الكتاب: نظم درر السمطين
المؤلف: الزرندي الحنفي
الجزء:
الوفاة: ٧٥٠
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٧٧ - ١٩٥٨ م
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

نظم
درر السمطين
في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين
تأليف
جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي الحنفي المدني
المتوفى عام 750 هج‍
1

سلسلة من مخطوطات
مكتبة
الإمام أمير المؤمنين (ع) العامة
- 1 - الطبعة الأولى
1377 هج‍ - 1958 م
2

الإهداء
يا أبا السبطين، يا سيد العرب، يا وصي المصطفى وصنوه الطاهر،
يا خير خلق الله بعد نبيه إليك والى مكتبتك العامرة المزدهرة بالنفائس
(مكتبة الأمام أمير المؤمنين) أهدي درر السمطين هذه وهي منها
إليها راجيا فضلك بالقبول.
الناشر
3

كلمة حول الكتاب
كثير ما كنا نجد في كتب الحديث ومعاجم السير والتاريخ الإشارة
إلى كتاب - نظم درر السمطين - في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول
والسبطين، كما نقرأ فيها كلمات الاطراء وجمل الثناء على مؤلفه، وذلك لما
للكتاب هذا من قيمة ومادة علمية، حتى أتخذه المؤلفون قديما
وحديثا منذ تأليفه مصدرا وثيقا وحجة قويمة لمؤلفاتهم ومنبعا غزيرا
يستقون منه لما يضم بين دفتيه من ثروة علمية اسلامية ناجعة، بيد ان أستاذة
التأليف والاخذ في السنين الأخيرة ينقلون عنه بالواسطة لندرة نسخه،
ولأنهم لا يستغنون عنه في مؤلفاتهم لمكانته الظاهرة الإمعة بين كتب التاريخ
بل لان مصنفه يعد في نظرهم هو المحدث الحافظ بلا منازع.
والكتاب هذا كما يدلنا عليه عنوانه جامع لفضائل النبي الأقدس،
ووصيه الأمين بالحق، وبضعته الطاهرة الزهراء، وسبطيه سيدي شباب
أهل الجنة الحسن والحسين، وقد سلك فيه مسلك الشيخ الامام ثقة الاسلام
صدر الدين أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الحمويني المتوفي عام 722 في كتابه
(فرائد السمطين) مع ذكره ما كان مشهورا من الحديث في مناقبهم عليهم
الصلاة ومدونا في الكتب المعتمدة مما لا تذكر في كتاب - فرائد السمطين -
بعد الصفح عن كل حديث زعمه غير مشهور جاء في الفرائد، هذا مع حذف
أسانيده وسلسلة رواته حذرا من الإطالة كما نص على ذلك في مقدمة
4

الكتاب، والمؤلف وان اتخذه على نفسه حذرا من الإطالة بيد انه لم يذهب
هذا بقيمة الأحاديث من ناحيتها التاريخية والمعنوية، ومن هنا كان لزاما
علينا ارجاع الأحاديث إلى أسانيدها الصحيحة والإشارة عليها في الهامش
والايعاز إلى مصادرها الموثوقة حسب الامكان وهكذا كان
بعونه تعالى.
أما المؤلف فهو شمس الدين محمد بن عز الدين أبي المظفر يوسف بن
الحسن بن محمد بن محمود بن الحسن الأنصاري الحنفي الزرندي، ولد في المدينة
سنة 693 ونشأ ودرس بها في كنف أبيه وأصبح عالما ومحدثا بها وترأس
بعد وفاة أبيه المظفر يوسف، ثم انتقل إلى شيراز بدعوة من سلطان
وقته الشيخ أبو إسحاق بن الملك الشهيد شرف الدين محمود شاه الأنصاري
وتصدى منصب القضاء بها إلى أن توفي عام 750 ودفن بها.
وجاء في الدرر الكامنة 4 ص 295: محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد
ابن محمود بن الحسن الزرندي المدني الحنفي شمس الدين أخو نور الدين علي،
قرأت في مشيخة الجنيد البلياني تخريج الحافظ شمس الدين الجزري الدمشقي
نزيل شيراز انه - المترجم - كان عالما وأرخ مولده سنة 693 ووفاته بشيراز
سنة بضع وخمسين وسبعمائة، وذكر انه صنف درر السمطين في مناقب
السبطين، وبغية المرتاح، جمع فيها أربعين حديث بأسانيدها وشرحها ورأس
بعد أبيه بالمدينة، وصنف كتبا كثيرة ودرس في الفقه والحديث ثم رحل
إلى شيراز فولي القضاء بها حتى مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ذكره
ابن فرحون.
وفي شذرات الذهب 6 ص 281: محمد بن علي بن يوسف بن الحسن
5

ابن محمد بن محمود بن عبد الله الزرندي الحنفي قاضي المدينة بعد أبيه، كان
فاضلا متواضعا يكنى ابا الفتح وهو بها أشهر.
وقال نور الدين ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمة: الشيخ الامام
العلامة المحدث بالحرم الشريف النبوي.
وقد بسط القول في ترجمة سيدنا الحجة الفذ صاحب العبقات في ج 8
ص 169 وأثنى عليه بقوله: عالم زرند صاحب المقام الاعلى والمحدث الجليل
ذو الصيت والفضل والجلالة والشرف والنبالة، ومؤلفاته في الرعيل الأول
من مصادر كتب رجال التحقيق وأساطين العامة.
وفي كشف الظنون 1 ص 488: دور السمطين في فضائل المصطفى
والمرتضى والبتول والسبطين للشيخ جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي
محدث الحرم النبوي المتوفي سنة 750.
وفي الغدير 1 ص 125: جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي المدني الحنفي شمس الدين المتوفي بضع خمسين وسبعمائة ترجمه
معاصره السلامي كما في منتخب المختار ص 210 وذكر مشايخه واجتماعه به.
إلى غير ذلك مما سطرتها الكتب وذكرها المؤلفون، وهي إن دلت
على شئ فإنما تدل على فضيلته وبراعته واطلاعه المستفيض في الحديث والفقه
وتوابعهما، وقد جمع المؤلف في كتابه هذا جملا من الفضائل والمناقب الواردة
في النبي وذريته ثم اتبعها شعرا وجعلها في قلادة درره، ومزج بين
الحديث والأدب فهو على تضلعه في فنون الحديث بارع في صناعة الشعر
وصنوف الأدب كل الابداع فيه، ومن بديع نظمه قوله في كتابه:
دراري صدق ضمها درر العلى وليس يولى مثلها يد مسند
6

نظائر انس في حظائر قدست بذكر هداة الدين من بعد احمد
فصوص نصوص في ذوي الفضل والتقى شموس على ذرت لا شرف محتد
لهم في سماء المجد أشرف موضع وهم في عراص الدين أكرم مرصد
فالمترجم له من المؤرخين الأدباء العلماء، وعلمه بالحديث لا ينقص
عن علمه بفنون الأدب بيد انه طغت عليه نزعة الحديث لا سيما الأحاديث
الصادرة عن العترة الطاهرة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا،
وعلى هذا الأساس جاءنا شعره أقل دفئا مما يؤمل وعلى الرغم من هذا كله
فالقارئ لمؤلفاته يتحسس فيها قوة شاعرية المترجم له وشدة تضلعه في
الأدب والذي يعجب في شعره هو تعابيره الرصينة وسبكه القوي ومتانة
معانيه وجمال أسلوبه، ولعل لتضلعه في فن الحديث دخل في تنوع شعره
، ومن نظمه أيضا قوله في حديث النور الصادر عن النبي الأقدس من قوله:
كنت انا وعلي بن أبي طالب نورا بين يدي الله قبل ان يخلق آدم بأربعة
آلاف عام فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزئين فجزء انا وجزء علي
ابن أبي طالب:
أخو أحمد المختار صفوة هاشم أبو السادة الغر الميامين بالمنن
وصهر امام المرسلين محمد علي أمير المؤمنين أبو الحسن
هما ظهرا شخصين فالنور واحد بنص حديث النفس والنور فاعلمن
هو الوتر المأمول في كل خطبة وان لا تنجينا مودته فمن
عليهم صلاة الله ما لاح كوكب وما هب عراص النسيم على القنن
أما مؤلفاته فكثيرة ولكن ما نص عليها هي:
1 - نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين.
7

2 - العلام بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام.
3 - بغية المرتاح إلى طلب الأرباح، جمع فيها أربعين حديثا
بأسانيدها وشرحها.
4 - معراج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول.
هذا ما صرح به في كتابه نظم درر السمطين، وقد فرغ من تأليفه
عام 747 وربما كانت لديه غيرها من التأليف ولم تصلنا، والمفهوم ان
الكتب هذه كتبت بطلب ورغبة من سلطان عصره الشيخ أبو إسحاق
فلا تكاد تجد كتابا من تصانيفه الا وهو مصدر باسم السلطان المذكور.
ونظم درر السمطين (هذا الكتاب) الذي نحن اليوم بصدد التحدث
عنه لنقدمه بين يديك اخذناه من نسخة خطية وجدت في مكتبة المغفور له
العلامة - سردار كابلي - بكرمنشاه وهي نسخة المؤلف نفسه خطتها
يمينه فرغ من كتابتها عام 747 وهي عتيقة جدا حيث يصعب أحيانا قراءة
بعض سطورها وكلماتها وتقع في - 245 - صحيفة بقطع الثمن في كل
صفحة - 19 - سطرا طول كل سطر - ه / 9 - سنتيم وقد بيعت خزانة كتب
العلامة المذكور واقتنيت النسخة من قبل سيادة الوالد المعظم - الحجة الأميني -
وضمها إلى مكتبة الامام أمير المؤمنين - ع - العامة ولا زال هذا المرجع
التأريخي في حيازة المكتبة تحت رقم - 470 - من سجل مخطوطاتها.
واليك صورة خط المؤلف بدء الكتاب وخاتمه.
8

صورة الصفحة الأولى من خط المؤلف
9

صورة الصفحة الثانية من خط المؤلف
10

صورة الصفحة الأخيرة من خط المؤلف
11

وكثيرا ما ينقل رجال التأليف الاثبات عن هذا الكتاب القيم أمثال:
أحمد بن الفضل بن محمد با كثير في وسيلة المآل. والمولى حيدر علي في منتهى
الكلام. والمولى سلامة الله في معركة الآراء. ونور الدين السمهودي في
جواهر العقدين. ومحمد بن يوسف الشامي في سبل الهدى والرشاد في سيرة
خير العباد. والمفتي صدر الدين خان في منتهي المقال. ونور الدين بن الصباغ
المالكي في الفصول المهمة. والسيد العلم الأوحد مير حامد حسين في العقبات.
والحجة الأميني في الغدير. إلى كثير من رجال التاريخ والسير كل أولئك
مخبتين إلى اعتبار الكتاب والثقة به والى صحة ما في طيه من الآثار والماثر.
هذا وقد تفضل سماحة مولانا الوالد المعظم فسمح بطبع الكتاب
واخراجه إلى المكتبة العربية بعد ضبط مصادر ما فيه من الحديث الطيب،
وهذا الأثر النفيس المفعم بالعلم الناجع من اشهى ثمار مكتبة الامام
أمير المؤمنين العامة ولولاها لحرمت الأمة المرحومة وقصرت يدها عن هذه
الجوهرة الثمينة كما كانت قاصرة عنها منذ القدم حتى اليوم، وسيقف بحول
الله ومنه الملأ العلمي على أمثال هذه النفائس تباعا حينا بعد حين مما حوته
مكتبة الإمام عليه السلام من أثار يراع السلف الصالح والتراث العلمي الديني،
ونحن على يقين لا يخامره شك من أن هذه المكتبة العامرة ستتحف في
المستقبل العاجل رواد العلم والفضيلة بغرر ودرر من التآليف القيمة، وتنشر
طرفا وطرائف مما فيه حياة روح الشعب الثقافي والنهضة العلمية المشكورة
مما اخنى عليه الدهر وأنسى ذكره التاريخ، وما التوفيق إلا من عند الله اخذ الله
بعضد مؤسسها المجاهد المناضل وبلغه غاية امله في مشروعه المقدس هذا،
وما رامه من كل خير وصلاح وحياة وبياه.
12

وأخيرا لا آخرا فالأمل كله ان يقع الكتاب بعد بذلنا أقصى الجهود
دون اخراجه وتصحيحه عند حسن ظن القراء الكرام، ومن الله استمد
لهم ولنفسي التوفيق والسلام.
محمد هادي الأميني
13

مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي المن والإحسان. والطول والامتنان. والقدرة والسلطان
مدبر الأمور بحكمته. ومنشئ الخلايق بقدرته. كرم بين آدم وشرفهم
بخلع الايمان وفضلهم بالعقل ومزيد البيان. اصطفى منهم أصفياء وجعل
منهم بررة أتقياء. فهم خواص عباده وأوتاد بلاده خصهم بالخيرات والعطايا
وصرف عنهم الآفات والبلايا وحبب إليهم المعروف وأعانهم على إغاثة الملهوف
ليكمل عليهم المنة والفضل ليزدادوا له شكرا بالعطاء والبذل. والصلاة على
رسوله محمد القائم بحججه والداعي إلى منهجه أرجح العرب ميزانا وأفصحها
لسانا وأوضحها بيانا، وأسمعها بنانا، وأوثقها ايمانا وأعلاها مقاما، وأحلاها
كلاما، وأوفاها ذما، فأوضح الحقيقة ونصح الخليفة ونصب أدات الدين
وأعلا أعلامه فرفع أيات اليقين واحكم احكامه، وشرع بأمر ربه حتى ظهر
دينه على كل دين، وبلغ ما تحمل من رسالته حتى أتاه اليقين، استخرجه
من الحسب الصميم والأصل الكريم في أفضل أوان وخير زمان بأنوار
منار وأشهر شعار وأكثر فخار من أطهر بيت في مضر بن نزار صلى الله عليه
وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه من الأنصار والمهاجرين والتابعين لهم
باحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
14

وبعد يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه الراجي العفو عن جرائمه الفادحة
وعظيم ذنبه المؤمل شفاعة نبيه محمد (ص) وأهل بيته كرام الأنام المرتجين
وصحبه عليهم صلوات الله ما حن واله وحيا الحيا وادي العقيق بمكة: محمد
ابن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن الحسن الزردني محتد أو نجارا
المدني مولدا ودارا الأنصاري نسبا وفخارا المحدث بالحرم الشريف النبوي
(ع) أولاه الله تعالى سعادة الدارين ورزقه العمل بما أوتيه من النورين ورحم
سلفه وسقى صوب الرحمة والغفران ضريحه، وأنا له بكرمه محض لطفه وصريحه،
أني لما خرجت من الأوطان وفارقت الأولاد والاخوان والخلان وبعدت عن
المدينة الشريفة المعظمة المنيفة التي هي مسقط رأسي وميلادي، ومهبط نظارة
العيش والعمر بين أسرتي وتلادي لضرورة من بوايق الزمان وطوارق
الحدثان ساقني القدر المحتوم والرزق المقسوم من تلك التربة إلى كربة الغربة
فوصلت إلى (شيراز) حفت بالاكرام والاعزاز في أثناء خمس وأربعين
وسبعمائة قاصدا جناب سيدنا ومولانا السلطان الأعظم الاعدل الأكرم
الأعلم الأفخم مالك رقاب الأمم ملك ملوك العرب والعجم مولى الأيادي والنعم
ومعلي ألوية الجود والكرم الجامع بفضايله وهمته بين رتبتي العلم والعلم،
والقامع لأعدائه بسطوته وباستخدام أرباب السيف والقلم، مربي العلماء
والموالي مسند مثاني المكارم والمعالي، قبلة ذوي الاقبال وكعبة أولى الآمال
الذي فاقت مناقبه الزاخرة العباب، وتاهت مفاخره الدائمة التسكاب عن
الحصر والعد والحساب، كهف الإسلام والمسلمين وعون الضعفاء والمساكين،
عمدة الملوك والسلاطين ظل الله في الأرضين جمال الدنيا والدين شيخ أبو
إسحاق بن الملك السعيد المرحوم المغفور الشهيد شرف الدولة والدين محمود
15

شاه الأنصاري (1) خلد الله ملكه ورحم أسلافه وأعلا شانه، ورفع قدره
وأعز سلطانه وعظم سموه واقتداره وكثر أعوانه وأنصاره ولا زالت رايات
نصرته على البرايا مرفوعة وعين الكمال عن ساحة سلطنته مدفوعة بمحمد
وآله، وقد أوجز الداعي لجنابه العالي في تخطيطه الجلالة والاطناب ولزم
التعداد في الألقاب اعتمادا على شهور تعظيمها واكتفاء بتجاوز كرمها
وكريمها، وصرت ذلك إلى الدعا فإنه أولى ما يؤدي به النعم من الأشياء
وغاية جهد أمثالي دعاء يدوم مع الليلي أو ثناء، فاطل اللهم عمره وأيد جماله
وأدر نعمتك عليه وضاعف جلاله وأدم على كافة الأنام ظلاله، وحقق في
الدارين أماله وأجعل خيرا من أولاه مآله فلقد وفقته للخيرات، فقه شر
الشيطان وأعوانه واضلاله وثبته بالقول الثابت فقد وجه إلى بصدق
الرغبة آماله، وأعني اللهم القيام بشكره والدعاء له بسر القول وجهره،
وسدد اللهم عند الثناء على أقوالي فاني معترف بالعجز عن شكره وعجزي
عن ذلك أقوى لي، ووفقني اللهم لما يرضيك عني في عملي أوفى لي وادم علي
درع ايمانك التي ألبستنيها فهي أحصن جنة لي وأوقى لي انك على كل شئ
قدير وبالإجابة جدير، وقد قلت متمثلا في مجده المؤثل وأصله المؤصل
بيتين وهما: فعش ليد تولي وعز بحفظه ونائبة تكفى ونعمئ تنيلها
ودم للمعالي فهي خير ذخيرة ومشتبه الا عليك سبيلها

(1) من ملك آل مظفر اعتلى العرش في شيراز عام 740 وقتل عام
757 وكان يقرب الشعراء والعلماء ويكرمهم.
16

وقد كنت لما نويت الرحلة من المدينة النبوية قاصدا حضرته وسدته
الرفيعة العلوية ألفت كتاب: الأربعين الصحاح المسمى بغية المرتاح إلى طلب
الأرباح ووشحته بألقابه الشريفة وطرزته بدل أياديه المعظمة المنيفة حين انتشر
ذكره في الآفاق واشتهر احسانه وتقليده المنن للأعناق واجري الله تعالى
ذكره ذكر مدائحه بالسلطنة على لساني وقلمي، حتى اتيت ساعيا منها إليه على
راحلتي وقدمي، فكان الغأل على ما جرى وظهر اثر ذلك بين الورى وتشرف
السكة والخطبة في الآفاق بذكر السلطان الفاضل الكامل أبي إسحاق خلد الله
تعالى ملكه، وجدد على ممر الزمان سعوده وبلغه من خير الدنيا والآخرة
مراده ومقصوده انشاء الله، فلما وصلت إلى جنابه الكريم وحللت حماه
الرحب العميم الذي هو مجمع الاشراف ومنبع الألطاف ومنجح الوسايل
ومعدن الفضايل وشرفت بطلعته الميمونة وقبلت رواحبه وقضيت لمشافهة
الدعاء مفترض حقه وواجبه، وجدته بحرا لا ساحل له وألفيته درا لا مثال
له فلذت بعد قضاء الله تعالى بجواره والتجأت إلى حضرته الحية وجاره
ورجوت بجاهه حصول المقاصد واصلاح الأمر الفاسد، فكان لي أكرم
ملاذ وأشرف معاذ اعاذه الله تعالى من الأسواء ومتعه بطول البقاء، فلما
رأيت تضاعف مكارمه وترادف مراحمه أحببت ان أذكر شطرا من أياديه
واذكر عشرا مما فيه وأضم إلى كتابي الأربعين كتابا آخر في فضايل سيد
المرسلين وخاتم النبيين ورسول رب العالمين وفضايل ابن عمه أمير المؤمنين
وأمام المتقين علي بن أبي طالب أول من آمن به وصدقه من المؤمنين ومناقب
الزهراء البتول فاطمة قرة عين الرسول (ص) ومناقب ولديها السيدين السعيدين
الشهيدين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة المخصوصين بشرف أهل
17

الطهارة والاصطفاء والمحبة والاجتباء المظللين بالعباء، وابذل جهدي فيه
بالدعاء للسلطان جمال الدنيا والدين ظل الله في الأرضين وأطرزه بألقابه بالاعزاز
والتمكين يبقى ذكره فيه منتشرا في الآفاق مخلدا في بطون الأوراق، واقصر
فيه بعض ما يجب له من حقه واشكره كما ينبغي ويلزم من شكره واجعله وسيلة
إلى استعطاف عوارفه المألوفة وذريعة إلى اتمام احسانه جريا على شيمة المألوفة
فيذكرني بذلك عنده ولا ينساني بعده فاستخرت الله تعالى في ذلك وانشرح
له صدري وشرعت في تأليفه لأقابل بعض الاحسان المنعم بشكري وجمعت فيه
ما ورد في فضايلهم من الأحاديث مما نقلها العلماء والأئمة منبها على عظم قدرهم
وشرفهم وموالاتهم الواجبة على جميع الأمة، فان الله تعالى جعل محبتهم
مثمرة السعادات في الأولى والعقبى وأنزل في شأنهم: قل لا أسألكم عليه أجرا
الا بالمودة في القربى (1) وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله في وصفهم ومنبها
على هذا المعنى في فضلهم:
يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر انكم من لم يصل عليكم لا صلوات له (2)
ولغيره:
هم القوم من أصفاهم الود مخلصا تمسك في أخراه بالسبب الأقوى
هم القوم فاقوا العالمين مآثرا محاسبهم تجلى وأياتها تروى

(1) سورة الشورى 23.
(2) الزرقاني في شرح المواهب 7 ص 7 وإسعاف الراغبين على هامش نور الابصار للشبلنجي ص 21 أو الاتحاف بحب الاشراف للشيراوي ص 29. والخفاجي في شرح الشفا 3 ص 453.
18

موالاتهم فرض وحبهم هدى وطاعتهم قربى وودهم تقوى (1)
ثم إن هذه الأحاديث فوايد اخبار من بحر فضايلهم مستخرجة،
وفوايد اثار في سلك شمايلهم بالاخلاص منظومة، مديحة ينبئ بعضها عما
خص الله تعالى به رسوله (ص) وأهل بيته من الفضائل المتلألية الأنوار
والمناقب العلية المنار والآثر الكريمة الآثار والمكارم الفايضة التيار، والمنايح
الفاتحة الأزهار، والمقامات الظاهرة الاقدار، والكرامات الوسيعة الأقطار،
والمراتب الرفيعة الاخطار، يزهى بها رياض المزايا والمفاخر، ويقر بفضلها
ويعترف الأول والآخر، مما تتعطر الآفاق من فوائح نشرها وتبتهج الأرواح
والقلوب بمشاهدة لوائح بشرها ويرتوي الظماء عند سماع ذكرها ووصفها،
وتتوشح عرايس المفاخر بفرايد دررها وحسن وصفها ويبهر أبصار
الحاسدين شعاعها ويا حبذا عبد المحب سماعها:
دراري صدق ضمنها درر العلى * وليس بمولي مثلها يد مسند
نظاير أنس في حظاير قدست بذكر * هداة الدين من بعد احمد
فصوص نصوص في ذوي الفضل والتقى * شموس علا خرت الأشرف محتد
لهم في سماء المجد أشرف موضع وهم * في عراص الدين أكرمهم مرصد
نظمت جواهرها في هذا الكتاب في سلكين وسلكت دررها في سمطين
وقسمت أحاديثها على شطرين واتخذتها لأثقال الذنوب في لجج بحار رجاء
الغفران فلكين وسميته كتاب: نظم درر السمطين في فضايل المصطفى والمرتضى
والبتول والسبطين، جعلته لي عندهم سببا متينا وبرهانا مبينا واعتقادا صافيا
ويقينا وديدنا وأدبا ودينا، أرجو النجاة بهم يوم المعاد وان جنت يداي

(1) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 13.
19

من الذنوب:
قوم لهم مني ولاء مخالص * في حالة الإعلان والأسرار
انا عبدهم ووليهم وولائهم سوري * وموضع عصمتي وسواري
فعليهم مني السلام فإنهم * أقصى مناي ومنتهى إيثاري
فالسمط الأول يشتمل على فضايل سيد المرسلين وخاتم النبيين ورسول
رب العالمين محمد عليه أفضل صلوات المصلين ولشمايله وصفاته وما خصه الله
تعالى به من آياته ومعجزاته، وعلى مناقب ابن عمه وباب مدينة علمه
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولهذا السمط فاتحة، وخاتمة،
فالفاتحة في امتنان الله تعالى بنبيه (ص) على الأمة وكشف الاصار التي
كانت من قبلنا غيا بسببه وإزاحة الغمة وذكر نسبه وأصحابه وما شرفه الله
تعالى به من بين أنبيائه. والخاتمة في فضل الصلاة والسلام عليه فان ذلك
أشرف ما يتقرب به إليه (ص).
والسمط الثاني يحتوي على مناقب سيدة النساء البتول فاطمة زوجة
علي المرتضى وقرة عين الرسول (ص) وعلى مناقب ولديها السعيدين الشهيدين
سيدي شباب أهل الجنة السبطين الحسن والحسين وطرف من مأثر أولادهم
الأتقياء المخصوصين بكرامة التطهير والاصطفاء، الأسرة الطاهرة النقية،
والعصبة العلوية، المبرئين من كل رذيلة ودنية، والمتحلين بكل فضيلة جليلة
ومنقبة سنية:
مطهرون نقيات ثيابهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
ومن هم الماء الاعلى وعندهم علم الكتاب كما جاءت به السور (1)

(1) في بشارة المصطفى ص 97 استقبل أبو نواس الإمام الرضا (ع)
في الدهليز خارجا من دار المأمون فانشأ ومنها:
من لم يكن علويا حين تنسبه فما له في قديم الدهر مفتخر
الله لما برى خلقا فاتقنه صفاكم واصطفاكم أيها البشر
20

وصلوات الله على محمد وآله وذوي قرابته وعلى جميع الأنبياء والمرسلين
والكل وصحابته، ما لمع البرق وسجع الورق ورق الخرق وجمع الخرق
ونظرت عين وسطر عين وتبعت عينا عينا، ورضوان الله تعالى على المنتمين
إليهم والمرفرفين بأجنحة الاخلاص من حواليهم والمطافين كعبة موالاتهم
باقدام اليقين والتابعين لهم باحسان إلى يوم الدين ما سبح سحاب وارتكم
ضباب ونفح أناب مسك ونفخ كتاب وعلا علي عذر الماء حباب، وسلامه
وتحياته على أرواحهم الزاكية الطيبات ما لاح في أفق السماء سحاب:
ولا تخطت سواري المزن ساحتهم ولا عدتها غوادي العارض الهطل
ويرحم الله عبدا قال آمينا، وفي هذا الكتاب سلكت مسلك الشيخ
الامام العالم المحدث صدر الدين أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المؤيد الحموي
(1) رحمة الله عليه وأوردت فيه بعض ألفاظه في صدر الكتاب ولم أقف
من كتابه الا على كراريس من أوله رأيته اتى فيها بأحاديث غير مشهورة ولا
معروفة في كتب الحديث المعتمدة فاضربت عن ذكرها في كتابي هذا وأثبت

(1) كان من أعاظم علماء السنة ومحدثيهم وحفاظهم وكذا أبوه وجده
وله كتاب فضل أهل البيت، وفرائد السمطين - وقيل - فرائض السمطين -
توفي عام 722 وعمره 78 سنة. ترجمة الذهبي في تذكرته 4 ص 298 وابن
حجر في الدرر 1 ص 67 واثنوا عليه بكلمات منها: كان شديد الاعتناء
بالرواية وتحصيل الاجزاء وعلى يده أسلم الملك غازان.
21

ما كان مشهورا مذكورا في الكتب المعتمدة مما لم يذكره وحذفت أسانيدها
حذرا من الإطالة واعتمادا على نقل الأئمة وزدت عليه فذكرت نبذة من
فضايل سيد المرسلين وخاتم النبيين ورسول رب العالمين (ص) وعلى آله
وصحبه أجمعين فإنه خلاصة البريات باليقين ونقاوة ما خط على لوح الوجود بقلم
التكوين ونقطة دايرة الوجود وبه تشرف أهل بيته وكل موجود (ص)
ومن نظر في كتابه وطالع هذا الكتاب علم بون ما بينهما وما اخلى به فيه
عن وجه الصواب، ومع هذا فأني أقول كان الفضل للمتقدم وقد جمعت هذا
الكتاب تحفة للجناب العالي المولوي السلطان الجمالي اعلا الله تعالى شأنه
وأعز سلطانه تذكرة لي ولأحبابي وإخواني وأنصاري في دين الله تعالى
وأعواني الذين أرجوا بركة دعائهم واجابتهم في اصلاح حالي ورفع شأني
وان يثبت بالقول الثابت في طلب مرضاته قلبي وعلى صراطه المستقيم قدمي
ويجري بأصدق والصواب لساني ويختم لي بالسعادة فهي اخر
سؤلي وأعظم أماني:
متوسلا منهم وسايل فضلهم إن يسألوا في العفو عن أوزاري
متوقعا لماهب ورغايب ومطالب مثل السحاب غزار
وأنا اسأل الله تعالى ان يجعل سعي فيما نظمت فيه من الدرر وجمعت
فيه من الغرر خالصا لوجهه الكريم، وينفعني ويسعفني بها ومن جمعت ومن
بسببه بمنه العظيم ولطفه العميم ويجعلها عدة وذخيرة لنا عندهم يوم تبلى
السرائر وتظهر المخبئات وتنكشف الضماير لنفز بمحبتهم ونكون في شفاعتهم
ونحشر في زمرتهم وندخل ولايتهم دار السلام فإنه غاية المرام وهو ولي الفضل
والانعام والتكرم والاكرام وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا
22

بالله العلي العظيم، وها انا أشرع في ابتداء الكتاب مستعينا بالله العزيز
الوهاب سائلا منه الهداية فيه إلى الصواب غير غال فيه ولا مقصر عما ينبغي
لهم من ابراز خافية فمنه كل خير وهو القادر عليه والاستغاثة منه والاستعانة
به والمصير إليه.
المدخل:
فاتحة: فتوح فاتحة الأزهار سانحة الوضوح سنحة الأنهار هي فاتحة
الكتاب ومبتدء الخطاب، تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين
نذيرا، وبعثه إليهم مستقلا بأعباء الرسالة داعيا إليه باذنه وسراجا منيرا
لرسوله بالحنفية السمحة (السهلة) ليظهره على الدين كله، وجعل له من لدنه
سلطانا نصيرا، وأمر بالصلاة عليه قربة إليه وزلفى لديه وجعلها للذنوب
ممحقة وللآثام ممحاة وللسيئات تكفيرا وختم به النبيين والمرسلين وجعله من
خلاصة البريات باليقين ما خط على لوح الوجود بقلم التكوين تعظيما بشأنه
وتعزيزا وتكريما لمحله، وتوفية بحقه وتعظيم قدره وتنويها بأنه اتاه فضلا
كثيرا وانتخب له من أهله عليا أخا وعونا وودا وخليلا ورفيقا ووزيرا،
وصيره على أمر الدين والرسالة مؤازرا ومساعدا ومنجدا وظهيرا وجعله
أمينه، وجمع كل الفضايل فيه وانزل عليه في شأنه: إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون (1) تعظيما

(1) اخرج هذه الآية جمع كثير من أئمة التفسير والحديث كالطبري
في تفسيره 65 ص 165 والرازي في تفسيره 3 ص 431 والخازن في تفسيره
1 ص 496 والنيسابوري في تفسيره 3 ص 461 وغيرهم بعدة أسانيد وطرق
دلت على نزول الآية في علي (ع) الغدير 2 ص 52.
23

له وتوقيرا، وتعريفا له بحق ولايته وتنبيها على كمال رعايته ليحافظوا عليها
وينالوا بها سعادة ونظارة وتنصيرا نصر به الشريعة والاسلام وأذل ببأسه
الكفر والأصنام، وشكر اطعامه الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا
(1) ما بارزه مبارز إلا عاد عنه حسيرا، ولا قارنه قرن إلا نكص عنه
كسيرا. فكم فرج عن رسول الله (ص) من كربة وبؤس حتى شرفه بقوله:
أنت مني بمنزلة هارون من موسى وكشف عنه كل غمه وكربه حتى نزل فيه:
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (2) فتوفر بها حظه من أقسم
العلى توفيرا ثم زانه شرفا وتعظيما بين الأنام ففاز لمدح العلى بما انزل فيه

(1) روى نزول هذه الآية في علي أمة كبيرة من أئمة التفسير
والحديث وأثبتوه مسندا في مدوناتهم حتى أن الحافظ العاصمي أفرد
كتابا في مجلدين أسماه - زين الفتى في تفسير سورة هل اتى - ورواه الحكيم
الترمذي في نوادر الأصول ص 64 وابن عبد ربه في العقد الفريد 3 ص
42 وابن الجوزي في تذكرته والرازي في تفسيره 8 ص 276 والخوارزمي
في المناقب ص 180 والزمخشري في الكشاف 2 ص 511 وأبو إسحاق الحموي
في فرائد السمطين والطبري في الرياض النضرة 2 ص 207
والحافظ ابن حجر
في الإصابة 4 ص 387 وغيرهم وقد بلغ رواة الآية من طرق العامة 34
طريقا. الغدير 3 ص 107
(2) ذكر نزول الآية في علي وفاطمة وابناهما من الصنفين من
أهل السنة والجماعة يبلغ عددهم إلى 45 مصنفا ومنهم الطبري في الذخائر ص
25 والزمخشري في الكشاف 2 ص 339 وابن طلحة الشافعي في مطالب السئول
ص 8 وأبو حيان في تفسيره 7 ص 561 والحافظ الهيثمي في المجمع 9 ص
168 والزرقاني في شرح المواهب 7 ص 3 و 21 وابن حجر في الصواعق
ص 101 و 135 والشبلنجي في نور الابصار ص 112 وقد نظم هذه
الإثارة شعرا كثيرا من الشعراء منهم شمس الدين بن العربي بقوله:
رأيت ولائي آل طه فيضة بتبليغه إلا المودة في القربى
وأبو الحسن بن جبير بقوله:
موالاتهم فرض على كل مسلم وحبهم أسنى الذخائر للأخرى
وغيرهما من أئمة الأدب. الغدير 2 ص 306 - 311.
24

وفي أولاده: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
(1) والصلاة والسلام، الأتمان الأكملان على محمد عبد ونبيه المنعوت
بالخلق العظيم والمبعوث إلى الثقلين بالكتاب الكريم الذي فاز وظفر بنيل
الأماني ودرك المطالب والمطالي تظفيرا، وعلى آله وأهل بيته وأصحابه الطيبين الطاهرين وأزواجه أمهات المؤمنين صلاة تنوه بذكرهم وتضاعف
لهم الدرجات العلى انعاما وتبجيلا وتعزيزا وتزيدهم رفعة وتمكينا وسعادة
ونصرة ونصيرا، وسلم عليه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون
تسليما ناميا زاكيا مباركا فيه طيبا كثيرا ما تصلصلت عن دوحات الحمى الحمام
الورق، وتسلسلت من نسمات الصبا الحمام الزرق، ووضح نهار وطمى تيار
وجن ليل وسال سيل، وحن صاحب شوق وصاحت ذات طوق.

(1) قد جاء نزول الآية في العترة الطاهرة بعدة طرق صحيحة ثابتة
أخرجها أئمة الحديث وعلماء التفسير في المسانيد والصحاح وكتب التفسير
توجد في (الغدير) تحت عنوان (مسند المناقب ومرسلها).
25

فاتحة: في ذكر امتنان الله تعالى بنبيه (ص) على الأمة وكشف الاصار
التي كانت على من قبلنا عنا بسببه، وإزاحة الغمة وذكر نسبه وأسمائه وما
شرفه الله به من بين أنبيائه قال الله: لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم
رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان
كانوا من قبل لفي ضلال مبين (2) وقال تعالى: يتبعون الرسول النبي
الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف
وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم
إصرهم والاغلال التي كانت كانت عليهم فالذين أمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا
النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (3) قال محمد بن كعب القرطبي
(4): إن الله ما بعث نبيا الا أمره ان يعرض على أمته هذه الآية: ولله ما
في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم
به الله (5) فكان إذا عرضها عليهم قالوا: لا نستطيع ان يؤاخذنا الله
بما توسوس به نفوسنا، فلما بعث الله محمدا (ص) أنزلها عليه فآمن بها

(1) آل عمران 146
(2) الجمعة 2
(3) الأعراف 157.
(4) أحد رجال الصحاح ألست أثنوا عليه بالثقة والصلاح والعلم
والفقه والعلم بالقرآن من التابعين الأولين توفي عام 118 وقيل غير ذلك،
تهذيب التهذيب 9 ص 421.
(5) البقرة 284.
26

وعرضها على أصحابه فقالوا: كلفنا من العمل ما نطيق الصلاة والصيام
والزكاة والحج وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال لهم (ص):
أتريدون ان تقولوا: كما قال من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا: سمعنا
وأطعنا غفرانك ربنا إليك المصير، فقالوا وأمنوا بها فخففها الله عنهم
وأنزل آمن الرسول أي صدق بما انزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن
بالله إلى قوله: واليك المصير (1). فرفع الله عن أمته حديث أنفسهم بالمعصية
ونسخها عنهم بقوله: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها
ما اكتسبت (2) وقال (ص): ان الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها
ما لم يتكلموا أو يعملوا به ولم يرفع ذلك عن أمة غيرها. وقال الله له: سل
تعطه فقال (ص): خبرا عن نفسه وأمته ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا الطاعة
وأخطأنا في ركوب المعصية قال الرب: لا أواخذكم بالنسيان ولا أواخذكم
بالخطأ ولكن بما تتعمدون وانزل: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن
ما تعمدت (3) قلوبكم الا ترى أن من اكل ناسيا لا يبطل صومه، ومن قتل
مؤمنا خطئا لا يقتص منه ولا يأثم وقال (ص): رفع عن أمتي الخطأ والنسيان
وما استكرهوا عليه ثم قال: يا محمد: سل تعطه فقال (ص): ربنا ولا تحمل
علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا يعني الشدة والجهد فقال الله: قد
رفعت الاصر والشدة عن أمتك وانزل، وما جعل عليكم في الدين من حرج
وأنزل يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، فخفف الله عن هذه الأمة

(1) البقرة 285.
(2) البقرة 286.
(3) الأحزاب 5.
27

بسببه وبركته ما لم يخفف عن من كان قبلنا من الأمم المتقدمة فقد كان
الاصر على بني إسرائيل في عشرة أشياء أو أكثر.
أحدها: أن فرض الصلاة عليهم كان خمسين صلاة، الثاني: أن الصلاة
كانت واجبة عليهم في الكنايس والبيع لا يجوز لهم الصلاة في غيرها.
الثالث: أنه كان لا يطهرهم غير الماء فإذا أصاب أحدهم حدث من جنابة
أو حيض أو نفاس ولم يجد الماء بقي رجسا نجسا. الرابع: انهم كانوا في
صيامهم إذا صلوا العشاء أو ناموا حرم عليهم الطعام والشراب والجماع إلى
الليلة القابلة. الخامس: ان فرض الزكاة عليهم كان ربع المال. السادس: ان
غنائمهم وصدقاتهم كانت محرمة على الفقراء منهم، كانوا إذا أغنموا شيئا
من الكفار جمعوه فتجئ نار من السماء فتأكله. السابع: وكان قبول
صدقاتهم بالقربان والفضيحة إذا تصدقوا جعلوه في مكان فان قبله الله جاءت
نار من السماء فأكلته وإلا بقي فافتضح صاحبه. الثامن: كانوا إذا أذنبوا
ذنبا حرم الله عليهم طعاما طيبا كما قال: فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم
طيبات ما أحلت لهم (1) التاسع: ان حسناتهم كانت واحدة بواحدة من
غير زيادة. العاشرة: ان ذنوبهم كانت مع الفضيحة إذ أذنب أحدهم ذنبا
أصبح ذنبه مكتوبا على باب داره أو جبهته فافتضح. الحادي عشر: ان
البول والقذر كان إذا أصاب جسد أحدهم أو ثوبه وجب عليهم قرضه
بالمقراض وقطعه ولم يجز له غسله فنهاهم رجل منهم عن ذلك فعذب في قبره.
الثاني عشر: ان القصاص كان حتما عليهم ولم يكن لهم العفو ولا أخذ الدية
وخيرت هذه الأمة بين العفو والقصاص والدية.

(1) النساء 160.
28

فكانت هذه الأشياء اصرا على بني إسرائيل كما أخبر به الله عنه
ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي
كانت عليهم ثم قال الله: لنبيه (ص) يا محمد لا أحرم على أمتك الطيبات
بذنوبهم كما حرمتها على بني إسرائيل وحللتها لهم بفضلي ومسألتك يا محمد لم
آمر أمتك بخمسين صلاة كما أمرت بني إسرائيل بل خففتها عنهم وجعلتها
خمسا وأثيبهم ثواب خمسين صلاة بفضلي ومسألتك كما قال تعالى: من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها (1) يا محمد: لم آمر أمتك في الزكاة باخراج ربع
المال كما أمرت بني إسرائيل بل جعلت ربع العشر وطهرت بقية مالهم
بفضلي ودعائك، يا محمد: لم أدع أمتك في نجاسة الذنوب والجنابة والحيض
والنفاس إذا لم يجدوا ماء كما كان لبني إسرائيل وأبحث التيمم بالتراب
بفضلي ودعائك كما قال الله: فلم تجوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد
ليطهركم وليتم نعمته عليكم ولعلكم تشكرون (2) يا محمد: لا أفسد صلاة
أمتك إذا صلوا في غير مسجد وأجعلها مقبولة بفضلي ودعائك كما قال تعالى:
فأينما تولوا فثم وجه الله (3) وقال (ص): جعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا، وفي رواية: جعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا
(4) يا محمد: لا أحرم على أمتك الطعام والشراب والجماع بعد صلاة العشاء
والنوم كما حرمت على بني إسرائيل ورخصت لهم في في كل الأكل والشرب والجماع

(1) الانعام 160.
(2) المائدة 6.
(3) البقرة 115.
(4) أخرجه ابن ماجة عن أبي هريرة وأبو داود عن أبي ذر
كما في الجامع الصغير للسيوطي.
29

إلى أن يتبين الصبح بفضلي ودعائك. كما قال تعالى: فالآن باشروهن
وابتغوا ما كتب لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من
الخيط الأسود من الفجر (1) ورفعت أيضا يا محمد الحساب فيما يأكل
أمتك من الفطور والسحور بفضلي ودعائك، يا محمد لا اقبل صدقات أمتك
مع الفضيحة كما جعلت صدقات بني إسرائيل بل آخذ صدقاتهم بفضلي
ودعائك كما قال تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات.
(2) يا محمد لم اجعل حسنات أمتك واحدة بواحدة بل جعلت حسناتهم
الواحدة بعشر إلى سبعمائة والى الفي الف بفضلي ودعائك، يا محمد لا أفضح
أمتك بتبيين الذنوب على أبوابهم كما فضحت بني إسرائيل بل سترا ذنوبهم
من الخلايق والملائكة بفضلي ودعائك. وقال تعالى: يا محمد سل تعطه فقال:
ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به كما حملت بني إسرائيل من أنواع الشدايد
وتعجيل العقوبة كقطعهم أعضائهم وثيابهم إذا أصابها البول والقذر وعدم
قبول توبتهم ان لم يقتلوا أنفسهم كما قال تعالى: فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا
أنفسكم، فمعنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا أي لا تجعل توبة أمتي القتل فقال الله
له: قد جعلت توبة أمتك الندامة بفضلي ورفعت عنهم قطع الثياب
والأعضاء بسؤالك ولم أعاجلهم العقوبة وأمهلتهم برحمتي ودعائك كما قال:
وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم
موعد لم يجدوا من دونه موئلا (3) ثم قال يا محمد: سل تعطه فقال:
واعف عنا واغفر لنا وارحمنا فدعا بثلاث دعوات بالعفو والمغفرة والرحمة
لأن الله أهلك قبل أمته ثلاث أمم بالفسخ والمسخ والقذف بالحجارة كقارون

(1) البقرة 187
(2) سورة الشورى 25
(3) سورة الكهف 58.
30

وقوم داود عليه السلام جعل منهم القردة والخنازير، وقوم لوط عليهم
حجارة من سجيل فخاف النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الخصال على أمته وقال: واعف عنا من الخسف فقال تعالى: لا أخسف بأبدانهم
الأرض بسؤالك ودعائك وأخسف بذنوبهم بفضلي حتى لا ترى الملائكة
والآدميون ذنوبهم فقال النبي (ص) 6 واغفر لنا من المسخ فقال الله تعالى:
لا أمسخ أبدانهم ولا أحولهم من حال الانسانية وأمسخ ذنوبهم أي
أحولها من السيئات إلى الحسنات بفضلي كما قال الله: فأولئك يبدل الله
سيئاتهم حسنات (1) فقال النبي (ص): وارحمنا من القذف فقال الله: لا
أمطر عليهم الحجارة برحمتي وأمطر عليهم الرحمة بفضلي ودعوتك فقال
النبي (ص): أنت موالينا فانصرنا على القوم الكافرين لأنا قليل مثل الشامة
البيضاء وهم كثير مثل الثور الأسود قال الله: انا ناصركم وناصر أمتك
يا يصفي وحبيبي فاعطي الله محمدا (ص) في أمته ما سأل وما يسأل وزاده
وأمته فضلا عظيما وخصه وإياهم بأشياء لم يخص بها أحدا من خلقه فأنزل الله
عليه الكتاب كما أنزله على الأنبياء من قبله وخصه وأمته بان جعلهم يقرؤنه عن ظهر
قلوبهم ولم تقرأ أمة قط كتابها ظاهرا وجعله ناسخا لجميع الكتب وجعله محفوظا
من التبديل والتغيير والزيادة والنقصان كما قال تعالى: انا نحن نزلنا الذكر وأنا له
لحافظون (2) وقال تعالى: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل
من حكيم حميد (3) بخلاف غيره من الكتب فإنها بدلت وغيرت وزيد
فيها ونقص وأمره الله وأمته (ص) بالصلاة كما أمر بها من قبلنا من الأمم
وخصه (ص) بالصلاة هو وأمته بان جمع لهم فيها جميع صلوات المصلين من

(1) الفرقان 70.
(2) الحجر 9.
(3) فصلت 42.
31

القيام والركوع والسجود والقعود فان بعضهم كانت صلاته قيام لا ركوع
ولا سجود فيها، وبعضهم ركوع ولا قيام ولا سجود فيها، وبعضهم سجود
لا قيام ولا ركوع فيها، فجمع الله له ولامته في صلاتهم عبادة العابدين
وثواب جميع المصلين وخصه الله وأمته بصلاة العشاء الآخرة وفضلهم بها
ولم يعطها لامة من الأمم قبلهم وفضله وأمته دون غيرهم بالجماعة لقوله تعالى:
إذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك (1) وقال (ص):
صلاة الجماعة تفضل بصلاة الفذ بسبع وعشرون درجة وكان من قبلنا يصلي
كل انسان لنفسه وكانت علامة صلاة من قبلنا الناقوس وعلامة صلاتنا
الأذان والإقامة وأمر الله من قبلنا بالصيام وأمرنا بذلك ثم فضل الله محمدا
(ص) أمته بليلة القدر وخصهم بها، وأمره بالصلاة والتوجه إلى بيت المقدس
في أول الاسلام ليشاركهم ويساويهم في ذلك ثم فضله وأمته بصرفهم إلى
الكعبة قبلة إبراهيم (ع) وأعطى الله الأمم المتقدمة أعمارا طويلة وكلفهم
عملا شاقا وأعطاهم اجرا قليلا وأعطاه وأمته (ص) في الاعمار القصيرة على
الأعمال اليسيرة ضعف ما اعطى أولئك في أعمارهم الطويلة واعمالهم الكثيرة
الثقيلة كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما (2) أن اليهود والنصارى
غضبوا وقالوا مالنا أكثر عملا وأقل عطاءا: قال الله: هل ظلمتكم من حقكم من
شئ قالوا. لا قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء ووصف الله أمته بأنهم خير
الأمم فقال: كنتم خير أمة أخرجت للناس (3) لأنه خير الأنبياء.
يروى ان يحيى بن معاذ الرازي (ره) حين قرأ هذه الآية قال:

(1) النساء.
(2) توجد ترجمته الضافية المعربة عن نفسياته وملكاته في الغدير ج 10 ص 37 - 69.
(3) سورة آل عمران 110.
32

الهي هذه مدحة منك منك ولم يكن الله يمدح قوما ثم يعذبهم وقال تعالى: وكنتم
على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها (1) فجعل الله رسوله (ص) سبب
نجاة المؤمنين وأكمل عليهم المنة به فلما أنجاهم وانقذهم ولا يردهم إليها
(انشاء الله) ولما سمع بعض الاعراب هذه الآية تقرأ عند ابن عباس (ره)
قال: والله ما أنقذكم منها وهو يريد ان يطرحهم فيها فقال ابن عباس:
خذوها من غير فقيه وهداكم قال الله: الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج
الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم (2) فلما هداهم وأخرجهم من
الظلمات وانقذهم منها لا يردهم إليها إن شاء الله.
ومما خص الله به محمدا (ص) وأمته مع كثرة ذنوبهم وارتكابهم
الجرائم واقتحامهم المهلكات العظايم، ما روى أن الله لما خلق اللوح والقلم
اجراه بما يكون من ساير الأمم ثم جرى بما يكون من الله إليهم حتى فرغ
من الأمم السالفة ثم كتب ما يكون من الله إلى هذه الأمة وتضاعف
احسان الله إلى هذه الأمة وحدها على احسانه إلى سير الخلق ثم كتب
ما يكون من خطاياهم فكانت خطاياهم اضعاف خطايا الأمم السالفة كاها فكان فيما
جرى به القلم بأمر الله انها أمة تقتل ولد نبيها فتعجب القلم وتحير من كثرة
جرمهم وعظم احسان الله إليهم مع ذلك فنظر الرب إلى القلم فانشق رأسه فمن
كناك صارت الأقلام تنشق رؤسها وقال الرب: اكتب يا قلم أمة مذنبة
ورب غفور. فقال القلم: الهي لو علمت أنك تأمرني بكتابة هذه الحروف
لم أبال بما كتبته من الذنوب عليهم. وفي رواية لما باليت بكتابة الذنوب عليهم.
ومما خص الله محمدا (ص) وأمته ما روى أبو هريرة (رض) ان

(1) سورة آل عمران 103.
(2) سورة إبراهيم 1.
33

النبي (ص) قال: ان الله فضلني على الأنبياء وفضل أمتي على أمم أرسلني
إلى الناس كافة وبصرت بالرعب مسيرة شهر تسير بين يدي قذفه الله في قلوب
أعدائي وجعل لي الأرض كلها مسجدا وطهورا أينما أدركتني الصلاة تيممت
وصليت. وفي رواية فأيما عبد أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره
وأحلت لي الغنايم، ومما فضل الله به محمدا (ص) ما شرفه به وأعطاه أن خصه
بمقامين عاليين رفيعين مقام قاب قوسين أو أدنى، ومقام الشفاعة العظمى
يوم القيامة في الثقلين وهو المقام المحمود الذي أعطاه الله كما قال الله: عسى
ان يبعثك ربك مقاما محمودا (1) وقال: ولسوف يعطيك ربك فترضى
(2) وبه سعد الخلق كلهم حتى قال (ص): انا سيد ولد آدم ولا فخر
فيكون كل نبي مسؤولا بنفسه وهو (ص) بها وبغيره مشفعا لأمته، قال
المفسرون في قوله تعالى: قاب قوسين أو أدنى هو من الوتر إلى العرود
ومن القبضة إلى الوتر جعل الله محمدا (ص) أدنى من ذلك حيث قال: أو
أدنى فلا يهدي أحد قرب الخالق من محمد (ص) لأنه سبحانه عرف الخلق
قربه ثم قال: أو أدنى فلا يعرف مخلوق كم قدر الأدنى ومعناه قرب المنزلة
والجاه لا قرب المكان فان الله تعالى منزه عن المكان كما يقال: فلا قريب
من فلان.
ومما خص الله محمدا (ص) أن جعله رحمة للعالمين مؤمنهم وكافرهم
فقال عز وجل: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (3) وقال (ص): إنما انا
رحمة مهداة فهو مبعوث بالرحمة لان الله تعالى وضع في شريعته عن أمته ما
كان في شرايع الأمم السالفة من الآصال والاغلال ثم بين الله رحمته بالمؤمنين

(1) إبراهيم 1.
(2) آل عمران 103.
(3) الأنفال 32.
34

وللكافرين فقال تعالى في حق المؤمنين: آلر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من
الظلمات إلى النور بإذن ربهم (1) وقال تعالى: وكنتم على شفا حفرة
من النار فأنقذكم منها (2) وهذا خبر منه سبحانه والخلف في خبره محال
فقد عظم الرجاء والطمع في رحمته عز وجل بهم وأما رحمته بالكافرين فقد
أخبر سبحانه أن جهال كفار قريش حين سألوا العذاب وقالوا: اللهم إن كان
هذا هو الحق من عندك فامطر علينا من السماء أو ائتنا بعذاب
أليم (3) فقال الله: وما كان ليعذبهم وأنت فيهم يعني ما دمت بينهم
فان الله لا يعذبهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون يعني في أصلابهم
مؤمن يستغفر الله وهذا بين في رحمته عز وجل بالمؤمنين والكافرين بسببه
وشرف لا يشاركه فيه أحد من الأنبياء (ص) فقد أكمل الله على جميع
الأمة بارساله إليهم الرحمة وأعظم عليهم المنة وأتم عليهم النعمة فله الحمد على
ما أنعم أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
وأما نسبه (ص) فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد
مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك
ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن
معد بن عدنان - إلى اجماع العلماء وما بعد عدنان ففيه اختلاف كثير
في عدد الاباء وفي ضبطهم. روي أن رسول الله (ص) كان إذا إنتسب
ووصل إلى عدنان أمسك قال عروة بن الزبير (رض) ما وجدنا من
يعرف ما وراء عدنان ولا قحطان إلا تحرصا، وقحطان هو جد معد بن
عدنان من جهة أمه فان أم معد تنمة وقيل تيمية بنت يشجب بن يعرب

(1) إبراهيم 1.
(2) آل عمران 103.
(3) الأنفال 32.
35

ابن قحطان وقحطان هو آبو (اليمن) كلهم وكان أول من تكلم بالعربية.
واسم عبد المطلب شيبة وقيل: شيبة الحمد وقيل: عامر غلب لقبه على أسمه،
واسم هاشم عمرو وقيل عمرو العلى غلب لقبه على اسمه وإنما دعى هاشما
لهشمه الثريد لقريش بمكة. واسم عبد مناف الغبرة غلب أيضا لقبه على
اسمه واسمه قصي زيد فسمته العرب قصيا ومجمعا لأنه جمع القبائل من الفهر
من البلد القصي غلب لقبه على اسمه وقيل إنما سمي قصيا لأنه كان قاصيا
من قوم في قصاعة ثم قدم مكة وقريش متفرقة في القبائل فجمعهم بمكة وانزل
بعضهم ظاهرها فهم قريش الظواهر وبعضهم داخلها فهم قريش الأباطح.
وأمه (ص) أمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن
مرة قرشية زهرية.
وأما أسماؤه (ص) فكثيرة تنيف على السبعين، منها ما ورد في
القرآن الكريم، ومنها ما جاءت به السنة، قال أبو الحسن بن فارس (1)
إن لنبينا (ص) ثلاثة وعشرين اسما: محمد، واحمد، والمالحي، والحاشر،
والعاقب، والمقفى، والخاتم، ونبي التوبة، ونبي الرحمة، والمتوكل،
والضحوك، والنذير، والمبشر، والشاهد، والفاتح، والقتال، والأمين،
والنبي، والرسول، والمصطفى، والأمي، والقثم (2). ومن أسمائه في
القرآن: عبد الله، والمزمل، والمدثر، وطه، ويس، ورحمة للعالمين، وصدق،
ومذكر، وهاد، وذكر، وشافع، ونور، وسراج منير ومنذر وبشير، وحق

(1) كان إماما في علوم شتى وخصوصا اللغة ومن أعيان العلم وافراد
الدهر اثنى المؤرخون عليه وله مؤلفات عدة وشعر رائق توفي عام 359 بالري
(2) السخي. المعطي.
36

مبين، وقدم صدق، وكريم، ونعمة الله، والعروة الوثقى، والصراط
المستقيم، والنجم الثاقب، ومن أسمائه في الكتب: المختار، ومحي
السنة، والمقدر، وروح الحق، وهو معنى الغار قليطا في
الإنجيل (2) وقيل معناه أنه يفرق بين الحق والباطل، وفي التوراة انه حرز
للأميين، ومن أسمائه: أبو القاسم. والمجتبى. والحبيب. ورسول رب العالمين
والشفيع، والمشفع. والتقي. والمصلح. والظاهر. والمهيمن. والصادق.
والمصدوق. والهادي. وسيد المرسلين. وأمام المتقين. وقائد الغر المحجلين.
وحبيب الله. وخليل الرحمن. وصاحب الحوض المورود، والشفاعة. والمقام
المحمود. وصاحب الوسيلة والفضيلة. والدرجة الرفيعة، وصاحب التاج
والمعراج. واللواء والقضيب وراكب البراق والناقة وصاحب الهراوة والنعلين.
وأما شرفه (ص): وما خصه الله به من كرامته وأجراه على يده فهو
أكثر من أنه يحصره عد عاد أو يحيط بها العباد، لكننا نأتي ببعض ما ورد
في ذلك تنويها بذكره وقياما ببعض شكره (ص) قال الله: فرفعنا لك ذكرك
(2) اي لا أذكر الا ذكرتك معي وأقسم الله بحياته فقال: لعمرك انهم
لفي سكرتهم يعمهون (3) قال ابن عباس (ض): ما خلق الله نفسا هي
أكرم عليه من محمد (ص) وما أقسم بحياة أحد غيره وأقسم على رسالته
فقال: يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط المستقيم، وأقسم على

(1) معنى الغار قليطا الشفيع أو المعلم أو المعزي معرب ياد اكلتيوس
ومعناه أحد هذه الأمور ومناسبة هذا المعنى بهذا اللفظ لو كان عربيا متحقق
وليس فليس.
(2) الانشراح 4.
(3) الحجر 72.
37

هدايته فقال: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وأقسم على محبته
فقال: والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وأقسم على
شرف أخلاقه فقال: ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون
وان لك لاجرا غير ممنون وانك لعلى خلق عظيم، قال العلماء: هذه الفضيلة
أعظم من قسمه بحياته لان هذا مدح يرجع إلى صفته وذلك ابتداء عطاء،
وأقسم سبحانه انه لم يكن يكلفه ما كان يحتمله من العبادة فقال عز من قائل:
طه ما أنزلنا عليك الذكر لتشقى، وأقسم على نزاهته من كل ما نسبوه
إليه من النقايص والعلل فقال: فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون انه لقول
رسول كريم ولا يقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا يقول كاهن قليلا
ما تذكرون تنزيل من رب العالمين (1) وأقسم على أنه رأى جبرئيل (ع)
في السماء السابعة فقال: فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس
والصبح إذا تنفس انه لقول رسول كريم إلى قوله: لقد رآه بالأفق المبين
(2) وأقسم انه ينتقم له ممن يؤذيه فقال: كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية،
ناصية كاذبة خاطئة (3) وأقسم ان عدوه لفي حزن وكيد فقال عز وجل:
لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الانسان
في كبد (4) اي في مشقة وشدة في أمر معاشه ومعاذه، وأقسم على بعد
أعدائه وانهم محجوبون عن الله عز وجل فقال: كلا أنهم عن ربهم يومئذ
لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم (5) وأقسم سبحانه على صحة شريعته
وأن من خالفها فهو في خسران فقال تعالى: والعصر ان الانسان لفي خسر
الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وقال (ص)

(1) الحاقة.
(2) الحاقة.
(3) العلق 15.
(4) البلد: 3.
(5) المطففين 15
38

فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت
لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة،
وختم بي النبيون، وقال (ص) أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب
مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته
الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان
النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة. وفي رواية عن ابن
عباس (رض) قال قال (ص) أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء جعلت
لي الأرض طهورا ومسجدا ولم يكن نبي من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه،
ونصرت بالرعب مسيرة شهر وكان النبي يبعث خاصة إلى قومه وبعثت
إلى الجن والإنس وكانت الأنبياء يعزلون: الخمس وتجئ النار فتأكله وأمرت
أن أقسمه في فقراء أمتي، ولم يبق نبي الا أعطي سواه وأخرت أنا شفاعتي
لامتي. وروى أبو سعيد الخدري (1) (رض) عن رسول الله (ص) أنه قال:
لما أسري بي إلى السماء قلت يا رب: اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى
تكليما ورفعت إدريس مكانا عليا وآتيت داود زبورا وأعطيت سليمان ملكا
لا ينبغي لاحد من بعده فماذا لي؟ فقال يا محمد: اتخذتك خليلا كما اتخذت
إبراهيم خليلا وكلمتك كما كلمت موسى تكليما وأعطيتك فاتحة الكتاب
وفاتحة سورة البقرة ولم أعطها نبيا قبلك وأرسلتك إلى أسود الأرض وأحمرهم
وأنسهم وجنهم ولم ارسل إلى جماعتهم نبيا قبلك وجعلت لك الأرض ولامتك
مساجدا وطهورا وأعطيت أمتك الفئ ولم أحله لامة قبلها ونصرتك بالرعب

(1) سعد بن مالك بن سنان الخزرجي كان من أصحاب النبي ومن
الحفاظ المكثرين والعلماء العظام توفي حدود عام أربع وستين.
39

حتى أن عدوك ليرعب منك وأنزلت عليك سيد الكتب قرآنا عربيا ورفعت
لك ذكرك حتى لا أذكر الا ذكرت معي.
وعن أبي سعيد الخدري (رض) أن رسول الله (ص) قال: إن الله
أعطى موسى الكلام وأعطاني الروية وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود
وعن عبد الله بن مسعود (2) (رض) قال: لما أسرى برسول الله (ص)
انتهى إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض
فيقبض منها واليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها قال الله: إذ يغشى
السدرة ما يغشى (3) قال فراس من ذهب قال: فاعطي (ص) ثلثا أعطي
الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله شيئا
المفحمات. وعن حذيفة قال قال (ص) فضلنا على الناس بثلاث جعلت
صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها
لنا طهورا إذا لم نجد الماء وقال (ص): أعطيت السبع مكان التوراة وأعطيت
المثاني مكان الإنجيل وأعطيت المبين مكان الزبور وفضلت بالمفضل، وعن أبي
هريرة (رض) قال قال رسول الله (ص): نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم
وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وبينا انا نائم اتيت بمفاتيح خزائن
الأرض فقلت في يدي أي ألقيت يدي قبل هذا إشارة لما فتح لأمته وجنوده
من الخزائن مثلي كنوز كسرى وقيصر وقيل المراد منه معادن الأرض الذهب
والفضة وأنواع المعادن أي تفتح عليكم الأرض التي فيها من المعادن والله أعلم.

(2) أحد حفاظ القرآن شهد النبي في مشاهده وكان من فقهاء
الصحابة كما قال به الخطيب البغدادي بعث إلى الكوفة ليقريهم القرآن ويعلمهم
الشرايع والاحكام.
(3) سورة النجم 16.
40

وروى عن ابن عباس (رض) أنه قال: ان محمدا ويوسفا (ص) تقارعا
في صلب آدم (ع) فصار الحسن والجمال ليوسف (ع) وصار البهاء والنور
والشرف والعزة والشجاعة والزهد والتواضع والخضوع والشفاعة والرضى
والقناعة والقرآن والسيف والقضيب والعمامة والنعل والناقة والهراوة يعني
العصى ولواء الحمد والكرسي والمنبر الرفيع والحوض المورود والكأس الأوفى
والوجه الحسن والذكر الجميل والحسب الشريف والنسل الكريم والأزواج
الطاهرات المطهرة والأولاد الأزكياء والخلق الحسن واللسان الفصيح وأوجه
الصبيح والقلب القنوع والبدن الصابر والكرم الظاهر والآيات الفاضلات
والكلمات المنزلات والمعجزات الباهرات والحج والاحرام والجهاد في سبيل الله
والزكاة وصوم رمضان والأشهر الحرم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و
الكعبة والشفاعة كل ذلك لرسول الله (ص).
قال بعض العلماء: وقد خص رسول الله (ص) بستين خصلة فارق فيها
جميع النبيين (ع) كل عشر منها في نوع، فمنها عشر خصال في باب النبوة
وهي تأييد الشرعة إلى يوم القيامة وكونه خاتم النبيين وانه أفضل المرسلين
وانه مبعوث إلى الناس كافة وكون كتابه معجزا لا يمكن الاتيان بمثله،
وانه مخصوص بليلة القدر ويوم الجمعة وجعله عيدا لأمته، وخروج الماء من
بين أصابعه وبأنه ممنوع من قول الشعر فلا يأتي له قوله ولا روايته، وانه
يرى من خلفه كما يرى من أمامه، ومنها عشر خصال في أمر الآخرة بعد
الموت وذلك أن أول من تنشق عنه الأرض وأكثر النبيين أمة يوم القيامة
وانه يشهد لجميع الأنبياء بالأذى والتبليغ وله الشفاعة العظمى ولواء الحمد وله
الحوض المورود ونهر الكوثر وانه أول من يدخل الجنة وأنه يسأل في
41

غيره يوم القيامة وكل الناس يسألون في أنفسهم، ومنها عشر في باب الطهارة
وهي الوضوء والتيمم ووجوب السواك عليه خاصا وجعلت له الأرض كلها
مسجدا وترابها طهورا وكان ينام حتى ينفخ ثم يصلي ولا يتوضأ فيقول:
ان عيني تنامان ولا ينام قلبي وجعل الماء له مزيل للنجاسة وان أكثر الماء
واصابته نجاسة ولم يغير أحد أوصافه كان طهورا وجعل له الاستنجاء بالحجارة،
ومنها عشر في باب الصلاة وهي انه خص بصلاة العشاء الآخرة وهو وأمته ولم
يعطها أحد قبله وبصلاة الجمعة وبصلاة الجماعة وبصلاة العيدين وبصلاة الليل
وبصلاة الكسوفين وبصلاة الاستسقاء وبالآذان وبالإقامة وبصلاة الوتر.
ومنها عشر في باب الجهاد وهي انه (ع) خص بإباحة الغنيمة وانه كان أفرس
الخلق وانه كان لا يرجع إذا خرج إلى الحرب ولا ينهزم إذا لاقى العدو وان كثر عليه العدو وإذا لبس لامته لم ينزعها حتى يقابل وخص بالحمى وبكونه
أفضل العالمين وأبيح له الوصال في الصوم ولم تكن له خائنة الأعين. ومنها
عشر في باب النكاح وهو انه (ص) فرض عليه التخيير بين أزواجه ثم حضر
عليه التزوج عليهن والاستبدال لهن ثم إنه أبيح له بعد ذلك من العدد
ما شاء وحرم الله نكاح أزواجه على الخلق ووجبت لهن النفقة بعد موته
ويخص باسقاط المهر بالنكاح بلا ولي ولا شهود وان يعقد ملقط الهبة وحرم
عليه النكاح الكتابيات الإماء ابدا فهذه ستون خصلة باين فيها (ص)
جميع النبيين (ع)
روى جابر (رض) قال قال (ص): ان الله بعثني لاتمام مكارم الأخلاق
وتمام محاسن الافعال وفي رواية تمام محاسن الأخلاق وكمال محاسن الافعال،
وروى مالك انه بلغه ان رسول الله (ص) قال بعثت لاتمم مكارم الأخلاق
42

وعن أنس قال قال (ص): ان أولهم خروجا إذا بعثوا وأنا قايدهم إذا وفدوا
وانا خطيبهم إذا أنعتوا وانا مستشفعهم إذا جلسوا وانا مبشرهم إذا يئسوا،
المفاتيح يومئذ بيدي وانا أكرم ولد آدم على ربي
يطوف علي الف خادم كأنهم بيض مكنون أو لؤلؤ منثور. وروري عن أبي
هريرة (رض) قال قال (ص) انا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق
عنه القبر وأول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يحرك
حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر وانا أكرم
الأولين والآخرين على الله ولا فخر.
قوله (ص) انا سيد ولد آدم إنما هو اخبار عما أكرمه الله به من
الفضل والسؤدد وتحدثت بنعمه تعالى عليه قال الله: واما بنعمة ربك فحدث
واعلام لامته علو مكانه عند ربه وكان بيان ذلك للأمة من اللازم المفروض
عليه ليكون ايمانهم به على حسب ذلك وقوله (ص) بلا فخر أي إنما أقوله
معتمدا بالنعمة لا فخرا واستكبارا وقوله: تبليغا لما أمرت به لا افتخارا
والله أعلم، وقد جمع شيخنا الامام العالم العامل علاء الدين علي بن داود
العطار (1) ما خص الله تعالى به نبينا محمدا (ص) من الأشياء التي أثره بها على

(1) الحافظ الزاهد علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود بن سلمان
العطار الشافعي ولد عام 654 وتفقه على الشيخ محي الدين النووي وولي
مشيخة دار الحديث النورية ومدرسة الغوصية بالجامع ومرض بالفالج أزيد
من عشرين سنة وكان يحمل في محفة ودرس وأفتى وصنف كتبا كثيرة
وأشياء مفيدة ترجم له ابن كثير في البداية 14 ص 117 وابن العماد في
الشذرات 6 ص 63 وتوفي سنة 724.
43

غيره من الأنبياء فقال قد شرف الله محمدا (ص) وخصه بأشياء كرويته سبحانه
ليلة المعراج على قول ابن عباس والقرب والدنو والمحبة والاصطفى والشفاعة
والاسراء والوحي والبراق والمعراج والصلاة بالأنبياء (ع) والوسيلة والفضيلة
والدرجة الرفيعة والمقام المحمود والبعث إلى الأحمر والأسود والشهادة بين
الأنبياء والأمم المتقدمة وسيادة ولد آدم والخصوصية بلواء الحمد والبشارة
والندارة والمكانة عند ذي العرش والطاعة ثم الأمانة والهداية ورحمة للعالمين
واعطاء الرضا والسئول والكوثر وسماع القول وتمام النعمة والعفو عما تقدم
وتأخر وشرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر وعزة النصر ونزول السكينة
والتأييد بالملائكة وايتاء الكتاب والحكمة والسبع المثاني والقرآن العظيم
وتزكية الأمة والدعاء إلى الله والحكم بين الناس بما أراه الله ووضع الاصر
والاغلال عن أمته وقسم به وإجابة دعوته وتكلم الجمادات والعجماوات (1)
واحياء الموتى واسماع الصم ونبع الماء من بين أصابعه وتكاثر القليل وانشقاق
القمر ورد الشمس وقلب الأعيان والنصر بالرعب والاطلاع على الغيب وظل
الغمام وتسليم الشجر والحجر وتسبيح الحصى وابراء الآلام والعصمة من الناس
ورؤيته من خلفه كرؤيته من امامه وإذا مشى في الشمس لم يكن له ظل وإذا
مشى بين طويلين طالهم وعلا عليهم وإذا ماشاه أحد من أصحابه لم يكد
يلحقه وصلاة الله والملائكة عليه (ص) فسبحان من خصه بهذه الأشياء ورفع
قدره على كافة الأنبياء (ص).
خاتمة في بيان فضل الصلاة والسلام عليه (ص)
أعلم وفقك الله ان الصلاة والسلام عليه أفضل الطاعات وأجزلها

(1) الصخرة الصلبة
44

ثوابا، وأشرف الأعمال وأكملها نصابا وأسرعها قبولا وأشدها استحبابا،
وأشدها منهجا وأشرعها إلى الإصابة بابا وملك السعادة الأبدية لصاحبها
المواضب عليها مسلم للخلاص من الدركات مكفأة وسبب والى درك
الدرجات العاليات مرقاة وسلم روى البخاري ومسلم (1) في الصحيح عن
كعب بن عجرة (رض) قال خرج علينا النبي (ص) فقلنا يا رسول الله: كيف نسلم
عليك وكيف نصلي عليك علمنا قال فقولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على إبراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما
باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد وعن أبي حميد الساعدي (رض) قال
قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه
وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت
على إبراهيم انك حميد مجيد، بحذف آل في الموضعين متفق عليه وعن أبي
مسعود البدري (رض) قال أتانا رسول الله (ص) ونحن في مجلس سعد بن
عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله ان نصلي عليك يا رسول الله فكيف
نصلي عليك فسكت رسول الله (ص) حتى تمنينا انه لم يسأله ثم قال (ص)
قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على
محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد، والسلام كما
علمتم بحذف آل في الأول في إبراهيم واثباته في الثاني رواه مسلم وفي رواية
له باثبات آل في الأول أيضا. وعن أبي سعيد الخدري (رض) قال: قلنا

(1) وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن
مردويه وابن جرير وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وعبد بن حميد وابن جرير
وغيرهم كما في الغدير تحت عنوان (مسند المناقب ومرسلها).
45

يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي عليك وفي رواية في غير الصحيح
أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك قال قولوا: اللهم صلي على
محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد آل محمد
كما باركت على إبراهيم آل إبراهيم رواه البخاري والنسائي وروى مسلم
بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص (رض) قال قال رسول الله (ص) من
صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا. وعن أنس (رض) قال قال (ص) من
صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات
ورفع له عشر درجات وروى النسائي بسنده إلى أبي طلحة (رض) أن (ص)
جاء ذات يوم والبشر في وجهه فقلنا انا لنرى البشر في وجهك قال فإنه أتاني
المسلك فقال يا محمد أما يرضيك انه لا يصلي عليك أحد الا صليت عليه عشرا
ولا يسلم عليك أحد الا سلمت عليه عشرا. وروى البخاري عنه (ص) أنه قال من صلى
علي من أمتي مخلص يأتيها من نفسه صلى الله بها عليه عشر صلوات ورفعه
بها عشر درجات ومحا عنه عشر سيئات. وروي عن أنس (رض) ان رسول الله (ص)
قال: ما من أحد يصلي علي صلاة تعظيما لحقي الا خلق الله من ذلك القول
ملكا له جناح بالمشرق وجناح المغرب ويقول له صلي على عبدي كما صلى
على نبي فهو يصلي عليه إلى يوم القيامة. وروى أبو داود بسنده إلى أبي هريرة
قال قال (ص) من يسره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت
فليقل اللهم صلي على محمد النبي الأمي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل
بيته كما صليت على إبراهيم انك حميد مجيد. وروي الحاكم أبو عبد الله
محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن منعم (1) الحديث المسلسل المشهور

(1) امام أهل الحديث في عصره والمؤلف فيه كان عالما عارفا واسع
العلم صنف في علوم الحديث وتفرد باخراجه ولد بنيسابور عام 321 ثم انتقل
إلى العراق والى الحجاز وتقلد القضاء بنيسابور وقلد بعد ذلك قضاء جرجان
وعرف بالحاكم لتقلده القضاء توفي عام 405 ومن تصانيفه الصحيحان والعلل
والأمالي والمستدرك على الصحيحين والمدخل إلى علم الصحيح وفوائد
الشيوخ وغيره.
46

من رواية أهل البيت (ع) بقوله: وعدهن في يدي بسنده إلى زيد بن علي
ابن الحسين قال عدهن في يدي قال عدهن في يدي علي بن الحسين وقال عدهن
في يدي أبي الحسين بن علي وقال لي عدهن في يدي علي بن أبي طالب (رض)
وقال لي عدهن في يدي (ص) وقال (ص) عدهن في يدي جبرئيل (ع)
وقال جبرئيل هكذا نزلت بهن من عند رب العزة اللهم صلي على محمد وآل
محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم وبارك
على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد
مجيد اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم انك حميد مجيد اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على
إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد وعن ابن مسعود (رض)
انه كان يقول إذا صليتم على النبي (ص) فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون
لعل ذلك يعرض عليه وقولوا: اللهم اجعل صلواتك ورأفتك ورحمتك وتحيتك
على محمد عبدك ورسولك امام الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا
يغبطه فيه الأولون والآخرون اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت
على إبراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد باركت
47

على إبراهيم انك حميد مجيد وعن زيد بن الحباب (رض) قال سمعت (ص)
يقول من قال: اللهم صلي على محمد وانزله المنزل القرب عندك يوم القيامة
حلت له شفاعتي وفي رواية المتعد المقترب عندك يوم القيامة حلت له شفاعتي
ووجبت شفاعتي له ويروى ان من قال: اللهم يا رب محمد وآل محمد صلي على
محمد وآل محمد واجز لمحمد ما هو أهله اتعب سنين كاتبا الف صباح ولم يبق
لنبيه (ص) حق الا أداه وغفر له ولوالديه وحشر مع محمد وآل محمد.
قال الامام المدني (رض) رأيت الإمام الشافعي في المنام بعد موته
فقلت له ما فعل الله بك يا سيدي قال: غفر لي ونعمتي وزففت إلى الجنة كما
نزف العروس ونثر علي كما ينثر على العروس بصلاة صليتها على محمد (ص) في
كتاب الرسالة وهي اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كلما ذكره الذاكرون
وكلما غفل عن ذكره الغافلون، قال العلماء: وهذه الصلاة أفضل الصلاة على
النبي (ص) وفي معناها اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد صلاة دائمة بدوامك
وأيضا اللهم صلي على محمد النبي الأمي وعلى كل نبي وملك وولي عدد الشفع
والوتر وكلمات الله التامات المباركات وأيضا اللهم صلي على محمد عبدك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وأزواجه وذريته عدد خلقك وزنة عرشك ورضى
نفسك ومداد كلماتك وقرب منها صلاة معروف الكرخي (1) وهي اللهم
صلي على محمد ملأ الدنيا وملأ الآخرة وبارك على محمد ملأ الدنيا وملأ
الآخرة وسلم على محمد ملأ الدنيا وملأ الآخرة.

(1) أبو محفوظ معروف بن فيروز العارف المعروف الذي كان
للصوفية والعرفاء فيه اعتقاد ومشهور بإجابة الدعاء توفي عام 200 وقيل
كثر من هذا.
48

وقال الشيخ محي الدين النووي: (1) في كتابه الأذكار، والأفضل
للمصلي أن يقول: صلي على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل
محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد
النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وآل
إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد. وروى الترمذي عن أبي بن كعب (رض)
إنه قال: قلت يا رسول الله: أني أكثر الصلاة عليك فكم اجعل لك من صلاتي
قال: ما شئت فان زدت فهو خير لك قلت الثلثين قال: ما شئت، فان زدت فهو
خير لك قلت: أجعل لك صلاتي كلها قال: اذن تكفي همك ويغفر لك ذنبك
فإذا كفي الانسان بسبب الصلاة النبي (ص) من أمر دينه ودنياه وغفر له
دينه فقد فاز وظفر بخير الدنيا والآخرة وهذا هو المطلوب فيا طوبى وبشرى
لمن وفقه الله لذلك ولو لم يكن في فضل الصلاة على النبي (ص) إلا هذا القدر
لكان كافيا فكيف وقد اعتضد بالأحاديث الصحيحة وكيف يليق بالعاقل
أن يغفل ويشتغل عنها بغيرها من الطاعات المظنون قبولها وثوابها مع هذا
الثواب العظيم الموعود به عليها في الدنيا والآخرة وقد أمرنا الله بذلك
وكلفنا به ووفقنا لذلك وساير وجوه الخير بمنه وكرمه آمين رب العالمين.
وروى عامر بن ربيعة (رض) قال: سمعت (ص) يقول: من صلى علي
صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي فليقلل من ذلك أو لتكثر. وروي عن
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي (ص) أنه قال: إذا هالك أمر

(1) أبو زكريا يحيى بن شرف الدمشقي الشافعي ولد عام 613 كان
بارعا في العلوم وحافظا للحديث عارفا بأنواعه توفي عام 677 وله مؤلفات
كثيرة طبع الكثير منها.
49

فقل اللهم صلي على محمد وآل محمد اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد ان
تكفيني شر ما أخاف وأحذر فإنك تكفي ذلك الامر. ونقل الشيخ تاج
الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندري (1) في كتابه - الفجر المنير - عن
الشيخ صالح موسى الضرير انه أخبره ركب مركبا في البحر الملح قال:
وقامت علينا ريح تسمى الاقلاثبة قل من ينجو منها من الغرق وأصبح
الناس في خوف من الغرق قال: فغلبتني عيناي فنمت فرأيت رسول الله (ص)
وهو يقول قل: لأهل المركب يقولون ألف مرة: اللهم صلي على سيدنا محمد
وعلى آل محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات ويقضي لنا بها
جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات
وتبليغنا بها، وفي رواية به أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد
الممات قال: فاستيقظت وأعلمت أهل المركب بالرؤيا فصلينا نحو ثلاث مائة مرة
ففرج عنا هذا، وقريب منه قلت وأخبرني بها الشيخ الصالح الفقيه حسن
ابن علي الاسواني وقال: من قالها في كل مهم ونازلة وبلية ألف مرة فرج
عنه وأدرك مأموله والله أعلم. وروي عن (ص) أنه قال: فيما رواه عن
إنس (رض) أن أقربكم مني يوم القيامة مجلسا أكثركم علي صلاة في الدنيا
من صلى علي يوم الجمعة وليلة الجمعة قضى الله له باب حاجة من حوائج الآخرة
وثلاثين من حوائج الدنيا يوكل بذلك ملكا يدخل على قبري كما يدخل عليكم
الهدايا ويخبرني بمن صلى علي باسمه ونسبه والى عشيرته فأثبته عندي في صحيفة.

(1) تاج الدين عمر بن علي بن سالم اللخمي الإسكندري الفاكهي
عالم بالنحو من أهل الإسكندرية له كتاب -: شرح العمدة - الإشارة -
توفي عام 731 كما في الأعلام للزركلي ص. 72.
50

وروى الترمذي بسنده إلى أبن مسعود گ ن رسول الله (ص) قال:
إن أولى الناس لي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة، وروي أن أنجاكم من
أهوالها وماطنها أكثركم علي صلاة، وفي تلخيص الآثار ليردن علي
أقواما ما أعرفهم الا بكثرة صلاتهم علي (ص) وقد ورد الوعيد الشديد لمن
يذكر عنده فلم يصلي عليه. روى أنس (رض) قال قال رسول (ص):
من ذكرت عنده فلم يصل علي فقد شقى، وفي حديث أبي هريرة (رض) عن
النبي (ص) قال: أن جبرئيل اتاه فقال له: من ذكرت عنده فلم يصل عليك
فمات أبعده الله قل آمين فقلت آمين. وروي عن أبي قتادة (رض) عن
النبي (ص) أنه قال: من الجفا من أذكر عنده فلا يصلي علي فهذه الأحاديث
تدل على وجوب الصلاة على النبي (ص) عند ذكره لا سيما وقد ذكر بلفظ
الابعاد والوعيد الشديد في أشرف بقعة وأفضل مرتبة وأعظم محفل وزمان
ودعاء جبرئيل وتأمين النبي (ص) ومن عرف هذه المعاني وقصر في خيارة
فضلها عند الامكان فهو حري ان تلتحق به الدعاء المجاب والتهاون بذلك
متصد للعقاب. عافانا الله من الشر بمنه وكرمه آمين.
51

السمط الأول
من الكتاب وهو ينقسم على قسمين الأول يشتمل على فضايل حسنات
سيد المرسلين وخاتم النبيين ورسول رب العالمين وشمائله وصفاته وما خصه
الله به من آياته ومعجزاته لأنه هو المقصود من الخلق كلها المرفوع راية
مجدها يوم الفرض الأكبر وآدم (ع) ومن دونه تحت ظلها محمد المدود
بسرادق جلاله على قمة الأفلاك المحمود طرايقه في هداية الحق إلى سواء
الصراط وانقذهم من ورطات الهلاك، ماحي ظلمة الظلم وكاسر أشواك
الاشراك المتبع حبائب عزته من أن يحوم حول حمي وصفه رائد الادراك
ويقوم بحصر فضله عد الجن والأنس والاملاك صلى الله عليه وسلم قال الله:
يا أيها النبي انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بأذنه وسراجا
منيرا (1) وقال: وما أرسلناك الا رحمة للعالمين (2) روى وائلة بن الأسقع (رض)
قال قال رسول الله (ص): إن الله أصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني
من بني هاشم. أخرجه مسلم (3) وروى أبو هريرة ان النبي (ص) قال: بعثت
من خير قرون بني آدم قرن فقرن حتى بعثت من القرن الذي كنت منه أخرجه
البخاري والقرن كل طبقتين مقرنتين في وقت وهو أربعون سنة وقيل ثمانون
وقيل مائة سنة ويسمى قرنا لأنه يقرن أمة بأمة وعالما بعالم جعل اسما للوقت
أو لأهله، وروى أبو هريرة (رض) أيضا قال قال رسول الله (ص): مثلي
ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيتا فأنا أحسنها وأجملها وأكملها

(1) سورة الأحزاب 46.
(2) سورة الأنبياء 107
(3) في صحيحه 7 ص 58.
52

إلا موضع لبنة من زاوية من زوايا فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان
فيقولون: الا وضعت هاهنا لبنة فيتم بنيانه فقال (ص): فأنا اللبنة (1). وروى
أبو هريرة (رض) أيضا قال قال رسول الله (ص): مثلي ومثل الأنبياء كمثل
قصر أحسن بنيانه ترك منه موضع لبنة فطاف به النظار يعجبون به من
حسن بنائه الا موضع تلك اللبنة لا يعيبون سواها فكنت انا سددت
موضع اللبنة ختم بي البنيان وختم بي الرسل. وفي رواية له أيضا ان
رسول الله (ص) قال: مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله
الا موضع لبنة من زاوية من زواياه قال: فجعل الناس يطوفون ويعجبون له
ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين متفق عليه (2)
وعن العرباض بن سارية (رض) عن رسول الله (ص) قال: اني عند
الله مكتوب خاتم النبيين وان آدم لمجدل في طينته وسأخبركم بأول أمري
دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج
لها نورا أضائت لها منه قصور بالشام أو قال: قصور الشام.
فصل في صفته (ص) وحالاته
عن عطاء بن يسار (رض) قال: لقيت عبد الله بن عمر وبن العاص
فقلت أخبرني عن صفة رسول الله (ص): في التوراة قال أجل: والله انه
لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي انا أرسلناك
شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرز لأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل
ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالشبه السيئة ولكن
يعفوا ويغفروا لمن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقول: لا آله الا

(1) أخرجه مسلم في صحيحه 7 ص 64 بعدة طرق.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه 7 ص 64 بعدة طرق.
53

الله يفتح بها أعين عمي واذان صم وقلوب غلق. وعن أبي صالح ذكر ان عن
عبد الله بن ضمرة عن كعب قال: اني أجد في التورية محمد رسول الله لا فظ
ولا غليظ ولكن يعفوا ويصفح، أمته الحمادون يحمدون الله في كل منزلة
ويكبرونه على كل شرف دعاه دعاه يصلون الصلاة إذا جاء وقتها يتأزرون على
انصافهم ويبوصون على أطوافهم، صفتهم في الصلاة صفتهم في القتال سواء
، مناديهم ينادي في جو السماء، لهم في جوف الليل دوي كدوي النحل
مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام. وعن أبي صالح ذكوان أيضا
عن كعب يحكي عن التورية قال: نجد مكتوبا محمد رسول الله عبدي المختار
لا فظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق ولا يجري بالشبه السيئة ولكن يعفوا
مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام وأمته الحمادون يحمدون الله في كل
منزلة ويكبرونه على كل شرف دعاه للمشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها
يتأزرون على انصافهم ويتوضون على أطوافهم مناديهم ينادي في جو السماء
صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، لهم بالليل دوي كدوي النحل.
وروى مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه
سمعه يقول: كان رسول الله (ص) ليس بالطويل الباس ولا بالقصير وليس
بالأبيض الأمهق وليس بالأدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط (1) بعثه الله
على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله
على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.
وعن قتادة قال: سألت عن أنس بن مالك (رض) عن شعر رسول الله (ص)

(1) الأمهق: الشديد البياض وليس نيرا أو لامعا. الأدم: الأسمر
الجعد القطط ولا بالسبط: الشعر الغير السهل المسترسل ولا المتراكم والمتجعد.
54

فقال: كان شعره رجلا ليس بالسبط ولا الجعد بين اذنيه وعاتقه وعنه قال:
كان النبي (ص) فخم الرأس والقدمين لم أر بعده ولا قبله مثله وكان بسط
الكفين، وعنه قال: كان رسول الله (ص) ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير
حسن الجسم وكان شعره ليس بجعد ولا بسط أسمر اللون إذا مشى يتوكأ،
وعن علي بن أبي طالب (رض) قال: كان رسول الله (ص) ليس بالطويل
ولا بالقصير ضخم الرأس واللحية خشن الكفين مشرب حمرة ضخم الكراويس
طويل المسربة إذا مشى يتكفأ تكفيا كأنما يتخبط من صبب لم أر قبله ولا
بعده مثله (ص). وعن جابر بن سمرة (رض) قال: كان في ساقي رسول الله (ص)
حمرشه وكان لا يضحك إلا تبسما وكنت إذا نظرت إليه قلت: اكحل
العينين وليس بالكحل. وعن جابر (رض) قال: كان رسول الله (ص) ضليع الفم أشكل العين منهوش العقب. قال شعبة قلت لسماك: ما ضليع الفم قال:
عظيم الفم قلت: ما أشكل العين قال: طويل يبق العين قلت: ما منهوش
العقب قال: قليل لحم العقب، وقال أبو عبيد: الشكلة، حمرة في بياض العين
والشهلة حمرة في سواد العين، ومنهوش العقب. روي بالسين والشين وهما
بمعنى يقال: نهشت عضداه إذا دقتا والنهس أحد ما على الأرض من اللحم
بأطراف الأسنان والنهش بالأضراس. وعن ابن عباس (رض) قال: كان
رسول الله (ص) أفلج الثنيتين إذا تكلم روى كالنور يخرج من ثناياه.
وعن البراء (رض) قال: ما رأيت من ذي لمة اصيبني من رسول الله (ص)
له شعر يضرب منكبيه بعيدين ما بين المنكبين لم يكن بالقصير ولا بالطويل
اللمة دون الجمة سميت لمة لأنها ألمت بالمنكبين فإذا زادت فهي الجمة.
وعن البراء قال: كان النبي (ص) مربوعا بعيد ما بين المنكبين له شعر
55

يلح شحمة اذنه رأيته في حله حمرا لم أر شيئا قط أحسن منه، وسأل البراء هل
كان وجه رسول الله (ص) مثل السيف قال: لا بل مثل القمر. عن سعيد الجريري
قال: سمعت أبا الطفيل (رض) يقول: رأيت النبي (ص) ما بقي على وجه
الأرض أحد لم يره غيري قلت: صفه لي قال: كان أبيضا يلتحا مقصدا
المقصد الذي ليس بجسيم ولا قصير نحو الربعة ومنه قوله تعالى: فمنهم
مقتصد أي بين الظالم لنفسه والسابق بالخيرات، قال أبو هريرة (رض):
ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله (ص) كان الشمس يجري في وجهه وما
رأيت أحدا أسرع في مشيه من رسول الله (ص) كأنما الأرض تطوى له
انا لنجهد أنفسنا وانه لغير مكترث، وكان علي (رض) إذا وصف النبي (ص)
قال: كان أجود الناس كفا وأجود الناس صدرا وأصدق الناس لهجة والينهم
عريكة وأكرمهم عشيرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول:
عنه لم أر قبله وبعده مثله (ص).
ذكر خاتم النبوة
عن عبد الله بن سرخيس (رض) قال: رأيت النبي (ص) ودخلت
عليه وأكلت من طعامه وشربت من شرابه ورأيت خاتم النبوة في بعض
كتفه اليسرى كأنه جمع عليه خلان سود كأنها ثآليل. وعن جابر بن
سمرة (رض) قال: رأيت الخاتم بين كتفي رسول الله (ص) غدة حمراء مثل
بيضة الحمام وفي رواية: مثل بيضة الحمام تشبه جسده وقال: السايب بن
يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله ان
أبن أختي وجع فمسح برأسي ودعا لي بالبركة وتوضأ فشربت من وضوءه
وقمت خلف ظهره إلى الخاتم بين كتفيه فإذا هو مثل زر الحجلة أراد بزر
56

الحجلة الأزرار التي تكون في حجال العرائس من الكلل والستور. وقال
الخطابي (رح): سمعت من يقول: زر الحجلة بيضة حجل الطير يقال
للأنثى منها الحجلة وللذكر اليعقوب قال: وهذا شئ لا أحقه.
ذكر شيبة (ص)
عن جرير بن عثمان (رض) انه سأل عبد الله بن بشر صاحب
رسول الله (ص) قال: رأيت رسول الله (ص) كان شيخا قال: كان في
لحيته شعرات بيض. وعن عبد الله بن عمر (رض) قال: كان شيب
رسول الله (ص) شيب؟ قال: لم يكن في رأس رسول الله (ص) شيب
الا شعرات في مفرق رأسه إذا أدهن واراهن الدهن. وعن أنس (رح)
قال: ما عددت في رأس رسول الله (ص) ولحيته الا أربع عشرة شعرة
بيضا وسأل قتادة أنسا هل خضب رسول الله (ص) قال: لم يبلغ ذلك إنما
كان شيبا في صدغيه ولكن أبو بكر خضب بالحنا والكتم (1).
ذكر طيب ريحه (ص)
وقال أنس (رض) ما شممت رائحة قط مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة
رسول الله (ص) ولا مسست شيئا قط خزه ولا حريره ألين من كف
رسول الله (ص). وعن أنس ان أم سلمة كان النبي (ص) يأتيها فيقيل عندها
فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب وكان كثير العرق، وعنه أيضا قال: دخل علينا النبي (ص) فعال عندنا فعرق وجائت أمي بقارورة فجعلت يتسلت
العرق فيها فاستيقظ النبي (ص) فقال يا أم سليم: ما هذا الذي تصنعين قالت:

(1) الطبري في تاريخه بعدة طرق 2 ص 428
57

هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب، ويروى أن أم سليم
رضي الله عنها كانت ماشطة بالمدينة فخلطت بعرق النبي (ص) طيبا وطيبت به
عروسا فلم تزل ريح ذلك الطيب عليها وكلما غسلته لا تذهب رائحته عنها
فحبلت وأتت بأولاد فكانت تلك الرائحة توجد منهم فسموا بالمدينة المطيبين،
وعن جابر بن سمرة (رض) قال: صليت مع رسول الله (ص) صلاة الأولى
ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم
واحدا واحدا قال: وأما أنا فمسح خدي قال: فوجدت ليده بريدا أو
ريحانا كأنما أخرجها من جونة عطار، وقال أنس (رض) كنا نعرف
رسول الله (ص) إذا أقبل بطيب ريحه. وعن ثمامة أن أم سليم أم أنس بن
مالك (رض) كانت تبسط للنبي (ص) نطعا فيقيل عندها على ذلك النطع
فإذا قام النبي (ص) أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جعلته في
مسك قال: فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى أن يجعل في حنوطه من
ذلك المسك قال: فجعل في حنوطه.
ذكر حسن خلقه (ص)
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسول الله (ص) أحسن
الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل الباين ولا بالقصير وقال انس (رض)
خدمت رسول الله عشر سنين ما قال لي أف قط ولا قال لشئ صنعته لم
صنعته ولا لشئ تركته لم تركته وكان رسول الله (ص) من أحسن الناس
خلقا ولا مسست خزا قط ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله
ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله (ص). وعن
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أن رسول الله (ص) لم يكن فاحشا
58

ولا متفحشا وكان يقول: خياركم أحسنكم أخلاقا. وعن عايشة رضي الله
عنها قالت: ما ضرب رسول الله (ص) بيده شيئا قط لا أن يجاهد في سبيل
الله ولا ضرب خادما ولا امرأة وقالت: لم يكن رسول الله (ص) فاحشا
ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجري بالسيئة ولكن يعفوا
ويصفح. وقال أنس (رض): لم يكن رسول الله (ص) سبابا ولا فحاشا
ولا لعانا وكان يقول: لأحدنا عن العتبة ماله ترب جبينه. وعن أنس (رض)
أيضا قال: كنت أمشي مع رسول الله (ص) وعليه برد نجواني غليظ
الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه يراد به جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة
عاتق رسول الله (ص) قد أثر بها حاشية البرد من شدة جذبه ثم قال: يا محمد
مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله ثم ضحك ثم أمر له
بعطاء. وروى أبو هريرة (رض) قال قيل يا رسول الله: أدع على المشركين
قال: اني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة. وعن ابن مسعود (رض) قال:
قسم رسول الله (ص) قسما فقال: رجل ما أريد بهذا وجه الله فأتيت النبي
فذكرت ذلك فتغير وجه رسول الله (ص) ثم قال: يرحم الله موسى فقد
أوذي بما هو أشد من هذا فصبر.
ذكر تواضعه (ص)
روي عن ابن عباس (رض) انه كان يحدث أن الله تعالى أرسل إلى
نبيه (ص) ملكا من الملائكة معه جبرئيل فقال الملك يا رسول الله ان الله يخيرك
بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون ملكا نبيا فالتفت رسول الله إلى
جبرئيل كالمستشير له فأشار جبرئيل بيده ان تواضع فقال رسول الله (ص): لا بل
عبدا نبيا فما اكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لحق بالله. وعن عايشة
59

(رض) قالت قال رسول الله: لو شئت لسارت معي جبال الذهب جاءني
ملك ان حجر به لتساور الكعبة فقال: ان ربك يقرأ عليك السلام ويقول:
ان شئت نبيا عبدا وان شأت نبيا ملكا فنظرت إلى جبرئيل (ع) فأشار
إلي أن ضع نفسك فقلت نبيا عبدا قالت: فكان رسول الله (ص) بعد ذلك
لا يأكل متكئا ويقول آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد.
وعن ابن عباس عن عمر (رض) قال قال رسول الله (ص): لا تطروني كما أطرت
النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله، والاطراء مجاوزة
الحد في المدح والكذب فيه. وعن أنس (رض) أن رسول الله (ص) كان إذا
صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ولا يصرف
وجهه عن وجهه حتى يكون هو الذي يصرف وجهه عن وجهه ولم ير مقدما
ركبتيه بين يدي جليس له قط.
وعن خارجة بن زيد بن ثابت قال: دخل نفر على زيد بن ثابت (رض) فقالوا له حدثنا حديث رسول الله (ص) قال: ماذا أحدثكم كنت جاره
فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إلي فكتبت له فكان إذا ذكرنا الدنيا
ذكرها معنا وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا
فكل هذا أحدثكم عن رسول الله (ص) وعن الأسود قال سألت عايشة (رض)
ما كان رسول الله (ص) يصنع في بيته فقالت: يكون في مهن أهله يعني
خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. عن عميرة قالت قلت
لعايشة: ما كان يعمل رسول الله في بيته قالت: كان بشرا من البشر يعلي
ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه.
وعن عايشة (رض) انها سألت هل كان رسول الله (ص) يعمل في
60

بيته قالت: نعم كان رسول الله يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما
يعمل أحدكم في بيته. عن أنس بن مالك (رض) قال: كان رسول الله (ص)
إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء مما يأتونا باناء الا غمس
يده فيها فربما جاءه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها. وعن انس (رض)
قال: رأيت رسول الله يركب الحمار العري ويجيب دعوة المملوك وينام على
الأرض ويأكل على الأرض ويقول: لو دعيت إلى كراع (1) لأجبت ولو
أهدي إلي ذراع لقبلت. وعنه (رض) ان رسول الله (ص) كان يعود المريض
ويتبع الجنازة ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار لقد رأيته يوم خيبر على
حمار خطامه ليف (2)، وعنه ان امرأة عرضت لرسول الله (ص) في طريق من
طرق المدينة فقالت: يا رسول الله ان لي إليك حاجة فقال: يا أم فلان اجلسي
في اي سكك المدينة شأت أجلس إليك قال: ففعلت فقعد إليها رسول الله (ص)
حتى قضت حاجتها وعنه أنه قال: كانت للأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ
يد رسول الله (ص) فتنطلق به حيث شائت.
ذكر جوده (ص)
عن ابن عباس (رض) ان رسول الله (ص) كان أجود الناس وأجود
ما يكون في رمضان حين يلقاه جبرئيل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان
فيدرسه القرآن وكان رسول الله (ص) إذا لقيه جبرئيل أجود بالخير من الريح
المرسلة. وعن انس (رض) قال: كان رسول الله (ص) من أجمل الناس
وأجود الناس وأشجع الناس ولقد فرغ أهل المدينة مرة فركب فرسا لأبي

(1) بضم الأول وهو مستدق الساق من البقر والغنم.
(2) الخطام: حبل يجعل في عنق البعير ويثني في خطمة.
61

طلحة عرى ثم رجع وهو يقول: لن تراعوا لن تراعوا ثم قال: انا وجدناه
بحرا. وقال جابر بن عبد الله (رض): ما سأل رسول الله (ص) شيئا قط
فقال: لا. وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه (1) قال: لما قفل رسول الله (ص)
من غزوة حنين تبعه الاعراب يسألونه فالجوه إلى شجرة فخطفت رداءه وهو
على راحلته فقال: ردوا علي ردائي أتخشون علي البخل فوالله لو كان لي
عدد هذه الحصاة نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا
وقال انس (رض) كان النبي (ص) لا يدخر شيئا لغد. وعنه ان رجلا أتي
النبي (ص) فسأله فأعطاه غنما بين جبلين فاتى الرجل قومه فقال: أسلموا فان
محمدا يعطى عطاء رجل ما يخاف فاقة. وقال صفوان بن أمية (رض) أعطاني
رسول الله (ص) وانه لا بغض الخلق إلي فما زال يعطيني حتى أنه لأحب
الخلق إلي. (2)
ذكر شجاعته (ص)
فيه حديث أنس بن مالك (رض) قال كان رسول الله (ص): أجمل
الناس وأجود الناس وأشجع الناس. وعن البراء (رض) قال: كنا والله
إذا احتم البأس نتقي به يعني النبي (ص) وان الشجاع منا للذي يحاذي به.
وقال علي (رض) قال: رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي (ص) وهو أقربنا
إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأسا. وعنه قال: كنا إذا أحمر
البأس ولقى القوم اتقينا برسول الله (ص) فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه
ذكر حيائه وقلة كلامه وتأنيه فيه (ص)
عن أبي سعيد الخدري (رض) قال: كان رسول الله (ص) أشد

(1) تابعي عده الحفاظ من الثقات توفي أيام خلافة عمر بن عبد العزيز
(2) اخرج هذه الأحاديث مسلم في صحيحه بعدة أسانيد ص 58 - 91
62

حياء من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئا رأيناه في وجهه. وعن
جابر بن سمرة (رض) قال: كان رسول الله طويل السمت. وعن عايشة (رض)
قالت: ما كان رسول الله يسرد سردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلام بينه
فصل يحفظه من جلس إليه، وعنها قالت: ان النبي (ص) كان يحدث حديثا
لوعده العاد لأحصاه.
ذكر تبسمه واختياره أيسر الأمور (ص)
عن عايشة (رض) قالت: ما رأيت رسول الله (ص) مستجمعا قط ضاحكا
حتى أرى منه لهواته (1) انها كان يبتسم. وعن عبد الله بن الحارث بن
جريد قال: ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله. وعن عايشة (رض)
قالت: ما خير رسول الله (ص) في أمرين الا أخذ أيسرهما ما لم يكن اثما
فإن كان اثما كان أبعد الناس عنه وما انتقم رسول الله (ص) لنفسه الا
ان تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها. وقد جمع حديث الحسن بن علي (رض)
الذي رواه عن خاله هند بن أبي أهالة وحديث أم معبد الخزاعية جميع صفاته
(ص) وكان هند ربيب رسول الله (ص) وأبوه أبو اهالة هو زوج خديجة قبل
النبي (ص) روي عن الحسن بن علي قال سألت خالي هند بن أبي اهالة وكان
وصافا عن حلية النبي (ص) وانا أشتهي ان يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال:
كان رسول الله (ص) فخما متفخما يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر. أطول
من المربوع واقصر من المشجدب. عظيم الهامة. رجل الشعر. ان انفرقت
عقيقته فرق، والا فلا تجاوز شعره شحمة اذنه إذا هو وفرة. أزهر اللون
واسع الجبين. سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب

(1) اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم.
63

أقنى العرنين. له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم. كث اللحية. سهل
الخدين. ضليع الفم. مفلج الأسنان. دقيق المسربة. كان عنقه جيد دمية
في صف الفضة معتدل الخلق. بادن متماسك. سواء البطن والصدر. عريض
الصدر. بعيد ما بين المنكبين. فخم الكراديس. انور المتحرد. موصول
ما بين اللبنة والسرة بشعر يجري كالخط. عاري الثديين والبطن مما سوى
ذلك. اشعر الذراعين والمنكبين. وأعالي الصدر. طويل الزندين. رحب
الراحة. شثن الكفين والقدمين. مسايل الأطراف. أو قال: شامل الأطراف
خمصان الأخمصين. مسح القدمين ينبوا عنهما الماء إذا زال قلعا. يخطوا
تكفيا ويمشي هونا. ذريع المشية إذا مشى كأنما ينخط من صبب. وإذا
التفت التفت جميعا. خافض الطرف. نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى
السماء جل نظره الملاحظة. يبدر من لقيه بالسلام.
قال الحسن: وسألت خالي (1) فقلت صف لي منطق رسول الله (ص)
فقال: كان متواصل الأحزان، دايم الفكرة. ليست له راحة طويل الصمت
لا يتكلم في غير حاجة. يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه. ويتكلم بجوامع

(1) خال الامام أبي محمد السبط الحسن هو القاسم بن رسول الله (ص)
وقد وقع الخلاف الهائل في مدة عمره قيل مات قبل ان يتم رضاعه. وقيل
مات صغيرا. وقيل عاش حتى مشى. وقيل كانت له سنتان. وقيل بعد أن
بلغ سن التمييز. وحكي عن الإمام محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام انه
بلغ ان يركب الدابة ويسير على النجيبة فلما قبض قال العاص بن وائل: لقد
أصبح محمد أبتر، فنزلت انا أعطيناك الكوثر. عوضا من مصيبتك يا محمد
بالقاسم. وهذا الحديث يؤيد قول الباقر عليه السلام والله أعلم.
64

الكلم. فصل لا فضول ولا تقصير. ليس بالحافي ولا المهين. يعظم النعمة
وان دقت لا يذم منها شيئا غبر انه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه
الدنيا وما كان لها. فإذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له.
لا يغضب لنفسه. ولا ينتصر لها. إذا شاء أشار بكفه كلها. وإذا تعجب
قلبها. وإذا تحدث اتصل بها وضرب براحة اليمين بطنها بهامه اليسرى وإذا
غضب اعرض وأشاح. جل ضحكه التبسم.
وقال الحسن: فكتمته عن الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني
إليه سأله عما فسألته عنه ووجدته قد سأل أباه عن مدخله وعن مخرجه
وشكله فلم يدع منه شيئا. قال الحسين: فسألت أبي عن دخول النبي (ص)
فقال: كان إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزء لله وجزء لأهله
وجزء لنفسه ثم جزء جزءا بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة
ولا يدخر عنهم شيئا، وكان من سيرته في جزء الأمة ايثار أهل الفضل باذنه
وقسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم
ذو الحوايج فيشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة من مسئلته عنهم
واخبارهم بالذي ينبغي لهم قد كفوا المؤنة في ذلك ويقول: ليبلغ الشاهد
منكم الغايب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع ابلاغها فإنه من أبلغ سلطانا
حاجة من لا يستطيع ابلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده الا
ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون روادا ولا يفترقون الا عن ذواق
ويخرجون أدلة، يعني على الخير.
قال وسألته: عن مخرجه كيف كان يصنع فيه فقال: كان رسول الله (ص)
يحرك لسانه الا فيما يعينه ويولفهم ولا يتقربهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه
65

عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي على أحد منهم بشره
ولا خلقه وينعقد أصحابه ويسأل الناس عن ما في الناس ويحسن الحسن ويقويه،
ويقبح القبيح ويوهيه معتدل الامر غير مختلف لا يغفل مخافة أن يعقلوا
أو يملوا لكل حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق ولا يحوزه الدين يلونه من
الناس، خيارهم أفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم
مؤاساة وموازرة.
قال وسألته عن مجلسه فقال: كان رسول الله (ص) لا يقوم ولا
يجلس الا ذكر وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر
بذلك يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب أن أحدا أكرم عليه من جالسيه
ومن سأله حاجة لم يرده الا بها بميسور من القول قد وسع الناس بسطه
وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر
وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤثر فيه الحرم يتعاطفون فيه بالتقوى
متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ويؤثرون ذا الحاجة
ويحفظون الغريب.
قال الحسن: وسألت أبي عن سيرة النبي (ص) في جلسائه فقال كان
النبي (ص): دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا
صخاب. ولا فحاش ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي ولا يونس
منه ولا يخيب فيه قد ترك نفسه من ثلاث الرياء والاكثار وما لا يعنيه،
وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحدا أو لا يعيبه ولا يطلب عودته ولا
يتكلم الا فيما رجى ثوابه وإذا تكلم أطرق جلسائه كأنما على رؤسهم الطير
فإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده انصتوا
66

له حتى يفرغ حديثهم حديث أولهم، يضحك مما مما يضحكون ويتعجب مما
يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتى أن كان
أصحابه ليستجلبونهم ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه
ولا يقبل الثناء الا من مكافي ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه فيقطعه
بنهي أو قيام وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه
التبسم ويفتر عن مثل حب الحمامة.
قال الحسن: وسألت أبي عن دخول رسول الله (ص) فقال: كان إذا
أوى إلى منزله وذكر مثلما تقدم، وقال: كان لا يجلس ولا يقوم الا عن
ذكر الله لا يوطن الأماكن وينهي عن ايطانها وقال: لا يحسب أحد من
جلسائه ان أحدا أكرم منه من جالسه أو قاومه لحاجة صابرة حتى يكون
هو المنصرف. وقال: ولا تؤبن فيه الحرم ولا تثني فلتأته معتدلين يتواصون
فيه بالتقوي، وقال: قد ترك نفسه من ثلاث المراد والاكثار ومالا يعنيه
وزاد في آخره قال: فسألته كيف كان سكوته قال: كان سكوت رسول الله (ص)
على أربع الحلم والحذر والتقدير والتفكير أما التقدير ففي تسوية النظر
والاستماع من الناس، وأما التفكير ففيما يبقى ويفني وجمع له الحلم والصبر
فكان لا يغضبه شئ ولا يستفزه وجمع له الحذر في أربعة اخذه بالحسن
ليقتدي به وتركه القبيح لينهي عنه واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته والقيام
فيما هو خير لهم فيما يجمع لهم خير الدنيا والآخرة. ووصف علي (رض)
رسول الله (ص) فقال: لم يكن بالطويل الممغط يروى بالعين والغين ولا
بالقصير المتردد، كان ربعة من القوم لم يكد بالجعد القطط ولا بالبسط كان
جعدا رجلا ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم وكان في وجهه تدوير أبيض
67

مشرب أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاش والكتد أجود ذو مشربة
شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع يخط من صبب وإذا وإذا التفت التفت معا،
بين كتفيه خاتم النبوة وهو خاتم النبيين أجود الناس صدرا والينهم عريكة
وأكرمهم عشيرة من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته:
لم أر قبله ولا بعده مثله (ص) (1).
وعن حبيش بن خالد وهو أخو عاتكة بنت خالد المعروفة بأم
معبد (رض) (2) أن رسول الله (ص) حين أخرج من مكة خرج مهاجرا
إلى المدينة هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله
ابن أريقط الليثي فمروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة
تحيي بفناء الخيمة ثم تسقي وتطعم فسألوها لحما وئموا ليشتروا منها فلم يصيبوا
عندها شيئا من ذلك وكان القوم مرملين مسنتين فنظر رسول الله (ص)
إلى شاة في كسر الخيمة فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها
الجهد عن الغنم قال: هل بها من لبن قالت: هي أجهد من ذلك قال: أتأذنين
لي أن أحلبها قالت بأبي أنت وأمي ان رأيت بها حليبا فاحلبها فدعا بها
رسول الله (ص) فمسح ضرعها وسم الله فدعا لها في شاتها فتفاجت عليه
ودرت واجترت فدعا باناء يربض الرهط فحلب بها حتى علاه البهاء ثم سقاها
حتى رويت وسقا أصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم ثم أراضوا ثم حلب
فيه ثانيا عودا على بدء حتى ملأ الاناء ثم غادره عندها وبايعها وارتحلوا عنها
فقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلا

(1) الطبري 2 ص 425 باب صفة النبي (ص) بعدة طرق.
(2) في رواية أم معبد بنت كعب. من بني كعب بن خزاعة.
68

مخهن قليل فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم
معبد والشاة عازب حيال ولا حلوبة في البيت؟ قالت: لا والله الا انه مر
رجل مبارك من حاله كذا قال: صفيه لي يا أم معبد قالت: رأيت رجلا
طاهر الوضاه أبلج الوجه لم تعبه نحله ويروى ثجله ولم تزريه صلعة، ويروى
صقلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صوته صهل ويروى
صحل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثافة أزج اقرن ان صمت فعليه الوقار
وان تكلم سما وعلاه البهاء. أجمل الناس وأبهاهم من بعيد وأحلاهم وأحسنهم
من قريب. حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كان منطقه خزرات نظم يتحدرن
وبه ربعة لا يأنس من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن من غصنين فهو
أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به ان قال أنصتوا لقوله
وان أمر تبادروا لأمره محشود محفود لا عابس ولا معتد، قال أبو معبد:
هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ولو كنت وافقته
لالتمست ان أصحبه ولأفعلن ان وجدت ان ذلك سبيلا وأصبح صوت (1)
بمكة عاليا يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول هذه الأبيات:
جزا الله رب الناس خير جزاية رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى واهتدت به فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فيال قصي ما روى الله عنكم به من فعال لا يجارى وسؤدد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم ومقعدها للمؤمنين لمرصد
سلوا أختكم عن شأنها وأنابها فإنكم ان تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حابل فتحلبت عليه صريحا صرة الشاة مزبد

(1) في عيون الأثر 1 ص 188: كان الهاتف من جبل أبط قبيس.
69

فغادرها رهنا لديها لحالب يرددها في مصدر ثم مورد (1)
فأجاب الصوت حسان بن ثابت (2) (رض) فقال:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم وقدس من يسري إليه ويغتدي
ترحل عن قوم فزالت عقولهم وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم وارشدهم من يبتغي الحق يرشد
وقد نزلت منه على أهل يثرب ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
فهل يستوي ضلال قوم تسفهوا عمايتهم هاد به كل مهتد
وفي رواية:
فهل يستوي ضلال قوم تسكعوا عما وهداة يهتدون بمهتدي
نبي يرى مالا يرى الناس حوله ويتلوا كتاب الله في كل مشهد
وان قال: في يوم مقالة عايب فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد (3)
ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته من يسعد الله يسعد
ويهن بني كعب مكان قناتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد
قالت أم معبد: وكنا نحلب التي حلبها رسول الله (ص) ومسح
ضرعها صبوحا وغبوقا وما في الأرض قليل ولا كثير وبقيت الشاة عندنا إلى
سنة ثمان عشرة من الهجرة فهلكت زمن الرمادة في خلافة عمر (رض)

(1) سيرة ابن هشام 2 ص 100. ابن سيد الناس 1 ص 187. الرياض
النضرة في مناقب العشرة لمحب الطبري 1 ص 88. العثمانية لأبي عثمان الجاحظ
ص 112. دلايل النبوة 2 ص 118.
(2) ترجم له في كتاب الغدير 2 ص 65.
(3) ويروى: فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد.
70

ذكر معجزاته (ص)
قال عبد الله بن مسعود (رض): كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها
تخويفا كنا مع رسول الله (ص) في سفر فقل الماء فقال: اطلبوا فضلا من
ماء فجاؤوا باناء فيه ماء قليل فادخل يده في الاناء ثم قال: حي على الطهور
المبارك ولقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله (ص) ولقد كنا
نسمع نسج الطعام وهو يؤكل. وعن أنس (رض) ان أهل مكة سألوا
رسول الله (ص) أن يريهم أية: فأراهم القمر شقتين حتى رأوا جراء بينهما.
وعن أنس أيضا ان النبي (ص) أتي باناء وهو في الزوراء فوضع يده في الاناء
فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم. قال قتادة قلت لانس:
كم كنتم قال: ثلاثمائة وهذه اية معجزة وهي أبلغ من
انفجار الماء من الحجر لموسى (ع) لان من طبع الحجارة أن يتفجر منها
الماء وليس في طبع أعضاء بني آدم ذلك. وروى جابر (رض) قال: عطش
الناس يوم الحديبية ورسول الله (ص) بين يديه ركوة يتوضأ منها فاقبل
الناس نحوه فقال رسول الله (ص): مالكم فقالوا: يا رسول الله ليس
عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب الا ما في ركوتك قال: فوضع النبي (ص)
يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال: فشربنا
وتوضأنا، فقلت: لجابر كم كنتم يومئذ قال: لو كنا مائة الف لكفانا كنا
خمس عشرة مائة (1).
وعن عمران بن حصين قال سري رسول الله (ص): في سفر هو

(1) أخرجه مسلم في صحيحه بعدة أسانيد. والزوراء بالفتح والمد
مكان بالمدينة عند السوق وقيل موضع في المدينة قرب المسجد.
71

وأصحابه فأصابهم عطش شديد فأرسل النبي (ص) رجلين من أصحابه قال:
أحسبه عليا والزبير أو غيرهما فقال: انكما ستجدان امرأة بمكان كذا وكذا
معها بعير عليه برادتان فأتياني بها قال: فاتيا المرأة فوجداها قد ركبت بين
برادتين على بعير فقالا لها أجيبي رسول الله (ص) فقالت: ومن رسول الله
هذا الصابئي قالا هو الذي تعنين وهو رسول الله (ص) حقا فجاءا بها فامر
رسول الله (ص) فجعل في اناء من برادتيها ثم قال فيه ما شاء الله ان يقول
ثم أعاد الماء في البرادتين ثم أمر بعزلاء البرادتين ففتحت ثم أمر الناس فملوا
أن يتهم وأسقيتهم فلم يدعوا يومئذ اناء ولا سقاء الا ملوه قال عمران: حتى
كان يخيل إلي انها لم تزدد الا امتلأ قال: فامر النبي (ص) بثوبها فبسط ثم
أمر أصحابه فجاؤوا من زادهم حتى ملأ لها ثوبها ثم قال لها: اذهبي فانا لم
نأخذ من مائك شيئا ولكن الله سقانا فجاءت أهلها فأخبرتهم فقالت: حسبكم
من عند السحر الناس أو انه لرسول الله حقا قال فجاء أهل ذلك الحواء (1)
حتى أسلموا كلهم. وفي هذا الحديث دليل على أن أواني المشركين على
الطهارة ما لم يعلم النجاسة فيها، ودليل على أن أخذ ماء الغير يجوز عند ضرورة
العطش بالعوض وقد أعطاها النبي (ص) من الزاد ما كان عوضا من مائها
والمزادة هي التي يسميها الناس راوية وإنما الراوية البعير الذي يسقي عليه
والسطيحة نحو المزادة غير أنها أصغر من البرادة تصنع من جلد واحدة والمزادة
أكثر من ذلك والعزلاء فم المزادة الأسفل والصابي عند العرب الذي خرج
من دين إلى دين وكان المشركون يقولون لمن أسلم قد صبا.
وروى أبو قتادة (رض) ان رسول الله (ص) خرج في جيش فلما

(1) الحواء بيوت مجتمعة على الماء والجمع أحوية.
72

كان في بعض الطريق تخلف لبعض حاجته وتخلفت معه ميضئته وهي الإداوة
فقضى حاجته ثم جائني فسكبت عليه من الميضأة فتوضأ قال لي: احفظها فلعله
ان يكون لبقيتها شأن قال: وسار الجيش فقال النبي (ص) أن يطيعوا أبا
بكر وعمر يرفقوا بأنفسهم وان يعصوهما يشقوا على أنفسهم قال: وكان أبو
بكر وعمر قد أشارا عليهم أن ينزلوا حتى يبلغوا الماء وقال: بقية الناس بل
ننزل حتى يأتي رسول الله (ص) قال فنزلوا فجأناهم في نحر الظهيرة وقد هلكوا
من العطش فدعا النبي (ص) بالميضأة فأتيته بها فاستأبطها ثم جعل يصب لهم
فشربوا وتوضوا حتى رووا وملأوا كل اناء كان معهم حتى جعل يقول:
هل من عال قال فخيل إلي انها كما أخذها وكانوا يومئذ اثنين وسبعين رجلا.
وعن يعلي بن مرة الثقفي قال: ثلاثة أشياء رأيتها من رسول الله (ص) بينما
نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يثني عليه قال: فلما رآه البعير جرجر فوضع
جرانه بالأرض فوقف عليه النبي (ص) وقال: أين صاحب هذا البعير فجاءه
فقال النبي (ص) بعنيه قال: بل نهبه لك يا رسول الله قال بل بعنيه قال: بل نهبه
لك يا رسول الله قال: بل بعنيه قال: بل نهبه لك وانه لأهل بيت مالهم معيشة
غيره قال: اما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه شكى كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا
إليه قال: ثم سرنا حتى نزلنا منزلا فنام النبي (ص) فجائت شجرة تشق الأرض
حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها فلما استيقظ النبي (ص) ذكرت له ذلك فقال:
هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله (ص) فاذن لها قال ثم
سرنا فمررنا بماء فاتته امرأة بابن لها به جنة فاخذ النبي (ص) بمنخره ثم قال:
اخرج اني محمد رسول الله قال ثم سرنا فلما رجعنا من مسيرنا مررنا بذلك
الماء فاتته المرأة بجزر ولبن فأمرها ان ترد الجزر وأمر أصحابه أن يشربوا
73

اللبن فسألها عن الصبي فقالت: والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك
قوله: جرجر أي صوت، والجران باطن عنق البعير.
وعن مسلمة بن الا ركوع (رض) قال: خفت أزواد القوم وأملقوا
فاتوا النبي (ص) ليستأذنوه في نحر إبلهم فاذن لهم فلقيهم عمر فأخبروه
فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم فدخل على النبي (ص) فقال يا رسول الله: ما بقاؤهم
بعد إبلهم فقال رسول الله (ص) نادي في الناس يأتون بفضل أزوادهم
فبسط لذلك نطع وجعلوه على النطع فقام رسول الله (ص) فدعا وبرك عليه
ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثى الناس حتى فرغوا ثم رسول الله (ص): أشهد
ان لا إله الا الله واني رسول الله. وفي رواية عن أبي هريرة أو أبي سعيد
(رض) في غزوة تبوك وقال: اجتمع على النطع سني يسير فدعا النبي (ص)
بالبركة ثم قال: خذوا في أوعيتكم فاخذوا حتى تركوا في العسكر وعاءا الا ملأوه
قال: واكلوا حتى شبعوا وفضلت فضله فقال: رسول الله (ص): أشهد أن لا إله
الا الله واني رسول الله، لا يلقي الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن
الجنة. وروى أنس أن أبا طلحة: قال لأم سليم لقد سمعت صوت رسول
الله (ص) ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شئ فقالت: فأخرجت
أقراصا من شعير ثم اخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت
يدي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله (ص) قال: فذهبت به
فوجدت رسول الله (ص) جالسا في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال
رسول الله (ص) أرسلك أبو طلحة قال قلت: نعم فقال بطعام قلت نعم فقال
رسول الله (ص): لمن معه قوموا قال فانطلق فانطلقت بين أيديهم حتى جئت
أبا طلحة فأخبرته قال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله (ص) بالناس
وليس عندنا ما نطعمهم قالت الله ورسوله أعلم قال فانطلق أبو طلحة حتى
74

لقى رسول الله (ص) فاقبل رسول الله (ص) معه حتى دخلا فقال رسول الله:
هلمي ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبز فامر به رسول الله (ص) ففت
وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته ثم قال رسول الله (ص) فيه ما شاء الله أن
يقول ثم قال ايذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال:
ايذن لعشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: ايذن لعشرة حتى اكل
القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا.
وعن جابر (رض) قال: استشهد أبي يوم أحد وترك عليه دينا وترك
ست بنات فلما حضر حداد النخل أتيت رسول الله (ص) فقلت: قد علمت أن
والدي استشهد يوم أحد وترك دينا كثيرا واني أحب أن يراك الغرماء
فقال اذهب فيبدر كل تمر على ناحية ففعلت ثم دعوته فلما نظروا إليه فكأنما
أغروا بي تلك الساعة فلما رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا ثلاث
مرات ثم جلس عليه ثم قال أدع أصحابك فما زال يكيل لهم حتى أدى الله
عن والدي أمانته وأنا أرضى أن يؤدي الله أمانة والدي ولا أرجع إلى
أخواتي بتمرة فسلم الله البيادر كلها وحتى اني انظر إلى البيدر الذي كان عليه
النبي (ص) كأنما لم تنقص منه تمرة واحدة. وروي جابر بن عبد الله (رض)
أيضا قال كان النبي (ص) إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري
المسجد فلما صنع له المنبر واستوى عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة
حتى سمعها أهل المسجد حتى نزل رسول الله (ص) فاعتنقها فسكتت. وروى
أبو هريرة ان رسول الله (ص) قال: يهلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده
وقيصر ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده ولتنفق كنوزهما في سبيله فاظهر
الله صدق رسول الله (ص) كما أخبر، ولا يعارضه الحديث الاخر فإنه لما كتب
إلى كسرى يدعوه إلى الاسلام مزق كتابه فقال النبي (ص) تمزق ملكه
75

وكتب إلى قيصر فأكرم كتابه ووضعه في مسك فقال النبي (ص). ثبت ملكه
فوجه الجمع بين الحديثين ان كسرى تمزق ملكه فلم يبق لهم ملك وأنفقت
كنوزه في سبيل الله وأورث الله المسلمين أرضهم وقيصر ثبت ملكه بالروم
وانقطع من الشام واستفتحت خزائنه التي بالشام وأنفقت في سبيل الله فمعنى
لا قيصر بعده يعني بالشام والله أعلم. وروى أبو هريرة (رض) أن رسول الله (ص)
قال هل ترون قبلتي هاهنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم اني
لأراكم من وراء ظهري.
وعن علي (ض) قال: كنا مع رسول الله (ص) بمكة فرحنا في
نواحيها خارجا منها فلم نمر بشجرة ولا جبل الا قال: السلام عليك يا رسول الله
وروى جابر بن سمرة (رض) قال قال رسول الله (ص): اني لأعرف حجرا
بمكة كان يسلم علي قبل ان أبعث واني لأعرفه الآن.
قال مؤلفه العبد الفقير إلى الله محمد بن يوسف الزرندي سقى الله.
صوب الرحمة والرضوان ضريحه وأناله بكرمه محض لطفه وصريحه هذه قطرة
من بحار فضايله الزاخرة العباب ورشحة من سحايب مناقبه الدائمة التكساب،
ولمحة من زواهر مفاخره التي فاقت حد العد والحصر والحساب، ولمعة من
شهب مآثره التي عجزت عن عد جزء من آلافها المؤلفة واحصائها وتحريرها
أنامل الحساب والكتاب، ومن ذا الذي يحصي الكواكب والقطر، وهذا
القدر كاف فيما أشرنا إليه من فضايله وأحواله ومعجزاته (ص) ولو ذهبنا
نتتبع ما ورد في ذلك لطال الكتاب وخرجنا عن المقصود في الايجاز وعدم
الاسهاب. وقد ذكرنا جملا من أحواله وصفاته ومعجزاته وغزواته
وفتوحاته (ص) في كتابنا الموسوم - بالأعلام بسيرة النبي عليه الصلاة
والسلام - فمن أراد الزيادة على هذا فليراجعه انشاء الله تعالى.
76

القسم الثاني من السمط الأول
في مناقب أمير المؤمنين وامام المتقين مناهج الحق واليقين
ورأس الأولياء والصديقين، زوج البتول فاطمة قرة عين الرسول
ابن عمه، وباب مدينة علمه موازره وأخيه، وقرة عين صنو أبيه المرتضى
المجتبى الذي هو في الدنيا والآخرة امام سيد، وفي ذات الله سبحانه وتعالى
وإقامة دينه، قوي أيد ذي القلب العقول والاذن الواعية والهمة التي هي
بالعهود والذمام وافية، يعسوب الدين وأخي رسول رب العالمين:
محمد العالي سرادق مجده * على قمة العرش المجيد تعاليا
فأسس بنيان الولاية متقنا * وحاز ذووا التحقيق منه الأمانيا
الليث المعاهر، والعقاب الكاسر، والسيف البتور، والبطل المنصور،
والضيغم المهصور، والسيد الوقور، والبحر المسجور، والعلم المنشور،
والعباب الزاخر الخضم،. والطود الشاهق الأشم. وساقي المؤمنين من
الحوض بالأوفى والأتم، أسد الله الكرار أبي الأئمة الأطهار المشرف بمزية
من كنت مولاه فعلي مولاه، والمؤيد بدعوة اللهم وال من والاه وعاد من
عاداه. كاسر الأنصاب. وهازم الأحزاب المتصدق بخاتمه في المحراب وفارس
ميدان الطعان والضراب. هزبر كل عرين. وضرغام كل غاب. الذي كل
لسان كل معتاب ومغتاب. وبيان كل ذام ومرتاب عن قدح في قدح
معاليه لنقا حبا به عن كل ذم وعاب، المخصوص من الحضرة النبوية بكرامة
77

الاخوة والانتخاب، المنصوص عليه بأنه لدار الحكمة ومدينة العلم باب.
وبفضله واصطفائه نزل الوحي ونطق الكتاب، المكنى بأبي الريحانتين وأبي
الحسن وأبي تراب، هو النبأ العظيم. وفلك نوح. وباب الله وانقطع
الخطاب. ذو البراهين القاطعة والآيات الدامغة، وصاحب الكرامات الظاهرة
والحجج البالغة. ينبوع الخير ومعدن البركات منجي غرقى بحار المعاصي
من المخازي والمهاوي والدركات. الامام الذي هو من ظلم الجهالة والضلالة
نبراس وفي قحم المبارزة والطعان هرماس حياس (1) ولمداين العلوم والحكم
اليقينية فضائله أساس، وما في قربه من رسول الله (ص) ومفاخره التي لا يحيط
وهم وحد ومقياس عند ذي رأي ودين شبهة وريبة والتباس:
أخو خاتم الرسل الكرام محمد * رسول اله العالمين مطهر
علي نجي المصطفى ووزيره * أبو السادة الغر البهاليل حيدر
أبو السبطين الحسن والحسين وارث الرسل ومولى الثقلين ومبدع
جسيمات المكارم ومفيض عممات المنن الذي حبه وحب أولاده من أوفى العدد
وأوقى الجنن (2).
أخو أحمد المختار صفوة هاشم أبو السادة الغر الميامين مؤتمن
وصهر امام المرسلين محمد علي أمير المؤمنين أبو الحسن
هما ظهرا شخصين والنور واحد بنص حديث النفس والنور فاعلمن
هو الوزر المأمول في كل خطة وان لا ينجينا ولايته فمن
عليهم صلاة الله ما لاح كوكب وماهب ممراض النسيم على قنن

(1) الهرماس: ولد النمر. الحواس: الشجاع الجرئ.
(2) هذه الجمل كلمات قدسية نبوية أخرجها الحفاظ في أسانيدهم.
78

ذكر نسبه (رض) من رسول الله (ص)
كان أبوه أبو طالب وعبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم
اخوان ونسبهما من هاشم بن عبد مناف سيان وكان علي (رض) يقول:
ديني دين النبي (ص) وحسبي حسب النبي (ص) من تناول من حسبي أو
ديني يتناول من رسول الله (ص). وروى ابن عباس (رض) قال: سمعت
رسول الله (ص) يقول: كنت انا وعلي نورا بين يدي الله من قبل ان
يخلق آدم بأربعة عشر الف عام فلما خلق الله آدم سلك ذلك النور في صلبه
ولم يزل الله ينقله من صلب إلى صلب حتى أقره في صلب عبد المطلب ثم أخرجه
من عبد المطلب فقسمه قسمين قسما في صلب عبد الله وقسما في صلب أبي طالب
فعلي مني وانا منه لحمه لحمي ودمه دمي فمن أحبه بحق أحبه ومن أبغضه فيبغضني
أبغضه وهذا الحديث هو المشار إليه في البيت المتقدم بقوله: بنص حديث
النفس والنور فاعلمن. قال جابر بن عبد الله (رض): سمعت رسول الله (ص)
يقول لعلي: الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة ثم قرأ النبي
(ص): وفي الأرض قطع متجاورات حتى بلغ تسقى بماء واحد وقال (ص):
علي مني وانا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي وقال عبد خير سمعت عليا (رض)
يقول: أهدي للنبي (ص) قنو موزة فجعل يقشر الموزة ويجعله في فمي
فقال له قائل يا رسول الله: انك تحب عليا قال: أوما علمت أن عليا مني
وأنا منه (1).

(1) جل هذه الأحاديث الواردة في مناقب وفضايل الامام
أمير المؤمنين وسيدة النساء الزهراء وسيدي شباب أهل الجنة عليهم السلام
تجدها بأسانيدها الصحيحة ورواتها الثقات مع تصحيح طرقها في كتاب
(الغدير) تحت عنوان - مسند المناقب ومرسلها
79

قال الشعبي (رح): لو رضوا منا بان يقولوا: رحم الله عليا إن كان
لقرب القرابة قديم الهجرة عظيم الحق زوج فاطمة وأبا حسن وحسين لكان
في ذلك فضل فكيف وله من المناقب والفضايل ما ليس لغيره (رض) وروي
ان رجلا قال لابن عباس: ما أكثر مناقب علي وفضايله اني لأحسبهما
ثلاثة آلاف قال: أولا يقول إنها لثلاثين الف أقرب.
وقال الإمام أحمد بن حنبل (رح) (1) ما جاء لأحد من أصحاب
رسول الله (ص) من الفضايل ما جاء لعلي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت أسد
ابن هاشم بن عبد مناف وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي روي أنه لما ضربها
المخاض أدخلها أبو طالب الكعبة بعد العشاة فولدت فيها علي بن أبي
طالب (رض) (2) وقد أسلمت وهاجرت وتوفيت بالمدينة وقيل إنها ماتت
بمكة قبل الهجرة وشهدها رسول الله (ص) وألبسها قميصه واضطجع في
قبرها وتولى دفنها فقيل له يا رسول الله (ص): رأيناك صنعت شيئا لم تكن
تصنعه بأحد فقال (ص): اني ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة
واضطجعت في قبرها لأخفف عنها ضغطة القبر انها كانت من أحسن

(1) أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني ولد
ببغداد عام 164 وتوفي سنة 241.
(2) من الأمور المسلمة لدى الحفاظ الثقات ولادة الإمام علي (ع)
في الكعبة كما في مستدرك الحاكم 3 ص 483. ومروج الذهب 2 ص 2
تذكرة خواص الأمة ص 7. نزهة المجالس للصفوري 2 ص 204. وهناك
مباحث حول الموضوع تجدها في كتاب (الغدير) 6 ص 21 - 380.
80

خلق الله صنعا إلي بعد أبي طالب.
ذكر صفته (رض)
قال الشعبي (رح): رأيت عليا (رض) شيخا مربوعا أسمر أبلج
أصلع له ضفيرتان أبيض الرأس واللحية له لحية قد ملأت ما بين منكبيه.
وقال عامر الشعبي أيضا: ما رأيت رجلا أعظم لحية من علي قد ملأت ما بين
منكبيه بياضا وفي الرأس زغبات. وقال بعض أهل العلم: كان علي (رض) عظيم البطن عظيم اللحية قد ملأت ما بين منكبيه وكان أصلع حسن الوجه
شديد للأدمة من بعيد فان تبينته من قريب قلت أسمر مايلا إلى الحمرة
مربوعا أبلج أصلع اشعر البدن. وقال بعضهم: سألت أبا جعفر يعني محمد
ابن علي الباقر عن صفة علي فقال: كان رجلا آدم شديد الأدمة مبل العينين
عظيمها ذا بطن أصلع قلت: كان طويلا أو قصيرا قال: هو إلى القصير أقرب.
ذكر اسلامه (رض) (1)
روى ابن عباس (رض) قال: أسلم علي وهو ابن تسع سنين ثم أسلم

(1) لقد أطبقت الأحاديث وتسالمت الطرق الصحيحة والرجال الثقات
بان أول من أسلم وصلى مع النبي الاقدس أمير المؤمنين (ع) والحفاظ حكموا
بصحة الروايات والأسانيد الوثيقة الناطقة بان عليا أول من أسلم وكذلك
أرباب السير اطبقوا عليه وهو من المسالم عليه كان بين الصحابة الأولين
والتابعين لهم باحسان وكيف يمكن القول بتقديم اسلام غيره والنبي يقول:
أنت أول من آمن بي وأول من صدقني. وقال لفاطمة: زوجك أقدمهم
اسلاما. وهكذا تجد النصوص النبوية المقدسة وكلمات الصحابة عنه في كتاب
الغدير 3 ص 219 - 242. وكذلك الاشعار المروية.
81

أبو بكر بعده بثلاثة أيام. قال سلمان (رض): أول من أسلم علي بن أبي طالب
وقال علي (رض): أول من أسلم من الرجال أبو بكر وأول من صلى القبلة
مع النبي (ص) علي وروى أبو ذر وسلمان (رض) قالا: أخذ رسول الله
صلى الله عليه وآله بيد علي فقال: ألا إن هذا أول من آمن بي وأول من
يصافحني يوم القيامة. وقال سلمان (رض): أول هذه الأمة ورودا على
رسول الله (ص) أولها اسلاما وان علي بن أبي طالب أولنا اسلاما. وعن
أبي قدامة العرني قال: رأيت عليا ضحك ثم قال: اللهم إني لاعترف ان عبد
لك من هذه الأمة عبدك قبل غير نبينا (ص) ثلاث تراق ثم قال: لقد صليت
قبل ان يصلي أحد سبعا. وعن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن
جده قال: صلى النبي (ص) أول يوم الاثنين وصليت خديجة معه آخر يوم
الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء من الغد، صلى مع النبي (ص) مستخفيا من
أبي طالب قبل أن يصلي أحد. وروى جعفر بن محمد عن أبيه قال: أسلم علي
وهو ابن سبع سنين وقبض رسول الله وهو ابن سبع وعشرين وهلك علي
وهو ابن سبع وخمسون سنة.
وروي عن علي (رض) أسلم وهو ابن خمس سنين وقيل ابن عشر
سنين، وقيل ثلاث عشرة، وقيل أربعة عشرة، وقيل ابن خمس عشر سنة
والله أعلم، والصحيح انه أسلم قبل البلوغ كما ورد في شعره حين فاخر
معاوية فقال:
سبقتكم إلى الاسلام طرا غلاما ما بلغت أوان حلمي
في أبيات نذكرها فيما بعد انشاء الله. وعن براء (رض) قال: لما
نزلت وانذر عشيرتك الأقربين جمع رسول الله (ص) بني عبد المطلب وهم
82

يومئذ أربعون رجلا الرجل منهم يأكل المسنة ويشرب العس فامر عليا (رض)
برجل شاة فصنع، وفي رواية فصنع لهم مدا من الطعام ثم قال: لهم أدنوا
بأسم الله فدنا القوم فأكلوا حتى صدروا ثم دنا بعقب من لبن فجرع منه
جرعة ثم قال: أشربوا بأسم الله فشرب القوم حتى رووا فبدرهم أبو لهب
فقال: هذا ما سحركم به الرجل فسكت النبي (ص) يومئذ فلم يتكلم ثم دعاهم
من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم انذرهم وقال: لهم يا بني عبد المطلب
اني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم وانا
النذير لكم من عذاب الله عز وجل والبشير لما لم يجئ به أحد، جئتكم بالدنيا
والآخرة فاسلموا وأطيعوني تهتدوا، وفي رواية فأيكم يبايعني على أن يكون
أخي وصاحبي وولي قال: فلم يقم إليه أحد منهم قال علي: فقمت إليه وكنت
أصغر القوم فقال: أجلس ثم قال ذلك ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه
فيقول لي: أجلس حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي وفي رواية لهم
من يواخيني ويوازرني ويكون ولي وصاحبي ويقضي ديني فسكت القوم
وأعاد ذلك ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي: انا فضرب يده على يده
فقال: أنت فقام القوم وهو يقولون لأبي طالب: اطع ابنك فقد أمر عليك (1)
وعن أبي أيوب الأنصاري (رض) قال قال رسول الله (ص): لقد صلت
الملائكة علي وعلى علي لأننا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا. وعن
سلمة بن كهيل عن حبة العرني قال: رأيت عليا (رض) ضحك على المنبر يوما

(1) أخرجه غير واحد من الأئمة وحفاظ الحديث من الفريقين في
الصحاح والمسانيد كما جاء منظوما في اسلاك الشعر والقريض. كما روي بعدة
طرق تجدها مفصلا في الغدير - 2 ص 278 - 289.
83

لم أره ضحك في يوم ضحكا أكثر منه ثم قال: ذكرت قول أبي طالب: ظهر
علينا أبو طالب ونحن نصلي ببطن نخلة انا ورسول الله (ص) فقال: ماذا
تصنعان يا ابن أخي وما هذا الدين الذي أراك تدين به فدعاه رسول الله (ص)
إلى الإسلام وقال: له أي عم هذا دين الله ودين ملائكته ورسله ودين أبينا
إبراهيم أو كما قال: بعثني الله رسولا إلى العباد وأنت يا عم أحق من بذلت
له النصيحة ودعوته إلى الهدى، فقال: ما بالذي تصنعان بأس أو قال: بالذي
تقولان بأس ولكن والله لا تعلوني أستي ابدا فضحك علي من قول أبيه
تعجبا ثم قال: اللهم لاعترف ان عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير
نبيك (ص) قالها ثلاث مرات ولقد صليت قبل ان يصلي الناس. واتفق المؤرخون
على أن أول من أسلم وآمن خديجة (رض) فالأولى ان يقال ليجمع
بين أقوالهم أو من أسلم من الرجال أبو بكر ومن الصبيان علي (1) ومن
النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة ومن العبيد بلال (رض) قال
أبو هريرة (رض) أو من أسلم من الاحداث علي بن أبي طالب وسأل محمد بن
كعب القرضي (رض) عن أول من أسلم علي أو أبو بكر فقال سبحان الله: علي
أولهما اسلاما وإنما اشتبه على الناس لان عليا اخفى اسلامه من أبي طالب واظهر
أبو بكر اسلامه. وقال عفيف الكندي: كان العباس لي صديقا وكنت انزل
عليه فقدمت مكة ونزلت عليه فبينا انا أنظر إلى الكعبة نصف النهار إذ جاء
رجل شاب فرمى ببصره إلى السماء ثم قام مستقبل الكعبة فلم البث الا يسيرا
حتى جاء غلام فقام على يمينه ثم جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب

(1) إذا ضربنا تلكم النصوص الصادرة عن النبي الاقدس (ص)
وكلمات الصحابة والتابعين لهم باحسان والاشعار المروية عرض الجدار.
84

فركع الغلام والمرأة فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة فسجد الشاب فسجد
الغلام والمرأة فقلت يا عباس: أمر عظيم قال العباس: أمر عظيم أتدري من
هذا الشاب قلت لا قال: هذا محمد بن عبد الله ابن أخي أتدري من هذا
الغلام قلت لا قال: هذا علي بن أبي طالب ابن أخي أتدري من هذه المرأة
قلت لا قال: هذه خديجة بنت خويلد زوجته وإن ابن أخي هذا اخبرني ان
ربه رب السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ولا والله ما على
وجه الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة فكان عفيف يقول:
بعد أن أسلم ورسخ الإسلام ليتني كنت الرابع.
ذكر ما نزل في علي في القرآن من الآيات
وعن البراء (رض) قال قال رسول الله (ص): لعلي يا علي قل: اللهم
اجعل لي عندك عهدا واجعل لي في صدور المؤمنين مودة فأنزل الله: ان
الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا (1) وروى الواحدي
في تفسيره عن عطا عن ابن عباس (رض) إنها نزلت في علي مامن مسلم إلا
ولعلي في قلبه محبة. قال وروي عن علي (رض) أنه قال: أصول الاسلام
ثلاثة لا تنفع واحدة منها دون صاحبتها: الصلاة والزكاة والموالاة قال:
وهذا منتزع من قوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون (2) وذلك أن الله تعالى أثبت
الموالاة بين المؤمنين ثم لم يصفهم الا بإقام الصلاة وايتاء الزكاة فقال: الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون فمن وال عليا فقد والى رسول الله (ص)

(1) سورة مريم 19 وتجد البحث حول مصادره في الغدير 2 ص 55
(2) سورة المائدة 5. يأتي الكلام عنه ص 86.
85

وروي السيدي عن أبي مالك عن ابن عباس (رض) في قوله تعالى: ومن
يقترف حسنة نزد له فيها حسنى قال المودة لآل محمد (1) (ص). وعن ثابت
البناني (رح) في قوله عز وجل: وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم
اهتدى (2) إلى ولاية أهل بيته (ص) وكذا جاء عن أبي جعفر أنه قال:
ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت. وعن عمار بن ياسر (رض) قال: وقف
لعلي بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة التطوع فنزع خاتمه (رض)
وأعطاه السائل فأتى رسول الله (ص) فأعلمه ذلك فنزلت على النبي (ص)
هذه الآية: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون. فقرأها رسول الله (ص) (3).

(1) سورة الشورى 42. وقد مر الايعاز إليه ص 24.
(2) سورة طه 20.
(3) اخرج هذا الحديث ونزول الآية في علي (ع) جمع كثير
من أئمة التفسير والحديث منهم الطبري في تفسيره 6 ص 165. والواحدي
في أسباب النزول ص 148. والرازي في تفسيره 3 ص 431. الخازن في
تفسيره 1 ص 496. الفصول المهمة ص 123. تذكرة خواص الأمة ص 9.
مناقب الخوارزمي ص 178. الرياض النضرة 2 ص 227. الذخاير العقبى
ص 102. البداية والنهاية لابن كثير 7 ص 357. نور الابصار الشبلنجي
ص 77. وغيرهم بعدة طرق صحيحة كما وقد ضمن الآية شعرا حسان بن
ثابت في قوله: من ذا بخاتمه تصدق راكعا وأسرها في نفسه اسرارا
الغدير 2 ص 52 - 55 و ج 3 ص 106 - 111 و 156 - 163.
86

وعن الأعمش عن عبابه الربعي قال: بينما ابن عباس جالس على شفير
زمزم يحدث عن رسول الله (ص) فجعل لا يقول قال رسول الله (ص) الا
قال رجل ملتثم قريب منه قال رسول الله (ص) فقال ابن عباس: سألتك
بالله من أنت فكشف العمامة عن وجهه وقال: يا أيها الناس من عرفني فقد
عرفني ومن لم يعرفني فانا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري سمعت
النبي (ص) بهاتين والا فصمتي ورايته بهاتين والا فعميتا يقول: علي قايد
البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله اما اني صليت مع
رسول الله (ص) يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم
يعطه أحد شيئا وعلي كان راكعا فأومئ بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فاقبل
السائل حتى اخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النبي (ص) فرفع النبي (ص)
رأسه عند ذلك إلى السماء وقال: اللهم ان أخي موسى سأل فقال: رب اشرح
لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقه قولي واجعل لي وزيرا
من أهلي هارون أخي اشدد به ازري وأشركه في أمري. فأنزلت عليه قرانا
ناطقا سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون اليكما بآياتنا، اللهم
وانا محمد نبيك وصفيك اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي
وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري، قال أبو ذر: فوالله ما استتم رسول الله
صلى الله عليه وآله الكلمة حتى نزل عليه جبرئيل (ع) من عند الله فقال
يا محمد: اقرأ قال اقرأ قال اقرأ: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون.
وعن ابن عباس (رض) قال: اقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من
قومه ممن آمن بالنبي (ص) فقالوا يا رسول الله (ص): ان منازلنا بعيدة
87

وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المسجد قومنا لما رأونا أمنا بالله
وبرسوله رفضونا وآلوا على أنفسهم ان لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا
يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبي (ص): إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون. ثم إن
النبي (ص) خرج إلى المسجد وأناس من بين قائم وراكع وجالس فبصر سائل
فقال له النبي (ص): هل أعطاك أحد شيئا قال: نعم خاتم من ذهب (1) فقال
من أعطاك قال: ذلك القائم وأومأ بيده إلى علي فقال النبي (ص): على أي
حال أعطاك قال: أعطاني وهو راكع فكبر النبي (ص) ثم قرأ: ومن يتولى
الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون فانشأ حسان بن
ثابت (رض) يقول:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي * وكل بطئ في الهوى ومسارع
أيذهب مدحي والمحبين ضايعا * وما المدح في جنب الإله بضايع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا * فدتك نفوس القوم يا خير راكع
فأنزل فيك الله خير ولاية * وبينها في محكمات الشرايع (2)
وعن انس بن مالك (رض) قال: قعد العباس بن عبد المطلب (رض)

(1) هذه الجملة لم نجدها في الصحاح والمسانيد ولم نقف على اسناد
روايته حتى نعرف حالها ونحكم فيها بما تقتضيه نظرة التنقيب وإنما يكذبها
الاعتبار وتاريخ حياة علي أمير المؤمنين (ع) وعلى تقدير ثبوتها فإنما كان
ذلك قبل تحريم لبس الذهب على الرجال لا محالة.
(2) في ديوان حسان بن ثابت قبل البيت الأخير قوله:
بخاتمك الميمون يا خير سيد ويا خير شار ثم يا خير بايع
88

وشيبة صاحب البيت يفتخران، فقال العباس: أنا أشرف منك انا عم
رسول الله (ص) ووصي أبيه (1) وساقية الحجيج لي فقال: له شيبة بل أنا
أشرف منك أنا أمين الله على بيته وخازنه أفلا ايتمنك كما ايتمنني وهما في
ذلك متشاجران حتى أشرف عليهما علي بن أبي طالب (ع) فقال له العباس (رض):
أفترضي بحكمه قال: نعم قد رضيت فلما جائهم قال: له العباس ان شيبة
فاخرني وزعم أنه أشرف مني قال: فماذا قلت له يا عماه قال قلت: انا عم
رسول الله (ص) ووصي أبيه وساقي الحجيج انا أشرف فقال: لشيبة ما قلت: يا شيبة
قال قلت: بل انا أشرف منك انا أمين الله وخازنه أفلا أيتمنك كما ايتمني فقال
لهما أجعل لي معكما فخرا قالا نعم قال: فأنا أشرف منكما أنا أول من آمن بالوعد من
ذكور هذه الأمة وهاجر وجاهد فانطلقوا ثلاثتهم إلى رسول الله (ص) فجلسوا
بين يديه وأخبره كل واحد منهم بفخره فما أجابهم رسول الله (ص) بشئ
فنزل الوحي بعد أيام فأرسل النبي (ص) إليهم فأتوه فقرأ عليهم النبي (ص):
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر
وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله إلى اخر العشر (2) وقال مجاهد (رض)
ما كان في القرآن يا أيها الذين آمنوا فان لعلي (رض) سابقة ذلك لأنه سبقهم
إلى الإسلام.
وقال ابن عباس (رض): ما نزل: يا أيها الذين آمنوا الا علي رأسها
وأميرها ولقد عاتب الله أصحاب محمد (ص) في غير آي من القرآن وما ذكر
عليا الا بخير. وعن أبي برزة الأسلمي (رض) قال: سمعت رسول الله (ص)

(1) لعله كما في بعض الروايات: صنو أبيه.
(2) الدر المنثور 3 ص 218. تفسير الشوكاني 2 ص 330.
89

يقرأ إنما أنت منذر ووضع يده على صدر نفسه ثم وضعها على يد علي وهو
يقرأ ولكل قوم هاد. وقال ابن عباس (رض): لما نزلت إنما أنت منذر
قال النبي (ص) انا المنذر وعلي الهادي وبك يا علي يهتدي المهتدون من
بعدي. وعن ابن عباس (رض) في قوله تعالى: أفمن كان على بينة من ربه
رسول الله (ص) ويتلوه شاهد منه (1) علي بن أبي طالب خاصة. وعنه أيضا
في قوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية (2) انها
نزلت في علي (رض) كان معه أربع دراهم فانفق بالليل درهما وبالنهار درهما
وفي السر درهما وفي العلانية درهما. وعنه أيضا في قوله عز وجل: يا أيها الذين
آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة (3) قال فيما روي
الوالبي عنه ان المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله (ص) حتى شقوا عليه
فأنزل الله هذه الآية فلما نزلت كف كثير من الناس عن المسائلة قال المفسرون:
نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجه أحد الا علي بن أبي طالب (رض)
تصدق بدينار.
ونقل الواحدي (رح) بسنده إلى مجاهد عن علي (رض) قال: اية
في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي اية النجوي
كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكلما أردت ان أناجي رسول الله (ص)
قدمت درهما فنسختها الآية: أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقة
الآية. روي أن كلمات التي ناجى بها علي (رض) هي ما نقله الامام
حسام الدين محمد بن عمر بن محمد العليابادي في تفسيره المسمى بكتاب مطالع

(1) سورة هود 17.
(2) سورة البقرة 274.
(3) سورة المجادلة 12.
90

المعاني قال: ان الكلمات التي ناجى علي بها رسول الله (ص) وقدم قبلها
عشر صدقات هي انه سأله أولا ما الوفاء قال: التوحيد شهادة ان لا إله إلا الله
ثم قال: وما الفساد قال: الكفر والشرك بالله عز وجل. ثم قال وما الحق قال:
الإسلام والقرآن والولاية ثم قال: وما الحيلة قال: ترك الحيلة ثم قال: وما
علي قال: طاعة الله ورسوله ثم قال: وكيف ادع الله قال بالصدق واليقين ثم
قال: وماذا أسأل الله قال العافية ثم قال: وماذا أصنع لتجاه نفسي قال: كل
حلالا وقل صدقا ثم قال: وما السرور قال: الجنة ثم قال وما الراحة قال:
لقاء الله فلما فرغ من نجواه نسخ حكم الصدقة.
وعن علي (رض) قال: لما نزلت اية النجوي دعاني رسول الله (ص)
فقال: ما تقول دينار قلت لا يطيقونه قال فكم قلت حبة من شعير فقال:
انك لزهيد فنزلت أشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات قال على (رض)
فبي خفف الله تعالى عن هذه الأمة فلم تنزل في أحد قبلي ولم ينزل في أحد
بعدي. وعن مجاهد (رح) في قوله تعالى: أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو
لاقيه (1) قال نزلت في علي وحمزة كمن متعناه متاع الحياة الدنيا أبو جهل.
وعن أسماء بنت عميس (رض) قالت: سمعت رسول الله (ص) يقرأ
هذه الآية: وان تظاهرا عليه فان الله هو موليه (2) وجبريل وصالح
المؤمنين قال: صالح المؤمنين علي بن أبي طالب (رض) (3). وعن ابن عباس
في قوله تعالى: يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (4) مع

(1) القصص 61.
(2) سورة التحريم 4.
(3) الدر المنثور 6 ص 242 عن ابن مردويه تفسير الشوكاني 5 ص 246.
(4) سورة التوبة 119.
91

علي بن أبي طالب وأصحابه (1) وعن محمد بن سيرين (رح) في قوله
تعالى: وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا (2) انها نزلت في
النبي (ص) وعلي بن أبي طالب (رض) هو ابن عمه وزوج ابنته فاطمة (رض)
فكان نسبا وصهرا. وعن ربيعة ابن ماجد قال: سمعت عليا (رض) يقول: في
نزلت هذه الآية: ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون (3). وروى
عكرمة عن ابن عباس (رض) قال: نزلت هذه الآية: أفمن كان مؤمنا كمن
كان فاسقا لا يستوون (4) في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة. وقال ابن
عباس: (رض) قال الوليد بن عقبة: انا أحد منك سنانا وابسط منك
لسانا واملأ حسرا للكتيبة منك فقال له علي (رض): إنما أنت فاسق فنزلت:
أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون، يعني بالمؤمن علي بن أبي طالب
وبالفاسق الوليد بن عقبة. وعن مكحول عن علي في قوله تعالى: وتعيها
أذن واعية (5) قال قال لي رسول الله (ص): سألت الله ان يجعلها اذنك
ففعل فكان علي (رض) يقول: ما سمعت من نبي الله (ص) كلاما الا وعيته
وحفظته فلم أنسه.
وعن ابن عباس (رض) قال: لما نزلت هذه الآية: ان الذين امنوا
وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية (6) قال: لعلي هو أنت وشيعتك تأتي
يوم القيامة أنت وشيعتك راضين مرضيين ويأتي عدوك غضابا مقحمين فقال
يا رسول الله: ومن عدوي قال من تبرأ منك ولعنك، ثم قال رسول الله (ص)

(1) الدر المنثور 3 ص 291. تفسير الشوكاني 2 395.
(2) سورة الفرقان 54.
(3) سورة الزخرف 57.
(4) سورة السجدة 18.
(5) سورة الحاقة 12.
(6) سورة البينة 7.
92

من قال: رحم الله عليا رحمه الله، وقال علي (رض): فينا نزلت هذه الآية
وفي مبارزتنا يوم بدر: هذا خصمان اختصموا في ربهم إلى قوله الحريق (1)
ونقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي (رح) في تفسيره (2) ان سفيان بن عيينة
(رح) سأل عن قول الله: سأل سائل بعذاب واقع فيمن نزلت فقال: للسائل
سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي عن جعفر بن محمد
عن ابائه عليهم السلام ان رسول الله (ص) لما كان بغدير خم نادى الناس
فاجتمعوا فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه فشاع ذلك وطار
في البلاد فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتى رسول الله (ص) على ناقة
له فنزل بالأبطح عن ناقته وأناخها فقال: يا محمد امرتنا عن الله ان نشهد ان
لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك، وامرتنا ان نصلي خمسا فقبلنا
منك وامرتنا بالزكاة فقبلنا منك، وامرتنا ان نصوم شهرا فقبلنا منك، وامرتنا بالحج فقبلنا منك، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك
تفضله علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا منك أم من الله
فقال النبي (ص): والذي لا إله إلا هو ان هذا من الله، فولى الحارث بن
النعمان وهو يريد راحلته ويقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حق فأمطر علينا
حجارة من السماء أو اتنا بعذاب أليم فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله تعالى
بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وأنزل الله سأل سائل بعذاب واقع
للكافرين ليس له دافع (3).

(1) سورة الحج 19.
(2) أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري صاحب
التفسير الكبير وله كتاب - العرائس في قصص الأنبياء - وهو من الثقات
الذي ينقل عنهم توفي عام 427 وقيل 437.
(3) لقد أصفقت رجالات التفسير والحديث في نزول الآية الكريمة وذهبت إلى صحة
أسانيد الحديث والاخبات إليه وروته في تفاسيرهم وكتبهم كما أن الشعراء باختلاف نحلهم
ومللهم أفرغته في بوتقة النظم منذ عهد متقادم إلى يومنا هذا وقد فصل القول
فيه الحجة الأميني في كتابه الغدير 1 ص 239 - 266.
93

وعن أبي جعفر محمد بن علي (رض) أنه قال: حين قرأ قوله تعالى:
اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم (1) يخبرهم عن
بقية الله تلك العترة. وقال ابن عباس: (رض) في قوله تعالى: سلام على آل
ياسين (2) على آل محمد (ص).
ذكر أخاه النبي (ص) عليا (رض) (3)
روي ابن عمر (رض): ان النبي (ص) أخا بين أصحابه وفضا فضايلهم
ولم يواخ بين علي وبين أحد فجاء علي تدمع عيناه فقال: يا نبي الله مالك لم
تواخ بيني وبين أحد فقال: أنت أخي في الدنيا والآخرة (4). وفي رواية
قال له: يا رسول الله ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت
بأصحابك ما فعلت غيري فإن كان من سخطك علي فلك العتبى والكرامة

(1) سورة إبراهيم: 37.
(2) سورة الصافات: 130
(3) رأى النبي (ص) توثيقا لعري المودة
بين المهاجرين والأنصار ان يوآخي بينهم فكان يختار واحدا من هؤلاء وواحدا
من أولئك ويربطهم برباط الاخوة المعنوية ولما فرغ من الجميع اخى بين
نفسه وبين الامام فاثره على كل حبيب بعيد وقريب. وقد اعترف بصحة الخبر
الأمة جمعاء وجاء مثبتا في الصحاح والمسانيد الغدير 3 ص 112 -.
(4) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 114.
94

فقال النبي (ص): والذي بعثني بالحق نبيا ما اخترتك إلا لنفسي أنت عندي
بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي فقال يا
رسول الله: ما ارث منك قال: ما ورث الأنبياء قبلي قال: وما ورث الأنبياء
قبلك؟ قال: كتاب ربهم وسنة نبيهم وأنت معي في قصري في الجنة مع
ابنتي فاطمة وأنت أخي ورفيقي ثم تلا رسول الله (ص) هذه الآية: إخوانا
على سرر متقابلين (1) الأخلاء في الله ينظر بعظهم إلى بعض، وقال أبو
هريرة (رض): أخا رسول الله (ص) بين المسلمين وقال علي أخي وأنا أخوه
وحسبت أنه قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وعن عمر بن عبد الله
ابن يعلي بن بن مرة عن أبيه عن جده قال: أخا رسول الله (ص) بين المسلمين
وجعل يخلف عليا حتى بقي في اخرهم وليس معه أخ له فقال له علي: آخيت
بين المسلمين وتركتني فقال: إنما تركتك لنفسي أنت أخي وانا أخوك
ثم قال له النبي (ص): ان ذاكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله ولا
يدعيها بعدي الا كاذب مفتر، وقد قال بعض الشعراء في هذا المعنى أبياتا
في وصف أمير المؤمنين علي.
الذي هو بالامتداح حري واختصاصه بكل فضيلة حلي:
ما بعد قول نبي الله أنت أخي من مطلب دونه مطل ولا علل
أثني عليك لدن شافهت حضرته وباتت الكتب لما بانت الرسل
مجددا فيك أمرا لا يختص به سواك كل حديث عنده سمل
لقد أحلك إذ أخاك منزله لا المشتري طامع فيها ولا زحل
جلت صفاتك عن قول يحيط بها حتى استوى ساعي فيها ومنتحل

(1) سورة الحجر: 47.
95

مناقب في أقاصي الأرض قد شهرت فما اعتوى مبطنا في وصفها خجل
ويروي أن عليا (رض) قال: يوما انا عبد الله وأخو رسوله لا يقولها بعدي
الا مفتر على الله أو كاذب (1) وفي رواية لا يقولها بعدي الا كذاب أو مجنون
فقالها رجل فجن وقال رجل آخر مثلها فسلط الله عليه الشيطان
فخنقه فكان يضرب برأسه الجدار حتى مات قال سعد: فرأيت دماغه في
الجدار. ويروي ان رجلا أخر لما سمع عليا (رض) يقول ذلك: فقام فقال:
أنا أقول كما قال هذا: قال زيد بن وهب فضرب به الأرض فجاء قومه
فغشوه ثوبا فقيل لهم: هل كان هذا فيه قبل اليوم قالوا لا. وعن جابر بن
عبد الله الأنصاري (رض) قال: سمعت علي بن أبي طالب (رض) ينشد
ورسول الله (ص) يسمع: انا أخو المصطفى لا شك في نسبي معه ربيت وسبطاه هما ولدي
جدي وجد رسول الله منفرد وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
صدقته وجميع الناس في بهم من الضلالة والاشراك والنكد
فالحمد لله شكرا لا شريك له البر بالعبد والباقي بلا أمد (2)
فقال رسول الله (ص): صدقت يا علي. وعن ابن عباس (رض) ان
عليا كان يقول في حياة رسول الله (ص): ان الله تعالى يقول: أفإن مات

(1) رواها القاضي القضاعي في دستور معالم الحكم والشيخ الطوسي
في أماليه باسناديهما والباغندي في جواهر المطالب عن جابر قال سمعت: وابن
كثير في البداية والنهاية 8 ص 9.
(2) مستدرك الحاكم 3 ص 112. خصايص النسائي ص 18. ذخاير
العقبى ص 60.
96

أو قتل انقلبتم على أعقابكم (1) والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله
والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت والله أني لأخوه ووليه
وابن عمه ووارث علمه ومن أحق به مني. ويروي ان معاوية كتب إلى علي (رض) يفتخر عليه: أما بعد فان أبي كان سيدا في الجاهلية وصرت
ملكا في الاسلام وانا خال المؤمنين وكاتب الوحي وصهر رسول الله (ص)
فقال علي (رض): ايفتخر علي ابن اكلة الأكباد اكتب إليه يا قنبر: ان
لي سيوفا بدرية وسهاما هاشمية قد عرفت مواقع نصالها في أقاربك وعشايرك
يوم بدر ما هي من الظالمين ببعيد ثم أنشد:
محمد النبي أخي وصهري وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يضحي ويمسي يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكني وعرسي منوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها فهل منه لكم سهم كسهمي سبقتكم إلى الاسلام طرا غلاما ما بلغت أوان حلمي (2)
وأوجب لي ولايته عليكم رسول الله يوم غدير خم (3)

(1) سورة آل عمران 144.
(2) في رواية ابن أبي الحديد وابن حجر وابن شهرآشوب: غلاما ما بلغت
أوان حلمي. وفي رواية ابن الشيخ وبعض اخر: صغيرا ما بلغت أوان حلمي.
(3) رواها الحافظ الكندي في (المجتبى) وياقوت الحموي في (معجم
الأدباء) وابن طلحة في مطالب السئول. وسبط ابن الجوزي في تذكرة
خواص الأمة. وابن أبي الحديد في شرح النهج.. الكنجي في المناقب.
وقد بسط القول في تحقيق هذه الأبيات ونسبة صحتها ورواتها الحجة الأميني
في الغدير 2 ص 25.
97

وعن عمران بن حصين (رض) ان رسول الله (ص) قال: علي مني
وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي. وعن علي (رض) قال: اتينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم انا وجعفر وزيد فقلنا: الا تحدثنا عنا فنعلم فقال: لزيد
أنت أخونا ومولانا فخجل ثم قال: لجعفر أشبهت خلقي وخلقي فخجل ورأي
خجل زيد ثم قال لي: أنت مني وأنا منك فخجلت ورأي خجل زيد وجعفر
وروى ابن ماجة القزويني (رح) في سننه عن ابن جنادة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: لا يقضي ديني الا أنا أو علي. وعن الأعمش عن المنهال
عن عبابة عن علي قال قال النبي (ص): علي يقضي ديني، وينجز موعدي
وخير من اخلف بعدي من أهلي. وعن جابر (رض) قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقو لعلي بن أبي طالب قبل موته بثلاثة أيام:
سلام عليك أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهد ركناك
والله خليفتي عليك فلما قبض رسول الله (ص) قال علي: هذا أحد ركني
الذي قال رسول الله (ص): فلما ماتت فاطمة (رض) قال علي: هذا ركني
الثاني الذي قال رسول الله (ص).
ذكر محبة الله ورسوله لعلي ومحبته لهما
روى البخاري (رح) بسنده إلى سهل بن سعد (رض) ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على
يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله (1) قال: فبات الناس يدوكون

(1) أسد الغابة 4 ص 28. تاريخ الخلفاء للسيوطي 114. عن الشيخين
قال: حدثنا أبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أبي العلاء الواسطي وأبو
عبد الله الحسين بن أبي صالح بن قنا خسرو الديلمي التكريتي باسنادهم إلى
محمد بن إسماعيل حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم
قال اخبرني سهل بن سعد - الخ -.
98

ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله (ص) كلهم يرجوا ان
يعطاها فقال: أين علي بن أبي طالب قالوا: هو يا رسول الله يشكوا عينيه
قال: فأرسلوا إليه فاتي به فبصق رسول الله (ص) في عينيه ودعا له فبرأ حتى
كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى
يكونوا مثلنا فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم أدعهم إلى الإسلام
وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا
خير لك من أن يكون لك حمر النعم. قال الأمام محي السنة البغوي (رح)
هذا حديث صحيح متفق على صحته أخرجه مسلم (1) أيضا عن قتيبة بن
سعيد. قوله يدوكون أي يخوضون يقال الناس في دوكة أي في اختلاط
وخوض واصله من الدوك. وهو السحق ويسمى صلابة الطيب مداكا يسميها
للامر فيه ممن دق شيئا ليستخرج لبه ويعلم باطنه وأراد بحمر النعم حمر الإبل
وهي أعزها وأنفسها يريد لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك اجرا
وثوابا من حمر النعم فتتصدق بها والله أعلم.
وعن ابن عمر (رض) قال: أتى رجل من الأنصار إلى النبي (ص)
فقال: ان اليهود قتلوا أخي فقال: لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله
ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فيمكنك من قاتل أخيك
فاستشرف لها أبو بكر وعمر أصحاب رسول الله (ص) فبعث إلى علي (رض)

(1) هذا الحديث يوجد في الصحاح والمسانيد وقد ذكر سيدنا
الحجة الوالد في مسند المناقب من الغدير طبقات رواته وهم ثلاثمائة نسمة.
99

فعقد له اللواء فقال يا رسول الله: اني أرمد فتفل في عينيه قال على: فما رمدت
بعد يومئذ (1). قال العوام: فحدثني خيله بن سحيم أو حبيب بن ثابت
عن ابن عمر قال: فمضى علي لذلك الوجه فما تتام اخرنا حتى فتح علي أولنا
قال: فأخذ علي قاتل الأنصاري فدفعه إلى أخيه فقتله. وعن عبد الله بن
بريدة عن أبيه قال: قيل له من أحب الناس إلى رسول الله (ص) قال: علي
ابن أبي طالب. وعن سويد بن غفلة قال: لقينا علي بن أبي طالب وهو في
ثوبين في شدة البرد فقلنا: له لا نغتر بأرضنا فإنها ارض مقره وليست مثل
ارضك قال: أما اني قد كنت فلما بعثني رسول الله (ص) إلى خيبر قلت
له: اني كما ترى لا دفأ لي واني لأرمد فتفل في عيني ودعا لي فما وجدت
بردا ولا رمدت عيناي. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: كان
علي يلبس ثياب الشتاء في الصيف وثياب الصيف في الشتاء فقيل لأبي ليلى:
لو سألته عن هذا فسأله فقال إن رسول الله (ص): بعث إلي وكنت أرمد
يوم خيبر فقلت يا رسول الله: اني أرمد العين ولا دفأ لي فتفل في عيني وقال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد فما وجدت حرا ولا بردا من يومئذ.
وعن علي (رض) انه هو وفاطمة وحسن وحسين قال: كل انسان
منهم انا أحب إلى رسول الله (ص) فأتوا نبي الله (ص) على ذلك فسمع
ما يقولون فاخذ فاطمة فاحتضنها إليه وأخذ حسنا وحسينا فجعل أحدهما عن
يمينه والاخر عن شماله وأخذ عليا ثم ضمهم إليه وقال إنهم مني وانا منهم،
وعن أم عطية ان رسول الله (ص) بعث عليا في سرية فسمعته يقول: اللهم
لا تمتني حتى تريني عليا (2). وعن أنس (رض) قال: أهدي إلى النبي طير

(1) صحيح مسلم 7 ص 122.
(2) الخصايص الكبرى 2 ص 106.
100

يسمى الحجل وفي رواية ما أراه الا حبارا فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك
إليك يأكل معي فجاء علي فحجبته رجاء أن تكون الدعوة لرجل من قومي
وفي رواية قال قلت: ان شئت يا رب جعلته رجلا من الأنصار فقال
رسول الله (ص): لست بأول من أحب قومه ثم جاء علي الثانية فحجبته وجاء علي
الثالثة فحجبته، ثم جاء علي الرابعة فاذنت له فدخل فلما رآه النبي (ص) قال: اللهم إني
أحبه فاحبه فاكل معه من ذلك الطير، وفي رواية أنه قال: ما حبسك رحمك الله
قال هذه اخر ثلاث مرات كل ذلك يقول أنس: انك مشغول على حاجة
فقال يا أنس. ما حملك على ذلك قال: سمعت دعوتك فأحببت أن تكون لرجل
من قومي، فقال النبي (ص): لا يلام الرجل على حب قومه. وروى أنس
أيضا قال: أهدي لرسول الله (ص) طير فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك
إليك وفي رواية برجل يحبه الله ورسوله قال أنس: فجاء علي فقرع الباب
فقلت ان رسول الله (ص): مشغول وكنت أحب ان يكون لرجل من
الأنصار ثم اتى علي فقرع الباب فقلت ان رسول الله (ص): مشغول ثم اتى
الثالثة فقال رسول الله (ص): ادخله فقد عينته فلما اقبل قال: اللهم والي.
وعنه أيضا قال أهدي لرسول الله (ص): طير نظيج فأعجبه فقال النبي (ص)
اللهم ائتني بأحب الخلق إليك والي يأكل معي من هذا الطير فجاء علي
فاكل معه (1). وعن ابن عباس (رض) قال إن النبي (ص): نظر إلى علي
ابن أبي طالب فقال: أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة من أحبك فقد
أحبني وحبيبك حبيب الله ومن أبغضك فقد أبغضني وبغيضك بغيض الله

(1) روي هذا الحديث بعدة طرق وتجده في خصايص النسائي ص
5. مصابيح السنة للبغوي 2 ص 275. صحيح الترمذي 13 ص 170.
101

والويل لمن أبغضك.
وروي عمار بن ياسر (رض) ان النبي (ص) قال لعلي: يا علي طوبى
لمن أحبك وصدق فيك وويل لمن أبغضك وكذب فيك (1). وروى مسلم
في الصحيح ان عليا (رض) قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي
الأمي إلي انه لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق (2). وعن أبي سعيد
الخدري (رض) قال ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (ص) الا
ببغضهم عليا (3). وعن الحارث الهمداني قال جاء علي (رض) حتى صعد
المنبر: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال قضاء قضاه الله على لسان نبيكم (ص)
النبي الأمي لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق وقد خاب من افترى.
ويروى ان امرأة من الأنصار قالت لعائشة (رض) أي أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله أحب إلى رسول الله (ص) قالت علي بن أبي طالب.
وعن جميع بن عمير قال دخلت على عايشة فسألتها من كان أحب الناس إلى
رسول الله (ص) قالت فاطمة قلت لست أسألك عن الرجال فقالت زوجها.
وقال عمار بن ياسر (رض) يوم صفين سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي
ان الله قد زينك بزينة هي أحب إليه، منها الزهد في

(1) تاريخ الخطيب البغدادي 9 ص 72 عن ابن عرفه. وتاريخ ابن
كثير 7 ص 355. ومجمع الزوائد 9 ص 118.
(2) أسد الغابة 4 ص 30. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 115. الدر
المنثور 6 ص 66 عن ابن مردويه.
(3) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 115.
102

الدنيا وحبك للمساكين فجعلك ترضى بهم اتباعا ويرضون بك إماما (1)
فطوبى لمن أحبك وصدق فيك وويل لمن أبغضك وكذب عليك فأما من
أحبك وصدق فيك فهم رفقاؤك في الجنة ومجاوروك في دارك، وأما من
أبغضك وكذب عليك فإنه حق على الله ان يوقفه يوم القيامة موقف
الكذابين (2) ويروى ان علي بن الحسين (رض) جاءه قوم من أصحاب
رسول الله (ص) يعودونه في علته فقالوا: كيف أصبحت يا بن رسول الله
فدتك أنفسنا قال: في عافية والله محمود كيف أصبحتم جميعا قالوا: أصبحنا
والله لك يا بن رسول الله (ص) محبين وأدين فقال لهم: من أحبنا لله اسكنه
الله في ظل ظليل يوم لا ظل الا ظله ومن أحبنا يريد مكافأتنا كافأه الله عنا
الجنة ومن أحبنا لعوض دنيانا أتاه الله رزقه من حيث لا يحتسب (3).
ويروي ان النبي (ص) قال لعلي بن أبي طالب: يا علي كذب من زعم أنه
يحبني ويبغضك يا علي من أحبك فقد أحبني ومن أحبني أحبه الله أدخله
الجنة ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله ومن أبغضه الله
أدخله النار.
وروي ان النبي (ص) قال: له الويل لمن أبغضك بعدي، وسأل

(1) حلية الأولياء 1 ص 71. مجمع الزوايد 9 ص 121. ذخاير
العقبى ص 100.
(2) مجمع الزوايد 9 ص 132. أسد الغابة 4 ص 23. وفي الرياض
النضرة: 2 ص 229 عن أبي الخير الحاكمي مع تغيير يسير في الألفاظ.
(3) وسيلة المآل بسنده إلى الامام السبط الشهيد ولعل في اسناده إلى
الإمام علي بن الحسين اشتباه.
103

رجل ابن عمر (رض) فقال له: اخبرني عن علي بن أبي طالب فقال له: إذا
أردت ان تسأل عن علي بن أبي طالب فانظر إلى منزله من رسول الله
صلى الله عليه وآله هذا منزله وهذا منزل رسول الله كمنزله بينه من بيته في القرب قال:
فاني أبغضه قال: أبغضك الله. وروى الامام الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي
بسنده إلى علي (رض) ان النبي (ص) قال: له فيك مثل من مثل عيسى
أبغضته اليهود حتى اتهموا أمه وأحبته النصارى حتى أنزاوه بالمنزلة التي
ليست له (1) ثم قال علي (رض): يهلك في رجلان محب مفرط يقرظني بما
ليس في ومبغض يحمله شناني على أن ينهتني. وفي رواية يهلك في رجلان
محب مفرط وعدو مبغض وزاد في رواية الا واني لست بنبي يوحى إلي
ولكني اعمل بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه (ص) فيما استطعت فما امركم
من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فما أحببتم أو كرهتم، وما أمرتكم بمعصية الله
انا أو غيري فلا طاعة لاحد في معصية الله إنما الطاعة في المعروف (2). وعن
عثمان بن المغيرة قال: كنت جالسا عند علي بن أبي طالب (رض) فجاءه قوم فقالوا: أنت هو قال: ومن انا فقالوا أنت هو قال: ومن أنا قالوا:
أنت ربنا فاستتابهم فأبوا فضرب أعناقهم ودعا بحطب ونار فأحرقهم وجعل

(1) خصايص النسائي ص 27. مستدرك الحاكم 3 ص 123. أسنى
المطالب ص 13.
(2) مجمع الزوايد 9 ص 133. عن الحاكم والبزار وأبي يعلى. تاريخ
السيوطي ص 116 تاريخ ابن كثير 7 ص 355. ذخاير العقبى ص 92.
الاستيعاب 2 ص 461.
104

يرتجز إني إذا رأيت أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا (1)
ذكر ما لمنتقصه ومبغضه وسابه من الوعيد والخزي والنكال الشديد
روى أرطأة بن حبيب قال: حدثني أبو خالد الواسطي وهو اخذ
بشعره قال: حدثني زيد بن خالد وهو اخذ بشعره قال: حدثني الحسين بن
علي وهو اخذ بشعره قال: حدثني علي بن أبي طالب وهو اخذ بشعره
قال: حدثني رسول الله (ص) وهو اخذ بشعره قال: من اذى شعرة منك
فقد آذاني ومن اذاني فقد أذى الله واذى الله فعليه لعنة الله قال الله: ان
الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم (2)
وروي عن ابن عباس (رض) انه مر على مجلس من مجالس قريش بعدما كف
بصره وبعض أولاده يقوده فسمعهم يسبون عليا (رض) فقال: لقائده
ما سمعتهم يا بني يقولون قال: سبوا عليا (رض) قال: ردني إليهم فرده فلما
وقف به عليهم قال: أيكم الساب لله عز وجل قالوا: سبحان الله من سب الله
فقد كفر قال: فأيكم الساب رسول الله (ص) قالوا: سبحان الله ومن سب
رسول الله (ص) فقد كفر قال: فأيكم الساب علي بن أبي طالب قالوا:
أما هذا فقد كان قال: فأنا أشهد بالله اني سمعت رسول الله (ص) يقول:
من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله عز وجل ومن سب الله

(1) ذخاير العقبى لمحب الدين الطبري ص 93 نقلا عن الذهبي،
وفي رواية:
لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا
(2) سورة الأحزاب 57.
105

أكبه الله على منخريه في النار ثم ولى عنهم فقال: لولده ما سمعتهم يقولون
فقال: ما قالوا شيئا قال: فكيف رأيت وجوههم حين قلت لهم ما قلت قال:
نظروا إليك بأعين محمرة نظر التيوس إلى شفار الجازر
فقال له زدني فداك أبوك فقال: خزر العيون نواكس أبصارهم نظر الذليل إلى العزيز القاهر
قال زدني فداك أبوك قال: ما عندي مزيد فقال لكن عندي:
أحياؤهم عار على أمواتهم والميتون فضيحة للغابر (1)
وروى أبو سعيد الخدري (رض): قال قال رسول الله (ص): والذي
نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد الا ادخله الله النار (2). وعن صدي
قال: بينا انا العب وانا غلام بالمدينة عند أحجار الزيت (3) إذ أقبل رجل
راكب على بعير فوقف يسب عليا (رض) فحف به الناس ينظرون إليه فبينا
هو كذلك إذ طلع سعد بن مالك فقال: ما هذا قالوا: يشتم عليا فقال:
اللهم إن كان كاذبا فخذه وفي رواية: اللهم إن كان يسب عبدا صالحا فأر

(1) رواه المسعودي في مروج الذهب ج 2 ص 48. والكنجي في
كفاية الطالب ص 27 مع اختلاف يسير في عبارة الحديث والأبيات
والشبلنجي في نور الابصار ص 110.
(2) مستدرك الحاكم 3 ص 15. و ج 4 ص 352 بلفظ: الا أكبه
الله في النار.
(3) أحجار الزيت: موضع بالمدينة قريب من الزوراء.. وهو
موضع صلاة الاستسقاء.. وقال العمراني أحجار الزيت موضع
بالمدينة داخلها.
106

المسلمين خزيه فما لبث ان تعثر به بعيره فسقط واندقت عنقه وخبطه بعيره
فكسره وقتله. وعن عبد العزيز بن أبي حامد عن أبيه أن رجلا جاء إلى
سهل بن سعد (رض) فقال: له هذا فلان أمير من أمراء المدينة يدعوك
غدا لسب علي على المنبر قال: ماذا أقول قال تقول له: أبو تراب قال: فضحك
سهل وقال: والله ما سماه الا رسول الله (ص) والله ما كان له أسم أحب إليه
منه، قال أبو حاذم: فاستطعمت الحديث سهلا فقلت يا أبا العباس: كيف
كان ذلك قال دخل علي على فاطمة (رض) ثم خرج فاضطجع في المسجد فخرج
رسول الله (ص) فوجد رداءه قد سقط عن ظهره فجعل النبي (ص) يمسح
التراب عن ظهره ويقول: أجلس يا أبا تراب قال عمار (رض):
فكان ذلك أحب كناه إليه (1)
وروى الترمذي بسنده إلى عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد
ان بعض الامراء قال له: ما منعك ان تسب (أبا تراب) قال: أما ما ذكرت
ثلاثة قالهن رسول الله (ص) فلن أسبه لتكون لي واحدة منهن أحب
إلى من حمر النعم سمعت رسول الله (ص) يقول: لعلي وخلفه في بعض
مغازيه فقال: يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله (ص)
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي
وسمعته يقول: يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه
الله ورسوله فتطاولنا لها فقال: أدعو لي عليا فأتاه وهو أرمد فبصق في

(1) صحيح مسلم 7 ص 124. تاريخ ابن كثير 7 ص 339 عن أحمد
ومسلم والترمذي. الإصابة 2 ص 509 قال: أخرجه الترمذي بسند
قوي. صحيح الترمذي 13 ص 171. نور الابصار ص 57.
107

عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله على يديه وأنزلت هذه الآية: فقل تعالوا
ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل
لعنة الله على الكاذبين (1) فدعا رسول الله (ص) عليا وفاطمة والحسن والحسين
رضي الله عنهم وقال: اللهم هؤلاء أهلي. وروى علي بن طلحة مولى بني أمية
قال: حج معاوية ومعه معاوية بن خديج وكان من أسب الناس لعلي بن
أبي طالب (رض) فمر بالمدينة والحسن بن علي جالس فقيل له هذا معاوية
ابن خديج الساب لعلي فقال: علي بالرجل فأتاه فقال له الحسن: أنت معاوية
ابن خديج قال: نعم قال: أنت الساب لعلي فكأنه استحي فقال له الحسن أم
والله لئن وردت عليه الحوض وما أراك ترده لتجدنه مشمر الأزار على ساق
يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل قول الصادق المصدوق وقد خاب
من افترى (2).
ذكر جامع مناقبه (رض)
روى أنس (رض) قال قال رسول الله (ص): الجنة تشتاق إلى
ثلاثة: علي وعمار وسلمان. وروى البزار بسنده إلى مصعب بن سعد عن
أبيه ان النبي (ص) قال: سدوا كل خوخة في المسجد الا خوخة علي، قال
البزار: تفرد به معلى بن شعبة وهذه فضيلة ثناؤها على منابر الألسنة تتلى
ومنقبة على مرور الأزمنة لا تبلى.

(1) سورة آل عمران 61.
(2) وهناك أحاديث جمة صادرة عن النبي الاقدس في شأن من أبغضه
ومن سبه فقد سبه (ص) ومن أحبه وتولاه وعاداه واطاعه وعصاه بأسانيد
صحيحة تجدها في الغدير (مسند المناقب ومرسلها).
108

وروى الامام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (رح) بسنده
إلى البراء بن عازب (رض) قال: اقبلنا مع النبي (ص) في حجة الوداع
حتى إذا كنا (بغدير خم) يوم الخميس ثامن عشر من ذي الحجة فنودي
فينا الصلاة جامعة وكسح للنبي (ص) تحت شجرتين فأخذ النبي (ص) بيد
علي ثم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا: بلى قال: الست أولى
بكل مؤمن من نفسه قالوا: بلى قال: أليس أزواجي أمهاتكم فقالوا: بلى
فقال رسول الله (ص): اللهم والي من والاه وعاد من عاداه فلقيه عمر بن
الخطاب (رض) بعد ذلك فقال له: هنيئا يا أبن أبي طالب أصبحت
وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. هذه إحدى رواياته وفي رواية له قال:
من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم أعنه وأعن به وارحمه وأرحم به وانصره
وأنتصر به اللهم والي من والاه وعاد من عاداه (1). قال الإمام أبو الحسن
الواحدي. (رح): هذه الولاية التي أثبتها النبي (ص) لعلي (رض) مسؤول
عنها يوم القيامة. وروي في قوله تعالى: وقفوهم أنهم مسؤولون (2) اي
عن ولاية علي (رض) والمعنى انهم يسألون هل والوه حق الموالاة كما أوصاهم
النبي (ص) أم أضاعوها واهملوها، ولم يكن لعد من العلماء المجتهدين والأئمة
المحدثين الا وله في ولاية أهل البيت (ع) الحظ الوافر والفخر الزاهر كما أمر
الله عز وجل بذلك في قوله: قل لا أسألكم عليه اجرا الا المودة في

(1) روى قصة الغدير جماعة من الصحابة والتابعين والعلماء في القرون
المتتابعة بأسانيد معتبرة من الحفاظ الاثبات وأيدتها الحجج المكينة رغم
المشادة التي قامت حولها وتجد تواترها في كتاب الغدير 1 ص 14 - 151.
(2) سورة الصافات 24.
109

القربى (1) وتجده في التدين معولا عليهم متمسكا بولايتهم منتميا إليهم فقد
كان الامام الأعظم أبو حنيفة (2) (رح) من المتمسكين بولايتهم والمتنسكين
بودادهم وكان يتقرب بالانفاق على المستورين منهم والظاهرين حتى نقل انه
بعث إلى المستتر منهم في زمانه اثنى عشر ألف درهم دفعة واحدة لا كرامة
وكان يأمر أصحابه برعاية أحوالهم وتحقيق آمالهم والاقتفاء لاثارهم
والاهتداء بنورهم. والامام المعظم القرشي المكرم أبو عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي المطلبي (3) (رح) صرح بأنه من شيعة أهل البيت حتى قيل فيه
كيت وكيت فقال مجيبا عن ذلك:
إذا نحن فضلنا عليا فإننا روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل
وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته رميت بنصب عند ذكري للفضل
فلا زلت ذا رفض ونصب وكلاهما بحبهما حتى أوسد في الرمل (4)

(1) سورة الشورى 23، وقد مر الايعاز إليه ص 24.
(2) النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه امام المذهب الحنفي الكوفي
مولى تيم الله بن ثعلبة ولد في الكوفة سنة ثمانين للهجرة وقيل سنة إحدى
وستين وتفقه وتعلم بالكوفة وبها أسس مذهبه، ومهر في الفقه واشتهر في
العراق وقد نقله أبو جعفر المنصور إلى بغداد فمكث بها إلى توفي عام 150.
(3) هو أمام المذهب الشافعي ولد بغزة سنة 150 وتوفي بمصر عام
204 درس وتعلم القرآن واللغة والشعر وفنون الأدب والحديث والفقه بمكة
ثم سافر إلى بلاد فارس والعراق وكثير من البلاد ثم عاد إلى مصر وتوفي بها.
(4) نور الأبصار للشبلنجي ص 115 نقلا عن ابن الصباغ في
الفصول المهمة.
110

وقال أيضا:
قال لي ترفضت قلت كلا ما الرفض ديني ولا إعتقادي
لكن توليت غير شك خير امام وخير هادي
إن كان حب الولي رفضا فأنني أرفض العباد (1)
ونقل الربيع بن سليمان (رح) ان الشافعي (رض) قيل له: ان ناسا
لا يصبرون على سماع منقبة أو فضيلة لأهل البيت فإذا رأوا واحدا منا يذكرها
يقولون: هذا رافضي ويأخذون في كلام آخر فأنشأ الشافعي (رض) يقول:
إذا في مجلس ذكروا عليا وسبطيه وفاطمة الزكية
فأجرى بعضهم ذكرى سواهم فأيقن أنه لسلقلقية (2)
إذا ذكروا عليا أو بنيه تشاغل بالروايات العلية
وقال: تجاوزوا يا قوم هذا فهذا من حديث الرافضية
برأت إلى المهيمن من أناس يرون الرفض حب الفاطمية
على آل الرسول صلاة ربي ولعنته لتلك الجاهلية (3)
وقال أيضا:
يا راكبا قف بالمحصب من منى وأهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى فيضا كملتطم الفرات الفايض
إن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان اني رافضي (4)

(1) المصدر السابق الذكر.
(2) السلقلق: هي التي تحيض من دبرها.
(3) مسند المناقل ومرسلها: نقلا عن النجار صاحب الاشراف وغيره
(4) مسند المناقب ومرسلها: نقلا عن ابن عساكر والفخر الرازي
واسعاف الراغبين على هامش نور الابصار ص 118، الصواعق ص 79.
111

وعن يزيد بن عمرو بن مورق قال: كنت بالشام وعمر بن عبد العزيز (رح)
يعطي الناس العطايا فتقدمت إليه فقال: ممن أنت قلت: من قريش قال: من
من أي قريش قلت: من بني هاشم فقال: من أي بني هاشم قلت: مولى
علي قال من علي فسكت، فوضع يده على صدره وقال: أنا والله مولى علي
ابن أبي طالب ثم قال: حدثني عدة انهم سمعوا رسول الله (ص) يقول:
من كنت مولاه فعلي مولاه ثم قال: يا مزاحم كم تعطي أمثاله قال مائة
وما بقي درهم قال: أعطه خمسين دينارا لولاية علي بن أبي طالب ثم قال لي:
الحق ببلدك فيأتيك مثل ما يأتي نظراك. وعن علي (رض) قال: عممني
رسول الله (ص) يوم (غدير خم) بعمامة فسدل نمرقها على منكبي وقال: ان
الله أمدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمين هذه العمامة. وعن جعفر بن محمد
عن أبيه عن جده ان رسول الله (ص) عمم علي بن أبي طالب عمامته السحابة
وأرخاها من بين يديه ومن خلفه ثم قال: اقبل فأقبل ثم قال: أدبر فأدبر فقال:
هكذا جائتني الملائكة (1) ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والي
من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله قال حسا بن
ثابت: يا رسول الله ائذن لي ان أقول أبياتا تسمعها فقال: قل على بركة الله
فقام حسان فقال: يا معشر قريش اسمعوا قولي بشهادة من رسول الله (ص)
ثم أنشأ يقول:
يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم وأسمع بالرسول مناديا
فقال: فمن مولاكم ونبيكم فقالوا: ولم يبدوا هناك التعاميا

(1) وجاء الحديث بأسانيد عدة رجالها من الحفاظ الاثبات تجده في
الغدير تحت عنوان (التتويج يوم الغدير) 1 ص 290.
112

إلهك مولانا وأنت ولينا ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا
هناك دعا اللهم والي وليه وكن للذي عادى عليا معاديا
فقال له: قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي وليا وهاديا (1)
فضيلة أخرى اعترف بها الأصحاب وانتهجوا وسلكوا طريق الرفاق
وابتهجوا. عن ابن عباس (رض) ان رسول الله (ص) قال: انا مدينة: العلم وعلي بابها فمن أراد بابها فليأت عليا (2) وعن علي (رض) قال: علمني
رسول الله (ص) ألف باب كل باب يفتح لي ألف باب. فضيلة أخرى عن
حذيفة (رض) قال قال: رسول الله (ص) إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ
إبراهيم خليلا فقصري وقصر إبراهيم في الجنة متقابلين وقصر علي بن أبي
طالب بين قصري وقصر إبراهيم فياله حبيب بين خليلين. وروي ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال لعلي (رض): يا علي أعطيت ثلاثا لم أعطهن فقال
يا رسول الله: وما أعطيت قال: أعطيت صهرا مثلي، وأعطيت مثل زوجتك
فاطمة ولم أعطها، وأعطيت مثل الحسن والحسين. وفي رواية أوتيت ثلاثا لم

(1) الغدير 2 ص 34 - 65.
(2) اخرج هذا الحديث جمع كثير من الحفاظ وأئمة الحديث يربوا
عددهم إلى 143 كما نص غير واحد منهم على صحة الحديث ووثوقه من حيث
السند والرواية كما في الغدير 6 ص 61 - 81. وقد نضمه الكثيرون من
الشعراء ومنهم شمس الدين المالكي بقوله:
وقال رسول الله اني مدينة من العلم وهو الباب والباب فاقصد
والحافظ ابن فهد المكي الشافعي بقوله:
صهر الرسول أخوه باب علومه اقضي الصحابة والشمائل والشيم
113

يؤتهن أحد ولا أنا، أتيت صهرا مثلي ولم أوت انا مثلي وأوتيت صديقة
مثل بنتي ولم أوت مثلها زوجة وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت
من صلبي مثلهما ولكنكم مني وانا منكم. وروى الإمام أبو القاسم سليمان
ابن أحمد الطبراني (رح) بسنده إلى عبد الله بن حكيم الجهني قال قال
رسول الله (ص): ان الله تبارك وتعالى أوحى إلي في علي ثلاثة أشياء
ليلة أسري بي انه سيد المؤمنين وامام المتقين، وقائد الغر المحجلين (1) قال
الطبراني: لم يروه عن هلال الا عيسى بن سوادة تفرد به مجاشع بن عمرو.
وروى الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني بسنده إلى انس بن
مالك (رض) قال بعث النبي (ص): إلى أبي برزة الأسلمي قال له: وأنا
اسمع يا ابا برزة ان رب العالمين عهد إلي عهدا في علي بن أبي طالب فقال: انه
راية الهدى ومنار الايمان وامام أولياي ونور جميع من أطاعني، يا أبا برزة
راية الهدى ومنار الايمان وامام أولياي ونور جميع من أطاعني، يا أبا برزة
علي بن أبي طالب امين غدا في القيامة على مفاتيح خزائن ربي وصاحب
رايتي في القيامة. وعن أبي برزة (رض) قال قال رسول (ص): ان الله
عهد إلي عهدا في علي بن أبي طالب فقلت رب بينه لي: فقال: أسمع فقلت
سمعت قال: ان عليا راية الهدى وامام أوليائي ونور من أطاعني وهو الكلمة
التي ألزمتها المتقين، ومن أحبه أحبني ومن أبغضه أبغضني فبشره بذلك فجاء
علي وبشرته، فقال يا رسول الله: انا عبد الله وفي قبضته فان يعذبني فبذنبي
وان يتم الذي بشرتني به فالله أولى به قال قلت: اللهم اجل قلبه، واجعل
ربيعه الايمان قال الله عز وجل: قد فعلت به ذلك ثم إنه دفع إلى أنه سيخصه
من البلاء بشئ لم يخص به أحد من أصحابي فقلت: يا رب أخي وصاحبي قال

(1) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني 1 ص 67.
114

ان هذا شئ قد سبق انه مبتلى ومبتلي به (1).
وروي الحافظ أبو نعيم الأصفهاني بسنده إلى الشعبي قال قال
علي: (رض) قال رسول الله (ص): مرحبا بسيد المسلمين وامام المتقين
فقيل: لعلي فأي شئ كان من شكرك قال: حمدت الله عز وجل ما اتاني
وسألته الشكر على ما أولاني وان يزيدني مما أعطاني. وروي الحاكم أبو عبد الله
محمد بن عبد الله بن البيع النيسابوري (رح) بسنده إلى أبي سعيد قال:
سمعت رسول الله (ص) يقول: ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما
قاتلت على تنزيله قال: أبو بكر انا هو يا رسول الله (ص) قال: لا قال عمر:
هو انا يا رسول الله قال: لا ولكن خاصف النعل (2) قال وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم: اعطى عليا نعله يخصفها، قال الحاكم: هذا اسناد صحيح
قد احتج به البخاري ومسلم (رح) في الصحيح. وفي رواية قال
أبو سعيد: كنا نمشي مع رسول الله (ص) فانقطع شسع نعله فتناولها علي
يصلحها ثم مشى فقال: يا أيها الناس ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما
قاتلت على تنزيله قال أبو بكر: انا هو يا رسول الله قال لا: قال أبو سعيد:
فخرجت فبشرته بما قال رسول الله (ص) فلم يكترث به فرحا كأنه سمعه وقد
صدق الله تعالى رسوله (ص) فيما أخبر به. روى عبد الله بن أبي رافع
مولى رسول الله (ص) قال: كنت مع علي بن أبي طالب حين خرجت عليه

(1) الرياض النضرة لمحب الدين الطبري 2 ص 177. الإصابة لابن
حجر 2 ص 274.
(2) خصايص النسائي ص 40. حلية الأولياء لأبي نعيم 1 ص 67
وجمع كثير من الحفاظ الثقات.
115

احرورية وكفروه إذ رضي بالتحكيم بينه وبين أهل الشام وقالوا: لا حكم
الا لله فقال علي (رض): كلمة حق أريد بها الباطل وقال: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وصف ناسا اني لأعرف صفتهم من هؤلاء يقولون: الحق
بألسنتهم لا يتجاوز هذا منهم وأشار إلى حلقه من أبغض خلق الله إليه فيهم
أسود أحدى يديه حلمة ثدي فقاتلهم حين أبو ان يرجعوا عن قولهم فلما
قتلهم قال: انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا، قال أرجعوا فوالله ما كذبت
ولا كذبت مرتين أو ثلاثا ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه
قال: عبد الله وأنا حاضر ذلك في أمرهم وقول علي فيهم.
قال الحاكم أبو عبد الله: رواه مسلم في الصحيح بمعناه. وعن زيد
ابن وهب الجهني (رض) انه كان في الجيش الذي كان مع علي بن أبي طالب
حين سار إلى الخوارج فقال علي: يا أيها الناس سمعت رسول الله (ص) يقول
يخرج قوم من أمتي يقرؤن القرآن ليس قرآنكم إلى قرآنهم بشئ، ولا
صلاتكم إلى صلاتهم بشئ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشئ، يقرؤن
القرآن يحسبون انه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من
الدين كما يمرق السهم من الرمية لو يعلم الجيش الذي يصيبونهم ما قضى الله
لهم على لسان نبيهم (ص) لنكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد
وليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض (1) تذهبون
إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم،
والله اني لأرجو ان يكون هؤلاء القوم فأنهم سفكوا الدم الحرام وأغاروا
على سرح أناس فسيروا على اسم الله، قال سلمة بن كهيل: فنزلت انا وزيد

(1) مستدرك الحاكم 4 ص 532. أسد الغابة 2 ص 139.
116

ابن وهب منزلا حتى (1) وقال: مر الناس على قنطرة ثم رحنا معهم فلما
التقينا مع الخوارج وكان عليهم يومئذ عبد الله بن وهب الراسي فقال لنا
علي: ألقوا الرماح وسلوا سيوفكم من جفوتها فاني أخاف عليكم ان يناشدوكم
كما ناشدوكم يوم حرورا فترجعوا فوحشوا برماحهم وسلوا السيوف وحملوا
عليهم فقتل بعضهم على بعض وشجرهم الناس برماحهم وما أصيب من الناس
يومئذ الا رجلان فقال علي (رض): التمسوا فيهم المخدج فالتمسوه فلم يجدوه
فقام علي بنفسه يطلبه حتى أتى أناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال: أخروهم
فأخروهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر علي (رض) وقال: صدق الله وبلغ
رسوله فقام إليه عبيدة السلماني فقال يا أمير المؤمنين: الله الذي لا إله إلا هو
لسمعت هذا الحديث من رسول الله (ص) قال: أي والله الذي لا إله إلا
هو، حتى استحلفه ثلثا وهو يحلف له.
قال الحاكم أبو عبد الله: رواه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن
حميد عن عبد الرزاق قال: وقد خطب علي (رض) بخطب ذوات عدد
وذكر أمر رسول الله (ص) إياه بقتالهم وقال: اعتقاد المسلم فيما بينه وبين
الله تعالى ان أمير المؤمنين عليا (ع) كان محقا مصيبا في قتال المنافقين والقاسطين
والمارقين بأمر رسول الله (ص) خلاف قول الخوارج قال: وهذا مما يجب
على المسلم معرفته واعتقاده كما قال: أبو داود السجستاني (رح) أحب
أبا بكر وعمر ولائكن ناصبيا، وأحب عليا ولائكن رافضيا.
وقال علي (ع) ما وجدت من قتال القوم بدا أو الكفر بما انزل
على محمد (ص) وروى محمد بن سوقه عن عبد الواحد القريشي قال: نادى

(1) كذا في الأصل.
117

حوشب الحميري عليا (ع) يوم صفين فقال: انصرف عنا يا ابن أبي طالب
فانا ننشدك الله في دمائنا ودمك وتخلي بيننا وبين شامنا، ونخلي بينك وبين
عراقك، وتحقن دماء المسلمين فقال علي: هيهات يا بن أم طليهم والله لو علمت أن
المداهنة تتبعني في دين الله لفعلت ولكانت أهون علي في الهدنة ولكن
الله عز وجل لم يرض من أهل القرآن الادهان وبالسكوت والله
يقضي بالحق.
وروي بن عننك (رض) قال قال النبي (ص) لعلي (ع): أما انك
ستلقي بعدي جهدا قال: في سلامة من ديني قال: في سلامة من دينك وقد
سبق قوله (ص): ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله
وأشار إلى علي (ع) (1).
وروي ان رجلا جاء إلى الحسن البصري (رح) فقال له يا ابا سعيد:
بلغنا انك تقول: لو كان علي يأكل من خشف المدينة لكان خيرا مما صنع
فقال: يا ابن أخي باطل إنما حقنت بها دما، والله لقد فقدوه وكان سهما
من مرامي الله، والله لا يلونه شئ عن أمر الله أعطى القرآن عزايمه، أحل
حلاله وحرم حرامه، حتى أورده ذلك على حياض غدقه، ورياض مونقه.
وفي رواية أنه قال له: ما تقول في علي فقال له: أعن رباني هذه الأمة تسأل، لا أبالك والله ما كان بالسروقة حقوق الله، اعطى القرآن عزايمه
فيما عليه حتى أورده على حياض مونقة وجنان غدقة.
وروي الأمام أحمد بن حنبل (رح) بسنده إلى سليمان بن محمد بن كعب
ابن عجرة عن عمته زينب بنت كعب وكانت عند أبي سعيد الخدري (رض)

(1) مر الايعاز إلى هذا الحديث وتواتر سنده ص 115.
118

قال: شكى الناس عليا فقام رسول الله (ص) خطيبا فسمعته يقول: يا أيها
الناس لا تشكوا عليا فوالله انه لا خشن في ذات الله وفي سبيل الله (1)
فضيلة: كل الفضائل دونها ومنقبة غالب الحفاظ يروونها، روي
الامام عبد الله بن الحارث قلت لعلي (ع): اخبرني بأفضل منزلتك من
رسول (ص) قال: نعم بينا انا نائم عنده وهو يصلي فلما فرغ من صلاته
قال: يا علي ما سألت الله من الخير الا سألت لك مثله، وما استعذت من
الشر الا استعذت لك مثله، وفي رواية قال: وجعت وجعا فاتيت النبي (ص)
فأقامني مقامه قام يصلي والقى علي طرف ثوبه فلما فرغ قال: برئت يا أبن
أبي طالب لا بأس عليك ما سألت الله شيئا الا سألت لك مثله، ولا سألت
الله شيئا الا أعطانيه الا انه قيل لي لا نبي بعدك.
وعن علي (ع) قال قال لي رسول الله (ص): سألت فيك خمسا
فمنعني واحدة وأعطاني فيك أربعة، سألته وان تجمع عليك أمتي فأبى علي،
وأعطاني أول من تنشق عنه الأرض وأنت معي لواء الحمد تحمله تسبق
الأولين والآخرين، وأعطاني بأنك أخي في الدنيا والآخرة، وأعطاني ان
بيتك مقابل بيتي في الجنة وأنت ولي المؤمنين بعدي (2).

(1) مجمع الزوايد 9 ص 129. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 118.
تاريخ ابن كثير 7 ص 345. مستدرك الاكم 3 ص 134 بلفظ: فوالله انه
لا خشي في ذات الله أو في سبيل الله. مسند أحمد بن حنبل 3: ص 86.
الغدير. مسند المناقب ومرسلها.
(2) لوامع العقول 3 ص 329 وفي تاريخ الخطيب البغدادي 4 ص
339 بلفظ: سألت الله فيك خمسا فأعطاني أربعا ومنعني واحدة. سألته
فأعطاني فيك: انك أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة. وأنت معي
ومعك لواء الحمد. وأنت تحمله وأعطاني أنت ولي المؤمنين من بعدي.
119

ويروي أن النبي (ص) قال: لما أسري بي رأيت في ساق العرش
مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله صفوتي من خلقي أيدته بعلي ونصرته
به، وفي رواية: رأيت على ساق العرش الأيمن مكتوبا: انا الله وحدي لا
إله غيري غرست جنة عدن بيدي محمد صفوتي أيدته بعلي.
وعن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده قال: لما قتل
علي (ع) أصحاب الألوية يوم الأحد أبصر رسول الله (ص) جماعة من
مشركي قريش فقال لعلي: احمل عليهم فحمل عليهم وفرق جماعتهم وقتل
هشام بن أمية المخزومي، ثم أبصر رسول الله (ص) جماعة من مشركي قريش
فقال لعلي: احمل عليهم فحمل عليهم وفرق جماعتهم وقتل عمرو بن عبد الله
الجمحي، ثم أبصر رسول الله (ص) جماعة أو جمعا من مشركي قريش فقال
لعلي: احمل عليهم فحمل عليهم وفرق جماعتهم وقتل بشكر بن مالك أخا
عامر بن لوي فأتى جبريل (ع) النبي (ص) فقال: ان هذه لهي المواساة
فقال النبي (ص) انه مني وانا منه، فقال جبرئيل: وانا منكما، فسمعوا
صوتا ينادي لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي (1).
وروى محمد بن إسحاق بن بشار: ان عليا (ع) لما ناول
فاطمة (ع) سيفه حين فرغ من القتال أنشد:

(1) تاريخ الطبري 3 ص 17 نقلا عن أبي كريب قال: حدثنا عثمان بن
سعيد قال حدثنا حبان بن علي عن محمد بن عبد الله بن أبي رافغ (الخ) وجاء
بعدة طرق أخرى كما في ذخاير العقبى ص 68. الرياض النضرة 2 ص 172.
120

أفاطم هاك السيف غير ذميم فلست برعد يد ولا بذميم
لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد ومرضاة رب بالعباد رحيم (1)
قال ابن إسحاق: وهاجت في ذلك اليوم فسمعوا هاتفا يقول: لا
سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي فاندبتهم هالكا فأبلوا الوفا واخوا الوفا.
وانشده الخطيب ضياء الدين اخطب خوارزم (2) الموفق بن أحمد الملكي المتوفي
سنة 567 (رح):
أسد الاله وسيفه وقناته كالظفر يوم صياله والناب
جاء النداء من السماء وسيفه بدم الكماة يلح في التسكاب
لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي هازم الأحزاب
فكان هذا السيف لمنبه بن حجاج السهمي كان مع ابنه العاص بن
منيه يوم بدر فقتله علي (ع) واتى به إلى رسول الله (ص) فأعطاه رسول الله
صلى الله عليه وسلم عليا بعد ذلك فقاتل به دونه يوم أحد.
ويروى ان بلقيس أهدت لسليمان (ع) سبعة أسياف كان ذو الفقار
منها، وقد جاء من رواية عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن
أبي طالب عن أبيه عن جده علي (ع) ان جبرئيل اتى النبي (ص) وقال له:
ان صنما باليمن معفر في الحديد فأبعث إليه فادققه وخذ الحديد قال: فدعاني

(1) أوردهما المرزباني في معجم الشعراء في رواية سعيد بن المسيب
ص 280 مع زيارة بيت وهو: أريد ثواب الله لا شئ غيره ورضوانه في جنة ونعيم
(2) ولد سنة 484 كما في. بغية الوعاة. طبقات الحنفية. الوافي
بالوفيات. الفوائد البهية. كشف الظنون. الغدير 4 ص 397 - 407.
121

وبعثني إليه فذهبت إليه فدققت الصنم وأخذت الحديد فجئت به إلى
رسول الله (ص) فاستطرب منه سيفين فسمي أحدهما ذا الفقار، والاخر
مخذما، فتقلد رسول الله ذا الفقار وأعطاني مخذما ثم أعطاني بعد ذا الفقار
فرآني وانا أقاتل به يوم أحد فقال: لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى
الا علي.
قال الإمام أحمد البيهقي (رح) كذا ورد في هذه الرواية انه أمر
بصنعته، وروينا باسناد صحيح عن ابن عباس (رض) ان رسول الله (ص)
تقلد سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأي فيه الرؤيا يوم أحد
والله أعلم.
ونقل الشيخ الامام العالم صدر الدين إبراهيم بن محمد المؤيد الحموي (رح)
في كتابه، فضل أهل البيت (ع): بسنده إلى عبد الله بن مسعود (رض)
قال قال رسول الله (ص): لما أسري بي إلى السماء أمر بعرض الجنة والنار
علي فرأيتهما جميعا، رأيت الجنة وألوان نعيمها ورأيت النار وأنواع عذابها
فلما رجعت قال لي جبرئيل (ع): قرأت يا رسول الله ما كان مكتوبا على
أبواب الجنة وما كان مكتوبا على أبواب النار؟ فقلت: لا يا جبريل فقال: ان
للجنة ثمانية أبواب على كل باب منها أربع كلمات كل كلمة خير من الدنيا وما
فيها لمن تعلمها واستعملها، وان للنار سبعة أبواب على كل باب منها ثلاث كلمات
كل كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن تعلمها وعرفها، فقلت: يا جبريل أرجع
معي لأقرأها فرجع معي جبريل (ع) فبدء بأبواب الجنة فإذا على الباب
الأول مكتوب: لا إله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله، لكل شئ
حيله وحيله طيب المعيش في الدنيا أربع خصال، القناعة، ونبذ الحقد، وترك
122

الحسد، ومجالسة أهل الخير، وعلى الباب الثاني مكتوب: لا إله إلا الله محمد
رسول الله علي ولي الله، لكل شئ حيله وحيله السرور في الآخرة أربع
خصال، مسح رأس اليتامى، والتعطف على الأرامل، والسعي في حوائج
المسلمين، وتفقد الفقراء والمساكين، وعلى الباب الثالث مكتوب لا إله إلا
الله محمد رسول الله علي ولي الله، لكل شئ حيله وحيله الصحة في الدنيا
أربع خصال: قلة الطعام، وقلة الكلام، وقلة المنام، وقلة المشي، وعلى
الباب الرابع مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فليبر والديه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت.
وعلى الباب الخامس مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله،
من أراد ان لا يذل فلا يذل، ومن أراد ان لا يشتم فلا يشتم ومن أراد ان
لا يظلم فلا يظلم، ومن أراد ان يستمسك بالعروة الوثقى فليستمسك بقول:
لا إله إلا الله محمد رسول الله. وعلى الباب السادس منها مكتوب: لا إله إلا
الله محمد رسول الله علي ولي الله. من أحب ان يكون قبره واسعا فسيحا
فلينق المساجد، ومن أحب ان لا تأكله الديدان تحت الأرض فليكنس
المساجد، ومن أحب ان لا يظلم لحده فلينور المساجد، ومن أحب ان يبقى
طريا تحت الأرض يبسط المساجد. وعلى الباب السابع مكتوب: لا إله إلا
الله محمد رسول الله علي ولي الله بياض القلب في أربع خصال، في عيادة
المريض، واتباع الجنايز، وسدي أكفان الموتى، ودفع القرض، وعلى
الباب الثامن مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، من أراد
الدخول من هذه الثمانية فليستمسك بأربع خصال، بالصدقة، والسخاء،
123

وحسن الخلق وكف الأذى عن عباد الله عز وجل.
ثم جئنا إلى النار فإذا على الباب الأول ثلاث كليمات منها: لعن الله
الكاذبين، لعن الله الباخلين، لعن الله الظالمين. وعلى الباب الثاني منها
مكتوب: من رجى الله سعد، ومن خاف الله أمن، والهالك المغرور من
رجى سوى الله وخاف غيره. وعلى الباب الثالث منها مكتوب: من أراد
ان لا يكون عريانا في القيامة فليكس الجلود العارية، ومن أراد ان
لا يكون جايعا في القيامة فليطعم الجائع في الدنيا، ومن أراد ان لا يكون
عطشانا في يوم القيامة فليسق العطشان في الدنيا. وعلى الباب الرابع منها
مكتوب: أذل الله من أهان الاسلام، أذل الله من أهان أهل البيت بيت
نبي الله (ص)، أذل الله من أعان الظالمين علم ظلم المخلوقين. وعلى الباب
الخامس منها مكتوب: لا تتبع الهوى فان الهوى يجانب الايمان، ولا تكثر
منطقك فيما لا يعنيك فتسقط من عين ربك، ولا تكن عونا للظالمين فان
الجنة لا يخلق للظالمين. وعلى الباب السادس منها مكتوب: انا حرام على
المجتهدين، أنا حرام على المتصدقين، انا حرام على الصائمين. وعلى الباب
السابع منها مكتوب: حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا، وبخوا أنفسكم قبل
ان توبخوا، وادعوا الله عز وجل قبل ان تردوا عليه فلا تقدروا
على ذلك.
ونقل أيضا بسنده إلى بشر بن أبي عمرو بن العلا النحوي قال:
حدثني أبي عمرو بن العلا المقري عن أبي الذبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري
قال: كنت مع النبي (ص) يوما في بعض حيطان المدينة ويد علي في يده
قال: فمررنا بنخل فصاح النخل هذا محمد سيد الأنبياء وهذا علي سيد
124

الأولياء أبو الأئمة الطاهرين، ثم مررنا بنخل فصاح النخل: هذا محمد
رسول الله هذا علي سيف الله فالتفت النبي (ص) إلى علي فقال له: يا علي سمه
الصيحاني فسمي من ذلك اليوم الصيحاني. حديث غريب.
ذكر ارتقاء علي على منكب رسول الله (ص)
وغزارة علمه
عن علي (رض) قال: أنطلق بي رسول الله (ص) حتى أتى الكعبة
فقال: لي اجلس فجلست إلى جنب الكعبة فصعد رسول الله (ص) على
منكبي ثم قال لي: إنهض فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال: اجلس فجلست
فنزل عن منكبي فقال يا علي: اصعد منكبي فصعدت على منكبه فنهض بي
إلى أن وصلت إلى صنم قريش الأكبر الذي رأس الكعبة فعلوتها فكان يخيل إلي
اني لو شئت ان أنال السماء لنلتها فقال لي رسول الله (ص): عالجه فجعلت
أعالجه لأقلعه وكان صنما من نحاس موتد بأوتاد من حديد إلى الأرض
وجعل رسول الله (ص) يقول: إيه إيه جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل
كان زهوقا، فاستمكنت منه وقلعته فقال لي: رسول الله (ص) اقذفه فقذفته
فتكسر ونزلت من فوق الكعبة فانطلقت انا والنبي (ص) وخشينا ان يرانا
أحد من قريش أو غيرهم قال (ع): فما صعدته بعد حتى الساعة (1).
وعن أبي الطفيل قال: شهدت عليا (ع) وهو يخطب ويقول: سلوني

(1) صفوة الصفوة 1 ص 119. ذخاير العقبى ص 85 نقل عن مسند أحمد
وصاحب الصفوة. الرياض النظرة 2 ص 265. مستدرك الحاكم 3 ص
5 وقال: حديث صحيح الاسناد. تاريخ الخطيب البغدادي 13 ص 302
بلفظ آخر.
125

سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ يكون إلى يوم القيامة الا حدثتكم به فان
تحت الجوانح مني لعلما جما، سلوني عن كتاب الله عز وجل مامنه آية الا
وأنا اعلم بليل أو نهار أم سهل نزلت أم بجبل (1) وفي رواية قال: ما نزلت
آية الا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت ان ربي عز وجل
وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا، فقال ابن الكوا فقال يا أمير المؤمنين:
أخبرنا عن قوله تعالى: والذاريات ذروا قال: الرياح قال: فما الحاملات
وقرا قال: ثكلتك أمك أو قال: ويلك سل تفقها أو تعلما ولا تسئل تعنيا
سل ما يعنيك ودع ما لا يعنيك قال: لا والله ما سألت الا وهو يعنيني قال:
هن السحاب قال: فما الجاريات يسرا قال: السفن قال: فما المقسمات أمرا
قال: الملائكة، قال: فأخبرنا عن قوله تعالى: والسماء ذات الحبك قال: ويحك
ذات الخلق الحسن، قال: فأخبرنا عن قوله تعالى وأحلوا قومهم دار البوار
قال: أولئك قريش كفيتموهم، قال: فأخبرنا عن هذه المجرة التي في السماء
قال: هي أبواب السماء التي صب الله تعالى: منها الماء المنهمر على قوم نوح،
قال: فأخبرنا عن قوس قزح قال: ثكلتك أمك لا تقل قوس قزح قزح هو الشيطان ولكنها قوس الله هي علامة كانت بين نوح النبي وبين ربه عز وجل
وهي أمان لأهل الأرض من الغرق، قال: فأخبرنا عن هذا السواد الذي في
القمر قال: سأل اعمي عن عميا ما سمعت الله عز وجل يقول: وجعلنا الليل
والنهار آيتين فمحونا آية الليل، فذلك محوه والسواد الذي فيه من المحو،
قال: فأخبرنا كم بين المشرق والمغرب قال: سيرة يوم للشمس فمن قال: غير
ذلك فقد كذب قال: فكم بين السماء والأرض قال: دعوة مستجابة فمن قال:

(1) ذخاير العقبى ص 83 قال: أخرجه أبو عمر.
126

غيرها فقد كذب، قال: أفرأيت ذا القرنين أنبيا كان أم ملكا قال: لا
واحد منهما ولكنه كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه الله وناصح الله فناصحه
الله، دعى قومه إلى الهدى فضربوه على قرنه، فمكث ما شاء الله ثم دعاهم
إلى الهدى فضربوه على قرنه الاخر، ولم يكن له قرن كقرن الثور، قال:
فالبيت المعمور ما هو قال: ذلك الضراح فوق سبع سماوات تحت العرش
يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة.
قال: أخبرنا عن قوله تعالى: قل هل أنبأكم بالأخسرين أعمالا (1)
قال: أولئك القسيسين والرهبان ومد على صوته وقال: ما أهل النهر غدا
منهم ببعيد قال: وما خرج أهل النهر بعد وقيل إنه قال: كان أهل
حرورا منهم وقال: والله يا أمير المؤمنين لا اسأل أحدا سواك ولا اني أجد
غيرك قال: إن كان الامر إليك فأفعل فلما خرج أهل النهر خرج معهم ثم
رجع تائبا.
وقال: ذكرت الحديث من علي (ع) قال: بعثني رسول الله (ص)
إلى اليمن فقلت يا رسول الله (ص) اني شاب حديث السن ولا علم لي بالقضاء
فضرب في صدري بيده وقال: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه قال: فوالله
ما شككت في قضائين اثنين حتى الساعة (2) وفي رواية أنه قال: انك تبعثني
إلى قوم أسن مني لا قضي بينهم فقال: اذهب فان الله سيهدي قلبك ويثبت
لسانك. وفي رواية تبعثني إلى قوم لست بأسنهم وليس لي علم بالقضاء فقال:
إذا اختصم إليك خصمان فلا تقضي للأول حتى تسمع ما يقول الاخر قال:

(1) سورة الكهف 103.
(2) سيرة الخلفاء للسيوطي ص 115 وقال: أخرجه الحاكم وصححه.
127

فما زلت قاضيا أو قال: ما شككت في قضائين اثنين (1).
وقال ابن عباس: العلم ستة أسداس ولعلي من ذلك خمسة أسداس
وللناس سدس ولقد شاركنا في سدسنا حتى لهو أعلم به منا، فقال ابن عباس:
بينما انا في الحجر جالس إذ اتي رجل يسأل عن العاديات ضبحا فقلت: الخيل
حين تغير في سبيل الله ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم
فانتقل عني فذهب إلى علي ابن أبي طالب وهو جالس تحت ساقية زمزم فسأله
عنها فقال: له سألت عنها أحدا قبلي قال: نعم سألت عنها ابن عباس
فقال: هي الخيل حين تغير في سبيل الله قال: اذهب فادعه لي فلما وقعت عليه
قال: (2) والله ان كانت لأول غزوة في الاسلام لبدر وما كان معنا الا
فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد فكيف تكون العاديات ضبحا الخيل، أنما
العاديات ضبحا من عرفة إلى المزدلفة فإذا آووا إلى المزدلفة أوقدوا النيران
والمغيرات صبحا من المزدلفة إلى منى فذلك جمع، وأما قوله: فأثرن به نقعا
فهي نقع الأرض حين تطؤه باخفافها وحوافرها قال ابن عباس: فرجعت
عن قولي إلى قول علي (ع). (3)
وعن أنس بن مالك (رض) قال: قالت فاطمة (ع) لرسول الله (ص):
زوجتني عليا أحمش الساقين عظيم البطن قليل السن فقال رسول الله (ص):
زوجتك يا بنية أعظم الناس حلما وأقدمهم سلما وأكثرهم علما (4).
وقال الشعبي: من كان أحد من هذه الأمة اعلم بما بين اللوحين وبما

(1) الرياض النظرة 2 ص 263: نقلا عن مسند أحمد والإسماعيلي الحاكمي
(2) وفي رواية: تفتي الناس بما لا علم لك.
(3) فتح القدير 5 ص 471
(4) الرياض النظرة 2 ص 183 بلفظ اخر.
128

أنزل على محمد (ص) من علي.
وقال سروق (رح): وجدت العلم عند ستة من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود،
ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب ثم انتهى علمهم إلى علي
وابن مسعود (رض).
ذكر أثار عن الصحابة رضي الله عنهم
في حقه تؤثر وتروي مما دونها من صحف المحامد كلها تهجر وتطوى
فما يؤثر عن أبي بكر (رض) انه رأي عليا (ع) يوما فقال: من سره ان
ينظر إلى أفضل الناس منزلة وأقربهم قرابة وأعظمهم غنا عن رسول الله (ص)
فلينظر إلى هذا (1).
ويروى عن عمر بن الخطاب (رض) أنه قال: كانت لأصحاب
رسول الله (ص) ثمانية عشر سابقة فخص علي ثلاثة عشر وأشركنا في الخمس
وقال: لقد أعطى علي بن أبي طالب ثلاث خصال لان يكون لي واحدة
منهن أحب إلي من أن أعطى حمر النعم فقيل له: وما هن يا أمير المؤمنين
قال: تزوجه فاطمة، وسكناه المسجد مع رسول الله (ص) يحل له فيه
ما يحله له، والراية يوم خيبر.
ان رجلا اتى به إلى عمر كأن قال: في جوابهم لما سألوه كيف
أصبحت قال: أصبحت أحب الفتنة، وأكره الحق، واصدق اليهود
والنصارى، وآمن بما لم أره وأقر بما لم يخلق، فأرسل عمر إلى علي (ع)

(1) في نور الابصار للشبلنجي ص 79: أعوذ بالله من معضلة
لا علي بها.
129

فلما جاء اخبره بما قال الرجل فقال: صدق قال الله تعالى: إنما أموالكم
وأولادكم فتنة، ويكره الحق يعني الموت، قال الله تعالى وجائت سكرة
الموت بالحق، وصدق اليهود والنصارى قال الله تعالى: وقالت اليهود
ليست النصارى على شئ وقالت: النصارى ليست اليهود على شئ،
ويؤمن بما لم يره يعني الله، ويقر بما لم يخلق يعني الساعة فقال عمر: لولا
علي لهلك عمر (1).
وعن محمد بن الزر قال: دخلت مسجد قريش فإذا انا بشيخ قد التفت
ترقوتاه من الكبر فقلت: له يا شيخ من أدركت قال النبي (ص) قلت: فما
غزوت؟ قال: اليرموك، قلت: له حدثني بشئ سمعته قال: خرجت مع
فتية من عكل واشعرنين حجاجا فأصبنا بيض نعام وقد أحرمنا، فلما قضينا
نسكنا وقع في أنفسنا منه شئ، فذكرنا ذلك لعمر بن الخطاب (رض)
فأدبر وقال: أتبعوني حتى انتهى إلى حجر رسول الله (ص) فقال: أين أبو الحسن
فأجابته امرأة فقالت: لا، فمرو قال: اتبعوني حتى انتهى إليه فإذا معه غلامان
أسودان وهو يسوي التراب بيده فقال: مرحبا يا أمير المؤمنين، فقال: له
عمر: هؤلاء فتية من عك والاشعرنين أصابوا بيض نعام وهم يحرمون،
قال: الا أرسلت إلي قال: انا أحق بإتيانك قال: يضربون الفحل قلايص
ابكارا بعدد البيض فما نتج منها أهدوه، قال عمر: فان الإبل تخدج قال:
علي والبيض يمرض فلما انصرف عمر عنه قال: اللهم لا تراني شدة الا وأبو
الحسن إلى جنبي (2).

(1) الرياض النضرة 2 ص 163 عن ابن السمان وفيه: وأشار إلى
علي بن أبي طالب.
(2) الرياض النظرة 2 ص 50، 194، ذخائر العقبى 82 كفاية الشنقيطي 57.
130

وعن أبي حرب بن الأسود أن عمر (رض) اتي بامرأة وضعت لستة
أشهر، فهم برجمها فبلغ عليا فقال: ليس عليها رجم فبلغ ذلك عمر فأرسل
إليه يسأله فقال علي: قال الله عز وجل: والوالدات يرضعن أولادهن حولين
كاملين لمن أراد ان يتم الرضاعة (1)، وقال الله تعالى: وحمله وفصاله ثلاثون
شهرا (2) فستة أشهر حمله وحولان تمام الرضاعة لا حد عليها قال: فخلى عنها
ثم إنها ولدت بعد ذلك لستة أشهر أيضا (3).
وعن مسروق قال: اتي بامرأة وقد أنكحت في عدتها إلى عمر فضرب
بينهما وجعل صداقها في بيت المال وقال: لا أجيز مهرا أرد نكاحه وقال: لا
يجتمعان ابدا فبلغ ذلك عليا فقال: السنة ان لها المهر بما استحل من فرجها
ويفرق بينهما فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب فرجع إلى
قول علي. (4)
وعن ابن عباس (رض) قال: كنا في جنازة غلام فقال علي: لزوج
أم الغلام أمسك عن امرأتك فقال عمر: ويمسك عن امرأته اخرج مما جئت
به فقال: نعم يا أمير المؤمنين يريد يستبرأ رحمها لا يلقي فيه شيئا فيستوجب
به الميراث من أخيه ولا ميراث لها فقال عمر: نعوذ بالله من معضلة لا
علي لها (5).

(1) سورة البقرة 233.
(2) سورة الأحقاف 15.
(3) الغدير 6 تحت عنوان - نوادر الأثر في علم عمر - ص 83 - 333.
(4) الغدير 6 فصل - نوادر الأثر في علم عمر - 83 - 333.
(5) الغدير 6 فصل - نوادر الأثر في علم عمر - 83 - 333.
131

وقال سعيد بن المسيب: وكان عمر يقول اللهم لا تبقني لمعضلة ليس
لها أبو الحسن وقال: لولا علي لهلك عمر وعن نبيط بن شريط قال: خرجت
مع علي بن أبي طالب ومعنا عبد الله بن عباس، فلما صرنا إلى بعض حيطان
الأنصار وجدنا عمر بن الخطاب جالسا وحده ينكت الأرض، فقال له
علي بن أبي طالب: ما أجلسك يا أمير المؤمنين وحدك قال: لأمر همني
فقال له علي: افتريد أحدنا فقال عمر: إن كان فعبد الله فتخلى معه
عبد الله ومضيت مع علي وابطأ علينا ابن عباس ثم لحق بنا، فقال له علي:
ما وراءك فقال يا أبا الحسن: أعجوبة من عجائب أمير المؤمنين أخبرك بها وأكتم
علي قال: فهلم قال: لما ان وليت رأيت عمر ينظر إليك والى اثرك ويقول:
آه آه فقلت: مم تأوه يا أمير المؤمنين قال: من اجل صاحبك يا ابن عباس
وقد أعطي ما لم يعطه أحد من آل الرسول (ص) ولولا ثالث هن فيه
ما كان لهذا الأمر - يعني الخلافة - أحد سواه قلت: يا أمير المؤمنين وما هن
قال: كثرة دعابته، وبغض قريش له، وصغر سنه فقال له علي: فما رددت
عليه قال: داخلني ما يداخل ابن العم لأبن عمه فقلت له يا أمير المؤمنين: أما
كثرة دعابته فقد كان رسول الله (ص) يداعب ولا يقول: الا حقا
ويقول: للصبي ما يعلم أنه يستميل به قلبه أو يسهل على قلبه، واما بغض
قريش له فوالله ما يبالي ببغضهم بعد أن جاهدهم في الله حتى أظهر الله دينه
فقصم اقرانها وكسر آلهتها واثكل نسائها في الله لامه وأما صغر سنه فلقد
علمت أن الله تعالى حيث انزل على رسوله (ص): براءة من الله رسوله وجه
بها صاحبه ليبلغ عنه فأمره الله تعالى ان لا يبلغ عنه الا رجل من آله
فوجهه في أثره وأمره ان يؤذن ببراءة فهل أستصغر الله تعالى سنه فقال
132

عمر: أمسك علي واكتم واكتم فان سمعتها من غيرك لم أنم بين لابتيها.
قول عايشة فيه:
عن العوام بن حوشب قال حدثني ابن عم لي من بني الحارث بن تيم
الله يقال له: مجمع قال: دخلت مع أمي على عايشة (رض) فسألها أمي فقالت
لها: أرأيت خروجك يوم الجمل قالت: انه قد كان قدرا من الله سبحانه
وتعالى فسألتها عن علي فقالت: تسألني عن أحب الناس إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم لقد رأيت عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وجمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم بثوب عليهم ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت: قلت يا رسول الله انا من أهلك قال: انك
إلى خير.
وعن حسرة قالت: قالت عايشة (رض): من أفتاكم بصوم يوم
عاشوراء قلنا علي بن أبي طالب فقالت: هو اعلم الناس بالسنة، وسأل
محمد بن علي الباقر جابر بن عبد الله الأنصاري لما دخل عليه عن عايشة وما
جرى بينها وبين علي (ع) فقال له جابر: دخلت عليها يوما وقلت لها ما تقولين
في علي بن أبي طالب: فأطرقت رأسها ثم رفعته وقالت:
إذا ما التبر حك على المحك تبين غشه من غير شك
وفينا الغش والذهب المصفى علي، بينا شبه المحك (1)
قول ابن عباس فيه:
عكرمة عن ابن عباس (رض) أنه قال: لعلي أربع خصال ليست

(1) الغدير 2 موكب الشعراء، وفي الكنز المدفون: للسيوطي ص
236: وبان الذيف والذهب المصفى.
133

لأحد من العرب ولا غيرهم هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله (ص)
وهو الذي كان لواء رسول الله (ص) معه في كل رجف، وهو الذي صبر
معه يوم الهراس وانهزم الناس غيره، وهو الذي غسله وادخله قبره (1).
قول معاوية فيه:
عن قيس بن أبي حازم قال: جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة
فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم، فقال الرجل، أريد جوابك،
فقال: ويحك كرهت رجلا كان رسول الله (ص) يغره بالعلم غرا، ولقد قال
رسول الله (ص): أنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولقد كان عمر
ابن الخطاب يسأله ويأخذ عنه، وتنقصه رجل يوما عند عمر فقال له عمر: لا أقام الله رجليك ومحى اسمه من الديوان.
ويروى انه لما جاء نعي علي (ع) إلى معاوية أسترجع وكان قابلا مع
امرأته فاخته بنت قرطة نصف النهار في يوم صايف فقعد باكيا وهو يقول: انا لله وانا إليه راجعون ماذا فقدوا من العلم فقالت له امرأته: تسترجع عليه
اليوم وتبكي وأنت تطعن عليه بالأمس، فقال: ويحك لا تدرين ما ذهب من
علمه وفضله وسوابقه وما فقد الناس من حلمه وعلمه.
وعن أبي صالح (2) قال دخل ضرار بن ضمرة على معاوية فقال له: صف لي
علي بن أبي طالب قال: أو تعفيني قال بل: تصفه قال: أو تعفيني قال: بل تصفه

(1) الرياض النضرة 2 ص 268 قال: أخرجه أبو عمر.
(2) حلية الأولياء 1 ص 84 عن سليمان بن أحمد عن محمد بن زكريا
الغلابي عن بكار الضبي عن عبد الواحد عن أبي عمرو الأسدي عن محمد بن
السائب الكلبي - الخ -.
134

قال: أو تعفيني قال: لا أعفيك فقال: أما إذا لابد فإنه والله كان بعيد المدى
شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة
من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، وكان
والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه من
اللباس ما خشن.
وفي رواية: ما قصر ومن الطعام ما جشب وكان والله كأحدنا
يجيبنا إذا سألناه ويبتدأنا إذا اتيناه، ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع
تقربه منا وتودده إلينا لا نكلمه هيبة ولا نبتديه عظمة فان تبسم فعن مثل
اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين ويحب المساكين ولا يطمع القوي في باطله ولا
ييأس الضعيف من عدله، فأقسم بالله لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى
الليل سجوفه وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ
السليم ويبكي بكاء الحزين فكأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا يا دنيا إلي تعرضت
أم إلي تشوقت، هيهات هيهات غري غيري لقد طلقتك ثلاثا لا رجعت لي
فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كثير، آه من قلة الزاد وبعد
السفر ووحشة الطريق. قال: فذرفت عينا معاوية على لحيته فما تملكها وهو
يمسحهما بكفه وقد اختنق القوم بالبكاء ثم قال معاوية: صدقت رحم الله
أبا الحسن كان والله كذلك (1).
ذكر أخبار النبي (ص) بقتله
وان لحيته تخضب من دم رأسه

(1) وهناك عشرات من الكلمات والأقوال للصحابة والتابعين لهم
باحسان في أمير المؤمنين (ع) تجدها في (الغدير) مسند المناقب ومرسلها.
135

عن أبي الأسود الدؤلي قال: لما أراد علي (ع) العراق وضع رجله
في الغرز أتاه عبد الله بن سلام قال: له لا تأب العراق فإنك إذا أئبت العراق
أصابك بها دباب السيف فقال له علي: وأيم الله لقد قالها لي رسول الله (ص)
قبلك فقلت: في نفسي والله ما رأيت كاليوم رجل محارب يحدث الناس
بمثل هذا.
وعن زيد بن أسلم ان أبا سنان الدؤلي حدثه أنه عاد عليا (ع) في
شكوى أشتكاها قال: فقلت له: قد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك
هذه فقال: لكني والله ما تخوفت على نفسي لأني سمعت رسول الله (ص)
الصادق المصدوق يقول: انك ستضرب ضربة هاهنا وأشار
إليه بصدغيه فيسيل دمها حتى يخضب لحيتك ويكون صاحبها أشقاها كما
كان عاقر الناقة أشقى ثمود.
وفي رواية عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري قال: خرجت مع أبي
إلى يتبع عايدا لعلي بن أبي طالب، وكان بها مريضا قد ثقل فقال له أبي:
ما يقيمك في هذا المنزل لو هلكت به لم يدفنك الا اعراب جهينة، وكان
أبو فضالة من أهل بدر فقال: اني لست ميتا من وجعي هذا ان رسول الله (ص)
عهد إلي ان لا أموت حتى أؤمر وتخضب هذه من هذه يعني لحيته من دم
هامته مقضيا وعهدا معهودا إلي وقد خاب من أفترى يا أبا فضالة.
وعن علي بن أبي طالب (ع) انه كان يقول: مما يسر إلى رسول الله (ص)
لتخضبن هذه من هذا وأشار إلى لحيته ورأسه.
وعن عثمان بن المغيرة قال لما دخل شهر رمضان كان علي في
تلك الليالي ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين (ع) وليلة عند ابن
136

عباس (1) لا يزيد على ثلاث لقم فقيل له في ذلك فقال: يأتين أمر الله وأنا اخمض
إنما هي ليلة أو ليلتان، فأصيب (رض) في تلك الليالي من الليل (2) وفي سحر
ذلك اليوم الذي أصيب فيه تمثل (رض) بهذين البيتين: اشدد حيازيمك للموت فان الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت وإن حل بواديكا (3)
ثم خرج فضربه ابن ملجم صبيحة أحدى وعشرين من رمضان يوم
الجمعة، ومات يوم الأحد لثلاث وعشرين منه سنة أربعين، ودفن بالكوفة
قاله حريث بن المحسن.

(1) الصحيح: عبد الله بن جعفر.
(2) ابن الأثير في الكامل 3 ص 195.
(3) ذكرهما أكثر المؤرخين غير أن سبط ابن الجوزي زاد عليهما
بيتا اخر وهو.
فان الدرع والبيضة يوم الروع تكفيكا
والأبيات لأحيحة الأنصاري كما ذهب إليه المبرد في كامله وسبط ابن
الجوزي في تذكرته ولم يكن هناك من نسبها إلى الإمام (ع) غير السيد الأمين
في أعيان الشيعة 1: ص 642 وزاد عليها أربعة أبيات ونسبها إلى
الامام أمير المؤمنين (ع) وهي:
ولا تغتر بالدهر وإن كان يواتيكا
كما أضحكك الدهر كذلك الدهر يبكيكا
فقد اعرف أقواما وان كانوا صعاليكا
مساريع إلى النجدة للغي متاريكا
137

وقال الواقدي: قتل ليلة سبعة عشرة من رمضان ليلة الجمعة ومات
لإحدى وعشرين، وقيل مات من يومه ودفن بالكوفة ليلا وعمي دفنه، وقيل
دفن بقصر الامارة وقيل برحبة الكوفة وقيل: دفن في قبلة المسجد مما يلي
المحراب وقيل إن الحسن (ع) نقله إلى المدينة ودفنه في البقيع عند أمه،
وقيل: انه حمله على بعير يريد المدينة فضل البعير منهم في أثناء الطريق
فوجدوه قوم من الاعراب فظنوا أنه مال ففتحوا الصندوق فلما رأوه
أخذوه ودفنوه في البرية، وقيل: انه مدفون بنجف الحيرة والله أعلم (1).
قال الواقدي: وكان سنه يوم قتل (رض) ثلث وستون سنة، ونقل
غيره عن جعفر بن محمد (ع) ان عليا (ع) هلك وهو ابن سبع وخمسين سنة
وقال إسحاق بن عبد الله أبي فروة: سألت أبا جعفر محمد بن علي: كم
كان سن علي يوم قتل؟ قال: ثلاث وستون، ومثله عن علي بن موسى
الرضا (ع) وقال سليمان بن وهب: مضى وله خمس وستون سنة، وقال
نصر بن علي: نزل الوحي على رسول الله (ص) وعلي بن أبي طالب اثنى عشر
سنة وكان مع النبي (ص) بمكة قبل الهجرة ثلاثة عشر سنة، وقام معه بالمدينة

(1) لقد جمع المؤرخون في تعين قبر الأمام (ع) من أنه دفن
بالحيرة أو في موقع يقال له: - النجف - الغري - كما ذكره ابن سعد في
الطبقات 3 ص 25. والمسعودي في مروج الذهب 2 ص 42 والسيوطي في
تاريخ الخلفاء ص 118، واليعقوبي في تاريخه 2 ص 189، والمحب الطبري
في الرياض النضرة 2 ص 247 وفي ذخاير العقبى ص 114. والشبلنجي في
نور الابصار ص 106 وغيرهم من أئمة التاريخ والسير. وهناك مؤلفات في
تعيين قبر أمير المؤمنين وانه مدفون في النجف.
138

عشر سنين وعاش بعده ثلاثين سنة وضربه ابن ملجم لتسع عشرة خلت من
رمضان سنة أربعين من الهجرة، وغسله ابناه وعبد الله بن جعفر وكفن
في ثلاث أثواب ليس فيها قميص، وصلى عليه الحسن وكبر عليه أربع تكبيرات
وقيل تسع تكبيرات، وكانت خلافته خمس سنين وقال: له رجل يا أمير المؤمنين
الا تستخلف؟ قال لا، أترككم كما ترككم رسول الله (ص) (1)، أو قال:
أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله (ص) قالوا: فما تقول لله تعالى: إذا لقيته
قال أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك ثم توفيتني وأنت فيهم، فان شئت

(1) هذا ما ارتآه المؤلف لنفسه ناسيا ذكره نص النبي الاقدس
لأمير المؤمنين بالخلافة والوصاية ونقله حديث بدء الدعوة ص 82 وقصة
غدير خم ص 109 وتواتر أسانيدها الصحيحة، وكيف تتم هذه المزعمة مع
نداء القرآن الكريم: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وقد أجمع المفسرون والفقهاء على نزولها
في علي أمير المؤمنين وأي ولي الأمر يحق ان يكون المعني بقوله تعالى:
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، ومن الذي أوجب الله
طاعته لدة طاعة الله ورسوله؟
وهلا كان علي أمير المؤمنين يحتج على الصحابة والتابعين لهم باحسان
بتلكم النصوص الثابتة الواردة عن الصادع الكريم في الخلافة والوصاية
والوراثة والإمامة وهلا حفظت الأئمة تلكم المناشدات التي ثبتت لعلي (ع)
يوم الشورى وقبله وبعده فأنى تقع هذه المزعمة من تلكم المواقف الكثيرة.
فالقول المعزو إلى الامام: أترككم كما ترككم رسول الله (ص) بعيد
عن منطق علي بعد المشرقين لأنه يضاد نداء القرآن الكريم ونصوص النبي
الأمين ويخالف الحقيقة الراهنة، هذا من جهة وأما من جهة الوصية والبيعة
للحسن فان الإمام علي قد عهد ذلك لابنه الحسن اخذا بما جاء عن النبي
الاقدس وهو أحد الأئمة الاثني عشر الذين قال فيهم رسول الله: الأئمة
من قريش وهم اثني عشر، وهذا مما أخبتت إليه الأئمة وأثبتته أئمة النص
والحفاظ، ثم أوصاه ان يعهد بعهده إلى الحسين (ع) كما وقد ذكر عن
الإمام الرضا: ان الإمامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء، ان الإمامة
خلافة الله وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين.
وذكر المسعودي في المروج 2 ص 291: ان طائفة من الناس قد
ذكرت ان عليا أوصى إلى ابنيه الحسن والحسين لأنهما شريكاه في آية التطهير،
وجاء في اثبات الوصية للمسعودي أيضا ص 129 قول الإمام أمير المؤمنين (ع)
وقد جمع أهل بيته وقوم من شيعته وهو في اخر نفساته الكريمة: اني أوصي
إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا أمرهما. ونقل ثقة الاسلام الكليني
في الكافي 1 ص 279 - 300 وصية الامام لابنه الحسن والنص عليه بعدة
طرق واشهد على وصيته الحسين ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته
ومنها قوله: أنت ولي الأمر وولي الدم. يا بني امرني رسول الله (ص) ان
أوصي إليك وان ادفع إليك كتبي وسلاحي.
139

أصلحتهم وان شئت أفسدتهم.
وقال له جندب بن عبد الله يا أمير المؤمنين: نفديك ولا نفقدك أنبايع
الحسن قال: ان شئتم فدعوه، وفي رواية أنه قال:
ما آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر ورد قوله من أخرى فرد بمثلها ثم دعا الحسن
والحسين (ع) فقال: لهما أوصيكما الله بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وان
بغتكما، ولا تبكيا على شئ منها ذوي عليكما وقولا الحق وارحما اليتيم واعينا
الضايع، واصنعا للآخرة وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا، اعملا بها في
كتاب الله ولا تأخذكما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال:
هل حفظت ما أوصيت به أخويك قال نعم قال: فأني أوصيك بمثله وأوصيك
140

بتوقير أخويك العظيم حقهما عليك تؤثر أمرهما ولا تقطع أمرا دونهما، ثم
قال: أوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما وقد علمتما أن أباكما كان يحبه،
وقال للحسن: أوصيك بتقوى الله وأقام الصلاة لقرتها، وايتاء الزكاة عند
محلها، فإنه لا صلاة الا بطهور ولا تقبل الصلاة ممن منع الزكاة، وأوصيك
بعفو الذنب، وكظم الغيظ وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل والتفقه في الدين
والتثبت في الأمر، والتعاهد في القرآن، وحسن الجوار والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش.
وفي رواية انه دعا الحسن والحسين (ع) فقال: لهما لا تريدا الدنيا
وان أرادتكما، واتقيا الله تعالى فيما خولكما وأنظرا محمد بن الحنفية فأحباه
وأكرماه فان أباكما كان يحبه، ثم دعا محمد بن الحنفية فقال له: عظم أخويك
وشرفهما ولا تقطع أمرا دونهما واعرف لهما مكانهما من رسول الله (ص) قال
محمد بن الحنفية: والله اني لأصلي تلك الليلة التي ضرب بها علي (ع) في
المسجد في رجال كثير يصلون قريبا من السجدة إذ خرج علي الصلاة والغداة
وهو ينادي للصلاة إذ نظرت إلى بريق السيوف وسمعت: الحكم لله
يا علي لا لك ولا لأصحابك وسمعت عليا يقول: لا يفوتنكم الرجل فشد الناس
عليه من كل جانب ودفع علي في ظهر جعدة ابن هبيرة بن أبي وهب المخزومي (1)

(1) جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم
وأمه أم هاني بنت أبي طالب ولد بالمدينة وسكن الكوفة ونشأ بها وولي
خراسان وكان فقيها ذكره الحفاظ في عداد الصحابة غير أنه ولد على عهد النبي
وليست له صحبة وقال الحاكم: انه رأى النبي (ص) ووثقوه وذكره فيمن
روي عن النبي (ص) مرسلا ولم يلقه. تهذيب التهذيب 2 ص 81.
141

وصلى الناس الغداة ودخل علي (ع) إلى منزله فلم أبرح حتى جئ بابن ملجم
لعنه الله فأدخل على علي فدخلت فيمن دخل فسمعت عليا يقول: النفس
بالنفس فان هلكت فاقتلوه كما قتلني، وان بقيت رأيت فيه رأيي.
ولقد كان السبب في قتل ابن ملجم لعلي (ع) ان ابن ملجم المرادي
وأصحابه البرك بن عبد الله الصريمي وعمرو بن بكر التميمي (1) اجتمعوا
بمكة وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم وقالوا: والله ما نصنع بالحياة دونهم
شيئا كانوا دعاة الناس إلى عبادة ربهم، وكانوا لا يخافون في الله لومة لائم
فلو شرينا أنفسنا وأتينا أئمة الضلالة فأرحنا منهم الناس والبلاد وثارينا بهم
إخواننا، فقال ابن ملجم: انا أكفيكم علي بن أبي طالب وكان من أهل
مصر وقال البرك: أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان، وقال عمرو بن بكر:
أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا وتواثقوا بالله لا ينكص الرجل منهم
عن صاحبه الذي وجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه، فأخذوا سيوفهم
فسموها واتعدوا ان يكون ذلك في ليلة التسع عشرة من رمضان يثب كل
واحد منهم على صاحبه الذي وجه إليه، فسار كل واحد منهم إلى المصر الذي
فيه صاحبه الذي طلب، فلما وصل ابن ملجم الكوفة لقى أصحابه بالكوفة
فكاتمهم أمره كراهية ان يظهروا شيئا من أمره، فرأى ذات يوم أصحابا

(1) في مروج الذهب 2 ص 40: وزادويه مولى بني العنبر.
142

من تيم الرباب وكان علي (ع) قد قتل منهم يوم النهروان عددا فذكروا
قتلاهم ولقى من يومهم ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها قطام (بنت عمه)
وكان علي قتل أباها وأخاها وكانت من أجمل النساء فلما رآها التبست بعقله
فخطبها فقالت: لا أتزوجك حتى تشتفي لي قال: وما تريدين قالت: قتل علي
وثلاثة آلاف وعبد وقينة قال: ما سألت هو لك مهر فخرج من عندها
وهو يقول: فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة كمهر قطام بينا غير معجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من علي وان غلا ولا فتك الا دون فتك ابن ملجم (1)
فتزوجه على ذلك ثم قالت له: أما قتل علي فلا أراك تدركه قال بلى،
فقالت: فالتمس غرته فان أصحبته انتفعت بنفسك ونفسي ونفعك العيش
معي وان هلكت فما عند الله خير لك وأبقى من الدنيا وزبرجها، فقال والله:
ما جاء بي إلى هذا المصر الا قتل علي بن أبي طالب فقالت: فانا أطلب لك من
يشد ظهرك ويساعدك على امرك فبعثت إلى رجل من قومها يقال له وردان
فكلمته فأجابها ولقي ابن ملجم رجل من أشجع يقال له شبيب بن بحيرة فقال

(1) ذكر المسعودي في المروج البيتين الأخيرين وحذف البيت الأول
وقد قيل إنها لابن مايس المرادي الشاعر، وقال ابن جرير: انها لأبن شاس
المرادي، وقال الطبري: انها لأبن مايس المرادي وذكر الأبيات الثلاثة،
وقد ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1 ص 170 بدلا عن البيت الأول
قول الشاعر:
تضمن للأثام لادر دره ولاقى عقابا غير ما متصرم
143

له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة، فقال وما ذاك قال: تساعدني على قتل
علي بن أبي طالب قال: ثكلتك أمك لقد جئت شيئا ادا، كيف تقدر على
ذلك قال: نكمن له في المسجد فإذا خرجنا للصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه
فان نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثارنا، وان قتلنا فما عند الله خير من الدنيا
قال: ويحك لو كان غير علي كان أهون علي فقد عرفت الذي ابلاه في الإسلام
وسابقته مع النبي (ص) وما أجدني انشرح لقتله قال: أما تعلم أنه قتل أهل
النهروان العباد المصلين قال بلى: قال نقتله بمن قتل من إخواننا فأجابه إلى
ذلك وجاءوا إلى قطام وهي معتكفة في المسجد الأعظم فأعلموها بذلك
فقالت: إذا أردتم ذلك فأتوني فعادوا إليها ليلة الجمعة التي قتل علي (ع)
صبيحتها فقالت هذه الليلة التي وعدت فيها صاحبي ان يقتل صاحبه فدعت
لهما بحرير وعصبتهما وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها
علي (ع) للمسجد فلما خرج علي شد عليه الرجلان، فأما شبيب فوقع
سيفه بعضادة الباب أو بالطاق وضربه ابن ملجم على قرنه فشجبه ووصلت
ضربته إلى أم دماغه وهرب وردان حتى دخل منزله فدخل عليه رجل (1)
من بني أمية وهو ينزع الحرير عن صدره فقال: ما هذا السيف والحرير فأخبره
بما كان فانصرف فجاء بسيفه فحلا به وردان حتى قتله، وخرج شبيب نحو
أبواب كندة في الغلس وصاح الناس فلقيه رجل من حضرموت يقال له: عوض وفي يد شبيب السيف فهجم عليه الحضرمي وأخذ سيفه فلما رأى
الناس قد اقبلوا في طلبه والسيف في يده خاف على نفسه فتركه ونجى بنفسه

(1) هو عبد الله بن بحرة. مروج الذهب 2 ص 289. طبقات
ابن سعد 3 ص 23.
144

، ونجا شبيب في غمار الناس، وأخذوا ابن ملجم فأتوا به عليا فقال له:
أي عدو الله ألم أحسن إليك قال: بلى قال: فما حملك على هذا قال: شحذته
أربعين صباحا وسألت الله ان يصل به شر خلقه، فقال علي (ع): فلا أراك
الا مقتولا به ولا أراك الا من شر خلق الله. وأما البرك وعمرو بن بكر في
تلك الليلة التي ضرب فيها علي (ع) فقعد كل منهما لصاحبه، فقعد عمرو
ابن بكر لعمرو بن العاص فلم يخرج اتفاقا تلك الليلة وأرسل عوضه خارجة يصلي
بالناس فقتله وهو يظن أنه هو عمر فقتل في ذلك أراد عمرو وأراد الله خارجة
وقيل: أنه لما عرف انه ليس هو كف عنه وقال: إنما أريد قتل عمرو ولا
فائدة لي من قتل هذا فتركه.
وقعد البرك لمعاوية فلما خرج لصلاة الصبح شد عليه فأدبر معاوية
هاربا فوقع السيف في عجزه وأخذ البرك فقال: ان معي خبرا أسرك به فهل
ذلك نافعي عندك قال نعم قال: ان أخاك عليا قتل في هذه الليلة قال: فلعل
قاتله لم يقدر عليه ذلك، قال: بلى ان عليا يخرج وليس معه أحد يحرسه فأمر
به معاوية فقتل، وبعث إلى الساعدي وكان طبيبا فلما نظر إليه قال: اختر
إحدى خصلتين أما أحمي حديدة واضعها موضع السيف، وأما أسقيك
شربة تقطع منك الولد وتبرأ منها فان ضربتك مسمومة فقال معاوية: أما
النار فلا صبر لي عليها، وأما انقطاع الولد فأن في يزيد وعبد الله وأولادهما
ما تقر به عيني فسقاه تلك الشربة فبرأ ولم يولد له (1).
وأما علي (ع) فلم يعالج ضربته وكانت قد بلغت إلى أم رأسه فمات
منها (ع) ولما حضره الموت دعا بدوات وصحيفة وقال للكاتب اكتب:

(1) الطبري 4 ص 115 الإمامة والسياسة 1 ص 169.
145

بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب انه يشهد
ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله
بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ثم إن صلاتي
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول
المسلمين، أوصيك يا حسن وولدي وجميع أهل بيتي ومن بلغه كتابي هذا
من المؤمنين بتقوى الله ولا تموتن الا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله
جميعا ولا تفرقوا، فاني سمعت رسول الله (ص) يقول: صلاح ذات البين
خير من عامة الصلاة والصوم، انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله
عليكم الحساب، الله الله في الأيتام لا يغيروا أفواهم ولا يضيعوا بحضرتكم،
والله والله في جيرانكم فأنهم وصية نبيكم ما زال يوصي بهم حتى ظننا انه
سيورثهم، والله والله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله والله
في الصلاة فإنها عماد دينكم، والله والله في بيت ربكم فلا يخلوا منكم ما بقيتم
فإنه ان ترك لم تناظروا، والله والله في صيام شهر رمضان فان صيامه جنة من
النار، والله والله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، والله
والله في الزكاة فإنها تكف غضب الرب، والله والله في ذمة نبيكم لا تظلمن
بين ظهرانيكم، والله والله في أصحاب نبيكم فان رسول الله (ص) أوصانا
بهم، والله والله في الفقراء والمساكين فشاركوهم في معاشكم، والله والله فيما
ملكت أيمانكم فأن آخر ما أوصانا به رسول الله (ص) ان قال: أوصيكم
بالضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم.
الصلاة الصلاة لا تخافوا في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى
عليكم، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي
146

عن المنكر، فيولي الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم
بالتواصل والتباذل والثبات، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق والحسد،
وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، وأتقوا الله أن
الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم (ص)،
أستودعكم الله واقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته (1).
ثم لم يتكلم بشئ بعد ذلك الا بلا إله الا الله محمد رسول الله (ص)
حتى قبض رحمة الله ورضوانه عليه.
وعن أبي الطفيل وجعفر بن حيان قالا لما: قتل علي بن أبي طالب
وفرغ منه قام الحسن بن علي (ع) خطيبا: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس والله لقد فارقكم رجل ما سبقه أحد كان قبله، ولا يدركه أحد
كان بعده، والله لقد كان رسول الله (ص) يعطيه الراية ويبعثه في السرية
فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله على
يديه، والله لقد قتل في الليلة التي قبض فيها روح موسى، وعرج بروحه
في الليلة التي عرج فيها بعيسى، وفي الليلة التي أنزل فيها القرآن، وفي الليلة التي
فتح الله على رسوله (ص) التي كان صبيحتها يوم بدر، وفي الليلة التي قتل
فيها يوشع بن نون فتى موسى، وليلة كان كذا وكذا... والله ما ترك من
صفراء ولا بيضاء الا ثمانمائة درهم أو سبعمائة درهم وخمسون درهما أو تسعمائة

(1) نقل الوصية هذه بحذافيرها جل المؤرخين قديما وحديثا باختلاف
يسير في ألفاظها وانها عين الوصية التي أوصى بها الإمام (ع) وهو في اخر نفساته
الشريفة كما ذكرها الطبري في تاريخه 4 صحيفة 113، وابن كثير في البداية
والنهاية 7 صحيفة 327.
147

درهم، فضلت من عطاياه كان أعدها لخادم يشتريه لام كلثوم أو قال: لأهله
(1) ثم قال: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي ثم تلا هذه
الآية قول يوسف (ع): واتبعت ملة ابائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ثم
أخذ في كتاب الله ثم قال: انا ابن خاتم النبيين، وأنا ابن البشير النذير،
وانا ابن الداعي إلى الله باذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا ابن الذي أرسل
رحمة للعالمين، وانا من أهل بيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا،
وأنا من أهل بيت الذين كان جبريل (ع) ينزل فينا ويصعد من عندنا.
وأنا من أهل بيت الذين فرض الله تعالى مودتهم على كل مسلم. وانزل الله
فيهم: قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى، ومن يقترف حسنة
نزد له فيها حسنا، واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت (2).
وروي عن ابن شهاب الزهري (رح) قال: دخلت الشام وانا أريد
الغزو فأتيت عبد الملك بن مروان لأسلم عليه قال: فوجدته في قبة على فرش
تقرب من القايم أو تفوق القايم والناس تحته سماطان فسلمت ثم جلست
فقال لي: يا ابن شهاب أتعلم ما كان في البيت المقدس صباح قتل علي بن أبي طالب
قلت نعم قال: هلم فقمت من وراء الناس حتى اتيت خلف القبة فحول إلي
وجهه وانحنى علي فقال: ما كان قلت: لم يرفع حجر من بيت المقدس الا
وجد تحته دم فقال: لم يبق أحد يعلم بهذا غيري وغيرك فلا يسمعن هذا
منك أحد قال: فما حدثت به حتى توفي.

(1) وفي رواية: ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه.
(2) شرح ابن أبي الحديد 4: 11، العقد الفريد 2: 7 جمهرة
خطب العرب 2: 1، الطبري 4 ص 120.
148

وعن الزهري ان أسماء الأنصارية قالت: ما رفع حجر بايليا يعني حين
قتل علي بن أبي طالب الا وجد تحته دم عبيط.
قال الحافظ أبو بكر بن الحسين البيهقي (رح) قلت: كذا روي في
هاتين الروايتين وقد روي بإسناد صحيح عن الزهري ان ذلك كان حين قتل
الحسين بن علي (ع) ولعله وجد عند قتلهما جميعا والله أعلم.
وروي عن لمح خال المتوكل قال: سمعت سليم بن منصور بن عمار عن
أبيه قال: سحت على شط البحر فأتيت على دير وفي الدير صومعة فيها راهب
فناديته فأشرف علي فقلت: من أين يأتيك طعامك قال: من مسيرة شهر
قلت: حدثني بأعجب ما رأيت من هذا البحر قال: انظر تلك الصخرة وأومأ
بيده إلى صخرة على شط البحر فقلت: نعم فقال: يخرج كل يوم من هذا
البحر طاير مثل النعامة فيقع عليها فإذا استوى واقفا تقيا رأسا ثم تقيا يدا
ثم تقيا رجلا ثم تقيا يدا ثم تقيا رجلا ثم تلتئم الأعضاء بعضها إلى بعض
فيستوي انسانا قاعدا فيهم بالقيام فينقره الطائر نقرة فيأخذ رأسه ثم يأخذ
عضوا عضوا كما قاه فلما طال ذلك علي ناديته يوما وقد أستوى جالسا ألا
من أنت؟ فالتفت إلي وقال: هو عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب
وكل الله بي هذا الطاير فهو يعذبني إلى يوم القيامة.
خاتمة لها من فتيق مسك التحقيق ختام، وعلى مناهلها العذاب لقلوب
الأصفياء خيام، في كلمات وردت عن جناب المخصوص بالعلوم الدينية،
والموصوف بالأوصاف الرضية ألسنة السنية الكاشف للمعضلات بتبيانه الحال
للمشكلات ببيانه الذي قدره على. كنيته أبو الحسن واسمه علي:
149

نقل الامام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (رح) في فضايل
علي (رض) من تصنيفه عن عاصم بن صميرة ان عليا (رض) كان يعلمهم هذه
الكلمات: آلهي عظم حلمك فعفوت فلك الحمد، وتبسطت يدك فأعطيت
فلك الحمد، ربنا وجهك أكرم الوجوه، وجاهك خير الجاه، وعطيتك
أبلغ العطية، تطاع ربنا فتشكر، ونعصي ربنا فتغفر، وتجيب المضطر وتكشف
الضر، وتشفي من السقم وتنجي من الكرب وتقبل التوبة وتغفر الذنب، لا يجري
بآلائك أحد، ولا يحصي نعمك قول قائل.
ونقل أيضا عن محمد بن جابر عن علي (ع) قال: بينا انا أطوف بالبيت
إذا رجل متعلق بأستار الكعبة يقول: يامن لا يشغله سمع عن سمع يأمن
لا يغلطه المسايل، يامن لا يتبرم بالحاح الملحين، أذقني برد عفوك وحلاوة
رحمتك، قال فقلت: أيها الرجل أعد الكلام قال: أو سمعته قلت نعم قال: فقله في دبر كل صلاة فوالذي نفس الخضر بيده لو كان عليك ذنوب بعدد
قطر السماء وحصاء الأرض وترابها لغفر لك.
وعن سعيد بن زيد قال كان: علي (رض) يقول: اللهم إني أشهدك ان
السماوات والأرض وما بينهما أيات تدل عليك، وشواهد تشهد لك بما
أدعيت، كل يؤدي عنك حجة ويشهد بالربوبية موسومة باثار قدرتك،
ومعالم تدبيرك الذي تجليت به لخلقك فأوصلت إلى القلوب من معرفتك
ما آنسها من الوحشة منك مع معرفتك شاهدة لك بأنك لا تحدك الصفات
ولا يدركك الأوهام، وان حط المتفكر فيك الا قرار لك بالوحدانية وأعوذ
بك ان أظل أو أزل أو أسير بروح أو بدن إلى غيرك.
وعن حماد بن إبراهيم ان علي بن أبي طالب (ع) جمع الدنيا والآخرة
150

في خمس كلمات كان يقول: اللهم أني أسألك من الدنيا وما فيها ما أسدد به
لساني، وأحصن به فرجي، وأؤدي به أمانتي، وأصل به رحمي، واتجر
به لاخرتي، وكان (رض) يقول: كونوا في الناس كالنحلة ليس من الطير
شئ الا وهو يستضعفها، ولو علم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا لها
ذلك، وخالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وباينوهم بقلوبكم وأعمالكم فان
لكل أمرء ما اكتسب وهو يوم القيامة مع من أحب.
وعن داود بن أبي عمرة قال قال علي (رض): خمس خذوهن عني
لا يخافن أحد منكم الا ذنبه، ولا يرجون الا ربه، ولا يستحي من لا يعلم
أن يتعلم، ولا يستحي من يعلم إذا سأل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم،
ان الصبر والايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الصبر ذهب الايمان
وإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وفي رواية: وان الصبر من الأمور
بمنزلة الرأس من الجسد فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر
الأمور فسدت الأمور، ثم قال: إلى أدلكم على الفقيه، حق الفقيه من لم
يقنط الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله، ولم يؤمنهم مكر
الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه، وفي رواية: ولا تتركوا
العارفين الموحدين الجنة ولا تتركوا العاصين المذنبين النار حتى يكون الرب
تبارك وتعالى هو الذي يقضي بينهم، ولا تأمنن خير هذه الأمة من عذاب
الله تعالى فأن الله يقول: فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون.
ولا ييأسن شر هذه الأمة من روح الله، فان الله تعالى يقول: أنه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون، ألا لا خير في عبادة
ليس فيها تفقه ولا علم ليس فيه تفهم، ولا امرأة ليس
151

فيها تدبر (1).
ونقل الامام البيهقي (رح) بسنده إلى علي (رض) قال: ما خلق الله تعالى شيئا
أعز من الحكمة ولا يسكنها الا في قلب متواضع، وأشرف الغنى ترك المنى، ومن
قنع بما رزقه الله تعالى استغنى، ومن فر من الناس سلم، ومن أخرج من
قلبه شغل مالا يعنيه خرج لما يعنيه، ومن منع نفسه من شهوات الدنيا
صار حرا، ومن أخرج من قلبه الحسد ظهرت له المحبة، ومن صبر أياما قلايل
وصل إلى نعيم دائم، وما زهد عبد في الدنيا الا وجد حلاوة طاعة الله،
ولا يشتغل عبد بخدمة الله إلا بخصلة واحدة وبها تنطق الكتب الأربعة التوراة
والإنجيل والزبور والفرقان وهي سنة جميع الأنبياء وسنة كل حكيم وصديق
فقيل له: وما هذه الخصلة قال: سقوط هم غد من قلبك، والتائب يرعى
في مرج الزاهد، والزاهد يرعى في مرج العارف، والعارف يرعى في
مرج الله، والعارف في الدنيا واحد مع الناس وفي الآخرة واحد
في الناس.
وقال (رض): كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل فإنه لن
يقل عمل مع التقوى وكيف يقل عمل يتقبل (2).
وروى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (رح) رواية أهل البيت (ع) عن

(1) حلة الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني 1 ص 76 - 77 بعدة أسانيد
(2) حلية الأولياء 1 ص 75 نقلا عن علي بن محمد بن إسماعيل
الطوسي وإبراهيم بن إسحاق عن أبي بكر بن خزيمة عن علي بن حجر عن
يوسف بن زياد عن يوسف بن أبي المتئد عن إسماعيل بن أبي خالد عن
قيس بن أبي حازم - الخ -.
152

جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي أن عليا (رض) قال: قال رسول الله (ص)
من نقله الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه الله بلا مال، واعزه بلا عشيرة
وأنسه بلا انس، ومن خاف الله أخاف الله منه كل شئ، ومن لم يخف الله
أخافه الله من كل شئ، ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه
باليسير من العمل، ومن لم يستح من طلب المعيشة خفت مؤنته ورخى باله
ونعم عياله، ومن زهد في الدنيا يثبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها
لسانه وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار القرار.
وقال الحافظ أبو نعيم: هذا حديث غريب لم يروه مرفوعا الا العترة
الطاهرة الطيبة (ع) خلفها عن سلفها، وما كتبناه الا عن هذا الشيخ.
وروى الإمام أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي (رح)
في كتاب - جوامع الكلم ونوابع الحكم - من تأليفه بسنده إلى علي (رض)
قال: قال رسول الله (ص): الأنبياء قادة، والفقهاء سادة، ومجالستهم زيارة،
وأنتم في ممر الليل والنهار في آجال معدودة واعمال محفوظة، والموت يأتي
بغتة فمن يزرع خيرا يحصد غبطة، ومن يزرع شرا يحصد ندامة، هذا
حديث شريف جليل يحوي صفة الأنبياء ونعت الفقهاء ويرغب في الاقتباس
من بحارهم الزاخرة ويشتمل على الموعظة الحاوية لمصالح الدنيا والآخرة.
وعن علي (رض) ان رسول الله (ص) قال: له يا علي الا أعلمك كلمات أن
قلتهن غفر لك على أنه مغفور لك: لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله
الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، رواه الترمذي، وفي رواية
له: والحمد لله رب العالمين، وفي رواية: سبحانه الله رب العرش العظيم
والحمد لله رب العالمين، بدل قوله: لا إله إلا الله رب
153

العرش العظيم.
وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ان النبي (ص) قال لعلي بن
أبي طالب: إذا هالك أمر فقل: اللهم أسألك بحق محمد وآل محمد ان تكفيني
شر ما أخاف واحذر فإنك تكفى ذلك الأمر، فهذه دعوة خفيفة القول مطردة
لكل بلية وهول، ومكسية لكل قوة وحول، ومجلبة لكل عطية ونول، من
قالها: في كل مهمة أو نازلة أدرك مأموله وكفي محذوره إن شاء الله تعالى.
وروي ان النبي (ص) قال له يا علي: إذا بكى اليتيم اهتز العرش ويقول
الله عز وجل: يا جبريل وسع في النار لمن أبكاه فاني أبكيه ووسع في الجنة
لمن اضحكه فاني اضحكه.
وروي ان النبي (ص) أوصى عليا (ع) بخصال منها أنه قال: له أوصيك
في نفسك بخصال فاحفظها عني اللهم أعنه: الأولى منهن الصدق لا يخرجن
من فيك كذبة أبدا، الثانية الورع لا تجترء على خيانة ابدا، والثالثة الخوف
من الله كأنك تراه، والرابعة كثرة البكاء من خشية الله والدعاء يبني لك بكل دمعة الف
بيت في الجنة، والخامسة بذل مالك ودمك دون دينك،
السادسة الاخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي، أما الصدقة فجهدك حتى
تقول: قد أسرفت ولم تسرف، وأما الصوم فثلاثة أيام في كل شهر (1)
وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الزوال، وعليك
بصلاة الزوال وعليك بتلاوة القرآن على كل حال، وعليك برفع يديك
إلى صلاتك وتقليبها. وعليك بالسواك عند كل وضوء. وعليك بمحاسن

(1) في رواية: أما الصلاة فالخمسون ركعة. وأما الصيام فثلاثة أيام
في الشهر الخميس في أوله والأربعاء في وسطه والخميس في اخره.
154

الأخلاق فارتكبها، ومساوي الأخلاق فاجتنبها، فإن لم تفعل فلا تلم
الا نفسك (1).
وروي ان النبي (ص) قال: له يا علي أربع خصال من الشقاء: جمود
العين، وقساوة القلب، وبعد الامل، وحب البقاء، يا علي: أنهاك عن أربع
خصال: عن الحسد والحرص والكبر والغضب، يا علي: سيد الأعمال ثلاث
خصال: انصاف الناس من نفسك ومواساة الأخ وذكر الله تعالى كل حال
يا علي: ان من أبواب البر، سخاء النفس وطيب الكلام والصبر على الأذى.
يا علي: ثلاث خصال درجات للمؤمن في الدنيا، لقاء الاخوان وتفطير الصايم
والتهجد من آخر الليل، يا علي: ثلاث من لم يكن فيه لم يقم له عمل، ورع
يحجزه عن معاصي الله، وخلق تداري به الناس وحلم ترد به جهل الجاهل،
يا علي: ثلاث موبقات: نكث الصفقة وترك السنة وفراق الجماعة، يا علي: ثلاث
منجيات تكف لسانك وتبكي على خطيئتك وسعيك بيتك يا علي: ثلاث من
حقايق الايمان، الانفاق من الافتقار، وانصافك الناس من نفسك، وبذل
السلام للعالم، يا علي: ان للمؤمن ثلاث علامات الصلاة والزكاة والصيام،
وللمتكلف ثلاث علامات يتملق إذا حضر ويغتاب إذا غاب ويشمت بالمصيبة
وللظالم ثلاث علامات يقهر من دونه بالغلبة ومن فوقه بالمعصية ويظاهر الظلمة،
وللمرائي ثلاث علامات: ينشط عند الناس ويكسل إذا كان وحده ويحب
ان يحمد في جميع أموره، وللمنافق ثلاث علامات: يتوانا حتى يفرط،
ويفرط حتى يضيع ويضيع حتى يأثم وليس ينبغي للعاقل ان يكون شاخصا
الا في ثلاث خصال: مرمة لمعاش وتزود لمعاد ولذة في غير محرم.

(1) مجموعة ابن ورام - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 2 ص 91.
155

وروى الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (رح) بسنده إلى
علي (رض) أنه قال: من ابتدء غذاءه بالملح أذهب الله عنه سبعين نوعا من
البلاء. ومن أكل كل يوم سبع تمرات عجوة قتلت كل دابة في بطنه، ومن
أكل كل يوم إحدى وعشرين زبيبا حمراء لم ير في جسده شيئا يكرهه.
واللحم ينبت اللحم. والثريد طعام العرب. والبسبازجات يعظم البطن ويرخي
الألسن. ولحم البقر داء، ولبنها شفاء وسمنها دواء. ولم يستشف الناس
بشئ أفضل من السمن. والسمك يذيب الجسد. وقراءة القرآن والسواك
يذهب البلغم. ولم تستشف النفساء بشئ أفضل من الرطب. والمرء يسعى
بجده، والسيف يقطع بحده. ومن أراد البقاء ولا بقاء فليبكر الغداء وليقل
غشيان النساء، وليخفف الرداء قيل: له وما خفة الرداء في البقاء قال: قلة
الدين طوبى لمن عيشه عيش الكلاب. للكلب عشر خصال: أولها ليس له مقدار
عند الخلق، الثانية انه فقير ليس له مال، الثالثة الأرض كلها له بساط،
الرابعة أكثر أوقاته يكون جائعا وأقله يكون شبعانا، الخامسة أن ضربه
صاحبه مائة جلدة لا يترك بابه، السادسة يحفظ صاحبه ويأخذ العدو ويترك
الصديق، السابعة يحفظ باب صاحبه في الليل والنهار ولا ينام، الثامنة أكثر
عمله السكوت، التاسعة يكون راضيا بما يدفعه صاحبه إليه، العاشرة إذا
مات لم يترك من الميراث شيئا.
وقال (ع): السواك من السنة وفيه اثنى عشر خصلة. مطهرة للفم
ومجلاة للبصر. ويرضي الرحمن. ويبيض الأسنان. ويذهب بالخصر. ويشد
اللثة. ويشهي للطعام ويذهب بالبلغم. ويزيد في الحفظ. ويضاعف الحسنات
وتفرح به الملائكة. ويزيد في العقل.
156

وقال (رض): ليس الخير ان يكثر مالك وولدك. ولكن الخير ان يكثر
عملك ويعظم حلمك وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فان أحسنت حمدت الله
وان أسأت استغفرت الله. ولا خير في الدنيا الا لأحد الرجلين رجل أذنب
ذنوبا فهو يتدارك ذلك بتوبة أو رجلا يسارع في الخيرات. ولا يقل عمل
في التقوى وكيف يقل ما يتقبل (1).
وقال (رض): لا شرف أعلى من الاسلام. ولا عز أعز من التقوى
ولا معقل أحرز من الورع. ولا شفيع انجح من التوبة. ولا لباس أجمل
من العافية. ولا وقاية أمنع من السلامة. ولا كنز اغنى من القناعة. ولا
مال أذهب للفاقة من الرضى بالقوت. ومن اقتصر على بلغة الكفاية فقد انتظم
الراحة، وتبوأ خفض الدعة. والدعة مفتاح التعب ومطية النصب. والحرص
داع إلى التقحم في الهلكات واكتساب الذنوب، والشر جامع لمساوي
العيوب (2) من كثر دينه لم تقر عينه. والرفق مفتاح الرزق. والمال لا ينفعك
حتى يفارقك. والسخاء أن تكون بمالك متبرعا. وعن مال غيرك متورعا.
من كثرت عوارفه كثرت معارفه. وأفضل المعروف إغاثة الملهوف، من
بخل بماله على نفسه جاد به على زوج عرسه. من أجمل في الطلب اتاه رزقه
من حيث لا يحتسب، ومن فعل ما شاء لقي مالا يشاء. الدنيا منازل فراحل
ونازل. الدنيا صروف لست منها بمصروف. الدنيا كلها غموم. الطمع محنة

(1) حلية الأولياء 1 ص 75 عن عمر بن محمد بن عبد الصمد عن الحسن
ابن محمد بن غفير عن الحسن بن علي عن خلف بن تميم عن عمر بن الرحال عن
العلاء بن المسيب عن عبد خير (الخ).
(2) شرح النهج 4 ص 553.
157

الاخوان في الله تدوم مودتهم لدوام سببها، والاعراض في أعضائك
راحة في أعضائك. من علم ما فيه ستر على أخيه. ليس بانسان من نسي
الاحسان، الاغترار بالاغمار من شيم الأغمار، أي عيش يطيب. وليس للموت
طبيب. الفقر مخذلة. والفناء محذلة. والبؤس مرذلة. والسؤال مبذلة. من طلب
ما لم يخلق تعب ولم يرزق. القبر خير من الفقر. ما أقبح بالانسان ظاهر جميل
وباطن عليل. عذابان لا يشعر بهما أحد السفر والبناء. من استصلح الأضداد
بلغ المراد. وسبب المعاداة قلة المبالاة. للكلام أوقات وللمتكلم افات.
من استعان بالرأي ملك. ومن كابر الأمور هلك. وأحل النوال ما وصل قبل
السؤال. ومن لم يشكر على الانعام فأعدوه من الانعام، رأس العقد التودد
إلى الناس. كن للود حافظا وان لم تجد محافظا. لقاء الاخوان جلاء الاجران
اجهد ان يكون خلقك أحسن من خلقك. دع الكذب حيث ترى أنه
ينفعك فإنه يضرك. وعليك بالصدق حيث ترى أنه يضرك فإنه ينفعك. من
علامات الاقبال اصطناع الرجال. المخذول من كان له إلى الليام حاجة. من
لم يقد بالأدب ما لا اكتسب به جمالا. ورب طمع خايب وأمل كاذب ورجاء
يؤدي إلى حرمان، وارباح تؤل إلى الخسران. ومن فرط في الأمور غير ناظر
في العواقب فقد تعرض لفادحات النوايب. والحسد آفة الدين والنعي سابق
إلى الحين. وبئس القلادة للمؤمن العفيف قلادة الدين. وفطنة الفهم موعظة
تدعوا النفس إلى الحذر. والعقول تزجر وتذهي. والتجارب علم مستأنف.
والاعتبار تدلك إلى الرشاد. وكفى بك أدبا لنفسك ما كرهته من غيرك.
وعليك لأخيك مثل الذي عليه لك. وأنفع الكنوز محبة القلب. وقد خاطر
من استغنى برأيه والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم. من أمسك عن
158

الفضول عد من أصحاب العقول. وأشرف الغنى ترك المنى. ومن عرف
الأيام لم يغفل عن الاستعداد. والصبر جنة من الفاقة. والحرص علامة
الفقر. والتجمل اجتناب المسكنة. وفي المودة قرابة مستفادة. وواصل معدم
خير من جاف مكثر. ومن أطلق طرفه كثر أسفه. ومن أحب من لا يعرف
فإنما مازح نفسه. ومن حصن شهوته صان قدره. ومن غلب لسانه أمره
قومه. ورب كلمة سلبت نعمة. ومن ضاق خلقه مله أهله. ومن قلب
الاخوان عرف جواهر الرجال. والأيام تهتك عن السراير الكامنة. والتواضع
يكسوك السلامة. وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق. ولكل زمن قوت
وأنت قوت الموت. والموت كأس وباب التوبة مفتوح فلا تيأس من الغفران.
ورب عاكف على ذنب تاب في آخر عمره.. من كساه الغنى ثوبا خفيت
عيوبه. ومن تحرى خفت عليه المؤنة. وفي خلاف النفس الرشد والصبر.
والجزع من أنواع نوائب الزمان. والجود حارس لأعراض الرجال. والحلم
أدب للسفيه وفي الاستشارة عبر من الهداية. ومن قاس الأمور فهم المستور
والحق ظل ظليل. والاحمال أوفر على الحظ من الحدة. ومن التوفيق حفظ
التجربة. والطمأنينة قبل الخبرة صد الحزم. ولا تأمنن ملولا. وفقد بعض
إخوانك قطع عضو من أعضائك. أغض على قذى وإلا لم ترض أبدا. وأقبح
المكافات مجازاة الأساة. عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله. ومن لم تحسن
خلائقه لم يعسل أدبه. ومن لان عوده كثفت أغصانه. ومن حشبت عريكته
اقترفت ساحته. وأدنس شعار المرء جهله. ومن الفراغ تكون الصبوة.
والخلاف يهدم الرأي. وربما أدرك الظن الصواب. وبالمواساة تنال ما تهوى.
والشكر عصمة من النقمة. واللب مفتاح العلم. والعدل مألوف. والهوى
159

عسوف. وعدل السلطان أنفع من خصب الزمان، من أشفق على سلطانه
أمسك عن عدوانه. من حسنت سياسته دانت رياسته. من طال عدوانه
زال سلطانه. من تأنى أدرك ما تمنى. ومن ركب العجلة لم يأمن الكربة.
والأناة تجلو الهمة. وعلى الانصاف ترضخ الاخوة. والحسد لكل صديق
من سقم المودة. وأكثر مصارع العقول عند بروق المطامع. ولن تدوم مودة
من أسطلت عليه في الموقف. وحصتك من الساعي حسن المعاشرة. والبشر
الحسن يطفي نار المعاندة. والرفق يصل حد المخالفة. وأنت أخو العز
ما التحفت بالقناعة. والخذول من كانت له إلى الناس حاجة. والحرم الوقوف
مع الشبهة. ورب صيانة غرست من لحظة وحرب اضطربت من لفظة.
وأصل الأشياء كلها من كلمة.
ولابن آدم خلقت الدنيا والآخرة، بقاءك إلى فناء وفناءك إلى بقاء. وخذ
من فنائك الذي لا يبقا لبقائك الذي لا يفنى. من أطاع هواه باع دينه بدنياه
من أطاع هواه هلك. ومن أطال مولاه ملك. والسعيد من أخلص الطاعة
والغني من آثر القناعة. والحكيم لا يعجب بقضاء محتوم حل بمخلوق. والى
جانب السرور يكون التغيض. ومدة الأبد في يوم غد أمسك ولعل
غدا لغيرك. ورب هالك في يومه وقلبه بالعلل رهين. هيهات منك الغنى
إذا لم يقنعك ما حويت. المصايب بالسوية مقسومة بين البرية. كل آت
كان قد أتى. اعتبر في المهلة قبل نفاذ المدة. وأبين الغبن كذلك لغيرك.
عفة اللسان صمته، وربما غلب الكلام على صاحبه. ومن تقدم بحسن النية
بصره التوفيق. وليس الذي عنف شمل ولا الفة. والتعاطف في الحيلة إحدى
الوسيلة. والنجاة في التواضع. إزالة الرواسي أسهل من تأليف القلوب.
160

الحسد داير الجسد. الحسد يورث الكمد. وما رأيت حاسدا سالم أحد.
وبالسيرة العادلة تقهر المناوي. وبحلمك على السفيه يكثر أنصارك عليه.
والصدق والوفاء يكونان للناس حصنا. ولأهل العار يضرب الزمان الأمثال
وكل يوم يفيدك علما. أحق الناس بالرضى من عرف نقص الدنيا. لكل
قلب ما يشغله. حوايج الدنيا تنهك القوى في الأعضاء. من اتبع الهوى
ضل لا شك.
ويروى أنه (رض) كتب إلى ابنه الحسن كتابا يوصيه فيه وهو
بصفين وكان الحسن بقاصدين (1).
بسم الله الرحمن الرحيم: من الوالد الفان المقر للزمان، المدبر العمر
المستسلم للدهر، الذام للدنيا الساكن الموتى، الضاعن عنها إليهم غدا،
إلى المولود المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من هلك غرض الأسقام ورهينة
الأيام ورمية المصائب، وعبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا وأسير الموت
وحليف الهموم، وقرين الأحزان، ونصب الآفات وصريع الشهوات،
وخليفة الأموات.
أما بعد: فان فيما تبينت من ادبار الدنيا عني وجنوح الدهر علي،
واقبال الآخرة إلي، ما يرغبني عن ذكر من سواي والاهتمام بما ورائي، غير

(1) ذكر الكثيرون كتاب الإمام علي (ع) ومن بينهم أحد أئمة الفقه
والحديث في القرن الرابع الهجري أبو محمد الحسن بن علي بن شعبة فقد
ذكره في كتابه - تحف العقول - ص 68 وفي شرح النهج 4 ص 4، والسيد
الأمين في أعيان الشيعة 3 ص 602 مع تغيير بسيط في ألفاظه وعباراته ولقد
اعتمد في نقله على كتاب - تحف العقول - الطبعة الثانية.
161

أنه حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي فصدقني رأيي وصرفني هواي
وصرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جد لا يكون فيه لعب، وصدق لا
يثوبه كذب، وجدتك بعضي بل وجدتك كلي (1) حتى كأن شيئا أصابك
أصابني، وكأن الموت لو اتاك أتاني فعناني من أمرك بما يعنيني من أمر
نفسي، فكتبت إليك كتابي هذا مستظهرا به ان أنا بقيت لك أو فنيت،
واني أوصيك بتقوى الله أي بني ولزوم أمره وعمارة قلبك بذكره والاعتصام
بحبله وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله ان اخذت به.
أحيي قلبك بالموعظة، وموته بالزهد وقوة اليقين وذلله بالموت،
وقرره بالفناء وبصره فجايع الدنيا وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الليالي
والأيام، وأعرض عليه اخبار الماضين وذكره بما أصاب من كان قلبه وسر في
بلادهم واثارهم وانظر ما فعلوا وأين حلوا وعمن انتقلوا، فإنك تجدهم انتقلوا
عن الأحبة وحلوا دار الغربة وناد في ديارهم: أيتها الديار الخالية أين أهلك؟
ثم قف على قبورهم فقل: أيتها الأجساد البالية والأعضاء المتفرقة كيف
وجدتم الدار التي أنتم بها؟ أي بني وكأنك عما قليل قد صرت كأحدهم
فأصلح مثواك ولا تبع اخرتك بدنياك، ودع القوم فيما لا تعرف والخطاب
فيما لا تكلف، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلاله فان الكف عن حيرة
الضلالة خير من ركوب الأهوال، وأمر بالمعروف تكن من أهله وأنكر
المنكر بلسانك ويدك وباين من فعله بجهدك، وجاهد في الله حق جهاده ولا

(1) لان الامام السبط هو الخليفة له والقائم مقامه ووارث علمه
وفضائله، وكتب إليه هذه الوصية ليكون له ظهرا ومستندا يرجع إلى العمل
بها في حالتي بقائه وفنائه عنه.
162

تأخذك في الله لومة لائم، وخض الغمرات إلى الحق حيث كان وتفقه في
الدين وعود نفسك التصبر والجئ نفسك في الأمور كلها إلى آلهك فإنك
تلجئها إلى كهف حريز ومانع غريز، وأخلص في المسألة لربك فان بيده
العطاء والحرمان فأكثر الاستخارة، وتفهم وصيتي ولا تذهبن صفحا فان
خير القول ما نفع.
وأعلم أنه لا خير في علم لا ينفع ولا ينتفع بعلم حتى لا يقال به، أي
بني اني لما رأيتك قد بلغت سنا ورأيتني ازداد وهنا بادرت بوصيتي إياك
خصالا منهن ان يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي أو انقص
في رأيي كما نقصت في جسمي أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن
الدنيا فتكون كالصعب النفور، وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما القي
فيها من شئ قبلته فبادرتك بالأدب قبل ان يقسو قلبك ويشغل لبك لتستقبل
بحد رأيك من الامر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون
قد كفيت مؤنة الطلب وعوفيت من علاج التجربة فآتيك من ذلك ما قد كنا
نأتيه واستبان لك منه مأربة الظلم علينا فيه.
أي بني واني وان لم أكن عمرت من كان قبلي فقد نظرت في
أعمالهم وفكرت في أخبارهم وسرت في اثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأني
بما انتهى إلى من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى اخرهم فعرفت صفو ذلك
من كدره ونفعه من ضره فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك
جميله، وصرفت عنك مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد
الشفيق واجتمعت عليه من أدبك ان يكون ذلك وأنت مقبل بين ذي النقية
والنية، وان أبدأك بتعليم كتاب الله وتأويله وشرائع الاسلام وأحكامه
163

وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره ثم أشفقت ان يلبسك ما أختلف
الناس فيه أهوائهم وآرائهم مثل الذي لبسهم، وكان احكام ذلك لك على
ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من اسلامك إلى أمر لا أمن عليك فيه
الهلكة، ورجوت ان يوفقك الله فيه لرشدك وان يهديك لقصدك فعهدت
إليك بوصيتي هذه واحكم مع ذلك.
أي بني أن أحب ما أنت آخذ به إلى من وصيتي تقوى الله والاقتصار
على ما افترض عليك والأخذ بما مضى عليه الأولون من ابائك والصالحون من
أهل ملتك، فإنهم لم يدعوا أن ينظروا لأنفسهم كما أنت ناظر وفكروا كما
أنت مفكر مم ردهم آخر ذلك إلى الاخذ بما عرفوا، والامساك عما لم يكلفوا
فان أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما كانوا علموا، فليكن طلبك
ذلك بتفهم وتعلم لا بتورط الشبهات وغلو الخصومات، وابدا قبل نظرك في
ذلك بالاستعانة بآلهك عليه والرغبة إليه في توفيقك وترك شائبة أدخلت
عليك شبهة وأسلمتك إلى ضلالة، وإذا أنت أيقنت أن قد صفا لك قلبك
فخشع وتم رأيك فاجتمع وكان همك في ذلك هما واحدا فانظر فيما فسرت لك
وان أنت لم تجتمع لك ما تحب من نفسك من فراغ ذكرك ونظرك (1).
وأعلم ان الذي بيده ملكوت خزائن الدنيا والآخرة قد أذن بدعائك
وتكفل بإجابتك وأمر ان تسأله ليعطيك وهو رحيم لم يجعل بينك وبينه
ترجمانا، ولم يحجبك عنه ولم يلجئك إلى من يشفع إليه لك، ولم يمنعك ان
أساءت التوبة ولم يعيرك بالإنابة ولم يعاجلك بالنقمة ولم يفضحك حيث

(1) خشية الإطالة حذف المؤلف من هنا ما يربوا على نصف كتاب
الإمام (ع) وتجده بتمامه في كتاب تحف العقول، شرح النهج.
164

تعرضت للفضيحة، ولم يناقشك بالجريمة ولم يؤيسك من الرحمة، ولم يشدد
عليك في التوبة فجعل النزوع عن الذنب حسنة، وحسب سيئتك واحدة
وحسب حسنتك عشرا، وفتح لك باب المتاب والاستيناف فمتى شئت سمع
نداك ونجواك، فأفضيت إليه بحاجتك وأنبأته عن ذات نفسك وشكوت
إليه همومك، واستعنته على أمورك وناجيته بما تستخفي به من الخلق من
سرك، ثم جعل بيدك مفاتيح خزائنه فالحح في المسألة يفتح لك باب الرحمة
بما اذنك فيه من مسألته، فمتى شأت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه فالحح
ولا يقنطنك ان أبطأت عنك الإجابة، فان العطية على قدر المسألة وربما أخرت
عنك الإجابة ليكون أطول للمسألة واجزل للعطية، وربما سألت شيئا فلم
تؤته وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا أو صرف عنك لما هو خير لك،
فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته، ولتكن مسألتك فيما يعنيك
مما يبقى لك جماله أو يبقى عنك وباله، والمال لا يبقى لك ولا تبقى له، فإنه
يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسنا أو سيئا أو يعفو العفو الكريم.
وأعلم أنك خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت لا للحياة،
وأنك في منزل قلعة ودار بلغة وطريق إلى الآخرة فإنك طريد الموت الذي
لا ينجو هاربه، ولا بد انه مدركك يوما فكن منه على حذر ان يدركك على
حال سيئة قد كنت تحدث نفسك فيها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك فإذا
أنت قد أهلكت نفسك. أي بني أكثر ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه ويقضي
بعد الموت إليه وأجعله أمامك حتى يأتيك وقد أخذت حذرك لا يأخذك على
غرتك، وأكثر ذكر الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم فان ذلك
يزهدك في الدنيا ويصغرها عندك، وقد نبأك الله عنها ونعتت لك نفسها
165

وكشفت عن مساويها فإياك أن تغتر بما ترى من اخلاد أهلها إليها وتكالبهم
عليها، وإنما أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية يهر بعضها على بعض يأكل
عزيزها ذليلها وكبيرها صغيرها (1) فان تزهد فيما زهدك الله فيها من الدنيا
وتفرق نفسك عنها فهي أهل ذلك، وان كنت غير قابل نصيحتي إياك فيها
فأعلم يقينا إنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك، وانك في سبيل من كان
قبلك فاخفض في الطلب وأجمل في المكتسب فإنه رب طلب قد إلى حرب
وليس كل طالب بناج وكل مجمل بمحتاج، وأكرم نفسك عن كل دنية وان
ساقتك إلى الرغبة فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا، وإياك أن
توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة، ولا تأمن خدع الشيطان
واحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء، وحفظ ما في يدك أحب إلي من طلب ما في
يد غيرك، والعفاف مع الكفاف خير من سرور مع فجور.
وفي رواية: حسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع
الاسراف، وحسن الياس خير من الطلب إلى الناس، والمرء أحفظ لسره
ورب ساع فيما يضره، من أكثر هجر ومن تفكر أبصر، وإياك الاتكال على
المنى فإنها يضايع النوكى وتثبط عن خير الآخرة والدنيا، ومن اغتر اغتبط،
ومن خير حظ المرء قرين صالح، فقارن أهل الخير تكن معهم وباين أهل الشر
منهم، ولا تكن عبدا لغيرك وقد جعلك الله حرا، وما خير خير لا ينال
إلى بشر، ولا يغلبن عليك سوء الظن، فإنه لن يدع بينك وبين خليل لك
صلحا وقد يقال: من الحزم سوء الظن، بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف

(1) من هنا محذوف أكثر درره وغرره الحكمية عليه السلام وتجدها
بفصه ونصه في شرح النهج وتحف العقول.
166

أفحش الظلم، والفاحشة كاسمها، وكثرة العلل آية البخل، ولبعض امساكك
عن أخيك مع لطف خير من بذل مع جنف، يا بني: لا يكبرن عليك ظلم
من ظلمك فإنه إنما يسعى في مضرة نفسه ونفعك وليس جزاء من سرك
ان تسوه.
يا بني: زك قلبك بالأدب كما تذكي النار بالحطب، ولا تكن كحاطب
الليل وغثاء السبيل، أياك وكفر النعمة فان كفر النعمة لوم وصحبة الجاهل
شوم، أي بني: ليس كل طالب نصيب ولا كل راكب يؤب، ومن الفساد
إضاعة الزاد، ومن خاب ساد، ومن تفهم ازداد ولعا، أهل الخير عمارة
القلوب، يا بني: ان اقترفت سيئة فعجل محوها بالتوبة، ولا تخن من ائتمنك
وان خانك، ولا تدع سره وان أذاع سرك، خذ بالفصل وأحسن البدل،
وقل للناس حسنا، وأي كلمة حكم جامعة ان تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره
لهم ما تكره لها، وان من الكرم الوفاء بالذمم، وصلة الرحم، ومن يثق بك
أو يرجو صلتك إذا قطعت رحمك، ولا تتخذ عدو صديقك صديقا فتعادي
صديقك، ولا تعمل بالخديعة فإنها خلق اللئيم، وامحض أخاك النصيحة حسنة
كانت أو قبيحة وساعده كل حال وزل معه حيث ما زال، ولا تطلبن مجازاة
أخيك ولو حثا التراب بفيك، وخذ على عدوك بالفضل فإنه أحرى للظفر،
ولن لمن غالطك فإنه يوشك أن يلين لك، ما أقبح القطيعة بعد الصلة، والجفاء
بعد الإخاء والعداوة بعد المودة، والخيانة لمن ائتمنك والخضوع عند
الحاجة، والجفاء عند الغنى، إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك فأنفق
في حق ولا تكن خازنا لغيرك، وان كنت جازعا على ما تفلت من يديك
فاجزع كل ما لم يصل إليك، واستدلل على ما لم يكن بما كان فإنما الأمور
167

أشباه ونعم الخلق التكرم والام اللوم البغي عند القدرة، وما أقرب النقمة
من أهل البغي، واخلق بمن غدر الا يوفى له، والحياء سبب لكل جميل،
أحسن ان أحببت ان يحسن إليك وعجل الخير فإنك لست كلما أردته قدرت
عليه، واخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته، ليس كل من طلب وجد ولا كل
من توقى نجا، احمل أخاك على ما فيه ولا تكثر العتاب فإنه يورث الضغينة
ويجر إلى البغيضة، أي بني من كابر الزمان عطب ومن ينقم عليه غضب،
وليس من الاختلاف ائتلاف، ومن حسن جورا فقد جار، ذلة المتوقي شر
ذلة وعله، الكذب أقبح علة والفساد يبين الكثير والاقتصاد يثمر اليسير،
ولا خير في لذة تعقب ندما، أي بني: لن يهلك من اقتصد ولن يفتقر من
زهد، أي بني: تمام الاخلاص تجنب المعاصي، وخير المقال ما صدقه الفعال،
والسلامة مع الاستقامة والدعاء مفتاح الرحمة، أي بني: سل عن الرفيق
قبل الطريق وعن الجار قبل الدار وعود نفسك السماح، وإياك ان تذكر
من الكلام قذرا أو تكون مضحكا، وان حكيت ذلك عن غيرك، وأقبل
عذر من اعتذر إليك، وخذ العفو من الناس، ولا تبلغ إلى أحد مكروهة
وأطع أخاك وان عصاك وصله وان جفاك، وانصف من نفسك قبل أن
يتصف منك وإياك ومشاورة النساء فان رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى
وهن (1) واكفف عليهن من أبصارهن يحجبك إياهن فان شدة الحجاب
خير لك ولهن وليس خروجهن بأشد من ادخالك من لا يوثق به عليهن فان
استطعت ان لا يعرفن غيرك فافعل ولا تملك المراة من أمرها ما جاوز نفسها،
فان ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها، فان المرأة ريحانة وليست

(1) الأفن بالتحريك: ضعف الرأي. والوهن: الضعف.
168

بقهرمانة، ولا تعد بكر أمتها نفسها، ولا تطمعا ان تشفع لغيرها فتميل
مغضبة عليك معها، ولا تطل الخلوة مع النساء فيملنك أو تملهن، واستبق
من نفسك بقية من إمساكك عنهن وهن يرين انك ذو اقتدار خير من أن
يظهرن منك على انتشار، وإياك والتغاير في غير موضع غيرة فان ذلك
يدعو الصحيحة منهن إلى السقم ولكن احكم لمرهن، فان رأيت ذنبا فعاجل
النكير على الكبير والصغير، وإياك أن تعاقب فتعظم الذنب وتهون العتب وأحسن
للمماليك الأدب وأقل الغضب ولا تكثر العتب في غير ذنب، فإذا استحق
أحد منهم ذنبا فأحسن العدل فان العدل مع العفو أشد من الضرب لمن كان
له عقل وألتمسك بمن لا عقل له أوجب القصاص، وأجعل لكل امرء منهم
عملا تأخذه به، فإنه أحرى أن لا يتواكلوا، وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك
الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير، وبهم تصول وهم العدة عند الشدة
فأكرم كريمهم وعد سقيمهم وأشركهم في أمورهم وتيسر عند معسورهم،
يا بني اعرف الحق لمن عرفه لك شريفا كان أو وضيعا، وأطرح عنك واردات
الهموم بعزايم الصبر، ولا تضرم أخاك على ارتياب ولا تقطعه من دون استعتاب
وليس جزاء من سرك أن تسؤه، الرزق رزقان رزق تأتيه ورزق يأتيك،
فإن لم تأتيه أتاك واستعن بالله على أمورك فإنه أكفى معين (1) والسلام عليك
ورحمة الله وبركاته.
وروى الليث بن سعد (رح) عن نافع عن شريح القاضي قال: اشتريت
دارا بثمانين دينارا وكتبت كتابا وأشهدت عدولا فبلغ ذلك علي بن أبي

(1) في النهج. استودع الله دينك ودنياك وأسأله خير القضاء لك
في الدنيا والآخرة.
169

طالب (رض) فلما أتيته قال: يا شريح بلغني أنك اشتريت دارا بثمانين دينارا
وكنت كتبت وأشهدت عدولا قلت: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين قال: إنه
سيأتيك من لا ينظر في كتابك ولا يسألك عن بينتك حتى يخرجك منها
شاخصا، ويسلمك إلى قبرك خالصا، فانظر ان لا تكون اشتريت دارا من
غير مالك، ووزنت مالا من غير حلالك، فإذا أنت قد خسرت الدارين دار
الدنيا ودار الآخرة فلو أنك عندما اشتريت هذه الدار أتيتني فكتبت لك
كتابا على هذه النسخة إذا ما اشتريتها بدرهمين.
قلت: وما كنت تكتب يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت أكتب هذا ما اشترى
عبد ذليل من ميت قد أزعج بالرحيل اشترى منه دار بدار الغرور من الجانب
الفاني إلى عسكر الهالكين، تجمع هذه الدار حدودا أربعة، الحد الأول منها
ينتهي إلى دواعي المصيبات، والحد الثاني ينتهي إلى دواعي العاهات،
والحد الثالث ينتهي إلى دواعي الآفات، والحد الرابع ينتهي إلى الهوى
المردي والى الشيطان المغوي، وفيه يشرع باب هذه الدار، اشترى هذا
المفتون بالأمل من هذا المزعج بالأجل جميع ما في هذه الدار بالخروج من عز
القنوع، والدخول في ذل الطلب فما أدرك هذا المشتري من درك، فيما
اشتراه فعلى مبلى أجسام الملوك، وسالب نفوس الجبابرة، ومزيل ملك
الفراعنة، مثل كسرى وقيصر وتبع وحمير ومن جمع المال على المال فأكثر،
ومن بنى فشيد وزخرف ونجد وجمع ونظر ابن عمه للولد اشخاصهم جميعا إلى
موقف العرض والحساب وموضع الثواب والعقاب إذا وقع الأمر بفصل
القضاء، وفي رواية إذا وضع الكرسي لفصل القضاء وخسر هنالك المبطلون
وسمع المنادي المرهب ينادي في عرصاتها، ما أبين الجو لدى عينين شهد على
170

ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى وسلم من علايق الدنيا، والمعرفة إذا
تخلصت عن قيد المنى تزودوا من صالح الأعمال وكذبوا الآمال بالآجال
فقد دنى النقلة والزوال.
شعره رضي الله عنه
فما حفظ عنه من وثيق العبارات ودقيق الإشارات قوله:
وكن معدنا للحكم وأصفح عن الأذى فإنك لاق ما عملت وسامع
وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا فإنك لا تدري متى الحب راجع (1)
وله رضي الله عنه:
دنيا تخادعني كأني لست أعرف خالها
مدت إلي يمينها فقطعتها وشمالها
ذم الإله حرامها وأنا اجتنبت حلالها
ورأيتها محتاجة فتركت جملتها لها
وله أيضا مما رواه الأصمعي عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن
جده عن أبيه الحسين (ع) عنه (رض):
عش موسرا إن شئت أو معسرا لابد في الدنيا من الغم
دنياك بالأحزان مقرونة لا تقطع الدنيا بلا هم
حلاوة دنياك مسمومة فلا تأكل الشهد إلا بسم
محامدك اليوم مذمومة فلا تكسب الحمد إلا بذم

(1) ذكرهما ابن الصباغ في الفصول المهمة ص 100 ونور الابصار
ص 84 بزيادة بيت:
وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا فإنك لا تدري متى البغض رافع
171

إذا تم أمر بدا نقصه توق زوالا إذا قيل تم
إذا كنت في نعمة فارعها فان المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الاله فان الاله سريع النقم (1)
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على علي (رض) في
بعض علله فلما نظر إلي قال يا جابر: قوام الدين والدنيا بأربع: عالم مستعمل
لعلمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم وجواد لا يبخل بمعروفه، وفقير لا يبيع
اخرته بدنياه، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل
الغني بمعروفه باع الفقير اخرته بدنياه (2) فإذا كان كذلك فالويل كل الويل
يا جابر: سبعين مرة يا جابر: من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج المخلوقين
إليه، فان قام فيها بما أمره الله تعالى عرضها للدوام والبقاء، وإن لم يعمل
فيها بما أمره الله عرضها للزوال والفناء ثم أنشأ يقول:
من لم يواس الناس من فضله عرض للادبار أقبالها
فاحذر زوال الفضل يا جابر وأعط من الدنيا لم سالها
فان ذا العرش جزيل العطا يضعف بالحبة أمثالها (3)
قال جابر: ثم هزني إليه هزة خيل إلي أن عضدي خرجت من كاهلي،

(1) ذكرها ابن الصباغ في الفصول المهمة ص 101 مع زيادة بيتين وهما:
فأن تعط نفسك آمالها فعند مناها تحل الندم
فكم عاش في نعمة فما حس بالموت الا هجم
(2) شرح النهج 4 ص 410.
(3) ذكرها سبط ابن الجوزي في تذكرته ص 97 مع زيادة بيت:
ما أحسن الدنيا وأقبالها إذا أطاع الله من نالها
172

وقال يا جابر: حوايج الناس إليكم نعم من الله عليكم، فلا تملوا النعم فتحل
بكم النقم، وأعلموا أن خير المال ما أكتسب حمدا وأعقب أجرا ثم
أنشأ يقول:
لا تخضعن لمخلوق على طمع فان ذلك وهن منك في الدين
وأسأل إلهك مما في خزائنه فان ذلك بين الكاف والنون
ألا ترى كل من ترجوا وتأمله من البرية مسكين ابن مسكين
ما أحسن الجود في الدنيا وأجمله وأقبح البخل ممن صيغ من طين (1)
قال جابر: فهممت أن أقوم قال: أنا معك يا جابر فلبس نعليه وألقى
أزاره على منكبيه وخرجنا نتساير، فذهب بنا إلى الجبانة جبانة الكوفة،
فسلم على أهل القبور فسمعت ضجة وهجة فقلت: ما هذه الصيحة؟ فقالوا:
هؤلاء بالأمس كانوا معنا، واليوم فارقونا أتسأل عن أحوالهم فيهم اخوان
لا يتزاورون، وأوداء لا يتعاودون، ثم خلع نعليه وحسر عن ذراعيه وقال
يا جابر: أعطوا من دنياكم الفانية لآخرتكم الباقية، ومن حياتكم لموتكم، ومن
صحتكم لسقمكم، ومن غناكم لفقركم، اليوم أنتم في الدور وغدا في القبور،
ثم أنشأ يقول:
سلام على أهل القبور الدوارس كأنهم لم يجلسوا في المجالس
ولم يشربوا من بارد الماء شربة ولم يأكلوا ما بين رطب ويابس
ألا خبروني أين قبر ذليلكم وقبر العزيز الباذخ المتنافس (2)

(1) ذكرها سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة ص 96 وابن
الصباغ في الفصول المهمة ص 102 ط نجف.
(2) الفصول المهمة لأبن الصباغ المالكي ص 102 نور الابصار ص 85.
173

فهذه قطرة من بحار فضائله الزاخرة ذكرناها، ورشحة من سحايب
مناقبه الفاخرة أثبتناها، ونبذة من كلماته الفايقة جمعناها، ولو ذهبنا لذكر
فضايله الزاخرة ومناقبه الفاخرة وكلماته الرايقة وأمثاله الشافية، لطال الكتاب
وهذا القدر كاف فيما أشرنا إليه من ذلك والله الموفق للصواب: سقته سحايب الرضوان سحا كجود يديه ينسجم انسجاما
ولا زالت رواة المزن تهدي إلى النجف التحية والسلاما (1)

(1) نور الابصار للشبلنجي ص 106 لبعض الشعراء.
174

السمط الثاني
من الكتاب
وهو يشتمل على قسمين، قسم في مناقب سيدة النساء الزهراء البتول
فاطمة زوجة علي المرتضى، وقرة عين الرسول (ص)، وقسم يشتمل على
مناقب ولديهما السيدين السندين، السعيدين الشهيدين، الرضيين المرضيين،
المخصوصين بكرامة الأحساء والاصطفاء، والداخلين مع أبيهما وأمهما وجدهما
تحت العباء، المطهرين من أنجاس الأرجاس، المبرأين من ادران الميل إلى
الدنيا والأدناس، وعلى طرف من مآثر أولادهم الأتقياء المخصوصين بالانتساب
إلى الحضرة النبوية، وشرف الانتماء للعترة الذين خصهم الله تعالى بالكرامة
والزلفى، وأوردهم مناهل لطفه ومشارع فضله وعطفه المشرب الأعذب
والمورد الأصفى، الأسرة الطاهرة النقية، والعصبة العلوية، المطهرين
من كل رذيلة ودنية، المتحلين بكل فضيلة جليلة ومنقبة سنية، فصلوات الله
وسلامه وتحياته على محمد وآله وذوي قرابته وعلى جميع الأنبياء والمرسلين
والكل وصحابته، صلاة وسلاما دائمين بدوام الله تعالى عدد مخلوقاته ورضى
نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
فاطمة بنت رسول الله (ص) ورضي عنها، وأمها خديجة بنت خويلد
وقد ولدت خديجة لرسول الله (ص) غير فاطمة غلامين وثلاث بنات: القاسم
وعبد الله، وأم كلثوم، وزينب، ورقية، ولدت فاطمة (رض) سنة بنت
قريش الكعبة قبل النبوة، وقيل بعد النبوة بخمس سنين، وقد روي أن
175

النبي (ص) لما أسري به أتاه جبريل (ع) بتفاحة من الجنة فصارت في صلبه
منيا، فلما جامع خديجة حملت بفاطمة (ع) فكانت فاطمة من تلك
التفاحة، والله أعلم (1).
وروى المسور بن مخرمة (رض) قال: سمعت رسول الله (ص) وهو
على المنبر يقول: ان بني هاشم بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم
علي بن أبي طالب فلا آذن لهم لا آذن لهم لا آذن الا أن يريد ابن أبي طالب
أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فأنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني
ما أذاها. أخرجاه في الصحيحين (2).
وفي رواية عن المسور أن عليا (رض) خطب بنت أبي جهل فبلغ ذلك
النبي (ص) فقال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني ومن اذاها
فقد اذاني (3).
وفي رواية: إنما فاطمة بضعة مني ما اذاها آذاني ومارا بها رابني،
قال الفراء: راب وأراب بمعنى واحد ويقال: رابني أي شككني وأوهمني
فإذا استيقنه قلت رابني (4).

(1) ذخاير العقبى ص 36. 37 صحيح مسلم 7 ص 141. نور الابصار للشبلنجي ص 44.
(2) ذخاير العقبى ص 36. 37 صحيح مسلم 7 ص 141. نور الابصار للشبلنجي ص 44.
(3) اخرج أئمة الصحاح الست ورجال الحديث هتاف النبي الاقدس فاطمة
بضعة مني (الخ) وتجد رجال رواته وتصحيح سنده في (الغدير) 7 ص 231 - 236.
(4) خصايص النسائي ص 35. مصابيح السنة للبغوي 2 ص 278
وهناك ألفاظ أخرى. حلية الأولياء 2 ص 40 وفي لفظ: إنما فاطمة شحبة مني
يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها.
176

محلها من أبيها (صلى الله عليه وسلم)
روى ثوبان (رض) كان رسول الله (ص) إذا خرج في سفر آخر من
يكون عهده به من أهل بيته فاطمة (رض) وإذا قدم أول من يدخل عليه
فاطمة، وعن عمر ان النبي (ص) كان إذا خرج آخر عهده بفاطمة وإذا
رجع كان أول عهده بفاطمة.
وعن ثوبان (رض) قال: كان النبي (ص) إذا سافر آخر عهده بانسان
من أهله فاطمة، وان أول من يدخل عليه أو يسلم إذا قدم فاطمة فقدم
النبي (ص) من غزاة له فأتاها وإذا هو يمسح على بابها ورأي على الحسن
والحسين قلبين من فضة فرجع ولم يدخل عليها فلما رأت فاطمة ذلك ظنت
إنه لم يدخل عليها من أجل ما رأى فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيين
فقطعهما فبكى الصبيان، وأرسلت بذلك إلى رسول الله (ص) فقال: يا ثوبان
اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارا من عاج فان هؤلاء أهل بيتي ولا
أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا (1).
قول النبي لفاطمة: إن الله يغضب
لغضبك ويرضى لرضاك
عايشة (رض) قالت: كان رسول الله (ص) يكثر من تقبيل فاطمة (رض)
فقلت يا رسول الله (ص) أراك تكثر من تقبيل فاطمة فقال: أني إذا اشتقت
إلى رائحة الجنة قبلتها، وقد روى ابن عباس (رض) ان النبي (ص) قال:
ريح الولد من ريح الجنة، عايشة (رض) أنها سألت أي الناس كان أحب إلى

(1) ذخاير العقبى ص 52. والعصب: اطناب مفاصل الحيوانات
الظاهرة. العاج شئ يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية.
177

رسول الله (ص)؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال قالت زوجها.
روى علي بن عمر بن علي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن
الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب (رض) ان النبي (ص) قال لفاطمة: ان
الله يغضب لغضبك.
قول النبي: فاطمة سيدة
نساء أهل الجنة
أبو سعيد الخدري (رض) قال قال رسول الله (ص): فاطمة سيدة
نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم بنت عمران (1).
وروى أبو سعيد أيضا ان رسول الله (ص) قال: سادات نساء أهل
الجنة أربع فاطمة، ومريم، وخديجة، وآسية (2).
وروى ابن عباس (رض) أن النبي (ص) قال: أربع نسوة سادات
عالمهن، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم آل فرعون، وخديجة بنت
خويلد، وفاطمة بنت محمد (ص) وأفضلهن عاليا فاطمة.
وروى مسروق عن عايشة (رض) قالت: كنا أزواج النبي (ص)
فأقبلت فاطمة ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله (ص) فلما رآها قال
مرحبا يا بنتي ثم أجلسها ثم شارها فبكت بكاءا شديدا فلما رأى جزعها
شارها ثانية فإذا هي تضحك فلما قام رسول الله (ص) سألتها عما شارك
قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله (ص) فلما توفي قلت عزمت عليك
بمالي عليك من الحق لما أخبرتيني قالت: أما الآن فنعم أما حين شارني في

(1) لوامع العقول 3: 486 وجاء في الصواعق 114 عن الحاكم بلفظ
اخر. ذخاير العقبى ص 42.
(2) نور الابصار ص 45 عن عايشة.
178

الأمر الأول فإنه أخبرني ان جبريل (ع) كان يعارضني بالقرآن كل سنة
مرة وإنه عارضني به العام مرتين ولا أرى الأجل الا قد اقترب فاتقي الله
واصبري فاني نعم السلف أنا لك فبكيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية
فقال يا فاطمة: الا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين
وفي رواية: سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت.
متفق عليه (1).
وفي رواية عن عايشة (رض) قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها
مشية رسول الله (ص) فقال: مرحبا يا بنتي وأجلسها عن يمينه أو يساره
فأسر إليها فبكت، ثم أسر إليها فضحكت فقلت: ما رأيت كاليوم حزنا
اقترب من فرح، بم أسر إليك رسول الله (ص)؟ قالت: ما كنت لأفشي سره
فلما قبض سألتها فقالت: قال: إن جبريل كان يأتيني فيعارضني بالقرآن
مرة وإنه اتاني العام فعارضني به مرتين ولا أرى أجلي الا قد حضر ونعم
السلف أنا لك وإنك أول أهل لحوقا بي فبكيت لذلك، فقال: أما ترضين
أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة فضحكت (2).
وروى عمران بن حصين (رض) أن رسول الله (ص) عادة فاطمة (رض)
في وجع لها فقال: يا بنيه كيف تجدينك قالت: إني لوجعة وإنه ليزيدني
وجعا أن ليس لي طعام آكله فقال: أما ترضين إنك سيدة نساء العالمين؟
قال: فقالت: يا أبة فأين مريم بنت عمران؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها وأنت

(1) الاستيعاب 2 ص 750. حلية الأولياء 2 ص 40. صحيح مسلم 7 ص 142، 143. السمط الثمين ص 154. وهناك لفظ اخر أيضا عن عايشة. ذخاير العقبى ص 39.
(2) الاستيعاب 2 ص 750. حلية الأولياء 2 ص 40. صحيح مسلم 7 ص 142، 143. السمط الثمين ص 154. وهناك لفظ اخر أيضا عن عايشة. ذخاير العقبى ص 39.
179

سيدة نساء عالمك، أما وقد زوجتك سيدا في الدنيا وسيدا في الآخرة فقالت
والله ما علي الا عباءة فقال النبي (ص): لها إصنعي بها كذا، يعلمها كيف
تستتر قالت: والله ما على رأسي خمار قال: فأخذ خلق ملاءة كانت عليه
فقال: اختمري بها (1).
وروى أبو هريرة (رض) أن رسول الله (ص) قال: أول شخص
يدخل علي الجنة فاطمة بنت محمد (ص) ومثلها في هذه الأمة مثل مريم
في بني إسرائيل.
وعن عبد الله قال قال: رسول الله (ص) إن فاطمة أحصنت فرجها
فحرم الله ذريتها على النار، وعن عايشة (رض) قالت: ما كان أحد أشبه
حديثا ولا كلاما ولا مشية برسول الله (ص) من فاطمة. وقالت عايشة أيضا
ما رأيت أحدا أشبه كلاما بكلام رسول الله (ص) من فاطمة وكانت إذا دخلت على
النبي (ص) فسلمت قام النبي إليها فأخذ بيدها ورحب بها وقبلها وأجلسها في مجلسه
وكان النبي (ص) إذا دخل عليها فعلت به مثل ذلك (2).
وروى أنس (رض) قال: سألت أمي عن صفة فاطمة بنت رسول الله
فقالت: يا بني أشبه الناس برسول الله (ص) بيضا مشربة حمرة كأنها القمر
ليلة البدر أو كأنها الشمس كفر غماما، لها شعرة سوداء تعثر فيها، قال
عبد الله بن المثنى الأنصاري أحد رواة هذا الحديث كانت فاطمة كما
قال الشاعر:

(1) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني 2 ص 42. ذخاير العقبى.
طرح التثريب 1 ص 149 مع اختلاف يسير في لفظ الحديث.
(2) مستدرك الحاكم 3 ص 154. الاستيعاب 2 ص 751.
180

بيضاء تسحب من قيام شعرها وتغيب فيه وهو جثل أسحم
فكأنها فيه نهار مشرق وكأنه ليل عليها مظلم (1)
وعن عمران بن دينار أن فاطمة لم تضحك بعد النبي (ص) حتى قبضت
لما لحقها من شدة الحزن على أبيها (ص).
قال ابن شهاب: وتوفيت فاطمة بعد رسول الله (ص) بستة أشهر
وقيل مائة يوم، وروي أنها عاشت بعد رسول الله (ص) شهرين والصحيح
الأول وعن علي (رض) ان فاطمة بنت رسول الله (ص) جاءت إلى قبر
النبي (ص) فوقعت عليه ثم أخذت قبضة من تراب القبر فوضعتها على عينيها
وبكت وأنشأت تقول:
ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا (2)
قال أبو بكر بن بني شيبة: بلغني ان فاطمة (رض) توفيت وهي
بنت تسع وعشرين سنة وقيل: أنها توفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة
وأربعون يوما، وكان عمرها بمكة قبل الهجرة ثمان سنين وبعد وفاة النبي
خمسة وتسعون يوما. وقال القرياني وقيل: انها عاشت بعد النبي (ص) أربعين
يوما ودفنت ليلا بالبقيع وصلى عليها العباس، وقيل أبو بكر، (3) وقيل
علي (رض) وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة

(1) مسند المناقب ومرسلها - الغدير.
(2) رواه ابن الجوزي في الوفاء وابن سيد الناس في السيرة النبوية
2 ص 340.
(3) من المتسالم عليه عند الحفاظ ورجال السير ان عليا (ع) صلى عليها
وهو الذي غسلها ودفنها ليلا، والقول بأن ابا بكرا صلى عليها من الأحاديث
الموضوعة كما في (الغدير) 7 ص 227.
181

ونزل في قبرها العباس وعلي (رض).
روى عبيد الله بن أبي رافع عن جدته أم عبد الله أم ولد أبي رافع قالت:
كانت فاطمة (رض) شديدة الوجع في مرضها فأصبحت ذات يوم منتقعه أو
قالت: متقنعة فخرج علي ليعض حوائجه فقالت: ضعي لي طهورا ففعلت
فقامت فاغتسلت أشد ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: ناوليني ثيابي الجدد فناولتها
فلبستها ثم قالت: أفرشي فراشي نحو القبلة ففعلت فجائت حتى اضطجعت
عليه فوضعت يدها اليمنى تحت خدها ثم قالت: إني اقبض الان فلا تحركوني
فقبضت فجاء علي فأخبرته فقال: لا جرم لا تحرك من مكانها (1) وقالت
عايشة: ما رأيت أصدق لهجة منها يعني فاطمة الا ان يكون الذي ولدها
يعني النبي (ص).
ذكر جواز فاطمة على الصراط
روي الشعبي عن أبي جحيفة عن علي (رض) قال: قال رسول الله (ص)
إذا كان يوم القيامة نادى مناد يا أهل الجمع غضوا أبصاركم عن فاطمة بنت
محمد حتى تمر إلى الجنة. وروي الإصبع بن نباته عن أبي أيوب
الأنصاري (رض) قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة جمع الله
الأولين والآخرين في صعيد واحد ثم نادى من بطون العرش ان الجليل
جل جلاله يقول:

(1) ذخاير العقبى ص 44. أخرجه أبو عمر.
(2) ذخاير العقبى ص 54 قال: أخرجه أحمد في المناقب والدولابي.
182

نكسوا رؤسكم وغضوا أبصاركم فان هذه فاطمة بنت محمد تريد أن تمر
على الصراط (1).
وروى أبو سعيد في حديثه عن النبي (ص): انه مر في السماء السابعة
قال: فرأيت فيها لمريم ولأم موسى ولآسية امرأة فرعون ولخديجة بنت
خويلد قصورا من الياقوت ولفاطمة بنت محمد سبعين قصرا من مرجان أحمر
مكللا باللؤلؤ أبوابها وتكياتها، أو قال: وتكاياها وأسرتها من
عود واحد (2).
ذكر تزويج فاطمة بعلي (رض)
أنبأنا الشيخ أبو اليمن عبد الصمد بن عساكر الدمشقي ابا المؤيد بن
أحمد بن علي كتابة أن أبا عبد الله بن الفضل بن أحمد الصاعدي إجازة قال إن
الأمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي بسنده إلى ابن أبي نجيح عن أبيه
عن رجل سمع عليا (رض) بالكوفة يقول: أردت ان أخطب إلى رسول الله
بنته فاطمة فذكرت أنه لا شئ لي، ثم ذكرت عايدته وصلته فخطبتها فقال:
أين درعك الحطيمة التي أعطيتكها يوم كذا وكذا؟ قلت: هي عندي
قال: فأعطها إياها ثم قال: لا تحدثا شيئا حتى آتيكما فأتانا وعلينا قطيفة
أو كساء فلما رأيناه دسسناه، فدعى بماء فأتي بأناء فدعا فيه ثم رشه علينا
فقلت يا رسول الله (ص): أينا أحب إليك قال: هي أحب إلي منك وأنت

(1) مجمع الزوائد 9 ص 212. أسد الغابة 5 ص 523. ذخاير العقبى
ص 48. الصواعق ص 113. نور الابصار ص 545.
(2) نور الابصار للشبلنجي ص 46. اسعاف الراغبين بهامش نور الابصار ص 171.
183

أعز علي منها (1).
قال الحافظ أبو بكر قلت الصواب: فلما رأيناه خشخشنا قال: مكانكما
أي تحركنا، هكذا رواه الحميدي وغيره عن سفيان وقد ذكرنا في كتاب
(دلايل النبوة) ومغازي رسول (ص) بعد قصة بدر عن محمد بن إسحاق
ابن بشار عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن علي أتم من ذلك في الخطبة
والتزويج دون ما بعدها من رش الماء.
روى أبو داود السجستاني (رح) بسنده إلى قتادة عن الحسن عن
أنس بن مالك قال: أتى أبو بكر النبي (ص) فجلس بين يديه فقال يا رسول الله
قد علمت نصيحتي وقدمي في الاسلام وأني وأني قال: وما ذاك قال تزوجني
فأعرض عنه، فأتى عمر فقال: هلكت وأهلكت قال: وما ذاك قال خطبت
فاطمة إلى النبي (ص) فأعرض عني، قال: فانتظر حتى اتيه فأسأل مثل
ما سألت، فأتى عمر النبي (ص) فجلس إليه فقال: يا رسول الله قد علمت
نصيحتي وقدمي في الاسلام واني واني فقال: وما ذاك قال: تزوجني فاعرض
عنه فاتى عمر أبا بكر فقال: ينتظر أمر الله فيها قال علي: فأتياني وانا أغرس
فسيلا فقالا لي: هذه ابنة عمك تخطب وأنت جالس هاهنا، قال: فهياني
إلى أمر أكن أذكره قال: فقمت أجر ردائي أحدهما على عاتقي والاخر أجره
حتى جلست بين يدي رسول الله (ص)، فقلت يا رسول الله (ص): قد
علمت نصيحتي وقدمي في الاسلام واني وإني قال: وما ذاك قلت تزوجني
فاطمة قال: وعندك شئ قلت: فرسي وبدني - يعني درعه - قال: أما
فرسك فلا بد لك منه وأما بدنك فبعها وأتيني بها قال: فانطلقت فبعتها

(1) ذخاير العقبى ص 29.
184

بأربعمائة وثمانين ثم جئت بها فوضعتها في حجره، قال: فقبض منها قبضة
وقال: أين بلال ابتعنا بها طيبا، ثم أمرهم أن يجهزوها فعمل لها سرير
شريط في شريط ووسادة من أدم حشوها ليف وملئ البيت كثيبا يعني رملا
قال: وأمر أم أيمن ان تنطلق إلى ابنته، وقال لعلي: لا تعجل حتى اتيك
قال: فانطلق النبي (ص) فأتاهم فقال: لأم أيمن ههنا أخي قالت: أخوك
وتزوجه ابنتك قال: نعم فدخل على فاطمة ودعا بماء فأتته بقعب فيه ماء
فمح فيه ثم نصح على رأسها وبين ثدييها وقال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها
من الشيطان الرجيم، ثم قال لعلي: آتيني بماء فعلمت ما يريد فملئت القعب فاتيته
به فنضح منه على رأسي وبين كتفي وقال: اللهم إني أعيذه بك وذريته بك
من الشيطان الرجيم، ثم قال ادخل بأهلك على اسم الله تعالى وبركته (1)
قال أبو داود سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: هو عن
سعيد عن أبي يزيد المدني واما عبد الوهاب فهو عنده بالشك قال:
أراه عن عكرمة.
ابن عباس (رح) قال: كانت اليهود يؤخذون الرجل عن امرأته إذا
دخل بها فدعا رسول الله (ص) بتور من ماء فتفل فيه، وعوذ فيه ثم دعا عليا
فرش من ذلك الماء على وجهه وذراعيه، ثم دعا فاطمة فأقبلت تعثر في ثوبها
حياء من رسول الله (ص) ففعل بها مثل ذلك ثم قال: إني والله
ما آل أن أزوجك خير أهلي ثم قام فخرج. ونقل الشيخ أبو علي الحسن
ابن أحمد بن إبراهيم بن شاذان بسنده إلى انس (رض) قال: كنت عند
رسول الله (ص) فغشيه الوحي فلما أفاق قال لي: يا أنس أتدري ما جائني

(1) ذخاير العقبى ص 27 قال: أخرجه أبو حاتم واحمد في المناقب
185

به جبريل (ع) من عند صاحب العرش قلت: بأبي وأمي ما جائك به جبريل
قال قال: أن الله يأمرك ان تزوج فاطمة من علي فانطلق فادع لي أبا بكر
وعمر وعثمان وطلحة والزبير وبعدتهم من الأنصار قال: فانطلقت فدعوتهم
فلما أن أخذوا مقاعدهم قال رسول الله (ص): الحمد الله المحمود بنعمته،
المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب إليه من عذابه، النافذ أمره في
أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه،
وأكرمهم بنبيهم محمد (ص) ثم أن الله عز وجل جعل المصاهرة نسبا لاحقا
وامرا مفترضا، وشبح بها الأرحام والزمها الأنام، وقال عز وجل: هو
الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وكان ربك قديرا، وأمر الله
يجري إلى قضائه، ويجري إلى قدره ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل
ولكل أجل كتاب، يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، ثم أن الله
تعالى أمرني ان أزوج فاطمة من علي، وأشهدكم إلى زوجية فاطمة من علي
على أربعمائة مثقال فضة ان رضي علي على السنة القائمة والفريضة الواجبة،
فجمع الله شملهما وبارك لهما وأطاب نسلهما وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن
الحكمة وامن الأمة أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وكان علي غايبا قد بعثه رسول الله (ص) في حاجة ثم أمر لنا
رسول الله (ص) بطبق فيه تمر فوضعه بين أيدينا وقال: انتهبوا فبينا نحن
كذلك إذ أقبل علي (رض) فتبسم رسول الله (ص) وقال يا علي: ان الله أمرني
أن أزوجك فاطمة واني قد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة فقال: قد رضيت
يا رسول الله (ص)، ثم إن عليا خر لله ساجدا شاكرا فلما رفع رأسه قال له
رسول الله (ص): بارك الله لكما وبارك فيكما وأسعد جدكما وأخرج منكما
186

الكثير الطيب، قال أنس (رض): والله لقد أخرج الكثير الطيب (1).
روى الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله (رح) بسنده إلى أنس بن
مالك (رض) قال: لما زوج النبي (ص) فاطمة قال يا أم أنس: زفي ابنتي إلى
علي، ومريه ان لا يعجل إليها حتى آتيها فلما صلى العشاء أقبل بركوة فيها
ماء فتفل فيها بما شاء الله ثم قال: اشرب يا علي وتوضأ. واشربي وتوضئ
ثم أخاف عليهم الباب فبكت فاطمة فقال: ما يبكيك يا بنية قد زوجتك
أقدمهم اسلاما وأعظمهم حلما، وأحسنهم خلقا، وأعلمهم بالله تعالى، وفي رواية
انه (ص) قال لهما: اللهم بارك عليهما وبارك لهما في شبليهما. ويروى ان
النبي (ص) لما زوج فاطمة قام فدخل على النساء فقال: اني زوجت ابنتي ابن
عمي وقد علمتن بمنزلتها مني وأنا دافعها الان شاء الله، ودونكن ابنتكن
فقام النساء فخلفنها من طيبهن وحليهن ثم أتى النبي (ص) هو وعلي فدخل
فوثبت النساء وتخلفت أسماء بنت عميس فقال لها النبي (ص) من أنت
فقالت: أنا التي أحرس بنتك فان الفتاة ليلة بنايها لا بد لها من امرأة تكون
قريبا منها فان عرضت لها حاجة أو أرادت شيئا أفضت ذلك إليها فقال
النبي (ص): فاني اسأل الله تعالى ان يحرسك من بين يديك ومن خلفك
وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم (2).
ثم صرح بفاطمة فأقبلت فلما رأت عليا جالسا إلى النبي (ص) حصرت

(1) ذكر هذه القصة غير واحد من الحفاظ وأئمة السير كما في الصواعق
ص 97، 85. ذخاير العقبى ص 31. المواهب 1 ص 89، 90 مجمع الزوائد
9 ص 205 وغيرهم.
(2) ذخاير العقبى لمحب الدين الطبري ص 29.
187

وبكت، فأشفق النبي (ص) أن يكون بكاؤها لأن عليا لا مال له فقال
النبي (ص): ما يبكيك؟ فما الوتك وقد أصبت لك خير أهلي وأيم الذي
نفسي بيده لقد زوجتك سيدا في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين. وفي
رواية: زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة ثم قال النبي (ص): يا أسماء ايتني
بالمخضب فاملئيه ماء فأتيته به ملآن فولج النبي (ص) فيه وغسل وجهه
وقدميه ثم دعا فاطمة فأخذ كفا من ماء فضرب به رأسها وكفا بين ثديها
ثم رش جلد علي وجلدها، ثم التزمها فقال: اللهم أنهما مني وانا منهما، اللهم
كما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرهما ثم دعا بمخضب آخر فصنع بعلي كما
صنع بها، ثم قال: قوما إلى بيتكما جمع الله بينكما وبارك لكما في سيرتكما
وأصلح بالكما، ثم قام فأغلق عليهما بابه بيده، قال أبن عباس: فأخبرتني أسماء
انها رمقت رسول الله (ص) فلم يزل يدعوا لهما خاصة لا يشرك في دعائه لهما
أحدا حتى توارى في حجره.
وعن مغفل بن يسار (رض) قال: وضاق النبي (ص) ذات يوم فقال:
هل لك في فاطمة نعودها قلت نعم: فقام فتوكأ علي فقال: أما إنه سيحمل
ثقلها غيرك ويكون أجرها لك يعني يده قال: فكأنه لم يكن علي شئ حتى
دخلنا على فاطمة فقال لها: كيف تجدينك فقالت: والله لقد اشتد حزني
واشتدت فاقتي وطال سقمي، فقال أما ترضين أن زوجتك أقدم أمتي
اسلاما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما. روى عكرمة عن ابن عباس قال:
لما زوج رسول الله (ص) فاطمة من علي كان فيما اهدى معها سرير ومشربة
ووسادة من ادم حشوها ليف وقربة وتور من أدم وبطحا الرمل بسطوه في
البيت. وعن جابر (رض) قال: حضرنا عرس علي وفاطمة (رض) فما رأينا
188

عرسا كان أحسن منه حشونا البيت كثيبا من الرمل ترابا طيبا وأتينا بتمر
وزبيب فأكلنا وكان فراشهما ليلة عرسهما أهاب كبش. روى علي (رض) قال
جهز رسول الله (ص) فاطمة في خميل وقربة ووسادة وأدم حشوها ليف
وكان بناء علي (رض) بفاطمة (رض) بعد بدر بأربعة أشهر في صفر ليلتان
بقين منه وكان لها ثمان عشرة سنة وقيل تزوجها قبل بدر في رجب ودخل
بها في ذي الحجة وكانت وقعة بدر في السابع عشر من رمضان في السنة
الثانية من الهجرة.
ذكر ما لحق فاطمة وعليا من الجهد والشدة
وذلك أن الله اختار لهما ما اختار لرسوله (ص) فروى عنهما الدنيا
روى علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي (رض) ان علي بن أبي
طالب قال: كانت لي شارفان من الخمس فلما أردت ان أبتني بفاطمة بنت
رسول الله (ص) واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع ان يرتحل معي فأتى
بإذخر أردت ان أبيعه من الصواعين فأستعين به في وليمة عرسي. وفي رواية
عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي (رض) قال: أصبت
شارفا فأنختها عند باب رجل من الأنصار أريد ان احمل عليها اذخر أبيعه
ومعي صايغ من بني قينقاع لعلي استعين به على وليمة فاطمة. وروى عطاء
ابن السايب عن أبيه عن علي (رض) أنه قال لفاطمة: اني لأشتكي صدري
مما أمدها بالغرب فقالت والله: اني اشتكي بيدي مما أطحن بالرحى فقال:
لها علي إئتي النبي (ص) فسليه ان يخدمك خادما فانطلقت إلى رسول الله
فسلمت عليه ثم رجعت فقال رسول الله (ص): ما جاء بك قالت: جئت لأسلم
على رسول الله (ص) فلما رجعت إلى علي قالت: والله ما استطعت أن أكلم
189

رسول الله (ص) من هيبته فانطلقا إليه فقال لهما رسول الله (ص): ما جاء
بكما أحسبه قال: ألكما حاجة فقال له علي: أجل يا رسول الله شكوت إلى
فاطمة يدي من مدها بالغرب فشكت إلي يدها مما تطحن بالرحى فأتيناك
لتخدمنا خادما مما أفاء الله قال: لا ولكن اتقوا الله وانفقه على أصحاب
الصفة التي تطوي أكبادهم من الجوع، ولا أجد ما أطعمهم فلما رجعا وأخذا
مضاجعهما من الليل أتاهما النبي (ص) وهما في خميل والخميل القطيفة التي كان
رسول الله (ص) جهزهما بها وبوسادة من أدم حشوها اذخر، وقد كان علي
وفاطمة حين ردهما شق عليهما فلما سمعا حس رسول الله (ص) ذهبا ليقوما
فقال لهما النبي (ص) مكانكما ثم جاء فجلس على طرف الخميل ثم قال: انكما
جأتماني لأخدمكما خادما واني سأدلكما (أو كلمة نحوها) على ما هو خير لكما من
الخادم: تحمدان الله تعالى في دبر كل صلاة عشرا، أو تسبحانه عشرا، أو
تكبران عشرا، وتسبحانه ثلاثا وثلاثين، وتحمدانه ثلاثا وثلاثين، وتكبرانه
أربعا وثلاثين، فذلك مائة إذا أخذتما مضاجعكما (1) من الليل قال علي: فما
أعلم إني تركتها، قال عبد الله بن الكدي: ولا ليلة صفين فقال له علي:
ولا ليلة صفين. هذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم بمعناه.
روى سويد بن غفالة قال: أصابت عليا خصاصة فقال لفاطمة:
لو اتيت النبي (ص) فسألتيه فأتته وكانت عنده أم أيمن فدقت الباب فقال
النبي (ص): لأم أيمن: هذا الدق فاطمة ولقد أتتنا في ساعة ما عودتنا
أن تأتينا في مثلها فقومي فافتحي لها الباب قالت: ففتحت لها الباب فقال
يا فاطمة: لقد أتيت في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها فقالت يا رسول الله

(1) ذخاير العقلي ص 49 بعدة طرق.
190

هذه الملائكة طعامها التسبيح والتحميد والتمجيد فما طعامنا؟ قال: والذي
بعثني بالحق ما أقبس في آل محمد نار منذ ثلاثين يوما، ولقد أتتنا أعنز
فان شئت أمرنا لك بخمسة أعنز وان شئت علمتك خمس كلمات علمنهن
جبريل (ع) فقالت: بل علمني الخمس الكلمات فقال فقولي: يا أول الأولين
ويا آخر الآخرين، ويا ذا العروة المتين ويا راحم المساكين، ويا أرحم الراحمين.
قالت فانصرفت حتى دخلت على علي (رض) فقال: ما ورائك قالت: ذهبت
من عندك إلى الدنيا وأتيتك بالآخرة فقال: خير أيامك خير أيامك.
وعن عمران بن حصين قال: كنت مع النبي (ص) جالسا إذا أقبلت
فاطمة فوقعت بين يديه فنظر إليها وقد غلبت الصفرة على وجهها، وذهب
الدم من شدة الجوع فقال: ادني يا فاطمة فدنت ثم قال: ادني يا فاطمة فدنت حتى
وقفت بين يديه، فوضع يده على صدرها في موضع القلادة وفرج بين
أصابعه ثم قال: اللهم مشبع الجاعة ورافع الوضعة لا تجع فاطمة بنت محمد
قال عمران: فنظرت إليها وقد غلب الدم على وجهها وذهبت تلك الصفرة كما
كانت الصفرة غلبت على الدم قال عمران حصين: فلقيتها بعد فسألتها عن ذلك
فقالت: ما جعت بعد يا عمران (1). وقال محمد بن كعب القرظي: سمعت
عليا (رض) يقول: كنت أربط الحجر على بطني من الجوع وان صدقتي
اليوم تبلغ أربعين ألف دينار. وعن مجاهد عن علي (رض) قال: جعت
مرة بالمدينة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا
بمرأة قد جمعت مدرا. ظننتها تريد حمله فاتيتها فقاطعتها على كل ذنوب

(1) مجمع الزوائد 9: ص 204 بعدة طرق كما رواه الطبراني في الأوسط
وفيه عتبة بن حميد.
191

تمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي ثم اتيت ألما فأصبت منه اتيتها فقلت
يكفي هكذا بين يديها فعدت لي ستة تمرات فأتيت النبي (ص) فاكل معي
منها (1). وعن أم جعفر بنت محمد بن جعفر عن جدتها أسماء بنت عميس
عن فاطمة بنت رسول الله (ص) قالت: دخل علي رسول الله (ص) يوما
فاخذ بيد الحسن والحسين فأخرجهما فجأنا النبي (ص) فقال: أين ابناي
الحسن والحسين فقلت: أصبحنا وليس في بيتنا شئ نذوقه فدخل علي
فأخرجهما حتى لا يبكيان علي فأخذ النبي (ص) في اثارهم فوجدهم في حايط
اليهودي وعلي ينزح لليهودي كل دلو بتمرة والحسن والحسين يلعبان في
شربة لليهودي وبين أيديهما فضل من تمر فقال يا علي: الا تتقلب بابني قبل
ان يشتد عليهما الحر قال: اجلس فاني قد أشبعتهما فجلس حتى اجتمع له شئ
من تمر فجعله في حجرته، ثم حمل النبي (ص) أحدهما وعلي الاخر
فقلباهما (2).
وعن علي (رض) قال: قدم على النبي (ص) سبي فانطلق علي وفاطمة
حتى أتينا النبي (ص) فقال: ما بالكما فقال له علي يا رسول الله شق علينا
العمل فأردنا ان تعطنا خادما نتقي به العمل فقال رسول الله (ص): هل
أدلكما على خير لكما من حمر النعم قال علي (رض): نعم يا رسول الله قال:
تكبيرات وتسبيحات وتحميدات مائة حين تريد ان تنامان فتبيتان على ألف
حسنة قال علي (رض): فما فاتتني منذ سمعتها من رسول الله (ص) الا ليلة
صفين فاني نسيتها حتى ذكرتها اخر الليل فقلتها. وقال علي (رض): لأبن

(1) ذخاير العقبى ص 104.
(2) ذخاير العقبى ص 49 عن الدولابي وص 105.
192

معبد من بني سعد الا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله (ص): لقد
كانت أحب أهله إليه، كانت تطحن بالرحى حتى اثر بيدها واستقت بالقربة
حتى اثرت في نحرها وكنست البيت حتى أغبرت ثيابها وأوقدت تحت القدر
حتى تدخنت ثيابها (1) فأصابها من ذلك ضر فأتت النبي (ص) تسأله خادما
فقال لها النبي (ص): يا فاطمة أتقي الله وأدي فريضته واعملي عمل أهلك
ألا أدلك على خير من الخادم إذا أخذت مضجعك سبحي الله ثلاثا وثلاثين
وكبري ثلاثا وثلاثين واحمدي أربعا وثلاثين هذا خير لك من الخادم (2)
القسم الثاني
من السمط الثاني
يشتمل على ذكر فضايل السبطين أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين (ع)
روى محمد بن الحنفية عن أبيه (رض) قال: لما ولد الحسن سميته حمزة
أو قال: حربا فقال النبي (ص): ما سميتم ابني؟ فأخبرته ثم ولد لي اخر فقال
النبي (ص): ما سميته أو ما سميتموه فذكرت له فقال: سم الأول حسنا والثاني
حسينا. وروى سلمان الفارسي (رض) أن النبي (ص) قال: هارون (ع)
سمى ابنيه شبر وشبير وإني سميت حسنا وحسينا بما سمى به هارون ابنيه
شبر وشبير (3) وكان مالك بن أنس يكره أن يقال الحسن والحسين ويقول

(1) وفي نسخة: دنست.
(2) في ذخاير العقبى ص 49: فهو خير لكما من خادم يخدمكما. وفي
اسعاف الراغبين بهامش نور الابصار ص 173 بزيادة: فأقرأ اية الكرسي
(3) الصواعق 115. محاضرة الأوائل 120. الجامع الصغير 2: 14
193

سماهما النبي (ص) حسنا وحسينا. وقال أبو ذرعة: وهكذا الصواب وذلك
أنه اشتق أسمائهما من شبر وشبير وليس فيها ألف ولام، وفي رواية أن
جبريل (ع) أمر النبي (ص) عن الله أن يسميهما باسم ابني هارون (ع)
وقال: إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى فسمي ابنيك بأسم ابني
هارون قال: وما كان اسمهما قال: شبر وشبير فقال النبي (ص): لساني عربي
قال فسمهما حسنا وحسينا (1).
وكان مولد الحسن بن علي ما نقله جعفر بن محمد عن أبيه قال: ولد
الحسن بن علي (رض) عام أحد قبل الوقعة وقال: غيره ولد في النصف من
رمضان سنة ثلاث من الهجرة.
وروى جعفر بن محمد عن أبيه أنه لم يكن بين الحسن والحسين (رض)
الا طهر واحد وولد الحسين (رض) لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من
الهجرة وعق رسول الله (ص) عن كل واحد منهما يوم سابعه بكبش، وأمر أن
يحلق رأسه وأن يتصدق بزنته فضة (2)، وكان الحسن (رض) يشبه
رسول الله (ص) ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين يشبه ما كان أسفل من
ذلك. ويروى أن وجه الحسن كان يشبه وجه رسول الله (ص) وكان جسد
الحسين يشبه جسد رسول الله (ص) وقال علي بن أبي طالب: (رض) من
سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (ص) ما بين عنقه إلى وجهه وشعره
فلينظر إلى حسن بن علي، ومن سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله
ما بين عنقه إلى كعبه خلقا ولونا فلينظر إلى حسين بن علي (رض) وكان

(1) ذخاير العقبى ص 120 قال: خرجه الإمام علي بن موسى الرضا.
(2) ذخاير العقبى ص 180. نور الأبصار ص 119.
194

الحسن (رض) من الحلماء الكرماء الأسخياء وكان (رض) كثير الزواج يقال إنه
أحصن مائة مرأة وأكثر وكان مطلاقا للنساء وفي الصحيح عن أبي بكرة
قال: رأيت رسول الله (ص) على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل
على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح
به بين فئتين من المسلمين، (1) فكان كما قال رسول الله (ص): دعاه ورعه
وكرمه وفضله وحلمه إلى أن ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله حين صارت
الخلافة إليه خوفا من الفتنة وكراهة لإراقة دماء المسلمين وأصلح الله به بين
أهل العراق وأهل الشام وكان قد بايعه أكثر من أربعين ألفا الذين كانوا قد بايعوا أباه عليا (رض) على الموت فبقي خليفة على العراق بحق سبعة أشهر ثم
سار إلى معاوية بمن معه وسار معاوية إليه فلما ترأى الجمعان في موضع يقال
له: مسكن بناحية الأنبار علم أنه لن تغلب إحدى الفئتين حتى تذهب أكثر
الأخرى، فتورع عن القتال وصالح معاوية وترك الأمر له على أشياء اشترطها
عليه، وعلى ان يكون الأمر له من بعد موت معاوية وأعطاه ما سأل وزاده أضعافه
فلما صالحه على ذلك قال أصحاب الحسن (رض): يا عار المؤمنين فقال
الحسن (رض): إني لم أذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك
ولم أحب ان أكي أمر أمة محمد (ص) على أن يهراق في ذلك محجمة دم فبايع

(1) ذخاير العقبى ص 125: عن أبي بكرة، أخرجه البخاري اسعاف
الراغبين هامش نور الابصار ص 175.
(2) نور الابصار للشبلنجي ص 121.
195

الناس حينئذ معاوية في جمادي الأولى سنة إحدى وأربعين، وكان ذلك العام
يسمى عام الجماعة لاجتماعهم على أمام واحد.
ففي هذا الحديث دليل على أن واحدا من الفريقين لم يخرج بما كان
منه في تلك الفتنة من قول أو فعل عن ملة الاسلام، لأن النبي (ص) جعلهم
كلهم مسلمين مع كون إحدى الطائفتين مصيبة والأخرى مخطئة، وهكذا
سبيل كل مقاول فيما يتعاطاه من رأي أو مذهب إذا كان له فيما يناوله شبهة
وإن كان مخطئا في ذلك ولأجل هذا اتفقوا على قبول شهادة أهل البغي
ونفوذ قضاء قاضيهم، واختار السلف ترك الكلام في الفتنة الأولى وقالوا:
تلك دماء طهر الله تعالى عنها أيدينا فلا نلوث بها ألبستنا.
وفي الحديث أيضا دليل على أنه لو وقف شيئا على أولاده يدخل فيهم
ولد الولد لأن النبي (ص) سمى ابن ابنته ابنا والسيد قيل: هو الذي لا يغلبه
غضبه وقيل: هو الذي يفوق قومه في الحين، وقيل: السيد الحليم وهذه
الأوصاف اجتمعت في الحسن بن علي (رض) وكان (رض) كثير الاجهاد
في العبادة والتصدق روي أنه قال: إني لأستحي من الله أن ألقاه ولم أمش
إلى بيته فمشى عشرين مرة من المدينة إلى مكة على رجليه. وقال علي بن زيد حج
الحسن (رض) خمس عشرة حجة ماشيا وان الجنايب لتقاد معه، وقاسم الله
ماله ثلاث مرات حتى أن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا، ويعطي خفا ويمسك
خفا (1) ومن سخاءه وكرم طباعه (رض) ما روي أن رجلا دفع إليه رقعة
في حاجة فقال له: حاجتك مقضية فقيل له يا ابن رسول الله: لو نظرت في

(1) الكافي 1 ص 460 عن الامام أبي جعفر الصادق (ع) نور
الابصار للشبلنجي ص 119.
196

رقعته ثم رددت الجواب على قدر ذلك فقال: أخشى أن يسألني الله عن ذل
مقامه بين يدي حتى أقرء رقعته. ويروى أن رجلا اخر سأله حاجة فقال
له: يا هذا حق سؤالك إياي معظم لدي، ومعرفتي بما يجب لك يكبر علي،
ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله قليل، وما في
يدي وفاء بشكرك، فان قبلت الميسور ورفعت عني مؤنة الاحتيال والاهتمام
لما أتكلف من واجبك فعلت، فقال يا ابن رسول الله: أقبل وأشكر العطية
وأعذر على المنع، فدعى الحسن (رض) وكيله وجعل يحاسبه على نفقاته
حتى استقصاها فقال له: هات الفاضل فأحضر خمسين ألفا، ثم قال: ما فعلت
الخمس مائة دينار قال: هي عندي قال: أحضرها فأحضرها فدفع الحسن
الدنانير والدراهم إلى الرجل وقال: هات من يحملها لك فأتى بحمالين فدفع
الحسن (رض) إليهما ردائه لكدا الحمل وقال: هذا اجرة حملكما ولا تأخذا
منه شيئا فقال: له مواليه والله ما عندنا درهم فقال: لكني أرجو ان يكون
لي عند الله أجر عظيم.
وروي انه (رض) سمع رجلا يسأل الله في سجوده عشرة ألاف
درهم فانصرف الحسن إلى منزله وبعث بها إليه. وروي أن رجلا كتب إليه
يسأله بهذه الأبيات:
غربة تتبع قلة إن في المقر مذلة يا أبن خير الناس اما
يا أبن أكرمهم جبلة لا يكن جودك لي بل يكن جودك لله
فأعطاه الحسن (رض).
ودخل العراق سنة فقيل له: يا أبن رسول الله (ص) يعطى دخل
العراق سنة على ثلاث أبيات من الشعر فقال: أما سمعتم ما قال:
197

لا يكن جودك لي بل يكن جودك لله
فلو كانت الدنيا كلها لي وأعطيتها إياه كانت في ذات الله قليل. وروي
أن الحسن (رض) ورث من بعض نسائه شيئا فتصدق به على الورثة قبل
أن يقسم ولم يأخذ منه شيئا، وفي الصحيح أن النبي (ص) حمل الحسن بن
علي على عنقه فقال: اللهم إني أحبه فاحبه. وفي رواية أن النبي (ص) نظر
إلى الحسن فقال: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه (1). وروى أبو هريرة
أنه قال: ما نظرت إلى الحسن بن علي الا فاضت عيناي دموعا، وذلك أن
رسول الله (ص) خرج فقال: إذهب بنا فخرجت معه فأتى سوق بني
قينقاع فنظر فيه ثم رجع فأتى المسجد وجلس وقال ادع لي لكع بن لكع،
بمعنى الحسن فأتى الحسن بن علي يشتد فجعله في حجره وجعل الحسن يأخذ
بلحيته وجعل رسول الله (ص) يفتح فمه في فمه ويقول: اللهم إني أحبه فأحب من
أحبه ثلاث مرات. (2) وفي الصحيحين عن أبي هريرة (رض) قال: كنت
مع رسول الله (ص) في سوق من أسواق المدينة فانصرف فانصرفت معه
إلى فناء فاطمة فنادى الحسن: اي لكع اي لكع أثم لكع أثم لكع فلم
يجبه أحد، ثم انصرف فانصرفت معه إلى فناء عايشة، فجاء الحسن بن علي
قال: أبو هريرة ظننت أن أمه حبسته لتجعل في عنقه السخاب قال: فلما
جاء التزمه رسول الله (ص) والتزم هو رسول الله (ص) فقال: اللهم إني
أحبه فأحبه وأحب من يحبه ثلاث مرات (3)

(1) ذخاير العقبى ص 122. قال: أخرجه الحافظ السلفي.
(2) أخرجه الترمذي كما في ذخاير العقبى ص 121. صحيح مسلم 7 ص 129
(3) صحيح مسلم 7 ص 130. بلفظ اخر وهناك أحاديث بهذا المعنى.
198

قوله: لكع بن لكع: سأل بلال بن جرير عن لكع فقال: هي في لغتنا
الصغير، والى هذا ذهب الحسن البصري (رض) إذا قيل للانسان يا لكع
يريد صغيرا في العلم فسما لكعا لصغره وصباه، وقال أبو عبيد: اللكع عند
العرب العبد وقال: الليث يقال: لكع الرجل يلكع إذا وصف بالحمق وأما معني
الحديث يأتي على الناس زمان يكون أسعد الناس لكع بن لكع، فمعناه ليم
بن ليم، والسخاب خيط ينظم فيه الخرز يجعل على الصبيان وجمعه سخب.
عن أبي بكر (رض) قال: كان رسول الله (ص) يصلي وكان الحسن إذا
سجد وثب على عنقه أو ظهره فيرفعه النبي (ص) رفعا رفيقا يفعل ذلك غير
مرة فلما انصرف ضمه إليه وقبله فقالوا يا رسول الله: إنك صنعت اليوم
شيئا ما رأيناك تصنعه من قبل قال: إنه ريحانتي من الدنيا وان ابني هذا سيد
وعسى الله ان يصلح به بين فئتين من المسلمين. وعن عبد الله الباهلي مولى
الزبير (رض) تذاكرنا من أشبه بالنبي (ص) من أهله فدخل علينا عبد الله
بن الزبير فقال عبد الله: أنا أحدثكم بأشبه أهله به وأحبهم إليه الحسن بن علي
رأيته يجئ وهو ساجد فيركب رقبته أو قال: ظهره فما ينزله حتى يكون
هو الذي ينزل ولقد رأيته يجئ وهو راكع فيفرج بين رجليه حتى يخرج
من الجانب الآخر. وفي رواية قال: ان أحببتم أن تنظروا إلى شبه النبي (ص)
وأحب أهله فانظروا إلى الحسن بن علي لقد رأيت النبي (ص) راكعا فجاء
الحسن ففرج النبي (ص) بين رجليه حتى مر بينهما. وروى عكرمة عن ابن
عباس (رض) ان النبي (ص) كان حاملا الحسن بن علي على عنقه فقال
رجل: يا غلام نعم المركب ركبت فقال النبي (ص) نعم الراكب هو. وعن
سعيد المقبري قال: كنا عند أبي هريرة (رض) فمر الحسن بن علي (رض)
199

فسلم فقال أبو هريرة: وعليك السلام يا سيدي فقلنا له: تقول يا سيدي
فقال: إني سمعت رسول الله (ص) يقول إنه سيد. وعن المقدام ابن معدي
كرب (رض) قال قال رسول الله (ص): الحسن مني والحسين من علي.
وروى عمير بن إسحاق قال: رأيت أبا هريرة وهو يقول للحسن بن علي
(ر ض): أرني المكان الذي كان رسول الله (ص) يقبله فرفع قميصه فقبل
سرته. وروى ابن عون عن محمد أن أبا هريرة لقي الحسن بن علي (رض)
فقال: أرني الموضع الذي قبله رسول الله (ص) فرفع الحسن ثوبه فقبل
أبو هريرة سرته (1)
وعن الحسين بن علي (رض) ان أبا الأعور واخر قالا لمعاوية: لو أمرت
الحسن بن علي فإنه رجل عي ان يقوم على المنبر فيزهد فيه الناس
بعيه في المنطق فقال معاوية: مهلا فاني رأيت رسول الله (ص) يمص شفتيه
أو لسانه ولن تعي شفتان ولا لسان مصه رسول الله (ص). وفي رواية
انه قيل له: لو أمرته أن يخطب فإنه حديث السن لم يتعود الخطب فيجتمع
الناس إليه فيحضر فيكون في ذلك ما يصغره في أعين الناس، فقال: كما قال:
لهم أول مرة فقالوا: إنه قد شمخ أنفا ورفع رأسا واشرأبت إليه قلوب
الناس بالثقة والمقة، فمره بذلك حتى ترى فأرسل إليه معاوية فأمره أن يخطب:
فلما صعد المنبر وقد جمع معاوية كهول قريش وشبانها، حمد الله تعالى وأثنى عليه
وصلى على النبي (ص) ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم
يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب، أنا ابن رسول الله (ص) ما بين
جابلقا وجابر صاما أحد جده بني غيري، أنا ابن نبي الله، أنا ابن رسول الله،

(1) ذخاير العقبى ص 126.
200

انا ابن البشير النذير، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن بريد السماء، انا ابن من
بعث رحمة للعالمين، أنا ابن من بعث للجن والانس، انا ابن من قابلت معه
الملائكة، انا ابن من جعلت له الأرض مسجدا وطهورا، أنا ابن من أذهب
الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فلما سمع معاوية ذلك أراد أن يسكته ويخلط
عليه مخافة ان يبلغ به المنطق ما يكرهه، فقال يا حسن: أنعت لنا الرطب
فقال: يا سبحان الله أين هذا من هذا ثم قال: الحر ينضجه، والليل يبرده
والريح تلقحه ثم استفتح كلامه الأول وقال: - أنا ابن من كان مستجاب
الدعوة، انا ابن الشفيع المطاع، انا ابن أول من تنشق عنه الأرض وينفض
رأسه من التراب، انا ابن أول من يقرع باب الجنة، أنا ابن من رضاه
رضى الرحمان وسخطه سخط الرحمان، انا ابن من لا يسامي كرما فقال له:
قومه حسبك يا أبا محمد ما أعرفنا بفضل رسول الله (ص)، فقال الحسن يا معاوية:
إنما الخليفة من سار بسيرة رسول الله (ص) وعمل بطاعته وليس الخليفة من
دان بالجور وعطل السنن، واتخذ الدنيا أما وأبا لكن ذاك ملك تمتع في
ملكه وكان قد انقطع وانقطعت لذته وبقيت بيعته، ثم قال: وان أدري لعله
فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم نزل عن المنبر (رض) (1)
وروي عن ابن عون (رض) عن عمير بن إسحاق قال: ما تكلم عندي
أحد أحب إلى إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي، وما سمعت منه

(1) - أخرجه البيهقي والمحب الطبري كما في الغدير في مسند المناقب
ومرسلها بتغيير يسير غير أن في أوله: ان عمرو بن العاص هو الذي قال لمعاوية
ذات يوم: ابعث إلى الحسن بن علي فمره ان يخطب على المنبر فلعله يحصر
فيكون ذلك مما نعيره به الحديث
201

كلمة فحش قط الا مرة فإنه كان بين الحسين بن علي وبين عمرو بن عفان
خصومة في أرض فعرض عليه الحسين أمرا لم يرضه عمرو، فقال الحسن:
ليس له عندنا إلا ما أرغم أنفه فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه قط. وروى
ابن مسعود (رض قال: أراد الحسن بن علي (رض) أن ينقش فص خاتمة
فلم يدر ما ينقش عليه فرأى في منامه عيس بن مريم (ع) قائما على بئر يسقي
منها ماء وسط روضة خضراء فقال له: يا روح الله وكلمته أردت أن أنقش فص
خاتمي فما تأمرني أن أنقش عليه قال: اكتب عليه: لا اله إلا الله الملك الحق
المبين - فإنه يذهب الغم والحزن وهي خاتمة الإنجيل، ويروى ان عمرو بن
العاص لما أقبل الحسن بن علي (رض) قال: هذا أحب أهل الأرض إلى
أهل السماء. وفي الصحيح عن عقبة بن عامر قال: صلى أبو بكر (رض)
العصر ثم خرج يمشي فرأى الحسن يلعب مع الصبيان فحمله على عاتقه ثم قال:
بأبي شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي وعلي يضحك، وفي رواية بأبي شبيه
بالنبي لا شبيه.
ذكر سبب موت الحسن بن علي وجزعه عند موته
روي أن زوجته بنت الأشعث بن قيس سمته، وكان لها ضراير فاستطلق
به بطنه فدخل عليه الحسين يعوده فقال له الحسن: يا أخي إني سقيت السم
ثلاث مرات فلم اسق مثل هذه، فقال الحسين: ومن سقاك يا أخي قال: وما
سؤالك عن ذلك أتريد أن تقاتلهم؟ قال نعم قال: ان يكن الذي أظن فالله
أشد بأسا وتنكيلا وان لا يكن فما أحب ان يقتل بي برئ اكلهم إلى الله
تعالى. (1) ويروى أنه قال حين سأله من سقاك السم: انا في اخر قدم من

(1) ذخاير العقبي ص 141 بعدة طرق
202

الدنيا وأول قدم من الآخرة تأمرني ان أعمر. وروى ابن سعد في الطبقات
ان الحسن بن علي رأى في المنام كان مكتوبا بين عينيه: قل هو الله أحد
فاستبشر أهل بيته بذلك فبلغ سعيد بن المسيب فقال: ان صدقت رؤياه
فما بقي من أجله الا قليل فمات (رض) بعد ذلك بأيام (1) وجزع (رض)
عند الموت فقال: له الحسين يا أخي ما هذا الجزع إنك ترد على رسول الله
(ص) وعلى علي وهما أبواك وعلى خديجة وفاطمة وهما أماك وعلى القاسم
والطاهر وهما خالاك وعلى حمزة وجعفر وهما عماك فقال له: يا أخي أني أدخل
في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله قط وأرمي خلقا من خلق الله لم
أر مثله قط فهيج الحسين (رض) بالبكاء فجعل يبكي معه. وفي رواية أنه
قال: يا أخي ألست أقدم على هول عظيم وخطب جسيم لم أقدم على مثله
ولست أدري أتصير نفسي إلى النار فأعزيها أم إلى الجنة فأهنيها.
روى فايد مولى عبادل أن عبد الله بن علي أخبره وغيره ممن مضى
من أهل بيته أن الحسن بن علي أصابه بطن فلما عزيه وعرف بنفسه الموت
أرسل إلى عايشة أن تأذن له ان يدفن مع رسول الله (ص) فقال: نعم
حبا وكرامة، وكان قد بقي موضع قبر فقال الحسن: لأخيه إذا أنا مت
فاطلب ذلك إليها فاني لا أدري لعل ذلك كان منها حياءا فان طابت نفسها
فادفني في بيتها. ما أظن القوم (يعني بني أمية) الا سيمنعونك إذا أردت

(1) من الغريب كله ان لم يكن للامام السبط الحسن (ع) ترجمة في -
طبقات ابن سعد المطبوع عام 1322 وكان الترجمة لم ترق مصححه وطابعه
فحذفها برمتها من الأصل.
203

ذلك، فان فعلوا فلا تراجعهم وادفني في بقيع الغرقد (1) إلى جنب أمي
فاطمة، فان لي فيمن فيه أسوة، فلما مات الحسن راجع الحسين عايشة (رض)
في ذلك فأذنت، فقالت: بنوا أمية والله لا يدفن فيه أبدا، فهم الحسين
وبنوا هاشم بقتالهم ثم ذكر الحسين قول: أخيه لا تراجعهم فكف وأمر فحفر
له عند قبر أمه فاطمة (رض) بالبقيع فعرف الناس حينئذ قبر فاطمة (ع)
وكان علي قد دفنها ليلا. قال فايد وأخبرني مولاي ومن شبت من أهلي
ممن مضى أن بين قبر فاطمة وبين خوخة بيته الطريق نحو سبعة أذرع (2)
ونقل الشيخ أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي
الشيخ، في تأليفه المسمى بكتاب - السنة الكبيرة، ان الحسين (رض) لما
أتى بالحسن ليصلي عليه قال: لسعيد بن العاص أمير المدينة تقدم فلولا إنها
سنة ما قدمت فصلى عليه سعيد بن العاص ودفن بالبقيع عند جدته فاطمة بنت
أسد بن هاشم. ونقل الشيخ محب الدين بن النجار (رض) ان الحسن (رض)
دفن بجنب أمه فاطمة (رض) ومعه في القبر ابن أخيه علي بن الحسين، ومحمد
ابن علي الباقر، وابنه جعفر الصادق قلت: هذا هو المشهور المعروف والى
جانبه أيضا قبر العباس بن عبد المطلب عم الرسول (ص) وقد بنيت عليها
قبة عالية البناء قديمة، بناها بعض خلفاء بني العباس. قال أبو بكر بن أبي
شيبة ومات الحسن (رض) في سنة ثمان وخمسين، وقيل غيره توفي سنة
تسع وأربعين وهو ابن ست وأربعين وقيل ابن سبع وأربعين وهذا القول

(1) بقيع الغرقد: مقبرة أهل المدينة، وسمي بذلك لأنه كان فيه
غرقد وهو ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك.
(2) ذخاير العقبى ص 142: بعدة أسانيد.
204

والذي قبله قريب. وقيل أنه كان توفي ابن تسع والأربعين سنة، وقال أبو
حفص عمرو بن علي: توفي الحسن بن علي (رض) في ربيع الأول سنة سبع
وأربعين وكان قد سقى السم فوضع كبده، وقال غيره ولد في النصف من رمضان
سنة ثلاث من الهجرة ومات سنة ست وأربعين وقيل أنه مات سنة خمسين
والله أعلم.
وروي أبو حازم قال قال أبو هريرة (رض) حين منعوا الحسن أن
يدفن مع رسول الله (ص): الحسن والحسين سيدا شباب أهل
الجنة من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني. وعنه عن أبي
هريرة (رض) أن الحسن بن علي قال: لأخيه إذا انا مت فاحفر لي مع
النبي (ص) والا في بيت فاطمة فلما بلغ بني أمية أقبلوا عليهم السلاح وقالوا لا
والله لا يحفر بالمسجد قبر ونادى الحسين في بني هاشم فاقبلوا عليهم السلاح ثم
ذكر قول أخيه: لا يرفعن في ضوضاء فحفر له بالبقيع، قال أبو هريرة:
فاني في الحفرة وشابان من قريش يطرحان في القبر التراب فقلت لهما أرأيتما
لو أدركتم أحدا من ولد موسى وعيسى كيف إذا فعلتم، فقالا: فعلنا
وفعلنا، فقال أبو هريرة: كذبتم ما سمعتم رسول الله (ص) يقول: من
أحبني فليحبهما. ولما دفن (رض) وقف اخوه محمد بن الحنفية على قبره
فقال: رحمك الله يا أبا محمد فوالله لئن عزت حياتك لقد هدت وفاتك،
ولنعم الروح روح تضمن كفنك ولنعم الكفن كفن تضمن بدنك وكيف لا
تكون هكذا وأنت سليل الهدى، وحليف أهل التقى، وخامس أصحاب الكساء،
وابن سيدة النساء، ربيت في حجر الاسلام، ورضعت ثدي الايمان، ولك
السوابق العظمى، والغايات القصوى، وبك أصلح الله بين فأتين عظيمتين من المسلمين
205

ولم بك شعث الدين، وانك وأخيك سيدا شباب أهل الجنة ثم التفت إلى
الحسين فقال: بأبي أنت وأمي وعلى أبي محمد السلام فقلت طبت حيا وميتا
ثم انتحب طويلا والحسين معه وأنشد:
أأدهن رأسي أم تطيب مجالسي وخدك معفور وأنت سليب
سأبكيك ما ناحت حمامة أيكة وما اخضر في دوح الرياض قضيب
غريب وأكناف الحجاز تحوطه الاكل من تحت التراب غريب (1)
ونقل الشيخ أبو محمد صاحب كتاب السنة الكبيرة أن النجاشي (رض)
رثى الحسن بن علي (ره) لما مات فقال:
يا جعد ابكيه ولا تسامي * بكاء حق ليس بالباطل
على ابن بنت الطاهر المصطفى * وابن عم المصطفى الفاضل
كان إذا شبت له ناره * يرفعها بالسند القاتل
لكي يراها يائس مرمل * أو فرد حي ليس بالآهل
لن تغلقي بابا على مثله * في الناس من حاف ومن ناعل
أعني فتى أسلمه قومه * للزمن المستخرج الماحل
نعم فتى الهيجاء يوم الوغى * والسيد القائل والفاعل (2)

(1) ذكرها المسعودي في مروج الذهب بزيادة بيت:
أأشرب ماء المزن من غير مائه وقد ضمن الأحشاء منك لهيب
(2) ذكرها المسعودي في مروج الذهب 1 ص 50، وابن كبتر الدمشقي
في البداية والنهاية 8 ص 43. مع اختلاف يسير في الألفاظ وتقديم وتأخير
في الأبيات. وهناك روايات وأحاديث مسهية واسرار وقضايا تأريخية حول
حياة الامام السبط الحسن المجتبى (ع) وقد بسط القول فيها وكشف الستار
عنها سيدنا الحجة الوالد في - الغدير - الجزء الحادي عشر
206

ذكر
ما ورد في فضل الحسين بن علي (رض)
نقل الإمام أبو محمد صاحب كتاب السنة بسنده إلى حذيفة (رض)
ان النبي (ص) قال: الا ان الحسين بن علي أعطي من الفضل ما لم يعطه
أحد من ولد آدم ما خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل
الرحمان (ص). وعنه أيضا بسنده إلى ربيعة السعدي قال: أتيت حذيفة
(رض) فسألته عن أشياء فقال: اسمع مني وعه وأبلغ الناس، اني رأيت
رسول الله (ص) كما تراني وسمعته باذني هاتين وقد جاء الحسين بن علي
فجعله على منكبه وجعل الحسين يعمد بعقبه في سرة النبي (ص) فرأيت
كف رسول الله (ص) الطيبة المباركة الزاكية قد وضعها على ظهر قدم
الحسين وهو يغمرها في سرة نفسه ليلا ينبهر، ولا ينقطع نفسه من الكلام
ثم قال: أيها الناس هذا الحسين بن علي خير الناس جدا وخير الناس جده
وجده رسول الله (ص) سيد ولد آدم، وجدته خديجة بنت خويلد سابقة
نساء العالمين إلى الايمان بالله وبرسوله، وهذا الحسين بن علي خير الناس
خالا وخير الناس خالة خاله القاسم بن رسول الله وخالته زينب بنت رسول
الله (ص) ثم وضعه عن منكبه فدرج بين يديه ثم قال (ص): أيها الناس
هذا الحسين بن علي جده في الجنة، وأبوه في الجنة، وأمه في الجنة، وعمه
في الجنة، وعمته في الجنة، وخاله في الجنة وخالته في الجنة، وأخوه في الجنة
ثم قال: أيها الناس إنه لم يعط أحد من ذرية الأنبياء الماضين ما أعطي الحسين بن علي خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، يا أيها الناس
207

أن الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسوله (ص) وذريته
فلا تذهبن بكم الأباطيل (1)
وعن الشعثاء عن بشر بن غالب قال: سمعت أبا هريرة ولقي الحسين بن
علي (رض) وهو يطوف في الكعبة فقال يا أبا عبد الله: لقد رأيتك على ذراعي
رسول الله (ص) قد خضبتها دما وذلك حين قطع سرتك. وفي رواية قال
له: يا أبا عبد الله سرة حسنه فوالذي نفس أبي هريرة بيده لا يملكون سنة
الا ملكتم سنتين، ولا شهرا الا شهرين، ولا يوما الا يومين، ولقد رأيتك
على ذراعي رسول الله (ص) وقد خضبتها دما حين قطع سرتك ولفك في
خرقك، وحنكك بتمرة وتفل في فيك، وتكلم بكلام لست أدري ما هو
وذلك أنه كان يقدم إلى فاطمة وقال: إذا ولدت فلا تسبقين بقطع سرة ولدك
فكانت قد سبقته بالحسن (رض). وعن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه قال
رأيت رسول الله (ص) اذن في اذن الحسين حين ولدته فاطمة بالصلاة، وكان الحسين (رض) كثير الصلاة والصوم والحج والعبادة، سخيا كريما
حج خمس وعشرين حجة ماشيا ونجائبه تقاد معه. وروى جبان بن علي
العثري عن أبي إسحاق قال: شهدت يزيد بن معاوية تجاه الكوفة إذ أقبل
عقيل بن أبي طالب فجلس فقال له رجل من الأنصار يا أبا يزيد أخبرنا عن
الحسين بن علي فقال: ذاك أصح قريش وجها وأفصحهم لسانا، وأشرفهم
بيتا. وقال جابر بن عبد الله (رض): من سره ان ينظر إلى رجل من أهل
الجنة فلينظر إلى الحسين، فاني سمعت رسول الله (ص) يقوله. وعن يعلى
بن مرة قال: قال رسول الله (ص) حسين مني وانا من حسين أحب الله من

(1) ذخاير العقبى ص 130 قال: خرجه الملا في سيرته وغيره.
208

أحب الله، حسين سبط من الأسباط (1) وروي عن علي بن الحسين
عن أبيه حسين بن علي (ع) قال: سمعت الحسين يقول: لو شتمني رجل
في هذه الاذن وأومى إلى اليمنى واعتذر لي في الأخرى لقبلت ذلك منه، وذلك
أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رض) حدثني انه سمع جدي رسول
الله (ص) يقول: لا يرد الحوض من لم يقبل العذر من محق أو مبطل،
وذكر قول النبي (ص): من أحبني فليحبب هذين يعني حسنا وحسينا
(رض). وروي عن عبد الله بن مسعود (رض) قال: كان الحسن
والحسين يحبوان حتى يأتيان رسول الله (ص) وهو في المسجد يصلي
فيركبان على ظهره فإذا جلس ضمهما إلى صدره ثم يقول: بأبي وأمي من كان
يحبني فليحب هذين. وفي رواية عن عبد الله ان النبي (ص) قال: للحسن
والحسين اللهم إني أحبهما فأحبهما ومن أحبهما فقد أحبني. وفي رواية عنه
قال: كان الحسن والحسين يثبان على ظهر النبي (ص) وهو يصلي فإذا
جاء أحد يحطهما عنه أومأ إليه دعهما، فإذا قضى صلاته ضمهما إليه وقال بابي
أنتما وأمي من أحبني فليحبب هذين (2)
وروى أبو هريرة (رض) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: من أحب الحسن
والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني. وعنه أيضا قال: خرج
علينا رسول الله (ص) ومعه حسن وحسين هذا على عاتقه
وهذا على عاتقه، حتى انتهى إلينا فقلنا يا رسول الله (ص) كأنك تحبهما
فقال: من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني. وروى

(1) أخرجه الترمذي وقال حسن وسعيد في سننه كما في ذخاير العقبى ص 133
(2) ابن عساكر 4 ص 315. لوامع العقول 5: 615.
209

سلمان (رض) قال قال: رسول الله (ص): الحسن والحسين من أحبهما
أحببته ومن أحببته أحبه الله ومن أحبه الله ادخله جنات النعيم،
ومن أبغضهما وبقى عليهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله ومن أبغضه الله
ادخله النار وله عذاب مقيم. وقد روي من طريق أهل البيت (ع) عن
محمد بن علي عن أبيه عن جده علي ان النبي (ص) اخذ بيد حسن
وحسين فقال: من أحبني وأحبهما وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم
القيامة. وروى سلمان بن علي بن عبد الله بن العباس قال: سمعت أبي
يذكر عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس
(رض) عن النبي (ص) أنه قال: الحسن والحسين من أحبهما ففي الجنة،
ومن أبغضهما ففي النار. وعن أنس قال سأل رسول الله (ص): اي أهل
بيتك أحب إليك قال: الحسن والحسين، وكان يقول لفاطمة ادعي لي ابني
فيشمهما ويضمهما إليه (1)
وعن أبي بردة قال: كان رسول الله (ص) يخطبنا إذ جاء الحسن
والحسين (ع) وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله
(ص) من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال: صدق الله إنما أموالكم
وأولادكم فتنة، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم اصبر حتى
قطعت حديثي ورفعتهما. وعن يعلى بن أمية قال: جاء حسن وحسين:
يسعيان إلى رسول الله (ص) فجاء أحدهما قبل الاخر فجعل النبي (ص)
يده في رقبته ثم ضمه إلى إبطه ثم جاء الاخر فجعل يده الأخرى في رقبته

(1) مصابيح السنة للبغوي 2 ص 218 صحيح الترمذي 13 ص 194.
الصواعق ص 182.
210

ثم ضمه إلى إبطه ثم قبل هذا وقبل هذا وقال: اللهم إني أحبهما فأحبهما ثم
قال: يا أيها الناس ان الولد منجلة مجبنة مجهلة (1).
ذكر حمل النبي (ص) لهما
روى سلمة بن زيد بن حارثة عن أبيه أسامة بن زيد بن حارثة عن
أبيه أسامة بن زيد قال: طرقت النبي (ص) ذات ليلة لبعض الحاجة فخرج
النبي (ص) وهو مشتمل على شئ لا أدري ما هو فلما فرغت من حاجتي
قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه فإذا حسن وحسين على وركيه
فقال: هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم انك تعلم اني أحبهما فاحبهما وأحب من
يحبهما. وروى سعيد بن المسيب عن سعد قال: دخلت على رسول الله (ص)
والحسن والحسين يلعبان على ظهره فقلت يا رسول الله: أتحبهما؟ فقال:
ومالي لا أحبهما وانهما ريحانتاي من الدنيا. وروى أبو هريرة (رض) ان
النبي (ص) كان يمص لسان الحسن والحسين كما يمص الرجل الثمرة. وعنه
أيضا قال: صلى رسول الله (ص) العشاء فجعل الحسن والحسين يثبان على
ظهره فلما قضى الصلاة قال أبو هريرة: يا رسول الله (ص) اذهب بهما إلى
أمهما؟ قال نعم: فبرقت برقة لم يزالا في ضوئها حتى بلغا إلى أمهما. روى سفيان
الثوري عن ابن الزبير عن جابر قال: رأيت النبي (ص) يمشي على أربعة
والحسن والحسين على ظهره وهو يقول: نعم الحمل حملكما ونعم الحملان أنتما.
وروي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: رأيت الحسن والحسين على
عاتقي النبي (ص) فقلت: نعم الفرس تحتكما فقال النبي (ص): ونعم الفارسان

(1) ابن عساكر 4 ص 317. مصابيح السنة للبغوي 2 ص 281. مسند أحمد
5 ص 354. سنن البيهقي 3 ص 218 وغيرهم.
211

وعن علي بن أبي طالب (رض) قال خرج النبي (ص) والحسن على عاتقه
الأيمن والحسين على عاتقه الأيسر فقال: له عمر نعم المطية لهما أنت يا رسول
الله فقال رسول الله (ص): ونعم الراكبان هما لي. وعن انس (رض)
قال كان رسول الله (ص) يسجد فيجئ الحسن والحسين فيركب ظهره
فيطيل السجود فيقال: يا نبي الله اطلت السجود فيقول: ارتجلني ابني
فكرهت أن أعجله. وعن ابن عباس (رض) ان النبي (ص) كان حامل
الحسين بن علي على عاتقه فقال: رجل يا غلام نعم المركب ركبت فقال النبي
(ص): نعم الراكب هو.
ذكر قول النبي (ص) هما ريحانتاي من الدنيا
وما ورثهما النبي من المفاخر التي لم يشركهما فيها أحد غيرهما
روت زينب بنت أبي رافع قالت: أتت فاطمة بنت رسول الله (ص)
بابنيها إليه في شكواه فقالت: له يا رسول الله (ص) هذان ابناي فورثهما
شيئا فقال: أما الحسن فان له هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فان له جرأتي
وجودي. وعن فاطمة بنت رسول الله (ص) قالت قلت يا رسول الله
انحل ابني الحسن والحسين فقال: أنحل الحسن المهابة والحلم، وأنحل الحسين
السماحة والرحمة. وفي رواية نحلت هذا الكبير المهابة والحلم، ونحلت الصغير
المحبة والرضى. وروى ابن عمر (رض) قال: ان الحسن والحسين هما ريحانتاي
من الدنيا (1) اي يتراوح إليهما ويسر بهما. وعن ابن عباس (رض) قال: كان رسول
الله (ص) يعوذ الحسن والحسين ويقول: ان أباكما يعني إبراهيم كان يعوذ
بهما إسماعيل وإسحاق أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن
كل عين لامة. وروى ابن عمر (رض) انه كان للحسن والحسين تعويذان

(1) أخرجه محب الطبري في الذخاير ص 124 وقال: أخرجه الترمذي وصححه
212

فيهما من زغب جناح جبريل (ع). وروى إسحاق بن سليمان بن علي بن
عبد الله بن عباس قال: سمعت أبي يوما يحدث انهم كانوا عند هارون الرشيد
أمير المؤمنين فقال: حدثني أمير المؤمنين المهدي عن أمير المؤمنين المنصور
انه حدثه عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس (رض) أنه كان ذات
يوم عند رسول الله (ص) فقال: الا أدلكم على خير الناس جدا وجدة
قالوا بلى يا رسول الله (ص) قال: الحسن والحسين جدهما رسول الله
سيد المرسلين، وجدتهما خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة، أيها
الناس الا أدلكم على خير الناس ابا واما قالوا: بلى يا رسول الله قال: هذا حسن
وحسين أبوهما علي بن أبي طالب، وأمهما فاطمة بنت رسول الله (ص) سيدة
نساء العالمين، الا أدلكم على خير الناس عما وعمة؟ قالوا بلى: يا رسول الله
قال: حسن وحسين عمهما جعفر بن أبي طالب، وعمتهما أم هاني بنت أبي
طالب، أيها الناس الا أخبركم بخير الناس خالا وخالة، قالوا: بلى يا رسول الله
قال: حسن وحسين خالهما القاسم بن رسول الله (ص) وخالتهما زينب بنت
رسول الله (ص). ثم قال: اللهم انك تعلم أن الحسن والحسين في الجنة
وجدهما في الجنة وأبوهما وأمهما في الجنة. وعمهما وعمتهما في الجنة وخالهما
وخالتهما في الجنة، ومن أحبهما في الجنة ومن أبغضهما في النار، قال: أبي
وكان هارون الرشيد يحدثنا وعينيه تدمع وخنقته العبرة. روى هذا الحديث
الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن حيان المعروف بأبي الشيخ في كتاب
السنة له
وروي أيضا بسنده إلى جعفر بن محمد (ع) عن عمه زيد قال: خلق الله
عز وجل منا سبعة لم يخلق مثلهم قط: أبونا رسول الله (ص) سيد الأولين
213

والآخرين ورسول رب العالمين، وأبونا علي ابن عمه وصهره، وأبونا
حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة، وعمنا جعفر الطيار في الجنة لم يطر
فيها أدمي قبله ولا بعده.
ذكر خروج الحسين إلى العراق وقتله هناك
روى الشعبي (رح) قال بلغ ابن عمر (رض) وهو في عين له، أو في
ماله، أن الحسين بن علي (رض) يريد العراق فركب ابن عمر بغلة له حتى
أنا فقال له: يا بن بنت رسول الله (ص) أين تريد قال: أريد العراق قال:
إن رسول الله (ص) خير بين الدنيا والآخرة فأختار الآخرة، وإنه لن
ينالها أحد منكم فارجع فأبى فاعتنقه وقال له: أستودعك الله من مقتول
والسلام. (1) وروى جعفر بن سليمان قال: حدثني يزيد الركسي قال:
حدثني من شافه الحسين (رض) بهذا الكلام قال: حججت فأخذت ناحية
من الطريق أتعسف الطريق فدفعت إلى أبنية وأخبية فأتيت أدناها فسطاطا
فقلت: لمن هذه الأخبية؟ فقالوا للحسين بن علي فقلت ابن فاطمة بنت
رسول الله (ص) قالوا: نعم قلت في أيها هو فأشاروا إلى فسطاط فأتيت
الفسطاط فإذا هو قاعد عند عمود الفسطاط، وإذا بين يديه كتب كثيرة يقرأها
فسلمت عليه فقلت: بأبي أنت وأمي ما أجلسك في هذا الموضع الذي ليس
فيه أنيس ولا منفعة قال: أن هؤلاء (يعني السلطان) أخافوني وهذه كتب
أهل الكوفة إلي وهم قاتلي فإذا فعلوا ذلك لم يتركوا لله حرمة الا انتهكوها
، فيسلط الله عليهم من يذلهم، حتى يتركهم أذل من قرم الأمة، قال جعفر:

(1) أخرجه أبو حاتم كما في ذخاير العقبى ص 150
214

فسألت الأصمعي عن ذلك فقال: هي خرقة الحيض التي تلقيها النساء، وقد
فعل الله ذلك بأهل الكوفة حين خذلوا الحسين (رض) وأسلموه حتى
قتل فسلط الله عليهم الحجاج فأذلهم وأهانهم. وقال: علي بن الحسين (ع) ما نزل
الحسين منزلا حين خرج من مكة إلى الكوفة الا وهو يحدثنا عن مقتل يحيى بن زكريا
(رض) وقد كان الله أعلم النبي (ص) بما يصيب الحسين بعده. روت أم سلمة (رض)
قالت دخل النبي (ص) فقال: احفظي الباب لا يدخل علي أحد فسمعت
نحيبه فدخلت فإذا الحسين بين يديه فقلت: والله يا رسول الله ما رأيته حين
دخل فقال: ان جبريل كان عندي آنفا فقال: إن أمتك ستقتله بعدك بأرض
يقال لها كربلا فتريد ان أريك تربته يا محمد؟ فتناول جبريل من ترابها فأراه
النبي (ص) ودفعه إليه فقالت أم سلمة: فأخذته فجعلته في قارورة فأصببته
يوم قتل الحسين وقد صار دما (1) وفي رواية هلال بن جناب ان جبريل كان عند
النبي (ص) فجاء الحسن والحسين فوثبا علي ظهره فقال النبي (ص): لأمهما الا
تشغلين عني هذين فأخذتهما ثم أفلتا فجاءا فوثبا على ظهره فأخذهما فوضعهما
في حجره فقال له جبريل (ع) يا محمد إني أظنك تحبهما فقال كيف لا أحبهما
وهما ريحانتاي من الدنيا فقال جبريل (ع): أما إن أمتك تقتل هذا يعني
حسينا، فخفق بجناحه خفقة فجاء بتربة فقال: أما انه يقتل على هذه التربة
فقال: ما أسم هذه التربة؟ قال: كربلا، قال هلال بن جناب فلما أصبح
الحسين في المكان الذي أصيب فيه؟ وأحيط به، اتي بنبطي فقال له الحسين
ما أسم هذه الأرض قال: ارض كربلا قال صدق رسول الله (ص) ارض

(1) أخرجه البغوي في معجمه وأبو حاتم في صحيحه وأحمد في
مسنده كما في ذخاير العقبى ص 147
215

كرب وبلا وقال لأصحابه ضعوا رحالكم مناخ القوم مهراق دمائهم (1)
عن ابن عباس (رض) عن النبي (ص) قال: قال لي جبريل (ع): إن
الله عز وجل قتل بدم يحيى بن زكريا سبعين ألفا، وهو قاتل بدم ابن بنتك
سبعين ألفا، وسبعين ألفا، وروي انه لما أيقن إنهم قاتلوه قام (رض) في
أصحابه خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: قد نزل بي ما ترون من الأمر
وأن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر خيرها ومعروفها واستمرت حتى لم يبق
فيها إلا صبابة كصبابة (2) الأناء وخسيس عيش كرعي الوثيل ألا ترون
الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله وإني لا أرى
الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا ندامة.
وروي علي بن الحسين (رض) قال: لما صبحت الخيل الحسين بن علي
رفع يديه فقال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة،
وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، فكم من هم يضعف فيه الفؤاد،
وتقل فيه الحيل، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك
وشكوته إليك، رغبة فيه إليك عمن سواك، ففرجته وكشفته وكفيتنيه،
فأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل غاية، وقتل (رض)
بكربلا يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بناحية الكوفة من أرض
العراق ويعرف ذلك المكان أيضا بالطف قتله سنان بن حرب النخعي. وهو
جد شريح القاضي، وقيل قتله شمر بن ذي الجوشن وكان أبرص وأجهز
عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير وأتى برأسه إلى عبيد الله بن زياد

(1) مجمع الزوايد 9 ص 981 ذخاير العقبي ص 147 بتغيير يسير.
(2) الصبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الأناء.
216

وقال له: أوفر ركابي فضة وذهبا، أنا قتلت الملك المحببا، قتلت خير
الناس أما وأبا، ولما أخبر الربيع بن خثيم بقتل الحسين (رض) أسترجع
وقال: قل: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم
بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.
وروت أم سلمة (رض) قالت جاء جبريل إلى النبي (ص) فدخل عليه
الحسين فقال: ان أمتك تقتله بعدك ثم قال: ألا أريك تربة مقتله فجاء بحصيات
فجعلهن رسول الله (ص) في قارورة فلما كان في ليلة قتل الحسين سمعت قائل يقول.
أيها القاتل جهلا حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل
قد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى وحامل الإنجيل (1)
قالت: فبكيت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دما. وروى الترمذي
بسنده عن سلما امرأة من الأنصار قالت: دخلت على أم سلمة (رض)
وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت الآن رسول الله (ص) وعلى
لحيته التراب وهو يبكي فقلت: ما يبكيك يا رسول الله قال: شهدت
قتل الحسين انفا. (2) وقال ابن عباس: رأيت رسول الله (ص) فيما

(1) تذكرة خواص الأمة ص 153، ابن كثير في البداية 8 ص 198
شيخ الطائفة ابن قولويه في كامل الزيارات ص 97 بزيادة بيت:
كل أهل السما يدعوا عليكم من نبي ومرسل وقبيل
تاريخ ابن عساكر 4 ص 431. مراة الجنان لليافعي 1 ص 134.
ابن الأثير 3 ص 301.
(2) أسد الغابة 2 ص 22 من طريق الترمذي. الخصايص الكبرى للسيوطي
2 ص 126 عن الحاكم والبيهقي. الصواعق ص 115. تاريخ السيوطي
ص 139. ذخاير العقبى ص 148. مستدرك الحاكم 4 ص 190.
217

يرى النائم نصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم يلتقطه
أو يتتبع فيه شيئا، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا قال: دم
الحسين وأصحابه ولم أزل أتتبعه منذ اليوم فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك
اليوم رواه الإمام أحمد (رح). وفي رواية أن ابن عباس كان في قايلة له فانتبه
من قايلته وهو يسترجع ففزع أهله فقالوا: ما شأنك مالك قال: رأيت
النبي (ص) وهو يتناول من الأرض شيئا فقلت بأبي وأمي يا رسول الله (ص)
ما هذا الذي تصنع قال: دم الحسين أرفعه إلى السماء، وكان عمره يوم
قتله (رض) ستا أو سبعا وخمسون سنة وقيل ثماني وخمسون سنة وقيل أربعا
وخمسون والأول أصح، وقتل معه من إخوته وبنيه وبني أخيه الحسن ومن
أولاد جعفر وعقيل تسعة عشر رجلا قال الحسن البصري (رض): ما كان
على وجه الأرض يومئذ لهم شبيه قلت: سبعة منهم لعلي بن أبي طالب (رض)
وهم الحسين، والعباس، وجعفر، وعبد الله، وعثمان، ومحمد الأصغر، وأبو
بكر. ومن ولد الحسين اثنان علي الأكبر، وعبد الله، ومن أولاد أخيه
الحسن ثلاثة، عبد الله، والقاسم، وأبو بكر، ومن ولد عبد الله بن جعفر
اثنان عون، ومحمد، ومن ولد عقيل خمسة: مسلم، وعقيل، وجعفر، وعبد
الله بن مسلم بن عقيل، وأخوه محمد بن مسلم. وذكر المدايني أنه قتل
مع الحسين عبد الرحمن بن عقيل، وعون بن عقيل، فعلى هذا هم أحد
وعشرون، وقيل: كان مسلم بن عقيل قد قتل قبل ذلك لما أرسله الحسين (رض)
إلى الكوفة وفيهم يقول سرافة الباهلي (رح):
عين فابكي بعبرة وعويل واندبي إن ندبت آل الرسول
سبعة منهم لصلب علي قد أبيدوا وخمسة لعقيلي
218

ويروي وسبعة لعقيل، قال: محمد بن سيرين (رح) وجد حجر قبل مبعث
الرسول (ص) بثلاثمائة سنة وقيل بخمسمائة سنة عليه مكتوب بالسريانية،
فنقلوه إلى العربية فإذا هو:
أترجوا أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب (1) وقال سليمان بن يسار وجد حجر مكتوب عليه:
لابد أن ترد القيامة فاطم وقميصها بدم الحسين ملطخ
ويل لمن شفعائه خصمائه والصور في يوم القيامة ينفخ (2)
أخبر الشيخ شرف الدين الدمياطي (رح) اذنا وكتابة قال: حدثنا أبو
الدر ياقوت بن عبد الله الغزي المسعودي خادم الضريح النبوي أن الأمير أبو
قصيد قيماز بن عبد الله السمسي قرأه عليه حدثنا أبو سعيد أحمد بن الحسن
الخونساري، حدثنا أبو بكر يعني أحمد بن الفضل المقري، حدثنا محمد بن
إسحاق بن مسنده الحافظ أن علي بن عيسى بن عبدويه، حدثنا محمد بن
عبد الرحمن الشامي، حدثنا أبو المنذر محمد بن المنذر، حدثنا آدم بن عيينة
أخو سفيان بن عيينة، أخبرني التميمي عن عبد الملك بن عمير قال: لقد
رأيت في هذا القصر عجبا يعني قصر الامارة بالكوفة دخلت على عبيد الله
في بهو على سرير والناس عنده سماطان وعلى يمينه ترس عليه رأس
الحسين بن علي (رض) ثم دخلت على المختار في ذلك البهو على ذلك السرير
والناس عنده سماطان وعلى يمينه ترس عليه رأس عبيد الله بن زياد، ثم دخلت
على مصعب بن الزبير في ذلك البهو على ذلك السرير والناس عنده سماطان

(1) تذكرة خواص الأمة لسبط ابن الجوزي ص 155
(2) ذخاير العقبى ص 145.
219

وعلى يمينه ترس عليه رأس المختار، ثم دخلت على عبد الملك بن مروان في
ذلك البهو على ذلك السرير والناس عنده سماطان وعلى يمينه ترس عليه رأس
مصعب بن الزبير، وفي رواية أخرى أن عبد الملك بن عمير أخبر بهذه القصة
عبد الملك بن مروان حين رأى رأس مصعب على يمينه فقال له عبد الملك: لا أراك الله الخامس، وقام من السرير فحول عنه وأمر بهدم الإيوان (1)
ذكر العقوبات والآيات التي وقعت بعد قتل الحسين (رض).
روي أبو الشيخ في كتاب (السنة) بسنده: أنه يوم قتل الحسين
أصبحوا من الغدو كل قدر لهم طبخوها صار دما وكل اناء لهم فيه ماء صار دما.
وروي أيضا بسنده إلى حمامة بنت يعقوب الجعفية قالت: كان في الحي رجل
ممن شهد قتل الحسين فجاء بناقة من نوق الحسين (ع) فنحرها وقسمها في
الحي فالتهبت القدور نارا فأكفيناها. وروي أيضا بسنده إلى يزيد بن
أبي زياد قال: شهدت مقتل الحسين وأنا ابن خمسة عشر سنة فصار الفرس
في عسكرهم رمادا، واحمرت السماء لقتله، وانكسفت الشمس لقتله حتى بدت
الكواكب نصف النهار، وظن الناس أن القيامة قد قامت، ولم يرفع حجر
في الشام الا روى تحته دم عبيط (2). وقال سفيان بن عيينة (رح)
حدثتني جدتي أم عينية: أن حمالا كان يحمل ورشا فهوى قتل الحسين فصار
ورشه رمادا. وقال أبو رجا العطاردي (رح) لا تسبوا عليا ولا أهل هذا
البيت، فان جارا لنا من هذيل قدم المدينة فقال: قتل الله الفاسق بن الفاسق

(1) ابن كثير في البداية والنهاية 8 ص 322 عن أبي حاتم الرازي
عن يحيى بن مصعب الكلبي عن أبي بكر بن عياش عن عبد الملك بن عمير.
(2) أخرجه ابن السري كما في ذخاير العقبى ص 145.
220

الحسين بن علي فرماه الله بكوكبين فطمس عينيه (1) ونقل أبو الشيخ في
كتابه بسنده إلى يعقوب بن سليمان قال كنت: في صنيعتي فصلينا العتمة ثم جلسنا
جماعة فذكروا الحسين بن علي (رض) فقال رجل: مامن أحد أعان على
قتل الحسين إلا أصابه قبل أن يموت بلاء، ومعنا شيخ كبير فقال:
أنا ممن شهده وما أصابني أمر أكرهه إلى ساعتي هذه، قال فطفئ السراج
فقام ليصلحه فثارت النار فأخذته فجعل ينادي: النار النار، وذهب فألقى
نفسه في الفرات ليغتمس فيه فأخذته النار حتى مات. وفي رواية فلم يزل به
حتى مات. (2) وروى الترمذي (رح) بسنده إلى عمارة بن عمير قال: لما جئ
برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه قصدت المسجد في الرحبة فانتهيت إليهم
وهم يقولون: قد جاءت فإذا حية قد جاءت تخلل الرؤس حتى دخلت في منخري
عبيد الله بن زياد فمكثت هنيئة ثم خرجت حتى تغيبت، ثم قالوا: قد جاءت قد
جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا (3) ونقل الأمام أبو الفرج أبن الجوزي (رح)
في كتاب (التبصرة) عن ابن سيرين (رح) قال: لما قتل الحسين (رض)
أظلمت الدنيا ثلاثة أيام ثم ظهرت هذه الحمرة في السماء. وقال أبو سعيد (رح) ما رفع حجر في الدنيا لما قتل الحسين الا وتحته دم عبيط، ولقد مطرت

(1) أخرجه أحمد في المناقب كما في ذخاير العقبى ص 145.
(2) ذكره المحب الطبري والذهبي في التذكرة عن ابن الجراح عن السدي
راجع - الغدير - مسند المناقب ومرسلها.
(3) أخرجه الترمذي في جامعه وصححه وقال: حديث حسن صحيح وذكره غير واحد من الحفاظ كما في (الغدير) مسند المناقب ومرسلها. من طريق
عمارة بن عمير.
221

السماء دما بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطعت. وقال سليم القاضي لما قتل
الحسين (رض) مطرنا دما. (1)
وقال السدي: (رح) لما قتل الحسين (رض) بكت السماء وبكاؤها
حمرتها. قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي (رح): كان الغضبان يحمر
وجهه عند الغضب فيستدل على غضبه وهو إمارة الشخص، الحق سبحانه
وتعالى ليس بجسم فأظهر تأثير عظمته على من قتل الحسين (ع) بحمرة
الأفق وذلك دليل على عظيم الجناية. وقال أيضا: لما أسر العباس يوم بدر
سمع النبي (ص) أنينه فما نام تلك الليلة، وكيف لو سمع أنين الحسين. وقال:
لما أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي (ص): غيب وجهك عني فاني لا أحب
من قتل الأحبة، قال: وهذا والإسلام يجب ما قبله فكيف يقدر الرسول
(ص) أن يرى من ذبح الحسين، أو أمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال.
روي ابن أبي نعيم قال: كنت عند ابن عمر (رض) فسأله رجل
عن دم البعوض يصيب الثوب. وفي رواية انه سأله عن المحرم يصيب
البعوض والذباب فقال: وممن أنت قال: من أهل العراق، فقال ابن عمر (رض)
ها انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله (ص) وقد
سمعت رسول الله (ص) يقول: هما ريحانتاي من الدنيا (2) وأنما استنكف ابن عمر
(رض) هذا السؤال يدل من صاحبه على تعسف شديد، وتكلف بعيد، لا سيما وقد
جرى بين أهل الكوفة سفك دم الحسين (رض) فأعرضوا عنه صفحا،

(1) أخرجه ابن السري عن أم سلمة كما في ذخاير العقبي ص 145.
(2) أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي والبغوي وابن الجوزي
من وجوه متعددة كما في - الغدير - مسند المناقب ومرسلها.
222

ولم يستعضموه وتعرضوها بالسؤال لما وقع عنه العفو وكفوه، وقد كان
أهل الحجاز ينكرون مسايل أهل العراق، ولذلك قال ابن عمر: للسائل ممن
أنت حين استنكر على سؤاله، فلما علم إنه من أهل الكوفة عيره بما أتوه
من دم الحسين، وقديما كانوا ينسبون أهلها إلى الخديعة والغدر والدهاء
والمكر، وإنما عيرهم بقتله لأنهم راسلوه فلما أتاهم خذلوه، فبقيت فعلتهم
تلك عار عليهم مدى الدهر.
ذكر قتل الحسين (رض) وما رثي به
قالت أم سلمة (رض) سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي (رض)
(1) وعن أبي زياد التميمي عن أبي جناب الكلبي قال: حدثنا الجصاصون
قال: كنا إذا خرجنا إلى الحبانة بالليل بعد مقتل الحسين بن علي سمعنا نوح
الجن عليهم وهم يقولون:
مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش جده خير الجدود (2)
قال أبو زياد فرددت عليه من عندي:
زحفوا إليه فهم له شر الجنود
قتلوا ابن بنت نبيهم دخلوا به نار الخلود (3)
ونقل أبو الشيخ في كتابه: بسنده إلى محمد بن عباد بن صهيب عن

(1) ذكره أبو نعيم والطبراني باسناده صحيح رجاله ثقات والهيثمي
والمحب والطبري والسيوطي وغيرهم كم في - الغدير - مسند المناقب ومرسلها.
(2) كامل الزيارات ص 94 بسنده إلى أبي زياد الغنوي.
(3) ابن كثير في البداية 8 ص 200.
223

أبيه قال: قدم رجل المدينة يطلب الحديث والعلم بها، فجلس في حلقة فمر بهم
رجل فسلم عليهم فقال: له ذلك الرجل نحب أن تخبرنا بما جئت له تريد
نصرة الحسين بن علي قال: نعم خرجت أريد نصرة الحسين فلما صرت
بالربذة إذا برجل جالس فقال لي: يا أبا عبد الله أين تريد؟ قلت أريد نصرت
الحسين قال: وأنا أريد ذلك أيضا، ولنا رسول هناك يأتينا بالخبر الساعة
قال: فتعجبت من قوله: يأتينا بالخبر الساعة فلم يلبث هو يحدثني إذ أقبل
رجل وقال: له الذي كان معي ما وراك فأنشأ يقول.
والله ما جئتكم حتى بصرت به * لحب العجاجة لحب السيف منحورا
وحوله فتية تدمي نحورهم مثل * المصابيح يغشون الدجى نورا
وقد حثثت قلوصي كي أصادقهم * من قبل ما ان يلاقوا الخرد الحورا
يا لهف نفسي لو أني قد لحقت بهم * اتى تحليت إذ حلت أساويرا (1)
فأجابه الذي كنت معه واستعبر وقال:
في فتية وهبوا لله أنفسهم قد فارقوا المال والأهلين والدورا
فلا زال قبرا أنت تسكنه حتى القيامة يسقي الغيث ممطورا
ثم التفت فلم أرهما، فعلمت أنهما من الجن، فرجعت إلى المدينة وإذا بالخبر
قد لحقنا أن الحسين قد قتل وان رأسه حمله سنان بن أنس النخعي إلى يزيد.
روى جعفر بن محمد عن أبيه (ع) قال: نيح الحسين بن علي ثلث
سنين وفي اليوم الذي قتل فيه، فكان وائلة بن الأصمع ومروان بن الحكم

(1) كامل الزيارات ص 94 مع زيادة بيتين:
كان الحسين سراجا يستضاء به * الله يعلم إني لم أقل زورا
مجاورا لرسول الله في غرف * وللبتول وللطيار مسرورا
224

ومسور بن محزمة، وتلك المشيخة من أصحاب رسول الله (ص) يجيئون متقنعين
فيستمعون نوح الجن ويبكون، وقال أبو الأسود الدؤلي (رح) يرثي الحسين بن علي
أقول وزادني جزعا وغيضا * أزال الله ملك بني زياد
وأبعدهم كما غدروا وخانوا * كما بعدت ثمود وقوم عاد
ولا رجعت ركائبهم إليهم * إلى يوم القيامة والتناد (1)
ونقل سبط ابن الجوزي (رح) ان ابن الهبارية الشاعر اجتاز كربلا
فجلس يبكي على الحسين وأهله:
أحسين والمبعوث جدك بالهدى قسما يكون الحق عنه مسايل
لو كنت شاهد كربلا لبذلت في تنفيس كربك جهد بذل الباذل
وسقيت حد السيف من أعدائكم عللا وحد السمهري الذابل
لكنني أخرت عنك لتشوقي فبلابلي بين الغري وبابل
هبني حرمت النصر من أعدائكم فأقل من حزن ودمع سايل (2)

(1) ديوان أبي الأسود الدؤلي ص 241 وجاء انه يرثي بها مسلم بن عقيل
وهاني بن عروة ومنها.
أقول وذاك من جزع ووجد * أزال الله ملك بني زياد
هموا جدعوا الأنوف وكن * شما بقتلهم الكريم أخا مراد
قتيل السوق يا لك من قتيل * به نضج من أحمد كالجساد
وأهل مكارم بعدوا وكانوا * ذوي كرم رؤسا في البلاد
(2) تذكرة سبط ابن الجوزي ص 154 قال: أنشد نا أبو عبد الله محمد
ابن البنديجي البغدادي قال: أنشدنا بعض مشايخنا أن أبن الهبارية - الخ -
واسمه محمد بن محمد بن صالح الهاشمي العباسي عالم وشاعر توفي عام 504 بكرمان.
225

ثم نام في مكانه فرأى رسول الله (ص) في المنام فقال له: يا فلان جزاك
الله عني خيرا، إبشر فان الله قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين:
وروي الحسن البصري (رح) أن سليمان بن عبد الملك رأى النبي (ص)
في المنام يلاطفه ويبشره فلما أصبح سليمان سأل الحسن عن ذلك فقال:
له الحسن لعلك صنعت إلى أهل بيت النبي (ص) معروفا قال: نعم وجدت
رأس الحسين بن علي (رض) في خزانة يزيد فكسوته خمسة أثواب وصليت
عليه مع جماعة من أصحابي وقبرته فقال له الحسن: إن رضى النبي (ص) عنك
بسبب ذلك فأمر سليمان للحسن بجائزة سنية، ويروى أن سليمان بن قتة
- بتاء من فوق - وهي أمه وقف على مصارع الحسين وأهل بيته (رض)
واتكأ على فرسه وجعل يبكي ويقول:
وأن قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقابا من قريش فذلت
مررت على أبيات آل محمد * فلم أرها أمثالها يوم حلت
فلا يبعد الله الديار وأهلها * وإن أصبحت منهم برغمي تخلت
ألم تر أن الأرض أضحت مريضة * لفقد حسين والبلاد اقشعرت
وكانوا لنا عيشا فعادوا رزية لقد * عظمت تلك الرزايا وجلت (1)
وكان قتل الحسين (رض) في الاسلام خطبا فادحا، ورزءا كالحا، وهو مما

(1) تذكره خواص الأئمة ص 154 عن الشعبي عن ابن سعد. وفي
كامل الزيارات ص 96 بزيادة بيت:
حبيب رسول الله لم يك فاحشا أبانت مصيبتك الأنوف وجلت
وقد جاء أن ابن قتة التابعي الخزاعي أول من رثى الحسين بقصيدته وجعل
يبكي إلى أن فارق الحياة.
226

ثارت به الفتن بين الناس، فقتل (رض) مع طائفة من أهل بيته شهيدا
مظلوما، أكرمه الله بالشهادة في الشهر المحرم في يوم عاشوراء ليرفع بها
درجته، ويعلي بها منزلته، ويلحقه بدرجة ابائه الطاهرين الذين أكرمهم
بالشهادة، ورفع بها درجاتهم في عليين كحمزة، وجعفر، وعلي (رض)
وليهين من ظلمه واعتدى عليه، ويوجب له سخطه وغضبه عليه، فكان من
نعم الله تعالى على الحسن والحسين (رض) أن ابتلاهما بما يلحقهما به بدرجة
أبيهما وأهل بيتهما وجدهما (ص) لأنهما سيدا شباب أهل الجنة، والمنازل
الرفيعة لا تنال إلا بالبلاء كما قال (ص): لما سئل أي الناس أشد بلاء قال
الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان
في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه، ولا تزال
البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة، فابتلاهما الله بما
ابتلاهما به اكراما لهما، وتوقيرا لهما، لا إهانة بهما، فينبغي للمؤمن إذا ذكر
هذه المصيبة أو غيرها من المصائب الاسترجاع ليس إلا، كما امره الله تعالى
ليجوز من الأجر ما وعد الله به في قوله: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة
وأولئك هم المهتدون (1) وإذا ورد عليه شئ من مصائب الدنيا وشدايدها
وبلائها استصغره واستهوته، ويتسلى ويصبر بما يصيبه من ذلك، ويشكر الله
على توفيقه إياه إذ جعله مشار كالأهل البلاء من خواص عباده الذين اختارهم
واصطفاهم وأحبهم واجتباهم، ويشتغل في مثل هذا اليوم بذكر الله والطاعات
والاهتمام بالأعمال الصالحات ليفوز بالزلفة لديه والقربى، ويجعله في زمرة
من نزل في شأنهم: قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى، ولا يتخذ

(1) سورة البقرة: 157.
227

هذا اليوم للندب والسياحة، والمأتم والحزن كما يفعله بعض الجهلة، فإنهم يجتمعون
لذلك وينشدون أشعارا ويذكرون أخبارا أكثرها كذب (1) والصدق

(1) عجيب من المؤلف قوله: ولا يتخذ هذا اليوم للندب والنياحة والمأتم
والحزن - الخ - مع وجود عشرات من الأحاديث الصحيحة الأسانيد التي تناقضها
وكيف وان مقتل السبط المفدى الحسين (ع) وما اشتملت عليه من فجائع
تفطر الصخر الأصم وقد ابكى الرسول الاقدس وأشجاه وهو حي كما في
خصايص السيوطي 2 ص 125 واعلام النبوة ص 83 ومجمع الزوائد 9 ص 88
وكامل الزيارات ص 65 فكيف لو رآه صريعا بكربلا في عصابة من آله،
بالإضافة على ما ذكره المؤلف ص 215 حديث ابن عباس وسلما امرأة من الأنصار
انها دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقالت: ما يبكيك قالت: رأيت رسول
الله وعلى رأسه ولحيته التراب وهو يبكي فقلت: يا رسول الله ما يبكيك؟
قال شهدت قتل الحسين انفا. إلى حديث اخر من أن أمير المؤمنين (ع) لما
مر بكربلا في مسيره إلى صفين نزل فيها وأرسل عبرته وبكى من معه لبكائه
كما في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 157. وانقطع علي بن الحسين عن
الناس وتفرغه للعبادة والبكاء على أبيه ولم يزل باكيا ليله ونهاره حتى ابيضت
عيناه من الحزن. وحديث الإمام الرضا (ع) من ذكر مصابنا فبكى وابكى
لم تبك عينه يوم تعمى العيون. وحديث الإمام الصادق (ع) كما في التهذيب
2 ص 283: ولقد شققن الفاطميات الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على
الحسين وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب. وحديث الإمام الباقر (ع) وليندب الحسين في يوم عاشوراء ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه، كما في كامل الزيارات ص 174 وأمالي الصدوق ص 85. وحديث ورود بني
هاشم كما في اللهوف ص 112 ورياض الأحزان ص 157: إلى كربلا وإقامتهم
بها ينوحون على الحسين ثلاثة أيام. وحديث مصقلة الطحان كما في الكافي
1 ص 466 قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لما قتل الحسين (ع)
أقامت امرأته الكلبية عليه مأتما وبكت وبكين النساء والخدم حتى جفت
دموعهن وذهبت. ونوح الجن واستياء عالم الملك والملكوت وصراخ وعويل
الحور والملائكة كما في تاريخ ابن عساكر 4 ص 341 ومجموع الزوائد 9 ص
199 والكواكب الدرية 1 ص 56 إلى غير هذا من الأحاديث الصادرة عن
البيت الطاهر وفيها تحريض على عقد المحافل والماتم واسبال الدموع ولطم
الخدود ونظم الشعر ولعن يزيد وأنصاره وأعوانه كما ذهب إليه أئمة التحقيق
واجمعوا على كفره وزندقته كما في رجال الكشي ص 350 والأغاني 7 ص 7.
228

فيها قليل، وليس فيها إلا الإثارة والشحناء بين أهل الاسلام، وإدخال الشك
والشبهة على العوام، وهذا من تزيين الشيطان وأعوانه
كما زين لقوم آخرين
معارضة هؤلاء في فعلهم، فاتخذوا هذا اليوم عيدا واخذوا في اظهار الفرح
والسرور أما لكونهم من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته، وأما
من الجهال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشر بالشر
والبدعة بالبدعة، فأظهروا الزينة كالخضاب ولبس الجديد، من الثياب،
والاغتسال، والاكتحال، وتوسع النفقات وطبخ الأطعمة والحبوب الخارجة
عن العادات، ويفعلون فيه ما يفعل بالأعياد ويزعمون أن ذلك من السنة
والمعتاد، والسنة ترك ذلك كله، فإنه لم يرد في ذلك شئ يعتمد عليه، ولا
أثر صحيح يعول ويرجع إليه، وقد سئل بعض العلماء الأعيان المشار إليه
في علم الحديث وعلم الأديان عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الاكتحال
229

والاغتسال والحناء وطبخ الحبوب ولبس الثياب الجدد، وإظهار السرور
وغير ذلك فقال: لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبي (ص) ولا عن
أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، والأئمة الأربعة ولا
غيرهم ولم يرو أهل الكتب المعتمدة من ذلك شيئا عن النبي (ص) ولا عن
الصحابة ولا عن التابعين لا صحيحا ولا ضعيفا، وما روي عن بعض المتأخرين
في ذلك أن من اكتحل في يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام، ومن إغتسل
فيه لم يمرض ذلك العام، ومن وسع على عياله فيه وسع الله عليه سائر سنته،
وأمثال ذلك مثل فضل صلاة يوم عاشوراء، وأن توبة آدم واستواء السفينة
على الجودي، وانجاء إبراهيم من النار، وفداء الذبح بالكبش، ورد يوسف
على يعقوب كان فيه كله كذب موضوع، لكن حديث التوسعة
على العيال مرفوع من حديث سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر
عن أبيه ومحمد بن المنتشر كان من أهل الكوفة وقد تكلم فيه فصار هؤلاء
لجهلهم يتخذون يوم عاشوراء موسما كموسم الأعياد والأفراح وأولئك
يتخذونه مأتما يقيمون فيه الأحزان والأبراح وكلا الطائفتين مخطئة خارجة
عن السنة، متعرضة للحرج والجناح، فكم من عبد شقي بمتابعة الهوى
وكم من قدم زل بالجهل وهوى، ونعوذ بالله من الزيغ والعناد وسلوك
سبيل أهل الغي والفساد، ونسأله اتباع السنن وموافقة أهل الرشاد، إنه
هو الكريم الحليم الجواد. وروي ان بعض العلماء كحل عينه يوم عاشوراء
فعوتب على ذلك فأنشد:
وقائل لم كحلت عينا يوم استباحوا دم الحسين
فقلت: كفوا أحق شئ يلبس فيه السواد عيني
230

ذكر وصايا رسول الله (ص)
بأهل بيته وفضل مودتهم وأن محبهم من آمن بالله ورسوله (ص)
روى ابن عباس (رض) أن رسول الله (ص) قال: أحبوا الله كما
يغدوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي. (1)
وروى عبد الرحمن بن عوف (رض) قال: قال النبي (ص): أوصيكم بعترتي
خيرا وان موعدكم الحوض. (2) وروى زيد بن أرقم (رض)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما إن
تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل
ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض
فانظروا كيف تخلفوني فيهما. وورد عن عبد الله بن بدر عن أبيه ان النبي
(ص) قال: من أحب ان يسأله في اجله، وان يمنع بما خوله الله فليخلفني
في أهلي خلافة حسنة، فمن لم يخلفني فيهم بتك عمره، وورد علي يوم القيامة
مسودا وجهه وفي رواية عن زيد بن أرقم ان رسول الله (ص) قام خطيبا
بما يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال:
أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا
تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله
واستمسكوا به، وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في
أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي (3) وفي رواية: كتاب الله وهو حبل

(1) صحيح الترمذي 13 ص 201. مستدرك الحاكم 3 ص 150.
نوادر الأصول ص 32.
(2) الصواعق 75.
(3) سنن البيهقي 10 ص 114.
231

الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة. قوله (ص):
وأنا تارك فيكم ثقلين، سماهما ثقلين لأن الأخذ بهما والعمل بهما والمحافظة
على رعايتهما ثقيل وقد جعلها ثقلين لأن كل نفيس وخطير ثقل، ومنه
الثقلان الإنس والجن لأنهما فضلا بالتميز على ساير الحيوان، وكل شئ له
وزن وقدر يتنافس فيه فهو ثقل، وسماهما بذلك اعظاما لقدرهما وفسروا
قوله تعالى: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا، أن أوامر الله وفرايضه ونواهيه
لا يؤدي الا بتكلف ما يثقل وقيل ثقيلا أي له وزن. قال زيد بن أرقم (رض)
أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده آل علي وآل عقيل وآل
جعفر وآل عباس.
وعن أبي سعيد الخدري (رض) قال سمعت رسول الله (ص) يقول: يا أيها الناس إني
تركت فيكم ما أخذتم به لن تضلوا بعدي. أحدهما أكبر من الاخر كتاب الله ممدود
بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي ألا وانهما لن يفترقا حتى يردى علي
الحوض غريب. وعن جابر (رض) قال: رأيت رسول الله (ص) في حجته يوم
عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: يا أيها الناس إني تركت فيكم
ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي. (1) وعن زيد
ابن أرقم أن رسول الله (ص) قال: لعلي وفاطمة والحسن والحسين أنا حرب
لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم. (2) وعن أبي سعيد (رض) قال: قال
رسول الله (ص): أهل بيتي والأنصار كرشي وعينتي إقبلوا من محسنهم
وتجاوزوا عن مسيئهم. وروى علي (رض) عن درة بنت أبي لهب وفي

(1) صحيح الترمذي 13 ص 200.
(2) مصابيح السنة 2 ص 280.
232

رواية أبي هريرة أن صبية بنت أبي لهب جاءت إلى النبي (ص) فقالت:
يا رسول الله: ان الناس يصيحون بي ويقولون: أنت بنت حطب الله
قالت: خرج النبي (ص) مغضبا حتى استوى على المنبر فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال: ما بال رجال يؤذوني في أهل بيتي، والذي نفسي بيده لا يؤمن
عبد حتى يحبني، ولا يحبني حتى يحب في ذوي فمالي أوذي قالوا: نعوذ بالله
من غضب الله وغضب رسوله، وفي رواية ما بال أقوام يؤذوني في قرابتي
ألا من اذاني في قرابتي فقد اذاني، ومن اذاني فقد اذى الله.
وعن أبي هريرة (رض) قال: قال رسول الله (ص): ما بال أقوام
يؤذون رحمي، ألا من أذى نسبي فقد اذاني، ومن اذاني فقد اذى الله.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال رسول الله: لا يؤمن عبد حتى أكون
أحب إليه من نفسه، وتكون عترتي أحب إليه من عترته، ويكون أهلي أحب
إليه من أهله، ويكون ذاتي أحب إليه من ذاته. وعن سلمان (رض) قال: قال رسول الله (ص) لا يؤمن رجل حتى يحب أهل بيتي لحبي،
فقال عمر بن الخطاب (رض): وما علامة حب أهل بيتك؟ قال: هذا
وضرب بيده على علي. وعن علي (رض) قال: سمعت رسول الله (ص)
يقول: من لم يعرف حق عترتي والأنصار والعرب فهو لأحد ثلاث: أما
منافق، واما لزانية، وأما امرء. حملته أمه في غير طهر (1)
وروي زيد بن أرقم (رض) قال أقبل رسول الله (ص) يوم حجة الوداع فقال أني
فرطكم على الحوض وإنكم تبعي، وأنكم توشكون أن تردوا علي الحوض، فأسألكم
عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما، فقام رجل من المهاجرين فقال: ما الثقلان

(1) الغدير 4 ص 323 بعدة طرق رجالها كلهم ثقات.
233

؟ قال: الأكبر منهما كتاب الله سبب طرفه بيد الله وسبب طرفه بأيديكم
فتمسكوا به، والأصغر عترتي فمن استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فليستوص
لهم خيرا أو كما قال رسول الله (ص): فلا تقتلوهم ولا تقهروهم، ولا تقصروا
عنهم، وإني سألت لهم الطيف الخبير فأعطاني أن يردوا على الحوض كهاتين
(1) وأشار بالمسبحتين ناصرهما إلي ناصر، وخاذلهما إلي خاذل، ووليهما
إلي والي، وعدوهما لي عدو، وورد عنه (ص) أنه قال: النجوم أمان لأهل
السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي، وفي رواية لأهل الأرض (2)
وروى عمر بن الخطاب (رض) أن رسول الله (ص) قال: كل نسب
وسبب منقطع يوم القيامة الا نسبي وسببي (3) ولأجل ذلك تزوج
عمر أم كلثوم بنت علي (رض). وروي أن عمر بن الخطاب (رض)
خطب إلى علي (رض) ابنته أم كلثوم وهي من فاطمة بنت رسول الله (ص)
وقال علي: انها صغيرة فقال عمر: زوجنيها يا أبا الحسن فاني أرغب في
ذلك سمعت رسول الله (ص) يقول: كل نسب وصهر ينقطع الا ما
كان من نسبي وصهري، فقال علي: اني مرسلها إليك تنظر إليها فأرسلها إليه
وقال لها: اذهبي إلى عمر فقولي له: يقول لك علي: رضيت الحلة فأتته
فقالت: له ذلك فقال: نعم رضي الله عنك فزوجه إياها في سنة سبع
عشر من الهجرة وأصدقها على ما نقل أربعين ألف درهم، فلما عقد بها
جاء إلى مجلس فيه المهاجرون والأنصار، وقال: الا تزفوني. وفي رواية ألا

(1) أخرجه أبو سعيد في شرف النبوة كما في ذخاير العقبي ص 16.
(2) أخرجه أبو عمر الغفاري عن اياس بن سلمة عن أبيه (الخ).
(3) الصواعق ص 93. مجمع الزوائد 9 ص 173.
234

تهنئوني قالوا: بماذا يا أمير المؤمنين قال: تزوجت أم كلثوم بنت علي لقد
سمعت رسول الله يقول: كل نسب وسبب منقطع الا نسبي وسببي وصهري
وكان به (ص) السبب والنسب فأردت أن أجمع إليه الصهر فزفوه ودخل
بها في ذي القعدة من تلك السنة.
وروي ابن عباس يوما بحضرة عمر بن الخطاب (رض) قال: قام
النبي (ص) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي
لا تنفع، ن كل سبب ونسب منقطع الا سببي ونسبي ورحمي، وان
رحمي موصلة في الدنيا والآخرة، فقال: عمر اني تزوجت أم كلثوم لما
سمعت من رسول الله (ص) يومئذ أحببت أن يكون بيني وبينه نسب
وسبب. (1) وعن حمزة بن أبي سعيد الخدري عن أبيه (رض) قال:
سمعت رسول الله (ص) يقول: على هذا المنبر ما بال رجال أو أقوام يقولون إن
رحمي لا ينقطع يوم القيامة بلى والله إن رحمي لموصلة في الدنيا والآخرة
وعن أبي الطفيل انه رأى أبا ذر قائما ينادي من عرفني فقد عرفني ومن لم
يعرفني فأنا جندب ألا وأنا أبو ذر سمعت رسول الله (ص) يقول: مثل
أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها
غرق، وإن مثل أهل بيتي فيكم كمثل باب حطة (2).
ذكر المكافأة لمن أسدى إلى أهل بيته معروفا عند لقائه يوم القيامة
روى عثمان بن عفان (رض) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: من
صنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب فلم يكافئه في هذه الدنيا فعلي

(1) ذخاير العقبي ص 6.
(2) الصواعق ص 111 أخرجه الملا في سيرته كما في ذخاير العقبي ص 20
235

مكافاته غدا إذا لقيني (1) وفي رواية أهل البيت (ع) عن علي (رض)
ان رسول الله (ص) قال: أيما رجل صنع إلى رجل من ولدي صنيعة فلم يكافئه عليها
فأنا المكافئ له عليها. وفي رواية عنه قال: قال رسول الله (ص): من
صنع إلى أهل بيتي يدا كافئته يوم القيامة (2).
إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة، وتحذيره لهم من الدنيا، وحثهم
على طاعة الله، واتقائه وخشيته، وتحذيرهم وأن لا يكون أحد أقرب إليه
منهم بالتقوى يوم القيامة.
عن عبد الله بن مسعود (رض) قال: قال رسول الله (ص): إنا أهل
بيت اختار الله لنا الآخرة وروى أبو هريرة (رض) أن رسول الله (ص)
قال: ان أوليائي المتقون وإن كان نسب أقرب من نسب لا يأتي الناس
بالأعمال، وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم، فتقولون يا محمد: فأقول هكذا
وأعرض بعطفيه. وعن معاذ بن جبل (رض) أن رسول الله (ص) لما بعثه
إلى اليمن خرج معه يوصيه ثم التفت إلى المدينة فقال: إن أهل بيتي هؤلاء
يرون إنهم أولى الناس بي وليس كذلك، ان أولياي منكم المتقون من كانوا
حيث كانوا: اللهم إني لا أحل لهم فساد ما أصلحت. وقال أنس (رض)
قلنا: يا رسول الله من آل محمد؟ قال: كل تقي وقال: رسول الله (ص)
ان آل فلان ليسوا لي بأولياء إنما ولي الله وصالح المؤمنين. وعن ثوبان
(رض) قال: قال النبي (ص): يا بني هاشم لا يأتين الناس يوم القيامة بالآخرة
يحملونها على صدورهم ويأتوني بالدنيا على ظهوركم، لا أغني عنكم من الله

(1) مجمع الزوائد 9 ص 173.
(2) أخرجه أبو سعد وتابعه الملا كما في ذخاير العقبى ص 19.
236

شيئا. وعن ابن عباس (رض) قال: لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين
جعل رسول الله (ص) يدعوهم قبايل قبايل. وعن أبي هريرة (رض) ان
هذه الآية حين نزلت قام رسول الله (ص) على الصفا فنادى: يا بني كعب
يا بني لوي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من
النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي
نفسك من النار فاني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها
ببلالها (1). وفي رواية له قال: قال رسول الله (ص): حين أنزل عليه
وأنذر عشيرتك الأقربين، يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني
عنكم من الله شيئا، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا، يا صفية
عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت
لا أغني عنك من الله شيئا (2).
وعن ابن عباس (رض) قال: أقبل النبي (ص) من غزاة أو سرية، فدعا
فاطمة فقال: يا فاطمة اشتري نفسك من الله فاني لا أغني عنك من الله شيئا
ثم قال مثل ذلك لنسوة وقال: مثل ذلك لعترته، ثم قال: نبي الله (ص) يا بني هاشم
ان أولى الناس بأمتي المتقون، ولا قريش أولى الناس بأمتي، ولا المولي
أولى الناس بأمتي، إنما أنتم من رجل وامرأة كجام الصاع ليس لأحد
على أحد فضل الا بالتقوى. وفي رواية إنما أنتم لبني آدم حلف الصاع لن
يملأه، وليس لاحد على أحد فضل الا بدين أو عمل صالح. وروي ان
النبي (ص) قال لعمر: أجمع لي من ها هنا من قريش فجمعهم ثم قال: يا معشر

(1) وفي رواية سأصلها بصلتها.
(2) أخرجه الحافظ أبو الحسن الخلعي كما في ذخاير العقبي ص 9.
237

قريش أعلموا إن أولى الناس بالنبي التقوى، فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم
القيامة وتأتوني بالدنيا تحملونها فأصد عنكم بوجهي، ثم قرأ: إن أولى
الناس بإبراهيم الذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين.
نقل هذه الأحاديث وتفرقة في كتاب السنة الكبيرة الأمام أبو
محمد عبد الله بن جناب المعروف بابي الشيخ.
ذكر قوله تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
عن عطية قال: سألت أبا سعيد الخدري (رض) عن أهل البيت الذين
نزلت هذه الآية فيهم فعد خمسة: النبي (ص) وعليا، وفاطمة، وحسنا
وحسينا،. وعنه أيضا قال: نزلت هذه الآية في خمسة في رسول الله (ص)
وعلي وفاطمة والحسن والحسين. (1) وعن أم سلمة (رض) قالت: نزلت
هذه الآية في بيتي، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت وفي
سبعة جبريل وميكائيل ورسول الله (ص) وعلي وفاطمة وحسن وحسين،
قالت: وأنا وعلي باب البيت فقلت يا رسول الله: ألست من أهل البيت قال إنك
من أزواج النبي (ص) (2) وما قال: انك من أهل البيت. وعن
شهر بن حوشب قال: كنت جالسا عند أم سلمة (رض) فقالت جاءت
فاطمة تحمل قدرا لها فيه خزيرة أو ما يصنع فقال لها رسول الله (ص)
أين ابن عمك؟ قالت في البيت قال: ادعيه وادعي ابني معه قالت: فجاؤوا
فطعموا ثم أخذ كساء خيبر، وما كان يبسطه في بيتنا فتخلل هو وهم به ثم
قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا، قالت: فقلت

(1) الدر المنثور 5 ص 198. مجمع الزوائد 9 ص 167.
(2) أسباب النزول للواحدي ص 267.
238

يا رسول الله: ألست من أهلك؟ قال: أنت إلى خير أو أنت على خير
(1) وفي رواية فلما فرغوا أخذ رسول الله (ص) كساء له فدكيا فأداره
عليهم ثم أخذ طرفيه بيده اليسرى ثم رفع اليمنى فقال: اللهم هؤلاء أهل
بيتي وحامتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، أنا حرب لمن حاربهم
وسلم لمن سالمهم. وعن نفيع بن الحارث عن أبي الحمراء قال: كان النبي
(ص) يجئ عند صلاة كل فجر فيأخذ بعضادة هذا الباب ثم يقول: السلام
عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته. ثم يقول: الصلاة رحمكم الله إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، قال قلت: يا أبا
الحمراء من كان في البيت قال: علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) (2)
قال الأمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي (رح): جعل الله تعالى أهل
بيت النبي (ص) مساوين له في خمسة أشياء، أحدهما المحبة، قال الله تعالى
فاتبعوني يحببكم الله. وقال: لأهل بيته: قل لا أسألكم عليه أجرا الا
المودة في القربى. والثانية، تحريم الصدقة. قال (ص): لا تحل الصدقة
لمحمد ولا لآل محمد إنما هي أوساخ الناس. والثالثة الطهارة، قال الله: طه
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. - اي يا طاهر - وقال: لأهل بيته ويطهركم
تطهيرا، والرابعة في السلام قال: السلام عليكم أيها النبي، وقال: لأهل
بيته. سلام على آل ياسين، والخامسة في الصلاة على النبي (ص) وعلى الآل
في التشهد، وقال علي بن أبي طالب (رض) فينا في آل حم آية لا يحفظ
مودتنا الا كل مؤمن ثم قرأ. قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في

(1) أخرجه الترمذي والدولابي في الذرية الطاهرة كما في الذخاير ص 21
(2) أخرجه أحمد في المناقب وعبد بن حميد كما في الذخاير ص 25.
239

القربى. وروى ابن عمر (رض) قال: أبا بكر الصديق (رض) يقول:
ارفعوا أو أحفظوا محمدا (ص) في أهل بيته، وقال ابن عباس (رض)
في قوله تعالى: ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا. قال: المودة لآل محمد
(ص). وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص) ان لله ثلاث
حرمات فمن حفظهن حفظ الله تعالى دينه ودنياه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ
الله دينه ولا أخرته، قلت: وما هن قال: حرمة الإسلام، وحرمتي وحرمت
رحمي (1) وقال سلمان الفارسي (رض): عليكم بأهل بيت نبيكم
(ص) فإنهم لن يدخلوكم في باب ضلالة ولن يخرجوكم من هدى.
وعن إبراهيم بن شيبة الأنصاري قال: جلست إلى الأصبغ بن نباته
فقال: ألا أقرء عليك ما أملاه علي علي بن أبي طالب (رض)؟ فأخرج
لي صحيفة فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به محمد رسول
الله (ص) أهل بيته وأمته، أوصى أهل بيته بتقوى الله، ولزوم طاعته
وأوصى أمته بلزوم أهل بيته، وان أهل بيته يأخذون بحجزة نبيهم (ص)
وان شيعتهم آخذون بحجزهم يوم القيامة، وانهم لن يدخلوكم في باب
ضلالة، ولن يخرجوكم من باب هدى. قال الأمام الواحدي (رض) وروي
عن علي (رض) أنه قال: أصول الإسلام ثلاثة لا تنفع واحدة منهن
دون صاحبتها، الصلاة، والزكاة، والمولاة، قال: وهذان ينتزع من قوله تعالى
إنما وليكم الله ورسوله (2) قال الأمام الواحدي ومن قولي قديما في أهل بيت النبي (ص):

(1) الصواعق 90 و 139. مجموع الزوائد 9 ص 168.
(2) سورة المائدة: 58.
240

رهط النبي عليكم صلواته مترادفات بكرة وأصيلا
فستشفعون لدي جرائم أنه أحي الرجاء وصدق التأميلا
ذكر امتحان يكون به للمحق شرف واتضاح، وللكاذب فيه
بلية وافتضاح، مروي عن الإمام علي بن محمد الهادي (ع) يمتحن
به من يشك بنسبه من ولد فاطمة بنت رسول الله (ص)
نقل الأستاذ أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الواعظ في كتابه
الذي جمعه في شرف النبي (ص) بسنده إلى علي بن يحى المنجم قال:
ظهرت زينب الكذابة فزعمت إنها لبطن فاطمة وعلي بن أبي طالب (ع)
فقال: المتوكل لجلسائه كيف لنا بصحة هذه المرأة وعند من نجده
فقال الفتح بن خاقان: ابعث إلى علي بن محمد الهادي حتى يحضر ويخبرك
حقيقة أمرها، فبعث إليه فأتاه فرحب به وأجلسه معه على سريره، وقال
إن هذه تدعي كذا وكذا فما عندك في ذلك فقال: الامتحان في هذا قريب
إن الله تعالى قد حرم لحم جميع ولد فاطمة وعلي من ولد الحسن والحسين
على السباع فألقها للسباع فان كانت صادقة لم تتعرض لها وإن كانت كاذبة
أكلها، فعرض ذلك عليها فكذبت نفسها وأدبرت على جمل في طرقات سر من رأى
تنادي على نفسها بأنها زينب الكذابة وليس بينها وبين رسول الله (ص)
رحم ماسة من فاطمة ولا علي (ع)، وجاريتها على جمل آخر تنادي عليها
بذلك فدخلت إلى الشام فلما كان بعد ذلك بأيام أخرى ذكر الإمام علي بن
محمد الهادي وما قال: في زينب حتى ظهر أمرها عند المتوكل فقال علي بن
الجهم يا أمير المؤمنين لو جربت قوله: عليه فعرفت حقيقته فقال: إفعل ثم
قال المتوكل للفتح بن خاقان: تقدم إلى خدم السباع أن يجيؤا منها ثلاثة.
241

ويحضروها هذا القصر فترسل في صحنه ونقعد نحن في المنظر ونغلق باب
الدرج ونبعث إليه حتى يحضر ويدخل من باب القصر فإذا صار في الصحن
أغلق الباب وخلي بينه وبينها في الصحن قال علي بن يحيى: وكنت أنا
وأبن حمدون في الجماعة، ففعل ابن خاقان ما أمره به ودعى علي بن محمد الهادي
فلما دخل أغلق الباب والسباع قد أصمت الاسماع من زئيرها، فلما مشى
في الصحن يريد الدرجة مشت إليه السباع وقد سكتت فما يسمع لها حس
حتى تمسحت به ودارت حوله وهو يمسح رأسها بكمه ثم ضربت السباع
بصدورها إلى الأرض وربضت فما همست ولا زأرت حتى صعد الدرجة، وتحدث
عند المتوكل مليا ثم انحدر ففعلت السباع كفعلها الأول ثم ربضت فما
سمع لها حس ولا زئير حتى خرج علي بن محمد الهادي (ع) من الباب
الذي دخل منه فركب وانصرف إلى منزله، فاتبعه المتوكل بمال جزيل صلة
له، فقال علي بن الجهم: فقمت وقلت للمتوكل: يا أمير المؤمنين إفعل كما
فعل ابن عمك ومر على السباع، ثم قال المتوكل: لجلسائه والله لئن بلغتم
هذا أحدا من الناس لأضربن أعناق هذه العصابة كلهم قال: فوالله ما جسر
أحد ممن شاهد ذلك أن يتكلم به حتى مات المتوكل.
ويروى أن جماعة كانوا عند الحسن بن علي الأطروشي بمصر وكان عنده
رجل من أولاد الزبير ينازعه ويقول له: أنتم معشر العليين إذا وليتم تستحلون
الأموال، وتستعبدون الاسرار وتقولون: الناس خول لنا فأنشأ الحسن بن
علي يقول:
يقول: أناس بأنا نقول * بأن الأنام عبيد لنا
فلا والذي جعل المصطفى * أبانا وفاطمة أمنا
242

ووالد سبطي نبي الهدى * وسبط نبي الهدى فخرنا
فما صدقوا في ملاقاتهم * علينا ولكن رأو فضلنا
فأعزوا بنا ليروا مثلنا * فإني ولن يدركوا سعينا
فإن صدقونا كفيناهم * وإن كذبوا سفها قولنا
فبالله ندفع مالا نطيق * فما زال سبحانه حسبنا
وروى محمد بن سوقة (رح) عن أبي الطفيل عن علي (رض) قال:
تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، شرها من يتخل حبنا، ويفارق
أمرنا.
فهذا أخر ما يسر الله جمعه، وله الحمد على جهة الاحصاء من مناقب أهل
العباد، المخصوصين بكرامة الاحياء، والمصطفين المطهرين من الأنجاس والأرجاس
المبرين من أردان الميل إلى الدنيا والأدناس، المفضلين على خيار
الثقلين الجن والناس، الذي تتزين بأسمائهم المحافل والمنابر، وتتجلى بأوصافهم
الفضايل والماثر، وتتباها ملائكة السماء بخشوعهم وسجودهم، وتفتخر الكائنات
بشرف وجودهم، وتمتدح الألقاب والأوصاف عند ذكرهم، وتعجز الأوهام
والأفهام عن كشف سرهم، وعن قصور علو شأنهم ورفعة قدرهم، ومن ذا
الذي يحصي الكواكب والقطر:
كفاهم من مديح الناس طرا إذا ما قيل: جدهم الرسول
ولولا ما شرطته من الاختصار، وعدم الإطالة والاطناب، لذكرت من
مناقب هؤلاء السادة الأبرار، والأئمة الأطهار، ومن سيرهم المرضية وآدابهم
العلوية، ومكارم أخلاقهم الزكية، وحسن تسميتهم العلية، ما يبهر النفوس
ويملي الطروس، لكن الوفاء بشرط الموسوم كالقضاء المحتوم، والله أسأل
243

أن ينفعني بمحبتهم ويحشرني في زمرتهم، إنه سميع الدعاء لطيف لما
يشاء، نجز الكتاب وربنا المحمود وله المكارم العلي، والجود والحمد لله
رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، كلما ذكره الذاكرون
وكلما سها عنه الغافلون، رب اختم بالخير برحمتك يا كريم، وحسبنا الله
ونعم الوكيل.
قال: مؤلفه العبد الفقير إلى رحمة ربه الغني، محمد بن يوسف بن الحسن
المدني الأنصاري المحدث بالحرم الشريف النبوي، عفا الله تعالى عنهم بمنه
أمين، فرغت منه في غرة رمضان المبارك سنة سبع وأربعين وسبعمائة
ببلدة شيراز حفت بالاكرام والاعزاز، وقت حليتي ومقامي بها، والمرجو
من كل واقف على هذا الكتاب، ان عثر على هفوة فليتجاوز عنها ويسترها
بكرمه.
إن تجد عيبا فسد الخللا جل من لا عيب فيه وعلا
والحمد لله أولا واخرا وظاهرا وباطنا وله الحمد السرمد، والمدح لرسوله
محمد (ص)...
244