح
(الخامس): نقلوا عن عبد السلام بن صالح أنه قال: كلب للعلوية
خير من بني أمية (1)، قيل له: فيهم عثمان، قال: فيهم عثمان، وهذا
إن صح عنه فهو مبالغة لا تدل على ضعف حديثه، وربما استخرجها
بعضهم منه في حال الجدال والمناظرة والغضب قد يستفز المناظر لأكثر
من هذا، وعلى كل حال فأين هو من حريز بن عثمان الذي كان يلعن
عليا عليه السلام سبعين مرة في الصباح، وسبعين مرة في المساء (2)،
وعرفوا منه هذا وتحققوه ثم قالوا عنه: أنه من أوثق الثقات، فما أجيب
به عن حريز فهو الجواب عن عبد السلام والله الموفق.
(فصل): وأما الذين طعنوا في الحديث فالكلام معهم على قسمين
قسم إجمالي وقسم تفصيلي، أما الاجمالي فإنهم بنوه على أصول باطلة:
(الأصل الأول): كون عبد السلام بن صالح شيعيا ضعيفا منكر
الحديث (3). وقد علمت بطلان هذا بما لا مزيد عليه.
(الأصل الثاني): إبطال كل ما ورد في فضل علي عليه السلام
أو أكثره والحكم على من روى شيئا من بالتشيع والضعف والنكارة ولو
بلغ الحديث مبلغ التواتر بحيث من تتبع صنيعهم في ذلك رأى العجب
العجاب، والسبب فيه: ما ذكره ابن قتيبة في كتابه في الرد على
الجهمية (4) فقال:

(1) ميزان الاعتدال 2: 166.
(2) تهذيب التهذيب 2: 240.
(3) ميزان الاعتدال 2: 616.
(4) الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة لأبي محمد عبد الله بن مسلم
ابن قتيبة المتوفى 276 ط مطبعة السعادة بمصر سنة 1349.
153

وقد رأيت هؤلاء أيضا حين رأوا غلو الرافضة في حق علي وتقديمه
وادعائهم له شركة النبي صلى الله عليه وآله في نبوته وعلم الغيب
للأئمة من ولده وتلك الأقاويل والأمور السرية التي جمعت إلى الكذب
والكفر إفراط الجهل والغباوة ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم
وتبرأهم منهم قابلوا ذلك أيضا بالغلو في تأخير علي كرم الله وجهه وبخسه
حقه ولحنوا في القول، وإن لم يصرحوا إلى ظلمه واعتدوا عليه بسفك
الدماء بغير حق ونسبوه إلى الممالاة على قتل عثمان وأخرجوه بجهلهم من
أئمة الهدى إلى جملة أئمة الفتن، ولم يوجبوا له اسم الخلافة لاختلاف
الناس عليه وأوجبوها ليزيد بن معاوية لإجماع الناس عليه، واتهموا من
ذكره بغير خير، وتحامى كثير من المحدثين أن يحدثوا بفضائله كرم الله وجهه
أو يظهروا ما يجب له وكل تلك الأحاديث لها مخارج صحاح وجعلوا ابنه
الحسين عليه السلام خارجيا شاقا لعصا المسلمين حلال الدم، وسووا بينه
وبين أهل الشورى، لأن عمر لو تبين له فضله لقدمه عليهم ولم يجعل
الأمر شورى بينهم، وأهملوا من ذكره أو روى حديثا في فضله حتى
تحامى كثير من المحدثين أن يتحدثوا بها وعنوا بجمع فضائل عمرو أحمد بن
العاص ومعاوية يعني الموضوعة، كأنهم لا يريدونها بذلك وإنما يريدونه،
فإن قال قائل: أخو رسول الله صلى الله عليه وآله علي وأبو سبطيه
الحسن والحسين، وأصحاب الكساء، علي وفاطمة والحسن والحسين، تمعرت
الوجوه وتنكرت العيون وطرت حسايك الصدور، وإن ذكر ذاكر قول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه (1)،
وأنت مني بمنزلة هارون من موسى (2) *، وأشباه هذا التمسوا لتلك

(1) الغدير 1: 294.
(2) 3: 199.
154

الأحاديث المخارج لينتقصوه ويبخسوه حقه بغضا منهم للرافضة وإلزاما
لعلي عليه السلام بسببهم ما لا يلزمه وهذا هو الجهل بعينه ا ه‍ (3).
فهذا أهم الأسباب الحاملة للمتقدمين الذين كانوا في عصر ابن قتيبة
وقبله على الطعن في فضائل علي عليه السلام، وقد أشار الإمام أحمد إلى
نحو هذا إذ سأله ابنه عبد الله عن علي ومعاوية فقال: إعلم أن عليا
كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه شيئا فلم يجدوه فجاؤوا إلى رجل قد
حاربه وقاتله فأطروه كيدا منهم له، رواه السلفي في (الطيوريات)، فمن
كان بهذه الصفة كيف يقبل فضائل علي أو يصححها وقد انطوت بواطن
كثير من الحفاظ خصوصا البصريين والشاميين على البغض لعلي وذويه،
وأشار ابن القيم في (أعلام الموقعين) إلى قريب من هذا أيضا لما تلكم
على المفتين من الصحابة فقال: وأما علي بن أبي طالب عليه السلام فانتشرت
أحكامه وفتاويه ولكن قاتل الله الشيعة فإنهم أفسدوا كثيرا من علمه
بالكذب عليه ولهذا تجد أصحاب الحديث من أهل الصحيح لا يعتمدون
من حديثه وفتواه إلا ما كان من طريق أهل بيته وأصحاب عبد الله أحمد بن
مسعود، وكان رضي الله عنه وكرم وجهه يشكو عدم حملة العلم الذي
أودعه كما قال: إن ها هنا علما لو أصبت له حملة ا ه‍ (2).
فهذا يشير إلى أنهم تركوا من علمه كما تركوا من فضله معارضة
للشيعة وإخمادا لهم والله المستعان.
(الأصل الثالث): أنهم ظنوا أنه مخالف للأصول الدالة على أفضلية
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأن فيه ما يدل على أفضلية علي عليه السلام
ولهذا زاد فيه بعض الكذابين ذكر أبي بكر وعمر وعثمان فذكر الحافظ

(1) الاختلاف في اللفظ ص 47 - 48.
(2) أعلام الموقعين 1: 21.
155

في اللسان في ترجمة إسماعيل بن علي بن المثنى الأسترآبادي الواعظ الكذاب
أنه كان مرة يعظ بدمشق فقام إليه رجل فسأله عن حديث: أنا مدينة
العلم وعلي بابها فقال: هذا مختصر وإنما هو: أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها
وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها، قال: فسألوه إن يخرج لهم إسناده،
فوعدهم به (1). وفي هذا الرجل يقول ابن السمعاني في الأنساب: كان
يقال له كذاب ابن كذاب، ويقول النخشبي: كان يقص ويكذب
ولم يكن على وجهه سيما المتقين دخلت علي أبي نصر السجزي بمكة فسألته
فقال: هذا كذاب ابن كذاب لا يكتب عنه ولا كرامة، وذكر هذه
القصة ابن عساكر في التاريخ فقال: أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي الخطيب
حدثني أبو الفرج الأسفرايني قال: كان أبو سعد الأسترآبادي يعظ بدمشق
فقام إليه رجل فقال: أيها الشيخ ما القول في قول النبي صلى الله عليه وآله:
أنا مدينة العلم وعلي بابها؟ قال: فأطرق لحظة ثم رفع رأسه وقال: نعم
لا يعرف هذا الحديث على التمام إلا من كان صدرا في الإسلام إنما
قال النبي صلى الله عليه وآله وذكره، قال: فاستحسن الحاضرون
ذلك وهو يردده، ثم سألوه أن يخرج لهم إسناده فأنعم ولم يخرجه لهم (2).
فانظر كيف أنكروه عند الانفراد واستحسنوه لما ذكر فيه أبو بكر
وعمر وعثمان، وافتراه بعض الوضاعين أيضا فرواه من حديث أنس بلفظ
أنا مدينة العلم وأبو بكر وعمر وعثمان سورها وعلي بابها. فزاد في الحديث
ما يؤيد مذهب أهل السنة من تفضيل الثلاثة على علي لظنه أن في الحديث
ما يفضله عليهم بل ما رضى النواصب بهذا حتى أدخلوا فيه معاوية،
فذكره الديلمي من حديث أنس بلفظه: * أنا مدينة العلم وعلي بابها ومعاوية

(1) لسان الميزان 1: 422.
(2) تاريخ ابن عساكر 3: 34.
156

حلقتها، وسلك بعضهم فيه مسلكا آخر فقال: ليس المراد به علي أحمد بن
أبي طالب بل هو من العلو كأن النبي صلى الله عليه وآله قال:
أنا مدينة العلم وأنا بابها العلي، وليس في الحديث شئ مما توهموه بل هو
كقول النبي صلى الله عليه وآله: أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ، وقوله: أقرؤكم
أبي، وقوله: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من
أبي ذر (2)، فقد نصوا على أنه ليس فيها ما يدل على أفضلية معاذ
وأبي ذر على غيرهم من الخلفاء الراشدين.
ولهذا قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " (2) بعد الكلام على بعض
طرق حديث الباب: وليس في هذا كله ما يقدح في إجماع أهل السنة
من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أن أفضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله
على الإطلاق أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما، وقال الحافظ العلائي أثناء
كلامه عليه أيضا: ليس هو من الألفاظ المنكرة التي تأباها العقول بل هو
كحديث: أرحم أمتي بأمتي يعني المذكور فيه، وأعلمهم بالحلال والحرام
معاذ ا ه‍.
وبهذا أيضا رد ابن حجر الهيتمي على من حكم عليه بالوضع فقال:
وليس هو مقتضيا لأفضليته على أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فهو
حديث حسن بل قال الحاكم صحيح ا ه‍ (3)، فهذا يدل على أنهم إنما
حكموا بوضعه لتوهمهم مخالفته للأصول، ووهموا في ذلك كما وهموا
في غيره من الأحاديث التي ظنوها مخالفة للأصول وحكموا بوضعها بناء
على ذلك، ورد عليهم غيرهم ممن عرف أنها غير مخالفة واهتدى لطرق

(1) الغدير 8 ص 312 ط إيران.
(2) المقاصد الحسنة ص 98.
(3) المستدرك 3: 272.
157

الجمع بينها كما قدمنا كثيرا من أمثلته، وقد قال بعض شراح الطريقة
المحمدية الأولى ف‍ تفضيل الخلفاء الأربعة: أن كل واحد منهم أفضل من
الآخر باعتبار الوصف الذي اشتهر به لأن فضيلة الانسان ليست من حيث
ذاته بل باعتبار أوصافه فنقول:
إن أبا بكر أفضل من الصحابة باعتبار كثرة صدقه واشتهاره فيما
بينهم، وعمر أفضلهم من جهة العدل، وعثمان أفضلهم من جهة الحياة،
وعلي أفضلهم من جهة العلم واشتهاره به ا ه‍، ونحوه لبعض الأئمة
الأفراد في القرن العاشر وغيره.
[فصل]: وأما الكلام التفصيلي فهو مع الأفراد الذين طعنوا
في الحديث أو نقل عنهم ذلك فنقول: أما يحيى بن معين فإنه تكلم
في أبي الصلت وفي حديثه قبل أن يعرف حال أبي الصلت، وقبل أن يصله
حديثه من غير طريقه كما قال الخطيب، فإنه لما نقل كلامه فيه وفي حديثه
من رواية عبد الخالق بن منصور وغيره تعقب ذلك بقوله: أحسب
عبد الخالق سأل يحيى بن معين عن حال أبي الصلت قديما ولم يكن
يحيى إذ ذاك يعرفه ثم عرفه بعد فأجاب إبراهيم بن الجنيد عن حاله قال:
وأما حديث الأعمش فإن أبا الصلت كان يرويه عن أبي معاوية عنه فأنكره
أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين عنه فوجد غير أبي الصلت قد رواه
عن أبي معاوية فقال: إنه صحيح ومراده أنه صحيح من حديث
أبي معاوية، وليس بباطل إذ قد رواه غير واحد عنه، وقد سأله العباس
ابن محمد الدوري عنه فوثقه ثم سأله عن الحديث فقال: ما تريدون
من هذا المسكين أليس قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي (1).
وكذلك سأله ابن محرز عن الحديث فقال: هو من حديث أبي معاوية

(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3: 127.
158

وكذلك روى عنه صالح بن محمد جزره غيرهم وهكذا وقع لأحمد بن حنبل
فإنه ما كان يعرف أبا الصلت ثم عرفه بعد ذلك وأمر ولده بالرواية عنه
وهو لا يأذنه بالرواية إلا عن ثقة كما سبق (1). ثم إن الإمام أحمد
كثيرا ما ينكر أحاديث ويحكم ببطلانها لكونها لم تصله كما نص عليه
الحافظ. وأما أبو حاتم وأبو زرعة فمعلوم تشديد هما في الحديث وحكمهما
عليه بالبطلان بأدنى شبهة كما نص عليه الحافظ (2)، وكم من حديث
في الصحيح صرحا بأنه موضوع لا أصل له، ومن رجع إلى (علل)
ابن أبي حاتم و (التلخيص الحبير) للحافظ و (نصب الراية للزيلمي) (3)،
وتخريج أحاديث الكشاف له علم ذلك وتحققه على أنهما كانا يسرقان
الجرح والكلام على الأحاديث من البخاري بل ظلماه في كتابه الكبير
في الرجال ونسباه لأنفسهما، فأمرا عبد الرحمن بن أبي حاتم أن يأخذ
نسخة من كتاب البخاري ويسألهما عن الرجال المذكورين فيه، وهما يجيبانه
بجواب البخاري حتى أتيا على جميع الكتاب وتشديد البخاري رحمه الله
معلوم معروف.
وأما ابن عدي والدار قطني فكلامهما دعوى مجردة لا دليل عليها
وكل كلام لا دليل عليه فهو باطل، فلكل واحد أن يأتي إلى حديث له
طرق متعددة لا يوافق هواه ويطعن فيه بأن أحد رجاله وضعه وسرقه منه
الباقون كما يقول ابن عدي دفعا بالصدر وادعاء بغير دليل، ولهذا قرر
علماء الأصول أن من شرط صحة التواتر عند السامع أن لا يكون

(1) تعجيل المنفعة 16.
(2) تعجيل المنفعة ص 6، 4.
(3) نصب الراية لأحاديث الهداية لعبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي المتوفى
762 ط الأولى 1357.
159

متشبعا بضد الخبر المتواتر فإنه إذا كان كذلك لا يقع منه موقع
التواتر ولا يوجب عنده العلم، فهؤلاء لما تعلق بذهنهم بطلان كل ما ورد
في فضل علي عليه السلام، وأنه من وضع الرافضة صاروا يردون من ذلك
ما بلغ حد التواتر بادعاء السرقة التي لا يقبلها العقل السليم.
وأما ابن الجوزي فهو مقلد لمن سبقه فلا ينبغي أن يمد في الحاكمين
على الحديث بالوضع لأنه لم يقل ذلك عن اجتهاد، فهو بمنزلة العدم كحال
كل مقلد، ولو فرضنا أنه حكم بذلك اجتهادا فتساهله وتهوره معلوم حتى
قال الحافظ فيه (1): إنه حاطب ليل لا يدري ما يخرج من رأسه وقد
كثر اعتراض الناس عليه، وتعقبه فيما حكم عليه من الأحاديث بالوضع
والتحذير من الاغترار بكلامه كما بسطته في غير هذا الموضوع، وقد تعقبوه
على هذا الحديث كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.
(وأما الذهبي): فلا ينبغي أن يقبل قوله في الأحاديث الواردة
بفضل علي عليه السلام فإنه سامحه الله كان إذا وقع نظره عليها اعترته حدة
أتلفت شعوره وغضب أذهب وجدانه حتى لا يدري ما يقول وربما سب
ولعن من روى فضائل علي عليه السلام كما وقع منه في غير موضع من الميزان
وطبقات الحفاظ تحت ستارة أن الحديث موضوع، ولكنه لا يفعل ذلك
فيمن يروي الأحاديث الموضوعة في مناقب أعدائه، ولو بسطت المقام في هذا
لذكرت لك ما تقضي منه بالعجب من الذهبي رحمه الله تعالى وسترنا عنه آمين.
ويكفي في رد كلامه أنه قال في الميزان: عبد السلام بن صالح
أبو الصلت الهروي الرجل الصالح إلا أنه شيعي جلد ا ه‍ (2). فما وصفه
بضعف ولا رماه بكذب، تم عند ذكر الحديث في المستدرك أقسم بالله

(1) اللآلئ المصنوعة 1: 334.
(2) ميزان الاعتدال 2: 129.
160

أن عبد السلام بن صالح ما هو ثقة ولا هو مأمون، فكيف الجمع بين
هذا وذاك. وقد تعقبه الحافظ في حكمه على هذا الحديث بالوضع في ترجمة
جعفر بن محمد الفقيه فإنه أورد له هذا الحديث وقال: موضوع (1)،
فتعقبه الحافظ في اللسان بقوله: وهذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك
الحاكم أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي أن يطلق عليه
القول بالوضع (2) ا ه‍، وصرح الذهبي ببطلان حديث الطير في نحو عشرين
موضعا من الميزان، وضعف به خلائق ليس له على ضعفهم دليل سوى
روايته ثم لم يجد بدا من اعترافه به لكثرة طرقه التي تغلبت على نصبه
سامحه الله فصرح بثبوته في تذكرة الحفاظ (3).
وأما النووي رضي الله عنه: فإنه قال ذلك عن تقليد لمن سبقه من
الحفاظ، ولو نظر في طرق الحديث وحكم باجتهاده لما أمكن أن يصدر
عنه القول بوضعه فإنه حكم بصحة أحاديث لا تبلغ رتبة هذا ولا تقاربه،
وكم أوقعه التقليد في مزالق الأوهام التي كثر بها تعقب المتأخرين عليه
فيما حكم به على الأحاديث ردا وقبولا وتصحيحا وتضعيفا (4).
وأما صاحب " أسنى المطالب " فليس هنالك حتى ينتصب في مصاف
الرجال وينتظم في سلك هؤلاء الأبطال، وإنما ذكرته لأنبه على سقوط كتابه
المتداول بين العامة فإنه أكثر الكتب خطأ وأقلها فائدة ونفعا، وما أدري
ما الذي دفع صاحبه لتأليفه مع بعده عن معرفة الحديث وصناعته، والعجب

(1) ميزان الاعتدال 1: 415.
(2) لسان الميزان 2: 122.
(3) مرت الإشارة إلى هؤلاء الخلائق ص 11 - المقدمة -.
(4) شرح النووي على مسلم 1: 22 - 23.
161

منه إذ يقول في خطبة كتابه: إن عمدته فيه على الشيخ عبد الرؤف
المناوي، مع أن المناوي كتب في التيسير على هذا الحديث ما نصه:
وهو حسن باعتبار طرقه لا صحيح ولا ضعيف فضلا عن كونه موضوعا
ووهم ابن الجوزي ا ه‍. ويزعم أنه رأى كتاب الحافظ ابن حجر في الأحاديث
المشتهرة على الألسنة (1)، ويجعل في المحدثين سخاويين سخاويا كبيرا،
اختصر كتاب شيخه الحافظ ابن حجر، وسخاويا صغيرا اقتصر منه على
مجرد الموضوع وكل هذا لا أصل له، ويقول في حديث: إذا أتاكم كريم
قوم فأكرموه: له طرق كلها ضعيفة، وحكم عليه ابن حجر والعراقي
بالوضع ا ه‍ (2).
مع أن أصله الذي هو تمييز الطيب من الخبيث يقول: له طرق
ضعيفة، وقد انتقد الحافظ ابن حجر وشيخه العراقي الحكم عليه بالوضع ا ه‍.
فعكس هو القضية، ويقول في حديث: بني الإسلام على النظافة:
ذكره في الإحياء بلا سند قال مخرجه العسقلاني: لم أجده (3)، ويقول
في حديث: الحبة السوداء شفاء من كل داء: رواه أبو نعيم والطبراني،
وقول الأصل رواه البخاري لعله تعليق ا ه‍ (4). مع أن الحديث مسند
في صحيح البخاري في باب الحبة السوداء من كتاب الطب (5)، ويقول:
قد صنفت كتب في الحديث وجميع ما احتوت عليه موضوع منها موضوعات

(1) أسنى المطالب ص 8 - 9.
(2) أسنى المطالب ص 26.
(3) المصدر السابق ص 79.
(4) المصدر السابق ص 94.
(5) صحيح البخاري 7: 13 ط القاهرة 1357.
162

القضاعي (1) ا ه‍. وهذا بالهذيان أشبه منه بالكلام، إلى غير هذا مما
لعل نصف كتابه من قبيله، مع أنه مجرد ناقل لكنه يتصرف فيخطئ
بل يخطئ في النقل بدون تصرف كما مضى، والمقصود، أن الرجل
وكتابه ساقطان عن درجة الاعتبار والله المستعان.

(1) أسنى المطالب ص 266 للشيخ محمد بن درويس الحوت المتوفى 1276
ط بيروت 1319.
163

خاتمة
[في ذكر بعض نصوص المتأخرين في هذا الحديث]
قد سبق قول الحافظ السيوطي في " الجامع الكبير ": كنت أجيب
دهرا عن هذا الحديث بأنه حسن إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير
لحديث علي في (تهذيب الآثار) مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عباس
فاستخرت الله تعالى وجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن إلى
مرتبة الصحيح ا ه‍.
ونقل في (اللآلئ المصنوعة) عن الحافظ العلائي أنه قال في أجوبته
عن الأحاديث التي تعقبها السراج القزويني على (مصابيح البغوي)
وادعى أنها موضوعة ما نصه: حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها قد ذكره
أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات، من طرق عدة وجزم ببطلان
الكل، وكذلك قال بعده جماعة منهم الذهبي في الميزان وغيره، والمشهور
به رواية أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي عن أبي معاوية عن
الأعمش عن ابن عباس، وأبو الصلت مختلف فيه لكنه توبع فبرئ من
عهدته، وأبو معاوية ثقة مأمون من كبار الشيوخ وحفاظهم المتفق
عليهم، وقد تفرد به عن الأعمش فكان ماذا وأي استحالة في أن يقول
النبي صلى الله عليه وآله مثل هذا في حق علي رضي الله عنه،
ولم يأت كل من تكلم في هذا الحديث وجزم بوضعه بجواب عن الروايات
الصحيحة عن ابن معين في توثيقه وتصحيح حديثه، ومع ذلك فله شاهد
رواه الترمذي في جامعه وسنده حسن فكيف إذا انضم إلى حديث
164

أبي معاوية ولم يأت أبو الفرج ولا غيره بعلة قادحة سوى دعوى الوضع
دفعا بالصدر ا ه‍ باختصار (1).
وسئل الحافظ عن هذا الحديث فأجاب بقوله: هذا الحديث أخرجه
الحاكم في المستدرك وقال: صحيح (2)، وخالفه أبو الفرج ابن الجوزي
فذكره في الموضوعات، وقال: إنه كذب والصواب خلاف قولهما معا (3)،
وأن الحديث من قسم لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب، وبيان
ذلك يستدعي طولا ولكن هذا هو المعتمد في ذلك ا ه‍.
قلت: لا أشك أن الحافظ لم يستحضر ساعة كتابة هذا الجواب
إلا الطرق الموجودة في الحاكم، ولو استحضر غيرها لجزم بارتقائه إلى
درجة الصحة، فإنه جزم بصحة أحاديث في (القول المسدد) لا تبلغ هذا
ولا تقاربه (4)، ثم إنه بنى حكمه بالحسن على قاعدة ذكرها في اللسان
ولكنها غير مطردة ولا لازمة، كما بينته في أصول التخريج.
وقال الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة " (5) بعد إيراد كلام
الحفاظ فيه وبعض طرقه الواهية وألفاظه الموضوعة التي فيها ذكر أبي بكر
وعمر وعثمان ومعاوية ما نصه: وبالجملة فطرقه كلها ضعيفة وأحسنها حديث
ابن عباس بل هو حديث حسن ا ه‍ (6).

(1) اللآلئ المصنوعة 1: 329 - 334 ط الأولى.
(2) المستدرك 3: 127.
(3) اللآلئ المصنوعة 1: 332.
(4) القول المسدد 16.
(5) في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ط القاهرة 1375 / 1956.
(6) المقاصد الحسنة ص 98.
165

وعلى هذا درج جميع من جاء بعدهم من المقلدين الذين لا أستجيز
الاستدلال بكلامهم فإن كلام المقلد بمنزلة العدم، وقد ذكرت نصوصهم
في جزء جمعته قبل هذا وسميته " سبل السعادة وأبوابها بصحة حديث أنا
مدينة العلم وعلي بابها " (1)، ولنا عودة إلى الكلام عليه في جزء ثالث
إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.

(1) من كتب المؤلف.
166