الكتاب: الإنصاف
المؤلف: المرداوي
الجزء: ٦
الوفاة: ٨٨٥
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: محمد حامد الفقي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: رجب ١٣٧٦ - فبراير ١٩٥٧م
المطبعة: دار إحياء التراث العربي - بيروت
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت
ردمك:
ملاحظات: الطبعة الأولى على نسخة بخط المؤلف / اعادة طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان / مطبعة السنة المحمدية ت ٧٩٠١٧ / رجب ١٣٧٦هـ

الإنصاف
في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل
تأليف شيخ الإسلام العلامة الفقيه المحقق
علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي
الحنبلي تغمده الله برحمته
صححه وحققه
محمد حامد الفقى
الجزء السادس
الطبعة الأولى
حقوق الطبع محفوظة
رجب 1406 ه‍ - فبراير 1986 م
أعاد طبعه
دار احياء التراث العربي
بيروت - لبنان
1

مطبعة السنة المحمدية
ت 79017
رجب 1376
2

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
باب الإجارة
فائدتان
إحداهما في حدها قال في الرعاية قلت وتحريره بذل عوض معلوم في منفعة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو في عمل معلوم وتبعه في الوجيز.
قال الزركشي وليس بمانع لدخول الممر وعلو بيت والمنافع المحرمة انتهى يعني إذا بيع الممر وعلو بيت فإنهما منفعتان.
قلت لو زيد فيه مباحة مدة معلومة لسلم.
الثانية قيل الإجارة واردة على خلاف القياس.
قال في الفروع والأصح لا لأن من لم يخصص العلة لا يتصور عنده مخالفة قياس صحيح ومن خصصها فإنما يكون الشيء خلاف القياس عنده إذا كان المعنى المقتضى للحكم موجودا فيه ويتخلف الحكم عنه انتهى.
قال في القواعد الأصولية في اخر القاعدة الثامنة والعشرين من الرخص ما هو مباح كالعرايا والمساقاة والمزارعة والإجارة والكتابة والشفعة وغير ذلك من العقود الثابتة المستقر حكمها على خلاف القياس هكذا يذكر أصحابنا وغيرهم.
وقال الشيخ تقي الدين ليس شيء من العقود وغيرها الثابتة المستقر حكمها على خلاف القياس وقرر ذلك بأحسن تقرير وبينه بأحسن بيان.
3

تنبيه قوله تنعقد بلفظ الإجارة والكراء وما في معناهما.
كالتمليك ونحوه يعني بقوله وما في معناهما إذا أضافه إلى العين وكذا إذا أضافه إلى النفع في أصح الوجهين قاله في الفروع.
قال الزركشي وتنعقد بلفظ الإجارة والكراء وما في معناهما على الصحيح انتهى وقيل لا تنعقد.
قال في الرعاية الكبرى فإن آجر عينا مرئية أو موصوفة في الذمة قال أجرتكها أو أكريتكها أو ملكتك نفعها سنة بكذا وإن قال أجرتك أو أكريتك نفعها فاحتمالان انتهى.
قوله (وفي لفظ البيع وجهان).
بأن يقول بعتك نفعها وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والهادي والمغني والمذهب الأحمد والتلخيص والبلغة والشرح وشرح بن منجا والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق والزركشي والقواعد الفقهية والطوفي في شرح الخرقي.
قال في التلخيص والفائق وأما لفظ البيع فإن أضافه إلى الدار لم يصح وإن أضافه إلى المنفعة فوجهان انتهيا.
أحدهما يصح اختاره بن عبدوس في تذكرته والشيخ تقي الدين رحمه الله فقال في قاعدة له في تقرير القياس بعد إطلاق الوجهين والتحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت بأي لفظ كان من الألفاظ التي عرف به المتعاقدان مقصودهما وهذا عام في جميع العقود فإن الشارع لم يحد حدا لألفاظ العقود بل ذكرها مطلقة انتهى.
وكذا قال بن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين.
قال في إدراك الغاية لا تصح بلفظ البيع في وجه وقدمه بن رزين في شرحه.
4

والوجه الثاني لا يصح صححه في التصحيح والنظم.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله بعد ذكر الوجهين بناء على أن هذه المعاوضة نوع من البيع أو شبيهة به.
فوائد
إحداها قوله أحدها معرفة المنفعة إما بالعرف كسكنى الدار شهرا.
وهذا بلا نزاع لكن لو استأجرها للسكنى لم يعمل فيها حدادة ولا قصارة ولا يسكنها دابة والصحيح من المذهب أنه لا يجعلها مخزنا للطعام.
قال في الفروع هذا الأشهر وقيل له ذلك.
وقيل للإمام أحمد رحمه الله يجيئه زوار عليه أن يخبر صاحب البيت قال ربما كثروا وأرى أن يخبره.
وقال أيضا إذا كان يجيئه الفرد ليس عليه أن يخبره.
وقال الأصحاب له إسكان ضيف وزائر.
واختار في الرعاية يجب ذكر السكنى وصفتها وعدد من يسكنها وصفتهم إن اختلفت الأجرة.
الثانية قوله وخدمة العبد سنة.
فتصح بلا نزاع لكن تكون الخدمة عرفا على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
قلت وهو الصواب.
وقال في النوادر والرعاية يخدم ليلا ونهارا انتهيا.
وأما إن استأجره للعمل فإنه يستحقه ليلا.
5

الثالثة قوله وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين.
وهذا بلا نزاع لكن لو استأجره لحمل كتاب فحمله فوجد المحمول إليه غائبا فله الأجرة لذهابه ورده أيضا على الصحيح من المذهب وجزم به في المغني والشرح والفائق وغيرهم وصححه في النظم وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقال في الرعاية وهو ظاهر الترغيب إن وجده ميتا فله المسمى فقط ويرده.
وقال في التلخيص وإن وجده ميتا استحق الأجرة وما يصنع بالكتاب.
وقال الشيخ أبو حكيم شيخ السامري الصحيح أنه لا يلزمه رد الكتاب إلى المستأجر لأنه أمانة فوجب رده انتهى.
لكن الذي يظهر أن لفظة لا في قوله لا يلزمه زائدة بدليل تعليله.
نقل حرب إن أستأجر دابة أو وكيلا ليحمل له شيئا من الكوفة فلما وصلها لم يبعث وكيله بما أراد فله الأجرة من هنا إلى ثم.
قال أبو بكر هذا جواب على أحد القولين والقول الآخر له الأجرة في ذهابه ومجيئه فإذا جاء والوقت لم يبلغه فالأجرة له ويستخدمه بقية المدة.
الرابعة قوله وبناء حائط يذكر طوله وعرضه وسمكه والته.
فيصح بلا نزاع.
لكن لو أستأجره لحفر بئر طوله عشرة وعرضه عشرة وعمقه عشرة فحفر طول خمسة في عرض خمسة في عمق خمسة فاضرب عشرة في عشرة فما بلغ فاضربه في عشرة تبلغ ألفا واضرب خمسة في خمسة فما بلغ فاضربه في خمسة يبلغ مائة وخمسا وعشرين وذلك ثمن الألف فله ثمن الأجرة أن وجب له شيء قاله في الرعاية وهو واضح وهو من التمرين.
6

قوله (وإجارة أرض معينة لزرع كذا أو غرس كذا أو بناء معلوم).
اشترط المصنف هنا لصحة إجارة الأرض للزرع أو الغرس أو البناء معرفة ما يزرعه أو يغرسه أو يبنيه.
وكذا قال في الهداية والمذهب والنظم وغيرهم.
فمفهوم كلامهم أنه لو استأجر لزرع ما شاء أو غرس ما شاء أو لزرع وغرس ما شاء أنه لا يصح وهو أحد الوجهين وظاهر ما جزم به في الفائق وجزم به في الشرح.
والوجه الثاني يصح وهو الصحيح من المذهب وجزم به في التلخيص قال في الفروع عن ذلك صح في الأصح كزرع ما شئت أي كقوله أجرتك لتزرع ما شئت بلا نزاع.
ومفهوم كلامهم أيضا أنه لو قال للزرع أو للغرس وسكت أنه لا يصح وهو أحد الوجهين.
والوجه الآخر يصح وجزم به في المغني والشرح ونصراه.
قال في الرعاية الكبرى وإن اكترى لزرع وأطلق زرع ما شاء وجزم به بن رزين في شرحه وأطلقهما في الفروع.
ومفهوم كلامهم انه لو أجره الأرض وأطلق وهي تصلح للزرع وغيره أنه لا يصح وهو أحد الوجهين أيضا.
قال في التلخيص ولو أجره الأرض سنة ولم يذكر المنفعة من زرع أو غيره مع تهيئها للجميع لم يصح للجهالة.
والوجه الآخر يصح وهو الصحيح من المذهب.
قال في الفروع عن ذلك صح في الأصح.
7

قال في الرعاية صح في الأقيس.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يعم إن أطلق.
وإن قال انتفع بها بما شئت فله زرع وغرس وبناء.
ويأتي بعض ذلك وغيره عند قوله وله أن يستوفى المنفعة وما دونها.
فائدة قوله وإن استأجر للركوب ذكر المركوب فرسا أو بعيرا أو نحوه.
بلا نزاع ويذكر أيضا ما يركب به من سرج وغيره.
ويذكر أيضا كيفية سيره من هملاج وغيره على الصحيح من المذهب.
جزم به في المغني والشرح وشرح بن رزين والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع.
قال في الرعاية ويجب ذكر سيرها في الأصح.
وقدم في الترغيب أنه لا يشترط معرفة كيفية سيره.
تنبيه ظاهر كلام المصنف أنه لا يشترط ذكر أنوثة الدابة ولا ذكورتها وهو أحد الوجهين وهو المذهب.
قدمه في الكافي والمغني والشرح والفائق.
والوجه الثاني يشترط اختاره القاضي في الخصال وبن عقيل في الفصول واقتصر عليه في المستوعب وقدمه بن رزين في شرحه وأطلقهما في الرعاية الكبرى والفروع.
وظاهر كلام المصنف انه لا يشترط ذكر نوعه وهو الصحيح وقدمه في الفروع.
وفي الموجز يشترط ذكر ذلك وقدمه في المغني والشرح وجزم به بن رزين في شرحه.
8

قال في الرعاية الصغرى قلت بل يجب ذكر جنسه ونوعه في المركوب والحمل.
وجزم به القاضي في الخصال وتبعه في المستوعب وبن عقيل في الفصول.
وقال المصنف متى كان الكراء إلى مكة فالصحيح أنه لا يحتاج إلى ذكر الجنس ولا النوع لأن العادة إن الذي يحمل عليه في طريق مكة الجمال العراب دون البخاتي.
فائدة لا بد من معرفة الراكب إما برؤية أو صفة على الصحيح من المذهب كالمبيع ذكره الخرقي وغيره وجزم به في المنور وتجريد العناية وصححه في تصحيح المحرر وقدمه في المغني والشرح والفروع والفائق والزركشي.
وقال الشريف وأبو الخطاب لا يجزئ فيه إلا الرؤية فلا تكفي الصفة من غير رؤية وقدمه في الرعاية الكبرى.
وجزم به في الهداية والمذهب وصححه في النظم وأطلقهما في المحرر والرعاية الصغرى.
ويشترط معرفة توابع الراكب العرفية كالزاد والأثاث من الأغطية والأوطئة إما برؤية أو صفة أو وزن على الصحيح من المذهب.
وجزم به في المغني والشرح وتجريد العناية والمنور وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى.
وقيل لا بد من الرؤية فلا تكفي الصفة وأطلقهما في المحرر.
وقيل لا يشترط ذكر ذلك مطلقا ذكره في الرعاية وغيرها.
وقال القاضي لا يشترط معرفة غطاء المحمل بل يجوز إطلاقه لأنه لا يختلف اختلافا كثيرا متباينا.
9

وقال في الرعاية الكبرى ويشترط معرفة المحمل برؤية أو وصف.
وقيل أو بوزنه.
قوله (وإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكره).
اعلم أنه إذا استأجر للحمل فلا يخلو إما أن يكون المحمول تضره كثرة الحركة أو لا فإن كان لا تضره كثرة الحركة لم يحتج إلى ذكر ما تقدم على الصحيح من المذهب جزم به في المغني والتلخيص والشرح والنظم وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل يحتاج إلى ذكره.
وإن كان يضره كثرة الحركة كالزجاج والخزف والتفاح ونحوه اشترط معرفة حامله على الصحيح من المذهب قطع به بن عقيل في التذكرة والمصنف في المغني والشارح وصاحب التلخيص والنظم وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل لا يحتاج إلى ذكره وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
قال في الفروع ويتوجه مثله ما يدير دولابا ورحى واعتبره في التبصرة.
فائدة يشترط معرفة المتاع المحمول برؤية أو صفة وذكر جنسه وقدره بالكيل أو بالوزن على الصحيح من المذهب قدمه في المغني والشرح والفروع.
واكتفى بن عقيل وصاحب الترغيب وغيرهما بذكر وزن المحمول وإن لم يعرف عينه وتقدم كلامه في الرعاية في المحمل.
فائدة يشترط معرفة أرض الحرث جزم به في الفروع وغيره من الأصحاب.
قوله (الثاني معرفة الأجرة بما يحصل به معرفة الثمن).
10

هذا المذهب في الجملة إلا ما استثنى من الأجير والظئر ونحوهما وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم وقدمه في الفروع وغيره.
قال في الرعايتين والفروع والحاوي وغيرهم يشترط معرفة الأجرة فإن كانت في الذمة فكثمن والمعينة كمبيع.
وعنه تصح إجارة الدابة بعلفها.
وتأتي هذه الرواية ومن اختارها بعد أحكام الظئر.
فائدتان
إحداهما لو جعل الأجرة صبرة دراهم أو غيرها صحت الإجارة على الصحيح من المذهب صححه في النظم وغيره كما يصح البيع بها على الصحيح كما تقدم.
وفيه وجه آخر لا تصح.
وأطلقهما الزركشي وهو كالبيع قاله في الفروع وغيره وصحح الصحة في البيع فكذا هنا وأطلقهما في الرعايتين والحاوي الصغير.
الفائدة الثانية قال في التلخيص والرعاية وإن استأجر في الذمة ظهرا يركبه أو يحمل عليه إلى مكة بلفظ السلم اشترط قبض الأجرة في المجلس وتأجيل السفر مدة معينة.
زاد في الرعاية وإن كان بلفظ الإجارة جاز التفرق قبل القبض وهل يجوز تأخيره يحتمل وجهين انتهى.
تنبيه تقدم في أول باب المساقاة هل تجوز إجارة الأرض بجنس ما يخرج منها أو بغيره فليعاود.
وتقدم أيضا في أثناء المضاربة لو أخذ ماشية ليقوم عليها بجزء من درها ونسلها وصوفها وبعض مسائل تتعلق بذلك.
11

قوله (إلا أنه يصح أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته وكذلك الظئر).
وهذا المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب.
قال في القواعد من الأصحاب من لم يحك فيه خلافا.
قال الزركشي هذا المشهور من الروايتين واختيار القاضي في التعليق وجماعة.
قال الطوفي في شرح الخرقي هذا ظاهر المذهب.
قال في القواعد هذا أصح ونصره المصنف والشارح وبن رزين وغيرهم وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المحرر والفروع والرعايتين والحاوي الصغير والتلخيص والنظم والفائق.
وعنه لا تصح فيهما حتى يصف الطعام والكسوة.
وعنه لا يصح في الأجير ويصح في الظئر اختاره القاضي في بعض كتبه.
قال الزركشي أظنه في المجرد.
وقدم في التلخيص الصحة في الظئر وأطلق في الأجير الروايتين.
قال في الرعاية الكبرى فإن قدر للظئر حالة الإجارة وإلا فلها الوسط.
فعلى المذهب لو تنازعا في قدر الطعام والكسوة رجع فيهما إلى العرف على الصحيح من المذهب فيكون لها طعام مثلها أو مثله وكسوة مثلها أو مثله كالزوجة مع زوجها نص عليه وجزم به في التلخيص وجزم بمثله في المحرر في المضارب وقدمه في الفروع.
وعنه كالمسكين في الكفارة في الطعام والكسوة وقدمه الطوفي في شرحه وزاد أو يرجع إلى كسوة الزوجات وأطلقهما الزركشي.
وقيل يرجع في الإطعام إلى إطعام المسكين في الكفارة وفي الملبوس.
12

إلى أقل ملبوس مثلها وقدمه في المغني والشرح والفائق وجزم به في الرعاية الكبرى.
قال الزركشي وهو تحكم.
قال في الرعاية الصغرى وله الوسط مع النزاع كإطعام الكفارة.
وهذا القول نظير ما قطع به المصنف وغيره في نفقة المضارب مع التنازع.
قوله (ويستحب أن يعطى عند الفطام عبدا أو وليدة إذا كان المسترضع موسرا).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقدمه في الفروع وغيره.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله ولعل هذا في المتبرعة بالرضاع انتهى وقال أبو بكر يجب.
فوائد
منها قال في الرعاية والنظم وغيرهما لو كانت المرضعة أمة استحب إعتاقها.
ومنها لو استؤجرت للرضاع والحضانة معا فلا إشكال في ذلك.
وإن استؤجرت للرضاع وأطلق فهل تلزمها الحضانة فيه وجهان ذكرهما القاضي ومن بعده وأطلقهما في المغني والشرح والتلخيص والفروع والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والفائق.
أحدهما يلزمها الحضانة أيضا وقدمه في الرعاية الكبرى أيضا في الفصل الأربعين من هذا الباب.
والوجه الثاني لا يلزمها سوى الرضاع قدمه بن رزين في شرحه.
وقيل الحضانة تتبع الرضاع للعرف.
13

قلت وهو الصواب.
وقيل عكسه ذكره في الفروع.
يعني أن الرضاع يتبع الحضانة للعرف في ذلك ولم أفهم معناه على الحقيقة.
فعلى الوجه الثاني ليس على المرضعة إلا وضع حلمة الثدي في فم الطفل وحمله ووضعه في حجرها وباقي الأعمال في تعهده على الحاضنة ودخول اللبن تبعا كنقع البئر على ما يأتي.
قال بن القيم رحمه الله في الهدى عن هذا القول الله يعلم والعقلاء قاطبة أن الأمر ليس كذلك وأن وضع الطفل في حجرها ليس مقصودا أصلا ولا ورد عليه عقد الإجارة لا عرفا ولا حقيقة ولا شرعا ولو أرضعت الطفل وهو في حجر غيرها أو في مهده لاستحقت الأجرة ولو كان المقصود إلقام الثدي المجرد لاستؤجر له كل امرأة لها ثدي ولو لم يكن لها لبن فهذا هو القياس الفاسد حقا والفقه البارد انتهى.
وإن استؤجرت للحضانة وأطلق لم يلزمها الرضاع على الصحيح من المذهب.
قال في التلخيص لم يلزمها وجها واحدا.
وقيل يلزمها وقدمه في الرعاية الكبرى في الفصل الأربعين وأطلقهما في الفروع والرعاية الكبرى في موضع.
ومنها المعقود عليه في الرضاع خدمة الصبي وحمله ووضع الثدي في فمه على الصحيح من المذهب وأما اللبن فيدخل تبعا.
قال في الرعاية العقد وقع على المرضعة واللبن تبع يستحق إبلاغه بالرضاع وقدمه في الشرح.
قال في الفصول الصحيح أن العقد وقع على المنفعة ويكون اللبن تبعا.
قال القاضي في الخصال لبن المرضعة يدخل في عقد الإجارة وإن كان يهلك بالانتفاع لأنه يدخل على طريق التبع.
14

قلت وكذا قال المصنف وغيره في هذا الباب حيث قالوا يشترط أن تكون الإجارة على نفع فلا تصح إجارة حيوان ليأخذ لبنه إلا في الظئر ونفع البئر يدخل تبعا وقاله في الفروع وغيره من الأصحاب على أحد الاحتمالين في كلام المصنف على ما يأتي.
وقيل العقد وقع على اللبن.
قال القاضي وهو الأشبه.
قال بن رزين في شرحه وهو الأصح لقوله تعالى * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * انتهى.
قال بن القيم في الهدى والمقصود إنما هو اللبن.
وتقدم كلامه لمن قال العقد وقع على وضعها الطفل في حجرها وإلقامه ثديها واللبن يدخل تبعا.
قال الناظم.
وفي الأجود المقصود بالعقد درها * والإرضاع لا حضن ومبدأ مقصد.
وأطلق الوجهين في المغني والفروع والفائق.
ومنها لو وقعت الإجارة على الحضانة والرضاع وانقطع اللبن بطل العقد في الرضاع وفي بطلانه في الحضانة وجهان وأطلقهما في الرعاية الكبرى.
قلت الأولى البطلان لأنها في الغالب تبع وإذا لم تلزمها الحضانة وانقطع لبنها ثبت الفسخ وإن قلنا تلزمها الحضانة لم يثبت الفسخ على الصحيح.
قال في الرعاية لم يثبت الفسخ في الأصح فيسقط من الأجرة بقسطه.
وقيل يثبت الفسخ وأطلقهما في التلخيص والفائق.
ومنها يجب على المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر به لبنها ويصلح به وللمكتري مطالبتها بذلك.
15

ولو سقته لبنا أو أطعمته فلا أجرة لها وإن أرضعته خادمها فكذلك قطع به في المغني والشرح.
ومنها لا تشترط رؤية المرتضع بل تكفي صفته جزم به في الرعايتين والفائق.
قلت وهو الصواب.
وقيل تشترط رؤيته قدمه في المغني والشرح وشرح بن رزين وجزم به في المذهب وهو المذهب على ما اصطلحناه وأطلقهما في الفروع.
ومنها يشترط معرفة مدة الرضاع ومكانه هل هو عند المرضعة أو عند أبويه قطع به المصنف والشارح وصاحب الفروع والنظم وغيرهم.
ويأتي هل تبطل الإجارة بموت المرضعة عند قوله وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها.
ومنها رخص الإمام أحمد رضي الله عنه في مسلمة ترضع طفلا لنصارى بأجرة لا لمجوسي وقدمه في الفروع.
وسوى أبو بكر وغيره بينهما لاستواء البيع والإجارة.
فائدة لا يصح أن تستأجر الدابة بعلفها على الصحيح من المذهب اختاره المصنف والشارح وغيرهما وقدمه في الفروع.
وعنه يصح اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وجزم به القاضي في التعليق وقدمه في الفائق وقال نص عليه في رواية الكحال.
وقال في القاعدة الثانية والسبعين في استئجار غير الظئر من الأجر بالطعام والكسوة روايتان أصحهما الجواز كالظئر انتهى.
قوله (وإن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط ليعملاه ولهما عادة بأجرة صح ولهما ذلك وإن لم يعقدا عقد إجارة وكذلك دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح).
16

قال في الفروع وكذا لو استعمل حمالا أو شاهدا ونحوه.
قال في القواعد وكالمكارى والحجام والدلال ونحوهم.
اشترط المصنف لذلك أن يكون له عادة بأخذ الأجرة وهو أحد الأقوال كتعريضه بها.
اختاره المصنف والشارح وقطع به في المحرر وهو ظاهر ما قطع به في التعليق والفصول والمبهج وقواعد بن رجب والمحرر والنظم.
قال في التلخيص إذا كان مثله يعمل بأجرة.
قال في الوجيز وإن دخل حماما أو سفينة أو أعطى ثوبه قصارا أو خياطا بلا عقد صح بأجرة العادة انتهى.
والصحيح من المذهب أن له الأجرة مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وهو ظاهر ما قطع به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والحاوي الصغير وغيرهم وصرح به الناظم وقدمه في الرعايتين والفروع والفائق.
وقيل لا أجرة له مطلقا.
وحيث قلنا له الأجرة فتكون أجرة المثل لأنه لم يعقد معه عقد إجارة.
فائدة قال في التلخيص ليس على الحمامي ضمان الثياب إلا أن يستحفظه إياها صريحا بالقول.
وقال أيضا وما يعطاه الحمامي فهو أجرة المكان والسطل والمئزر لا ثمن الماء فإنه يدخل تبعا انتهى.
وقال في الفروع في باب القطع في السرقة وإن فرط في حفظ ثياب في حمام وأعدال وغزل في سوق أو خان وما كان مشتركا في الدخول إليه بحافظ فنام أو اشتغل ضمن.
وقال في الترغيب يضمن إن استحفظه ربه صريحا كما قال في التلخيص.
17

قوله (ويجوز إجارة الحلي بأجرة من جنسه).
هذا المذهب نص عليه في رواية عبد الله وجزم به في الوجيز وقدمه في المغني والشرح والنظم والفائق.
قال بن منجا في شرحه هذا المذهب.
وقال جماعة من الأصحاب يجوز ويكره منهم القاضي.
وقيل لا يصح وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله اختاره بن عبدوس في تذكرته.
وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والرعايتين والحاوي الصغير.
وأما إذا كانت الأجرة من غير جنسه فيصح قولا واحدا.
قوله (وإن قال إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فهل يصح على روايتين).
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والفائق وشرح بن منجا والحاوي الصغير.
إحداهما لا يصح وهو المذهب.
قال في التلخيص والصحيح المنع.
قال في النظم الأولى أنه لا يصح وصححه في التصحيح وجزم به في الوجيز وقدمه في المحرر والفروع.
والرواية الثانية يصح وقدمه في الرعايتين.
تنبيه قدم في الرعاية والحاوي الصغير أن الخلاف وجهان.
قوله (وإن قال إن خطته روميا فلك درهم وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم فعلى وجهين).
18

وهما روايتان وأطلقهما في المستوعب والخلاصة والمغني والشرح والفائق والرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
قال في الهداية والمذهب فيه وجهان بناء على المسألة التي قبلها وهي إن خطته اليوم فبكذا وإن خطته غدا فبكذا.
أحدهما لا يصح وهو المذهب.
قال في التلخيص والصحيح المنع وصححه في التصحيح والنظم وجزم به في الوجيز وقدمه في المحرر والفروع.
والوجه الثاني يصح قدمه في الرعاية الكبرى.
فائدة قال في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والرعاية والفائق وغيرهم والوجهان في قوله إن فتحت خياطا فبكذا وإن فتحت حدادا فبكذا.
قال في الفائق ولو قال ما حملت من هذه الصبرة فكل قفيز بدرهم لم يصح قاله القاضي ويحتمل عكسه ذكره الشيخ يعني به المصنف ثم قال قلت وتخرج الصحة من بيعه منها.
وفيه وجهان ويشهد له ما سبق من النص انتهى.
وإن قال إن زرعتها قمحا فبخمسة وإن زرعتها ذرة فبعشرة لم يصح قدمه في الرعاية الكبرى وصححه في الصغرى والنظم.
وعنه يصح وأطلقهما في الحاوي الصغير.
قوله (وإن أكراه دابة وقال إن رددتها اليوم فكراؤها خمسة وإن رددتها غدا فكراؤها عشرة فقال أحمد في رواية عبد الله لا بأس به).
19

قال في الفائق صح في أصح الروايتين وجزم به في الوجيز والمذهب وقدمه في الرعايتين والخلاصة والحاوي الصغير والنظم.
وقال القاضي يصح في اليوم الأول.
وقال المصنف والشارح والظاهر عن الإمام أحمد رضي الله عنه فيما ذكرنا فساد العقد على بيعتين في بيعة وقياس حديث علي والأنصاري صحته.
وصحح الناظم فساد العقد.
قوله (وإن أكراه دابة عشرة أيام بعشرة دراهم وما زاد فله بكل يوم درهم فقال أحمد في رواية أبي الحارث هو جائز).
وهو الصحيح من المذهب نصره المصنف والشارح وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعايتين والخلاصة والنظم والحاوي الصغير والفائق.
وقال القاضي يصح في العشرة وحدها.
وتأول نصوص الإمام أحمد رحمه الله على أن قوله لا بأس وجائز في الأول ويبطل في الثاني.
قال المصنف والظاهر عن الإمام أحمد رحمه الله خلاف ذلك.
قال في الهداية الظاهر أن قول القاضي رجع إلى ما فيه الإشكال.
قال في المستوعب وعندي أن حكم هذه المسألة حكم ما إذا أجره عينا كل شهر بكذا انتهى وهي الآتية قريبا.
قوله (ونص أحمد على أنه لا يجوز أن يكتري لمدة غزاته وإن سمى لكل يوم شيئا معلوما فجائز).
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم وقدمه في الفروع.
وقال في المحرر والفائق وغيرهما ويتخرج المنع وهو رواية في الفروع.
20

قوله (وإن أكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بتمرة فالمنصوص في رواية بن منصور أنه يصح).
وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
قال الزركشي وهو المنصوص عن الإمام أحمد واختيار القاضي وعامة أصحابه والشيخين انتهى.
قال الناظم يجوز في الأولى وجزم به الخرقي وصاحب الوجيز وصححه في تصحيح المحرر وقدمه في الرعاية الكبرى والفائق والكافي وشرح بن رزين.
وقال أبو بكر وبن حامد لا يصح واختاره بن عقيل.
قال في الكافي وقال أبو بكر وجماعة من أصحابنا بالبطلان وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال الشارح والقياس يقتضي عدم الصحة لأن العقد تناول جميع الأشهر وذلك مجهول وأطلقهما في المغني والشرح والمحرر والفروع.
وقيل يصح في العقد الأول لا غير.
قوله (وكلما دخل شهر لزمهما حكم الإجارة).
هذا تفريع على الذي قدمه وهو المذهب.
قال المصنف والشارح والناظم وصاحب الفائق وغيرهم يلزم الأول بالعقد وسائرها بالتلبس به.
تنبيه ظاهر قوله ولكل واحد منهما الفسخ عند تقضي كل شهر.
أن الفسخ يكون قبل دخول الشهر الثاني وهو اختيار أبي الخطاب والمصنف والشارح والشيخ تقي الدين رحمه الله وهو مقتضى كلام الخرقي وبن عقيل في التذكرة وصاحب الفائق وجزم به في الوجيز وصرح به بن.
21

الزاغوني فقال يلزم بقية الشهور إذا شرع في أول الجزء من ذلك الشهر انتهى.
فعلى هذا لو أراد الفسخ يقول فسخت الإجارة في الشهر المستقبل ونحو ذلك.
والصحيح من المذهب أن الفسخ لا يكون إلا بعد فراغ الشهر اختاره القاضي وجزم به في المحرر والنظم والمنور وقدمه في الفروع.
وقال المصنف أيضا له الفسخ بعد دخول الشهر الثاني وقبله أيضا.
وقال أيضا ترك التلبس به فسخ وجزم به في المغني والشرح والفائق.
وقال في الروضة إن لم يفسخ حتى دخل الثاني فهل له الفسخ فيه روايتان انتهى.
فعلى المذهب يكون الفسخ في أول كل شهر في الحال على الصحيح.
قال في الفروع يفسخ بعد دخول الثاني وقدمه في النظم.
وقال القاضي والمجد في محرره له الفسخ إلى تمام يوم.
قال في الرعاية الكبرى إلا أن يفسخها أحدهما في أول يوم منه.
وقيل أو يومين وقيل بل أول ليلة منه وقيل عند فراغ ما قبله.
وقلت أو يقول إذا مضى هذا الشهر فقد فسختها انتهى.
فائدتان
إحداهما لو أجره شهرا لم يصح على الصحيح من المذهب نص عليه وقدمه في الفروع.
قال الزركشي قطع به القاضي وكثيرون.
وعنه يصح اختاره المصنف وابتداؤه من حين العقد.
وخرجه في المستوعب من كل شهر بكذا وفرق القاضي وأصحابه بينهما.
الثانية لو قال أجرتكها هذا الشهر بكذا وما زاد فبحسابه صح في الشهر الأول ويحتمل أن يصح في كل شهر تلبس به.
22

قال في المغني والشرح وإن اكتراها شهرا معينا بدرهم وكل شهر بعده بدرهم أو بدرهمين صح في الأول وفيما بعده وجهان وأطلقهما في المغني والشرح والناظم والرعايتين وشرح بن رزين.
قلت الأولى الصحة.
وهي شبيهة بمسألة المصنف والخرقي المتقدمة.
ثم وجدته قدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير وقالا نص عليه.
وقال في الحاوي عنه القول بعدم الصحة اختاره القاضي.
قوله (ولا يصح الاستئجار على حمل الميتة والخمر).
هذا المذهب قال في الفروع ويحرم على الأصح.
قال بن منجا في شرحه هذا المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الشرح وقال هذا المذهب.
وعنه يصح لكن يكره وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
فعلى المذهب لا أجرة له قاله في التلخيص.
قوله (ويكره أكل أجرته).
يعني على الرواية الثانية التي تقول يصح الإجارة على ذلك وهذا الصحيح وعليه الأصحاب.
وقال صاحب الفائق وغيره وقيل فيه روايتان.
قال في المستوعب وهل يطيب له أكل أجرته فيه وجهان أحدهما لا يطيب ويتصدق به.
وقال في التلخيص وهل يأكل الأجرة أو يتصدق بها فيه وجهان.
تنبيه مراده بحمل الميتة والخمر هنا الحمل لأجل أكلها لغير مضطر أو شربها.
23

فأما الاستئجار لأجل إلقائها أو إراقتها فيجوز على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم.
وإن كان كلامه في الفروع موهما.
وقيل لا يجوز حكاه الناظم فقال.
وجوز على المشهور حمل إراقة * ونبذ لميتات وكسح الأذى الرديء.
وعنه يكره وهي مراد غير المشهور في النظم.
فوائد
إحداها لا يكره أكل أجرته على الصحيح من المذهب وعنه يكره.
الثانية لو استأجره على سلخ البهيمة بجلدها لم يصح جزم به في المغني والشرح وقدمه في النظم.
وقيل يصح.
وصححه في التلخيص وهو الصواب قال الناظم.
ولو جوزوه مثل تجويز بيعه * بعيرا وثنيا جلده لم أبعد.
وأطلقهما في الرعاية.
وتقدم التنبيه على ذلك وعلى نظائره في أواخر المضاربة.
فعلى الأول له أجرة المثل.
الثالثة تجوز إجارة المسلم للذمي إذا كانت الإجارة في الذمة بلا نزاع أعلمه ونص عليه في رواية الأثرم.
قال بن الجوزي في المذهب يجوز على المنصوص وجزم به في الفروع وغيره.
وفي جواز إجارته له لعمل غير الخدمة مدة معلومة روايتان وأطلقهما في الفروع والنظم.
24

إحداهما يجوز وهو المذهب صححه المصنف والشارح هنا.
قال في المغني في المصراة هذا أولى وجزم به في المحرر والوجيز وقدمه في الشرح والرعايتين والحاوي الصغير.
والثانية لا يجوز ولا يصح.
وأما إجارته لخدمته فلا تصح على الصحيح من المذهب ونص عليه في رواية الأثرم.
قال في الفروع ولا تجوز إجارته لخدمته على الأصح وجزم به في المذهب والمغني والشرح.
وعنه يجوز وقدمه في المحرر والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وجزم به في المنورة.
وكذا حكم إعارته قاله في الفروع وغيره.
فائدة حكم إعارته حكم إجارته للخدمة قاله في الفروع وغيره ويأتي ذلك في العارية.
قوله (والإجارة على ضربين أحدهما إجارة عين فتجوز إجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها وحيوان ليصيد به إلا الكلب).
لا يجوز إجارة الكلب مطلقا على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم.
وقيل يجوز إجارة كلب يجوز اقتناؤه.
ويجيء على ما اختاره الحارثي في جواز بيعه صحة إجارته أيضا.
قال في القاعدة السابعة والثمانين حكى الحلواني فيه وجهين وخرج أبو الخطاب وجها في الجواز.
25

تنبيهان
أحدهما ظاهر قوله وحيوان ليصيد أنه إذا لم يصلح للصيد أنه لا يجوز إجارته وهو صحيح قاله المصنف والشارح وغيرهما.
الثاني صحة إجارة حيوان ليصيد به مبنية على صحة بيعه على ما تقدم في كتاب البيع.
لكن جزم في التبصرة بصحة إجارة هر وفهد وصقر معلم للصيد وحكى في بيعها الخلاف قاله في الفروع.
قلت وكذا فعل المصنف في هذا الكتاب وكثير من الأصحاب فما في اختصاص صاحب التبصرة بهذا الحكم مزية وإنما ذكر الأصحاب ذلك بناء على الصحيح من المذهب.
فائدة تحرم إجارة فحل للنزو على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه لا تصح وقيل تصح وهو تخريج لأبي الخطاب بناء على إجارة الظئر للرضاع واحتمال لابن عقيل ذكره الزركشي.
وكرهه الأمام أحمد رحمه الله زاد حرب جدا.
قيل فالذي يعطي ولا يجد منه بدا فكرهه.
ونقل بن القاسم قيل له يكون مثل الحجام يعطي وإن كان منهيا عنه فقال لم يبلغنا أنه عليه الصلاة والسلام أعطى في مثل هذا كما بلغنا في الحجام.
وحمله القاضي على ظاهره وقال هذا مقتضى النظر ترك في الحجام.
وحمل المصنف كلام الإمام أحمد على الورع لا التحريم.
وقال إن احتاج ولم يجد من يطرق له جاز أن يبذل الكراء وليس للمطرق أخذه.
قال الزركشي وفيه نظر.
26

قال المصنف فإن أطرق بغير إجارة ولا شرط فأهديت له هدية أو أكرم بكرامة فلا بأس.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله ولو أنزاه على فرسه فنقص ضمن نقصه.
قوله (ويجوز استئجار كتاب ليقرأ فيه إلا المصحف في أحد الوجهين).
في جواز إجارة المصحف ليقرأ فيه ثلاث روايات الكراهة والتحريم والإباحة وأطلقهن في الفروع.
والخلاف هنا مبني على الخلاف في بيعه.
أحدها لا يجوز وهو المذهب صححه في التصحيح والنظم والمذهب وجزم به في الوجيز وغيره.
الثاني يجوز قدمه في الفائق وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والمغني والشرح والرعايتين والحاوي الصغير.
وقيل يباح.
فائدة يصح نسخة بأجرة نص عليه وتقدم في نواقض الطهارة هل يجوز للذمي نسخه.
فائدة ما حرم بيعه حرم إجارته إلا الحر والحرة ويصرف بصره عن النظر نص عليه والوقف وأم الولد قاله الأصحاب.
قوله (واستئجار النقد للتحلي والوزن لا غير).
جزم به في المغني والخلاصة والتلخيص والشرح والرعايتين والفائق والحاوي الصغير.
قال في المحرر يجوز إجارة النقد للوزن ونحوه.
27

وقال في الهداية والمذهب والمستوعب والوجيز وغيرهم ويجوز إجارة نقد للوزن واقتصروا عليه.
قال في الفروع ومنع في المغني إجارة نقد أو شمع للتجمل وثوب لتغطية نعش وما يسرع فساده كرياحين.
قال في الترغيب وغيره ونفاحة للشم بل عنبر وشبهه وظاهر كلام جماعة جواز ذلك انتهى.
فظاهر كلامه في الهداية والمذهب والمستوعب والوجيز أنه لا يجوز للتحلي لاقتصارهم على الوزن اللهم إلا أن يقال خرج كلامهم على الغالب لأن الغالب في الدراهم والدنانير أن لا يتحلى بها.
وقول صاحب الفروع للتجمل ليس المراد التحلي به لأن التجمل غير التحلي.
وأطلق في الفروع في إجارة النقد للتحلي والوزن الوجهين في كتاب الوقف.
قوله (فإن أطلق يعني الإجارة في النقد وقلنا بالصحة في التي قبلها لم يصح في أحد الوجهين).
وهو المذهب اختاره القاضي واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز وقدمه في الخلاصة والرعايتين والحاوي الصغير والفائق والفروع ذكره في كتاب الوقف.
والوجه الثاني يصح.
وينتفع بها في ذلك يعني في التحلي والوزن اختاره أبو الخطاب والمصنف وهو الصواب وقدمه في الشرح وأطلقهما في المذهب والمستوعب والتلخيص وشرح بن منجا والقواعد وعند القاضي يكون قرضا أيضا.
فعلى المذهب يكون قرضا قاله الأصحاب.
فائدة وكذا حكم المكيل والموزون والفلوس.
28

قاله في القاعدة الثامنة والثلاثين.
قوله (ويجوز استئجار ولده لخدمته وامرأته لرضاع ولده وحضانته).
يجوز استئجار ولده لخدمته قاله الأصحاب وقطعوا به.
قلت وفي النفس منه شيء بل الذي ينبغي أنها لا تصح ويجب عليه خدمته بالمعروف.
وأما استئجار امرأته لرضاع ولده فالصحيح من المذهب جوازه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به الخرقي وغيره.
قال المصنف والشارح هذا الصحيح من المذهب وهو من مفردات المذهب.
وقال القاضي لا يجوز وتأول كلام الخرقي على أنها في حبال زوج آخر.
قال الشيرازي في المنتخب إن استأجرها من هي تحته لرضاع ولده لم يجز لأنه استحق نفعها.
وعند الشيخ تقي الدين رحمه الله لا أجرة لها مطلقا.
ويأتي في باب نفقة الأقارب بأتم من هذا عند قوله وإن طلبت أجرة مثلها ووجد من يتبرع برضاعه فهي أحق.
فعلى المذهب لا فرق بين أن يكون الولد منها أو من غيرها ولا أن تكون في حباله أو لا.
ويأتي قريب من ذلك في آخر باب نفقة الأقارب والمماليك.
فائدة يجوز أن يستأجر أحد والديه للخدمة لكن يكره ذلك.
قوله (ولا يصح إلا بشروط خمسة أحدها أن يعقد على نفع).
29

العين دون أجزائها فلا تصح إجارة الطعام للأكل ولا الشمع ليشعله.
لا يجوز إجارة الشمع ليشعله على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله ليس هذا بإجارة بل هو إذن في الإتلاف وهو سائغ كقوله من ألقى متاعه.
قال في الفائق وهو المختار ثم قال قلت وهو مشابه لبيعه من الصبرة كل قفيز بكذا ولو أذن في الطعام بعوض كالشمع فمثله انتهى.
وقال في الفروع وجعله شيخنا يعني إجارة الشمع ليشعله مثل كل شهر بدرهم فمثله في الأعيان نظير هذه المسألة في المنافع ومثله كلما أعتقت عبدا من عبيدك فعلي ثمنه فإنه يصح وإن لم يبين العدد والثمن وهو إذن في الانتفاع بعوض واختار جوازه وأنه ليس بلازم بل جائز كجعالة وكقوله ألق متاعك في البحر وعلى ضمانه فإنه جائز ومن ألقى كذا فله كذا انتهى وتقدم في أول فصل المزارعة هل يجوز إجارة الشجرة بثمرها.
قوله (ولا حيوان ليأخذ لبنه إلا في الظئر ونقع البئر يدخل تبعا).
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا به.
وأما قوله إلا في الظئر ونقع البئر يدخل تبعا فتقدم في الظئر هل وقع العقد على اللبن ودخلت الحضانة تبعا أو عكسه في أول الباب.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله جواز إجارة قناة ماء مدة وماء فائض بركة رأياه وإجارة حيوان لأجل لبنه قام به هو أو ربه فإن قام عليها المستأجر وعلفها فكاستئجار الشجر وإن علفها ربها ويأخذ المشتري لبنا مقدرا.
30

فبيع محض وإن كان يأخذ اللبن مطلقا فبيع أيضا وليس هذا بغرر ولأن هذا يحدث شيئا فشيئا فهو بالمنافع أشبه فإلحاقه بها أولى ولأن المستوفى بعقد الإجارة على زرع الأرض هو عين من أعيان وهو ما يحدثه الله من الحب بسقيه وعمله وكذا مستأجر الشاة للبنها مقصودة ما يحدثه الله من لبنها بعلفها والقيام عليها فلا فرق بينهما والآفات والموانع التي تعرض للزرع أكثر من آفات اللبن ولأن الأصل في العقود الجواز والصحة قال وكظئر انتهى.
قوله (ونقع البئر يدخل تبعا).
هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب.
وقال في المبهج وغيره ماء بئر.
وقال في الفصول لا يستحق بالإجارة لأنه إنما يملكه بحيازته.
وذكر صاحب المحرر وغيره إن قلنا يملك الماء لم يجز مجهولا وإلا جاز ويكون على أصل الإباحة.
وقال في الانتصار قال أصحابنا ولو غار ماء دار مؤجرة فلا فسخ لعدم دخوله في الإجارة.
وقال في التبصرة لا يملك عينا ولا يستحقها بإجارة إلا نقع البئر في موضع مستأجر ولبن ظئر يدخلان تبعا.
تنبيه قال بن منجا في شرحه قول المصنف يدخل تبعا يحتمل أنه عائد إلى نقع البئر لأنه أفرد الضمير ويحتمل أنه عائد إلى الظئر ونقع البئر وبه صرح غيره قال إلا في الظئر ونقع البئر فإنهما يدخلان تبعا انتهى.
قلت ممن صرح بذلك صاحب المستوعب فإنه قال ولا يستحق بعقد الإجارة عين إلا في موضعين لبن الظئر ونقع البئر فإنهما يدخلان تبعا انتهى.
وكذا صاحب التبصرة لعدم ضبطه انتهى.
31

وقال في الرعاية الكبرى وقع العقد على المرضعة واللبن تبع يستحق إتلافه بالرضاع.
وقاله القاضي في الخصال وصححه بن عقيل في الفصول وقدمه في الشرح وشرح بن رزين كما تقدم في الظئر.
فعلى الاحتمال تكون الإجارة وقعت على اللبن وعلى الثاني يدخل اللبن تبعا وهما قولان تقدما.
فائدة ومما يدخل تبعا حبر الناسخ وخيوط الخياط وكحل الكحال ومرهم الطبيب وصبغ الصباغ ونحوه على الصحيح من المذهب قدمه في الرعايتين وجزم به في الحاوي الصغير في الحبر والخيوط وأطلق وجهين في الصبغ.
قال في الفروع ومن اكترى لنسخ أو خياطة أو كحل ونحوه لزمه حبر وخيوط وكحل.
وقيل يلزم ذلك المستأجر.
وقيل يتبع في ذلك العرف.
قال الزركشي يجوز اشتراط الكحل من الطبيب على الأصح لا الدواء اعتمادا على العرف وقطع بهذا في المغني والشرح.
قوله (الثاني معرفة العين برؤية أو صفة في أحد الوجهين).
وهو المذهب.
قال المصنف والشارح هذا المذهب والمشهور وصححه في التصحيح والنظم والهداية والمذهب والمستوعب وغيرهم وجزم به في الوجيز والخلاصة وغيرهما وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير وغيرهما.
وفي الآخر يجوز بدونه وللمستأجر خيار الرؤية.
32

واعلم أن الخلاف هنا مبني على الخلاف في البيع على ما تقدم.
قوله (ولا يجوز إجارة المشاع مفردا لغير شريكه).
هذا المذهب بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب.
قال المصنف في المغني قال أصحابنا ولا يجوز إجارة المشاع لغير الشريك إلا أن يؤجر الشريكان معا وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال في الفائق ولا يصح إجارة مشاع مفردا لغير شريك أو معه إلا بإذن.
قال في الرعاية لا يصح إلا لشريكه بالباقي أو معه لثالث انتهى.
وعنه ما يدل على جوازه.
اختاره أبو حفص العكبري وأبو الخطاب وصاحب الفائق والحافظ بن عبد الهادي في حواشيه وقدمه في التبصرة وهو الصواب.
وفي طريقه بعض الأصحاب ويتخرج لنا من عدم إجارة المشاع أن لا يصح رهنه وكذا هبته ويتوجه وقفه قال والصحيح هنا صحة رهنه وإجارته وهبته.
قال في الفروع وهذا التخريج خلاف نص الإمام أحمد في رواية سندي يجوز بيع المشاع ورهنه ولا يجوز أن يؤجر لأن الإجارة للمنافع ولا يقدر على الانتفاع.
فائدتان
إحداهما هل إجارة حيوان ودار لاثنين وهما لواحد مثل إجارة المشاع أو يصح هنا وإن منعنا في المشاع فيه وجهان وأطلقهما في الفروع وجعلهما في المغني والشرح وغيرهما مثله وجزم به في الوجيز.
33

وقيل يصح هنا وإن منعنا الصحة في المشاع.
الثانية قوله فلا تجوز إجارة بهيمة زمنة للحمل ولا أرض لا تنبت للزرع.
قال في الموجز ولا حمام لحمل الكتب لتعذيبه وفيه احتمال يصح ذكره في التبصرة.
قال في الفروع وهو أولى.
قوله (الخامس كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها).
وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب ويحتمل الجواز ويقف على إجازة المالك بناء على جواز بيع مال الغير بغير إذنه على ما تقدم في تصرف الفضولي في كتاب البيع.
قوله (فيجوز للمستأجر إجارة العين لمن يقوم مقامه ويجوز للمؤجر وغيره بمثل الأجرة وزيادة).
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
قال الزركشي هذا المذهب عند الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه لا تجوز إجارتها ذكرها القاضي.
وعنه لا تجوز إلا بإذنه.
وعنه لا تجوز بزيادة إلا بإذنه.
وعنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة وإلا فلا فإن فعل تصدق بها قاله في الرعاية وغيره.
فائدة قال في التلخيص في أول الغصب ليس لمستأجر الحر أن يؤجره.
34

من آخر إذا قلنا لا تثبت يد غيره عليه وإنما هو يسلم نفسه وإن قلنا تثبت صح انتهى.
قلت فعلى الأول يعايى بها ويستثنى من كلام من أطلق.
تنبيهان
أحدهما الذي ينبغي أن تقيد هذه المسألة فيما إذا أجرها لمؤجرها بما إذا لم يكن حيلة فإن كان حيلة لم يجز قولا واحدا ولعله مراد الأصحاب وهي شبيهة بمسألة العينة وعكسها.
الثاني ظاهر كلام المصنف جواز إجارتها سواء كان قبضها أو لا وهو صحيح وهو المذهب على ما اصطلحناه وقدمه في الفروع.
وقيل ليس له ذلك قبل قبضها جزم به في الوجيز.
وقيل تجوز إجارتها للمؤجر دون غيره قدمه في الرعايتين والحاوي.
وصححوا في غير المؤجر أنه لا يصح وأطلقهن في المغني والشرح وقالا أصل الوجهين بيع الطعام قبل قبضه هل يصح من بائعه أم لا على ما تقدم والمذهب عدم الجواز هناك فكذا هنا فيكون ما قاله في الوجيز والمذهب وظاهر كلامه في الفروع عدم البناء والصواب البناء وهو أظهر وليست شبيهة ببيع الطعام قبل قبضه فيما يظهر بل ببيع العقار قبل قبضه.
قوله (وللمستعير إجارتها إذا أذن له المعير مدة بعينها).
يعني أذن له في إجارتها وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والتلخيص وشرح بن منجا والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وغيرهم.
وقال في الرعاية الكبرى ولا يصح إيجار معار.
وقيل إلا أن يأذن ربه في مدة معلومة.
35

قوله (ويجوز إجارة الوقف فإن مات المؤجر فانتقل إلى من بعده لم تنفسخ الإجارة في أحد الوجهين).
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والمغني والكافي والتلخيص والبلغة والشرح وشرح بن منجا والفائق والزركشي وتجريد العناية.
أحدهما لا تنفسخ بموت المؤجر وهو المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة.
كما لو عزل الولي وناظر الوقف وكملكه المطلق قاله المصنف وغيره صححه في التصحيح والنظم وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى وشرح بن رزين.
قال القاضي في المجرد هذا قياس المذهب.
والوجه الثاني تنفسخ جزم به القاضي في خلافه وأبو الحسين أيضا وحكياه عن أبي إسحاق بن شاقلا واختاره بن عقيل وبن عبدوس في تذكرته والشيخ تقي الدين وغيرهم.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله هذا أصح الوجهين.
قال القاضي هذا ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية صالح.
قال بن رجب في قواعده وهو المذهب الصحيح لآن الطبقة الثانية تستحق العين بمنافعها تلقيا عن الواقف بانقراض الطبقة الأولى وقدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
قلت وهو الصواب وهو المذهب قال الناظم.
ولو قيل أن يؤجره ذو نظر من المحبس * لم يفسخ فقط لم أبعد.
وقيل تبطل الإجارة وهو تخريج للمصنف في المغني من تفريق الصفقة.
قال في القاعدة السادسة والثلاثين لكن الأجرة إن كانت مقسطة على.
36

أشهر مدة الإجارة أو أعوامها فهي صفقات متعددة على أصح الوجهين فلا تبطل جميعها ببطلان بعضها وإن لم تكن مقسطة فهي صفقة واحدة فيطرد فيها الخلاف المذكور انتهى.
وقال في الفائق قلت وتخرج الصحة بعد الموت موقوفة لا لازمة وهو المختار انتهى.
تنبيهات.
أحدها قال في الفروع ويتوجه مثله فيما إذا أجره ثم وقفه.
الثاني قال العلامة بن رجب في قواعده اعلم أن في ثبوت الوجه الأول نظرا لأن القاضي إنما فرضه فيما إذا أجر الموقوف عليه لكون النظر له مشروطا وهذا محل تردد أعني إذا أجر بمقتضى النظر المشروط له هل يلحق بالناظر العام فلا ينفسخ بموته أم لا فإن من أصحابنا المتأخرين من ألحقه بالناظر العام انتهى.
الثالث محل الخلاف المتقدم إذا كان المؤجر هو الموقوف عليه بأصل الاستحقاق.
فأما إن كان المؤجر هو الناظر العام ومن شرط له وكان أجنبيا لم تنفسخ الإجارة بموته قولا واحدا قاله المصنف والشارح والشيخ تقي الدين والشيخ زين الدين بن رجب وغيرهم.
وقال بن رجب أما إذا شرطه للموقوف عليه أو أتى بلفظ يدل على ذلك فأفتى بعض المتأخرين بإلحاقه بالحاكم ونحوه وأنه لا ينفسخ قولا واحدا وأدخله بن حمدان في الخلاف.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وهو الأشبه.
الرابع محل الخلاف أيضا عند بن حمدان في رعايتيه وغيره إذا أجره.
37

مدة يعيش فيها غالبا فأما إن أجره مدة لا يعيش فيها غالبا فإنها تنفسخ قولا واحدا وما هو ببعيد.
فعلى الوجه الأول من أصل المسألة يستحق البطن الثاني حصته من الأجرة من تركه المؤجر إن كان قبضها وإن لم يمكن قبضها فعلى المستأجر.
وعلى الوجه الثاني يرجع المستأجر على ورثة المؤجر القابض.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله إن كان قبضها المؤجر رجع بذلك في تركته فإن لم تكن تركة فأفتى بعض أصحابنا بأنه إذا كان الموقوف عليه هو الناظر فمات فللبطن الثاني فسخ الإجارة والرجوع بالأجرة على من هو في يده انتهى.
وقال أيضا والذي يتوجه أولا أنه لا يجوز سلف الأجرة للموقوف عليه لأنه لا يستحق المنفعة المستقبلة ولا الأجرة عليها فالتسليف لهم قبض ما لا يستحقونه بخلاف المالك وعلى هذا فللبطن الثاني أن يطالبوا بالأجرة المستأجر لأنه لم يكن له التسليف ولهم أن يطالبوا الناظر انتهى.
فائدة قال بن رجب بعد ذكر هذه المسألة وهكذا حكم المقطع إذا أجر إقطاعه ثم انتقلت عنه إلى غيره بإقطاع آخر.
قوله (وإن أجر الولي اليتيم أو أجر ماله أو السيد العبد ثم بلغ الصبي وعتق العبد لم تنفسخ الإجارة).
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم منهم صاحب الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم ذكروه في باب الحجر.
ويحتمل أن ينفسخ وهو وجه في الصبي وتخريج في العبد من الصبي.
قال في القاعدة الرابعة والثلاثين وعند الشيخ تنفسخ إلا أن يستثنيها في العتق فإن له استثناء منافعه بالشروط والاستثناء الحكمي أقوى بخلاف الصبي إذا بلغ ورشد فإن الولي تنقطع ولايته عنه بالكلية.
38

فعلى المذهب لا يرجع العتيق على سيده بشيء من الأجرة على الصحيح من المذهب.
وقيل يرجع بحق ما بقي كما تلزمه نفقته إن لم يشترطها على مستأجره.
قال في الفروع ويتوجه مثله فيما إذا أجره ثم وقفه.
تنبيه محل الخلاف فيما إذا لم يعلم بلوغه عند فراغها فأما إن أجره مدة يعلم بلوغه فيها فإنها تنفسخ على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وهو احتمال في المغني والشرح.
وقيل لا تنفسخ أيضا.
وقدمه في القاعدة السادسة والثلاثين وقال هذا الأشهر واختاره القاضي وأصحابه.
قلت وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وظاهر ما قدمه الشارح.
قلت ويلحق به العبد إذا علم عتقه في المدة التي وقعت عليها الإجارة.
ويتصور ذلك بأن يعلق عتقه على صفة توجد في مدة الإجارة ولم أره للأصحاب وهو واضح ثم رأيته في الرعاية الكبرى صرح بذلك.
فائدتان
إحداهما لو ورث المأجور أو اشترى أو اتهب أو وصى له بالعين أو أخذ صداقا أو أخذه الزوج عوضا عن خلع أو صلحا أو غير ذلك فالإجارة بحالها قطع به في القاعدة السادسة والثلاثين.
قلت وقد صرح به المصنف وغيره من الأصحاب حيث قالوا ويجوز بيع العين المستأجرة ولا تنفسخ الإجارة إلا أن يشتريها المستأجر.
الثانية يجوز إجارة الإقطاع كالوقف قاله الشيخ تقي الدين وقال لم يزل يؤجر من زمن الصحابة إلى الآن قال وما علمت أحدا من علماء.
39

الإسلام الأئمة الأربعة ولا غيرهم قال إجارة الإقطاع لا تجوز حتى حدث في زماننا فابتدع القول بعدم الجواز.
واقتصر عليه في الفروع.
وقال بن رجب في القواعد وأما إجارة إقطاع الاستغلال التي موردها منفعة الأرض دون رقبتها فلا نقل فيها نعلمه وكلام القاضي يشعر بالمنع لأنه جعل مناط صحة الإجارة للمنافع لزوم العقد وهذا منتف في الإقطاع انتهى.
فعلى ما قاله الشيخ تقي الدين لو أجره ثم استحقت الإقطاع لآخر فذكر في القواعد أن حكمه حكم الوقف إذا انتقل إلى بطن ثان وأن الصحيح تنفسخ.
قوله (ويشترط كون المدة معلومة).
بلا نزاع في الجملة.
لكن لو علقها على ما يقع اسمه على شيئين كالعيد وجمادى وربيع فهل يصح ويصرف إلى الأول أو لا يصح حتى يعين فيه وجهان.
الأول اختيار المصنف وجماعة من الأصحاب.
الثاني اختيار القاضي.
قلت وهو الصواب وأطلقهما الزركشي وقد تقدم نظير ذلك في السلم وأن الصحيح عدم الصحة.
قوله (يغلب على الظن بقاء العين فيها وإن طالت).
هذا المذهب المشهور بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل لا يجوز إجارتها أكثر من سنة قاله بن حامد واختاره.
وقيل تصح ثلاث سنين لا غير.
وقيل ثلاثين سنة ذكره القاضي قال في الرعاية نص عليه.
40

وقيل لا تبلغ ثلاثين سنة.
فائدة ليس لوكيل مطلق إيجار مدة طويلة بل العرف كسنتين ونحوهما قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.
قلت الصواب الجواز إن رأى في ذلك مصلحة وتعرف بالقرائن والذي يظهر أن الشيخ تقي الدين لا يمنع.
تنبيهات.
الأول قال في الفروع بعد حكاية هذه الأقوال وظاهره ولو ظن عدم العاقد ولو مدة لا يظن فناء الدنيا فيها.
وفي طريقة بعض الأصحاب في السلم الشرع يراعي الظاهر ألا ترى أنه لو اشترط أجلا تفي به مدته صح ولو اشترط مائتين أو أكثر لم يصح.
الثاني قوله ولا يشترط أن يلي العقد فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح سواء كانت العين مشغولة وقت العقد أو لم تكن.
وسواء كانت مشغولة بإجارة أو غيرها.
ويأتي كلام بن عقيل وغيره قريبا وهو صحيح لكن لو كانت مرهونة ففيه خلاف يأتي بيانه وتصحيحه بعد ذلك.
إذا علمت ذلك فقال بعض الأصحاب إذا أجره وكانت العين مشغولة صح إن ظن التسليم عند وجوبه وقدمه في الفروع.
وقال في الرعاية الكبرى صح إن أمكن تسليمه في أولها.
وقال المصنف وغيره في أثناء بحث لهم تشترط القدرة على التسليم عند وجوبه ولا فرق بين كونها مشغولة أو لا كالسلم فإنه لا يشترط وجود القدرة عليه حال العقد.
41

وقال بن عقيل في الفصول أو الفنون لا يتصرف مالك العقار في المنافع بإجارة ولا إعارة إلا بعد انقضاء المدة واستيفاء المنافع المستحقة عليه بعقد الإجارة لأنه ما لم تنقض المدة له حق الاستيفاء فلا تصح تصرفات المالك في محبوس بحق لأنه يتعذر التسليم المستحق بالعقد انتهى.
قال في الفروع فمراد الأصحاب متفق وهو أنه يجوز إجارة المؤجر ويعتبر التسليم وقت وجوبه انتهى.
الثالث ظاهر كلام بن عقيل السابق أنه لا يجوز إجارة العين إذا كانت مشغولة.
وقد قال في الفائق ظاهر كلام أصحابنا عدم صحة إجارة المشغول بملك غير المستأجر وقال شيخنا يجوز في أحد القولين وهو المختار انتهى.
وقد قال الشيخ تقي الدين رحمه الله فيمن استأجر أرضا من جندي وغرسها قصبا ثم انتقل الإقطاع عن الجندي إن الجندي الثاني لا يلزمه حكم الإجارة الأولى وأنه إن شاء أن يؤجرها لمن له فيها القصب أو لغيره انتهى.
قلت قال شيخنا الشيخ تقي الدين البعلي ظاهر كلام الأصحاب صحة إجارة المشغول بملك لغير المستأجر من إطلاقهم جواز الإجارة المضافة فإن عموم كلامهم يشمل المشغولة وقت الفراغ بغراس أو بناء أو غيرهما انتهى.
وقال في الفروع لا يجوز للمؤجر إجارة العين المشغولة بغراس الغير أو بنائه إلا بعد فراغ مدة صاحب الغراس والبناء.
وقال أيضا لا يجوز إجارة لمن يقوم مقام المؤجر كما يفعله بعض الناس.
قال وأفتى جماعة من أصحابنا وغيرهم في هذا الزمان أن هذا لا يصح وهو واضح ولم أجد في كلامهم ما يخالف هذا.
قال ومن العجب قول بعضهم في هذا الزمان الذي يخطر بباله من كلام أصحابنا أن هذه الإجارة تصح كذا قال انتهى.
42

وقد قال الشيخ تقي الدين رحمه الله فيما حكى عنه في الاختيارات ويجوز للمؤجر إجارة العين المؤجرة من غير المستأجر في مدة الإجارة ويقوم المستأجر الثاني مقام المالك في استيفاء الأجرة من المستأجر الأول وغلط بعض الفقهاء فأفتى في نحو ذلك بفساد الإجارة الثانية ظنا منه أن هذا كبيع المبيع وأنه تصرف فيما لا يملك وليس كذلك بل هو تصرف فيما استحقه على المستأجر.
وأما إن كانت مرهونة وقت عقد الإجارة ففي صحتها وجهان وأطلقهما في الفروع.
قال في الرعاية الكبرى وإن أجره مدة لا تلي العقد صح إن أمكن التسليم في أولها.
ثم قال قلت فإن كان ما أجره مرهونا وقت العقد لا وقت التسليم المستحق بالأجرة احتمل وجهين انتهى.
قلت إن غلب على الظن القدرة على التسليم وقت وجوبه صحت وإلا فلا.
وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وداخل في عموم كلامهم.
وتقدم في الرهن أن الراهن والمرتهن إذا اتفقا على إيجار المرهون جاز وإن اختلفا تعطل على الصحيح من المذهب.
وقال في الكافي وإذا اتفقا على إجارته أو إعارته جاز في قول الخرقي وأبي الخطاب.
وقال أبو بكر يجوز إجارته.
وقال بن أبي موسى إذا أذن الراهن للمرتهن في إعارته أو إجارته جاز والأجرة رهن وإن أجره الراهن بإذن المرتهن خرج من الرهن في أحد الوجهين وفي الآخر لا يخرج.
تنبيه محل هذا الخلاف إذا كان الرهن لازما أما إن كان غير لازم فيصح إجارته قولا واحدا.
وتقدم في الرهن هل يدوم لزومه بإجارته أم لا.
43

قوله (وإن أجره في أثناء شهر سنة استوفى شهرا بالعدد وسائرها بالأهلة وكذلك الحكم في كل ما يعتبر فيه الأشهر كعدة الوفاة وشهري صيام الكفارة).
وكذا النذر وكذا مدة الخيار وغير ذلك وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه في النذر وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح والمحرر والفروع والرعايتين وغيرهم.
وعنه يستوفي الجميع بالعدد.
وعند الشيخ تقي الدين رحمه الله إلى مثل تلك الساعة.
تنبيه قوله استوفى شهرا بالعدد.
يعني ثلاثين يوما جزم به في الفروع وقال نص عليه في نذر وصوم وجزم به في الرعاية أيضا وغيرهما.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله إنما يعتبر الشهر الأول بحسب تمامه ونقصانه فإن كان تاما كمل تاما وإن كان ناقصا كمل ناقصا.
ويأتي نظير ذلك في باب الطلاق في الماضي والمستقبل عند قوله وإن قال إذا مضت سنة فأنت طالق طلقت إذا مضى اثنا عشر شهرا بالأهلة ويكمل الشهر الذي حلف في أثنائه بالعدد.
فائدة قوله الضرب الثاني عقد على منفعة في الذمة مضبوطة بصفات كالسلم كخياطة ثوب وبناء دار وحمل إلى موضع معين.
هذا صحيح بلا نزاع ويلزمه الشروع فيه عقب العقد فلو ترك ما يلزمه قال الشيخ تقي الدين رحمه الله بلا عذر فتلف ضمن بسببه وله الاستنابة فإن مرض أو هرب اكترى من يعمل عليه فإن شرط مباشرته له بنفسه فلا ولا استنابه إذن.
44

نقل حرب فيمن دفع إلى خياط ثوبا ليخيطه فقطعه ودفعه إلى خياط آخر قال لا إن فعل ضمن.
قال المصنف في المغني والشارح فإن اختلف القصد كنسخ كتاب لم يلزم الأجير أن يقيم مقامه ولو أقام مقامه لم يلزم المكترى قبوله فلو تعذر فعل الأجير بمرض أو غيره فله الفسخ.
ويأتي ذلك في قوله ومن استؤجر لعمل شيء فمرض.
قوله (ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في هذا اليوم).
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقدموه ويحتمل أن يصح وهو رواية كالجعالة على أصح الوجهين فيها.
قال في التبصرة وإن اشترط تعجيل العمل في أقصى ممكن فله شرطه وأطلق الروايتين في المحرر.
فعلى الصحة لو أتمه قبل فراغ المدة فلا شيء عليه ولو مضت المدة قبله فله الفسخ قاله في الفائق وغيره.
قوله (ولا يصح الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة).
يعني بكونه مسلما ولا يقع إلا قربه لفاعله كالحج أي النيابة فيه والعمرة والأذان ونحوهما كالإقامة وإمامة صلاة وتعليم القرآن.
قال في الرعاية والقضاء وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال بن منجا وغيره هذا أصح وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه يصح كأخذه بلا شرط نص عليه.
45

وقال في الرعاية قبيل صلاة المريض ويكره أخذ الأجرة على الإمامة بالناس وعنه يحرم انتهى.
واختار بن شاقلا الصحة في الحج لأنه لا يجب على أجير بخلاف أذان ونحوه.
وذكر في الوسيلة الصحة عنه وعن الخرقي لكن الإمام أحمد رحمه الله منع الإمامة بلا شرط أيضا.
وقيل يصح للحاجة ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله واختاره.
وقال لا يصح الاستئجار على القراءة وإهدائها إلى الميت لأنه لم ينقل عن أحد من الأئمة الإذن في ذلك.
وقد قال العلماء إن القارئ إذا قرأ لأجل المال فلا ثواب له فأي شيء يهدي إلى الميت وإنما يصل إلى الميت العمل الصالح والاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الأئمة وإنما تنازعوا في الاستئجار على التعليم.
والمستحب أن يأخذ الحاج عن غيره ليحج لا أن يحج ليأخذ فمن أحب إبراء ذمة الميت أو رؤية المشاعر يأخذ ليحج ومثله كل رزق أخذ على عمل صالح يفرق بين من يقصد الدين فقط والدنيا وسيلة وعكسه فالأشبه أن عكسه ليس له في الآخرة من خلاق.
قال وحجه عن غيره ليستفضل ما يوفي دينه الأفضل تركه لم يفعله السلف ويتوجه فعله لحاجة قاله صاحب الفروع ونصره بأدلة.
ونقل بن هانئ فيمن عليه دين وليس له ما يحج أيحج عن غيره ليقضي دينه قال نعم.
فوائد
الأولى تعليم الفقه والحديث ملحق بما تقدم على الصحيح اختاره القاضي في الخلاف وبن عبدوس في تذكرته
وجزم به في المحرر والهداية والمذهب.
46

والمستوعب والخلاصة وغيرهم وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
وقيل يصح هنا وإن منعنا فيما تقدم جزم به في الوجيز وشرح بن رزين واختاره المصنف والشارح وهو المذهب على المصطلح وأطلقهما في الفروع.
الثانية لا بأس بأخذ أجرة على الرقية نص عليه قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله وغيره.
الثالثة يجوز أخذ الجعالة على ذلك كله على الصحيح من المذهب وقطع به جماعة وقدمه في الفروع وغيره.
قال المصنف فيه وجهان وهو ظاهر الترغيب وغيره.
وقال في المنتخب الجعل في الحج كالأجرة.
الرابعة يحرم أخذ أجرة وجعالة على ما لا يتعدى نفعه كصوم وصلاة خلفه ونحوهما.
الخامسة يجوز أخذ الرزق على ما يتعدى نفعه على الصحيح من المذهب.
وقال بن عقيل في التذكرة لا يجوز أخذ الرزق على الحج والغزو والصلاة والصيام.
وذكر نحوه القاضي في الخصال وصاحب التلخيص وذكره في التعليق.
ونقل صالح وحنبل لا يعجبني أن يأخذ ما يحج به إلا أن يتبرع وتقدم كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله فيمن أخذ ليحج قريبا.
قوله (وإن استأجره ليحجمه صح).
هذا المذهب اختاره المصنف والشارح وأبو الخطاب وغيرهم وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وهو من مفردات المذهب.
وعنه لا يصح اختاره القاضي والحلواني.
47

قال الزركشي هو قول القاضي وجمهور أصحابه.
قال في التلخيص وهو المنصوص وقدمه في المستوعب والفائق وأطلقهما في المذهب والخلاصة والرعايتين والحاوي الصغير.
قوله (ويكره للحر أكل أجرته).
يعني على القول بصحة الاستئجار عليه إلا إذا أعطى من غير شرط ولا إجارة.
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والمحرر والوجيز وغيرهم وصححه في المستوعب وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه يحرم مطلقا واختار القاضي في التعليق أنه يحرم أكله على سيده.
فائدتان
إحداهما يكره أخذ ما أعطاه بلا شرط على الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع.
واختار القاضي وغيره يطعمه رقيقه وناضحه.
وعنه يحرم وجوزه الحلواني وغيره لغير حر.
قلت وهو الصواب.
فعلى المذهب يحرم أكله على إحدى الروايتين.
قال القاضي لو أعطى شيئا من غير عقد ولا شرط كان له أخذه ويصرفه في علف دوابه ومؤنة صناعته ولا يحل أكله.
قال الزركشي اختار تحريم أكله القاضي وطائفة من أصحابه وقدمه ناظم المفردات وعنه يكره أكله.
فعلى رواية تحريم أكله ظاهر كلام القاضي في التعليق وصاحب التلخيص.
48

تحريمه على كل الأحرار وصرح القاضي في الروايتين أنه لا يحرم على غير الحاجم.
الثانية يجوز استئجاره لغير الحجامة كالفصد وحلق الشعر وتقصيره والختان وقطع شيء من جسده للحاجة إليه قاله الأصحاب.
قلت لو خرج في الفصد من الحجامة لما كان بعيدا وكذلك التشريط كالصوم.
قوله (وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله).
يجوز للمستأجر إعارة المأجور لمن يقوم مقامه من دار وحانوت ومركوب وغير ذلك بشرط أن يكون الراكب الثاني مثل الأول في الطول والقصر على الصحيح من المذهب اختاره القاضي وقدمه في الفروع.
وقيل لا يشترط ذلك اختاره المصنف والشارح.
والصحيح من المذهب أنه لا يشترط المعرفة بالمركوب.
قال في الفروع لا تعتبر المعرفة بالمركوب في الأصح وقدمه في المغني والشرح ونصراه.
وقيل تشترط اختاره القاضي.
تنبيه ظاهر قول المصنف وبمثله جواز إعارة المأجور لمن يقوم مقامه ولو شرط المؤجر عليه استيفاء المنفعة بنفسه وهو الصحيح من المذهب.
قال المصنف والشارح قياس قول أصحابنا صحة العقد وبطلان الشرط وقدمه في الفروع وهو احتمال في الرعاية.
وقيل يصح الشرط أيضا وهو احتمال المصنف وقدمه في الرعاية الكبرى وقيل لا يصح العقد.
فائدتان
إحداهما لو أعار المستأجر العين المأجورة فتلفت عند المستعير من غير تفريط لم يضمنها على الصحيح من المذهب.
49

قال في التلخيص ولا ضمان على المستعير من المستأجر في الأصح واقتصر عليه في القواعد الفقهية وقدمه في الرعاية الكبرى في باب العارية.
قلت فيعايى بها وقيل يضمنها وأطلقهما في الفروع.
الثانية لو اكتراها ليركبها إلى موضع معين أو يحمل عليها إليه فأراد العدول إلى مثلها في المسافة والحزونة والأمن أو التي يعدل إليها أقل ضررا جاز على الصحيح من المذهب اختاره القاضي وقدمه في الفروع.
قال في الرعاية الصغرى جاز في الأشهر وجزم به في الحاوي الصغير.
وقال المصنف لا يجوز.
وإن سلك أبعد منه أو أشق فأجره المثل قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
وقيل المسمى وأجرة الزائد والمشقة.
قال الشارح وهو قياس المنصوص.
قوله (ولا يجوز بمن هو أكبر ضررا منه ولا بمن يخالف ضرره ضرره).
بلا نزاع في الجملة.
تنبيه قوله وله أن يستوفي المنفعة وما دونها في الضرر من جنسها فإذا اكترى لزرع حنطة فله زرع الشعير ونحوه وليس له زرع الدخن ونحوه ولا يملك الغرس ولا البناء.
فإن فعل لزمه أجرة المثل وإن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر وإن اكتراها للغرس ملك الزرع وهذا المذهب.
وقال في الرعاية وإن اكتراها لغرس أو بناء لم يملك الآخر فإن فعل فأجرة المثل وله الزرع بالمسمى.
50

وقيل لا زرع له مع البناء.
فائدة لو قال أجرتكها لتزرعها أو تغرسها لم يصح قطع به كثير من الأصحاب لأنه لم يعين أحدهما منهم المصنف والشارح.
وقال في الرعاية الكبرى وإن قال لتزرع أو تغرس ما شئت زرع أو غرس ما شاء.
وقيل لا يصح للتردد انتهى.
وإن قال لتزرعها ما شئت وتغرسها ما شئت صح قطع به المصنف والشارح ونصراه وقالا له أن يزرعها كلها وأن يغرسها كلها.
وقال في الرعاية الكبرى وإن قال لتزرع وتغرس ما شئت ولم يبين قدر كل منهما لم يصح.
وقيل يصح وله ما شاء منهما انتهى.
وإن قال لتنتفع بها ما شئت فله الزرع والغرس والبناء كيف شاء قاله في الرعاية الكبرى وغيره واختاره الشيخ تقي الدين كما تقدم.
وتقدم إذا قال إن زرعتها كذا فبكذا وإن زرعتها كذا فبكذا عند قوله إن خطته روميا فبكذا وإن خطته فارسيا فبكذا.
وتقدم بعض أحكام الزرع والغرس والبناء في الباب عند قوله وإجارة أرض معينة لزرع كذا أو غرس أو بناء معلوم فليعاود فإن عادة المصنفين ذكره هنا.
قوله (فإن فعل فعليه أجرة المثل).
يعني إذا فعل ما لا يجوز فعله من زرع وبناء وغرس وركوب وحمل ونحوه فقطع المصنف أن عليه أجرة المثل يعني للجميع وهو اختيار أبي بكر قاله القاضي.
51

واختاره أيضا بن عقيل والمصنف والشارح وجزم به في العمدة والشرح وشرح بن منجا وقدمه في الفائق.
والصحيح من المذهب أنه يلزمه المسمى مع تفاوتهما في أجرة المثل نص عليه وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع والمحرر وهو قول الخرقي والقاضي وغيرهما.
وكلام أبي بكر في التنبيه موافق لهذا قاله في القواعد.
وقال في الرعاية الكبرى وإن أجرها للزرع فغرس أو بنى لزمه أجرة المثل وإن أجرها لغرس أو بناء لم يملك الآخر فإن فعل فأجرة المثل.
وإن أجرها لزرع شعير لم يزرع دخنا فإن فعل غرم أجره المثل للكل.
وقيل بل المسمى وأجرة المثل لزيادة ضرر الأرض.
وقيل هو كغاصب وكذا لو أجرها لزرع قمح فزرع ذرة ودخنا انتهى ذكره متفرقا.
واستثنى المصنف وتبعه الشارح واقتصر عليه الزركشي من محل الخلاف لو اكترى لحمل حديد فحمل قطنا أو عكسه أنه يلزمه أجرة المثل بلا نزاع.
قوله (وإن اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه أو إلى موضع فجاوزه فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد).
ذكره الخرقي وهو المذهب جزم به في المحرر والعمدة وتجريد العناية وقطع به الأصحاب في الثانية.
وقدمه في المغني والشرح والفروع والرعايتين والحاوي الصغير.
وقال أبو بكر عليه أجرة المثل للجميع جزم به في الوجيز.
تنبيه ظاهر كلام المصنف أن أبا بكر قاله في المسألتين أعني إذا اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه أو إلى موضع فجاوزه.
52

والذي نقله القاضي عن أبي بكر ونقله الأصحاب منهم المصنف في المغني والشارح وصاحب الفروع وغيرهم إنما هو في مسألة من اكترى لحمولة شيء فزاد عليه فقط.
فلذلك قال الزركشي ولا عبرة بما أوهمه كلام أبي محمد في المقنع من وجوب أجرة المثل على قول أبي بكر فيما إذا اكترى لموضع فجاوزه ولا ما اقتضاه كلام بن حمدان من وجوب ما بين القيمتين على قول وأجرة المثل على قول آخر فإن القاضي قال لا يختلف أصحابنا في ذلك وقد نص عليه الإمام أحمد انتهى.
والذي يظهر أن المصنف تابع أبا الخطاب في الهداية فإنه ذكر كلام أبي بكر بعد المسألتين إلا أن كلامه في الهداية أوضح فإنه ذكر مسألة أبي بكر أخيرا والمصنف ذكرها أولا فحصل الإيهام.
وقال المصنف في المغني والشارح وحكى القاضي أن قول أبي بكر في مسألة من اكترى لحمولة شيء فزاد عليه وجوب أجر المثل في الجميع وأخذه من قوله فيمن استأجر أرضا ليزرعها شعيرا فزرعها حنطة فقال عليه
أجرة المثل للجميع لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره فأشبه ما لو استأجر أرضا زرع أخرى.
قالا فجمع القاضي بين مسألة الخرقي ومسألة أبي بكر.
وقالا ينقل قول كل واحد من إحدى المسألتين إلى الأخرى لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز فيكون في المسألة وجهان.
قالا وليس الأمر كذلك فإن بين المسألتين فرقا ظاهرا وذكراه انتهيا.
قوله (وإن تلفت ضمن قيمتها).
قال المصنف ظاهر كلام الخرقي وجوب قيمتها إذا تلفت به سواء تلفت في الزيادة أو بعد ردها إلى المسافة وسواء كان صاحبها مع المكتري أو لم يكن.
وقطع به في المستوعب والحاوي والشرح وغيرهم.
53

قال في الفروع ويلزمه قيمة الدابة إن تلفت.
قال الزركشي لما قال الخرقي وإن تلفت فعليه أيضا ضمانها يعني إذا تلفت في مدة المجاوزة.
قال في الوجيز وإن تلفت ضمن قيمتها بعد تجاوز المسافة.
قال في الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم وإن تلفت في حال زيادة الطريق فعليه كمال قيمتها.
وقال القاضي ان كان المكتري نزل عنها وسلمها إلى صاحبها ليمسكها أو يسقيها فتلفت فلا ضمان على المكتري.
وقال المصنف أيضا إذا تلفت في حال التعدي ولم يكن صاحبها مع راكبها فلا خلاف في ضمانها بكمال قيمتها وكذا إذا تلفت تحت الراكب أو تحت حمله وصاحبها معها.
فأما إن تلفت في يد صاحبها بعد نزول الراكب عنها فإن كان بسبب تعبها بالحمل والسير فهو كما لو تلفت تحت الحمل والراكب وإن تلفت بسبب آخر فلا ضمان فيها وقطع به في الفروع وغيره.
قال في القاعدة الثامنة والعشرين ضمنها بكمال القيمة ونص عليه في الزيادة على المدة.
وخرج الأصحاب وجها بضمان النصف من مسألة الحد.
قوله (إلا أن تكون في يد صاحبها فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين).
وهما احتمالان مطلقان في الهداية وأطلقهما في المذهب والمستوعب ومسبوك الذهب.
أحدهما يضمن قيمتها كلها وهو المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي.
54

والقاضي في التعليق والشريف وأبي الخطاب في خلافيهما والشيرازي وبن البنا والمجد.
وقال أبو المعالي في النهاية هذا المذهب وجزم به في الوجيز والمجرد للقاضي وقدمه في الخلاصة والفروع والرعايتين والحاوي الصغير والشرح.
والوجه الثاني يضمن نصف قيمتها فقط.
وقال في التلخيص إن تلفت بفعل الله لم يضمن وإن تلفت بالحمل ففي تكميل الضمان وتنصيفه وجهان.
واختار في الرعاية أنه إن زاد في الحمل ضمن نصفها مطلقا وإن زاد في المسافة ضمن الكل إن تلفت حال الزيادة وإلا هدر.
وعن القاضي في الشرح الصغير لا ضمان عليه البتة.
وقال القاضي أيضا إن كان المكتري نزل عنها وسلمها لصاحبها ليمسكها أو يسقيها فتلفت لم يضمن وإن هلكت والمكتري راكبها أو حمله عليها ضمنها.
ووافقه في المغني والفروع على ذلك إلا أنهما استثنيا ما إذا تلفت في يد مالكها بسبب تعبها من الحمل والسير كما تقدم.
قال في التصحيح يضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين وفي الآخر يضمن جميع قيمتها وهو الصحيح إذا تلفت بسبب تعبها بالحمل والسير.
ويأتي نظير ذلك إذا زاد سوطا على الحد ومسائل أخرى هناك فليراجع في أوائل كتاب الحدود.
تنبيه دخل في قوله إذا اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه.
لو اكتراها ليركبها وحده فركبها معه آخر فتلفت وصرح به في القواعد.
قوله (ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل).
55

ورحله وحزامه والشد عليه وشد الأحمال والمحامل والرفع والحط.
وكذلك كل ما يتوقف النفع عليه كتوطئة مركوب عادة والقائد والسائق وهذا كله بلا نزاع في الجملة.
ولا يلزم المؤجر المحمل والمظلة والوطاء فوق الرحل وحبل قران بين المحملين.
قال في الترغيب وعدل لقماش على مكري إن كانت في الذمة.
وقال المصنف والشارح إنما يلزم المكري ما تقدم ذكره إذا كان الكراء على أن يذهب معه المكتري فأما إن كان على أن يتسلم الراكب البهيمة ليركبها بنفسه فكل ذلك عليه انتهيا.
قلت الأولى أن يرجع في ذلك إلى العرف والعادة ولعله مرادهم.
فائدة أجرة الدليل على المكتري على الصحيح قدمه في المغني والشرح وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
وقيل إن كان اكترى منه بهيمة بعينها فأجرة الدليل على المكتري وإن كانت الإجارة على حمله إلى مكان معين في الذمة فهي على المكري وجزم به في عيون المسائل لأنه التزم أن يوصله.
وجزم به في الرعاية الكبرى أيضا.
قلت ينبغي أيضا أن يرجع في ذلك إلى العرف والعادة.
تنبيه مفهوم قوله ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض.
أنه لا يلزمه ذلك لينزل لسنة راتبة وهو صحيح وهو المذهب جزم به في المغني والشرح والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقال جماعة من الأصحاب يلزمه أيضا.
فوائد
الأولى يلزم المؤجر أيضا لزوم البعير إذا عرضت للمستأجر حاجة.
56

لنزوله وتبريك البعير للشيخ الضعيف والمرأة والسمين وشبههم لركوبهم ونزولهم ويلزمه ذلك أيضا لمرض طال على الصحيح من المذهب جزم به في المغني والشرح والرعاية الكبرى وشرح بن رزين.
وقيل لا يلزمه وأطلقهما في الفروع.
الثانية لا يلزم الراكب الضعيف والمرأة المشي المعتاد عند قرب المنزل.
وهل يلزم غيرهما فيه وجهان وأطلقهما في المغني والشرح والفروع.
أحدهما لا يلزمه وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وقدمه بن رزين في شرحه وهو الصواب لكن المروءة تقتضي فعل ذلك.
والثاني يلزمه.
قال في الرعاية الكبرى وإن جرت العادة بالنزول فيه والمشي لزم الراكب القوي في الأقيس.
قلت ويتوجه أن يرجع في ذلك إلى العرف.
الثالثة لو اكترى جملا ليحج عليه فله الركوب إلى مكة ومن مكة إلى عرفة والخروج عليه إلى منى ليالي منى لرمي الجمار قاله المصنف والشارح وقدماه وقالا الأولى أن له ذلك وقدمه بن رزين في شرحه وقيل ليس له الركوب إلى منى لأنه بعد التحلل من الحج وأطلقها في الرعاية.
وأما إن اكترى إلى مكة فقط فليس له الركوب إلى الحج على الصحيح من المذهب لأنها زيادة على الصحيح من المذهب لما قدمه في المغني والشرح وشرح بن رزين.
وتقدم في أول الباب اشتراط ذكر المركوب والراكب والمحمول وأحكام ذلك فليراجع.
الرابعة قوله فأما تفريغ البالوعة والكنيف فيلزم المستأجر إذا تسلمها فارغة بلا نزاع.
57

قلت يتوجه أن يرجع في ذلك إلى العرف.
وكذا تفريغ الدار من القمامة والزبل ونحوهما ويلزم المكري تسليمها منظفة وتسليم المفتاح وهو أمانة مع المستأجر.
وعلى المستأجر البكرة والحبل والدلو.
قوله (والإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخها وإن بدا له قبل تقضي المدة فعليه الأجرة).
الإجارة عقد لازم يقتضي تمليك المؤجر الأجرة والمستأجر المنافع فإذا فسخها المستأجر قبل انقضاء المدة لم تنفسخ ولا يجوز للمؤجر التصرف فيها في حال كون يد المستأجر عليها.
فإن تصرف فيها قبل انقضاء المدة مثل أن يسكن المالك الدار أو يؤجرها لغيره لم تنفسخ الإجارة على الصحيح من المذهب وعلى المستأجر جميع الأجرة وله على المالك أجرة المثل لما سكن أو تصرف فيه.
قلت وهو الصواب وإليه ميل المصنف والشارح.
فعلى هذا إن كانت أجرة المثل الواجبة على المالك بقدر الأجرة المسماة في العقد لم يجب على المستأجر شيء وإن فضلت منه فضلة لزمت المالك للمستأجر ويحتمل أن ينفسخ العقد فيما استوفاه المالك وهما احتمالان مطلقان في المغني والشرح والزركشي.
وأما إذا تصرف المالك قبل تسليمها أو امتنع منه حتى انقضت المدة فإن الإجارة تنفسخ وجها واحدا قاله المصنف والشارح.
وإن سلمها إليه في أثناء المدة انفسخت فيما مضى وتجب أجرة الباقي بالحصة.
وقال في الرعاية الكبرى وإن أبى المؤجر تسليم ما أجره أو امتنع مستأجر الانتفاع به كل المدة فله الفسخ مجانا.
وقيل بل يبطل العقد مجانا.
58

وقيل إن كانت المدة معينة بطل وإلا فله الفسخ مجانا.
قوله (وإن حوله المالك قبل تقضيها لم يكن له أجرة لما سكن نص عليه).
وهو المذهب المنصوص عن الإمام أحمد وعليه الأصحاب قاله الزركشي وغيره وهو من المفردات.
ويحتمل أن له من الأجرة بقسطه واختاره في الفائق.
ويأتي إذا غصبها مالكها عند قوله إذا غصبت العين.
فائدة وكذا الحكم لو امتنع الأجير من تكميل العمل قاله في التلخيص وغيره.
قال المصنف والشارح وغيرهما والحكم فيمن اكترى دابة فامتنع المكري من تسليمها في بعض المدة أو أجره نفسه أو عبده للخدمة مدة وامتنع من إتمامها أو أجره نفسه لبناء حائط أو خياطة ثوب أو حفر بئر أو حمل شيء إلى مكان وامتنع من إتمام العمل مع القدرة عليه كالحكم في العقار يمنع من تسليمه انتهيا.
قال في الرعاية وكذا الخلاف والتفصيل إن أبى الأجير الخاص العمل أو بعضه كالمدة أو بعضها أو أبى مستأجر العبد والبهيمة والجمال الانتفاع بهم كذلك ولا مانع من الأجير والمؤجر انتهى.
وقال في القاعدة الخامسة والأربعين إذا استأجره لحفظ شيء مدة فحفظه في بعضها ثم ترك فهل تبطل الإجارة فيه وجهان.
قال بن المنى أصحهما لا تبطل بل يزول الاستئمان ويصير ضامنا.
وفي مسائل بن منصور عن الإمام أحمد إذا استأجر أجيرا شهرا معلوما فجاء إليه في نصف ذلك الشهر أن للمستأجر الخيار.
59

والوجه الثاني يبطل العقد فلا يستحق شيئا من الأجرة بناء على أصلنا فيمن امتنع من تسليم بعض المنافع المستأجرة أنه لا يستحق أجرة بذلك أفتى بن عقيل في فنونه انتهى.
قوله (وإن هرب الأجير حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة وإن كان على عمل خير المستأجر بين الفسخ والصبر).
إذا هرب الأجير أو شردت الدابة أو أخذ المؤجر العين وهرب بها أو منعه استيفاء المنفعة منها من غير هرب لم تنفسخ الإجارة ويثبت له خيار الفسخ.
فإن فسخ فلا كلام وإن لم يفسخ وكانت الإجارة على مدة انفسخت بمضيها يوما فيوما فإن عادت العين في أثنائها استوفى ما بقي وإن انقضت انفسخت.
وإن كانت على موصوف في الذمة كخياطة ثوب ونحوه أو حمل إلى موضع معين استؤجر من ماله من يعمله فإن تعذر فله الفسخ فإن لم يفسخ فله مطالبته بالعمل.
وإن هرب قبل إكمال عمله ملك المستأجر الفسخ والصبر كمرضه قدمه في الرعايتين والفائق والحاوي الصغير.
وقيل يكتري عليه من يقوم به فإن تعذر فله فسخها.
وإن فرغت مدته في هربه فله الفسخ قدمه في الفائق والرعايتين والحاوي الصغير.
وقيل تنفسخ هي وهو الذي قطع به المصنف هنا.
قوله (وإن هرب الجمال أو مات وترك الجمال أنفق عليها الحاكم من مال الجمال أو أذن للمستأجر في النفقة فإذا انقضت الإجارة باعها الحاكم ووفى المنفق وحفظ باقي ثمنها لصاحبه).
60

إذا أنفق المستأجر على الجمال والحالة ما تقدم بإذن حاكم رجع بما أنفقه بلا نزاع وإن لم يستأذنه ونوى الرجوع ففيه الروايتان اللتان فيمن قضى دينا عن غيره بغير إذنه على ما تقدم في باب الضمان والصحيح منهما أنه يرجع.
قال في القواعد ومقتضى طريقة القاضي أنه يرجع رواية واحدة.
ثم إن الأكثرين اعتبروا الإشهاد على نية الرجوع.
وفي المغني وغيره وجه أنه لا يعتبر.
قال في القواعد وهو الصحيح انتهى.
وحكم موت الجمال حكم هربه على الصحيح من المذهب كما قال المصنف.
وقال أبو بكر مذهب الإمام أحمد أن الموت لا يفسخ الإجارة وله أن يركبها ولا يسرف في علفها ولا يقصر ويرجع بذلك.
قوله (وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها).
سواء تلفت ابتداء أو في أثناء المدة فإذا تلفت في ابتداء المدة انفسخت وإن تلفت في أثنائها انفسخت أيضا فيما بقي فقط على الصحيح من المذهب جزم به في المغني والشرح والمحرر وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل تنفسخ أيضا فيما مضى ويقسط المسمى على قيمة المنفعة فيلزمه بحصته.
نقل الأثرم فيمن اكترى بعيرا بعينه فمات أو انهدمت الدار فهو عذر يعطيه بحساب ما ركب.
وقيل يلزمه بحصته من المسمى.
وقيل لا فسخ بهدم دار فيخير.
ويأتي حكم الدار إذا انهدمت في كلام المصنف بعد هذا وكلامه هنا أعم.
وعنه لا تنفسخ بموت المرضعة ويجب في مالها أجرة من يرضعه اختاره أبو بكر.
61

وأما موت المرتضع فتنفسخ به الإجارة قولا واحدا كما جزم به المصنف هنا.
قوله (وتنفسخ الإجارة بموت الراكب إذا لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة).
هذا إحدى الروايتين اختاره المصنف والشارح وجزم به في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير وشرح بن منجا والوجيز.
والصحيح من المذهب أن الإجارة لا تنفسخ بموت الراكب مطلقا قدمه في الفروع.
قال في المحرر وغيره لا تنفسخ بالموت.
قال الزركشي هذا المنصوص وعليه الأصحاب إلا أبا محمد.
قوله (وإن أكرى دارا فانهدمت انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين).
وهو المذهب صححه في المغني والشرح والتصحيح وجزم به بن أبي موسى والشيرازي وبن البناء وصاحب الوجيز وغيرهم وهو ظاهر كلام الخرقي وقدمه في الفروع والفائق والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
والوجه الثاني لا تنفسخ ويثبت للمستأجر خيار الفسخ وهو رواية عن الإمام أحمد اختاره القاضي.
قال في التلخيص لم تنفسخ على أصح الوجهين.
وقيل تنفسخ فيما بقي وفيما مضى ذكره في الرعاية الكبرى.
قوله (أو أرضا للزرع فانقطع ماؤها انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين).
وهو المذهب صححه في المغني والشارح والتصحيح وجزم به في الوجيز وقدمه في الفائق والرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
62

والوجه الثاني لا تنفسخ وللمستأجر خيار الفسخ اختاره القاضي وجزم به في التلخيص في موضع.
وقال في موضع آخر لم تنفسخ على أصح الوجهين وقدمه في الرعاية الكبرى.
فائدة لو أجر أرضا بلا ماء صح فإن أجرها وأطلق فاختار المصنف الصحة إذا كان المستأجر عالما بحالها وعدم مائها وقدمه في المغني والشرح.
وقيل لا يصح وجزم به بن رزين في شرحه وأطلقهما في الفروع.
وإن ظن المستأجر إمكان تحصيل الماء وأطلق الإجارة لم تصح جزم به في المغني والشرح والفروع وغيرهم.
وإن ظن وجوده بالأمطار أو زيادة الأنهار صح على الصحيح من المذهب كالعلم جزم به في المغني والتلخيص وغيرهما وقدمه في الفروع وفي الترغيب والرعاية وجهان.
ومتى زرع فغرق أو تلف أو لم ينبت فلا خيار له وتلزمه الأجرة نص عليه.
وإن تعذر زرعها لغرقها فله الخيار.
وكذا له الخيار لقلة ماء قبل زرعها أو بعده أو عابت بغرق يعيب به بعض الزرع.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله أو برد أو فأر أو عذر.
قال فإن أمضى العقد فله الأرش كعيب الأعيان وإن فسخ فعليه القسط قبل القبض ثم أجرة المثل إلى كماله.
قال وما لم يرو من الأرض فلا أجرة له اتفاقا وإن قال في الإجارة مقيلا ومراعي أو أطلق لأنه لا يرد على عقد كأرض البرية.
63

قوله (ولا تنفسخ أي الإجارة بموت المكري ولا المكتري).
هذا المذهب مطلقا في الجملة وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم منهم صاحب الوجيز وقدمه في الفروع وغيره.
قال الزركشي هذا المذهب المنصوص وعليه الأصحاب.
وتقدم رواية اختارها جماعة أنها تنفسخ بموت الراكب.
وتقدم رواية لا تنفسخ الإجارة بموت المرضعة.
تنبيه قال بن منجا في شرحه فإن قيل كيف الجمع بين قول المصنف تنفسخ بموت الراكب وبين قوله بعد لا تنفسخ بموت المكري ولا المكتري قيل يجب حمل قوله لا تنفسخ بموت المكتري على أنه مات وله وارث وهناك صرح بأنها تنفسخ إذا لم يكن له من يقوم مقامه.
قلت ويحتمل أنه قال هذا متابعة للأصحاب وقال ذلك لأجل اختياره.
قوله (وإن غصبت العين خير المستأجر بين الفسخ ومطالبة الغاصب بأجرة المثل فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى).
إذا غصبت العين فلا تخلو إما أن تكون إجارتها لعمل أو لمدة فإن كانت لعمل فلا تخلو إما أن تكون الإجارة على عين موصوفة في الذمة أو تكون على عين معينة.
فإن كانت على عين موصوفة في الذمة وغصبت لزمه بدلها فإن تعذر كان له الفسخ.
وإن كانت على عين معينة خير بين الفسخ والصبر إلى أن يقدر على العين المغصوبة فيستوفى منها.
64

وإن كانت إلى مدة فهو مخير بين الفسخ والإمضاء وأخذ أجرة مثلها من غاصبها إن ضمنت منافع الغصب وإن لم تضمن انفسخ العقد.
وقال في الانتصار تنفسخ تلك المدة والأجرة للمؤجر لاستيفاء المنفعة على ملكه وأن مثله وطء مزوجة ويكون الفسخ متراخيا.
فإذا لم يفسخ حتى انقضت مدة الإجارة كان له الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجرة المثل.
فإن ردت العين في أثناء المدة ولم يكن فسخ استوفى ما بقي منها ويكون فيما مضى من المدة مخيرا كما ذكرنا قاله في المغني والشرح وغيرهما.
فائدتان
إحداهما لو كان الغاصب هو المؤجر لم يكن له أجرة مطلقا على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه.
وقيل حكمه حكم الغاصب الأجنبي وهو تخريج في المحرر وغيره.
وقال الزركشي لو أتلف المستأجر العين ثبت ما تقدم من الفسخ أو الانفساخ مع تضمين المستأجر ما أتلف.
ومثله جب المرأة زوجها تضمن ولها الفسخ انتهى.
قلت يحتمل أن لا فسخ لها.
وتقدم قريبا إذا حوله المالك قبل تقضي المدة.
وهذه المسألة من بعض صور تلك.
الثانية لو حدث خوف عام يمنع من سكنى المكان الذي فيه العين المستأجرة أو حصر البلد فامتنع خروج المستأجر إلى الأرض ثبت له خيار الفسخ.
قال الخرقي وإذا جاء أمر غالب يحجز المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد فعليه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه.
65

فكلامه أعم من كلام المصنف هنا لأنه شمل الغصب وغيره فلذلك استشهد به المصنف.
فإن كان الخوف خاصا بالمستأجر كمن خاف وحده لقرب أعدائه من الموضع المأجور أو حلولهم في طريقه لم يملك الفسخ وكذا الحكم لو حبس أو مرض.
قوله (ومن استؤجر لعمل شيء فمرض أقيم مقامه من يعمله والأجرة على المريض).
مراده إذا استأجره لعمل في الذمة كخياطة وبناء ونحوهما ومراده إذا لم يشترط عليه مباشرته فإن شرط عليه مباشرته لم يقم غيره مقامه.
وكذا لو كانت الإجارة على عينه في مدة أو غيرها فمرض لم يقم غيره مقامه لأن الإجارة وقعت على عمله بعينه لا على شيء في ذمته.
وقال المصنف والشارح لو كان العمل في الذمة واختلف القصد كاستئجاره لنسخ كتاب لم يكلف الأجير إقامة غيره مقامه ولا يلزم المستأجر قبول ذلك إن بذله الأجير لأن الغرض يختلف.
فإن تعذر عمل الأجير فللمستأجر الفسخ.
وتقدم التنبيه على ذلك أيضا عند قوله الضرب الثاني عقد على منفعة في الذمة.
قوله (وإن وجد العين معيبة أو حدث بها عيب فله الفسخ).
مراده ومراد غيره إن لم يزل العيب بلا ضرر يلحقه فإن زال سريعا بلا ضرر فلا فسخ.
تنبيه ظاهر كلامه أنه ليس له إلا الفسخ أو الإمضاء مجانا وهو صحيح وهو المذهب أطلقه الأصحاب وصرح به بن عقيل والمصنف وغيرهما.
وقيل يملك الإمساك مع الأرش وهو تخريج للمصنف.
66

وقال في المحرر وتبعه في الفروع وغيره وقياس المذهب له الفسخ أو الإمساك مع الأرش وجزم به في المنور.
قال ناظم المفردات بعد ذكر مسألة عيب المبيع وأنه بالخيرة.
كذاك مأجور قياس المذهب * قد قاله الشيخان فافهم مطلبي.
فهذا من المفردات أيضا.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله إن لم نقل بالأرش فورود ضعفه على أصل الإمام أحمد رحمه الله بين وتقدم التنبيه على هذا في الخيار في العيب بعد قوله ومن اشترى معيبا لم يعلم عيبه.
فوائد
إحداها العيب هنا ما يظهر به تفاوت الأجرة.
الثانية لو لم يعلم بالعيب حتى فرغت المدة لزمه الأجرة كاملة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وخرج المصنف لزوم الأرش.
قلت وهو الصواب لا سيما إذا كان دلسه.
الثالثة قال في الترغيب لو احتاجت الدار تجديدا فإن جدد المؤجر وإلا كان للمستأجر الفسخ ولو عمر فيها المستأجر بدون إذنه لم يرجع به نص عليه في غلق الدار إذا عمله الساكن ويحتمل الرجوع بناء على مثله في الرهن.
قلت بل أولى وحكى في التلخيص أن المؤجر يجبر على الترميم بإصلاح مكسر وإقامة مائل.
قلت وهو الصواب.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله للمستأجر مطالبة المؤجر بالعمارة التي يحتاج إليها المكان المأجور فإن كان وقفا فالعمارة واجبة من وجهين من جهة أهل الوقف ومن جهة حق المستأجر انتهى.
67

وليس له إجباره على التجديد على الصحيح من المذهب وقيل بلى.
الرابعة لو شرط عليه مدة تعطيلها أو أن يأخذ بقدر مدة التعطيل بعد المدة أو شرط عليه العمارة أو جعلها أجرة لم يصح ومتى أنفق بإذن على الشرط أو بناء رجع بما قال المؤجر ذكره المصنف والشارح وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
وذكر في الترغيب وغيره في الإذن يرجع بما قال المستأجر كما لو أذن له حاكم في نفقته على جمال هرب مؤجرها.
قلت وهو الصواب لأنه كالوكيل.
قوله (ويجوز بيع العين المستأجرة).
هذا المذهب نص عليه في رواية جعفر بن محمد وعليه الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والمغني والخلاصة والمحرر والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل لا يصح بيعها قال في الرعاية وخرج منع البيع.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وظاهر كلامه في رواية الميموني أنه إذا باع العين المؤجرة ولم يبين أنها مستأجرة أن البيع لا يصح ووجهه أنه باع ملكه وملك غيره فهي مسألة تفريق الصفقة.
فعلى المذهب إذا لم يعلم المشتري بذلك ثم علم فله الفسخ أو الإمضاء مجانا على الصحيح جزم به في المغني والشرح وقدمه في الفروع.
وقال في الرعايتين والحاوي الصغير له الفسخ أو الإمضاء مع الأرش.
قال الإمام أحمد رحمه الله هو عيب.
قلت وهو الصواب وجزم به في الفائق.
وقال قلت فلو كانت الأرض مشغولة ببناء غيره أو زرعه وغراسه فقال شيخنا يصح العقد حالا وهو المختار انتهى.
68

فائدتان
إحداهما مثل ذلك في الحكم لو كانت مرهونة وتقدم ذلك في بابه.
الثانية لو باع الدار التي تستحق المعتدة للوفاة سكناها وهي حامل فقال المصنف لا يصح بيعها لأن المدة الباقية إلى حين وضع الحمل مجهولة.
قلت فيعايى بها وقال المجد قياس المذهب الصحة.
قلت وهو الصواب ويأتي ذلك أيضا في عدة الوفاة.
قوله (إلا أن يشتريها المستأجر فتنفسخ على إحدى الروايتين).
وهما وجهان عند أكثر الأصحاب وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والهادي والكافي والمغني والتلخيص والشرح والفروع والفائق.
إحداهما لا تنفسخ وهو المذهب صححه في التصحيح.
قال في القاعدة الخامسة والثلاثين وهو الصحيح اختاره القاضي وبن عقيل والأكثرون وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعاية الكبرى.
والرواية الثانية تنفسخ قال في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير انفسخت الإجارة على الأصح قال في الخلاصة انفسخت في الأصح.
قال في الرعاية الكبرى وعنه تبطل الإجارة بالشراء ويرجع المشتري بأجرة ما بقي من المدة إن كان المؤجر أخذه وإلا سقط من الثمن بقدره بشرطه انتهى.
فعلى المذهب لو أجرها لمؤجرها صح.
وعلى الثانية لا يصح.
فعلى الأولى تكون الأجرة باقية على المشتري وعليه الثمن ويجتمعان للبائع كما لو كان المشتري غيره.
69

فوائد
إحداها حكم ما ورثه المستأجر حكم ما اشتراه على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطعوا به.
قال القاضي في الخلاف هذا المذهب.
وقال في المجرد تنفسخ لآن الملك بالإرث قهري وأيضا فقد ينبني على أن المنافع المستأجرة هل تحدث على ملك المؤجر ثم تنتقل إلى ملك المستأجر.
فإن قلنا بذلك فلا معنى لحدوثها على ملكه وانتقالها إليه.
هذا إذا كان ثم وارث سواه فأما إذا لم يكن له وارث سواه فلا معنى لاستحقاق العوض على نفسه إلا أن يكون على أبيه دين لغيره وقد مات مفلسا بعد أن أسلفه الأجرة.
الثانية لو ملك المستأجر العين بهبة فهو كما لو ملكها بالشراء صرح به المجد في مسودته على الهداية ذكره في القاعدة الخامسة والثلاثين.
الثالثة لو وهبت العين المستعارة للمستعير بطلت العارية ذكره القاضي وبن عقيل واقتصر عليه في القواعد لأنه عقد غير لازم.
قوله (ولا ضمان على الأجير الخاص وهو الذي يسلم نفسه إلى المستأجر).
يعني لعمل معلوم مباح فيما يتلف بيده.
فقول المصنف في حده هو الذي يسلم نفسه إلى المستأجر هو أحد الوجهين ذكرهما في الرعاية الصغرى وقطع به في الهداية والمذهب والخلاصة والفائق والرعاية الكبرى.
والصحيح من المذهب أن الأجير الخاص هو الذي يؤجر نفسه مدة معلومة يستحق المستأجر نفعها في جميعها سواء سلم نفسه إلى المستأجر أو لا جزم به في.
70

المغني والشرح والمحرر والمستوعب والفروع والحاوي الصغير وغيرهم وقدمه في الرعاية الصغرى.
والذي يظهر لي أن المسألة قولا واحدا وأن صاحب الرعاية الصغرى رأى بعضهم ذكر العبارة الأولى وذكر بعضهم العبارة الثانية فظن أنهما قولان.
والعذر لمن قال هو الذي يسلم نفسه إلى المستأجر أنه الواقع في الغالب فأناط الحكم بالغالب لا أن الذي يؤجر نفسه مدة ولم يسلمها إلى المستأجر لا يسمى أجيرا خاصا فإن المعنى الذي سمى به يشمله.
اللهم إلا أن يعثر على أحد من الأصحاب بين ذلك وذكر علة كل قول.
إذا علمت ذلك فالصحيح من المذهب أنه لا يضمن ما تلف بيده بشرطه نص عليه.
قال في الفروع لا يضمن جنايته في المنصوص وجزم به في المغني والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الرعاية الكبرى.
قال الزركشي وعليه الأصحاب ونص عليه في رواية جماعة.
وقيل يضمن اختاره بن أبي موسى في الإرشاد وحكى فيه عن الإمام أحمد رواية بتضمينه ما تلف بأمر خفي لا يعلم إلا من جهته كما يأتي في الأجير المشترك وقال فيه لا يضمن ما هلك بغير فعله قولا واحدا إذا كانت في بيت المستأجر.
وقال لا فرق بين الأجير الخاص والمشترك.
تنبيه قوله إلا أن يتعدى.
قال في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والفروع والفائق وغيرهم إلا أن يتعمد.
وقال جماعة من الأصحاب منهم بن حمدان في رعايتيه إلا أن يتعمد أو يفرطا.
71

فائدتان
إحداهما ليس له أن يستنيب فيما يعمله وله فعل الصلوات الخمس في أوقاتها بسننها وصلاة الجمعة والعيدين.
الثانية ليس له أن يعمل لغيره في مدة المستأجر فإن عمل وأضر بالمستأجر فله قيمة ما فوته على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والرعاية الكبرى.
وقيل يرجع بقيمة ما عمله لغيره وهو احتمال في الرعاية.
وقال القاضي يرجع بالأجرة التي أخذها من غير مستأجرة.
قوله (ويضمن الأجير المشترك ما جنت يده من تخريق الثوب وغلطه في تفصيله).
الأجير المشترك هو الذي يقع العقد معه على عمل معين فيضمن ما جنت يده من تخريق الثوب وغلطه في تفصيله وزلق الحمال والسقوط عن دابته وكذا الطباخ والخباز والحائك وملاح السفينة ونحوهم.
ويضمن أيضا ما تلف بفعله مطلقا على الصحيح من المذهب نص عليه في رواية بن منصور وجزم به في المحرر والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في الكافي والمغني والشرح والرعايتين والفروع والفائق والهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم.
وصرح به القاضي في التعليق في أثناء المسألة وبن عقيل واختاره المصنف وغيره.
وقيل لا يضمن ما لم يتعد وهو تخريج لأبي الخطاب.
قلت والنفس تميل إليه.
وقيل إن كان عمله في بيت المستأجر أو يده عليه لم يضمن وإلا ضمن واختاره القاضي وأصحابه قاله في الكافي ونقله في القاعدة الثامنة والتسعين عن القاضي واقتصر عليه.
72

وذكر القاضي أيضا في تضمينه ثلاث روايات الضمان وعدمه والثالثة لا يضمن إذا كان غير مستطاع كزلق ونحوه.
قلت وهذا قوى.
قوله (ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه أو بغير فعله).
مراده إذا لم يتعد وما قاله هو المذهب.
قال في الفائق ولا يضمن ما تلف بغير فعل ولو عدم من حرزه فلا ضمان في أصح الروايتين.
قال في الفروع وما تلف بغير فعله ولا تعديه لا يضمنه في ظاهر المذهب.
قال بن منجا في شرحه هذا المذهب ونصره المصنف والشارح وغيرهما.
قال الزركشي هو المشهور والمنصوص عليه في رواية الجماعة وهو اختيار الخرقي وأبي بكر والقاضي وأصحابه والشيخين وجزم به في المحرر والوجيز والحاوي الصغير وغيرهم وقدمه في الهداية والمذهب والخلاصة والرعايتين وغيرهم.
وعنه يضمن وعنه رواية ثالثة إن كان التلف بأمر ظاهر كالحريق واللصوص ونحوهما فلا ضمان وإن كان بأمر خفي كالضياع فعليه الضمان وأطلقهن في المستوعب.
قال في المستوعب والتلخيص محل الروايات إذا لم تكن يد المالك على المال أما إن كانت يده على المال فلا ضمان بحال.
قوله (ولا أجرة له فيما عمل فيه).
هذا المذهب مطلقا وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر ما قطع به الخرقي وصاحب الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع والرعايتين وغيرهم.
73

وقال في المحرر ولا أجرة له فيما عمل فيه إلا ما عمله في بيت ربه وقدمه في الحاوي الصغير والفائق.
وعنه له أجرة البناء لا غير نص عليه في رواية بن منصور وقطع به القاضي في التعليق قاله الزركشي.
وعنه له أجرة البناء والمنقول إذا عمله في بيت ربه.
وقال بن عقيل في الفنون له الأجرة مطلقا.
قلت وهو قوي.
فائدة لو استأجر أجير مشترك أجيرا خاصا كالخياط في دكان يستأجر أجيرا خاصا فيستقبل المشترك خياطة ثوب ثم يدفعه إلى الأجير الخاص فخرقه أو أفسده لم يضمنه الخاص ويضمنه الأجير المشترك لربه قاله الأصحاب.
وإن استعان به ولم يعمل فله الأجرة لأجل ضمانه لا لتسليم العمل قاله في الانتصار في شركة الأبدان.
قوله (ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا بزاع وهو البيطار ولا طبيب إذا عرف منهم حذق الصنعة ولم تجن أيديهم).
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقال في الرعاية وقلت ان كان أحدهم أجيرا خاصا أو مشتركا فله حكمه وكذا قال في الراعي.
وقال بن أبي موسى إن ماتت طفلة من الختان فديتها على عاقلة خاتنها قضى بذلك عمر رضي الله عنه.
تنبيه ظاهر كلام المصنف وغيره من الأصحاب أنه لا ضمان عليه سواء كان أجيرا خاصا أو مشتركا وهو صحيح وقدمه في الفروع وغيره.
واختار بن عقيل في الفنون عدم الضمان في الأجير المشترك لا غير وقال.
74

لأنه الغالب من هؤلاء وأنه لو استؤجر لحلق رؤوس يوما فجنى عليها بجراحه لا يضمن كجنايته في قصارة وخياطة ونجارة.
واختار في الرعاية أن كلا من هؤلاء له حكمه وان كان خاصا فله حكمه وإن كان مشتركا فله حكمه وكذا قال في الراعي.
فائدتان
إحداهما يشترط لعدم الضمان في ذلك أيضا وفي قطع سلعة ونحوه إذن المكلف أو الولي فإن لم يأذنا ضمن على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقدمه في الفروع.
واختار في الهدى عدم الضمان قال لأنه محسن وقال هذا موضع نظر.
الثانية يجوز أن يستأجر طبيبا ويقدر ذلك بالمدة لأن العمل غير مضبوط ويبين قدر ما يأتي له هل هو مرة أو أكثر ولا يجوز التقدير بالبرء عند القاضي وجوزه بن أبي موسى واختاره المصنف وقال لكن يكون جعالة لا إجارة انتهى.
فإن استأجره مدة يكحله أو يعالجه فيها فلم يبرأ استحق الأجر وإن برأ في أثناء المدة انفسخت الإجارة فيما بقي وكذا لو مات.
فإن امتنع المريض من ذلك مع بقاء المرض استحق الطبيب الأجر بمضي المدة.
فأما إن شارطه على البرء فهي جعالة لا يستحق شيئا حتى يوجد البرء وله أحكام الجعالة.
وتقدم أن الصحيح من المذهب جواز اشتراط الكحل على الطبيب ويدخل تبعا كنقع البئر.
قوله (ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد بلا نزاع).
75

فإن تعدى ضمن مثل أن ينام أو يغفل عنها أو يتركها تتباعد عنه أو تغيب عن نظره وحفظه أو يسرف في ضربها أو يضربها في غير موضع الضرب أو من غير حاجة إليه أو يسلك بها موضعا تتعرض فيه للتلف وما أشبه ذلك.
فائدتان
إحداهما لو أحضر الجلد ونحوه مدعيا للموت قبل قوله في أصح الروايتين.
قاله المصنف والشارح والزركشي وصاحب الفائق وغيرهم.
وعنه لا يقبل قوله إلا ببينة تشهد بموتها وأطلقهما في المستوعب وغيره.
ويأتي قريبا إذا ادعى موت العبد المأجور أو غيره أو مرضه.
الثانية يجوز عقد الإجارة على ماشية معينة وعلى جنس في الذمة.
فإن كانت الإجارة على معينة تعلقت الإجارة بأعيانها فلا يجوز إبدالها ويبطل العقد فيما تلف منها والنماء في يده أمانة كأصله ولا يلزمه رعى سخالها قاله الأصحاب.
ويحتمل أن لا تتعلق الإجارة بأعيانها قاله المصنف وغيره.
وإن عقد على موصوف الذمة فلا بد من ذكر جنسه ونوعه وصغره وكبره وعدده وهذا المذهب مطلقا.
وقال القاضي إن أطلق ولم يذكر عددا صح ويحمل على ما جرت به العادة كالمائة من الغنم ونحوها.
قال في القاعدة الثانية والثمانين لو وقع الاستئجار على رعي غنم غير معينة كان عليه رعي سخالها لأن عليه أن
يرعى ما يجري العرف به مع الإطلاق.
ذكره القاضي في المجرد واقتصر عليه.
وتقدم في أواخر المضاربة هل يجوز رعيها بجزء من صوفها وغيره.
76

قوله (وإذ حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه).
هذا المذهب مطلقا وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل إن كان صبغه منه فله حبسه وإن كان من ربه أو قصره فوجهان.
وقال في المنثور إن خاطه أو قصره وعزله فتلف بسرقة أو نار فمن مالكه ولا أجرة له لآن الصنعة غير متميزة كقفيز من صبرة.
وإن أفلس مستأجره ثم جاء بائعه يطلبه فللصانع حبسه.
قوله (وإن أتلف الثوب بعد عمله خير مالكه بين تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة له وبين تضمينه إياه معمولا ويدفع إليه أجرته).
وهذا بلا خلاف ويقدم قول ربه في صفته معمولا ذكره بن رزين.
فوائد
إحداها مثل هذه المسألة لو وجب عليه ضمان المتاع المحمول فصاحبه مخير بين تضمينه قيمته في الموضع الذي سلمه إليه ولا أجرة له وبين تضمينه إياه في الموضع الذي أفسده ويعطيه الأجر إلى ذلك المكان قاله القاضي وغيره وجزم به في المغني والشرح وقدمه في الفروع.
وقال أبو الخطاب يلزمه قيمته موضع تلفه وله أجرته إليه.
الثانية مثل المسألة في الحكم أيضا لو عمله على غير صفة ما شرطه عليه مثل أن يدفع إليه غزلا لينسج له عشرة أذرع في عرض ذراع فينسجه زائدا في الطول والعرض قدمه في الفروع.
77

وقال المصنف والشارح له المسمى إن زاد الطول وحده ولم يضر الأصل.
وإن جاء به زائدا في العرض وحده أو فيهما ففيه وجهان.
وأما إذا جاء به ناقصا في الطول والعرض أو في أحدهما فقيل لا أجرة له وعليه ضمان نقص الغزل.
وقيل له حصته من المسمى وأطلقهما في المغني والشرح والفروع.
وقال المصنف ويحتمل إن جاء به ناقصا في العرض فلا شيء له وإن جاء به ناقصا في الطول فله بحصته من المسمى.
الثالثة لو دفع القصار الثوب إلى غير مالكه خطأ ضمنه.
قال الإمام أحمد رحمه الله يضمن القصار ولا يسع المدفوع إليه لبسه إذا علم أنه ليس له ويرده إلى القصار ويطالبه بثوبه فإن لم يعلم المدفوع إليه حتى قطعه غرم أرش القطع على الصحيح من المذهب وجزم به المصنف والشارح وبن حمدان والسامري وغيرهم وقدمه في الفروع.
وعنه لا يضمن وقدمه في القاعدة الخامسة والسبعين ومال إليه.
قال وبعض الأصحاب حمل رواية ضمان القصار على انه كان أجيرا مشتركا ورواية عدم ضمانه على أنه أجير خاص وأشار إلى ذلك القاضي في المجرد انتهى.
وإن تلف عند المدفوع إليه ضمنه على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وعنه لا يضمنه كعجزه عن دفعه لمرض ونحوه وأطلقهما في المغني والشرح.
قوله (وإذا ضرب المستأجر الدابة بقدر العادة أو كبحها أي جذبها لتقف أو الرائض الدابة وهو الذي يعلمها السير لم يضمن ما تلف به).
78

هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به في المغني والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل يضمن ويأتي في كلام المصنف في آخر كتاب الديات لو أدب ولده أو امرأته في النشوز أو المعلم صبيه أو السلطان رعيته ولم يسرف فأفضى إلى تلفه.
وتأديب الصبي والمرأة مذكور هنا في بعض النسخ.
قوله (وإن قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصا فالقول قول الخياط نص عليه).
لئلا يغرم نقصه مجانا بمجرد قول ربه بخلاف الوكيل وهذا المذهب.
قال في التلخيص القول قول الأجير في أصح الروايتين وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والمحرر والوجيز وغيرهم وقدمه في المستوعب والمغني والكافي والشرح والفائق وشرح بن رزين وغيرهم.
وعنه القول قول المالك اختاره المصنف قاله في الفروع ولم أره وظاهر الفروع إطلاق الخلاف.
وعنه القول قول من يشهد له الحال مثل أن يكون التفصيل لا يلبسه المالك أو يلبسه.
قلت وهو قوي.
وقيل بالتحالف.
فعلى المذهب له أجرة مثله وعلى الثانية لا أجرة له.
فوائد
الأولى لو قال إن كان الثوب يكفيني فاقطعه وفصله فقال يكفيك ففصله فلم يكفه ضمنه.
79

ولو قال انظر هل يكفيني قميصا فقال نعم فقال اقطعه فقطعه فلم يكفه لم يضمنه جزم به في المغني والشرح والحاوي.
الثانية لو ادعى مرض العبد أو إباقه أو شرود الدابة أو موتها بعد فراغ المدة أو فيها أو تلف المحمول قبل قوله على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وقدمه في الرعاية في إباق العبد.
وعنه القول قول ربه.
وقطع به في المغني فيما إذا ادعى مرض العبد وجاء به صحيحا وقطع به في الرعاية وفي الترغيب في دعواه
التلف في المدة روايتان من دعوى راع تلف الشاة.
واختار في المبهج لا تقبل دعوى هرب العبد أول المدة.
وفي الترغيب تقبل وأن فيه بعدها روايتين.
وتقدم قريبا لو أحضر الجلد مدعيا الموت.
الثالثة يستحق في المحمول أجرة حمله ذكره في التبصرة.
الرابعة لو اختلفا في قدر الأجرة فحكمه حكم اختلافهم في قدر الثمن في البيع نص عليه.
وكذا لو اختلفا في قدر مدة الإجارة كالبيع كقوله أجرتك سنة بدينار وقال بل سنتين بدينارين.
وعلى القول بالتحالف إن كان بعد فراغ المدة فعليه أجرة المثل لتعذر رده المنفعة وفي أثنائها بالقسط.
قوله (وتجب الأجرة بنفس العقد).
هذا المذهب سواء كانت إجارة عين أو في الذمة فيجوز له الوطء إذا كانت الأجرة أمة.
قال في الفروع ويتوجه فيه قبل القبض رواية يعني بعدم الجواز.
80

فائدة تستحق الأجرة كاملة بتسليم العين أو بفراغ العمل الذي بيد المستأجر أو ببذلها على الصحيح من المذهب على ما يأتي في كلام المصنف قريبا.
وعنه تستحق الأجرة بقدر ما سكن.
وحمله القاضي على تركها لعذر ومثله تركه تتمة عمله وفيه في الانتصار كقول القاضي انتهى.
وله الطلب بالتسليم ولا تستقر الأجرة إلا بمضي المدة بلا نزاع.
ولو بذل تسليم العين وكانت الإجارة على عمل في الذمة فقال الأصحاب إذا مضت مدة يمكن الاستيفاء فيها استقرت عليه الأجرة نقله المصنف والشارح وغيرهما.
واختار المصنف لا أجرة عليه فقال في المغني هذا أصح عندي وأطلقهما في الفروع.
قوله (إلا أن يتفقا على تأخيرها).
يجوز تأجيل الأجرة مطلقا على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وجزم به في المغني والمحرر والشرح والوجيز والفائق وغيرهم من الأصحاب.
وقيل يجوز تأجيلها إذا لم تكن نفعا في الذمة.
وقيل يجوز قبضها في المجلس أيضا.
فعلى المذهب تكون الأجرة في الذمة غير مؤجلة بل ثابتة في الحال وإن تأخرت المطالبة بها صرح به القاضي في تعليقه في الجنايات فقال الدين في الذمة غير مؤجل بل ثابت في الحال وإن تأخرت المطالبة به.
وحمل الزركشي كلام الخرقي في الإجارة عليه وقدر له تقديرا.
قلت ظاهر كلام كثير من الأصحاب خلاف ذلك كالمصنف هنا والخرقي وغيرهم.
81

ولا يلزم من كون القاضي ذكر ذلك أن يكون متفقا عليه بين الأصحاب فإن المسألة محتملة لما قاله القاضي ولما هو ظاهر كلام غيره.
فنقول السبب وجد والوجوب محله انتهاء الأجل والله أعلم.
فائدة لو أجلها فمات المستأجر لم تحل الأجرة وإن قلنا بحلول الدين بالموت لأن حلها مع تأخير استيفاء المنفعة ظلم قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال أيضا ليس لناظر الوقف ونحوه تعجيلها كلها إلا لحاجة ولو شرطه لم يجز لأن الموقوف عليه يأخذ ما لا يستحقه الآن كما يفرقون في الأرض المحتكرة إذا بيعت وورثت فإن الحكر من الانتقال يلزم المشتري والوارث وليس لهم أخذه من البائع وتركه في أصح قولهم.
قوله (ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه).
إذا استؤجر على عمل ملكت الأجرة بالعقد أيضا لكن لا يستحق تسليمها إلا بفراغ العمل وتسليمه لمالكه على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب على ما تقدم قريبا.
وقطع به الخرقي وصاحب المحرر والوجيز وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم.
وقال القاضي في تعليقه يجب دفع الأجرة إلى الأجير إذا شرع في العمل لأنه قد سلم نفسه لاستيفاء المنفعة فهو كتسليم الدار المؤجرة.
قال في القاعدة الثامنة والأربعين ولعله يخص ذلك بالأجير الخاص لأن منافعه تتلف تحت يد المستأجر فهو شبيه بتسليم العقار.
وقال بن أبي موسى من استؤجر لعمل استحق الأجر عند إيفاء العمل فإن استؤجر في كل يوم بأجر معلوم فله أجر كل يوم عند تمامه.
وحمله الزركشي على العرف وكذا قال في القواعد.
وقال وقد يحمل على ما إذا كانت المدة مطلقة غير معينة كاستئجاره كل.
82

يوم بكذا فإنه يصح ويثبت له الخيار في أجر كل يوم فتجب له الأجرة فيه لأنه غير ملتزم بالعمل فيما بعده ولأن مدته لا تنتهي فلا يمكن تأخير إعطائه إلى تمامها أو على أن المدة المعينة إذا عين لكل يوم فيها قسطا من الأجرة فهي إجارات متعددة انتهى.
وقال الزركشي بعد كلامه على العرف أصل المسألة ما فيه خلاف بين الأصحاب انتهى.
وقال أبو الخطاب تملك بالعقد وتستحق التسليم وتستقر بمضي المدة.
فائدة إذا انقضت المدة رفع المستأجر يده عن المأجور ولم يلزمه الرد على المذهب مطلقا ولو تلف بعد تمكنه من رده لم يضمنه جزم به في التلخيص في باب الوديعة وجزم به في الحاوي الصغير وقدمه في الفروع لأن الإذن في الانتفاع انتهى دون الإذن في الحفظ ومؤنته كمودع.
وقال القاضي في التعليق يلزمه رده بالطلب كعارية لا مؤنة العين وقال أومأ إليه.
وقال في الرعاية يلزمه رده مع القدرة بطلبه وقيل مطلقا ويضمنه مع إمكانه قال ومؤنته على ربه وقيل عليه.
قال في التبصرة يلزمه رده بالشرط ويلزم المستعير مؤنة البهيمة عادة مدة كونها في يده.
ويأتي حكم مؤنة ردها في كلام المصنف في العارية.
قوله (وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض غراس أو بناء لم يشترط قلعه عند انقضائها خير المالك بين أخذه بالقيمة أو تركه بالأجرة أو قلعه وضمان نقصه).
83

هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب من حيث الجملة وجزم به في المغني والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع والفائق وغيرهم.
قال في التلخيص إذا اختار المالك القلع وضمان النقص فالقلع على المستأجر وليس عليه تسوية الأرض لأن المؤجر دخل على ذلك.
ولم يذكر جماعة من الأصحاب أخذه بالقيمة منهم صاحب الهداية والمذهب والخلاصة والتلخيص وزاد كما في عارية مؤقتة.
وقال في الفائق قلت فلو كانت الأرض وقفا لم يجز التملك إلا بشرط واقف أو رضى مستحق الريع.
وقال في الفروع ولم يفرق الأصحاب بين كون المستأجر وقف ما بناه أو لا مع أنهم ذكروا استئجار دار يجعلها مسجدا فإن لم تترك بالأجرة فيتوجه أن لا يبطل الوقف مطلقا.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله فيمن احتكر أرضا بنى فيها مسجدا أو بناء وقفه عليه متى فرغت المدة وانهدم البناء زال حكم الوقف وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها وما دام البناء قائما فيها فعليه أجرة المثل كوقف علو ربع أو دار مسجدا فإن وقف علو ذلك لا يسقط حق ملاك السفل كذا وقف البناء لا يسقط حق ملاك الأرض وذكر في الفنون معناه.
قلت وهو الصواب ولا يسع الناس إلا ذلك.
تنبيهان
أحدهما محل الخلاف في هذه المسألة إذا لم يقلعه المالك على الصحيح ولم يشترط أبو الخطاب ذلك.
قال في القاعدة السابعة والسبعين فلعله جعل الخيرة لمالك الأرض دون مالك الغراس والبناء فإذا اختار المستأجر القلع كان له ذلك ويلزمه تسوية الحفر صرح به المصنف في الكافي وغيره والشارح وغيرهما.
84

الثاني يأتي في باب الشفعة كيف يقوم الغراس والبناء إذا أخذ من ربه بعد قوله وإن قاسم المشتري وكيل الشفيع.
فوائد
إحداها لو شرط في الإجارة بقاء الغراس فهو كإطلاقه على الصحيح من المذهب اختاره القاضي وغيره.
وقدمه في المغني والشرح والفروع والفائق.
وقيل يبطل وهو احتمال للمصنف.
وقال في الفائق قلت فلو حكم ببقائه بعد المدة قسرا بأجرة مثله لم يصادف محلا.
الثانية لو غرس أو بنى مشتر ثم فسخ البيع بعيب كان لرب الأرض الأخذ بالقيمة والقلع وضمان النقص وتركه بالأجرة على الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع وغيره.
وقال في المحرر والرعاية والحاوي الصغير وغيرهم له أخذه بقيمته أو قلعه وضمان نقصه.
وقال الحلواني ليس له قلعه.
وقيل ليس له قلعه ولا أخذه بقيمته.
وتقدم إذا غرس المحجور عليه أو بنى ثم أخذت الأرض وحكمه في بابه في كلام المصنف.
وأما البيع بعقد فاسد إذا غرس فيه المشتري أو بنى فالصحيح من المذهب أن حكمه حكم المستعير إذا غرس أو بنى على ما يأتي في بابه ذكره القاضي في المجرد وبن عقيل في الفصول والمصنف في المغني في الشروط في الرهن لتضمنه إذنا وقدمه في الفروع.
وقال صاحب المحرر لا أجرة.
85

ويأتي في باب الغصب إذا غرس المشتري من الغاصب وهو لا يعلم بعض أحكام غرس الغاصب.
ويأتي أيضا بعد ذلك في كلام المصنف إذا اشترى أرضا فغرس فيها ثم خرجت مستحقة مستوفى في المكانين.
وقال القاضي في المجرد لو غارسه على إن الأرض والغراس بينهما فله أيضا تبقيته بالأجرة.
قال في الفروع ويتوجه في الفاسد وجه كغصب لأنهم ألحقوه به في الضمان.
الثالثة قوله وإن شرط قلعه لزمه ذلك بلا نزاع.
لكن لا يجب على صاحب الأرض غرامة نقص الغراس والبناء ولا على المستأجر تسوية الحفر ولا إصلاح الأرض إلا بشرط.
قوله (وإن كان فيها زرع بقاؤه بتفريط المستأجر فللمالك أخذه بالقيمة).
قال في الرعاية وقيل بنفقته أو تركه بالأجرة.
وهذا بلا نزاع.
وقال في الرعاية قلت وقلعه مجانا انتهى.
فهو كزرع الغاصب قاله الأصحاب نقله في القواعد.
لكن لو أراد المستأجر قلع زرعه في الحال وتفريغ الأرض فله ذلك من غير إلزام له به على الصحيح من المذهب جزم به في المغني والشرح وقدمه في الفروع والقواعد وهو المذهب بلا ريب.
وقال القاضي وبن عقيل يلزمه ذلك.
قال في القواعد وليس بجار على قواعد المذهب.
قوله (وإن كان بغير تفريط لزمه تركه بالأجرة).
86

يعني له أجرة مثله لما زاد بلا نزاع.
فائدة لو اكترى أرضا لزرع مدة لا يكمل فيها وشرط قلعه بعدها صح وإن شرط بقاءه ليدرك فسدت بلا نزاع فيهما.
وإن سكت فسدت أيضا على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والرعاية الكبرى.
وقيل يصح وأطلقهما في المغني والشرح.
وقال في الرعاية الكبرى يحتمل أنه إن أمكن أن ينتفع بها في زرع ضرره كضرر الزرع المشروط أو دونه صح العقد وإلا فلا انتهى وهو في المغني والشرح.
فعلى المذهب لو زرع فيما شرط بقاؤه ليدرك لزمه أجرة المثل.
وعلى القول بالصحة فيما إذا سكت لو انقضت المدة والزرع باق فقيل حكمه حكم زرع بقاؤه بتفريط المستأجر على ما تقدم.
وقدمه في الرعاية الكبرى فقال وقيل إن سكت صح العقد فإذا فرغت المدة والزرع باق فهو كمفرط وقيل لا انتهى.
وقيل حكمه حكم زرع بقاؤه بعد فراغ المدة من غير تفريط على ما تقدم وأطلقهما في المغني والشرح والفروع.
قوله (وإذا تسلم العين في الإجارة الفاسدة حتى انقضت المدة فعليه أجرة المثل سكن أو لم يسكن).
هذا المذهب جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع والفائق.
وقيل لا أجرة عليه إن لم ينتفع وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وأطلقهما في المغني والشرح.
وقال القاضي في التعليق يجب المسمى في نكاح فاسد فيجب أن نقول مثله في الإجارة وعلى أن القصد فيها العوض فاعتبارها في الأعيان أولى.
87

وقال في الروضة هل يجب المسمى في الإجارة الفاسدة أم أجرة المثل وهي الصحيحة فيه روايتان.
فائدة ظاهر كلام المصنف أنه لا يلزمه أجرة إذا لم يتسلمها ولو بذلها له المالك وهو صحيح ولا خلاف فيه.
قوله (وإن اكترى بدراهم وأعطاه عنها دنانير ثم انفسخ العقد رجع المستأجر بالدراهم).
لا أعلم فيه خلافا وجزم به في المغني والشرح والرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم من الأصحاب وتقدم نظير ذلك.
88

باب السبق
قوله (يجوز المسابقة على الدواب والأقدام وسائر الحيوانات والسفن والمزاريق وغيرها).
يعني يجوز ذلك بلا عوض وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقال الآمدي يجوز في ذلك كله إلا بالحمام.
وقيل لا بالحمام والطير.
وقال في الرعاية الكبرى ويصح السبق بلا عوض على أقدام وبغال وحمير.
وقيل وبقر وغنم وطيور ورماح وحراب ومزاريق وشخوت ومناجيق ورمي أحجار وسفن ومقاليع.
وقال في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير وفي الطيور وجهان.
ويأتي كلامه في الروضة.
وقال في الفروع وكره أبو بكر الرمي عن قوس فارسية.
وقال في الفائق ومنع منه أبو بكر.
فائدتان
إحداهما في كراهة لعب غير معين على عدو وجهان وأطلقهما في الفروع.
قلت الأولى الكراهة اللهم إلا أن يكون له في ذلك قصد حسن.
قال في المستوعب وكل ما يسمى لعبا مكروه إلا ما كان معينا على قتال العدو ذكره بن عقيل واقتصر عليه.
وذكر في الوسيلة يكره الرقص واللعب كله ومجالس الشعر.
وذكر بن عقيل وغيره يكره لعبه بأرجوحة ونحوها.
89

وقال أيضا لا يمكن القول بكراهة اللعب مطلقا.
وقال الآجري في النصيحة من وثب وثبة مرحا ولعبا بلا نفع فانقلب فذهب عقله عصى وقضى الصلاة.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يجوز ما قد يكون فيه منفعة بلا مضرة.
قال في الفروع وظاهر كلامه لا يجوز اللعب المعروف بالطاب والنقيلة.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا كل فعل أفضى إلى محرم كثيرا حرمه الشارع إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة لأنه يكون سببا للشر والفساد.
وقال أيضا وما ألهى وشغل عما أمر الله به فهو منهي عنه وإن لم يحرم جنسه كبيع وتجارة ونحوها.
الثانية يستحب اللعب بالة الحرب قال جماعة والثقاف.
نقل أبو داود لا يعجبني أن يتعلم بسيف حديد بل بسيف خشب.
وليس من اللهو المحرم تأديب فرسه وملاعبة أهله ورميه عن قوسه للحديث الوارد في ذلك.
وقال الزركشي ويجوز الصراع ورفع الحجارة ليعرف الأشد.
قوله (ولا يجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام).
هذا المذهب بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وذكر بن البنا وجها يجوز بعوض في الطير المعدة لأخبار الأعداء انتهى.
وذكر في النظم وجها بعيدا يجوز بعوض في الفيلة.
وقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة على شاة فصرعه ثم عاد مرارا فصرعه فأسلم فرد عليه غنمه رواه أبو داود في مراسيله.
قال في الفروع وهذا وغيره مع الكفار من جنس جهادهم فهو في معنى الثلاثة المذكورة فإن جنسها جهاد وهي مذمومة إذا أريد بها الفخر والخيلاء والظلم.
90

والصراع والسبق بالأقدام ونحوهما طاعة إذا قصد بها نصر الإسلام وأخذ العوض عليه أخذ بالحق فالمغالبة الجائزة تحل بالعوض إذا كانت مما يعين على الدين كما في مراهنة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
واختار هذا كله الشيخ تقي الدين رحمه الله وذكر أنه أحد الوجهين عندنا معتمدا على ما ذكره بن البنا.
قال في الفروع فظاهره جواز المراهنة بعوض في باب العلم لقيام الدين بالجهاد والعلم.
وهذا ظاهر اختيار صاحب الفروع وهو حسن.
وقال في الروضة السبق يختص بثلاثة أنواع الحافر فيعم كل ذي حافر والخف فيعم كل ذي خف والنصل فيختص بالنشاب والنبل ولا يصح السبق والرمي في غيرهما مع الجعل وعدمه.
قال في الفروع كذا قال ولتعميمه وجه ويتوجه عليه تعميم النصل انتهى.
فائدة قوله في الشروط أحدها تعيين المركوب يعني بالرؤية والرماة سواء كانا اثنين أو جماعتين بلا نزاع.
لكن قال في الترغيب في عدد الرماة وجهان.
قوله (الثاني أن يكون المركوبان من نوع واحد فلا يجوز بين عربي وهجين).
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المحرر والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والفروع والنظم والزركشي وغيرهم.
ويحتمل الجواز وهو وجه اختاره القاضي ذكره في الفائق وأطلقهما في المغني والشرح والفائق.
91

قال في الهداية ومن تابعه ويتخرج الجواز بناء على تساويهما في السهم.
وقال في الترغيب وتساويهما في النجابة والبطالة وتكافئهما.
قوله (ولا بين قوس عربي وفارسي).
وهو المذهب جزم به في المحرر والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في الرعايتين والنظم والحاوي الصغير والزركشي.
وقال هذا المذهب.
ويحتمل الجواز وهو وجه اختاره القاضي وأطلقهما في المغني والبلغة والشرح والفروع والفائق.
فائدتان
إحداهما يجوز الرمي بالقوس الفارسية من غير كراهة نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
وقال أبو بكر لا يجوز قاله في الفائق.
وقال في الفروع وكرهه أبو بكر كما تقدم أول الباب.
الثانية إذا عقدا النضال ولم يذكرا قوسا صح في ظاهر كلام القاضي ويستويان في العربية أو غيرها.
وقال غيره لا يصح حتى يذكرا نوع القوس الذي يرميان عنه في الابتداء.
قوله (ومدى الرمي بما جرت به العادة).
قال المصنف وغيره يعرف ذلك إما بالمشاهدة أو بالذراع نحو مائة ذراع أو مائتي ذراع وما لم تجر به العادة وهو ما زاد على ثلاثمائة ذراع فلا يصح.
وقد قيل إنه ما رمى في أربعمائة ذراع إلا عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه.
92

فائدة لا يصح تناضلهما على أن السبق لأبعدهما رميا على الصحيح من المذهب زاد في الترغيب من غير تقدير.
وقيل يصح اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله قاله في الفائق وهو المعمول به عند الرماة الآن في أماكن كثيرة.
قوله (الثاني أن يكون العوض معلوما مباحا بلا نزاع).
لكنه تمليك بشرط سبقه فلهذا قال في الانتصار في شركة العنان القياس لا يصح.
قوله (فإن أخرجا معا لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللا).
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يجوز من غير محلل.
قال وعدم المحلل أولى وأقرب إلى العدل من كون السبق من أحدهما وأبلغ في تحصيل مقصود كل منهما وهو بيان عجز الآخر وأن الميسر والقمار منه لم يحرم لمجرد المخاطرة بل لأنه أكل للمال بالباطل أو للمخاطرة المتضمنة له انتهى.
واختاره صاحب الفائق.
قوله (يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رمييهما فإن سبقهما أحرز سبقيهما وإن سبقاه أحرزا سبقيهما ولم يأخذا منه شيئا وإن سبق أحدهما أحرز السبقين وإن سبق معه المحلل فسبق الآخر بينهما بلا نزاع في ذلك كله).
تنبيه ظاهر قوله إلا أن يدخلا بينهما محللا الاكتفاء بالمحلل الواحد ولا يكون أكثر من واحد وهو صحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
93

قال الآمدي لا يجوز أكثر من واحد لدفع الحاجة به.
وقال في الرعاية وقيل يجوز أكثر من واحد وجزم به في الكافي.
قوله (وإن شرطا أن السابق يطعم السبق أصحابه أو غيرهم لم يصح الشرط).
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يصح شرط السبق للأستاذ ولشراء قوس وكراء حانوت وإطعامه للجماعة لأنه مما يعين على الرمي.
قوله (وفي صحة المسابقة وجهان).
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والفروع والفائق والحاوي الصغير وغيرهم.
أحدهما يصح وهو الصحيح من المذهب صححه في التصحيح والنظم وغيرهما واختاره المصنف والشارح وبن عبدوس في تذكرته وغيرهم وقدمه في الخلاصة والمغني والشرح والرعاية الصغرى وغيرهم.
والوجه الثاني لا يصح قدمه في الرعاية الكبرى.
قوله (والمسابقة جعالة).
هذا المذهب اختاره بن حامد وغيره وصححه في النظم وغيره وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني
والكافي والشرح والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق وتجريد العناية وغيرهم.
وقيل هي عقد لازم ليس لأحدهما فسخه ذكره القاضي فهي كالإجارة لكنها تنفسخ بموت أحد المركوبين وأحد الراميين وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب.
94

وفي الترغيب احتمال بعدم اللزوم في حق المحلل وحده لأنه مغبوط كمرتهن.
فعلى المذهب لكل واحد منهما فسخها إلا أن يظهر الفضل لأحدهما فيكون له الفسخ دون صاحبه.
وتنفسخ بموت أحد المتعاقدين ولا يؤخذ رهن ولا كفيل بعوضهما.
وقال في المذهب ومسبوك الذهب وغيرهما على هذا الوجه يجوز فسخه والامتناع منه والزيادة في العوض.
زاد غيرهم وأخذه به رهنا أو كفيلا.
قوله (وعلى القول بلزومها ليس لأحدهما فسخها لكنها تنفسخ بموت أحد المركوبين وأحد الراميين ولا تبطل بموت الراكبين ولا تلف أحد القوسين).
وهذا بلا خلاف على هذا القول.
وقوله ويقوم وارث الميت مقامه وإن لم يكن له وارث أقام الحاكم مقامه من تركته.
هذا إذا قلنا إنها لازمة.
فأما إن قلنا إنها جائزة فظاهر كلام المصنف أن وارثه لا يقوم مقامه ولا يقيم الحاكم من يقوم مقامه وهو أحد الوجهين.
قلت هذا المذهب وهو كالصريح المقطوع به في كلام كثير من الأصحاب لقطعهم بفسخها بموت أحد المتعاقدين على القول بأنها عقد جائز كما قطع به المصنف فيما تقدم وغيره من الأصحاب وهو ظاهر كلامه في الحاوي.
والوجه الآخر وارثه كهو في ذلك ثم الحاكم جزم به بن عبدوس في تذكرته وهو ظاهر كلامه في الرعاية الصغرى والفائق وهو كالصريح في البلغة وصرح به في الكافي وجزم به فيه.
95

لكن جعل الوارث بالخيرة في ذلك وهو ظاهر ما قطع به في المستوعب وأطلقهما في الفروع.
قال في الفروع والبلغة ولا يجب تسليم العوض فيه قبل العمل ولو قلنا بلزومه على الأصح بخلاف الأجرة بل يبدأ بتسليم العمل قبل العوض.
قوله (والسبق في الخيل بالرأس إذا تماثلت الأعناق وفي مختلفي العنق والإبل بالكتف).
وكذا قال في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح وشرح بن منجا والفائق والنظم وغيرهم.
وقال في الفروع والسبق بالرأس في متماثل عنقه وفي مختلفه وإبل بكتفه وكذا قال في الوجيز.
وقال في المحرر والسبق في الإبل والخيل سبق الكتف وتبعه في المنور.
وقال في الرعايتين والسبق في الخيل بالعنق وقيل بالرأس.
زاد في الكبرى مع تساوي الأعناق.
ثم قال فيهما وفي مختلفي العنق والإبل بالكتف.
زاد في الكبرى أو ببعضه ثم قال فيهما وقلت في الكل بالأقدام انتهى.
وقال المصنف والشارح وإن شرط السبق بأقدام معلومة كثلاثة أو أكثر أو أقل لم يصح.
قوله (ولا يجوز أن يجنب أحدهما مع فرسه فرسا يحرضه على العدو ولا يصيح به في وقت سباقه).
هذا المذهب أعني فعل ذلك محرم وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم.
96

وقال بن رزين في مختصره يكرهان.
وفسر القاضي الجنب بأن يجنب فرسا آخر معه فإذا قصر المركوب ركب المجنوب.
قوله (في المناضلة ويشترط لها شروط أربعة أحدها أن تكون على من يحسن الرمي فإن كان في أحد الحزبين من لا يحسنه بطل العقد فيه وأخرج من الحزب الآخر مثله ولهم الفسخ إن أحبوا).
فظاهره عدم بطلان العقد لقوله ولهم الفسخ وهو الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وصححه في النظم وغيره.
قال المصنف والشارح وفي بطلان العقد وجهان بناء على تفريق الصفقة.
وقد علمت قبل أنه لا يبطل العقد في الباقي على الصحيح فكذا هنا.
فوائد
الأولى لو عقد النضال جماعة ليقتسموا بعد العقد حزبين برضاهم لا بقرعة صح على الصحيح من المذهب جزم به في الفروع والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وغيرهم واختاره القاضي وغيره وصححه في الرعاية الكبرى.
قال المصنف والشارح ويحتمل أن لا يصح ومالا إليه.
فعلى هذا إذا تفاصلوا عقدوا النضال بعده.
وعلى المذهب يجعل لكل حزب رئيس فيختار أحدهما واحدا ثم يختار الآخر آخر حتى يفرغا وإن اختلفا فيمن يبدأ بالخيرة اقترعا ولا يقتسمان بقرعة ولا يجوز جعل رئيس الحزبين واحدا ولا الخيرة في تميزهما إليه ولا السبق عليه.
الثانية لا يشترط استواء عدد الرماة على الصحيح صححه في النظم وجزم به بن عبدوس في تذكرته.
97

وقيل يشترط وأطلقهما في الفروع والرعايتين والحاوي الصغير.
وهما وجهان في الترغيب واحتمالان في الرعاية الكبرى واحتمال وجهين في الصغرى والحاوي الصغير.
الثالثة لا يصح شرط إصابة نادرة ذكره المصنف والشارح وغيرهما وقدمه في الفروع.
وذكر في الترغيب وغيره أنه يعتبر فيه إصابة ممكنة في العادة.
قوله (الثالث معرفة الرمي هل هو مناضلة أو مبادرة).
وكذا هل هو محاطة وهو حط ما تساويا فيه بإصابة من رشق معلوم مع تساويهما في الرميات فيشترط معرفة ذلك على الصحيح من المذهب جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والفائق والرعاية الصغرى
والحاوي الصغير وغيرهم وقدمه في الشرح.
قال في الرعاية الكبرى ويجب بيان حكم الإصابة هل هي مناضلة أو غيرها وقيل يستحب انتهى.
وظاهر كلام القاضي لا يحتاج إلى اشتراط ذلك لأن مقتضى النضال المبادرة قاله المصنف والشارح.
وقال في الرعاية الكبرى أيضا ويسن أن يصفا الإصابة فيقولان خواصل ونحوه.
وقيل يجب.
قوله (وإن قالا خواسق وهو ما خرق الغرض وثبت فيه).
هكذا قال أكثر الأصحاب وقدمه في الرعاية الكبرى.
ثم قال وقيل أو مرق وإن سقط بعد ثقبه أو خدشه أو نقبه ولم يثبت فيه فوجهان انتهى.
98

قوله (وإن تشاحا في المبتدئ بالرمي أقرع بينهما).
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل يقدم من له مزية بإخراج السبق اختاره القاضي.
واختار في الترغيب أنه يعتبر ذكر المبتدئ متهما.
قوله (وإن أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فإن كان شرطهم خواصل احتسب به بلا نزاع وإن كان خواسق لم يحتسب له به ولا عليه).
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة.
وقال القاضي ننظر فإن كانت صلابة الهدف كصلابة الغرض فثبت في الهدف احتسب له به وإلا فلا يحتسب له به ولا عليه.
قوله (وإن عرض عارض من كسر قوس أو قطع وتر أو ريح شديدة لم يحتسب عليه بالسهم).
ظاهره أنه يحتسب له به إن أصاب وهو أحد الأوجه وهو ظاهر ما قطع به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والرعاية الكبرى وقدمه في الفروع.
وقيل يحتسب عليه بالسهم إن أخطأ.
وقيل لا يحتسب عليه ولا له وهو المذهب اختاره القاضي وغيره.
قال في الفروع وهذا أشهر وقدمه في الرعاية الصغرى.
قال في الرعاية الكبرى وإن عرض لأحدهما كسر قوس أو قطع وتر أو ريح في يده أو ردت سهمه عرضا فأصاب حسب له وإلا فلا.
وقيل بلى.
99

قوله (ويكره للأمين والشهود مدح أحدهما لما فيه من كسر قلب صاحبه).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل يحرم اختاره بن عقيل.
قلت وهو قوي في النظر.
وقال في الفروع ويتوجه الجواز في مدح المصيب والكراهة في عيب غيره.
قال ويتوجه في شيخ العلم وغيره مدح المصيب من الطلبة وعيب غيره كذلك انتهى.
قلت إن كان مدحه يفضي إلى تعاظم الممدوح أو كسر قلب غيره قوى التحريم وإن كان فيه تحريض على الاشتغال ونحوه قوي الاستحباب والله أعلم.
100

تاب العارية.
قوله (وهي هبة منفعة).
هذا أحد الوجهين جزم به في الهداية والخلاصة والكافي والهادي والمذهب الأحمد والوجيز وإدراك الغاية وشرح بن رزين وقدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
والوجه الثاني أنها إباحة منفعة واختاره بن عقيل وصاحب الرعاية الصغرى وبن عبدوس في تذكرته وجزم به في المغني والشرح والتلخيص والفائق.
قال الحارثي وهو أمس بالمذهب.
وقال اختاره غير واحد وقدمه في المستوعب والرعاية الكبرى وأطلقهما في النظم والفروع.
قال الحارثي ويدخل على الأول الوصية بالمنفعة وليس بإعارة.
وقال الفرق بين القولين أن الهبة تمليك يستفيد به التصرف في الشيء كما يستفيده فيه بعقد المعاوضة والإباحة رفع الحرج عن تناول ما ليس مملوكا له فالتناول مستند إلى الإباحة وفي الأول مستند إلى الملك.
وقال في تعليل الوجه الثاني فإن المنفعة لو ملكت بمجرد الإعارة لاستقل المستعير بالإجارة والإعارة كما في المنفعة المملوكة بعقد الإجارة.
تنبيه قال الحارثي تعريف المصنف للعارية بما قال توسع لا يحسن استعماله في هذا المقام إذ الهبة مصدر والمصادر ليست أعيانا والعارية نفس العين وليست بمعنى الفعل.
قال والأولى إيراد التعريف على لفظ الإعارة فيقال الإعارة هبة منفعة.
101

فوائد
الأولى تجب إعارة المصحف لمن احتاج إلى القراءة فيه ولم يجد غيره ونقله القاضي في الجامع الكبير وخرجه بن عقيل في كتب للمحتاج إليها من القضاة والحكام وأهل الفتاوي وأن ذلك واجب نقله في القاعدة التاسعة والتسعين.
قوله (تجوز في كل المنافع إلا منافع البضع).
هذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب في الجملة وجزم به في الهداية والفصول والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل لا يجوز إعارة كلب الصيد وفحل الضراب اختاره بن عقيل.
ونسبه الحارثي إلى التذكرة ولم أره فيها في هذا الباب.
وقيل لا يجوز إعارة أمة شابة لغير محرم وامرأة جزم به في التبصرة والكافي والوجيز وشرح بن رزين.
وقيل تجب العارية مع غنى المالك واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
الثانية يحرم إعارة ما يحرم استعماله لمحرم فهذا التحريم لعارض.
الثالثة يشترط فيها كون العين منتفعا بها مع بقاء عينها.
واستثنى الحارثي جواز إعارة العنز وشبهها لأخذ لبنها للنص الوارد في ذلك وعلله.
قوله (ولا يجوز إعارة العبد المسلم لكافر).
يعني للخدمة قاله الحارثي هذا الصحيح من المذهب جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والمغني والشرح والوجيز وغيرهم.
102

وقال في الفروع في باب الإجارة لا يجوز إجارة مسلم لخدمة ذمي على الأصح وكذا إعارته.
وقال في باب العارية ويجوز إعارة ذي نفع جائز منتفع به مع بقاء عينه إلا البضع وما حرم استعماله لمحرم.
وفي التبصرة وعبدا مسلما لكافر ويتوجه كإجارة.
وقيل فيه بالكراهة وعدمها انتهى.
وقال في الرعاية ولا يعار كافر عبدا مسلما.
وقلت إن جاز أن يستأجره جاز إعارته وإلا فلا.
وقال الحارثي لا يتخرج هنا من الخلاف مثل الإجارة لأن الإجارة معاوضة فتدخل في جنس البياعات وهنا بخلافه.
قوله (وتكره إعارة الأمة الشابة لرجل غير محرمها).
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والفائق.
قال في الفروع هذا الأشهر وقدمه في النظم.
قال الحارثي قال أصحابنا يكره تنزيها.
وتقدم قوله جزم به في التبصرة والكافي والوجيز بتحريمه.
قال بن عقيل لا تجوز إجارتها من العزاب.
قلت وهو الصواب وقال الناظم.
وأن يستعير المشتهاة أجنبي * إن تخف خلوة والحظر لما أبعد.
وقال في المغني لا تجوز إعارتها إن كانت جميلة إن كان يخلو بها أو ينظر إليها.
وقال في التلخيص إن كانت برزة جاز إعارتها مطلقا.
قال في البلغة تكره إعارة الجارية من غير محرم أو امرأة إلا أن تكون برزة.
103

قوله (وللمعير الرجوع متى شاء ما لم يأذن أي المعير في شغله بشيء يستضر المستعير برجوعه).
وهذا المذهب مطلقا وعليه الأصحاب في الجملة.
قال الحارثي عليه أكثر الأصحاب.
وعنه إن عين مدة تعينت.
قال الحارثي وهو الأقوى.
وعنه لا يملك الرجوع قبل انتفاعه بها مع الإطلاق.
قال القاضي قياس المذهب يقتضيه ذكره في التعليق الكبير.
قال القاضي القبض شرط في لزومها.
وقال أيضا يحصل بها الملك مع عدم قبضها.
وقال بن عقيل في مفرداته في ضمان المبيع المتعين بالعقد الملك أبطأ حصولا وأكثر شروطا من الضمان بإباحة الطعام بتقديمه إلى مالكه وضمان المنفعة بعارية العين ولا ملك فإذا حصل بالتعيين هذا الإبطاء فأولى حصول الإسراع وهو الضمان.
قال الحارثي وقال القاضي وبن عقيل والمصنف له الرجوع قبل الانتفاع حتى بعد وضع الخشب وقبل البناء عليه.
قال وهو مشكل على المذهب جدا فإن المالك لا يملك الامتناع من الإعارة ابتداء فكيف يملكه بعد اللهم إلا أن يحمل على حالة ضرر المالك أو حاجته إليه انتهى.
قلت يتصور ذلك في غير ما قال وهو حيث لم تلزم الإعارة لتخلف شرط أو وجود مانع على ما تقدم.
فائدة قال أبو الخطاب لا يملك مكيل وموزون بلفظ العارية وإن سلم ويكون قرضا فإنه يملك به وبالقبض.
104

وقال في الانتصار لفظ العارية في الأثمان قرض.
وقال في المغني والشرح وإن استعارهما للنفقة فقرض.
وقيل لا يجوز.
ونقل صالح منحة لبن هو العارية ومنحة ورق هو القرض.
وذكر الأزجي خلافا في صحة إعارة دراهم ودنانير للتجمل والزينة.
وقال في التلخيص والرعاية وغيرهما يصح إعارة أحد النقدين للوزن والتزيين.
زاد في الرعاية لتزيين امرأة أو مكان.
وقال في القاعدة الثامنة والثلاثين لو أعاره شيئا وشرط عليه العوض فهل يصح أم لا على وجهين.
أحدهما يصح ويكون كناية عن القرض فيملك بالقبض إذا كان مكيلا أو موزونا ذكره في الانتصار والقاضي في خلافه.
وقال أبو الخطاب في رؤوس المسائل في موضع يصح عندنا شرط العوض في العارية انتهى.
والوجه الثاني تفسد بذلك.
وجعله أبو الخطاب في موضع آخر المذهب لأن العوض يخرجها عن موضوعها.
قوله (وإن أعاره أرضا للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل حتى يبلى ويصير رميما.
وقال بن الجوزي يخرج عظامه ويأخذ أرضه.
105

قوله (وإن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع ما دام عليه).
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وفيه احتمال بالرجوع ويضمن نقصه.
قوله (فإن سقط عنه لهدم أو غيره لم يملك رده).
هذا المذهب سواء أعيد الحائط بآلته الأولى أو بغيرها جزم به في الشرح وشرح بن منجا والفروع والهداية والمذهب والمستوعب والحاوي الصغير والنظم والفائق والمحرر وغيرهم.
قال الحارثي قاله المصنف والقاضي وبن عقيل في آخرين من الأصحاب.
قال وقال القاضي والمصنف في باب الصلح له إعادته إلى الحائط.
قال وهو الصحيح اللائق بالمذهب لأن البيت مستمر فكان الاستحقاق مستمرا.
قوله (وإن أعاره أرضا للزرع لم يرجع إلى الحصاد إلا أن يكون مما يحصد قصيلا فيحصده في وقت قصله عرفا بلا نزاع).
ويأتي حكم الأجرة من حين رجوعه.
قوله (وإن أعارها للغرس والبناء وشرط عليه القلع في وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع بلا نزاع مجانا).
وقوله ولا يلزمه تسوية الأرض إلا بشرط.
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والوجيز والحارثي في شرحه وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل يلزمه وجزم به في المستوعب وأطلقهما في الرعاية الكبرى.
106

وإن شرط على المستعير القلع وشرط عليه تسوية الأرض لزمه مع القلع تسويتها قطع به الأصحاب.
وإن شرط عليه القلع ولم يشرط عليه تسوية الأرض لم يلزمه تسويتها على الصحيح من المذهب قطع به في الهداية والمذهب والخلاصة والمغني والشرح والوجيز وشرح الحارثي والقواعد الفقهية وشرح بن رزين والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وغيرهم.
قال في الفروع ولا يلزم المستعير تسوية الحفر.
قال جماعة وقيل يلزمه والحالة هذه.
قال في القواعد إن شرط المعير عليه قلعه لزمه ذلك وتسوية الأرض وأطلقهما في الرعاية الكبرى.
قوله (وإن لم يشترط عليه القلع لم يلزمه إلا أن يضمن المعير النقص).
وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وعند الحلواني لا يضمن النقص.
قوله (فإن فعل فعليه تسوية الأرض).
يعني إذا قلعه المستعير والحالة ما تقدم فعليه تسوية الأرض ولم يشترط عليه المعير القلع فعليه تسوية الأرض وهذا أحد الوجهين.
واختاره جماعة منهم المصنف في الكافي وجزم به فيه وفي الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والوجيز وغيرهم وهو احتمال في المغني وهو ظاهر ما قدمه في الفروع وقدمه في الشرح وهذا المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة.
107

والوجه الثاني لا يلزمه تسوية الأرض اختاره القاضي وبن عقيل وقطع به في المستوعب.
قال في الفروع ولا يلزم المستعير تسوية الحفر قاله جماعة كما تقدم.
فإن قال ذلك بعد ما ذكر شرط القلع وعدم شرطه وقدمه بن رزين في شرحه وأطلقهما في القاعدة الثامنة والسبعين.
وعند المصنف لا يلزمه تسوية الأرض إلا مع الإطلاق.
قوله (فإن أبى القلع فللمعير أخذه بقيمته).
يعني إذا أبى المستعير القلع في الحال التي لا يجبر فيها فللمعير أخذه بقيمته نص عليه في رواية مهنا وبن منصور.
وكذا نقل عنه جعفر بن محمد لكن قال في روايته يتمسكه بالنفقة.
قال الحارثي ولا بد من رضى المستعير لأنه بيع وهو الصحيح فإن أبى ذلك يعني المعير من دفع القيمة وأرش النقص وامتنع المستعير من القلع ودفع الأجر بيعا لهما فإن أبيا البيع ترك بحاله.
قال في الرعاية الكبرى فإن أبياه بقي فيها مجانا في الأصح حتى يتفقا.
وقلت بل يبيعهما الحاكم انتهى.
فلو أبى أحدهما فهل يجبر على البيع مع صاحبه فيه وجهان وأطلقهما في المحرر والفروع والفائق والنظم.
أحدهما يجبر قال في الرعايتين والحاوي الصغير أجبر في أصح الوجهين وجزم به في الوجيز وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
والوجه الثاني لا يجبر صححه الناظم وتجريد العناية وتصحيح المحرر.
فائدة يجوز لكل واحد منهما بيع ماله منفردا لمن شاء على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
108

وقيل لا يبيع المعير لغير المستعير.
قوله (ولم يذكر أصحابنا عليه أجرة من حين الرجوع).
يعني فيما تقدم من الغراس والبناء.
وذكروا عليه أجرة في الزرع وهذا مثله فيخرج فيهما وفي سائر المسائل وجهان.
ذكر الأصحاب أن عليه الأجرة في الزرع من حين الرجوع وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب منهم القاضي وأصحابه.
واختار المجد في المحرر أنه لا أجرة له وخرجه المصنف هنا وجها.
قال في القواعد ويشهد له ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية صالح وصححه الناظم والحارثي وتصحيح المحرر وجزم به في الوجيز.
وأما الغراس والبناء والسفينة إذا رجع وهي في لجة البحر والأرض إذا أعارها للدفن ورجع قبل أن يبلى الميت والحائط إذا أعاره لوضع أطراف الخشب عليه ورجع ونحو ذلك فلم يذكر الأصحاب أن عليه أجرة من حين الرجوع.
وخرج المصنف في ذلك كله من الأجرة في الزرع وجهين.
وجه بعدم الأجرة وهو ظاهر كلام الأصحاب وقدمه في الرعايتين ومال الحارثي إلى عدم التخريج وأبدى فرقا.
ووجه بوجوبها قياسا على ما ذكره في الفروع وأطلق هذين الوجهين في الفائق والحاوي الصغير.
وخرجه بعضهم في الغراس والبناء لا غير.
وخرجه بعضهم في الجميع أعني وجوب الأجرة في الجميع.
وجزم في المحرر أنه لا أجرة بعد رجوعه في مسألة إعارة الأرض للدفن والحائط لوضع الخشب والسفينة.
109

وجزم في التبصرة بوجوب الأجرة في مسألة السفينة.
اختاره أبو محمد يوسف الجوزي فيما سوى الأرض للدفن.
قوله (وإن حمل السيل بذرا إلى أرض فنبت فيها فهو لصاحبه مبقى إلى الحصاد بأجرة مثله وهو المذهب).
وقال في الرعايتين والفروع فلصاحب الأرض أجرة مثله في الأصح وصححه في النظم والحارثي وجزم به في الوجيز ونص عليه.
قال في القاعدة التاسعة والسبعين لو حمل السيل بذر إنسان إلى أرض غيره فنبت فيها فهل يلحق بزرع الغاصب أو بزرع المستعير أو المستأجر من بعد انقضاء المدة على وجهين أشهرهما أنه كزرع المستعير وهو اختيار القاضي وابنه أبي الحسين وبن عقيل.
وذكره أبو الخطاب عن الإمام أحمد رحمه الله وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والفائق والتلخيص.
فعلى هذا قال القاضي لا أجرة له واختاره بن عقيل أيضا ذكره في القواعد.
وقيل له الأجرة وذكره أبو الخطاب أيضا عن الإمام أحمد رحمه الله وأطلقهما في القواعد.
قوله (ويحتمل أن لصاحب الأرض أخذه بقيمته).
قال في الهداية ومن تابعه وقيل هو لصاحب الأرض وعليه قيمة البذر.
وزاد في الرعايتين وقيل بل بقيمته إذن.
زاد في الكبرى ويحتمل أنه كزرع غاصب.
وتقدم كلام صاحب القواعد.
110

وتقدم في آخر المساقاة إذا نبت الساقط من الحصاد في عام قابل أنه يكون لرب الأرض على الصحيح من المذهب.
قوله (وإن حمل غرس رجل فنبت في أرض غيره فهل يكون كغرس الشفيع أو كغرس الغاصب على وجهين).
وأطلقهما في المغني والشرح.
أحدهما يكون كغرس الشفيع على ما يأتي في بابه وهو المذهب.
قال الناظم هذا الأقوى وقدمه في الفروع والرعايتين والحاوي الصغير.
الوجه الثاني هو كغرس الغاصب على ما يأتي في بابه جزم به في الوجيز.
وقال في الرعاية الكبرى قلت بل كغرس مشتري شقص له شفعة وعلى كل حال يلزم صاحب الغرس تسوية الحفر.
تنبيه قوله فهل يكون كغرس الشفيع فيه تساهل وإنما يقال فهل هو كغرس المشتري الشقص الذي يأخذه الشفيع ولهذا قال الحارثي وهو سهو وقع في الكتاب انتهى.
مع أن المصنف تابعه جماعة منهم صاحب الفائق والنظم والرعايتين والحاوي الصغير.
فوائد
الأولى وكذا حكم النوى والجوز واللوز إذا حمله السيل فنبت.
الثانية لو ترك صاحب الزرع أو الشجر لصاحب الأرض الذي انتقل إليه من ذلك لم يلزمه نقله ولا أجرة ولا غير ذلك.
الثالثة لو حمل السيل أرضا بشجرها فنبتت في أرض أخرى كما كانت فهي لمالكها يجبر على إزالتها ذكره في المغني والشرح والفائق.
111

فائدة قوله وحكم المستعير في استيفاء المنفعة حكم المستأجر.
يعني أنه كالمستأجر في استيفاء المنفعة بنفسه وبمن قام مقامه وفي استيفائها بعينها وما دونها في الضرر من نوعها إلا أنهما يختلفان في شيئين.
أحدهما لا يملك الإعارة ولا الإجارة على ما يأتي.
الثاني الإعارة لا يشترط لها تعيين نوع الانتفاع فلو أعاره مطلقا ملك الانتفاع بالمعروف في كل ما هو مهيأ له كالأرض مثلا هذا الصحيح.
وفيه وجه أنها كالإجارة في هذا ذكره في التلخيص وغيره.
ذكر ذلك الحارثي وغيره.
قوله (والعارية مضمونة بقيمتها يوم التلف وإن شرط نفي ضمانها).
هذا المذهب نص عليه بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والفروع والفائق وغيرهم.
قال الحارثي نص الإمام أحمد رحمه الله على ضمان العارية وإن لم يتعد فيها كثير متكرر جدا من جماعات وقف على رواية اثنين وعشرين رجلا وذكرها.
قال في الفروع وقاس جماعة هذه المسألة على المقبوض على وجه السوم فدل على رواية مخرجة وهو متجه انتهى.
وذكر الحارثي خلافا لا يضمن.
وذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله عن بعض الأصحاب واختاره بن القيم رحمه الله في الهدى.
112

قوله (وعن الإمام أحمد رحمه الله أنه ذكر له ذلك فقال المسلمون على شروطهم فيدل على نفي الضمان بشرطه).
فهذه رواية بالضمان إن لم يشرط نفيه وجزم بها في التبصرة.
وعنه يضمن إن شرطه وإلا فلا اختاره أبو حفص العكبري والشيخ تقي الدين رحمه الله وصاحب الفائق.
وقوله وكل ما كان أمانة لا يصير مضمونا بشرطه.
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
قال في المغني والشرح والفائق وغيرهم هذا ظاهر المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه المسلمون على شروطهم كما تقدم.
فائدة لا يضمن الوقف إذا استعاره وتلف بغير تفريط ككتب العلم وغيرها في ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله والأصحاب قاله في الفروع.
وعلى هذا لو استعاره برهن ثم تلف أن الرهن يرجع إلى ربه.
قلت فيعايى بها فيهما.
قوله (وإن تلفت أجزاؤها بالاستعمال كخمل المنشفة فعلى وجهين).
أصلهما احتمالان للقاضي في المجرد وأطلقهما في الهداية والمستوعب والمغني والشرح والرعاية الكبرى.
أحدهما لا يضمن إذا كان استعمالها بالمعروف وهو الصحيح من المذهب.
قال في الفروع لم يضمن في الأصح وصححه في التصحيح والمذهب والخلاصة والرعاية الصغرى والحارثي والحاوي الصغير وتجريد العناية وغيرهم وقطع به في التعليق والمحرر.
113

والوجه الثاني يضمن وكلامه في الوجيز محتمل وقدمه بن رزين في شرحه.
فائدتان
إحداهما لو تلفت كلها بالاستعمال بالمعروف فحكمها كذلك وكذا الحكم والمذهب لو تلف ولد العارية أو الزيادة.
وفي ضمان ولد المؤجرة والوديعة الوجهان.
وتقدم في أثناء باب الضمان في أواخر المقبوض على وجه السوم حكم ولد الجناية والضامنة والشاهدة والموصى بها.
ويأتي حكم ولد المكاتبة والمدبرة في بابيهما.
الثانية يقبل قول المستعير بأنه ما تعدى بلا نزاع.
ولا يضمن رائض ووكيل لأنه غير مستعير.
قوله (وليس للمستعير أن يعير).
هذا الصحيح من المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وقدمه في الشرح ونصره وصححه في النظم والفائق والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وغيرهم وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والمغني والبلغة والوجيز وغيرهم.
قال الحارثي هذا المشهور في المذهب وحكاه جمهور الأصحاب انتهى.
وقيل له ذلك.
قال الشارح وحكاه صاحب المحرر قولا للإمام أحمد رضي الله عنه.
وأطلقهما في المحرر والرعاية الكبرى والفروع وقال أصلهما هل هي هبة منفعة أم إباحة منفعة فيه وجهان.
وكذا هو ظاهر بحث المصنف في المغني والشرح.
114

قال الحارثي أصل هذا ما قدمنا من أن الإعارة إباحة منفعة.
وقال عن الوجه الثاني يتفرع على رواية اللزوم في العارية المؤقتة انتهى.
قلت قطع في القاعدة السابعة والثمانين بجواز إعارة العين المعارة المؤقتة إذا قيل بلزومها وملك المنفعة فيها انتهى.
قلت وظاهر كلام المصنف هنا وصاحب الهداية والخلاصة والوجيز وغيرهم أن الخلاف هنا ليس مبنيا فإنهم قالوا هي هبة منفعة.
وقالوا ليس للمستعير أن يعير.
قال في الفروع ويتوجه عليهما تعليقها بشرط وذكر في المنتخب أنه يصح.
قال في الترغيب يكفي ما دل على الرضى من قول أو فعل فلو سمع من يقول أردت من يعيرني كذا فأعطاه كفى
لأنه إباحة عقد انتهى.
وقيل له أن يعيرها إذا وقت له المعير وقتا وإلا فلا.
فائدتان
إحداهما محل الخلاف إذا لم يأذن المعير له فأما إن أذن له فإنه يجوز قولا واحدا وهو واضح.
الثانية ليس للمستعير أن يؤجر ما استعاره بغير إذن المعير على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وقيل له ذلك في الإعارة المؤقتة.
ومتى قلنا بصحتها فإن المستأجر لا يضمن على الصحيح من المذهب.
وقيل يضمن.
قلت فيعايى بها.
115

وتقدم عكسها في الإجارة عند قوله وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله وهو لو أعار المستأجر العين المؤجرة فتلفت عند المستعير من غير تعد هل يضمنها.
وتقدم في باب الرهن جواز رهن المعار وأحكامه فليعاود.
وتقدم حكم سهم الفرس المستعار في كلام المصنف في باب قسمة الغنائم.
فوائد
منها لو قال إنسان لا أركب الدابة إلا بأجرة وقال ربها لا آخذ لها أجرة ولا عقد بينهما فركبها وتلفت فحكمها حكم العارية وجزم به في الفروع والرعاية الكبرى وقال قلت إن قدر إجارتها فهي إجارة مهدرة وإلا فلا.
ومنها لو أركب دابته منقطعا لله تعالى فتلفت تحته لم يضمن على الصحيح من المذهب جزم به في التلخيص والحاوي الصغير والرعاية الصغرى وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره وقيل يضمن.
ومنها لو أردف المالك شخصا فتلفت لم يضمن شيئا على الصحيح من المذهب.
وقيل يضمن نصف القيمة ومال إليه الحاوي.
قوله (وعلى المستعير مؤنة رد العارية).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطعوا به منهم المصنف والشارح والحلواني في التبصرة وصاحب المحرر والفروع والوجيز وبن منجا في شرحه وغيرهم.
وقيل مؤنة ردها على المالك ذكره في القاعدة الثامنة والثلاثين.
قوله (فإن رد الدابة إلى اصطبل المالك أو غلامه لم يبرأ من الضمان).
هذا المذهب وعليه الأصحاب إلا أن صاحب الرعايتين اختار عدم الضمان بردها إلى غلامه.
116

قوله (إلا أن يردها إلى من جرت عادته بجريان ذلك على يده كالسائس ونحوه).
كزوجته والخازن والوكيل العام في قبض حقوقه قاله في المجرد وهذا المذهب أعني أنه لا يضمن إذا ردها إلى من جرت عادته بجريان ذلك على يده وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وعند الحلواني لا يبرأ بدفعها إلى السائس.
فظاهر ما قدمه في المستوعب أنه لا يبرأ إلا بدفعها إلى ربها أو وكيله فقط.
ويأتي نظير ذلك في الوديعة.
فائدة لو سلم شريك لشريكه الدابة فتلفت بلا تفريط ولا تعد بأن ساقها فوق العادة ونحوه لم يضمن قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله واقتصر عليه في الفروع.
قلت وهو الصواب.
قال في الفروع ويتوجه كعارية إن كان عارية وإلا لم يضمن.
قلت قال القاضي في المجرد يعتبر لقبض المشاع إذن الشريك فيه فيكون نصفه مقبوضا تملكا ونصف الشريك أمانة.
وقال في الفنون بل عارية مضمونة.
ويأتي ذلك في قبض الهبة.
قوله (وإذا اختلفا فقال أجرتك قال بل أعرتني إذا كان الاختلاف عقيب العقد فالقول قول الراكب بلا نزاع والحالة هذه فلا يغرم القيمة).
وإن كان بعد مضي مدة لها أجرة فالقول قول المالك فيما مضى من المدة هذا الصحيح من المذهب.
قال في الفروع وبعد مضي مدة لها أجرة يقبل قول المالك في الأصح في.
117

ماضيها وجزم به في المغني والشرح والوجيز والهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم وقدمه في المستوعب والتلخيص والرعاية الكبرى والحاوي الصغير وغيرهم.
قال الحارثي هو قول معظم الأصحاب.
وقيل القول قول الراكب اختاره بن عقيل في تذكرته.
قال في المستوعب وهو محمول على ما إذا اختلفا عقب قبض العين وقبل انتفاع القابض يعني المسألة الأولى.
قال في التلخيص وعندي أن كلامه على ظاهره وعلله.
فعلى المذهب يحلف على نفي الإعارة.
وهل يتعرض لإثبات الإجارة.
قال الحارثي ظاهر كلام المصنف والأكثرين التعرض.
وقال في التلخيص لا يتعرض لإثبات الإجارة ولا للأجرة المسماة وقطع به.
قال الحارثي وهو الحق.
فعلى هذا الوجه يجب أقل الأجرين من المسمى أو أجرة المثل جزم به في التلخيص.
قوله (وهل يستحق أجرة المثل أو المدعي إن زاد عليها على وجهين).
وأطلقهما في الفائق وشرح بن منجا والمحرر.
أحدهما له أجرة المثل وهو الصحيح من المذهب وصححه المصنف والشارح وصاحب التصحيح وتصحيح المحرر والنظم وغيرهم وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في الفروع والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
118

والوجه الثاني يستحق المدعي إن زاد على أجرة المثل.
وقيل له الأقل من المسمى وأجرة المثل اختاره في المحرر وأطلقهن الحارثي.
وقيل يستحق المسمى مطلقا.
فائدتان
إحداهما وكذا الحكم لو ادعى بعد زرع الأرض أنها عارية وقال رب الأرض بل إجارة ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
قلت وكذا جميع ما يصلح للإجارة والإعارة إذا اختلفا بعد مضي مدة لها أجرة.
الثانية قوله وإن قال أعرتك قال بل أجرتني والبهيمة تالفة فالقول قول المالك.
بلا نزاع وكذا مثلها في الحكم لو قال أعرتني قال بل أودعتك فالقول قول المالك ويضمن ما انتفع منها وكذا لو اختلفا في ردها فالقول قول المالك.
قوله (وإن قال أعرتني أو أجرتني قال بل غصبتني فالقول قول المالك).
في أنه ما أجر ولا أعار بلا نزاع ثم هنا صورتان.
إحداهما أن يقول أعرتني فيقول المالك بل غصبتني فإن وقع الاختلاف عقيب العقد والدابة باقية أخذها المالك ولا معنى للاختلاف وكذا إن كانت تالفة قاله المصنف وغيره.
قال الحارثي ويحلف على أصح الوجهين.
وإن وقع بعد مضي مدة لها أجرة فيجب عليه أجرة المثل لأن القول.
119

قول المالك على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وصححوه.
وقيل القول قول الراكب وأطلقهما في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق.
الصورة الثانية قال أجرتني قال بل غصبتني فالقول قول المالك على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وصححوه.
وقيل القول قول الراكب.
تنبيهان
أحدهما ثمرة الخلاف تظهر في هذه الصورة مع التلف فتجب القيمة على المذهب.
وعلى الثاني لا شيء على الراكب ويحلف ويبرأ.
ومع عدم التلف يرجع بالعين في الحال مع اليمين بلا نزاع ولا يأتي الوجه الآخر هنا قاله الحارثي.
وأما الأجرة فمتفقان عليها اللهم إلا أن يتفاوت المسمى وأجرة المثل فإن كان أجر المثل أقل أخذه المالك وكذلك لو استويا ويحلف على الصحيح وإن كان الأجر أكثر حلف ولا بد وجها واحدا قاله الحارثي.
الثاني قوله وقيل القول قول الغاصب فيه تجوز.
قال الحارثي وليس بالحسن وكان الأجود أن يقول القابض أو الراكب ونحوه إذ قبول القول ينافي كونه غاصبا انتهى.
فائدة لو قال المالك أعرتك قال بل أودعتني فالقول قول المالك ويستحق قيمة العين إن كانت تالفة.
ولو قال المالك أودعتك قال بل أعرتني فالقول قول المالك أيضا ويستحق أجرة ما انتفع بها فهو كما لو قال غصبتني ذكرهما في المستوعب وغيره.
120

كتاب الغصب.
قوله (وهو الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق).
وكذا قال في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمذهب الأحمد والحاوي الصغير وغيرهم.
وليس بجامع لعدم دخول غصب الكلب وخمر الذمي والمنافع والحقوق والاختصاص.
قال الحارثي وحقوق الولايات كمنصب الإمارة والقضاء.
قال الزركشي الاستيلاء يستدعي القهر والغلبة فإذن قوله قهرا زيادة في الحد ولهذا أسقطه في المغني انتهى.
قلت الذي يظهر أن الاستيلاء يشمل القهر والغلبة وغيرهما فلو اقتصر على الاستيلاء لورد عليه المسروق والمنتهب والمختلس فإن ذلك لا يسمى غصبا ويقال استولى عليه.
وقال في المطلع فلو قال الاستيلاء على حق غيره لصح لفظا وعم معنى انتهى.
وقوله لصح لفظا لكون المصنف أدخل الألف واللام على غير.
قال والمعروف عند أهل اللغة عدم دخولهما عليها.
قلت قد حكى النووي رحمه الله في تهذيب الأسماء واللغات عن غير واحد من أهل العربية أنهم جوزوا دخولهما على غير.
وممن أدخل الألف واللام على غير من الأصحاب من تقدم ذكره وصاحب المحرر والرعايتين والحارثي.
وقال في الرعايتين هو الاستيلاء على مال الغير قهرا ظلما.
ويرد عليه ما تقدم.
وقال في الفروع تبعا للحارثي هو الاستيلاء على حق غيره قهرا ظلما.
121

قال الحارثي هذا أسد الحدود.
قلت فهو أولى من حد صاحب المطلع وأمنع فإنه يرد على حد صاحب المطلع لو استولى على حق غيره من غير ظلم ولا قهر أنه يسمى غصبا وليس كذلك اللهم إلا أن يكون مراده ذلك مع بقية حد المصنف وهو الظاهر.
وقال في الوجيز هو الاستيلاء على حق غيره ظلما.
ويرد عليه ما أخذ من غير قهر.
وقال في تجريد العناية هو استيلاء غير حربي على حق غيره قهرا بغير حق.
قلت هو أصح الحدود وأسلمها.
ويرد على حد غيره استيلاء الحربي فإنه استيلاء على حق غيره قهرا بغير حق وليس بغصب على ما يأتي قريبا في كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال في المحرر هو الاستيلاء على مال الغير ظلما.
وتابعه في الفائق وإدراك الغاية ومعناه في الكافي والعمدة والمغني.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وقوله على مال الغير ظلما يدخل فيه مال المسلم والمعاهد وهو المال المعصوم ويخرج منه استيلاء المسلمين على أموال أهل الحرب فإنه ليس بظلم.
ويدخل فيه استيلاء أهل الحرب على مال المسلمين وليس بجيد فإنه ليس من الغصب المذكور حكمه هذا بإجماع المسلمين إذ لا خلاف أنه لا يضمن بالإتلاف ولا بالتلف وإنما الخلاف في وجوب رد عينه إذا قدرنا على أخذه وأما أموال أهل البغي وأهل العدل فقد لا يرد لأنه هناك لا يجوز الاستيلاء على عينها ومتى أتلفت بعد الاستيلاء على عينها ضمنت وإنما الخلاف في ضمانها بالإتلاف وقت الحرب.
ويدخل فيه ما أخذه الملوك والقطاع من أموال الناس بغير حق من المكوس وغيرها.
فأما استيلاء أهل الحرب بعضهم على بعض فيدخل فيه وليس بجيد.
122

لأنه ظلم فيحرم عليهم قتل النفوس وأخذ الأموال إلا بأمر الله.
لكن يقال لما كان المأخوذ مباحا بالنسبة إلينا لم يصر ظلما في حقنا ولا في حق من أسلم منهم.
فأما ما أخذ من الأموال والنفوس أو أتلف منهما في حال الجاهلية فقد أقر قراره لأنه كان مباحا لأن الإسلام عفا عنه فهو عفو بشرط الإسلام وكذا بشرط الأمان فلو تحاكم إلينا مستأمنان حكمنا بالاستقرار انتهى.
قلت ويرد عليه ما ورد على المصنف وغيره مما تقدم ذكره.
ويرد عليه أيضا المسروق والمختلس ونحوهما.
قوله (ويضمن العقار بالغصب).
هذا المذهب وعليه الأصحاب حتى إن القاضي وأكثر أصحابه لم يذكروا فيه خلافا.
وعنه ما يدل على أن العقار لا يضمن بالغصب نقله بن منصور.
فائدتان
إحداهما يحصل الغصب بمجرد الاستيلاء قهرا ظلما كما تقدم على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل يعتبر في غصب ما ينقل نقله وجزم به في التلخيص إلا ما استثناه فيه.
وفي الترغيب فقال إلا في ركوبه دابة وجلوسه على فراش فإنه غاصب وأطلق الوجهين في الرعاية.
وقال ومن ركب دابته أو جلس على فراشه أو سريره قهرا فهو غاصب.
الثالثة قال في القاعدة الحادية والتسعين من الأصحاب من قال منفعة البضع لا تدخل تحت اليد وبه جزم القاضي في خلافه وبن عقيل في تذكرته وغيرهما وفرعوا عليه صحة تزويج الأمة المغصوبة وأن الغاصب لا يضمن مهرها ولو حبسها عن النكاح حتى فات بالكبر.
123

وخالف بن المنى وجزم في تعليقه بضمان مهر الأمة بتفويت النكاح وذكر في الحرة ترددا لامتناع ثبوت اليد عليها.
قوله (وإن غصب كلبا فيه نفع أو خمر ذمي لزمه رده).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقدمه في الفروع وغيره.
وذكر في الانتصار لا ترد الخمر وتلزم إراقتها إن حد وإلا لزمه تركه وعليهما يخرج تعذير مريقة.
وقال في القواعد الأصولية لو غصب مسلم خمر ذمي انبنى وجوب ردها على ملكها لهم وفيه روايتان حكاهما القاضي يعقوب وغيره.
إحداهما يملكونها فيجب الرد وهذا قول جمهور أصحابنا.
والثانية لا يملكونها فينبغي وجوب الرد.
وقد يقال لا يجب.
واتفق الأصحاب على إراقتها إذا أظهرها ولو أتلفها لم يضمنها عند الجمهور وخرج أبو الخطاب وجها بضمان قيمتها إذا قلنا إنها مال لهم وأباه الأكثرون.
وحكى لنا قول يضمنها الذمي للذمي.
وقال في الترغيب وعيون المسائل ترد الخمر المحترمة ويرد ما تخلل بيده إلا ما أريق فجمعه آخر فتخلل لزوال يده هنا.
وتقدم في أول باب إزالة النجاسة أن الصحيح أن لنا خمرا محترمة وهي خمرة الخلال.
ويأتي في حد المسكر هل يحد الذمي بشربها في كلام المصنف.
124

تنبيهان
أحدهما محل الخلاف إذا كانت مستورة فأما إذا لم تكن مستورة فلا يلزمه ردها قولا واحدا.
الثاني ظاهر كلام المصنف أنه لو غصب خمر مسلم لا يلزمه رده وهو صحيح لكن لو تخللت في يد الغاصب وجب ردها ذكره القاضي وبن عقيل والأصحاب لأن يد الأول لم تزل عنها بالغصب فكأنها تخللت في يده قاله في القاعدة الخامسة والثمانين.
وقال واختلفت عبارات الأصحاب في زوال الملك بمجرد التخمير فأطلق الأكثرون الزوال منهم القاضي وبن عقيل.
وظاهر كلام بعضهم أن الملك لم يزل منهم صاحب المغني في كتاب الحج وفي كلام القاضي ما يدل عليه.
وبكل حال لو عاد خلا عاد الملك الأول بحقوقه من ثبوت الرهينة وغيرها حتى لو خلف خمرا ودينا فتخللت
قضى منه دينه ذكره القاضي في المجرد في الرهن انتهى.
قوله (وإن أتلفه لم يلزمه قيمته).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه يلزمه قيمة الخمر.
وخرج يضمنها الذمي بمثلها.
قال في الفروع وعنه يرد قيمتها وقيل ذمي.
وقال في الإيضاح يضمن الكلب.
125

ويأتي قريبا إذا صاد بالكلب وغيره من الجوارح هل يرد الصيد وتلزمه الأجرة أيضا أم لا في كلام المصنف.
وتقدم أول الضمان إذا أسلم المضمون له أو المضمون عنه هل يسقط الدين إذا كان خمرا.
قوله (وإن غصب جلد الميتة فهل يلزمه رده على وجهين).
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والرعاية الصغرى والحاوي والفائق وغيرهم وهما مبنيان على طهارته بالدبغ وعدمها.
فإن قلنا يطهر بالدبغ وجب رده وإن قلنا لا يطهر بالدبغ لم يجب رده.
وقد علمت إن المذهب لا يطهر بدبغه فلا يجب رده هنا.
هذا هو الصحيح من المذهب وجزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي وبن منجا وغيرهم.
وقدم هذه الطريقة في الكافي والفروع وشرح بن رزين وغيرهما.
وقيل لا يجب رده ولو قلنا يطهر بالدبغ.
وقال في الفروع وفي رد جلد ميتة وجهان وقيل ولو طهر.
فظاهره أن المقدم عنده أن الخلاف على القول بعدم الطهارة.
قوله (فإن دبغه وقلنا بطهارته لزمه رده).
هذا الصحيح من المذهب قدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع والفائق وغيرهم.
وجزم به بن منجا والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وغيرهم.
وقيل لا يلزمه رده لصيرورته مالا بفعله بخلاف الخمرة المتخللة وهو احتمال للمصنف والشارح.
126

قال الحارثي وفي هذا الفرق بحث.
وأطلق في الفروع في لزوم رده إذا دبغه الغاصب وجهين.
قال الحارثي وإن كان الغاصب دبغه ففي رده الوجهان المبنيان.
وإن قلنا لا يطهر لم يجب رده على الصحيح من المذهب قدمه في المغني والكافي والشرح والفائق وغيرهم.
وقيل يجب رده إذا قلنا يباح الانتفاع به في اليابسات وكذلك قبل الدبغ وجزم به الحارثي في شرحه.
وظاهر الفروع إطلاق الخلاف كما تقدم.
وقال في الرعاية الكبرى وإن غصب جلد ميتة فأوجه الرد وعدمه.
والثالث إن قلنا يطهر بدبغه أو ينتفع به في يابس رده وإلا فلا وإن أتلفه فهدر وإن دبغه وقلنا يطهر رده انتهى.
قوله (وإن استولى على حر لم يضمنه بذلك).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
قال في الفروع والرعايتين والحاوي الصغير ولا يضمن حر بغصبه في الأصح.
قال الحارثي هذا المذهب وعليه جمهور الأصحاب لأن اليد لا يثبت حكمها على الحر.
وفي التلخيص وجه بثبوت اليد عليه.
وبنى على هذا هل لمستأجر الحر إيجاره من آخر إن قيل بعدم الثبوت امتنع الإيجار وإنما هو يسلم نفسه وإلا فلا يمتنع.
فعلى المذهب لو غصب دابة عليها مالكها ومتاعه لم يضمن ذلك الغاصب قاله القاضي في الخلاف الكبير واقتصر عليه في القاعدة الثامنة والتسعين.
127

قوله (إلا أن يكون صغيرا ففيه وجهان).
وأطلقهما في المغني والرعاية الكبرى والقواعد الفقهية والشرح والفائق والحارثي.
أحدهما لا يضمنه وهو المذهب صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز وشرح بن رزين وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره وهو ظاهر ما قطع به في الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم.
والوجه الثاني يضمنه قدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
وقدم في النظم أن الصغير لو لدغ أو صعق وجوب الدية.
وقال بن عقيل لا تجب كما لو مرض على الصحيح.
ويأتي هذا في أوائل كتاب الديات في كلام المصنف.
فعلى المذهب هل يضمن ثيابه وحليته على الوجهين وأطلقهما في الشرح والنظم والفروع وشرح بن منجا والحاوي الصغير والرعايتين.
أحدهما يضمنها صححه في التصحيح والفائق.
قال الحارثي وهو أصح.
والوجه الثاني لا يضمنها جزم به في المغني والوجيز.
فائدة وكذا الحكم والخلاف في أجرته مدة حبسه على ما يأتي وإيجار المستأجر له قاله في الفروع وجزم في الوجيز هنا بوجوب الأجرة.
قوله (وإن استعمل الحر كرها فعليه أجرته).
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا به.
ولو منعه العمل من غير حبس ولو عبدا لم يلزمه أجرته جزم به في المغني والشرح وشرح بن منجا والفائق
وغيرهم.
128

قال في الفروع ويتوجه بلى فيهما.
قلت وهو الصواب وهو في العبد آكد.
وقال في الترغيب في منفعة حر وجهان.
وقال في الانتصار لا يلزمه بإمساكه لآن الحر في يد نفسه ومنافعه تلفت معه كما لا يضمن نفسه وثوبه الذي عليه بخلاف العبد.
وكذا قال في عيون المسائل لا يضمنه إذا أمسكه لأن الحر في يد نفسه ومنافعه تلفت معه كما لا يضمن نفسه وثوبه الذي عليه بخلاف العبد فإن يد الغاصب ثابتة عليه ومنفعته بمنزلته.
قوله (وإن حبسه مدة فهل يلزمه أجرته على وجهين).
وهما احتمالان في الهداية وأطلقهما فيها وفي المذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والكافي والهادي والشرح والمحرر والفائق والرعايتين والحاوي الصغير والفروع.
أحدهما يلزمه وهو الصحيح صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه بن رزين في شرحه.
والوجه الثاني لا يلزمه صححه الناظم.
قال الحارثي وهو الأصح وعليه دل نصه.
وتقدم في التي قبلها ما يستأنس به في هذه المسألة.
قوله (وإن خلطه بما يتميز منه لزمه تخليصه إن أمكن).
وكذا إن أمكن تخليص بعضه وإن لم يمكن تخليصه منه فسيأتي في أول الفصل الرابع من الباب.
قوله (وإن زرع الأرض وردها بعد أخذ الزرع فعليه أجرتها).
129

هذا المذهب وعليه الأصحاب.
ونقل حرب حكمها حكم الزرع الذي لم يحصد.
قال في الفائق قلت وجنح بن عقيل إلى مساواة الحكمين.
واختاره صاحب الفائق في غير الفائق ورد كلام الأصحاب.
قال في القاعدة التاسعة والسبعين ووهم أبو حفص ناقلها على أن من الأصحاب من رجحها بناء على أن الزرع نبت على ملك مالك الأرض ابتداء والمعروف في المذهب خلافه انتهى.
قال الحارثي هذا المعروف عند الأصحاب.
قال وعنه يحدث على ملك رب الأرض ذكره القاضي يعقوب ومنع في تعليقه من كونه ملكا للغاصب.
وقال لا فرق بين ما قبل الحصاد وبعده على ما نقله حرب.
قال الحارثي وكذا أورده القاضي في تعليقه الكبير فيما أظن أو أجزم وأورده شيخنا أبو بكر بن الصيرفي في كتاب نوادر المذهب انتهى.
قال في الفائق وقال القاضي يعقوب لا فرق بين ما قبل الحصاد وبعده في إحدى الروايتين.
وبناه على أن زرع الغاصب هل يحدث على ملك صاحب البذر أو صاحب الأرض على روايتين والحدوث على ملك صاحب الأرض هو المختار انتهى.
وقال أيضا وهل القياس كون الزرع لرب البذر أو لرب الأرض المنصوص الأول.
وقال بن عقيل والشيخ تقي الدين رحمه الله الثاني.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا ينبني هذا على المدفوع إن كان النفقة فلرب الأرض مطلقا والمنصوص التفرقة.
فعلى المذهب على الغاصب أجرة المثل.
130

وعلى الرواية الثانية للغاصب نفقة الزرع وأما مؤنة الحصاد فيحتمل أن تكون كذلك ويحتمل أن لا تجب.
قال الحارثي وهو الأقوى.
تنبيه قوله وردها بعد أخذ الزرع.
هذا المذهب أعني أنه يشترط أن يكون قد حصده وعليه أكثر الأصحاب.
وقال في الرعاية قيل أو استحصد قبله ولم يحصد.
قوله (وإن أدركها ربها والزرع قائم خير بين تركه إلى الحصاد بأجرته وبين أخذه بعوضه).
هذا الصحيح من المذهب نص عليه.
قال الحارثي تواتر النص عن الإمام أحمد رحمه الله أن الزرع للمالك وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال الزركشي هو قول القاضي وعامة أصحابه والشيخين انتهى.
قال الحارثي هو قول القاضي وجمهور أصحابه ومن تلاهم والمصنف في سائر كتبه وهو من مفردات المذهب قال ناظمها.
الاحترام احكم لزرع الغاصب * وليس كالباني أو كالناصب.
إن شاء رب الأرض ترك الزرع * بأجرة المثل فوجه مرعي.
أو ملكه إن شاء بالإنفاق * أو قيمة للزرع بالوفاق.
ويحتمل أن يكون الزرع للغاصب وعليه الأجرة وهذا الاحتمال لأبي الخطاب وقيل له قلعه إن ضمنه.
واختار بن عقيل وغيره أن الزرع لرب الأرض كالولد فإنه لسيد الأم لكن المنى لا قيمة له بخلاف البذر ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
131

قال الزركشي وهذا القول ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في عامة نصوصه والخرقي والشيرازي وبن أبي موسى فيما أظن وعليه اعتمد الإمام أحمد.
وكذا قال الحارثي ظاهر كلام من تقدم من الأصحاب كالخرقي وأبي بكر وبن أبي موسى عدم التخيير فإن كلا منهم قال الزرع لمالك الأرض وعليه النفقة.
وهذا بعينه هو المتواتر عن الإمام أحمد رحمه الله ولم يذكر أحد عنه تخييرا وهو الصواب وعلله انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله فيمن زرع بلا إذن شريكه والعادة بأن من زرع فيها له نصيب معلوم ولربها نصيب قسم ما زرعه في نصيب شريكه كذلك قال ولو طلب أحدهما من الآخر أن يزرع معه أو يهايئه فيها فأبى فللأول الزرع في قدر حقه بلا أجرة كدار بينهما فيها بيتان سكن أحدهما عند امتناعه مما يلزمه انتهى.
قلت وهذا الصواب ولا يسع الناس غيره.
قوله (وهل ذلك قيمته أو نفقته على وجهين).
وهما وجهان في نسخة مقروءة على المصنف وفي نسخة روايتان وعليها شرح الشارح وبن منجا.
قال الحارثي حكاهما متأخرو الأصحاب والمصنف في كتابه الكبير روايتين وأوردهما هنا وجهين.
قال والصواب أنهما روايتان.
قال هو والشارح والمنقول عن الإمام أحمد في ذلك روايتان وأطلقهما في الهداية وتذكرة بن عقيل والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والمغني والكافي والهادي والتلخيص والبلغة والشرح والزركشي.
أحداهما يأخذه بنفقته وهي ما أنفق من البذر ومؤنة الزرع من الحرث.
132

والسقي وغيرهما وهو المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي والشيرازي.
واختاره القاضي في رؤوس المسائل وبن عقيل.
قال الحارثي وهو المذهب وعليه متقدمو الأصحاب كالخرقي وأبي بكر ثم بن أبي موسى والقاضي في كتابي المجرد ورؤوس المسائل وبن عقيل لصريح الأخبار المتقدمة فيه انتهى.
وصححه في التصحيح وجزم به في الطريق الأقرب والوجيز وقدمه في الخلاصة والفروع والفائق.
والرواية الثانية يأخذه بقيمته زرعا الآن.
صححه القاضي في التعليق وجزم به في العمدة والمنور ومنتخب الأزجي وقدمه في المحرر والنظم والرعايتين والحاوي الصغير وتجريد العناية وإدراك الغاية واختاره بن عبدوس في تذكرته.
قلت والنفس تميل إليه.
قال بن الزاغوني أصلهما هل يضمن ولد المغرور بمثله أو قيمته.
وعنه رواية ثالثة يأخذه بأيهما شاء نقلها مهنا قاله في الفروع.
قال الحارثي وحكى القاضي حسين في كتاب التمام عن أخيه أبي القاسم رواية بالتخيير وهو الظاهر من إيراد القاضي يعقوب في التعليق وذكر نص مهنا.
وقال في الفائق وخرج أبو القاسم بن القاضي رواية بالخيرة فكأنه ما اطلع على كلام الحارثي أو أن لأبي القاسم تخريج رواية ثم اطلع فوافق التخريج لها.
فعلى الرواية الثانية واحتمال أبي الخطاب لرب الأرض أجرتها إلى حين تسليم الزرع على الصحيح من المذهب جزم به في المغني والشرح والحارثي وغيرهم وقدمه في الفروع.
وذكر أبو يعلى الصغير أنه لا أجرة له ونقله إبراهيم بن الحارث.
وعلى المذهب أعني إذا أوجبنا رد النفقة فقال في المغني والشرح يرد.
133

مثل البذر وبه قال بن الزاغوني لأن البذر مثلي ونصره الحارثي.
وقال القاضي في المجرد يجب ثمن البذر.
تنبيه قال الحارثي عبر المصنف بالنفقة عن عوض الزرع وكذلك عبر أبو الخطاب والسامري وصاحب التلخيص وغيرهم وليس بالجيد لوجهين.
أحدهما أن المعاوضة تستلزم ملك المعوض ودخول الزرع في ملك الغاصب باطل بالنص كما تقدم فبطل كونها عوضا عنه.
الثاني الأصل في المعاوضة تفاوتهما وتباعدهما فدل على انتفاء المعاوضة.
والصواب أنها عوض البذر ولواحقه انتهى.
فائدة يزكيه رب الأرض إن أخذه قبل وجوب الزكاة وإن أخذه بعد الوجوب ففي وجوب الزكاة عليه وجهان وأطلقهما في الفروع والقواعد الفقهية.
قلت الصحيح أنه لا يزكيه بل تجب الزكاة على الغاصب لأنه ملكه إلى حين أخذه على الصحيح كما تقدم.
وعلى مقتضى النصوص واختيار الخرقي وأبي بكر وبن أبي موسى والحارثي وغيرهم يزكيه رب الأرض لأنهم حكموا أن الزرع من أصله لرب الأرض وعلى هذا يكون هذا المذهب.
قوله (وإن غرسها أو بنى فيها أخذ بقلع غرسه وبنائه وتسوية الأرض وأرش نقصها وأجرتها).
وهذا مقطوع به عند جمهور الأصحاب.
إلا أن صاحب الرعاية قال لزمه القلع في الأصح.
قال في القاعدة السابعة والسبعين والمشهور عن الإمام أحمد رحمه الله للمالك قلعه مجانا وعليه الأصحاب.
وعنه لا يقلع بل يتملكه بالقيمة.
134

وعليها لا يقلع إلا مضمونا كغرس المستعير كذلك حكاهما القاضي وبن عقيل.
تنبيه شمل كلام المصنف ما لو كان الغارس أو الباني أحد الشريكين وهو كذلك حتى ولو لم يغصبه لكن غرس أو بنى من غير إذن وهو صحيح نص عليه في رواية جعفر بن محمد أنه سئل عن رجل غرس نخلا في أرض بينه وبين قوم مشاعا قال إن كان بغير إذنهم قلع نخله.
ويأتي هذا أيضا في الشفعة.
فوائد
منها لو زرع فيها شجرا بنواه فالمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله وعليه الأصحاب أنه له كما في الغراس.
ويحتمل كونه لرب الأرض لدخوله في عموم أخبار الزرع قاله الحارثي.
ومنها لو أثمر ما غرس الغاصب فقال في المجرد والفصول وصاحب المستوعب ونوادر المذهب الثمر لمالك
الأرض كالزرع إن أدركه أخذه ورد النفقة وإلا فهو للغاصب.
واختاره القاضي ونص عليه في رواية علي بن سعيد.
قال في الفروع ونصه فيمن غرس أرضا الثمرة لرب الأرض وعليه النفقة.
وقال المصنف في المغني والشارح وصاحب الفائق وبن رزين لو أثمر ما غرسه الغاصب فإن أدركه صاحب الأرض بعد الجذاذ فللغاصب وكذلك قبله.
وعنه لمالك الأرض وعليه النفقة انتهوا.
قال بن رزين عن القول بأنه لصاحب الأرض ليس بشيء.
قال الحارثي وفيه وجه أنه للغاصب بكل حال.
وحكاه بن الزاغوني في كتاب الشروط رواية عن الإمام أحمد.
135

قال وهذا أصح اعتبارا بأصله.
قال والقياس على الزرع ضعيف.
واختار الحارثي ما قدمه المصنف وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
ومنها لو جصص الدار وزوقها فحكمها كالبناء قاله في الكافي ولو وهب ذلك لمالكها ففي إجباره على قبوله وجهان كالصبغ في الثوب على ما يأتي.
ومنها لو غصب أرضا فبناها دارا بتراب منها وآلات من المغصوب منه فعليه أجرتها مبنية وإن كانت آلاتها من مال الغاصب فعليه أجرة الأرض دون بنائها لأنه إنما غصب الأرض والبناء له فلم يلزمه أجرة ماله فلو أجرها فالأجرة لهما بقدر قيمتهما.
نقل بن منصور فيمن بنى فيها ويؤجرها الغلة على النصيب.
ونقل بن منصور أيضا ويكون شريكا بزيادة بناء.
ومنها لو طلب أخذ البناء أو الغراس بقيمته وأبى مالكه إلا القلع فله ذلك ولا يجبر على أخذ القيمة وفي البناء تخريج إذا بذل صاحب الأرض لصاحب القيمة أنه يجبر على قبولها إذا لم يكن في النقض غرض صحيح وهو للمصنف والمذهب الأول.
وذكر بن عقيل رواية فيه لا يلزمه ويعطيه قيمته ونقله بن الحكم.
وروى الخلال فيه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا له ما نقص.
قال أبو يعلى الصغير هذا منعنا من القياس.
ونقل جعفر بن محمد فيها لرب الأرض أخذه وجزم به بن رزين وزاد وتركه بأجرة انتهى.
ومنها إذا اتفقا على القيمة فالواجب قيمة الغراس مقلوعا حكاه بن أبي موسى وغيره.
وإن وهبهما الغاصب لرب الأرض ليدفع عن نفسه كلفة القلع فقبله جاز.
136

وإن أبى إلا القلع وكان في قلعه غرض صحيح لم يجبر على القبول وإن لم يكن له في القلع غرض صحيح ففي إجباره على القول احتمالان وأطلقهما في المغني والشرح والحارثي والفروع.
قال في الرعاية وإن وهبها لرب الأرض لم يلزمه القبول إن أراد القلع وإلا احتمل وجهين انتهى.
قلت الأولى أنه لا يجبر.
ومنها لو غصب أرضا وغراسا من شخص واحد فغرسه فيها فالكل لمالك الأرض فإن طالبه رب الأرض بقلعه وله في قلعه غرض صحيح أجبر عليه وعليه تسوية الأرض ونقصها ونقص الغراس.
وإن لم يكن في قلعه غرض صحيح لم يجبر على الصحيح من المذهب قدمه في المغني والشرح والحارثي والفروع وغيرهم.
وقيل يجبر وهو احتمال للمصنف.
وإن أراد الغاصب قلعه ابتداء فله منعه قاله الحارثي وصاحب الرعاية وغيرهما ويلزمه أجرته مبنيا كما تقدم.
فائدتان
إحداهما لو غرس المشتري من الغاصب ولم يعلم بالحال فقال بن أبي موسى والقاضي في المجرد وتبعه عليه المتأخرون للمالك قلعه مجانا ويرجع المشتري بالنقص على من غره.
قال الحارثي الحكم كما تقدم قاله أصحابنا وقدمه في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
وقال في القاعدة السابعة والسبعين المنصوص أنه يتملكه بالقيمة ولا يقلع مجانا نقله حرب ويعقوب بن بختان قال ولا يثبت عن الإمام أحمد رحمه الله سواه وهو الصحيح انتهى.
137

ويأتي في كلام المصنف ما هو أعم من ذلك في الباب في قوله وإن اشترى أرضا فغرسها وبنى فيها فخرجت مستحقة.
الثانية الرطبة ونحوها هل هي كالزرع في الأحكام المتقدمة أو كالغراس فيه احتمالان وأطلقهما في المغني والشرح والفروع والفائق وقواعد بن رجب والزركشي.
أحدهما أنه كالزرع قدمه بن رزين في شرحه وقال لأنه زرع ليس له فرع قوي فأشبه الحنطة.
قال الزركشي ويدخل في عموم كلام الخرقي.
قلت وكذا غيره.
والوجه الثاني هو كالغراس.
قال الناظم وكالغرس في الأقوى المكرر جزه.
ويأتي قريبا لو حفر في الأرض بئرا.
قوله (وإن غصب لوحا فرقع به سفينة لم يقلع حتى ترسى).
يعني إذا كان يخاف من قلعه وهذا المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال في القواعد الأصولية هو المذهب عند الأصحاب.
وقيل يقلع إلا أن يكون فيه حيوان محترم أو مال للغير جزم به في عيون المسائل وهو احتمال لأبي الخطاب في الهداية.
قال الحارثي ومطلق كلام بن أبي موسى يقتضيه فإنه قال من اغتصب ساجة فبنى عليها حائطا أو جعلها في سفينة قلعت من الحائط أو السفينة وإن استهدما بالقلع انتهى.
فائدة حيث يتأخر القلع فللمالك القيمة ثم إذا أمكن الرد أخذه مع.
138

الأرش إن نقص واسترد الغاصب القيمة كما لو أبق المغصوب قاله الحارثي.
قلت وقد شمله كلام المصنف الآتي حيث قال وإن غصب عبدا فأبق أو فرسا فشرد أو شيئا تعذر رده مع بقائه ضمن قيمته.
ولو قيل بأنه تتعين له الأجرة إلى أن يقلع لكان متجها.
قوله (وإن غصب خيطا فخاط به جرح حيوان وخيف عليه من قلعه فعليه قيمته إلا أن يكون الحيوان مأكولا للغاصب فهل يلزمه رده ويذبح الحيوان على وجهين).
إذا غصب خيطا وخاط به جرح حيوان فلا يخلو إما أن يخاف على الحيوان بقلعه أو لا فإن لم يخف عليه بقلعه قلع.
وإن خيف عليه فلا يخلو إما أن يكون مأكولا أو لا فإن لم يكن مأكولا فلا يخلو أما أن يكون محترما أو لا فإن كان غير محترم كالمرتد والكلب العقور والخنزير ونحوها فله قلعه منه بلا نزاع.
وإن كان محترما فلا يخلو إما أن يكون آدميا أو غيره فإن كان آدميا لم يقلع على الصحيح من المذهب إذا خيف عليه الضرر وتؤخذ قيمته قدمه في الفروع واختاره المصنف والشارح والحارثي وغيرهم.
وقيل لا تؤخذ قيمته إلا إذا خيف تلفه ويقلع كغيره من الحيوانات المحترمة فإنه لا بد فيها من خوف التلف على الصحيح وفيه احتمال.
وهذا القول ظاهر ما قطع به في الفائق والمذهب والتلخيص والرعاية الصغرى والحاوي الصغير لأنهم قيدوه بالتلف وقدمه في الرعاية الكبرى وهو احتمال للقاضي وبن عقيل.
وإن كان مأكولا فلا يخلو إما أن يكون للغاصب أو لا فإن لم يكن للغاصب لم يقلع جزم به في المغني والشرح وشرح بن منجا وغيرهم.
139

وإن كان للغاصب وهي مسألة المصنف فأطلق الوجهين وأطلقهما في الهداية والمذهب وشرح الحارثي وبن منجا.
أحدهما يذبح ويلزمه رده وهو المذهب اختاره القاضي وغيره قاله الحارثي وصححه في التصحيح والنظم وجزم به في الوجيز وقدمه في الكافي.
والوجه الثاني لا يذبح وترد قيمته قدمه في المستوعب والتلخيص والرعايتين والحاوي الصغير.
وفيه وجه ثالث إن كان معدا للأكل كبهيمة الأنعام والدجاج ونحوه ذبح ورده وإلا فلا وهو احتمال للمصنف.
قال الحارثي وهو حسن وأطلقهن في الشرح والفروع.
قوله (وإن مات الحيوان لزمه رده إلا أن يكون آدميا).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغني والتلخيص والشرح وشرح الحارثي والوجيز وغيرهم من الأصحاب وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل يلزمه رده بموت الآدمي.
قال بن شهاب الحيوان أكثر حرمة من بقية المال ولهذا لا يجوز منع مائه منه ولو قتله دفعا عن ماله قتل لا عن نفسه.
فوائد
الأولى لو غصب جوهرة فابتلعتها بهيمة فقال الأصحاب حكمها حكم الخيط قاله المصنف والشارح والحارثي.
وقال إن كانت مأكولة ذبحت على الأشهر.
وقال المصنف في المغني ويحتمل أن الجوهرة متى كانت أكثر قيمة من.
140

الحيوان ذبح الحيوان وردت إلى مالكها وضمان الحيوان على الغاصب إلا أن يكون آدميا.
الثانية لو ابتلعت شاة رجل جوهرة آخر غير مغصوبة وتوقف الإخراج على الذبح ذبحت بقيد كون الذبح أقل ضررا قاله المصنف والشارح ومن تابعهما.
قال الحارثي واختيار الأصحاب عدم القيد وعلى مالك الجوهرة ضمان نقص الذبح إلا أن يفرط مالك الشاة بكون يده عليها فلا شيء له لتفريطه.
الثالثة لو أدخلت الشاة رأسها في قمقم ونحوه ولم يمكن إخراجه إلا بذبحها أو كسره فهنا حالتان.
إحداهما أن تكون مأكولة فللأصحاب فيها طريقان.
أحدهما وهو قول الأكثرين منهم القاضي وبن عقيل إن كان لا بتفريط من أحد كسر القدر ووجب الأرش على مالك البهيمة وإن كان بتفريط مالكها بأن أدخل رأسها بيده أو كانت يده عليها ونحوه ذبحت من غير ضمان.
وحكى غير واحد وجها بعدم الذبح فيجب الكسر والضمان.
وإن كانت بتفريط مالك القدر بأن أدخله بيده أو ألقاها في الطريق كسرت ولا أرش قال ذلك الحارثي.
الطريق الثاني وهو ما قاله المصنف والشارح اعتبار أقل الضررين إن كان الكسر هو الأقل تعين وإلا ذبح والعكس كذلك.
ثم التفريط من أيهما حصل كان الضمان عليه وإن لم يحصل من واحد منهما فالضمان على مالك البهيمة إن كسر القدر وإن ذبحت البهيمة فالضمان على صاحب القدر وإن اتفقا على ترك الحال على ما هو عليه لم يجز.
ولو قال من عليه الضمان أنا أتلف مالي ولا أغرم شيئا للآخر كان له ذلك.
الحالة الثانية أن تكون غير مأكولة فتكسر القدر ولا تقتل البهيمة بحال وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
141

قال المصنف والشارح قاله الأصحاب.
قال الحارثي قاله الأكثرون من الأصحاب.
وعلى هذا لو اتفقا على القتل لم يمكنا.
وقيل حكمه حكم المأكول على ما تقدم.
وفيه وجه ثالث أنه يقتل إن كانت الجناية من مالكها أو القتل أقل ضررا.
قلت وهو الصواب وأطلقهن في المغني والشرح وظاهر الحارثي الإطلاق.
الرابعة لو سقط دينار أو درهم أو أقل أو أكثر في محبرة الغير وعسر إخراجه فإن كان بفعل مالك المحبرة كسرت مجانا مطلقا.
وإن كان بفعل مالك الدينار فقال القاضي وبن عقيل يخير بين تركه فيها وبين كسرها وعليه قيمتها.
وعلى هذا لو بذل مالك المحبرة لمالك الدينار مثل ديناره فقيل يلزمه قبوله اختاره صاحب التلخيص فيه وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
وقيل لا يلزمه قبوله وأطلقهما في المحرر وشرح الحارثي والفروع.
وذكر المصنف والشارح في إجبار مالك المحبرة على الكسر ابتداء وجهين.
أحدهما لا يجبر قالا وعليه نقض المحبرة.
قال الحارثي ويجب على هذا الوجه أن يقال بوجوب بذل الدينار انتهى.
والوجه الثاني يجبر وعلى مالك الدينار ضمان القيمة واختاره صاحب التلخيص.
قال الحارثي وهذا الوجه هو حاصل ما قال القاضي وبن عقيل من التخيير بين الترك والكسر.
142

وكيفما كان لو بادر وكسر عدوانا لم يلزمه أكثر من قيمتها وجها واحدا.
وإن كان السقوط لا بفعل أحد بأن سقط من مكان أو ألقاه طائر أو هر وجب الكسر وعلى رب الدينار الأرش.
فإن كانت المحبرة ثمينة وامتنع رب الدينار من ضمانها في مقابلة الدينار فقال بن عقيل قياس قول أصحابنا أن يقال له إن شئت أن تأخذ فاغرم وإلا فاترك ولا شيء لك.
قال الحارثي والأقرب إن شاء الله سقوط حقه من الكسر هنا ويصطلحان عليه.
ولو غصب الدينار وألقاه في محبرة آخر أو سقط فيها بغير فعله فالكسر متعين وعلى الغاصب ضمانها إلا أن يزيد ضرر الكسر على التبقية فيسقط ويجب على الغاصب ضمان الدينار ذكره المصنف والشارح وتابعهما الحارثي.
الخامسة لو حصل مهر أو فصيل في داره لآخر وتعذر إخراجه بدون نقض الباب وجب النقض.
ثم إن كان عن تفريط مالك الدار بأن غصبه وأدخله فلا كلام وإن كان لا عن تفريط من أحد فضمان النقض على مالك الحيوان.
وذكر المصنف احتمالا باعتبار أقل الضررين فإن كان النقض أقل فكما قلنا وإن كان أكثر ذبح.
قال الحارثي وهذا أولى.
وعلى هذا إن كان الحيوان غير مأكول تعين النقض.
وإن كان عن تفريط مالك الحيوان لم ينقض وذبح وإن زاد ضرره حكاه في المغني.
وذكر صاحب التلخيص وجوب النقض وغرم الأرش.
وكلام بن عقيل نحوه أو قريب منه قاله الحارثي.
143

وقال الأول الصحيح.
وإن كان المغصوب خشبة فأدخلها الدار فهي كمسألة الفصيل ينقض الباب لإخراجها.
السادسة لو باع دارا وفيها ما يعسر إخراجه فقال القاضي وبن عقيل وصاحب التلخيص وغيرهم ينقض الباب وعليه ضمان النقض.
وقال المصنف يعتبر أقل الضررين إن زاد بقاؤه في الدار أو تفكيكه إن كان مركبا أو ذبحه إن كان حيوانا على النقض نقض مع الأرش.
وإن كان بالعكس فلا نقض لعدم فائدته.
قال ويصطلحان إما بأن يشتريه مشتري الدار أو غير ذلك انتهى.
قوله (ولو غصب جارحا فصاد به أو شبكه أو شركا فأمسك شيئا أو فرسا فصاد عليه أو غنم فهو لمالكه).
إذا غصب جارحا فصاد به أو فرسا فصاد عليه فالصيد للمالك على الصحيح من المذهب.
قال الحارثي هذا المذهب وجزم به في الوجيز وغيره.
قال في تجريد العناية فلربه في الأظهر وقدمه في المغني والشرح وجزم به في الصيد في الفائق والرعاية في غير الكلب.
وقيل هو للغاصب وعليه الأجرة وهو احتمال في المغني.
قال الحارثي وهو قوي وجزم به في التلخيص في صيد الكلب وأطلقهما في الفروع والرعاية في الكلب.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يتوجه فيما إذا غصب فرسا وكسب عليه مالا أن يجعل الكسب بين الغاصب ومالك الدابة على قدر نفعهما بأن تقوم منفعة الراكب ومنفعة الفرس ثم يقسم الصيد بينهما.
144

وتقدم ذلك في الشركة الفاسدة.
فعلى المذهب هل يلزم الغاصب أجرة مدة اصطياده أم لا فيه وجهان وأطلقهما في المغني والشرح والرعاية والفروع.
أحدهما لا يلزمه قدمه الحارثي وقال هو الصحيح.
قال في تجريد العناية ولا أجرة لربه مدة اصطياده في الأظهر.
والوجه الثاني يلزمه وهو قياس قول صاحب التلخيص في صيد العبد على ما يأتي قريبا.
وأما سهم الفرس المغصوبة فقد تقدم في كلام المصنف أيضا في باب قسمة الغنيمة في قوله ومن غصب فرسا فقاتل عليه فسهمه لمالكه وذكرنا الخلاف فيه هناك.
فأما إذا غصب شبكة أو شركا فصاد به فجزم المصنف هنا أنه لمالكه وهو المذهب.
قال الحارثي هذا المذهب وعليه عامة الأصحاب وجزم به بن منجا في شرحه وقدمه في الشرح.
والوجه الثاني يكون للغاصب وجزم به في الوجيز.
وقال في الفروع بعد أن ذكر صيد الكلب والقوس وقيل وكذا أحبولة وجزم به غير واحد في كتب الخلاف قالوا على قياس قوله ربح الدراهم لمالكها.
فائدة صيد العبد المغصوب وسائر أكسابه للسيد بلا نزاع وفي لزوم أجرته مدة اصطياده وعمله الوجهان المتقدمان في الجارحة.
قال في التلخيص ولا تدخل أجرته تحته إذا قلنا بضمان المنافع.
قوله (وإن غصب ثوبا فقصره أو غزلا فنسجه أو فضة).
145

أو حديدا فضربه إبرا أو أواني أو خشبا فنجره بابا ونحوه أو شاة فذبحها وشواها رد ذلك بزيادته وأرش نقصه ولا شيء له.
وكذا لو غصب طينا فضربه لبنا أو جعله فخارا أو حبا فطحنه ونحو ذلك.
ذكر المصنف هنا ما يغير المغصوب عن صفته وينقله إلى اسم آخر كما مثل ونحوه ففي هذا يكون الحكم كما قال المصنف على الصحيح من المذهب.
قال المصنف والشارح وصاحب الفائق هذا ظاهر المذهب.
قال بن منجا في شرحه هذا المذهب.
قال الحارثي اختاره المصنف والأكثرون من أهل المذهب منهم القاضي في المجرد وأبو علي بن شهاب وبن عقيل في الفصول قال وهو المختار.
قال في التلخيص هذا الصحيح عندي وصححه في النظم وغيره وجزم به في الوجيز والمنور وقدمه في المحرر والفروع والفائق.
وعنه يكون شريكا بالزيادة اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله قاله في الفائق.
قال في الهداية والمستوعب الصحيح من المذهب إن زادت القيمة بذلك فالغاصب شريك المالك بالزيادة انتهى.
وقدمه في الخلاصة والرعايتين والحاوي الصغير وناظم المفردات وقال رجحه الأكثر في الخلاف انتهى.
واختاره القاضي في الجامع الصغير والقاضي يعقوب وبن عقيل في التذكرة وأبو الحسن بن بكروس.
وقيل للغاصب أجرة عمله فقط إذا كانت الزيادة مثلها فصاعدا أومأ إليه بن أبي موسى ذكره عنه في التلخيص.
146

قال الحارثي قاله بن أبي موسى والشيرازي.
فعلى هذا إن عمل ولم يستأجر فلا شيء له قاله الشيرازي في المبهج.
وقال أبو بكر يملكه وعليه قيمته قبل تغييره وهو رواية نقلها محمد بن الحكم إلا أن المصنف والشارح قالا هو قول قديم رجع عنه فإن محمدا مات قبل أبي عبد الله بنحو من عشرين سنة.
قلت موته قبل أبي عبد الله بعشرين سنة لا يدل على أنه رجع عنه بل لا بد من دليل على رجوعه وإلا فالأصل عدمه.
ثم وجدت الحارثي قال نحوه فقال وليس يلزم من تقدم الوفاة الرجوع إذ من الجائز تقدم سماع من تأخرت وفاته وكان يجب على ما قاله إلغاء ما خالف أبو بكر فيه لرواية من تأخر موته والأمر بخلافه انتهى.
وعنه يخير المالك بين العين والقيمة.
قال في الفائق وهو المختار.
تنبيه أدخل المصنف فيما يغير المغصوب عن صفته قصر الثوب وذبح الشاة وشيها.
قال في الفروع فذكر جماعة أنه كالنوع الأول.
قلت منهم صاحب المستوعب والتلخيص والشرح والنظم والفائق والوجيز والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
قال الحارثي وقد أدرج هو وغيره في هذا الأصل قصارة الثوب وليس بالمختار لانتفاء سلب الاسم والمعنى.
تنبيه ثان أفاد المصنف أن ذبح الغاصب للحيوان المغصوب لا يحرم أكله وهو كذلك على الصحيح ويأتي ذلك عند تصرفات الغاصب الحكمية وفي باب القطع في السرقة.
فائدة ما صوره المصنف وغيره في هذه المسألة ينقسم إلى ممكن الرد إلى.
147

الحالة الأولى كالحلي والأواني والدراهم فيجبر المالك على الإعادة قاله في التلخيص واقتصر عليه الحارثي.
والي غير ممكن كالأبواب والفخار ونحوهما فليس للغاصب إفساده ولا للمالك إجباره عليه فيما عدا الأبواب ونحوها.
وقال بن عقيل في الأواني المتخذة من التراب للمالك ردها ومطالبته بمثل التراب.
قوله (وإن غصب أرضا فحفر فيها بئرا ووضع ترابها في أرض مالكها لم يملك طمها إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف بها في أحد الوجهين).
إذا حفر بئرا أو شق نهرا ونحوه في أرض غصبها فطالبه المالك بطمها لزمه ذلك إن كان لغرض قاله الحارثي.
وإن أراد الغاصب طمها ابتداء فلا يخلو إما أن يكون لغرض صحيح أو لا فإن كان لغرض صحيح كإسقاط ضمان ما يقع فيها أو يكون قد نقل ترابها إلى ملكه أو ملك غيره أو إلى طريق يحتاج إلى تفريغه فله طمها من غير إذن ربها على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام المصنف هنا وجزم به في المغني والشرح والمحرر.
واختاره القاضي وقدمه في الفروع والحارثي والخلاصة.
وقيل لا يملك طمها إلا بإذنه وهو ظاهر ما قدمه في المستوعب والتلخيص على ما يأتي من كلامهما.
وإن لم يكن له غرض صحيح في ذلك وهي مسألة المصنف مثل أن يكون قد وضع التراب في أرض مالكها أو في موات أو أبرأه من ضمان ما يتلف بها قال المصنف والشارح أو منعه منه فهل يملك طمها فيه وجهان.
148

وأطلقهما في المغني والشرح والمحرر والفروع والحارثي.
أحدهما لا يملك طمها وهو الصحيح نصره المصنف والشارح وصححه في التصحيح واختاره أبو الخطاب.
والوجه الثاني يملكه اختاره القاضي.
قال في المستوعب والتلخيص وإن غصب دارا فحفر فيها بئرا ثم استردها مالكها فأراد الغاصب طم البئر لم يكن له ذلك.
وقال القاضي له ذلك من غير رضى المالك.
وقال أبو الخطاب في الهداية ليس له ذلك إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف فيها انتهيا وأطلقهن في المذهب.
قال في التلخيص وأصل اختلاف القاضي وأبي الخطاب هل الرضى الطارئ كالمقارن للحفر أم لا والصحيح أنه كالمقارن انتهى.
وقال في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق وإن حفر فيها بئرا أو نحوها فله طمها مطلقا.
وإن سخط ربها فأوجه النفي والإثبات.
والثالث إن أبرأه من ضمان ما يتلف بها وصح في وجه فلا.
زاد في الرعاية الكبرى وجها رابعا وهو إن كان غرضه فيه صحيحا كدفع ضرر وخطر ونحوهما وإلا فلا.
وخامسا وهو إن ترك ترابها في أرض غير ربها فلا.
وقيل بلى مع غرض صحيح انتهى وتقدم ذلك والصحيح منه.
تنبيهان
أحدهما في القول المحكي عن القاضي.
قال الحارثي إذا كان مأخوذا من غير كتاب المجرد فنعم وإن كان من المجرد فكلامه فيه موافق لأبي الخطاب فإنه قال وذكر كلامه.
149

قلت الناقل عن القاضي تلميذه أبو الخطاب في الهداية وهو أعلم بكلامه من غيره وللقاضي في مسائل كثيرة القولان والثلاثة وكتبه كثيرة.
الثاني ظاهر كلام أبي الخطاب وجماعة أنه إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف بها أنه يصح ويبرأ وهو أحد الوجهين.
اختاره المصنف والشارح وبن عقيل والقاضي في المجرد قاله الحارثي لما ذكر كلامه المتقدم.
والوجه الثاني أنه لا يبرأ وتقدم قريبا كلامه في الرعايتين في ذلك وأطلقهما في المحرر.
قال الحارثي وحاصل المسألة الأولى الخلاف في صحة الإبراء وفيه وجهان.
قوله (وإن غصب حبا فزرعه أو بيضا فصار فراخا أو نوى فصار غراسا).
قال في الانتصار أو غصنا فصار شجرة رده ولا شيء له وهذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم ويتخرج فيها مثل الذي قبلها.
قال المصنف والشارح ويتخرج أن يملكه الغاصب.
فعلى هذا يتخرج لنا أن يكون شريكا بالزيادة كالمسألة التي قبلها انتهى.
وذلك لأنها نوع مما تقدم من تغيير العين وتبدل اسمها.
فائدة ذكر في الكافي من صور الاستحالة الزرع يصير حبا.
قال الحارثي وفيه نظر فإن الزرع إن كان قد سنبل حالة الغصب فهو من قبيل الرطب والعنب يصيران تمرا وزبيبا وليسا من المستحيل بالاتفاق وإن لم يكن سنبل فهو في معنى إثمار الشجر فيكون من قبيل المتولد لا المستحيل لوجود الذات عينا انتهى.
قوله (وإن نقص لزمه ضمان نقصه بقيمته رقيقا كان أو غيره).
150

قال الأصحاب ولو بنبات لحية أمرد وقطع ذنب حمار وهذا المذهب في ذلك كله وجزم به في الوجيز وغيره واختاره المصنف والشارح والمجد وغيرهم وقدمه في المحرر والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق والشرح والحارثي.
وقال عليه جمهور أهل المذهب.
وعنه أن الرقيق يضمن بما يضمن به في الإتلاف.
فيجب في يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته وعلى هذا فقس.
فإن كان النقص مما لا مقدر فيه كنقصه للكبر أو المرض أو شجه دون الموضحة فعليه ما نقص مع الرد فقط.
قال الحارثي هذه الرواية أقوى.
ويتخرج أنه يضمنه بأكثر الأمرين منهما وانفرد المصنف بهذا التخريج هنا قاله الزركشي.
وعنه في عين الدابة من الخيل والبغال والحمير ربع قيمتها نصرها القاضي وأصحابه.
قال الزركشي وهو المشهور عن الإمام أحمد رحمه الله.
فقال القاضي في روايتيه وأبو الخطاب والمصنف والمجد والشارح وغيرهم الخلاف في عين الدابة من الخيل والبغال والحمير وقدمه في الفروع وغيره.
قال الزركشي ونصوص الإمام أحمد رحمه الله على ذلك.
وقال في الفروع وخص في الروضة هذه الرواية بعين الفرس وجعل في عين غيرها ما نقص والإمام أحمد إنما قال في عين الدابة انتهى.
قال الحارثي من الأصحاب من قصر الخلاف على عين الفرس دون.
151

البغل والحمار وهذه طريقة القاضي في التعليق الكبير وأبي الخطاب في رؤوس المسائل والقاضي يعقوب وأبي المواهب الحسين بن محمد العكبري في آخرين واختار أكثر هؤلاء القول بالمقدر.
قال ونص الإمام أحمد يقتضي العموم فإن لفظ الدابة يشمل البغل والفرس والحمار وكذلك صيغة الدليل المتمسك به فالتخصيص خلاف الأصل مع أنا نجد في الفرس خصائص تناسب اختصاص الحكم به لكن ما أخذنا فيه غير القياس ولا يمكن إعمال ما ذكرنا من المناسبة انتهى.
قلت وممن خص الرواية بعين الفرس من المتأخرين الشريف أبو جعفر وصاحب المستوعب والكافي والتلخيص
وغيرهم.
فعلى هذه الرواية في العينين ما نقص كسائر الأعضاء.
قال الحارثي كذلك قال الأصحاب لا أعلمهم اختلفوا فيه.
قال وعن أبي حنيفة نصف القيمة اعتبارا بالربع في إحداهما.
قال وهو أظهر انتهى.
ويأتي إذا شق ثوبا أو أتلف عصا أو قصعة أو كسر خلخالا ونحوه في ضمان غير المثلي في الفصل السادس والخلاف فيه.
ويأتي وقت لزوم قيمته في أول الفصل السادس في كلام المصنف.
تنبيه دخل في قول المصنف وإن تلف لزمه ضمان نقصه بقيمته لو جنى على حيوان حامل فألقت جنينها ميتا وهو كذلك فيجب عليه ضمان ما نقص من أمه بالجناية نص عليه في رواية بن منصور وعليه جماهير الأصحاب قاله في القاعدة الرابعة والثمانين.
وقال أبو بكر يجب ضمان جنين البهائم بعشر قيمة أمه كجنين الأمة.
قال في القواعد وقياسه جنين الصيد في الحرم والإحرام والمشهور أنه يضمنه بما نقص أمه أيضا ويأتي في مقادير الديات.
152

قال ولو ألقت البهيمة بالجناية جنينا حيا ثم مات ففيه احتمالان ذكرهما القاضي وبن عقيل في الرهن.
أحدهما يضمن قيمة الولد حيا لا غير.
والثاني عليه أكثر الأمرين أو ما نقصت الأم انتهى.
قلت الثاني هو الصواب.
قوله (وإن غصبه وجنى عليه ضمنه بأكثر الأمرين).
وهذا مفرع على القول بالمقدر من القيمة قاله الحارثي.
قال الشارح إذا جنى الغاصب على العبد المغصوب جناية مقدرة الدية.
فعلى قولنا ضمان الغصب ضمان الجناية يكون الواجب أرش الجناية كما لو جنى عليه من غير غصب.
وإن قلنا ضمان الغصب غير ضمان الجناية وهو الصحيح فعليه أكثر الأمرين من أرش النقص أو دية ذلك العضو.
وجزم بأنه يضمنه بأكثر الأمرين في الرعايتين والحاوي الصغير والوجيز.
قال في الفروع يضمنه بأكثرهما على الأصح.
عنه أنه يضمن بما نقص.
ذكرها المصنف في هذا الكتاب في الفصل الثالث من باب مقادير الديات اختارها الخلال وبن عقيل أيضا ذكره الحارثي.
لكن هذه الرواية أعم من أن يكون الجاني الغاصب أو غيره.
قال الحارثي وجوب أكثر الأمرين مفرع على القول بالمقدر لاجتماع السببين باليد والجناية.
مثاله لو كانت القيمة ألفا فنقصت بالقطع أربعمائة فالواجب خمسمائة ولو نقص ستمائة كان هو الواجب.
153

وعلى القول بما نقص فكذلك في الستمائة لأنه على وفق الموجب وفيما قبله أربعمائة لأنه ما نقص.
فائدة لو غصب عبدا قيمته ألف فزادت القيمة إلى ألفين ثم قطع يده فنقص ألفا فيجب ألف على كلا الروايتين وهذا بلا نزاع.
وإن نقص ألفا وخمسمائة فالواجب ألف وخمسمائة على الروايتين أيضا.
أما بتقدير القول بما نقص فظاهر وبتقدير القول بالمقدر يكون الواجب أكثر الأمرين فإذا استويا كان أولى.
وقال المصنف والشارح وإن قلنا الواجب ضمان الجناية يعني المقدر فعليه ألف فقط.
قال الحارثي وهذا مشكل جدا لإفضائه إلى إلغاء أثر اليد مع وجودها انتهى.
وإن نقص خمسمائة فقال الحارثي فعلى رواية المقدر عليه ألف وعلى رواية ما نقص عليه خمسمائة فقط وهو ظاهر وكذا قال غيره.
تنبيهان
الأول تكلم المصنف هنا على العبد إذا جنى عليه الغاصب أو جني عليه في حال غصبه وبقي قسم ثالث وهو ما إذا جنى عليه من غير غصب وقد ذكره المصنف في باب مقادير الديات في الفصل الثالث.
الثاني قوله وإن جنى عليه غير الغاصب فله تضمين الغاصب أكثر الأمرين ويرجع الغاصب على الجاني بأرش الجناية وله تضمين الجاني أرش الجناية وتضمين الغاصب ما بقي من النقص.
هذا مفرع على القول بالمقدر.
أما على القول بما نقص فللمالك تضمينه من شاء منهما وقرار الضمان على الجاني لمباشرته قاله الحارثي وهو واضح.
154

قوله (وإن غصب عبدا فخصاه لزمه رده ورد قيمته).
وكذا لو قطع يديه أو رجليه أو لسانه أو ما تجب فيه الدية كاملة من الحر فإنه يلزمه رده ورد قيمته ونص عليه الإمام أحمد وعليه الأصحاب.
قال الحارثي فيه ما في الذي قبله من الخلاف غير أنه لا يتأتى القول بأكثر الأمرين لاستغراق القيمة في المقدر وإن لم تنقص القيمة بالخصاء.
فعلى القول بالمقدر يرده ومعه قيمته وعلى القول بما نقص لا يلزمه شيء انتهى.
قوله (وإن نقصت العين أي قيمة العين لتغير الأسعار لم يضمن نص عليه).
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه.
قال الحارثي هذا المذهب وعليه التفريع.
قال الزركشي اختاره الأصحاب حتى إن القاضي قال لم أجد عن الإمام أحمد رحمه الله رواية بالضمان وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه يضمن اختاره بن أبي موسى والشيخ تقي الدين رحمه الله قاله في الفائق ورده الحارثي.
وقيل يضمن نقصه مع تغير الأسعار إذا تلف وإلا فلا.
وقال الحارثي بعد أن حكى الروايتين وهذا كله ما لم يتصل التلف بالزيادة.
فإن اتصل بأن غصب ما قيمته مائة فارتفع السعر إلى مائتين وتلفت العين ضمن المائتين وجها واحدا إذ الضمان معتبر بيوم التلف.
وإن كان مثليا فالواجب المثل بلا خلاف.
وقال في التلخيص لو غصب شيئا يساوي خمسة فعادت قيمته إلى درهم ثم تلف لزمه خمسة وهذا على اعتبار الضمان بحالة الغصب.
155

قال الحارثي وهو قول ضعيف وليس بالمذهب وإنما استرسل إليه من كلام بعض المخالفين.
ولو تلف نصف العين بعد العود إلى درهم فرجع الباقي إلى نصف درهم رد الباقي ومعه قيمة التالف نصف درهم.
وفي التلخيص يرد درهمين ونصفا وليس بالمذهب كما قلنا.
قال الحارثي وإنما أوردته تنبيها.
قوله (وإن نقصت القيمة لمرض ثم عادت ببرئه لم يلزمه شيء).
وهو المذهب جزم به في المغني والشرح والفائق والوجيز والحارثي والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وغيرهم من الأصحاب وقدمه في الفروع وقال ونصه يضمن.
وحكى الحارثي وجها للشافعية بالضمان قال وهو عندي قوى بل أقوى ورد أدلة الأصحاب.
والظاهر أنه لم يطلع على ما ذكره صاحب الفروع من النص.
فهذا يقوي قوله وربما كان المذهب.
وقدمه في الرعاية الكبرى وقال نص عليه.
فائدة لو استرده المالك معيبا مع الأرش ثم زال العيب في يد مالكه فقال المصنف والشارح وغيرهما لا يجب رد الأرش لاستقراره بأخذ العين ناقصة وكذا لو أخذ المغصوب بغير أرش ثم زال في يده لم يسقط الأرش كذلك.
قال الحارثي وما يذكر من الاستقرار فغير مسلم.
قال والصواب إن شاء الله الوجوب بقدر النقص الحادث في المدة ويجب رد ما زاد إن كان.
156

قوله (وإن زاد من جهة أخرى مثل أن تعلم صنعة فعادت القيمة ضمن النقص).
وهو المذهب جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والحارثي والفائق والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وقيل لا يضمنه.
قوله (وإن زادت القيمة لسمن أو نحوه ثم نقصت ضمن الزيادة).
وهو الصحيح من المذهب.
قال في الفروع والرعايتين ضمن على الأصح وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح ونصراه والتلخيص والحارثي والحاوي الصغير وغيرهم وقاله الخرقي وغيره.
وعنه إذا رده بعينه لم يلزمه شيء ذكرها بن أبي موسى وهما وجهان مطلقان في الفائق.
قوله (وإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها).
مثل إن كانت قيمتها مائة فزادت إلى ألف لسمن ونحوه ثم هزلت فعادت إلى مائة ثم سمنت فزادت إلى ألف لم يضمنها في أحد الوجهين.
وهما احتمالان للقاضي في المجرد وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والتلخيص والفروع والحاوي الصغير.
أحدهما لا يضمنها وهو المذهب.
قال الحارثي هذا المذهب لنصه في الخلخال يكسر قال يصلحه أحب إلي وهو أحد صور المسألة وصححه في التصحيح.
قال المصنف والشارح هذا أقيس وجزم به في الوجيز.
157

والوجه الثاني يضمنها قال في الرعايتين والفائق ضمنها في أصح الوجهين وقدمه بن رزين في شرحه.
قوله (وإن كانت من غير جنس الأولى لم يسقط ضمانها).
وهو الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في التلخيص والوجيز والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم وقدمه في الفروع والحارثي وقال هذا المذهب.
وقيل يسقط الضمان ذكره بن عقيل وأطلقهما في الشرح.
فائدة من صور المسألة لو كان الذاهب علما أو صناعة فتعلم علما آخر أو صناعة أخرى قاله الحارثي.
وقال المصنف والشارح هو كعود السمن يجري فيها الوجهان.
قال الحارثي والصحيح الأول.
قوله (وإن نقص المغصوب نقصا غير مستقر كحنطة ابتلت وعفنت خير بين أخذ مثلها وبين تركها حتى يستقر فسادها ويأخذها وأرش نقصها).
هذا أحد الوجوه جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والوجيز والفائق وشرح بن منجا والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وغيرهم وقدمه في الرعاية الكبرى والنظم.
قال المصنف قول أبي الخطاب في الهداية لا بأس به.
وقيل له أرش ما نقص به من غير تخيير اختاره المصنف في المغني وقدمه في الشرح.
وقيل يضمنه ببدله كما في الهالك.
قاله الحارثي وهو قول القاضي وأصحابه الشريف أبي جعفر وبن.
158

عقيل والقاضي يعقوب بن إبراهيم والشيرازي وأبي الخطاب في رؤوس المسائل والشريف الزيدي واختاره بن بكروس.
وخيره في الترغيب بين أخذه مع أرشه وبين أخذ بدله وأطلقهن في الفروع.
تنبيه محل الخلاف إذا لم يستقر العفن أما إن استقر فالأرش بغير خلاف في المذهب قاله الحارثي.
قوله (وإن جنى المغصوب فعليه أرش جنايته سواء جنى على سيده أو غيره).
إن جنى على غير سيده فعلى الغاصب أرش الجناية بلا نزاع وسواء في ذلك ما يوجب القصاص والمال ولا يلزمه أكثر من النقص الذي لحق العبد.
وإن جنى على سيده فعلى الغاصب أيضا أرش الجناية على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وجزم به في المغني والشرح والوجيز والهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل لا يضمن جنايته على سيده لتعلقها برقبته.
قال الحارثي إذا جنى على سيده فقال المصنف وأبو الخطاب يضمن الغاصب أيضا واستدل له بالقياس على الأجنبي قال وإنما يتمشى هذا حالة الاقتصاص لوجود الفوات.
أما حالة عدم الاقتصاص فلا لأن الفوات منتف فالضمان منتف.
وإنما قلنا الفوات منتف لأن الغاية إذا تعلق الأرش بالرقبة وهو غير ممكن لأن ملك المجني عليه فيها حاصل فلا يمكن تحصيله فيكون حالة عدم القصاص هدر.
ثم قال بعد ذلك وأما الجناية الموجبة للمال كالخطأ وإتلاف المال فمتعلقة بالرقبة وعلى الغاصب تخليصها بالفداء وبما يفدى.
159

قال القاضي وبن عقيل والمصنف وغيرهم بأقل الأمرين من القيمة أو أرش الجناية.
ولم يوردوا هنا القول بالأرش بالغا ما بلغ كما في فداء السيد للعبد الجاني لأن الذي ذكروه هو الأصح لا لأن الخلاف غير مطرد وفي كون الأول هو الأصح بحث انتهى.
فائدتان
إحداهما قوله وجنايته على الغاصب وعلى ماله هدر.
بلا نزاع.
وقوله ويضمن زوائد الغصب كالولد والثمرة إذا تلفت أو نقصت كالأصل.
بلا نزاع في الجملة.
فإذا غصب حاملا أو حائلا فحملت عنده فالولد مضمون عليه.
ثم إذا ولدت فلا يخلو إما أن تلده حيا أو ميتا.
فإن ولدته ميتا وكان قد غصبها حاملا فلا شيء عليه لأنه لا يعلم حياته.
وإن كان غصبها حائلا فحملت وولدته ميتا فكذلك عند القاضي.
وعند أبيه أبي الحسين يضمنه بقيمته لو كان حيا.
وقال المصنف ومن تبعه والأولى أنه يضمنه بعشر قيمة أمه.
وإن ولدته حيا ومات فعليه قيمته يوم تلفه.
الثانية قال في الفروع في هذا الباب في أول الفصل الأخير منه وإطلاق الأصحاب بأنه لا يضمن ما أتلفته بهيمة لا يد عليها ظاهرة ولو كانت مغصوبة لظاهر الخبر.
160

وعلل الأصحاب المسألة بأنه لا تفريط من المالك ولا ذمة لها فيتعلق بها ولا قصد فيتعلق برقبتها.
ويبين ذلك أنهم ذكروا جناية العبد المغصوب وأن الغاصب يضمنها.
وقالوا لأن جنايته تتعلق برقبته فضمنها لأنه نقص حصل في يد المغصوب.
فهذا التخصيص وتعليله يقتضي خلافه في البهيمة.
قال وهذا فيه نظر ولهذا قال بن عقيل في جنايات البهائم لو نقب لص وترك النقب فخرجت منه بهيمة ضمنها وضمن ما تجني بإفلاتها وتخليتها.
وقد يحتمل إن حازها وتركها بمكان ضمن لتعدية بتركها فيه بخلاف ما لو تركها بمكانها وقت الغصب وفيه نظر.
ولهذا قال الأصحاب في نقل التراب من الأرض المغصوبة إن أراده الغاصب وأبى المالك فللغاصب ذلك مع غرض صحيح مثل إن كان نقله إلى ملك نفسه فينقله لينتفع بالمكان أو كان طرحه في طريق فيضمن ما يتجدد به من جناية على آدمي أو بهيمة.
ولا يملك ذلك بلا غرض صحيح مثل إن كان نقله إلى ملك المالك أو طرف الأرض التي حفرها.
ويفارق طم البئر لأنه لا ينفك عن غرض لأنه يسقط ضمان جناية الحفر.
زاد بن عقيل ولعله معنى كلام بعضهم أو جناية الغير بالتراب انتهى كلام صاحب الفروع.
ومحل هذه الفائدة عند ضمان ما أتلفت البهيمة لكن لها هنا نوع تعلق.
قوله (وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز مثل أن خلط حنطة أو زيتا بمثله).
قال في الرعاية ولم يشتركا فيهما انتهى لزمه مثله منه في أحد الوجهين.
وهو المذهب وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
161

قال في القاعدة الثانية والعشرين المنصوص في رواية عبد الله وأبي الحارث أنه اشتراك فيما إذا خلط زيته بزيت غيره.
واختاره بن حامد والقاضي في خلافه وبن عبدوس في تذكرته والمصنف والشارح وصاحب التلخيص وجزم به في المحرر والعمدة.
قال في الوجيز فهما شريكان.
وقدمه في الخلاصة والرعايتين والحاوي الصغير وشرح بن رزين والفروع وغيرهم.
قال الحارثي هذا أمس بالمذهب وأقرب إلى الصواب.
وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء اختاره القاضي في المجرد.
وقال هذا قياس المذهب وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والمغني والشرح والفائق والحارثي والزركشي وغيرهم.
قال في الفروع وقال في الوسيلة والموجز يقسم بينهما بقدر قيمتهما انتهى.
وقال الحارثي وفيه وجه ثالث وهو الشركة كما في الأول لكن يباع ويقسم الثمن على الحصة كذا أطلق القاضي يعقوب بن إبراهيم في تعليقه وأبو الخطاب وأبو الحسن بن بكروس وغيرهما في رؤوس مسائلهم حتى قالوا به في الدنانير والدراهم.
وقاله بن عقيل في تذكرته.
وأظنه قول القاضي في التعليق الكبير انتهى.
ثم قال وأما إجراء هذا الوجه في الدنانير والدراهم فواه جدا لأنها قيم الأشياء وقسمتها ممكنة فأي فائدة في البيع ورد هذا الوجه الأخير.
فائدة هل يجوز للغاصب أن يتصرف في قدر ماله فيه أم لا.
قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية أبي طالب قد اختلط أوله وآخره أعجب إلي أن يتنزه عنه كله ويتصدق به.
162

وأنكر قول من قال يخرج منه بقدر ما خالطه.
واختار بن عقيل في فنونه التحريم لامتزاج الحلال بالحرام فيه واستحالة انفراد أحدهما عن الآخر.
وعلى هذا ليس له إخراج قدر الحرام منه بدون إذن المغصوب منه وهذا بناء على أنه اشتراك.
وعن الإمام أحمد رحمه الله رواية أخرى أنه استهلاك فيتخرج به قدر الحرام ولو من غيره قاله بن رجب في القاعدة الثانية والعشرين.
قوله (وإن خلطه بدونه أو بخير منه أو بغير جنسه يعني على وجه لا يتميز لزمه مثله في قياس التي قبلها).
قال القاضي في المجرد قياس المذهب يلزم الغاصب مثله.
واختاره في الكافي وإليه ميل الشارح.
وظاهر كلامه أنهما شريكان بقدر ملكيهما وهو المذهب.
قال في الفروع فشريكان بقدر حقهما كاختلاطهما من غير غصب نص عليه في رواية أبي الحارث.
قال الحارثي وهذا اختيار من سميناه في الوجه الثالث انتهى.
قال في المذهب هذا ظاهر المذهب.
واختاره بن عبدوس في تذكرته وقدمه في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير والخلاصة وجزم به في الوجيز وأطلقهما في الهداية والمستوعب والتلخيص.
وقال القاضي أيضا ما تعذر تمييزه كتالف يلزمه عوضه من حيث شاء.
فشمل كلامه هذه المسألة والتي قبلها.
فائدتان
إحداهما لو خلط الزيت بالشيرج ودهن اللوز بدهن الجوز ودقيق.
163

الحنطة بدقيق الشعير فالمنصوص الشركة وعليه أكثر الأصحاب كالتي قبلها وقد شمله كلام المصنف.
وقياس المذهب وجوب المثل عند القاضي.
قال الحارثي وهو أظهر.
الثانية لو خلط درهما بدرهمين لآخر فتلف اثنان فما بقي بينهما أثلاثا أو نصفين يتوجه فيه وجهان قاله في الفروع.
قلت الذي يظهر أن لصاحب الدرهمين نصف الباقي لا غير.
وذلك لأنه يحتمل أن يكون التالف ماله كاملا فيختص صاحب الدرهم به ويحتمل أن يكون التالف درهما لهذا ودرهما لهذا فيختص صاحب الدرهمين بالباقي فتساويا لا يحتمل غير ذلك ومال كل واحد منهما متميز قطعا بخلاف المسائل المتقدمة.
غايته أنه أبهم علينا.
فائدة قوله وإن غصب ثوبا فصبغه أو سويقا فلته بزيت فنقصت قيمتهما أو قيمة أحدهما ضمن النقص وإن لم تنقص ولم تزد أو زادت قيمتهما فهما شريكان بقدر ما لهما وإن زادت قيمة أحدهما فالزيادة لصاحبه.
هذه الجملة لا خلاف فيها.
لكن قال الحارثي الضمير في نقصت قيمتهما عائد على الثوب والصبغ والسويق والزيت لأنها إحدى الحالات الواردة في قيمة المالين من الزيادة والنقص والتساوي.
وفي عوده على مجموع الأمرين أعني الثوب والصبغ في صورة النقص.
164

مناقشة فإن ضمان الغاصب لا يتصور لنقصان الصبغ إذ هو ماله فلا يجوز إيراده لإثبات حكم الضمان.
والأجود أن يقال تنقص قيمة الثوب.
وكذا قوله أو قيمة أحدهما ليس بالجيد فإنه متناول لحالة النقصان في الصبغ دون الثوب وليس الأمر كذلك فإن الضمان لا يجب على هذا التقدير بحال والصواب حذفه.
غير أن الضمان إن فسر بالنسبة إلى الغاصب يكون النقص محسوبا عليه وقيل باستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه معا وباستعمال المشترك في مدلوليه معا فيتمشى انتهى.
فإذا حصل النقصان لكونه مصبوغا أو لسوء العمل فعلى الغاصب.
وعلى هذا يحمل إطلاق المصنف.
فإذا كان قيمة كل منهما خمسة وهي الآن بعد الصبغ ثمانية فالنقص على الغاصب وإن كان لانخفاض سعر الثياب فالنقص على المالك فيكون له ثلاثة وإن كان لانخفاض سعر الصبغ فالنقص على الغاصب فيكون له ثلاثة وإن
كان لانخفاضهما معا على السواء فالنقص عليهما لكل منهما أربعة هذا الصحيح قدمه الحارثي.
وقيل يحمل النقص على الصبغ في كل حال وهو قول صاحب التلخيص.
قوله (فإن أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر).
هذا المذهب جزم به في الوجيز واختاره المصنف والشارح وبن عقيل وغيرهم وقدمه في المحرر والفروع.
قال القاضي هذا قياس المذهب.
وفيه وجه آخر يجبر ويضمن النقص سواء كان الغاصب أو المغصوب منه وأطلقهما الحارثي في شرحه.
165

ويحتمل أن يجبر إذا ضمن الغاصب النقص.
يعني إذا أراد الغاصب قلع صبغه وامتنع المغصوب منه أجبر على تمكينه من قلعه ويضمن النقص وهذا قدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والرعايتين والحاوي الصغير والفائق.
قال المصنف والشارح إذا أراد الغاصب قلع الصبغ فقال أصحابنا له ذلك سواء أضر بالثوب أو لم يضر ويضمن نقص الثوب إن نقص.
ولم يفرق الأصحاب بين ما يهلك صبغة بالقلع وبين ما لا يهلك.
قال المصنف وينبغي أن ما يهلك بالقلع لا يملك قلعه.
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يملك قلعه إذا تضرر به الثوب لأنه قال المشتري إذا بنى أو غرس في الأرض المشفوعة فله أخذه إذا لم يكن في أخذه ضرر.
وقال المصنف وتبعه الشارح إن اختار المغصوب منه قلع الصبغ ففيه وجهان.
أحدهما يملك إجبار الغاصب عليه.
والثاني لا يملك إجباره عليه.
قال القاضي هذا ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله انتهى وتقدم ذلك.
فعلى القول بالإجبار من الطرفين لو نقص الثوب بالقلع ضمنه الغاصب بلا نزاع.
وإن نقص الصبغ فقال في الكافي لا شيء على المالك.
قال الحارثي وهو أصح.
وقال في المحرر يضمنه المالك كما في الطرف الآخر.
قوله (وإن وهب الصبغ للمالك أو وهبه تزويق الدار ونحوها فهل يلزم المالك قبولها على وجهين).
166

وأطلقهما في الكافي والمغني والشرح والفائق والحاوي الصغير.
أحدهما يلزمه قبوله وهو المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي في الصداق وصححه القاضي وصاحب المستوعب والتلخيص والرعاية الصغرى وقدمه في الهداية والمذهب والخلاصة والرعاية الكبرى والفروع.
قلت فيعايى بها.
والوجه الثاني لا يلزمه قبوله صححه في التصحيح والنظم.
قال الحارثي في التزويق ونحوه هذا أقرب إن شاء الله تعالى.
فائدتان
إحداهما لو طلب المالك تملك الصبغ بالقيمة فقال القاضي وبن عقيل وظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله لا يجبر الغاصب على القبول واختاراه قاله في القواعد وذكر المصنف وجها بالإجبار.
قال الحارثي وهو الصحيح.
الثانية لو نسج الغزل المغصوب أو قصر الثوب أو عمل الحديد إبرا أو سيوفا ونحو ذلك ووهبه لمالكه لزمه قبوله.
ولو سمر بمساميره بابا مغصوبا ثم وهب المسامير لرب الباب لم يلزمه قبولها قطع به الأكثر منهم صاحب المستوعب والتلخيص والرعاية.
قال في الفروع في الأصح وقيل يلزمه.
قوله (وإن غصب صبغا فصبغ به ثوبا أو زيتا فلت به سويقا احتمل أن يكون كذلك).
يعني يكونان شريكين بقدر ماليهما كما لو غصب ثوبا فصبغه بصبغ من عنده وهذا المذهب.
قال الحارثي ولم يذكر الأصحاب سواه في صورة الصبغ وجزم به في.
167

التلخيص والوجيز وقدمه في النظم والرعايتين والحاوي الصغير.
واحتمل أن يلزمه قيمته أو مثله إن كان مثليا لأن الصبغ والزيت صارا مستهلكين أشبه ما لو أتلفهما.
قال الحارثي وهذا مما انفرد به في الكتاب قال ويتخرج مثله في الصورة السابقة بمعنى أنه يضيع الصبغ على الغاصب ويأخذه المالك مجانا وأطلق الاحتمالين في الشرح وشرح بن منجا.
قوله (وإن وطئ الجارية فعليه الحد والمهر وإن كانت مطاوعة وأرش البكارة).
هذا المذهب مطلقا وعليه أكثر الأصحاب وصححه المصنف والشارح.
قال الزركشي هذا المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والرعايتين والحاوي الصغير والنظم والفائق وشرح الحارثي وغيرهم.
وعنه لا يلزمه مهر للثيب اختاره أبو بكر في التنبيه والخرقي وبن عقيل والشيخ تقي الدين رحمه الله ولم يوجب عليه سوى أرش البكارة نقله عنه في الفائق.
قال الزركشي عدم لزوم مهر الثيب بعيد.
وعنه لا يلزمه أرش البكارة لأنه يدخل في مهرها وهو احتمال في المغني وغيره.
قال الحارثي وهو واه.
وعنه لا مهر مع المطاوعة ذكره الآمدي قال الزركشي وهو جيد.
قوله (وإن ولدت فالولد رقيق للسيد وهذا بلا نزاع).
لكن لو انفصل ميتا فلا يخلو إما أن يكون مات بجناية أو لا.
فإن كان مات بجناية فلا يخلو إما أن تكون من الغاصب أو من غيره.
168

فإن كانت من الغاصب فقال المصنف في المغني والشارح وغيرهما عليه عشر قيمة أمه.
وقال الحارثي والأولى أكثر الأمرين من قيمة الولد أو عشر قيمة أمه.
وإن كانت الجناية من غير الغاصب فعليه عشر قيمة أمه بلا نزاع يرجع به على من شاء منهما والقرار على الجاني.
وإن كان مات من غير جناية فالصحيح من المذهب أنه لا يضمنه قدمه في المغني والشرح والفروع والفائق واختاره القاضي وبن عقيل وصاحب التلخيص.
وقيل يضمنه اختاره القاضي أبو الحسين والمصنف.
قال الحارثي وهو أصح.
فعلى القول بالضمان فقيل يضمنه بعشر قيمة أمه اختاره المصنف.
وقيل بقيمته لو كان حيا اختاره القاضي أبو الحسين وأطلقهما في الفروع وشرح الحارثي والقواعد الأصولية.
ويحتمل الضمان بأكثر الأمرين قال الحارثي وهذا أقيس.
فوائد
الأولى قال الحارثي والوجهان جاريان في حمل البهيمة المغصوبة إذا انفصل كذلك.
الثانية قوله ولو ولدته حيا ثم مات ضمنه بقيمته.
جزم به في المغني والشرح وغيرهما.
وظاهر كلام الناظم أن فيه الخلاف المتقدم.
الثالثة لو قتلها الغاصب بوطئه وجبت عليه الدية ونقله مهنا وجزم به في الفروع.
169

الرابعة هذا الحكم فيما تقدم إذا كان عالما.
فأما إن كان جاهلا بالتحريم فالولد حر للغاصب نص عليه.
فإن انفصل حيا فعلى الغاصب فداؤه يومئذ.
وإن انفصل ميتا من غير جناية فغير مضمون بلا خلاف.
وإن كان بجناية فعلى الجاني الضمان فإن كان من الغاصب فغرة موروثة عنه لا يرث الغاصب منها شيئا وعلى السيد عشر قيمة الأم.
وإن كان من غير الغاصب فعليه الغرة يرثها الغاصب دون أمه وعلى الغاصب عشر قيمة الأم للمالك لو غصبها.
الخامسة لو غصبها حاملا فولدت عنده ضمن نقص الولادة كما قال المصنف.
فإن مات الولد فقال الخرقي يضمنه بأكثر ما كانت قيمته.
وفي المستوعب والتلخيص هل يلزمه قيمته يوم مات أو أكثر ما كانت على روايتين.
قال الحارثي والمذهب الاعتبار بحالة الموت.
وإن انفصل ميتا فعلى ما تقدم من التفصيل.
وإن ماتت الأم بالولادة وجب ضمانها.
وكذلك لو غصبه مريضا فمات في يده بذلك المرض جزم به الحارثي.
قوله (وإن باعها أو وهبها لعالم بالغصب فوطئها فللمالك تضمين أيهما شاء نقصها ومهرها وأجرتها وقيمة ولدها إن تلف فإن ضمن الغاصب رجع على الآخر ولا يرجع الآخر عليه).
وهذا بلا نزاع أعلمه جزم به في المغني والشرح وشرح بن منجا والحارثي وغيرهم.
170

قوله (وإن لم يعلما بالغصب فضمنها رجعا على الغاصب).
اعلم إن بيع الغاصب العين المغصوبة غير صحيح مطلقا على المذهب وفيه رواية يصح ويقف على إجازة المالك.
وحكى فيه رواية ثالثة يصح البيع على ما يأتي في تصرفات الغاصب والتفريع على المذهب وكذا الهبة غير صحيحة.
إذا علمت ذلك فهما بمنزلة الغاصب في جواز تضمينهما ما كان الغاصب يضمنه على الصحيح من المذهب.
قال في أول القاعدة الثالثة والتسعين من قبض مغصوبا من غاصبه ولم يعلم أنه مغصوب فالمشهور عن الأصحاب أنه بمنزلة الغاصب في جواز تضمينه ما كان الغاصب يضمنه من عين ومنفعة انتهى.
وقطع به في المحرر وغيره من الأصحاب.
وقوله فضمنهما رجعا على الغاصب.
يعني إذا ضمن المشتري أو المتهب نقصها ومهرها وأجرتها وقيمة ولدها وأرش البكارة إن كانت بكرا رجعا على الغاصب بذلك وهو المذهب في الجملة نص عليه في رواية جعفر في الفداء.
وفي رواية إسحاق بن منصور على المهر.
ويأتي التفصيل في ذلك عند ذكر الرواية التي ذكرها المصنف والخلاف.
قوله (وإن ولدت من أحدهما فالولد حر بلا نزاع ويفديه بمثله في صفاته تقريبا).
يجب فداء الولد على الصحيح من المذهب نص عليه في رواية بن منصور وجعفر بن محمد والميموني ويعقوب بن بختان قاله الحارثي.
ونقل بن منصور عن الإمام أحمد لا يلزم المشتري فداء أولاده وليس للسيد بدلهم لأنه انعقد حرا.
171

قال الخلال أحسبه قولا لأبي عبد الله أول والذي أذهب إليه أنه يفديهم.
قال الحارثي والمشهور الأول ولم يعول الأصحاب على هذه الرواية.
قوله (بمثله في صفاته تقريبا).
يعني من غير نظر إلى القيمة والمثل في الجنس والسن.
لكن قال الحارثي أما السن فلا يخلو من نظر وفداؤه بمثله في صفاته تقريبا هو إحدى الروايات عن الأمام أحمد.
قال بن منجا هذا المذهب واختارها القاضي وأصحابه.
قال الحارثي وهو اختيار الخرقي وأبي بكر في التنبيه والقاضيين أبي يعلى ويعقوب بن إبراهيم في تعليقيهما وأبي الخطاب في رؤوس مسائله والشريف أبي القاسم الزيدي وغيرهم.
قال القاضي أبو الحسين والشريف أبو جعفر وأبو الحسن بن بكروس وهي أصح انتهى.
قال الزركشي هو مختار الخرقي والقاضي وعامة أصحابه وجزم به في الكافي.
ويحتمل أن يعتبر مثله في القيمة وهو لأبي الخطاب وهو وجه في المستوعب والتلخيص ورواية في المحرر.
قال الحارثي ونسب إلى اختيار أبي بكر.
قلت قاله المصنف والشارح عنه وقدمه في الفائق.
وتضمينه المثل من المفردات.
وعنه يضمنه بقيمته وهو المذهب على ما اصطلحناه اختاره المصنف والشارح وصاحب التلخيص وبن منجا في شرحه وبن الزاغوني.
قال القاضي في المجرد وهو أشبه بقوله لأنه نص على أن الحيوان لا مثل له وهو مذهب الأئمة الثلاثة وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والرعايتين والحاوي الصغير.
172

وعنه يضمنه بأيهما شاء اختاره أبو بكر في المقنع.
قال في القواعد الأصولية وعنه يفدى كل وصيف بوصيفين أورده السامري وغيره عن بن أبي موسى في مغرور النكاح.
تنبيه حيث قلنا يفديه إما بالمثل أو القيمة فيكون ذلك يوم وضعه على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب منهم القاضي والشريف أبو جعفر وأبو الخطاب والمصنف والمجد والشارح وغيرهم من الأصحاب وقدمه في الفروع والفائق والزركشي وغيرهم.
وعنه يكون الفداء يوم الخصومة وهو ظاهر إطلاق الإمام أحمد في رواية بن منصور وجعفر وهو وجه في الفائق.
قال الحارثي وعن بن أبي موسى حكاية وجه الاعتبار بيوم الحكومة.
قوله (ويرجع بذلك على الغاصب).
يعني بما فدى به الأولاد وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وذكر بن عقيل رواية لا يرجع بفداء الولد.
قوله (وإن تلفت فعليه قيمتها ولا يرجع بها إن كان مشتريا ويرجع بها المتهب).
إذا تلفت عند المشتري فعليه قيمتها للمغصوب منه ولا يرجع على الغاصب بالقيمة على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب منهم القاضي والشريف وأكثرهم قطع به.
وفي المغني في باب الرهن رواية باستقرار الضمان على الغاصب فلا يرجع على المشتري.
وحكاه في الكافي في باب المضاربة وجها.
وصرح القاضي بمثل ذلك في خلافه قاله بن رجب.
وقال هو عندي قياس المذهب وقواه واستدل له بمسائل ونظائر.
173

فعلى هذا يرجع على الغاصب بذلك كله ويرجع بالثمن بلا نزاع.
وعلى المذهب يأخذ من الغاصب ثمنها ويأخذ أيضا نفقته وعمله من البائع الغار قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال في الفتاوى المصرية لو باع عقارا ثم خرج مستحقا فإن كان المشتري عالما ضمن المنفعة سواء انتفع بها أو لم ينتفع فإن لم يعلم فقرار الضمان على البائع الظالم وإن انتزع المبيع من يد المشتري فأخذت منه الأجرة وهو معروف رجع بذلك على البائع الغار انتهى.
وفي الترغيب والتلخيص احتمال بأن المشتري يرجع بما زاد على الثمن وبه جزم بن المنى في خلافه.
وفي الترغيب أيضا لا يطالب بالزيادة الحاصلة قبل قبضه.
قال في القواعد الأصولية قلت وإطلاق الأصحاب يقتضي لا رجوع بما زاد على الثمن وفيه نظر انتهى.
قال المصنف في فتاويه وإن انفق على أيتام غاصب وصيه مع علمه بأنه غاصب لم يرجع وإلا رجع لأن الموصى غره انتهى.
وأما إذا تلفت عند المتهب فعليه قيمتها لربها ويرجع بما غرمه على الغاصب على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به في المغني والشرح والمحرر والفائق وغيرهم.
قال في الفروع ويرجع متهب في الأصح.
وقيل لا يرجع كالمشتري.
قال الحارثي وفي الكافي رواية بعدم الرجوع فيما إذا تلف لأنه غرم ما أتلفه انتهى.
قوله (وعنه أن ما حصلت له به منفعة كالأجرة والمهر وأرش البكارة لا يرجع به).
174

هذه الرواية عائدة إلى قوله فإن لم يعلما بالغصب فضمنهما رجعا على الغاصب لكن هذه الرواية رجع عنها الإمام أحمد رحمه الله.
قال الحارثي واعلم أن الرواية بعدم الرجوع رجع عنها الإمام أحمد.
قال القاضي في كتاب الروايتين رجع عن قوله بحديث علي.
وإذا كان كذلك فلا يكون عدم الرجوع مذهبا له في شيء من هذه الأمور أصلا وفرعا انتهى كلام الحارثي.
قلت إذا رجع الإمام أحمد رحمه الله عن قول فهل يترك ولا يذكر لرجوعه عنه أو يذكر ويثبت في التصانيف تقدم حكم ذلك في الخطبة وباب التيمم.
واعلم أن المالك إذا رجع على المشتري وأراد المشتري الرجوع على الغاصب فلا يخلو من أقسام.
أحدها ما لا يرجع به وهو قيمتها إذا تلفت كلها أو جزؤها في يده على ما تقدم من الخلاف.
والثاني فيه خلاف والترجيح مختلف وهو أرش البكارة والمهر وأجرة نفعها.
فأما أرش البكارة فقدم المصنف هنا أنه يرجع به.
قال في الفائق اختاره الخرقي.
قال الحارثي هذا المذهب انتهى.
قال الزركشي الرجوع اختيار الخرقي والقاضي وعامة أصحابه.
والصحيح من المذهب أنه لا يرجع به جزم به في المحرر والمنور وقدمه في المغني والكافي والشرح والفروع واختاره القاضي وبن عقيل وأبو بكر قاله في الفائق وأطلقهما في الهداية والمستوعب والتلخيص والفائق والرعايتين والحاوي الصغير.
175

وأما المهر وأجرة النفع فالصحيح من المذهب أنه يرجع بهما على الغاصب جزم به في الوجيز والمنور وقدمه المصنف هنا وصاحب المحرر والفروع.
قال الحارثي هذا المذهب ورجوعه بالمهر على الغاصب من المفردات.
وعنه لا يرجع اختاره أبو بكر وبن أبي موسى قاله في القواعد.
قال في الفروع في حصول نفع اختاره الخرقي وأبو بكر وبن عقيل.
قلت المصرح به في الخرقي رجوع المشتري بالمهر.
قال الزركشي يرجع بالمهر عند الخرقي والقاضي وعامة أصحابه وأطلقهما في المهر في الهداية والمذهب والحاوي الصغير والرعاية وغيرهم وأطلقهما في المهر والأجرة في المستوعب والخلاصة والشرح والفائق وغيرهم.
الثالث ما يرجع به على الصحيح من المذهب وهو قيمة الولد كما تقدم.
والرابع ما يرجع به قولا واحدا وهو نقص ولادة ومنفعة فائتة جزم به في الفروع وجزم به القاضي وبن عقيل والمصنف في الكافي والمغني في نقص الولادة.
قال الحارثي وأدخله الباقون فيما يرجع به كما في المتن.
فائدة حكم المتهب حكم المشتري وقد حكى المصنف هنا وصاحب المحرر وجماعة فيه الروايتين وحكى الخلاف في المغني وجهين.
قال الحارثي وهو الصواب فإنه مقيس على نصه.
فائدة أخرى حكم الثمرة والولد الحادث في المبيع حكم المنافع إذا ضمنها رجع ببدلها على الغاصب وكذلك الكسب صرح به القاضي في خلافه إلا أن يكون انتفع بشيء من ذلك فيخرج على الروايتين.
قوله (وإن ضمن الغاصب رجع على المشتري بما لا يرجع به عليه).
176

اعلم أن للمالك تضمين من شاء منهما أعني الغاصب ومن انتقلت إليه منه فإن ضمن غير الغاصب فقد تقدم حكم رجوعه على الغاصب وعدمه وإن رجع على الغاصب وهو ما قاله المصنف هنا فهو أربعة أضرب.
أحدها قيمة العين فهذا إذا رجع به المالك على الغاصب يرجع الغاصب به على المشتري.
الثاني قيمة الولد فإذا رجع بها على الغاصب لم يرجع الغاصب على المشتري على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وتقدم رواية ذكرها بن عقيل أن المالك إذا ضمن المشتري لا يرجع به على الغاصب فتأتي الرواية هنا أن الغاصب إذا ضمنه المالك يرجع به على المشتري.
الثالث المهر وأرش البكارة والأجرة ونحوه فعلى القول برجوع المشتري والمتهب على الغاصب إذا ضمنها المالك هناك لا يرجع الغاصب عليهما هنا إذا ضمنه المالك.
وعلى القول أنهما لا يرجعان يرجع الغاصب عليهما هنا.
الرابع نقص الولادة والمنفعة الفائتة فإن رجع المالك على الغاصب لم يرجع به الغاصب على المشتري قولا واحدا على قول صاحب الفروع وغيره.
وهذا كله قد شمله قول المصنف وإن ضمن الغاصب رجع على المشتري بما لا يرجع به عليه.
فحيث ضمن المشتري وقلنا يرجع على الغاصب إذا ضمن الغاصب لا يرجع على المشتري وعكسه بعكسه.
قوله (وإن ولدت من زوج فمات الولد ضمنه بقيمته وهل يرجع به على الغاصب على روايتين).
177

مثال ذلك أن يكون المشتري جاهلا بغصبها فيزوجها لغير عالم بالغصب فتلد منه فهو مملوك فيضمنه من هو في يده بقيمته إذا تلف.
وهل يرجع به على الغاصب على روايتين بناء على الروايتين في ضمان النفع إذا تلف عند المشتري على ما تقدم قاله المصنف والشارح وأطلقهما في المغني والشرح وشرح بن منجا والفائق وغيرهم.
إحداهما يرجع صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز وهو المذهب لأن الصحيح من المذهب أنه يرجع عليه بأجرة النفع على ما تقدم قريبا فكذا هذا.
والثانية لا يرجع.
قوله (وإن أعارها فتلفت عند المستعير استقر ضمان قيمتها عليه وضمان الأجرة على الغاصب).
إذا استعارها من الغاصب عالما بغصبها فله تضمين الغاصب والمستعير.
فإن ضمن الغاصب رجع على المستعير وإن ضمن المستعير لم يرجع على الغاصب مطلقا.
وإن كان غير عالم بالغصب فضمن المستعير لم يرجع على الغاصب بقيمة العين ويرجع عليه بضمان المنفعة على الصحيح من المذهب وهو قول المصنف وضمان الأجرة على الغاصب.
وعنه لا يرجع بضمان المنفعة إذا تلفت بالاستيفاء ويستقر الضمان عليه في مقابلة الانتفاع.
قال في القواعد وإن ضمن الغاصب المنفعة ابتداء ففيه طريقان.
أحدهما البناء على الروايتين فإن قلنا لا يرجع القابض عليه إذا ضمن ابتداء رجع على الغاصب هنا عليه وإلا فلا وهي طريقة أبي الخطاب ومن اتبعه والقاضي وبن عقيل في موضع.
178

والطريق الثاني لا يرجع الغاصب على القابض قولا واحدا قاله القاضي وبن عقيل في موضع آخر.
فائدة ذكر المصنف رحمه الله فيما إذا انتقلت العين من يد الغاصب إلى يد غيره ثلاث مسائل مسألة الشراء ومسألة الهبة ومسألة العارية وتقدم الكلام عليها.
وقد ذكر العلامة بن رجب في قواعده أن الأيدي القابضة من الغاصب مع عدم العلم بالحال عشرة.
منها الثلاثة المذكورة التي ذكرها المصنف ولكن نعيد ذكر يد المتهب لأجل نظائرها في اليد التاسعة.
فاليد الثالثة الغاصبة من الغاصب وحقها أن تكون أولى لأنها كالأصل للأيدي وهو أن اليد الغاصبة من الغاصب يتعلق بها الضمان كأصلها ويستقر عليها مع التلف تحتها ولا يطالب بما زاد على مدتها.
اليد الرابعة يد آخذة لمصلحة الدافع كالاستيداع والوكالة بغير جعل فالصحيح من المذهب أن للمالك تضمينها ثم يرجع بما ضمن على الغاصب لتغريره.
وفيه وجه آخر باستقرار الضمان عليها ولتلف المال تحتها من غير إذن صرح به القاضي في المجرد في باب المضاربة.
قال بن رجب ويتخرج فيه وجه آخر لا يجوز تضمينها بحال من الوجه المحكي كذلك في المرتهن ونحوه وأولى.
وخرجه الشيخ تقي الدين رحمه الله من مودع المودع حيث لا يجوز له الإيداع فإن الضمان على الأول وحده.
كذلك قال القاضي في المجرد وبن عقيل في الفصول وذكر أنه ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله ومن الأصحاب من منع ظهوره.
179

اليد الخامسة يد قابضة لمصلحتها ومصلحة الغاصب كالشريك والمضارب والوكيل بجعل والمرتهن فالمشهور جواز تضمينها أيضا وترجع بما ضمنت لدخولها على الأمانة.
وذكر القاضي في المجرد وبن عقيل والمصنف في الرهن احتمالين آخرين.
أحدهما استقرار الضمان على القابض وحكوا هذا الوجه في المضارب أيضا.
والثاني لا يجوز تضمينها بحال لدخولها على الأمانة.
قال بن رجب وينبغي أن يكون هو المذهب وأنه لا يجوز تضمين القابض ما لم يدخل على ضمانه في جميع هذه الأقسام.
وحكى القاضي وغيره في المضاربة وجها آخر أن الضمان في هذه الأمانات يستقر على من ضمن منهما فأيهما ضمن لم يرجع على الآخر.
اليد السادسة يد قابضة عوضا مستحقا بغير عقد البيع كالصداق وعوض الخلع والعتق والصلح عن دم العمد إذا كان معينا له أو كان القبض وفاء لدين مستقر في الذمة من ثمن مبيع أو غيره أو صداقا وقيمة ما تلف ونحوه فإذا تلفت هذه الأعيان في يد من قبضها ثم استحقت فللمستحق الرجوع على القابض ببدل العين والمنفعة على ما تقرر.
قال ويتخرج وجه أن لا مطالبة له عليه وهو ظاهر كلام بن أبي موسى في الصداق والباقي مثله على القول بالتضمين فيرجع على الغاصب بما غرم من قيمة المنافع لتغريره إلا بما انتفع به فإنه مخرج على الروايتين.
وأما قيم الأعيان فمقتضى ما ذكره القاضي ومن اتبعه أنه لا يرجع بها.
ثم إن كان القبض وفاء عن دين ثابت في الذمة فهو باق بحاله وإن كان عوضا متعينا في العقد لم ينفسخ العقد هنا باستحقاقه ولو قلنا إن النكاح على المغصوب لا يصح لأن القول بانتفاء الصحة مختص بحالة العلم ذكره بن.
180

أبي موسى ويرجع على الزوج بقيمة المستحق في المنصوص وهو قول القاضي في خلافه.
وقال في المجرد ويجب مهر المثل.
وأما عوض الخلع والعتق والصلح عن دم العمد ففيه وجهان.
أحدهما يجب الرجوع فيها بقيمة العوض المستحق وهو المنصوص وهو قول القاضي في أكثر كتبه وجزم به صاحب المحرر.
والثاني يجب قيمة المستحق في الخلع والصلح عن دم العمد بخلاف العتق فإن الواجب فيه قيمة العبد وهو قول القاضي في البيوع من خلافه ويشبه قول الأصحاب فيما إذا جعل عتق أمته صداقها وقلنا لا ينعقد به النكاح فأبت أن تتزوجه على ذلك أن عليها قيمة نفسها لا قيمة مهر مثلها.
وعلى الوجه المخرج في البيع أن المغرور يرجع بقيمة العين فهنا كذلك.
اليد السابعة يد قابضة بمعاوضة وهي يد المستأجر.
فقال القاضي والأكثرون إذا ضمنت المنفعة لم يرجع بها.
ولو زادت أجرة المثل على الأجرة المسماة ففيه ما مر من زيادة قيمة العين على الثمن وإذا ضمنت قيمة العين رجعت بها على الغاصب لتغريره.
وفي تعليقه المجد يتخرج لأصحابنا وجهان.
أحدهما أن المستأجر لا ضمان عليه بحال لقول الجمهور يضمن العين.
وهل القرار عليه لنا وجهان.
أحدهما عليه.
والثاني على الغاصب وهو الذي ذكره القاضي في خلافه انتهى.
اليد الثامنة يد قابضة للشركة وهي المتصرفة في المال بما ينميه بجزء من.
181

النماء كالشريك والمضارب والمزارع والمساقي ولهم الأجرة على الغاصب لعملهم له بعوض لم يسلم.
فأما المضارب والمزارع بالعين المغصوبة وشريك العنان فقد دخلوا على أن لا ضمان عليهم بحال فإذا ضمنوا على المشهور رجعوا بما ضمنوا إلا حصتهم من الربح فلا يرجعون بضمانها ذكره القاضي وبن عقيل في المساقي والمزارع نظيره.
أما المضارب والشريك فلا ينبغي أن يستقر عليهم ضمان شيء بدون القسمة مطلقا.
وحكى الأصحاب في المضارب للمضارب بغير إذن وجها آخر أنه يرجع بما ضمنه بناء على الوجه المذكور باستقرار الضمان على من تلف المال بيده.
ويتخرج وجه آخر أنه لا يملك المالك تضمينهم بحال وإنما أعاد حكم الشريك والمضارب لذكر النماء.
وأما المساقي إذا ظهر الشجر مستحقا بعد تكملة العمل فللعامل أجرة المثل لعمله على الغاصب وإذا تلف الثمن فله حالتان.
إحداهما أن يتلف بعد القسمة فللمالك تضمين كل من الغاصب والعامل ما قبضه وله أن يضمن الكل للغاصب فإذا ضمنه الكل رجع على العامل بما قبضه لنفسه.
وفي المغني احتمال لا يرجع عليه وهل للمالك تضمين العامل جميع الثمرة ذكر القاضي فيه احتمالين.
أحدهما نعم ثم يرجع العامل على الغاصب بما قبضه على الثمرة على المشهور وبالكل على الاحتمال المذكور والثاني لا.
الحالة الثانية أن يتلف الثمر قبل القسمة إما على الشجر وإما بعد جذه ففي التلخيص في مطالبة العامل بالجميع احتمالان وكذا لو تلف بعض الشجر.
182

قال بن رجب وهو ملتفت إلى أن يد العامل هل تثبت على الشجر والثمر أم لا والأظهر أن لا لأن الضمان عندنا لا ينتقل في الثمر المعلق على شجرة بالتخلية.
ولو اشترى شجرة بثمرها فهل تدخل الثمرة في ضمانه تبعا للشجرة قال بن عقيل في فنونه لا تدخل.
قال بن رجب والمذهب دخولها تبعا.
اليد التاسعة يد قابضة تملكا لا بعوض إما للعين بمنافعها كالهبة والوقف والصدقة والوصية أو للمنفعة كالموصي له بالمنافع والمشهور أنها ترجع بما ضمنته بكل حال إلا ما يحصل لها به نفع ففي رجوعها بضمانه الروايتان.
ويتخرج وجه آخر أنها لا تضمن ابتداء ما لم يستقر ضمانها عليه.
وذكر القاضي وبن عقيل رواية أنها لا ترجع بما ضمنته بحال.
ثم اختلف الأصحاب في محل الروايتين في الرجوع بما انتفعت به على طرق ثلاث.
إحداهن أن محلهما إذا لم يقل الغاصب هذا ملكي أو ما يدل عليه فإن قال ذلك فالقرار عليه بغير خلاف وهي طريقة المصنف في المغني.
والطريقة الثانية إن ضمن المالك القابض ابتداء ففي رجوعه على الغاصب الروايتان مطلقا وإن ضمن الغاصب ابتداء فإن كان القابض قد أقر له بالملكية لم يرجع على القابض رواية واحدة وهي طريقة القاضي.
والطريقة الثالثة الخلاف في الكل من غير تفصيل وهي طريقة أبي الخطاب وغيره.
اليد العاشرة يد متلفة للمال نيابة عن الغاصب كالذابح للحيوان والطابخ له فلا قرار عليها بحال وإنما القرار على الغاصب قاله القاضي وبن عقيل والأصحاب.
183

قال بن رجب ويتخرج وجه آخر بالقرار عليها مما أتلفه كالمودع إذا تلفت تحت يده وأولى لمباشرتها للإتلاف.
قال ويتخرج وجه آخر لا ضمان عليها بحال من نص الإمام أحمد فيمن حفر لرجل بئرا في غير ملكه فوقع فيها إنسان فقال الحافر ظننت أنها في ملكه فلا شيء عليه وبذلك جزم القاضي وبن عقيل في كتاب الجنايات.
وأما إذا أتلفته على وجه محرم شرعا عالمة بتحريمه كالقاتلة للعبد المغصوب والمحرقة للمال بإذن الغاصب فيهما ففي التلخيص يستقر عليها الضمان لأنها عالمة بالتحريم فهي كالعالمة بأنه مال الغير.
ورجح الحارثي دخولها في قسم المغرور انتهى كلام بن رجب في القواعد ملخصا ولقد أجاد فرحمه الله.
قوله (وإن اشترى أرضا فغرسها أو بنى فيها فخرجت مستحقة فقلع غرسه وبناءه رجع المشتري على البائع بما غرمه).
ذكره القاضي في القسمة وهذا بلا نزاع على القول بجواز القلع.
وأفادنا كلام المصنف أن للمالك قلع الغرس والبناء.
هذا المذهب مطلقا أعني من غير ضمان النقص ولا الأخذ بالقيمة وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الشرح وشرح بن منجا والوجيز وقدمه في المحرر والفروع وشرح الحارثي وقال هو الأصح.
قال في القواعد هذا الذي ذكره بن أبي موسى والقاضي في المجرد وتبعه عليه المتأخرون.
وعنه لرب الأرض قلعه إن ضمن نقصه ثم يرجع به على البائع قاله في المحرر وغيره.
وقال الحارثي وعن الإمام أحمد رحمه الله لا يقع بل يأخذه بقيمته وذكر النص من رواية حرب.
184

وقدمه في القاعدة السابعة والسبعين في غرس المشتري من الغاصب وقال نقله عنه حرب ويعقوب بن بختان وذكر النص وقال وكذلك نقل عنه محمد بن حرب الجرجاني وقال هذا الصحيح ولا يثبت عن الإمام أحمد سواه ونصره بأدلة.
وتقدم التنبيه على بعض ذلك في أول الباب عند غرس الغاصب وبنائه ولكن كلامه هنا أعم.
فائدتان
إحداهما لو بنى فيما يظنه ملكه جاز نقضه لتفريطه ويرجع على من غره ذكره في الانتصار في الشفيع واقتصر عليه في الفروع.
الثانية لو أخذ منه ما اشتراه بحجة مطلقة رد بائعه ما قبضه منه على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وقيل إن سبق الملك الشراء وإلا فلا ذكره في الرعاية في الدعوى.
قوله (وإن أطعم المغصوب لعالم بالغصب استقر الضمان عليه يعني على الآكل وهذا بلا نزاع).
وإن لم يعلم وقال له الغاصب كله فإنه طعامي استقر الضمان على الغاصب.
على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في المغني والشرح والنظم والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع والخلاصة.
وقيل الضمان على الآكل.
وأطلقهما في الرعايتين والفائق والحاوي الصغير.
ويأتي كلام القاضي وأبي الخطاب وغيرهما.
185

قوله (وإن لم يقل يعني وإن لم يقل هو طعامي بل قال له كل ففي أيهما يستقر عليه الضمان وجهان).
أكثر الأصحاب يحكون الخلاف وجهين وحكاهما في المغني روايتين وأطلقهما في الشرح والرعايتين والحاوي الصغير والفائق والحارثي.
أحدهما يستقر الضمان على الغاصب وهو المذهب صححه في النظم والتصحيح وجزم به في الوجيز وقدمه في الخلاصة والفروع وهو ظاهر كلام الخرقي.
والوجه الثاني يستقر على الآكل.
وقال القاضي وأبو الخطاب في الهداية والسامري في المستوعب وبن الجوزي في المذهب إن ضمن الغاصب استقر الضمان عليه وجها واحدا.
وإن ضمن الآكل ففي رجوعه على الغاصب وجهان مبنيان على روايتي المغصوب لكن القاضي قال ذلك فيما إذا قال هو طعامي فكله وغيره ذكره في المسألتين.
قوله (وإن أطعمه لمالكه ولم يعلم لم يبرأ نص عليه في رجل له عند رجل تبعه فأوصلها إليه على أنها صلة أو هدية ولم يعلم كيف هذا قال المصنف يعني أنه لا يبرأ).
اعلم أنه إذا أطعمه لمالكه فأكله عالما أنه طعامه بريء غاصبه وكذا لو أكله بلا إذنه.
فإن لم يعلم وقال له الغاصب كله فإنه طعامي لم يبرأ الغاصب أيضا.
وإن لم يقل ذلك بل قدمه إليه وقال كله فجزم المصنف هنا أنه لا يبرأ وهو ظاهر النص المذكور.
186

قال الحارثي نص عليه من وجوه وذكرها وهو المذهب جزم به في الوجيز والفائق وناظم المفردات والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وقدمه في الكافي والمغني والتلخيص والشرح والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والحارثي وهو من مفردات المذهب.
قال المصنف وتبعه الشارح ويتخرج أن يبرأ بناء على ما إذا أطعمه لأجنبي فإنه يستقر الضمان على الآكل في أحد الوجهين كما تقدم وذكره بن أبي موسى تخريجا.
فائدتان
إحداهما لو أطعمه لدابة المغصوب منه أو لعبده لم يبرأ على الصحيح من المذهب وجزم به في التلخيص.
قال في الفائق ولو أطعمه لدابته مع علمه بريء من الغصب وإلا فلا نص عليه وقدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
قال في الفروع لغير عالم بغصبه.
قال جماعة أو لدابته استقر ضمانه عليه.
وقال في الرعاية الكبرى إن جهل مالكه ففيه ثلاثة أوجه.
الثالث لا يبرأ إن قال هو لي وإلا بريء انتهى.
الثانية قال المصنف والشارح لو وهب المغصوب لمالكه أو أهداه إليه بريء على الصحيح من المذهب لأنه سلمه إليه تسليما تاما وكذا إن باعه أيضا وسلمه إليه أو أقرضه إياه وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال في الفروع وجزم به جماعة وصححه في الكافي وغيره.
وقال في القاعدة السادسة والستين والمشهور في الهبة أنه لا يبرأ نص عليه الإمام أحمد معللا بأنه تحمل منته وربما كافأه على ذلك.
187

واختار القاضي في خلافه وصاحب المغني أنه يبرأ لأن المالك تسلمه تسلما تاما وعادت سلطته إليه انتهى.
وقدم في الفروع أن أخذه بهبة أو شراء أو صدقة أنه كإطعامه لربه على ما تقدم.
وقال في الرعاية الكبرى إن أهداه إليه أو جعله صدقة لم يبرأ على الأصح.
قال الحارثي والمنصوص عدم البراءة اختاره بن أبي موسى والقاضيان أبو يعلى ويعقوب بن إبراهيم انتهى.
قوله (وإن رهنه عند مالكه أو أودعه إياه أو أجره أو استأجره على قصارته وخياطته لم يبرأ إلا أن يعلم).
وهو المذهب جزم به في الوجيز والفائق وقدمه في المغني والشرح والفروع.
قال الحارثي فالنص قاض بعدم البراءة انتهى.
وقدمه في الكافي في غير الرهن وقيل يبرأ.
قال في الفروع وقال جماعة يبرأ في وديعة ونحوها.
قال الشارح وقال بعض أصحابنا يبرأ.
قلت ورأيته في نسخة قرئت على المصنف.
وقال أبو الخطاب يبرأ.
فائدة لو أباحه مالكه للغاصب فأكله قبل علمه ضمن ذكره في الانتصار فيما إذا حلف لا خرجت إلا بإذني.
قال في الفروع ويتوجه الوجه يعني بعدم الضمان.
قال والظاهر أن مرادهم غير الطعام كهو في ذلك ولا فرق.
قال في الفنون في مسألة الطعام يبقى الضمان بدليل ما لو قدم له شوكه الذي غصبه منه فسجره وهو لا يعلم انتهى.
188

وما ذكره في الانتصار ذكره القاضي يعقوب في تعليقه في المكان المذكور ولم يخصه بالطعام بل قال كل تصرف تصرف به الأجنبي في مال غيره وقد أذن فيه مالكه ولم يعلم فعليه الضمان انتهى.
ولم يرتضه بعض المتأخرين.
قلت قال في القاعدة الرابعة والستين وما ذكره في الانتصار بعيد جدا والصواب الجزم بعدم الضمان لأن الضمان لا يثبت بمجرد الاعتقاد فيما ليس بمضمون كمن وطئ امرأة يظنها أجنبية فتبينت زوجته فإنه لا مهر عليه ولا غيره وكما لو أكل في الصوم يظن أن الشمس لم تغرب فتبين أنها كانت غربت فإنه لا يلزمه القضاء انتهى وهو الصواب.
قوله (وإن أعاره إياه بريء علم أو لم يعلم).
هذا المذهب جزم به في المغني والشرح وشرح بن منجا والفروع والوجيز وغيرهم.
وقيل إذا لم يعلم لم يبرأ جزم به في التلخيص.
قال الحارثي ومقتضى النص الضمان وبه قال بن عقيل وصاحب التلخيص انتهى.
وقدمه في الكافي والرعايتين والحاوي الصغير والفائق وقال اختاره الشيخ يعني به المصنف.
والظاهر أنه أراد ما قدمه في الكافي ولم يعارضه المغني والمقنع فإن المصنف جزم بالبراءة فيهما.
وأما صاحب الفروع فإنه تابع المصنف في المغني ولو أعاد النظر فحكى الخلاف كما حكاه غيره.
فائدة لو باعه إياه أو أقرضه فقبضه جاهلا لم يبرأ على المنصوص قاله الحارثي واختار المصنف أنه يبرأ.
189

قوله (ومن اشترى عبدا فأعتقه فادعى رجل أن البائع غصبه منه فصدقه أحدهما لم يقبل على الآخر بلا نزاع وإن صدقاه مع العبد لم يبطل العتق).
ويستقر الضمان على المشتري وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم القاضي وغيره وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق والحارثي.
وقال أبو الخطاب في الهداية والمصنف وجماعة ويحتمل أن يبطل العتق إذا صدقوه كلهم.
يعني إذا اتفقوا عليه كلهم ويعود العبد إلى المدعي.
تنبيه الضمان هنا هو ثمنه قدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل بل قيمته حين العقد.
قال في الرعاية الكبرى قلت إن أجاز البيع وقلنا يصح بالإجازة فله الثمن وإن رده فله القيمة.
فعلى المذهب في أصل المسألة لو مات العبد وخلف مالا فهو للمدعي إلا أن يخلف وارثا فيأخذه وليس له عليه ولاء.
قوله (وإن تلف المغصوب لزمه مثله إن كان مكيلا أو موزونا).
وكذا لو أتلفه هذا المذهب وعليه الأصحاب سواء تماثلت أجزاؤه أو تفاوتت كالأثمان والحبوب والأدهان وغير ذلك وجزم به في العمدة والمحرر والوجيز والتسهيل وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والفروع والفائق وغيرهم.
190

وحكاه بن عبد البر إجماعا في المأكول والمشروب.
وعنه يضمنه بقيمته.
قال الحارثي ذكرها القاضي أبو الحسين في كتابه التمام وأبو الحسن بن بكروس في رؤوس المسائل وذكره القاضي أيضا.
وذكر أيضا أخذ القيمة في نقرة وسبيكة للأثمان وعنب ورطب وكمثرى.
قال المصنف والشارح ويحتمل أن يضمن النقرة بقيمتها.
تنبيه محل هذا إذا كان باقيا على أصله فأما مباح الصناعة كمعمول الحديد والنحاس والرصاص والصوف والشعر المغزول ونحو ذلك فإنه يضمن بقيمته لأنه خرج عن أصله جزم به في المغني والشرح والفروع وغيرهم.
قوله (وإن أعوز المثل فعليه قيمة مثله يوم إعوازه).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز والمحرر وناظم المفردات والمنور وغيرهم.
وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والمغني والشرح والتلخيص والفروع والفائق وغيرهم.
وهو من مفردات المذهب.
وقال القاضي في الخصال يضمنه بقيمته يوم القبض يعني يوم قبض البدل.
قال في التلخيص وذكره بن عقيل.
قال الحارثي اختاره بن عقيل.
وعنه يلزمه قيمته يوم تلفه.
وقيل أكثرهما يعني أكثر القيمتين قيمته يوم البدل وقيمته يوم التلف.
191

وعنه يوم المحاكمة وعنه يلزمه قيمته يوم غصبه.
وقيل يلزمه أكثر القيمتين قيمته يوم الإعواز وقيمته يوم الغصب وهو تخريج في الهداية وغيرها.
فوائد
إحداهما إن قدر على المثل قبل أخذ القيمة وجب رد المثل قاله الأصحاب.
وقال في القاعدة السادسة والأربعين ينبغي أن يحمل كلامهم على ما إذا قدر على المثل عند الإتلاف ثم عدمه.
أما إن عدمه ابتداء فلا يبعد أن يخرج في وجوب أداء المثل خلاف انتهى.
وإن كان بعد أخذها أجزأت.
ولا يلزمه ردها وأخذ المثل على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع لم يرد القيمة في الأصح.
قال في التلخيص لم يرد القيمة على الأظهر وجزم به في الفائق والرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
وقيل يرده ويأخذ المثل.
الثانية الصحيح من المذهب أن المثلى هو المكيل والموزون.
قال الحارثي المذهب أنه المكيل والموزون كذلك نص عليه من رواية إبراهيم بن هانئ وحرب بن إسماعيل.
وتقدم كلام القاضي في السبيكة ونحوها.
وقال في المجرد الحطب والخشب والحديد والنحاس والرصاص ليس مثليا لا يختلف.
قال الحارثي وعموم نص الإمام أحمد رحمه الله على خلافه وهو الصحة انتهى.
192

ذكر في المستوعب أن كل ما لا يضبط بالصفة كالربويات والأشربة والغالية غير مثلي لاختلافه باختلاف المركبات والتركيب.
قال الحارثي والصواب إدراجه في المنصوص لأنه موزون.
وقال الحارثي أيضا ولعمري إن اعتبار المثلى بكل ما يثبت في الذمة حسن والتشابه في غير المكيل والموزون ممكن فلا مانع منه وكذلك ما انقسم بالأجزاء بين الشريكين من غير تقويم مضافا إلى هذا النوع لوجود التماثل وانتفاء التخالف انتهى.
الثالثة الدراهم المغشوشة الرائجة مثلية لتماثلها عرفا ولأن أخلاطها غير مقصودة قاله الحارثي.
قوله (وإن لم يكن مثليا ضمنه بقيمته).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وهو من المفردات.
قال الحارثي هو قول الأكثرين.
وقد نص عليه في الأمة من رواية صالح وحنبل وموسى بن سعيد ومحمد بن يحيى الكحال وفي الدابة من رواية مهنا وفي الثياب من رواية الكحال أيضا وابن مشيش ومهنا.
وعنه في الثوب والقصعة والعصى ونحوها يضمنها بالمثل مراعيا للقيمة اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وصاحب الفائق.
قال في رواية موسى بن سعيد المثل في العصى والقصعة إذا كسر وفي الثوب وصاحب الثوب مخير إن شاء شق الثوب وإن شاء مثله.
قال المصنف معناه والله أعلم إن شاء أخذ أرش الشق.
قال الحارثي وفيه نظر فقد قال في رواية الشالنجي يلزمه المثل في العصى والقصعة والثوب.
193

قلت فلو كان الشق قليلا قال صاحب الثوب بالخيار قليلا كان أو كثيرا وذكر ذلك في الفائق وغيره.
وقال في الفروع وعنه يضمنه بمثله ذكرها بن أبي موسى واختارها شيخنا.
قال في الاختيارات وهو المذهب عند بن أبي موسى.
قال الحارثي هو المذهب عند بن أبي موسى واختاره وذكر لفظه في الإرشاد.
قال الحارثي وهو الحق.
وعنه يضمنه بمثله وعنه يضمنه في غير الحيوان بمثله ذكره جماعة.
وذكر في الواضح والموجز أنه ينقص عنه عشرة دراهم.
وذكر في الانتصار والمفردات لو حكم حاكم بغير المثل في المثلى وبغير القيمة في المتقوم لم ينفذ حكمه ولم يلزمه قبوله.
ونقل بن منصور فيمن كسر خلخالا أنه يصلحه.
قوله (ضمنه بقيمته يوم تلفه في بلده من نقده).
وهذا المذهب نقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال الحارثي وهو الصحيح والمشهور.
وقال الزركشي هذا المشهور والمختار عند الأصحاب وجزم به في الوجيز ونظم المفردات والمنور وغيرهم وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والتلخيص والشرح والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق والحارثي وغيرهم.
ويتخرج أن يضمنه بقيمته يوم غصبه وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال الحارثي أورد المصنف وأبو الخطاب هذا التخريج من قول الإمام
194

أحمد في حوائج البقال يعطيه على سعر يوم أخذ وفرق بينهما بأن الحوائج يملكها الآخذ بأخذها بخلاف المغصوب انتهى.
وعنه بأكثرهما يعني أكثر القيمتين قيمة يوم تلفه ويوم غصبه.
قال الحارثي ومن الأصحاب من حكى رواية بوجوب أقصى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف.
ونسب إلى الخرقي من قوله ولو غصبها حاملا فولدت في يده ثم مات الولد أخذها سيدها وقيمة ولدها أكثر ما كانت قيمته وهو اختيار السامري.
قال القاضي في الروايتين وما وجدت رواية بما قال الخرقي.
وهو عندي غير مناف للأول فإن قيمة الولد بعد الولادة تتزايد بتزايد تربيته فتكون يوم موته أكثر ما كانت.
وعلى هذا يتعين حمل ما قال لأنه المعروف من نص الإمام أحمد وما عداه من ذلك لا يعرف من نصه انتهى.
فائدة حكم المقبوض بعقد فاسد وما جرى مجراه حكم المغصوب في اعتبار الضمان بيوم التلف وكذا المتلف بلا غصب بغير خلاف قاله الحارثي وتقدمت الإحالة على هذا المكان في أواخر خيار البيع.
وقوله في بلده هو الصحيح من المذهب أي في بلد غصبه جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والتلخيص والفائق والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع.
وعنه تعتبر القيمة من نقد البلد الذي تلف فيه لأنه موضع ضمانه جزم به في الكافي.
قال الحارثي عن القول الأول كذا قال أبو الخطاب ومن تابعه وعلل بأنه محل الضمان فاختص به دون غيره.
قال وفي هذا نظر فإنه إنما يتمشى على اعتبار الضمان بيوم الغصب لأنه إذن محل الضمان.
195

أما على اعتباره بيوم التلف كما هو الصحيح فالاعتبار إذن إنما هو بمحل التلف لأنه محل الضمان حيث وجد سببه فيه فوجب الاعتبار به.
وقد أشار صاحب التلخيص إلى ما قلنا.
فإنه قال لو غصب في بلد وتلف في بلد آخر ولقيه في ثالث كان له المطالبة بقيمة أي البلدين شاء من بلد الغصب والتلف إلا أن نقول الاعتبار بيوم القبض فيطالب بالقيمة في بلد الغصب انتهى.
قلت قد صرح في التلخيص بأنه يعتبر القيمة في بلد الغصب في هذا المحل من كتابه فقال وتعتبر القيمة في بلد
الغصب.
وعلى كلا القولين إن كان في البلد نقد أخذ منه وإن كان فيه نقود أخذ من غالبها صرح به الأصحاب إلا أن يكون من جنس المغصوب مثل المصوغ ونحوه على ما يأتي.
فوائد
الأولى لو نسج غزلا أو عجن دقيقا فقيل حكمه كذلك جزم به في الفائق.
وقيل حكمه كذلك أو القيمة.
قال في التلخيص وهو أولى عندي وأطلقهما في الفروع.
الثانية لا قصاص في المال مثل شق ثوبه ونحوه على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
ونقل إسماعيل وموسى بن سعيد والشالنجي وغيرهم أنه مخير في ذلك.
واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وصاحب الفائق وبن أبي موسى.
وتقدم النقل في ذلك قريبا في قوله وإن لم يكن مثليا.
ويأتي هل يقتص من اللطمة ونحوها في باب ما يوجب القصاص.
الثالثة لو غصب جماعة مشاعا فرد واحد منهم سهم واحد إليه لم يجز
196

له حتى يعطى شركاءه نص عليه وكذا لو صالحوه عنه بمال نقله حرب.
قال في الفروع ويتوجه أنه بيع المشاع.
الرابعة لو زكاه ربه رجع بها قدمه في الفروع.
وقال ظاهر كلام أبي المعالي لا يرجع.
قال في الفروع وهو أظهر.
واختار صاحب الرعاية أنه كمنفعة.
قوله (فإن كان مصوغا أو تبرا تخالف قيمته وزنه قومه بغير جنسه هذا المذهب).
قال في الرعايتين والنظم قومه بغير جنسه في الأصح وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والوجيز وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والحاوي الصغير والفائق وقال قاله الشيخ وغيره.
قال الحارثي هذا المشهور.
وقال القاضي يجوز تقويمه بجنسه واختاره في الفائق.
قال الحارثي وهو قول القاضي وبن عقيل قال وهو الأظهر.
وقال الحارثي إذا استهلك ذهبا أو فضة فلا يخلو إما أن يكونا مضروبين أو لا فإن كانا مضروبين فمثليان.
وإن كانا غير مضروبين فلا يخلو إما أن يكونا مصوغين أو لا.
فإن لم يكونا مصوغين فإن قيل بمثليته كما هو الصواب فيضمنان بالمثل.
وإن قيل بتقويمه وهو الوارد في الكتاب فإن كان من جنس نقد البلد واستويا زنة وقيمة فمضمون بالزنة من نقد البلد.
وإن اختلفا وهي مسألة الكتاب فمضمون بغير الجنس وذكره القاضي أيضا وبن عقيل وغيرهما.
197

وإن كان مغايرا لجنس نقد البلد بأن كان المتلف ذهبا ونقد البلد دراهم أو بالعكس ضمن بغالب نقد البلد.
وإن كانا مصوغين فإن قيل بالمثلية في مثله كما تقدم وجب المثل زنة وصورة وإن قيل بالتقويم كما هو المشهور فإن اتحدا قيمة ووزنا لسوء الصناعة ضمن بزنته من نقد البلد كيف كان وإن اختلفا وجبت القيمة من غير الجنس.
وقال القاضي وبن عقيل يجوز أداء القيمة من الجنس وهو الأظهر انتهى.
تنبيه محل هذا إذا كان مباح الصناعة فأما محرم الصناعة كالأواني وحلي الرجال المحرم فإنه لم يجز ضمانه بأكثر من وزنه وجها واحدا قاله المصنف والشارح والحارثي وغيرهم.
وعنه يضمن بقيمته ذكرها في الرعايتين.
وزاد في الكبرى فقال وقيل إن جاز اتخاذه ضمن كالمباح وإلا فلا.
قوله (فإن كان محلى بالنقدين معا قومه بما شاء منهما وأعطاه بقيمته عرضا).
جزم به في المغني والشرح والرعايتين والحاوي الصغير والفائق والنظم والوجيز وغيرهم.
قال الحارثي فالواجب القيمة من غير الجنس وهو العرض مقوما بأيهما شاء وعلله وقال هذا على أصل المصنف وموافقته في المسألة الأولى.
أما على أصل القاضي ومن وافقه فجائز تضمينه بالجنس على ما مر انتهى.
قوله (وإن تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقية كزوجي خف تلف أحدهما فعليه يرد الباقي وقيمة التالف وأرش النقص).
هذا المذهب بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
198

ونصره المصنف والشارح وغيرهما وصححه في النظم وغيره وجزم به في الوجيز وغيره.
قال الحارثي هذا المذهب وقدمه في الهداية وغيرها.
وقيل لا يلزمه أرش النقص.
قال الحارثي وهذا الوجه لا أصل له ولو هائه أعرض عنه غير واحد من الأصحاب مع الاطلاع على إيراد أبي الخطاب له وأطلقهما في الرعايتين والفائق.
قوله (وإن غصب عبدا فأبق أو فرسا فشرد أو شيئا تعذر رده مع بقائه ضمن قيمته فإن قدر عليه بعد رده أخذ القيمة).
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وقالوا يرد القيمة للغاصب بعينها إن كانت باقية ويرد زوائدها المتصلة من سمن ونحوه ولا يرد المنفصلة بلا نزاع.
وإن كانت تالفة فمثلها إن كانت مثلية أو قيمتها إن كانت متقومة.
وهل للغاصب حبس العين لاسترداد القيمة.
قال في التلخيص يحتمل وجهين قال وكذلك إذا اشترى شراء فاسدا هل يحبس المشتري المبيع على رد الثمن والصحيح أنه لا يحبس بل يدفعان إلى عدل ليسلم إلى كل واحد ماله انتهى وأطلقهما في الفروع والرعاية.
فائدة إذا أخذ المالك القيمة من الغاصب ملكها على الصحيح من المذهب قاله المصنف وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال الحارثي قاله أصحابنا.
وقال في عيون المسائل وغيرها لا يملكها وإنما حصل بها الانتفاع في مقابلة ما فوته الغاصب فما اجتمع البدل والمبدل منه نقله عنه في الفروع.
وقال الزركشي وقال القاضي في التعليق لا يملكها وإنما يباح له الانتفاع بها بإزاء ما فاته من منافع العين المغصوبة.
199

قال القاضي يعقوب في تعليقه لا يملكها وإنما جعل الانتفاع بها عوضا عما فوته الغاصب.
قال الحارثي يجب اعتبار القيمة بيوم التعذر.
قال في التلخيص ولا يجبر المالك على أخذها ولا يصح الإبراء منها.
ولا يتعلق الحق بالبدل فلا ينتقل إلى الذمة وإنما ثبت جواز الأخذ دفعا للضرر فتوقف على خيرته.
فائدة لا يملك الغاصب العين المغصوبة بدفع القيمة فلا يملك أكسابه ولا يعتق عليه لو كان قريبه.
ويستحقه المالك بنمائه المتصل والمنفصل وكذلك أجرة المثل إلى حين دفع البدل على ما يأتي.
قوله (وإن غصب عصيرا فتخمر فعليه قيمته).
رأيت في نسخة مقروءة على المصنف وعليها خطة فعليه قيمته وهو أحد الوجهين جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
قال الحارثي وليس بالجيد.
قلت وهو بعيد جدا لأن له مثلا.
والوجه الثاني يلزمه مثله ورأيت في نسخ فعليه مثله وعليها شرح الشارح والحارثي وبن منجا وهو المذهب جزم به في المغني والشرح وشرح بن منجا والرعاية الكبرى والوجيز وتذكرة بن عبدوس والتلخيص وغيرهم وقدمه في شرح الحارثي والفائق وأطلقهما في الفروع.
قوله (وإن انقلب خلا رده وما نقص من قيمة العصير).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب
200

والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والوجيز والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع وشرح الحارثي.
وقال في عيون المسائل لا يلزمه قيمة العصير لأن الخل عينه كحمل صار كبشا.
وقال الحارثي وللشافعية وجه يملكه الغاصب وهو الأقوى ونصره بأدلة كثيرة.
فائدة لو غلى العصير فنقص غرم أرش نقصه وكذا يغرم نقصه على المذهب وقاله الأصحاب.
قال في الفروع ويحتمل أنه لا يلزمه لأنه ماء.
قوله (وإن كان للمغصوب أجرة فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه في يده).
يعني إذا كانت تصح إجارته هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه في قضايا كثيرة وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع وغيرهم.
وعنه التوقف عن ذلك.
قال أبو بكر هذا قول قديم رجع عنه لأن الراوي لها عنه محمد بن الحكم وقد مات قبل الإمام أحمد رحمه الله بعشرين سنة.
قلت موته قبل الإمام أحمد لا يدل على رجوعه بل لا بد من دليل يدل على رجوعه غير ذلك.
ثم وجدت الحارثي قال قريبا من ذلك فقال الاستدلال على الرجوع بتقدم وفاة محمد بن الحكم لا يصح فإن من تأخرت وفاته من الجائز أن يكون منهم من سمع قبل سماع محمد بن الحكم لا سيما أبو طالب فإنه قديم الصحبة لأحمد رحمه الله.
201

قال وأحسن منه التأنس بما روى أن بن منصور بلغه أن الإمام أحمد رجع عن بعض المسائل التي علقها فجمعها في جراب وحملها على ظهره وخرج إلى بغداد وعرض خطوط الإمام أحمد عليه في كل مسألة فأقر له بها ثانيا.
فالظاهر أن ذلك كان بعد موت بن الحكم وقبل وفاة الإمام أحمد بيسير وبن منصور ممن روى الضمان فيكون متأخرا عن رواية بن الحكم انتهى.
وتقدم نظير ذلك في الباب عند قوله وإن غصب ثوبا فقصره أو غزلا فنسجه.
قال في الفروع هنا ونقل بن الحكم لا أجرة مطلقا يعني سواء انتفع به أو لا.
وظاهر المبهج التفرقة يعني إن انتفع به فعليه الأجرة وإلا فلا واختاره بعض الأصحاب.
وجعله الشيخ تقي الدين رحمه الله ظاهر ما نقل عنه.
وقد نقل بن منصور إن زرع بلا إذنه فعليه أجرة الأرض بقدر ما استعملها إلى رده أو إتلافه أو رد قيمته.
فائدتان
إحداهما لو كان العبد ذا صنائع لزمه أجرة أعلاها فقط.
الثانية منافع المقبوض بعقد فاسد كمنافع المغصوب تضمن بالفوات والتفويت.
تنبيه قال الحارثي أبو بكر المبهم في الكتاب هو الخلال وإطلاق أبي بكر في عرف الأصحاب إنما هو أبو بكر عبد العزيز لا الخلال وإن كان يحتمل أن يكون من كلام أبي بكر عبد العزيز كما قال فإنه أدخل في جامع الخلال
شيئا من كلامه فربما اشتبه بكلام الخلال إلا أن القاضي وبن عقيل وغيرهما من أهل المذهب إنما حكوه عن الخلال انتهى.
202

قوله (وإن غصب شيئا فعجز عن رده فأدى قيمته فعليه أجرته إلى وقت أداء القيمة وفيما بعده وجهان).
إن كان قبل أداء القيمة فحكمه حكم المسألة التي قبلها خلافا ومذهبا.
وإن كان بعد أدائها فأطلق في وجوبها الوجهين وأطلقهما في التلخيص وقال ذكرهما القاضي وبن عقيل.
أحدهما لا يلزمه وهو الصحيح من المذهب صححه في المستوعب والمصنف والشارح وصاحب التصحيح وغيرهم وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
والوجه الثاني يلزمه لأن العين باقية على ملك المغصوب منه والمنفعة.
فعلى هذا الوجه تلزمه الأجرة إلى رده مع بقائه.
فائدة قال في الفروع وظاهر كلام الأصحاب أنه يضمن رائحة المسك ونحوه خلافا للانتصار لا نقدا لتجارة.
قلت الذي ينبغي أن يقطع بالضمان في ذهاب رائحة المسك ونحوه.
قوله (وتصرفات الغاصب الحكمية كالحج وسائر العبادات والعقود كالبيع والنكاح ونحوها باطلة في إحدى الروايتين).
وهي المذهب قال الشارح هذا أظهر.
قال الزركشي هذا المذهب وصححه في التصحيح وغيره.
قال في التلخيص في باب البيع وإن كثرت تصرفاته في أعيان المغصوبات يحكم ببطلان الكل على الأصح وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال في الفروع اختاره الأكثر ذكره في كتاب البيع في الشرط السابع
203

والأخرى صحيحة.
وعنه تصح موقوفة على الإجازة وأطلقهن في الفائق.
وقال وقيل الصحة مقيدة بما لم يبطله المالك من العقود انتهى.
قلت قال الشارح وقد ذكر شيخنا في الكتاب المشروح رواية انها صحيحة.
وذكرها أبو الخطاب قال وهذا ينبغي أن يتقيد في العقود بما إذا لم يبطله المالك.
فأما إن اختار المالك إبطاله فأخذ المعقود عليه فلا نعلم فيه خلافا.
وأما ما لم يدركه المالك فوجه التصحيح فيه أن الغاصب تطول مدته وتكثر تصرفاته ففي القضاء ببطلانها ضرر كثير وربما عاد الضرر على المالك انتهى.
وقال ما قاله الشارح والقاضي في خلافه وبن عقيل نقله عنهما في الفائدة العشرين والمصنف في المغني.
وأطلق الرواية مرة كما هنا ومرة قال ينبغي أن يقيد كما قال الشارح وقال هو أشبه من الإطلاق.
قال الحارثي وهذه الرواية لم أر من تقدم المصنف وأبا الخطاب في إيرادها.
وقال أيضا وأما الصحة على الإطلاق فلا أعلم به أيضا سوى نصه على ملك المالك كربح المال المغصوب كما سنورده في مسألة الربح.
وقال عن كلام المصنف في تقييد الرواية أما طول مدة الغصب وكثرة تصرفات الغاصب فلا يطرد بل كثير من المغصوب لا يتصرف فيه بعقد أصلا وبتقدير الاطراد غالبا.
204

تنبيهان
أحدهما بنى المصنف في المغني وجماعة تصرف الغاصب على تصرف الفضولي فأثبت فيه ما في تصرف الفضولي من رواية الانعقاد موقوفا على إجازة المالك.
قال الحارثي ومن متأخري الأصحاب من جعل هذه التصرفات من نفس تصرفات الفضولي قال وليس بشيء.
ثم قال ولا يصح إلحاقه بالفضولي وفرق بينهما بفروق جيدة.
الثاني هذا الخلاف المحكي في أصل المسألة من حيث الجملة وقد قسمها المصنف قسمين عبادات وعقود.
فأما العبادات ففيها مسائل.
منها الوضوء بماء مغصوب والوضوء من إناء مغصوب وغسل النجاسة بماء مغصوب وستر العورة بثوب مغصوب والصلاة في موضع مغصوب.
وقد تقدم ذلك مستوفى في كتاب الطهارة والآنية وإزالة النجاسة وستر العورة واجتناب النجاسة.
ومنها الحج بمال مغصوب كما قال المصنف والصحيح من المذهب أنه لا يصح نص عليه.
قال بن أبي موسى وهو الصحيح من المذهب وجزم به في الوجيز وغيره.
قال في الخلاصة باطل على الأصح.
قال الشارح باطل على الأظهر.
قال بن منجا في شرحه هذا المذهب.
قال في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير يبطل في كل عبادة على الأصح.
وصححه الناظم وغيره وقدمه الحارثي وغيره وهو من مفردات المذهب.
205

وقيل عنه يجزئه مع الكراهة قاله بن أبي موسى واختاره بن عقيل.
قال الحارثي وهو أقوى.
قلت وهو الصواب فيجب بدل المال دينا في ذمته.
ومنها الهدي المغصوب لا يجزئ صرح به الأصحاب نص عليه في رواية علي بن سعيد.
وعنه الصحة موقوفة على إجازة المالك.
ونص الإمام أحمد رحمه الله على الفرق بين أن يعلم أنها لغيره فلا يجزئه وبين أن يظن أنها لنفسه فيجزئه في رواية بن القاسم وسندي.
وسوى كثير من الأصحاب بينهما في حكاية الخلاف.
قال في الفائدة العشرين ولا يصح.
وإن كان الثمن مغصوبا لم يجزئه أيضا اشتراه بالعين أو في الذمة قاله الحارثي.
قلت لو قيل بالإجزاء إذا اشتراه في الذمة لكان متجها.
ومنها لو أوقع الطواف أو السعي أو الوقوف على الدابة المغصوبة ففي الصحة روايتا الصلاة في البقعة المغصوبة قاله الحارثي.
قلت النفس تميل إلى صحة الوقوف على الدابة المغصوبة.
ومنها أداء المال المغصوب في الزكاة غير مجزئ.
قال الحارثي ثم إن أبا الخطاب صرح بجريان الخلاف في الزكاة وتبعه المصنف في المغني وغيره من الأصحاب كما انتظمه عموم إيراد الكتاب.
فإن أريد به ما ذكرنا من أداء المغصوب عن الغاصب وهو الصحيح فهذا شيء لا يقبل نزاعا البتة لما فيه من النص فلا يتوهم خلافه.
وإن أريد به الأداء عن المالك بأن أخرج عنه من النصاب المغصوب وهو بعيد جدا فإن الواقع من التصرف للعبادة إنما يكون عن الغاصب نفسه فلا
206

يقبل أيضا خلافا لاتفاقنا على اعتبار نية المالك إلا أن يمتنع من الأداء فيقهره الإمام على الأخذ منه فيجزئ في الظاهر وليس هذا بواحد من الأمرين فلا يجزئ بوجه.
ومنها كل صدقة من كفارة أو نذر أو غيرهما كالزكاة سواء.
ومنها عتق المغصوب لا ينفذ بلا خلاف في المذهب ونص عليه قاله الحارثي.
ومنها الوقف لا ينفذ في المغصوب قولا واحدا.
لكن لو كان ثمن المعتق أو الموقوف مغصوبا فإن اشترى بعين المال لم ينفذ وإن اشترى في الذمة ثم نقده فإن قيل بعدم إفادة المالك لم ينفذ وإن قيل بالإفادة نفذ العتق والوقف قاله الحارثي.
وأما العقود من البيع والإجارة والنكاح ونحوها فالعقد باطل على الصحيح من المذهب ونص عليه الأصحاب.
وتقدم حكاية الرواية بالصحة والكلام عليها والرواية بالوقف على الإجازة.
تنبيه قوله وتصرفات الغاصب الحكمية.
أي التي يحكم عليها بصحة أو فساد احترازا من غير الحكمية كإتلاف المغصوب كأكلة الطعام أو إشعاله الشمع ونحوهما وكلبسه الثوب ونحوه فإن هذا لا يقال فيه صحيح ولا فاسد والله أعلم.
قال بن نصر الله في حواشي الوجيز وقوله الحكمية احتراز من التصرفات الصورية.
فالحكمية ما له حكم من صحة وفساد كالبيع والهبة والوقف ونحوه.
والصورية كطحن الحب ونسج الغزل ونجر الخشب نحوه انتهى وهو كالذي قبله.
207

قوله (وإن اتجر بالدراهم فالربح لمالكها).
يعني إذا اتجر بعين المال أو بثمن الأعيان المغصوبة فالمال وربحه لمالكها.
وهذا الصحيح من المذهب ونص عليه ونقله الجماعة وعليه الأصحاب.
قال المصنف والشارح قال أصحابنا الربح للمالك والسلع المشتراة له وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وهو من مفردات المذهب.
واحتج الإمام أحمد بخبر عروة بن الجعد رضي الله عنه.
ونقل حرب في خبر عروة إنما جاز لأنه عليه أفضل الصلاة والسلام جوزه له وقيد جماعة منهم صاحب الفنون والترغيب الربح للمالك إن صح الشراء وأطلق الأكثر.
وقال الحارثي ويتخرج من القول ببطلان التصرف رواية بعدم الملك للربح وهو الأقوى انتهى.
وعنه يتصدق به.
وقيل لا يصح بعينه إن قلنا النقود تتعين بالتعيين.
قوله (وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فكذلك).
يعني الربح للمالك أيضا.
واعلم أنه إذا اشترى في الذمة أو باع سلما ثم أقبض المغصوب وربح فالعقد صحيح على المذهب والإقباض فاسد بمعنى أنه غير مبرئ وصحة العقد نص عليها في رواية المروذي.
وحكى القاضي في التعليق الكبير وجها يكون العقد موقوفا على إجازة المالك إن أجازه صح وإلا بطل قال وهو أصح ما يقال في المسألة.
قال الحارثي وهو مأخوذ من مثله في مسألة الفضولي قال وهو مشكل إذ كيف يقف تصرف الإنسان لنفسه على إجازة غيره انتهى.
208

وأما الربح فقدم المصنف هنا أنه للمالك وهو الصحيح من المذهب.
قال الشارح هذا المشهور في المذهب.
قال الحارثي هو ظاهر المذهب وجزم به جماهير الأصحاب حتى أبو الخطاب في رؤوس المسائل انتهى.
وجزم به في الإرشاد وغيره وقدمه في الفروع والرعايتين والحاوي الصغير والفائق والمستوعب وغيرهم وهو من المفردات.
وقال في المحرر والوجيز والمنور إذا اشترى في ذمته بنية نقدها فالربح للمالك واختاره بن عبدوس في تذكرته.
وعنه الربح للمشتري وهو احتمال في الشرح وهو قياس قول الخرقي.
قال الحارثي وهو الأقوى.
فعليها يجوز له الوطء ونقله المروذي.
وعلى هذا إن أراد التخلص من شبهة بيده اشترى في ذمته ثم نقدها وقاله القاضي وبن عقيل وذكره عن الإمام أحمد رحمه الله.
فوائد
الأولى لو اتجر بالوديعة فالربح للمالك على الصحيح من المذهب ونص عليه في رواية الجماعة.
ونقل حنبل ليس لواحد منهما ويتصدق به.
قال الحارثي وهذا من الإمام أحمد مقتض لبطلان العقد وذلك وفق المذهب المختار في تصرف الغاصب وهو أقوى انتهى.
الثانية لو قارض بالمغصوب أو الوديعة فالربح على ما تقدم ولا شيء للعامل على المالك وإن علم فلا شيء له على الغاصب أيضا وإلا فله عليه أجرة المثل.
209

الثالثة إجارة الغاصب للمغصوب وهو كالبيع كما تقدم وهو داخل في كلام المصنف والأجرة للمالك نص عليه.
وظاهر كلام الإمام أحمد أن المسمى هو الواجب للمالك قاله الحارثي.
وقال المصنف وغيره إن الواجب أجرة المثل.
قال الحارثي وهو أقوى.
الرابعة لو أنكح الأمة المغصوبة ففي البطلان والصحة ما قاله المصنف في المتن.
قال الحارثي والتصحيح لا أصل له فإنه مقتض لنفي اشتراط الولي في النكاح وهو خلاف المذهب.
لكن قد يقرب إجراؤه مجرى الفضولي فتأتي رواية الانعقاد مع الإجازة.
الخامسة لو وهب المغصوب ففيه الخلاف السابق والصحيح من المذهب البطلان على ما تقدم.
السادسة تذكية الغاصب الحيوان المأكول وفي إفادتها لحل الأكل روايتان.
إحداهما هو ميتة لا يحل أكله مطلقا جزم به أبو بكر في التنبيه.
والرواية الثانية يحل قال الحارثي وهو قول الأكثرين انتهى.
وهذا المذهب وهو قول غير أبي بكر من الأصحاب قاله في القاعدة الثانية بعد المائة.
وقد نبه عليه المصنف قبل ذلك فيما إذا ذبح الشاة وشواها.
ويأتي نظير ذلك في ذبح السارق الحيوان المسروق في باب القطع في السرقة.
ومن جملة المسائل المتعلقة بذلك التذكية بالآلة المغصوبة وكذلك التزوج بمال مغصوب وفي كل منهما خلاف يأتي.
210

قوله (وإن اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره أو صناعة فيه فالقول قول الغاصب).
لا أعلم فيه خلافا.
فائدة لو اختلفا في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب في تلفه على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع قبل قول الغاصب في الأصح وجزم به في المغني والشرح وغيرهما وقدمه الحارثي.
وقيل القول قول المالك اختاره الحارثي وهما احتمالان مطلقان في التلخيص.
فعلى المذهب للمغصوب منه أن يطالب الغاصب ببدله على الصحيح من المذهب وقدمه في الشرح والتلخيص والفروع وصححه الحارثي واختاره المصنف.
وقيل ليس له مطالبته لأنه لا يدعيه.
قوله (وإن اختلفا في رده أو عيب فالقول قول المالك).
بلا نزاع أعلمه وجزم به في المغني والشرح والحارثي والوجيز والفائق وغيرهم.
لكن لو شاهدت البينة العبد معيبا عند الغاصب فقال المالك حدث عند الغاصب وقال الغاصب بل كان فيه قبل غصبه فالقول قول الغاصب على الصحيح من المذهب جزم به في المغني وغيره وقدمه في شرح الحارثي والشرح.
وقال ويتخرج أن القول قول المالك كما لو تبايعا واختلفا في عيب هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري فإن فيه رواية أن القول قول البائع كذلك هذا إذ الأصل السلامة وتأخر الحدوث عن وقت الغصب انتهى.
211

قلت هذه الرواية اختارها جماعة من الأصحاب هناك على ما تقدم في الخيار في العيب.
قوله (وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها تصدق بها عنهم بشرط الضمان كاللقطة).
إذا بقي في يده غصوب لا يعرف أصحابها فسلمها إلى الحاكم بريء من عهدتها بلا نزاع ويجوز له التصدق بها عنهم بشرط ضمانها ويسقط عنه إثم الغصب على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وجزم به في المغني والشرح والوجيز وغيرهم.
قال في القاعدة السابعة والتسعين لم يذكر أصحابنا فيه خلافا.
وقال في القاعدة السادسة بعد المائة ويتصدق بها عنه على الصحيح وقدمه في الفروع والفائق وغيرهما.
نقل المروذي يعجبني الصدقة بها.
وقال في الغنية عليه ذلك.
ونقل أيضا على فقراء مكانه إن عرفه.
ونقل صالح أو بقيمته.
وله شراء عرض بنقد ويتصدق به ولا تجوز محاباة قريب وغيره نص عليهما.
وظاهر نقل حرب في الثانية الكراهة.
قال في الفروع وهو ظاهر كلامهم في غير موضع انتهى.
وعنه ليس له الصدقة بها ذكرها القاضي في كتاب الروايتين وهو تخريج في الشرح والفائق.
فائدتان
إحداهما قال الحارثي وغيره وكذا الرهون والودائع وسائر الأمانات.
212

كالأموال المحرمة فيما ذكرنا وذكر نصوصا في ذلك.
وتقدم حكم المرهون في آخر الرهن.
ويأتي قريبا من ذلك في باب أدب القاضي عند حكم الهدية والرشوة.
وتأتي مسألة الوديعة في بابها وهل يلزم الحاكم الأخذ أم لا.
الثانية لا يجوز لمن هذه الأشياء في يده وقلنا له الصدقة بها أن يأخذ منها لنفسه إذا كان من أهل الصدقة نص عليه.
وخرج القاضي جواز الأكل منها إذا كان فقيرا على الروايتين في شراء الوصي من نفسه نقله عنه بن عقيل في فنونه وأفتى به الشيخ تقي الدين رحمه الله في الغاصب إذا تاب.
تنبيه ظاهر قوله لا يعرف أربابها أنه لا يتصدق بها إلا مع عدم معرفة أربابها سواء كان قليلا أو كثيرا وهو المذهب وقدمه في الفروع.
ونقل الأثرم وغيره له الصدقة بها إذا علم ربها وشق دفعه إليه وهو يسير كحبة.
وقطع به في القاعدة السابعة والتسعين فقال له الصدقة به عنه نص عليه في مواضع.
وقال الحارثي إذا علم الغاصب المالك فهنا حالتان.
إحداهما انقطاع خبره لغيبة إما ظاهرها السلامة كالتجارة والسياحة ومضت مدة الإياس ولا وارث له تصدق بها كما لو جهل نص عليه وإما ظاهرها الهلاك كالمفقود من بين أهله أو في مهلكه أو بين الصفين ونحوه وكذلك أربع سنين وأربعة أشهر وعشر ولا وارث له تصدق به أيضا نص عليه وإن كان له وارث سلم إليه.
وأنكر أبو بكر الزيادة على الأربع سنين وقال لا معنى للأربعة أشهر في ذلك.
213

قال القاضي وغيره أصل المسألة هل يقسم مال المفقود للمدة التي تباح زوجته فيها أو لأربع سنين فقط على روايتين.
وإن لم تمض المدة المعتبرة ففي المال المحرم يتعين التسليم إلى الحاكم من غير انتظار.
وأما ما اؤتمن عليه كالوديعة والرهن فليس عليه الدفع إليه.
الحالة الثانية أن يعلم وجوده فإن كان غائبا سلم إلى وكيله وإلا فإلى الحاكم وإن كان حاضرا فإليه أو إلى وكيله.
وإن علم موته فإلى ورثته فإن لم يكن له ورثة تصدق به نص عليه ولا يكون لبيت المال فيه شيء.
ويأتي إذا كسب مالا حراما برضى الدافع ونحوه في باب أدب القاضي عند الكلام على الهدية للحاكم.
تنبيه قول المصنف كاللقطة قال الحارثي الأليق فيه التشبيه بأصل الضمان لا في مضمون الصدقة والضمان فإن المذهب في اللقطة التملك لا التصدق انتهى.
قلت بل الصحيح من المذهب جواز التصدق باللقطة التي لا تملك بالتعريف على ما يأتي من كلام المصنف في اللقطة.
قال الشارح هنا وعنه في اللقطة لا تجوز الصدقة بها فيتخرج هنا مثله.
فوائد
إحداها قال في الفروع لم يذكر الأصحاب في ذلك سوى الصدقة بها.
ونقل إبراهيم بن هانئ يتصدق بها أو يشتري بها كراعا أو سلاحا يوقف هو مصلحة للمسلمين انتهى.
قلت قد ذكر ذلك الحارثي وقال عن ذلك ينزل منزلة الصدقة انتهى.
214

قال في الفروع وسأله جعفر عمن مات وكان يدخل في أمور تنكره فيريد بعض ولده التنزه فقال إذا دفعها إلى المساكين فأي شيء بقي عليه واستحسن أن يوقفها على المساكين ويتوجه على أفضل البر.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تصرف في المصالح وقاله في وديعة وغيرها.
وقال قاله العلماء وأنه مذهبنا ومذهب أبي حنيفة ومالك وهذا مراد أصحابنا لأن الكل صدقة.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله من تصرف فيه بولاية شرعية لم يضمن.
وقال ليس لصاحبه إذا عرف رد المعاوضة لثبوت الولاية عليها شرعا للحاجة كمن مات ولا ولي له ولا حاكم.
مع أنه ذكر أن مذهب الإمام أحمد رحمه الله وقف العقد للحاجة لفقد المالك ولغير حاجة الروايتان.
وقال فيمن اشترى مال مسلم من التتر لما دخلوا الشام إن لم يعرف صاحبه صرف في المصالح وأعطى مشتريه ما اشتراه به لأنه لم يصر لها إلا بنفقته وإن لم يقصد ذلك كما رجحه فيمن اتجر بمال غيره وربح.
ونص في وديعة تنتظر كمال مفقود وأن جائزة الإمام أحب إليه من الصدقة.
قال القاضي إن لم يعرف أن عينه مغصوب فله قبوله.
وسوى بن عقيل وغيره بين وديعة وغصب ذكرهما الحلواني كرهن.
الثانية إذا تصدق بالمال ثم حضر المالك خير بين الأجر وبين الأخذ من المتصدق فإن اختار الأجر فذاك وإن اختار الأخذ فله ذلك والأجر للغارم نص عليه في الرهن قاله الحارثي.
الثالثة إذا لم يبق درهم مباح فقال في النوادر يأكل عادته لا ما له عنه غنية كحلواء وفاكهة.
215

قوله (ومن أتلف مالا محترما لغيره ضمنه).
سواء كان عمدا أو سهوا.
ومفهومه أن غير المحترم لا يضمنه كمال الحربي والصائل والعبد في حال قطعه الطريق ونحوه وهو كذلك.
تنبيه يستثنى من قوله ومن أتلف مالا محترما ضمنه الحربي إذا أتلف مال المسلم فإنه لا يضمنه.
فوائد
منها قال في الفائق قلت ولو أتلف لغيره وثيقة بمال لا يثبت ذلك المال إلا بها ففي إلزامه ما تضمنته احتمالان.
إحداهما يلزمه كقول المالكية انتهى.
قلت وهذا الصواب.
وقال في الفروع في باب القطع في السرقة وإن سرق فرد خف قيمة كل واحد منهما منفردا درهمان ومعا عشرة ضمن ثمانية قيمة المتلف خمسة ونقص التفرقة ثلاثة.
وقيل درهمين ولا قطع.
قال وضمان ما في وثيقة أتلفها إن تعذر يتوجه تخريجه عليها انتهى.
وقال بن نصر الله في حواشي الفروع وقد يخرج الضمان للوثيقة من مسألة الكفالة فإنها تقتضي إحضار المكفول
أو ضمان ما عليه وهنا إما أن يحضر الوثيقة أو يضمن ما فيها إن تعذرت.
ومنها لو أكره على إتلاف مال الغير فقيل يضمنه مكرهه قطع به القاضي في كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبن عقيل في عمد الأدلة قاله في القواعد.
216

وقيل هو كمضطر.
قال في التلخيص يجب الضمان عليهما واقتصر عليه الحارثي وهو احتمال للقاضي في بعض تعاليقه وأطلقهما في الفروع والقواعد.
وقال في الرعاية وإن أكره على إتلافه ضمنه يعني المباشر وقطع به انتهى.
فإذا ضمن المباشر إن كان جاهلا رجع على مكرهه على الصحيح من المذهب جزم به في الرعاية وصححه في الفروع وقيل لا يرجع.
وإن كان عالما لم يرجع على الصحيح من المذهب.
وقيل يرجع لإباحة إتلافه ووجوبه بخلاف الإكراه على القتل ولم يختره بخلاف مضطر.
وهل لمالكه مطالبة مكرهه إذا كان المكره بفتح الراء عالما وقلنا له الرجوع عليه فيه وجهان.
وقال في الرعايتين يحتمل وجهين وأطلقهما في الفروع.
قلت له مطالبته.
فإن قلنا له مطالبته وطالبه رجع على المتلف إن لم يرجع عليه.
وقيل الضمان بينهما.
ومنها لو أذن رب المال في إتلافه فأتلفه لم يضمن المتلف مطلقا على الصحيح من المذهب.
وقال بن عقيل إن عين الوجه المأذون فيه مع غرض صحيح لم يضمن.
وقال في الفنون لو أذن في قتل عبده فقتله لزمه كفارة لله وأثم ولو أذن في إتلاف ماله سقط الضمان والمأثم ولا كفارة.
وقال بعد ذلك يمنع من تضييع الحب والبذر في الأرض السبخة بما يقتضي أنه محل وفاق.
217

قال في الفروع وسبق أنه يحرم في الأشهر دفن شيء مع الكفن.
قوله (وإن فتح قفصا عن طائر أو حل قيد عبد أو رباط فرس ضمنه).
هذا المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغني والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
قال في التلخيص قال أصحابنا يلزمه الضمان في جميع ذلك سواء تعقب ذلك فعله أو تراخى عنه.
قال في القواعد ذكره القاضي والأكثرون.
قال الحارثي لا يختلف فيه المذهب.
وقال في الفنون إن كان الطائر متألفا لم يضمنه.
وقال أيضا الصحيح التفرقة بين ما يحال الضمان على فعله كالآدمي وبين ما لا يحال عليه الضمان كالحيوانات والجمادات فإذا حل قيد العبد لم يضمن.
وقيل لا يضمن إلا إذا ذهبوا عقب الفتح والحل.
فعلى المذهب يضمنه سواء ذهب عقب فعله أو متراخيا عنه وسواء هيج الطائر والدابة حتى ذهبا أو لم يهيجهما قاله الأصحاب.
فوائد
إحداها لو بقي الطير والفرس بحالهما حتى نفرهما آخر ضمنهما المنفر جزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي والرعاية وغيرهم.
الثانية لو دفع مبردا إلى عبد فبرد به قيده فهل يضمنه أم لا.
حكى في الفصول والتلخيص والرعاية فيه احتمالين وحكاهما في الفروع وجهين وأطلقوهما.
قلت الصواب الضمان وهو ظاهر ما قدمه الحارثي.
218

ولو دفع مفتاحا إلى لص لم يضمن.
الثالثة لو حل قيد أسير ضمن كحل قيد العبد وكذا لو فتح الإصطبل فضاعت الدابة وكذا لو حل رباط سفينة فغرقت وسواء كان لعصوف ريح أو لا على الصحيح من المذهب.
وعلى قول القاضي لا يضمن العصوف.
الرابعة قال الشيخ تقي الدين لو غرم بسبب كذب عليه عند ولي الأمر رجع على الكاذب.
قلت وهو الصحيح وتقدم ذلك وغيره في باب الحجر.
الخامسة لو كانت الدابة المحمولة عقورا وجنت ضمن جنايتها ذكره بن عقيل وغيره واقتصر عليه في شرح الحارثي كما لو حل سلسلة فهد أو ساجور كلب فعقر.
وإن أفسدت زرع إنسان فكإفساد دابة نفسه على ما يأتي.
السادسة لو وثبت هرة على الطائر بعد الفتح ضمنه وقد تضمنه كلام المصنف.
وكذا لو كسر الطائر في خروجه قارورة ضمنها.
قوله (أو حل وكاء زق مائع أو جامد فأذابته الشمس أو بقي بعد حله قاعدا فألقته الريح فاندفق ضمنه).
إذا حل وكاء زق مائع فاندفق ضمنه بلا نزاع أعلمه.
وإن كان منتصبا فسقط بريح أو زلزلة أو طائر ضمن على الصحيح من المذهب وقدمه في المغني والشرح والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والحارثي ونصره.
219

وقال القاضي لا يضمن ما ألقته الريح وكذا قال أبو الخطاب وغيره.
وقال الحارثي وعن القاضي وبن عقيل لا يضمن وقدمه في التلخيص.
وإن ذاب بالشمس واندفق ضمن على الصحيح من المذهب.
قال الحارثي وافق على ذلك القاضي وصاحب التلخيص وقدمه في المغني والكافي وغيرهما.
وقال في الفائق قال القاضي لا يضمن فلعل له قولان.
وقال بن عقيل عندي لا فرق بين حر الشمس وهبوب الريح فإما أن يسقط الضمان في الموضعين أو يجب فيهما واختار أنه لا ضمان هنا أيضا.
وقال في الفروع وإن حل وعاء فيه دهن جامد فذهب بريح ألقته أو شمس فوجهان.
قوله (وإن ربط دابة في طريق فأتلفت).
ضمن شمل مسألتين.
إحداهما أن يكون الطريق ضيقا فيضمن ما أتلفت جزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع والزركشي وغيرهم وقاله بن عقيل وبن البنا ولو كان ما أتلفته بنفح رجلها نص عليه.
ومن ضربها فرفسته فمات ضمنه ذكره في الفنون.
والمسألة الثانية أن تكون الطريق واسعة فظاهر ما قطع به المصنف هنا أنه يضمن قال الحارثي وكذا أورده بن أبي موسى وأبو الخطاب مطلقا ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله انتهى.
قلت وهو ظاهر ما جزم به في المذهب والخلاصة لإطلاقهم الضمان وقدمه في القاعدة الثامنة والثمانين وقال هذا المنصوص وذكر النصوص في ذلك.
220

والرواية الثانية لا يضمن إذا لم تكن في يده ذكرها القاضي في المجرد وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
وأطلقهما في المستوعب والمغني والشرح والفائق والفروع والقواعد الأصولية والزركشي.
وقال القاضي في كتاب الروايتين وغيره وظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله أنه لا يضمن إذا كان واقفا لحاجة والطريق واسع.
قال الحارثي وهو الأقوى نظرا.
فائدة لو ترك طينا في طريق فزلق فيه إنسان أو خشبة أو عمودا أو حجرا أو كيس دراهم نص عليه أو أسند خشبة إلى حائط فتلف به شيء ضمنه جزم به في الفروع وغيره.
ويأتي في أول كتاب الديات إذا صب ماء في طريق أو بالت فيها دابة أو رمى قشر بطيخ فتلف به إنسان في كلام المصنف.
قوله (أو اقتنى كلبا عقورا فعقر أو خرق ثوبا إلا أن يكون دخل منزله بغير إذنه).
إذا دخل بيته بإذنه فعقره أو خرق ثوبه أو فعل ذلك خارج البيت ضمن على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب.
قال الحارثي يضمن بغير خلاف في المذهب إذا فعل ذلك خارج المنزل.
وقال إذا دخل بإذنه ينبغي تقييده بما إذا لم ينبهه على الكلب وعلى كونه غير موثق أما إن نبه فلا ضمان.
قال في الرعاية إن عقر خارج الدار ضمن إن لم يكفه ربه أو يحذر منه انتهى.
وعنه لا يضمن اختاره الشريف أبو جعفر.
221

وإن دخل بيته بغير إذنه ففعل ذلك به لم يضمن على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب.
وعنه يضمن أيضا اختاره القاضي في الجامع.
ونقل حنبل إذا كان الكلب موثقا لم يضمن ما عقر.
قوله (وقيل في الكلب العقور روايتان في الجملة).
يعني روايتين مطلقتين سواء دخل بإذن أو لا وسواء كان في منزل صاحبه أو خارجا عنه ذكره الشارح.
قال الحارثي أورد المصنف في كتابيه وبن أبي موسى والقاضي في المجرد وصاحب المحرر ذلك من غير خلاف في شيء من ذلك.
وحكى القاضي في الجامع الصغير في الضمان مطلقا من غير تقييد بإذن روايتين وهو ما حكى أبو الخطاب في كتابيه عن القاضي وأورده المصنف هنا.
وجرى على حكاية هذا الخلاف جماعة من أئمة المذهب الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب وأبو الحسن بن بكروس في كتبهم الخلافية.
واختلفوا فمنهم من صحح الضمان وهو القاضي في الجامع ومنهم من عكس وهو قول الشريف والظاهر من كلام أبي الخطاب وبن بكروس وقال وقول المصنف وقيل في الكلب روايتان.
قال شيخنا بن أبي عمر في شرحه سواء كان في منزل صاحبه أو خارجا وسواء دخل بإذن صاحب المنزل أو لا.
قال وليس كذلك فإن كلام أبي الخطاب الذي أخذ منه المصنف ذلك إنما هو وارد في حالة الدخول والإجمال فيه عائد على الإذن وعدمه.
وكذلك أورد السامري في كتابه فقال إن اقتنى في منزله كلبا عقورا فعقر فيه إنسانا إن كان دخل بغير إذنه فلا ضمان وإن كان بإذنه فعليه الضمان.
222

قال وخرجها القاضي على روايتين الضمان وعدمه فإن عقر خارج المنزل ضمن ذكرها بن أبي موسى انتهى.
قال الحارثي فخصص الخلاف بحالة العقر داخل المنزل دون خارجة وهو الصحيح انتهى وهذا قطع به بن منجا في شرحه.
فوائد
الأولى إفساد الكلب بما عدا العقر كبوله وولوغه في إناء الغير لا يوجب ضمانا ذكره المصنف وغيره واقتصر عليه الحارثي.
وكذلك لا يضمن ما أتلفه غير العقور ليلا ونهارا قاله المصنف وغيره.
وهو ظاهر كلام الأصحاب لتقييدهم الكلب بالعقور.
قال الحارثي وكلام المصنف محمول على ما يباح اقتناؤه وأما ما يحرم كالكلب الأسود فيجب الضمان به لأنه في معنى العقور في منع الاقتناء واستحقاق القتل وكذلك ما عدا كلب الصيد والحرث والماشية لأنه في معنى ما تقدم فيحصل العدوان بإمساكه انتهى.
الثانية لو اقتنى أسدا أو نمرا أو ذئبا ونحو ذلك من السباع المتوحشة فكالكلب العقور فيما تقدم لأنه في معناه وأولى لعدم المنفعة.
الثالثة لو اقتنى هرة تأكل الطيور وتقلب القدور في العادة فعليه ضمان ما تتلفه ليلا ونهارا كالكلب جزم به في المغني والشرح والفروع والفائق وقالوا إلا صاحب الفروع قاله القاضي.
قال الحارثي ذكره أصحابنا.
فإن لم يكن من عادتها ذلك فلا ضمان قاله الأصحاب.
ولو حصل عنده كلب عقور أو سنور ضار من غير اقتناء واختيار وأفسد لم يضمن.
223

الرابعة يجوز قتل الهر بأكل لحم ونحوه على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وقال في الفصول له قتلها حين أكلها فقط واقتصر عليه الحارثي ونصره.
وقال في الترغيب له قتلها إذا لم تندفع إلا به كالصائل.
قوله (وإن أجج نارا في ملكه أو سقى أرضه فتعدى إلى ملك غيره فأتلفه ضمنه إذا كان قد أسرف فيه أو فرط وإلا فلا).
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
قال في الفروع والمراد لا بطريان ريح ولهذا قال في عيون المسائل لو أججها على سطح دار فهبت الريح فأطارت الشرر لم يضمن لأنه في ملكه ولم يفرط وهبوب الريح ليس من فعله بخلاف ما لو أوقف دابته في طريق فبالت أو رمى فيها قشر بطيخ لأنه في غير ملكه فهو مفرط.
قال في الفروع وظاهره لا يضمن في الأولى مطلقا انتهى.
وقال في الرعاية بعد ذكر المسألة قلت وإن كان المكان مغصوبا ضمن مطلقا يعني سواء فرط وأسرف أو لا إن لم يكن للسطح سترة وبقربه زرع ونحوه والريح هابة أو أرسل في الماء ما يغلب ويفيض ضمن.
وقيل من أجج نارا في ملك بيده له أو لغيره بإيجار أو إعارة وأسرف ضمن وإلا فلا وإن منع من ذلك لأذى جاره ضمن وإن لم يسرف انتهى.
فائدة قال الحارثي قوله أسرف فيه أو فرط يغني الاقتصار على لفظ التفريط لدخول الإسراف فيه انتهى.
قلت الذي يظهر أن الأمر ليس كذلك وأن كل واحد منهما ينفك عن الآخر لأن الإسراف مجاوزة الحد عمدا عدوانا وأما التفريط فهو التقصير في المأمور.
224

ولذلك قال بعض المحققين فرط أو أفرط.
قوله (وإن حفر في فنائه بئرا لنفسه ضمن ما تلف بها).
هذا المذهب بلا ريب نص عليه وعليه الأصحاب.
وجوز بعض الأصحاب حفر بئر لنفسه في فنائه بإذن الإمام ذكره القاضي.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله نقلته من خطه في مسألة حدثت في زمنه.
قال في القاعدة الثامنة والثمانين وفي الأحكام السلطانية له التصرف في فنائه بما شاء من حفر وغيره إذا لم يضر.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله ومن لم يسد بئره سدا يمنع من الضرر ضمن ما تلف بها.
ويأتي ذلك أيضا في أول كتاب الديات.
فائدة لو حفر الحر بئرا بأجرة أو لا وثبت علمه أنها في ملك غيره نص عليه ضمن الحافر قاله القاضي وبن عقيل والمصنف وغيرهم من الأصحاب وقدمه في الفروع وقال ونصه هما.
وقدمه الحارثي وقال هو مقتضى إيراد بن أبي موسى يعني أنهما ضامنان وإن جهل ضمن الآمر.
وقيل الحافر ويرجع على الآمر.
قوله (وإن حفرها في سابلة لنفع المسلمين لم يضمن في أصح الروايتين).
يعني إذا لم يكن فيه ضرر وهذا المذهب بهذا الشرط.
قال في الوجيز وغيره إن كانت السابلة واسعة وهو قيد حسن كما يأتي جزم به بن أبي موسى والقاضي في الجامع الصغير وأبو الفرج الشيرازي وغيرهم.
قال في الهداية والمذهب والخلاصة لم يضمن في أصح الروايتين وصححه
225

المصنف والشارح أيضا والناظم وقدمه في الفروع والفائق والرعايتين والحاوي الصغير والمحرر.
وعنه يضمن ولم يذكر القاضي غير هذه الرواية.
قال الحارثي وهذا له قوة وإن كان المصنف وأبو الخطاب صححا غيره.
وعنه لا يضمن إن كان بإذن الإمام وإلا ضمن.
قال المصنف والشارح قال بعض أصحابنا لا يضمن إذا كان بإذن الإمام.
قال الحارثي وهذه طريقة القاضي في المجرد وكتاب الروايتين وبن عقيل والسامري وصاحب التلخيص وغيرهم انتهى.
وهي طريقة صاحب المحرر أيضا.
وقال بعض الأصحاب ينبغي أن يتقيد سقوط الضمان عنه فيما إذا حفرها في موضع مائل عن القارعة بشرط أن يجعل عليه حاجزا يعلم به ليتوقى.
تنبيهان
أحدهما محل الخلاف إذا كانت السابلة واسعة فإن كانت ضيقة ضمن بلا نزاع.
قال الحارثي لو حفر في سابلة ضيقة وجب الضمان لأنه لا يختلف المذهب فيه وليس بداخل فيما أورده المصنف
من الخلاف وإن كان ظاهرا لا يراد يشمله.
ومحل الخلاف أيضا إذا حفر في غير مكان يضر بالمارة.
فأما إن حفر في طريق واسع في مكان منه يضر بالمارة فهو كما لو كان الطريق نفسه ضيقا.
ولا فرق بين كونه لمصلحة عامة أو خاصة بإذن الإمام أو غيره.
الثاني مفهوم قوله لنفع المسلمين أنه لو حفر لنفع نفسه أنه يضمن وهو كذلك أذن فيه الإمام أو لم يأذن.
226

فائدتان
إحداهما لو حفرها في موات للتملك أو الارتفاق بها أو الانتفاع العام فلا ضمان عليه وقطع به الحارثي والمصنف والشارح وغيرهم ذكراه في كتاب الديات.
الثانية حكم ما لو بنى فيها مسجدا أو غيره لنفع المسلمين كالخان ونحوه نقل إسماعيل بن سعيد في المسجد لا بأس به إذا لم يضر بالطريق.
ونقل عبد الله أكره الصلاة فيه إلا أن يكون بإذن إمام.
ونقل المروذي حكم هذه المساجد التي بنيت في الطريق تهدم.
وسأله محمد بن يحيى الكحال يزيد في المسجد من الطريق قال لا يصلى فيه.
ونقل حنبل أنه سئل عن المساجد على الأنهار قال أخشى أن يكون من الطريق.
وسأله بن إبراهيم عن ساباط فوقه مسجد أيصلى فيه قال لا يصلى فيه إذا كان من الطريق.
قال في القواعد الأكثر من الأصحاب قالوا إن كان بإذن الإمام جاز وإلا فروايتان ما لم يضر بالمارة.
ومنهم من أطلق الروايتين.
قال المصنف والشارح ويحتمل أن يعتبر إذن الإمام في البناء لنفع المسلمين دون الحفر لدعوى الحاجة إلى الحفر لنفع الطريق وإصلاحها وإزالة الطين والماء منها فهو كتنقيتها وحفر هدفه فيها وقلع حجر يضر بالمارة ووضع الحصى في حفرة ليملأها وتسقيف ساقية فيها ووضع حجر في طين فيها ليطأ الناس عليه فهذا كله مباح لا يضمن ما تلف به لا نعلم فيه خلافا.
227

قالا وكذلك ينبغي أن يكون في بناء القناطر ويحتمل أن يعتبر إذن الإمام فيها لأن مصلحته لا تعم انتهى كلامهما.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله حكم ما بنى وقفا على المسجد في هذه الأمكنة حكم بناء المسجد.
فائدتان
إحداهما لو فعل العبد ذلك بأمر سيده كان كفعل نفسه أعتقه أو لا قاله المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم من الأصحاب.
وقال الحارثي إن كان ممن يجهل الحال فلا إشكال فيما أطلق الأصحاب.
وإن كان ممن يعلمه ففيه ما في مسألة القتل بأمر السيد إن علم الحرمة وفيها روايتان.
إحداهما القود على السيد فقط والأخرى على العبد.
فيتعلق الضمان هنا برقبته كما لو لم يأمر السيد.
وإن حفر بغير أمر السيد تعلق الضمان برقبته.
ثم إن أعتقه فما تلف بعد عتقه فعليه ضمانه قاله المصنف والشارح وغيرهما.
قال الحارثي وهو الأصح.
وقال صاحب التلخيص وغيره الضمان على المعتق بقدر قيمة العبد فما دونه.
الثانية لو أمره السلطان بفعل ذلك ضمن السلطان وحده.
قوله (وإن بسط في مسجد حصيرا أو علق فيه قنديلا لم يضمن ما تلف به).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال في الفروع اختاره الأكثر.
228

قال الحارثي هذا ما حكى المصنف والقاضي في الجامع الصغير وأبو الخطاب والشريفان أبو جعفر وأبو القاسم الزيدي والسامري في آخرين عن المذهب انتهى.
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفائق وغيره.
وقيل يضمن قدمه في الفروع وهو تخريج لأبي الخطاب في الهداية من التي قبلها وهي حفر البئر وكذلك خرجه أبو الحسن بن بكروس.
قال الحارثي لا يصح لأن الحفر عدوان لإبطال حق المرور كذلك ما نحن فيه.
وذكر القاضي في المجرد وكتاب الروايتين إن أذن الإمام فلا ضمان وإلا فعلى وجهين بناء على البئر.
وتبعه على ذلك بن عقيل في الفصول مع أنهما قالا قال أصحابنا في بواري المسجد لا ضمان على فاعله وجها واحدا بإذن الإمام أو غير إذنه لأن هذا من تمام مصلحته.
فائدة لو نصب فيه بابا أو عمدا أو سقفه أو جعل فيه رفا لينتفع به الناس أو بنى جدارا أو أوقد مصباحا فلا ضمان عليه.
قال أصحابنا في بواري المسجد لا ضمان على فاعله وجها واحدا سواء كان بإذن الإمام أو بغير إذنه.
قوله (وإن جلس في مسجد أو طريق واسع فعثر به حيوان لم يضمن في أحد الوجهين وهو المذهب).
قال في الفروع والأصح لا يضمن.
قال الشارح وهو أولى.
قال في الفائق فيما إذا جلس في طريق واسع لم يضمن في أصح الوجهين وصححه في النظم وجزم به في الوجيز.
229

والوجه الثاني يضمن وقدمه في الرعايتين واختاره بن عبدوس في تذكرته في الجالس في الطريق وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والحاوي الصغير وشرح بن منجا.
تنبيه قال الحارثي أورد المصنف الوجهين في المتن أخذا من إيراد أبي الخطاب قال ولم أرهما لأحد قبله.
وأصل ذلك والله أعلم ما مر من الروايتين في ربط الدابة في الطريق.
ومحله ما لم يكن الجلوس مباحا كالجلوس في المسجد مع الجنابة والحيض أو للبيع والشراء ونحو ذلك.
أما ما هو مطلوب كالاعتكاف وانتظار الصلاة والجلوس لتعليم القرآن والسنة فلا يتأتى الخلاف فيه بوجه.
وكذا ما هو مباح من الجلوس فيه وفي جوانب الطرق الواسعة كبيع مأكول ونحوه لامتناع الخلاف فيه لأنه جلس فيما يستحقه بالاختصاص فهو كالجلوس في ملكه من غير فرق.
وقد حكى القاضي الجزم بنفي الضمان في المسألة في الطريق الواسع.
وهذا التقييد حكاه بعض شيوخنا في كتبه عن بعض الأصحاب ولا بد منه.
لكنه يقتضي اختصاص الخلاف بالمسجد دون الطريق لأن الجلوس بالطريق الواسعة إما مباح كما ذكرنا فلا ضمان بحال وإما غير مباح كالجلوس وسط الجادة فالضمان واجب ولا بد انتهى كلام الحارثي.
فائدة حكم الاضطجاع في المسجد والطريق الواسعة حكم الجلوس فيهما على ما تقدم.
وأما القيام فلا ضمان به بحال لأنه من مرافق الطرق كالمرور.
تنبيه مفهوم كلامه أنه لو جلس في طريق ضيقة أنه يضمن وهو كذلك
230

ويأتي في كلام المصنف في أول كتاب الديات في مسألة الاصطدام.
قوله (وإن أخرج جناحا أو ميزابا إلى الطريق).
قال في الرعاية نافذا أو غير نافذ يعني بغير إذن أهله فسقط على شيء فأتلفه ضمن.
وهذا قاله أكثر الأصحاب.
وتقدم الكلام في ذلك محررا في باب الصلح عند قوله ولا أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا.
قال في الفروع ولو بعد بيع وقد طولب بنقضه لحصوله بفعله انتهى.
وقاله القاضي وغيره.
وقال في الرعاية بعد أن ذكر الأول ولا يضمن بما تلف بما يباح من جناح وساباط وميزاب.
فعلم من ذلك أن مراد المصنف وغيره ممن أطلق إذا كان ذلك لا يباح فعله وقد صرح بذلك المصنف والشارح في إخراج الجناح في غير الدرب النافذ بإذن أهله أنه لا يضمن.
قال الحارثي ومبنى هذا الأصل أن الإخراج هل يباح أم لا.
قوله (وإن مال حائطه فلم يهدمه حتى أتلف شيئا لم يضمنه).
نص عليه وهو المذهب.
قال الحارثي في شرحه والذي عليه متأخروا الأصحاب القاضي ومن بعده أن الأصح من المذهب عدم الضمان.
قال وأصل ذلك قول القاضي في المجرد المنصوص عنه في رواية بن منصور لا ضمان عليه سواء طولب بنقضه أو لم يطالب انتهى.
وجزم به في الوجيز والمنور وصححه الناظم وقدمه في المحرر والمغني والشرح والفروع وشرح بن منجا والرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
231

وأومأ في موضع أنه إن تقدم إليه بنقضه وأشهد عليه فلم يفعل ضمن.
وهذا الإيماء ذكره بن بختان وبن هانئ ونص على ذلك في رواية إسحاق بن منصور ذكره أبو بكر في زاد المسافر.
قال الحارثي وهذه الرواية هي المذهب ولم يورد بن أبي موسى سواها.
وكذلك قال في رؤوس المسائل وهو من كتبه القديمة.
وذكر أبو الخطاب والقاضي أبو الحسين وبن بكروس وغيرهم أنه اختيار طائفة من الأصحاب قال في الفروع وعنه إن طالبه مستحق بنقضه فأبى مع إمكانه ضمنه اختاره جماعة وقدمه في النظم.
قال المصنف والشارح واما إن طولب بنقضه فلم يفعل فقد توقف الإمام أحمد رحمه الله عن الجواب فيها.
وقال أصحابنا يضمن وقد أومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله والتفريع عليه وأطلقهما في الرعاية الكبرى.
وقيل يضمن مطلقا.
وخرجه أبو الخطاب والمجد وجها.
قال الشارح ذكر بعض أصحابنا وجها بالضمان مطلقا انتهى.
وهذا اختاره بن عقيل.
قال الحارثي وهو الأقوى.
وتقدم التنبيه على بعض ذلك في أواخر باب الصلح.
تنبيه محل الخلاف إذا علم بميلانه على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
ولم يذكر في الترغيب العلم بميلانه وهو ظاهر كلام المصنف هنا وجماعة.
232

فوائد
إحداها كيفية الإشهاد اشهدوا أني طالبته بنقضه أو تقدمت إليه بنقضه ذكره بن عقيل وذكر القاضي بعضه وكذلك كل لفظ أدى إليه.
ثم الميل إلى السابلة يستقل بها الإمام ومن قام مقامه وكذا الواحد من الرعية مسلما كان أو ذميا.
وإن كان إلى درب مشترك فكذلك يستقل به الواحد من أهله ذكره القاضي وبن عقيل والمصنف وغيرهم.
وإن كان إلى دار مالك معين استقل به.
وإن كان ساكنها الغير فكالمالك.
وإن كان الساكن جماعة استقل به أحدهم.
وإن كان غاصبا لم يملكه وما تلف له فغير مضمون.
الثانية لو سقط الجدار من غير ميلان لم يضمن ما تولد منه بلا خلاف.
وإن بناه مائلا إلى ملك الغير بإذنه أو إلى ملك نفسه أو مال إليه بعد البناء لم يضمن.
وإن بناه مائلا إلى الطريق أو إلى ملك الغير بغير إذنه ضمن.
قال المصنف لا أعلم فيه خلافا.
ومسألة المصنف بناه مستويا ثم مال.
الثالثة لا أثر لمطالبة مستأجر الدار ومستعيرها ومستودعها ومرتهنها ولا ضمان عليهم.
فلو طولب المالك في هذه الحال فإن لم يمكنه استرجاعها أو نقض الحائط فلا ضمان وإن أمكنه كالمعير والمودع والراهن إذا أمكنه فكاك الرهن ولم يفعل ضمن ذكره القاضي وبن عقيل والمصنف وغيرهم.
233

وإن حجر على المالك لسفه أو صغر أو جنون فطولب لم يضمن.
وإن طولب وليه أو وصيه فلم ينقضه ضمن المالك قاله القاضي في المجرد والمصنف في المغني والشارح والحارثي وغيرهم.
قال في الفروع ولا يضمن ولي فرط بل موليه ذكره في المنتخب ويتوجه عكسه.
وكأنه لم يطلع على كلام المصنف والشارح والحارثي.
وقال بن عقيل الضمان على الولي.
قال الحارثي وهو الحق لوجود التفريط وهو التوجيه الذي ذكره في الفروع.
الرابعة لو كان الميلان إلى ملك مالك معين إما واحد أو جماعة فأمهله المالك أو أبرأه جاز ولا ضمان.
وإن أمهله ساكن الملك أو أبرأه فكذلك ذكره القاضي والمصنف والشارح وقدمه الحارثي.
وقال بن عقيل لا يسقط ولا يتأجل إلا أن يجتمعا أعني الساكن والمالك.
قال الحارثي والذي قاله أنه لا يبرأ بالنسبة إلى المبرئ فليس كما قال لأن من ملك حقا ملك إسقاطه وإن كان بالنسبة إلى من لم يبرأ فنعم وذلك على سبيل التفصيل لا يقبل خلافا.
وإن كان الميلان إلى درب لا ينفذ أو إلى سابلة فأبرأه البعض أو أمهله بريء بالنسبة إلى المبرئ أو الممهل.
الخامسة لو كان الملك مشتركا فطولب أحدهم بنقضه فقال المصنف والشارح احتمل وجهين وأطلقهما في الفروع.
234

أحدهما لا يلزمه شيء.
والثاني يلزمه بحصته وهو ظاهر ما جزم به الناظم.
السادسة لو باع الجدار مائلا بعد التقدم إليه فقال القاضي في المجرد والمصنف والشارح والسامري في فروقه لا ضمان عليه لزوال التمكن من الهدم حالة السقوط.
قال المصنف ولا على المشتري لانتفاء التقدم إليه.
وكذا الحكم لو وهبه وأقبضه.
وإن قلنا بلزوم الهبة زال الضمان عنه بمجرد العقد انتهى.
وقال بن عقيل في الفصول إن باعه فرارا لم يسقط الضمان لأن الميل لا يسقط الحقوق بعد وجوبها انتهى.
قال الحارثي والأولى إن شاء الله وجوب الضمان عليه مطلقا.
وقال بن عقيل بعد كلامه المتقدم وكذا لو باع فخا أو شبكة منصوبين فوقع فيهما صيد في الحرم أو مملوك للغير لم يسقط عنه ضمانه.
قال بن رجب والظاهر أن القاضي لا يخالف في هذه الصورة قاله في القاعدة الرابعة والعشرين.
وقال في القاعدة التاسعة والثمانين وهل يجب الضمان على من انتقل الملك إليه إذا استدامه أم لا الأظهر وجوبه عليه كمن اشترى حائطا مائلا فإنه يقوم مقام البائع فيه فإذا طولب بإزالته فلم يفعل ضمن على رواية انتهى.
السابعة إذا تشقق الحائط طولا لم يوجب نقضه وحكمه حكم الصحيح.
وإن تشقق عرضا فحكمه حكم المائل على ما تقدم قاله المصنف والشارح والحارثي وصاحب الفروع والفائق وغيرهم.
قوله (وما أتلفت البهيمة فلا ضمان على صاحبها).
235

وهذا المذهب بشرطه الآتي وعليه الأصحاب وجزم به في المغني والشرح والفائق وغيرهم من الأصحاب وسواء كان التالف صيد حرم أو غيره.
قال في الفروع أطلقه الأصحاب.
قال ويتوجه إلا الضارية ولعله مرادهم.
وقد قال الشيخ تقي الدين رحمه الله فيمن أمر رجلا بإمساكها ضمنه إن لم يعلمه بها.
وقال في الفصول من أطلق كلبا عقورا أو دابة رفوسا أو عضوضا على الناس وخلاه في طريقهم ومصاطبهم ورحابهم فأتلف مالا أو نفسا ضمن لتفريطه وكذا إن كان له طائر جارح كالصقر والبازي فأفسد طيور الناس وحيواناتهم انتهى.
قلت وهو الصواب.
فائدة قال في الانتصار البهيمة الصائلة يلزم مالكها وغيره إتلافها.
وكذا قال في عيون المسائل إذا عرفت البهيمة بالصول يجب على مالكها قتلها وعلى الإمام وغيره إذا صالت على وجه المعروف ومن وجب قتله على وجه المعروف لم يضمن كمرتد.
وتقدم إذا كانت البهيمة مغصوبة وأتلفت عند قوله وإن جنى المغصوب فعليه أرش جنايته.
قوله (إلا أن تكون في يد إنسان كالراكب والسائق والقائد).
يعني إذا كان قادرا على التصرف فيها فيضمن ما جنت يدها أو فمها دون ما جنت رجلها وهذا المذهب.
قال الحارثي هذا الصحيح من المذهب جزم به في الهداية وخلافه الصغير
236

والشريف أبو جعفر وبن عقيل في التذكرة والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والوجيز وغيرهم وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع والفائق وغيرهم وعليه جماهير الأصحاب.
وعنه يضمن السائق جناية رجلها.
قال القاضي وبن عقيل وهي أصح لتمكن السائق من مراعاة الرجل بخلاف الراكب والقائد.
وعنه يضمن ما جنت برجلها سواء كان سائقا أو قائدا أو راكبا ذكرها في المغني وغيره.
قال الحارثي وأورد في المغني هذا الخلاف مطلقا في القائد والسائق والراكب والصواب ما حكاه في الكافي وغيره من التقييد بالسائق فإنه مأخوذ من القاضي والقاضي إنما ذكره في السائق فقط انتهى.
قلت هذا غير مؤثر فيما أورده المصنف من الإطلاق لأن جماعة من الأصحاب حكوا الروايات الثلاث والناقل مقدم على النافي.
وقال في المحرر يضمن إذا كان معها راكب أو قائد أو سائق ما جنت بيدها وفمها ووطء رجلها دون نفحها ابتداء انتهى.
واختاره بن عبدوس في تذكرته.
وقال بن البنا إن نفحت برجلها وهو يسير عليها فلا ضمان وإن كان سائقا ضمن ما جنت برجلها.
فوائد
منها لو كبحها باللجام زيادة على المعتاد أو ضربها في الوجه ضمن ما جنت رجلها أيضا ولو لمصلحة.
قال الحارثي لا يختلف الأصحاب في وجوب الضمان وطئا ونفحا.
وظاهر نقل بن هانئ في الوطء لا يضمن.
237

ونقل أبو طالب لا يضمن ما أصابت برجلها أو نفحت بها لأنه لا يقدر على حبسها وهو ظاهر كلام جماعة قاله في الفروع.
ومنها لا يضمن ما جنت بذنبها على الصحيح من المذهب كرجلها.
قال في الفروع ولا ضمان بذنبها في الأصح جزم به في الترغيب وغيره وجزم به أيضا في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم مع ذكرهم الخلاف في الرجل وقيل يضمن.
قال الحارثي والذنب كالرجل يجري فيه الخلاف في السائق ولا يضمن به الراكب والقائد كما لا يضمن بالرجل وجها واحدا كذا أورده في الكافي انتهى.
ومنها لو كان السبب من غير السائق والقائد والراكب مثل إن نخسها أو نفرها غيره فالضمان على من فعل ذلك جزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع وغيرهم.
ومنها لو جنى ولد الدابة ضمن على الصحيح من المذهب نص عليه واختاره بن أبي موسى والسامري وقطعا به وقدمه في الفروع وشرح الحارثي.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يضمن إن فرط نحو أن يعرفه شموسا وإلا فلا.
وقيل لا يضمن مطلقا واختاره المصنف والشارح وقدمه في الفائق.
ومنها لو كان الراكب اثنان فالضمان على الأول إلا أن يكون صغيرا أو مريضا ونحوهما وكان الثاني متوليا تدبيرها فيكون الضمان عليه.
قال الحارثي وإن اشتركا في التصرف اشتركا في الضمان.
وإن كان مع الدابة سائق وقائد فالضمان عليهما على المذهب وعليه الأصحاب.
238

قال الحارثي وعن بعض المالكية الضمان على القائد وحده.
قال وهذا قول حسن.
وإن كان معهما أو مع أحدهما راكب اشتركوا في الضمان على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وفيه وجه آخر الضمان على الراكب فقط وأطلقهما في المغني والشرح وشرح الحارثي والفائق.
وقيل يضمن القائد فقط وهو احتمال في المغني.
ومنها الإبل والبغال المقطرة كالبهيمة الواحدة على قائدها الضمان وإن كان معه سائق شاركه في ضمان الأخير منها دون ما قبله هذا إذا كان في آخرها فإن كان في أولها شارك في الكل وإن كان فيما عدا الأول شارك في ضمان ما باشر سوقه دون ما قبله وشارك فيما بعده.
وإن انفرد راكب بالقطار وكان على أوله ضمن جناية الجميع قاله الحارثي.
قال المصنف في المغني ومن تبعه المقطور على الجمل المركوب يضمن جنايته لأنه في حكم القائد له.
فأما المقطور على الجمل الثاني فينبغي أن لا يضمن جنايته لأن الراكب الأول لا يمكنه حفظه عن الجناية انتهى.
قال الحارثي وليس بالقوي فإن ما بعد الراكب إنما يسير بسيره ويطأ بوطئه فأمكن حفظه عن الجناية فضمن كالمقطور على ما تحته انتهى.
ومنها لو انفلتت الدابة ممن هي في يده وأفسدت فلا ضمان نص عليه.
فلو استقبلها إنسان فردها فقياس قول الأصحاب الضمان قاله الحارثي.
ومنها لا فرق في الراكب والسائق والقائد بين المالك والأجير والمستأجر والمستعير والموصى إليه بالمنفعة وعموم نصوص الإمام أحمد رحمه الله تقتضيه.
قوله (وما أفسدت من الزرع والشجر ليلا يعني يضمنه ربها).
239

وهذا بلا نزاع لكن ظاهر كلام المصنف الضمان سواء انفلتت باختياره أو بغير اختياره وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله نقلها جماعة منهم بن منصور وبن هانئ وقطع به المصنف.
قال بن منجا في شرحه صرح به المصنف في المغني وغيره من الأصحاب انتهى وقدمه في الفائق.
قال الزركشي كذا قال جماعة من الأصحاب منهم القاضي في الجامع الصغير والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما والشيرازي وبن البنا وبن عقيل في التذكرة وغيرهم انتهى.
والصحيح من المذهب أنه لا يضمن إذا لم يفرط قدمه في المحرر والفروع وقال جزم به جماعة.
قال بن منجا وكلامه هنا مشعر به لأنه عطفه على ضمان ما جنت يدها أو فمها بعد اشتراط كونها في يد إنسان موصوف بما ذكر انتهى.
قال الحارثي إنما يضمن إذا فرط أما إذا لم يفرط فإنه لا يضمن قاله القاضيان أبو يعلى وابنه الحسين وبن عقيل
والقاضي يعقوب والسامري والمصنف في الكافي وغيرهم.
قال في الفائق ولو كسرت الباب أو فتحته فهدر ولو فتحه آدمي ضمن.
تنبيه قوله وما أفسدت من الزرع والشجر ليلا يضمنه ربها خصص الضمان بالأمرين وهكذا قال في الشرح والنظم وجماعة.
قال في الفروع جزم به المصنف ولعله أراد في هذا الكتاب.
وذكره أيضا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
وجزم في المغني والوجيز أنه لا يضمن سوى الزرع.
فقال في المغني إن أتلفت غير الزرع لم يضمن مالكها نهارا كان إتلافها أو ليلا.
240

قال الحارثي وبن منجا ولم أجده لأحد غيره انتهيا.
قلت هو ظاهر كلام الخرقي لاقتصاره عليه.
والصحيح من المذهب أنه يضمن جميع ما أتلفته مطلقا.
قال الحارثي وكافة الأصحاب على التعميم لكل مال بل منهم من صرح بالتسوية بين الزرع وغيره منهم القاضي في المجرد والسامري في المستوعب.
قال بن منجا في شرحه خص المصنف الحكم بالزرع والشجر وليس كذلك عند الأصحاب انتهى.
وقدمه في الفروع وقال نص عليه وجزم به جماعة انتهى.
وقدمه في الفائق أيضا.
وقال في الواضح يضمن ما أتلفت ليلا من سائر المال بحيث لا ينسب واضعه إلى تفريط.
فائدة لو ادعى صاحب الزرع أن غنم فلان نفشت ليلا ووجد في الزرع أثر غنم قضى بالضمان على صاحب الغنم نص عليه في رواية بن منصور.
وجعل الشيخ تقي الدين هذا من القيافة في الأموال وجعلها معتبرة كالقيافة في الأنساب قاله في القاعدة الثالثة عشر ويتخرج وجه لا يكتفي بذلك.
قلت ومحل الخلاف إذا لم يكن هناك غنم لغيره.
قوله (ولا يضمن ما أفسدت من ذلك نهارا).
ظاهره سواء أرسلها بقرب ما تفسده عادة أو لا وهو أحد القولين وهو ظاهر كلامه في الهداية والمذهب والخلاصة وجماعة وقدمه في الفروع.
قال الحارثي وهو الحق وهو ظاهر كلام الأكثرين من أهل المذهب وصرح به المصنف في المغني.
241

وقال القاضي وجماعة من الأصحاب لا يضمن إلا أن يرسلها بقرب ما تتلفه عادة فيضمن.
وذكره الحارثي وغيره رواية وجزم به في المحرر والنظم والوجيز والفائق والرعايتين والحاوي الصغير والزركشي.
قلت وهو الصواب.
وقاله القاضي في موضع نقله الزركشي.
فوائد
الأولى قال الحارثي لو جرت عادة بعض النواحي بربطها نهارا وبإرسالها وحفظ الزرع ليلا فالحكم كذلك لأن هذا نادر فلا يعتبر به في التخصيص.
الثانية إرسال الغاصب ونحوه موجب للضمان نهارا كان أو ليلا وإرسال المودع كإرسال المالك في انتفاء الضمان قاله الحارثي أيضا والمستعير والمستأجر كذلك.
ولو استأجر أجيرا لحفظ دوابه فأرسلها نهارا فكذلك اللهم إلا أن يشترط الكف عن الزرع فيضمن فهو كاشتراط المالك على المودع ضبطها نهارا.
الثالثة لو طرد دابة من مزرعته لم يضمن ما جنت إلا أن يدخلها مزرعة غيره فيضمن وإن اتصلت المزارع صبر ليرجع على صاحبها.
ولو قدر أن يخرجها وله منصرف غير المزارع فتركها فهدر.
الرابعة الحطب الذي على الدابة إذا خرق ثوب آدمي بصير عاقل يجد منحرفا فهو هدر وكذلك لو كان مستدبرا وصاح به منبها له وإلا ضمنه فيهما ذكره في الترغيب واقتصر عليه في الفروع.
الخامسة لو أرسل طائرا فأفسد أو لقط حبا فلا ضمان قاله الشيخ الموفق في المغني والحارثي.
242

وقيل يضمن مطلقا وهو الصحيح صححه بن مفلح في الآداب وضعف الأول وكذلك صححه بن القيم في الطرق الحكمية ولم يذكرها في الفروع.
قوله (ومن صال عليه آدمي أو غيره فقتله دفعا عن نفسه لم يضمنه).
هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وقال في القاعدة السابعة والعشرين لو دفع صائلا عليه بالقتل لم يضمنه ولو دفعه عن غيره بالقتل ضمنه ذكره القاضي.
وفي الفتاوى الرحبيات عن بن عقيل وبن الزاغوني لا ضمان عليه أيضا.
قال الحارثي وعن الإمام أحمد رواية بالمنع من قتال اللصوص في الفتنة فيترتب عليه وجوب الضمان بالقتل لأنه ممنوع منه إذن وهذا لا عمل عليه انتهى.
قلت أما ورود الرواية بذلك فمسلم وأما وجوب الضمان بالقتل ففي النفس من هذا شيء.
وخرج الحارثي وغيره قولا بالضمان بقتل البهيم الصائل بناء على ما قاله أبو بكر في الصيد الصائل على المحرم.
ويأتي ذلك في كلام المصنف أيضا في آخر باب المحاربين بأتم من هذا ومسائل أخر إن شاء الله تعالى.
فائدة لو حالت بهيمة بينه وبين ماله ولم يصل إليه إلا بقتلها فقتلها فيحتمل أن يضمن ويحتمل أن لا يضمن.
قلت وهو الصواب.
وأطلقهما الحارثي.
قلت قد يقرب من ذلك ما لو انفرش الجراد في طريق المحرم بحيث إنه لا يقدر على المرور إلا بقتله هل يضمنه أم لا على ما تقدم.
243

ويأتي نظيرها في آخر باب الديات.
قوله (وإن اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر وما فيها).
هكذا أطلق كثير من الأصحاب.
قال المصنف وغيره محله إذا فرط.
قال الحارثي إن فرط ضمن كل واحد سفينة الآخر وما فيها وإن لم يفرط فلا ضمان على واحد منهما حكاه المصنف في كتابيه ومن عداه من الأصحاب.
ونص الإمام أحمد رحمه الله على نحوه من رواية أبي طالب.
مع أن إطلاق المتن لا يقتضيه غير أن الإطلاق مقيد بحالة التفريط التي قدمناها على ما ذهب إليه الأصحاب من غير خلاف علمته بينهم انتهى.
وقال في الفروع وإن اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل واحد منهما متلف الآخر.
وفي المغني إن فرطا وقاله في المنتخب وأنه ظاهر كلامه انتهى.
وجزم بما قاله الحارثي في الرعاية وغيرها.
تنبيه حيث قلنا بالضمان فيضمن كل واحد منهما سفينة الآخر وما فيها كما قال المصنف وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الحارثي قال الشافعي رحمه الله على كل واحد منهما نصف الضمان لاشتراكهما في السبب فإنه حصل من كل واحد بفعله وفعل صاحبه فكان مهدرا في حق نفسه مضمونا في حق الآخر كما في التلف من جراحة نفسه وجراحة غيره.
قال الحارثي وهذا له قوة.
244

قوله (وإن كانت إحداهما منحدرة فعلى صاحبها ضمان المصعدة إلا أن يكون غلبه ريح فلم يقدر على ضبطها).
وهذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به في المغني والشرح والفائق والحارثي وغيرهم من الأصحاب.
وفي الواضح وجه لا تضمن منحدرة.
وقال في الترغيب السفينة كدابة والملاح كراكب.
تنبيه قال الحارثي سواء فرط المصعد في هذه الحالة أو لا على ما صرح به في الكافي وأطلقه الأصحاب والإمام أحمد رحمه الله.
وقال في المغني إن فرط المصعد بأن أمكنه العدول بسفينته والمنحدر غير قادر ولا مفرط فالضمان على المصعد لأنه المفرط.
قال الحارثي وهذا صريح في أن المصعد يؤاخذ بتفريطه.
فائدتان
إحداهما يقبل قول الملاح إن تلف المال بغلبة ريح.
ولو تعمد الصدم فشريكان في إتلاف كل منهما ومن فيهما.
فإن قتل في الغالب فالقود وإلا شبه عمد.
ولا يسقط فعل المصادم في حق نفسه مع عمد.
ولو حرقها عمدا أو شبهه أو خطأ عمل على ذلك قاله في الفروع.
وقال الحارثي إن عمد ما لا يهلك غالبا فشبه عمد وكذا ما لو قصد إصلاحها فقطع لوحا أو أصلح مسمارا فخرق موضعا حكاه القاضي وغيره.
وقال المصنف في المغني والصحيح أنه خطأ محض لأنه قصد فعلا مباحا.
وهل يضمن من ألقى عدلا مملوءا بسفينة فغرقها وما فيها أو نصفه أو بحصته قال في الرعاية وتبعه في الفروع يحتمل أوجها.
245

قلت هي شبيهة بما إذا جاوز بالدابة مكان الإجارة أو حملها زيادة على المأجور فتلفت أو زاد على الحد سوطا فقتله والصحيح من المذهب هناك أنه يضمنه جميعه على ما تقدم.
ويأتي في كلام المصنف في كتاب الحدود فكذلك هنا.
وجزم في الفصول أنه يضمن جميع ما فيها ذكره في أثناء الإجارة وجعله أصلا لما إذا زاد على الحد سوطا في وجوب الدية كاملة.
وكذلك المصنف في المغني جعلها أصلا في وجوب ضمان الدابة كاملة إذا جاوز بها مكان الإجارة أو زاد على الحد سوطا.
ولو أشرفت على الغرق فعلى الركبان إلقاء بعض الأمتعة حسب الحاجة.
ويحرم إلقاء الدواب حيث أمكن التخفيف بالأمتعة وإن ألجأت ضرورة إلى إلقائها جاز صونا للآدميين والعبيد كالأحرار.
وإن تقاعدوا عن الإلقاء مع الإمكان أثموا.
وهل يجب الضمان فيه وجهان اختار المصنف وغيره عدمه.
والثاني يضمن وأطلقهما الحارثي.
ولو ألقى متاعه ومتاع غيره فلا ضمان على أحد ذكره الأصحاب قاله الحارثي.
وإن امتنع من إلقاء متاعه فللغير إلقاؤه من غير رضاه دفعا للمفسدة لكن يضمنه قاله القاضي في المجرد وبن عقيل في الفصول والمصنف في المغني وغيرهم.
قال الحارثي وعن مالك رضي الله عنه لا يضمن اعتبارا بدفع الصائل.
قال ويتخرج لنا مثله بناء على انتفاء الضمان بما لو أرسل صيدا من يد محرم.
قلت وهذا هو الصواب.
246

وتقدم في آخر الضمان بعض ذلك ومسائل أخر تتعلق بهذا فليعاود.
الثانية لو كانت إحداهما واقفة والأخرى سائرة فعلى قيم السائرة ضمان الواقفة إن فرط وإلا فلا ذكره المصنف والقاضي والشارح وصاحب الفروع وغيرهم.
ويأتي في كلام المصنف في أوائل كتاب الديات إذا اصطدم نفسان أو أركب صبيين فاصطدما ونحوهما.
قوله (ومن أتلف مزمارا أو طنبورا أو صليبا أو كسر إناء فضة أو ذهب أو إناء خمر لم يضمنه).
وكذا العود والطبل والنرد وآلة السحر والتعزيم والتنجيم وصور خيال والأوثان والأصنام وكتب المبتدعة المضلة وكتب الكفر ونحو ذلك.
وهذا المذهب في ذلك كله وجزم به في المغني والشرح والفائق وغيرهم من الأصحاب في الثلاثة الأول وقدموه في الباقي من كلام المصنف وصححوه وجزم به في الوجيز وغيره في الجميع.
قال ناظم المفردات لا ضمان في المشهور وهو منها وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه يضمن غير الصليب مما ذكره المصنف.
وأطلق في المحرر في ضمان كسر آنية الذهب والفضة والخمر روايتين.
وأطلق في التلخيص في ضمان كسر أواني الخمر وشق ظروفه روايتين.
قال في المغني حكى أبو الخطاب رواية بأنه يضمن إذا كسر أواني الذهب والفضة.
قال الحارثي وحكاها القاضي يعقوب في تعليقه وأبو الحسين في التمام وأبو يعلى الصغير في المفردات وغيرهم.
247

قال الحارثي إن أريد ضمان الإجزاء وهو ظاهر إيرادهم فإن بعضهم علله بجواز المعاوضة عليها والقطع بسرقتها فمسلم ولكن ليس محل النزاع لأنه لا خلاف فيه.
وإن أريد ضمان الأرش وهو فرض المسألة فلا أعلم له وجها وذكر مأخذهم من الرواية ورده.
وعنه يضمن آنية الخمر إن كان ينتفع بها في غيره.
وعنه يضمن غير آلة اللهو مما ذكره المصنف.
وعنه لا يضمن غير الدف.
وأطلق في الرعاية في ضمان دف الصنوج روايتين.
وعنه لا يضمن دف العرس أعني التي ليس فيها صنوج ذكرها الحارثي.
وحكى القاضي في كتاب الروايتين رواية بجواز إتلافه في اللعب بما عدا النكاح ورده الحارثي.
وقال في الفنون يحتمل أن يضمن آلة اللهو إذا كان يرغب في مادتها كعود وداقورة.
تنبيه محل الخلاف في آنية الخمر إذا كان مأمورا بإراقتها.
واعلم أن ظاهر كلام المصنف في آنية الخمر أنه سواء قدر على إراقتها بدون تلف الإناء أو لا وهو صحيح وهو المذهب نقله المروذي وقدمه في الفروع.
ونقل الأثرم وغيره إن لم يقدر على إراقتها إلا بتلفها لم يضمن وإلا ضمن.
فوائد
منها لا يضمن مخزن الخمر إذا أحرقه على الصحيح من المذهب.
نقله بن منصور واختاره بن بطة وغيره وقدمه في الفروع.
ونقل حنبل يضمنه وجزم به المصنف.
248

وقال بن القيم في الهدى يجوز تحريق أماكن المعاصي وهدمها كما حرق رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام مسجد الضرار وأمر بهدمه.
ومنها لا يضمن كتابا فيه أحاديث رديئة حرقه على الصحيح من المذهب نقله المروذي وقدمه في الفروع.
قال في الانتصار فجعله كآلة لهو ثم سلمه على نصه في رواية المروذي في ستر فيه تصاوير.
ونص على تخريق الثياب السود.
قال في الفروع فيتوجه فيهما روايتان.
ومنها لا يضمن حليا محرما على الرجال لم يستعملوه يصلح للنساء قاله في الفروع.
ومنها قال صاحب الفروع ظاهر كلام الأصحاب أن الشطرنج من آلة اللهو.
قلت بل هي من أعظمها وقد عم البلاء بها.
ونقل أبو داود لا شيء عليه فيه.
249

كتاب الشفعة.
قوله (وهي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها).
وكذا قال في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب وغيرهم والخلاصة وزاد قهرا.
قال الزركشي وهو غير جامع لخروج الصلح بمعنى البيع والهبة بشرط الثواب ونحو ذلك منه.
قلت ويمكن الجواب عن ذلك بأن الهبة بشرط الثواب بيع على الصحيح من المذهب على ما يأتي فالموهوب له مشتر وكذلك الصلح يسمى فيه بائعا ومشتريا لأن الأصحاب قالوا فيهما هو بيع فهو إذن جامع.
وقال في المغني هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه.
قال الزركشي وهو غير مانع لدخول ما انتقل بغير عوض كالأرش والوصية والهبة بغير ثواب أو بغير عوض مالي على المشهور كالخلع ونحوه.
قال فالأجود إذن أن يقال من يد من انتقلت إليه بعوض مالي أو مطلقا انتهى.
فائدتان
إحداهما قال الحارثي ولا خفاء بالقيود في حد المصنف.
فقيد الشركة مخرج للجوار والخلطة بالطريق.
وقيد الشراء مخرج للموهوب والموصي به والموروث والممهور والعوض في الخلع والصلح عن دم العمد وفي بعضه خلاف.
250

قال وأورد على قيد الشركة أن لو كان من تمام الماهية لما حسن أن يقال هل تثبت الشفعة للجار أم لا انتهى.
الثانية قوله ولا يحل الاحتيال لإسقاطها بلا نزاع في المذهب نص عليه.
ولا تسقط بالتحيل أيضا نص عليه.
وقد ذكر الأصحاب للحيلة في إسقاطها صورا.
الأولى أن تكون قيمة الشقص مائة وللمشتري عرض قيمته مائة فيبيعه العرض بمائتين ثم يشتري الشقص منه بمائتين ويتقاصان أو يتواطئآن على أن يدفع إليه عشرة دنانير عن المائتين وهي أقل من المائتين فلا يقدم الشفيع عليه لنقصان قيمته عن المائتين.
الثانية إظهار كون الثمن مائة ويكون المدفوع عشرين فقط.
الثالثة أن يكون كذلك ويبرئه من ثمانين.
الرابعة أن يهبه الشقص ويهبه الموهوب له الثمن.
الخامسة أن يبيعه الشقص بصبرة دراهم معلومة بالمشاهدة مجهولة المقدار أو بجوهرة ونحوها.
فالشفيع على شفعته في جميع ذلك فيدفع في الأولى قيمة العرض مائة أو مثل العشرة دنانير وفي الثانية عشرين وفي الثالثة كذلك لأن الإبراء حيلة قاله في الفائق وقاله القاضي وبن عقيل.
قال في المغني والشرح يأخذ الجزء المبيع من الشقص بقسطه من الثمن.
ويحتمل أن يأخذ الشقص كله بجميع الثمن وجزم بهذا الاحتمال في المستوعب.
قال الحارثي وهو الصحيح.
251

وفي الرابعة يرجع في الثمن الموهوب له.
وفي الخامسة يدفع مثل الثمن المجهول أو قيمته إن كان باقيا ولو تعذر بتلف أو موت دفع إليه قيمة الشقص ذكر ذلك الأصحاب نقله في التلخيص.
وأما إذا تعذر معرفة الثمن من غير حيلة بأن قال المشتري لا أعلم قدر الثمن كان القول قوله مع يمينه وأنه لم يفعله حيلة وتسقط الشفعة.
وقال في الفائق قلت ومن صور التحيل أن يقفه المشتري أو يهبه حيلة لإسقاطها فلا تسقط بذلك عند الأئمة الأربعة ويغلط من يحكم بهذا ممن ينتحل مذهب الإمام أحمد رحمه الله وللشفيع الأخذ بدون حكم انتهى.
قال في القاعدة الرابعة والخمسين هذا الأظهر.
قوله (ولا شفعة فيما عوضه غير المال كالصداق وعوض الخلع والصلح عن دم العمد في أحد الوجهين).
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص والمحرر والرعاية الكبرى والفروع والفائق وظاهر الشرح الإطلاق.
أحدهما لا شفعة في ذلك وهو الصحيح من المذهب.
قال في الكافي لا شفعة فيه في ظاهر المذهب.
قال الزركشي هذا أشهر الوجهين عند القاضي وأكثر أصحابه.
قال بن منجا هذا أولى.
قال الحارثي أكثر الأصحاب قال بانتفاء الشفعة منهم أبو بكر وبن أبي موسى وأبو علي بن شهاب والقاضي وأبو الخطاب في رؤوس المسائل وبن عقيل والقاضي يعقوب والشريفان أبو جعفر وأبو القاسم الزيدي والعكبري وبن بكروس والمصنف وهذا هو المذهب ولذلك قدمه في المتن انتهى.
وهو ظاهر كلام الخرقي وصححه في التصحيح والنظم وجزم به في العمدة
252

والوجيز والمنور والحاوي الصغير وغيرهم وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي وغيرهم.
والوجه الثاني فيه الشفعة اختاره بن حامد وأبو الخطاب في الانتصار وبن حمدان في الرعاية الصغرى وقدمه بن رزين في شرحه.
فعلى هذا القول يأخذه بقيمته على الصحيح اختاره القاضي وبن عقيل وبن عبدوس في تذكرته وصاحب الفائق وصححه الناظم وقدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير وجزم به في الهداية.
وقيل يأخذه بقيمة مقابله من مهر ودية حكاه الشريف أبو جعفر عن بن حامد وأطلقهما في المحرر والفروع والزركشي.
وسيأتي ذلك في كلام المصنف في آخر الفصل السادس.
فوائد
منها قال في الفروع وعلى قياس هذه المسألة ما أخذ أجرة أو ثمنا في سلم أو عوضا في كتابة وجزم به في الرعاية الكبرى.
قال في الكافي ومثله ما اشتراه الذمي بخمر أو خنزير.
قال الحارثي وطرد أصحابنا الوجهين في الشقص المجعول أجرة في الإجارة.
ولكن نقول الإجارة نوع من البيع فيبعد طرد الخلاف إذن.
فالصحيح على أصلنا جريان الشفعة قولا واحدا.
ولو كان الشقص جعلا في جعالة فكذلك من غير فرق.
وطرد صاحب التلخيص وغيره من الأصحاب الخلاف أيضا في الشقص المأخوذ عوضا عن نجوم الكتابة.
ومنهم من قطع بنفي الشفعة فيه وهو القاضي يعقوب ولا أعلم لذلك وجها.
وحكى بعض شيوخنا فيما قرأت عليه طرد الوجهين أيضا في المجعول رأس مال في السلم وهو أيضا بعيد فإن السلم نوع من البيع انتهى كلام الحارثي
253

ثم قال إذا تقرر ما قلنا في المأخوذ عوضا عن نجوم الكتابة فلو عجز المكاتب بعد الدفع ورق هل تجب الشفعة إذن.
قال في التلخيص يحتمل وجهين أحدهما نعم والثاني لا وهو أولى.
فائدتان
إحداهما لو قال لأم ولده إن خدمت أولادي شهرا فلك هذا الشقص فخدمتهم استحقته وهل تثبت فيه الشفعة يحتمل وجهين.
أحدهما نعم وهذا على القول بالشفعة في الإجارة.
والثاني لا لأنها وصية قاله الحارثي وهذا الثاني هو الصواب.
الثانية إذا قيل بالشفعة في الممهور فطلق الزوج قبل الدخول وقبل الأخذ فالشفعة مستحقة في النصف بغير إشكال وما بقي إن عفا عنه الزوج فهبة مبتدأة لا شفعة فيه على الصحيح.
وقال بن عقيل يستحقه الشفيع.
وإن لم يعف فلا شفعة فيه أيضا على الصحيح لدخوله في ملك الزوج قبل الأخذ قدمه في شرح الحارثي.
وذكر القاضي وبن عقيل احتمالين والمصنف وجهين.
قال الحارثي والأخذ هنا بالشفعة لا يتمشى على أصول الإمام أحمد رحمه الله.
وإن أخذ الشفيع قبل الطلاق فالشفعة ماضية ويرجع الزوج إلى نصف قيمة الشقص.
قال القاضي وغيره يرجع بأقل الأمرين من نصف قيمته يوم إصداقها ويوم إقباضها.
254

قوله (الثاني أن يكون شقصا مشاعا من عقار ينقسم).
يعني قسمة إجبار.
فأما المقسوم المحدود فلا شفعة لجاره فيه وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل تثبت الشفعة للجار.
وحكاه القاضي يعقوب في التبصرة وبن الزاغوني عن قوم من الأصحاب رواية.
قال الزركشي وصححه بن الصيرفي واختاره الحارثي فيما أظن وأخذ الرواية من نصه في رواية أبي طالب ومثنى لا يحلف أن الشفعة تستحق بالجوار.
قال الحارثي والعجب ممن يثبت بهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال في الفائق وهو مأخذ ضعيف.
وقيل تجب الشفعة بالشركة في مصالح عقار اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وصاحب الفائق وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية أبي طالب وقد سأله عن الشفعة فقال إذا كان طريقهما واحدا شركاء لم يقتسموا فإذا صرفت الطرق وعرفت الحدود فلا شفعة.
وهذا هو الذي اختاره الحارثي لا كما ظنه الزركشي من أنه اختار الشفعة للجار مطلقا.
فإن الحارثي قال ومن الناس من قال بالجواز لكن بقيد الشركة في الطريق.
وذكر ظاهر كلام الإمام أحمد المتقدم ثم قال وهذا الصحيح الذي يتعين المصير إليه.
ثم ذكر أدلته وقال في هذا المذهب جمعا بين الأخبار دون غيره فيكون أولى بالصواب.
255

فوائد
منها شريك المبيع أولى من شريك الطريق على القول بالأخذ قاله الحارثي.
ومنها عدم الفرق في الطريق بين كونه مشتركا بملك أو باختصاص قدمه الحارثي وقال ومن الناس من قال المعتبر شركة الملك لا شركة الاختصاص وهو الصحيح.
ومنها لو بيعت دار في طريق لها درب في طريق لا ينفذ فالأشهر تجب إن كان للمشتري طريق غيره أو أمكن فتح بابه إلى شارع قاله في الفروع وجزم به في التلخيص وغيره وقدمه في الشرح وغيره.
وقيل لا شفعة بالشركة فيه فقط ومال إليه المصنف والشارح.
وقيل بلى وأطلقهما في الفروع.
وإن كان نصيب المشتري فوق حاجته ففي الزائد وجهان اختار القاضي وبن عقيل وجوب الشفعة في الزائد.
وقال المصنف في المغني والصحيح لا شفعة وصححه الشارح وأطلقهما الحارثي في شرحه والفروع.
وكذا دهليز الجار وصحن داره قاله في الفروع والحارثي والمصنف والشارح.
ومنها لا شفعة بالشركة في الشرب مطلقا وهو النهر أو البئر يسقى أرض هذا وأرض هذا فإذا باع أحدهما أرضه فليس للآخر الأخذ بحقه من الشرب قاله الحارثي وغيره ونص عليه.
قوله (ولا شفعة فيما لا تجب قسمته كالحمام الصغير والبئر والطرق والعراص الضيقة ولا ما ليس بعقار كالشجر والحيوان).
256

والبناء المفرد وكالجوهرة والسيف ونحوهما في إحدى الروايتين.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والرعاية الكبرى.
إحداهما لا شفعة فيه وهو الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال المصنف والشارح وهذا ظاهر المذهب.
قال في الرعاية الكبرى أظهرهما لا شفعة فيه.
قال في المستوعب والتلخيص والبلغة والفروع والفائق والحاوي الصغير لا شفعة فيه في أصح الروايتين.
وصححه في التصحيح وجزم به في الخلاصة والوجيز وغيرهما وقدمه في الكافي والمحرر والرعاية الصغرى وغيرهم.
والرواية الثانية فيه الشفعة.
اختاره بن عقيل وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين رحمه الله.
قال الحارثي وهو الحق.
وعنه تجب في كل مال حاشا منقولا لا ينقسم.
قال في الرعاية الكبرى وقيل تجب في زرع وثمر مفرد.
فعلى المذهب يؤخذ البناء والغراس تبعا للأرض كما تقدم.
قال المصنف قال الحارثي لا خلاف فيهما على كلتا الروايتين.
زاد في الرعاية مما يدخل تبعا النهر والبئر والقناة والرحى والدولاب.
فائدة المراد بما ينقسم ما تجب قسمته إجبارا وفيه روايتان.
إحداهما ما ينتفع به مقسوما منفعته التي كانت ولو على تضايق كجعل البيت بيتين.
قال في التلخيص وهو الأظهر.
قال الخرقي وينتفعان به مقسوما
257

قال الحارثي وإيراد المصنف هنا يقتضي التعويل على هذه الرواية دون ما عداها لأنه مثل ما لا تجب قسمته بالحمام والبئر الصغيرين والطرق والعراص الضيقة وكذلك أبو الخطاب في كتابه انتهى.
قال الحارثي وهو أشهر عن الإمام أحمد رحمه الله وأصح وجزم به في العمدة في باب القسمة.
قال في التلخيص ويحتمل أن يكون أي منفعة كانت ولو كانت بالسكنى وهو ظاهر إطلاقه في المجرد انتهى.
والرواية الثانية ما ذكرنا أو أن لا تنقص القيمة بالقسمة نقصا بينا نقله الميموني.
واعتبار النقص هو ما مال إليه المصنف وأبو الخطاب في باب القسمة وأطلقهما في شرح الحارثي.
ويأتي ذلك في كلام المصنف في باب القسمة بأتم من ذلك محررا.
قوله (ولا تؤخذ الثمرة والزرع تبعا في أحد الوجهين).
وهو المذهب اختاره القاضي والمصنف والشارح.
قال الحارثي وهو قول أبي الخطاب في رؤوس المسائل وبن عقيل والشريف أبو جعفر في آخرين انتهى.
وصححه في التصحيح والنظم واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الكافي والرعاية الكبرى والفروع.
والوجه الثاني تؤخذ تبعا كالبناء والغراس وهو احتمال في الهداية.
قال في المستوعب والتلخيص وقال أبو الخطاب تؤخذ الثمار وعليه يخرج الزرع.
قال الحارثي واختاره القاضي قديما في رؤوس المسائل وأطلقهما في المذهب والخلاصة والرعاية الصغرى والفائق.
258

وظاهر الهداية والمستوعب والحاوي الصغير الإطلاق.
وأكثرهم إنما حكى الاحتمال أو الوجه في الثمر وخرج منه إلى الزرع.
وقيد المصنف الثمرة بالظاهرة وأن غير الظاهرة تدخل تبعا مع أنه قال في المغني إن اشتراه وفيه طلع لم يؤبر فأبره لم يأخذ الثمرة وإنما يأخذ الأرض والنخل بحصته كما في شقص وسيف.
وكذا ذكر غيره إذا لم يدخل فإنه يأخذ الأصل بحصته.
فائدة لو كان السفل لشخص والعلو مشتركا والسقف مختص بصاحب السفل أو مشتركا بينه وبين أصحاب العلو فلا شفعة في السقف لأنه لا أرض له فهو كالأبنية المفردة.
وإن كان السقف لأصحاب العلو ففيه الشفعة لأن قراره كالأرض قدمه في التلخيص والرعاية الكبرى والفائق.
وفيه وجه آخر أنه لا شفعة فيه لأنه غير مالك للسفل وإنما له عليه حق فأشبه مستأجر الأرض خرجه بعض الأصحاب قاله في التلخيص وقال فاوضت فيها بعض أصحابنا وتقرر حكمها بيني وبينه على ما بينت.
وهذا الوجه قدمه في المغني فقال وإن بيعت حصة من علو دار مشترك نظرت فإن كان السقف الذي تحته لصاحب السفل فلا شفعة في العلو لأنه بناء منفرد وإن كان لصاحب العلو فكذلك لأنه بناء منفرد لكونه لا أرض له فهو كما لو لم يكن السقف له.
ويحتمل ثبوت الشفعة لأن له قرارا فهو كالسفل انتهى.
وقدمه أيضا الشارح وبن رزين وأطلقهما في شرح الحارثي.
ولو باع حصته من علو مشترك على سقف لمالك السفل فقال في المغني والشرح والتلخيص وغيرهم لا شفعة لشريك العلو لانفراد البناء واقتصر عليه الحارثي.
259

وإن كان السقف مشتركا بينه وبين أصحاب العلو فكذلك قاله في التلخيص وغيره.
وإن كان السفل مشتركا والعلو خالصا لأحد الشريكين فباع العلو ونصيبه من السفل فللشريك الشفعة في السفل لا في العلو لعدم الشركة فيه.
قوله (الثالث المطالبة بها على الفور).
هذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم ونص عليه بل هو المشهور عنه.
وعنه أنها على التراخي ما لم يرض كخيار العيب اختاره القاضي يعقوب قاله الحارثي وغيره.
وحكى جماعة وعدهم رواية بثبوتها على التراخي لا تسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضى أو دليله كالمطالبة بقسمة أو بيع أو هبة نحو بعنيه أو هبه لي أو قاسمني أو بعه لفلان أو هبه له انتهى والتفريع على الأول.
قوله (ساعة يعلم).
نص عليه هذا المذهب أعني أن المطالبة على الفور ساعة يعلم نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وجزم به بن البنا في خصاله والعمدة والوجيز ومنتخب الأزجي وغيرهم.
وقدمه في الهداية ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والهادي والتلخيص والمحرر والشرح
والرعايتين والنظم وشرح بن منجا والحارثي والفروع والفائق وإدراك الغاية وغيرهم.
نقل بن منصور لا بد من طلبها حين يسمع حتى يعلم طلبه ثم له أن يخاصم ولو بعد أيام قاله في الفروع وغيره.
وقال القاضي له طلبها في المجلس وإن طال وهو رواية عن الإمام أحمد.
260

واختارها بن حامد أيضا وأكثر أصحاب القاضي منهم الشريفان أبو جعفر والزيدي وأبو الخطاب في رؤوس المسائل وبن عقيل والعكبري وغيرهم.
قال الحارثي وهذا يتخرج من نص الإمام أحمد رحمه الله على مثله في خيار المجبرة ومن غيره.
قال وهذا متفرع على القول بالفورية كما في التمام وفي المغني لأن المجلس كله في معنى حالة العقد بدليل التقابض فيه لما يعتبر له القبض ينزل منزلة حالة العقد ولكن إيراده هنا مشعر بكونه قسيما للفورية انتهى.
قال في الفروع اختاره الخرقي وبن حامد والقاضي وأصحابه.
قلت ليس كما قال عن الخرقي بل ظاهر كلامه وجوب المطالبة ساعة يعلم فإنه قال ومن لم يطالب بالشفعة في وقت علمه بالبيع فلا شفعة له انتهى وأطلقهما في المذهب.
تنبيهان
أحدهما قال الحارثي وفي جعل هذا شرطا إشكال وهو أن المطالبة بالحق فرع ثبوت ذلك الحق ورتبة ذلك الشرط تقدمه على المشروط فكيف يقال بتقدم المطالبة على ما هو أصل له هذا خلف.
أو نقول اشتراط المطالبة يوجب توقف الثبوت عليها ولا شك في توقف المطالبة على الثبوت فيكون دورا.
والصحيح أنه شرط لاستدامة الشفعة لا لأصل ثبوت الشفعة ولهذا قال فإن أخره سقطت شفعته انتهى.
الثاني كلام المصنف وغيره مقيد بما إذا لم يكن عذر فإن كان عذر مثل أن لا يعلم أو علم ليلا فأخره إلى الصبح أو أخره لشدة جوع أو عطش حتى أكل أو شرب أو أخره لطهارة أو إغلاق باب أو ليخرج من الحمام أو
261

ليقضي حاجته أو ليؤذن ويقيم ويأتي بالصلاة وسنتها أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها ونحو ذلك.
وفي التلخيص احتمال بأنه يقطع الصلاة إلا أن تكون فرضا.
قال الحارثي وليس بشيء وهو كما قال فلا تسقط إلا أن يكون المشتري حاضرا عنده في هذه الأحوال فمطالبته ممكنة ما عدا الصلاة وليس عليه تخفيفها ولا الاقتصار على أقل ما يجزئ.
ثم إن كان غائبا عن المجلس حاضرا في البلد فالأولى أن يشهد على الطلب ويبادر إلى المشتري بنفسه أو بوكيله.
فإن بادر هو أو وكيله من غير إشهاد فالصحيح من المذهب أنه على شفعته صححه في التلخيص وشرح الحارثي وغيرهما.
قال الحارثي وهو ظاهر إيراد المصنف في آخرين.
وقيل يشترط الإشهاد واختاره القاضي في الجامع الصغير.
ويأتي هل يملك الشفيع الشقص بمجرد المطالبة أم لا عند قوله وإن مات الشفيع بطلت الشفعة.
وأما إن تعذر الإشهاد سقط بلا نزاع والحالة هذه لانتفاء التقصير.
وإن اقتصر على الطلب مجردا عن مواجهة المشتري قال الحارثي فالمذهب الإجزاء.
قال وكذلك قال أبو الحسن بن الزاغوني في المبسوط ونقلته من خطه فقال الذي نذهب إليه أن ذلك يغني عن المطالبة بمحضر الخصم فإن ذلك ليس بشرط في صحة المطالبة.
وهو ظاهر ما نقله أبو طالب عن الإمام أحمد رحمه الله وهو قياس المذهب أيضا وهو ظاهر كلام أبي الخطاب في رؤوس مسائله والقاضي أبي الحسين في تمامه.
262

وصرح به في المحرر لكن بقيد الإشهاد وهو المنصوص من رواية أبي طالب والأثرم وهذا اختيار أبي بكر.
وإيراد المصنف هنا يقتضي عدم الإجزاء وأن الواجب المواجهة ولهذا قال فإن ترك الطلب والإشهاد لعجزه عنهما كالمريض والمحبوس فهو على شفعته.
ومعلوم أنهما لا يعجزان عن مناطقة أنفسهما بالطلب.
وقد صرح به في العمدة فقال إن أخرها يعني المطالبة بطلت شفعته إلا أن يكون عاجزا عنها لغيبة أو حبس أو مرض فيكون على شفعته متى قدر عليها انتهى كلام الحارثي.
قوله (فإن أخره سقطت شفعته).
يعني على الصحيح من المذهب.
وقد تقدمت رواية بأنه على التراخي.
قوله (إلا أن يعلم وهو غائب فيشهد على الطلب بها ثم إن أخر الطلب بعد الإشهاد عند إمكانه أو لم يشهد لكنه سار في طلبها فعلى وجهين).
شمل كلامه مسألتين.
إحداهما أن يشهد على الطلب حين يعلم ويؤخر الطلب بعده مع إمكانه فأطلق في سقوط الشفعة بذلك وجهين وأطلقهما في النظم والرعايتين والفروع والفائق وشرح بن منجا.
إحداهما لا تسقط الشفعة بذلك وهو المذهب نصره المصنف والشارح وهو ظاهر كلام الخرقي وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية
263

والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والحارثي وقال هذا المذهب.
والوجه الثاني تسقط إذا لم يكن عذر اختاره القاضي وبن عبدوس في تذكرته وهو احتمال في الهداية.
تنبيهان
أحدهما حكى المصنف في المغني ومن تبعه أن السقوط قول القاضي.
قال الحارثي ولم يحكه أحد عن القاضي سواه والذي عرفت من كلام القاضي خلافه.
ونقل كلامه من كتبه ثم قال والذي حكاه في المغني عنه إنما قاله في المجرد فيما إذا لم يكن أشهد على الطلب وليس بالمسألة نبهت عليه خشية أن يكون أصلا لنقل الوجه الذي أورده انتهى.
الثاني قال بن منجا في شرحه واعلم أن المصنف قال في المغني وإن أخر القدوم بعد الإشهاد بدل قوله وإن أخر الطلب بعد الإشهاد وهو صحيح لأنه لا وجه لإسقاط الشفعة بتأخير الطلب بعد الإشهاد لأن الطلب حينئذ لا يمكن بخلاف القدوم فإنه ممكن وتأخير ما يمكن لإسقاطه الشفعة وجه بخلاف تأخير ما لا يمكن انتهى.
وكذلك الحارثي مثل بما لو تراخى السير انتهى.
فعلى كلا الوجهين إذا وجد عذر مثل أن لا يجد من يشهده أو وجد من لا تقبل شهادته كالمرأة والفاسق ونحوهما أو وجد من لا يقدم معه إلى موضع المطالبة لم تسقط الشفعة.
وإن لم يجد إلا مستوري الحال فلم يشهدهما فهل تبطل شفعته أم لا فيه احتمالان وأطلقهما في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع.
264

قلت الصواب أنها لا تسقط شفعته لأن الصحيح من المذهب أن شهادة مستوري الحال لا تقبل فهما كالفاسق بالنسبة إلى عدم قبول شهادتهما فإن أشهدهما لم تبطل شفعته ولو لم تقبل شهادتهما.
وكذلك إن لم يقدر إلا على شاهد واحد فأشهده أو ترك إشهاده.
قال المصنف والشارح قال الحارثي وإن وجد عدلا واحدا ففي المغني إشهاده وترك إشهاده سواء قال وهو سهو فإن شهادة الواحد معمول بها مع يمين الطالب فتعين اعتبارها.
ولو قدر على التوكيل فلم يوكل فهل تسقط شفعته فيه وجهان وأطلقهما في الفروع.
أحدهما لا تبطل وهو المذهب نصره المصنف والشارح.
والوجه الثاني تبطل اختاره القاضي وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
فائدة لفظ الطالب أنا طالب أو مطالب أو آخذ بالشفعة أو قائم على الشفعة ونحوه مما يفيد محاولة الأخذ لأنه محصل للغرض.
المسألة الثانية إذا كان غائبا فسار حين علم في طلبها ولم يشهد مع القدرة على الإشهاد فأطلق المصنف في سقوطها وجهين وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والنظم والرعايتين والفروع والفائق والحاوي الصغير والزركشي وغيرهم.
أحدهما تسقط الشفعة وهو المذهب وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية أبي طالب واختاره الخرقي وبن عبدوس في تذكرته.
قال الحارثي عليه أكثر الأصحاب وقدمه في شرح الحارثي والمغني والشرح ونصراه وجزم به في العمدة.
والوجه الثاني لا تسقط بل هي باقية.
265

قال القاضي إن سار عقب علمه إلى البلد الذي فيه المشتري من غير إشهاد احتمل أن لا تبطل شفعته.
فعلى هذا الوجه يبادر إليها بالمضي المعتاد بلا نزاع ولا يلزمه قطع حمام وطعام ونافلة على الصحيح من المذهب.
وقيل بلى وكذا الحكم لو كان غائبا عن المجلس حاضرا في البلد.
تنبيهان
أحدهما قال الحارثي حكى المصنف الخلاف وجهين وكذا أبو الخطاب وإنما هما روايتان.
ثم قال وأصل الوجهين في كلامهما احتمالان أوردهما القاضي في المجرد والاحتمالان إنما أوردهما في الإشهاد على السير للطلب وذلك مغاير للإشهاد على الطلب حين العلم ولهذا قال ثم إن أخر الطلب بعد الإشهاد وعند إمكانه أبى السير للطلب مواجهة فلا يصح إثبات الخلاف في الطلب الأول متلقى عن الخلاف في الطلب الثاني انتهى.
قال الحارثي ولم يعتبر في المحرر إشهادا فيما عدا هذا والإشهاد على الطلب عنده عبارة عن ذلك وهو خلاف ما قال الأصحاب.
وأيضا فالإشهاد على ما قال ليس إشهادا على الطلب في الحقيقة بل هو إشهاد على فعل يتعقبه الطلب.
الثاني استفدنا من قوة كلام المصنف أنه إذا علم وأشهد عليه بالطلب وسار في طلبها عند إمكانه أنها لا تسقط وهو صحيح.
وكذا لو أشهد عليه وسار وكيله وكذا لو تراخى السير لعذر.
فوائد
إحداها لو لقي المشتري فسلم عليه ثم عقبه بالطلب فهو على شفعته قاله الأصحاب.
266

وكذا لو قال بعد السلام بارك الله لك في صفقتك ذكره الآمدي والمصنف وغير واحد وصححه في الرعاية وقدمه في الفروع وكذا لو دعا له بالمغفرة ونحوه وفيهما احتمال تسقط بذلك.
الثانية الحاضر المريض والمحبوس كالغائب في اعتبار الإشهاد فإن ترك ففي السقوط ما مر من الخلاف.
الثالثة لو نسي المطالبة أو البيع أو جهلها فهل تسقط الشفعة فيه وجهان وأطلقهما في الفروع.
قال في المغني إذا ترك الطلب نسيانا له أو للبيع أو تركه جهلا باستحقاقه سقطت شفعته وقدمه في الشرح.
وقاسه هو والمصنف في المغني على الرد بالعيب وفيه نظر.
وفيه وجه آخر أنها لا تسقط.
قلت وهو الصواب.
قال الحارثي وهو الصحيح وقال يحسن بناء الخلاف على الروايتين في خيار المعتقة تحت العبد إذا مكنته من الوطء جهلا بملكها للفسخ على ما يأتي.
وإن أخره جهلا بأن التأخير مسقط فإن كان مثله لا يجهله سقطت لتقصيره وإن كان مثله يجهله فقال في التلخيص يحتمل وجهين.
أحدهما لا تسقط.
قال الحارثي وهو الصحيح وجزم به في الرعاية والنظم والفائق.
قلت وهو الصواب.
والوجه الثاني تسقط.
ويأتي في كلام المصنف إذا باع الشفيع ملكه قبل علمه.
ولو قال له بكم اشتريت أو اشتريت رخيصا فهل تسقط الشفعة فيه وجهان وأطلقهما في التلخيص والرعاية والفروع.
267

قلت قواعد المذهب تقتضي سقوطها مع علمه.
قوله (وإن ترك الطلب لكون المشتري غيره فتبين أنه هو فهو على شفعته).
وهذا المذهب جزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي وبن منجا والتلخيص والرعايتين والحاوي الصغير والفائق وتذكرة بن عبدوس وغيرهم.
وفيه وجه آخر أنها تسقط وأطلقهما في الفروع.
قوله (وإن أخبره من يقبل خبره فلم يصدقه سقطت شفعته).
إذا أخبره عدل واحد فلم يصدقه سقطت شفعته.
على الصحيح من المذهب جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والتلخيص والرعايتين والفائق والحاوي الصغير وغيرهم.
واختاره بن عبدوس في تذكرته.
وقيل لا تسقط وهو وجه ذكره الآمدي والمجد وصححه الناظم وهما احتمالان لابن عقيل والقاضي.
قال في التلخيص بناء على اختلاف الروايتين في الجرح والتعديل والرسالة هل يقبل منها خبر الواحد أم يحتاج إلى اثنين.
قلت الصحيح من المذهب أنه لا بد فيها من اثنين على ما يأتي في باب طريق الحكم وصفته في كلام المصنف.
والذي يظهر أنهما ليسا مبنيان عليهما لأن الصحيح هنا غير الصحيح هناك وأطلقهما في المحرر والفروع.
268

تنبيهان
أحدهما المرأة كالرجل والعبد كالحر على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وقال القاضي هما كالفاسق وقدمه في الفائق.
قال الحارثي وإلحاق العبد بالمرأة والصبي غلط لكونه من أهل الشهادة بغير خلاف في المذهب انتهى.
وإن أخبره مستور الحال سقطت قدمه في الفائق.
وقيل لا تسقط وأطلقهما في الفروع.
وإن أخبره فاسق أو صبي لم تسقط شفعته.
إذا علمت ذلك فإذا ترك تكذيبا للعدل أو العدلين على ما مر بطلت شفعته.
قال الحارثي هذا ما أطلق المصنف هنا وجمهور الأصحاب.
قال ويتجه التقييد بما إذا كانت العدالة معلومة أو ظاهرة لا تخفى على مثله.
أما إن جهل أو كانت بمحل الخفاء أو التردد فالشفعة باقية لقيام العذر.
هذا كله إذا لم يبلغ الخبر حد التواتر أما إن بلغ فتبطل الشفعة بالترك ولا بد وإن كانوا فسقة على ما لا يخفى انتهى.
التنبيه الثاني محل ما تقدم إذا لم يصدقه.
أما إن صدقه ولم يطالب بها فإنها تسقط سواء كان المخبر ممن لا يقبل خبره أو يقبل لأن العلم قد يحصل بخبر من لا يقبل خبره لقرائن قطع به المصنف والشارح وغيرهما.
قوله (أو قال للمشتري بعني ما اشتريت أو صالحني سقطت شفعته).
إذا قال للمشتري بعني ما اشتريت أو هبه لي أو ائتمني عليه سقطت
269

شفعته على الصحيح من المذهب وقطع به الأصحاب منهم صاحب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والنظم والوجيز وغيرهم والحارثي وقال يقوى عندي انتفاء السقوط كقول أشهب صاحب الإمام مالك رحمهما الله.
وإن قال صالحني عليه سقطت شفعته أيضا على الصحيح من المذهب قطع به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والوجيز وغيرهم.
وقدمه في المغني والشرح ونصراه هنا وجزم به في الشرح في باب الصلح.
وكذا جزم به هناك صاحب التلخيص وغيره.
قال في الرعايتين والحاويين تسقط الشفعة في أصح الوجهين.
وقيل لا تسقط اختاره القاضي وبن عقيل قاله الحارثي وأطلقهما في المحرر والفروع والفائق هناك وأطلقهما في النظم أيضا.
وتقدم ذلك في باب الصلح.
تنبيه محل الخلاف في سقوط الشفعة وهو واضح.
أما الصلح عنها بعوض فلا يصح قولا واحدا قاله الأصحاب وجزم به المصنف وغيره في باب الصلح.
فائدة لو قال بعه ممن شئت أو وله إياه أو هبه له ونحو هذا بطلت الشفعة.
وكذا لو قال اكرنى أو ساقني أو اكترى منه أو ساقاه.
وإن قال إن باعني وإلا فلي الشفعة فهو كما لو قال بعني قدمه الحارثي.
وقال ويحتمل أنه إن لم يبعه أنها لا تسقط.
ولو قال له المشتري بعتك أو وليتك فقبل سقطت.
270

قوله (وإن دل في البيع أو توكل لأحد المتبايعين فهو على شفعته).
وإن دل على البيع أي صار دلالا وهو السفير في البيع فهو على شفعته قولا واحدا وإن توكل لأحد المتبايعين فهو على شفعته أيضا على الصحيح من المذهب جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والخلاصة والمحرر والوجيز والرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم واختاره الشريف وغيره.
قال الحارثي قال الأصحاب لا تبطل شفعته منهم القاضي في المجرد وغيره.
قال في الفروع لا تسقط بتوكيله في الأصح وقدمه في المغني والشرح ونصراه.
وقيل تسقط الشفعة بذلك.
وقيل لا تسقط إذا كان وكيلا للبائع.
وقيل لا تسقط إذا كان وكيلا للمشتري اختاره القاضي قاله المصنف.
قال الحارثي وحكاية القاضي يعقوب عدم السقوط وكذا هو في المجرد وغيره.
وهذا وأمثاله غريب من الحارثي فإنه إذا لم يطلع على المكان الذي نقل منه المصنف تكلم في ذلك واعترض على المصنف وهذا غير لائق فإن المصنف ثقة والقاضي وغيره له أقوال كثيرة في كتبه وقد تكون في غير أماكنها.
وقد تقدم له نظير ذلك في مسائل.
قال الحارثي ومن الأصحاب من قال في صورة البيع ينبني على اختلاف الرواية في الشراء من نفسه إن قلنا لا فلا شفعة وإن قلنا نعم فنعم.
قوله (وإن أسقط الشفعة قبل البيع لم تسقط).
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح والفروع وشرح الحارثي وغيرهم.
271

قال الزركشي عليه الأصحاب.
ويحتمل أن تسقط وهو رواية عن الإمام أحمد ذكرها أبو بكر في الشافي واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وصاحب الفائق وأطلقهما في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير والفائق والقواعد.
قوله (وإن ترك الولي شفعة للصبي فيها حظ لم تسقط وله الأخذ بها إذا كبر وإن تركها لعدم الحظ فيها سقطت).
هذا أحد الوجوه اختاره بن حامد والشيخ تقي الدين وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والوجيز وقدمه في النظم.
قال الحارثي هذا ما قاله الأصحاب.
قال الزركشي اختاره بن حامد وتبعه القاضي وعامة أصحابه.
وقيل تسقط مطلقا وليس للولد الأخذ إذا كبر اختاره بن بطة وكان يفتي به نقله عنه أبو حفص وجزم به في المنور.
وقيل لا تسقط مطلقا وله الأخذ بها إذا كبر وهو المذهب نص عليه وهو ظاهر كلام الخرقي.
قال في المحرر اختاره الخرقي.
قال في الخلاصة وإذا عفا ولي الصبي عن شفعته لم تسقط وقدمه في المحرر والفائق.
قال الحارثي هذا المذهب عندي وإن كان الأصحاب على خلافه لنصه في خصوص المسألة على ما بينا.
قال في الفروع فنصه لا تسقط وقيل بلى.
وقيل مع عدم الحظ وأطلقهن بن حمدان في الرعاية الكبرى والزركشي.
فوائد
منها لو بيع شقص في شركة حمل فالأخذ له متعذر إذ لا يدخل في
272

ملكه بذلك قاله الحارثي وقدمه قال في القاعدة الرابعة والثمانين ومنها الأخذ للحمل بالشفعة إذا مات مورثه بعد المطالبة قال الأصحاب لا يؤخذ له.
ثم منهم من علل بأنه لا يتحقق وجوده ومنهم من علل بانتفاء ملكه.
قال ويتخرج وجه آخر بالأخذ له بالشفعة بناء على أن له حكما وملكا انتهى.
وقال في المغني والشرح إذا ولد وكبر فله الأخذ إذا لم يأخذ له الولي كالصبي.
ومنها لو أخذ الولي بالشفعة ولا حظ فيها لم يصح الأخذ على الصحيح من المذهب والروايتين وإلا استقر أخذه.
ومنها لو كان الأخذ أحظ للولد لزم وليه الأخذ قاله المصنف والشارح وقطع به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم ذكروه في آخر باب الحجر.
قال الحارثي عليه الأصحاب.
وقال الزركشي وقال غير المصنف له الأخذ من غير لزوم.
وكأنه لم يطلع على ما قالوه في الحجر في المسألة بخصوصها.
وعلى كلا القولين يستقر أخذه ويلزم في حق الصبي.
ولو تركها الولي مصلحة إما لأن الشراء وقع بأكثر من القيمة أو لأن الثمن يحتاج إلى إنفاقه أو صرفه فيما هو أهم أو لأن موضعه لا يرغب في مثله أو لأن أخذه يؤدي إلى بيع ما إبقاؤه أولى أو إلى استقراض ثمنه ورهن ماله أو إلى ضرر وفتنة ونحو ذلك فالترك متعين.
وهل يسقط به الأخذ عند البلوغ وهو مقصود المسألة.
قال المصنف عن بن حامد نعم واختاره بن بطة وأبو الفرج الشيرازي ومال إليه في المستوعب.
273

قال بن عقيل وهو أصح عندي.
قال في الفروع لم يصح على الأصح.
قال القاضي في المجرد ويحتمل عدم السقوط ومال إليه وقال هو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية بن منصور واختار الحارثي.
وقال أبو بكر في التنبيه يحكم للصغير بالشفعة إذا بلغ ونحوه عبارة بن أبي موسى وتقدم معنى ذلك قبل ذلك.
ومنها لو عفا الولي عن الشفعة التي فيها حظ له ثم أراد أخذها فله ذلك في قياس المذهب قاله المصنف والشارح.
قلت فقد يعايى بها.
ولو أراد الولي الأخذ في ثاني الحال وليس فيها مصلحة لم يملكه لاستمرار المانع.
وإن تجدد الحظ فإن قيل بعدم السقوط أخذ لقيام المقتضى وانتفاء المانع وإن قيل بالسقوط لم يأخذ بحال لانقطاع الحق بالترك ذكره المصنف وغيره.
ومنها حكم ولي المجنون المطبق والسفيه حكم ولي الصغير قاله الأصحاب.
تنبيه المطبق هو الذي لا ترجى إفاقته حكاه بن الزاغوني وقال هو الأشبه بالصحة وبأصول المذهب لأن شيوخنا الأوائل قالوا في المعضوب الذي يجزئ أن يحج عنه هو الذي لا يرجى برؤه.
وحكى عن قوم تحديد المطبق بالحول فما زاد قياسا على تربص العنة.
وعن قوم التحديد بالشهر وما نقص ملحق بالإغماء ذكر ذلك الحارثي.
ومنها حكم المغمى عليه والمجنون غير المطبق حكم المحبوس والغائب ينتظر إفاقتهما.
274

ومنها للمفلس الأخذ بها والعفو عنها وليس للغرماء إجباره على الأخذ بها ولو كان فيها حظ قطع به المصنف والشارح وغيرهما.
قال الحارثي ويتخرج من إجباره على التكسب إجباره على الأخذ إذا كان أحظ للغرماء انتهى.
وليس لهم الأخذ بها.
ومنها للمكاتب الأخذ والترك وللمأذون له من العبيد الأخذ دون الترك وإن عفا السيد سقطت.
ويأتي آخر الباب هل يأخذ السيد بالشفعة من المكاتب والعبد المأذون له.
فائدة قوله الشرط الرابع أن يأخذ جميع المبيع.
قال الحارثي هذا الشرط كالذي قبله من كونه ليس شرطا لأصل استحقاق الشفعة فإن أخذ الجميع أمر يتعلق بكيفية الأخذ والنظر في كيفية الأخذ فرع استقراره فيستحيل جعله شرطا لثبوت أصله.
قال والصواب أن يجعل شرطا للاستدامة كما في الذي قبله انتهى.
قوله (فإن كانا شفيعين فالشفعة بينهما على قدر ملكيهما).
هذا المذهب نص عليه في رواية إسحاق بن منصور وعليه جماهير الأصحاب.
قال المصنف في المغني والكافي والشارح وغيرهم هذا ظاهر المذهب.
قال الحارثي المذهب عند الأصحاب جميعا تفاوت الشفعة بتفاوت الحصص.
قال في الفائق الشفعة بقدر الحق في أصح الروايتين.
قال الزركشي هذا الصحيح المشهور من الروايتين وجزم به بن عقيل في تذكرته وصاحب الوجيز وغيرهما.
وقدمه في الفروع وقال اختاره الأكثر.
قلت منهم الخرقي وأبو بكر وأبو حفص والقاضي.
275

قال الزركشي وجمهور أصحابه.
وعنه الشفعة على عدد الرؤوس اختاره بن عقيل فقال في الفصول هذا الصحيح عندي.
وروى الأثرم عنه الوقف في ذلك حكاه الحارثي.
فائدة قوله فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر أن يأخذ إلا الكل أو يترك.
وهذا بلا نزاع وحكاه بن المنذر إجماعا.
وكذا لو حضر أحد الشفعاء وغاب الباقون.
فقال الأصحاب ليس له إلا أخذ الكل أو الترك.
قال الحارثي وإطلاق نص الإمام أحمد رحمه الله ينتظر بالغالب من رواية حنبل يقتضي الاقتصار على حصته.
قال وهذا أقوى والتفريع على الأول.
فقال في التلخيص ليس له تأخير شيء من الثمن إلى حضور الغائبين.
وحكى المصنف والشارح وجهين وأطلقاهما.
أحدهما لا يؤخر شيئا فإن فعل بطل حقه من الشفعة.
والوجه الثاني له ذلك ولا يبطل حقه وهو ما أورده القاضي وبن عقيل.
فإن كان الغائب اثنين وأخذ الحاضر الكل ثم قدم أحدهما أخذ النصف من الحاضر أو العفو.
فإن أخذ ثم قدم الآخر فله مقاسمتهما يأخذ من كل منهما ثلث ما في يده هكذا قال القاضي وبن عقيل والمصنف والشارح وغيرهم وقدمه الحارثي.
وقال بن الزاغوني القادم بالخيار بين الأخذ من الحاضر وبين نقض
276

شفعته في قدر حقه فيأخذ من المشتري إن تراضوا على ذلك وإلا نقض الحاكم كما قلنا ولم يجبر الحاضر على التسليم إلى القادم.
قال وهذا ظاهر المذهب فيما ذكر أصحابنا حكاه في كتاب الشروط.
ثم إن ظهر الشقص مستحقا فعهدة الثلاثة على المشتري قاله القاضي وبن عقيل والمصنف وغيرهم.
وكلام بن الزاغوني يقتضي أن عهدة كل واحد ممن تسلم منه.
وإذا أخذ الحاضر الكل ثم قدم أحدهما وأراد الاقتصار على حصته وامتنع من أخذ النصف فقال أصحابنا له ذلك.
فإذا أخذه ثم قدم الغائب الثاني فإن أخذ من الحاضر سهمين ولم يتعرض للقادم الأول فلا كلام وإن تعرض فقال الأصحاب منهم القاضي والمصنف له أن يأخذ منه ثلثي سهم وهو ثلث ما في يده.
قال الحارثي وللشافعية وجه يأخذ الثاني من الحاضر نصف ما في يده وهو الثلث قال وهو أظهر إن شاء الله.
قوله (فإن كان المشتري شريكا فالشفعة بينه وبين الآخر).
مثال ذلك أن تكون الدار بين ثلاثة فيشتري أحدهم نصيب شريكه فالشقص بين المشتري وشريكه قاله الأصحاب ولا أعلم فيه نزاعا.
لكن قال الحارثي عبر في المتن عن هذا بقوله فالشفعة بينه وبين الآخر.
وكذا عبر أبو الخطاب وغيره وفيه تجوز فإن حقيقة الشفعة انتزاع الشقص من يد من انتقلت إليه وهو متخلف في حق المشتري لأنه الذي انتقل إليه هذا.
قوله (وإذا كانت دارا بين اثنين فباع أحدهما نصيبه لأجنبي صفقتين ثم علم شريكه فله أن يأخذ بالبيعين وله أن يأخذ بأحدهما).
277

قاله الأصحاب منهم القاضي وبن عقيل وغيرهما وهي تعدد العقد.
قوله (فإن أخذ بالثاني شاركه المشتري في شفعته في أحد الوجهين).
وهو الصحيح من المذهب صححه في النظم وشرح الحارثي والتصحيح وجزم به في المستوعب والتلخيص والفائق وقدمه بن رزين في شرحه.
والوجه الثاني لا يشاركه فيها اختاره القاضي وبن عقيل.
وفيه وجه ثالث وهو إن عفا الشفيع عن الأول شاركه في الثاني.
وأطلقهما في المغني والشرح والفروع.
قوله (وإن أخذ بهما لم يشاركه في شفعة الأول بلا نزاع).
وهل يشاركه في شفعة الثاني على وجهين.
وأطلقهما في المغني والشرح وشرح بن منجا والفروع والفائق.
أحدهما يشاركه صححه في التصحيح والنظم.
والوجه الثاني لا يشاركه.
قال الحارثي وهو الأصح.
قلت وهو الصواب.
قوله (وإن اشترى اثنان حق واحد فللشفيع أخذ حق أحدهما).
إذا تعدد المشتري والبائع واحد بأن ابتاع اثنان أو جماعة شقصا من واحد فقال بن الزاغوني في المبسوط نص الإمام أحمد على أن شراء الاثنين من الواحد عقدان وصفقتان فللشفيع إذن أخذ نصيب أحدهما وترك الباقي كما قال المصنف وغيره من الأصحاب وقطع به في الهداية والمذهب والمستوعب
278

والخلاصة والمغني والمحرر والحارثي والشرح والوجيز والفروع وغيرهم من الأصحاب وقدمه في الرعاية والفائق.
وقيل هو عقد واحد فلا يأخذ إلا الكل أو يترك.
فائدتان
إحداهما لو اشترى الواحد لنفسه ولغيره بالوكالة شقصا من واحد فالحكم كذلك لتعدد من وقع العقد له وكذا ما لو كان وكيلا لاثنين واشترى لهما.
وقيل الاعتبار بوكيل المشتري ذكره في الرعاية.
الثانية لو باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة صفقة واحدة فللشفيع الأخذ من الجميع ومن البعض.
فإن أخذ من البعض فليس لمن عداه الشركة في الشفعة.
وإن باع كلا منهم على حدة ثم علم الشفيع فله الأخذ من الكل ومن البعض.
فإن أخذ من الأول فلا شركة للآخرين وإن أخذ من الثاني فلا شركة للثالث وللأول الشركة في أصح الوجهين قاله الحارثي وجزم به في التلخيص وغيره وفي الآخر لا.
وإن أخذ من الثالث ففي شركة الأولين الوجهان.
وإن أخذ من الكل ففي شركة الأول في الثاني والثالث والثاني في الثالث وجهان.
فإن قيل بالشركة والمبيع متساوي فالسدس الأول للشفيع وثلاثة أرباع الثاني وثلاثة أخماس الثالث وللمشتري الأول ربع السدس الثاني وخمس الثالث وللمشتري الثاني الخمس الباقي من الثالث.
وتصح من مائة وعشرين للشفيع مائة وسبعة وللمشتري الأول تسعة والثاني أربعة.
279

وإن قيل بالرؤوس فللمشتري الأول نصف السدس الثاني وثلث الثالث وللثاني الثلث الباقي من الثالث فتصح من ستة وثلاثين للشفيع تسعة وعشرون وللثاني خمسة وللثالث اثنان ذكر ذلك المصنف وغيره واقتصر عليه الحارثي.
قوله (وإن اشترى واحد حق اثنين أو اشترى واحد شقصين من أرضين صفقة واحدة والشريك واحد فللشفيع أخذ حق أحدهما في أصح الوجهين).
ذكر المصنف هنا مسألتين.
إحداهما تعدد البائع والمشتري واحد بأن باع اثنان نصيبهما من واحد صفقة واحدة فللشفيع أخذ أحدهما على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال الحارثي عليه الأصحاب حتى القاضي في المجرد لأنهما عقدان لتوقف نقل الملك عن كل واحد من البائعين على عقد فملك الاقتصار على أحدهما كما لو كانا متعاقبين أو المشتري اثنان وجزم به في الكافي والوجيز وغيرهما وصححه في الخلاصة وشرح حفيده وغيرهما وقدمه في الهداية والتلخيص والمغني والشرح ونصراه وغيرهم.
والوجه الثاني ليس له إلا أخذ الكل أو الترك اختاره القاضي في الجامع الصغير ورؤوس المسائل وأطلقهما في المحرر والرعاية الكبرى.
وقيل له أخذ أحدهما هنا دون التي بعدها جزم به في الفنون وقاسه على تعدد المشتري بكلام يقتضي أنه محل وفاق وأطلقهن في الفروع وهي تعدد البائع.
المسألة الثانية التعدد بتعدد المبيع بأن باع شقصين من دارين صفقة واحدة
280

من واحد فللشفيع أخذهما جميعا وإن أخذ أحدهما فله ذلك على الصحيح من المذهب.
قال الحارثي هذا المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وصححه في الخلاصة وحفيده في شرحه وغيرهما وقدمه
في الهداية والمذهب والمستوعب والكافي والمغني والشرح ونصراه وغيرهم.
وهو من مفردات المذهب جزم به ناظمها.
والوجه الثاني ليس له أخذ أحدهما وهو احتمال في الهداية.
قال بعضهم اختاره القاضي في المجرد وأطلقهما في المحرر والفروع والرعاية وهي تعدد المبيع.
فعلى هذا الوجه إن اختار أحدهما سقطت الشفعة فيهما لترك البعض مع إمكان أخذ الكل وكما لو كان شقصا واحدا.
تنبيه هذا إذا اتحد الشفيع فإن كان لكل واحد منهما شفيع فلهما أخذ الجميع وقسمة الثمن على القيمة وليس لواحد منهما الانفراد بالجميع في أصح الوجهين ذكره المصنف وغيره.
نعم له الاقتصار على ما هو شريك فيه بحصته من الثمن وافقه الآخر بالأخذ أو خالفه.
وخرج المصنف والشارح انتفاء الشفعة بالكلية من مسألة الشقص والسيف.
فائدة بقي معنا للتعدد صورة وهي أن يبيع اثنان نصيبهما من اثنين صفقة واحدة فالتعدد واقع من الطرفين والعقد واحد.
قال الحارثي ولهذا قال أصحابنا هي بمثابة أربع صفقات وجزم به في المغني والشرح.
وقالا هي أربعة عقود إذ عقد الواحد مع الاثنين عقدان فللشفيع أخذ
281

الكل أو ما شاء منهما وذلك خمسة أخيرة أخذ الكل أخذ نصفه وربعه منهما أخذ نصفه منهما أخذ نصفه من أحدهما أخذ ربعه من أحدهما ذكره القاضي وبن عقيل وغيرهما.
وقيل ذلك عقدان قدمه في الرعاية.
قال في الفائق ولو تعدد البائع والمبيع واتحد العقد والمشتري فعلى وجهين.
قوله (وإن باع شقصا وسيفا فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن).
هذا الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب ويحتمل أن لا يجوز.
وهو تخريج لأبي الخطاب في الهداية ومن بعده بناء على تفريق الصفقة.
فائدة أخذ الشفيع للشقص لا يثبت خيار التفريق للمشتري قاله في التلخيص وغيره واقتصر عليه الحارثي.
قوله (وإن تلف بعض المبيع فله أخذ الباقي بحصته من الثمن).
هذا المذهب مطلقا وعليه الأصحاب إلا أن بن حامد اختار أنه إن كان تلفه بفعل الله تعالى فليس له أخذه إلا بجميع الثمن كما نقله المصنف عنه.
فائدة لو تعيب المبيع بعيب من العيوب المنقصة للثمن مع بقاء عينه فليس له الأخذ إلا بكل الثمن أو الترك قطع به المصنف في المغني وصاحب التلخيص والشارح وصاحب الرعايتين والحاوي الصغير.
وفيه وجه آخر له الأخذ بالحصة اختاره القاضي يعقوب.
قال الحارثي وأظن أو أجزم أنه قول القاضي في التعليق قال وهو الصحيح.
282

قوله (الخامس أن يكون للشفيع ملك سابق فإن اشترى اثنان دارا صفقة واحدة فلا شفعة لأحدهما على صاحبه بلا نزاع).
فإن ادعى كل واحد منهما السبق فتحالفا أو تعارضت بينتاهما فلا شفعة لهما.
هذا المذهب في تعارض البينتين على ما يأتي في بابه.
فإن قيل باستعمالهما بالقرعة فمن قرع حلف وقضى له.
وإن قيل باستعمالهما بالقسمة فلا أثر لها ها هنا لأن العين بينهما منقسمة إلا أن تتفاوت الشركة فيفيد التنصيف ولا يمين إذا على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
قوله (ولا شفعة بشركة الوقف في أحد الوجهين).
إذا بيع طلق في شركة وقف فهل يستحقه الموقوف عليه لا يخلو إما أن نقول يملك الموقوف عليه الوقف أو لا.
فإن قلنا يملكه وهو المذهب على ما يأتي فالصحيح من المذهب هنا أنه لا شفعة له جزم به في الوجيز وغيره وقطع به أيضا بن أبي موسى والقاضي وابنه وبن عقيل والشريفان أبو جعفر والزيدي وأبو الفرج الشيرازي في آخرين واختاره المصنف وغيره وصححه في الخلاصة والنظم وقدمه في المغني والشرح والفروع والفائق.
وقال أبو الخطاب له الشفعة.
قال الحارثي وجوب الشفعة على قولنا بالملك هو الحق وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
وأطلقهما في المذهب والمستوعب والمحرر والكافي.
وإن قلنا لا يملك الموقوف عليه الوقف فلا شفعة أيضا على الصحيح من
283

المذهب قطع به الجمهور منهم القاضي وأبو الخطاب وصاحب المحرر والرعاية الصغرى والحاوي الصغير ومن تقدم ذكره في المسألة الأولى وغيرهم وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل له الشفعة قال في الرعاية الكبرى وقيل إن قلنا القسمة إفراز وجبت وإلا فلا انتهى.
اختار في الترغيب إن قلنا القسمة إقرار وجبت هي والقسمة بينهما.
فعلى هذا الأصح يؤخذ بها موقوف جاز بيعه.
قال في التلخيص بعد أن حكى كلام أبي الخطاب المتقدم ويتخرج عندي وإن قلنا يملكه في الشفعة وجهان مبنيان على أنه هل يقسم الوقف والطلق أم لا.
فإن قلنا القسمة إفراز قسم وتجب الشفعة وإن قلنا بيع فلا قسمة ولا شفعة انتهى.
قال في القواعد بعد أن حكى الطريقتين هذا كله مفرع على المذهب في جواز قسمة الوقف من الطلق.
أما على الوجه الآخر بمنع القسمة فلا شفعة إذ لا شفعة في ظاهر المذهب إلا فيما يقبل القسمة من العقار.
وكذلك بنى صاحب التلخيص الوجهين على الخلاف في قبول القسمة انتهى.
تنبيه هذه الطريقة التي ذكرناها وهي إن قلنا الموقوف عليه يملك الوقف وجبت الشفعة أو لا يملك فلا شفعة هي طريقة أبي الخطاب وجماعة.
وللأصحاب طريقة أخرى وهي أن الخلاف جار سواء قلنا يملك الموقوف عليه الوقف أم لا وهي طريقة الأكثرين وهي طريقة المصنف هنا وغيره.
ومنهم من قال إن قلنا بعدم الملك فلا شفعة.
وإن قيل بالملك فوجهان وهي طريقة صاحب المحرر واختاره في التلخيص لكن بناه على ما تقدم.
284

قوله (وإن تصرف المشتري في المبيع قبل الطلب بوقف أو هبة وكذا بصدقة سقطت وكذا لو أعتقه).
نص عليه وقلنا فيه الشفعة على ما تقدم وهذا المذهب في الجميع نص عليه وعليه جماهير الأصحاب.
قال الحارثي وقال أصحابنا إن تصرف بالهبة أو الصدقة أو الوقف بطلت الشفعة وجزم به في الوجيز وغيره وصححه في الخلاصة وغيرها وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والمغني والشرح والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق وناظم المفردات وهو منها.
فقال بعد أن ذكر الوقف والهبة والصدقة.
مهور الأصحاب على هذا النمط * والقاضي قال النص في الوقف فقط.
وقال أبو بكر في التنبيه ولو بنى حصته مسجدا كان البناء باطلا لأنه وقع في غير ملك تام له هذا لفظه.
قال المصنف القياس قول أبي بكر واختاره في الفائق.
قال الحارثي وهو قوي جدا.
وقال حكى القاضي أن أبا بكر قال في التنبيه الشفيع بالخيار بين أن يقره على ما تصرف وبين أن ينقض التصرف فإن كان وقفا على قوم فسخه وإن كان مسجدا نقضه اعتبارا به لو تصرف بالبيع.
قال وتبعه الأصحاب عليه.
ومن ضرورته عدم السقوط مطلقا كما ذكره المصنف هنا عنه.
قال ولم أر هذا في التنبيه إنما فيه ما ذكرنا أولا من بطلان أصل التصرف وبينهما من البون ما لا يخفى انتهى.
وقال في الفائق وخص القاضي النص بالوقف ولم يجعل غيره مسقطا اختاره شيخنا انتهى.
285

قال في الفصول وعنه لا تسقط لأنه شفيع وضعفه بوقف غصب أو مريض مسجدا.
تنبيه قال في القاعدة الرابعة والخمسين صرح القاضي بجواز الوقف والإقدام عليه وظاهر كلامه في مسألة التحيل على إسقاط الشفعة تحريمه وهو الأظهر انتهى.
قلت قد تقدم كلام صاحب الفائق في ذلك في أول الباب.
فائدتان
إحداهما لا يسقط رهنه الشفعة على الصحيح من المذهب وإن سقطت بالوقف والهبة والصدقة قدمه في الفروع ونصره الحارثي.
وقيل الرهن كالوقف والهبة والصدقة جزم به في الكافي والمغني والوجيز وقدمه في الرعاية الكبرى.
قال الحارثي ألحق المصنف الرهن بالوقف والهبة وهو بعيد عن نص الإمام أحمد رحمه الله فإنه أبطل في الصدقة والوقف بالخروج عن اليد والملك والرهن غير خارج عن الملك فامتنع الإلحاق انتهى.
وقال في الفائق وخص القاضي النص بالوقف ولم يجعل غيره مسقطا.
اختاره شيخنا يعني الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وكلام الشيخ يعني به المصنف يقتضي مساواة الرهن والإجارة وكل عقد لا تجب الشفعة فيه للوقف.
قال يعني المصنف ولو جعله صداقا أو عوضا عن خلع انبنى على الوجهين في الأخذ بالشفعة انتهى.
وقدم في الرعاية سقوطها بإجارة وصدقة.
الثانية لو أوصى بالشقص فإن أخذ الشفيع قبل القبول بطلت الوصية واستقر الأخذ ذكره المصنف والشارح والحارثي وغيرهم.
286

وإن طلب ولم يأخذ بعد بطلت الوصية أيضا ويدفع الثمن إلى الورثة لأنه ملكهم وإن كان الموصى له قبل قبل أخذ الشفيع أو طلبه فكما مر في الهبة تنقطع الشفعة بها على المذهب.
قال الحارثي وعلى المحكى عن أبي بكر وإن كان لا يثبت عنه لا تنقطع وهو الحق انتهى.
وهو مقتضى إطلاق المصنف في المغني.
قوله (وإن باع فللشفيع الأخذ بأي البيعين شاء).
هذا المذهب بلا ريب والمشهور عند الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقال بن أبي موسى يأخذه ممن هو في يده وهو ظاهر كلام بن عقيل في التذكرة لأنه قال إذا خرج من يده وملكه كيف يسلم.
وقيل البيع باطل وهو ظاهر كلام أبي بكر في التنبيه قاله في القاعدة الرابعة والعشرين.
وقال في آخر القاعدة الثالثة والخمسين وذكر أبو الخطاب أن تصرف المشتري في الشقص المشفوع يصح ويقف على إجازة الشفيع.
قوله (وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة فللشفيع أخذه إذا تقايلا الشقص ثم علم المشتري إن قلنا الإقالة بيع فله الأخذ من أيهما شاء).
فإن أخذ من المشتري نقض الإقالة ليعود الشقص إليه فيأخذ منه وإن قلنا فسخ فله الشفعة أيضا على الصحيح من المذهب.
قال الحارثي ذكره الأصحاب القاضي وأبو الخطاب وبن عقيل والمصنف في آخرين انتهى.
وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والنظم والمغني والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
287

قال الحارثي ثم ذكر القاضي وبن عقيل والمصنف في كتابيه أنه يفسخ الإقالة ليرجع الشقص إلى المشتري فيأخذ منه.
قال المصنف لأنه لا يمكنه الأخذ معها.
وقال بن أبي موسى للشفيع انتزاعه من يد البائع.
قال الحارثي والأول أولى لأن الاستشفاع الانتزاع من يد المشتري وهذا معنى قوله لا يمكن الأخذ معها.
وقد نص الإمام احمد رحمه الله في رواية بن الحكم على بطلان الشفعة.
وحمله القاضي على أن الشفيع عفا ولم يطالب وتبعه بن عقيل.
قال في المستوعب وعندي أن الكلام على ظاهره ومتى تقايلا قبل.
المطالبة بالشفعة لم تجب الشفعة وكذا قال صاحب التلخيص وزاد فيكون على روايتين.
قال الحارثي والبطلان هو الذي يصح عن الإمام أحمد رحمه الله.
فائدة لو تقايلا بعد عفو الشفيع ثم عن له المطالبة ففي المجرد والفصول إن قيل الإقالة فسخ فلا شيء له وإن قيل هي بيع تجددت الشفعة وأخذ من البائع لتجدد السبب فهو كالعود إليه بالبيع الصريح واقتصر عليه الحارثي.
وإن فسخ البيع بعيب قديم ثم علم الشفيع وطالب مقدما على العيب فقال المصنف هنا له الشفعة كذا قال الأصحاب القاضي وأبو الخطاب وبن عقيل في آخرين.
وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والمغني والشرح والنظم والوجيز وغيرهم وقدمه في المستوعب والتلخيص والفروع وغيرهم.
وعنه ليس له الأخذ إذا فسخ بعيب ذكره في المستوعب والتلخيص أخذا من نصه في رواية بن الحكم في المقايلة.
وأكثرهم حكاه قولا ومال إليه الحارثي.
288

فوائد
منها لو باع شقصا بعبد ثم وجد العبد معيبا فقال في المغني والمجرد والفصول وغيرهم له رد العبد واسترجاع الشقص ولا شيء للشفيع واختار الحارثي ثبوت الشفعة له انتهى.
قال الأصحاب وإن أخذ الشفيع الشقص ثم وجد البائع العيب لم يملك استرداد الشقص لأنه يلزم عنه بطلان عقد آخر.
قلت فيعايى بها.
ولكن يرجع بقيمة الشقص والمشتري قد أخذ من الشفيع قيمة العبد فإن ساوت قيمة العبد فذاك وإن زادت إحداهما على الأخرى ففي رجوع باذل الزيادة من المشتري والشفيع على صاحبه وجهان وأطلقهما في المغني والشرح.
أحدهما يرجع بالزيادة وهو الصحيح من المذهب اختاره القاضي وبن عقيل والمجد وجزم به في الكافي وصححه في الفروع.
والوجه الثاني لا يرجع.
وإن عاد الشقص إلى المشتري بعد دفع قيمته ببيع أو إرث أو هبة أو غيرها ففي المجرد والفصول لا يلزمه الرد على البائع ولا للبائع استرداده.
قال في المغني والشرح ليس للشفيع أخذه بالبيع الأول انتهيا.
وإن أخذ البائع الأرش ولم يرد فإن كان الشفيع أخذ بقيمته صحيحا فلا رجوع للمشترى عليه وإن أخذ بقيمته معيبا فللمشتري الرجوع بما أدى من الأرش ذكره الأصحاب.
ولو عفا البائع مجانا بالقيمة صحيحا ففي المغني والشرح لا يرجع الشفيع على المشتري بشيء واقتصر عليه الحارثي.
وقيل يرجع على المشتري بالأرش وأطلقهما في الفروع.
289

ومنها لو اشترى شقصا بعبد أو بثمن معين وظهر مستحقا فالبيع باطل ولا شفعة وعلى الشفيع رد الشقص إن أخذه وإن ظهر البعض مستحقا بطل البيع فيه وفي الباقي روايتا تفريق الصفقة.
ومنها لو كان الشراء بثمن في الذمة ونقده فخرج مستحقا لم يبطل البيع والشفعة بحالها ويرد الثمن إلى مالكه وعلى المشتري ثمن صحيح فإن تعذر لإعسار أو غيره ففي المغني والشرح للبائع فسخ البيع ويقدم حق الشفيع.
ومنها لو كان الثمن مكيلا أو موزونا فتلف قبل قبضه بطل البيع وانتفت الشفعة فإن كان الشفيع أخذ الشفعة لم يكن لأحد استرداده ذكره المصنف والشارح.
ومنها لو ارتد المشتري وقتل أو مات فللشفيع الأخذ من بيت المال قاله الشارح واقتصر عليه الحارثي.
قوله (أو تحالفا).
يعني إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن ولا بينة وتحالفا وتفاسخا فلا يخلو إما أن يكون قبل أخذ الشفيع أو بعده.
فإن كان قبل أخذ الشفيع وهي مسألة المصنف فللشفيع الأخذ هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا به.
قال الحارثي ويتخرج انتفاء الشفعة من مثله في الإقالة والرد بالعيب على الرواية المحكية وأولى.
فعلى المذهب يأخذه بما حلف عليه البائع لأنه مقر بالبيع بالثمن الذي حلف عليه ومقر له بالشفعة وإن وجد التفاسخ بعد أخذ الشفيع أقر بيد الشفيع وكان عليه للبائع ما حلف عليه.
تنبيه ظاهر قوله وإن أجره أخذه الشفيع وله الأجرة من يوم أخذه.
290

أن الإجارة لا تنفسخ ويستحق الشفيع الأجرة من يوم أخذه بالشفعة وهو أحد الوجوه.
جزم به في الشرح وشرح بن منجا والنظم.
قال الحارثي وفيه إشكال.
والوجه الثاني تنفسخ من حين أخذه وهو المذهب جزم به في المحرر والمنور وتذكرة بن عبدوس وقدمه في الفروع والرعايتين.
قال في الفروع وفي الإجارة في الكافي الخلاف في هبة انتهى وأطلقهما في الحاوي الصغير.
والوجه الثالث للشفيع الخيار بين فسخ الإجارة وتركها.
قال في القاعدة السادسة والثلاثين وهو ظاهر كلام القاضي في خلافه في مسألة إعارة العارية قال وهو أظهر انتهى.
قال الحارثي ويتخرج من الوجه الذي نقول تتوقف صحة الإجارة على إجازة البطن الثاني في الوقف إجازة
الشفيع هنا إن أجازه صح وإلا بطل في حقه بالأولى قال وهذا أقوى انتهى.
وأطلق الأوجه الثلاثة في القواعد ولم يذكر الوجه الثالث في الفروع.
قوله (وإن استغله فالغلة له بلا نزاع).
وإن أخذه الشفيع وفيه زرع أو ثمرة ظاهرة فهي للمشتري مبقاة إلى الحصاد والجداد يعني بلا أجرة وهذا المذهب.
قال المجد في شرح الهداية هذا أصح الوجهين لأصحابنا وجزم به في المغني والشرح وشرح بن منجا والتلخيص والرعايتين والحاوي الصغير والنظم وغيرهم وقدمه في الفروع وشرح الحارثي.
وقيل تجب في الزرع الأجرة من حين أخذ الشفيع واختاره بن عبدوس في تذكرته.
291

قال بن رجب في القواعد وهو أظهر.
قلت وهو الصواب.
وهذا الوجه ذكره أبو الخطاب في الانتصار.
قال في الفروع فيتوجه منه تخريج في الثمرة.
قلت وهو ظاهر بحث بن منجا في شرحه.
قال الحارثي لما علل بكلامه في المغني وهذا بالنسبة إلى وجوب الأجرة للشفيع في المؤجر مشكل جدا فينبغي أن يخرج وجوب الأجرة هنا من وجوبها هناك.
تنبيه مفهوم قوله أو ثمرة ظاهرة.
أن ما لم يظهر يكون ملكا للشفيع وذلك كالشجر إذا كبر والطلع إذا لم يؤبر ونحوهما وهو كذلك قاله الأصحاب منهم القاضي في المجرد وبن عقيل في الفصول والمصنف في الكافي والمغني والشرح وغيرهم.
فائدة لو تأبر الطلع المشمول بالبيع في يد المشتري كانت الثمرة له على الصحيح من المذهب قطع به في المغني والشرح وغيرهما وقدمه الحارثي وفيه وجه هي للشفيع.
قوله (وإن قاسم المشتري وكيل الشفيع أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو نحوه وغرس أو بنى فللشفيع أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء ويملكه أو يقلعه ويضمن النقص).
إذا أبى المشتري أخذ غرسه وبنائه كان للشفيع أخذ الغراس والبناء والحالة هذه وله القلع وضمان النقص على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم وقدمه في الفروع وغيره.
292

قال في الانتصار أو أقره بأجرة فإن أبى فلا شفعة.
قال الحارثي إذا لم يقلع المشتري ففي الكتاب تخيير الشفيع بين أخذ الغراس والبناء بالقيمة وبين قلعه وضمان نقصه وهذا ما قاله القاضي وجمهور أصحابه.
قال ولا أعرفه نقلا عن الإمام أحمد رحمه الله وإنما المنقول عنه روايتان التخيير من غير أرش.
والأخرى وهي المشهورة عنه إيجاب القيمة من غير تخيير وهو ما ذكره الخرقي وبن أبي موسى وبن عقيل في التذكرة وأبو الفرج الشيرازي وهو المذهب.
زاد بن أبي موسى ولا يؤمر المشتري بقلع بنائه انتهى.
قال في الفروع ونقل الجماعة له قيمة البناء ولا يقلعه.
ونقل سندي أله قيمة البناء أم قيمة النقص قال لا قيمة البناء.
فائدة إذا أخذه بالقيمة قال الحارثي يعتبر بذل البناء أو الغراس بما يساويه حين التقويم لا بما أنفق المشتري زاد على القيمة أو نقص ذكره أصحابنا انتهى.
وقال في المغني وتبعه الشارح لا يمكن إيجاب قيمته باقيا لأن البقاء غير مستحق ولا قيمته مقلوعا لأنه لو كان كذلك لملك القلع مجانا ولأنه قد يكون لا قيمة له إذا قلع.
قالا ولم يذكر أصحابنا كيفية وجوب القيمة.
والظاهر أن الأرض تقوم مغروسة ومبنية ثم تقوم خالية فيكون ما بينهما قيمة الغرس والبناء وجزم بهذا بن رزين في شرحه.
قال المصنف والشارح ويحتمل أن يقوم الغرس والبناء مستحقا للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه انتهيا.
293

قوله (فإن اختار أخذه فأراد المشتري وهو صاحبه قلعه فله ذلك إذا لم يكن فيه ضرر).
هذا أحد الوجهين اختاره المصنف والشارح.
وجزم به الخرقي وبن عقيل في التذكرة والآدمي البغدادي وبن منجا في شرحه وصاحب الوجيز.
والصحيح من المذهب أن له القلع سواء كان فيه ضرر أو لا وعليه أكثر الأصحاب.
قال الحارثي ولم يعتبر القاضي وأصحابه الضرر وعدمه.
قال الزركشي وهو ظاهر كلام الأكثرين بل الذي جزموا به له ذلك سواء أضر بالأرض أو لم يضر انتهى.
وقدمه في الفروع والتلخيص والفائق.
تنبيه قال الحارثي وهذا الخلاف الذي أورده من أورده من الأصحاب مطلقا ليس بالجيد بل يتعين تنزيله إما على اختلاف حالين وإما على ما قبل الأخذ وإنما أورده القاضي وبن عقيل في الفصول على هذه الحالة لا غير.
وحيث قيل باعتبار عدم الضرر ففيما بعد الأخذ وهو ظاهر ما أورده في التذكرة.
فائدتان
إحداهما لو قلعه المشتري وهو صاحبه لم يضمن نقص الأرض على الصحيح من المذهب اختاره القاضي وغيره.
قال في الفروع لا يضمن نقص الأرض في الأصح وقدمه في الشرح والفائق وجزم به في الكافي وعلله بانتفاء عدوانه مع أنه جزم في باب العارية بخلافه.
294

وقيل يلزمه وهو ظاهر كلام الخرقي ومال إليه الحارثي وقال والكلام في تسوية الحفر كالكلام في ضمان أرش
النقص وأطلقهما في القاعدة الثامنة والسبعين.
الثانية يجوز للمشتري التصرف في الشقص الذي اشتراه بالغرس والبناء في الجملة وهو ظاهر كلام الأصحاب.
قال في رواية سندي ليس هذا بمنزلة الغاصب.
وقال في رواية حنبل لأنه عمر وهو يظن أنه ملكه وليس كما إذا زرع بغير إذن أهله.
قال الحارثي إنما هذا بعد القسمة والتمييز ليكون التصرف في خالص ملكه أما قبل القسمة فلا يملك الغرس والبناء وللشفيع إذا قلع الغرس والبناء مجانا للشركة لا للشفعة فإن أحد الشريكين إذا انفرد بهذا التصرف كان للآخر القلع مجانا.
قال جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل غرس نخلا في أرض بينه وبين قوم مشاعا قال إن كان بغير إذنهم قلع نخله انتهى.
قلت وهذا لا شك فيه.
قوله (وإن باع الشفيع ملكه قبل العلم لم تسقط شفعته في أحد الوجهين).
وهو المذهب اختاره أبو الخطاب وبن عبدوس في تذكرته.
قال الحارثي هذا أظهر الوجهين.
وصححه في التصحيح والنظم وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة.
والثاني تسقط اختاره القاضي في المجرد وأطلقهما في التلخيص والمحرر والشرح والرعاية والفروع والفائق.
295

فعلى المذهب للبائع الثاني وهو الشفيع أخذ الشقص من المشتري الأول.
فإن عفا عنه فللمشتري الأول أخذ الشقص من المشتري الثاني.
فإن أخذ منه فهل للمشتري الأخذ من الثاني على الوجهين وهو قوله وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع في أصح الوجهين وهو المذهب صححه المصنف والشارح والناظم وصاحب الفائق وجزم به في الوجيز.
والوجه الثاني لا شفعة له وأطلقهما في شرح الحارثي.
وعلى الوجه الثاني في المسألة الأولى لا خلاف في ثبوت الشفعة للمشتري الأول على المشتري الثاني في مبيع الشفيع لسبق شركته على المبيع واستقرار ملكه.
تنبيه مفهوم كلامه إن الشفيع لو باع ملكه بعد علمه أن شفعته تسقط وهو صحيح لا خلاف فيه أعلمه.
لكن لو باع بعضه عالما ففي سقوط الشفعة وجهان وأطلقهما في المغني والشرح والفائق.
أحدهما تسقط.
والثاني لا تسقط لأنه قد بقي من ملكه ما يستحق به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد فكذلك إذا بقي.
قال الحارثي وهو أصح إن شاء الله تعالى لقيام المقتضى وهو الشركة.
وللمشتري الأول الشفعة على المشتري الثاني في المسألة الأولى.
وفي الثانية إذا قلنا بسقوط شفعه البائع الأول وإن قلنا لا تسقط شفعة البائع فله أخذ الشقص من المشتري الأول.
وهل للمشتري الأول شفعة على المشتري الثاني فيه وجهان وأطلقهما في المغني والشرح.
296

أحدهما له الشفعة.
قال المصنف في المغني وهو القياس.
والوجه الثاني لا شفعة له.
فعلى الأول للمشتري الأول الشفعة على المشتري الثاني سواء أخذ منه المبيع بالشفعة أو لم يأخذ وللبائع الثاني إذا باع بعض الشقص الأخذ من المشتري الأول في أحد الوجهين وأطلقهما في المغني والشرح.
فائدة لو باع بعض الحصة جاهلا فإن قيل بالشفعة فيما لو باع الكل في هذه الحال فلا كلام وإن قيل بسقوطها فيه فهنا وجهان أوردهما القاضي وبن عقيل.
وجههما ما تقدم في أصل المسألة.
قال الحارثي والأصح جريان الشفعة بالأولى.
قوله (وإن مات الشفيع بطلت الشفعة إلا أن يموت بعد طلبها فتكون لوارثه).
إذا مات الشفيع فلا يخلو إما أن يكون قد مات قبل طلبها أو بعده.
فإن مات قبل طلبها لم يستحق الورثة الشفعة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه مرارا.
قال في القواعد الفقهية لا تورث مطالبة الشفعة من غير مطالبة ربها على الصحيح من المذهب وله مأخذان.
أحدهما أنه حق له فلا يثبت بدون مطالبته ولو علمت رغبته من غير مطالبته لكفى في الإرث ذكره القاضي في خلافه.
والمأخذ الثاني أن حقه سقط بتركه وإعراضه لا سيما على قولنا إنها على الفور.
297

فعلى هذا لو كان غائبا فللورثة المطالبة وليس ذلك على الأول انتهى.
وقيل للورثة المطالبة وهو تخريج لأبي الخطاب.
ونقل أبو طالب إذا مات صاحب الشفعة فلولده أن يطلبوا الشفعة لمورثهم.
قال في القواعد وظاهر هذا أن لهم المطالبة بكل حال انتهى.
وإن مات بعد أن طالب بها استحقها الورثة وهو المذهب وعليه الأصحاب ولا أعلم فيه خلافا.
وقد توقف في رواية بن القاسم وقال وهو موضع نظر.
وتقدم نظير ذلك في آخر فصل خيار الشرط.
قال الحارثي ثم من الأصحاب من يعلل بإفادة الطلب للملك فيكون الحق موروثا بهذا الاعتبار وهي طريقة القاضي وأبي الخطاب ومن وافقهما على إفادة الملك.
ومنهم من يعلل بأن الطلب مقرر للحق ولهذا لم تسقط بتأخير الأخذ بعده وتسقط قبله وإذا تقرر الحق وجب أن يكون موروثا وهي طريقة المصنف ومن وافقه على أن الطلب لا يفيد الملك وهو مقتضى كلام الإمام أحمد رحمه الله.
تنبيه ظاهر كلام المصنف أن الشفيع لا يملك الشقص بمجرد المطالبة وهو أحد الوجوه فلا بد للتملك من أخذ الشقص أو يأتي بلفظ يدل على أخذه بعد المطالبة بأن يقول قد أخذته بالثمن أو تملكته بالثمن ونحو ذلك وهو اختيار المصنف والشارح وقدمه الحارثي ونصره.
وقال اختاره المصنف وغيره من الأصحاب.
وقيل يملكه بمجرد المطالبة إذا كان مليئا بالثمن وهو المذهب اختاره القاضي وأبو الخطاب وبن عبدوس في تذكرته وقدمه في الفروع والمستوعب والرعايتين والحاوي الصغير.
قال الحارثي وهو قول القاضي وأكثر أصحابه وصاحب التلخيص.
298

فيصح تصرفه قبل قبضه فيه.
وقيل لا يملكه إلا بمطالبته وقبضه.
وقيل لا يملكه إلا بحكم حاكم اختاره بن عقيل وقطع به في تذكرته.
قال الحارثي ويحصل الملك بحكم الحاكم أيضا ذكره بن الصيرفي في نوادره وقال به غير واحد انتهى.
وقيل لا يملكه الا بدفع ثمنه ما لم يصبر مشتريه واختاره بن عقيل أيضا حكاه في المستوعب والتلخيص.
قال في القواعد ويشهد له نص الإمام أحمد رحمه الله إذا لم يحضر المال مدة طويلة بطلت شفعته.
وقال في الرعاية الأصح أن له التصرف قبل قبضه وتملكه.
وقال في التلخيص والترغيب للمشتري حبسه على ثمنه لأن الملك بالشفعة قهري كالميراث والبيع عن رضى.
ويخالفه أيضا في خيار الشرط وكذا خيار مجلس من جهة شفيع بعد تملكه لنفوذ تصرفه قبل قبضه بعد تملكه بإرث.
تنبيه قوله ويأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع عليه العقد.
قال الحارثي فيه مضمر حذف اختصارا وتقديره مثل الثمن أو قدره لأن الأخذ بعين الثمن المأخوذ به للمشتري غير ممكن فتعين الإضمار.
وإذن فالظاهر إرادة الثاني وهو القدر لأنه تعرض لوصف التأجيل والمثلية والتقويم فيما بعد فلو كان المثل مرادا لكان تكريرا لشمول المثل للصفة والذات انتهى.
فوائد
منها تنتقل الشفعة إلى الورثة كلهم على حسب ميراثهم ذكره غير واحد منهم المصنف والشارح والسامري وبن رجب وغيرهم.
299

ومنها لا فرق في الوارث بين ذوي الرحم والزوج والمولى وبيت المال فيأخذ الإمام بها صرح به الأصحاب قاله في القاعدة التاسعة والأربعين بعد المائة.
ومنها إشهاد الشفيع على الطلب حالة العذر يقوم مقام الطلب في الانتقال إلى الورثة.
ومنها شفيعان في شقص عفا أحدهما وطالب الآخر ثم مات فورثه العافي له أخذ الشقص بالشفعة ذكره المصنف وغيره.
قال المصنف وكذا لو قذف رجل أمهما الميتة فعفا أحدهما وطالب الآخر ثم مات فورثه العافي كان له استيفاء الحد بالنيابة عن أخيه إذا قيل بوجوب الحد بقذفها.
قوله (وإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته).
ولو أتى برهن أو ضامن لم يلزم المشتري ولكن ينظر ثلاثا على الصحيح من المذهب حتى يتبين عجزه.
نص عليه وجزم به في الرعاية الصغرى والمحرر والحاوي الصغير والنظم وتذكرة بن عبدوس وقدمه في الفروع والحارثي.
وعنه لا ينظر إلا يومين جزم به في المغني والشرح والتلخيص والمستوعب.
وعنه يرجع في ذلك إلى رأي الحاكم.
قلت وهذا الصواب في وقتنا هذا.
فإذا مضى الأجل فسخ المشتري على الصحيح من المذهب اختاره القاضي والمصنف.
قال الحارثي وهو أصح وقدمه في الفروع.
وقيل إنما يفسخه الحاكم قدمه في الشرح والرعاية والفائق.
وقيل يتبين بطلانه اختاره بن عقيل.
300

قال الحارثي والمنصوص من رواية الحمال بطلان الشفعة مطلقا وهو ما قال في التلخيص والمحرر.
فوائد
الأولى المذهب أن الأخذ بالشفعة نوع بيع لأنه دفع مال لغرض التملك ولهذا اعتبر له العلم بالشقص وبالثمن فلا يصح مع جهالتهما ذكره المصنف وغيره.
قال وله المطالبة بالشفعة مع الجهالة ثم يتعرف مقدار الثمن وذكر احتمالا بجواز الأخذ مع جهالة الشقص بناء على جواز بيع الأعيان الغائبة.
الثانية قال المصنف وغيره إذا أخذ بالشفعة لم يلزم المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن وقاله في التلخيص وغيره وفرق بينه وبين البيع.
الثالثة لو تسلم الشقص والثمن في الذمة فأفلس فقال المصنف وغيره المشتري مخير بين الفسخ والضرب مع الغرماء بالثمن كالبائع إذا أفلس المشتري.
الرابعة في رجوع شفيع بأرش على مشتري عفا عنه بائع وجهان وأطلقهما في الرعاية والفروع.
قلت الصواب عدم الرجوع وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ثم وجدته في المغني والشرح وشرح بن رزين والحارثي قطعوا بذلك.
وتقدم ذلك بعد قوله وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة.
قوله (وإن كان مؤجلا أخذه الشفيع بالأجل إن كان مليئا وإلا أقام كفيلا مليئا وأخذ به).
هذا المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه.
لكن شرط القاضي في الجامع الصغير وغيره وولده أبو الحسين والقاضي يعقوب وأبو الحسن بن بكروس وصف الثقة مع الملاءة فلا يستحق بدونهما.
301

قال الحارثي وليس ببعيد من النص.
فائدة لو أخذ الشفيع بالأجل ثم مات هو أو المشتري وقلنا يحل الدين بالموت حل الثمن عليه ولم يحل على الحي منهما ذكره المصنف وغيره.
فائدة قال الحارثي إطلاق قول المصنف إن كان مؤجلا أخذه بالأجل إن كان مليئا يفيد ما لو لم يتفق طلب الشفيع إلا عند حلول الأجل أو بعده أن يثبت له استئناف الأجل وقطع به ونصره.
قوله (وإن كان الثمن عرضا أعطاه مثله إن كان ذا مثل وإلا قيمته).
اعلم إن الثمن لا يخلو إما أن يكون مثليا أو متقوما فإن كان مثليا انقسم إلى نقد وعرض وأيا ما كان فالمماثلة فيه تتعلق بأمور.
أحدها الجنس فيجب مثله من الجنس كالذهب والفضة والحنطة والشعير والزيت ونحوه وإن انقطع المثل حالة الأخذ انتقل إلى القيمة كما في الغصب حكاه بن الزاغوني محل وفاق.
وفي أصل المسألة رواية أنه يأخذ بقيمة المكيل والموزون تعذر المثل أو لا وأما المذروع كالثياب فقال بن الزاغوني في شروطه القول فيه كالقول في المكيل والموزون إلا أن القول فيه هنا مبني على السلم فيه فحيث صححنا السلم فيه أخذ مثلها إلا على الرواية في أنها مضمونة بالقيمة فيأخذ الشفيع بالقيمة.
وحيث قلنا لا تصح بأخذ القيمة والأولى القيمة انتهى.
قال الحارثي والقيمة اختيار المصنف وعامة الأصحاب.
وأما المعدود كالبيض ونحوه فقال بن الزاغوني ينبني على السلم فيه إن قيل بالصحة ففيه ما في المكيل والموزون وإلا فالقيمة.
الثاني المقدار فيجب مثل الثمن قدرا من غير زيادة ولا نقص فإن وقع
302

العقد على ما هو مقدر بالمعيار الشرعي فذاك وإن كان بغيره كالبيع بألف رطل من حنطة فقال في التلخيص ظاهر كلام أصحابنا أنه يكال ويدفع إليه مثل مكيله لأن الربويات تماثلها بالمعيار الشرعي وكذلك إقراض الحنطة بالوزن قال يكفي عندي الوزن هنا إذ المبذول في مقابلة الشقص وقدر الثمن معياره لا عوضه انتهى.
تنبيه تقدم في الحيل إذا جهل الثمن ما يأخذ.
الثالث الصفة في الصحاح والمكسرة والسود ونقد البلد والحلول وضدها فيجب مثله صفة.
وإن كان متقوما كالعبد والدار ونحوهما فالواجب اعتباره بالقيمة يوم البيع.
وقال في الرعاية يأخذ الشفيع الشقص بما استقر عليه العقد من ثمن مثلي أو قيمة غيره وقت لزوم العقد.
وقيل بل وقت وجوب الشفعة انتهى.
فائدة لو تبايع ذميان بخمر إن قلنا ليست مالا لهم فلا شفعة بحال اختاره القاضي وبن عقيل والمصنف وغيرهم واقتصر عليه الحارثي.
وإن قلنا هي مال لهم فأطلق أبو الخطاب وغيره وجوب الشفعة وكذا قال القاضي وغيره.
ثم قال في المستوعب والتلخيص يأخذ بقيمة الخمر كما لو اتلف على ذمي خمرا.
قوله (وإن اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشتري إلا أن يكون للشفيع بينة).
وهذا بلا نزاع وعليه الأصحاب.
303

لكن لو أقام كل واحد من الشفيع والمشتري بينة بثمنه فقال القاضي وابنه أبو الحسين وأبو الخطاب وبن عقيل والشريف أبو جعفر وأبو القاسم الزيدي وصاحب المستوعب تقدم بينة الشفيع.
قال الحارثي ويقتضيه اطلاق الخرقي والمصنف هنا وجزم به في الرعايتين والحاوي الصغير والمستوعب والهداية والمذهب والخلاصة.
وقيل تتعارضان وهو احتمال في المغني وقدمه بن رزين في شرحه.
وقيل باستعمالهما بالقرعة وأطلقهن في الفروع.
ووجه الحارثي قولا أن القول قول المشتري لأنه قال قول الأصحاب هنا مخالف لما قالوه في بينة البائع والمشتري حيث قدموا بينة البائع لأنه مدع بزيادة وهذا بعينه موجود في المشتري هنا فيحتمل أن يقال فيه بمثل ذلك انتهى.
فوائد
إحداها لو قال المشتري لا أعلم قدر الثمن فالقول قوله ذكره الأصحاب القاضي وبن عقيل والمصنف وغيرهم.
قال القاضي وبن عقيل فيحلف أنه لا يعلم قدره لأن ذلك وفق الجواب وإذن لا شفعة لأنها لا تستحق بدون البدل وإيجاب البدل متعذر للجهالة.
ولو ادعى المشتري جهل قيمة العرض فكدعوى جهل الثمن ذكره المصنف وغيره.
وتقدم التنبيه على ذلك بعد ذكر الحيل أول الباب.
الثانية لو قال البائع الثمن ثلاثة آلاف وقال المشتري ألفان وقال الشفيع ألف وأقاموا البينة فالبينة للبائع على ما تقدم لدعوى الزيادة.
الثالثة لو كان الثمن عرضا واختلف الشفيع والمشتري في قيمته فإن وجد
304

قوم وإن تعذر فالقول قول المشتري مع يمينه قاله المصنف وغيره.
وإن أقاما بينة بقيمته قال الحارثي فالأظهر التعارض ويحتمل تقديم بينة الشفيع.
قوله (وإن قال المشتري اشتريته بألف وأقام البائع بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه بالألف بلا نزاع).
فإن قال المشتري غلطت أو نسيت أو كذبت فهل يقبل قوله مع يمينه على وجهين.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والتلخيص والشرح والفروع والفائق.
أحدهما يقبل قوله.
قال القاضي قياس المذهب عندي يقبل قوله كما لو أخبر في المرابحة ثم قال غلطت بل هنا أولى لأنه قد قامت بينة بكذبه.
قال الحارثي هذا الأقوى.
قال في الهداية لما أطلق الوجهين بناء على المخبر في المرابحة إذا قال غلطت.
وقد تقدم أن أكثر الأصحاب قبلوا قوله في ادعائه غلطا في المرابحة وصححه هنا في التصحيح والنظم وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
والوجه الثاني لا يقبل قدمه بن رزين في شرحه وجزم به في الكافي واختاره بن عقيل.
وهذا المذهب على ما اصطلحناه.
ونقل أبو طالب في المرابحة إن كان البائع معروفا بالصدق قبل قوله وإلا فلا.
305

قال الحارثي فيخرج مثله هنا.
وقال ومن الأصحاب من أبي الإلحاق بمسألة المرابحة.
قال بن عقيل عندي أن دعواه لا تقبل لأن مذهبنا أن الذرائع محسومة وهذا فتح لباب الاستدراك لكل قول يوجب حقا.
ثم فرق بأن المرابحة كان فيها أمينا حيث رجع إليه في الإخبار بالثمن وليس المشتري أمينا للشفيع وإنما هو خصمه فافترقا.
وقال في الرعاية الكبرى وقيل يتحالفان ويفسخ البيع ويأخذه بما حلف عليه البائع لا المشتري.
قوله (فإن ادعى أنك اشتريته بألف فقال بل اتهبته فالقول قوله مع يمينه بلا نزاع).
فإن نكل عنها أو قامت للشفيع بينة فله أخذه ويقال للمشتري إما أن تقبل الثمن وإما أن تبرئ منه.
اعلم أنه إذا ادعى الشفيع على بعض الشركاء دعوى محررة بأنه اشترى نصيبه فله أخذه بالشفعة وأنكر الشريك وقال إنما اتهبته أو ورثته فالقول قوله مع يمينه.
فإن نكل عن اليمين أو قامت بينة للشفيع بالشراء فللشفيع أخذه ودفع الثمن إليه.
فإن قال لا أستحقه فجزم المصنف هنا أن يقال للمشتري إما أن تقبل الثمن وإما أن تبرئ منه كالمكاتب إذا جاء بالنجم قبل وقته وهذا أحد الوجوه.
اختاره القاضي وبن عبدوس في تذكرته وجزم به في النظم والرعايتين والحاوي الصغير على ما يأتي قريبا.
وقيل يبقى في يد الشفيع إلى أن يدعيه المشتري فيدفعه إليه.
306

قال المصنف والشارح وهذا أولى.
قال الحارثي ونقل غيره أنه المذهب.
وقيل يأخذه الحاكم يحفظه لصاحبه إلى أن يدعيه فمتى ادعاه المشتري دفع إليه وأطلقهن في المغني والشرح والفروع والفائق وأطلق الأخيرتين في التلخيص.
تنبيه محل الخلاف عند المصنف والشارح وصاحب الفروع والفائق وغيرهم حيث أصر على الهبة أو الإرث وقامت بينة بالشراء.
ومحل الخلاف عند صاحب الرعايتين والنظم والحاوي الصغير وتذكرة بن عبدوس على قول القاضي فقطع هؤلاء بأن يقال إما أن تقبل الثمن أو تبرئ فإن أبى من ذلك فيأتي الخلاف وهو أنه هل يكون عند الشفيع أو الحاكم.
فقدم في الرعايتين والحاوي الصغير والنظم أنه يكون عند الشفيع.
وقطع بن عبدوس أنه يكون عند الحاكم يحفظه له.
قوله (وإن كانت عوضا في الخلع أو النكاح أو عن دم العمد).
فقال القاضي يأخذه بقيمته.
قال القاضي وبن عقيل قياس قول بن حامد الأخذ بقيمة الشقص وهو الصحيح اختاره بن عبدوس في تذكرته وصاحب الفائق وصححه في النظم وقدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير وقطع به في الهداية.
وقال غيره يأخذه بالدية ومهر المثل اختارها بن حامد حكاه عنه الشريف أبو جعفر وغيره.
ومقتضى قول المصنف أن غير القاضي من الأصحاب قال ذلك وفيه نظر.
وأطلقهما في المحرر والفروع والزركشي.
307

تنبيه هذا الخلاف مفرع على القول بثبوت الشفعة في ذلك وهو قول بن حامد وجماعة على ما تقدم في أول الباب.
وتقدم التنبيه أيضا على الخلاف هناك.
وأما على الصحيح من المذهب فلا يأتي الخلاف.
فائدة تقويم الشقص أو تقويم مقابله على كلا الوجهين معتبر في المهر بيوم النكاح وفي الخلع بيوم البينونة.
وإن كان متعة في طلاق فعلى الأول يأخذ بقيمته وعلى الثاني يأخذ بمهر المثل قاله المصنف والشارح كما في الخلع به.
قال الحارثي ويحتمل أن يأخذ بمتعة مثلها قال وهو الأقرب.
قوله (ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضائه).
نص عليه وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال في القواعد في الفائدة الرابعة وأما الشفعة فلا تثبت في مدة الخيار على الروايتين عند أكثر الأصحاب ونص عليه في رواية حنبل.
فمن الأصحاب من علل بأن الملك لم يستقر.
وعلل القاضي في خلافه بأن الأخذ بالشفعة يسقط حق البائع من الخيار ولذلك لم تجز المطالبة في مدته.
فعلى هذا لو كان الخيار للمشتري وحده ثبتت الشفعة انتهى.
ويحتمل أن تجب مطلقا وهو تخريج لأبي الخطاب يعني إذا قلنا بانتقال الملك.
وقيل تجب في خيار الشرط إذا كان الخيار للمشتري وهو مقتضى تعليل القاضي في خلافه كما قاله في الفوائد عنه.
308

وتقدم ذلك في الخيار في البيع بعد قوله وينتقل الملك إلى المشتري بنفس العقد.
فائدة حكم خيار المجلس حكم خيار الشرط قاله في الفروع وغيره.
قوله (وإن أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري فهل تجب الشفعة على وجهين).
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والفائق.
أحدهما تجب وهو المذهب صححه في التصحيح والنظم ونصره المصنف والشارح واختاره القاضي وابنه وبن عقيل وبن بكروس واختاره أبو الخطاب وبن الزاغوني.
وقال في المستوعب هذا قياس المذهب ذكره شيوخنا الأوائل.
قال ولأن أصحابنا قالوا إذا اختلف البائع والمشتري في الثمن تحالفا وفسخ البيع وأخذه الشفيع بما حلف عليه البائع.
فاثبتوا له الشفعة مع بطلان البيع في حق المشتري انتهى.
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في التلخيص والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير والفروع.
والوجه الثاني لا تجب اختاره الشريفان أبو جعفر وأبو القاسم الزيدي.
قال في التلخيص اختاره جماعة من الأصحاب.
قال الحارثي وهذا أقوى.
فعلى المذهب يقبض الشفيع من البائع.
وأما الثمن فلا يخلو إما أن يقر البائع بقبضه أو لا فإن لم يقر بقبضه فإنه يسلم إلى البائع والعهدة عليه ولا عهدة على المشتري قاله الأصحاب منهم
309

القاضي في المجرد وبن عقيل في الفصول والمصنف في المغني والشارح وصاحب المحرر والفروع والوجيز والزركشي وغيرهم.
قال الحارثي وهذا يقتضي تلقي الملك عنه وهو مشكل.
وكذلك أخذ البائع للثمن مشكل لاعترافه بعدم استحقاقه عليه.
ثم قال القاضي وبن عقيل والمصنف وجماعة ليس للشفيع ولا للبائع محاكمة المشتري ليثبت البيع في حقه وتجب العهدة عليه لأن مقصود البائع الثمن وقد حصل من الشفيع ومقصود الشفيع أخذ الشقص وضمان العهدة وقد حصلا من البائع فلا فائدة في المحاكمة انتهى.
وقد حكى في التلخيص وجها بأن يدفع إلى نائب ينصبه الحاكم عن المشتري.
قال وهو مشكل لأن إقامة نائب عن منكر بعيد.
وإن كان البائع مقرا بقبض الثمن من المشتري وبقي الثمن على الشفيع لا يدعيه أحد ففيه ثلاثة أوجه.
أحدها يقال للمشتري إما أن تقبضه وإما أن تبرئ منه قياسا على نجوم الكتابة إذا قال السيد هي غصب اختاره القاضي وبن عقيل وجزم به في النظم.
والوجه الثاني يبقى في ذمة الشفيع قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
والوجه الثالث يأخذه الحاكم عنه وهي كالمسألة التي قبلها حكما وخلافا وأطلقهن في المغني والشرح وشرح الحارثي.
قال المصنف والشارح وغيرهما وفي جميع ذلك متى ادعاه البائع أو المشتري دفع إليه لأنه لأحدهما.
قال الحارثي وفيه نظر وبحث.
وإن ادعياه جميعا وأقر المشتري بالبيع وأنكر البائع القبض فهو للمشتري.
310

فائدة قوله وعهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع وهذا بلا نزاع.
لكن يستثنى من ذلك إذا أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري وقلنا بثبوت الشفعة على ما تقدم فإن العهدة على البائع لحصول الملك له من جهته قاله الزركشي وهو واضح.
والعهدة فعلة من العهد وهي في الأصل كتاب الشراء.
وتقدم الكلام على ضمان العهدة وعلى معناها في باب الضمان.
والمراد هنا رجوع من انتقل الملك إليه على من انتقل عنه بالثمن أو بالأرش عند استحقاق الشقص أو عيبه فيكون وثيقة للبيع لازمة للمتلقى عنه فيكون عهدة بهذا الاعتبار.
فلو علم المشتري العيب عند البيع ولم يعلمه الشفيع عند الأخذ فلا شيء للمشتري وللشفيع الرد والأخذ بالأرش على الصحيح من المذهب.
وذكر المصنف وجها بانتفاء الأرش.
وإن علمه الشفيع ولم يعلمه المشتري فلا رد لواحد منهما ولا أرش قدمه الحارثي.
وفي الشرح وجه بأن المشتري يأخذ الأرش وهو ما قال القاضي وبن عقيل والسامري.
فعليه إن أخذه سقط عن الشفيع ما قابله من الثمن تحقيقا لمماثلة الثمن الذي استقر العقد عليه.
وإن علماه فلا رد لواحد منهما ولا أرش.
وفي صورة عدم علمهما إن لم يرد الشفيع فلا رد للمشتري وإن أخذ الشفيع أرشه من المشتري أخذه المشتري من البائع وإن لم يأخذه الشفيع ففي أخذ المشتري الوجهان.
311

وعلى الوجه بالأخذ إن لم يسقطه الشفيع عن المشتري سقط عنه بقدره من الثمن وإن أسقطه توفر على المشتري.
قوله (فإن أبى المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم عليه).
وهو المذهب اختاره القاضي وابنه أبو الحسين والشريفان أبو جعفر وأبو القاسم الزيدي والقاضي يعقوب
والشيرازي وأبو الحسن بن بكروس وغيرهم وقدمه في الخلاصة والشرح والنظم والفروع وشرح بن منجا.
وقال أبو الخطاب في الهداية قياس المذهب أن يأخذه الشفيع من يد البائع واختاره المصنف وقال هو قياس المذهب.
قال الحارثي وهو الأصح لأن الأصح أو المشهور لزوم العقد في بيع العقار قبل قبضه وجواز التصرف فيه بنفس العقد والدخول في ضمانه به وأطلقهما في المذهب والمستوعب والتلخيص.
قوله (ولا شفعة لكافر على مسلم).
نص عليه من وجوه كثيرة وهو المذهب وعليه الأصحاب وهو من مفردات المذهب.
وقيل له الشفعة ذكره ناظم المفردات.
تنبيه مفهوم كلام المصنف ثبوت الشفعة لكافر على كافر وسواء كان البائع مسلما أو كافرا وهو صحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغني والشرح والزركشي وغيرهم وقدمه في الفروع وشرح الحارثي وغيرهما.
قال في التلخيص هذا قياس المذهب.
وقيل لا شفعة له إذا كان البائع مسلما.
وهو ظاهر كلام أبي الخطاب في الهداية وأطلقهما في التلخيص والرعاية.
312

ومفهوم كلامه أيضا ثبوتها للمسلم على الكافر وهو من باب أولى.
فائدة لو تبايع كافران بخمر وأخذ الشفيع بذلك لم ينقض ما فعلوه.
وإن جرى التقابض بين المتبايعين دون الشفيع وترافعوا إلينا فلا شفعة له على الصحيح من المذهب كما لو تبايعا بخنزير وعليه أكثر الأصحاب.
وقال أبو الخطاب إن تبايعوا بخمر وقلنا هي مال لهم حكمنا لهم بالشفعة.
وتقدم التنبيه على بعض ذلك قبل قوله وإن اختلفا في قدر الثمن.
قوله (وهل تجب الشفعة للمضارب على رب المال أو لرب المال على المضارب فيما يشتريه للمضاربة على وجهين).
ذكر المصنف هنا مسألتين.
إحداهما هل تجب الشفعة للمضارب على رب المال أم لا.
مثال ذلك أن يكون للمضارب شقص فيما تجب فيه الشفعة ثم يشتري من مال المضاربة شقصا من شركة المضارب فهل تجب للمضارب شفعة فيما اشتراه من مال المضاربة.
أطلق المصنف فيه وجهين وأطلقهما تخريجا في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص.
واعلم أن في محل الخلاف طريقتين للأصحاب.
إحداهما أنهما جاريان سواء ظهر ربح أم لا وسواء قلنا يملك المضارب حصته بالظهور أم لا وهي طريقة أبي الخطاب في الهداية وصاحب المذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمصنف هنا وغيرهم وقدمها الحارثي.
أحدهما لا تجب الشفعة له وهو الصحيح من المذهب صححه في الخلاصة والتصحيح واختاره أبو الخطاب في رؤوس المسائل وأبو المعالي في النهاية.
313

والوجه الثاني تجب خرجه أبو الخطاب من وجوب الزكاة عليه في حصته قال الحارثي وهو الأولى.
قال بن رجب في القواعد بعد تخريج أبي الخطاب فالمسألة مقيدة بحالة ظهور الربح ولا بد انتهى.
الطريق الثاني وهي طريقة المصنف والشارح والناظم وجماعة إن لم يظهر ربح في المال أو كان فيه ربح وقلنا لا يملكه بالظهور فله الأخذ بالشفعة لأن الملك لغيره فكذا الأخذ منه.
وإن كان فيه ربح وقلنا يملكه بالظهور ففي وجوب الشفعة له وجهان بناء على شراء العامل من مال المضاربة بعد ملكه من الربح على ما سبق في المضاربة بعد قوله وليس لرب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئا.
وصحح هذه الطريقة في الفروع وقدم عدم الأخذ ذكر ذلك في باب المضاربة.
المسالة الثانية هل تجب الشفعة لرب المال على المضارب فيما يشتريه للمضاربة.
مثاله أن يشتري المضارب بمال المضاربة شقصا في شركة رب المال.
فأطلق المصنف فيه وجهين وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص وشرح بن منجا والحارثي.
أحدهما لا تجب الشفعة وهو الصحيح من المذهب صححه أبو المعالي في نهايته وخلاصته والناظم وصاحب التصحيح وغيرهم.
قال الحارثي اختاره القاضي وأبو الخطاب وقدمه في الفروع ذكره في المضاربة.
والوجه الثاني تجب فيه الشفعة اختاره بن عبدوس في تذكرته.
314

وبنى المصنف والشارح والحارثي وغيرهم هذين الوجهين على الروايتين في شراء رب المال من مال المضاربة.
وتقدم الخلاف في ذلك وأن الصحيح من المذهب أنه لا يصح في باب المضاربة.
فوائد
إحداها لو بيع شقص من شركة مال المضاربة فللعامل الأخذ بها إذا كان الحظ فيها فإن تركها فلرب المال الأخذ لأن مال المضاربة ملكه ولا ينفذ عفو العامل.
ولو كان العقار لثلاثة فقارض أحدهم أحد شريكيه بألف فاشترى به نصف نصيب الثالث فلا شفعة فيه في أحد الوجهين لأن أحدهما مالك المال والآخر عامل فيه فهما كشريكين في مشاع لا يستحق أحدهما على الآخر شفعة ذكره في المغني والشرح والحارثي.
قلت وهو الصواب.
والوجه الآخر فيه الشفعة.
قالوا ولو باع الثالث بقية نصيبه لأجنبي ثبتت الشفعة بينهم أخماسا للمالك خمساها وللعامل مثله ولمال المضاربة خمسها بالسدس الذي له جعلا لمال المضاربة كشريك آخر.
الثانية لو باع المضارب من مال المضاربة شقصا في شركة نفسه لم يأخذ بالشفعة لأنه متهم فأشبه الشراء من نفسه ذكره المصنف وغيره.
الثالثة تثبت الشفعة للسيد على مكاتبه ذكره القاضي والمصنف وغيرهما لأن السيد لا يملك ما في يده ولا يزكيه ولهذا جاز أن يشتري منه.
وأما العبد المأذون له فإن كان لا دين عليه فلا شفعة بحال لسيده وإن
315

كان عليه دين فالشفعة عليه تنبني على جواز الشراء منه على ما تقدم في أواخر الحجر والله أعلم بالصواب.
وتقدم أخذ المكاتب والعبد المأذون له بالشفعة قبل قوله فإن كانا شفيعين فالشفعة بينهما.
باب الوديعة
فائدة الوديعة عبارة عن توكل لحفظ مال غيره تبرعا بغير تصرف قاله في الفائق.
وقال في الرعاية الصغرى وهي عقد تبرع بحفظ مال غيره بلا تصرف فيه.
وقال في الكبرى والإيداع توكيل أو استنابة في حفظ مال زيد تبرعا ومعانيها متقاربة.
ويعتبر لها أركان الوكالة وتبطل بمبطلاتها.
ولو عزل نفسه فهي بعده أمانة شرعية حكمها في يده حكم الثوب إذا أطارته الريح إلى داره يجب رده إلى مالكه.
وقال القاضي في موضع من خلافه في مسألة الوكالة الوديعة لا يلحقها الفسخ بالقول وإنما تنفسخ بالرد إلى صاحبها أو بأن يتعدى المودع فيها.
قال في القاعدة الثانية والستين فإما أن يكون هذا تفريقا بين فسخ المودع والمودع أو يكون منه اختلافا في المسألة والأول أشبه انتهى.
وقال في الرعاية إن بطل حكم الوديعة بقي المال في يده أمانة فإن تلف قبل التمكن من رده فهدر وإن تلف بعده فوجهان.
وقال أيضا يكفي القبض قولا واحدا وقيل لا.
قوله (وإن تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح الروايتين).
316

يعني إذا لم يتعد وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
قال الحارثي هذا اختيار أكثر الأصحاب وصرح المصنف في آخرين أنه أصح.
قال القاضي هذا أصح.
قال الزركشي هذا المذهب.
قال في الكافي هذا أظهر الروايتين وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح وشرح بن منجا والحارثي وغيرهم.
والرواية الثانية يضمن نص عليها.
قال الزركشي ينبغي أن يكون محل الرواية إذا ادعى التلف أما إن ثبت التلف فإنه ينبغي انتفاء الضمان رواية واحدة.
فائدة لو تلفت مع ماله من غير تفريط فلا ضمان عليه بلا نزاع في المذهب وقد تواتر النص عن الإمام أحمد رحمه الله بذلك.
وإن تلفت بتعديه وتفريطه ضمن بلا خلاف.
قوله (ويلزمه حفظها في حرز مثلها).
يعني عرفا كالحرز في السرقة على ما يأتي إن شاء الله تعالى هذا إذا لم يعين له صاحبها حرزا.
قوله (فإن عين صاحبها حرزا فجعلها في دونه ضمن).
هذا المذهب مطلقا أعني سواء ردها إلى حرزها الذي عينه له أو لا جزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي والحاوي الصغير وغيرهم من الأصحاب.
وقيل إن ردها إلى حرزها الذي عينه له فتلفت لم يضمن حكاه في الفروع.
317

قال في الرعاية الكبرى فإن عين ربها حرزا فأحرزها بدونه ضمن.
قلت ولم يردها إلى حرزه انتهى.
قوله (وإن أحرزها بمثله أو فوقه لم يضمن).
هذا الصحيح من المذهب اختاره القاضي وبن عقيل وجزم به في الوجيز والكافي وغيرهما وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب في المسألة الأولى.
وقدمه فيهما في الفروع والرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفائق.
وجزم به في الثانية في الهداية والمذهب والمستوعب.
وقيل يضمن فيهما إلا أن يفعله لحاجة ذكره الآمدي وأبو حكيم وهو رواية في التبصرة.
قال المصنف وهو ظاهر كلام الخرقي وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية حرب وجزم به في المنور وقدمه في المحرر.
وقيل يضمن إن أحرزها بمثله ولا يضمن إن أحرزها بأعلى منه ذكره أبو الخطاب وغيره.
وقال في الرعاية الكبرى وهو أقيس وأطلقهن فيهما.
تنبيه قال الحارثي لا فرق فيما ذكر بين الجعل أو لا في غير المعين وبين النقل إليه.
قال في التلخيص وأصحابنا لم يفرقوا بين تلفها بسبب النقل وبين تلفها بغيره.
وعندي إذا حصل التلف بسبب النقل كانهدام البيت المنقول إليه ضمن.
قوله (وإن نهاه عن إخراجها فأخرجها لغشيان شيء الغالب فيه التوى لم يضمن).
هذا المذهب وعليه الأصحاب ولا أعلم فيه خلافا.
318

لكن إذا أخرجها فلا يحرزها إلا في حرز مثلها أو فوقه فإن تعذر والحالة هذه ونقل إلى أدنى فلا ضمان ذكره المصنف في المغني واقتصر عليه الحارثي لأنه إذن أحفظ وليس في الوسع سواه.
قلت فيعايى بها.
قوله (وإن تركها فتلفت ضمن).
هذا المذهب لأنه يلزمه إخراجها والحالة هذه.
قال في الكافي هذا المذهب.
قال الحارثي هذا أصح.
قال في الفروع لزمه إخراجها في الأصح.
قال في الفائق ضمن في أصح الوجهين وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والرعاية الصغرى والحاوي الصغير والوجيز وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والرعاية الكبرى وغيرهم.
وقيل لا يضمن لأنه امتثل أمر ربها.
فائدة لو تعذر الأمثل والمماثل والحالة هذه فلا ضمان ذكره المصنف في المغني.
قوله (وإن أخرجها لغير خوف ضمن).
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
قال في الفروع ويحرم إخراجها لغير خوف في الأصح وجزم به في الوجيز وشرح الحارثي وغيرهما وقدمه في المغني والشرح وغيرهما.
وقيل لا يضمن اختاره القاضي قاله في المغني والشرح.
قوله (وإن قال لا تخرجها وإن خفت عليها فأخرجها عند الخوف أو تركها لم يضمن).
319

وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم منهم صاحب المغني والشرح والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وشرح الحارثي والوجيز والفائق والزركشي وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل إن وافقه أو خالفه ضمن.
قلت وهو ضعيف جدا.
تنبيه ظاهر كلامه أنه لو أخرجها من غير خوف أنه يضمن وهو صحيح صرح به الأصحاب.
قوله (وإن أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى ماتت ضمن).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع وغيرهم.
وقيل لا يضمنها وهو احتمال في المغني.
قلت لكن يحرم ترك علفها ويأثم حتى ولو قال له لا تعلفها على ما يأتي.
فوائد
منها لو أمره بعلفها لزمه ذلك مطلقا على الصحيح من المذهب وقيل لا يلزمه إلا مع قبوله وهو احتمال في المغني.
ومنها لو نهاه عن علفها انتفى وجوب الضمان بالنسبة إلى حظ المالك.
وأما بالنسبة إلى الحرمة فلا أثر لنهيه والوجوب باق بحاله.
قال في الحاوي الصغير ويقوى عندي أنه يضمن.
ومنها إن كان إنفاقه عليها بإذن ربها فلا كلام وإن تعذر إذنه فأنفق بإذن حاكم رجع به وإن كان بغير إذنه فإن كان مع تعذره وأشهد على الإنفاق فله الرجوع.
320

قال الحارثي رواية واحدة حكاه الأصحاب.
وإن كان مع إمكان إذن الحاكم ولم يستأذنه بل نوى الرجوع فقط لم يرجع على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع هنا وهو ظاهر ما جزم به في المحرر في باب الرهن والمنور.
وقيل يرجع جزم به في المنتخب واختاره بن عبدوس في تذكرته وصححه الحارثي وصاحب الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفائق.
قلت وهو الصواب.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والتلخيص والرعاية الكبرى.
وظاهر الفروع في باب الرهن إطلاق الخلاف.
وقال في القاعدة الخامسة والسبعين إذا أنفق المودع على الحيوان المستودع ناويا للرجوع فإن تعذر استئذان مالكه رجع وإن لم يتعذر فطريقتان.
إحداهما أنه على الروايتين في قضاء الدين وأولى لأن للحيوان حرمة في نفسه توجب تقديمه على قضاء الدين أحيانا وهي طريقة صاحب المغني.
والثانية لا يرجع قولا واحدا وهي طريقة صاحب المحرر متابعة لأبي الخطاب انتهى.
وهذه الطريقة هي المذهب وهي طريقة صاحب التلخيص والفروع والوجيز وغيرهم.
وتقدم حكم المسألة في كلام المصنف في باب الرهن أيضا.
ومنها لو خيف على الثوب العث وجب عليه نشره فإن لم يفعل وتلف ضمن.
قوله (وإن قال اتركها في كمك فتركها في جيبه لم يضمن).
321

هذا المذهب وعليه الأصحاب.
ويتخرج على الوجه المتقدم بالضمان بالإحراز فيما فوق العين وجوب الضمان هنا قاله الحارثي.
قوله (وإن تركها في يده احتمل وجهين).
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والهادي والتلخيص والشرح والرعايتين والنظم
والحاوي الصغير والفائق.
إحداهما لا يضمن.
قال الحارثي وهو الأظهر عند القاضي وبن عقيل وجزم به في الوجيز.
والثاني يضمن وهو الصحيح صححه في التصحيح وقدمه في الكافي.
قال الحارثي وإليه ميل المصنف في كتابيه وقدمه في إدراك الغاية.
وفي التلخيص وجه ثالث إن تلفت بأخذ غاصب لم يضمن لأن اليد بالنسبة إليه أحرز.
وإن تلفت لنوم أو نسيان ضمن لأنها لو كانت في الكم مربوطة لما ذهبت.
فوائد
الأولى وكذلك الحكم والخلاف لو قال اتركها في يدك فتركها في كمه قال في الفروع وغيره وقال القاضي اليد أحرز عند المغالبة والكم احرز عند عدم المغالبة.
فعلى هذا إن أمره بتركها في يده فشدها في كمه في غير حال المغالبة فلا ضمان عليه وإن فعل ذلك عند المغالبة ضمن.
الثانية لو جاءه إلى السوق وأمره بحفظها في بيته فتركها عنده إلى مضيه إلى منزله ضمن.
322

جزم به في المستوعب والتلخيص وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره.
قال الحارثي فقال الأصحاب يضمن مطلقا.
وقيل لا يضمن والحالة هذه وهو احتمال في المغني ومال إليه.
قال الحارثي وهذا الصحيح إن شاء الله تعالى.
قال في الفروع وهو الأظهر.
قلت وهو الصواب.
الثالثة لو دفعها إليه وأطلق ولم يعين موضعا فتركها بجيبه أو يده أو شدها في كمه أو ترك في كمه ثقلا بلا شد أو تركها في وسطه وشد عليها سراويله لم يضمن جزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي وكذا لو شدها على عضده وهذا المذهب في ذلك كله قدمه في الفروع.
قال القاضي إن شدها على عضده من جانب الجيب لم يضمنها وإن شدها من الجانب الآخر ضمن.
وقال بن عقيل في الفصول إن تركها في جيب أو كم ضمن على الرواية التي تقول إن الطرار لا يقطع.
وقال أيضا إن تركه في رأسه أو غرزه في عمامته أو تحت قلنسوته احتمل أنه حرز مثله.
الرابعة إذا استودعه خاتما وقال اجعله في الخنصر فلبسه في البنصر فلا ضمان ذكره الأصحاب القاضي وبن عقيل والمصنف وغيرهم لأنها أغلظ فهي أحرز.
وفيه الوجه المخرج المتقدم.
لكن إن انكسر لغلظها ضمن ذكره الأصحاب أيضا.
وإن قال اجعله في البنصر فجعله في الخنصر ضمن ذكره القاضي وبن عقيل واقتصر عليه الحارثي أيضا.
323

وإن جعله في الوسطى وأمكن إدخاله في جميعها لم يضمن ذكره في الكافي واقتصر عليه الحارثي أيضا.
وإن لم يدخل في جميعها فجعله في بعضها ضمن لأنه أدنى من المأمور به.
الخامسة لو قال احفظها في هذا البيت ولا تدخله أحدا فخالف وتلفت بحرق أو غرق أو سرقة غير الداخل ففي الضمان وجهان.
أحدهما لا يضمن اختاره القاضي.
والثاني يضمن اختاره بن عقيل والمصنف ومال إليه الشارح.
قوله (وإن دفع الوديعة إلى من يحفظ ماله كزوجته وعبده لم يضمن).
وكذا خادمه وهذا المذهب بلا ريب ونص عليه وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغني والمحرر والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في المستوعب والتلخيص والرعاية والفروع والفائق والحارثي ونصره وغيرهم.
وقيل يضمن ذكره بن أبي موسى.
قال الحارثي وأورده السامري عن بن أبي موسى وجها ولم أجده في الإرشاد.
فوائد
منها ألحق في الروضة الولد ونحوه بالزوجة والعبد.
قلت إن كان ممن يحفظ ماله فلا إشكال في إدخاله وإلا فلا في الجميع حتى الزوجة والعبد والخادم فلا حاجة إلى الإلحاق وكذلك قال الحارثي.
وقوله إلى من يحفظ ماله كزوجته وعبده اعتبار لوجود وصف الحفظ لماله فيمن ذكر على ما تقدم فإن لم يوجد ضمن إذا دفع إليه وهو كما قال انتهى.
324

ومنها لو رد الوديعة إلى من جرت العادة بأن يحفظ مال المودع بكسر الدال كزوجته وأمته وعبده فتلفت لم يضمن نص عليه.
وقيل يضمن حكاه بن أبي موسى وجها.
قال الحارثي وهو الصحيح وتقدم نظير ذلك في العارية.
ومنها لو دفعها إلى الشريك ضمن كالأجنبي المحض.
ومنها له الاستعانة بالأجانب في الحمل والنقل وسقي الدابة وعلفها ذكره المصنف وغيره واقتصر عليه الحارثي.
قوله (وإن دفعها إلى أجنبي أو حاكم ضمن وليس للمالك مطالبة الأجنبي وقال القاضي له ذلك).
إذا أودع المودع بفتح الدال الوديعة لأجنبي أو حاكم فلا يخلو فإما أن يكون لعذر أو غيره فإن كان لعذر جاز على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب في الجملة.
وقال في الفروع ويتوجه تخريج رواية من توكيل الوكيل له الإيداع بلا عذر وإن كان لغير عذر لم يجز ويضمن على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وقيل يجوز إيداعها للحاكم مع الإقامة وعدم العذر.
وتقدم تخريجه في الفروع فهو أعم.
فعلى المذهب إن كان الثاني عالما بالحال استقر الضمان عليه وللمالك مطالبته بلا نزاع وإن كان جاهلا لم يلزمه.
وقدم المصنف هنا أنه ليس له مطالبته أي تضمينه وهو اختيار القاضي في المجرد وبن عقيل في الفصول وقالا إنه ظاهر كلامه.
قال في المذهب ومسبوك الذهب ليس للمالك مطالبة الأجنبي على
325

المنصوص وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والفائق واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
قال في التلخيص وهو ضعيف.
وقال القاضي له ذلك يعني مطالبته.
قال في المغني ويحتمل أن له تضمين الثاني أيضا لكن يستقر الضمان على الأول وهو رواية في التعليق الكبير ورؤوس المسائل وهذا المذهب.
قال في التعليق هذا المذهب واختاره المصنف في المغني.
قال الشارح وهذا القول أقرب إلى الصواب.
قال الحارثي اختاره أبو الخطاب وعامة الأصحاب وهو الصحيح انتهى وقدمه في التلخيص والمحرر والفروع.
فقال في الفروع وإن أودعها بلا عذر ضمنا وقراره عليه فإن علم الثاني فعليه.
وعنه لا يضمن الثاني إن جهل اختاره شيخنا كمرتهن في وجه واختاره شيخنا انتهى.
قوله (وإن أراد سفرا أو خاف عليها عنده ردها إلى مالكها).
وكذا إلى وكيله في قبضها إن كان.
فإن لم يجده حملها معه إن كان أحفظ لها.
مراده إذا لم ينهه عن حملها معه.
اعلم أنه إذا أراد سفرا وكان مالكها غائبا ووكيله فله السفر بها إن كان أحفظ لها ولم ينهه عن حملها.
وإن كان حاضرا أو وكيله في قبضها فظاهر كلام المصنف هنا أنه لا يحملها إلا بإذن فإن فعل ضمن وهو أحد الوجهين.
326

قال في المغني ويقوى عندي أنه متى سافر بها مع المقدرة على مالكها أو نائبه بغير إذن أنه مفرط عليه الضمان انتهى.
قلت وهو ظاهر كلامه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير والوجيز والفائق وغيرهم وهو الصواب.
والوجه الثاني له السفر بها إن كان أحفظ لها ولم ينهه عنها وهو المذهب نص عليه واختاره القاضي وبن عقيل وقدمه في الفروع والمغني والشرح ونصراه.
تنبيهان
أحدهما ظاهر قوله فإن لم يجده حملها معه إن كان أحفظ لها أن له السفر بشرطه ولا يضمن وهو صحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وقال القاضي في رؤوس المسائل إذا سافر بها ضمن.
الثاني ظاهر كلام المصنف أنه إذا استوى عنده الأمران في الخوف مع الإقامة والسفر أنه لا يحملها معه وهو أحد الوجهين وظاهر النص.
قلت وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو الصواب.
قال في المبهج لا يسافر بها إلا إذا كان الغالب السلامة.
والوجه الثاني له حملها وأطلقهما في التلخيص والرعايتين والنظم وشرح الحارثي والفروع والفائق والحاوي الصغير.
فوائد
منها جواز السفر بها مشروط بما إذا لم ينهه عن حملها معه فإن نهاه امتنع وضمن إن خالف اللهم إلا أن يكون السفر بها لعذر كجلاء أهل البلد وهجوم عدو أو حرق أو غرق فلا ضمان.
327

وهل يجب الضمان بالترك تقدم نظيره في كلام المصنف وأن الصحيح أنه يضمن إذا ترك فعل الأصلح والحالة هذه.
ومنها لو أودع مسافرا فسافر بها وتلفت في السفر فلا ضمان عليه.
ومنها لو هجم قطاع الطريق عليه فألقى المتاع إخفاء له وضاع فلا ضمان عليه.
ومنها له الرجوع بما أنفق عليها بنية الرجوع ذكره القاضي وقدمه في الفروع.
وقال ويتوجه فيه كنظائره ويلزمه مؤنته.
وفي مؤنة رد من بعد خلاف في الانتصار قاله في الفروع.
قوله (وإلا دفعها إلى الحاكم).
يعني إذا خاف عليها بحملها ولم يجد مالكها ولا وكيله فالصحيح من المذهب أنه يتعين عليه دفعها إلى الحاكم إن قدر عليه قدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع وغيرهم.
قال الحارثي وعليه الأصحاب.
قال الزركشي قطع به الأصحاب.
وقيل يجوز دفعها إلى ثقة حكاه المصنف في المغني وذكره الحلواني رواية.
قال في الفائق ولو خاف عليها أودعها حاكما أو أمينا.
وقيل لا تودع انتهى.
قلت الصواب هنا أن يراعي الأصلح في دفعها إلى الحاكم أو الثقة فإن استوى الأمر فالحاكم.
فائدة الودائع التي جهل ملاكها يجوز التصرف فيها بدون حاكم نص عليه وكذا وان فقد ولم يطلع على خبره وليس له ورثة يتصدق بها نص عليه ولم يعتبر حاكما.
328

ويحتمل أنه ليس له الصدقة بها إلا إذا تعذر إذن الحاكم ذكره القاضي.
وتقدم نظير ذلك في الغصب وآخر الرهن.
ويلزم الحاكم قبول الودائع والغصوب ودين الغائب والمال الضائع على الصحيح من المذهب.
قال في التلخيص الأصح اللزوم في قبول الوديعة والغصوب والدين.
وقيل لا يلزمه وأطلقهما في الرعاية الكبرى والفروع.
قوله (وإن تعذر ذلك).
يعني إذا تعذر دفعها إلى الحاكم أودعها ثقة.
هذا الصحيح من المذهب.
قال في الخلاصة والفروع دفعها إلى ثقة في الأصح وجزم به في المحرر والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والتلخيص والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم واختاره القاضي وغيره.
وقيل لا تودع لغير الحاكم وقطع به أبو الخطاب في رؤوس المسائل.
قال القاضي وبن عقيل ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله أنه لا يجوز الدفع إلى غير الحاكم لعذر أو غير عذر.
ثم أولا ذلك على الدفع لغير حاجة أو مع القدرة على الحاكم.
قال الحارثي وفيه نظر بل النص صريح في ذلك وذكره.
وقيل لا تودع مطلقا ونقله الأثرم نصا.
قال في الرعاية ونصه منعه وهو ظاهر ما قدمه في الهداية والمستوعب وقدمه في المذهب.
وقال في النوادر وأطلق الإمام أحمد رحمه الله الإيداع عند غيره لخوفه عليها وحمله القاضي على المقيم لا المسافر.
329

فائدة حكم من حضره الموت حكم من أراد سفرا على ما تقدم من أحكامه إلا في أخذها معه.
قوله (أو دفنها وأعلم بها ثقة يسكن تلك الدار).
يعني إذا تعذر دفعها إلى الحاكم فهو بالخيرة بين دفعها إلى ثقة وبين دفنها وإعلام ثقة يسكن تلك الدار بها.
قال الحارثي وقاله القاضي وبن عقيل وغيرهما وقطع به في الشرح وشرح بن منجا.
قال في الفروع وإن دفنها بمكان واعلم بها ساكنه فكإيداعه.
وقال في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفائق ولو دفنها بمكان وأعلم الساكن فعلى وجهين وقيل إعلامه كإيداعه انتهوا.
وأطلق في ضمانها إذا دفنها وأعلم بها ثقة وجهين في الهداية والمذهب والمستوعب.
تنبيه ظاهر كلام المصنف وغيره من الأصحاب أنه إذا تبرم بالوديعة فليس له الدفع إلى غير المودع أو وكيله سواء قدر عليهما أو لا وسواء الحاكم وغيره وهو كذلك ونص على المنع من إيداع الغير واختاره القاضي وبن عقيل وغيرهما وقدمه الحارثي.
وقال في الكافي إن لم يجد المالك دفع إلى الحاكم واختاره صاحب التلخيص.
قوله (وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ولبس الثوب وأخرج الدراهم لينفقها أو لشهوة رؤيتها ثم ردها أو جحدها ثم أقر بها أو كسر ختم كيسها وكذا لو حله ضمنها).
إذا تعدى فيها ففعل ما ذكر غير جحودها ثم إقراره بها فالصحيح من
330

المذهب أنه يضمنها وعليه الأصحاب وجزم به في المغني والمحرر والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في التلخيص والفروع والفائق وغيرهم.
وقال في الفائق ونقل البغوي ما يدل على نفي الضمان.
وقيل لا يضمن إذا أخرج الدراهم لينفقها أو لشهوة رؤيتها ثم ردها اختاره بن الزاغوني.
وعنه لا يضمن إذا كسر ختم كيسها أو حله.
فعلى المذهب لا يعود عقد الوديعة بغير عقد متجدد.
وأما إذا جحدها ثم أقر بها فالصحيح من المذهب أنه يضمنها من حيث الجملة جزم به في الفروع وغيره وقدمه في الفائق وغيره وقال ونقل البغوي ما يدل على نفي الضمان.
قوله (أو خلطها بما لا تتميز منه ضمنها).
وهو المذهب وعليه الأصحاب.
قال في التلخيص ومع عدم التمييز يضمن رواية واحدة وجزم به في المغني والمحرر والشرح والوجيز والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقال ظاهر نقل البغوي لا يضمن ولم يتأوله في النوادر.
وذكره الحلواني ظاهر كلام الخرقي.
وجزم به في المنثور عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال لأنه خلطه بماله.
وجزم به في المبهج في الوكيل كوديعته في أحد الوجهين.
قال الحارثي وعن الإمام أحمد لا يضمن بخلط النقود ونقله عبد الله البغوي.
فعلى هذه الرواية لو تلف بعض المختلط بغير عدوان جعل التلف كله من ماله وجعل الباقي من الوديعة نص عليه.
331

فائدة لو اختلطت الوديعة بغير فعله ثم ضاع البعض جعل من مال المودع في ظاهر كلامه ذكره المجد في شرحه
.
وذكر القاضي في الخلاف أنهما يصيران شريكين.
قال المجد ولا يبعد على هذا أن يكون الهالك منهما ذكره في القاعدة الثانية والعشرين.
قوله (وإن خلطها بمتميز لم يضمن).
هذا الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
وعنه يضمن وحمله المصنف على نقصها بالخلط.
قوله (وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده).
هذا الصحيح من المذهب نص عليه وجزم به الخرقي وصاحب التعليق والفصول والمغني والكافي والمحرر والشرح والوجيز وغيرهم.
وهو عجيب من الشارح إذ الكتاب المشروح حكى الخلاف لكنه تبع المغني وصححه في الفروع وغيره.
وعنه يضمن الجميع وأطلقهما في التلخيص والفائق.
وقيل يضمنه وحده إن لم يفتح الوديعة.
وقيل لا يضمن شيئا.
قوله (وإن رد بدله متميزا فكذلك).
يعني أن الحكم فيه كالحكم فيما إذا رد المأخوذ بعينه جزم به في الفصول والفروع وشرح بن منجا وغيرهم.
وكذا الحكم لو أذن صاحبها له في الأخذ منها فأخذ ثم رد بدله بلا إذنه.
قوله (وإن كان غير متميز ضمن الجميع).
332

وهو المذهب جزم به في المجرد والفصول والتلخيص وغيرهم وقدمه في الفروع ويحتمل إن لا يضمن غيره.
وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وجزم به القاضي في التعليق وذكر أن الإمام أحمد نص عليه في رواية الجماعة.
وحكى عنه من رواية الأثرم أنه أنكر القول بتضمين الجميع وأنه قال هو قول سوء.
وهذا ظاهر كلام الخرقي.
وقطع به بن أبي موسى والقاضي أبو الحسين وأبو الحسن بن بكروس وغيرهم واختاره أبو بكر وقدمه الحارثي في شرحه وقال هو المذهب.
ومال إليه في المغني وأطلق الروايتين في المحرر.
فعلى الرواية الثانية إن لم يدر أيهما ضاع ضمن نقله البغوي وذكره جماعة واقتصر عليه في الفروع.
فائدة لو كان الدرهم أو بدله غير متميز وتلف نصف المال فقيل يضمن نصف درهم ويحتمل أن لا يلزمه شيء لاحتمال بقاء الدرهم أو بدله ولا يجب مع الشك قاله الحارثي.
تنبيهات.
الأول قال الزركشي إذا رد بدل ما أخذ فللأصحاب في ذلك طرق.
أحدها لا يلزمه إلا مقدار ما أخذ سواء كان البدل متميزا أو غير متميز.
وهذا مقتضى كلام الخرقي وبه قطع القاضي في التعليق وذكر أن الإمام أحمد رحمه الله نص عليه في رواية الجماعة.
وأنكر في رواية الأثرم على من يقول بتضمين الجميع.
والطريق الثاني إن تميز البدل ضمن قدر ما أخذ فقط وإن لم يتميز:
333

فعلى روايتين وهي طريقة المصنف في المغني والكافي والمجد.
والطريق الثالث في المسألة روايتان فيهما وهي ظاهر كلام أبي الخطاب في الهداية.
والطريق الرابع إن تميز البدل فعلى روايتين وإن لم يتميز ضمن رواية واحدة قاله في التلخيص.
ويقرب منه كلام المصنف في المقنع وكلام القاضي على ما حكاه في المغني.
وبالجملة هذه الطريقة وإن كانت حسنة لكنها مخالفة لنصوص الإمام أحمد رحمه الله انتهى.
الثاني شرط القاضي في المجرد وبن عقيل وأبو الخطاب وأبو الفرج الشيرازي والمصنف والمجد والشارح وجماعة أن تكون الدراهم ونحوها غير مختومة ولا مشدودة فلو كانت كذلك فحل الشد أو فك الختم ضمن الجميع قولا واحدا.
قال القاضي في التعليق هو قياس قول الأصحاب مما إذا فتح قفصا عن طائر فطار وقاله أبو الخطاب في رؤوس المسائل.
قال الحارثي ولا يصح هذا القياس لأن الفتح عن الطائر إضاعة له فهو كحل الزق.
ونقل مهنا أنه لا يضمن إلا ما أخذ.
قال في التلخيص وروى البغوي عن الإمام أحمد رحمه الله ما يدل على ذلك.
وينبني على ذلك لو خرق الكيس فإن كان من فوق الشد لم يضمن إلا الخرق وإن كان من تحت الشد ضمن الجميع على المشهور عند الأصحاب قاله الزركشي.
الثالث قوة كلام المصنف وغيره تقتضي أنه لا يضمن بمجرد نية التعدي بل لا بد من فعل أو قول وهو صحيح وهو المقطوع به عند الأصحاب.
334

وقال القاضي وقد قيل إنه يضمن بالنية لاقترانها بالإمساك وهو فعل كملتقط نوى التملك في أحد الوجهين.
وفي الترغيب قال الحارثي وحكى القاضي في تعليقه وجها بالضمان.
قال الزركشي وقد ينبني على هذا الوجه على أن الذي لا يؤاخذ به هو الهم أما العزم فيؤاخذ به على أحد القولين انتهى.
وتأتي مسألة اللقطة في بابها عند قوله ومن أمن نفسه عليها.
قوله (وإن أودعه صبي وديعة ضمنها ولم يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه).
إن كان الصبي غير مميز فالحكم كما قال المصنف.
وكذا أن كان مميزا ولم يكن مأذونا له.
وإن كان مأذونا له صح إيداعه فيما أذن له بالتصرف فيه قاله المصنف والشارح.
فائدة لو أخذ الوديعة من الصبي تخليصا لها من الهلاك على وجه الحسبة.
فقال في التلخيص يحتمل أن لا يضمن كالملك الضائع إذا حفظه لصاحبه وهو الأصح ويحتمل أن يضمن لأنه لا ولاية له عليه.
قال وهكذا يخرج إذا أخذ المال من الغاصب تخليصا ليرده إلى مالكه انتهى.
واقتصر الحارثي على حكاية كلامه وقدم ما صححه في التلخيص وفي الرعاية وقطع به في الكافي.
قوله (وإن أودع الصبي وديعة فتلفت بتفريطه لم يضمن وكذلك المعتوه).
335

وهذا الصحيح من المذهب جزم به في المغني والشرح والتلخيص والوجيز والفائق وشرح الحارثي وغيرهم.
وفيه وجه آخر أنه يضمن وأطلقهما في الفروع في أول باب الحجر.
قوله (وإن أتلفها لم يضمن).
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
قال في الهداية والمستوعب والتلخيص وقال غير القاضي من أصحابنا لا يضمن انتهوا.
قال الحارثي قال بن حامد هذا قياس المذهب وإليه صار القاضي آخرا وذكره ولده أبو الحسين ولم يذكر القاضي في رؤوس المسائل سواه.
وكذا قال القاضي أبو الحسين وأبو الحسن بن بكروس.
قال بن عقيل وهو أصح عندي وقدمه في الخلاصة.
وقال القاضي يضمن اختاره المصنف والشارح.
قال الحارثي واختاره أبو علي بن شهاب ولم يورد الشريفان أبو جعفر والزيدي وأبو المواهب الحسين بن محمد العكبري والقاسم بن الحسن الحداد سواه انتهى وصححه الناظم.
وهذا المذهب على ما اصطلحناه.
وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والرعايتين والحاوي الصغير والمحرر والفروع.
فائدة المجنون كالصبي وكذا السفيه عند المصنف والشارح وجماعة ففيه الخلاف.
وقيل إتلافه موجب للضمان كالرشيد وقطع به القاضي في المجرد وصاحب التلخيص.
336

قال الحارثي وإلحاقه بالرشيد أقرب.
قلت وهو الصواب.
قوله (وإن أودع عبدا وديعة فأتلفها ضمنها في رقبته).
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة وشرح بن منجا وقدمه في المستوعب والتلخيص.
قال الحارثي وبه قال الأكثرون من الأصحاب أبو الخطاب وبن عقيل وأبو الحسين والشريفان أبو جعفر والزيدي وبن بكروس والسامري وصاحب التلخيص انتهى.
والوجه الثاني يضمنها في ذمته وأطلقهما في المغني والمحرر والشرح والفروع.
ولنا وجه في المذهب ذكره القاضي في المجرد وغيره بعدم الضمان مطلقا تخريجا من مثله في الصبي ورده الحارثي.
تنبيه قيل إن الوجهين اللذين في العبد مبنيان على الوجهين في الصبي وهو قول المصنف والشارح والقاضي وصاحب الفائق ورده الحارثي.
وقال في المستوعب والتلخيص ويضمن ويكون في رقبته سواء كان محجورا عليه أو مأذونا له.
قال الحارثي صرح به غير واحد وهو مقتضى إطلاق المصنف كما في الجناية على النفس انتهى.
وهي طريقته في الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم.
فائدة المدبر والمكاتب والمعلق عتقه على صفة وأم الولد كالقن فيما تقدم قاله الحارثي وغيره.
قوله (والمودع أمين والقول قوله فيما يدعيه من رد وتلف).
337

يعني مع يمينه هذا المذهب بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع.
قال في التلخيص وغيره هذا المذهب.
وعنه إن دفعها المودع بكسر الدال إلى المودع بفتح الدال ببينة لم تقبل دعوى الرد إلا ببينة نص عليه في رواية أبي طالب وبن منصور.
قال الحارثي وهذا ما قاله بن أبي موسى في الإرشاد.
وخرجها بن عقيل على أن الإشهاد على دفع الحقوق الثابتة بالبينة واجب فيكون تركه تفريطا فيجب فيه الضمان.
وقيل لا يحتاج إلى يمين مع دعوى التلف.
قال الحارثي المذهب لا يحلف مدعي الرد والتلف إذا لم يتهم.
وتأتي المسألة قريبا بأتم من هذا.
تنبيه محل هذا إذا لم يتعرض لذكر سبب التلف فإن تعرض لذكر سبب التلف فإن أبدى سببا خفيا من سرقة أو ضياع ونحوه قبل أيضا ذكره الأصحاب.
وإن أبدى سببا ظاهرا من حريق منزل أو غرقه أو هجوم غارة ونحو ذلك فالصحيح من المذهب أنه لا يقبل قوله إلا ببينة بوجود ذلك السبب في تلك الناحية وعليه جماهير الأصحاب منهم بن أبي موسى والقاضي وبن عقيل والمصنف في الكافي وصاحب التلخيص والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم وفي كلام الإمام أحمد رحمه الله ما يشعر به.
قال في التلخيص وغيره ويكفي في ثبوت السبب الاستفاضة وقاله في الرعايتين والحاوي الصغير.
وقال في المغني وجماعة من الأصحاب يقبل قوله أيضا.
وتقدم نظير ذلك في الوكالة.
338

فائدة لو منع المودع بفتح الدال صاحب الوديعة منها أو مطله بلا عذر ثم ادعى تلفا لم يقبل إلا ببينة لخروجه بذلك عن الأمانة قوله وأذن في دفعها إلى انسان يعني إذا قال المودع بفتح الدال للمودع أذنت لي في دفعها إلى فلان فدفعتها فأنكر الإذن فالقول قول المودع بفتح الدال على الصحيح من المذهب كما قال المصنف ونص عليه في رواية بن منصور.
وقطع به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والتلخيص والشرح والمحرر والفائق والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع.
وهو من مفردات المذهب وقيل لا يقبل قوله قال الحارثي وهو قوى وقيل ذلك كوكالة في قضاء دين ولا يلزم المدعى عليه للمالك غير اليمين ما لم يقر بالقبض وذكر الأزجي إن ادعى الرد إلى رسول موكل ومودع فأنكر الموكل ضمن لتعلق الدفع بثالث ويحتمل لا وإن أقر وقال قصرت لترك الإشهاد احتمل وجهين قال واتفق الأصحاب أنه لو وكله بقضاء دينه فقضاه في غيبته وترك الإشهاد ضمن لأن مبنى الدين على الضمان ويحتمل إن أمكنه الإشهاد فتركه ضمن انتهى قال في الفروع كذا قال.
339

فائدتان
إحداهما لو ادعى الأداء إلى وارث لمالك لم يقبل إلا ببينة قاله في التلخيص واقتصر عليه الحارثي وكذا دعوى الأداء إلى الحاكم.
الثانية لو ادعى الأداء على يد عبده أو زوجته أو خازنه فكدعوى الأداء بنفسه.
قوله (وما يدعى عليه من خيانة أو تفريط).
يعني القول قوله وهذا بلا نزاع.
فائدة هل يحلف مدعى الرد والتلف والإذن في الدفع إلى الغير ومنكر الجناية والتفريط ونحو ذلك.
قال الحارثي المذهب لا يحلف إلا أن يكون متهما نص عليه من وجوه كثيرة وكذا قال الخرقي وبن أبي موسى في الوكيل.
وأطلق المصنف في كتابيه وكثير من الأصحاب وجوب التحلف.
قال ولا أعلمه عن الإمام أحمد رحمه الله نصا ولا إيماء انتهى.
والمذهب عند أكثر الأصحاب المتأخرين ما قاله المصنف وغيره وتقدم التنبيه على بعضه قريبا.
قوله (وإن قال لم يودعني ثم أقر بها أو ثبتت ببينة فادعى الرد أو التلف لم يقبل وإن أقام بذلك بينة).
نص عليه مراده إذا ادعى الرد أو التلف قبل جحوده بأن يدعي عليه الوديعة يوم الجمعة فينكرها ثم يقر أو تقوم بينة بها فيقيم بينة بأنها تلفت أو ردها يوم الخميس أو قبله مثلا فالمذهب في هذا كما قال المصنف من أنه لا يقبل قوله ولا بينته نص عليه وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المحرر والفروع وغيرهما والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
340

ويحتمل أن تقبل بينته.
قال الحارثي وهو المنصوص من رواية أبي طالب وهو الحق.
وقال وهذا المذهب عندي وأطلقهما في المغني والشرح.
وأما إن ادعى الرد أو التلف بعد جحوده بها بأن يدعي عليه يوم الجمعة فينكر ثم يقر وتقوم البينة به فيقيم بينته بتلفها أو ردها يوم السبت أو بعده مثلا فهذا تقبل فيه البينة بالرد قولا واحدا.
وتقبل في التلف على الصحيح من المذهب جزم به في المحرر والوجيز.
قال في الفروع والأصح وتسمع بتلف.
وقيل لا تقبل وهو ظاهر كلام المصنف هنا وأبي الخطاب والسامري وصاحب التلخيص والمنتخب والزركشي وجماعة لأنهم أطلقوا.
قلت وهو الصواب.
واقتصر في المحرر على قبول قوله إذا ادعى ردا متأخرا.
فظاهره أنه إذا ادعى تلفا متأخرا لا يقبل وكذا قال في الرعايتين والحاوي الصغير والمنور وصرح به في شرح المحرر وتذكرة بن عبدوس.
فائدتان
إحداهما لو شهدت بينة بالتلف أو الرد ولم تعين هل ذلك قبل جحوده أو بعده واحتمل الأمرين لم يسقط الضمان.
قلت ويحتمل السقوط لأنه الأصل.
الثانية لو قال لك وديعة ثم ادعى ظن بقائها ثم علم تلفها أو ادعى الرد إلى ربها فأنكره ورثته فهل يقبل قوله فيه وجهان وأطلقهما في الفروع وأطلقهما في الأولى في الرعاية الكبرى.
أحدهما لا يقبل قوله في المسألة الأولى.
341

وقدمه في المغني عند قول الخرقي وإذا قال عندي عشرة دراهم ثم قال وديعة.
وقدمه الشارح في باب ما إذا وصل بإقراره ما يغيره وهو ظاهر كلام بن رزين في شرحه.
وقال القاضي يقبل قوله لأن الإمام أحمد رحمه الله قال في رواية بن منصور إذا قال لك عندي وديعة دفعتها إليك صدق انتهى.
قلت وهذا الصواب.
وأما إذا ادعى الرد إلى ربها وأنكره ورثته فالصحيح أنه يقبل قوله كما لو كان حيا.
ثم وجدته في الرعاية الكبرى قطع بأنه لا يقبل إلا ببينة.
قوله (وإن قال ما لك عندي شيء قبل قوله في الرد والتلف بلا نزاع).
لكن إن وقع التلف بعد الجحود وجب الضمان لاستقرار حكمه بالجحود فيشبه الغاصب ذكره الشارح واقتصر
عليه الحارثي.
وقال والإطلاق هنا محمول عليه.
وقال الزركشي يقبل قوله في الرد والتلف.
ولا فرق بين قبل الجحود وبعده على ظاهر إطلاق جماعة.
وقال القاضي في المجرد وقد قيل إن شهدت البينة بالتلف بعد الجحود فعليه الضمان وإن شهدت بالتلف قبله فلا ضمان.
قوله (فإن مات المودع فادعى وارثه الرد لم يقبل إلا ببينة بلا نزاع).
وكذا حكم دعوى الملتقط ومن أطارت الريح إلى داره ثوبا الرد إلى المالك.
342

قال في القواعد ويتوجه قبول دعواه في حالة لا يضمن فيها بالتلف لأنه مؤتمن شرعا في هذه الحالة.
ولو ادعى الوارث أن مورثه ردها لم يقبل أيضا إلا ببينة عند الأصحاب.
قال الحارثي وقد يتخرج لنا قول بالقبول من أحد الوجهين فيما إذا كان عنده وديعة في حياته لم توجد بعينها ولا يعلم بقاءها لأن الأصل عدم الحصول في يد الوارث وكذلك ما لو ادعى التلف في يد مورثه انتهى.
قال في القاعدة الرابعة والأربعين ولا حاجة إلى التخريج إذن لأن الضمان على هذا الوجه منتف سواء ادعى الوارث الرد أو التلف أو لم يدع شيئا.
قوله (وإن تلفت عند الوارث قبل إمكان ردها لم يضمنها بلا نزاع وبعده يضمنها في أحد الوجهين).
وهو المذهب صححه في التصحيح والنظم وشرح الحارثي.
قال في القاعدة الثالثة والأربعين والمشهور الضمان وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والوجيز وغيرهم وقدمه في التلخيص وقال ذكره أكثر الأصحاب وقدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
والوجه الثاني لا يضمنها.
قال الحارثي وهذا لا أعلم أحدا ذكره إلا المصنف.
قلت قد أشار إليه في التلخيص وغيره.
وأطلقهما في المغني والشرح وشرح الحارثي وبن منجا والرعاية الكبرى.
وقيل لا يضمنها إن لم يعلم بها صاحبها جزم به في المحرر وتذكرة بن عبدوس.
343

وقال في الرعاية الصغرى وهو أولى وأطلقهن في الفروع والفائق.
فائدة إذا حصل في يده أمانة بدون رضى صاحبها وجبت المبادرة إلى ردها مع العلم بصاحبها والتمكن منه ودخل في ذلك اللقطة.
وكذا الوديعة والمضاربة والرهن ونحوها إذا مات المؤتمن وانتقلت إلى وارثة.
وكذا لو أطارت الريح ثوبا إلى داره لغيره.
ثم إن كثيرا من الأصحاب قالوا هنا الواجب الرد.
وصرح كثير منهم بأن الواجب أحد شيئين إما الرد أو الإعلام كما في المستوعب والمغني والمحرر والشرح وذكر نحوه بن عقيل وهو مراد غيرهم.
ثم إن الثوب هل يحصل في يده لسقوطه في داره من غير إمساك أو لا.
قال القاضي لا يحصل في يده بذلك وخالف بن عقيل.
والخلاف هنا منزل على الخلاف فيما إذا حصل في أرضه من المباحات هل يملكها بذلك أم لا على ما تقدم في كتاب البيع.
وكذا حكم الأمانات إذا فسخها المالك كالوديعة والوكالة والشركة والمضاربة يجب الرد على الفور لزوال الائتمان صرح به القاضي في خلافه وسواء كان الفسخ في حضرة الأمين أو غيبته.
وظاهر كلامه أنه يجب فعل الرد.
وعلى قياس ذلك الرهن بعد استيفاء الدين والعين المؤجرة بعد انقضاء المدة.
وذكر طائفة من الأصحاب في العين المؤجرة لا يجب على المستأجر فعل الرد ومنهم من ذكر في الرهن كذلك.
ذكر معنى ذلك في القاعدة الثانية والأربعين.
وأما إذا مات المودع ولم يبين الوديعة ولم تعلم فهي دين في تركته.
تقدم ذلك في كلام المصنف في أواخر المضاربة.
344

فائدة جليلة تثبت الوديعة بإقرار الميت أو ورثته أو بينته.
وإن وجد خط موروثة لفلان عندي وديعة وعلى كيس هذا لفلان عمل به وجوبا على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع ويعمل به على الأصح.
قال الحارثي هذا المذهب نص عليه من رواية إسحاق بن إبراهيم في الوصية ونصره ورد غيره.
وقال قاله القاضي أبو الحسين وأبو الحسن بن بكروس وقدمه في المستوعب والتلخيص وهو الذي ذكره القاضي في الخلاف.
وقيل لا يعمل به ويكون تركة.
اختاره القاضي في المجرد وبن عقيل والمصنف وقدمه الشارح ونصره وجزم به في الحاوي الصغير والنظم.
وإن وجد خطه بدين له على فلان حلف الوارث ودفع إليه قطع به في المغني والشرح والفروع وشرح الحارثي وإعلام الموقعين.
وإن وجد خطه بدين عليه فقيل لا يعمل به ويكون تركة مقسومة.
اختاره القاضي في المجرد وجزم به في الفصول والمذهب وقدمه في المغني والشرح.
وقيل يعمل به ويدفع إلى من هو مكتوب باسمه.
قال القاضي أبو الحسين المذهب وجوب الدفع إلى من هو مكتوب باسمه أومأ إليه وجزم به في المستوعب.
وهو الذي ذكره القاضي في الخلاف هو ظاهر ما قطع به في إعلام الموقعين وقدمه في التلخيص وصححه في النظم وهو المذهب عند الحارثي فإنه قال والكتابة بالديون عليه كالكتابة بالوديعة كما قدمنا حكاه غير واحد منهم السامري وصاحب التلخيص انتهى.
345

وتقدم كلامه في المسألة الأولى وأطلقهما في الفروع والرعاية.
قوله (وإن ادعى الوديعة اثنان فأقر بها لأحدهما فهي له مع يمينه بلا نزاع أعلمه).
لكن قال الحارثي وهذا اللفظ ليس على ظاهره من جهة أنه مشعر بأن كمال الاستحقاق يتوقف على اليمين وهي إنما تفيد الاستحقاق حال ردها على المدعي عند من قال به أو حال تعذر كمال البينة وما نحن فيه ليس واحدا من الأمرين.
لا يقال المودع شاهد ولو كان كذلك لاعتبرت له العدالة وصيغة الشهادة والأمر بخلافه فتعين تأويله على حلفه للمدعي انتهى.
قوله (ويحلف المودع بفتح الدال أيضا للمدعى الآخر).
على الصحيح من المذهب جزم به هنا في المغني والشرح وشرح الحارثي والرعاية والوجيز والفائق وغيرهم.
قال في المحرر والفروع حلف في الأصح ذكراه في باب الدعاوي.
وقيل لا يلزمه يمين.
فعلى المذهب إن نكل فعليه البدل للثاني بلا نزاع.
فائدتان
إحداهما لو تبين للمقر بعد الاقتراع أنها للمقروع فقال الإمام أحمد رحمه الله قد مضى الحكم أي لا تنزع من القارع وعليه القيمة للمقروع.
الثانية لو دفع الوديعة إلى من يظنه صاحبها ثم تبين خطؤه ضمنها لتفريطه صرح به القاضي.
وخرج في القواعد وجها بعدم الضمان عليه وإنما هو على المتلف وحده.
346

قوله (وإن أقر بها لهما فهي لهما ويحلف لكل واحد منهما بلا نزاع أعلمه).
فإن نكل فعليه بذل نصفها لكل واحد منهما ويلزم كل واحد منهما الحلف لصاحبه كما تقدم.
ولم يذكره المصنف وكأنه اكتفى بالأول.
قوله (فإن قال لا أعرف صاحبها حلف أنه لا يعلم).
يعني يمينا واحدة.
إذا أقر بها لأحدهما وقال لا أعرف عينه.
فلا يخلو إما أن يصدقاه أو لا فإن صدقاه فلا يمين عليه إذ لا اختلاف وعليه التسليم لأحدهما بالقرعة مع يمينه ذكره في التلخيص واقتصر عليه الحارثي وقال هو المذهب ونصوص أحمد تقتضيه.
وإن لم يصدقاه فلا يخلو إما أن يكذباه أو يسكتا فإن لم يكذباه قبل قوله بغير يمين.
ذكره غير واحد منهم أبو الخطاب وأبو الحسين والشريف أبو جعفر واقتصر عليه الحارثي.
وذكر عن الشافعية وجها آخر وعلله.
قال الحارثي وهذا بمجرده حق إن لم يقم دليل على اعتبار صريح الدعوى لوجوب اليمين انتهى.
ثم قال القاضي وغيره يقرع بين المتداعيين فمن أصابته القرعة حلف أنها له وأعطى.
وإن كذباه حلف أنه لا يعلم كما قال المصنف.
قال الحارثي وهو قول القاضي ومن بعده من الأصحاب.
وتقدم ان المذهب لا يمين على مدعى التلف ومنكر الجناية والتفريط ونحوه
347

إلا أن يكون متهما وهذا كذلك فلا يمين على المذهب نظرا إلى أن المالك ائتمنه.
وعلى القول بالحلف يحلف يمينا واحدة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الحارثي خلافا لأبي حنيفة لتغاير الحقين كما في إنكار أصل الإيداع قال وهذا قوي انتهى.
وإذا تحرر هذا فيقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذ كما قال المصنف ونص عليه في أصل المسألة من وجوه كثيرة.
وإن نكل المودع عن اليمين فقال في المجرد يقضي عليه بالنكول فيلزمه الحاكم بالإقرار لأحدهما.
فإن أبى فقياس المذهب يقرع بينهما ولم يذكر غرما.
وقال في التلخيص يقوى عندي أن من جملة القضايا لنكول غرم القيمة فيغرم القيمة.
قال الحارثي وكذا قال غيره وجزم به في الفائق والزركشي.
فعلى هذا يؤخذ بالقيمة مع العين فيقترعان عليها أو يتفقان.
هذه طريقة صاحب المحرر وجماعة وقدمها الحارثي وقال في كلام المحرر ما يقتضي الاقتراع على العين فمن أخذها بالقيمة تعينت القيمة للآخر قال وهو أولى لأن كلا منهما يستحق ما يدعيه في هذه الحالة أو بدله عند التعذر والتعذر لا يتحقق بدون الأخذ فتعين الاقتراع انتهى.
قال في التلخيص كذلك إذا قال أعلم المستحق ولا أحلف.
ويأتي الكلام بأتم من هذا في باب الدعاوي والبينات في القسم الثالث إن شاء الله تعالى.
348

فائدة إذا قامت البينة بالعين لأخذ القيمة سلمت إليه وردت القيمة إلى المودع ولا شيء للقارع.
قوله (وإن أودعه اثنان مكيلا أو موزونا فطلب أحدهما نصيبه سلمه إليه).
مراده إذا كان ينقسم وهو معنى قول بعض الأصحاب لا ينقص بتفرقة وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع والرعايتين والحاوي الصغير وشرح الحارثي وغيرهم.
وقيل لا يلزمه الدفع إلا بإذن شريكه أو الحاكم اختاره القاضي والناظم.
وكذا الحكم لو كان الشريك حاضرا وامتنع من المطالبة بنصيبه والإذن في التسليم إلى صاحبه.
قوله (وإن غصبت الوديعة فهل للمودع المطالبة بها على وجهين).
وأطلقهما في المذهب والمغني والشرح والفائق والحاوي الصغير.
أحدهما له المطالبة بها وهو المذهب اختاره أبو الخطاب في الهداية وصححه في التصحيح والنظم وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع والرعايتين.
والوجه الثاني ليس له ذلك اختاره القاضي وصححه في البلغة وقدمه في المستوعب والخلاصة والتلخيص ومال إليه الحارثي.
فوائد
إحداها حكم المضارب والمرتهن والمستأجر في المطالبة إذا غصب منهم ما بأيديهم حكم المودع قاله أكثر الأصحاب وقدم في الخلاصة أنه ليس له
349

المطالبة في الوديعة وجزم بالجواز في المرتهن والمستأجر ومال إليه الحارثي.
وقال المصنف في المضارب لا يلزمه المطالبة مع حضور رب المال.
الثانية لو أكره على دفع الوديعة لغير ربها لم يضمن قاله الأصحاب ذكره الحارثي.
قلت منهم القاضي في المجرد وبن عقيل في الفصول والمصنف في المغني وصاحب التلخيص والشارح وغيرهم.
قال المجد في شرحه المذهب لا يضمن انتهى.
وفي الفتاوى الرجبيات عن أبي الخطاب وبن عقيل الضمان مطلقا لأنه افتدى به ضرره.
وعن بن الزاغوني إن أكره على التسليم بالتهديد والوعيد فعليه الضمان ولا إثم وإن ناله العذاب فلا إثم ولا ضمان ذكره في القاعدة السابعة والعشرين.
وإن صادره السلطان لم يضمن على الصحيح من المذهب اختاره أبو الخطاب وقدمه في الفروع.
وقال أبو الوفاء يضمن إن فرط.
وإن أخذها منه قهرا لم يضمن عند أبي الخطاب وقطع به في التلخيص والفائق.
وعند أبي الوفاء إن ظن أخذها منه بإقراره كان دالا ويضمن.
وقال القاضي في الخلاف وأبو الخطاب في الانتصار يضمن المال بالدلالة وهو المودع.
وفي فتاوى بن الزاغوني من صادره سلطان ونادى بتهديد من عنده وديعة فلم يحملها إن لم يعينه أو عينه وتهدده ولم ينله أثم وضمن وإلا فلا انتهى.
قال الحارثي وإذا قيل التوعد ليس إكراها فتوعده السلطان حتى سلم.
350

فجواب أبي الخطاب وبن عقيل وبن الزاغوني وجوب الضمان ولا إثم وفيه بحث.
وإذا قيل إنه إكراه فنادى السلطان من لم يحمل وديعة فلان عمل به كذا وكذا فحملها من غير مطالبة أثم وضمن وبه أجاب أبو الخطاب وبن عقيل في فتاويهما.
وإن آل الأمر إلى اليمين ولا بد حلف متأولا.
وقال القاضي في المجرد له جحدها.
فعلى المذهب إن لم يحلف حتى أخذت منه وجب الضمان للتفريط وإن حلف ولم يتأول أثم.
وفي وجوب الكفارة روايتان حكاهما أبو الخطاب في الفتاوى.
قلت والصواب وجوب الكفارة مع إمكان التأويل وقدرته عليه وعلمه بذلك ولم يفعله.
ثم وجدت في الفروع في باب جامع الأيمان قال ويكفر على الأصح إن أكره على اليمين بالطلاق.
فأجاب أبو الخطاب بأنها لا تنعقد كما لو أكره على إيقاع الطلاق.
قال الحارثي وفيه بحث وحاصله إن كان الضرر الحاصل بالتغريم كثيرا يوازي الضرر في صور الإكراه فهو إكراه لا يقع وإلا وقع على المذهب انتهى.
وعند بن عقيل لا يسقط لخوفه من وقوع الطلاق بل يضمن بدفعها افتداء عن يمينه.
وفي فتاوى بن الزاغوني إن أبى اليمين بالطلاق أو غيره فصار ذريعة إلى أخذها وكإقراره طائعا وهو تفريط عند سلطان جائر نقله في الفروع في باب جامع الأيمان.
351

الثالثة لو أخر رد الوديعة بعد طلبها بلا عذر ضمن وبعذر لا يضمن كالخوف في الطريق والعجز عن الحمل وعن الوصول إليها لسيل أو نار ونحو ذلك.
وفي معنى ذلك إتمام المكتوبة وقضاء الحاجة وملازمة الغريم يخاف فوته ويمهل لأكل ونوم وهضم طعام والمطر الكثير والوحل الغزير أو لكونه في حمام حتى يخرج على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
قال في المغني وغيره إن قال أمهلوني حتى آكل فإني جائع أو أنام فإني ناعس أو ينهضم الطعام عني فإني ممتلئ أمهل بقدر ذلك.
قال الحارثي وهو الصحيح قال والظاهر من كلام غير واحد منع التأخير اعتبارا بإمكان الدفع قلت وهو ظاهر كلام الخرقي.
وقال في الترغيب والتلخيص إن أخر لكونه في حمام أو على طعام إلى قضاء غرضه ضمن وإن لم يأثم على وجه.
واختاره الأزجي فقال يجب الرد بحسب العادة إلا أن يكون تأخيره لعذر ويكون سببا للتلف فلم أر نصا ويقوى عندي أنه يضمن لأن التأخير إنما جاز بشرط سلامة العاقبة انتهى.
الرابعة لو أمره بالرد إلى وكيله فتمكن وأبى ضمن على الصحيح من المذهب ولو لم يطلبها وكيله قاله في التلخيص والفروع.
وقيل لا يضمن إلا إذا طلبها وكيله وأبى الرد.
وإذا دفعها إلى الوكيل ولم يشهد ثم جحد الوكيل لم يضمن بترك الإشهاد بخلاف الوكيل في قضاء الدين فإنه يضمن بترك الإشهاد لأن شأن الوديعة الإخفاء قاله في التلخيص وغيره.
352

وتقدم إذا ادعى الإذن في دفعها إلى إنسان في كلام المصنف وهناك ما يتعلق بهذا.
الخامسة لو أخر دفع مال أمر بدفعه بلا عذر ضمن كما تقدم نظيره في الوديعة وهذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وقيل لا يضمن واختاره أبو المعالي بناء على اختصاص الوجوب بأمر الشرع.
قلت الأمر المجرد عن القرينة هل يقتضي الوجوب أم لا.
فيه خمسة عشر قولا للعلماء.
من جملتها أن أمر الشارع للوجوب دون غيره كما اختاره أبو المعالي.
والصحيح من المذهب أنه للوجوب مطلقا.
ذكر الأقوال ومن قال بكل قول في القواعد الأصولية في القاعدة الثالثة والأربعين.
السادسة لو قال خذ هذا وديعة اليوم لا غدا وبعده يعود وديعة فقيل لا تصح الوديعة من أصلها.
وقيل تصح في اليوم الأول دون غيره.
وقيل تصح في اليوم الأول وفي بعد الغد.
قال القاضي في التعليق هي وديعة على الدوام ذكره عنه الحارثي وأطلقهن في الفروع.
وإن أمره برده في غد وبعده تعود وديعة تعين رده.
السابعة لو قال له كلما خنت ثم عدت إلى الأمانة فأنت أمين صح لصحة تعليق الإيداع على الشرط كالوكالة صرح به القاضي قاله في القاعدة الخامسة والأربعين.
353

باب احياء الموات
قوله (وهي الأرض الداثرة التي لا يعلم أنها ملكت).
قال أهل اللغة الموات من الأرض هي التي لم تستخرج ولم تعمر.
قال الحارثي وظاهر إيراد المصنف تعريف الموات بمجموع أمرين الاندراس وانتفاء العلم تحصيلا للمعنى المتقدم عن أهل اللغة أنه الذي لم يستخرج ولم يعمر وعليه نص الإمام أحمد رحمه الله وذكره.
قال ولو اقتصر المصنف على ما قالوا لكان أولى وأبين فإن الدثور يقتضي حدوث العطل بعد أن لم يكن حيث قالوا قدم ودرس وذلك يستلزم تقدم عمارة وهو مناف لانتفاء العلم بالملك.
قال ويحتمل أن يريد بالداثرة التي لم تستخرج ولم تعمر وهو الأظهر من إيراده لقوله بعده فإن كان فيها آثار الملك.
فعلى هذا يكون وصف انتفاء العلم بالملك تعريفا لما يملك بالإحياء من الموات لا لماهية الموات وذلك حكم من الأحكام.
ثم ما يملك بالإحياء لا يكفي فيه ما قال فإن حريم العامر وما كان حمى أو مصلى لا يملك مع أنه غير مملوك.
ويرد أيضا على ما قال ما علم ملكه لغير معصوم فإنه جائز الإحياء.
قال والأضبط في هذا ما قيل الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك المعصوم فيدخل كل ما يملك بالإحياء ويخرج كل ما لا يملك به انتهى.
قوله (فإن كان فيها آثار الملك ولا يعلم لها مالك فعلى روايتين).
إن كان الموات لم يجر عليه ملك لأحد ولم يوجد فيه أثر عمارة ملك بالإحياء بلا خلاف ونص عليه مرارا.
وإن علم له مالك بشراء أو عطية والمالك موجود هو أو أحد من ورثته.
354

لم يملك بالإحياء بلا خلاف بل هو إجماع حكاه بن عبد البر وغيره.
وإن كان قد ملك بالإحياء ثم ترك حتى دثر وعاد مواتا فهذا أيضا لا يملك بالإحياء كذلك إذا كان لمعصوم.
وإن علم ملكه لمعين غير معصوم فإذا أحياه بدار الحرب واندرس كان كموات أصلي يملكه المسلم بالإحياء قاله في المحرر وقدمه الحارثي.
وقال القاضي وبن عقيل وأبو الفرج الشيرازي لا يملك بالإحياء.
قال الحارثي ويقتضيه مطلق نصوصه.
وإن كان لا يعلم له مالك فهو أربعة أقسام.
أحدها ما أثر الملك فيه غير جاهلي كالقرى الخربة التي ذهبت أنهارها ودرست آثارها وقد شملها كلام المصنف ففي ملكها بالإحياء روايتان وأطلقهما الحارثي وغيره.
إحداهما لا تملك بالإحياء.
والرواية الثانية تملك بالإحياء وصححه في الحاوي الصغير والفائق والنظم وأطلقوا.
والصحيح من المذهب التفرقة بين دار الحرب ودار الإسلام كما يأتي قريبا.
تنبيه لفظ المصنف وغيره يقتضي تعميم الخلاف في المندرس بدار الإسلام وبدار الحرب.
وقد صرح به في كل منهما القاضي وبن عقيل والقاضي أبو الحسين وأبو الفرج الشيرازي والمصنف في المغني والشارح وغيرهم.
قال الحارثي وبالجملة فالصحيح المنع في دار الإسلام وكذا قال الأصحاب.
بخلاف دار الحرب فإن الأصح فيه الجواز ولم يذكر بن عقيل في التذكرة سواه.
355

قال في الرعايتين وتملك بالإحياء على الأصح قرية خراب لم يملكها معصوم.
وإذا قيل بالمنع في دار الإسلام كان للإمام إقطاعه قاله الأصحاب القاضي في الأحكام السلطانية وصاحب المستوعب والتلخيص وغيرهم.
القسم الثاني ما أثر الملك فيه جاهلي قديم كديار عاد ومساكن ثمود وآثار الروم وقد شملها أيضا كلام المصنف وكذا كلام القاضي وبن عقيل وغيرهم من الأصحاب.
ولم يذكر القاضي في الأحكام السلطانية خلافا في جواز إحيائه وكذلك المصنف في المغني وهو الصحيح من المذهب وهي طريقة صاحب المحرر والوجيز وغيرهما.
قال الحارثي وهو الحق والصحيح من المذهب فإن الإمام أحمد رحمه الله وأصحابه لا يختلف قولهم في البئر العادية وهو نص منه في خصوص النوع.
وصحح الملك فيه بالإحياء صاحب التلخيص والفائق والشرح والفروع والتصحيح وغيرهم.
القسم الثالث ما لا أثر فيه جاهلي قريب وقد شمله كلام المصنف والصحيح من المذهب أنه يملك بالإحياء قاله الحارثي وغيره.
والرواية الثانية لا يملك.
القسم الرابع ما تردد في جريان الملك عليه وفيه روايتان ذكرهما بن عقيل في التذكرة والسامري وصاحب التلخيص وغيرهم.
وقالوا الأصح الجواز.
والرواية الثانية عدم الجواز.
356

فائدتان
إحداهما لو ملكها من له حرمة أو من يشك فيه ولم يعلم لم يملك بالإحياء على الصحيح من المذهب لأنها فيء.
قال الزركشي وهو المشهور عنه وهو مقتضى كلام الخرقي واختيار أبي بكر والقاضي وعامة أصحابه كالشريف وأبي الخطاب والشيرازي انتهى.
وصححه في التصحيح وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه تملك بالإحياء.
قال في الفائق ملكت في أظهر الروايات.
وعنه تملك مع الشك في سابق العصمة اختاره جماعة قاله في الفروع منهم صاحب التلخيص وأطلقهن في الرعايتين والحاوي الصغير والنظم.
الثانية لو علم مالكها ولكنه مات ولم يعقب فالصحيح من المذهب أنها لا تملك بالإحياء.
وعنه تملك بالإحياء وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة.
فعلى المذهب للإمام إقطاعها لمن شاء.
قوله (ومن أحيا أرضا ميتة فهي له مسلما كان أو كافرا بإذن الإمام أو غير إذنه في دار الإسلام وغيرها إلا ما أحياه مسلم في أرض الكفار التي صولحوا عليها وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه لم يملك بالإحياء).
ذكر المصنف هنا مسائل.
إحداها ما أحياه المسلم من الأرض الميتة فلا خلاف في أنه يملكه بشروطه الآتية.
357

الثانية ما أحياه الكفار وهم صنفان.
صنف أهل ذمة فيملكون ما أحيوه على الصحيح من المذهب نص عليه وجزم به في الوجيز وغيره وصححه في الخلاصة وغيرها.
قال الزركشي هو المنصوص وعليه الجمهور وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والمغني والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير والشرح والفروع والفائق وشرح الحارثي وغيرهم وقيل لا يملكه وهو ظاهر قول بن حامد لكن حمل أبو الخطاب في الهداية ومن تبعه ذلك على دار الإسلام قال الحارثي وذهب فريق من الأصحاب إلى المنع منهم بن حامد أخذا من امتناع شفعته على المسلم ورد وفرق الأصحاب بينهما.
وقيل لا يملكه بالإحياء في دار الإسلام.
قال القاضي هو مذهب جماعة من الأصحاب منهم بن حامد.
قال في المذهب ومسبوك الذهب يملكه الذمي في دار الشرك وفي دار الإسلام وجهان.
فعلى المذهب المنصوص إن أحيا عنوة لزمه عنه الخراج وإن أحيا غيره فلا شيء عليه على الصحيح من المذهب.
قال الزركشي هذا أشهر الروايتين.
وعنه عليه عشر ثمره وزرعه.
والصنف الثاني أهل حرب فظاهر كلام المصنف أنهم كأهل الذمة في ذلك كله وهو ظاهر كلام جماعة منهم صاحب الوجيز وهو أحد الوجهين.
والصحيح من المذهب أنه لا يملكه بالإحياء وهو ظاهر كلامه في المغني والشرح والرعايتين وغيرهم وقدمه في الفروع.
358

قلت ويمكن حمل كلام من أطلق على أهل الذمة وأن الألف واللام للعهد لأن الأحكام جارية عليهم.
لكن يرد على ذلك كون المسألة ذات خلاف فيكون الظاهر موافقا لأحد القولين.
ويرده كون المصنف لم يحك في كتبه خلافا.
قال الحارثي والكافر على إطلاقه صحيح في أراضي الكفار لعموم الأدلة وهو الصواب.
الثالثة إن كان الإحياء بإذن الإمام فلا خلاف أنه يملكه بذلك.
وإن كان بغير إذنه ملكه أيضا على الصحيح من المذهب كما جزم به المصنف هنا فلا يشترط إذنه في ذلك وعليه جماهير الأصحاب.
قال الزركشي عليه الأصحاب نص عليه وجزم في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل لا يملكه إلا بإذنه وهو وجه في المبهج ورواية في الإقناع والواضح.
الرابعة ما أحياه المسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها على أنها لهم فهذه لا تملك بالإحياء على الصحيح من المذهب كما قطع به المصنف هنا وعليه الأصحاب.
وفيه احتمال أنها تملك بالإحياء كغيرها.
الخامسة ما قرب من العامر وتعلق بمصالحه كطرقه وفنائه ومسيل مائه ومطرح قمامته وملقى ترابه وآلاته ومرعاه ومحتطبه وحريم والبئر والنهر ومرتكض الخيل ومدفن الأموات ومناخ الإبل ونحوها.
فهذا لا يملك بالإحياء وعليه الأصحاب ونص عليه من رواية غير واحد ولا يقطعه الإمام لتعلق حقه به وقيل لملكه له.
359

تنبيه ظاهر قول المصنف في دار الإسلام وغيرها أن موات أرض العنوة كغيره وهو صحيح وهو المذهب جزم به في المستوعب.
وقدمه في المغني والمحرر والشرح والفروع والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم واختاره بن عبدوس في تذكرته.
قال الحارثي وهو أقوى.
وعنه لا تملك بالإحياء لكن تقر بيده بخراجها كما لو أحياها ذمي.
قال الحارثي وهو المذهب عند بن أبي موسى وأبي الفرج الشيرازي.
قال أبو بكر في زاد المسافر وبه أقول انتهى.
وعنه إن أحياه مسلم فعليه عشر ثمره وزرعه.
وعنه على ذمي أحيا غير عنوة عشر ثمره وزرعه.
وقيل لا موات في أرض السواد وحمله القاضي على عامره.
قال في الرعاية الكبرى وقيل لا موات في عامر السواد وقيل ولا عامرة.
فائدة هل يملك المسلم موات الحرم وعرفات بإحيائه يحتمل وجهين وأطلقهما في التلخيص والرعاية والفروع.
قلت الأولى أنه لا يملك ذلك بالإحياء ثم وجدت الحارثي قال هذا الحق.
قوله (وإن لم يتعلق بمصالحه فعلى روايتين).
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمغني والشرح والرعايتين والحاوي الصغير والفائق والمحرر وغيرهم.
إحداهما يملكه بالإحياء وهو الصحيح من المذهب.
قال في الكافي هذا المذهب وصححه في المستوعب والتلخيص والنظم والتصحيح والحارثي وغيرهم.
قال الزركشي هي أنصهما وأشهرهما عند الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
360

والثانية لا يملكه بإحيائه.
وقيل يملكه صاحب العامر دون غيره.
فوائد
إحداها حكم إقطاع ذلك حكم إحيائه.
الثانية قال في الفروع لو اختلفوا في الطريق وقت الإحياء جعلت سبعة أذرع للخبر ولا تغير بعد وضعها وإن زادت على سبعة أذرع لأنها للمسلمين نص عليه.
واختار بن بطة أن الخبر ورد في أرباب ملك مشترك أرادوا قسمته واختلفوا في قدر حاجتهم.
قلت قال الجوزجاني في المترجم عن قول الإمام أحمد رحمه الله لا بأس ببناء مسجد في طريق واسع إذا لم يضر بالطريق عنى الإمام أحمد رحمه الله من الضرر بالطريق ما وقت النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الأذرع.
قال في القاعدة الثامنة والثمانين كذا قال قال ومراده أنه يجوز البناء إذا فضل من الطريق سبعة أذرع والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع في أرض مملوكة لقوم أرادوا البناء وتشاحوا في مقدار ما يتركونه منها للطريق وبذلك فسره بن بطة وأبو حفص العكبري والأصحاب وأنكروا جواز تضييق الطريق الواسع إلى أن يبقى سبعة أذرع انتهى.
وقدم ما قدمه في الفروع في التلخيص وغيره.
الثالثة إذا نضب الماء عن جزيرة فلها حكم الموات لكل أحد إحياؤها بعدت أو قربت ذكره بن عقيل والمصنف والشارح والحارثي وغيرهم ونص عليه.
361

قال الحارثي هذا مع عدم الضرر ونص عليه انتهى.
الرابعة ما غلب الماء عليه من الأملاك واستبحر باق على ملك ملاكه لهم أخذه إذا نضب عنه نص عليه قاله الحارثي وغيره.
وقال في الفروع ولا يملك ما نضب ماؤه وفيه رواية.
تنبيهان
أحدهما مفهوم قوله ولا تملك المعادن الظاهرة.
كالملح والقار والنفط والكحل والجص وكذلك الماء والكبريت والموميا والبرام والياقوت ومقاطع الطين ونحوه أن المعادن الباطنة تملك وهو وجه واحتمال للمصنف وهو ظاهر كلام جماعة.
قال الحارثي ونص عليه في رواية حرب.
والصحيح من المذهب أنها كالمعادن الظاهرة فلا تملك.
قال المصنف والشارح وصاحب الفروع والفائق وغيرهم هذا ظاهر المذهب.
قال الحارثي قال الأصحاب لا يملك بذلك ولا يجوز إقطاعه وجزم به في الوجيز وغيره.
فائدة حكم المعادن الباطنة إذا كانت ظاهرة حكم المعادن الظاهرة الأصل.
التنبيه الثاني مفهوم قوله عن المعادن الظاهرة وليس للإمام إقطاعه أن للإمام إقطاع المعادن الباطنة وهو اختيار المصنف والشارح.
وذكر الحارثي أدلة ذلك وقال هذا قاطع في الجواز فالقول بخلافه باطل وصححه المصنف وغيره وقد هداهم الله إلى الصواب انتهى.
قال في الفائق ولا يجوز إقطاع ما لا يملك من المعادن نص عليه.
وقال الشيخ يجوز فظاهر عبارته إدخال الظاهرة والباطنة في اختيار الشيخ.
والصحيح من المذهب أنه ليس للإمام إقطاعه كالمعادن الظاهرة.
362

قال المصنف والشارح قاله أصحابنا.
وكذا قال الحارثي وقدمه في الفروع والفائق وغيرهما.
تنبيه مثل المصنف وجماعة رحمهم الله من المعادن الظاهرة بالملح.
قال الحارثي وليس على ظاهره فإن منه ما يحتاج إلى عمل وحفر وذلك من قبيل الباطن.
والصواب أن المائي منه من الظاهر وكذا الظاهر من الجبل وما احتاج إلى كشف يسير.
وأما المحتاج إلى العمل والحفر فمن قبيل الباطن.
قوله (فإن كان بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك بالإحياء).
هذا المذهب قال في الفروع والأصح أنه يملكه محييه.
قال في الرعاية والفائق والحاوي الصغير ملك بالإحياء في أصح الوجهين وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والتلخيص والشرح والوجيز وغيرهم.
وقيل لا يملك بالإحياء.
قوله (وإذا ملك المحيي ملكه بما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب والفضة).
إذا ملك الأرض بالإحياء ملكها بما ظهر فيها من المعادن ظاهرا كان أو باطنا.
قاله الأصحاب منهم القاضي وبن عقيل والمصنف والشارح والحارثي وصاحب الفروع وغيرهم.
قال الحارثي وعبارة المصنف هنا لا تفي بذلك فإنه اقتصر في موضع الجامد
363

على لفظ الباطن وهي عبارة القاضي في المجرد فيحتمل أن يريد به ما قاله في المغني وغيره وفي الإيراد قرينة تقتضيه وهو جعل الجاري قسيما للباطن.
ويحتمل إرادة الظاهر دون الباطن مما هو جامد لا يدخل في الملك انتهى.
قوله (وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن جار أو كلأ أو شجر فهو أحق به وهل يملكه على روايتين).
إذا ظهر فيه عين ماء فهو أحق بها وهل يملكه أطلق المصنف فيه روايتين وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب.
إحداهما لا يملك وهو الصحيح من المذهب صححه في المغني والشرح والتصحيح وغيرهم.
وهذه عند المصنف وكثير من الأصحاب أصح.
قال في الهداية وعنه في الماء والكلأ لا يملك وهو اختيار عامة أصحابنا وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المحرر والفروع وغيرهما.
والرواية الثانية يملك قدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة واختاره أبو بكر عبد العزيز.
قال الحارثي وهو الحق.
قال في القواعد وأكثر النصوص تدل على الملك.
وإذا ظهر فيه معدن جار فهو أحق به وهل يملك بذلك فيه الروايتان.
قال الحارثي مأخوذتان من روايتي ملك الماء ولهذا صححوا عدم الملك هنا لأنهم صححوه هناك انتهى.
وهذا المذهب أعني عدم ملكه بذلك وصححه من صححه في عدم الملك وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والمحرر وغيرهما.
وعنه يملك قال الحارثي وهو الصحيح وجزم به في الهداية والمستوعب والخلاصة وغيرهم.
364

قال الحارثي وهذا المنصوص فيكون المذهب.
وإن ظهر كلأ أو شجر فهو أحق به وهل يملكه.
أطلق المصنف فيه روايتين وأطلقهما في المذهب.
إحداهما لا يملك وهو المذهب نص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم.
قال في الهداية عليه عامة أصحابنا.
قال الحارثي وهذا أصح عند الأصحاب منهم المصنف والشارح قاله في البيع من كتابه الكبير ولم يورد أبو الفرج الشيرازي سواه وصححه في الشرح والتصحيح وغيرهما وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والمحرر وغيرهما.
والرواية الثانية يملكه قدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة.
قوله (وما فضل من مائه لزمه بذله لبهائم غيره).
هذا الصحيح لكن بشرط أن لا تجد البهائم ماء مباحا ولم يتضرر بذلك وهو من مفردات المذهب.
واعتبر القاضي وبن عقيل وصاحب المستوعب والتلخيص والرعاية وجماعة اتصاله بالمرعى.
وظاهر كلام المصنف هنا وأبي الخطاب والمحرر وغيرهم عدم اشتراط ذلك وقدمه في الفروع وهو المذهب.
وبذل ما فضل من مائه لزوما من مفردات المذهب.
قوله (وهل يلزمه بذله لزرع غيره على روايتين).
وأطلقهما في المذهب والخلاصة والمحرر والشرح.
إحداهما يلزمه وهو المذهب.
365

قال في الفروع يلزمه على الأصح لكن قال الإمام أحمد رحمه الله إلا أن يؤذيه بالدخول أو له فيه ماء السماء فيخاف عطشا فلا بأس أن يمنعه.
وقدمه في الهداية والمستوعب.
قال الحارثي هذا الصحيح واختيار أكثر الأصحاب منهم أبو الخطاب والقاضي أبو الحسين والشيرازي والشريفان أبو جعفر والزيدي وهو من مفردات المذهب.
قال الإمام أحمد ليس له أن يمنع فضل ماء يمنع به الكلأ للخبر.
قال في القاعدة التاسعة والتسعين هذا الصحيح.
والرواية الثانية لا يلزمه صححه في التصحيح والقاضي في الأحكام السلطانية وبن عقيل.
قال الحارثي ومال إليه المصنف وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق.
وقال في الروضة يكره منعه فضل مائه ليسق به للخبر.
فوائد
الأولى حيث قلنا لا يلزمه بذله جاز له بيعه بكيل أو وزن معلوم ويحرم بيعه مقدرا بمدة معلومة خلافا لمالك.
ويحرم أيضا بيعه مقدرا بالري أو جزافا قاله القاضي وغيره واقتصر عليه في الفروع.
قال القاضي وإن باع آصعا معلومة من سائح جاز كماء عين لأنه معلوم.
وإن باع كل الماء لم يجز لاختلاطه بغيره.
الثانية إذا حفر بئرا بموات للسابلة فالناس مشتركون في مائها والحافر كأحدهم في السقي والزرع والشرب قاله الأصحاب ومع الضيق يقدم الآدمي.
366

ثم الحيوان قاله الأصحاب منهم صاحب الرعايتين والفروع والفائق والحاوي الصغير وغيرهم ثم زاد في الفائق ثم الزرع وهو مراد غيره.
وقال في التلخيص ومع الضيق للحيوان ومع الضيق للآدمي والظاهر أن النسخة مغلوطة.
الثالثة لو حفرها ارتفاقا كحفر السفارة في بعض المنازل وكالأعراب والتركمان ينتجعون أرضا فيحتفرون لشربهم وشرب دوابهم فالبئر ملك لهم ذكره أبو الخطاب وقدمه الحارثي وقال هو أصح وهو الصواب.
وقال القاضي وبن عقيل والمصنف وجماعة لا يملكونها وهو المذهب.
قال في الفروع فهم أحق بمائها ما أقاموا.
وفي الأحكام السلطانية وعليهم بذل الفاضل لشاربه فقط وتبعه في المستوعب والتلخيص والترغيب والرعاية وغيرهم.
وبعد رحيلهم تكون سابلة للمسلمين.
فإن عاد المرتفقون إليها فهل يختصون بها أم هم كغيرهم فيه وجهان.
وأطلقهما في التلخيص والحارثي في شرحه والفروع.
أحدهما هم كغيرهم واختاره القاضي في الأحكام السلطانية.
والوجه الثاني هم أحق بها من غيرهم اختاره أبو الخطاب في بعض تعاليقه.
قال السامري رأيت بخط أبي الخطاب على هامش نسخة من الأحكام السلطانية قال محفوظ يعني نفسه الصحيح أنهم إذا عادوا كانوا أحق بها لأنها ملكهم بالإحياء وعادتهم أن يرحلوا في كل سنة ثم يعودون فلا يزول ملكهم عنها بالرحيل انتهى.
قلت وهو الصواب.
وقدمه في الرعاية الكبرى والفائق.
367

قال في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير فهو أولى بها في أصح الوجهين.
الرابعة لو حفر تملكا أو بملكه الحي فنفس البئر ملك له جزم به الحارثي وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال في الرعاية ملكها في الأقيس.
قال في الأحكام السلطانية إن احتاجت طيا ملكها بعده وتبعه في المستوعب وقال هو وصاحب التلخيص وإن حفرها لنفسه تملكها فما لم يخرج الماء فهو كالشارع في الإحياء وإن خرج الماء استقر ملكه إلا أن يحتاج إلى طي فتمام الإحياء بطيها انتهيا.
وتقدم هل يملك الذي يظهر فيها أم لا.
قوله (وإحياء الأرض أن يحوزها بحائط أو يجري لها ماء أو يحفر فيها بئرا).
مراده بالحائط أن يكون منيعا وظاهر كلامه أنه سواء أرادها للبناء أو للزرع أو حظيرة للغنم والخشب ونحوهما وهذا هو الصحيح من المذهب نص عليه وقطع به الخرقي وبن أبي موسى والقاضي والشريف أبو جعفر قاله الزركشي وصاحب الهداية والخلاصة والوجيز وغيرهم وقدمه في المستوعب والشرح والفروع وغيرهم.
وقيل إحياء الأرض ما عد إحياء وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها من زرع أو بناء أو إجراء ماء وهو رواية عن الإمام أحمد اختاره القاضي وبن عقيل والشيرازي في المبهج وبن الزاغوني والمصنف في العمدة وغيرهم.
وعلى هذا قالوا يختلف باختلاف غرض المحيي من مسكن وحظيرة وغيرهما فإن كان مسكنا اعتبر بناء حائط بما هو معتاد وأن يسقفه.
قال الزركشي وعلى هذه الرواية لا يعتبر أن يزرعها ويسقيها ولا أن
368

يفصلها تفصيل الزرع ويحوطها من التراب بحاجز ولا أن يقسم البيوت إذا كانت للسكنى في أصح الروايتين وأشهرهما.
والأخرى يشترط جميع ذلك ذكرها القاضي في الخصال انتهى.
وذكر القاضي رواية بعدم اشتراط التسقيف وقطع به في الأحكام السلطانية.
قال الحارثي وهو الصحيح.
قال في المغني والشرح لا يعتبر في إحياء الأرض للسكنى نصب الأبواب على البيوت.
وقيل ما يتكرر كل عام كالسقي والحرث فليس بإحياء وما لا يتكرر فهو إحياء.
قال الحارثي ولم يورد في المغني خلافه.
تنبيه قوله أو يجري لها ماء يعني إحياء الأرض أن يجري لها ماء إن كانت لا تزرع إلا بالماء.
ويحصل الإحياء أيضا بالغراس ويملكها به.
قال في الفروع ويملكه بغرس وإجراء ماء نص عليهما.
فائدة فإن كانت الأرض مما لا يمكن زرعها إلا بحبس الماء عنها كأرض البطائح ونحوها فإحياؤها بسد الماء عنها وجعلها بحال يمكن زرعها وهذا مستثنى من كلام المصنف وغيره ممن لم يستثنه.
ولا يحصل الإحياء بمجرد الحرث والزرع.
وقيل للإمام أحمد رحمه الله فإن كرب حولها قال لا يستحق ذلك حتى يحيط.
قوله (وإن حفر بئرا عادية ملك حريمها خمسين ذراعا وإن لم تكن عادية فحريمها خمسة وعشرون ذراعا).
369

يعني من كل جانب فيهما وهذا المذهب فيهما نص عليه في رواية حرب وعبد الله.
قال المصنف والشارح اختاره أكثر الأصحاب.
قال في التلخيص هذا المشهور.
قال الحارثي هذا المشهور عن أبي عبد الله وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال الزركشي نص عليه.
واختاره الخرقي والقاضي في التعليق والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما والشيرازي والشيخان وغيرهم.
وهو من مفردات المذهب قال ناظمها.
حفر بئر في موات يملك * حريمها معها بذرع يسلك.
فخمسة تملك والعشرون * وإن تكن عادية خمسون.
وعنه التوقف في التقدير نقله حرب قاله القاضي وأبو الخطاب ومن تبعهم.
قال الحارثي وهو غلط قال ولو تأملوا النص بكماله من مسائل حرب والخلال لما قالوا ذلك.
وعند القاضي حريمها قدر مد رشائها من كل جانب.
واختاره بن عقيل في التذكرة وذكر أنه الصحيح.
قال في التلخيص اختاره القاضي وجماعة.
قال الحارثي وأخشى أن يكون كلام القاضي هنا ما حكيناه في المجرد الآتي الموافق لاختيار أبي الخطاب.
وقيل قدر ما يحتاج إليه في ترقية مائها.
370

واختاره القاضي في المجرد وأبو الخطاب في الهداية.
قال المصنف في المغني والكافي والشارح وقال القاضي وأبو الخطاب ليس هذا الذرع المذكور على سبيل التحديد بل حريمها على الحقيقة ما تحتاج إليه من ترقية مائها منها فإن كان بدولاب فقدر مدار الثور أو غيره وإن كان بساينة فقدر طول البئر وإن كان يستقى منها بيده فقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
وقيل إن كان قدر الحاجة أكثر فهو حريمها.
وإن كان التحديد المذكور أكثر فهو حريمها ذكره القاضي في الأحكام السلطانية.
واختاره القاضي أبو الحسين وأبو الحسن بن بكروس.
وعند أبي محمد الجوزي إن حفرها في موات فحريمها خمسة وعشرون ذراعا من كل جانب وإن كانت كبيرة فخمسون ذراعا.
فائدة البئر العادية بتشديد الياء هي القديمة نقله بن منصور منسوبة إلى عاد ولم يرد عادا بعينها لكن لما كانت عاد في الزمن الأول وكانت لها آبار في الأرض نسب إليها كل قديم.
وعند الشيخ تقي الدين رحمه الله العادية هي التي أعيدت.
ونقل حرب وغيره العادية هي التي لم تزل وأنه ليس لأحد دخوله لأنه قد ملكه.
فوائد
منها حريم العين خمسمائة ذراع نص عليه من رواية غير واحد وقاله القاضي في الأحكام السلطانية وابنه أبو الحسين وبن بكروس وصاحب التلخيص وغيرهم قاله الحارثي وقدمه في الرعايتين والفروع والحاوي الصغير والفائق وغيرهم.
371

وقيل قدر الحاجة ولو كان ألف ذراع اختاره القاضي في المجرد وأبو الخطاب والمصنف في الكافي وغيرهم.
قال في الفروع اختاره جماعة.
ومنها حريم النهر من جانبيه ما يحتاج إليه لطرح كرايته وطريق شاويه وما يستضر صاحبه بتملكه عليه وإن كثر.
قال في الرعاية وإن كان بجنبه مسناة لغيره ارتفق بها في ذلك ضرورة.
وله عمل أحجار طحن على النهر ونحوه وموضع غرس وزرع ونحوهما انتهى.
وقال في الرعاية الصغرى ومن حفر عينا ملك حريمها خمسمائة ذراع.
وقيل بل قدر الحاجة.
قلت وكذا النهر.
وقيل بل ما يحتاجه لتنظيفه انتهى.
ومنها حريم القناة والمذهب أنه كحريم العين خمسمائة ذراع قاله الحارثي وقال واعتبره القاضي في الأحكام السلطانية بحريم النهر.
ومنها حريم الشجر قدر مد أغصانها قاله المصنف وغيره.
ومنها حريم الأرض التي للزرع ما يحتاجه في سقيها وربط دوابها وطرح سبخها وغير ذلك.
وحريم الدار من موات حولها مطرح التراب والكناسة والثلج وماء الميزاب والممر إلى الباب.
ولا حريم لدار محفوفة بملك الغير.
ويتصرف كل واحد في ملكه وينتفع به على ما جرت العادة عرفا فإن تعدى منع.
372

فائدتان
إحداهما قال في المغني ومن تابعه إن سبق إلى شجر مباح كالزيتون والخروب فسقاه وأصلحه فهو أحق به كالمتحجر الشارع في الإحياء فإن طعمه ملكه وحريمه تهيؤه لما يراد منه.
الثانية لو أذن لغيره في عمله في معدنه والخارج له بغير عوض صح لقول الإمام أحمد رحمه الله بعه بكذا فما
زاد فلك.
وقال المجد فيه نظر لكونه هبة مجهول.
ولو قال على أن يعطيهم ألفا مما لقي أو مناصفة فالبقية له فنقل حرب أنه لم يرخص فيه.
ولو قال على أن ما رزق الله بيننا فوجهان وأطلقهما في الفروع والمغني والشرح.
أحدهما لا يصح قدمه بن رزين في شرحه.
قال الحارثي أظهرهما الصحة.
قال القاضي هو قياس المذهب ولم يورد سواه وذكر فيه نص الإمام أحمد رحمه الله إذا قال صف لي هذا الزرع على أن لك ثلثه أو ربعه أنه يصح انتهى.
والوجه الثاني لا يصح.
قوله (ومن تحجر مواتا لم يملكه).
هذا الصحيح من المذهب نص عليه.
قال الحارثي المشهور عن الإمام أحمد رحمه الله عدم الاستقلال انتهى وعليه الأصحاب.
قال الحارثي وعن الإمام أحمد رحمه الله رواية أنه ما أفاده الملك وهو الصحيح انتهى.
373

قوله (وهو أحق به ووارثه بعده ومن ينقله إليه بلا نزاع).
وقوله وليس له بيعه.
هو المذهب وعليه الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي وبن منجا والفروع والفائق وغيرهم.
وقيل يجوز له بيعه وهو احتمال لأبي الخطاب وأطلقهما في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير.
تنبيه قال الحارثي عن القول الذي حكاه المصنف قد يراد به إفادة التحجر للملك وقد يراد به الجواز مع عدم الملك وهو ظاهر إيراد الكتاب وإيراد أبي الخطاب في كتابه.
قال والتجويز مع عدم الملك مشكل جدا وهو كما قال.
فائدة تحجر الموات هو الشروع في إحيائه مثل أن يدير حول الأرض ترابا أو أحجارا أو يحيطها بجدار صغير أو يحفر بئرا لم يصل إلى مائها نقله حرب وقاله الأصحاب.
أو يسقي شجرا مباحا ويصلحه ولم يركبه فإن ركبه ملكه كما تقدم وملك حريمه وكذا لو قطع مواتا لم يملكه على ما يأتي في كلام المصنف.
قوله (فإن لم يتم إحياءه).
يعني وطالت المدة كما صرح به القاضي وبن عقيل والمصنف في المغني وغيرهم فيقال له إما أن تحييه أو تتركه فإن طلب الإمهال أمهل الشهرين والثلاثة وهكذا قال في المستوعب والشرح وشرح بن منجا والفروع.
وقال في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق ويمهل شهرين وقيل ثلاثة.
374

وقال في الهداية والمذهب والخلاصة والمغني والتلخيص وجماعة امهل الشهر والشهرين.
قال الحارثي عليه المعظم.
قال في الوجيز ويمهل مدة قريبة بسؤاله انتهى.
قلت فلعل ذلك يرجع إلى اجتهاد الحاكم.
ثم وجدت الحارثي قال وتقدير مدة الإمهال يرجع إلى رأي الإمام من الشهر والشهرين والثلاثة بحسب الحال.
قال والثلاثة انفرد بها المصنف هنا وكأنه ما راجع المستوعب والشرح.
تنبيه فائدة الإمهال انقطاع الحق بمضي المدة على الترك.
قال في المغني وإن لم يكن له عذر في الترك قيل له إما أن تعمر وإما أن ترفع يدك فإن لم يعمرها كان لغيره عمارتها.
قال الحارثي وهذا يقتضي أن ما تقدم من الإمهال مخصوص بحالة العذر أو الاعتذار أما إن علم انتفاء العذر فلا مهلة.
قال وينبغي تقييد الحال بوجود متشوف إلى الإحياء أما مع عدمه فلا اعتراض سوى ترك لعذر أو لا انتهى.
قوله (فإن أحياه غيره فهل يملكه على وجهين).
يعني لو بادر غيره في مدة الإمهال وأحياه وأطلقهما في الهداية والمستوعب والخلاصة والكافي والمغني والتلخيص والمحرر والشرح وشرح بن منجا والحارثي والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق والقواعد الفقهية.
إحداهما لا يملكه صححه في المذهب والنظم والتصحيح وجزم به في الوجيز.
375

والوجه الثاني يملكه اختاره القاضي وبن عقيل قال الناظم وهو بعيد.
فائدتان
الأولى لو أحياه غيره قبل ضرب مدة المهلة لم يملكه على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وقيل يملكه.
قال المصنف والشارح حكم الإحياء قبل ضرب مدة المهلة حكم الإحياء في مدة المهلة على ما تقدم ويحتمله كلام المصنف.
وأما إذا أحياه الغير بعد انقضاء المهلة فإنه يملكه لا أعلم فيه خلافا وتقدم ذلك.
الثانية قال في الفروع بعد أن ذكر الخلاف المتقدم ويتوجه مثله في نزوله عن وظيفته لزيد هل يتقرر غيره فيها.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله فيمن نزل له عن وظيفة الإمامة لا يتعين المنزول له ويولي من إليه الولاية من يستحق التولية شرعا.
وقال بن أبي المجد لا يصح تولية غير المنزول له فإن لم يقرره الحاكم وإلا فالوظيفة باقية للنازل انتهى.
قلت وقريب منه ما قاله المصنف وتبعه الشارح وغيره فيما إذا آثر شخصا بمكانه فليس لأحد أن يسبقه إليه لأنه
قام مقام الجالس في استحقاق مكانه أشبه ما لو تحجر مواتا ثم آثر به غيره.
وقال بن عقيل يجوز لأن القائم أسقط حقه بالقيام فبقي على الأصل فكان السابق إليه أحق به كمن وسع لرجل في طريق فمر غيره والصحيح الأول.
ويفارق التوسعة في الطريق لأنها جعلت للمرور فيها كمن انتقل من مكان فيها لم يبق له حق حتى يؤثر به والمسجد جعل للإقامة فيه ولذلك
376

لا يسقط حق المنتقل منه إذا انتقل لحاجة وهذا إنما انتقل مؤثرا لغيره فأشبه النائب الذي بعثه إنسان ليجلس في موضع يحفظه له انتهى.
قلت الذي يتعين ما قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله إلا إذا كان المنزول له أهلا ويوجد غير أهل فإن المنزول له أحق مع أن هذا لا يأباه كلام الشيخ تقي الدين.
قوله (وللإمام إقطاع موات لمن يحييه ولا يملكه بالإقطاع بل يكون كالمتحجر الشارع في الإحياء).
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
قال الحارثي وقال مالك رحمه الله يثبت الملك بنفس الإقطاع يبيع ويهب ويتصرف ويورث عنه قال وهو الصحيح إعمالا لحقيقة الإقطاع وهو التمليك.
فائدتان
إحداهما للإمام إقطاع غير الموات تمليكا وانتفاعا للمصلحة دون غيرها.
الثانية قسم الأصحاب الإقطاع إلى ثلاثة أقسام إقطاع تمليك وإقطاع استغلال وإقطاع إرفاق.
وقسم القاضي إقطاع التمليك إلى موات وعامر ومعادن.
وجعل إقطاع الاستغلال على ضربين عشر وخراج.
وإقطاع الإرفاق يأتي في كلام المصنف.
قوله (وله إقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ورحاب المسجد ما لم يضيق على الناس فيحرم ولا تملك بالإحياء بلا نزاع ويكون المقطع أحق بالجلوس فيها ما لم يعد فيه الإمام).
377

تنبيه تجويز المصنف إقطاع الجلوس برحاب المسجد اختيار منه لكونها ليست مسجدا لامتناع ذلك في المسجد واختيار الخرقي والمجد قاله الحارثي.
وتقدم هل رحبة المسجد من المسجد أو لا في باب الاعتكاف.
قوله (فإن لم يقطعها فلمن سبق إليها الجلوس فيها ويكون أحق بها ما لم ينقل قماشه عنها هذا المذهب).
أعني أنها من المرافق وأن له الجلوس فيها ما بقي قماشه.
قال في الفروع ومع عدم إقطاع للسابق الجلوس على الأصح ما بقي قماشه وجزم به في المغني والشرح والوجيز والرعاية وغيرهم.
وعنه ليس له ذلك وعنه له ذلك إلى الليل.
قال الحارثي ونقل القاضي في الأحكام السلطانية رواية بالمنع من الجلوس في الطرق الواسعة للتعامل فيها فلا تكون من المرافق.
قال والأول أصح.
تنبيه ظاهر كلام المصنف أنه لا يفتقر في الجلوس في هذه الأمكنة إلى إذن الإمام في ذلك وهو صحيح وهو المذهب وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب.
قال في القواعد هذا قول الأكثر.
قال الحارثي هذا المذهب.
وقيل يفتقر إلى إذن وهو رواية حكاها في الأحكام السلطانية ذكره في القاعدة الثامنة والثمانين وأطلقهما في الفروع.
فائدتان
إحداهما لو أجلس غلامه أو أجنبيا ليجلس هو إذا عاد إليه فهو كما لو ترك المتاع فيه لاستمرار يده بمن هو في جهته ولو آثر به رجلا فهل للغير السبق إليه فيه وجهان.
378

أحدهما لا اختاره المصنف.
والثاني نعم.
قال الحارثي وهو أظهر.
قلت وهو الصواب.
وتشبه هذه المسألة ما ذكرنا في آخر باب الجمعة لو آثر بمكانه شخصا فسبقه غيره على ما تقدم هناك.
الثانية له أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه من بارية وكساء ونحوه وليس له أن يبني دكة ولا غيرها.
قوله (فإن أطال الجلوس فيها فهل يزال على وجهين).
وأطلقهما في المذهب والكافي والمغني والمحرر والشرح والفائق والفروع.
أحدهما لا يزال صححه في التصحيح والنظم وجزم به في الوجيز وهو ظاهر ما جزم به في المنور.
قال الحارثي وهذا اللائق بأصول الأصحاب حيث قالوا بالإقطاع.
والوجه الثاني يزال.
قال الحارثي هذا أظهرهما عندهم.
قال في الخلاصة والرعاية الصغرى والحاوي الصغير منع في أصح الوجهين.
قال في القواعد وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية حرب وقدمه في الهداية والمستوعب والتلخيص والرعاية الكبرى وشرح بن رزين.
قوله (فإن سبق اثنان أقرع بينهما).
هذا المذهب بلا ريب وجزم به في الخلاصة والوجيز والمنور وغيرهم.
379

وقدمه في الهداية والمستوعب والمحرر والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق وشرح الحارثي والقواعد الفقهية وتجريد العناية وغيرهم.
قال الحارثي هذا المذهب.
وقيل يقدم الإمام من يرى منهما.
وهو وجه حكاه القاضي فمن بعده وأطلقهما في التلخيص والمذهب والشرح.
وكذا الحكم لو استبقا إلى موضع في رباط مسبل أو خان أو استبق فقيهان إلى مدرسة أو صوفيان إلى خانقاه ذكره الحارثي وتبعه في القواعد وقال هذا يتوجه على أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما في المدارس والخوانق المختصة بوصف معين لأنه لا يتوقف الاستحقاق فيهما على تنزيل ناظر.
فأما على الوجه الآخر وهو توقف الاستحقاق على تنزيله فليس إلا ترجيحه له بنوع من الترجيحات.
وقد يقال إنه يترجح بالقرعة مع التساوي انتهى.
قوله (ومن سبق إلى معدن فهو أحق بما ينال منه).
هذا المذهب جزم به في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والوجيز وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل من أخذ من معدن فوق حاجته منع منه ذكره في الرعاية الكبرى.
قال في المغني والشرح فإن أخذ قدر حاجته وأراد الإقامة فيه بحيث يمنع غيره منع من ذلك.
قوله (وهل يمنع إذا طال مقامه يعني الآخذ على وجهين).
أطلقهما في المغني والمحرر والشرح والرعاية الكبرى والفروع والفائق.
أحدهما لا يمنع وهو الصحيح من المذهب.
380

قال في المستوعب والتلخيص والصحيح أنه لا يمنع ما دام آخذا.
قال الحارثي أصحهما لا يمنع وصححه في التصحيح وجزم به في الوجيز.
والوجه الثاني يمنع وقدمه في الهداية والرعاية الصغرى والحاوي.
وقيل يمنع مع ضيق المكان.
قال الحارثي قطع به بن عقيل.
فائدة لو استبق اثنان فأكثر إلى معدن مباح فضاق المكان عن أخذهم جملة واحدة فالصحيح من المذهب أنه يقرع بينهم.
قال في الرعاية الصغرى وإن سبق إليه اثنان معا وضاق بهما اقترعا وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع والقواعد الفقهية.
وقيل يقدم الإمام من شاء وهو احتمال في المغني والشرح.
وقيل بالقسمة.
قال في المغني والشرح وذكر القاضي وجها رابعا وهو أن الإمام ينصب من يأخذ ويقسم بينهما.
وقال القاضي أيضا إن كان أحدهما للتجارة هايأها الإمام بينهما باليوم أو الساعة بحسب ما يرى لأنه يطول.
وإن كان للحاجة فاحتمالات أحدها القرعة والثاني ينصب من يأخذ لهما ثم يقسم والثالث يقدم من يراه أحوج وأولى.
وقال في الرعاية الكبرى وإن سبق أحدهما قدم فإن أخذ فوق حاجته منع وقيل لا.
وقيل إن أخذه للتجارة هايأ الإمام بينهما وإن أخذه لحاجة فأربعة أوجه المهايأة والقرعة وتقديم من يرى الإمام وأن ينصب من يأخذه ويقسمه بينهما انتهى.
وذكر في الفروع الأوجه الأربعة من تتمة قول القاضي.
381

قوله (ومن سبق إلى مباح كصيد وعنبر وسمك ولؤلؤ ومرجان وحطب وثمر وما ينتبذه الناس رغبة عنه فهو أحق به).
وكذا لو سبق إلى ما ضاع من الناس مما لا تتبعه الهمة وكذا اللقيط وما يسقط من الثلج والمن وسائر المباحات فهو أحق به وهذا بلا نزاع.
قوله (وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما).
هذا المذهب قال في الفروع وهو الأصح واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به في المغني والشرح والوجيز وغيرهم.
قال في القواعد الفقهية فأما أن وقعت أيديهما على المباح فهو بينهما بغير خلاف وإن كان في كلام بعض الأصحاب ما يوهم خلاف ذلك فليس بشيء وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل يقترعان وقدمه في الفروع.
وقيل يقدم الإمام أيهما شاء.
وقال الحارثي ثم إن أبا الخطاب في كتابه قيد اقتسامهما بما إذا كان الأخذ للتجارة.
ثم قال وإن كان للحاجة احتمل ذلك أيضا واحتمل أن يقرع بينهما واحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما.
وتابعه عليه السامري وصاحب التلخيص وغيرهما.
وهذا عندي غلط فإن المباح إذا اتصل به الأخذ استقر الملك عليه ولا بد لوجود السبب المفيد له مع أن القرعة لم ترد في هذا النوع ولا شيء منه.
وكيف يختص به أحدهما مع قيام السبب بكل واحد منهما.
نعم قد يجري ما قال فيما إذا ازدحما عليه ليأخذاه.
382

ثم قال والصواب ما اقتصر عليه المصنف من الاقتسام مع عدم الفرق بين التجارة والحاجة انتهى.
تنبيه فعلى المذهب قال الحارثي إنما يتأتى هذا في المنضبط الداخل تحت اليد كالصيد والسمك واللؤلؤ والمرجان والمنبوذ.
أما ما لا ينضبط كالشعر أو ثمر الجبل فالملك فيه مقصور على القدر المأخوذ قل أو كثر انتهى.
فائدة وكذا الحكم في السبق إلى الطريق قاله في الفروع وغيره.
وقال الأدمى البغدادي بالقسمة هنا.
فائدتان
إحداهما لو ترك دابته بفلاة أو مهلكة ليأسه منها أو عجزه عن علفها ملكها آخذها على الصحيح من المذهب نص عليه من رواية صالح وبن منصور وعليه جماهير الأصحاب وقطع به في المحرر وغيره وقدمه في الفروع وشرح الحارثي وغيرهما وهو من مفردات المذهب.
وقيل لا يملكها وهو وجه خرجه بن أبي موسى كالرقيق وترك المتاع عجزا بلا نزاع فيهما.
ويرجع بالنفقة على الرقيق وأجرة حمل المتاع على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل لا يرجع وهو وجه ذكره القاضي أخذا من انتفاء الأخذ في اللقطة وهو رواية في العبد ذكرها أبو بكر.
الثانية لو ألقى متاعه في البحر خوف الغرق فقال الحارثي نص الإمام أحمد في المتاع يقتضي أن ما يلقيه ركاب السفينة مخافة الغرق باق على ملكهم انتهى وهو أحد الوجهين.
وقيل يملكه آخذه قدمه في الفائق وهو احتمال في المغني وصححه في
383

النظم وقدمه في الرعايتين وذكره في آخر اللقطة وأطلقهما في الفروع والحاوي الصغير.
فعلى الوجه الأول لآخذه الأجرة على الصحيح وقيل لا أجرة له.
قوله (وإذا كان الماء في نهر غير مملوك كمياه الأمطار فلمن في أعلاه أن يسقي ويحبس حتى يصل الماء إلى كعبه ثم يرسل إلى من يليه).
الماء إذا كان جاريا وهو غير مملوك لا يخلو إما أن يكون نهرا عظيما كالنيل والفرات ودجلة وما أشبهها أو لا.
فإن كان نهرا عظيما فهذا لا تراحم فيه ولكل واحد أن يسقي منه ما شاء متى شاء كيف شاء.
وإن كان نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه ويتشاحون في مائه أو سيلا يتشاح فيه أهل الأرضين الشاربة منه فإنه يبدأ بمن في أول النهر فيسقي ويحبس الماء حتى يصل إلى كعبه نص عليه ثم يرسل إلى من يليه كذلك وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي كلها فإن لم يفضل عن الأول شيء أو عن الثاني أو من يليهم فلا شيء للباقين.
فإن كانت أرض صاحب الأعلى مختلفة منها ما هو مستعمل ومنها ما هو مستقل سقى كل واحدة منهما على حدتها قاله في المغني والشرح وشرح الحارثي وغيرهم وقطعوا به.
وقال في الترغيب إن كانت الأرض العليا مستقلة سدها إذا سقى حتى يصعد إلى الثاني.
فائدتان
إحداهما لو استوى اثنان في القرب من أول النهر اقتسما الماء بينهما إن أمكن وإن لم يمكن أقرع بينهما فيقدم من قرع.
384

فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى من تقع له القرعة بقدر حقه من الماء ثم يتركه للآخر وليس له أن يسقي بجميع الماء لمساواة الآخر له وإنما القرعة للتقدم بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حق إلا في الفاضل عن الأعلى قاله المصنف وغيره وهو واضح.
وإن كانت أرض أحدهما أكثر من أرض الآخر قسم الماء بينهما على قدر الأرض.
الثانية لو احتاج الأعلى إلى الشرب ثانيا قبل انتهاء سقي الأراضي لم يكن له ذلك قدمه الحارثي ونصره.
وقال القاضي له ذلك.
قوله (فإن أراد إنسان إحياء أرض بسقيها منه جاز ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه).
إذا كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك أو سيل فجاء إنسان ليحيي مواتا أقرب إلى رأس النهر من أرضهم لم يكن له أن يسقي قبلهم على المذهب.
واختار الحارثي أن له ذلك قال وظاهر الأخبار المتقدمة وعمومها يدل على اعتبار السبق إلى أعلى النهر مطلقا.
قال وهو الصحيح.
وهل لهم منعه من إحياء ذلك الموات على وجهين وأطلقهما في المغني والشرح والفروع والفائق.
أحدهما ليس لهم منعه من ذلك.
قال الحارثي وهو أظهر وقدمه بن رزين في شرحه وجزم به في الكافي.
والوجه الثاني لهم منعه.
قال الحارثي وهو المفهوم من إيراد الكتاب.
385

فعلى الأول لو سبق إلى مسيل ماء أو نهر غير مملوك فأحيا في أسفله مواتا ثم أحيا آخر فوقه ثم أحيا ثالث فوق الثاني كان للذي أحيا السفل أولا ثم الثاني ثم الثالث فيقدم السبق إلى الإحياء على السبق إلى أول النهر وعلى ما اختاره الحارثي ينعكس ذلك.
فائدة لو كان الماء بنهر مملوك كمن حفر نهرا صغيرا ساق إليه الماء من نهر كبير فما حصل فيه ملكه على الصحيح من المذهب.
ويجيء على قولنا إن الماء لا يملك أن حكم هذا الماء في هذا النهر حكمه في نهر غير مملوك.
قلت وفيه نظر لأنه بدخوله في نهره كدخوله في قريته وراويته ومصنعة.
وعند القاضي ومن وافقه أن الماء باق على الإباحة كما قبل الدخول إلا أن مالك النهر أحق به.
فعلى المذهب لو كان لجماعة فهو بينهم على حسب العمل والنفقة.
فإن كفى جميعهم فلا كلام وإن لم يكفهم وتراضوا على قسمته بالمهايأة أو غيرها جاز.
فإن تشاحوا في قسمته قسمه الحاكم بينهم على قدر أملاكهم.
فيأخذ خشبة صلبة أو حجرا مستوي الطرفين والوسط فيوضع على موضع مستوى من الأرض في مصدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم يخرج من حز أو ثقب إلى ساقية مفردة لكل واحد منهم فإذا حصل في ساقيته فله أن يسقي به ما شاء من الأرض سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن وله أن يعطيه من يسقي به هذا الصحيح من المذهب قدمه في المغني والشرح ونصراه.
وقدمه أيضا في المحرر والمغني والنظم والفروع وغيرهم في باب القسمة.
386

ويأتي بعض ذلك مصرحا به في كلام المصنف في باب القسمة.
وقال القاضي ليس له سقي أرض لها رسم شرب من هذا الماء انتهى.
ولكل واحد من الشركاء أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب من عمل رحى عليها أو دولاب أو عبارة وهي خشبة تمد على طريق النهر أو قنطرة يعبر الماء فيها وغير ذلك من التصرفات.
فأما النهر المشترك فليس لواحد منهم أن يتصرف فيه بشيء من ذلك.
قاله المصنف وبن عقيل والقاضي والشارح وغيرهم.
وقال القاضي وبن عقيل هل له أن ينصب عبارة يجري الماء فيها من موضع آخر على روايتين نص عليهما فيمن أراد أن يجري ماءه في أرض غيره ليسقي زرعه وكان به حاجة إليه هل يجوز على روايتين.
زاد بن عقيل الأصح المنع وكذا قال المصنف.
قال المصنف والشارح والصحيح أنه لا يجوز هنا ولا يصح قياس هذا على إجراء الماء في أرض غيره.
قوله (وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه بلا نزاع).
وسواء كان النبي صلى الله عليه وسلم حماه لنفسه أو لغيره وهذا مع بقاء الحاجة إليه ومن أحيا منه شيئا لم يملكه.
لكن لو زالت الحاجة إليه فهل يجوز نقضه فيه وجهان.
أحدهما لا يجوز وهو الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وصححه المصنف والشارح وصاحب الفائق.
وقيل يجوز نقضه والحالة هذه.
قوله (وما حماه غيره من الأئمة فهل يجوز نقضه على وجهين).
387

وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والتلخيص والشرح والرعايتين والحاوي الصغير.
أحدهما يجوز نقضه وهو الصحيح من المذهب صححه في التصحيح والفائق واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المحرر والفروع.
والوجه الثاني لا يجوز نقضه.
فعلى هذا الوجه يملكه محييه على الصحيح صححه في الفائق وجزم به في الكافي.
قال الشارح وهو أولى.
وقيل لا يملكه وأطلقهما في المغني والمحرر والفروع والرعاية.
قال في الفروع ويتوجه في نقض الإطلاقات الخلاف.
ونقل حرب القطائع جائز وأنكر شديدا قول مالك رحمه الله لا بأس بقطائع الأمراء.
وقال يزعم أنه لا بأس بقطائعهم.
وقال في رواية يعقوب قطائع الشام والجزيرة من المكروهة كانت لبني أمية فأخذها هؤلاء.
ونقل محمد بن داود ما أدري ما هذه القطائع يخرجونها ممن شاؤوا.
قال أبو بكر لأنه يملكها من أقطعها فكيف تخرج منه.
388

باب الجعالة
فائدة قوله وهي أن يقول من رد عبدي أو لقطتى أو بنى لي هذا الحائط فله كذا.
قال في الرعاية وهي أن يجعل زيد شيئا معلوما لمن يعمل له عملا معلوما أو مجهولا مدة مجهولة.
قال الحارثي وهي في اصطلاح الفقهاء جعل الشيء من المال لمن يفعل أمر كذا.
قال وهذا أعم مما قال المصنف لتناوله الفاعل المبهم والمعين وما قال لا يتناول المعين انتهى.
قلت لكنه يدخل بطريق أولى.
تنبيه قوله من رد عبدي يقتضي صحة العقد في رد الآبق.
وسيأتي آخر الباب أن لرد الآبق جعلا مقدرا بالشرع.
فالمستفاد إذن بالعقد ما زاد على المقدر المشروع.
فوجود الجعالة يوجب أكثر الأمرين من المقدر والمشروط قاله الحارثي.
وظاهر كلام الأكثر أنه لا يستحق إلا ما شرطه له وإن كان أقل من دينار وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
فائدة الجعالة نوع إجارة لوقوع العوض في مقابلة منفعة وإنما تميز بكون الفاعل لا يلتزم الفعل وبكون العقد قد يقع مبهما لا مع معين ويجوز في الجعالة الجمع بين تقدير المدة والعمل على الصحيح من المذهب.
وقيل لا كالإجارة.
وتقدم ذلك في الإجارة أيضا.
389

قوله (فمن فعله بعد أن بلغه الجعل استحقه بلا نزاع).
فإن كانوا جماعة فهو بينهم بالسوية.
وإن بلغه في أثنائه استحق بالقسط.
فإن تلف الجعل كان له مثله إن كان مثليا وإلا قيمته على الصحيح من المذهب.
وقال في التبصرة إذا عين عوضا ملكه بفراغ العمل فلو تلف فله أجرة المثل.
فائدة لو رده من نصف الطريق المعينة أو قال من رد عبدي فرد أحدهما فله نصف الجعل وإن رده من ثلث الطريق استحق الثلث ومن ثلثي الطريق استحق الثلثين.
فيستحق إذا رده من أقرب من الموضع الذي عينه بالقسط.
وإن رده من مسافة أبعد من المعينة فله المسمى لا غير ذكره في التلخيص وتبعه في الرعاية وغيره واقتصر عليه في الفروع.
قوله (وتصح على مدة مجهولة وعمل مجهول إذا كان العوض معلوما).
يشترط أن يكون العوض معلوما كالأجرة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وقال المصنف في المغني ويحتمل أن تصح الجعالة مع الجهل بالعوض إذا كان الجهل لا يمنع التسليم نحو أن يقول من رد عبدي الآبق فله نصفه ومن رد ضالتي فله ثلثها.
قال الإمام أحمد رحمه الله إذا قال الأمير في الغزو من جاء بعشرة رؤوس فله رأس جاز.
390

وقالوا إذا جعل جعلا لمن يدله على قلعة أو طريق سهل وكان الجعل من مال الكفار كجارية بعينها جاز فيخرج هنا مثله انتهى.
وقال الحارثي يشترط كون الجعل معلوما.
فإن شرط عوضا مجهولا فسد العقد.
وإن قال فلك ثلث الضالة أو ربعها صح على ما نص عليه في الثوب ينسج بثلثه والزرع يحصد والنخل يصرم بسدسه لا بأس به وفي الغزو من جاء بعشرة أرؤس فله رأس جاز.
وعند المصنف لا يصح وللعامل أجرة المثل والأول المذهب.
وذكر المصنف في أصل المسألة وجها بجواز الجهالة التي لا تمنع التسليم ونظر بمسألة الثلث واستشهد بنصه الذي حكيناه في الغزو وبما إذا جعل جعلا لمن يدله على قلعة أو طريق سهل وكان الجعل من مال الكفار جاز أن يكون مجهولا كجارية يعينها للعامل قال فيخرج هنا مثله انتهى.
وقد قطع في الرعايتين والحاوي الصغير مع اشتراطهم أن يكون الجعل معلوما فظاهره أن جعل جزء مشاع من الضالة ليس بمجهول.
فائدة إذا كانت الجهالة تمنع التسليم لم تصح الجعالة قولا واحدا ويستحق أجرة المثل مطلقا وكذا إن كانت لا تمنع التسليم على المذهب كما تقدم وله أجرة المثل.
فائدة لو قال من داوى لي هذا حتى يبرأ من جرحه أو مرضه أو رمده فله كذا لم يصح مطلقا على الصحيح من المذهب قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم واختاره القاضي.
وقيل تصح جعالة اختاره بن أبي موسى والمصنف نقله الزركشي في الإجارة.
391

وقيل تصح إجارة.
قوله (وإن اختلفا في أصل الجعل أو قدره فالقول قول الجاعل).
هذا المذهب في قدره وعليه جمهور الأصحاب.
قال القاضي هذا قياس المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع وغيرهم.
وقيل يتحالفان في قدر الجعل قياسا على اختلاف الأجير والمستأجر في قدر الأجرة وهذا احتمال للقاضي وتبعه من بعده على ذلك وهو تخريج في الرعاية.
فعليه يفسخ العقد وتجب أجرة المثل.
تنبيه قال الحارثي في شرحه في قول المصنف فالقول قول الجاعل تجوز منه فإنه ليس بجاعل فيما إذا اختلفا في أصل الجعالة انتهى.
قلت إنما حكم بكونه جاعلا في المسألتين في الجملة.
أما في اختلافهم في قدر الجعل فهو جاعل بلا ريب.
وأما في اختلافهم في أصل الجعل فليس بجاعل بالنسبة إلى نفسه وهو جاعل بالنسبة إلى زعم غريمه.
فعلى الأول يكون من باب إطلاق اللفظ المتواطئ إذا أريد به بعض محاله وهو كثير شائع في كلامهم على ما تقدم في كتاب الطهارة.
فائدة وكذا الحكم لو اختلفا في قدر المسافة.
تنبيه ظاهر قوله ومن عمل لغيره عملا بغير جعل فلا شيء له.
ولو كان العمل تخليص متاع غيره من فلاة ولو كان هلاكه فيه محققا أو قريبا منه كالبحر وفم السبع وهو قول القاضي في المجرد وله احتمال بذلك في غير المجرد وهو ظاهر كلام جماعة من الأصحاب.
392

والصحيح من المذهب المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يستحق أجرة مثله في ذلك بخلاف اللقطة وعليه الأصحاب.
وكذلك لو انكسرت السفينة فخلص قوم الأموال من البحر فإنه يجب لهم الأجرة على الملاك ذكره في المغني والشرح وشرح بن رزين وغيرهم.
وألحق القاضي وبن عقيل والمصنف وجماعة بذلك العبد إذا خلصه من فلاة مهلكة وقدمه في الفروع وغيره.
ذكره في باب إحياء الموات.
وتقدمت الإشارة إلى ذلك هناك.
وحكى القاضي احتمالا في العبد بعدم الوجوب كاللقطة.
وأورد في المجرد على نص الإمام أحمد رحمه الله فيمن خلص من فم السبع شاة أو خروفا أو غيرهما أنه لمالكه الأول ولا شيء للمخلص.
وقال المجد في مسودته وعندي أن كلام الإمام أحمد رحمه الله على ظاهره في وجوب الأجرة على تخليص المتاع من المهالك دون الآدمي لأن الآدمي أهل في الجملة لحفظ نفسه.
قال في القاعدة الرابعة والثمانين وفيه نظر فقد يكون صغيرا أو عاجزا وتخليصه أهم وأولى من المتاع وليس في كلام الإمام أحمد تفرقة انتهى.
فائدتان
إحداهما لو تلف ما خلصه من هلكة لم يضمنه منقذه على الصحيح من المذهب.
وقيل يضمنه حكاه في التلخيص.
قال في القاعدة الثالثة والأربعين وفيه بعد.
الثانية متى كان العمل في مال الغير إنقاذا له من التلف المشرف عليه كان جائزا كذبح الحيوان المأكول إذا خيف موته صرح به في المغني والشرح
393

وشرح ابن رزين وغيرهم واقتصر عليه في آخر القاعدة الرابعة والسبعين وقال ويفيد هذا أنه لا يضمن ما نقص بذبحه.
تنبيه مراد المصنف وغيره بقولهم ومن عمل لغيره عملا بغير جعل فلا شيء له غير المعد لأخذ الأجرة.
فأما المعد لأخذها فله الأجرة قطعا كالملاح والمكاري والحجام والقصار والخياط والدلال ونحوهم ممن يرصد نفسه للتكسب بالعمل فإذا عمل استحق أجرة المثل نص عليه.
وتقدم بعض ذلك في باب الإجارة.
قوله (إلا في رد الآبق).
هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه.
وعنه لا شيء لراده من غير جعالة اختاره المصنف وقال هو ظاهر كلام الخرقي.
ونازع الزركشي المصنف في كون هذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أو أنه ظاهر كلام الخرقي.
قوله (فإن له بالشرع دينارا أو اثني عشر درهما).
هذا المذهب قال في الرعاية وشرح الحارثي وغيرهما وسواء كان يساويهما أو لا وسواء كان زوجا أو ذا رحم في عيال المالك أو لا قاله الحارثي وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير والفروع وغيرهم.
وعنه إن رده من خارج المصر فله أربعون درهما قربت المسافة أو بعدت.
قال المصنف وتبعه الشارح والفائق اختاره الخلال.
وعنه من المصر عشرة قال الخلال استقرت عليه الرواية.
394

قال القاضي هذه رواية واحدة وجزم به بن البنا في خصاله وصاحب عيون المسائل وقال الرواية الصحيحة من خارج المصر دينار أو عشرة دراهم.
قال في الفائق ولو رد الآبق فله بغير شرط عشرة دراهم.
وعنه اثنى عشر.
وعنه أربعون درهما من خارج المصر.
قال الزركشي في المغني إذا رده من المصر دينار أو عشرة دراهم وفي الكافي دينار أو اثني عشر درهما وفي رواية أخرى دينار.
وفي خلافي الشريف وأبي الخطاب والجامع الصغير دينار أو اثني عشر درهما في رواية وفي أخرى عشرة دراهم انتهى.
وتقدم كلام القاضي وبن البنا والحلواني.
وقال الحارثي إذا رده من داخل المصر فله عشرة دراهم قولا واحدا نص عليه في رواية حرب وقال لا أعلم نصا بخلافه.
وفي كتاب الروايتين للقاضي لا تختلف الرواية أنه إذا جاء به من المصر أن له عشرة دراهم.
وقاله بن أبي موسى في الإرشاد.
ونقله أبو بكر في زاد المسافر والتنبيه.
وقاله القاضي أيضا في المجرد وبن عقيل في الفصول ولم يوردوا سواه.
قال فأما في المقنع والهداية والمستوعب والفروع لأبي الحسين والأعلام لابن بكروس والمحرر وغيرهم من التقدير بالدينار أو اثني عشر وفي داخل المصر كما في خارجه فلا يثبت.
وأصل ذلك كله قول القاضي في الجامع الصغير من رد آبقا استحق دينارا أو اثني عشر درهما سواء جاء به من المصر أو خارج المصر في إحدى
395

الروايتين والأخرى إن جاء به من المصر استحق عشرة دراهم وإن جاء به من خارج المصر استحق أربعين درهما.
فمنهم من حكى ذلك كله ومنهم من اختص العشرة في المصر بناء على أنها معنى الدينار وأن الدينار قد يقوم بالعشرة والاثني عشر فيكون داخلا في الرواية الأولى.
قال وهذا الذي قاله القاضي من استحقاق الدينار أو الاثني عشر في المصر لا أصل له في كلام الإمام أحمد رحمه الله البتة ولا دليل عليه انتهى كلام الحارثي.
قلت وفيه نظر لأن ناقل هذه الرواية هو القاضي وهو الثقة الأمين في النقل بل هو ناقل غالب روايات المذهب ولا يلزم من عدم اطلاع الحارثي على هذه الرواية أن لا تكون نقلت عن الإمام أحمد خصوصا وأنه قد تابعه هؤلاء الأعلام المحققون.
تنبيه دخل في عموم كلام المصنف لو رده الإمام وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
ونقل حرب إن رده الإمام فلا شيء له وجزم به بن رجب في قواعده.
وقال وذلك لانتصابه للمصالح وله حق في بيت المال على ذلك.
وكذا قال الحارثي وقطع به وتقدم نظيرها في عامل الزكاة.
قوله (ويأخذ منه ما أنفق عليه في قوته).
هذا المذهب نص عليه وسواء قلنا باستحقاق الجعل أم لا جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقال بن رجب في قواعده وجزم به الأكثرون من غير خلاف.
قال الزركشي هذا المشهور.
وخرج المصنف قولا بأنه لا يرجع.
396

وقيل لا يرجع إلا إذا أنفق بنية الرجوع واختاره في الرعاية.
واشترط أبو الخطاب والمجد في المحرر العجز عن استئذان المالك وضعفه المصنف رحمه الله.
ولا يتوقف الرجوع على تسليمه بل لو أبق قبل ذلك فله الرجوع بما أنفق عليه نص عليه في رواية عبد الله وصرح به الأصحاب.
فوائد
إحداها علف الدابة كالنفقة.
الثانية لو أراد استخدامه بدل النفقة ففي جوازه روايتان حكاهما أبو الفتح الحلواني في الكفاية كالعبد المرهون وذكرهما في الموجز والتبصرة.
والصحيح من المذهب أنه لا يجوز ذلك في العبد المرهون فكذا هنا بطريق أولى والله أعلم.
تنبيه أفادنا المصنف جواز أخذ الآبق لمن وجده وهو صحيح لأنه لا يؤمن عليه أن يلحق بدار الحرب ويرتد أو يشتغل بالفساد في البلاد بخلاف الضوال التي تحفظ نفسها.
إذا علم ذلك فهو أمانة في يده إذا أخذه إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه وإن وجد صاحبه دفعه إليه إذا اعترف العبد أنه سيده أو أقام به بينة.
فإن لم يجد سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه أو يبيعه إن رأى المصلحة فيه.
وليس لواجده بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأنه ينحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل ذكره المصنف والشارح.
وقولهما ينحفظ بنفسه دليل على أنهما أرادا الكبير لأن الصغير لا ينحفظ بنفسه.
ويأتي في باب اللقطة.
397

فإن باعه الإمام أو نائبه لمصلحة رآها فجاء سيده فاعترف أنه كان أعتقه قبل قوله على الصحيح من المذهب قدمه في المغني والشرح وشرح بن رزين.
وقيل لا يقبل وهو احتمال في المغني والشرح.
وأطلقهما في الفروع والحارثي ذكره في اللقطة.
الثالثة العبد وغيره أمانة في يده لا ضمان عليه إلا أن يتعدى نص عليه على ما تقدم.
الرابعة أم الولد والمدبر كالقن فيما تقدم إذا جاء بهما إلى السيد.
فإن مات قبل وصولهما إليه فلا جعل لأنهما يعتقان بالموت فالعمل لم يتم بخلاف النفقة فإنه يرجع بما أنفق حال الحياة والله أعلم بالصواب.
وتقدم أن المنصوص أنه يستحق الأجرة بتخليص متاع غيره من مهلكه.
398

باب اللقطة
فائدة قوله وهي المال الضائع من ربه.
هو تعريف لمعناها الشرعي وكذا قال غيره.
قال الحارثي وعلى هذا سؤالان.
أحدهما قد يكون الملتقط غير ضائع كالمتروك قصدا لأمر يقتضيه ومنه المال المدفون والشيء الذي يترك ثقة به كأحجار الطحن والخشب الكبار.
والثاني أنهم اختلفوا في التقاط الكلب المعلم.
فعلى القول بالتقاطه يكون خارجا عما ذكر.
ومن قال من الأصحاب لا يلتقط إنما قال لأجل كونه ممتنعا بنابه لا لأنه غير مال.
قال الحارثي ويعصم من السؤال أن يضاف إلى الحد ما جرى مجرى المال.
قوله (وتنقسم ثلاثة أقسام أحدها ما لا تتبعه الهمة).
يعني همة أوساط الناس ولو كثر وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
ومثله المصنف بالسوط والشسع والرغيف.
ومثله في الإرشاد وتذكرة بن عقيل والهداية والمذهب والمستوعب وجماعة بالتمرة والكسرة وشسع النعل وما أشبهه.
ومثله في المغني بالعصا والحبل وما قيمته كقيمة ذلك.
قال الحارثي ما لا تتبعه الهمة نص الإمام أحمد رحمه الله في رواية عبد الله وحنبل أنه ما كان مثل التمرة والكسرة والخرقة وما لا خطر له فلا بأس.
وقال في رواية بن منصور الذي يعرف من اللقطة كل شيء إلا ما لا قيمة له
399

وسئل الإمام احمد رحمه الله في رواية حرب الرجل يصيب الشسع في الطريق أيأخذه قال إذا كان جيدا مما لا يطرح مثله فلا يعجبني أن يأخذه وإن كان رديئا قد طرحه صاحبه فلا بأس.
قال الحارثي فكلام الإمام أحمد رحمه الله لا يوافق ما قال في المغني ولا شك أن الحبل والسوط والرغيف يزيد على التمرة والكسرة.
قال وسائر الأصحاب على ما قال الإمام أحمد رحمه الله في ذلك كله ولا أعلم أحدا وافق المصنف إلا أبا الخطاب في الشسع فقط انتهى.
قال في الرعاية وما قل كتمرة وخرقة وشسع نعل وكسرة وقيل ورغيف انتهى.
فحكى في الرغيف الخلاف.
وقيل هو ما دون نصاب السرقة.
قال في الكافي ويحتمل أن لا يجب تعريف ما لا يقطع فيه السارق.
وقيل هو ما دون قيراط من عين أو ورق اختاره أبو الفرج في المبهج والإيضاح ورده المصنف.
وذكر القاضي وبن عقيل لا يجب تعريف الدانق.
قال الحارثي والظاهر أنه عنى دانقا من ذهب.
وكذا قال صاحب التلخيص.
قال في الرعاية وقيل بل ما فوق دانق ذهب.
وقال أيضا وعنه يعرف الدرهم فأكثر.
فائدة لو وجد كناس أو نخال أو مقلش قطعا صغارا متفرقة ملكها بلا تعريف وإن كثرت.
قوله (فيملك بأخذه بلا تعريف).
400

هذا المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله.
وعنه يلزمه تعريفه ذكرها أبو الحسين.
وقيل يلزمه تعريفه مدة يظن طلب ربه له اختاره في الرعاية.
فوائد
منها ما قاله في التبصرة إن الصدقة بذلك أولى.
ومنها أنه لا يلزمه دفع بدله إذا وجد ربه على الصحيح من المذهب.
وقوة كلام المصنف هنا تقتضيه لقوله فيملك بأخذه بلا تعريف وقدمه في الفروع.
وقال في التبصرة يلزمه.
قال في الفروع وكلامهم فيه يحتمل وجهين.
وقيل للإمام أحمد رحمه الله في التمرة يجدها أو يلقيها عصفور أيأكلها.
قال لا قال أيطعمها صبيا أو يتصدق بها قال لا يعرض لها.
نقلها أبو طالب وغيره واختاره عبد الوهاب الوراق.
ومنها لا يعرف الكلب إذا وجده بل ينتفع به إذا كان مباحا على الصحيح من المذهب.
وقيل يعرف سنة ويأتي قريبا.
قوله (الثاني الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل والبقر والخيل والبغال والظباء والطير والفهود ونحوها فلا يجوز التقاطها بلا نزاع).
فوائد
منها الصحيح من المذهب أن الحمر مما يمتنع من صغار السباع وعليه جماهير الأصحاب.
401

قال المصنف والشارح وغيرهما قاله الأصحاب.
قال الحارثي هو قول القاضي في آخرين وجزم به في الرعايتين وغيرهما وقدمه في الفروع والفائق وغيرهما.
وألحق المصنف الحمر بالشاة ونحوها.
قال الحارثي وهو أولى.
ومنها قال الحارثي اختلف الأصحاب في الكلب المعلم فأدخله المصنف فيما يمتنع التقاطه كما اقتضاه ظاهر لفظه هنا وصريح لفظه في المغني اعتبارا بمنعته بنابه.
وجوز التقاطه القاضي وغيره وهو أصح لأنه لا نص في المنع وليس في معنى الممنوع وفي أخذه حفظه على مستحقه أشبه الأثمان وأولى من جهة أنه ليس مالا فيكون أخف.
وعلى هذا هل ينتفع به بعد حول التعريف فيه وجهان وفيهما طريقان.
إحداهما بناء الخلاف على الخلاف في تملك الشاة بعد الحول وهي طريقة القاضي.
والأخرى بناء الانتفاع على التملك لما يتملك بعد الحول وبناء منع الانتفاع أنه لا يضمن لما ضاع منه بالقيمة لو تلف لانتفاء كونه مالا فيؤدي إلى الانتفاع مجانا وهو خلاف الأصل انتهى كلام الحارثي.
ومنها يجوز للإمام ونائبه أخذ ما يمتنع من صغار السباع وحفظه لربه ولا يلزمه تعريفه قاله الأصحاب.
ولا يكتفي فيها بالصفة قاله المصنف وغيره واقتصر عليه في الفروع.
ولا يجوز لغيرهما أخذ شيء من ذلك لحفظه لربه على الصحيح من المذهب.
وقال المصنف ومن تبعه يجوز أخذها إذا خيف عليها كما لو كانت في
402

أرض مسبعة أو قريبا من دار الحرب أو بموضع يستحل أهله أموال المسلمين أو في برية لا ماء فيها ولا مرعى ولا ضمان على آخذها لأنه إنقاذ من الهلاك.
قال الحارثي وهو كما قال وجزم به في تجريد العناية.
قلت لو قيل بوجوب أخذها والحالة هذه لكان له وجه.
ومنها قطع المصنف والشارح بجواز التقاط الصيود المتوحشة التي إذا تركت رجعت إلى الصحراء بشرط أن يعجز عنها صاحبها واقتصر عليه الحارثي.
قلت فيعايى بها.
وظاهر ما قدمه في الفروع عدم الجواز.
قلت وهو ضعيف لكنه إنما حكى ذلك عنه في طير متوحشة.
وكلام المصنف أعم من ذلك.
ومنها قال بن عقيل في الفصول والمصنف والشارح والزركشي وجماعة أحجار الطواحين والقدور الضخمة والأخشاب الكبيرة ونحوها ملحقة بالإبل في منع الالتقاط.
قال المصنف والشارح بل أولى.
قال الحارثي فظاهر كلام غير واحد من الأصحاب جواز الالتقاط وكذا نصة في رواية حنبل.
وهو ظاهر ما جزم به في الفروع في الخشبة الكبيرة.
قوله (ومن أخذها ضمنها).
يعني إذا تلفت ويضمن نقصها إذا تعيبت.
لكن إتلافها لا يخلو إما أن يكون قد كتمها أو لا.
فإن كان ما كتمها وتلفت ضمنها كغاصب.
وإن كان كتمها حتى تلفت ضمنها بقيمتها مرتين على المذهب نص عليه في رواية بن منصور إماما كان أو غيره.
403

واختاره أبو بكر وغيره وجزم به في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير والوجيز والفائق وغيرهم.
قال الحارثي وقال به غير واحد.
قال في الفروع ويضمنه كغاصب ونصه وقاله أبو بكر يضمن ضالة مكتومة بالقيمة مرتين للخبر.
فائدتان
إحداهما قوله فإن دفعها إلى نائب الإمام زال عنه الضمان بلا نزاع.
قال الحارثي هذا ينبني على أن لنائب الإمام أخذها ابتداء للحفظ وهو شيء قاله متأخرو أهل المذهب القاضي وبن عقيل والسامري والمصنف وغيرهم.
وكذا لو أمره بردها إلى موضعها وردها بريء قاله في الفروع وغيره.
الثانية إذا أخذها الإمام أو نائبه منه لم يلزمه تعريفها قاله الأصحاب.
قوله (الثالث سائر الأموال كالأثمان والمتاع والغنم والفصلان والعجاجيل والأفلاء).
يعني يجوز التقاطها وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
قال في الفائق قلت وكذا مريض لا ينبعث ولو كان كبيرا.
وعنه في شاة وفصيل وعجل وفلو لا يجوز التقاطه ذكرها المصنف وغيره.
قال الزركشي وعنه لا يلتقط الشاة ونحوها إلا الإمام وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب.
وذكر أبو الفرج في العرض رواية لا يلتقطه.
404

تنبيه شمل كلام المصنف العبد الصغير والجارية وهو صحيح.
قال في الرعاية والعبد الصغير كالشاة وكذا كل جارية تحرم على الملتقط وجزم به في الوجيز.
قال الحارثي وصغار الرقيق مطلقا يجوز التقاطه ذكره القاضي وبن عقيل واقتصر على ذلك.
وقيل لا يملك بالتعريف.
قال القاضي هذا قياس المذهب.
قال المصنف في المغني وهذه المسألة فيها نظر فإن اللقيط محكوم بحريته فإن كان ممن لا يعبر عن نفسه فأقر بأنه مملوك لم يقبل إقراره لأن الطفل لا قول له ولو اعتبر قوله في ذلك لاعتبر في تعريفه سيده انتهى.
وتقدم كلام المصنف في آخر الباب الذي قبله وفيه إشارة إلى أن الصغير يملك بالتعريف.
قوله (ومن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها فله أخذها والأفضل تركها).
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وهو من المفردات.
وعند أبي الخطاب إن وجدها بمضيعة فالأفضل أخذها.
قال الحارثي وهذا أظهر الأقوال.
قلت وهو الصواب.
وخرج بعض الأصحاب من هذا القول وجوب أخذها وهو قوي في النظر.
تنبيه ظاهر قوله وقوى على تعريفها أن العاجز عن التعريف ليس له أخذها.
405

وهو صحيح وكذا الحكم إن لم يأمن نفسه عليها.
ولا يملكها بالتعريف على الصحيح من المذهب وفيه وجه يملكها ذكره في المغني وغيره.
فائدة لو أخذها بنية الأمانة ثم طرأ قصد الخيانة قال في التلخيص يحتمل وجهين.
أحدهما لا يضمن كما لا يضمن لو كان أودعه.
قال الحارثي وهذا اختيار المصنف وهو الصحيح انتهى.
والثاني يضمن.
قال في التلخيص وهو الأشبه بقول أصحابنا في التضمين بمجرد اعتقاد الكتمان ويخالف المودع فإنه مسلط من جهة المالك انتهى.
وتقدم نظير ذلك في الوديعة قبل قوله وإن أودعه صبي وديعة.
وأطلقهما في الفروع حكاية عن صاحب الترغيب.
قوله (ومتى أخذها ثم ردها إلى موضعها أو فرط فيها ضمنها).
اعلم أنه إذا التقطها ثم ردها إلى موضعها فلا يخلو إما أن تكون مما يجوز التقاطه أو لا.
فإن كانت مما يجوز التقاطه ضمنها إلا أن يأمره الحاكم أو نائبه بذلك فإنه لا يضمن بلا نزاع كما تقدم.
وإن كانت مما لا يجوز التقاطه إذا رده فلا يخلو إما أن يكون بإذن الإمام أو نائبه أو لا.
فإن كان بإذن أحدهما لم يضمن.
وإن كان بغير إذن فالصحيح من المذهب أنه يضمن وقدمه في الفروع.
وقيل لا يضمن وهما احتمالان مطلقان في المغني والشرح.
406

فعلى المذهب يزول عنه الضمان لو أخذها ودفعها إلى الإمام أو نائبه.
فائدة لو أخذ من نائم شيئا لم يبرأ منه إلا بتسليمه له بعد انتباهه وكذلك الساهي.
قوله (وهي على ثلاثة أضرب أحدها حيوان فيخير بين أكله وعليه قيمته وبين بيعه وحفظ ثمنه وبين حفظه والإنفاق عليه من ماله).
قال المصنف وتبعه الشارح لم يذكر أصحابنا له تعريفا ومراده إذا استوت الثلاثة عنده.
أما إذا كان أحدهما أحظ فإنه يلزمه فعله.
قال في الفروع ويفعل الأحظ لمالكه.
قال الحارثي وفي المجرد والفصول في باب الوديعة أن كل موضع وجب عليه نفقة الحيوان فحكمه حكم الحاكم إن رأى من المصلحة بيعها وحفظ ثمنها أو بيع البعض في مؤنة ما بقي أو أن يستقرض على المالك أو يؤجر في المؤنة فعل انتهى.
وقال في الترغيب لا يبيع بعض الحيوان.
وأفتى أبو الخطاب وبن الزاغوني بأكله بمضيعة بشرط ضمانه وإلا لم يجز تعجيل ذبحه لأنه يطلب.
وقال أبو الحسين وبن عقيل في الفصول وبن بكروس لا يتصرف قبل الحول في شاة ونحوها بأكل ولا غيره رواية واحدة ونحوه قول أبي بكر.
قال في زاد المسافر وضالة الغنم إذا أخذها يعرفها سنة وهو الواجب فإذا مضت السنة ولم يعرف صاحبها كانت له مثل ما التقط من غيرها.
407

قال الحارثي وقد قال الشريفان أبو جعفر والزيدي لا تملك الشاة قبل الحول رواية واحدة.
وكذا حكى السامري قال إن كانت اللقطة حيوانا يجوز أخذه كالغنم وما حكمه حكمها لم يملكها قبل الحول.
قال الزركشي وظاهر كلام الخرقي أن الحيوان يعرف كغيره وهو مقتضى كلام صاحب التلخيص وأبي البركات وغيرهما.
قال الحارثي وهذا ينفي اختيار الأكل لأنه تملك عاجل وهذا أعني الحفظ من غير تخيير هو الصحيح فكان قبل ذلك أولى الأمور الحفظ مع الإنفاق ثم البيع وحفظ ثمنه ثم الأكل وغرم القيمة انتهى.
وقال ناظم المفردات.
والشاة في الحال ولو في المصر * تملك بالضمان إن لم يبرى.
قوله (وهل يرجع بذلك على وجهين).
وهما روايتان في المجرد والفصول والمغني والشرح والمستوعب وغيرهم وأطلقهما في المغني والشرح والمستوعب والزركشي.
أحدهما يرجع إذا نوى الرجوع وهو المذهب نص عليه وصححه في التصحيح.
قال الحارثي والأصح الرجوع والرجوع هو المنصوص في الآبق والآبق من نحو الضالة وجزم به في الوجيز والإرشاد.
قال أبو بكر يرجع مع ترك التعدي فإن تعدى يحسب له.
والوجه الثاني لا يرجع.
قال في القاعدة الخامسة والسبعين إن كانت النفقة بإذن حاكم رجع وإن لم تكن بإذنه ففيه الروايتان.
408

يعني اللتين فيمن أدى حقا واجبا عن غيره بغير إذنه ونوى الرجوع.
والصحيح من المذهب الرجوع على ما تقدم في باب الضمان فكذا هنا.
قال بن رجب ومنهم من رجح هنا عدم الرجوع لأن حفظها لم يكن متعينا بل كان مخيرا بينه وبين بيعها وحفظ ثمنها.
وذكر بن أبي موسى أن الملتقط إذا أنفق غير متطوع بالنفقة فله الرجوع بها وإن كان محتسبا ففي الرجوع روايتان.
قال في المستوعب إن كان بإذن حاكم فله الرجوع وإن أنفق بغير إذنه ولم يشهد بالرجوع فهو متطوع وإن أنفق محتسبا بها وأشهد على ذلك فهل يملك الرجوع على روايتين.
قوله (الثاني ما يخشى فساده فيخير بين بيعه وأكله).
يعني إذا استويا وإلا فعل الأحظ كما تقدم.
قال في الفروع وله أكل الحيوان وما يخشى فساده بقيمته قاله أصحابنا.
وقال في المغني يقتضي قول أصحابنا إن العروض لا تملك أنه لا يأكل ولكن يخير بين الصدقة وبين بيعه وذكر نصا يدل على ذلك انتهى.
قال الحارثي ما لا يبقى.
قال المصنف فيه والقاضي وبن عقيل يتخير بين بيعه وأكله كذا أوردوا مطلقا.
وقيد أبو الخطاب بما بعد التعريف فإنه قال عرفه بقدر ما يخاف فساده ثم هو بالخيار.
قال وقوله بقدر ما يخاف فساده وهم وإنما هو بقدر ما لا يخاف.
قلت وتابع أبا الخطاب على هذه العبارة في المذهب والمستوعب والتلخيص وجماعة.
ومشى على الصواب في الخلاصة فقال عرفه ما لم يخش فساده.
409

قال الحارثي والمذهب الإبقاء ما لم يفسد من غير تخيير على ما مر نصه في الشاة وهو الصحيح فإذا دنا الفساد فروايتان.
إحداهما التصدق بعينه مضمونا عليه.
والثانية البيع وحفظ الثمن.
قلت وهو الصواب وأطلقهما الحارثي.
وقال بن أبي موسى يتصدق بالثمن انتهى.
ومع تعذر البيع أو الصدقة يجوز له أكله وعليه القيمة.
تنبيه حيث قلنا يباع فإن البائع الملتقط على الصحيح من المذهب سواء كان يسيرا أو كثيرا تعذر الحاكم أو لا.
وعنه يبيع اليسير ويرفع الكثير إلى الحاكم.
وعنه يبيعه كله إن فقد الحاكم وإلا رفعه إليه.
فائدة لو تركه حتى تلف ضمنه.
قوله (إلا أن يمكن تجفيفه كالعنب فيفعل ما يرى فيه الحظ لمالكه).
أي من التجفيف والبيع والأكل وصرح به المصنف في المغني والكافي.
ولم يجعل له القاضي وأبو الخطاب وبن عقيل والسامري الأكل لأنه يملك قبل انقضاء التعريف فيما يبقى وهو خلاف الأصل واقتصروا على الأحظ من التجفيف والبيع.
قال الحارثي وهو الأقوى.
وقال وظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله من رواية مهنا وإسحاق التسوية بين هذا النوع والذي قبله.
وكذا كلام بن أبي موسى قال فيجرى فيه ما مر من الخلاف انتهى.
410

قوله (ويعرف الجميع يعني وجوبا بالنداء عليه في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات حولا كاملا من ضاع منه شيء أو نفقه).
وهذا بلا نزاع في الجملة.
ووقت التعريف النهار ويكون في الأسبوع الأول في كل يوم.
قال في الترغيب والتلخيص والرعاية وغيرهم ثم مرة في كل أسبوع من شهر ثم مرة في كل شهر.
وقيل على العادة بالنداء وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
قلت وهو الصواب ويكون ذلك على الفور.
وقيل يعرفها بقرب الصحراء إذا وجدها فيها.
قال في الرعاية الكبرى قلت في أقرب البلدان منه.
تنبيه شمل قوله ويعرف الجميع الحيوان وغيره وهو أحد القولين.
وتقدم أن أبا بكر وأبا الحسين وبن عقيل وبن بكروس والشريفين وغيرهم قالوا لا يتصرف في شاة ولا في غيرها قبل الحول رواية واحدة.
ونقل أبو طالب تعرف الشاة وذكره أبو بكر وغيره.
وقال في الفروع أكثر الأصحاب لم يذكروا للحيوان تعريفا.
وتقدم أيضا أن ما يخشى فساده يعرف بمقدار ما لا يخاف فساده عند أبي الخطاب وبن الجوزي والسامري وصاحب التلخيص والخلاصة وغيرهم.
قال الحارثي والأصح أنها تعرف حولا.
تنبيه ظاهر قوله وأبواب المساجد أنه لا يعرفها في نفس المساجد وهو صحيح بل يكره على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وقال في عيون المسائل يحرم وقاله بن بطة في إنشادها.
411

فائدة لو أخر التعريف عن الحول الأول مع إمكانه أثم وسقط التعريف على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
وخرج عدم السقوط من نصه على تعريف ما يوجد من دفن المسلمين وهو وجه ذكره في المغني.
قال الحارثي وهو الصحيح.
فيأتي به في الحول الثاني أو يكمله إن أخل ببعض الأول.
وعلى كلا القولين لا يملكها بالتعريف فيما عدا الحول الأول وكذا لو ترك التعريف في بعض الحول الأول لا يملكها بالتعريف بعده.
وفي الصدقة به الروايتان اللتان في العروض.
أما إن ترك التعريف في الحول الأول لعجزه عنه كالمريض والمحبوس أو لنسيان ونحوه أو ضاعت فعرفها الثاني في الحول الثاني فقيل يسقط التعريف ولا يملكها قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير وشرح بن رزين.
وقيل يملكها ولا يسقط التعريف وأطلقهما في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع والفائق.
قوله (وأجرة المنادي عليه).
يعني على الملتقط وهذا المذهب نص عليه وعليه جمهور الأصحاب.
قال الحارثي هذا المذهب مطلقا وجزم به في المنتخب وغيره وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفائق والفروع والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
قوله (وقال أبو الخطاب ما لا يملك بالتعريف وما يقصد حفظه لمالكه يرجع بالأجرة عليه).
قلت وهو الصواب.
412

وقال بن عقيل ما لا يملك بالتعريف يرجع عليه بالأجرة.
وذكر في الفنون أنه ظاهر كلام أصحابنا.
وقيل على ربها مطلقا.
وعند الحلواني وابنه الأجرة من نفس اللقطة كما لو جفف العنب ونحوه.
وقيل من بيت المال فإن تعذر أخذها الحاكم من ربها.
قوله (فإن لم تعرف دخلت في ملكه بعد الحول حكما كالميراث).
هذا المذهب بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه.
قال في عيون المسائل هذا الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي وصححه في النظم وغيره.
قال الزركشي نص عليه في رواية الجماعة واختاره الجمهور.
قال الحارثي المذهب أن الملك قهري يثبت عند انقضاء الحول كالإرث.
وقدمه في الكافي وشرح بن رزين والشرح والتلخيص والرعايتين والحاوي الصغير والفروع وغيرهم وجزم به في العمدة والوجيز والمنور وغيرهم.
وعند أبي الخطاب لا يملكه حتى يختار وهو رواية ذكرها في الواضح فيتوقف على الرضى كالشراء وأطلقهما في المحرر.
تنبيه قدم المصنف أن لقطة الحرم كغيرها وهو الصحيح من المذهب.
قال الحارثي عدم الفرق هو المشهور في المذهب واختيار أكثر الأصحاب ونص عليه.
قال الزركشي هو اختيار الجمهور وقدمه في المحرر والشرح والفروع وغيرهم واختاره بن أبي موسى والمصنف والشارح وصاحب النهاية وغيرهم وهو ظاهر كلام الخرقي.
413

وعنه لا تملك لقطة الحرم بحال اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وغيره من المتأخرين.
قال في الفائق أيضا وهو المختار.
قال الحارثي وهو الصحيح وأطلقهما في المحرر.
قال في الانتصار ونقل عنه ما يدل على أن اللقطة لا تملك مطلقا.
قال الزركشي قلت وهو غريب لا تفريع عليه ولا عمل.
وعنه يتملكها فقير غير ذوي القربى.
قال في الفائق وعنه لا يملك لكن يأكله بعد الحول مع فقره نقله حنبل وأنكره الخلال.
تنبيه قدم المصنف أن غير الأثمان كالأثمان وهو إحدى الروايتين وهو ظاهر كلام الخرقي.
قال في عيون المسائل هذا الصحيح من المذهب وصححه الناظم واختاره بن أبي موسى والمصنف وغيرهما.
قال في الفائق وهو المختار.
قال بن رزين هذا الأظهر.
وقدمه في الكافي والمحرر والشرح والفروع وغيرهم وجزم به في العمدة والوجيز والمنور.
وعن الإمام أحمد لا يملك إلا الأثمان وهي ظاهر المذهب.
وكذا قال في الهداية والمذهب والمستوعب والفائق وغيرهم.
قال في الرعاية الكبرى هذا أشهر.
قال في الخلاصة والرعاية الصغرى وتملك الأثمان ولا تملك العروض على الأصح انتهيا.
واختاره أبو بكر والقاضي وبن عقيل وغيرهم.
414

قال المصنف والشارح والحارثي وصاحب الفروع اختاره أكثر الأصحاب.
قال القاضي نص عليه في رواية الجماعة وقدمه في الرعاية والحاوي الصغير والفائق وغيرهم وجزم به ناظم المفردات فقال.
ملتقط الأثمان مذ عرفها * حولا فقهر ذا الغنى يملكها.
سقال الزركشي وعنه وهي المشهور في النقل والمذهب عند عامة الأصحاب أن الشاة ونحوها تملك دون العروض انتهى.
قوله (وهل له الصدقة بغيرها على روايتين).
يعني على القول بأنه لا يملك غير الأثمان.
وعلى هذا قال الأصحاب القاضي وبن عقيل والسامري وصاحب التلخيص وغيرهم إن شاء سلم إلى الحاكم وبرئ وإن شاء لم يسلم وعرفها أبدا.
قال في الفروع وظاهر كلام جماعة لا تدفع إليه وهل له الصدقة بها على روايتين.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة والتلخيص والمحرر والنظم والمغني والشرح وشرح بن منجا وشرح الحارثي هنا.
إحداهما له الصدقة به بشرط الضمان وهو المذهب.
قال الخلال كل من روى عن الإمام أحمد رحمه الله روى عنه أنه يعرفها سنة ويتصدق بها.
قال في الفائق هو المنصوص أخيرا وقدمه في المستوعب والفروع.
قال في القاعدة السادسة بعد المائة يتصدق عنه على الصحيح من المذهب.
والرواية الثانية ليس له ذلك بل يعرفها أبدا نقله عنه طاهر بن محمد.
واختاره أبو بكر في زاد المسافر وبن عقيل وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
415

قال الحارثي في الغصب عند قوله وإن بقيت في يده غصوب والمذهب أنه لا يتصدق انتهى.
لكن قال الخلال هذا قول قديم رجع عنه وكل من روى عنه روى عنه أنه يعرفها سنة ويتصدق بها.
وذكر أبو الخطاب رواية أنه إن كان يسيرا باعه وتصدق به وإن كان كثيرا رفعه إلى السلطان وقال نقله مهنا ورده المجد ذكره في القاعدة السابعة والتسعين.
وتقدمت هذه المسألة في كلام المصنف ونظائرها في أواخر الغصب عند قوله وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها.
تنبيه تلخص لنا مما تقدم في هذه المسألة أن الصحيح من المذهب أن اللقطة تدخل في ملكه قهرا كالميراث حيث قلنا تملك وأن الصحيح من المذهب التسوية بين لقطة الحرم وغيرها.
وأن أكثر الأصحاب قالوا لا يملك غير الأثمان وهو المشهور عنه وهو المذهب.
لكن على المصطلح الذي تقدم في الخطبة يكون المذهب الملك في الكل قهرا.
فائدة قال في الفروع يتوجه الروايتان المتقدمتان اللتان في الصدقة في غير الأثمان أن يأتيا فيما يأخذه السلطان من اللصوص إذا لم يعرف ربه.
فائدتان
إحداهما لو التقط اثنان وعرفا ملكاها.
وعلى القول بالاختيار لو اختار أحدهما فقط ملك النصف ولا شيء لصاحبه.
416

الثانية لو رأى اللقطة اثنان فقال أحدهما للآخر هاتها فأخذها لنفسه فهي للآخذ وأن أخذها للآمر فهي له أعني للآمر كما في التوكيل في الاصطياد ذكر ذلك المصنف وغيره.
قوله (ولا يجوز التصرف في اللقطة حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها ويستحب ذلك عند وجدانها).
الأولى معرفة ذلك عند التقاطها.
وإن أخر معرفة ذلك إلى مجيء صاحبها جاز.
فإن لم يجئ وأراد التصرف فيها بعد الحول لم يجز حتى يعرف صفتها.
وكذلك إن أراد خلطها بماله على وجه لا تتميز.
وقال في المغني تجب حالة الأخذ وجوبا موسعا وحالة إرادة التصرف وجوبا مضيقا.
فائدة الوعاء هو ظرفها والوكاء هو الخيط الذي تشد به والعفاص.
قال في المستوعب هو الشد والعقد وقيل هو صمام القارورة.
وذكر بن عقيل في التذكرة أنه الصرة وهو ظرفها.
قال الزركشي هو الوعاء الذي تكون فيه من خرقة أو غيرها.
قال في الرعاية الكبرى الوكاء ما يشد به والعفاص هو صفة شده وعقده.
وقيل بل سدادة القارورة وقيل بل الوعاء انتهى.
قال الحارثي العفاص مقول على الوعاء وورد احفظ عفاصها ووعاءها.
والعفاص في هذه الرواية صمام القارورة أي الجلد المجعول على رأسها يقال عليه أيضا فيتعرف الوعاء كيسا هو أو غير ذلك وهل هو من خرق أو جلود أو ورق.
417

وقال بن عقيل ويتعرف هل هو إبريسم أو كتان.
وإن كان ثيابا تعرف لفائفها أو مائعا تعرف ظرفه خرق أو خشب أو جلد.
ويتعرف الوكاء وهو ما يربط به سير أم خيط أم شرابه.
قال القاضي وبن عقيل وغيرهما ويتعرف الربط هل هو عقدة أو عقدتان وأنشوطة أو غيرها.
قوله (والإشهاد عليها).
يعني يستحب الإشهاد عليها ويكونان عدلين وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال الحارثي قاله كثير من الأصحاب.
قال الزركشي هو المشهور وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والوجيز وغيرهم ونصره المصنف والشارح وغيرهما وقدمه في المستوعب والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق وغيرهم.
وقيل يجب الإشهاد واختاره أبو بكر في التنبيه وبن أبي موسى.
قال الحارثي وهو الصحيح.
قال في الفائق وهو المنصوص.
تنبيه يكون الإشهاد عليها لا على صفتها على الصحيح من المذهب.
وقيل يكون عليها وعلى صفتها ويحتمله كلام المصنف.
قوله (فمتى جاء طالبها فوصفها لزمه دفعها إليه).
يعني من غير بينة ولا يمين بلا نزاع وسواء غلب على ظنه صدقه أو لا على الصحيح من المذهب نص عليه.
418

وجزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي والرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفائق والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل لا يدفعها إليه إذا وصفها إلا مع ظن صدقة وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقال في المبهج والتبصرة جاز الدفع.
ونقل بن هانئ ويوسف بن موسى لا بأس به.
تنبيه محل الخلاف فيما إذا وصفها فقط.
أما إذا قامت له بينة بذلك لزمه دفعها وهو واضح.
فائدة قال الحارثي إذا قلنا بوجوب الدفع إذا وصفها فقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب والقاسم بن الحسن بن الحداد في كتبهم الخلافية إذا وصف العفاص والوكاء والعدد لزم الدفع ونص عليه في رواية ابن مشيش.
وقال أبو الفرج الشيرازي إذا جاء بالصفة والوزن جاز الدفع إليه.
قوله (وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحول ولواجدها بعده في أصح الوجهين).
وهو المذهب وصححه في المغني والشرح وشرح بن منجا والنظم والرعايتين والفائق والفروع وغيرهم وقدمه في الكافي.
والوجه الثاني تكون لصاحبها أيضا اختاره بن أبي موسى وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
وهما روايتان في الترغيب والتلخيص.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر وشرح الحارثي.
419

قال في الهداية وتبعه في المستوعب بعد أن أطلق الوجهين بناء على الأب إذا استرجع العين الموهوبة.
وقال أبو الخطاب أيضا عن الوجه الثاني بناء على المفلس.
وقال الحارثي هما مبنيان على الخلاف في مثله في المبيع المرتجع من المفلس والموهوب المرتجع من الولد انتهى.
قلت أما الزيادة المنفصلة في العين الموهوبة إذا رجع فيها الأب فإنها للولد على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب على ما يأتي في الهبة.
وأما الزيادة المنفصلة في المبيع المأخوذ من المفلس فالخلاف فيها قوي.
والمذهب أنها للبائع.
واختار المصنف وغيره أنها للمفلس على ما تقدم.
وأما الزيادة المتصلة فهي لمالكها على كل حال.
قوله (وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها).
مراده إذا لم يفرط فيها لأنها أمانة في يده.
وإن كان بعده ضمنها ولو لم يفرط.
هذا المذهب وعليه الأصحاب ونصروه.
وعنه لا يضمنها إذا تلفت.
حكى بن أبي موسى عن الإمام أحمد رحمه الله أنه لوح في موضع إذا أنفقها بعد الحول والتعريف لم يضمنها لحديث عياض بن حمار رضي الله عنه.
وقيل لا يردها إن كانت باقية.
420

تنبيه محل هذا إذا قلنا يملكها بعد الحول.
فأما على القول بعدم الملك فإنه لا يضمنها إذا لم يفرط بل حكمها حكم الحول الأول.
فوائد
الأولى لو قال مالك اللقطة بعد التلف للملتقط أخذتها لتذهب بها وقال الملتقط بل لأعرفها فالقول قول الملتقط ذكره المجد في شرحه نقله عنه الحارثي في آخر الباب.
الثانية إذا تصرف في اللقطة بعد الحول فإن كانت مثلية ضمنها بمثلها وإن لم تكن مثلية ضمنها بقيمتها يوم عرف ربها على الصحيح من المذهب اختاره القاضي وبن عبدوس وغيرهما وجزم به في المحرر وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل يضمنها بقيمتها يوم ملكها قطع به بن أبي موسى وصاحب التلخيص وصححه في الفائق وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير وأطلقهما الحارثي في شرحه.
وقيل يضمنها بقيمتها يوم غرم بدلها.
الثالثة لو أدركها ربها بعد الحول مبيعة أو موهوبة فليس له إلا البدل كما في التلف ولو أدركها في زمن الخيار فوجهان.
أصحها وجوب الفسخ والرد إليه قاله الحارثي وجزم به في الكافي والرعاية.
والوجه الثاني عدم الوجوب وهو قوي في النظر لأن الملك ينتقل إلى المشتري زمن الخيار على الصحيح من المذهب.
ولو كان عاد إليه بفسخ أو شراء أو غير ذلك أخذه المالك قطع به الحارثي.
421

ولو أدركه مرهونا ملك انتزاعه لقيام ملكه وانتفاء إذنه في الرهن قاله الحارثي.
قلت ويتوجه عدم الانتزاع لتعلق حق المرتهن به.
والرابعة تدخل اللقطة في ملك الملتقط من غير عوض يثبت في الذمة وإنما يتجدد وجوب العوض بظهور المالك كما يتجدد به زوال الملك عن العين ذكره المصنف والشارح وقدمه الحارثي ونصره.
وقال القاضي إنما يملك بعوض كالقرض.
ثم قال إنما تجب القيمة بحضور المالك.
قال الحارثي وهذا تناقض.
وقال ما قاله القاضي وكثير من أصحابه قاله الزركشي.
قوله (وإن وصفها اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين).
وكذا قال في المذهب وصححه في التصحيح.
واختاره بن عبدوس في تذكرته وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والمحرر والرعايتين والنظم والحاوي الصغير والقواعد في القاعدة الثامنة والتسعين.
وفي الأخرى يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها.
وهو المذهب.
قال الحارثي والمذهب القرعة ودفعها إلى القارع مع يمينه نص عليه.
وذكره المصنف في كتابيه.
وبه جزم القاضي وبن عقيل كما في تداعي الوديعة.
قال الشارح وهذا أشبه بأصولنا فيما إذا تداعيا عينا في يد غيرهما انتهى.
وجزم به في الوجيز وقدمه في الكافي والمغني وصححه بن رزين في شرحه وقال هذا أقيس.
422

قلت وهو الصواب.
وأطلقهما في الفروع والفائق والقواعد الفقهية في القاعدة الستين بعد المائة.
تنبيه محل هذا إذا وصفاها معا أو وصفها الثاني قبل دفعها إلى الأول.
أما إذا وصفها واحد ودفعت إليه ثم وصفها آخر فإن الثاني لا يستحق شيئا على الصحيح من المذهب قطع به في المغني والشرح وشرح الحارثي وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره وعليه الأصحاب.
وقال أبو يعلى الصغير إن زاد في وصفها احتمل تخريجه على بينة النتاج والنساج فإن رجحنا به هناك رجحنا به هنا.
فائدتان
إحداهما لو ادعاها كل واحد منهما فوصفها أحدهما دون الآخر حلف وأخذها ذكره الأصحاب.
قال في الفروع ومثله وصفه مغصوبا ومسروقا ذكره في عيون المسائل والقاضي وأصحابه على قياس قوله إذا اختلف المؤجر والمستأجر في دفن الدار فمن وصفه فهو له.
وقيل لا كوديعة وعارية ورهن وغيره لأن اليد دليل الملك ولا تتعذر البينة.
الثانية يلزم مدعي اللقطة مع صفتها أن يقيم بينة بالتقاط العبد لها على الصحيح من المذهب لأن إقرار العبد لا يصح فيما يتعلق برقبته صححه في المستوعب وقدمه في الفروع وغيره وقيل لا يلزمه.
قوله (وإن أقام آخر بينة أنها له أخذها من الواصف فإن تلفت ضمنها من شاء من الواصف أو الدافع إليه وهو الملتقط إلا أن يدفعها بحكم حاكم فلا ضمان عليه).
423

إن دفعها إلى الواصف بحكم حاكم فلا ضمان عليه قولا واحدا.
وإن لم يكن بحكم حاكم فقدم المصنف أنه مخير بين تضمين الواصف والدافع وهو أحد الوجهين.
قال الحارثي هو قول كثير من الأصحاب.
قلت منهم القاضي ذكره في القواعد وجزم به في الوجيز وقدمه في المغني والشرح.
فإن ضمن الدافع رجع على الواصف إلا أن يكون قد أقر له بالملك قاله في القواعد وغيره.
وقيل لا يلزم الملتقط شيء إذا قلنا بوجوب الدفع إليه وهو تخريج في المغني والشرح وهو المذهب.
قال الحارثي وهو الصحيح لأنه فعل ما أمر به ولا مندوحة عنه كما لو كان بقضاء قاض وقدمه في المحرر والرعاية والفروع وإليه ميل المصنف والشارح.
تنبيه قوله ومتى ضمن الدافع رجع على الواصف.
مراده إذا لم يعترف له بالملك.
فأما إن اعترف له بالملك فإنه لا يرجع عليه البتة.
قوله (ولا فرق بين كون الملتقط غنيا أو فقيرا مسلما كان أو كافرا عدلا أو فاسقا يأمن نفسه عليها).
وهذا المذهب جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمستوعب والرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفروع.
قال بن منجا في شرحه هذا المذهب.
424

قال في الخلاصة فإن كان الفاسق لا يؤمن على تعريفها ضم إليه أمين انتهى.
وقيل يضم إلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها.
وقطع به القاضي وبن عقيل وأبو الحسن بن البنا وأبو الفرج الشيرازي والمصنف في المغني والكافي وصاحب المحرر.
وقال في الفائق ويضم إلى الفاسق أمين في أصح الوجهين وقدمه الحارثي.
قال المصنف في المغني والشارح وإن علم الحاكم أو السلطان بها أقرها في يده وضم إليه مشرفا يشرف عليه ويتولى تعريفها.
وقيل يضم إلى الذمي عدل.
قال في المغني والشرح إن علم بها الحاكم أقرها في يده وضم إليه مشرفا عدلا يشرف عليه ويعرفها.
قال الحارثي ولا بد من مشرف يشرف عليه.
وقيل تنزع لقطة الذمي من يده وتوضع على يد عدل وهو احتمال في المغني والشرح.
قوله (وإن وجدها صبي أو سفيه قام وليه بتعريفها فإذا عرفها فهي لواجدها).
وكذا المجنون قاله في المغني والشرح والمنتخب والترغيب والتبصرة والحارثي وغيرهم.
فائدتان
إحداهما قال الأصحاب يضمن الولي إن أبقاها بيد الصبي بعد علمه وإن تلفت في يد أحدهما بغير تفريط فلا ضمان عليه وإن تلفت بتفريطه ضمنها في ماله نص عليه في صبي كإتلافه وجزم به في المغني والشرح وقدمه في الفروع وغيره وفي المنتخب وغيره لا يضمن.
425

الثانية لو كان الصبي مميزا فعرف قال الحارثي فظاهر كلامه في المغني عدم الإجزاء.
والأظهر الإجزاء لأنه يعقل التعريف فالمقصود حاصل واقتصر على كلامهما في القواعد الأصولية.
قوله (وإن وجدها عبد فلسيده أخذها منه وتركها معه ويتولى تعريفها إذا كان عدلا).
للعبد أن يلتقط وأن يعرفها مطلقا على الصحيح من المذهب.
قال في الرعايتين والحاوي الصغير والفروع له ذلك في الأصح.
وجزم به في المغني والكافي والشرح.
قال الزركشي يصح التقاطه على المذهب وقدمه في المستوعب والفائق وشرح الحارثي.
وقيل ليس له ذلك بغير إذن السيد اختاره أبو بكر وهو رواية ذكرها الزركشي وغيره وجزم به في البلغة.
قال الحارثي وعن أبي بكر يتوقف التقاطه على إذن السيد ذكره السامري أخذا من قوله في التنبيه إذا التقط العبد فضاعت منه أو أتلفها ضمنها.
قال فسوى بين الإتلاف والضياع ولم يفرق بين الحول وبعده فدل على عدم الصحة بدون إذن.
قال الحارثي وفي استنباط السامري نظر.
قوله (فإن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته بلا نزاع وإن أتلفها بعده فهي في ذمته).
هذا أحد القولين نص عليه وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص وشرح بن منجا ومنتخب الأدمى وغيرهم وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم.
426

قال في تجريد العناية إذا أتلفها بعد الحول ففي ذمته على الأظهر.
ويأتي كلام الزركشي على هذا القول.
وقيل إن أتلفها بعد الحول فإن قلنا يملكها فهي في ذمته وإن قلنا لا يملكها فهي في رقبته.
هذا المذهب على ما يأتي.
واعلم أن العبد هل يحصل له الملك من غير تمليك سيده أم لا فيه خلاف سبق في أول كتاب الزكاة عند الفوائد التي ذكرت هناك.
فمتى أتلفها أو فرط حتى تلفت فإن كان قبل الحول فهي في رقبته نص عليه وعلى السيد الفداء أو التسليم.
وإن كان بعده فإن قلنا يملكها فهي في ذمته وإن قلنا لا يملكها فهي في رقبته هذا المذهب نص عليه وجزم به في المغني والمحرر والنظم وقدمه في الشرح والفروع.
قال الحارثي وهذا إنما يتجه على تقدير أن السيد لم يملك لكونه لم يتملك استنادا إلى توقف الملك على التملك وفيه بعد.
وقال في الشرح أيضا ويصلح أن ينبني على استدانة العبد هل تتعلق برقبته أو ذمته على روايتين.
قال الحارثي وهو تخريج حسن لشبه الغرم بعد الإنفاق بأداء المقترض.
وقال أبو بكر في زاد المسافر لأبي عبد الله في ضمان ما أتلفه العبد قولان أي روايتان.
إحداهما في رقبته كالجناية.
والأخرى في ذمته وبالأول أقول.
قال السامري ولم يفرق قبل الحول وبعده.
وقال بن عقيل لا يتجه الفرق في التعلق بالرقبة بين ما قبل الحول وبعده.
427

قال الحارثي وهذا ضعيف جدا انتهى.
وقال الزركشي عن كلام المصنف هنا ومن تابعه كلامهم متوجه إن قلنا إن العبد يملك وإن قلنا الملك للسيد كما صرح به أبو محمد واقتضاه كلام صاحب التلخيص وغيره فالجناية على مال السيد فلا تتعلق بذمته ولا برقبته بل الذي ينبغي أن تتعلق بذمة السيد وإن قيل إن العبد لا يملك ولا السيد تعين التعلق برقبته كجنايته انتهى.
وقال في الكافي وإن أتلفها العبد فحكم ذلك حكم جنايته انتهى.
ونقل بن منصور جنايته في رقبته وإن خرق ثوب رجل فهو دين عليه.
قوله (والمكاتب كالحر بلا نزاع).
والمدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد كالعبد بلا نزاع أيضا.
قوله (ومن بعضه حر فهي بينه وبين سيده إلا أن يكون بينهما مهايأة فهل تدخل في المهايأة على وجهين).
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والشرح وشرح بن منجا والحارثي والفائق.
أحدهما لا تدخل في المهايأة بل تكون بينه وبين سيده وهو المذهب صححه في التصحيح وقدمه في المحرر والرعايتين والفروع والحاوي الصغير.
والوجه الثاني تدخل في المهايأة فإذا وجدها في نوبة أحدهما فهي له جزم به في الوجيز وقدمه في الخلاصة وتجريد العناية.
فائدة وكذا الحكم في النادر من كسب المعتق بعضه كالهبة والهدية والوصية ونحوها خلافا ومذهبا.
تنبيه الخلاف هنا مبني على الخلاف في دخول نوادر الأكساب كالوصية والهدية ونحوهما والركاز قاله الحارثي.
428

فوائد
منها لو وجد لقطة في غير طريق مأتي فهي لقطة على الصحيح من المذهب قدمه في الفائق.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله أنه كالركاز.
واختاره في الفائق وجعله في الفروع توجيها له.
ومنها لو أخذ متاعه أو ثوبه وترك له بدله فالصحيح من المذهب أنه لقطة نص عليه في رواية بن القاسم وبن بختان.
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي وبن رزين والفروع والفائق وغيرهم.
وقيل لا يعرفه مع قرينة سرقة وهو احتمال للمصنف.
قلت وهو عين الصواب.
قال الحارثي وهذا حسن.
وقال قد يقال فيه بمعنى مسألة الظفر.
ومذهب الإمام أحمد رحمه الله منع الأخذ فيها.
فعليها هل يتصدق به بعد تعريفه.
إن قلنا يعرفه أو يأخذ حقه بنفسه أو بإذن حاكم فيه أوجه.
وأطلقهن في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع والفائق وتجريد العناية.
قال المصنف وتابعه الشارح القول بأخذ حقه بنفسه أقرب إلى الرفق بالناس.
قال الحارثي وهذا قوي على أصل من يرى أن العقد لا يتوقف على اللفظ.
أما على التوقف فلا يكتفى بمثل هذا.
قال وبالجملة فالأظهر الجواز رجحه المصنف.
ومنها لو وجد في جوف حيوان درة أو نقدا فهو لقطة لواجده على
429

الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وشرح الحارثي وصححه.
ونقل بن منصور تكون لقطة للبائع إن ادعاه إلا أن يدعي المشتري أنه أكله عنده فهو له.
فأما إن كانت الدرة غير مثقوبة في السمكة فهي للصياد لأن الظاهر ابتلاعها من معدنها.
ومنها لو وجد لقطة بدار الحرب وهو في الجيش عرفها ثم وضعها في المغنم نص عليه.
وإن كان دخل بأمان عرفها ثم هي له إلا أن يكون في جيش فهي كالتي قبلها.
وإن دخل متلصصا عرفها ثم هي كالغنيمة على الصحيح من المذهب.
ويحتمل أن تكون له من غير تعريف ذكره المصنف.
قلت وهذا هو الصواب وكيف يعرف ذلك.
ومنها مؤنة رد اللقطة على ربها على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وقاله القاضي في التعليق وأبو الخطاب في الانتصار لتبرعه.
ومعناه في شرح المجد في عدم سقوط الزكاة بتلف المال قبل التمكن.
وقال في الترغيب والرعاية مؤنة الرد على الملتقط.
ومنها ضمانها بموته كالوديعة.
وقيل به بعد الحول ووارثه كهو.
ومنها الالتقاط يشتمل على أمانة واكتساب.
قال الحارثي وللناس خلاف في المغلب منهما منهم من قال الكسب ووجه بأنه مآل الأمر.
ومنهم من قال الأمانة وهو الصحيح لأن المقصود إيصال الشيء إلى أهله ولأجله شرع الحفظ والتعريف أولا والملك آخرا عند ضعف الترجي للمالك
430

ومنها لو استيقظ فوجد في ثوبه دراهم لا يعلم من صرها فهي له ولا تعريف.
وللإمام احمد رحمه الله نص يوجب التعريف وينفي الملك.
ومنها لو ألقت الريح إلى داره ثوب إنسان فإن جهل المالك فلقطة فإن علمه دفعه إليه فإن لم يفعل ضمن بحبس مال الغير من غير إذن ولا تعريف.
ومنها لو سقط طائر في داره فقال في المغني لا يلزمه حفظه ولا إعلام صاحبه لأنه محفوظ بنفسه وهذا ما لم ينقطع عنه.
أما إن انقطع وجب حفظه والدفع إليه لأنه ضائع عنه.
431

باب اللقيط
فائدة قوله وهو الطفل المنبوذ.
قال الحارثي تعريف اللقيط بالمنبوذ يحتاج إلى إضمار لتضاد ما بين اللقط والنبذ كما بين.
ومع هذا فليس جامعا لأن الطفل قد يكون ضائعا لا منبوذا ومنهم من عرف بأنه الضائع وفيه ما فيه.
وقال في الرعايتين والوجيز هو كل طفل نبذ أو ضل.
تنبيه قوله وهو الطفل.
يعني في الواقع في الغالب وإلا فهو لقيط إلى سن التمييز فقط على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والرعاية الكبرى والحارثي.
وقيل والمميز أيضا إلى البلوغ.
قال في الفائق وهو المشهور.
قال الزركشي هذا المذهب.
قال في التلخيص والمختار عند أصحابنا أن المميز يكون لقيطا لأنهم قالوا إذا التقط رجل وامرأة معا من له أكثر من سبع سنين أقرع بينهما ولم يخير بخلاف الأبوين.
قوله (وهو حر).
يعني في جميع أحكامه هذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل إلا في القود ومثله دعوى قاذفة رقة على ما يأتي.
432

فائدة يستحب للملتقط الإشهاد عليه وعلى ما معه على الصحيح من المذهب.
وقيل يجب وتقدم نظيره في اللقطة.
تنبيه قوله ينفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه بلا نزاع.
لكن إن تعذر اقترض الحاكم عليه قاله الحارثي.
فإن تعذر فعلى من علم حاله الإنفاق فهي فرض كفاية كالتقاطه.
وهذا الإنفاق يجب مجانا عند القاضي وجماعة منهم صاحب المستوعب والتلخيص واختاره صاحب الموجز والتبصرة وقالا له أن ينفق عليه من الزكاة وقدمه في الرعاية.
قال الحارثي وهو أصح.
وقال وكلام المصنف في المغني يقتضي ثبوت العوض للمنفق إن اقترن بالإنفاق قصد الرجوع وقدمه في الفروع لأنه جعل الإنفاق عليه بنية الرجوع كمن أدى حقا واجبا عن غيره على ما تقدم في باب الضمان.
وقال في القاعدة الخامسة والسبعين نفقة اللقيط خرجها بعض الأصحاب على الروايتين فيمن أدى حقا واجبا عن غيره على ما تقدم في باب الضمان.
ومنهم من قال يرجع هنا قولا واحدا وإليه ميل صاحب المغني لأن له ولاية على اللقيط.
ونص الإمام أحمد رحمه الله أنه يرجع بما أنفقه على بيت المال انتهى.
وقال الناظم إن نوى الرجوع واستأذن الحاكم رجع على الطفل بعد الرشد وإلا رجع على بيت المال.
قال الحارثي وناقض السامري وصاحب التلخيص فقالا بعد تعذر
433

الاقتراض على بيت المال وامتناع من وجب عليه الإنفاق مبلغا وإن أنفق الملتقط رجع على اللقيط في إحدى الروايتين.
والأخرى لا يرجع ما لم يكن الحاكم أذن له في الإنفاق زاد في التلخيص والأصح أنه يرجع انتهى.
قال الحارثي والوجوب مجانا واستحقاق العوض لا يجتمعان وإنما ذلك والله أعلم ما إذا كان للقيط مال تعذر إنفاقه لمانع أو ينتظر حصوله من وقف أو غيره.
قوله (ويحكم بإسلامه بلا نزاع إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافرا).
وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
قال الحارثي فالمذهب عند الأصحاب الحكم بكفره وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والمحرر والشرح وشرح الحارثي والفروع والفائق وغيرهم.
قال المصنف والشارح وقال القاضي يحكم بإسلامه أيضا لأنه يحتمل أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه.
قال الحارثي وحكى صاحب المحرر وجها بأنه مسلم اعتبارا بفقد أبويه.
فائدة لو كان في دار الإسلام بلد كل أهلها أهل ذمة ووجد فيها لقيط حكم بكفره وإن كان فيها مسلم حكم بإسلامه قولا واحدا فيهما عند المصنف والشارح وغيرهم.
وقيل يحكم بإسلامه إذا كان كل أهلها أهل ذمة.
قال الحارثي اختاره القاضي وبن عقيل.
قوله (فإن كان فيه مسلم فعلى وجهين).
434

يعني إذا كان في بلد الكفار مسلم ولو واحدا قاله في التلخيص وشرح الحارثي وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والرعايتين والحاوي الصغير وشرح الحارثي والكافي وشرح بن منجا.
أحدهما يحكم بكفره وهو المذهب جزم به في المنور وقدمه في المحرر والفروع والفائق.
والوجه الثاني يحكم بإسلامه جزم به في الوجيز.
فائدتان
إحداهما قال الحارثي مثل الأصحاب في المسلم هنا بالتاجر والأسير واعتبروا إقامته زمنا ما حتى صرح في التلخيص أنه لا يكفي مروره مسافرا.
وقال في الرعاية وإن كان فيها مسلم ساكن فاللقيط مسلم.
الثانية قال في الفائق لو كثر المسلمون في بلد الكفار فلقيطها مسلم.
وقاله بن عبدوس في تذكرته وصاحب الرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
ومثل مسألة الخلاف في الرعاية بالمسلم الواحد.
قوله (وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان مشدود ببابه فهو له وهذا بلا نزاع).
وقال المصنف في المغني والكافي والشارح وبن رزين في شرحه وغيرهم وكذا لو كان مدفونا في دار أو خيمة تكون له.
وظاهر كلام المجد وجماعة خلافه.
قوله (وإن كان مدفونا تحته يعني إذا كان الدفن طريا أو مطروحا قريبا منه فعلى وجهين).
435

ذكر المصنف هنا مسألتين.
إحداهما إذا كان مدفونا تحته والدفن طريا فأطلق فيه وجهين.
وأطلقهما في المذهب والرعايتين والفروع والفائق والحاوي الصغير وشرح الحارثي والشرح.
أحدهما يكون له وهو المذهب.
صححه في التصحيح وقطع به بن عقيل وصاحب الخلاصة والمحرر والوجيز والمنور وتذكرة بن عبدوس.
قلت وهو الصواب.
والوجه الثاني لا يكون له قدمه في الهداية والمستوعب والكافي والتلخيص والنظم وشرح بن رزين وهو المذهب على المصطلح في الخطبة.
وحكى في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق وجها أنه له ولو لم يكن الدفن طريا وهو ظاهر كلام المصنف هنا وهو بعيد جدا.
ولم يذكره في المغني والشرح والفروع وشرح الحارثي.
الثانية إذا كان مطروحا قريبا منه فأطلق المصنف فيه الوجهين.
وأطلقهما في المذهب والكافي والشرح وشرح الحارثي وبن منجا والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق والنظم.
أحدهما يكون له وهو الصحيح من المذهب صححه في المغني والشرح والفائق والتصحيح وجزم به في الخلاصة والمحرر والوجيز والمنور.
والوجه الثاني لا يكون له قدمه في الهداية والمستوعب والتلخيص وشرح بن رزين واختاره بن البناء.
ولنا قول ثالث في أصل المسألتين بالفرق بين الملقى قريبا منه وبين المدفون
436

تحته فيكون الملقى القريب له دون المدفون تحته قاله في المجرد وقطع به.
قال الحارثي ويقتضيه إيراده في المغني.
قلت قدم في الكافي والنظم أنه لا يملك المدفون.
وأطلق في الملقى القريب الوجهين كما تقدم.
قوله (وله الإنفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكم).
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به بن حامد والمصنف في الكافي والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه ما يدل على أنه لا ينفق إلا بإذنه.
وهو وجه في شرح الحارثي ورد هذه الرواية المجد في شرحه ذكره في القواعد والمصنف نقله الزركشي.
وتقدم قريبا إذا أنفق عليه من ماله ونوى الرجوع.
فوائد
منها وكذا الحكم في حفظ ماله قطع به في المغني وغيره.
وقال في التلخيص يحتمل اعتبار إذن الحاكم فيه.
ومنها قبول الهبة والوصية.
قال الحارثي مقتضى قوله في المغني أنه للملتقط.
ومقتضى كلام صاحب التلخيص أنه للحاكم.
قلت كلام صاحب المغني موافق لقواعد المذهب في ذلك.
قوله (وإن كان فاسقا أو رقيقا أو كافرا واللقيط مسلم أو بدويا ينتقل في المواضع أو وجده في). الحضر فأراد نقله إلى البادية لم يقر في يده.
يشترط في الملتقط أن يكون عدلا على الصحيح من المذهب.
437

وقد قال المصنف قبل ذلك أولى الناس بحضانته واجده إن كان أمينا.
اختاره القاضي وقال المذهب على ذلك واختاره أبو الخطاب وبن عقيل وغيرهم.
قال في الفائق وتشترط العدالة في أصح الروايتين.
وجزم باشتراط الأمانة في الملتقط في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم.
وقطع في الوجيز والمحرر وغيرهما أنه لا يقر بيد فاسق.
وقدمه في الكافي والشرح والنظم والفروع وغيرهم.
وقيل يقر بيد الفاسق إذا كان أمينا وقدمه في الرعاية في موضع وبن رزين في شرحه وهو ظاهر كلام الخرقي.
فإنه قال وإن لم يكن من وجد اللقيط أمينا منع من السفر به.
فظاهره أنه إذا أقام به كان أحق به وإن كان فاسقا.
وأجراه صاحب التلخيص والفروع وغيرهما على ظاهره.
وقال المصنف وتبعه الشارح على قوله ينبغي أن يضم إليه من يشرف عليه ويشهد عليه ويشيع أمره ليؤمن من التفريط فيه.
تنبيه ظاهر قوله وإن كان فاسقا لم يقر في يده أن مستور الحال يقر في يده وهو صحيح وهو المذهب.
وجزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي والفائق وغيرهم.
لكن لو أراد السفر به فهل يقر بيده فيه وجهان.
وأطلقهما في المغني والشرح والنظم والزركشي وشرح الحارثي والفائق وغيرهم.
أحدهما لا يقر بيده جزم به في الكافي وقدمه بن رزين في شرحه.
438

والثاني يقر في يده.
واما الرقيق فليس له التقاطه إلا بإذن سيده اللهم إلا أن لا يجد من يلتقطه فيجب التقاطه لأنه تخليص له من الهلكة.
أما مع وجود من هو أهل للالتقاط فقطع كثير من الأصحاب بمنعه من الأخذ معللا بأنه لا يقر في يده أو بأنه لا ولاية له.
قال الحارثي وفيه نظر فإن أخذ اللقيط قربة فلا يختص بحر وعدم الإقرار بيده دواما لا يمنع أخذه ابتداء.
فعلى المذهب إن أذن له سيده فهو نائبه وليس له الرجوع في الإذن قاله بن عقيل.
واقتصر عليه في المغني والشرح وشرح الحارثي وجزم به في الفروع.
فائدة المدبر وأم الولد والمعلق عتقه كالقن لقيام الرق والمكاتب كذلك قاله في المغني والشرح وشرح الحارثي.
ومن بعضه رقيق كذلك لأنه لا يتمكن من استكمال الحضانة.
واما الكافر فليس له التقاط المسلم ولا يقر بيده ومراده بالكافر هنا الذمي وإن كان الحربي بطريق أولى.
تنبيه ظاهر كلام المصنف أن الكافر إذا التقط من حكم بكفره أنه يقر بيده وهو صحيح صرح به القاضي وغيره من الأصحاب.
لكن لو التقطه مسلم وكافر فقال الأصحاب هما سواء وهو المذهب.
وقيل المسلم أحق اختاره المصنف والناظم.
قال الحارثي وهو الصحيح بلا تردد.
ويأتي ذلك في عموم كلام المصنف قريبا.
439

فائدتان
إحداهما يشترط في الملتقط أيضا أن يكون مكلفا فلا يقر بيد صبي ولا مجنون.
الثانية يشترط الرشد فلا يقر بيد السفيه جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص وغيرهم وقدمه في الرعاية.
ثم قال قلت والسفيه كالفاسق انتهى.
لأنه لا ولاية له على نفسه فأولى أن لا يكون وليا على غيره.
وظاهر كلام المصنف هنا وصاحب المحرر وغيرهما أنه يقر بيده لأنه أهل للأمانة والتربية.
قال الحارثي وهذا أصح وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
قلت وهو الصواب.
وأما إذا التقطه البدوي الذي ينتقل في المواضع فجزم المصنف هنا أنه لا يقر في يده وهو أحد الوجهين وهو المذهب وجزم به في الوجيز والمنور وشرح بن منجا.
قال الحارثي هذا أقوى.
والوجه الثاني يقر قدمه بن رزين.
قلت وهو الصواب.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والكافي والشرح والمحرر والفروع والفائق والرعايتين والحاوي الصغير والنظم وغيرهم وقال في الترغيب والتلخيص متى وجده في فضاء خال فله نقله حيث شاء.
وأما إذا التقطه من في الحضر فأراد نقلته إلى البادية فجزم المصنف أنه
440

لا يقر في يده وهو الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به الحارثي في شرحه وصاحب الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر وشرح بن رزين والوجيز والزركشي وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل يقر وأطلقهما في المغني والشرح.
وتقدم كلام صاحب الترغيب.
قوله (وإن التقطه في الحضر من يريد النقلة إلى بلد آخر فهل يقر في يده على وجهين).
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والمحرر والشرح والفائق وشرح الحارثي وبن منجا والرعايتين والحاوي الصغير والزركشي.
أحدهما لا يقر في يده وهو الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وشرح بن رزين.
والوجه الثاني يقر وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز وصححه الناظم وصاحب التصحيح.
فوائد
إحداها وكذا الحكم لو نقله من بلد إلى قرية فيه الوجهان قاله القاضي في المجرد وغيره.
الثانية وكذا الحكم لو نقله من حلة إلى حلة.
تنبيه يستثنى من هذه المسائل لو كان البلد وئيبا كغور بيسان ونحوه فإنه يجوز النقل إلى البادية لتعين المصلحة في النقل قاله الحارثي.
قلت فيعايى بها.
441

الثالثة حيث يقال بانتزاعه من الملتقط فيما تقدم من المسائل فإنما ذلك عند وجود الأولى به.
أما إذا لم يوجد فإقراره بيده أولى كيف كان لرجحانه بالسبق إليه.
قوله (وإن التقطه اثنان قدم الموسر منهما على المعسر والمقيم على المسافر).
لا أعلم فيه خلافا وظاهر كلامه أن البلدي وضده والكريم وضده وظاهر العدالة وضده في ذلك على حد سواء وهو كذلك قدمه في الفروع وقاله القاضي وبن عقيل.
وقال في التلخيص والترغيب يقدم البلدي على ضده.
وقال في المغني ومن تبعه وعلى قياس قولهم في تقديم الموسر ينبغي أن يقدم الجواد على البخيل انتهى.
وقيل يقدم ظاهر العدالة على ضده وهما احتمالان مطلقان في المغني والشرح وأطلق الوجهين الحارثي.
فائدة الشركة في الالتقاط أن يأخذاه جميعا ولا اعتبار بالقيام المجرد عنده لأن الالتقاط حقيقة الأخذ فلا يوجد بدونه إلا أن يأخذه الغير بأمره فالملتقط هو الآمر لأن المباشر نائب عنه فهو كاستنابته في أخذ المباح.
تنبيه دخل في كلام المصنف لو التقطه مسلم وكافر وهو كذلك وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وقيل المسلم أولى اختاره المصنف والحارثي والناظم وغيرهم وتقدم ذلك أيضا.
قوله (فإن تشاحا أقرع بينهما).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم منهم صاحب
442

المغني والشرح والقواعد والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وشرح الحارثي.
وقيل يسلمه الحاكم إلى من شاء منهما أو من غيرهما.
وقال الحارثي ذكر صاحب المحرر في باب الحضانة أن الرقيق إذا كان بعضه حرا تهايأ في حضانته سيده ونسيبه.
وحكى ذلك عن أبي بكر عبد العزيز.
قال فيخرج هنا مثله والمذهب الأول انتهى.
تنبيه قوله وإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة بلا نزاع.
فإن كان لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا قاله في المغني والشرح والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي وغيرهم.
وإن اتحد تاريخهما أو أطلقتا أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى تعارضتا وهل يسقطان أو يستعملان فيه وجهان.
وأطلقهما في المغني والشرح وشرح الحارثي وغيرهم أحدهما يسقطان فيصيران كمن لا بينة لهما.
وجزم به فيما إذا تساويا في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم.
والثاني يستعملان ويقرع بينهما فمن قرع صاحبه كان أولى به.
قال في الكافي وإن تساويا في اليد أو عدمها سقطتا وأقرع بينهما فقدم بها أحدهما وجزم به بن رزين في شرحه.
ومحلهما إذا لم يكن في يد أحدهما.
443

قال الحارثي وفي بينة المال وجه بتقديم المطلقة على المؤرخة وهو ضعيف بل الأولى تقديم المؤرخة انتهى.
ويأتي ذلك في باب الدعاوى محررا.
فإن كان اللقيط في يد أحدهما فهل تقدم بينة الخارج فيه وجهان مبنيان على الروايتين في دعوى المال على ما يأتي في بينة الداخل والخارج.
وقال في الفروع يقدم رب اليد مع بينة وفي يمينه وجهان.
قوله (فإن لم يكن لهما بينة قدم صاحب اليد بلا نزاع).
لكن هل يحلف معها فيه وجهان وأطلقهما في الكافي والفروع.
أحدهما لا يحلف وهو ظاهر كلام المصنف هنا واختاره بن عقيل والقاضي وقال هو قياس المذهب.
وقدمه بن رزين في شرحه.
والوجه الثاني يحلف قاله أبو الخطاب ونصره المصنف والشارح.
قال الحارثي وهو الصحيح.
فائدتان
إحداهما قوله فإن كان في أيديهما أقرع بينهما فمن قرع سلم إليه مع يمينه.
على الصحيح من المذهب قاله في المغني والشرح وقالا وعلى قول القاضي لا تشرع اليمين هنا ويسلم إليه بمجرد وقوع القرعة له وأطلقهما في الكافي.
الثانية لو ادعى أحدهما أنه أخذه منه قهرا وسأل الحاكم يمينه قال في الفروع فيتوجه إحلافه.
وقال في المنتخب لا يحلف كطلاق ادعى على الزوج.
444

قوله (وإن لم يكن لهما يد فوصفه أحدهما).
يعني بعلامة مستورة في جسده قدم هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والوجيز وشرح الحارثي والمحرر والقواعد الفقهية في القاعدة الثامنة والتسعين وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وذكر القاضي في الخلاف وصاحب المبهج والمنتخب والوسيلة أنه لا يقدم واصفه.
وذكره في الفنون وعيون المسائل عن أصحابنا وإليه ميل الحارثي فإنه نظر على تعليل الأصحاب.
فائدة لو وصفاه جميعا أقرع بينهما.
قال في التلخيص واقتصر عليه الحارثي.
قوله (وإلا سلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما).
يعني إذا لم يكن في أيديهما ولا في يد واحد منهما ولا بينة لهما ولا لأحدهما ولا وصفاه ولا أحدهما وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال الحارثي قال الأصحاب والمصنف هنا يسلمه القاضي إلى من يرى منهما أو من غيرهما انتهى.
قال في القواعد قال القاضي والأكثرون لا حق لأحدهما فيه ويعطيه الحاكم لمن شاء منهما أو من غيرهما انتهى واختاره أبو الخطاب وغيره وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقال المصنف والأولى أن يقرع بينهما كما لو كان في أيديهما.
فائدة من أسقط حقه منه سقط.
قوله (وميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال).
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم.
445

وذكر بن أبي موسى في الإرشاد أن بعض شيوخه حكى رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أن الملتقط يرثه واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى ونصره وصاحب الفائق قال الحارثي وهو الحق.
قوله (وإن قتل عمدا فوليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية).
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أبو الخطاب في الهداية وغيره.
وذكر في التلخيص وجها أنه لا يجب له حق الاقتصاص وأن أبا الخطاب خرجه.
قال ووجهه أنه ليس له وارث معين فالمستحق جميع المسلمين وفيهم صبيان ومجانين فكيف يستوفى.
قال وهذا يجري في قتل كل من لا وارث له انتهى.
قوله (وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه).
يعني مع رشده هذا المذهب.
قال الحارثي هذا الصحيح المشهور في المذهب.
قال في الفروع والأشهر ينتظر رشده إذا قطع طرفه.
وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم وقدمه في الشرح وغيره.
وعنه للإمام استيفاؤه قبل البلوغ نص عليه في رواية بن منصور.
قال في الفائق وهو المنصوص المختار وأطلقهما في الفائق.
قوله (إلا أن يكون فقيرا مجنونا فللإمام العفو على مال ينفق عليه).
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة
446

والمغني والشرح والفروع وغيرهم من الأصحاب وصححه القاضي وغيره.
وحكاه المجد عن نص الإمام أحمد رحمه الله.
وقيل ليس له ذلك.
قال في المقنع في باب استيفاء القصاص فإن كانا محتاجين إلى النفقة يعني الصبي والمجنون فهل لوليهما العفو على الدية يحتمل وجهين.
فعلى هذا يجب على الإمام فعل ذلك لأن عليه رعاية الأصلح والتعجيل هنا هو الأصلح قدمه الحارثي في شرحه وهو الصواب.
وقال القاضي وبن عقيل يستحب ذلك ولا يجب.
تنبيه دخل في عموم قوله انتظر بلوغه أنه لو كان فقيرا عاقلا فليس للإمام العفو على مال ينفق عليه وهو أحد الوجهين وهو ظاهر ما قطع به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم.
وجزم به في الشرح هنا والفصول والمغني هنا.
والوجه الثاني للإمام ذلك وهو الصحيح من المذهب.
قال القاضي والمصنف في باب القود عند قول الخرقي إذا اشترك جماعة في القتل هذا أصح.
وكذا قال في الكافي في باب العفو عن القصاص وصححه في الشرح في باب استيفاء القصاص.
وحكاه المجد عن نص الإمام احمد رحمه الله.
وفي بعض نسخ المقنع هنا إلا أن يكون فقيرا أو مجنونا بأو لا بالواو.
وقد قال المصنف في هذا الكتاب في باب استيفاء القصاص فإن كانا محتاجين إلى النفقة يعني الصبي والمجنون فهل لوليهما العفو عن الدية يحتمل وجهين.
447

وكذا قال أبو الخطاب في الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم هناك وأطلقهما أيضا في الفروع والرعاية.
ودخل أيضا في عموم كلامه لو كان مجنونا غنيا فليس للإمام العفو على مال بل تنتظر إفاقته وهو المذهب.
قال الحارثي هذا المذهب وقطع به في الشرح.
وذكر في التلخيص وجها للإمام ذلك وجزم به في الفصول والمغني وهو ظاهر كلامه في الوجيز وأطلقهما في الفروع والرعاية.
تنبيه حيث قلنا ينتظر البلوغ أو العقل فإن الجاني يحبس إلى أوان البلوغ والإفاقة وحيث قلنا بالتعجيل وأخذ المال لو طلب اللقيط بعد بلوغه وعقله القصاص ورد المال لم يجب ذكره في التلخيص وغيره وفرقوا بينه وبين الشفعة.
قوله (وإن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه فكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط وهو المذهب).
قال الحارثي هذا المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفائق وغيرهم
.
ويحتمل أن القول قول القاذف قاله المصنف.
قال الحارثي وذكر صاحب المحرر في قتل من لا يعرف إذا ادعى رقه وجها أن القول قوله.
وعن القاضي في كتاب الخصال أنه جزم به لأن الرق محتمل والأصل البراءة.
وذكر صاحب المحرر في قذف من لا يعرف إذا ادعى رقه رواية بقبول قوله لأن احتمال الرق شبهة والحد يدرأ بالشبهات والأصل البراءة.
448

فائدة لو كان اللقيط مميزا يطأ مثله وجب الحد على قاذفه على الصحيح من المذهب نص عليه.
وخرج وجه بانتفاء الوجوب وقيل هو رواية.
فعلى المذهب يشترط لإقامته المطالبة بعد البلوغ وليس للولي المطالبة ذكره المصنف وغيره ويأتي ذلك في أوائل باب القذف.
قوله (وإن ادعى إنسان أنه مملوكه لم يقبل قوله إلا ببينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه).
إذا ادعى إنسان أنه مملوكه فلا يخلو إما أن يكون له بينة أو لا.
فإن لم يكن له بينة فلا يخلو إما أن يكون في يده أو لا.
فإن لم يكن في يده فلا شيء له.
وإن كان في يده فلا يخلو إما أن يكون الملتقط أو غيره.
فإن كان هو الملتقط فلا شيء له أيضا ذكره في التلخيص وغيره.
وإن كان غير الملتقط هو صدق قاله الحارثي وقاله في التلخيص وغيره لدلالة اليد على الملك.
قال الحارثي ومقتضى كلام المصنف في المغني والكافي وجوب يمينه وهو الصواب لإمكان عدم الملك فلا بد من يمين تزيل أثر ذلك.
ثم إذا بلغ وقال أنا حر لم يقبل.
وإن كان له بينة فلا يخلو إما أن تشهد بيده أو بملكه أو بسبب ملكه.
فإن شهدت بيده فإن كان غير الملتقط حكم له بها والقول قوله مع يمينه في الملك ذكره المصنف والشارح والقاضي أيضا لدلالة اليد على الملك.
زاد القاضي وأنه ضل عنه أو ذهب أو غصب.
وإن شهدت أن أمته ولدته في ملكه فعند الأصحاب هو له.
449

وإن اقتصرت على أن أمته ولدته ولم تقل في ملكه فقدم المصنف أنه لا بد أن تشهد أن أمته ولدته في ملكه وهو المذهب قدمه في الفروع وصححه الناظم وجزم به في منتخب الأدمى وقطع به المصنف في هذا الكتاب في أثناء كتاب الشهادات.
ويحتمل أن لا يعتبر قول البينة في ملكه بل يكفي الشهادة بأن أمته ولدته.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والمغني والشرح والمحرر وشرح الحارثي والرعايتين والحاوي الصغير.
وإن شهدت له أنه ملكه أو مملوكه أو عبده أو رقيقه ثبت ملكه بذلك على الصحيح من المذهب.
قطع به في المغني والكافي والشرح والقاضي وبن عقيل وصاحب المحرر وغيرهم.
وفيه وجه آخر لا بد من ذكر السبب وهو ظاهر كلام المصنف هنا وأبي الخطاب في الهداية وصاحب المذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم لاحتمال التعويل على ظاهر اليد وأطلقهما الحارثي في شرحه.
وفيه وجه ثالث بأن البينة لا تسمع من الملتقط وتسمع من غيره لاحتمال تعويلها على يد الملتقط ويده لا تقبل الملك اختاره صاحب التلخيص.
فائدة قال في المغني إن شهدت البينة بالملك أو باليد لم يقبل إلا رجلان أو رجل وامرأتان.
وإن شهدت بالولاء قبل امرأة واحدة أو رجل واحد لأنه مما لا يطلع عليه الرجال.
وقال القاضي يقبل فيه شاهدان وشاهد وامرأتان ولا يقبل فيه النساء.
قال الحارثي وهو أشبه بالمذهب.
450

قوله (وإن أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل).
إذا أقر اللقيط بالرق بعد البلوغ فلا يخلو إما أن يتقدمه تصرف أو إقرار بحرية أو لا.
فإن لم يتقدم إقراره تصرف ولا إقرار بحرية بل أقر بالرق جوابا أو ابتداء وصدقه المقر له فالصحيح من المذهب أنه لا يقبل إقراره بالرق والحالة هذه صححه المصنف في المغني وحكاه القاضي وجها.
وقطع صاحب المحرر بأنه يقبل قوله واختاره في التلخيص ومال إليه الحارثي وقدمه بن رزين في شرحه وأطلقهما في الشرح.
وإن تقدم إقراره بالرق تصرف ببيع أو شراء أو نكاح أو إصداق ونحوه فهذا لا يقبل إقراره بالرق على الصحيح من المذهب وعليه الأكثر وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه يقبل اختاره بن عقيل في التذكرة.
وقال القاضي يقبل فيما عليه رواية واحدة.
وهل يقبل في غيره على روايتين.
قال الحارثي وحكى أبو الخطاب في كتابه والسامري عن القاضي اختصاص الروايتين بما تضمن حقا له أما ما تضمن حقا عليه فيقبل رواية واحدة.
قال وحكاه المصنف هنا مطلقا عنه.
وإن تقدم إقراره بالحرية ثم أقر بالرق لم يقبل قوله قولا واحدا.
ولو أقر بالرق لزيد فلم يصدقه بطل إقراره.
ثم إن أقر لعمرو وقلنا بقبول الإقرار في أصل المسألة ففي قبوله له وجهان وأطلقهما الحارثي والفروع وذكرهما
القاضي وغيره.
أحدهما يقبل اختاره المصنف وغيره.
451

والثاني لا يقبل.
قوله (وإن قال إني كافر لم يقبل قوله وحكمه حكم المرتد).
إذا بلغ اللقيط سنا يصح منه الإسلام والردة فيه على ما يأتي في باب الردة فنطق بالإسلام فهو مسلم ثم إن قال إني كافر فهو مرتد بلا نزاع.
وإن حكمنا بإسلامه تبعا للدار وبلغ وقال إني كافر وهي مسألة المصنف لم يقبل قوله وحكمه حكم المرتد وهو الصحيح من المذهب.
قال الحارثي هذا الصحيح وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح والمحرر والرعايتين والفروع والفائق والحاوي الصغير وغيرهم.
والوجه الثاني يقر على ما قاله القاضي قال إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو يعقله.
قال المصنف والشارح وهو وجه بعيد.
فعلى هذا الوجه قال القاضي وأبو الخطاب وغيرهما إن وصف كفرا يقر عليه بالجزية عقدت له الذمة وأقر في الدار وإن لم يبدلها أو كان كفرا لا يقر عليه ألحق بمأمنه.
قال في المغني وهو بعيد جدا.
قوله (وإن أقر إنسان أنه ولده ألحق به مسلما كان أو كافرا رجلا كان أو امرأة حيا كان اللقيط أو ميتا).
إذا أقر به حر مسلم يمكن كونه منه لحق به بلا نزاع ونص عليه في رواية جماعة.
وإن أقر به ذمي ألحق به نسبا على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وهو داخل في عموم نص الإمام أحمد رحمه الله.
وقيل لا يلحق به أيضا في النسب ذكره في الرعاية.
452

إذا علمت ذلك فلا يلحقه في الدين بلا نزاع على ما يأتي في كلام المصنف.
ويأتي حكم نفقته في النفقات.
قال القاضي وغيره وإذا بلغ فوصف الإسلام حكمنا بأنه لم يزل مسلما.
وإن وصف الكفر فهل يقر فيه الوجهان المذكوران في المسألة التي قبلها.
قوله (ولا يتبع الكافر في دينه إلا أن يقيم بينة أنه ولد على فراشه).
هذا المذهب وجزم به في الوجيز وغيره.
قال الشارح هذا قول بعض أصحابنا وقياس المذهب لا يلحقه في الدين إلا أن تشهد البينة أنه ولد بين كافرين حيين لأن الطفل يحكم بإسلامه بإسلام أحد أبويه أو موته انتهى.
قال الحارثي قال الأصحاب إن أقام الذمي بينة بولادته على فراشه لحقه في الدين أيضا لثبوت أنه ولد بين ذميين فكما لو لم يكن لقيطا.
وهذا مقيد باستمرار أبويه على الحياة والكفر وقد أشار إليه في الكافي لأن أحدهما لو مات أو أسلم لحكم بإسلام الطفل فلا بد فيما قالوا من ذلك انتهى.
وإن أقرت به امرأة ألحق بها.
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
قال الحارثي هذا المذهب عند الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
فعلى هذا قال الأصحاب لا يسري اللحاق إلى الزوج بدون تصديقه أو قيام بينة بولادته على فراشه.
وعنه لا يلحق بامرأة من وجه.
453

لا يلحق بامرأة لها نسب معروف أو إخوة.
وقيل لا يلحق بامرأة بحال وهو احتمال للمصنف وحكاه بن المنذر إجماعا.
تنبيه شمل كلام المصنف لو أقر به عبد أنه يلحق به وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
قال الحارثي استلحاق العبد كاستلحاق الحر في لحاق النسب قاله الأصحاب انتهى.
ولا تجب نفقته عليه ولا على سيده لأنه محكوم بحريته وتكون نفقته من بيت المال.
تنبيه آخر شمل قوله أو امرأة لو أقرت أمه به وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
قال الحارثي والأمة كالحرة في دعوى النسب على ما ذكرنا قاله الأصحاب.
إلا أن الولد لا يحكم برقه بدون بينة حكاه المصنف ونص عليه من رواية ابن مشيش.
فوائد
إحداها المجنون كالطفل إذا أمكن أن يكون منه وكان مجهول النسب.
الثانية كل من ثبت لحاقه بالاستلحاق لو بلغ وأنكر لم يلتفت إليه قاله الأصحاب نقله الحارثي.
ويأتي حكم الإرث في باب الإقرار بمشارك في الميراث وكتاب الإقرار.
الثالثة لو ادعى أجنبي نسبه ثبت مع بقاء ملك سيده ولو مع بينة بنسبه.
قال في الترغيب وغيره إلا أن يكون مدعيه امرأة فتثبت حريته وإن كان رجلا عربيا فروايتان وفي مميز وجهان.
454

أحدهما صحة إسلامه واقتصر على ذلك في الفروع.
تنبيه ظاهر قوله وإن ادعاه اثنان أو أكثر لأحدهم بينة قدم بها فإن تساووا في بينة أو عدمها عرض معهما على القافة أو مع أقاربهما وإن ماتا.
سماع دعوى الكافر ولو لم يكن له بينه وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وفي الإرشاد وجه لا تسمع دعوى الكافر بلا بينة.
وقال في التلخيص إن كان لأحدهما يد غير يد الالتقاط وكان قد سبق استلحاقه فإنه يقدم على مستلحقه من بعد.
وإن لم يسمع استلحاقه إلا عند دعوى الثاني ففي تقديمه بمجرد اليد احتمالان انتهى.
فائدتان
إحداهما لو كان في يد أحدهما وأقام كل واحد منهما بينة قدمت بينة الخارج على الصحيح من المذهب والروايتين وتقدم ذلك أيضا.
ويأتي في الدعاوي والبينات.
الثانية لو كان في يد امرأة قدمت على امرأة ادعته بلا بينه على الصحيح من المذهب وتقدم التنبيه على ما هو أعم من ذلك.
تنبيه قوله عرض معهما على القافة أو مع أقاربهما إن ماتا.
وذلك مثل الأخ والأخت والعمة والخالة وأولادهم.
تنبيه ظاهر قوله فإن ألحقته بأحدهما لحق به.
أنها لو توقفت في إلحاقه بأحدهما ونفته عن الآخر أنه لا يلحق بالذي
455

توقفت فيه وهو صحيح وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو المذهب وظاهر ما قدمه في الفروع.
وقال في المحرر يلحق به وتبعه جماعة.
قوله (وإن ادعاه أكثر من اثنين فألحق بهم لحق بهم وإن كثروا).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه في رواية جماعة.
قال في الفائق اختاره القاضي.
وجزم به في الوجيز ونظم المفردات وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي ونصروه والمحرر والفروع.
وهو من مفردات المذهب قاله ناظمها.
وقال الحارثي وقال أبو حنيفة والثوري يلحق بأكثر من اثنين لكن عنده لا يلحق بأكثر من خمسة.
وقال بن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين.
وعنه يلحق بثلاثة فقط نص عليه في رواية مهنا واختاره القاضي وغيره وذكر في المستوعب وجها أنهم إذا ألحقوه بأكثر من ثلاثة لا يلحق بواحد منهم لظهور خطئهم.
فائدة يرث كل من لحق به ميراث ولد كامل ويرثونه ميراث أب واحد ولهذا لو أوصي له قبلوا له جميعا ليحصل له.
وإن مات وخلف أحدهم فله ميراث أب كامل لأن نسبه كامل من الميت نص عليه.
ولأمي أبويه اللذين لحق بهما مع أم أم نصف السدس ولأم الأم نصفه.
قلت فيعايى بها.
456

فائدة أخرى امرأة ولدت ذكرا وأخرى أنثى وادعت كل واحدة أن الذكر ولدها دون الأنثى فقال في المغني والشرح يحتمل وجهين.
أحدهما العرض على القافة مع الولدين.
قال الحارثي قلت وهذا المذهب على ما مر من نصه من رواية بن الحكم.
والوجه الثاني عرض لبنها على أهل الطب والمعرفة فإن لبن الذكر يخالف لبن الأنثى في طبعه وزنته.
وقيل لبن الذكر ثقيل ولبن الأنثى خفيف فيعتبران بطبعهما وزنتهما وما يختلفان به عند أهل المعرفة.
قال الحارثي وهذا الاعتبار إن كان مطردا في العادة غير مختلف فهو إن شاء الله أظهر من الأول فإن أصول السنة قد تخفى على القائف.
قال في المغني فإن لم يوجد قافة اعتبر باللبن خاصة.
وإن كان الولدان ذكرين أو أنثيين وادعتا أحدهما تعين العرض على القافة.
قوله (وإن نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم يوجد قافة أو اختلف قائفان ضاع نسبه في أحد الوجهين).
وهو المذهب نص عليه في المسألة الأولى وجزم به في العمدة والوجيز واختاره أبو بكر.
قال المصنف قول أبي بكر أقرب.
قال الحارثي وهو الأشبه بالمذهب وقدمه في الفروع.
وفي الآخر يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهم.
قال القاضي وقد أومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله.
واختاره بن حامد وقطع به في العمدة والتلخيص وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق.
457

قال الحارثي ويحتمل أن يقبل من مميز أيضا تفريعا على وصيته وطلاقه وعلى قبول شهادته على رواية والمذهب خلافه.
وذكر بن عقيل وغيره هو لمن يميل بطبعه إليه لأن الفرع يميل إلى الأصل لكن بشرط أن لا يتقدمه إحسان.
وقيل يلحق بهما اختاره في المحرر.
ونقل بن هانئ يخير بينهما ولم يذكر قافة.
وعنه يقرع بينهما فيلحق نسبه بالقرعة.
وذكرها في المغني في كتاب الفرائض نقله عنه في القواعد.
فوائد
منها على قول بن حامد ومن تابعه لو ألحقته القافة بعد انتسابه بغير من انتسب إليه بطل انتسابه.
ومنها ليس له الانتساب بالتشهي بل بالميل الطبيعي الذي تثيره الولادة.
ومنها يستقر نسبه بالانتساب فلو انتسب إلى أحدهما ثم عن له الانتساب إلى الثاني أو الانتفاء من الأول لم يقبل.
ومنها لو انتسب إليهما جميعا لميله لحق بهما قاله الحارثي وغيره.
ومنها لو بلغ ولم ينتسب إلى واحد منهما لعدم ميله ضاع نسبه لانتفاء دليله ولو انتسب إلى من عداهما وادعاه ذلك المنتسب إليه لحقه.
ومنها وجوب النفقة مدة الانتظار عليهما لإقراره بموجبها وهو الولادة وكذلك في مدة انتظار البينة أو القافة.
تنبيه قوله أو لم يوجد قافة حقيقة العدم العدم الكلي فلو وجدت بعيدة ذهبوا إليها.
ومنها لو قتله من ادعياه قبل أن يلحق بواحد منهما فلا قود على واحد
458

منهما ولو رجعا لعدم قبوله ولو رجع أحدهما انتفى عنه وهو كشريك الأب على ما يأتي في آخر كتاب الجنايات.
قوله (وكذلك الحكم إن وطئ اثنان امرأة بشبهة أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وطئت زوجة رجل أو أم ولده بشبهة وأتت بولد يمكن أن يكون منه فادعى الزوج أنه من الواطئ أري القافة معهما).
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح والفروع والفائق وغيرهم.
وسواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما ذكره القاضي وغيره.
وشرط أبو الخطاب في وطء الزوجة أن يدعي الزوج أنه من الشبهة.
فعلى قوله إن ادعاه لنفسه اختص به لقوة جانبه.
وفي الانتصار رواية مثل ذلك.
ونقل أبو الحارث في امرأة رجل غصبت فولدت عنده ثم رجعت إلى زوجها كيف يكون الولد للفراش في مثل هذا إنما يكون له إذا ادعاه وهذا لا يدعيه فلا يلزمه.
وقيل إن عدمت القافة فهو لرب الفراش.
ويأتي في آخر اللعان هل للزوج أو للسيد نفيه إذا ألحق به أو بهما.
قوله (ولا يقبل قول القائف إلا إن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة).
يشترط في القائف أن يكون عدلا مجربا في الإصابة بلا نزاع.
ومعنى كونه عدلا مجربا في الإصابة على ما قاله القاضي ومن تابعه بأن يترك الصبي بين عشرة رجال من غير من يدعيه ويريهم إياه فإن ألحقه بواحد
459

منهم سقط قوله لتبين خطئه وإن لم يلحقه بواحد منهم أريناه إياه مع عشرين فيهم مدعيه فإن ألحقه به لحقه.
ولو اعتبر بأن يرى صبيا معروف النسب مع قوم فيهم أبوه أو أخوه فإن ألحقه بقريبه عرفت إصابته وإن ألحقه بغيره سقط قوله جاز.
وهذه التجربة عند عرضه على القافة للاحتياط في معرفة إصابته ولو لم نجربه بعد أن يكون مشهورا بالإصابة وصحة المعرفة في مرات كثيرة جاز.
تنبيه ظاهر كلام المصنف أنه لا يشترط حرية القائف وهو المذهب وهو ظاهر كلامه في الكافي والوجيز والمنور والهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم.
ذكروه فيما يلحق من النسب وقدمه في الفروع.
قال الحارثي وهذا أصح.
وقيل تشترط حريته.
وجزم به القاضي وصاحب المستوعب والمصنف والشارح وذكره في الترغيب عن الأصحاب.
قال في القواعد الأصولية الأكثرون على أنه كحاكم فتشترط حريته وقدمه في الرعاية الكبرى والحاوي الصغير.
وأطلقهما في المحرر والنظم والرعاية الصغرى والفائق والزركشي.
فعلى الأول يكون بمنزلة الشاهد وعلى الثاني يكون بمنزلة الحاكم.
وجزم به في الترغيب أنه تعتبر فيه شروط الشهادة.
فوائد
الأولى يكفي قائف واحد على الصحيح من المذهب نص عليه في رواية أبي طالب وإسماعيل بن سعيد.
واختاره القاضي وصاحب المستوعب وصححه في النظم.
460

وقدمه في الرعايتين والفروع والحاوي الصغير.
وعنه يشترط اثنان نص عليه في رواية محمد بن داود المصيصي والأثرم وجعفر بن محمد.
وقدمه في الفائق وشرح بن رزين.
وأطلقهما في القواعد الأصولية والحارثي في شرحه والكافي والزركشي.
وظاهر الشرح الإطلاق.
وخرج الحارثي الاكتفاء بقائف واحد عند العدم من نصه على الاكتفاء بالطبيب والبيطار إذا لم يوجد سواه وأولى فإن القائف أعز وجودا منهما.
تنبيه هذا الخلاف مبني عند كثير من الأصحاب على أنه هل هو شاهد أو حاكم.
فإن قلنا هو شاهد اعتبرنا العدد وإن قلنا هو حاكم فلا.
وقال جماعة من الأصحاب ليس الخلاف مبنيا على ذلك بل الخلاف جار سواء قلنا القائف حاكم أو شاهد لأنا إن قلنا هو حاكم فلا يمتنع التعدد في الحكم كما يعتبر حاكمان في جزاء الصيد.
وإن قلنا شاهد فلا تمتنع شهادة الواحد كما في المرأة حيث قبلنا شهادتها وشهادة الطبيب والبيطار.
وقالت طائفة من الأصحاب هذا الخلاف مبني على أنه شاهد أو مخبر.
فإن جعلناه شاهدا اعتبرنا التعدد وإن جعلناه مخبرا لم نعتبر التعدد كالخبر في الأمور الدينية.
الثانية القائف كالحاكم عند أكثر الأصحاب قاله في القواعد الأصولية والحارثي وقطع به في الكافي.
وقيل هو كالشاهد وهو الصحيح على ما تقدم.
وأكثر مسائل القائف مبنية على هذا الخلاف.
461

الثالثة هل يشترط لفظ الشهادة من القائف.
قال في الفروع بعد القول باعتبار الاثنين ويعتبر منهما لفظ الشهادة نص عليه وكذا قال في الفائق.
قال في القواعد الأصولية وفيه نظر إذ من أصلنا قبول شهادة الواحد في مواضع.
وعلى المذهب يعتبر لفظ الشهادة انتهى.
قلت في تنظيره نظر لأن من نقل عن الأصحاب كصاحب الفروع وغيره إنما نقلوا ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله.
وقد روى الأثرم أنه قال لا يقبل قول واحد حتى يجتمع اثنان فيكونا شاهدين.
وإذا شهد اثنان من القافة أنه لهذا فهو له.
وكذا قال في رواية محمد بن داود المصيصي.
فالذي نقل ذلك قال يعتبر من الاثنين لفظ الشهادة وهو موافق للنص ولا يلزم من ذلك أنه لا يعتبر لفظ الشهادة في الواحد ولا عدمه.
غايته أنه اقتصر على النص فلا اعتراض عليه في ذلك.
وقال في الانتصار لا يعتبر لفظ الشهادة ولو كانا اثنين كما في المقومين.
الرابعة لو عارض قول اثنين قول ثلاثة فأكثر أو تعارض اثنان سقط الكل.
وإن اتفق اثنان وخالف ثالث أخذ بقول الاثنين نص عليه ولو رجعا.
فإن رجع أحدهما لحق بالآخر.
قال في المنتخب ومثله بيطاران وطبيبان في عيب.
الخامسة يعمل بالقافة في غير بنوة كأخوة وعمومة عند أصحابنا.
وعند أبي الخطاب لا يعمل بها في غير البنوة كإخبار راع بشبه.
462

وقال في عيون المسائل في التفرقة بين الولد والفصيل لأنا وقفنا على مورد الشرع ولتأكد النسب لثبوته مع السكوت.
السادسة نفقة المولود على الواطئين فإذا لحق بأحدهما رجع على الآخر بنفقته.
ونقل صالح وحنبل أرى القرعة والحكم بها.
يروى عنه عليه أفضل الصلاة والسلام أنه أقرع في خمس مواضع فذكر منها إقراع علي رضي الله عنه في الولد بين الثلاثة الذين وقعوا على الأمة في طهر واحد ولم ير هذا في رواية الجماعة لاضطرابه.
وقال بن القيم رحمه الله في الهدى القرعة تستعمل عند فقدان مرجح سواها من بينة أو إقرار أو قافة.
قال وليس ببعيد تعيين المستحق في هذه الحال بالقرعة لأنها غاية المقدور عليه من ترجيح الدعوى ولها دخول في دعوى الأملاك التي لا تثبت بقرينة ولا أمارة فدخولها في النسب الذي يثبت بمجرد الشبه الخفي المستند إلى قول قائف أولى..
قد تم - بحمد الله تعالى وحسن توفيقه - طبع الجزء السادس من كتاب الإنصاف وتصحيحه جهد الطاقة. بمطبعة السنة المحمدية على نسخة بخط المصنف وكان الفراغ من ذلك في اليوم الرابع عشر من شهر شعبان سنة 1376 هجرية الموافق لليوم السادس عشر من شهر مارس سنة 1957 ميلادية..
ويليه - إن شاء الله تعالى - الجزء السابع. وأوله " كتاب الوقف " والله الموفق والمعين على الإتمام لطبع كل الكتاب. ولا حول ولا قوة إلا بالله. وصلى الله وسلم وبارك على خاتم المرسلين وإمام المهتدين عبد الله الكريم ورسوله الأمين محمد، وعلى آله أجمعين. وكتبه فقير عفو الله ورحمته.
محمد حامد الفقي
463