الكتاب: غرر الفوائد المجموعة
المؤلف: يحيى بن علي القرشي
الجزء:
الوفاة: ٦٦٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: محمد خرشافي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٧ - ١٩٩٦ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
ردمك:
ملاحظات:

غرر الفوائد المجموعة
في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة
تأليف
الحافظ أبي الحسين يحيى بن علي بن عبد الله القرشي
الشهير برشيد الدين العطار
584 ه‍ - 662 ه‍
تحقيق ودراسة
محمد خرشافي
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
1

جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
1417 ه‍ - 1996 م
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
2

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه وسلم. أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون، أرسله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، من ظلمات الجهل والشرك
والكفر والظلم إلى نور العلم والتوحيد والإيمان والعدل.
أرسل الله رسوله برسالة هي خاتمة رسائل الله إلى خلقه، فحباها سبحانه
وتعالى من المقومات ما أهلها للبقاء والخلود، أحاطت بمصالح البشر وتكفلت
بإسعاد متبعيها في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام
دينا).
عمدة هذه الرسالة القرآن الكريم. فهو حبل الله الممدود إلى الأرض، من
اهتدى بهديه سعد وأفلح، ومن أعرض عنه شقي وخسر وذلك هو الخسران المبين.
تكفل الله بحفظه، فقال عز من قائل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
وتنفيذا لهذا الوعد الإلهي الكريم جندت الأمة الإسلامية طاقاتها منذ عهد
النبي صلى الله عليه وسلم، فعملت على حفظه وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ولقنه السلف
للخلف تلقينا متواترا في جميع طبقاته وأعماره، فعرف اهتماما وعناية لم يسبق لأمة
من الأمم أن أحاطت بها كتابا من كتب ربها إليها.
إن الأصل الثاني لهذه الرسالة هو السنة النبوية الطاهرة، فهي تستمد حجيتها
من القرآن الكريم. تبين مشكله وتفصل مجمله وتخصص عامه وتقيد مطلقه. قال
تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم).
3

وبذلك تكون السنة قد انضوت تحت هذا الوعد الكريم بالحفظ والصيانة،
فعرفت في المسلمين علوم كثيرة، كان محورها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبيلها
تعديل أهل الحق والاستقامة وتجريح أصحاب الفسق والضلالة.
قام بهذا العمل الجليل خلق كثير اختارهم الله وقيضهم له، فلم يخل منهم
عصر من عصور هذه الأمة، فما توانوا ولا قصروا ولا ضعفوا ولا استكانوا، فكانوا
من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وصاحب كتابنا: " الغرر المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من
الأحاديث المقطوعة " أحد هؤلاء الذين عاهدوا الله على الذود عن حياض السنة
النبوية. فوفى بما عاهد الله عليه. فرحم الله الحافظ أبا الحسن رشيد الدين العطار:
فكأني به وقد أطلعه الله على مغيبات المستقبل فسمع تخرصات المتخرصين وأباطيل
المبطلين ودسائس أعداء هذه السنة - الذين أرادوا أن يشككوا في أصح الكتب بعد
كتاب الله: صحيحي البخاري ومسلم - فأعد لهم قوسه وجرد سيفه ورمي بسهام نبله
في نحورهم فأسكت ألسنتهم قبل أن يتكلموا، وأفحم حججهم قبل أن يبرهنوا
وأصاب منهم المقتل قبل أن يولدوا.
إن هذا العمل ليعتبر بحق صخرة صلبة تقام حاجزا أمام من أراد النيل أو
التلبيس على أحد هذين الكتابين الصحيحين.
امتاز الصحيحان على غيرهما من كتب الحديث بمزايا عديدة وإختصا دونها
بخصائص جليلة أهلتهما أن يكونا في المرتبة الأولى من كتب الحديث بلا مدافع.
واتفقت كلمة الحفاظ من أهل هذا الفن على أن أصح الكتب بعد كتاب الله
تعالى كتابا البخاري ومسلم، رحمة الله عليهما، وتلقتهما الأمة بالقبول، واعتنى
بهما العلماء، فكم من شارح لهما أو لأحدهما، وكم من مختصر، وكم من معلق أو
مستدرك أو مستخرج عليهما أو على أحدهما. حتى لا تكاد تحصى المصنفات حول
هذين الكتابين الجليلين.
ومن الجوانب المتعلقة بالصحيحين التي اهتم بها العلماء المعلقات فيهما -
والمعلق في اصطلاح المحدثين هو ما حذف أول سنده، سواء كان المحذوف واحدا
أو أكثر على التوالي، ولو إلى آخر السند -.
4

فهذا الحافظ ابن حجر (ت 852 ه‍) تولى وصل جميع المعلقات المشتمل
عليها الجامع الصحيح للبخاري في كتابه " تغليق التعليق " وبذلك سد الطريق على كل
طاعن أو مغرض يود النيل من صحيح البخاري.
ويسر الله للدكتور سعيد عبد الرحمن موسى القزقي دراسة هذا الكتاب
وتحقيقه، حيث رأى نور الطباعة وملأ الفراغ الذي كانت تعاني منه المكتبة البخارية
في هذا الجانب.
وفي صحيح مسلم أحاديث قليلة منقطعة جمع بعضها أبو علي الغساني
(ت 498 ه‍) في " تقييد المهمل وتمييز المشكل "، ونص على وصل بعضها، ولم
يستوعب. وجاء الإمام أبو عبد الله المازري (ت 536 ه‍) فألف كتابه " المعلم بفوائد
مسلم " فاقتفى أثر أبي علي في ذكر نفس الأحاديث، لكنه لم يصلها.
فلما جاء الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي جعل هذه الأحاديث نواة لكتابه
" غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة ".
ثم أضاف إليها ما وقع إليه من جنسها في صحيح مسلم، وقام بوصلها من الطرق
الثابتة الصحيحة.
وكتاب " الغرر " هذا على أهميته لم يجد من يقوم بتحقيقه وإخراجه إلى الوجود
نظرا للبتر الذي يشتمل عليه في نسختيه المعروفتين: نسخة الخزانة العامة
بالرباط: ع. ونسخة خزانة برلين: ب. وسبق أن سجل في نطاق رسائل جامعية،
لكن سرعان ما يسحب الطالب تسجيله أمام ما يلاقيه من صعوبات إتمام البتر
المذكور، وكذا حينما يعلم أن المصادر التي ترجمت لصاحبه كثيرة. ولكنها في
مجملها لم تتعد معلومات واحدة تتناقلها فيما بينها لا تشفي الغليل، ولا تسلط
الضوء الكافي على الحياة العلمية الجليلة للحافظ رشيد الدين العطار، رحمه الله
تعالى.
وما إن علمت ذلك حتى استخرجت الله في الإقدام على تسجيله. وحفزني بعض
العلماء الأفاضل على ذلك، جازاهم الله خيرا.
وحمدت الله تعالى أن كان موضع البتر المشترك بين النسختين في نواة
الموضوع " في الأحاديث الأربعة عشر الأولى " التي تناولها بالبحث كل من أبي علي
5

الغساني، والإمام المازري، والإمام ابن الصلاح (ت: 643 ه‍). ومن الذين
تناولوها بالدرس بعد رشيد الدين العطار الإمام النووي (ت: 676 ه‍) في مقدمة
شرحه لصحيح مسلم، وكذا أثنا شرحه لكل حديث منها، في موضعه من كتاب
صحيح مسلم. والأمر نفسه فعله الحافظ زين الدين العراقي (ت: 806 ه‍)،
والحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح، وفي كتابه النكت الظراف على
الأطراف، ونقل عن الحافظ رشيد الدين الإمام السيوطي في التدريب نقولا كثيرة من
كتاب " الغرر ". فتجمع لدي، والحمد لله، ما أمكنني، بواسطته أن ألم شعت هذا
البتر وأرمم ما انصدع من هذا التأليف المبارك.
وإخراج هذا المصنف إلى حيز الوجود يضحد الشبه التي يثيرها أعداء السنة
بالتعلق بأوهى الأدلة للطعن في الأحاديث الصحيحة المخرجة في صحيح مسلم،
ولن يفلحوا. وهؤلاء يصدق عليهم قول الأعشى:
كناطح صخرة يوما ليوهنا * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
أو كما قال الحسين بن حميد:
يا ناطح الجبل العالي ليكلمه * أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
خطة البحث:
لكل عمل علمي منهج يرسم أهدافه ويحدد مراميه، ويحصر جزئياته وأفكاره
ويسلط الضوء على طبيعته ومحتوياته. لذا قمت بوضع هذه الخطة التي سرت عليها
في إنجازي لهذه الرسالة.
وقد رأيت أن أقسم هذا العمل إلى قسمين: قسم الدراسة - قسم التحقيق.
القسم الأول: الدراسة.
وفيه خمسة فصول.
الفصل الأول: التعريف بصحيح مسلم - تقسيم مسلم لطبقات الرواة.
ويشتمل على المباحث الآتية:
6

المبحث الأول: الباعث على تأليف صحيح مسلم.
المبحث الثاني: مدة تأليف صحيح مسلم.
المبحث الثالث: ثناء العلماء على صحيح مسلم.
المبحث الرابع: تقسيم مسلم لطبقات الرواة.
الفصل الثاني: معالم من منهج مسلم في صحيحه.
ويشتمل على المباحث الآتية:
المبحث الأول: العنعنة عند مسلم.
المبحث الثاني: طريقة مسلم في التعريف براوي الحديث المبهم.
المبحث الثالث: بيان اللفظ لمن.
المبحث الرابع: طريقة مسلم في إصلاح الوهم الواقع في الحديث.
المبحث الخامس: اعتناء مسلم بالتمييز بين " حدثنا " و " أخبرنا ".
المبحث السادس: جمع طرق الحديث في موضع واحد.
المبحث السابع: تنبيه مسلم على الاختلاف الواقع في سند الحديث.
المبحث الثامن: حكم اختصار الحديث.
المبحث التاسع: تراجم أبواب صحيح مسلم.
الفصل الثالث: لمحة تاريخية عن عمر المؤلف.
وتشمل النواحي الثلاث.
الناحية السياسية.
الناحية الاجتماعية.
الناحية العلمية.
الفصل الرابع: التعريف بالحافظ رشيد الدين العطار.
ويشتمل على المباحث الآتية:
المبحث الأول: التحقيق في اسمه ونسبه وكنيته ولقبه ومذهبه الفقهي.
7

المبحث الثاني: مولده ونشأته.
المبحث الثالث: تبكير رشيد الدين العطار في طلب العلم والرحلة لأجله.
المبحث الرابع: شيوخه.
المبحث الخامس: تلاميذه.
المبحث السادس: مروياته.
المبحث السابع: مصنفاته.
المبحث الثامن: منزلة الرشيد العلمية، وثناء العلماء عليه.
المبحث التاسع: مناقبه، وفاته، رثاؤه.
الفصل الخامس: التعريف بالكتاب.
ويتضمن المباحث الآتية:
المبحث الأول: الدافع إلى تأليف " غرر الفوائد المجموعة ".
المبحث الثاني: تاريخ تأليف الكتاب ومدة ذلك.
المبحث الثالث: محتوي الكتاب.
المبحث الرابع: موارد المصنف في الكتاب.
المبحث الخامس: منهج الرشيد العطار في الكتاب.
المبحث السادس: جهود الحافظ رشيد الدين في مصطلح الحديث من خلال
الكتاب.
القسم الثاني: التحقيق.
ويشتمل على:
المبحث الأول: اسم الكتاب.
المبحث الثاني: توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
المبحث الثالث: التعريف بنسختي الكتاب.
تحقيق نص الكتاب وعملي فيه:
1 - حققت نص الكتاب بالاعتماد على نسختي الغرر (ع) و (ب) وحاولت
- قدر المستطاع - أن يخرج النص في أقرب صورة إلى الصورة التي وضعها عليه
المؤلف.
8

2 - قابلت بين النسختين (ع) - التي اعتبرتها الأم - و (ب)، وأثبت بالهامش
كل الفروق التي بينهما باستثناء ما لا تدعو الحاجة إلى إثباته، ومن ذلك: الحرث
وأبو القسم وملك وزكريا بدل: الحارث وأبو القاسم ومالك وزكرياء.
3 - أتممت البتر، وأثبت ما سقط من النسختين، ولم أضف كلمة ولا حرفا
واحدا ليس في الأصل إلا وضعته بين حاصرتين [] ونبهت على ذلك في الهامش.
4 - عزوت الآيات إلى سورها وذكرت أرقامها.
5 - خرجت الأحاديث المذكورة في الكتاب، فأحلت على كتبها وأبوابها
وأجزائها وصفحاتها وأرقامها، سواء من المصادر التي ذكرها رشيد الدين أو غيرها
مما لم يذكره.
6 - أرجعت النصوص والأقوال التي نقلها الحافظ رشيد الدين - رحمه الله -
عن غيره من العلماء إلى أصولها، مبينا مواضعها بالتنصيص على أجزائها وصفحاتها
- إلا ما لم أعثر عليه -.
7 - عرفت بالأعلام الواردة في الكتاب مؤثرا في الغالب الحكم على الرواة من
حيث التعديل والتجريح على الحافظ ابن حجر في كتابه تقريب التهذيب. مع الإشارة
إلى ذكر سنة الوفاة، ومن خرج لكل راو من رواة الحديث.
وقد أقف عند علم من الأعلام لتفصيل ترجمته إذا اقتضى المقام ذلك.
8 - الصحابة - رضي الله عنهم - كلهم عدول، لذلك اكتفيت بالإشارة إلى
مواضع ترجمتهم من المصادر التي ترجمت لهم كالاستيعاب لابن عبد البر.
والتجريد للذهبي والإصابة لابن حجر العسقلاني، إلا الذين وردوا بكناهم فإني
ترجمت لهم. وقد أترجم للصحابي لفائدة يقتضيها النص.
9 - في ذكر مصادر الترجمة توخيت أن أبدأ بأقدمها تاريخا ثم الذي يليه وهكذا.
10 - احترمت ترقيم المصنف وترتيبه فيما رقمه ورتبه من أحاديث، واعتبرت
كل حديث وحدة قائمة بذاتها، لذا كانت بدايات الأحاديث في صفحات جديدة،
ووضعت لكل واحد منها رقما متصاعدا - داخل دائرة -.
11 - وضعت جداول تيسر على القارئ تصور طرق الحديث والفروق بينها،
وتوضح جهود أهل الحديث في خدمة السنة النبوية.
9

12 - ناقشت المؤلف في بعض آرائه، وأيدت ما ظهر لي صوابه، ونبهت إلى
ما خالفته فيه.
13 - شرحت المفردات اللغوية العربية، وصححت ما وقع في النص من
أخطاء مع الإشارة إلى ذلك في الهامش.
14 - أشرت إلى بداية كل لوحة من لوحات: ع بخط مائل (/) وجعلت رقم
اللوحة في الهامش على اليمين.
وختمت النص المحقق بوضع فهارس علمية ألحقتها بآخره. وتشتمل على:
- فهرس الآيات.
فهرس الأحاديث والآثار.
فهرس الأعلام.
فهرس الأماكن.
فهرس المباحث في مصطلح الحديث.
ثم أثبت قائمة بالمصادر والمراجع التي اعتمدتها في الدراسة والتحقيق وآخرها
فهرس عام بالمواضيع مع أرقامها صفحاتها.
هذا وإني لا أدعي الكمال فيما قمت به، بل هو جهد المقل، فإن كان صوابا فهو
من توفيق الله سبحانه وتعالى، وله الحمد والشكر على ما أنعم به، وإن كان غير ذلك
فهو مني، واستغفر الله من ذلك، وحسبي أني بذلت قصارى جهدي وطاقتي... والله
أسأل أن يرزق عملي هذا القبول، ويكتبه لي في ميزان الحسنات يوم الدين.
وختاما أتقدم بالشكر والعرفان الجميل لفضيلة الأساتذة الكرام:
الدكتور محمد أمين الإسماعيلي، والدكتور محمد يسف، والدكتور التهامي
الراجي، والدكتور زين العابدين بلافريج، على ما قدموا إلي من مساعدة، وأسأل الله
أن يجازي بأحسن الجزاء كل من مد إلي يد المساعدة في إيجاز البحث.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، والسلام على رسول الله
محمد المبعوث رحمة للعالمين، آمين.
وكتبه: محمد خرشافي.
10

الرموز المستعملة في الرسالة
خ: البخاري في صحيحه
خت: البخاري تعليقا
بخ: البخاري في الأدب المفرد
عخ: البخاري في خلق أفعال العباد
ز: البخاري في جزء القراءة
م: مسلم في صحيحه
مق: مسلم في مقدمة صحيحه
د: أبو داود في سننه
مد: أبو داود في المراسيل
صد: أبو داود في فضائل الأنصار
خد: أبو داود في الناسخ
قد: أبو داود في القدر
ل: أبو داود في المسائل
ت: الترمذي في جامعه
تم: الترمذي في الشمائل
س: النسائي في سننه
ق: ابن ماجة في سننه
فق: التفسير لابن ماجة
ع: سائر الأصول الستة (إذا وردت في تخريج الحديث)
4: لهم سوى الشيخين
حم: أحمد في مسنده
دي: الدارمي في سننه
ط: مالك في الموطأ
ح: تحويل (إذا وردت بين سندين)
نا: حدثنا
11

ثنا: حدثنا
أنا: أخبرنا
ع: مخطوط " الغرر " نسخة الخزانة العامة بالرباط
ب: مخطوط " الغرر " نسخة خزانة برلين.
ل: لوحة (إذا وردت بعد مخطوط)
12

الفصل الأول
التعريف بصحيح مسلم - تقسيم مسلم لطبقات الرواة. ويشتمل على المباحث
الآتية:
المبحث الأول: الباعث على تصنيف صحيح مسلم.
المبحث الثاني: مدة تأليف صحيح مسلم.
المبحث الثالث: ثناء العلماء على صحيح مسلم.
المبحث الرابع: تقسيم الإمام مسلم لطبقات الرواة.
13

التعريف بصحيح مسلم
للإمام مسلم ترجمة حافلة تكفلت بها سائر كتب التراجم والأعلام. وأكتفي
بذكر بعض ما يقرب إلينا الإمام مسلما في صحيحه، وما له شديد الصلة بموضوع
الرسالة.
الباعث على تصنيف صحيح مسلم.
ذكر الإمام مسلم (رحمه الله)، في مقدمة صحيحه سبب تأليفه لهذا الكتاب،
فنص على مجمله: أن أحد الناس طلب منه التعريف على جملة من الأخبار
المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سنن الدين وأحكامه وما كان منها في الثواب
والعقاب والترغيب والترهيب وغير ذلك من صنوف الأشياء بالأسانيد التي بها نقلت
وتداولها أهل العلم فيما بينهم بلا تكرار يكثر.
فتدبر الإمام مسلم في هذا الأمر، فوجد أن عاقبته محمودة، ومنفعته موجودة
له خاصة وللمسلمين عامة.
وزاده رغبة في القيام بهذه المهمة الجليلة ما رآه من بعض العلماء من نشر
الأخبار الضعيفة وعدم التمييز بين السليم والسقيم. وما لهذا العمل من أضرار على
عوام المسلمين الذين لا يدركون الفرق بينها.
قال مسلم رحمه الله: " وبعد، يرحمك الله، فلولا الذي رأينا من سوء صنيع
كثير ممن نصب نفسه محدثا فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة والروايات
المنكرة وتركهم الاقتصار على الأحاديث الصحيحة المشهورة مما نقله الثقات
15

المعروفون بالصدق والأمانة، بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أن كثيرا مما يقذفون
به إلى الأغبياء من الناس هو مستنكر، ومنقول عن قوم غير مرضين ممن ذم الرواية
عنهم أئمة أهل الحديث، مثل مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة
ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم من الأئمة لما سهل
علينا الانتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل.
ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف
المجهولة وقذفهم بها إلى القوم الذين لا يعرفون عيوبها خف على قلوبنا إجابتك إلى
ما سألت ".
مدة تأليف صحيح مسلم:
مكث الإمام مسلم في تأليف كتابه " الصحيح " مدة خمس عشرة سنة قضاها في
التحري والتثبت والعناية بهذا المصدر الأساسي لمعرفة الحديث الصحيح جمعا
وترتيبا وضبطا ودقة. وكان يساعده في كتابة " الصحيح " تلميذه ورفيقه في الرحلة
أحمد بن سلمة.
وقد انتقى الإمام مسلم هذا المسند الصحيح من ثلاث مائة ألف حديث
مسموعة وورد عن مسلم أنه قال: " ما وضعت شيئا في هذا المسند إلا بحجة وما
أسقطت منه شيئا إلا بحجة ".
لم يكتف الإمام مسلم، رحمه الله، بما بذله من جهود عظيمة ومضنية في تأليفه
ولذا لما أتمه عرضه على جهابذة عصره من فحول نقاد الحديث. ونقل ابن خير في
فهرسته عن مكي بن عبدان قوله: " سمعت مسلما يقول: " عرضت كتابي هذا
علي أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته، وكل ما قال إنه صحيح وليست
له علة خرجته ".
16

ونتيجة لهذا العمل الجليل والسعي المتواصل الحميد وهذه العناية التامة في
الاحتياط والتثبت ارتاحت نفس الإمام مسلم لهذه الثمرة، فأخذ يرغب الناس في
الاعتماد على هذا الكتاب في معرفة الصحيح من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد نقل
النووي عن مكي بن عبدان أنه سمع مسلما يقول: لو أن أهل الحديث يكتبون مائتي
سنة الحديث فمدارهم على هذا المسند - يعني صحيحه -.
ثناء العلماء على صحيح مسلم:
وشأن صحيح مسلم كشأن صحيح البخاري، كل منهما لقي إقبالا كبيرا من
العلماء، حتى غدت ألسنتهم ناطقة بفضلهما والثناء عليهما.
وأسوق هنا بعض ما يتعلق بصحيح مسلم.
قال الإمام النووي: " سلك مسلم - رحمه الله - في صحيحه طرقا بالغة في
الاحتياط والإتقان والورع والمعرفة وذلك مصرح بكمال ورعه وتمام معرفته وغزارة
علومه وشدة تحقيقه وتحفظه وتقعدده في هذا الشأن وتمكنه من أنواع معارفه وتبريزه
في صناعته وعلو محله في التمييز بين دقائق علومه لا يهتدي إليها إلا الإفراد في
الأعصار... ".
وهذه شهادة من الحافظ ابن حجر حيث قال: " قلت: حصل لمسلم في كتابه
حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله بحيث أن بعض الناس كان يفضله على صحيح
محمد بن إسماعيل، وذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق والمحافظة
على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية بمعني. وقد نسج على منواله خلق
من النيسابوريين فلم يبلغوا شاؤه، وحفظت منهم أكثر من عشرين إماما ممن صنف
المستخرج على مسلم فسبحان المعطي الوهاب ".
تقسيم الإمام مسلم لطبقات الرواة:
وضع الإمام مسلم مقدمة لكتابه الصحيح تعتبر بحق من المقدمات العلمية
17

الرائدة في بيان المنهجية عند علماء المسلمين الأوائل فذكر رحمه الله، أنه سيعمد
إلى ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقسمها إلى ثلاثة أقسام وثلاث طبقات
من الناس.
وقد التزم أن يورد القسم الأول من الأخبار سليمة من العيوب وأن يكون
ناقلوها أهل استقامة في الحديث وإتقان لما نقلوا لا تشتمل أحاديثهم على اختلاف
شديد ولا تخليط فاحش، ومثل لهذا القسم بمنصور بن المعتمر وسليمان بن
مهران الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد. فإذا تقصى أخبار الطبقة الأولى أتبعها
بأخبار من يقع في أسانيدها بعض من ليس موصوفا بالحفظ والإتقان لكنه من
الذين شملهم الستر والصدق واشتهروا بتعاطي العلم وقد ضرب أمثلة لذلك بذكر
أسماء ثلاثة من رجال هذه الطبقة هم: عطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد
وليث بن أبي سليم. وفي صدد القسم الثالث قال الإمام مسلم: " فأما ما كان منها
18

عن قوم عند أهل الحديث متهمون أو عند الأكثر منهم فلسنا نتشاغل بتخريج
حديثهم ".
وأمام هذا التقسيم الذي ذكره مسلم اختلف العلماء في مراده منه، هل التزم بما
ذكره في صحيحه أوليس كذلك؟.
ذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ (ت 405 ه‍) وصاحبه أبو بكر البيهقي
(ت 458 ه‍) أن المنية اخترمته قبل إخراج القسم الثاني. وقال إبراهيم بن محمد بن
سفيان: " أخرج مسلم ثلاثة كتب من المسندات: واحد الذي قرأه على الناس،
والثاني يدخل فيه عكرمة ومحمد بن إسحاق - صاحب المغازي - وضرباؤهما،
والثالث يدخل فيه من الضعفاء ".
وفي قول إبراهيم هذا نظر لأنه يخالف ما التزم به مسلم من عدم ذكر أحاديث
رجال الطبقة الثالثة.
واعترض عياض على ما ذهب إليه الحاكم حيث قال: " ووجدته - أي مسلم -
ذكر في أبواب كتابه حديث الطبقتين الأوليين وأتى بأسانيد الثانية منها على طريق
الاتباع الأولى والاستشهاد أو حيث لم يجد في الباب الأول شيئا، وذكر أقواما تكلم
قوم فيهم وزكاهم آخرون وخرج حديثهم ممن ضعف أو اتهم ببدعة، وكذلك فعل
البخاري فعندي أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذكر ورتب في كتابه وبينه في
تقسيمه وطرح الرابعة ".
بل يذهب القاضي عياض إلى أبعد من هذا حيث يصرح بأنه ناقش غيره من
العلماء فيما ذهب إليه فما رأي منصفا إلا صوبه وظهر له صواب وجهة نظره.
ويبدو أن مسألة وجود أحاديث لرجال الطبقة الثانية في صحيح مسلم أمر لا
يحتمل الجدال، وهذا ما ذهب إليه النووي - رحمه الله - حيث نقل عن ابن الصلاح
19

أنه لا عيب على مسلم في ذلك من أوجه.
أحدها: أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده ولا يقال الجرح
مقدم على التعديل، لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتا مفسر السبب، وإلا فلا يقبل
الجرح إذا لم يكن كذلك، وقد قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت
الخطيب البغدادي وغيره ما احتج البخاري ومسلم وأبو داود به من جماعة علم
الطعن فيهم من غيرهم محمول على أنه لم يثبت الطعن المؤثر مفسر السبب.
ويحتمل أن يكون ذلك فيما بين الجارح فيه السبب واستبان مسلم بطلانه، ولهذا
قال ابن الصلاح في مقدمته: " ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح
لهم كعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما وكإسماعيل بن أبي أويس وعاصم بن
علي وعمرو بن مرزوق وغيرهم واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر
الطعن فيهم ".
الثاني: أن يكون ذلك واقعا في الشواهد والمتابعات، لا في الأصول،
وذلك بأن يذكر الحديث أولا بإسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلا، ثم يتبعه
بإسناد آخر، أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه تنبه
على فائدة فيما قدمه، وبالمتابعة والاستشهاد اعتذر الحاكم أبو عبد الله في إخراجه
عن جماعة ليسوا من شرط الصحيح منهم مطر الوراق وبقية بن الوليد
20

ومحمد بن إسحاق بن يسار... فهؤلاء أخرج لهم مسلم في أشباه لهم كثيرين.
الثالث: أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه عنه باختلاط
حدث عليه. فهو غير قادح فيما رواه من قبل في زمن سداده واستقامته، كما في
أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن عبد الله بن وهب. ذكر الحاكم أبو عبد الله أنه
اختلط بعد الخميس ومائتين بعد خروج مسلم من مصر، فهو كسعيد بن أبي
عروبة وعبد الرزاق وغيرهما ممن اختلط آخرا. ولم يمنع ذلك من الاحتجاج
في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك.
ومما يؤيد وقوع هذا الوجه الثالث أن الإمام أبا عمرو بن الصلاح يذكر بسنده
المتصل عن أبي بكر محمد بن علي بن النجار أنه سمع إبراهيم بن أبي طالب يقول:
" قلت لمسلم بن الحجاج قد أكثرت الرواية في كتابك الصحيح عن أحمد بن
عبد الرحمن الوهبي وحاله قد ظهر؟ فقال: إنما نقموا عليه بعد خروجي من
مصر... ".
الرابع: أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده، وهو عنده من رواية الثقات نازل.
فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه. مكتفيا بمعرفة أهل الشأن في ذلك.
يقول ابن الصلاح وهذا العذر قد رويناه عنه تنصيصا، وهو خلاف حاله فيما رواه عن
الثقات أولا ثم أتبعه بمن دونهم متابعة، وكأن ذلك وقع منه على حسب حضور باعث
النشاط وغيبته، رويناه عن سعيد بن عمرو البردعي أنه حضر أبا زرعة وذكر صحيح
مسلم وإنكار أبي زرعة عليه روايته فيه عن أسباط بن نصر وقطن بن
21

نسير وأحمد بن عيسى المصري. وأنه قال أيضا: يطرق لأهل البدع علينا
فيجدون السبيل بأن يقولوا للحديث إذا احتج به عليهم: ليس هذا في كتاب الصحيح.
قال سعيد بن عمرو: فلما رجعت إلى نيسابور في المرة الثانية ذكرت
لمسلم بن الحجاج إنكار أبي زرعة عليه، وروايته في كتابه الصحيح عن أسباط بن
نصر وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى فقال لي مسلم: إنما قلت صحيح، وإنما
أدخلت من حديث أسباط وقطن وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما
وقع إلى عنهم بارتفاع، ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول، فأقتصر على
ذلك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات.
ولام أبو زرعة كذلك مسلما على روايته عن سويد بن سعيد الحدثاني. فقال:
من أين كنت آتي بنسخة حفص عن ميسرة بعلو؟.
ويتخلص مما تقدم أن أسباب رواية مسلم عمن هو متوسط ومن أفراد الطبقة
الثانية التي هي دون الأولى في الصحة والسداد يعود إلى أربع نقاط:
1 - من هو ثابت العدالة والضبط عند مسلم ضعيف عند غيره أو أن الطعن غير
مفسر، أو أن الجرح غير مؤثر، لأن بعضهم يجرح بما ليس بجارح.
2 - أن يقع في موقع المتابعة والاستشهاد لما ذكر في الأصول.
3 - رواية مسلم عمن اختلط في سلامته وقبل اختلاطه.
4 - أن يكون للحديث طريقان. أحدهما عال وفيه بعض الضعف والآخر نازل
وقد سلم فيؤثر مسلم ذكر السند العالي على ما فيه ويحصل ذلك منه في بعض
الأحيان.
22

الفصل الثاني
معالم من منهج مسلم في صحيحه ويشتمل على المباحث الآتية:
المبحث الأول: العنعنة عند مسلم.
المبحث الثاني: طريقة مسلم في التعريف براوي الحديث المبهم.
المبحث الثالث: بيان اللفظ لمن.
المبحث الرابع: طريقة مسلم في إصلاح الوهم الواقع في الحديث.
المبحث الخامس: اعتناء مسلم بالتمييز بين " حدثنا " و " أخبرنا ".
المبحث السادس: جمع طرق الحديث في موضع واحد.
المبحث السابع: تنبيه مسلم على الاختلاف الواقع في سند الحديث.
المبحث الثامن: حكم اختصار الحديث.
المبحث التاسع: تراجم أبواب صحيح مسلم.
23

العنعنة عند مسلم:
الإسناد المعنعن هو الذي يقال فيه فلان عن فلان. وقد اختلف العلماء فيه هل
هو من قبيل الإسناد المتصل فيندرج ضمن الصحيح أو هو من قبيل المرسل والمنقطع
فلا يدخل ضمنه.
نص الإمام مسلم على مذهبه فيه - في مقدمة صحيحه - وانتصر له وادعى
الإجماع لما ذهب إليه. ومن قوله في ذلك: " وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين
أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا، أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا،
وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه، لكونهما جميعا كانا في عصر واحد، وإن لم
يأت في خبر قط أنهما اجتمعا، ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة إلا
أن يكون هناك دلالة بينة، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا، فالرواية على
السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا ".
وهذا الذي ذكره مسلم ادعي أبو عمرو الداني المقرئ إجماع أهل النقل عليه.
ونقل زين الدين العراقي عن ابن عبد البر تصريحه بإجماع أئمة الحديث عليه بشرط
أن لا يكون المعنعن مدلسا وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا.
ونقل الإمام أبو عمرو بن الصلاح - في مقدمته - عن مسلم قوله ملخصا له، ثم
عقب عليه بقوله: " وفيما قاله نظر وقد قيل إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه
أئمة هذا العلم علي بن المديني والبخاري وغيرهما ".
وعدم اشتراط اللقيا عند الإمام مسلم لا يضر صحيحه ولا يقدح فيه وإنما هو
زيادة في التثبت والاحتياط من قبل الإمام البخاري، ولذا قال المحققون من
المحدثين إن مذهب البخاري أضيق وأدق.
25

طريقة الإمام مسلم في التعريف براوي الحديث المبهم:
اتبع الإمام مسلم دقة متناهية في رواية الحديث حتى كان لا يسمح لنفسه بزيادة
حرف على ما تلقاه من شيوخه سواء في السند أو المتن وإذا كان الحديث يستدعي
إيضاحا وبيانا أتى به مشعرا بأن الإضافة منه.
وقد عقد الإمام النووي فصلا في ذلك حيث قال: " ليس للراوي أن يزيد في
نسب غير شيخه ولا صفته على ما سمعه من شيخه لئلا يكون كاذبا على شيخه، فإن
أراد تعريفه وإيضاحه وزوال اللبس المتطرق إليه لمشابهة غيره، فطريقه أن يقول:
قال حدثني فلان يعني ابن فلان أو الفلاني، أو هو ابن فلان أو الفلاني أو نحو ذلك.
فهذا جائز حسن قد استعمله الأئمة وقد أكثر البخاري ومسلم منه في الصحيحين غاية
الإكثار حتى إن كثيرا من أسانيدهما يقع في الإسناد الواحد منهما موضعان أو أكثر ".
مثاله من صحيح مسلم: " حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا سليمان
(يعني ابن بلال) عن يحيى (وهو ابن سعيد) قال: كان سعيد بن المسيب يحدث،
أن معمرا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من احتكر فهو خاطئ الحديث ".
بيان اللفظ لمن:
إذا حمل الإمام مسلم الحديث عن عدة رواة وتفاوتت ألفاظه عندهم واتحدت
معناه فإنه ينص على اللفظ لمن.
ومثاله: " حدثنا أحمد بن حنبل وزهير بن حرب. (واللفظ لزهير) قالا:
26

حدثنا يحيى (وهو القطان) عن عبيد الله. أخبرني نافع عن ابن عمر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ".
طريقة مسلم في إصلاح الوهم الواقع في الحديث:
من مذهب مسلم - رحمه الله - التقيد بما رواه عن شيوخه - كما تقدم - وإذا
وقع وهم من أحد رواته في حديثه نبه عليه مسلم بإشارة لطيفة دالة على قصد
تصحيحه، وساقه سليما من هذا الوهم. ومن هذا القبيل ما رواه في كتاب الجهاد
والسير، باب غزوة خيبر، قال: " وحدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس
عن ابن شهاب، أخبرني عبد الرحمن (ونسبه غير ابن وهب فقال: ابن عبد الله بن
كعب بن مالك) أن سلمة بن الأكوع قال: لما كان يون خيبر... الحديث ".
قال رشيد الدين - رحمه الله -: وقول مسلم - رحمه الله - في هذا الإسناد:
عن ابن وهب. أخبرني عبد الرحمن ونسبه غير ابن وهب من بديع التصرف في
العدول عن الوهم إلى الصواب، وذلك أن عبد الله بن وهب كان يقول في هذا
الإسناد: قال أخبرني عبد الرحمن وعبد الله ابنا كعب ".
قال النووي: معقبا على طريقة مسلم في تصحيح الوهم المذكور: " وهذا من
فضائل مسلم ودقيق نظره وحسن خبرته وعظيم إتقائه ".
اعتناء مسلم بالتمييز بين " حدثنا " و " أخبرنا ":
تتردد في الإسناد أنواع كثيرة من طرق التحمل للحديث النبوي منها: حدثني
27

وحدثنا، وأخبرني وأخبرنا، وسمعت، وقرأ علي فلان...
ومن مذهب مسلم - رحمه الله - أن يفرق بينها حيث لا يستعمل التحديث إلا
فيما كان من سماعه من لفظ الشيخ، فإن انفرد بالسماع قال: حدثني، وإن سمع مع
غيره قال: حدثنا.
وجعل مسلم مادة الإخبار فيما قرئ على الشيخ وهو يسمع. فإن قرأ هو قال:
أخبرني وإن قرأ غيره وهو يسمع قال: أخبرنا.
وما ذهب إليه مسلم في التمييز بين حدثنا وأخبرنا هو الذي عليه الشافعي
وأصحابه.
ومذهب البخاري في كثيرين إطلاق حدثنا وأخبرنا فيما قرئ على الشيخ كما
فيما سمع من لفظه.
قال ابن الصلاح: " ومذهب مسلم وموافقيه صار هو الغالب على أهل
الحديث ".
جمع طرق الحديث في موضع واحد:
يمتاز مسلم بجمعه للأحاديث ذات الموضوع الواحد في موضع واحد فهو أكثر
تيسيرا على الباحث في معرفة مظان حديثه، ولما كان من منهج مسلم جمعه لطرق
الحديث الواحد متقاربة التجأ إلى كثرة التحويل وعلامتها عند المحدثين: ح.
تنبيه مسلم على الاختلاف في سند الحديث:
يرى الحافظ رشيد الدين العطار أنه من منهج مسلم إذا أورد حديثا وقع في
إسناده اختلاف على أحد رواته، ساق الطريق المرجح عنده في الأول ثم أتبعه
بالطريق الآخر. لينبه على الاختلاف الواقع في سند الحديث.
28

حكم اختصار الحديث ورواية بعضه دون بعض:
اختلف في حكم اختصار الحديث ورواية بعضه دون بعض، فمنهم من منع
ذلك مطلقا بناء على القول بالمنع من الرواية بالمعني وهؤلاء قيدوا المنع بما إذا لم
يكن الراوي أو غيره قد رواه تاما من قبل.
وأجازه بعضهم مطلقا، وصحح النووي جوازه للعارف حيث قال: " والصحيح
التفصيل وجوازه من العارف إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل
البيان، ولا تختلف الدلالة بتركه وسواء جوزناها بالمعنى أم لا " اه‍.
وكل هذا إذا ارتفعت منزلة الراوي عن أن تلصق به تهمة، أما من رواه مرة تاما
فخاف إن رواه بعدها ناقصا أن يتهم بالزيادة أو النسيان أو الغفلة أو قلة الضبط، فإنه
لا يجوز له اختصاره. وكذلك إن رواه ناقصا ثم أراد روايته تاما وخاف ما ذكر، أو
كان ممن لا تجل منزلته عن التظنن به واتهامه كان له العذر في ترك روايته تاما.
قال النووي والسيوطي: " هو إلى الجواز أقرب، ومن المنع أبعد قال الشيخ
ابن الصلاح: ولا يخلو من كراهة وعن أحمد: ينبغي أن لا يفعل، حكاه عنه
الخلال. وما أظنه يوافق عليه. فقد فعله الأئمة مالك، والبخاري وأبو داود والنسائي
وغيرهم " ومذهب الإمام مسلم عدم جواز ذلك فإنه يسوق الحديث بتمامه ولا
يقطعه.
وقد انتقد الإمام مسلم في بضعة عشر حديثا رواها في صحيحه، كل حديث
منها يشتمل على جزء متصل وآخر به انقطاع ومن له إلمام بمنهج الإمام مسلم يعلم
أنه لم يحتج بالجزء المنقطع منها ولذا قال الحافظ رشيد الدين العطار: " ولا يخفى
29

على من له أنس بعلم الرواية أن مسلما - رحمه الله - إنما احتج بما في هذه الأحاديث
وما شاكلها من المسند دون المرسل. وإنما أوردها بما فيها من المرسل جريا على
عادته في ترك الاختصار ". وذهب القاضي عياض إلى أن مذهب مسلم جاز
اختصار الحديث مطلقا حيث قال: " اختلف المحدثون والفقهاء والأصوليون في
اختصار الحديث والتحديث به على المعنى، وفي الحديث بفصل منه دون كماله.
فأجاز هذا كله على الجملة قوم، وهو مذهب مسلم بن الحجاج ومنعه على الجملة
كآخرون وهو تحري البخاري ".
وفي هذا الكلام نظر. فإن رشيد الدين استقرأ عددا من أحاديث مسلم التي
يتعين اختصارها - حتى تكون من شرطه فلم يختصرها احتراما لمنهجه في عدم
اختصار الحديث إلا لضرورة، وهو إذا اختصر نبه على ذلك.
ساق الحافظ رشيد الدين حديث سعيد بن المسيب - في النهي عن
المزابنة... الذي أخرجه مسلم في البيوع وهو حديث يشتمل على ثلاثة
أحاديث اثنان مرسلان والثالث متصل ثم عقب عليه بقوله: " قلت هكذا أورده
مسلم - رحمه الله - في كتابه، فإن قيل: كيف اختار إخراج المراسيل في صحيحه
وليست من شرطه ولا داخلة في رسمه؟ فالجواب أن مسلما - رحمه الله - من
عادته أن يورد الحديث كما سمعه، وكان هذا الحديث عنده عن محمد بن رافع على
هذه الصفة، فأورده كما سمعه منه، ولم يحتج بالمرسل الذي فيه، وإنما احتج بما
في آخره من المسند، وهو حديث سالم عن عبد الله عن زيد بن ثابت أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، رخص بعد ذلك في بيع العرية... الحديث، فهذا القدر الذي احتج
به مسلم منه ".
30

تراجم أبواب الصحيح:
ألف مسلم كتابه " الصحيح " مقتصرا فيه على ذكر الأحاديث لا يخلط بها
التراجم والأبواب كما صنع البخاري حتى قيل فقه البخاري في تراجمه ومع ذلك لم
يكن كتابه مختلطا في أحاديثه، بحيث يختلط باب بباب وإنما هي مميزة إذ أنه حين
وضع كتابه وضعه مفصلا مرتبا بحسب الأبواب وإن لم يذكرها.
وما هو عليه اليوم من تراجم الأبواب هو من وضع العلماء والمصنفين وشراح
صحيحه الذين جاؤوا من بعده، ولهذا اختلفت فيما بينها. وتختلف هذه التراجم
جودة ورداءة، والذي لا مرية فيه أن أجودها التي من وضع الإمام النووي.
31

الفصل الثالث
لمحمة تاريخية عن عصر المؤلف (584 ه‍ - 662 ه‍) 1188 م - 1224 م)
من النواحي الثلاث:
الناحية السياسة
الناحية الاجتماعية
الناحية العلمية
33

الحالة السياسية
كان لضعف الدولة العباسية آثار سيئة على العالم الإسلامي، استمرت
مخلفاتها على مدى فترة غير قصيرة من الزمن على إثرها تصدع صرح الخلافة
الإسلامية وصارت عبارة عن دويلات متنازعة متحاربة، وجرد الخليفة العباسي من
سائر السلطات، حتى لم يعد له سوى الاسم، بل قد غلب على أمره - في كثير من
الأحيان - وصار ألعوبة في يد الوزراء أو الولاة والأمراء المستبدين.
وزالت هيبة الخلافة الإسلامية من النفوس، وشقت عصا الطاعة كثير من
البلدان الإسلامية.
فهذه الدولة الفاطمية في مصر (358 ه‍ - 567 ه‍) بدأت بنشر مذهبها الشيعي
وأسقطت ما كان متبقيا من الولاء الشكلي لأمير المؤمنين ولم تعد تخطب له على
المنابر، وناصبت العداء للخلافة العباسية كما اقتطعت بعض الأجزاء من أراضيها.
وتجمعت عوامل متعددة لتفرز صراعا آخر في الشرق الإسلامي وهذه المرة بين
المسلمين والمسيحيين.
كانت أواخر القرن الخامس الهجري - من سنة 491 ه‍ - فاتحة هذه الصفحة
الجديدة، فقد استطاع الصلبيون أن يستولوا على مدن كثيرة فكونوا إمارات، منها
إمارة الرها، وإمارة أنطاكيا، وإمارة بين المقدس، وإمارة طرابلس. وبهذا تم لهم
السيطرة على سواحل بلاد الشام.
لم تكن تسقط المدينة تلو المدينة في أيدي الصليبيين بسهولة، فقد أبلى
المسلمون في الدفاع عن أراضيهم البلاء الحسن.
وفي عهد آخر خليفة فاطمي في مصر - العاضد - ساءت أحوال البلد بسبب
35

تنازع وزيرين على السلطة، عما ضرغام وشاور. استنجد شاور بنور الدين. وأقبل
الصليبيون لاحتلال مصر تحت غطاء نصرة ضرغام - وكان أن انهزم الصليبيون أمام
جيش نور الدين بقيادة أسد الدين شيركوه. ولكن ذلك لم يمنعهم من ازدياد
طمعهم في احتلال مصر.
وفي سنة 564 ه‍ اشتدت وطأة الصليبيين على مصر فاستغاث العاضد
بنور الدين. فبعث إليه أسد الدين بجيشه. هذا الذي استطاع أن يخلي الفرنجة عن
مصر، ويقضي على رؤوس الفتنة فيها، فرغب العاضد في احتوائه فاستوزره، فلم
يلبث أسد الدين في الوزارة إلا بضعة أشهر وتوفي.
فتسلم صلاح الدين مقاليد الوزارة بعد وفاة عمه أسد الدين شيركوه. وأخذ
العهد على نفسه منذ بداية أمره أن يطرد الصليبيين من الشرق فجند لذلك كل
قواته.
وما إن استتب الأمر له، حتى خطب باسم نور الدين (سنة 567 ه‍) وبذلك
ألغيت الخلافة الفاطمية، وعرفت مصر عودتها إلى الخلافة العباسية.
اغتاظ نفر من أنصار الفاطميين فأرسلوا إلى الصليبيين بالشام وإلى صاحب
صقلية طالبين منهم تجريد حملة على مصر لإرجاع الخلافة الفاطمية إليها وطرد
صلاح الدين منها. وبناء على هذا الطلب قدم إلى ثغر الإسكندرية أسطول عظيم من
جزيرة صقلية قوامة ثلاث مائة سفينة، ولكنه لم يقو على الاستيلاء عليها لاستماتة
أهلها في الدفاع عنها، فعاد أدراجه يجر أذيال الخيبة (كان ذلك سنة 570 ه‍) وفي
عام 583 ه‍ سار السلطان صلاح الدين بجيشه إلى فلسطين لقتال الصليبيين، وتم له
36

النصر المبين عليهم في وقعة حطين، فقتل منهم جم غفير وأسر منهم ما لا يحصى
من الأنفس. وفتح هذا الانتصار أمام جيوش صلاح الدين أبواب بيت المقدس، ثم
عكا ويافا وطبرية وصيدا وبيروت وصور وعسقلان.
ووصلت سنة 589 ه‍ فتوفي صلاح الدين، فانقسمت مملكته بين أبنائه
وتنازعوا فيما بينهم. وطمع الصليبيون من جديد فيها. فلم تأت سنة 615 ه‍ حتى
نزل الصليبيون بجزيرة دمياط فهاجموا قلاعها وحصونها، وحاصروها ستة أشهر حتى
سقطت في أيديهم. فأعملوا السيف في رقاب أهلها وحولوا مساجدها إلى كنائس
وعاني المصريون في هذا العام مالم يعانوه طيلة الحروب الصليبية... ثم
أجلوا عنها.
وفي سنة 647 ه‍ عاودوا الكرة على دمياط، لكن أهلها ما لبثوا أن غادروها
وتركوها للغزاة، وكان الملك الصالح معسكرا بالمنصورة، وهو مريض فما لبث
أن وافاه الأجل، فأخذت بزمام الأمر شجرة الدر، فاتجه الإفرنج نحو المنصورة،
ودار هناك قتال عنيف بين الجيشين انتهى بأسر قائد هذه الحملة (لويس التاسع
ملك فرنسا).
ثم أخذ الوجود الصليبي يندحر من مواقعه ويترك حصونه وقلاعه التي أقامها
في الشام، حيث تم للجيش المصري بقيادة الأشرف - ملك مصر - دخول عكا
سنة 690 ه‍. وباستعادتها من أيدي الغزاة انقرضت دولتهم ودالت أيامهم، وذلك
بعد قرنين من الزمن.
وفي هذه الأثناء كانت شوكة المغول - التتار - تقوى يوما عن يوم، فقد
استطاعوا سنة 628 ه‍ أن يقضوا على السلطان جلال الدين خوارزم، ثم توجهوا من
خوارزم إلى بغداد، وتم لهم احتلالها ست 656 ه‍. وأطلقوا فيها يد التخريب
37

والنهب، وقتل الخليفة المستعصم ووضع بذلك الحد للدولة العباسية.
الحالة الاجتماعية
لم تكن الحالة الاجتماعية في البلاد الإسلامية بأفضل من الحالة السياسية نظرا
لما لهما من تداخل، فأي تطور سياسي لا بد أن ينعكس على الناحية الاجتماعية
ويكون له أثره الملموس فيها. ولهذا فلا غرابة أن نجد آثار هذه الحروب والمنازعات
الداخلية والخارجية يلقي بظلالها على موارد الناس وأقواتهم وحياتهم اليومية.
وهذا نموذج من ذلك في مدينة دمشق وما حولها أثناء حصار الخوارزمية
للصالح أيوب سنة 643 ه‍. يقول صاحب الذيل على الروضتين: " بلغت غرارة
القمع ست مائة ناصرية، نصفها بثلاث مائة درهم... وبقيت الصعاليك مرميين في
الطرقات. كانوا يطلبون لقمة، ثم صاروا يطلبون فلسا يشترون به نخالة يبلونها
ويأكلونها كما تطعم الدجاج، وشاهدت ذلك بعيني. ثم اشتد الغلاء... وبلغت
الغرارة في ثاني عشر ذي القعدة ألفا ومائتي درهم وخمسين درهما فضة
ناصرية... ".
كانت هذه حال أهل الشام ثم تنفرج عليهم الضائقة، ولكنها لا تلبث أن
تعاودهم لاستمرار الحروب وانتشار الأوبئة وتعطل الصناعات وإقفار حقول الزراعة
واختلال الأمن وتعرض الناس للسلب والنهب ومصادرة الأموال.
ولم تكن مصر بأفضل منها فقد ابتليت هي الأخرى بسنوات جدب وقحط لعدم
زيادة النيل (كما حدث في سنة 597 ه‍) حتى هرب الناس إلى المغرب والحجاز
واليمن والشام، وتفرقوا أيدي سبأ، ومزقوا كل ممزق، وأكل الناس الميتات
والجيف.
وصاحب هذه الأزمات والأوضاع السيئة فساد الأمراء والحكام والأعيان،
ومن هذا الصنف الخليفة الناصر لدين الله الذي اشتغل بالملذات والشهوات وانكب
38

على الملاهي، فاتخذ الطيور المناسيب ورمي بالبندق ولبس سراويلات الفتوة،
وأولع بجمع الذهب والنظر إليه، وحكم رعيته بظلم حتى ساءت أحوالهم، وخربت
بغداد في عهده...
وفي هذا العصر حدثت عدة زلازل في البلاد الإسلامية، منها زلزال حدث
سنة 597 ه‍. شمل الموصل وديار الجزيرة ومصر والشام والساحل. وآخر
سنة 600 ه‍. عم أغلب البلاد المصرية والعراقية والشامية والجزيرة، وبلاد الروم
وصقلية وقبرس.
الحالة العلمية
رغم ما سيطر على هذه الحقبة من الزمن من حروب واضطرابات سياسية
وكوارث في البلاد الإسلامية، فقد واصلت الحركة العلمية طريقها. والذي يتتبع
النشاط العلمي في هذه المرحلة يأخذه العجب العجاب، حيث عمت أرجاء الديار
الإسلامية أربطة وزوايا ومعاهد تعليمية لتلقين وتدريس العلوم الشرعية، وسأذكر
بعض المدارس التي اشتهرت في هذا العصر، على سبيل التمثيل فحسب.
في بيت المقدس: المدرسة الصلاحية، وقفها صلاح الدين (سنة 588 ه‍)
- بعد استرداده لبيت المقدس من الإفرنج - على فقهاء الشافعية.
في بغداد: المدرسة المستنصرية، بناها الخليفة المستنصر بالله تم بناؤها
سنة 631 ه‍. وقفت على المذاهب الأربعة وأقرئ فيها القرآن، وروي فيها الحديث
واشتملت على مرافق تابعة لها، منها مأوى للأيتام وخزائن كتب وأوقاف جمة.
في الشام: بلغ عدد المدارس بالشام من الكثرة مالا يكاد يحصى. منها:
دار الحديث النورية بدمشق، أول دار حديث بنيت على وجه الأرض. بناها
نور الدين محمود بن زنكي المتوفى سنة 569 ه‍. أوقف فيها أوقافا كثيرة على
39

المشتغلين بعلم الحديث من الذين تولوا مشيختها: الحافظ أبو القاسم علي بن
الحسن بن هبة الله الشهير بابن عساكر (ت 571) صاحب التصانيف.
المدرسة العادلية الكبرى بدمشق ابتدأ بناءها نور الدين، ثم عمل فيها من بعده
الملك العادل، ولم يتم بناؤها إلا على يد ولده الملك عيسى بن العادل سنة 620 ه‍.
وهي أعظم مدارس الشافعية بدمشق.
المدرسة الجوزية بدمشق أنشأها محيي الدين ابن الشيخ جمال الدين أبي
الفرج بن الجوزي - قتل في غزو التتار سنة 656 ه‍ - وقفت على تدريس الفقه
الحنبلي، من الذين درسوا بها: الشيخ حسن ابن الحافظ أبي موسى عبد الله بن
عبد الغني المقدسي (ت 659 ه‍).
في مصر: المدرسة الناصرية بجوار مسجد عمرو بن العاص أنشأها السلطان
صلاح الدين الأيوبي سنة 566. وجعلها خاصة بفقهاء الشافعية. أول من درس بها:
أبو العباس أحمد بن المظفر بن الحسين الدمشقي (ت 591 ه‍).
المدرسة القمحية أنشأها السلطان صلاح الدين الأيوبي كذلك ووقفها على
فقهاء المالكية كانت عليها أوقاف من ضيعة بالفيوم، فما تحصل بها من قمح وزع
على مدرسيها وطلبتها - ومن ثم سميت بالقمحية -.
المدرسة الكاملية أنشأها الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك العادل
أبي بكر بن أيوب سنة 622 ه‍. ووقفها على المشتغلين بالحديث النبوي، ثم من
بعدهم على الفقهاء الشافعية، وحبس عليها ريعا كان بجوارها. وأول من تولى
التدريس بها الحافظ أبو الخطاب عمر بن الحسين بن علي بن دحية المتوفى
سنة 633 ه‍. ثم أخوه أبو عمرو عثمان بن حسين بن علي بن محمد بن فرج بن
40

خلف الأندلسي السبتي البلنسي...
ويضاف إلى ذلك دور المساجد فإنها لم تكن في يوم من الأيام تخلو من حلقة
علم أو تحفيظ القرآن أو رواية للحديث. وهذه إشارة إلى بعضها:
المسجد الأموي بدمشق الذي اتخذ صبغة تعليمية منذ تأسيسه، فقد كان يؤمه
الفقهاء والمحدثون والعلماء وطلاب العلم، وفي مطلع القرن السابع اشتهر
بالمقادسة الذين كانوا يتناوبون التدريس فيه. فهذا موفق الدين أبو محمد بن
أحمد بن محمد الشهير بابن قدامة المقدسي (ت 620 ه‍) كان يخصص يوم الجمعة
للتدريس والمناظرة فيه.
وهذا المسجد العتيق، جامع عمرو بن العاص بمصر - وهو أول مسجد بني
فيها، بناه عمرو بن العاص بأمر من عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - لم تزل
زواياه موئلا للدرس والتحصيل واشتهر بحلقاته التي وصلت في بعض الأحيان إلى ما
ينيف عن أربعين حلقة.
وكذا الجامع الأزهر الذي أنشأه القائد جوهر الصقلي (ت 381 ه‍) وكان
الفراغ من بنائه سنة 361 ه‍. فقد خصصت له جرايات ونفقات على المشتغلين
بالعلم فيه، وامتلأت جوانبه بالطلبة والعلماء، اشتهرت طائفة منهم بالتدريس فيه،
ذكر بعضهم السيوطي في حسن المحاضرة. وقد ساعد كذلك - على ازدهار
العلوم الشرعية في هذه الحقبة أن الملوك الأيوبيين كان لهم اهتمام بالغ بالعلم
والعلماء ومشاركة في مجالسهم، ومن هؤلاء: صلاح الدين الأيوبي، قال
القاضي ابن شداد: " وكان رحمه الله خاشع القلب رقيق الدمعة إذا سمع القرآن العزيز
يخشع قلبه وتدمع عينه في معظم أوقاته، وكان شديد الرغبة في سماع الحديث ومتى
سمع عن شيخ ذي رواية عالية وسماع كثير فإن كان ممن يحضر عنده استحضره
وسمع عليه وأسمع في ذلك المكان من أولاده ومماليكه والمختصين به. وكان يأمر
الناس بالجلوس عند سماع الحديث إجلالا له، وإن كان الشيخ ممن لا يطرق أبواب
41

السلاطين ويتحامى عن الحضور في مجالسهم سعى إليه وسمع عليه. تردد إلى
الحافظ السلفي بالإسكندرية وروى عنه أحاديث كثيرة، وكان يحب أن يقرأ الحديث
بنفسه، فكان يستحضرني في خلوته ويحضر شيئا من كتب الحديث ويقرأ هو، فإذا
مر بحديث فيه عبرة رق قلبه ودمعت عينه ".
42

الفصل الرابع
التعريف بالحافظ رشيد الدين العطار ويشتمل على المباحث الآتية:
المبحث الأول: بيان اسمه، ونسبه، وكنيته، ولقبه، ومذهبه الفقهي.
المبحث الثاني: مولده ونشأته.
المبحث الثالث: تبكير رشيد الدين العطار بطلب العلم.
المبحث الرابع: شيوخه.
المبحث الخامس: تلاميذه.
المبحث السادس: مروياته.
المبحث السابع: مصنفاته.
المبحث الثامن: منزلة الرشيد العلمية، وثناء العلماء عليه.
المبحث التاسع: مناقبه، وفاته، رثاؤه.
43

اسمه ونسبه:
هو الإمام الحافظ المحدث يحيى ابن الشيخ الجليل المحدث علي بن
عبد الله بن علي بن مفرج. تجمع المصادر التي ترجمت له أن نسبه يعود إلى قريش،
فرع الأمويين، نابلسي الأصل، مالكي المذهب، كنيته أبو الحسين، ولقبه
رشيد الدين.
احترف التجارة في العطر - تبعا لوالده - فنعت بالعطار. ولذا اشتهر في كثير
من المصادر بالحافظ رشيد الدين العطار، أو بالرشيد العطار.
مولده ونشأته:
ولد أبو الحسين يحيى بن علي بالقاهرة في شهر شعبان من سنة أربع وثمانين
وخمس مائة هجرية (584 ه‍).
اهتم به والده فأنشأه تنشئة علمية، فحفظه القرآن ثم أسمعه الحديث. فتربى
على حضور مجالس العلم منذ صغره، فأحبها، وكان كثير الإقبال عليها. لم يكن
حب الحديث النبوي الشريف وسماعه وأخذ الإجازة فيه وروايته، غريبا عن هذه
الأسرة.
45

فهذا والد الرشيد علي بن عبد الله من جلة المحدثين.
وهذا عمه أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله المقرئ المحدث، الإمام
بجامع العز.
وهذا أخوه الأكبر: أبو محمد عبد العزيز بن أبي الحسن علي بن عبد الله
(558 ه‍ - 628 ه‍). من شيوخه هبة الله بن علي بن سعود البوصيري وأبو طاهر
السلفي. ومن الذين أخذوا عنه الحافظ المنذري.
وهذه تقية، أخت رشيد الدين (577 ه‍ - 606 ه‍) سمعت أباها - أبا الحسن
علي بن عبد الله - وأجازها جماعة منهم أبو الحجاج يوسف بن هبة الله بن الطفيل،
والعلامة أبو عبد الله بن محمد الكاتب الأصبهاني.
التبكير في طلب العلم والرحلة لأجله:
أخذ رشيد الدين عن شيوخ بلده وسمع منهم في سن مبكرة، فقد ذكر في
الغرر، أنه قرأ على أبي القاسم هبة الله بن علي البوصيري - رحمه الله - في شهر
رمضان سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة (593 ه‍). ويومها لم يصل سنه إلى تسع
سنوات: وحصل على إجازة من الإمام الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي
وسنه يناهز العشرة أو يزيد عليها قليلا، ورحل إلى دمشق، وأخذ عن عماد الدين
أبي عبد الله محمد بن محمد الأصبهاني، وسنه لا يتعدى الثالثة عشرة. وكاتب
رشيد الدين الشيوخ الذين لم يتيسر له مشافهتهم والسماع منهم، ومن هؤلاء: أبو
طاهر بركات بن إبراهيم الفرشي (ت 598 ه‍) وروى عن الحافظ أبي محمد
المقدسي (ت 600 ه‍).
46

ورحل الرشيد إلى الإسكندرية وسمع من شيوخها، كما رحل إلى مكة
والمدينة، وسمع من المحدثين بهما.
شيوخ رشيد الدين العطار:
للحافظ الرشيد معجم خصه بتراجم شيوخه، استفاض ذكره، واشتهرت نسبته
إليه. نقل عنه غير واحد من الحفاظ، منهم ابن الصابوني في تكملة إكمال
الإكمال. والذهبي في تذكرة الحفاظ وفي العبر. والسخاوي في الضوء
اللامع، والكتاني في فهرس الفهارس. ولما لم أتمكن من العثور عليه،
ترجمت لجماعة من شيوخه الذين ثبتت مشيختهم له:
1 - أبو الطاهر، إسماعيل بن صالح بن ياسين بن عمران الشارعي الشفيقي
الجبلي، البناء بجزيرة مصر. روى عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم
الرازي " مشيخته " و " سداسياته ". حدث بفسطاط مصر. ولد سنة 514 ه‍ أو 515 ه‍
وكانت وفاته سنة 596 ه‍.
ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ ضمن شيوخ الرشيد، وروى عنه حديثا مسندا
من طريقه يرويه عنه رشيد الدين.
2 - أبو الطاهر، إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الأنصاري، الكاتب
المنعوت بالنبيه. سمع بالإسكندرية من الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني
وغيره، كما سمع بمصر.
وكتب بخطه كثيرا، وعلق على الحافظ أبي طاهر السلفي فوائد جمة. ويقال
47

إن الحافظ كان يعجبه ذلك منه، سمع منه رشيد الدين وجماعة توفي
سنة 613 ه‍.
3 - أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الخشوعي. الدمشقي. الفرشي نسبة
إلى بيع الفرش. سمع من أبي محمد هبة الله بن أحمد بن الأكفاني وانفرد بالرواية عنه
سماعا وإجازة، وانفرد أيضا بالرواية عن أبي محمد القاسم بن علي الحريري إجازة،
وروى عن أبي علي الحسن بن أحمد الحداد الأصبهاني. وهو من بيت حديث،
حدث هو وأبوه وجده.
ذكره رشيد الدين في " الغرر " ضمن شيوخه الذين روى عنهم مكاتبة
(510 ه‍ - 598 ه‍).
4 - أبو صابر وأبو القاسم، حامد بن أبي القاسم بن روزبة الأهوازي، نزيل
مصر. سمع بالإسكندرية من الحافظ أبي طاهر السلفي وبعدن قاضي قضاتها أبي
جعفر أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي سالم. وبمصر من أبي الفتح محمود بن
أحمد بن علي بن الصابوني، سمع منه المنذري ورشيد الدين وآخرون. قال
المنذري: " وكان شيخا عفيفا، حنفي المذهب. منقبضا على الناس منفردا بنفسه نزه
النفس، يصنع الأقلام ويبيعها " (ت 612 ه‍).
5 - أبو اليمن، زيد بن الحسن بن زيد الكندي البغدادي، مسند الشام، العلامة
تاج الدين. أخذ الحديث عن جلة المحدثين. وكان له إلمام بالقراءات والأدب،
رحل إلى الآفاق حتى استقر به المطاف في دمشق، قال أبو شامة المقدسي: " وكان
يحضر مجلسه للقراءة في داره والسماع منه جميع المتصدرين بجامع دمشق من
المشايخ المعتبرين كأبي الحسن السخاوي ويحيى بن معطي والوجيه البوني... "
سمع منه الرشيد في منزله بدمشق (ت 613 ه‍).
48

6 - أبو صادق، عبد الحق بن هبة الله بن ظافر بن حمزة القضاعي الطليبي،
الشافعي. سمع من الفقيه أبي محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي، وأبي
القاسم بن علي الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن حمد بن حامد الأرتاحي. وأبي
طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني. وحدث عنه خلق كثير، منهم رشيد الدين وأبي
المعالي عبد الرحمن بن أبي الحسن المغيري، توفي سنة 591 ه‍. ولم يكمل
الأربعين.
7 - أبو الفرج، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، الإمام الحافظ،
عالم العراق وواعظ الآفاق. سمع من جلة الشيوخ، تفقه على مذهب الإمام أحمد
على أبي بكر بن محمد بن أحمد الدينوري. وقرأ الوعظ على جماعة، منهم علي بن
عبيد الله بن الزغواني. وقرأ الأدب. من مصنفاته " المشيخة " و " مناقب الإمام أحمد "
و " تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير ". استجازه الرشيد العطار فأجازه.
(ت 597 ه‍).
8 - أبو القاسم عبد الرحمن - عم الرشيد العطار - بن عبد الله بن علي بن
مفرج بن أبي الفتح القرشي الأموي. النابلسي الأصل، المصري الدار، الشافعي،
المقرئ، الصوفي، قرأ القرآن الكريم بروايات على الشيخ أبي جعفر القرطبي،
وسمع بمصر من الفقيه أبي العباس أحمد بن عبد الله بن الحطيئة وغيره، وسمع
بدمشق من محمد بن حمزة بن أبي الصقر وجماعة، قال الحافظ المنذري: " كان
رجلا صالحا متقللا من الدنيا، كثير التلاوة للقرآن الكريم، وأم بالناس بالمدرسة
المعروفة بمنازل العز، على شاطئ النيل المبارك مدة ".
سمع منه ابن أخيه: رشيد الدين، ذكر ذلك الذهبي في تذكرة الحفاظ،
(ت 600).
9 - أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن علي بن عبد الواحد
49

الأنصاري الخزرجي العبادي السعدي، الدمشقي، الشافعي المعروف بابن
الحرستاني - نسبة إلى حرستا، قرية قرب دمشق سمع من أبي محمد عبد الكريم بن
حمزة بن الخضر السلمي. وجمال الإسلام علي بن المسلم وآخرين. حدث مدة
- نحو أربعين سنة - ونشر علما جما، ودرس، وكان حسن السمت، مجلسه مجلس
وقار وسكينة وزينة.
ذكره الذهبي ضمن شيوخ رشيد الدين الذين سمع منهم بدمشق.
(520 ه‍ - 614 ه‍).
10 - أبو بكر بن أبي الفتح البغدادي المعدل، وهو عبد العزيز بن أحمد بن
عمر بن سالم بن محمد بن باقا. ولد في رمضان سنة 555 ه‍ ببغداد. وقرأ القرآن.
وسمع من طاهر بن محمد، أبي زرعة. وابن بندار وابن عساكر وخلق سواهم،
احترف التجارة. واستوطن مصر إلى أن مات بها. وحدث بالكثير إلى ليلة وفاته.
وكان كثير التلاوة للقرآن، سمع منه خلق كثير من الحفاظ وغيرهم، منهم ابن نقطة
والمنذري ورشيد الدين، وتوفي بالقاهرة سنة 630 ه‍.
11 - أبو محمد المقدسي: هو عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن
رافع بن حسن بن جعفر، الحافظ الإمام محدث الإسلام، تقي الدين الجماعيلي، ثم
الدمشقي الصالحي الحنبلي. كانت ولادته سنة 541 ه‍.
سمع أبا المكارم بن هلال بدمشق، وهبة الله وابن البطي ببغداد وأبا طاهر
السلفي بالإسكندرية، ورحل إلى الموصل وهمدان وأصبهان، وسمع من محدثيها.
روى عنه ولداه أبو الفتح وأبو موسى وعبد القادر الرهاوي. حدث بالكثير، وصنف
في الحديث تصانيف حسنة وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان، تكلم في الصفات
والقرآن بشئ أنكره أهل التأويل من الفقهاء، فامتحن في ذلك أشد الامتحان.
روى عنه رشيد الدين في " الغرر ". توفي بمصر في سنة 600 ه‍.
50

12 - أبو الحسن عبد اللطيف بن إسماعيل بن أبي سعد أحمد بن محمد بن
دوست دادا، النيسابوري الأصل، البغدادي المولد والدار. سمع من والده وأبي
القاسم إسماعيل بن أحمد ابن السمرقندي وجماعة. حدث ببغداد ثم مصر، ثم
دمشق. وبها توفي ذكر الحافظ الذهبي في التذكرة بعض شيوخ رشيد الدين، فنص
عليه من جملتهم (523 ه‍ - 596 ه‍).
13 - أبو محمد عبد الله بن عبد الجبار بن عبد الله القرشي، الأموي،
العثماني، الشاطبي الأصل. الإسكندراني المولد والدار، التاجر البزاز الكارمي
بمكة. سمع الكثير بالإسكندرية من الحفاظ أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي.
وسمع بمصر من أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد الرجبي وغيره.
قال الحافظ المنذري: " كان شيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي يعظمه ويثني
عليه كثيرا ". روى عنه رشيد الدين في " الغرر " (544 ه‍ - 614 ه‍).
14 - أبو محمد عبد الوهاب بن عبد الله بن حريز المقدسي المنصوري
الجيبي - نسبة إلى قرية الجيب. قرية من أعمال بيت المقدس. من الصلحاء
المتورعين والأخيار المتزهدين. ذكره الرشيد في معجم شيوخه، سمع منه هذه
الأبيات وهي من إنشاده:
يا رب قد ذهب الشباب وقوتي * وقبيح فعلي دائم لم يذهب
وصحائفي قد سودت بجرائم * كتبت علي فليتها لم تكتب
إن لم يكن عفو لديك ورحمة * للمذنبين فمن يكن للمذنب؟
كان ولادته سنة 543 ه‍. وتوفي بمصر سنة 626 ه‍.
15 - أبو عمرو، عثمان بن سعيد بن شبل بن مسلم الطائي السنبسي. المالكي،
الكتبي، السقطي. صحب جماعة من المشايخ والصالحين وله شعر جيد، ولد بمصر
سنة 583 ه‍.
51

وتوفي بمدينة قوص من صعيد مصر الأعلى سنة 633 ه‍. روى عنه الرشيد بعض
الأبيات الشعرية من نظمه - في الزهد.
16 - أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نجا بن غنائم الأنصاري الدمشقي. الواعظ
الحنبلي، المعروف بابن نجية، نزيل مصر - صهر سعد الخير -.
سمع بدمشق من أبي الحسن علي بن أحمد بن منصور بن قبيس. وببغداد من سعد
الخير بن محمد الأندلسي وآخرين. حدث ببغداد ودمشق ومصر والإسكندرية وغيرها.
ووعظ بجامع القرافة. ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ ضمن شيوخ رشيد الدين.
(508 ه‍ - 599 ه‍).
17 - أبو الفتوح علي بن حمزة بن طلحة بن علي الرازي الأصل البغدادي المولد
والدار، الكاتب سمع ببغداد من أبي القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين. حدث ببغداد
والشام ومصر وحدث عنه أبو المحاسن الدمشقي ورشيد الدين وخلق كثير.
(515 ه‍ - 599 ه‍).
18 - أبو الحسن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج القرشي، الأموي.
- والدرشيد الدين - النابلسي الأصل المصري المولد والدار، المالكي، العطار،
المعروف بابن النطاع، سمع من الفقيه أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن الجباب
وأبي العباس أحمد بن عبد الله بن الحطيئة وآخرين.
قال الحافظ المنذري: " وحدث، سمعت منه، وكان شيخا صالحا متحريا متيقظا،
حسن الأداء يمسك أصله - مع كبر سنه - بيده وينظر فيه مع القارئ عليه، وكان مواظبا
على حضور الجماعات في الصلوات كثير الذكر والتسبيح... " سمع منه ولده
رشيد الدين، وأسمعه من بعض شيوخه، ذكر أن مولده كان في شهر رمضان من
سنة 529 ه‍. وتوفي في 22 من شوال سنة 615 ه‍.
52

19 - أبو الحسن علي بن المفضل بن علي المقدسي ثم الإسكندري، الحافظ
العلامة، شرف الدين المالكي، ولد سنة 544 ه‍. تفقه بالثغر على الإمام صالح ابن بنت
معافي وأبي طاهر بن عوف وأبي طالب اللخمي. وسمع منهم ومن الحافظ السلفي فأكثر
عنه، وانقطع إليه وتخرج به. رحل إلى إمام الحرمين، له مصنفات حسان، درس
بالصاحبية (مدرسة أنشأها الصاحب بن شكر). أخذ عنه المنذري وخلائق، ولازمه
الرشيد حتى تخرج على يده (ت 611 ه‍).
20 - فاطمة بنت سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري، الأندلسي، البلنسي،
سمعت من القاضي أبي بكر الأنصاري وزاهر بن طاهر الشحامي وفاطمة بنت عبد الله
الجوزدانية.
- والمترجم لها هي زوجة أبي الحسن بن نجا الواعظ - حدثت بدمشق وبالقاهرة
كثيرا، نص على سماع الرشيد منها الذهبي في تذكرته (522 ه‍ - 600 ه‍).
21 - محمد بن حمد بن حامد بن مفرج بن غياث. الأنصاري، الأرتاحي، نسبة
إلى أرتاح البصر، من أعمال قيسارية بساحل الشام، (فلسطين) المصري، الحنبلي.
كنيته أبو عبد الله، ويقال أبو محمد كذلك، ولد حوالي سنة 557 ه‍. سمع بمصر وبمكة
وغيرهما. وأجازه أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء، الموصلي. وتفرد
بإجازته. كتب عنه جماعة من الحفاظ وغيرهم من أهل البلد والواردين عليها.
وحدثوا عنه، منهم المنذري ورشيد الدين. وكان من بيت فضل وصلاح وقرآن
وسنة. (ت 601 ه‍).
22 - أبو طاهر محمد بن أبي الفضل محمد بن محمد بن بنان، الأنباري الأصل،
المصري المولد والدار، الكاتب القاضي. قرأ القرآن الكريم على أبي العباس أحمد بن
عبد الله بن الحطيئة. وسمع من أبي صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني وأضرابه،
قال الحافظ المنذري: " سمع منه جماعة من شيوخنا ورفاقنا، ولم يتفق لي السماع منه.
53

وحدثت عنه ". حدث بالسيرة لابن هشام، والصحاح للجوهري، نص على سماع الرشيد
منه الذهبي في تذكرته (507 ه‍ - 596 ه‍).
23 - عماد الدين، أبو عبد الله، محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني. ولد
سنة 519 ه‍ بأصبهان. وتفقه ببغداد في مذهب الشافعي على ابن الرزاز. وأتقن الفقه
والخلاف والعربية، وسمع من علي بن الصباغ وطبقته. وأجازه ابن الحصين والفراوي.
ثم تعاطى الكتابة والترسل والنظم ففاق الأقران، وحاز قصب السبق. وقد دمشق بعد
الستين وخمس مائة، وخدم في ديوان الإنشاء، فبهر الناس ببديع نثره ونظمة ورقي إلى
أعلى المراتب... ألف كتبا كثيرة منها: " خريد القصر " و " الفتح القسي في الفتح
القدسي ". سمع منه خلق كثير بالعمادية بدمشق، منهم رشيد الدين العطار (توفي
سنة 597 ه‍ بدمشق).
24 - أبو الفضل محمد بن يوسف بن علي الغزنوي الأصل، البغدادي المولد،
القاهري الوفاة، الحنفي، المقرئ بالقاهرة، من أكابر المحدثين والرواة المسندين.
روى عن أبي سعد البغدادي وأبي الفضل بن ناصر. وعنه رشيد الدين العطار، وذكره في
معجمه، حدث ببغداد وحلب والقاهرة وغيرها (522 - 599 ه‍).
25 - أبو الحسن مرتضى بن أبي الجود حاتم بن المسلم بن أبي العرب،
الحارثي، المقدسي الأصل، الحوفي المولد، المصري الدار، الشافعي، المقرئ.
كتب الكثير بخطه وجمع مجاميع، وحدث بمصر ودمشق وغيرهما، سمع منه
عبد العظيم المنذري ورشيد الدين العطار وآخرون. قال عبد العظيم المنذري في
التكملة: " وكان على طريقة حسنة، كثير التلاوة للقرآن الكريم في الليل والنهار ".
(549 ه‍ - 634 ه‍).
54

26 - أبو علي منصور بن علي بن أبي الحسين الجيزي، الصوفي، الوراق.
المعروف بابن الصيرفي. سمع بالإسكندرية من الحافظ أبي طاهر السلفي والمفضل بن
علي المقدسي. وحدث بمصر. روى عنه رشيد الدين في " الغرر ". (ت 611 ه‍).
27 - أبو الحسن مؤيد بن محمد ابن الشيخ المقرئ أبي الحسن علي بن
الحسن بن محمد بن أبي صالح الطابراني الطوسي، ثم النيسابوري. انتهي إليه علو
الإسناد بنيسابور. سمع صحيح مسلم من الفراوي، وصحيح البخاري من جماعة، وعدة
كتب، وكان شيخا رضيا جليلا رحل إليه الناس من الأقطار وأخذوا عنه، سمع منه
رشيد الدين وجماعة (524 ه‍ - 617 ه‍).
28 - أبو علي ناصر بن عبد الله بن عبد الرحمن المصري، العطار، نزيل الحرم
الشريف بمكة - شرفها الله تعالى - حدث بمكة عن أبي الحسن علي بن حميد
الطرابلسي، وبمصر عن الفقيه أبي عبد الله محمد بن علي القلعي. لم يتفق للمنذري
السماع منه فحصل منه على إجازة مكاتبة، وسمع منه الرشيد بمكة (ت 634 ه‍).
29 - أبو الفتوح نصر بن محمد بن علي بن أبي الفرج البغدادي، الحنبلي،
المعروف بابن الحصري، ولقبه برهان الدين، عني بالقراءات في صغره، فقرأ على
مسعود بن عبد الواحد الشيباني وأبي الكرم الشهرزوري، وسمع أبا الوقت وابن البطي،
قال ابن النجار: " وكان حافظا حجة نبيلا جم الفضائل كثير المحفوظ من أعلام الدين
وأئمة المسلمين، كثير العبادة والتهجد والصيام ". جاور بمكة نحو عشرين سنة، وأم
بالحرم الشريف، روى عنه الضياء المقدسي والتاج علي بن القسطلاني، كاتبه المنذري
ورشيد الدين فكتب إليهما وأجازهما، خرج من مكة إلى اليمن، فمات بالمهجم
سنة 619 ه‍.
30 - أبو القاسم - وأبو الكرم - هبة الله بن علي بن مسعود، الأنصاري الخزرجي،
55

المعروف بالبوصيري، مسند الديار المصرية، لم يكن في آخر عصره مثله، له سماعات
عالية وروايات تفرد بها. وهو آخر من روى في الدنيا كلها عن أبي صادق المديني، وأبي
الحسين علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي سماعا. سمع منه رشيد الدين وخلق
كثير. (506 ه‍ - 598 ه‍).
تلاميذه:
في القرن السادس الهجري شاعت كتب المصنفات الحديثية بين الناس فاكتفى
بها كثير من المحدثين، وتركوا طريق المشافهة والسماع في الرواية ونقل الحديث،
لكن جماعة من أفذاذ علماء الحديث حافظوا على خصيصة الإسناد، عن طريق
المشافهة والسماع تحملا وأداء ومن هؤلاء: الحافظ رشيد الدين العطار، وهذه
طائفة من تراجم تلاميذه الذين تحملوا عنه ما تلقاه:
1 - نجم الدين أبو العباس، أحمد بن محمد بن سالم بن الحسن بن صصري
التغلبي الشافعي، قاضي دمشق ورئيسها (655 ه‍ - 723 ه‍) سمع أباه وابن
عبد الدائم، وأحضر بمصر على الرشيد العطار. قال الحافظ ابن حجر: " وكان خطه
فائقا ونظمه ونثره رائقا، وكان سريع الكتابة جدا... ينطوي على دبن وتعبد
ومكارم... ".
2 - أبو يونس - ويكنى كذلك أبو محمد - ذو النون بن عمر بن عباس
القرشي، ويعرف بالأسعردي الحرار، الشراريبي. ذكره ابن رشيد ضمن شيوخه الذي
لقيهم بمصر أثناء وروده عليها. وقال فيه: " شيخ من العامة، وله سماع صحيح،
ورغب الناس في الأخذ عنه لغرابة اسمه ". سمع على الشيخ الحافظ رشيد الدين جزء
الأنصاري.
3 - أبو البركات، شعبان بن أبي بكر عمر الإربلي، شيخ مقصورة
الحلبيين. ولد بإربل سنة 624 ه‍. ونشأ بحلب وصحب جمال الدين ابن الظاهري،
56

وسمع معه من جماعة بدمشق ومصر، وخرج له ابن الظاهري مشيخة حدث بها بدمشق،
ذكره الذهبي ضمن الذين رووا عن رشيد الدين العطار. وقال فيه: " وكان خيرا متواضعا
وافر الحرمة ". توفي بدمشق في رجب سنة 711 ه‍. وكانت جنازته مشهودة.
4 - أبو علي، عبد الرحيم بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن محمد
الأنصاري، جمال الدين شاهد الجيش، سمع من عثمان بن عبد الرحمن بن رشيق
والمعين أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي وإسماعيل بن عبد القوي بن عزون.
وأجاز له الرشيد العطار والكمال الضرير وآخرون. حدث بصحيح البخاري من طريق
الكشميهني رواية كريمة عنه - وهي طريق المصريين - وهو آخر من حدث به عاليا من
طريق المصريين توفي سنة 746 ه‍.
5 - أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن التوني، الدمياطي.
الشافعي صاحب التصانيف. ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ ضمن الذين رووا عن
رشيد الدين العطار، - وهو من شيوخ الذهبي قرأ الفقه والأصول والفرائض على
قاضي دمياط ابن خليل وآخرين، ثم لازم الحافظ المنذري سنين حتى تخرج على
يده، أدرك الأسانيد العالية، ألف " معجم شيوخه " وكتبا أخرى. قال الذهبي: " كان
صادقا حافظا متقنا جيد العربية غزير اللغة واسع الفقه، رأسا في علم النسب دينا
كيسا متواضعا بساما محببا إلى الطلبة، مليح الصورة، نفي الشيبة، كبير القدر ".
(613 ه‍ - 705 ه‍).
6 - نور الدين، علي بن تاج الدين إسماعيل بن قريس المخزومي - ولد حوالي
سنة 651 ه‍ وتوفي سنة 732 ه‍. سمع عبد العظيم المنذري والرشيد العطار وشيخ
شيوخ حماة كمال الدين الضرير والعز بن عبد السلام حدث بالكثير، وكان يجلس
مع الشهود، مع ديانة وخير وصلاح.
57

7 - نور الدين أبو الحسن، علي بن عمر بن أبي بكر الواني، الخلاطي
الصوفي، المعروف بابن الصلاح. نزيل مصر، ذكر محمد بن جابر الوادي آشي عددا
من شيوخ المترجم له، فعد منهم: أبا القاسم بن الحاسب سبط السلفي والحافظ
عبد العظيم المنذري والرشيد العطار. وقال الحافظ ابن حجر: " وكان صالحا سهل
القياد وتفرد في عصره برواية حديث السلفي بالسماع بغير إجازة ولا حضور ".
(636 ه‍ - 727 ه‍).
8 - أبو الحسن، علي بن مسعود بن نفيس بن عبد الله الموصلي، ثم الحلبي،
ثم الدمشقي، قال ابن حجر في الدرر الكامنة: " سمع من يوسف بن خليل، وضاع
ذلك منه، وبمصر من الكمال الضرير والرشيد العطار ".
ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أنه لازم ابن نفيس هذا وسمع منه جملة، ثم
قال: " وكان دينا خيرا متصوفا متعففا قرأ ما لا يوصف كثرة، وحصل أصولا
كثيرة... " (634 ه‍ - 704 ه‍).
9 - سراج الدين، عمر بن أحمد بن الخضر بن ظافر بن طراد بن أبي الفتوح
الأنصاري، المصري، خطيب المدينة وقاضيها. ولد على الراجح سنة 636 ه‍
وكانت وفاته سنة 726 ه‍. سمع من جماعة منهم نجم الدين أبو القاسم عبد الرحمن
الدمنهوري والحافظ رشيد الدين العطار، وأجازه الحافظ المنذري.
برع في الفقه والأصول، ولي الخطابة في المدينة الشريفة نحو أربعين عاما.
10 - محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عثمان بن عبد الله بن غدير، أبو المعالي
كمال الدين، الطائي الدمشقي، المعروف بابن القواس (652 ه‍ - 720 ه‍).
قال الحافظ ابن حجر: " أحضر على الرشيد العطار، وسمع من ابن عبد الدائم
وأبي عبد الله اليونيني... " حدث بدمشق ومات بها رحمه الله.
11 - بدر الدين، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد الله بن جماعة بن
58

علي بن جماعة بن صخر الكناني، الحموي (639 ه‍ - 733 ه‍). أخذ عن
معين الدين أبي العباس أحمد ابن قاضي القضاة أبي الحسن علي بن يوسف
الدمشقي، وأجازه رشيد الدين العطار رواية صحيح البخاري عنه. قال الذهبي:
" كان قوي المشاركة في الحديث، عارفا بالفقه وأصوله ذكيا فطنا، مناظرا متقنا ورعا
صينا... ".
12 - أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم القيسي السلاوي، شيخ حافظ يعرف
بخديم المشايخ. له رواية وذكر لنبذ من الآداب، وحفظ لكرامة الأولياء. ولد بسلا
سنة 614 ه‍. أخذ عن علية أدباء بلده ثم ارتحل إلى المشرق وأخذ عن عدد من
الشيوخ من جملتهم رشيد الدين العطار، روى عنه شمائل الترمذي.
13 - موفق الدين أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الخرساني
الأصل، التلمساني المولد، نزيل مصر. (614 ه‍ - 704 ه‍). قال ابن رشيد في ملء
العيبة - 3 / 480 -: " وسمع شيخنا موفق الدين أيضا مجد الدين بن سراقة والرشيد
العطار...
وذكر ابن حجر بعض شيوخ موفق الدين ثم قال: " وطلب قليلا ولزم طريق
الصلاح والعبادة مع سلامة الباطن ".
14 - شمس الدين أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة
المعروف بابن القماح (656 ه‍ - 741 ه‍). قال جمال الدين الأسنوي: " كان رجلا
عالما فاضلا فقيها، محفظا، حافظا لتواريخ المصريين ذكيا... وكان سريع الحفظ
بعيد النسيان، مواظبا على النظر والتحصيل كثير التلاوة... ".
سمع من الرشيد العطار، وحدث بصحيح مسلم عن الرضي بن البرهان.
15 - تقي الدين، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الخالق بن علي بن
سالم بن مكي، المعروف بالصائغ المصري، الشافعي، كان شيخ القراء في عصره،
59

قرأ قصيدة الشاطبي على الكمال الضرير، والكمال على مصنفه ابن فارس. سمع من
جماعة من أصحاب البوصيري، منهم رشيد الدين العطار، قال عبد الرحيم
الأسنوي: " رحلت إليه الطلبة من أقطار الأرض لأخذ علم القراءات عليه، لانفراده
بها رواية ودراية... " (636 ه‍ - 725 ه‍).
16 - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلاعي بن الرومي،
ويعرف بابن النجار. الشيخ الصالح المتصوف المحدث، ذكر محمد بن جابر الوادي
آشي في برنامجه جماعة من شيوخ ابن النجار هذا - من المغاربة - ثم قال: " وأخذ
بالمشرق عن الرشيد العطار ومحيي الدين بن سراقة وغيرهما " (ت 693 ه‍).
17 - شرف الدين أبو عبد الله محمد بن الرشيد عبد الحكم بن الحسن بن
عقيل بن شريف السعدي الشافعي ذكر ابن رشيد جملة من شيوخ السعدي هذا منهم:
الزكي عبد العظيم المنذري والرشيد العطار ولد سنة 608 ه‍. ولم أقف على سنة
وفاته.
18 - محمد بن عبد الله بن عبد المنعم بن رضوان بن الصواف الكناني
المصري، قال الحافظ ابن حجر: " سمع من الرشيد العطار. ولد سنة بضع وثلاثين
[وست مائة] وما سنة 715 ه‍ ".
19 - تقي الدين، أبو الفتح محمد بن علي بن وهب، القشيري، المنفلوطي،
الصعيدي، الشهير بابن دقيق العيد، أخذ المذهب المالكي على والده، ثم تفقه على
عز الدين بن عبد السلام الشافعي، فجمع بين المذهبين، وأفتى بهما، له تصانيف
كثيرة في الفقه والحديث وغيرهما، (625 ه‍ - 702 ه‍). ذكر ابن رشيد في ملء
العيبة " أن ابن دقيق العيد سمع من جماعة من أصحاب البوصيري، وعلى رأسهم:
الحافظ عبد العظيم المنذري، والحافظ أبو الحسين يحيى بن علي القرشي... ".
60

20 - جمال الدين أبو حامد محمد بن علي بن محمود بن أحمد، الشهير بابن
الصابوني شيخ الدار النورية (604 ه‍ - 680 ه‍). سمع من القاضي أبي القاسم بن
الحرستاني وابن باقا وابن صصري والرشيد العطار وجماعة.
قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان: " وكان مليح الخط، حسن الخلق ذيل
على المشتبه لابن نقطة، أجاد فيه، وحدث بالكثير من مروياته بمصر ودمشق ".
اختلط قبل موته بسنة ونصف.
21 - محمد بن محمد بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير الطائي
أبو الفضل بدر الدين الدمشقي (654 ه‍ - 714 ه‍). أحضر على عبد الله بن
الخشوعي وعبد الحميد بن الهادي، وسمع من إسماعيل بن صارم. ذكر محمد بن
جابر الوادي آشي بعض شيوخ المترجم له، الذين سمع منهم فقال: " وبديار مصر من
الرشيد العطار جماعة ".
22 - جمال الدين أبو صادق محمد بن الإمام الحافظ أبي الحسين يحيى ابن
الشيخ الإمام المحدث أبي الحسن علي بن عبد الله القرشي، ذكره ابن رشيد السبتي
ضمن شيوخه الذين لقيهم في مصر عند الورود والصدور. اعتني به أبوه فأسمعه،
واستجاز له، وعنده مشاركة في علم الإسناد، وتعلق بالطلب، سمع من أبيه وشاركه
في بعض شيوخه منهم: أبو محمد عبد العزيز الشهير بابن باقا، وأبو الحسن بن أبي
الجود الأندلسي، حدث بجامع عمرو بن العاص بفسطاط مصر وبالمدرسة الفاضلية
- بزقاق القناديل من مصر - له تخريجات منها: " الأربعين حديثا المروية بالأسانيد
المصرية " توفي شهر ربيع الثاني سنة 686 ه‍ وله بضع وستون سنة.
23 - قطب الدين موسى ابن الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن أبي الحسين
عبد الله اليونيني، الحنبلي، المؤرخ. سمع من أبيه ومن ابن عبد الدائم وعبد العزيز
61

شيخ شيوخ حماة. ثم انتقل إلى مصر فسمع من الرشيد العطار وإسماعيل بن صارم
وجماعة.
قال الذهبي: " كان عالما، فاضلا مليح المحاضرة، كريم النفس معظما
جليلا، حدثنا بدمشق وببعلبك... وقد حسنت في آخر عمره حالته وأكثر من العزلة
والعبادة، وكان مقتصدا في لباسه وزيه، صدوقا في نفسه كثير الهيبة وافر الحرمة ".
له كتاب: " ذيل مرآة الزمان " ولد بدمشق سنة 640 ه‍. وتوفي ببعلبك
سنة 726 ه‍.
24 - سراج الدين يونس بن عبد المجيد بن علي بن داود الهذلي القاضي
الأرمنتي (644 ه‍ - 725 ه‍).
قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة " سمع من الرشيد العطار وعمر بن
يونس العامري والمجد ابن دقيق العيد وأجازه بالفتوى " ثم نقل كلام الكمال الأدفوي
فيه: " كان حسن المحاضرة مليح المحاورة صنف المسائل المهمة في اختلاف
الأئمة... ".
مروياته:
كانت للرشيد العطار - رحمه الله - مشاركة طيبة في الرواية إلى جانب التصنيف والتخريج، ومروياته لم تكن موقوفة على علم من العلوم، فقد روى كتبا وأجزاء في
الحديث، وأخرى في اللغة، أو النحو، أو التاريخ...
وهذه إشارة خفيفة لبعض مروياته:
- كتاب (الأفعال)، لابن القطاع: رواه الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي عن
أبي طاهر، محمد بن محمد بن محمد بن بنان الأنباري، ثم المصري (ت 596 ه‍)
عن القاضي أبي البركات محمد بن حمزة بن أحمد العرقي، عن أبي القاسم علي بن
جعفر السعدي، المعروف بابن القطاع (ت 515 ه‍). ويرويه عن الرشيد أبو جعفر
62

أحمد بن يوسف بن علي بن يوسف الفهري اللبي - أحد مشاهير أصحاب أبي علي
الشلوبين -.
- كتاب (الصحاح) للجوهري. رواه الحافظ رشيد الدين عن أبي طاهر
محمد بن أبي الفضل محمد بن محمد بن بنان، عن أبي البركات العرقي، عن ابن
القطاع، عن أبي بكر محمد بن علي بن الحسن بن البر التميمي، عن أبي محمد
إسماعيل بن محمد النيسابوي، عن الجوهري مصنفه. رواه عن الرشيد أبو
جعفر أحمد بن يوسف اللبي.
- كتاب (الشمائل) للترمذي. سمعه الرشيد من هبة الله بن مسعود البوصيري،
ورواه عنه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم القبسي السلاوي.
- صحيح البخاري. رواه الرشيد عن شيخه أبي القاسم البوصيري، وأبي
عبد الله محمد بن حامد الأرتاحي، بسندهما إلى أبي الهيثم الكشميهني.
وراه عنه خلق كثير، من جملتهم: أبو علي عبد الرحيم بن عبد الله
الأنصاري، وبدر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني.
- طبقات المحدثين، لأبي الوليد يونس بن عبد الله الدباغ.
مصنفاته:
للحافظ رشيد الدين مصنفات وتخاريج زكاها بإجمال غير واحد من
63

العلماء، منهم الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ، والحافظ ابن عبد الهادي المقدسي
في طبقاته، منها:
- " الأربعون الزاهية في الأحاديث النبوية الفاخرة ". سمع منها ابن
رشيد السبتي، في رحلته إلى المشرق - أثناء وروده مصر - عشرة أحاديث متوالية من
أولها، من رواية أبي الحسن علي بن المقير.
- " تحفة المستفيد في الأحاديث الثمانية الأسانيد ". سمع الجزء الأول منها
الشيخ محمد جابر الوادي آشي (ت 749) على المقرئ تقي الدين أبي عبد الله
محمد بن أحمد الصائغ، بسماعه له من مخرجه. ذكر روايته لها محمد بن سليمان
الروداني (1094) في " صلة الخلف بموصول السلف " والشيخ عبد الحي الكتاني
في " فهرس الفهارس ". كلاهما من طريق الحافظ أبي المعالي عبد الله بن عمر
الحلاوي عن محمد بن أحمد بن القماح عن مصنفها.
- وله: تعليق لطيف عقب فيه على الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر
المقدسي - المعروف بابن القيسراني (ت 507). في كتابه الجمع بين رجال
الصحيحين. وقد وجد هذا التعليق على هامش الأصل الذي اعتمد في طبع الكتاب
المذكور.
- وله جزء حديثي يشتمل على ثمانية أحاديث. ذكره له صاحب الرسالة
المستطرفة.
- وله جزء، فيه الرواة عن البخاري، يرويه محمد بن سليمان الروداني من
طريق فاطمة بنت المنجا عن سليمان بن حمزة، عن محمد بن عبد الواحد الحافظ
عن مصنفه.
64

- وله: " حوائج العطار في عقر الحمار " ذكره له صاحب هدية العارفين.
- وله كتاب " العوالي " أو " عوالي الرشيد " ذكره له الكتاني في الرسالة
المستطرفة. ورواه الروداني من طريق أبي الفرج الغزي عن الشرف بن يونس عن
عمر الختني عن صاحبه رشيد الدين - رحمه الله -.
- وله " غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث
المقطوعة ". وهو هذا الكتاب.
- وله " مشيخة ابن بنت الجميزي " وهو البهاء: أبو الحسن علي بن هبة الله ابن
بنت الجميزي (ت 649 ه‍). رواها الروداني وعبد الحي الكتاني من طريق الأستاذ
ابن الجزري عن محمود بن خليعة المنبجي عن محمد بن أبي بكر بن طارق عنه.
- وله: " المصافحات ". رواها عنه الروداني.
- وله: " المعجم المحكم " ترجم فيه لشيوخه، ذكره له الذهبي في التذكرة،
وكذا في العبر، والسخاوي في الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، وذكر روايته له
محمد بن سليمان الروداني في صلة الخلف والشيخ عبد الحي الكتاني في فهرس
الفهارس من طريق أبي الفرج بن أحمد الغزي عن أبي الحسن علي بن إسماعيل بن
قريش عن الرشيد.
- وله كتاب " الموافقات " في عشرة أجزاء رواه عنه أحمد بن أبي بكر بن
عبد الحميد.
- ومن مصنفاته: " نزهة الناظر في ذكر من حدث عن أبي القاسم البغوي "
65

(ت 317 ه‍) لا زالت منه نسخة مخطوطة في المكتبة المحمودية (13 أصول
الحديث).
- وله وسيلة الراغبين وتحفة الطالبين في الأحاديث الأربعين كذلك. ذكره له
عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي السعدي - ناسخ ع - في اللوحة الأولى للغرر.
ذكر السيوطي في الجامع الصغير حديث إنما الأعمال بالنيات الحديث، ثم
قال: أخرجه البخاري ومسلم والأربعة. عن عمر بن الخطاب، وأبو نعيم في
الحلية، والدارقطني في غرائب مالك عن أبي سعيد، وابن عساكر في أماليه عن
أنس، والرشيد العطار في جزء من تخريجه عن أبي هريرة، والمناوي في شرحه
المسمى فيض القدير على الجامع الصغير. تناول الحديث المتقدم بالشرح، ولما
وصل إلى الرشيد عرف به. وقال في قول السيوطي: " والرشيد في جزء من
تخريجه... ": ولعله معجمه، فإني لم أر في كلام من ترجمه إلا أنه خرج لنفسه
معجما ولم يذكروا غيره ".
قلت: والغريب أن يصدر مثل هذا القول عن العلامة المحدث محمد المدعو
بعبد الرؤوف المناوي (ت 1031 ه‍). فأمثاله لا يخفي عليهم كثرة مصنفات الرشيد
العطار - رحمه الله -.
منزلة رشيد الدين العلمية وثناء العلماء عليه:
قال فيه مصاصره قطب الدين موسى بن محمد اليونيني: " وكان إماما فاضلا ثبتا
عارفا بالصناعة الحديثية... ".
أما الذهبي في تذكرة الحفاظ فقد عقد ترجمته بقوله: " الإمام الحافظ الثقة
المجود رشيد الدين يحيى بن علي... انتخب وأفاد وتقدم في فن الحديث وكان ثقة
مأمونا متقنا حافظا حسن التخريج ثم نقل عن الشريف عز الدين بن عبد السلام
قوله فيه: " كان حافظا ثبتا انتهت إليه رئاسة الحديث بالديار المصرية... صحبته
مدة ".
66

والسخاوي في كتابه: " الإعلام بالتوبيخ لمن ذم التاريخ " خصص قسما منه
لذكر أهل الجرح والتعديل، فأعلى من شأنهم ومدحهم بقوله: " وأما المتكلمون في
الرجال فخلق من نجوم الهدى ومصابيح الظلم المستضاء بهم في دفع الردى... "
وذكر طبقاتهم إلى أن وصل إلى رشيد الدين فذكره ضمنهم.
ونقل كثير من الحفاظ عن رشيد الدين أقواله في الجرح والتعديل، والتصحيح
والتضعيف واعتمدوها، من هؤلاء:
الإمام بدر الدين الزركشي في نكته على ابن الصلاح.
والحافظ زين الدين العراقي في التقييد والإيضاح.
والحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح.
وجلال الدين السيوطي في تدريب الراوي.
تولي رشيد الدين مشيخة المدرسة الكاملية:
كانت مصر في هذه الحقبة مزدهرة في علم الحديث رواية ودراية. وأشهر دار
للحديث بها آنذاك المدرسة الكاملية - وكان لا يتولى رئاستها إلا من فاق أقرانه في
الصناعة الحديثية، وشهد له سائر محدثي عصره بعلو كعبه في علم الحديث - تولى
مشيختها الحافظ عبد العظيم المنذري إلى حدود سنة وفاته (656 ه‍). ثم آلت
مشيختها إلى الحافظ رشيد الدين، فظل على رأسها طيلة سنوات ست إلى أن وافاه
الأجل، ولبى داعي ربه.
مناقبه:
كان رشيد الدين - رحمه الله - عفيفا تقيا ورعا، لين الجانب. حفظ القرآن في
67

صغره، وأتقن علم التجويد، واهتم بالخط حتى صار مليحه. وكان من ذوي اليسار
والخير. ملازما للصلوات مع الجماعة في جامع عمرو بن العاص، وقف جملة كتبه
على طلبة العلم، ومن ينتفع بها من عامة المسلمين.
وفاته:
عاش رشيد الدين ثمانية وسبعين عاما كانت حافلة بالأعمال الصالحة وبخدمة
كتاب الله عموما، وسنة رسوله خصوصا. وفي يوم الاثنين الثاني من جمادى الأولى
من سنة اثنتين وستين وستمائة هجرية، شاءت العناية الإلهية أن تأخذ إليها هذا
الإمام الجليل والحافظ العلم، فلبى النداء وأجاب داعي ربه. وكانت جنازته
مشهودة. ذكر الحافظ ابن كثير - في البداية - من الذين حضروها الزين خضر
المعروف بمسخرة الملك الأشرف موسى بن العادل.
ودفن رشيد الدين - رحمه الله - من الغد في سفح المقطم.
رثاؤه:
وقد خلد هذه الذكرى أحد أحبائه - السراج الوراق - بقصيدة يرثيه فيها:
دمعي على الشيخ الرشيد مرسل * وحزن قلبي أبدا مسلسل
بكى دما جفني القريح بعده * لو بالجريح يفتدي المعلل
أين إمام في الحديث مثله * تضرب آباطا إليه الإبل
ذاد عن السنة كل مفتر * به جلى الداجي وحل المشكل
وكان في علم الرجال أوحدا * بحيث قال العلم: هذا الرجل
أتقنهم معرفة بقول ذا * مستعمل وقول ذاك مهمل
ومن سوى العطار يدري سرهم * والناس منهم حطب ومندل
68

يا جامع ابن العاص قد أوحشت من * جارك واستوحش صف أول
عهدي بصدر لك منه حاليا * قد عاد وهو بعده معطل
لله ما ضم التراب من حجى * يطيش رضوي عنه ويذبل
ومن عفاف وتقى وكيف لا * والعلم أس لهما والعمل
إن ضجيعي لحده لسنة ال‍ * هادي الشفيع والكتاب المنزل
لمثل ذا فليعمل القوم إذا * راموا العلا، لمثل ذا فليعملوا
سقاك يا يحيى حيا مرتجز * تحدو قطاريه صبا وشمأل
69

الفصل الخامس
التعريف بالكتاب ويشتمل على المباحث الآتية:
المبحث الأول: الدافع إلى تأليف " غرر الفوائد المجموعة ".
المبحث الثاني: تاريخ تأليف الكتاب ومدة ذلك.
المبحث الثالث: محتوي الكتاب.
المبحث الرابع: موارد المصنف في الكتاب.
المبحث الخامس: منهج الرشيد العطار في الكتاب.
المبحث السادس: جهود الحافظ رشيد الدين في المصطلح من خلال
الكتاب.
71

الدافع إلى تأليف " غرر الفوائد المجموعة ":
ذكر الحافظ أبو علي الغساني في تقييد المهمل أربعة عشر حديثا من صحيح
مسلم وسماها بالأحاديث المقطوعة، وهي أحاديث معلقة. ونبه أبو علي هذا على
وصل بعضها دون البعض، ونقل هذه الأحاديث عنه الإمام المازري في كتابه
" المعلم ". غير أنه لم يبين صفة انقطاعها ولا ذكر من وصلها من أئمة الرواة، قال
الحافظ رشيد الدين: " فربما توهم الناظر في كتابه ممن ليس له عناية بالحديث ولا
معرفة بجمع طرقه أنها من الأحاديث التي لا تتصل بوجه، ولا يصح الاحتجاج بها
لانقطاعها ".
ولم يكن هذا مجرد ظن بل قد وجد من يظنها كذلك، قال الرشيد العطار:
" وقد رأيت غير واحد يلهج بذكرها ويظنها على هذه الصفة، وليس الأمر كذلك، بل
هي متصلة كلها، والحمد لله من الوجوه الثابتة ".
وفي هذا المصنف " الغرر " قام الحافظ رشيد الدين بوصل الأحاديث الأربعة
عشر المذكورة، ثم أضاف إليها ما وقع إليه من جنسها مما لم يذكره ضمنها أبو علي
الغساني، ولا الإمام المازري، وبين وجوه اتصالها من طريق الأئمة الثقات المعتمد
على قولهم في هذا الشأن.
تاريخ تأليف الكتاب ومدة ذلك:
سجل على ب تواريخ تأليف أجزاء وملحقات من هذا الكتاب. وكان أول
تاريخ هو ما في هامش اللوحة 7 وجه ب ونصه: " من قوله: وأخرجه أيضا الحافظ
أبو نعيم إلى أول الحديث الرابع. ألحق في ثامن شعبان من سنة أربعين [وست
مائة] والله الموفق ". وفي هامش اللوحة 8 وجه أ، كتب ما نصه: " من قوله:
والأشجعي إلى أول الحديث الخامس. ملحق في رابع شوال سنة ثلاث وأربعين
[وست مائة] ".
73

وفي هامش اللوحة 23 وجه أ. قيد ما يلي: " هذه الزيادة: وهي من قوله:
" وقد رواه القعنبي إلى قوله عن مالك كذلك. ملحقة في سابع جمادي الآخرة، سنة
ثلاث وأربعين [وست مائة] ".
وفي هامش اللوحة 24 وجه أ. كتب ما نصه: " من قوله: حديث وأخرج في
كتاب الطهارة إلى قوله حديث آخر. ألحق في ذي القعدة سنة خمس وخمسين
وست مائة ".
وفي هامش اللوحة 26 وجه ب. كتب ما نصه: " من قوله: وقد أخرج
إلى: والله أعلم. قال المصنف: ملحق في مستهل صفر سنة إحدى وخمسين
[وست مائة] ".
وفي هامش اللوحة 30 وجه ب. جاء ما يلي: " من قوله: ولهما نظير إلى
قوله: فيما علمت شيئا. ملحق في جمادي الآخرة سنة أربع وخمسين [وست
مائة]:. وفي هامش اللوحة 32 وجه أ، أثبت ما يلي: " من قوله: قلت إلى: والله
أعلم. ملحق في رجب سنة إحدى وخمسين [وست مائة] ".
وبعد تتمة الكلام على حديث المعراج لأبي ذر - رضي الله عنه - الذي أخرجه
مسلم في كتاب الإمام من صحيحه كتب ما نصه: " ملحق في ذي القعدة، سنة ثلاث
وأربعين [وست مائة] " اللوحة: 34 الوجه: ب. وبعد الانتهاء من الكلام على
الحديث الذي أخرجه مسلم في كتاب الصلاة من رواية أبي الجوزاء عن عائشة
رضي الله عنها. يأتي ما نصه: " ملحق في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين [وست
مائة] " اللوحة 34 الوجه ب.
وعند الكلام على حديث ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عائشة - رضي الله
عنها - المخرج في كتاب المناسك، كتب الناسخ: " بخط شيخنا ما صورته صورة
خط الحافظ رشيد الدين العطار المصنف في الورقة الأولى من نسخة هذا الكتاب
بخطه: مما ألحق في ذي القعدة سنة ست وأربعين [وست مائة] " اللوحة 36
الوجه أ.
وهذا جدول بتواريخ هذه الملحقات حسب الترتيب الزمني - وليس حسب
ترتيب وضعها في الكتاب -.
74

8 شعبان سنة 640 ه‍.
7 جمادى الآخرة سنة 643 ه‍.
4 شوال سنة 643 ه‍.
ذو القعدة سنة 643 ه‍.
ذو القعدة سنة 646 ه‍.
شعبان سنة 650 ه‍.
مستهل صفر سنة 651 ه‍.
رجب سنة 651 ه‍.
جمادى الآخرة سنة 654 ه‍.
ذو القعدة سنة 655 ه‍.
وهذه التواريخ تعطينا صورة عن طريقة التأليف، فالحافظ رشيد الدين
- رحمه الله - لم يؤلف كتابه: " الغرر " دفعة واحدة، بل استمر في تأليفه وتنقيحه على
مدى فترة لا تقل عن خمس عشرة سنة.
ثم إنه - رحمه الله - لم يلحق ما ألحقه بالكتاب من أجزائه بطريقة مرتبة حسب
التاريخ التصاعدي، وحسب ما وقف عنده في أحاديث ومباحث الكتاب ولهذا كانت
هذه الزيادات والمحلقات كثيرا ما تكون في ثنايا بحثه أو وصله لبعض الأحاديث
المنقطعة المخرجة في صحيح مسلم. فقد يفرغ الحافظ رشيد الدين من الكلام على
حديث من هذه الأحاديث، ثم يظهر له وجه من الوجوه المتعلقة بالحديث نفسه - أو
بحديث آخر - لم يتناوله ويرى أنه جدير بأن يلحقه بتلك الدراسة فيلحقه بها. والذي
يزكي هذه الفكرة: أن الحافظ رشيد الدين - رحمه الله - أنهى كتابه بما يتناسب مع
هذه الدراسة الحديثية للأحاديث (المقطوعة) في صحيح مسلم، حيث أورد بسنده
المتصل إلى الحافظ أبي بكر أحمد بن المفضل بن محمد الباطرقاني الحافظ، أنه
سمع أبا علي بن الحسين بن علي النيسابوري يقول: " ما تحت أديم السماء كتاب
أصح من كتاب مسلم بن الحجاج ".
ثم أورد بسنده المتصل إلى أبي الفضل محمد بن إبراهيم، أنه سمع أحمد بن
سلمة يقول: " رأيت أبا زرعة وأبا حاتم الرازيان. يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة
75

الصحيح على مشايخ عصرهما " ثم نقل الحافظ رشيد الدين العطار عن الخطيب
البغدادي قوله: " وأخبرني ابن يعقوب. أخبرنا ابن نعيم. قال سمعت الحسين بن
محمد الماسرجسي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت مسلم بن الحجاج يقول:
" صنف هذا المسند الصحيح من ثلاث مائة ألف حديث مسموعة ".
ويكون بذلك قد انتهى من تأليف الكتاب، حيث أورد بعده مباشرة: " آخره
والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد نبيه المصطفى، وعلى آله وعترته
وأصحابه أجمعين ".
ثم شرع بعد ذلك في أحاديث أخرى ألحقها بالكتاب في آخره. بلغ مجموعها
ستة أحاديث، وختمها بقوله: " هذا آخر الأحاديث الملحقة في هذا الكتاب.
والحمد لله وحده، وصلواته على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. وحسبنا الله
ونعم الوكيل ". وقد سجل تاريخ الإلحاق لأول هذه الزيادات بذي القعدة
سنة 646 ه‍.
ولسائل أن يسأل: لماذا كانت جل هذه الزيادات والملحقات في ثنايا الكتاب،
ولم تكن - كلها أو أغلبها - في آخره؟.
إن طبيعة الكتابة في موضوع العلل تملي هذه الطريقة، فقد تخفي على
المحدث علة، فلا ينتبه لها إلا بعد حين، ووصل الأحاديث المنقطعة يتطلب معرفة
واسعة بكتب الحديث ونصوصه ورواياته، ورجال الصحيح ومن أخرج له أصحاب
الكتب الستة، ومن لم يخرجوا له، والمعدل والمجرح منهم، ودرجة تعديله أو
تجريحه، ومعرفة كتب الأطراف والمراسيل...
وبعبارة موجزة: لا يوجد فرع من فروع علم الحديث يمكن الاستغناء عنه في
مثل هذه الدراسة.
محتوي الكتاب:
ذكر الحافظ رشيد الدين الأحاديث الأربعة عشر المنقطعة عند مسلم - التي
76

نص عليها أبو علي الغساني. وناقشه في عددها. ولذلك لما تناول الحديث الثالث
عشر منها قال:
" هذا آخر الأحاديث التي ذكرها أبو علي الغساني، رحمه الله، وقد كان أورد
بعد هذا الحديث حديثا آخر. وهو من الأحاديث المتقدمة وقع مكررا في كتابه
المسمى بتقييد المهمل. من الطريق التي اتصلت إليها بالرواية عنه، وهو حديث ابن
عمر - رضي الله عنه - قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاة العشاء، فلما سلم قام فقال:
" أرأيتكم ليلتكم هذه. وقد تقدم هذا الحديث والجواب عنه، فلا وجه لإعادته ".
ولما أتمها ابتدأ مجموعة أخرى من الأحاديث في اتصالها نظر عند بعض
الأئمة، رقمها ترقيما جديدا، فقال: الحديث الأول... إلى أن وصل إلى الحديث
العشرين. وإن كان ذكر ضمن هذه المجموعة ثلاثة أحاديث غير مرقمة وردت
عرضا، على سبيل التمثيل والمشابهة بينها وبين المذكور المماثل لها.
ثم عقد بعد ذلك أربعة فصول:
تناول في الفصل الأول ثلاثة أحاديث يشتمل كل حديث منها في سنده على راو
مبهم، ففي الأول منها: " وحدثني رجل ". وفي الثاني: " عن ابن أبي بكرة ".
وفي الثالث: " عن ابن كعب بن مالك ".
أما الفصل الذي يليه فقد خصصه الحافظ رشيد الدين للأحاديث المروية - في
77

صحيح مسلم - بالوجادة فذكر ثلاثة أحاديث منها. ثم ساق فصلا آخر تناول فيه
الأحاديث المرسلة - في صحيح مسلم فذكر منها سبعة عشر حديثا.
وآخر فصل جعله الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي للأحاديث المروية - في
صحيح مسلم - بالمكاتبة. فنص على أنها تفوق العشرة لكنه لم يذكرها وإنما أشار
إلى نموذج منها من خلال ترجمة مخرمة بن بكير عن أبيه.
وفي هذا الفصل روى المناظرة التي وقعت بين الإمامين: الشافعي
وإسحاق بن راهويه. بحضرة الإمام أحمد بن حنبل بشأن الاحتجاج بما روي من
طريق المكاتبة.
وختم الكتاب بذكر نقول عن بعض أئمة الحديث وأعلامهم في بيان مكانة
صحيح مسلم وفضله بين كتب الحديث الصحيح.
ثم استدرك الحافظ الرشيد بإضافة أحاديث ألحقها بآخر الكتاب وعددها ستة.
موارد المصنف في الكتاب:
يمكن أن نقسم هذه الموارد إلى قسمين رئيسيين:
- القيم الأول منها: رواية رشيد الدين بالسند المتصل عن شيوخه.
- القسم الثاني: كتب اشتهرت نسبتها إلى مؤلفيها، وهي كتب متنوعة من حيث
التخصص: بعضها في الحديث والآخر في علله أو مصطلحه، أو أطرافه أو في تاريخ
الرجال، أو اللغة أو النحو، أو الأصول أو الفقه.
ولن أفضل بين القسمين المذكورين، لأن كثيرا من الكتب التي اعتمدها،
رشيد الدين في كتابه مروية بسنده إلى مؤلفيها. وهذه مصادره في الكتاب - التي
ذكرها أو أشار إليها - وهي مرتبة حسب حروف المعجم:
- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: يوسف بن عبد الله بن عبد البر
(ت 463 ه‍).
78

- الإشراف على معرفة الأطراف - ومنهم من يسميه " الأطراف ": أبو القاسم
الدمشقي علي بن الحسن بن هبة الله، المعروف بابن عساكر (ت 571 ه‍).
- أطراف الصحيحين: خلف بن محمد بن حمدون الواسطي (ت 401 ه‍).
- الأطراف - ومنهم من يسميه: الجمع بين الصحيحين: أبو مسعود الدمشقي
إبراهيم بن محمد بن عبيد (ت 401 ه‍).
- كتاب الأفعال: أبو القاسم، علي بن جعفر السعدي المعروف بابن القطاع
(ت 515 ه‍).
- إكمال المعلم بفوائد مسلم: القاضي عياض بن موسى اليحصبي
(ت 544 ه‍).
- الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى
والأنساب: أبو نصر بن ماكولا، علي بن هبة الله بن علي بن جعفر (ت 475 ه‍).
- الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع: القاضي عياض.
- الإنصاف فيما بين المختلفين في بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب
من الاختلاف: يوسف بن عبد الله بن عبد البر.
- كتاب التاريخ الكبير: محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه‍).
- تاريخ أبي زرعة: عبد الرحمن بن عمرو البصري، الدمشقي
(ت 281 ه‍).
- كتاب التتبع - وهو ما أخرج في الصحيحين وله علة: أبو الحسن، علي بن
عمر بن مهدي، الشهير بالدارقطني (ت 385 ه‍).
79

- تسمية من روي عنه من أولاد العشرة وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
علي بن المديني (ت 234 ه‍).
- تقييد المهمل وتمييز المشكل: أبو علي الغساني الجياني، الحسين بن
محمد بن أحمد (ت 498 ه‍).
- التمهيد لما في الموطأ في المعاني والأسانيد: يوسف بن عبد الله بن
عبد البر.
- جامع الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279 ه‍).
- الجرج والتعديل: ابن أبي حاتم الرازي، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس
(ت 327 ه‍).
- الجمع بين رجال الصحيحين: البخاري ومسلم: أبو الفضل المقدسي
محمد بن طاهر. الشهير بابن القيسراني (ت 507 ه‍).
- جمع حديث الثوري: أبو علي، سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن
(ت 353 ه‍).
- سنن أبي داود: سليمان بن الأشعت السجستاني (ت 275 ه‍).
- سنن النسائي: أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه‍).
السيرة: محمد بن إسحاق بن يسار (ت 150 ه‍).
- صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري.
- صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري (261 ه‍).
- كتاب الصلاة: أبو بكر الفريابي، جعفر بن محمد بن الحسن
(ت 301 ه‍).
80

- طبقات ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع (ت 230 ه‍).
- العلل الواردة في الأحاديث النبوية: الدارقطني.
المراسيل لابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس.
المستصفى: أبو حامد الغزالي، محمد بن محمد الطوسي (ت 505 ه‍).
- المسند الصحيح المخرج على كتاب مسلم بن الحجاج: أبو عوانة،
يعقوب بن إسحاق (ت 316 ه‍).
- المسند الصحيح المستخرج على كتاب مسلم: أبو نعيم الأصبهاني،
أحمد بن عبد الله بن مهران (ت 430 ه‍).
- مسند أبي بكر بن أبي شيبة: عبد الله بن محمد (ت 235 ه‍).
- المسند: الإمام أحمد بن حنبل (ت 241 ه‍).
- مسند البزار: أبو بكر، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق (ت 292 ه‍).
- مشارق الأنوار على صحاح الآثار: القاضي عياض.
- معرفة علوم الحديث: الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله
(ت 405 ه‍).
- المعلم بفوائد مسلم: محمد بن علي بن عمر المازري (ت 536 ه‍).
- كتاب النهاية: إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني
(ت 478 ه‍).
- الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد، الذين أخرج لهم البخاري في
81

جامعه (رجال صحيح البخاري): أبو نصر الكلاباذي أحمد بن محمد
(ت 398 ه‍).
منهج الرشيد العطار في الكتاب:
يفتتح رشيد الدين كل حديث من هذه الأحاديث المنقطعة بذكر الكتاب الذي
يقع فيه، فيقول: أخرج مسلم في كتاب كذا. ويذكر سند الحديث، وقد يختصره
مؤثرا عدم إغفال التنصيص على موطن الشاهد منه.
ففي الحديث الأول قال: " قال الإمام أبو الحسين بن الحجاج القشيري،
رحمه الله، في كتاب الطهارة: وروى الليث بن سعد... ".
وفي الحديث الثاني ورد عنده ما نصه: " قال مسلم، رحمه الله، في كتاب
الصلاة في أحد الروايات عنه: حدثنا صاحب لنا... " ويسوق السند وبعد تتمته
يعرج على متن الحديث، فيورده كاملا أو يورد طرفا منه. ثم يذكر علة الحديث سواء
استخرجها بنفسه أو نقلها عن غيره من الحفاظ، مصرحا بمن نقل عنهم أو مبهما.
ولما كانت أغلب هذه الأحاديث المتكلم فيها وردت متابعة فإن الرشيد ينص
على ذلك، ثم ينتقل إلى ذكر من وصلها. فيبدأ بصحيح مسلم، ثم صحيح
البخاري وكذا السنن الأربعة ويجتهد الرشيد العطار في وصل الحديث من الطريق
التي انقطع منها، فإن لم يجد انتقل إلى غيرها، وكثيرا ما يستقصي كتب الحديث
المعتمدة التي وصلته وإذا كانت له رواية للحديث المذكور بسنده المتصل ساقها على
طريقة المحدثين في رواية الأحاديث التي اتصلت طرقها إليهم إلى أصحابها.
والحافظ يحيى بن علي إذا تعرض للمؤتلف والمختلف من الأسماء بينه
82

وحرره وضبطه: ففي حديث عائشة رضي الله عنها، قالت أصيب سعد يوم الخندق ورماه
رجل من قريش: ابن العرقة... الحديث. قال الرشيد العطار، رحمه الله: " وابن العرقة
اسمه حبان بكسر الحاء المهملة وبالباء بواحدة، وقيل في تقييده جبار بالجيم والباء
المعجمة بواحدة وآخره راء. والأول أصح، وهو حبان بن أبي قيس، ويقال ابن
قيس... ".
ثم قال: " والعرقة هي أمه نسب إليها، وقيل إنها أم عبد مناف جد أبيه واسمها
قلابة بنت سعيد... ".
وإذا تناول الحافظ الرشيد المتفق والمفترق من الأسماء بين المراد منه ففي
حديث عائشة، رضي الله عنها، قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول: " أين أنا
غدا "؟. استبطاء ليوم عائشة... الحديث. رواه مسلم من طرق منها طريق محمد بن
حرب عن أبي مروان يحيى بن أبي زكرياء، عن هشام، عن عروة، عن عائشة.
قال الرشيد العطار: " ويحيى بن زكريا المذكور في هذا الإسناد هو الغساني
شامي. وربما اشتبه بيحيى بن زكريا الكوفي، وهو ابن أبي زائدة لاشتراكهما في
الرواية عن هشام بن عروة. والأول يكنى أبا مروان. وابن أبي زائدة يكنى أبا سعيد
همداني ".
ومن مذهب الرشيد العطار، رحمه الله، إيضاح المبهمات الواقعة في أسانيد
الأحاديث: ففي حديث أبي هريرة: جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال إن
امرأتي ولدت غلاما أسود... الحديث. قال الحافظ رشيد الدين: " والرجل
الفزاري المذكور في هذا الحديث هو ضمضم بن قتادة، قاله الحافظ أبو محمد
عبد الغني بن سعيد الأزدي ".
83

وإذا كان في الحديث إشكال حاول الرشيد حله: ففي حديث سلمة بن
الأكوع: لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالا شديدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتد عليه سيفه
فقتله... الحديث. قال الرشيد العطار، رحمه الله: " وفي هذا الحديث إشكال،
وهو قوله: قاتل أخي فارتد عليه سيفه فقتله. لأن هذه القصة مشهورة لعامر عم
سلمة، وقد أوردها مسلم بعد ذلك... والجمع بين الحديثين عسير إلا أن يكون
عامر أخا سلمة من الرضاعة، أو يكون أراد أخوة الإسلام والله عز وجل أعلم ".
والحافظ أبو الحسين يحيى بن علي يهتم بإيراد متون الأحاديث التي تشتمل
على روايات تختلف ألفاظها أو بها مفردات غريبة. وإذا ذكرها وجه رواياتها وضبط
غريبها ثم شرحه: ففي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، لقيه في بعض طرق المدينة
وهو جنب، فانبجست منه... الحديث.
قال الحافظ رشيد الدين، رحمه الله: " فيه أربع روايات:
- الأولى: فانبجست بنون ثم باء معجمة بواحدة بعدها جيم. ومعناه اندفعت
منه. وقال الترمذي: معناه تنحيت عنه.
- الرواية الثانية: فانخنست منه، بنون بعدها خاء معجمة ثم نون ومعناها
انقبضت وتأخرت عنه.
- الثالثة: فاختنست بتقديم الخاء المعجمة، وبعدها تاء معجمة باثنتين من
فوقها ثم نون...
- الرابعة: فانتجست، بنون ثم تاء معجمة باثنتين من فوقها، ثم جيم... ".
ثم عقب على ذلك بقول: وقد ذكر في هذه الكلمة قول خامس هو:
فانبخست بنون ثم باء معجمة بواحدة، بعدها خاء معجمة، من البخس وهو
النقص... ".
وبعد تفصيل شرحها حاول الجمع بين هذه الروايات جميعها من حيث المعنى
84

فقال: " ومعنى هذه الأقوال كلها يرجع إلى شئ واحد وهو الانفصال والمزايلة على
وجه التوقير والتعظيم له صلى الله عليه وسلم. والله أعلم ".
وسبيل الحافظ رشيد الدين في الجرح والتعديل أن ينقل أقوال أئمة الحديث
في هذا الشأن، ثم يناقشها وينتصر لمن قامت له الحجة عنده وكبار المحدثين
يهتمون بمعرفة مواليد الرواة وبدايات سماعهم، وسنوات وفاتهم لمعرفة اتصال
السند أو انقطاعه في سند الأحاديث. والحافظ أبو الحسين يحيى بن علي سلك نفس
السبيل في كثير من الأحاديث.
ومن حين لآخر يسوق الرشيد لطيفة من اللطائف الإسنادية في مصطلح
الحديث مثل بيان العلو والنزول، أو رواية الأصاغر عن الأكابر أو تعريفا للحديث
المرسل أو المنقطع أو حكم الرواية بالمكاتبة أو بالوجادة...
جهود الحافظ رشيد الدين في مصطلح الحديث:
للحافظ رشيد الدين في هذا العلم مشاركة لا تنكر. وهذه بعض الأمثلة منها
من خلال كتاب " الغرر ".
أثر المتابعة:
إن الأحاديث الأصول يخرج فيها للحافظ المتقنين ولا يتجاوز فيها. وكثيرا ما
أخرج للرواة المتوسطين والمستورين في المتابعات والشواهد، فالعمدة عند
المحدثين على الأصول، وإذا ثبت أصل الحديث وسلم من سائر العلل فيها فلا يؤثر
في صحته إذا ورد من طريق دونه في الصحة.
قال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري: (وقد يروى الحديث وفي إسناده رجل
غير مسمى وليس بمنقطع) يعني إذا روي ذلك الحديث من وجه آخر. وسمي ذلك
الرجل فيه.
85

أخرج مسلم بسنده المتصل حديث البراء بن عازب في نزول قوله تعالى:
(حافظوا على الصلوات والصلواة الوسطى) [البقرة: 238]... الحديث. ثم قال
عقيبة: ورواه الأشجعي عن سفيان...
قال رشيد الدين العطار: " قلت هكذا أورده مسلم في صحيحه، وهو حديث
صحيح متصل من حديث فضيل بن مرزوق بالإسناد المذكور... وقوله بعد إيراده:
ورواه الأشجعي عن سفيان. إنما هو على وجه المتابعة. وذكر متابعة الرواة بعضهم
بعضا على رواية الحديث لا يقدح في اتصاله، بل يقويه ويؤيده وفي صحيح البخاري
من هذا النمط كثير ".
وفي حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " خيار
أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم... الحديث. أورده مسلم من طريقين متصلين
عن رزيقة بن حيان، عن مسلم بن قرظة، عن عوف بن مالك. ثم قال عقبيه: ورواه
معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن مسلم... الحديث ". ساق الحافظ الرشيد
الحديث المذكور ثم قال: " وهذا الحديث متصل في كتاب مسلم كما بيناه، وذكر
المتابعة بعد إيراده متصلا يؤيده ولا يوهنه ".
وفي حديث عائشة " أصيب سعد يوم الخندق ورماه رجل من قريش...
الحديث " أورده مسلم من طريق متصل، ثم أورده من طريق آخر فيه: ثنا هشام قال
أبي: فأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لقد حكمت فيهم بحكم الله. وقد أخرج
مسلم هذا اللفظ بعينه متصلا من رواية أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الرشيد العطار عقب إيراد هذا الحديث: " وإذا ثبت اتصاله من وجه صحيح
فلا يؤثر قول بعض الرواة فيه: فأخبرت من وجه آخر ". وأخرج مسلم من طريق
86

الصعق بن حزن عن مطر الوراق عن زهدم الجرمي قال: دخلت على أبي موسى
الأشعري وهو يأكل لحم دجاج... الحديث. هذا الحديث أعله الدارقطني - في
التتبع ص 168 - من وجهين: الأول منهما أن الصعق بن حزن ومطرا ليسا بالقويين.
والثاني أن مطرا لم يسمعه من زهدم وإنما سمعه من القاسم بن عاصم عنه.
أورد الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي الحديث، ونقل عن الدارقطني قوله فيه،
وأجاب عنه ثم عقب بقوله: " وهذا الحديث أيضا قد أخرجه مسلم في صحيحه من
طرق صحاح متصلة عن زهدم عن أبي موسى رضي الله عنه. وطريق مطر التي انتقدها
الدارقطني إنما أوردها مسلم في الشواهد لا في الأصول. وإذا كان الحديث ثابتا
متصلا من وجه صحيح ثم روى من وجه آخر دونه في الصحة، وفي اتصاله نظر، فلا
يؤثر ذلك في ثبوته واتصاله من الوجه الآخر ".
وما سار عليه الحافظ رشيد الدين في حكم المتابعة هو الذي عليه مسلم. وهو
ظاهر مذهب البخاري وخلق كثير من أئمة المحدثين.
قال ابن الصلاح في مقدمته: " وأما المعلق وهو الذي حذف من مبتدأ إسناده
واحد أو أكثر. وأغلب ما وقع ذلك في كتاب البخاري. وهو في كتاب مسلم قليل
جدا ".
ونقل زين الدين العراقي عن ابن الصلاح قوله المتقدم ثم قال: " قلت في كتاب
مسلم من ذلك موضع واحد في التيمم، وهو حديث أبي الجهيم بن الحارث بن
الصمة أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، من نحو بئر جمل... الحديث. قال فيه مسلم: وروى
الليث بن سعد، ولم يوصل مسلم إسناده إلى الليث. وقد أسنده البخاري عن
يحيى بن بكير عن الليث. ولا أعلم في مسلم بعد مقدمات الكتاب حديثا لم يذكره
87

إلا تعليقا غير هذا الحديث وفيه مواضع أخر يسيرة رواها بإسناده المتصل، ثم قال:
ورواه فلان. وهذا ليس من باب التعليق إنما أراد ذكر من تابع رواية الذي أسنده من
طريقه عليه، أو أراد بيان اختلاف في السند... ".
المقطوع:
قال الخطيب البغدادي في كتابه: " الجامع بين آداب الراوي والسامع ": " من
الحديث: المقطوع ". وقال أيضا: " المقاطع هي الموقوفات على التابعين ".
وقال ابن الصلاح: " وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول
في كلام الشافعي وأبي القاسم الطبراني وغيرهما، والله أعلم ".
وقال الحافظ العراقي: " ووجدته أيضا في كلام أبي بكر الحميدي وأبي الحسن
الدارقطني ".
وأجيب عن الشافعي بأنه استعمل ذلك قبل استقرار الاصطلاح. كما قال في
بعض الأحاديث حسن. وهي على شرط الشيخين.
والحافظ رشيد الدين - رحمه الله - ممن استعمل اصطلاح المقطوع في مقام
المقطع كذلك. وهو ما نجده في عنوان الكتاب: " غرر الفوائد المجموعة في بيان ما
وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة ". وكذا في ثنايا صفحاته.
وممن جرى على هذا الاستعمال من المتأخرين الحافظ صلاح الدين العلائي
(ت 761 ه‍) في كتابه " جامع التحصيل في أحكام المراسيل ". حيث قال: " وأما
المنقطع ويقال له أيضا المقطوع، وهو ما حذف من إسناده رجل في أثنائه، لأن
الانقطاع نقيض الاتصال ".
وجمهور المحدثين يفصلون بين المنقطع والمقطوع:
88

(أ) المنقطع: اختلف أقوال أئمة الحديث في تحديد هذا الاصطلاح،
فذهب ابن عبد البر في التمهيد إلى أن المنقطع كل ما لم يتصل سواء كان يعزى إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى غيره. وهو ما اختاره صحاب منظومة البيقونية:
وكل ما لم يتصل بحال * إسناده منقطع الأوصال
وذهب جماعة من المتأخرين إلى أنه الحديث الذي سقط منه راو من رواته قبل
الصحابي.
(ب) المقطوع: وهو ما أضيف إلى التابعي من قول أو فعل.
المرسل:
ذهب الحافظ رشيد الدين إلى أن المقطوع - أي المنقطع - نوع من المرسل.
ومثل له بقوله: " كرواية مالك بن أنس عن عبد الله بن عمر، ورواية الثوري عن
جابر بن عبد الله ونحو ذلك ".
وبهذا الاعتبار فالمرسل عنده أعم من المنقطع ويشمله. وهو في ذلك يميل
إلى معني الإرسال في اللغة إذ هو الإطلاق وعدم التقييد والمنع. وهذا ما أكده
الرشيد بقوله: " جمهور المتقدمين من علماء الرواية يسمون مالم يتصل إسناده
مرسلا سواء كان مقطوعا أو معضلا ".
وللفقهاء والأصوليين تعريف للمرسل يقرب من هذا، وهو ما نص عليه الإمام
أبو العباس القرطبي - أحد المتأخرين من الأئمة المالكية - في كتابه " الوصول " حيث
قال: " المرسل عند الأصوليين والفقهاء عبارة عن الخبر الذي يكون في سنده انقطاع
89

بأن يحدث واحد منهم عم لم يلقه ولا أخذ عنه ".
ولكن الحافظ رشيد الدين جرى في مصنفه " الغرر " على التفرقة بين التعريف
اللغوي للمرسل وبين التعريف الاصطلاحي له. ولذا قال: " إلا أنهم (أي المحدثون)
قصروا المرسل على التابعين إذا أرسلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه
الصحابي ".
ونفس المعنى ورد عنده في موضع آخر: " إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من
حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان معنى الجميع عدم
الاتصال ".
وعن طريق الاستقراء لكتاب " الغرر " يتبين أن الحافظ أبا الحسن يحيى بن
علي استعمل اصطلاح المرسل في صورتين:
(أ) رفع التابعي للحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(ب) رواية التابعي عن الصحابي للحديث الذي لم يسمعه منه.
ولا يخفى أن المعنى الاصطلاحي للمرسل لا يأتي الصورتين المذكورتين.
الاختلاف بين وصل الحديث وإرساله:
من المباحث الحديثية التي طالما ناقشها المحدثون الاختلاف بين وصل
الحديث وإرساله أو رفعه ووقفه، ويدرجها المحدثون ضمن مبحث زيادة الثقة في
السند.
وللعلماء فيها أقوال:
- منها تقديم الإرسال على الوصل مطلقا. وهذا القول عزاه الخطيب البغدادي
للأكثرين من أهل الحديث.
90

- ومنها: القول للأكثر، فإن كان عدد الذين أرسلوه أكثر من الذين وصلوه
فالحكم لهم. وإلا فالعكس. وهو ما نقله الحاكم في المدخل عن أئمة الحديث.
باعتبار أن السهو قليل التطرق للأكثر.
- ومنها: المعتبر ما قاله الأحفظ، وهذا القول لم ينسب لمعين. وقد قال
العلامة الصنعاني في القولين الأخيرين (للأكثر وللأحفظ): " قيل: ليسا بشئ لأن
مرجع ذلك إلى الترجيح، ولا يدفع الريبة، لأن الشك في أحد المتقابلين شك في
الآخر، والشك لا يعمل به وفاقا ".
- ومنها: القول بترجيح الوصل على الإرسال مطلقا، وهو ما ذكره الخطيب
البغدادي في الكفاية وصححه حيث قال: " ومنهم (أي من المحدثين) من قال:
الحكم للمسند إذا كان ثابت العدالة ضابط الرواية فيجب قبول خبره ويلزم العمل به،
وإن خالفه غيره، وسواء كان المخالف له واحدا أو جماعة. وهذا القول هو الصحيح
عندنا لأن إرسال الراوي للحديث ليس بجرح لمن وصله ولا تكذيب له، ولعله أيضا
مسند عند الذين رووه مرسلا، أو عند بعضهم، إلا أنهم أرسلوه لغرض أو نسيان.
والناسي لا يقضي له على الذاكر، وكذلك حال راوي الخبر إذا أرسله مرة ووصله
أخرى لا يضعف ذلك أيضا له، لأنه قد ينسى فيرسله ثم يذكر بعده فيسنده، أو يفعل
الأمرين معا عن قصد منه لغرض له فيه ".
ويرى ابن رجب الحنبلي أن الخطيب بذلك تناقض مع ما في كتابه: " تمييز
المزيد في متصل الأسانيد ". إذ قسم هذا المصنف إلى قسمين: أحدهما: ما حكم
فيه بصحة ذكر الزيادة في الإسناد. والثاني: ما حكم فيه برد الزيادة وعدم قبولها.
ولذا قال ابن رجب: " وقد عاب تصرفه في كتاب " تمييز المزيد " بعض محدثي
الفقهاء، وطمع فيه لموافقته لهم في كتاب " الكفاية ".
وقال الإمام ابن الصلاح في مقدمته: " وما صححه (أي الخطيب) هو الصحيح
في الفقه والأصول ".
91

إلا أن برهان الدين البقاعي تعقبه بقوله: " إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة
المحدثين بطريقة الأصوليين، فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظرا لم
يحكمه، وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه، وذلك أنهم لا يحكمون فيها بحكم
مطرد، وإنما يديرون ذلك على القرائن ". وقد تبع الخطيب البغدادي أبو
الحسن بن القطان الفاسي على اختيار الحكم للرفع أو الوصل مطلقا، وهو ما
ذهب إليه طائفة من المحدثين منهم أبو بكر البزار وعزا الإمام النووي هذا القول
للمحققين من المحدثين.
ومن الأدلة ساقها الخطيب في " الكفاية " للاستدلال لما ذهب إليه: حديث
أبي إسحاق " في النكاح بلا ولي ". فأورد بسنده إلى البخاري أنه سئل عن حديث أبي
إسحاق عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " لا نكاح إلا
بولي "، فقال: الزيادة من الثقة مقبولة. وإسرائيل بن يونس ثقة، وإن كان شعبة
والثوري أرسلاه، فإن ذلك لا يضر الحديث.
وما نسب الخطيب لأبي عبد الله البخاري من كونه مذهبه لا يسلم له: قال
الحافظ ابن حجر في الفتح: " والذي عرفناه بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يعمل
في هذه الصورة بقاعدة مطردة بل يدور مع الترجيح، إلا إن استووا فيقدح
الوصل... ".
وقال الحافظ في موضع آخر منه: " ويستفاد من صنيع البخاري أن الحديث إذا
اختلف في وصله وإرساله حكم للواصل بشرطين:
أحدهما: أن يزيد عدد من وصله على من أرسله، والآخر أن يحتف بقرينة
تقوي الرواية الموصولة ".
92

وسبب ترجيح الإمام البخاري لوصل حديث: " لا نكاح إلا بولي " يعود لقرائن
احتفت به منها:
- من الذين وصلوه عيسى وإسرائيل ابنا يونس، وهما حفيدا أبي إسحاق
السبيعي، ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيره. لا سيما وأن عبد الرحمن بن
مهدي قال في إسرائيل بن يونس: إنه كان يحفظ حديث جده كما يحفظ سورة
الحمد.
- وصل هذا الحديث عشرة من أصحاب أبي إسحاق، وسمعوه منه في مجالس
متفرقة، في حين تحمله شعبة وسفيان من أبي إسحاق في مجلس واحد.
- أخذ شعبة وسفيان الحديث عن أبي إسحاق عرضا، لما رواه الترمذي من
طريق الطيالسي: حدثنا شعبة قال: سمعت الثوري يسأل أبا إسحاق: أسمعت أبا
بردة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي "؟ فقال أبو إسحاق: نعم.
ولا يخفى رجحان ما أخذ من لفظ المحدث على ما أخذ عرضا عند جماعة
هامة من المحدثين.
ومما يؤكد أن الإمام البخاري لم يحكم بالاتصال من أجل كون الوصل زيادة
تقديمه للإرسال في مواضع أخرى.
قال ابن دقيق العيد في تخطئة من ذهب إلى أن مذهب المحدثين ترجيح الوصل
على الإرسال مطلقا: " ومن حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض رواية
مرسل ومسند أو رافع وواقف أو ناقص وزائد أن الحكم للزائد فلم يصب في هذا
93

الإطلاق، فإن ذلك ليس قانونا مطردا، وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صواب ما
نقول ".
وبهذا جزم الحافظ العلائي فقال: " كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن
كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم
يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي. بل عملهم في ذلك دائر مع
الترجيح بالنسبة إلى ما يقوي عند أحدهم في كل حديث حديث ".
وهكذا الدارقطني يذكر في بعض المواضع أن الزيادة من الثقة مقبولة ثم يرده في
أكثر المواضع زيادات كثيرة من الثقات ويرجح الإرسال على الإسناد.
وقال الدارقطني في حديث زاد في إسناده رجلان ثقتان رجلا، وخالفهما
الثوري فلم يذكره. قال: لولا أن الثوري خالف لكان القول قول من زاد فيه لأن زيادة
الثقة مقبولة. وهذا تصريح منه بأنه إنما تقبل زيادة الثقة إذا لم يخالفه من هو أحفظ
منه.
وهذا الذي تقرر عند جمهور المحدثين أنهم ليس لهم قاعدة مطردة في ذلك،
بل يخضع الحكم بالإرسال أو الوصل حسب كل حديث وما توفر فيه من قرائن
الأحوال هو ما ذهب إليه الحافظ رشيد الدين العطار.
نموذج لما ترجح فيه عنده المتصل على المرسل:
أخرج مسلم في كتاب النكاح - باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة
الزوج عندها عقب الزفاف - من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن حاتم
ويعقوب بن إبراهيم عن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن محمد بن أبي بكر، عن
عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن أم سلمة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثا. وقال: " إنه ليس بك على أهلك
هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي ".
94

هكذا أخرجه متصلا في الأصول. ثم أورد له متابعات ثلاث:
الأولى من طريق مالك بن عبد الله بن أبي بكر.
والثانية من طريق سليمان بن بلال.
والثالثة من طريق أبي ضمرة: أنس بن عياض.
كلهم عن عبد الرحمن بن حميد، عن عبد الملك بن أبي بكر، عن أبي بكر بن
عبد الرحمن مرسلا.
وذكر الرشيد العطار - رحمه الله - انفراد مسلم بإخراج هذا الحديث دون
البخاري، وكون مسلم أخرجه متصلا كذلك من طريق سفيان الثوري. ورجح أن
مسلما إنما أخرجه كذلك ليبين الاختلاف الواقع في إسناده بين رواته ويخرج من
عهدته، ثم نص الرشيد على رواية الحديث المرسل من طريق مالك عند البخاري في
تاريخه وأنه حكم بصحته. ولكن الحافظ أبا الحسين يحيى بن علي رجح الحديث
المتصل عند مسلم لما نقله عن بعض العلماء من حكايتهم تصحيح حديث الثوري
المتصل عند مسلم من طرف الدارقطني. ولذا ختم الكلام على هذا الحديث بقوله:
" ولو لم يكن كذلك (يعني صحيحا عنده) لما أخرجه مسلم ".
- وهذا نموذج لما رجح فيه الحافظ الرشيد المرسل على المتصل:
أخرج مسلم في مقدمة الكتاب حديث معاذ بن معاذ وعبد الرحمن بن مهدي
عن شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ". وهذا الحديث مرسل لأن حفص بن
عاصم تابعي. ثم أردفه مسلم بطريق آخر متصل من حديث علي بن حفص المدائني
عن شعبة عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاتصل ذلك المرسل من
هذا الوجه الثاني.
قال الحافظ رشيد الدين العطار: " لكن رواية ابن مهدي ومن تابعه على إرساله
95

أرجح لأنهم أحفظ وأثبت من المدائني الذي وصله، وإن كان قد وثقه يحيى بن
معين، والزيادة من الثقة مقبولة عند أهل العلم، ولهذا أورده مسلم من الطريقين
ليبين الاختلاف الواقع في اتصاله. وقدم رواية من أرسله لأنهم أحفظ وأثبت كما
بيناه... ".
وختم الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي كلامه في هذا الحديث بترجيح
المرسل على المتصل بقوله: " ولهذا قال أبو الحسن الدارقطني: الصواب في هذا
الحديث المرسل، والله عز وجل أعلم ".
96

القسم الثاني
التحقيق ويشتمل على:
المبحث الأول: اسم الكتاب.
المبحث الثاني: نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
المبحث الثالث: التعريف بنسختي الكتاب.
97

اسم الكتاب:
ورد اسم الكتاب في المخطوطين معا: " غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع
في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة " هكذا ورد اسمه كاملا فيهما. وقد ذكرته
بعض المصادر مختصرا باسم " الغرر " أو " الغرر المجموعة ".
نسبة الكتاب إلى مؤلفه:
إن نسبة كتاب الغرر " المذكور للحافظ رشيد الدين العطار ثابتة ولا شك
فيها. والدليل عليها أمور كثيرة منها:
(أ) ورد اسم الكتاب (غرر...) على ظهر المخطوطتين المرويتين بسنديهما
إلى المؤلف.
(ب) تصريح جماعة من أهل العلم باسم الكتاب ونسبته إليه.
(ج) كتب ألفت في علم الحديث ونقلت من (الغرر)، ونسبت نقولها له مع
التصريح بأنه للحافظ رشيد الدين العطار، منها:
(النكت على مقدمة ابن الصلاح) للإمام الزركشي - ت 794 - نقل فيه عدة
نقول من (الغرر)، من أمثلتها:
تحدث الإمام الزركشي عن قول الراوي: أخبرني رجل أو عدل موثوق به. من
أي قسم هو؟ ثم عدد مذاهب العلماء فيه، وذكر المذهب الثالث منها: وهو أنه متصل
لأنه لم ينقطع له سند، ولكن في إسناده مجهول كما لو سمي ذلك الراوي وجهل
حاله ثم قال: " وحكاه رشيد الدين العطار القرشي في كتاب " الغرر المجموعة " عن
الأكثر من علماء الرواية وأرباب النقل....
99

ومن مذهب الحافظ رشيد الدين: أن الحديث إذا ورد متصلا في الأصول ثم
أتبع بمتابعة (مقطوعة) فإن هذه المتابعة تؤيده ولا توهنه وهو ما نقله عنه الإمام
الزركشي في نكته وعزاه إليه.
عرف ابن الصلاح الحديث المعلق، ثم قال: " وهو في كتاب مسلم قليل جدا "
وفي شرح الحافظ زين الدين العراقي لمقدمة ابن الصلاح ذكر ثلاثة أمثلة للمعلق من
صحيح مسلم ثم قال: " وقد جمعها الرشيد العطار في الغرر المجموعة، وقد بينت
ذلك كله في كتاب جمعته ".
* نسخ الكتاب *
استطعت بعون الله أن أحصل على نسختين من هذا المخطوط:
- الأولى من الخزانة العامة للمخطوطات والوثائق بالرباط. تحمل
رقم 174 ق. وهي ضمن مجموع. عدد لوحاتها: واحد وسبعون لوحة. ومقاس
نصف اللوحة ثلاثة عشر ونصف سنتيمتر على ثمانية عشر سنتيمترا. وعدد أسطرها
ثلاثة عشر سطرا. ومتوسط عدد كلماتها في كل سطر تسع كلمات. وهي عبارة عن
جزئين ثم ملحق بهما.
أثبت في أول لوحة منها أنها في نوبة شرف الدين ابن شيخ الإسلام
... وفي اللوحة الثانية - الوجه - أ - كتب أعلاه: " ملك لله تعالى بيد
أحمد بن محمد بن ناصر كان الله له آمين ".
وهي مهمورة بطابع الزاوية الناصرية بتمكروت رقم 78 أ ص.
سند الجزء الأول من هذه النسخة: جاء في هامش اللوحة 26 وجه: " أ " ما نصه:
" قرأت جميع هذا الجزء الأول من غرر الفوائد على الشيخ الهمام أبي الحسن بن
100

عبد العظيم بن أبي الحسن الحصني بسماعه من مؤلفه الحافظ العلامة رحمه الله
تعالى.
وصح في يوم الخميس الثامن من جمادى الأولى سنة أربع وسبعين وست مائة
بمنزله بمصر، كتبه عبد الغفار ابن الشيخ محمد الكافي السعدي - عفا الله عنه
ولطف به ".
وقد أثبت تحت آخر سطر - من الجزء الأول - أسماء جماعة من الذين سمعوا
الجزء الأول من: " غرر الفوائد المجموعة " على مصنفها، منهم: ولده الملقب
بجمال الدين وأبو الحسن بن عبد العظيم الحصني، وأبو الربيع سليمان بن أبي
الطاهر وآخرون.
وبعد الجزء الثاني وملحقه أثبت في هامش اللوحة 71 وجه ب ما نصه: " سمع
ولدي محمد، حفظه الله تعالى، جميع هذه الفوائد من أولها إلى آخرها والمحلق بعد
الجزئين من الأحاديث بكمال ذلك على مخرجها الشيخ الحافظ: رشيد الدين يحيى
أسعده الله وبلغ به، وسمع معه جماعة أسماؤهم على نسخة المخرج. منهم
محمد بن عبد الرحيم. وذلك في العشر الأخيرة من ذي الحجة سنة تسع
وخمسين وست مائة. وكتبه أبو الحسن الحصني حامدا مصليا مسلما ".
وبه يتبين أن سماع أبي الحسن الحصني لهذه النسخة كان سنة 659 ه‍. أما
101

ناسخها فهو عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي السعدي ت 732 ه‍. وتاريخ
نسخها كان سنة 674 ه‍ أي بعد موت المؤلف باثنتي عشرة سنة.
وقد اعتبرت هذه النسخة هي الأصل ورمزت إليها بحرف: ع.
وبها بتر هو عبارة عن خمسة أحاديث (السادس والسابع والثامن والتاسع
والعاشر) من الأحاديث الأربعة عشر الأولى.
وباستثناء ما ذكر فهي نسخة دقيقة وصحيحة وخالية من التحريف والأغلاط
الجوهرية سليمة من التبديل والتغير.
- النسخة الثانية من خزانة برلين وتحمل رقم 314. وهي مصورة على
الميكروفيلم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم 3941. عدد لوحاتها ست
وثلاثون لوحة. أما عدد أسطرها فهو ثلاثة عشر سطرا، ومتوسط عدد كلماتها في كل
سطر يصل إلى اثنتي عشرة كلمة.
وضع في أعلى اللوحة الأولى فهرس إجمالي لمواضع الأحاديث المتناولة في
" الغرر ". وأثبت تحت هذا الفهرس اسم الكتاب وصاحبه. ونقل الناسخ وفاة الحافظ
رشيد الدين من تاريخ الذهبي. كما نقل ترجمة المؤلف كاملة من طبقات ابن
عبد الهادي المقدسي.
وعقبة أثبت ما نصه: " نقله كاتبه حسن بن علي من خط شيخه أبي عبد الله
محمد بن إبراهيم السلامي الشافعي ". وهي مختومة بطابع الخزانة المذكورة.
102

سند النسخة:
كتب في هامش اللوحة العاشرة ما نصه "... بلغ الشيخ بدر الدين
حسن بن علي قراءة على [شيخه] وسمعه أبو حفص عمر بن الشيخ نصر الله.
وأجزت لهما كتبه محمد بن السلامي الشافعي ". وجاء في هامش اللوحة السابعة
عشرة ما يلي: " بلغ كاتبه الشيخ بدر الدين حسن بن علي الإربلي الأصل قراءة على
[شيخه] وسمعه أبو حفص عمر بن الشيخ نصر الله. وأجزت لهما كتبه: محمد بن
السلامي - عفا الله عنه - ".
وأثبت في أسف اللوحة الثالثة والثلاثين - بعد نهاية الجزء الثاني من " الغرر "
مباشرة - الآتي: " وفرغ من كتابته في يوم الأحد عن وقت الضحى، العشرين من ربيع
الآخر سنة خمس وستين وثمان مائة [865 ه‍] حسن بن علي بن يوسف الإربلي
الشافعي - غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين. والحمد لله وحده، وصلى الله
على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ".
وعقب آخر زيادة ملحقة في المخطوطة - أسفل اللوحة الخامسة والثلاثين -
أثبت الناسخ ما يلي: " رأيت بخط شيخنا ما صورته: نقل هذه الزوائد كلها من أصل
المصنف إبراهيم الحلبي ونقله شيخنا من خط شيخه إبراهيم الحلبي المذكور، ونقله
من خط شيخه الإمام العالم العلامة شمس الدين محمد بن إبراهيم السلامي الشافعي
حسن بن علي بن يوسف الإربلي الشافعي - عفا الله عنهم أجمعين، والحمد لله وحده
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ".
أما سند النسخة بكاملها فقد أثبته الناسخ في اللوحة الرابعة والثلاثين. انمحى
منه بعض والمقروء منه: " قال أخبرني بها المؤلف الحافظ رشيد الدين العطار. قال
شيخنا وأجزت بها وبغيرها إجازة الحافظ العلامة سراج الدين أبو حفص عمر ابن
الإمام العلامة النحوي أبي الحسن علي الأنصاري الوادي آشي الشهير بابن الملقن
103

القاهري. قال أخبرنا بها إجازة الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن
إبراهيم بن منير الحلبي الأصل، نزيل القاهرة. قال أخبرنا بها إجازة إن لم يكن
سماعا [من] المؤلف وسمعه أجمع حفص عمر بن الشيخ الفاضل البارع الأوحد
نصر الله ابن المرحوم عماد الدين أبي الفداء إسماعيل الإربلي الأصل، نزيل حلب
المحروسة. وسمع المجلس الأخير عبد الله ابن المرحوم... الدين أبي الصدق،
أبي بكر بن السلامي. وصح ذلك وسمعه في مجالس آخرها يوم الثلاثا رابع عشر
من شهر ربيع الآخر سنة ست وستين وثماني مائة [866 ه‍]، وأجزت لهم ما يجوز
لي روايته. قال ذلك وكتبه محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله السلامي الشافعي
- عفا الله تعالى عنه - الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم ".
وتقع هذه النسخة - كذلك - في جزئين وملحق إلا أن البتر الذي بها حال دون
تمييز الجزء الأول من الثاني.
كتبت بخط جيد ولكنها غيرة دقيقة. وكثيرة السقط، إذا اختلفت مع نسخته ع لا
تلبث أن تكون مرجوحة.
104

رمزت إلى هذه النسخة بحرف: ب. وهذه إشارة إلى الأحاديث الساقطة منها:
- الجزء الأخير من الحديث الخامس.
- الأحاديث: السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر.
- الجزء الأكبر من الحديث الثاني عشر.
- فقرة قبل الحديث الأول (من المجموعة الثانية).
- الأحاديث: الأول والثاني إلى الثاني عشر.
- حديث في مقدمة صحيح مسلم: كفى بالمرء كذبا...).
- حديث البراء في الذبائج: (أصبنا يوم خيبر حمرا...).
- حديث عائشة في مقدمة صحيح مسلم: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن ننزل
الناس منازلهم ".
- الجزء الأول من حديث أبي ذر في المعراج: " عرج بي حتى ظهرت
لمستوي... ".
اتفقت النسختان من حيث الترتيب في دراسة الأحاديث إلا ما كان من بعض
الأحاديث القليلة التي تقدمت في هذه وتأخرت في الأخرى. ولما اعتمدت: ع هي
الأصل فقد أشرت إلى بداية كل لوحة منها بخط مائل: ووضعت رقم اللوحة في
الهامش على اليمين.
105

غرر الفوائد المجموعة
في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة
للحافظ أبي الحسين يحيى بن علي بن عبد الله القرشي
الشهير برشيد الدين العطار
584 ه‍ - 662 ه‍
النص المحقق
113

بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الأول من غرر الفوائد المجموعة، في بيان ما وقع في صحيح مسلم،
من الأحاديث المقطوعة. جمع الإمام الحافظ رشيد الدين أبي الحسين يحيى بن
علي بن عبد الله القرشي، المصري، العطار، المالكي. وصلى الله على سيدنا محمد
وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين.
والحمد لله رب العالمين آمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت.
الحمد لله حق حمده، وصلواته وسلامه على محمد نبيه وعبده، وعلى آله
وصحبه من بعده، وبعد: فهذه أحاديث مخرجة من صحيح الإمام أبي الحسين
مسلم بن الحجاج القشيري الحافظ، رضي الله عنه، وقعت شاذة عن رسمه فيه.
ذكرها الإمام أبو عبد الله محمد بن علي التميمي المازري، رحمه الله، في كتابه
المسمى بالمعلم، ونص على أنها وقت في كتاب مسلم مقطوعة الأسانيد.
115

وعدها أربعة عشر حديثا، ونبه على أكثرها في مواضعها من كتابه. إلا أنه لم يبين
صفة انقطاعها، ولا ذكر من وصلها كلها من أئمة الرواة. فربما توهم الناظر في
كتابه، ممن ليس له عناية بالحديث، ولا معرفة بجمع طرقه أنها من الأحاديث التي
لا تتصل بوجه، ولا يصح الاحتجاج بها لانقطاعها. وقد رأيت غير واحد يلهج
بذكرها ويظنها على هذه الصفة، وليس الأمر كذلك، بل هي متصلة كلها،
والحمد لله من الوجوه الثابتة التي نوردها فيما بعد، إن شاء الله. وهذا القول الذي
قاله الإمام أبو عبد الله المازري إنما أخذه - فيما قيل - من كلام الحافظ أبي علي
الغساني الأندلسي. فإنه جمعها قبله، وعدها كذلك أيضا. إلا أنه نبه على اتصال
بعضها، ولم يستوعب ذلك في جميعها. ولعل المازري، رحمه الله، إنما ترك التنبيه
على اتصالها لاكتفائه بما ذكره أبو علي الحافظ على أنهما قد خولفا في إطلاق
تسمية المقطوع على أحاديث / منها، ولم يسلم لهما ذلك فيها. على ما يأتي بيانه في
موضعه، إن شاء الله. وقد استخرت الله سبحانه، وجمعتها في هذا الجزء لنفسي،
ولمن شاء الله أن ينتفع بها، وأضفت إليها ما وقع لي في صحيح مسلم من جنسها
مما لم يعده الحافظ أبو علي في جملتها. وبينت وجوه اتصالها كلها. وسميت من
وصلها من الثقات المعتمد على قولهم في هذا الشأن، ومن أخرجها في كتبه من أئمة
الحديث. مستعينا في ذلك كله بالله عز وجل، ومستمدا هدايته وإرشاده وتوفيقه إلى
الصواب وإسعاده، وهو حسبي ونعم الوكيل.
116

(1) الحديث الأول: قال الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري
رحمه الله، في كتاب الطهارة وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة، عن
عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس، أنه سمعه يقول: " أقبلت أنا
وعبد الرحمن بن يسار، مولى ميمونة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم. حتى دخلنا على أبي
117

الجهم بن الحارث بن الصمة الأنصاري. فقال أبو الجهم: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من
نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أقبل
على الجدار فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه ".
قلت: هكذا أخرجه مسلم في صحيحه مقطوعا. وهو حديث صحيح ثابت
متصل في كتاب البخاري وغيره، من حديث الإمام أبي الحارث الليث بن سعد بن
عبد الرحمن المصري الفقيه عن جعفر بن ربيعة بن شرحبيل المصري. أخرجه الأئمة
الثقات البخاري وأبو داود والنسائي في مصنفاتهم متصلا من حديثه. فرواه
البخاري عن يحيى / بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري عنه. وابن بكير هذا
من شرط مسلم، فإنه احتج بحديثه. وروى عن أبي زرعة الرازي وعن غير واحد
118

عنه. ورواه أبو داود عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه، عن
جده. وعبد الملك هذا من ثقات المصريين روى عنه مسلم في صحيحه عدة
أحاديث، من روايته عن أبيه عن جده.
ورواه النسائي عن الربيع بن سليمان، عن شعيب بن الليث بن سعد، عن
أبيه. والربيع بن سليمان هذا هو المرادي. صاحب الإمام الشافعي، رحمه الله،
مشهور من ثقات المصريين وأكابرهم، وقد أخبرنا به من طريق البخاري الشيخ
المحدث الثقة: أبو القاسم هبة الله بن علي بن مسعود بن ثابت الأنصاري،
الخزرجي، رحمه الله، قراءة عليه في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة
بمصر. أنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال السعيدي النحوي. قراءة
119

عليه، وأنا أسمع. أخبرتنا الحرة الصالحة المجاورة، أم الكرام، كريمة بنت
أحمد بن محمد بن حاتم المروزية بقراءتي عليها بمكة، شرفها الله، سنة ست
وخمسين وأربع مائة. أنا أبو الهيثم محمد بن مكي بن محمد الكشميهني الأديب. أنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري. أنا الإمام الحافظ أبو عبد الله
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري. قراءة عليه وأنا أسمع. غير مرة ثنا
يحيى بن بكير. ثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، قال: سمعت عميرا
120

- مولى ابن عباس، قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار - مولى ميمونة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة، الأنصاري. فقال
أبو الجهيم: " أقبل النبي صلى الله عليه وسلم / من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه
النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام ".
هكذا أورده البخاري في صحيحه، فثبت اتصاله، وصح الاحتجاج به. ووقع
في هذا الحديث وهم في صحيح مسلم. وهو قوله: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن
يسار. وصوابه عبد الله بن يسار، كما أوردناه من صحيح البخاري آنفا. وكذلك
هو في كتابي أبي داود والنسائي أيضا، عبد الله بن يسار على الصواب. وهو أخو
121

عطاء، وسليمان، وعبد الملك، بني يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
وأبو جهيم هذا، اسمه عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري، قاله أبو
مسعود الدمشقي، وخلف بن محمد الواسطي الحافظان. ولم يسمه الكلاباذي.
122

ولا أبو عمر بن عبد البر.
وذكر الحافظ أبو الفضل المقدسي وغيره أنه يقال له: أبو جهم أيضا، والله
عز وجل أعلم.
(2) الحديث الثاني: قال مسلم، رحمه الله، في كتاب الصلاة
في إحدى الروايات عنه: (حدثنا صاحب لنا. ثنا إسماعيل بن
123

طريق مسلم المنقطعة
طرق الحديث المتصلة عند غير مسلم
124

زكرياء، عن الأعمش، وعن مسعر، وعن مالك بن مغول، عن
125

وعن مسعر، وعن مالك بن مغول، عن الحكم بهذا الإسناد مثله. يعني:
126

الحكم بن عتيبة، قال: سمعت ابن أبي ليلى. قال: لقيني كعب بن
127

عجرة. فقال: ألا أهدي لك هدية: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: قد عرفنا
كيف نسلم عليك، الحديث.
قلت: وهذا الحديث مما اتفق الأئمة الحفاظ على صحته
وثبوته. وأخرجه البخاري ومسلم، وأبو داود،
128

والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، في كتبهم من طرق / ثابتة عن الحكم بن
عتيبة، بإسناده المذكور متصلا.
وقول مسلم، رحمه الله، في بعض طرقه: (حدثنا صاحب لنا) لا يسمى
مقطوعا عند أكثر، المحدثين. لأن المقطوع في اصطلاحهم ما لم يتصل سنده، وكان
في رواته من دون التابعين من لم يسمعه ممن فوقه. كرواية مالك بن أنس، عن
129

عبد الله بن عمر. ورواية الثوري عن جابر بن عبد الله. ونحو ذلك. وهو
نوع من المرسل إلا أنهم قصروا المرسل على التابعين إذا أرسلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم
يذكروا فيه الصحابي.
وقول أبي علي: إن ما تقدم ذكره يسمى مقطوعا. هو قول الحاكم أبي
عبد الله بن البيع النيسابوري.
والذي عليه الأكثر من علماء الرواية، وأرباب النقل، أن قول الراوي، حدثنا
صاحب لنا، وحدثني غير واحد، وحدثني من سمع فلانا، وحدثت عن فلان.
ونحو ذلك معدود في المسند، لأنه لم ينقطع له سند، وإنما وقعت الجهالة في أحد
رواته، كما لو سمي ذلك الراوي، وجهل حاله. على أنه لم يقع كذلك في كتاب
مسلم إلا من طريق أبي العلاء ابن ماهان، عن أبي بكر الأشقر، عن
130

القلانسي، عن مسلم ووقع في روايتنا من طريق أبي أحمد الجلودي عن
إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم مسمى غير مبهم.
ونحن نورده من صحيح مسلم، كما رويناه، ليتضح اتصاله. أخبرنا به جماعة
من شيوخنا قراءة عليهم، قالوا: أنا الشريف: أبو المفاخر المأموني قراءة عليه،
ونحن نسمع أنا الإمام أبو عبد الله الفراوي.
ح. وأخبرنا عاليا الشيخ أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي
131

الطوسي، رحمه الله، إذنا وكتابة من نيسابور. أنا الإمام فقيه الحرم: أبو عبد الله
محمد بن الفضل الصاعدي الفراوي، قراءة عليه وأنا أسمع، أنا أبو الحسين
عبد الغافر / ابن محمد الفارسي. أنا أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه
الجلودي. أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الزاهد. ثنا الإمام الحافظ أبو
الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ثنا محمد بن مثنى ومحمد بن
بشار - واللفظ لابن مثنى - قالا: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن
الحكم، قال: سمعت ابن أبي ليلى، قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك
هدية خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك.
132

[ف‍] كيف نصلي عليك؟ قال: " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما
صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما
باركت على [آل] إبراهيم. إنك حميد مجيد ".
قال: ثنا زهير بن حرب وأبو كريب. قالا: ثنا وكيع عن شعبة ومسعر،
عن الحكم، بهذا الإسناد مثله، وليس في حديث مسعر: ألا أهدي لك هدية.
قال حدثنا محمد بن بكار. قال: ثنا إسماعيل بن زكرياء، عن الأعمش،
133

وعن مسعر، وعن مالك بن مغول، كلهم عن الحكم بهذا الإسناد مثله. واللفظ
للمأموني.
قلت: فهذه طرق هذا الحديث في صحيح مسلم متصلة كلها من الوجه الذي
أوردناه عنه. فثبت اتصاله من جميع طرقه في كتاب مسلم، والحمد لله.
وقد قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع الحافظ: " وقد يروى الحديث، وفي
إسناده رجل غير مسمى، وليس بمنقطع ". يعني إذا روي ذلك الحديث من وجه
آخر، وسمي ذلك الرجل فيه. كما وقع في إسناد هذا الحديث. قال: " فهذا النوع من
المنقطع الذي لا يقف عليه لا الحافظ الفهم المتبحر في الصنعة " والله أعلم.
قلت: وقد وقع لي، هذا الحديث أعلى من طريق الصحيح / بدرجتين
كأني سمعته من عبد الغافر الفارسي، رحمه الله. وهو ما أخبرنا به أبو اليمن زيد بن
الحسن بن زيد البغدادي، بقراءتي عليه، في منزله بدمشق. أخبركم أبو منصور
134

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيباني. قراءة عليه وأنت تسمع ببغداد
فأقر به. ثنا القاضي الشريف أبو الحسين محمد بن علي بن محمد بن المهتدي بالله،
من لفظه وكتابه. ثنا أبو حفص عمر بن إبراهيم بن أحمد، إملاء، ثنا أبو القاسم
عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي. ثنا علي - يعني ابن الجعد - أنا شعبة
135

رجل عنها، لا يدل عن الحكم. قال سمعت ابن ليلى، قال: لقيني كعب بن
عجرة. فقال: ألا أهدي لك هدية؟ فذكر نحوه.
(3) الحديث الثالث: قال مسلم، رحمه الله، في كتاب الصلاة أيضا:
" حدثت عن يحيى بن حسان، ويونس بن محمد المؤدب وغيرهما. قالوا:
136

ثنا عبد الواحد حدثني عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين،
ولم يسكت ".
قلت: وهذا أيضا لا يسمى مقطوعا عند جماعة من أرباب النقل وإنما هو
مسند وقع الإبهام في أحد رواته، كما بيناه. ومع ذلك فهو حديث صحيح
الإسناد، متصل أخرجه الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار
البصري في مسنده. فرواه عن أبي الحسن محمد بن مسكين اليمامي، نزيل
137

البصرة، عن يحيى بن حسان التنيسي، بإسناده كذلك متصلا. وأبو بكر
البزار هذا من أكابر الحفاظ. ومحله في هذا العلم، وشهرته تغني عن الإطناب
في ذكره. وشيخه في هذا الحديث محمد بن مسكين من ثقات الرواة. روى عنه
البخاري ومسلم في صحيحيهما. فثبت / اتصاله. والحمد لله.
وأخرجه أيضا الحافظ أبو نعيم، أحمد بن عبد الله الأصبهاني، وناهيك
به جلالة ونبلا ومعرفة بهذا الشأن، في كتابه المسمى بالمسند الصحيح
المستخرج على كتاب مسلم. وهو كتاب جليل كثير الفوائد. ونحن نورده
منه ليتضح اتصاله. وأخبرناه أبو طاهر الفرشي مكاتبة عن أبي علي
الحداد. ح.
وأنبأنا الحافظ أبو محمد المقدسي. قال: أنا أبو موسى الحافظ
138

المديني، وأبو بكر محمد بن أحمد الجوزداني، قراءة عليهما. أنا أبو علي
الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد المقرئ. أنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله
الحافظ. ثنا أبو بكر الطلحي. ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي. ثنا ابن
عسكر. ح.
قال أبو نعيم: وحدثنا أبو محمد بن حيان. ثنا أحمد بن عمر، حدثنا
محمد بن سهل بن عسكر. ثنا يحيى بن حسان. ثنا عبد الواحد بن زياد، عن
عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام
للركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يسكت، لفظهم
سواء. وهذا إسناد صحيح، ومحمد بن سهل بن عسكر روى عنه مسلم في
صحيحه. والله أعلم.
139

(4) الحديث الرابع: قال مسلم، رحمه الله، في كتاب الصلاة أيضا:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. أنا يحيى بن آدم. ثنا الفضيل بن
مرزوق عن شقيق بن عقبة، عن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية
" حافظوا على الصلوات وصلاة العصر " فقرأناها ما شاء الله ثم نسخها الله،
فنزلت: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين). وذكر
140

باقي الحديث. ثم قال: عقيبه: " ورواه الأشجعي عن سفيان، عن الأسود بن
قيس، عن شقيق بن عقبة، عن البراء بن عازب قال: قرأناها مع النبي صلى الله عليه وسلم
زمانا. بمثل حديث فضيل بن مرزوق ".
قلت: هكذا أورده مسلم في صحيحه، وهو حديث صحيح / متصل من
حديث فضيل بن مرزوق بالإسناد المذكور. انفرد به مسلم دون البخاري.
وقوله بعد إيراده: " ورواه الأشجعي عن سفيان " إنما هو على وجه المتابعة،
وذكر متابعة الرواة بعضهم بعضا على رواية الحديث لا يقدح في اتصاله، بل
يقويه ويؤيده. وفي صحيح البخاري من هذا النمط كثير. والله ولي التوفيق.
والأشجعي هذا اسمه عبيد الله بن عبد الرحمن. كوفي ثقة. وهو
ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه في صحيحيهما. وقد وقع
لي حديثه هذا، الذي أشار إليه مسلم، رحمه الله بالإسناد المتصل، وهو ما
أخبرنا المشايخ الثقات: الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل بن علي
المقدسي الفقيه وأبو محمد عبد الله بن عبد الجبار العثماني، وأبو
141

صابر حامد بن أبي القاسم الأهوازي، وغير واحد - قراءة عليهم - قالوا: أنا
أحمد بن محمد الحافظ. أنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي
- بأصبهان - أنا أبو زكرياء: يحيى بن إبراهيم بن محمد المزكي. أنا أحمد بن
محمد بن عبدوس الطرائفي. ثنا عثمان بن سعيد. ثنا إبراهيم بن أبي
الليث - وهو ابن نصر البغدادي - ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن الأسود بن
142

قيس عن شقيق بن عقبة، عن البراء بن عازب. قال: قرأناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
أياما: " حافظوا على الصلوات وصلوات العصر " ثم قرأناها: (حافظوا على
الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) فلا أدري أهي هي أم لا؟
قلت: وهذا إسناد حسن متصل وليس لشقيق بن عقبة ذكر في صحيح
مسلم إلا في هذا الحديث، فيما علمت.
وأخرجه الحافظ أبو علي بن السكن المصري في جمعه حديث الثوري،
فرواه عن رجل، عن عثمان بن سعيد الدارمي بهذا الإسناد. وقال عقيبة لم
يسند شقيق بن عقبة غير هذا الحديث. والله عز وجل أعلم.
143

(5) الحديث الخامس: قال مسلم، رحمه الله، في كتاب
الجنائز " وحدثني هارون بن سعيد الأيلي. ثنا عبد الله بن وهب.
أنا ابن جريج عن عبد الله بن كثير بن المطلب أنه سمع
144

محمد بن قيس يقول: سمعت عائشة تحدث فقالت: ألا أحدثكم عن
النبي صلى الله عليه وسلم وعني؟ قلنا: بلى. ح.
ثم قال مسلم: وحدثني من سمع حجاجا الأعور - واللفظ له - ثنا
حجاج بن محمد. ثنا ابن جريج. أخبرني عبد الله - رجل من قريش - عن
محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب، أنه قال يوما: ألا أحدثكم عني وعن
أمي؟ فظننا أنه يريد أمه التي ولدته. قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عني وعن
145

رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا بلى. فذكر الحديث بطوله في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى البقيع،
وصلاته على أهل القبور. وسنورده بكماله فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
وهذا الحديث صحيح، متصل أيضا في كتاب مسلم، لأنه أورد إسناده متصلا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما ترى. إلا أنه جعل لفظه لمن لم يسمه من شيوخه، عن
حجاج، وقد تقدم الجواب عن مثل هذا. ومع ذلك فحديث حجاج هذا قد رواه
عنه غير واحد من الثقات: منهم الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل ويوسف بن
سعيد بن مسلم المصيصي، وأخرجه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في
سننه عن المصيصي هذا، وذكر أنه ثقة حافظ. قلت إلا أن يوسف بن سعيد
هذا، خالف أصحاب حجاج في قوله: عن عبد الله بن أبي مليكة. على ما
يأتي بيانه. وقد أخبرنا بهذا الحديث: الشيخ أبو بكر بن أبي الفتح البغدادي
المعدل. قراءة عليه. أنا طاهر بن محمد / بن طاهر الهمداني. أنا أبو محمد
146

عبد الرحمن بن حمد بن الحسن الفقيه. أنا القاضي أبو نصر أحمد بن الحسين
الدينوري.
أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الحافظ. أنا الحافظ أبو
عبد الرحمن. أحمد بن شعيب النسائي. أنا يوسف بن سعيد ثنا حجاج،
عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة أنه سمع محمد بن قيس بن
مخرمة يقول: سمعت عائشة - رضي الله عنها - تحدث قالت: ألا أحدثكم عني
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم! قلنا: بلى. قالت: لما كانت ليلتي التي هو عندي - تعني
النبي صلى الله عليه وسلم - انقلب، فوضع نعليه عند رجليه، وبسط طرف ردائه على فراشه فلم
يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت، ثم انتعل رويدا. وأخذ رداءه رويدا، ثم فتح
الباب رويدا، وخرج رويدا. وجعلت درعي في رأسي واختمرت
147

وتقنعت إزاري وانطلقت في إثره، حتى جاء البقيع. فرفع يديه ثلاث
مرات وأطال [القيام]، ثم انحرف، فانحرفت، فأسرع فأسرعت فهرول
فهرولت، فأحضر فأحضرت، وسبقته فدخلت. فليست إلا أن اضطجعت
فدخل، فقال: " ما لك يا عائشة حشيا رابية؟ "، قلت: لا. قال:
" لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير ". قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته
الخبر: قال: " وأنت السواد التي رأيت أمامي؟ " قالت: نعم. قالت:
فلهزني في صدري لهزة أوجعتني ثم قال: " أظننت أن يحيف الله
148

ورسوله؟ " قلت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله: " فإن جبريل، عليه
السلام أتاني حيث رأيت. ولم يكن يدخل عليك، وقد وضعت ثيابك.
فناداني فأخفى منك. فأجبته [فأخفيت منك. فظننت أن قد رقدت وخشيت أن
149

[...]
150

تستوحشي. فأمرني أن آتي أهل البقيع فاستغفر لهم "].
(6) الحديث السادس: قال مسلم، رحمه الله، في كتاب المساقاة:
(وحدثني غير واحد من أصحابنا قالوا: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس،
حدثني أخي عن سليمان (وهو ابن بلال) عن يحيى بن سعيد، عن أبي
151

الرجال محمد بن عبد الرحمن أن أمه عمرة بنت عبد الرحمن. قالت:
سمعت عائشة تقول: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية
أصواتهما. وإذا أحدهما يستوضع الآخر، ويسترفقه في شئ وهو يقول: والله!
لا أفعل. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهما. فقال: " أين المتألي على الله لا يفعل
المعروف؟ " قال: أنا يا رسول الله! فله أي ذلك أحب).
قال المازري في المعلم: " في كتاب المساقاة ": " خرج مسلم في باب
الحوائج حديثين مقطوعين " فذكر الأول منهما. وهو حديث الباب. ثم عقب
عليه بقوله: " وهذا الحديث يتصل لنا من طريق البخاري، ورواه البخاري عن
إسماعيل بن أبي أويس. وقد حدث مسلم عن إسماعيل بن أبي أويس دون
واسطة في كتاب الحج، وفي آخر كتاب الجهاد. وروى أيضا عن أحمد بن
يوسف الأزدي عن إسماعيل بن أبي أويس في كتاب اللعان، وفي كتاب
الفضائل ".
152

أما قول مسلم: " حدثني غير واحد من أصحابنا... " فقد قال أبو نعيم
في " المستخرج ": " يقال إن مسلما حمل هذا الحديث عن البخاري ".
قال القاضي عياض: " إذا قال الراوي حدثني غير واحد، أو حدثني
الثقة، أو حدثني بعض أصحابنا ليس هو من المقطوع ولا من المرسل، ولا من
المعضل عند أهل هذا الفن، بل هو من باب الرواية عن المجهول ".
وقوله: " وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه " أي يطلب منه الحط عنه
من أصل الدين والرفق في الاستيفاء والمتألي هو الحالف، من الألية، وهي
اليمين.
(7) الحديث السابع: وأخرج مسلم، رحمه الله، في كتاب المساقاة
أيضا حديثا آخر. قال: " وروى الليث بن سعد، حدثني جعفر بن ربيعة، عن
153

عبد الرحمن بن هرمز، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن كعب
ابن مالك، أنه كان له مال على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي
الحديث...
نص المازري في كتابه المعلم على أن هذا الحديث مقطوع. وتقدم
نظيره في الحديث الأول. وحديث كعب بن مالك هذا حديث صحيح متصل
السند. أخرجه مسلم من غير طريق الليث بن سعد، فقد رواه عن عبد الله بن
وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن كعب بن
مالك، عن أبيه.
ثم رواه عن إسحاق بن إبراهيم عن عثمان بن عمر عن يونس به.
ثم ساق الطريق الثالث بقوله: وروى الليث بن سعد الحديث...
بل قد أخرجه الأئمة الحفاظ من طرق صحيحة متصلة: أخرجه أبو عبد الله
البخاري من عدة طرق، منها طريق الليث بن سعد.
154

وأخرجه أبو عبد الرحمن النسائي. وأخرجه أبو داود. وأخرجه ابن
ماجة. وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، والدارمي في سننه.
ونصه في صحيح البخاري من طريق الليث بن سعد: " حدثنا يحيى بن
بكير حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج قال: " حدثني عبد الله بن
كعب بن مالك، عن كعب بن مالك أنه له على عبد الله بن أبي حدرد
الأسلمي مال، فلقيه فلزمه، حتى ارتفعت أصواتهما، فمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
" يا كعب " - فأشار بيده كأنه يقول: النصف - فأخذ نصف ماله عليه، وترك
نصفا ".
وبهذا ثبت صحة الحديث في صحيح مسلم وغيره من طرق أخرى ويثبت
اتصاله من طريق الليث في صحيح البخاري، والحمد لله.
(8) الحديث الثامن: أخرج مسلم، رحمه الله، في كتاب المساقاة حديثا
155

ذكر المازري أنه من الأحاديث الأربعة عشر المقطوعة في صحيح مسلم. وهو
قوله: " وحدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن عون. أخبرنا خالد بن
عبد الله، عن عمرو بن يحيى، عن محمد بن عمرو، عن سعيد بن
المسيب، عن معمر بن أبي معمر - أحد بني عدي بن كعب - قال: قال
156

رسول الله. فذكر بمثل حديث سليمان بن بلال عن يحيى ".
وهذا نص حديث سليمان بن بلال المذكور: " حدثنا عبد الله بن مسلمة بن
قعنب. حدثنا سليمان (يعني ابن بلال) عن يحيى (وهو ابن سعيد) قال:
كان سعيد بن المسيب يحدث، أن معمرا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من احتكر
فهو خاطئ " فقيل لسعيد: فإنك تحتكر؟ قال سعيد: إن معمرا الذي كان يحدث
هذا الحديث كان يحتكر ".
ثم رواه مسلم - في صحيحه - كذلك عن الثقات من طريق أخرى
متصلة.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة، فتبين بذلك
صحة الحديث من هذه الطرق في صحيح مسلم وغيره. وقال القاضي عياض
" ليس هذا من باب المقطوع وقد تكلمنا على ذلك بما يكفي ".
157

(9) الحديث التاسع: أخرج مسلم، رحمه الله، في صفة النبي صلى الله عليه وسلم:
" وحدثت عن أبي أسامة. وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري
حدثنا أبو أسامة حدثني بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي
موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده،
158

قبض نبيها قبلها. فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها. وإذا أراد أمة، عذبها، ونبيها
حي، فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره ".
وهذا الحديث أخرجه الحافظ أبو عوانة في كتابه الموسوم ب‍ " المسند
الصحيح المخرج على كتاب مسلم بن الحجاج ". كما أخرجه البزار في
" مسنده " كلاهما من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري.
وعندما ذكر أبو علي الغساني حديث الباب في " تقييد المهمل " قال:
" فقد وصل لنا هذا الحديث أبو القاسم حاتم بن محمد. قال حدثنا أبو سعيد
السجزي - بمكة - قال: حدثنا أبو أحمد الجلودي. قال حدثنا أبو عبد الله
159

محمد بن المسيب الأرغياني قال حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري. حدثنا أبو
أسامة بهذا الحديث ".
قلت: ولا يسلم لهم تسميته ب‍ " المقطوع " فهو مسند أبهم أحد رواته.
على أنه تبين اتصال سنده - في غير صحيح مسلم - من طرق متعددة صحيحة.
وقوله: " فجعله لها فرطا وسلفا ". قال عياض: " والفرط بفتح الفاء
والراء الذي يتقدم الواردة فيهيئ لهم ما يحتاجون إليه ". والسلف يطلق على
الخير المتقدم، أو على من تقدمك من الآباء والأقارب.
(10) الحديث العاشر: قال مسلم، رحمه الله، في آخر كتاب فضائل
160

الصحابة: " حدثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد (قال محمد
ابن رافع: حدثنا. وقال عبد: أخبرنا) عبد الرزاق، أخبرنا معمر
عن الزهري. أخبرني سالم بن عبد لله وأبو بكر بن
161

سليمان أن عبد الله بن عمر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات ليلة، صلاة
العشاء في آخر حياته. فلما سلم قام فقال: " أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس
مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظفر الأرض أحد ".
قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك، فيما
يتحدثون من هذه الأحاديث، عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبقى
ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد، يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن. ثم قال
مسلم: " حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. أخبرنا أبو اليمان.
162

أخبرنا شعيب ". ثم قال: " ورواه الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر.
كلاهما عن الزهري. بإسناد معمر كمثل حديثه ".
فإذا انقطعت طريق الليث، عن عبد الرحمن عند مسلم، في هذا الحديث
فقد بقيت طريق أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة سالمة متصلة، لأن كل
واحد منهما يرويه عن الزهري.
وعبد الرحمن بن خالد ليس من شرط الإمام مسلم، فلا لزوم عليه في
الإخراج له. على أن طريق الليث عن عبد الرحمن بن خالد التي أوردها مسلم
بقوله: " ورواه الليث... " وردت في صحيح البخاري من طريق متصلة، وهي
قوله: " حدثنا سعيد بن عفير. قال: حدثني الليث. قال حدثني
163

عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب، عن سالم وأبي بكر بن سليمان بن أبي
حثمة أن عبد الله بن عمر الحديث...
ثم إن الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والترمذي، وقال هذا
حديث صحيح.
(11) الحديث الحادي عشر: قال [مسلم، رحمه] الله، في آخر كتاب
القدر: وحدثنا [عدة من أصحابنا] عن سعيد بن أبي مريم أخبرنا
أبو غسان [وهو] محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن
165

[يسار]، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتركبن
سنن من كان قبلكم شبرا بشبر... " الحديث.
وهذا أيضا حديث متصل في الصحيحين من حديث زيد بن أسلم
عن عطاء بن يسار. رواه عنه رجلان ثقتان: أبو عمر حفص بن ميسرة
الصنعاني وأبو غسان محمد بن مطرف المدني. واتفق الإمامان
على إخراجه من حديثيهما عنه. فأما حديث حفص فرواه البخاري عن
محمد بن عبد العزيز الرملي. ورواه مسلم عن سويد بن سعيد
166

الحدثاني، كليهما عنه. وأما حديث أبي غسان فرواه البخاري عن سعيد بن
أبي مريم المصري.
وقال مسلم: حدثني عدة من أصحابنا عن سعيد بن أبي مريم عنه. وقد
تقدم الجواب عن مثل هذا القول بما فيه كفاية. ومع ذلك فقد بينا أن البخاري،
رحمه الله، قد رواه في صحيحه عن سعيد بن أبي مريم هذا. وهو ما أخبرنا
هبة الله بن علي المصري، رحمه الله، أنا محمد بن بركات الصوفي. أخبرتنا
كريمة. أنا الكشميهني. أنا الفربري. أنا البخاري. ثنا سعيد بن أبي مريم. أنا
167

أبو غسان. حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم /
قال: " لتتبعن سنن من [كان] قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا
جحر ضب لسلكتموه " قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" فمن! ".
وهكذا أورده البخاري في صحيحه، في أحاديث بني إسرائيل فثبت اتصاله
من هذا الوجه الآخر، والحمد لله. وقد وصله أيضا إبراهيم بن محمد بن
سفيان الزاهد، راوي صحيح مسلم، فرواه عن الإمام أبي عبد الله محمد بن
يحيى الذهلي، عن سعيد بن أبي مريم كذلك. ولعل البخاري أحد العدة الذين
سمع منهم مسلم هذا الحديث، ولم يسمهم. والله عز وجل أعلم.
(12) الحديث الثاني عشر: أخرج مسلم، رحمه الله، في كتاب
الحدود: حديث الليث بن سعد مقطوعا عن عبد الرحمن بن خالد، عن
169

الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، كليهما عن أبي هريرة أنه قال:
أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في المسجد، فناداه فقال: يا
رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه... الحديث. وهذا أيضا حديث متصل في
الصحيحين من طرق عن الزهري، رواه مسلم عن عبد الملك بن شعيب بن
الليث بن سعد، عن أبيه، عن جده، عن عقيل عن الزهري، بإسناده المذكور
متصلا. ثم قال: ورواه الليث أيضا عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن ابن
شهاب بهذا الإسناد مثله.
قلت: وقد تقدم الجواب عن مثل هذا في الكلام على الحديث العاشر من
هذه الأحاديث، وبينا أن عبد الرحمن بن خالد هذا ليس من شرط مسلم، فلا
يلزمه إخراج حديثه، وإن كان ثقة قد أخرج له البخاري في صحيحه واحتج
بحديثه. إلا أن لكل واحد منهما اجتهادا يرجع إليه، وانتقادا في الرجال يعول /
عليه.
ومع ذلك فالحديث متصل أيضا في صحيح البخاري، من طريق الليث بن
سعد عن عبد الرحمن بن خالد، وهو ما أخبرنا أبو علي ناصر بن عبد الله بن
170

عبد الرحمن العطار بمكة شرفها الله. أنا أبو الحسن علي بن حميد
الأطرابلسي. أنا أبو مكتوم الهروي. أنا أبي، أبو ذر الحافظ، أنا أبو محمد عبد الله بن أحمد السرخسي وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي. وأبو
الهيثم الكشميهني. قالوا: أنا الفربري. أنا البخاري ح.
وأخبرنا عاليا: هبة الله بن علي البوصيري - واللفظ له - أنا محمد بن
بركات الصوفي. أخبرتنا كريمة بنت أحمد المروزية. أنا أبو الهيثم الكشميهني.
171

أنا محمد بن يوسف. أنا محمد بن إسماعيل البخاري. ثنا سعيد بن عفير.
حدثني الليث. حدثني عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب
وأبي سلمة، عن أبي هريرة قال: " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الناس، وهو
في المسجد فناداه: يا رسول الله: إني زنيت. فأعرض عنه [النبي صلى الله عليه وسلم]،
فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض
عنه. فجاء لشق وجه النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع
شهادات. دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " أبك جنون "؟ قال: لا يا رسول الله. فقال:
" أحصنت؟ قال: نعم يا رسول الله. قال " اذهبوا به فارجموه ". قال ابن
شهاب: أخبرني من سمع جابرا قال: فكنت فيمن رجمه، فرجمناه بالمصلى،
فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدركناه بالحرة فرجمناه ". هكذا أورده البخاري
في " باب سؤال الإمام المقر هل أحصنت؟ " فثبت اتصاله من هذا الوجه
الآخر. والحمد لله.
172

والرجل المرجوم المبهم اسمه في هذا الحديث هو ماعز بن مالك الأسلمي.
وقد جاء مسمى / هكذا في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري، وبريدة بن
الحصيب وغيرهما. وذكر بعض العلماء أنه لا خلاف بين أصحاب الحديث في
ذلك. وقيل إن ماعزا لقب له، واسمه عريب بن مالك. حكى ذلك الحافظ أبو
القاسم خلف بن عبد الملك القرطبي. وعزاه إلى الحافظين أبي علي بن السكن
173

وأبي الوليد بن الفرضي، والله أعلم.
وفي سنن أبي داود أن ماعزا كان يتيما في حجر هزال الأسلمي وأنه
الذي عنى النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله لهزال: " يا هزال لو سترته بردائك كان خيرا
لك ".
وقول الزهري: " فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله يقول: فكنت فيمن
174

رجمه " يدخل في باب المقطوع على مذهب من يرى ذلك كما تقدم بيانه.
ويحتمل أن يكون المخبر للزهري هو أبو سلمة بن عبد الرحمن. لأن مسلما
أخرج بعد حديث عقيل عن الزهري، الذي ذكرناه أولا: حديث يونس
ومعمر وغيرهما عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال نحو
حديث عقيل عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة. والله
عز وجل أعلم.
وقوله: أذلقته الحجارة، يعني بلغت به الجهد، وقيل: معناه أوجعته
وأوهنته، وقيل: أصابته، بحدها فعقرته، ومعنى الجميع متقارب. وقوله جمز،
175

معناه أسرع يهرول. والجمزى ضرب من السير كأنه قفز، ويقال جمز وأجمز.
والله الموفق.
(13) الحديث الثالث عشر: أخرج مسلم، رحمه الله، في كتاب
المغازي. حديث مسلم بن قرظة عن عوف بن مالك، رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم... الحديث ".
فأورده من طريقين / متصلين عن رزيق بن حيان عن مسلم بن قرظة
بإسناده الذي ذكرناه، ثم قال عقيبه: ورواه معاوية بن صالح عن ربيعة بن
176

يزيد، عن مسلم بن قرظة عن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث متصل في كتاب مسلم، كما بيناه، وذكر المتابعة بعد إيراده
متصلا يؤيده ولا يوهنه، كما قدمناه. والله عز وجل أعلم. هذا الآخر الأحاديث
التي ذكرها أبو علي الغساني، رحمه الله. وكان قد أورد بعد هذا الحديث
حديثا آخر، وهو من الأحاديث المتقدمة وقع مكررا في كتابه المسمى بتقييد
المهمل. من الطريق التي اتصلت إلينا بالرواية عنه، وهو حديث ابن عمر
- رضي الله عنه -: قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاة العشاء، فلما سلم قام فقال
أرأيتكم ليلتكم هذه. وقد تقدم هذا الحديث والجواب عنه، فلا وجه لإعادته.
وقد وقع لي في كتاب مسلم رحمه الله أحاديث من هذا الجنس لم
يذكرها أبو علي، رحمه الله، في جملة الأحاديث التي تقدمت، وإن كان قد نبه
على بعضها في مواضعها من كتابه. فأردت أن أضيفها إلى هذه الأحاديث،
وأوردها على حسب ما وقعت لي، لا على الترتيب، وأبين وجه اتصالها، كما
تقدم. وبالله التوفيق.
(14) الحديث الأول: قال مسلم، رحمه الله، في كتاب الطهارة:
" حدثني زهير بن حرب. ثنا يحيى بن سعيد. ثنا حميد ح. قال: وثنا أبو
178

بكر بن أبي شيبة - واللفظ له - ثنا إسماعيل بن علية. عن حميد الطويل،
عن أبي رافع عن أبي هريرة أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم، في طريق من طرق المدينة،
وهو جنب. فانسل فذهب فاغتسل... الحديث.
قلت: هكذا وقع إسناد هذا الحديث فيما رأيته من النسخ من صحيح
مسلم. وكذلك هو في روايتنا، من طريق أبي أحمد الجلودي عن ابن سفيان
179

عنه. وقد سقط من إسناده رجل بين حميد الطويل وأبي رافع، وهو بكر بن
عبد الله المزني، فإن حميدا الطويل، إنما يروي هذا الحديث عن بكر بن
عبد الله المزني عن أبي رافع، كذلك أخرجه البخاري في صحيحه وأبو
داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في سننهم، بلا خلاف أعلمه
بينهم في ذلك. كذلك رويناه من طريق مسند أبي بكر بن أبي شيبة، وكذلك هو
في مسند الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل أيضا، وقد ذكر أبو مسعود
الدمشقي، وخلف الواسطي أن مسلما أخرجه أيضا كذلك، إلا أني لم أره في
جميع النسخ التي رأيتها من كتاب مسلم إلا مقطوعا. وكذلك قال الحافظ أبو
علي الجياني أنه وقع إسناد هذا الحديث في النسخ كلها: حميد عن أبي رافع،
عن أبي هريرة قال: " وفي هذه الرواية انقطاع، وإنما يرويه حميد عن بكر بن
عبد الله المزني عن أبي رافع " كما قدمناه. قد أخبرنا به متصلا من طريق
180

البخاري أبو القاسم الخزرجي، أنا أبو عبد الله السعيدي. أخبرتنا كريمة. أنا
الكشميهني، أنا الفربري، أنا البخاري. ثنا علي بن عبد الله. ثنا يحيى. ثنا
حميد. ثنا بكر، عن أبي رافع، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، لقيه في بعض طريق
المدينة، وهو جنب، فانبجست منه. فذهب فاغتسل ثم جاء فقال: أين كنت يا أبا
هرة، فقال: كنت جنبا، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، قال:
" سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس " وبالإسناد إلى البخاري، ثنا عياش. ثنا
181

عبد الأعلى، ثنا حميد عن بكر عن أبي رافع عن / أبي هريرة، قال: لقيني
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا جنب، فأخذ بيدي فمشيت معه حتى قعد، فانسللت
وأتيت الرحل، فاغتسلت، ثم جئت وهو قاعد، فقال: " أين كنت؟ " فقلت
له. فقال: " سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس ".
وأخبرنا به من طريق النسائي عاليا أبو القاسم البوصيري، أنا أبو صادق
مرشد بن يحيى بن القاسم المدني. أنا أبو الحسن محمد بن الحسين
النيسابوري. ثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء لفظا.
ثنا أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب النسائي، أخبرنا حميد بن
182

مسعدة، ثنا بشر - وهو ابن المفضل - ثنا حميد، عن بكر عن أبي رافع،
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، لقيه في طريق من طرق المدينة، وذكر الحديث
نحوه.
هكذا أورده البخاري في كتاب الغسل من هذين الطريقين. والنسائي
أيضا في سننه من الطريق الآخر، كلهم عن حميد، عن بكر، عن أبي رافع،
متصلا كذلك. ولولا خشية الإطالة لأوردناه من جميع الكتب التي سميناها. وفي
إيراده من صحيح البخاري، وسنن النسائي كفاية. وبالله التوفيق.
وقول أبي هريرة - رضي الله عنه - (فانبجست منه) فيه أربع روايات:
- الأولى: (فانبجست) بنون ثم باء معجمة بواحدة بعدها جيم. ومعناه
اندفعت منه. وقال الترمذي: معناه تنحيت عنه.
183

- الرواية الثانية: (فانخنست) منه بنون بعدها خاء معجمة ثم نون،
ومعناها انقبضت وتأخرت عنه.
- الثالثة: (فاختنست) بتقديم الخاء المعجمة، وبعدها تاء معجمة باثنتين
من فوقها، ثم نون. ومعناها معنى التي قبلها.
- الرابعة: (فانتجست) بنون ثم تاء معجمة باثنتين من فوقها ثم جيم.
ومعناها اعتقدت نفسي نجسا، لا أصلح لمجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم /. وأنا على تلك
الحالة.
وقد ذكر في هذه الكلمة قول خامس هو: (فانبخست) بنون ثم باء
معجمة بواحدة، بعدها خاء معجمة. من البخس وهو النقص. فإن صحت هذه
الرواية، فقد ذكر بعض العلماء أن معناها أنه ظهر له نقصانه عن مماشاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما اعتقده في نفسه من النجاسة. فرأى أنه لا يقاومه ما دام في
تلك الحال. قلت: ومعنى هذه الأقوال كلها يرجع إلى شئ واحد، وهو
الانفصال والمزايلة على وجه التوقير والتعظيم له صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
(15) الحديث الثاني: أخرج مسلم - رحمه الله - في كتاب الزكاة.
حديث عمرو بن الحارث، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن
184

رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان يعطي عمر بن الخطاب العطاء، فيقول له عمر: أعطه، يا
رسول الله! أفقر إليه مني... الحديث.
ثم أردفه بقوله: وحدثني أبو الطاهر. أنا ابن وهب. قال عمرو:
وحدثني ابن شهاب بمثل ذلك عن السائب بن يزيد، عن عبد الله بن السعدي،
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا أخرجه مسلم
في صحيحه.
وقال الحافظ أبو علي: في إسناده انقطاع. قلت: وبيان انقطاعه أنه قد
185

سقط من هذا الطريق الثاني رجل بين السائب بن يزيد وعبد الله بن السعدي، وهو
حويطب بن عبد العزى - رضي الله عنهم - هكذا ذكر غير واحد من الحفاظ.
وقال الإمام أبو عبد الرحمن النسائي: لم يسمعه السائب بن يزيد من عبد الله بن
السعدي، إنما رواه عن حويطب - يعني ابن عبد العزى - عنه.
قلت: وهكذا رواه يونس بن عبد / الأعلى الصدقي عن ابن وهب متصلا.
وهو حديث مشهور، اجتمع في إسناده أربعة من الصحابة - رضي الله عنهم - في
186

نسق واحد، يروي بعضهم عن بعض. وليس في الصحيحين هكذا غيره.
وحديث آخر اجتمع في إسناده أربع صحابيات، تروي بعضهن عن بعض. على
اختلاف في ذلك بين الرواة، لأن جماعة منهم لم يذكروا في إسناده إلا ثلاث
صحابيات فقط. وهو حديث زينب بنت جحش - رضي الله عنها - قالت: انتبه
رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوما محمرا وجهه وهو ويقول: " لا إله إلا الله، ويل للعرب من
شر قد اقترب... " الحديث، وليس هذا موضع إيراده.
187

وحديث ابن السعدي المتقدم، وإن كان مقطوعا في صحيح مسلم من هذا
الوجه الذي ذكرناه خاصة، فإنه متصل فيه من وجه آخر. ومع ذلك فقد وصله
البخاري في صحيحه، والنسائي في سننه من ذلك الوجه المنقطع.
فأما حديث البخاري، فأخبرنا به أبو علي بن عبد الله المجاور بالحرم
الشريف. أنا أبو الحسن علي بن حميد المقرئ. أنا عيسى بن أبي ذر. أنا أبي.
أنا المشايخ الثلاثة: أبو محمد السرخسي وأبو إسحاق المستملي وأبو الهيثم
الكشميهني. قالوا: أنا الفربري. أنا البخاري. ح.
وأخبرنا عاليا أبو القاسم هبة الله بن علي المصري - واللفظ له - أنا محمد بن
بركات النحوي. أخبرتنا كريمة. أنا أبو الهيثم الأديب. أنا الفربري. أنا البخاري.
ثنا أبو اليمان. ثنا شعيب، عن الزهري. أخبرني السائب بن يزيد ابن أخت نمر، أن
حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره، أنه قدم على عمر، في
خلافته، فقال له عمر: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا، فإذا أعطيت
العمالة كرهتها؟ / فقلت: بلى. قال عمر: فما تريد إلى ذلك؟ قلت: إن لي أفراسا
وأعبدا، وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين. قال عمر: لا
تفعل، فإني كنت أردت الذي أدرت، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطيني العطاء، فأقول:
أعطه أفقر إليه مني. [حتى أعطاني مرة مالا. فقلت: أعطه أفقر إليه مني]. فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم: " خذه فتموله وتصدق به، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف
ولا سائل فخذه، وإلا فلا تتبعه نفسك ".
188

هكذا أخرجه البخاري في كتاب الأحكام.
وأما حديث النسائي فأخبرناه الشيخ العلامة البارع أبو عبد الله محمد بن
محمد بن حامد الأصبهاني. رحمه الله - قراءة عليه. أنا الفقيه الزاهد أبو إسحاق
إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي الرقي بقراءتي عليه بمدينة السلام بالجانب
الغربي سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة، قال: سمعت الحافظ أبا عبد الله محمد
ابن أبي نصر الحميدي يقول: سمعت أبا زكرياء عبد الرحيم بن أحمد
البخاري يقول: سمعت الحافظ أبا محمد عبد الغني بن سعيد بن علي رحمه
189

[الله]، يقول حدثنا حمزة بن محمد الكناني. حدثنا أحمد بن شعيب. ح.
وأخبرنا عاليا أبو بكر عبد العزيز بن أحمد البغدادي. أنا طاهر بن محمد
الهمداني. أنا أبو محمد الدوني. أنا أبو نصر أحمد بن الحسين الدينوري - أنا
أحمد بن محمد بن إسحاق الحافظ. أنا أبو عبد الرحمن النسائي.
ثنا كثير بن عبيد، ثنا محمد بن حرب عن الزبيدي، عن الزهري
عن السائب بن يزيد أن حويطب بن عبد العزى أخبره، أن عبد الله بن السعدي
أخبره، أنه قدم على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في خلافة عمر، فقال
له عمر: أخبرت أنك تلي من أعمال الناس أعمالا. وذكر الحديث
190

بكماله، أنا اختصرته.
أخبرنا الشيخان: الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل بن علي المقدسي /
الفقيه، قراءة عليه، وأنا أسمع. وأبو الطاهر إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد
الأنصاري، بقراءتي عليه قالا: أنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ. أنا أبو محمد
جعفر بن أحمد بن الحسين بن السراج البغدادي، سنه أربع وتسعين وأربع مائة. ح.
وأخبرنا الحافظ أبو الحسن المقدسي أيضا، قال: وأنا أبو محمد
العثماني بقراءتي عليه. أنا أبو الحسن علي بن المشرف الأنماطي. قالا:
أنا أبو زكرياء عبد الرحيم بن أحمد البخاري الحافظ، ثنا أبو محمد
عبد الغني بن سعيد الحافظ ح. وسمعت الشيخ البارع أبا عبد الله
الأصبهاني، قراءة عليه يقول: سمعت الفقيه أبا إسحاق الغنوي الرقي بمدينة
السلام يقول: سمعت الحافظ أبا عبد الله الحميدي، يقول: سمعت الحافظ أبا
زكرياء عبد الرحيم بن أحمد البخاري يقول: سمعت الشيخ الحافظ أبا محمد
عبد الغني بن سعيد قال: سمعت أبا الحسن، علي بن عمر الحافظ
191

- رحمه الله - يقول: سمعت أبا محمد الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي،
يقول قدم علينا حلب الوزير أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن
الفرات، فتلقاه أهل البلد، وكنت فيهم، فقيل له: إني من أصحاب الحديث،
192

فقال لي: تعرف إسنادا اجتمع فيه أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل واحد
منهم يروي عن صاحبه، فقلت: نعم، وذكرت له حديث السائب بن يزيد عن
حويطب بن عبد العزى، عن عبد الله بن السعدي، عن عمر بن الخطاب،
رضي الله عنه - في العمالة. فقال لي: صدقت، وعرف لي ذلك، وصارت لي به
منزلة عنده.
قلت: وقد اختلف في اسم السعدي والد عبد الله هذا، فقيل اسمه قدامة،
وقيل وقدان، وقيل: عمرو بن وقدان. وذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر أن هذا
القول الأخير هو الصواب عند أهل العلم بنسب قريش، وهو من بني مالك بن
حسان بن عامر بن / لؤي، قرشي عامري مالكي. وإنما قيل له السعدي لأنه استرضع
في بني سعد بن بكر. ووقع في كتاب مسلم، في بعض طرق هذا الحديث: عن
193

يسر بن سعيد عن ابن الساعدي بزيادة ألف. وقال القاضي عياض: لا
نعرف له وجها. والله أعلم.
(16) الحديث الثالث: قال مسلم: رحمه الله، في كتاب الرجم:
" حدثنا محمد بن العلاء الهمداني، ثنا يحيى بن يعلى، (وهو ابن الحارث
المحاربي)، عن غيلان (وهو ابن جامع) عن علقمة بن مرثد، عن
سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا
194

رسول الله: طهرني وذكر الحديث بطوله. هكذا إسناد هذا الحديث في جميع
النسخ التي رأيتها من صحيح مسلم. وذكر الحافظ أبو علي أنه أيضا كذلك
لجميع الرواة عندهم.
وقد سقط من إسناده رجل، وهو يعلى بن الحارث المحاربي، والد
يحيى بن يعلى المذكور في هذا الإسناد، فإن يحيى هذا إنما يروي هذا الحديث
فيما قيل عن أبيه، عن غيلان بن جامع. وكذلك أخرجه النسائي في سننه، قال
الحافظ أبو علي: " وقد نبه عبد الغني - يعني ابن سعيد - الحافظ على الساقط من
هذا الإسناد في نسخة أبي العلاء بن ماهان ". وقال البخاري في
تاريخه: " يحيى بن يعلى سمع أباه وزائدة بن قدامة ". وقال ابن أبي
حاتم مثله أيضا.
195

وإذا ثبت انقطاعه من هذا الوجه، فإنه متصل في كتاب مسلم من وجه
آخر. ومع ذلك فقد اتصل حديث يحيى بن يعلى عن أبيه في كتاب
النسائي، فإنه أخرجه عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وذكر أنه ثقة،
عن يحيى بن يعلى بن الحارث عن أبيه، عن غيلان بن جامع بإسناده. وأخرج أبو
داود أيضا في سننه عن محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن
يعلى بن الحارث عن أبيه، عن / غيلان، بهذا الإسناد المتقدم: أن النبي صلى الله عليه وسلم،
استنكه ماعزا فقط. وكأنه طرف من هذا الحديث. والله أعلم. فثبت اتصاله
من هذا الوجه الآخر، ولله الحمد.
196

(17) الحديث الرابع: أخرج مسلم، رحمه الله، في كتاب الفتن حديث
عبد الله بن وهب، عن أبي شريح المعافري أن عبد الكريم بن الحارث،
حدثه أن المستورد بن شداد. قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس الحديث.
قلت: وهذا إسناد منقطع، فإن عبد الكريم هذا لم يدرك المستورد، ولا
أدركه أبوه الحارث بن يزيد، قاله الحافظ أبو الحسن الدارقطني - رحمه الله -
قلت: وهذا الحديث إنما أورده مسلم - رحمه الله - هكذا في الشواهد، وإلا فهو
في الأصل ثابت متصل في كتابه، من وجه آخر، فإنه أخرجه عن
عبد الملك بن شعيب، عن ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن موسى بن
197

علي، عن أبيه. قال: قال المستورد القرشي، عند عمرو بن العاص:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس " وذكر باقي
الحديث، فصح اتصاله من هذا الوجه في كتاب مسلم. والحمد لله.
(18) الحديث الخامس: أخرج مسلم - رحمه الله - في كتاب الطلاق
198

حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن أبا عمرو بن حفص خرج
مع علي - رضي الله عنهما - إلى اليمن فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس،
بتطليقة كانت بقيت من طلاقها. الحديث بطوله. قلت وفي سماع عبيد الله هذا
من أبي عمرو بن حفص - رضي الله عنه - نظر. وقد ذكر غير واحد من العلماء
أن هذا الحديث من هذا الوجه غير متصل. قلت وهذا حديث / انفرد به مسلم
دون البخاري، وأخرجه في صحيحه متصلا من عدة طرق من حديث الشعبي
199

وأبي سلمة وغيرهما عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها. ولو سلمنا أنه
منقطع من هذا الوجه، فقد بينا أنه متصل في كتاب مسلم من عدة أوجه. وقد
أخرجه النسائي في سننه من هذا الوجه الذي ذكرناه. فأورده من حديث
شعيب بن أبي حمزة، ومحمد بن الوليد الزبيدي، كلاهما عن الزهري،
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان
طلق ابنة سعيد بن زيد البتة، فأمرتها خالتها فاطمة بنت قيس بالانتقال من
بيت عبد الله بن عمرو. فسمع ذلك مروان، فأرسل إليها أن ترجع
إلى مسكنها. وساق الحديث بطوله. وأورده الحافظ أبو القاسم
200

الدمشقي في أطرافه في ترجمة عبيد الله بن عبد الله هذا عن فاطمة بنت قيس
ولم يذكر أنه لم يسمع منها. وعادته في هذا الكتاب أنه إذا ذكر راويا عن
الصحابي لم يكن سمع منه، يقول فلان عن فلان ولم يسمع منه. وذكر غيره
أيضا أن عبيد الله هذا روى عنها والله عز وجل أعلم.
واختلف في اسم أبي عمرو بن حفص المخزومي هذا. فقيل اسمه
عبد الحميد، وقيل اسمه أحمد، وقيل اسمه كنيته. فإن ثبت أن اسمه أحمد. فلا
أعلم في الصحابة - رضي الله عنهم - من اسمه أحمد سواه. ووقع في صحيح
201

مسلم في بعض طرق هذا الحديث من رواية شيبان بن عبد الرحمن، عن
يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن فاطمة أن أبا حفص بن المغيرة
المخزومي طلقها. والمشهور عندهم أنه أبو عمرو بن / حفص بن المغيرة.
وقد ذكر الحافظ أبو أحمد الكرابيسي الحاكم فيه ثلاثة أقوال
202

فقال: أبو عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي. ويقال أبو حفص بن
عمرو بن المغيرة ويقال أبو حفص بن المغيرة. له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم، والله
عز وجل أعلم بالصواب.
آخر الجزء الأول. ويتلوه في أول الثاني، إن شاء الله تعالى الحديث
السادس. أخر [ج] مسلم في كتاب الحج حديث منصور بن المعتمر، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنه - والحمد لله وحده، وصلواته على
محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
203

الجزء الثاني
/ بسم الله الرحمن الرحيم استعنت
أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ، قدوة الحفاظ، رشيد الدين، أبو الحسين
يحيى ابن الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الله القرشي. قال:
(19) - الحديث السادس: أخرج مسلم - رحمه الله - في كتاب الحج
حديث منصور بن المعتمر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضي الله
عنه - قال: كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، رجل فوقصته ناقته فمات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" اغسلوه ولا تقربوه طيبا، ولا تغطوا وجهه، فإنه يبعث يلبي ".
هكذا أخرجه مسلم في صحيحه، وانتقده الحافظ أبو الحسن الدارقطني
عليه، وقال:
" إنما سمعه منصور من الحكم - يعني ابن عتيبة - وأخرجه البخاري
عن قتيبة، عن جرير، عن منصور، عن الحكم، عن سعيد، وهو الصواب.
205

وقيل عن منصور عن سلمة ولا يصح ". انتهى كلام الدارقطني رحمه الله.
قلت: وقد تابع البخاري على إخراجه كذلك أبو داود السجستاني وأبو
عبد الرحمن النسائي. فأما أبو داود، فرواه عن عثمان بن أبي شيبة. وأما النسائي
فرواه عن محمد بن قدامة، كلاهما عن جرير، عن منصور، عن الحكم بإسناده،
كما رواه البخاري. وجرير بن عبد الحميد من أعلم الناس بحديث منصور. وهذا
مما يؤيد قول الدارقطني رحمه الله - إلا أن مسلما - قدس الله روحه ونور ضريحه،
قد أخرج هذا الحديث من طرق ثابتة من رواية عمرو بن دينار. وأبي بشر جعفر بن
أبي وحشية. وغيرهما عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. بألفاظ أتم من حديث
206

منصور الذي قدمناه، ثم أورد حديث منصور آخر طرق هذا الحديث. فإن ثبت
انقطاعه من هذا الوجه، / فقد بينا أنه متصل في كتاب مسلم من طرق أخر سواه. وأن
البخاري وغيره قد أخرجوه في كتبهم متصلا من حديث منصور أيضا عن الحكم عن
سعيد بن جبير. ونحن نورده من كتب الأئمة الثلاثة، ليتضح اتصاله:
فأما طريق البخاري، فأخبرنا بها الشيخ أبو القاسم هبة الله بن علي بن
مسعود، وأبو عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي، الأنصاريان قراءة عليهما معا.
قال أبو القاسم: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن بركات السعيدي، قراءة عليه، وقال
الأرتاحي: أنا أبو الحسن علي بن الحسين الفراء، الموصلي، إجازة قالا: أخبرتنا
كريمة بنت أحمد المروزية، بمكة شرفها الله أنا أبو الهيثم الكشميهني، أنا أبو عبد الله
الفربري. أنا محمد بن إسماعيل البخاري. ثنا قتيبة. ثنا جرير، عن منصور، عن
الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. قال: وقصت برجل محرم ناقته فقتلته،
فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " اغسلوه وكفنوه، ولا تغطوا رأسه، ولا تقربوه
طيبا، فإنه يبعث يهل ".
وأما طريق أبي داود، فأخبرنا بها: الحافظ أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج بن
علي البغدادي رحمه الله في كتابه إلي من مكة - شرفها الله - مرات عدة، بخطه،
أنا الشريف النقيب أبو طالب محمد بن محمد بن أبي زيد البصري. قراءة عليه،
207

وأنا أسمع سنة ست وخمسين وخمس مائة. أنا أبو علي، علي بن أحمد بن علي
التستري ح.
وأنا أبو حفص، عمر بن محمد بن معمر البغدادي، فيما كتب به إلي بخطه
غير مرة. أنا أبو البدر، إبراهيم بن محمد بن منصور الكرخي، قراءة عليه. ثنا
الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، قالا: أنا أبو عمر، القاسم بن
جعفر بن عبد الواحد الهاشمي.
أنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي. أنا أبو / داود سليمان بن
الأشعث السجستاني. ثنا عثمان بن أبي شيبة. ثنا جرير عن منصور، عن
209

الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: وقصت برجل محرم ناقته فقتلته،
فأتي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
" اغسلوه وكفنوه، ولا تغطوا رأسه، ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث يهل ". لفظهما
واحد.
وأما طريق النسائي فأخبرنا بها الشيخ أبو بكر بن أبي الفتح المعدل، قراءة
عليه. أنا طاهر بن أبي الفضل الهمداني ببغداد. أنا أبو محمد عبد الرحمن بن
حمد بن الحسن الدوني. أنا القاضي أبو نصر أحمد بن الحسين الدينوري. أنا أبو
بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الحافظ. أنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن
علي النسائي. أخبرني محمد بن قدامة. ثنا جرير عن منصور، عن الحكم، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: وقصت رجلا محرما ناقته، فقتلته. فأتي
210

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " اغسلوه وكفنوه، لا تغطوا رأسه، ولا تقربوه طيبا، فإنه
يبعث يهل ".
قلت: فهذه طرق هذا الحديث من الكتب الثلاثة التي ذكرناها. فقد اتضح
اتصاله، وبان وجه الصواب فيه، والحمد لله.
ووقع في بعض طرقه، في كتاب مسلم أيضا من رواية إسماعيل بن علية عن
أيوب. قال نبئت عن سعيد عن ابن عباس أن رجلا كان واقفا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو
محرم. الحديث. وهذا أيضا يدخل في باب المقطوع على مذهب الحاكم وغيره إلا
أن مسلما، رحمه الله، لم يورده هكذا إلا بعد أن أورده من حديث حماد بن زيد،
عن عمرو بن دينار وأيوب. كلاهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، رضي الله
عنه، متصلا، ثم أورده بعده حديث ابن علية الذي ذكرناه / لينبه، والله أعلم، على
الاختلاف فيه على أيوب، وإذا اختلف حماد بن زيد وغيره في حديث أيوب بن أبي
211

تميمة. فالقول قول حماد بن زيد. وقد روى ابن أبي خيثمة عن يحيى بن
معين، أنه قال: ليس أحد في أيوب أثبت من حماد بن زيد، قلت: ولهذا قدم
مسلم في هذا الحديث طريق حماد على طريق ابن علية، والله عز وجل أعلم.
وقد أخرجه البخاري عن سليمان بن حرب، وأبو داود عن مسدد،
والنسائي عن قتيبة، كلهم عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس. فتبين اتصاله والحمد لله. وقوله في هذا الحديث: " وقصته ناقته " وروي
فأوقصته، وهما صحيحان، قاله القاضي أبو الفضل اليحصبي. قال: " ولم يذكر
212

صاحب الأفعال إلا وقصه لا غير " والوقص ها هنا كسر العنق. ومعناه أنها
صرعته فدقت عنقه. وجاء في بعض طرقه أيضا فأقعصته، ومعناه قتلته لوقته. وروي
فأقصعته، بتقديم الصاد على العين. ومعناه فضخته. وهكذا جاء فأقعصته رباعيا،
وقال بعض العلماء: الوجه فيه أن يكون ثلاثيا، والله عز وجل أعلم.
(20) الحديث السابع: أخرج مسلم - رحمه الله - في كتاب الجنائز حديث
عبد الملك بن شعيب بن الليث، عن أبيه عن جده قال: حدثني عقيل بن خالد عن ابن
شهاب أنه قال: حدثني رجال عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. بمثل حديث معمر، يعني
حديثه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من
شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان ".
قلت: وقول الزهري في هذا الإسناد / حدثني رجال، ولم يسم واحدا منهم،
يدخل في باب المقطوع على مذهب الحاكم وغيره. وهذا الحديث قد أخرجه مسلم
رحمه الله متصلا من غير وجه. فأخرجه من حديث يونس بن يزيد عن الزهري عن
213

الأعرج. ومن حديث معمر بن راشد عن الزهري عن سعيد بن المسيب، كلاهما عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أردفهما بحديث عقيل الذي ذكرناه.
وهذا الاختلاف الذي وقع في إسناد هذا الحديث عن الزهري لا يؤثر في
صحته، فإن الحديث قد يكون عند الراوي له عن جماعة من شيوخه فيحدث به تارة
عن بعضهم، وتارة عن جميعهم وتارة يبهم أسماءهم، وربما أرسله تارة على حسب
نشاطه وكسله، كما أشار إليه مسلم رحمه الله في مقدمة كتابه. ومع ذلك فلا
يكون ما ذكرناه اعتلالا يقدح في صحة الحديث، وإنما أخرجه مسلم من طريق عقيل
الذي قدمنا كذلك ليحقق به، والله أعلم، أن الزهري يرويه عن غير واحد من
أصحاب أبي هريرة رضي الله عنه وقد نبه البخاري رحمه الله في صحيحه على أن
الزبيدي قد روى هذا الحديث عن الزهري فجمع فيه بين الأعرج وسعيد بن
المسيب. وهذا يؤيد ما ذكرناه. وبالله التوفيق.
(21) الحديث الثامن: أخرج مسلم - رحمه الله - في كتاب الصلاة
حديث عبد الله بن الحارث البصري، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه
قال لمؤذنه، في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن محمدا رسول الله، فلا تقل
حي على الصلاة، قل صلوا في بيوتكم... الحديث. ثم أورده من عدة طرق
215

عنه. قال في آخرها: وحدثنا عبد بن حميد. ثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي.
ثنا وهيب. ثنا أيوب، عن عبد الله بن الحارث، / قال وهيب لم يسمعه منه. قال
أمر ابن عباس مؤذنه في يوم جمعة، وفي يوم مطير بنحو حديثهم.
قلت: وقول وهيب بن خالد أن أيوب لم يسمعه منه، يعني من عبد الله بن
الحارث، يدل على انقطاعه من هذا الوجه.
وهذا الحديث متصل في الصحيحين من حديث حماد بن زيد، عن
عبد الحميد - صاحب الزيادي - وأيوب وعاصم الأحول، كلهم عن
217

عبد الله بن الحارث المذكور، ومداره عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما وإنما أورد
مسلم حديث وهيب هذا لينبه، والله أعلم، على الاختلاف فيه على أيوب، لأن
وهيبا، كان من حفاظ أهل البصرة وثقاتهم، إلا أن حماد بن زيد أثبت في أيوب
من غيره، كما قدمنا ذكره عن يحيى بن معين، ولذلك قدم مسلم حديثه على حديث
وهيب. ومع ذلك فلو سلمنا أن أيوب لم يسمعه من عبد الله بن الحارث. فقد بينا
أنه متصل في كتاب مسلم وغيره من حديث غير واحد عنه. وبالله التوفيق.
(22) الحديث التاسع: أخرجه مسلم رحمه الله في كتاب الجهاد حديث
218

يونس، عن الزهري عن سالم عن أبيه. قال: نفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نفلا سوى
نصيبنا من الخمس، فأصابني شارف. والشارف المسن الكبير.
ثم أردفه بقوله: حدثنا هناد بن السري، ثنا ابن المبارك ح. قال:
وحدثني حرملة بن يحيى. أنا ابن وهب، كلاهما عن يونس، عن ابن شهاب،
قال: بلغني عن ابن عمر قال: نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية بنحو حديث ابن رجاء.
يعني عن يونس.
قلت: وهذا الحديث قد أورده مسلم من حديث عبد الله بن رجاء الغداني، عن
يونس، عن الزهري بإسناده المتصل الذي ذكرناه أولا. ثم أورد / بعده حديث ابن
219

المبارك وابن وهب، كلاهما عن يونس بإسناده المقطوع. وإنما أراد بذلك، والله
أعلم، أن ينبه على الاختلاف فيه على يونس، كما فعل في عدة أحاديث تشبه هذا
الحديث، وقد تقدم بعضها وعبد الله بن رجاء الذي وصله، ثقة صدوق، عند أهل
النقل، إلا أن عمرو بن علي الفلاس نسبه إلى كثرة الغلط. وعبد الله بن
المبارك، وابن وهب مقدمان عليه في الحفظ عندهم. ولهذا جعل الدارقطني القول
قولهما في إسناد هذا الحديث، وقال: لو كان الزهري سمعه من سالم لم يكن عن
اسمه، والله عز وجل أعلم.
قلت: والعذر لمسلم رحمه الله في ذلك أنه إنما أورده هكذا، في الشواهد،
وإلا فقد أورد في أول الباب الحديث المتفق على صحته في هذا المعنى، وهو
حديث نافع، عن ابن عمر قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم، سرية وأنا فيهم. قبل نحو
الحديث. ووقع في بعض طرقه أيضا كتاب مسلم عن ابن عون، قال: كتبت
220

إلى نافع أسأله عن النفل، فكتب إلى أن ابن عمر كان في سرية... الحديث.
وسنذكره فيما بعد، مع الأحاديث التي وقعت في كتاب مسلم بالمكاتبة دون
السماع، وننبه على اختلاف العلماء فيها، إن شاء الله عز وجل.
(23) الحديث العاشر: قال مسلم - رحمه الله - في كتاب الجهاد، أيضا:
حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: ثنا محمد بن جعفر
ثنا شعبة عن أبي إسحاق أنه سمع البراء رضي الله عنه في هذه الآية: (لا يستوي
القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله 95). فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، زيدا، فجاء
بكتف يكتبها فشكا إليه ابن أم مكتوم ضررا به. فنزلت: (لا يستوي القاعدون من
221

المؤمنين غير أولي الضرر 95) قال شعبة: وأخبرني سعد بن إبراهيم، عن
رجل، عن زيد / في هذه الآية: لا يستوي القاعدون، بمثل حديث البراء. وقال
ابن بشار في روايته: سعد بن إبراهيم عن أبيه عن رجل عن زيد بن ثابت.
قلت: هكذا أورده مسلم في صحيحه، وقد اشتمل هذا الحديث على طريقين، عن
صحابيين، رضي الله عنهما، فالأول منهما حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما، وهو
صحيح متصل ثابت متفق عليه. والثاني حديث زيد بن ثابت وفي إسناده اختلاف ورجل
غير مسمى فهو داخل في باب المقطوع على مذهب الحاكم وغيره إذا لم يعرف ذلك
الرجل.
والجواب عن ذلك أن مسلما - رحمه الله - إنما احتج بحديث البراء وحده.
وإنما أورد الإسناد الثاني لأن شعبة حدث به غندر هكذا، فأورده مسلم كما سمعه من
أصحاب غندر، والظاهر من مذهبه أنه لا يختصر من الحديث شيئا، وإن اختصر منه
شيئا لضرورة نبه عليه.
وقد أخرج البخاري حديث البراء هذا في صحيحه في غير موضع من رواية
222

شعبة عن أبي إسحاق عنه، ولم يذكر فيه حديث زيد بن ثابت. محتمل أن يكون تركه
عمدا لما فيه من الاعتلال، ويحتمل أن يكون إنما سمعه كذلك من غير زيادة على ما
أورده، لكنه أخرج حديث زيد بن ثابت المذكور من طريق آخر من حديث الزهري
عن سهل بن سعد عن مروان بن الحكم عنه. وهو إسناد اجتمع فيه ثلاثة من
الصحابة رضي الله عنهم يروي بعضهم عن بعض، ويدخل أيضا في رواية الأكابر
223

عن الأصاغر، لأن سهلا أكبر من مروان. ومروان وإن لم يثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم،
فهو معدود في الصحابة - رضي الله عنهم - وقد أخرج له البخاري في صحيحه -
حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، / مقرونا بالمسور بن مخرمة. والله أعلم.
فقد تبين بما ذكرناه أن حديث زيد بن ثابت متصل أيضا، في كتاب البخاري،
والله عز وجل أعلم.
ووقع في كتاب الأشربة حديث نحو هذا من رواية سليمان التيمي عن
أنس - رضي الله - عنه قال: إني لقائم على الحي، على عمومتي أسقيهم...
الحديث. وفي آخره: قلت لأنس: ما هو؟ قال: بسر ورطب. قال: فقال أبو بكر بن
224

أنس: كانت خمرهم يومئذ. قال سليمان: وحدثني رجل عن أنس أنه قال ذلك
أيضا، ثم أردفه بطريق آخر عن التيمي، عن أنس بنحوه. وقال التيمي في آخره:
حدثني بعض من كان معي أنه سمع أنسا يقول: كانت خمرهم يومئذ. قلت: وقد
أورد مسلم بعد ذلك حديث قتادة عن أنس متصلا، وفيه نزل تحريم الخمر
فأكفأناها يومئذ. وإنها لخليط البسر والتمر. قال قتادة: وقال أنس بن مالك: لقد حرمت
الخمر، وكانت عليه خمورهم يومئذ خليط البسر والتمر. فثبت اتصاله، والحمد لله.
(24) الحديث الحادي عشر: أخرج مسلم - رحمه الله - في كتاب الجهاد
أيضا حديث عبد الله بن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة
225

- رضي الله عنها - قالت: أصيب سعد يوم الخندق، ورماه رجل من قريش: ابن
العرقة. وساق الحديث إلى آخره ثم أردفه بقوله: وحدثنا أبو كريب. ثنا ابن نمير.
ثنا هشام. قال أبي فأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لقد حكمت فيهم بحكم الله ".
قلت: وقول هشام: قال أبي فأخبرت. ليس بمتصل على مذهب الحاكم وغيره
كما تقدم. والجواب عنه أن مسلما - رحمه الله - قد أخرج هذا اللفظ بعينه متصلا من
رواية أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا ثبت اتصاله من وجه صحيح فلا يؤثر
قول بعض الرواة فيه: فأخبرت من وجه / آخر، والله أعلم.
وابن العرقة اسمه حبان، بكسر الحاء المهملة، وبالباء بواحدة. وقيل في
تقييده جبار بالجيم والباء المعجمة بواحدة وآخره راء. والأول أصح. وهو
حبان بن أبي قيس، ويقال ابن قيس. وكان قد رمى سعد بن معاذ يوم الخندق
226

بسهم في أكحله. وقال: خذها وأنا ابن العرقة. فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
" عرق الله وجهه في النار ".
والعرقة هي أمه، نسب إليها. وقيل إنها أم عبد مناف جد أبيه. واسمها
قلابة بنت سعيد. وقيل بنت سعيد بن سهم. وذكر أنها سميت بذلك لطيب ريحها.
ونقل عن الواقدي أنه كان يقول فيها العرقة بفتح الراء، ويقول: إن أهل مكة
يقولون ذلك. والمشهور ما تقدم. والله عز وجل أعلم.
ومما يشبه إسناد هذا الحديث، حديث أخرجه مسلم في الصلاة، من
حديث أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة. قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إحدى
صلاتي العشي... الحديث بطوله في السهو. وفيه ذكر ذي اليدين، وفي آخره ثم
كبر، ثم سجد ثم كبر، فرفع، ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع. قال: وأخبرت عن
عمران بن حصين أنه قال: وسلم.
قلت: وذكر السلام في هذا الحديث من هذا الوجه مقطوع الإسناد على مذهب
227

الحاكم. والجواب عنه: أنه قد جاء متصلا في كتاب مسلم من وجه آخر من حديث
أبي المهلب عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم. فثبت اتصاله، والحمد لله.
والقائل: فأخبرت عن عمران بن حصين. هو ابن سيرين ويحتمل أن يكون أيوب.
والأول أظهر، فقد ذكر / الدارقطني أن ابن سيرين يقول في غير حديث من حديث
عمران بن حصين: نبئت عن عمران. والله عز وجل أعلم.
(25) الحديث الثاني عشر: وأخرج في الجهاد أيضا أيوب بن
موسى، عن مكحول، عن شرحبيل بن السمط، عن سلمان قال: سمعت
228

رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه " الحديث.
قلت: وفي سماع مكحول من شرحبيل بن السمط نظر. فإن شرحبيل
معدود في الصحابة رضي الله عنهم وتقدمت وفاته، فقيل إنه توفي في سنة ست
وثلاثين، وقيل سنة أربعين، وتوفي مكحول سنة ثماني عشرة ومائة، في أحد
الأقوال، وقيل سنة اثني عشرة، وقيل سنة ثلاث عشرة، وقيل سنة أربع عشرة.
وقد اختلف في عدد الصحابة الذين لقيهم مكحول وسمع منهم. فقال
البخاري: " سمع أنس بن مالك وأبا مرة الداري وواثلة بن الأسقع وأم الدرداء ".
وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه: " قال سألت أبا مسهر، هل سمع مكحول
229

من أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما صح عندنا إلا أنس بن مالك، قلت:
وواثلة؟ فأنكره. وسئل أبو داود السجستاني: وكم يصح لمكحول من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: واثلة. وذكر الحافظ أبو سعيد بن يونس المصري أنه رأى أبا
أمامة الباهلي وسمع واثلة بن الأسقع ولقي أنس بن مالك، رضي الله عنهم.
قلت: وذكر ابن أبي حاتم كتاب المراسيل قال: " سمعت أبي يقول،
وذكر حديثا رواه الوليد بن مسلم، عن تميم بن عطية، عن مكحول. قال:
جالست شريحا ستة أشهر ما أسأله عن شئ، إنما أكتفي بما يقضي به بين الناس،
فقال أبي: لم يدرك مكحول شريحا، وهذا وهم ".
230

قلت: وإذا لم يدرك مكحول شريحا، وكانت وفاته في سنة ست وسبعين من
الهجرة. وقيل سنة ثمان وسبعين، وقيل سنة ثمانين. فإدراكه لشرحبيل أبعد لأنه
توفي سنة ست وثلاثين. وقيل سنة أربعين، كما بيناه من قبل. ويحتمل أن يريد
بالإدراك اللقاء وإذا لم يثبت لمكحول سماع من شرحبيل فإسناده مقطوع. إلا
أن مسلما - رحمه الله - قد أخرج هذا الحديث من طريق آخر عن شرحبيل، من
حديث أبي شريح المعافري المصري، عن عبد الكريم بن الحارث المصري، عن
أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري، عن / شرحبيل بإسناده نحوه.
وظاهر هذا الإسناد الاتصال، إلا أن عبد الله بن المبارك رواه عن أبي شريح
هذا عن أبي عبد الكريم بن الحارث عن أبي عبيدة، عن رجل من أهل الشام أن
شرحبيل بن السمط قال: طال رباطنا أو إقامتنا على حصن، فمر بي سلمان. وذكر
الحديث.
وقد ذكر الحافظان: أبو أحمد الكرابيسي الحاكم، وأبو عمر بن عبد البر
النمري أن أبا عبيدة هذا روى عن ابن عمر وأخيه عياض بن عقبة وعن رجل عن
231

شرحبيل بن السمط. وفي لفظ الحاكم رجل من أهل الشام، وهذا يؤيد رواية ابن
المبارك، والله عز وجل أعلم. إلا أن أبا أحمد وأبا عمر ذكرا أبا عبيدة هذا فيمن لم
يعرف اسمه. وذكر ابن يونس أن اسمه مرة، وأنه أدرك معاوية، وروى عن ابن
عمر رضي الله عنهم وتعريف ابن يونس باسمه أولى بالصواب لأنه من أهل بلده،
وهو أعلم به، والله عز وجل أعلم.
وقد أخرج مسلم رحمه الله لمكحول هذا حديثا آخر في كتاب الصيد عن
أبي ثعلبة الخشني، لم يورد له متنا. بل قال: حديثه في الصيد فقط. وفي سماعه
232

منه أيضا نظر. إلا أن مسلما - رحمه الله - أورد حديث أبي ثعلبة هذا من طرق ثابتة
الاتصال، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكل ما لم
ينتن ". انفرد به مسلم دون البخاري. والله الموفق.
(26) - الحديث الثالث عشر: وأخرج في الجهاد أيضا حديث ابن وهب
عن يونس، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن، قال مسلم: ونسبه غير ابن وهب
فقال: ابن عبد الله بن كعب بن مالك أن سلمة بن الأكوع قال: لما كان يوم خيبر
قاتل أخي قتالا شديدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، / فارتد عليه سيفه فقتله... الحديث بطوله.
وفي آخره قال ابن شهاب: ثم سألت ابنا لسلمة بن الأكوع. فحدثني عن أبيه مثل ذلك.
غير أنه قال حين قلت: إن ناسا يهابون الصلاة عليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذبوا مات
جاهدا مجاهدا، فله أجره مرتين، وأشار بأصبعيه ". قلت: وقول ابن شهاب في آخره:
ثم سألت ابنا لسلمة، ولم يسمه يدخل في باب المقطوع على مذهب من قدمنا ذكره.
ولا يخلو أن يكون هذا المبهم هو إياس بن سلمة أو غيره.
233

فإن كان إياسا، فهو ثقة، متفق على إخراج حديثه في الصحيحين عن أبيه، وإن كان
غيره فهو مجهول. فقد ثبت في كتاب مسلم وغيره قوله صلى الله عليه وسلم: " كذبوا مات جاهدا
مجاهدا... إلى آخره، من حديث يزيد بن أبي عبيد عن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخو سلمة هذا اسمه أهبان فيما ذكر بعض العلماء، وعزاه إلى ابن
الكلبي. وقاله ابن قتيبة أيضا. وسلمة منسوب إلى جده، وهو سلمة بن
عمرو بن الأكوع. والأكوع لقب، واسمه سنان بن عبد الله.
وقول مسلم رحمه الله في هذا الإسناد: عن ابن وهب: أخبرني عبد الرحمن.
ونسبه غير ابن وهب، من بديع التصرف في العدول عن الوهم إلى الصواب. وذلك
أن عبد الله بن وهب كان يقول في هذا الإسناد: قال أخبرني عبد الرحمن وعبد الله
ابنا كعب. ويقال إنه وهم في ذلك. وهكذا أورده أبو داود في سننه عن
234

أحمد بن صالح عن ابن وهب، إلا أنه قال: قال أحمد: كذا قال هو وعنبسة
يعني ابن خالد، قال أحمد: والصواب عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب. قلت: وقد
نبه على هذا الوهم أيضا أبو عبد الرحمن / النسائي وأبو الحسن الدارقطني. وذكر
الدارقطني أن القاسم بن مبرور رواه عن يونس، عن الزهري، عن عبد
الرحمن بن عبد الله بن كعب عن سلمة، قال: وهو الصواب، وكذلك رواه غير واحد
عن الزهري، والله عز وجل أعلم.
235

وفي هذا الحديث إشكال: وهو قوله: قاتل أخي فارتد عليه سيفه فقتله، لأن
هذه القصة مشهورة لعامر عم سلمة، وقد أوردها مسلم بعد ذلك، في حديث
سلمة بن الأكوع الطويل، وفيه أن عامرا هو الذي ارتد عليه سيفه يوم خيبر، وأنه
الذي كان يرتجز بالقوم، وكذلك ذكر ابن إسحاق في السير.
والجمع بين الحديثين عسير، إلا أن يكون عامر أخا سلمة من الرضاعة أو
يكون أراد أخوة الإسلام. والله عز وجل أعلم.
(27) - الحديث الرابع عشر: أخرج مسلم رحمه الله في كتاب الطلاق
حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي
236

ثور، عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنهم حديث المرأتين اللتين تظاهرتا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث بطوله. وقال في آخره: قال معمر فأخبرني أيوب أن عائشة
قالت: لا تخبر نساءك أني أخبرتك فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله أرسلني مبلغا، ولم
يرسلني متعنتا ".
قلت: وهذا مقطوع، فإن أيوب السختياني لم يدرك عائشة - رضي الله عنها -
لأن مولده سنة ست وستين من الهجرة، وقيل سنة ثمان وستين، وتوفيت عائشة -
رضي الله عنها - سنة ثمان وخمسين، وقيل سنة سبع وخمسين. والأول أشهر.
ومسلم رحمه الله إنما أخرج هذه الزيادة تبعا للحديث المسند الذي / وقعت
هي في آخره، ولم ير اختصارها منه، على عادته التي بيناها من قبل، ومع ذلك فهذه
الزيادة متصلة في كتابه، في حديث التخيير من رواية أبي الزبير، عن جابر
237

فثبت اتصالها في كتاب مسلم، والحمد لله.
(28) - الحديث الخامس عشر: أخرج مسلم رحمه الله في كتاب اللعان،
حديث حجين بن المثنى عن الليث بن سعد، عن عقيل عن ابن شهاب أنه قال:
بلغنا أن أبا هريرة كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديثهم.
قلت: يعني حديثا قبله وهو حديث ابن عيينة، ومعمر وغيرهما عن الزهري
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود... الحديث.
قلت: وهو حديث متصل في الصحيحين، من حديث ابن المسيب عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه مسلم أيضا وحده، من حديث الزهري عن أبي سلمة
عن أبي هريرة متصلا، ثم أردفه بحديث عقيل الذي ذكرناه. وإنما أورده مسلم هكذا
في الشواهد آخر الباب ليكثر، والله أعلم، بذلك طرق هذا الحديث، ولينبه على
238

مخالفة عقيل للجماعة الذين رووه عن الزهري، وجودوا إسناده، والله عز وجل
أعلم.
والرجل الفزاري المذكور في هذا الحديث اسمه: ضمضم بن قتادة، قاله
الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد الأزدي. والله أعلم.
239

(29) - الحديث السادس عشر: أخرج مسلم - رحمه الله - في المغازي
حديث زيد بن سلام، عن أبي سلام الحبشي قال: قال حذيفة: يا رسول الله
إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه الحديث.
قال الحافظ / أبو الحسن الدارقطني: " هذا الحديث عندي مرسل أبو سلام
244

لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه الذين نزلوا العراق، لأن حذيفة توفي بعد قتل
عثمان، رضي الله عنه بليال. وقد قال فيه: قال: قال حذيفة، فهذا يدل على
إرساله ".
قلت: وهذا الحديث قد أخرجه مسلم في صحيحه متصلا، من وجه آخر، من
حديث بسر بن عبيد الله الحضرمي الشامي عن أبي إدريس الخولاني عن
حذيفة. وهو أتم من حديث أبي سلام. وكذلك أخرجه البخاري في صحيحه
أيضا. فإن ثبت أن أبا سلام لم يسمع من حذيفة فقد بينا أن هذا الحديث متصل في
الصحيحين من حديث أبي إدريس عن حذيفة رضي الله عنه وبالله التوفيق.
(30) - الحديث السابع عشر: أخرج مسلم رحمه الله في كتاب النذور
والأيمان حديث الصعق بن حزن عن مطر الوراق عن زهدم
245

الجرمي قال: دخلت على أبي موسى الأشعري، وهو يأكل لحم دجاج.. الحديث.
وهذا الحديث أيضا قد انتقده الحافظ أبو الحسن الدارقطني - رحمه الله - وعاب على
مسلم إخراجه من هذا الوجه. وقال: " الصعق ومطر ليسا بالقويين، ومع هذا لم
247

يسمعه مطر من زهدم إنما رواه عن القاسم بن عاصم عنه. قال ذلك ثابت بن
حماد عن مطر ".
قلت: وهذا الحديث أيضا قد أخرجه مسلم في صحيحه، من طرق صحاح
متصلة عن زهدم عن أبي موسى، رضي الله عنه، وطريق مطر التي انتقدها الدارقطني
إنما أوردها مسلم في الشواهد لا في الأصول، وإذا كان الحديث ثابتا متصلا من وجه
صحيح، ثم روى من وجه آخر دونه في الصحة، وفي اتصاله نظر، فلا يؤثر ذلك في
ثبوته واتصاله من الوجه الآخر. / على أن مطرا قد قال فيه: " حدثنا زهدم ". وليس
هو ممن يتهم بالكذب، لكنه سئ الحفظ عندهم. وقد سئل عنه يحيى بن معين.
فقال صالح، وكذلك قال أبو حاتم الرازي. ويحتمل أن يكون مطر قد سمعه من
القاسم بن عاصم عن زهدم كما ذكره الدارقطني، ثم لقي زهدما فسمعه منه،
فحدث به تارة هكذا، وتارة هكذا، والله عز وجل أعلم بالصواب.
248

(31) - الحديث الثامن عشر: أخرج مسلم - رحمه الله - في كتاب الحج
حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن سنان بن سلمة، عن ابن عباس، أن
ذؤيبا أبا قبيصة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يبعث معه بالبدن الحديث.
قلت: وهذا الإسناد غير متصل عند جماعة من أهل النقل، فإن قتادة لم يسمع
هذا الحديث من سنان بن سلمة، قاله الإمامان يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن
252

معين. وناهيك بهما جلالة ومعرفة بهذا الشأن، وذكر الحافظ أبو الفضل المقدسي
أيضا أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه، عمدتها ما قاله يحيى القطان وابن
معين، قلت: ومما يؤيد ذلك أن سنان بن سلمة هذا هو سنان بن سلمة بن المحبق
معدود في الصحابة - رضي الله عنهم - وله أيضا رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد نص الإمام
أبو حاتم الرازي على أن قتادة لم يلق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنس بن مالك
وعبد الله بن سرجس. وذكر البخاري في تاريخه أنه سمع أنسا وأبا الطفيل،
ولم يذكر له من الصحابة غيرهما. والعذر لمسلم - رحمه الله - أنه إنما أخرج هذا
الحديث بهذا / الإسناد في الشواهد ليبين، والله أعلم، أنه قد روي من غير وجه عن
ابن عباس، وإلا فقد أخرجه قبل ذلك من حديث أبي التياح عن موسى بن
253

سلمة عن ابن عباس متصلا فثبت اتصاله في الكتاب، والله الموفق للصواب.
(32) - الحديث التاسع عشر: وأخرج أيضا في كتاب الأدب حديث عراك
ابن مالك الغفاري المدني عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: جاءتني مسكينة
تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات... الحديث. قلت: وفي سماع عراك
255

من عائشة - رضي الله عنها - نظر. فإنه إنما يروي عن عروة، عن عائشة. وقد ذكر الإمام
أبو عبد الله أحمد بن حنبل - رحمه الله - أن حديثه عن عائشة مرسل، وقال موسى بن
هارون الحافظ: لا نعلم له سماعا من عائشة. وقال أبو الفضل الحافظ حفيد أبي
سعد الزاهد، في كلامه على هذا الحديث: هذا عندنا حديث مرسل. واستدل بما
ذكرناه من قول أحمد بن حنبل وموسى بن هارون. ولم يخرج البخاري لعراك عن
عائشة شيئا. وأخرج له ابن ماجة عنها حديثين. وحديثه عن رجل عنها، لا يدل
256

على عدم سماعه بالكلية منها. لا سيما وقد جمعهما بلد واحد، وعصر واحد. وهذا
ومثله محمول على السماع عند مسلم - رحمه الله - حتى يقوم الدليل على خلافه، كما نص
عليه في مقدمة كتابه. فسماع عراك من عائشة - رضي الله عنها - جائز ممكن وقد ثبت
سماعه من أبي هريرة وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - والله أعلم. ومما يشبه هذا
الحديث في إسناده حديث أخرجه مسلم - رحمه الله - في البر والصلة
257

من رواية ابن عيينة عن أبي محيصن، وهو عمر بن عبد الرحمن بن محيصن
/ المقرئ عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما
نزلت: (من يعمل سوءا يجز به)... الحديث. وقد ذكر بعض الحفاظ أن
محمد بن قيس هذا لم يسمع من أبي هريرة، قلت: وذكر غير واحد من العلماء أن
محمد بن قيس هذا حجازي، وأنه سمع من عائشة. فسماعه من أبي هريرة جائز
ممكن لأنهما متعاصران ويجمعهما قطر واحد، فعلى مذهب مسلم تحمل روايته عنه
258

السماع إلا أن يقوم دليل بين على خلافه، والله عز وجل أعلم.
(33) - الحديث العشرون: وأخرج أيضا في كتاب الأدب حديث أبي
النضر هاشم بن القاسم عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن
محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب ابنة أبي سلمة.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن هذا. وذكر بعض الحفاظ أنه قد سقط من هذا الإسناد
رجل بين يزيد ومحمد بن عمرو. وهو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي. قال
كذلك رواه المصريون يعني عن الليث.
قلت: وقد وجدته كما قال من حديث غير واحد من أهل مصر،
منهم يحيى بن بكير، وعيسى بن حماد زغبة. وأخرجه أبو داود في
259

سننه عن عيسى بن حماد عن الليث كذلك، وأثبت في إسناده محمد بن إسحاق،
وذكر بعض العلماء أن غسان بن الربيع الكوفي رواه عن الليث كذلك أيضا.
وهذا إنما أورده مسلم بهذا الإسناد استشهادا، وإلا فقد أورده قبل هذا بإسناد
متصل، فرواه من غير وجه عن الوليد بن كثير المخزومي المدني. قال حدثنا
محمد بن عمرو بن عطاء عن زينب بنت أبي سلمة، رضي الله عنها، وهذا متصل لا
شك فيه، فإن ثبت انقطاعه من حديث يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو. فقد بينا أنه
متصل في الكتاب من حديث الوليد / بن كثير عن محمد بن عمرو وبالله التوفيق.
وقد رأيت في بعض النسخ من كتاب الأطراف، لأبي مسعود الدمشقي أن
مسلما أخرج هذا الحديث عن عمرو الناقد عن هاشم بن القاسم عن الليث، عن
يزيد، عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو.
260

كما رواه المصريون عن الليث. فلعله كذلك في أصل مسلم. وسقط من بعض
النسخ ذكر ابن إسحاق. والله عز وجل أعلم.
فصل
ومما يظن أنه مقطوع على مذهب عبد الله الحاكم وغيره.
وليس كذلك.
(34) - حديث أخرجه مسلم في كتاب الفتن من حديث شعبة عن فرات القزاز
261

قال سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، في
غرفة، ونحن تحتها نتحدث، يعني فاطلع إلينا فقال: " ما تذكرون؟ " قلنا:
الساعة. قال: " إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات... الحديث. وفي آخره:
قال شعبة: وحدثني رجل بهذا الحديث عن أبي الطفيل عن أبي سريحة ولم
يرفعه اه‍.
قلت: وهذا الرجل المبهم اسمه هو - فيما ظهر لي -: عبد العزيز بن رفيع
المكي، وقد بين ذلك غير واحد من الثقات في روايتهم لهذا الحديث عن شعبة،
منهم معاذ بن معاذ العنبري، وأبو النعمان، الحكم بن عبد الله العجلي، فإنهما
روياه عن شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل عن أبي سريحة موقوفا.
262

وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث من سمينا عن شعبة عن عبد العزيز بإسناده
موقوفا. وقال الدارقطني: لم يرفعه غير فرات عن أبي الطفيل من وجه يصح.
فتبين بما ذكرناه، أن هذا الحديث، من هذا الوجه متصل الإسناد إلى أبي سريحة،
رضي الله عنه، لكنه موقوف عليه اه‍.
وفي كتاب مسلم أحاديث يسيرة / موقوفة أيضا وليس هذا موضع ذكرها، وبالله
التوفيق اه‍.
263

(35) - حديث آخر: وأخرج في كتاب الديات، حديث عبد الوهاب
الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين عن ابن أبي بكرة، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم،
أنه قال: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " الحديث.
وابن أبي بكرة المبهم اسمه في هذا الإسناد هو عبد الرحمن، ثقة متفق
عليه، بين ذلك عبد الله بن عون وغيره في روايتهم لهذا الحديث عن أيوب. وبنو أبي
266

بكرة ستة، فيما ذكر علي بن المديني، وهم: عبد الرحمن، ومسلم،
وعبد العزيز، ويزيد وعبيد الله، ورواد، وزاد غيره: كيسة بنت أبي بكرة.
وهي بفتح الكاف وتشديد الياء المعجمة باثنتين من تحتها، وسين مهملة، وتشبه
بكبشة، بالباء بواحدة وبالشين المعجمة.
فأما عبد الرحمن فاتفق البخاري ومسلم على إخراج حديثه عن أبيه وأما
مسلم فانفرد به مسلم. وأما عبد العزيز فأخرج له أبو داود والترمذي وابن
267

ماجة. وأما كيسة. فأخرج لها أبو داود عن أبيها، والباقون لم يخرج لهم شئ في
الكتب الستة، فيما أعلم، والله عز وجل أعلم.
وقد ذكر عبد الغني بن سعيد الحافظ كيسة هذه، وقيدها كما ذكرناه. إلا أنه
قال بإسكان الياء. وبالتشديد قيدها الأمير أبو نصر بن ماكولا. وذكر أن غير ذلك
تصحيف. والله عز وجل أعلم اه‍.
(36) - حديث آخر: مثل الذي قبله، قال مسلم، رحمه الله، في كتاب
الجنائز: حدثنا محمد بن المثنى، ثنا يحيى بن سعيد. ح. قال: وثنا إسحاق بن
إبراهيم. أنا عبد الرزاق جميعا عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن محمد بن
268

عمرو، عن ابن كعب بن مالك عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم. يعني مثل
الحديث الذي قبله / أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه، بجنازة فقال: " مستريح ومستراح
منه... " الحديث اه‍.
قلت: وابن كعب المبهم اسمه في هذا الإسناد هو: معبد بن كعب. بين
ذلك الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس في روايته لهذا الحديث عن محمد بن عمرو
الديلي. وأخرجه مسلم في صحيحه عن قتيبة، عن مالك كذلك. اه‍.
270

وبنو كعب بن مالك - رضي الله - عنه ستة: عبيد الله. وعبد الله
وعبد الرحمن. وفضالة. ووهب ومعبد. حكى ذلك أبو زرعة الدمشقي عن
أحمد بن حنبل. فمنهم أربعة اتفق الإمامان على إخراج حديثهم في الصحيحين.
وهم عبيد الله وعبد الله، وعبد الرحمن، ومعبد، وأما وهب وفضالة فلم يخرجا
لهما في الصحيحين. ولم أقف على ذكرهما في غير تاريخ أبي زرعة. والله أعلم.
(37) فصل
ووقع في الكتاب أيضا أحاديث مروية بالوجادة وهي داخلة في باب المقطوع
عند علماء الرواية، إلا أن منها ما وقعت الوجادة في إسناده من أحد شيوخ مسلم
خاصة، على ما سنبينه. فمن ذلك حديث أخرجه في كتاب الفضائل. فقال فيه:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. قال: وجدت في كتابي عن أبي أسامة، عن هشام، عن
أبيه، عن عائشة قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول: " أين أنا اليوم؟ أين أنا
غدا؟ " استبطاءا ليوم عائشة. قالت: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري ".
قلت هكذا أورده مسلم، ولم يخرجه في كتابه إلا في هذا الموضع وحده، فيما
علمت بهذا الإسناد. وقد أخرجه البخاري في صحيحه متصلا من غير وجادة. وهو
ما أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن علي السعودي الأنصاري. أنا أبو عبد الله
محمد بن بركات السعيدي. أخبرتنا كريمة بنت أحمد / المروزية.
272

أنا أبو الهيثم الكشميهني، أنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربري. أنا
محمد بن إسماعيل البخاري. ثنا إسماعيل. ثنا سليمان عن هشام. ح.
قال: وحدثني محمد بن حرب، ثنا أبو مروان: يحيى بن أبي زكرياء
عن هشام، عن عروة عن عائشة قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ليتعذر في مرضه،
أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ استبطاءا ليوم عائشة، فلما كان يومي قبضه الله بين سحري
ونحري، ودفن في بيتي، صلى الله عليه وسلم اه‍.
وأخرجه أيضا عن عبيد بن إسماعيل الكوفي عن أبي أسامة، عن هشام،
273

عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هكذا مرسلا. إلا أنه قال في آخره قالت عائشة: فلما
كان يومي سكن. وهذا متصل، والله أعلم.
ويحيى بن أبي زكريا المذكور في هذا الإسناد هو الغساني شامي.
وربما اشتبه بيحيى بن زكريا، الكوفي، وهو ابن أبي زائدة لاشتراكهما في الرواية عن
هشام بن عروة. والأول يكنى أبا مروان وابن أبي زائدة يكنى أبا سعيد همداني.
وقوله في هذه الرواية التي أوردناها من طريق البخاري أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ليتعذر. قال الخطابي: معناه يتعسر ويتمنع وأنشد: ويوما على ظهر الكتيب
تعذرت. وأكثر الرواة يرويه ليتقدر، بالقاف من التقدير. وفي كتاب مسلم ليتفقد من
الافتقاد. كما أوردناه. وقولها: " بين سحري ونحري " والسحر بفتح السين
274

المهملة وضمها الرية. وقال بعضهم: هو ما بين ثدييها. والله أعلم.
ومن ذلك حديثان إسنادهما واحد، رواهما مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة
أيضا. قال أبو بكر في كل واحد منهما: وجدت في كتابي عن أبي أسامة. إلا أن
مسلما، رحمه الله، رواهما عن أبي كريب أيضا عن / أبي أسامة. فاتصلا من طريق أبي
كريب اه‍.
(38) - فأحد الحديثين أخرجه في الفضائل من حديث أبي أسامة عن هشام بن
عروة، عن أبيه عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبي... الحديث.
(39) - والآخر أخرجه في النكاح من حديث أبي أسامة أيضا، عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم، لست سنين، وبنى بي
275

وأنا بنت تسع سنين الحديث. وقد بينا أنهما متصلان في الكتاب من رواية أبي
كريب عن أبي أسامة من غير وجادة. وبالله التوفيق اه‍.
فصل
ووقع في الكتاب، أيضا أحاديث مرسلة. وفيها ما وقع الإرسال في بعضه
خاصة، فأحببت أن ألحقها بما تقدم لكونها داخلة في معناه لأن كل ما لم يتصل فهو
مقطوع في المعنى، إلا أن منها ما يوافق معناه التسمية المصطلح عليها، فيكون
اسمه ومعناه واحدا، ومنه ما يكون له تسمية أخرى، على أن جمهور المتقدمين من
علماء الرواية يسمون ما لم يتصل إسناده مرسلا، سواء كان مقطوعا أو معضلا، إلا
أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وإن كان معنى الجميع عدم الاتصال. والله عز وجل أعلم.
(40) - فمن الأحاديث المرسلة حديث يشتمل على ثلاثة أحاديث، اثنان
مرسلان والثالث متصل، أخرجه في كتاب البيوع، فقال فيه: وحدثني محمد بن
رافع. ثنا حجين، ثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن
المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة. والمزابنة أن يباع ثمر النخل
بالتمر والمحاقلة أن يباع / الزرع بالقمح، واستكراء الأرض بالقمح. قال وأخبرني
سالم بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " لا تبتاعوا الثمر حتى يبدو صلاحه.
ولا تبتاعوا الثمر بالتمر ".
وقال سالم: " أخبرني عبد الله عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه رخص
بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك ".
278

قلت: هكذا أورده مسلم - رحمه الله - في كتابه. فإن قيل: كيف اختار إخراج
المراسيل في صحيحه وليست من شرطه، ولا داخلة في رسمه؟ فالجواب أن مسلما
رحمه الله من عادته أن يورد الحديث كما سمعه. وكان هذا الحديث عنده عن
محمد بن رافع على هذه الصفة. فأورده كما سمعه منه. ولم يحتج بالمرسل الذي
فيه، وإنما احتج بما في آخره من المسند، وهو حديث سالم عن عبد الله، عن زيد بن
ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رخص بعد ذلك في بيع العرية... الحديث. فهذا القدر
الذي احتج به مسلم منه.
فإن قيل: فقد كان يمكنه أن يقتصر على هذا المسند خاصة، ويحذف ما فيه من
المرسل ولا يطول كتابه بما ليس من شرطه. قيل هذه مسألة اختلف العلماء فيها.
فمنهم من أجاز تقطيع الحديث الواحد وتفريقه في الأبواب إذا كان مشتملا على عدة
أحكام، كل حكم منها مستقل بنفسه غير مرتبط بغيره، كحديث جابر الطويل في
الحج ونحوه.
ومنهم من منع ذلك، واختار إيراد الحديث كاملا كما سمعه. والظاهر من
مذهب مسلم - رحمه الله - إيراد الحديث بكماله من غير تقطيع له ولا اختصار، إذا لم
يقل فيه مثل حديث فلان أو نحوه. والله عز وجل أعلم.
/ فإن قيل: فهل يسند هذان المرسلان من وجه يصح؟ قيل نعم، كلاهما مسند
متصل في الصحيح أما حديث سعيد بن المسيب، فقد أخرجه مسلم من حديث
سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
279

ومن حديث سعيد بن ميناء وأبي الزبير، كلاهما عن جابر عن
النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه أيضا هو والبخاري من حديث عطاء بن أبي رباح عن جابر بن
عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، فثبت اتصاله.
280

وأما حديث سالم، فقد أخرجه مسلم من حديث ابن عيينة عن الزهري عن
سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه. وأخرجه البخاري في صحيحه متصلا من الوجه
الذي أورده مسلم مرسلا، وهو ما أخبرنا الشيخ أبو علي ناصر بن عبد الله الفقيه
بالحرم الشريف تجاه الكعبة المعظمة.
أنا أبو الحسن علي بن حميد بن عمار المقرئ بمكة، شرفها الله. أنا أبو
مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي، أنا أبي، أنا عبد الله بن أحمد السرخسي،
وإبراهيم بن أحمد المستملي، ومحمد بن المكي الكشميهني. قالوا أنا
محمد بن يوسف الفربري، أنا محمد بن إسماعيل البخاري ح.
وأخبرنا عاليا أبو القاسم الخزرجي (واللفظ له). أنا محمد بن بركات
السعيدي، أخبرتنا كريمة. أنا أبو الهيثم الكشميهني أنا الفربري. أنا البخاري، ثنا
يحيى بن بكير. ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب. أخبرني سالم بن عبد الله عن
عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه ولا
تبيعوا الثمر بالتمر ".
قال سالم: " وأخبرني عبد الله عن زيد بن ثابت أن رسول / الله صلى الله عليه وسلم، رخص
بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غيره ".
282

(41) - حديث آخر: أخرج مسلم في كتاب الأضاحي حديث مالك عن
عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن واقد، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أكل
283

لحوم الضحايا بعد ثلاث اه‍. قلت: وهذا مرسل فإن عبد الله بن واقد تابعي.
يروي عن عبد الله بن عمر وغيره. وهو عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن
الخطاب، رضي الله عنهم ولم يحتج مسلم بهذا المرسل، إنما احتج بباقي
الحديث: وهو قول عبد الله بن أبي بكر بن حزم: فذكرت ذلك لعمرة، فقالت:
صدق. سمعت عائشة تقول: دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اذخروا ثلاثا... " الحديث.
وهذا مسند. ولا يخفى على من له أنس بعلم الرواية أن هذا المسند من هذا
الحديث هو الذي احتج به مسلم. وقد رواه القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي
بكر عن عمرة، عن عائشة به. لم يذكر فيه عبد الله بن واقد. وكذلك رواه يحيى
القطان عن مالك أيضا، وأخرجه أبو داود في سننه عن القعنبي كذلك. وأخرجه
النسائي أيضا في سننه عن عبيد الله بن سعيد - وهو أبو قدامة السرخسي - عن
يحيى وهو القطان، فيما علمت عن مالك كذلك اه‍.
284

وأما المرسل الذي في أوله، فإنه متصل في كتاب مسلم، من حديث ابن عمر
وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقولها: دف أهل أبيات، معناه ساروا سيرا رفيقا في
جماعة، والدف السير ليس بالسريع في جماعة.
285

وقولها: حضرة الأضحى / بإسكان الضاد أي وقته وحينه. وقد قيده بعضهم
بفتحها، والمعنى واحد. قاله القاضي أبو الفضل اليحصبي. والله أعلم.
(42) - حديث آخر: وأخرج في كتاب الصلاة، حديث مسعر عن
عمرو بن مرة، عن إبراهيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعبد الله بن مسعود: " اقرأ
286

علي " فقال: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟... الحديث. وقال في آخره: قال مسعر:
فحدثني معن عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه، عن ابن مسعود قال
النبي صلى الله عليه وسلم: " شهيدا عليهم ما دمت فيهم، أوما كنت فيهم " شك مسعر.
قلت: هكذا هو في كتاب مسلم، وهو حديث ليس بمتصل من هذا الوجه، إلا
ما في آخره من حديث مسعر عن معن فإنه مسند. وهذا القدر هو الذي احتج به
مسلم، وأما أوله فإن مسلما - رحمه الله - قد أخرجه قبل هذا الحديث متصلا من
حديث الأعمش عن إبراهيم، عن عبيدة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن
النبي صلى الله عليه وسلم، فثبت اتصاله، والحمد لله. وإبراهيم هذا هو ابن يزيد النخعي الفقيه، معدود في الطبقة الثانية من تابعي
287

أهل الكوفة رأى عائشة، وأدرك أنس بن مالك. رضي الله عنهما، والله ولي
التوفيق اه‍.
(43) - حديث [آخر]: وأخرج في كتاب الطهارة حديث أبي العلاء بن
الشخير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينسخ حديثه بعضه بعضا... الحديث. وأبو العلاء
هذا معدود في التابعين، من أهل البصرة، واسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير. روى
عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر، وعياض بن حمار، وغيرهم. وهو أخو
مطرف بن عبد الله بن الشخير. وهذا الكلام لا أعلم أحدا رواه عن أحد من
الصحابة. رضي الله عنهم، من وجه يصح.
وقد روي بمعناه، من حديث عبد الله بن الزبير بن العوام عن أبيه،
289

الزبير، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول القول ثم يلبث أحيانا ثم ينسخه
بقول آخر، كما ينسخ القرآن بعضه بعضا. قلت: وفي إسناده نظر، وليس من شرط
مسلم، والله أعلم اه‍.
(44) - حديث آخر: وأخرج في كتاب النكاح حديث مالك عن
290

عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر، عن أبيه أبي بكر بن
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين تزوج أم سلمة
291

وأصبحت عنده، قال لها: ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت عندك...
الحديث. وأورده أيضا من حديث سليمان بن بلال وأبي ضمرة أنس بن عياض،
كلاهما عن عبد الرحمن بن حميد عن عبد / الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن
عن أبيه مرسلا كذلك.
قلت: وهذا حديث انفرد به مسلم دون البخاري. وأخرجه في صحيحه متصلا
من وجه آخر، من حديث سفيان الثوري عن محمد بن أبي بكر بن حزم، عن
عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أردفه بحديث
مالك وغيره مرسلا، كما ذكرناه، وإنما أراد بذلك، والله أعلم، ليبين الاختلاف
الواقع في إسناده بين رواته، ويخرج من عهدته. وقد أورده البخاري رحمه الله، في
تاريخه، من حديث الثوري مسندا، كما أورده مسلم، ثم قال عقيبه: قال:
أنا إسماعيل. حدثني مالك، وذكر الإسناد الذي قدمناه عنه مرسلا. ثم قال: الصحيح
هذا، قلت: وقد حكى بعض العلماء عن الدارقطني أنه حكم بصحة حديث الثوري
الذي أسنده. ولو لم يكن كذلك لما أخرجه مسلم، والله عز وجل أعلم اه‍.
292

(45) - حديث آخر: وأخرج في مقدمة الكتاب حديث معاذ بن معاذ
294

وعبد الرحمن بن مهدي عن شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن
عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ".
قلت: وهذا مرسل، وكذلك رواه غندر وحفص بن عمر عن شعبة. إلا أن
مسلما رحمه الله أردفه بطريق آخر متصل من حديث علي بن حفص المدائني عن
شعبة، عن خبيب، عن حفص، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاتصل ذلك المرسل
من هذا الوجه الثاني. لكن رواية ابن مهدي، ومن تابعه على إرساله أرجح لأنهم
أحفظ وأثبت من المدائني الذي وصله. وإن كان قد وثقه يحيى بن معين. والزيادة
295

من الثقة مقبولة عند أهل العلم، ولهذا أورده / مسلم من الطريقين ليبين الاختلاف
الواقع في اتصاله. وقدم رواية من أرسله لأنهم أحفظ وأثبت كما بيناه. وقد سئل أبو
حاتم الرازي عن علي بن حفص هذا. فقال: يكتب حديثه، ولا يحتج به. ولهذا قال
أبو الحسن الدارقطني: الصواب في هذا الحديث المرسل والله عز وجل أعلم اه‍.
(46) - حديث آخر: وأخرج في كتاب الصلاة حديث ابن شهاب عن
عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة من الليالي بصلاة
العشاء، وهي التي يدعونها العتمة... الحديث.
297

وفي آخره قال ابن شهاب: وذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما كان لكم أن
تنزروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الصلاة. وذلك حين صاح عمر بن الخطاب رضي الله
عنه قلت: هكذا هو في كتاب مسلم. وقد أخرجه البخاري في صحيحه والنسائي في
سننه. فلم يذكرا هذه الزيادة التي في آخره من قول الزهري. ولا أعلم الآن من
أسندها من الرواة. والله عز وجل أعلم.
وقوله: تنزروا بفتح التاء باثنتين من فوقها، بعدها نون ساكنة ثم زاي
مضمومة. بعدها راء مهملة، معناه تلحوا، من نزره إذا ألح عليه. وقيده بعضهم
تبرزوا. بضم التاء المعجمة باثنتين من فوقها. والباء بواحدة بعدها، وتقديم الراء
المهملة على الزاي من الإبراز وهو الإخراج والإظهار، والأول أليق بالمعنى، والله
عز وجل أعلم.
(47) - ووقع في الكتاب موضع آخر نحو هذا أورده مسلم في أواخر الكتاب
298

من حديث شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة، عن أنس قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " إن
العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم... الحديث. وفي
آخره: قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا، ويملأ عليه خضرا
/ إلى يوم يبعثون.
قلت: وهذا حديث انفرد به مسلم من هذا الوجه دون البخاري، وأخرجه
النسائي في سننه من هذا الوجه، ولم يذكر هذه الزيادة. وقد أخرج البخاري هذا
الحديث من وجه آخر: عن قتادة عن أنس. فذكره أتم من حديث شيبان عن قتادة،
ولم يذكر فيه هذه الزيادة كلها. غير أنه قال فيه: قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في
قبره فقط. وأخرجه مسلم أيضا من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن أنس
مختصرا، ولم يذكر فيه هذه الزيادة أيضا. والله عز وجل أعلم.
ولا أعلم الآن من أسندها، وإنما أوردها مسلم جريا على عادته في ترك
الاختصار من الحديث، وإيراده إياه كاملا كما سمعه، والله عز وجل أعلم.
299

(48) - حديث آخر: وأخرج أيضا في كتاب الصلاة حديث قتيبة بن سعيد
300

عن الليث عن ابن عجلان عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى
والنعيم المقيم... الحديث. وفي آخره قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سمع إخواننا، أهل الأموال، بما فعلنا، ففعلوا مثله. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ".
قلت: هكذا أورده مسلم. وهو حديث بعضه مسند، وبعضه مرسل، والمرسل
منه قول أبي صالح: فرجع فقراء المهاجرين... إلى آخره. لأن أبا صالح لم يسنده.
وقد أخرج البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ولم يذكر فيه هذه
الزيادة من قول أبي صالح إلا أن مسلما - رحمه الله - قد أخرجه من وجه آخر عن أبي
صالح، وفيه هذه الزيادة متصلة مع سائر الحديث، فأخرجه من حديث روح / بن
301

عبادة عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال
في آخره بمثل حديث قتيبة عن الليث، إلا أنه أدرج في حديث أبي هريرة قول أبي
صالح: ثم رجع فقراء المهاجرين... إلى آخر الحديث انتهى كلام مسلم - رحمه الله
-. قلت: فقد اتصل ما في هذا الحديث من المرسل من هذا الوجه الآخر الذي
ذكرناه. والحمد لله.
وقوله: " أهل الدثور " يعني أهل الأموال الكثيرة، وواحد الدثور دثر. بفتح
الدال المهملة، وسكون الثاء المثلثة، وهو المال الكثير. ووقع في آخر هذا
الحديث أيضا زيادة أوردها مسلم غير متصلة وهي قوله، بعد انقضائه: " وزاد غير
قتيبة في هذا الحديث عن الليث عن ابن عجلان، قال سمي: فحدثت بعض أهلي
هذا الحديث. فقال: وهمت " وذكر باقي الحديث. وهذا غير متصل كما ترى.
(49) - ووقع أيضا: مثل ذلك في كتاب الجهاد في حديث أخرجه عن
302

شيبان بن فروخ، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الله بن
رباح، عن أبي هريرة. قال: وفدت وفود إلى معاوية، وساق الحديث إلى قوله
ورسول الله صلى الله عليه وسلم، في كتيبة. قال فنظر فرآني، فقال " أبو هريرة؟ قلت: لبيك يا
رسول الله! قال: " لا يأتيني إلا أنصاري ". قال مسلم: زاد غير شيبان: " اهتف لي
بالأنصار قال فأطافوا به ". وهذه الزيادة غير متصلة أيضا في الكتاب والله أعلم.
(50) - حديث آخر: وقع في آخره زيادة مرسلة. وهو حديث أخرجه في
الصلاة. من حديث مالك عن ابن شهاب، عن سعيد وأبي سلمة أنهما أخبراه عن
304

أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أمن الإمام فأمنوا... " الحديث. وفي آخره
قال ابن شهاب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: " آمين ". وهذا / مرسل. وقد
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول " آمين " من غير وجه خارج الصحيحين: أخرجه
أبو داود والترمذي في كتابيهما من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: حديث وائل بن حجر حديث حسن، وبالله التوفيق اه‍.
(51) - حديث آخر: وأخرج في كتاب الجهاد حديث ابن شهاب عن
306

أنس: قال: لما قدم المهاجرين من مكة المدينة، قدموا وليس بأيديهم شئ، وكان
الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمارهم،
كل عام. وساق الحديث إلى قوله: فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم أيمن مكانهن من
حائطه. قال ابن شهاب: وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد، أنها كانت
وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب. وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدما توفي أبوه، فكانت أم أيمن تحضنه، حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأعتقها ثم أنكحها زيد بن حارثة، ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخمسة
أشهر.
قلت: وهذه الزيادة من قول ابن شهاب متضمنة عتق النبي صلى الله عليه وسلم، لأم أيمن وغير
ذلك وهي مرسلة كما ترى. وقد أخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه، ولم
307

يذكر فيه هذه الزيادة. وهذا يدل على ما قدمناه من إيراد مسلم للحديث بتمامه من
غير اختصار له في الغالب. والله عز وجل أعلم اه‍.
(52) - وفي الكتاب: من مرسلات الزهري أيضا مواضع وقعت في
أحاديث نحو هذا. فمن ذلك ما وقع في حديث أخرجه في الصيام من حديث
عبد الرزاق عن / معمر عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقسم ألا يدخل على أزواجه
شهرا. فأخبرني عروة عن عائشة قالت: لما مضت تسع وعشرون ليلة أعدهن...
الحديث.
قلت: هكذا هو في كتاب مسلم. والمرسل الذي في أوله من قول الزهري قد
308

أخرجه مسلم متصلا من حديث عكرمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة عن
النبي صلى الله عليه وسلم. فثبت اتصاله والحمد لله اه‍.
(53) - ومن ذلك أيضا ما أخرجه في كتاب الصيام من حديث ابن شهاب
عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج عام الفتح في
رمضان، فصام حتى بلغ الكديد. وفي آخره قال ابن شهاب، فصبح
رسول الله صلى الله عليه وسلم، مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان اه‍.
310

(54) - ومن ذلك أيضا ما أخرجه في التوبة من حديث ابن وهب عن
311

يونس، عن ابن شهاب قال: ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم، غزوة تبوك، وهو يريد الروم
ونصارى العرب بالشام. ثم قال ابن شهاب: فأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن
كعب أن عبد الله بن كعب - وكان قائد كعب من بنيه حين عمي - قال سمعت
كعب بن مالك... وساق الحديث بطوله. في توبة كعب رضي الله عنه قلت:
وهذان الحديثان قد أخرجهما البخاري، ولم يورد ما فيهما من مرسل ابن شهاب.
ولا يخفي على من له أنس بعلم الرواية أن مسلما - رحمه الله - إنما احتج بما في هذه
الأحاديث، وما شاكلها من المسند، دون المرسل. وإنما أوردها بما فيها من المرسل
جريا على عادته في ترك الاختصار، والله عز وجل أعلم اه‍.
(55) - حديث آخر: وأخرج في كتاب الدعوات حديث أبي إسحاق
312

- وهو / السبيعي - عن عمرو بن ميمون قال: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك
له. له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير. عشر مرار كان كمن أعتق أربعة
أنفس من ولد إسماعيل، هكذا أخرجه مسلم في صحيحه. وكذلك هو في صحيح
البخاري أيضا. إلا أن مسلما، رحمه الله، أردفه بحديث الشعبي عن الربيع بن
خثيم بمثل ذلك. قال: فقلت للربيع ممن سمعته؟ قال: من عمرو بن
ميمون. فأتيت عمرو بن ميمون. فقلت له: ممن سمعته؟ قال: من ابن أبي ليلى.
فأتيت ابن أبي ليلى فقلت: ممن سمعته؟ قال: من أبي أيوب يحدثه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: فقد اتصل هذا الحديث في كتاب مسلم من طريق الشعبي عن ابن أبي
313

ليلى، عن أبي أيوب رضي الله عنه والحمد لله. وفي إسناد هذا الحديث اختلاف
كثير، ذكره البخاري والنسائي وقال البخاري: والصحيح قول عمرو - يعني ابن
ميمون - والله أعلم.
وعمرو بن ميمون هذا هو الأودي. يكنى أبا عبد الله. كان بالشام. ثم سكن
الكوفة بعد ذلك. فهو معدود في أهلها، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق إليه.
وليس له رواية عنه. وروى عن عمر بن الخطاب وابن مسعود ومعاذ وغيرهم
من الصحابة رضي الله عنهم وفي رجال الصحيحين عمرو بن ميمون رجل آخر غير
هذا، وهو دونه في الطبقة، جزري من أهل الرقة يروي عن سليمان بن يسار وغيره،
ويكنى أبا عبد الله أيضا. ولم يذكرهما الحافظ أبو علي الجياني في تقييده. وهما من
شرط كتابه. أخرج لهما البخاري ومسلم جميعا، ولهما نظير ثالث في التسمية
وهو عمرو بن ميمون المكي. حدث عن الزهري. روى عنه عنبسة بن سعيد.
ولم يخرجا له فيما علمت شيئا. والله ولي التوفيق اه‍.
314

(56) - حديث آخر، أخرج مسلم رحمه الله في كتاب الأشربة. باب في
الأطعمة حديث مالك عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن جده
عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه... الحديث ".
قال الدارقطني: لم يسمع أبو بكر بن عبيد الله هذا الحديث من جده
315

عبد الله بن عمر. إنما سمعه من عمه سالم عن أبيه. والله أعلم.
قلت: وقد تابع مالكا على روايته كذلك عبيد الله بن عمر وسفيان بن
عيينة، وفي إسناده اختلاف بين رواته، وقد أخرجه مسلم من حديث
الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري بنحوه. والله عز وجل
أعلم..
316

57 - حديث آخر: وأخرج في كتاب الوصايا حديث حماد بن زيد عن
319

أيوب، عن عمرو بن سعيد عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن ثلاثة من
ولد سعد. قالوا: مرض سعد بمكة / فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعوده... الحديث.
قلت: وهذا مرسل وليس في ولد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من له
صحبة ولا رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. قاله الدارقطني وغيره. وهذا الحديث وإن كان
مرسلا من هذا الوجه فإنه متصل في كتاب مسلم وغيره، من حديث عامر بن
سعد بن أبي وقاص عن أبيه. ومن حديث مصعب بن سعد أيضا عن أبيه.
وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي من حديث عائشة بنت سعد عن أبيها
أيضا كذلك. والطريق الذي ذكر الدارقطني أنها مرسلة إنما أوردها مسلم في
الشواهد، ومع ذلك فقد أخرجها في كتابه متصلة من وجه آخر من حديث
عبد الوهاب الثقفي عن أيوب بإسناده المتقدم. وقال فيها: عن ثلاثة من ولد سعد
كلهم يحدثه عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد يعوده بمكة... الحديث.
فثبت اتصاله في الكتاب من حديث أيوب بن أبي تميمة
320

أيضا. والحمد لله. وإنما أورده مسلم من الوجهين المذكورين عن أيوب لينبه
على الاختلاف عليه في إسناده. والله عز وجل أعلم. وبنو سعد بن أبي وقاص
رضي الله عنه سبعة فيما ذكر علي بن المديني، وهم: مصعب وعامر ومحمد
وإبراهيم وعمر ويحيى وعائشة. وذكر أبو زرعة الدمشقي أنهم ثمانية فعد هذه
السبعة وزاد: إسحاق بن سعد. والله أعلم اه‍.
فصل ووقع في الكتاب أيضا أحاديث فوق العشرة مروية بالمكاتبة لم يسمعها
الراوي لها ممن كاتبه بها، وإنما رواها / عن كتابه فقط فهي. مقطوعة من طريق
السماع، متصلة من طريق المكاتبة، وقد اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من منع
الرواية بالمكاتبة، ومنهم من أجاز ذلك بشرط، وهو أن يأذن الكاتب للمكتوب بها
إليه في روايتها عنه. وإلى هذا القول ذهب أبو حامد الغزالي ونص عليه في كتابه
المستصفى. وقال الإمام أبو المعالي الجويني في كتاب " النهاية ": كل حديث
نسب إلى كتاب ولم يذكر حامله فهو مرسل، والشافعي لا يرى التعلق بالمراسيل.
321

قلت: وذكر القاضي عياض أن الذي عليه الجمهور من أرباب النقل
وغيرهم جواز الرواية لأحاديث المكاتبة، ووجوب العمل بها، وأنها داخلة في
المسند، وذلك بعد ثبوت صحتها عند المكتوب إليه بها، ووثوقه بأنها عن كاتبها.
ولهذا أضربت عن إيرادها، وإنما نبهت عليها في الجملة لأجل الخلاف الواقع فيها.
ولأن أبا الحسن الدارقطني انتقد على البخاري ومسلم إخراجهما أحاديث منها.
على أن أكثر هذه الأحاديث المشار إليها إنما وقعت كذلك في الكتاب من بعض
طرقها دون بعض. والله الموفق.
58 - قلت: ويدخل في هذا الباب ما أخرجه مسلم، رحمه الله، في مواضع
من كتابه من حديث مخرمة بن بكير عن أبيه، فإنه لم يسمع من أبيه شيئا، إنما
323

روى عن كتب أبيه. وقد سئل أحمد بن حنبل، رحمه الله، عن مخرمة بن بكير هذا
فقال: هو ثقة، لم يسمع من أبيه شيئا، إنما روى من كتاب أبيه.
قلت: وقد انتقد / الدارقطني على مسلم إخراجه هذه الترجمة. والله أعلم اه‍.
324

ومع صحة المكاتبة وثبوتها عند الأكثر. فقد رجح جماعة من العلماء ما روى
بالسماع المتصل على ما روي بها. ووقع في مثل ذلك مناظرة بين الإمامين أبي
عبد الله محمد بن إدريس الشافعي وإسحاق بن راهويه، بحضرة الإمام أحمد بن
حنبل رحمة الله عليهم وهي ما أخبرنا الشيخان أبو محمد العثماني وأبو علي
منصور بن علي الصوفي الكاغذي. قراءة عليهما منفردين قالا: أخبرنا أحمد بن
محمد الحافظ، أخبرنا أبو الحسن بن عبد الجبار، قراءة عليه ببغداد، قيل له:
أخبركم أبو الحسن علي بن أحمد بن علي بقراءتك عليه؟ فأقر به. أخبرنا
أحمد بن إسحاق القاضي، أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد القاضي.
325

حدثنا زكرياء الساجي. حدثني جماعة من أصحابنا أن إسحاق بن راهويه
ناظر الشافعي - وأحمد بن حنبل حاضر - في جلود الميتة إذا دبغت، فقال
الشافعي: دباغها طهورها، فقال إسحاق: ما الدليل؟ فقال: حديث الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس عن ميمونة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، مر بشاة ميتة،
فقال: " هلا انتفعتم بجلدها؟ " فقال إسحاق: حديث ابن عكيم: كتب إلينا
326

النبي صلى الله عليه وسلم، قبل موته بشهر، " لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ". أشبه أن
يكون ناسخا لحديث ميمونة، لأنه قبل موته بشهر. فقال الشافعي: هذا كتاب، وذاك
سماع. فقال إسحاق: إن النبي صلى الله عليه وسلم، كتب إلى كسرى وقيصر. وكان حجة عليهم
عند الله. فسكت الشافعي. فلما سمع ذلك أحمد بن حنبل ذهب / إلى حديث ابن
عكيم وأفتى به. ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي فأفتى بحديث ميمونة اه‍.
سمعت شيخنا الإمام الحافظ أبا الحسن علي بن المفضل بن علي المقدسي
الفقيه، رضي الله عنه، يقول: سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا سهل
غانم بن أحمد بن محمد الحداد الأصبهاني ببغداد يقول: سمعت أبا بكر أحمد بن
327

الفضل بن محمد الباطرقاني الحافظ يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن
إسحاق بن منده الحافظ يقول: سمعت أبا علي الحسين بن علي النيسابوري.
وما رأيت أحفظ منه، قال: " ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن
الحجاج " اه‍.
أخبرنا أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، وأبو اليمن
زيد بن الحسن الكندي، البغداديان وغيرهما إجازة. قالوا أنا أبو منصور
عبد الرحمن بن محمد الشيباني، أنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت
الخطيب. أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، أنا محمد بن نعيم الضبي. ثنا أبو
الفضل محمد بن إبراهيم. قال سمعت أحمد بن سلمة يقول: " رأيت أبا زرعة
328

وأبا حاتم الرازيين يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ
عصرهما ".
قال الخطيب: وأخبرني ابن يعقوب. أخبرنا ابن نعيم. قال: سمعت
الحسين بن محمد الماسرجسي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت مسلم بن
الحجاج يقول: " صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاث مائة ألف حديث
مسموعة ".
آخره والحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد نبيه المصطفى
وعلى آله وعترته وأصحابه أجمعين.
/ بسم الله الرحمن الرحيم
59 - ومما ألحقه، سيدنا الحافظ رشيد الدين، أثابه الله الجنة، في أول الكتاب
وفي آخره، ما يأتي ذكره: قال حديث أخرجه مسلم، رحمه الله، في المناسك، من
رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: حضت بسرف
329

فطهرت بعرفة. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن
حجك وعمرتك.
قلت: وفي اتصال هذا الإسناد نظر، فإن جماعة من أئمة أهل النقل أنكروا
سماع مجاهد عن عائشة. منهم شعبة ويحيى القطان ويحيى بن معين وغيرهم.
وقال ابن أبي حاتم: " سمعت أبي يقول: مجاهد عن عائشة مرسل ".
والعذر لمسلم، رحمه الله، ما بيناه في غير موضع من هذا الكتاب، وهو
اعتبار التعاصر، وجواز السماع، وإمكانه ما لم يقم دليل بين على خلاف ذلك.
ولا خلاف في إدراك مجاهد بن جبر لعائشة ومعاصرته لها. ومع هذا فقد أخرج
مسلم معنى هذا الحديث. من رواية طاوس عن عائشة بإسناد لا أعلم خلافا في
330

اتصاله، وقدمه على حديث مجاهد هذا، والله عز وجل أعلم.
وقد أخرج البخاري ومسلم حديثا غير هذا لمجاهد عن عائشة، من رواية
منصور عن مجاهد: قال: " دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن
عمر جالس إلى حجرة عائشة، والناس يصلون الضحى... الحديث بكماله. وفيه:
وسمعنا استنان عائشة، فقال عروة: ألا تسمعين يا أم المؤمنين إلى ما يقول أبو عبد
/ الرحمن... الحديث؟ اه‍.
قلت: وفي ظاهر لفظ هذا الحديث ما يدل على سماع مجاهد من عائشة.
ولهذا أخرجه البخاري. ولو لم يكن عنده كذلك لما أخرجه لأنه يشترط اللقاء
وسماع الراوي ممن روى عنه مرة واحدة فصاعدا. والله أعلم.
331

وقد أخرج النسائي في سننه من رواية موسى الجهني عن مجاهد قال:
" أتى مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال. فقال: حدثتني عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان
يغتسل بمثل هذا ".
قلت: وهذا أيضا يدل على سماعه منها. والله عز وجل أعلم اه‍.
60 - وقال شيخنا، وفقه الله، حديث أخرجه مسلم، رحمه الله، في
الذبائح منفردا به من حديث شعبة عن أبي إسحاق - وهو السبيعي - قال: قال
البراء: أصبنا يوم خيبر حمرا، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن اكفؤوا القدور. قال
أبو مسعود الدمشقي الحافظ رحمه الله: " لهذا الحديث تعليل في مسند الحسن بن
سفيان، وهو أنه مرسل ".
332

قلت يعني أن أبا إسحاق لم يسمعه من البراء رضي الله عنه ولذلك قال فيه:
قال البراء فإن ثبت إرساله من هذا الوجه. فإنه متصل في كتاب مسلم - رحمه الله -
من رواية الشعبي وغيره عن البراء بنحوه - وبالله التوفيق.
(61) - حديث أورده مسلم في مقدمة كتابه تعليقا بغير إسناد، فقال فيه:
ويذكر عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن ننزل الناس
منازلهم ". وهذا الحديث رواه أبو هشام الرفاعي وغيره من الثقات عن يحيى بن
333

يمان، عن الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن
عائشة رضي / الله عنها، وأخرجه أبو داود في سننه من هذا الوجه، وإسناده جيد، إلا
أنه معلول، فإن ميمون بن أبي شبيب لم يسمع من عائشة، رضي الله عنها، قاله غير
واحد من العلماء. وقد نبه أبو داود على هذه العلة عقيب هذا الحديث، ولذلك لم
يذكر له مسلم إسنادا فيما أرى، وإن كان رجال إسناده كلهم من شرط كتابه، وإنما
أورده على وجه التعليق، والله عز وجل أعلم اه‍.
(62) - حديث وقع في أثنائه ألفاظ في اتصالها نظر. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان
من حديث ابن شهاب عن أنس بن مالك عن أبي ذر رضي الله عنهما في المعراج.
334

وفيه قال ابن شهاب: " وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري [كانا]
يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف
الأقلام ".
وابن حزم هذا هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني
قاضيها. يقال اسمه أبو بكر، وكنيته أبو محمد. ويقال اسمه كنيته ولا نعلم له سماعا
من أحد الصحابة رضي الله عنهم وإنما يروي عن أبيه وعمر بن عبد العزيز،
وعمرة بن عبد الرحمن وغيرهم من التابعين، وإن كان أبوه قد ولد في آخر حياة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، سنة تسع من الهجرة، وقيل سنة عشر، لكنه معدود في التابعين.
وأما رواية أبي بكر بن حزم عن أبي حبة الأنصاري البدري فغير متصلة بلا
شك، لأن أبا حبة قتل يوم أحد، وكانت غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة وأبو
بكر بن حزم توفي سنة عشرين ومائة، وهو ابن أربع وثمانين / سنة، فيما ذكر غير
335

واحد من العلماء، فيكون مولده على هذا سنة سبع وثلاثين من الهجرة، فلا يتصور
إدراكه له. وأما روايته عن ابن عباس فغير معروفة لكنها جائزة ممكنة، لإدراكه له،
لأن ابن عباس رضي الله عنهما توفي سنة ثمان وستين من الهجرة، وقيل سنة تسع
وستين. وقيل سنة سبعين، فإدراكه له معلوم غير مشكوك فيه، وسماعه منه جائز
ممكن وهذا محمول على الاتصال عند مسلم - رحمه الله - حتى يقوم دليل على أنه
لم يسمع منه، والله أعلم.
وأبو حبة البدري اسمه عامر، وقيل مالك. واختلف في ضبطه على ثلاثة
أقوال:
فقيل أبو حبة، بالباء بواحدة، وقيل بالنون، وقيل بالياء باثنتين من تحتها.
والصحيح الأول. ذكر ذلك ابن عبد البر في استيعابه بنحوه، وقيل في اسمه
غير ذلك، ولا خلاف أنه بالحاء المهملة. والله أعلم اه‍.
(63) - حديث [آخر]، أخرج مسلم، رحمه الله، في كتاب الصلاة،
حديث أبي الجوزاء الربعي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم،
336

يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين. الحديث. وأورده أبو
عمر بن عبد البر النمري الحافظ في تمهيده، في ترجمة العلاء بن
عبد الرحمن. وقال عقيبه ما هذا نصه: اسم أبي الجوزاء أوس بن عبد الله
الربعي، لم يسمع من عائشة، وحديثه عنها مرسل. وأورده أيضا في كتابه المسمى
بالإنصاف، وقال عقيبه: " رجال إسناد هذا الحديث ثقات كلهم لا يختلف في
337

ذلك، إلا أنهم يقولون: إن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة، وحديثه عنها
إرسال ".
قال شيخنا الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي، أسعده الله / وإدراك أبي
الجوزاء هذا لعائشة، رضي الله عنها، معلوم لا يختلف فيه. وسماعه منها جائز
ممكن لكونهما جميعا كانا في عصر واحد. وهذا ومثله محمول على السماع عند
مسلم، رحمه الله، كما نص عليه في مقدمة كتابه الصحيح، إلا أن تقوم دلالة بينة
على أن ذلك الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئا فحينئذ يكون
الحديث مرسلا. والله أعلم.
وقد روى البخاري في تاريخه عن مسدد عن جعفر بن
338

سليمان عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء قال: " أقمت مع ابن
عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة ليس من القرآن آية إلا سألتهم عنها. قال البخاري: في
إسناده نظر ".
قلت ومما يؤيد قول البخاري رضي الله عنه ما رواه محمد بن سعد كاتب
الواقدي، وكان ثقة، عن عارم، عن حماد بن زيد عن عمرو بن مالك، عن أبي
الجوزاء قال: " جاورت ابن عباس في داره اثنتي عشرة سنة ". فذكره، ولم يذكر
عائشة، وهذا أولى بالصواب، والله أعلم.
وقد روى أبو الجوزاء هذا عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة. وقتل في
339

الجماجم سنة ثلاث وثمانين من الهجرة. ولم يخرج البخاري له عن عائشة شيئا،
وبالله التوفيق.
وقد روى هذا الحديث - أعني حديث أبي الجوزاء - إبراهيم بن طهمان
الهروي. وهو من الثقات الذين اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديثهم في
الصحيحين عن بديل العقيلي عن أبي الجوزاء. قال: أرسلت رسولا إلى عائشة
رضي الله عنها أسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يفتتح الصلاة بالتكبير
الحديث.
أخبرنا أبو اليمن الكندي، بقراءتي عليه بدمشق. أخبرنا القاضي أبو بكر /
محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري ببغداد. أخبرنا أبو محمد الحسن بن
علي الجوهري. أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن علي الصيرفي. أخبرنا
جعفر بن محمد الفريابي. حدثنا مزاحم بن سعيد. أخبرنا عبد الله بن المبارك.
حدثنا إبراهيم بن طهمان. حدثنا بديل العقيلي عن أبي الجوزاء. قال: أرسلت
340

رسولا إلى عائشة، رضي الله عنها، أسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث.
وهذا الحديث مخرج في كتاب الصلاة لأبي بكر جعفر بن محمد بن الحسين
الفريابي. وهو إمام من أئمة أهل النقل. ثقة مشهور وإسناده إسناد جيد، لا أعلم في
أحد من رجاله طعنا. وقول أبي الجوزاء فيه: أرسلت إلى عائشة يؤيد ما ذكر ابن
عبد البر. والله أعلم اه‍.
(64) - قال: شيخنا الحافظ وفقه الله: عبدة بن أبي لبابة. روى عن
عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. أنه كان يجهر بهؤلاء الكلمات: سبحانك اللهم..
341

الحديث. وأورده مسلم في أول حديث رواه أبو عمرو الأوزاعي عن قتادة، عن
أنس. قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم... الحديث. وفي رواية عبدة عن عمر
رضي الله عنه نظر. والصحيح أنه مرسل. وإنما احتج مسلم بحديث قتادة عن أنس،
والله أعلم اه‍.
هذا آخر الأحاديث الملحقة في هذا الكتاب. والحمد لله وحده. وصلواته
على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
حسبنا الله ونعم الوكيل.
342